الكتاب: شرح اللمعة
المؤلف: الشهيد الثاني
الجزء: ٦
الوفاة: ٩٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: إشراف : السيد محمد كلانتر
الطبعة: الأولى
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات جامعة النجف الدينية
ردمك:
ملاحظات: منشورات مكتبة الداوري - قم / مطبعة أمير - قم / الطبعة الأولى ١٤١٠ (نسخة أفست)

الروضة البهية
في شرح
اللمعة الدمشقية
1

نام كتاب: اللمعة الدمشقية 1 - 10
مؤلف: شهيد أول
ناشر: انتشارات داورى - قم
چاپ: چاپخانه أمير
نوبت چاپ: چاپ أول
تيراژ: 2000 دوره
تاريخ انتشار: 1410 ه‍ ق
2

منشورات
جامعة النجف الدينية (14)
اللمعة الدمشقية
للشهيد السعيد: محمد بن جمال الدين مكي العاملي
(الشهيد الأول)
قدس سره
734 - 786
الجزء السادس
3

تم الكتاب تصحيحا وتعليقا
بإشراف من:
السيد محمد كلانتر
الطبعة الأولى
4

الروضة البهية
في شرح
اللمعة الدمشقية
للشهيد السعيد: زين الدين الجبعي العاملي
(الشهيد الثاني)
قدس سره
911 - 965
5

حقوق طبع هذا الكتاب الشريف
المزدان بهذه التعاليق
والتصحيحات والأشكال محفوظة ل‍
(جامعة النجف الدينية)
6

الإهداء
إن كان الناس يتقربون إلى الأكابر بتقديم مجهوداتهم فليس لنا
أن نتقرب إلى أحد سوى سيدنا ومولانا إمام زماننا وحجة عصرنا
(الإمام المنتظر) عجل الله تعالى فرجه.
فإليك يا حافظ الشريعة بألطافك الخفية، وإليك يا صاحب
الأمر وناموس الحقيقة أقدم مجهودي المتواضع في سبيل إعلاء كلمة
الدين وشريعة جدك المصطفى وبقية آثار آبائك الأنجبين، دينا قيما
لا عوج فيه ولا أمتا.
ورجائي القبول والشفاعة في يوم لا ترجى إلا شفاعتكم أهل
البيت. عبد الراجي
7

(عند الصباح يحمد القوم السرى)
كان أملي وطيدا بالفوز فيما أقدمت عليه من مشروع في سبيل الهدف
الأقصى للدراسات الدينية (الفقه الإسلامي الشامل).
فأردت الخدمة بهذا الصدد لأزيل بعض مشاكل الدراسة والآن وقد حقق الله
عز وجل تلك الأمنية بإخراج الجزء الأول من هذا الكتاب الضخم إلى الأسواق.
فرأيت النجاح الباهر نصب عيني: انهالت الطلبة على اقتناءه بكل
ولع واشتياق.
فله الشكر على ما أنعم والحمد على ما وفق.
بيد أن الأوضاع الراهنة، وما اكتسبته الأيام من مشاكل إنجازات
العمل وفق المراد أحرجتني بعض الشئ. فإن الطبعة بتلك الصورة المنقحة
المزدانة بأشكال توضيحية، وفي أسلوب شيق كلفتني فوق ما كنت
أتصوره من حساب وأرقام مما جعلتني أئن تحت عبئه الثقيل، ولا
من مؤازر أو مساعد.
فرأيت نفسي بين أمرين: الترك حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا،
أو الإقدام المجهد مهما كلف الأمر من صعوبات.
فاخترت الطريق الثاني واحتملت صعوباته في سبيل الدين، والإشادة
بشريعة (سيد المرسلين)، وإحياء آثار (أئمة الهدى المعصومين)
صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
فاتبعت بعون الله عز وجل (الجزء الخامس) (بالجزء السادس) بعزم
قوي، ونفس آمنة.
وكل اعتمادي على الله سبحانه وتعالى وتوسلي إلى صاحب الشريعة
الغراء وأهل بيته الأطهار عليهم صلوات الملك العلام.
ولا سيما ونحن في جوار سيدنا الكريم مولى الكونين (أمير المؤمنين)
عليه الصلاة والسلام.
فبك يا مولاي أستشفع إلى ربي ليسهل لنا العقبات ويؤمن علينا
التبعات إنه ولي ذلك والقادر عليه. السيد محمد كلانتر
8

كتاب الطلاق
9

كتاب الطلاق (1)
(الطلاق) وهو إزالة قيد النكاح بغير عوض (2) بصيغة " طالق " (3)
(وفيه فصول).
الفصل الأول
(في أركانه وهي) أربعة (الصيغة، والمطلق، والمطلقة، والإشهاد)
على الصيغة، (واللفظ الصريح) من الصيغة (أنت، أو هذه، أو فلانة)
ويذكر اسمها، أو ما يفيد التعيين، (أو زوجتي مثلا طالق). وينحصر
عندنا في هذه اللفظة (فلا يكفي أنت طلاق) وإن صح إطلاق المصدر
على اسم الفاعل وقصده فصار بمعنى طالق وقوفا على موضع النص (4)،
والإجماع، واستصحابا للزوجية، ولأن المصادر إنما تستعمل في غير موضوعها
مجازا وإن كان في اسم الفاعل شهيرا. وهو غير كاف في استعمالها في مثل
الطلاق.
11

ولا من المطلقات (1)، (ولا مطلقة (2)، ولا طلقت فلانة
على قول مشهور) لأنه ليس بصريح فيه، ولأنه إخبار، ونقله (3)
إلى الإنشاء على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق وهو صيغ
العقود فاطراده (4) في الطلاق قياس، والنص (5) دل فيه (6) على طالق،
ولم يدل على غيره (7) فيقتصر عليه (8)، ومنه يظهر جواب ما احتج به
القائل بالوقوع وهو الشيخ في أحد قوليه استنادا إلى كون صيغة الماضي
في غيره (9) منقولة إلى الإنشاء ونسبة المصنف البطلان إلى القول مشعر
بميله إلى الصحة.
(ولا عبرة) عندنا (بالسراح والفراق (10)) وإن عبر عن الطلاق
بهما في القرآن الكريم بقوله: " أو تسريح بإحسان، أو فارقوهن
12

بمعروف "، لأنهما عند الإطلاق لا يطلقان عليه (1) فكانا كناية عنه،
لا صراحة فيهما. والتعبير بهما لا يدل على جواز إيقاعه بهما.
(و) كذا (الخلية والبرية (2)) وغيرهما من الكنايات كالبتة،
والبتلة (3)، وحرام، وبائن، واعتدي (وإن قصد الطلاق) لأصالة
بقاء النكاح إلى أن يثبت شرعا ما يزيله.
(وطلاق الأخرس بالإشارة) المفهمة له، (وإلقاء القناع) على رأسها
ليكون قرينة على وجوب سترها منه والموجود في كلام الأصحاب الإشارة
خاصة (4)، وفي الرواية (5) إلقاء القناع فجمع المصنف بينهما (6).
وهو أقوى دلالة.
والظاهر أن إلقاء القناع من جملة الإشارات ويكفي منها ما دل
على قصده الطلاق كما يقع غيره من العقود، والإيقاعات، والدعاوي،
والأقارير.
13

(ولا يقع) الطلاق (بالكتب) بفتح الكاف مصدر كتب
كالكتابة (1) من دون تلفظ ممن يحسنه (حاضرا) كان الكاتب،
(أو غائبا) على أشهر القولين، لأصالة بقاء النكاح، ولحسنة (2) محمد
ابن مسلم عن الباقر عليه السلام " إنما الطلاق أن يقول: أنت طالق "
الخبر، وحسنة (3) زرارة عنه عليه السلام في رجل كتب بطلاق امرأته
قال: " ليس ذلك بطلاق ".
وللشيخ قول بوقوعه به للغائب، دون الحاضر، لصحيحة (4)
أبي حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام " في الغائب لا يكون طلاق حتى
ينطق به لسانه، أو يخطه بيده وهو يريد به الطلاق ". وحمل (5)
على حالة الاضطرار جمعا (6).
14

ثم على تقدير وقوعه (1) للضرورة، أو مطلقا (2) على وجه (3)
يعتبر رؤية الشاهدين لكتابته حالتها (4)، لأن ذلك (5) بمنزلة النطق
بالطلاق فلا يتم إلا بالشاهدين، وكذا يعتبر رؤيتهما (6) إشارة العاجز،
(ولا بالتخيير) للزوجة بين الطلاق والبقاء، بقصد الطلاق (وإن اختارت
نفسها في الحال) على أصح القولين: لما مر (7)، وقول الصادق
عليه السلام " ما للناس والخيار إنما هذا شئ خص الله به رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم (8) " وذهب ابن الجنيد إلى وقوعه به (9)
لصحيحة (10) حمران عن الباقر عليه السلام " المخيرة تبين من ساعتها من غير
15

طلاق " وحملت على تخييرها بسبب (1) غير الطلاق كتدليس، وعيب
جمعا (2).
(ولا معلقا على شرط (3)) وهو ما أمكن وقوعه، وعدمه (4)
كقدوم المسافر، ودخولها الدار، (أو صفة (5)) وهو ما قطع بحصوله
عادة كطلوع الشمس وزوالها. وهو موضع وفاق منا (6)، إلا أن يكون
الشرط معلوم الوقوع له حال الصيغة كما لو قال: أنت طالق إن كان
الطلاق يقع بك، وهو يعلم وقوعه على الأقوى، لأنه حينئذ (7) غير معلق،
ومن الشرط تعليقه على مشيئة الله تعالى (8).
16

(ولو فسر الطلقة بأزيد من الواحدة) كقوله: أنت طالق ثلاثا
(لغا التفسير) ووقع واحدة، لوجود المقتضي وهو أنت طالق، وانتفاء
المانع، إذ ليس إلا الضميمة (1) وهي تؤكده (2) ولا تنافيه،
ولصحيحة (3) جميل، وغيرها (4) في الذي يطلق في مجلس ثلاثا. قال:
هي واحدة.
وقيل: يبطل الجميع، لأنه بدعة لقول الصادق عليه السلام:
" من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشئ، من خالف كتاب الله رد
إلى كتاب الله (5)، وحمل (6) على إرادة عدم وقوع الثلاث التي أرادها
(ويعتبر في المطلق البلوغ) فلا يصح طلاق الصبي وإن أذن له
الولي، أو بلغ عشرا على أصح القولين (والعقل) فلا يصح طلاق
المجنون المطبق مطلقا (7)، ولا غيره (8) حال جنونه (ويطلق الولي)
وهو الأب والجد له مع اتصال جنونه بصغره، والحاكم عند عدمهما،
17

أو مع عدمه (1) (عن المجنون) المطبق مع المصلحة (لا عن الصبي)،
لأن له أمدا يرتقب ويزول نقصه فيه (2)، وكذا (3) المجنون ذو الأدوار
ولو بلغ الصبي فاسد العقل طلق عنه الولي حينئذ، وأطلق جماعة
من الأصحاب جواز طلاق الولي عن المجنون من غير فرق بين المطبق،
وغيره (4)، وفي بعض الأخبار (5) دلالة عليه. والتفصيل (6)
متوجه، وبه (7) قطع في القواعد.
واعلم أن الأخبار (8) غير صريحة في جوازه (9) من وليه، ولكن
فخر المحققين ادعى الإجماع على جوازه فكان (10) أقوى في حجيته منها.
والعجب أن الشيخ في الخلاف ادعى الإجماع على عدمه (11).
18

(و) كذا (لا) يطلق الولي (عن السكران)، وكذا المغمى
عليه، وشارب المرقد (1) كالنائم، لأن عذرهم متوقع الزوال (والاختيار
فلا يقع طلاق المكره) كما لا يقع شئ من تصرفاته عدا ما استثني (2)
ويتحقق الإكراه بتوعده بما يكون مضرا به في نفسه، أو من يجري
مجراه (3) بحسب (4) حاله مع قدرة المتوعد على فعل ما توعد به،
19

والعلم، أو الظن (1) أنه يفعله به لو لم يفعل.
ولا فرق بين كون المتوعد به قتلا، وجرحا، وأخذ مال وإن قل،
وشتما، وضربا، وحبسا ويستوي في الثلاثة الأول (2) جميع الناس.
أما الثلاثة الأخيرة فتختلف باختلاف الناس فقد يؤثر قليلها في الوجيه
الذي ينقصه ذلك (3)، وقد يحتمل بعض الناس شيئا منها لا يؤثر
في قدره (4)، والمرجع في ذلك (5) إلى العرف، ولو خيره المكره
بين الطلاق، ودفع مال غير مستحق فهو إكراه، بخلاف ما لو خيره
20

بينه (1)، وبين فعل يستحقه الآمر من مال، وغيره (2)، وإن حتم
أحدهما (3) عليه. كما لا إكراه لو ألزمه بالطلاق ففعله قاصدا إليه،
أو على طلاق معينة فطلق غيرها، أو على طلقة فطلق أزيد.
ولو أكرهه على طلاق إحدى الزوجتين فطلق معينة فالأقوى أنه
إكراه. إذ لا يتحقق فعل مقتضى أمره بدون إحديهما، وكذا (4) القول
في غيره من العقود والإيقاع، ولا يشترط التورية بأن ينوي غيرها (5)
وإن أمكنت (6).
(والقصد (7)، فلا عبرة بعبارة الساهي، والنائم، والغالط (8)).
والفرق بين الأول والأخير: أن الأول لا قصد له مطلقا (9)
والثاني (10) له قصد إلى غير من طلقها فغلط وتلفظ بها.
21

ومثله (1) ما لو ظن زوجته أجنبية بأن كانت في ظلمة (2)،
أو أنكحها له وليه، أو وكيله ولم يعلم (3)، ويصدق في ظنه ظاهرا (4)
وفي عدم القصد لو ادعاه (5) ما لم تخرج العدة الرجعية (6)، ولا يقبل
في غيرها (7)،
22

إلا مع اتصال الدعوى بالصيغة (1)، وأطلق جماعة من الأصحاب قبول
قوله في العدة من غير تفصيل (2).
(ويجوز توكيل (3) الزوجة في طلاق نفسها، وغيرها (4))
كما يجوز توليها (5) غيره من العقود، لأنها كاملة فلا وجه لسلب عبارتها
فيه (6)، ولا يقدح كونها بمنزلة موجبة وقابلة (7) على تقدير طلاق
نفسها، لأن المغايرة الاعتبارية كافية (8). وهو (9) مما يقبل النيابة
23

فلا خصوصية للنائب، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " الطلاق بيد
من أخذ بالساق (1) " لا ينافيه، لأن يدها مستفادة من يده (2)،
مع أن دلالته (3) على الحصر ضعيفة (4).
(ويعتبر في المطلقة الزوجية) فلا يقع بالأجنبية وإن علقه
24

على النكاح (1)، ولا بالأمة (2)، (والدوام) فلا يقع بالمتمتع بها،
(والطهر من الحيض، والنفاس إذا كانت المطلقة مدخولا بها حائلا (3)
حاضرا زوجها معها (4)) فلو اختلت أحد الشروط الثلاثة (5) بأن كانت
25

غير مدخول بها، أو حاملا إن قلنا بجواز حيضها (1)، أو زوجها
غائب عنها صح طلاقها وإن كانت حائضا، أو نفساء، لكن ليس
مطلق الغيبة كافيا في صحة طلاقها، بل الغيبة على وجه مخصوص (2).
وقد اختلف في حد الغيبة المجوزة له (3) على أقوال أجودها مضي
مدة يعلم أو يظن انتقالها من الطهر الذي واقعها فيه إلى غيره. ويختلف
ذلك (4) باختلاف عادتها فمن ثم (5) اختلف الأخبار في تقديرها،
واختلف بسببها (6) الأقوال، فإذا حصل الظن بذلك (7) جاز طلاقها
26

وإن اتفق كونها حائضا حال الطلاق إذا لم يعلم (1) بحيضها حينئذ (2)
ولو بخبر من يعتمد على خبره شرعا، وإلا (3) بطل وفي حكم علمه
بحيضها علمه بكونها في طهر المواقعة (4) على الأقوى.
وفي المسألة (5) بحث عريض قد حققناه في رسالة مفردة من أراد
تحقيق الحال فليقف عليها.
وفي حكم الغائب من لا يمكنه معرفة حالها لحبس ونحوه (6)
مع حضوره، كما أن الغائب الذي يمكنه معرفة حالها، أو قبل انقضاء
المدة المعتبرة، في حكم (7) الحاضر.
ويتحقق ظن انقضاء نفاسها بمضي زمان تلد فيه عادة وأكثر (8)
النفاس بعدها، أو عادتها (9) فيه.
27

ولو لم يعلم ذلك (1) كله ولم يظنه تربص ثلاثة أشهر كالمسترابة.
(والتعيين (2)) أي تعيين المطلقة لفظا، أو نية، فلو طلق إحدى
زوجتيه لا بعينها بطل (على الأقوى) لأصالة بقاء النكاح فلا يزول
إلا بسبب محقق السبيبة (3)، ولأن (4) الطلاق أمر معين فلا بد له من محل
معين، وحيث لا محل فلا طلاق، ولأن (5) الأحكام من قبيل الأعراض
فلا بد لها من محل تقوم به (6)، ولأن (7) توابع الطلاق من العدة وغيرها
لا بد لها من محل معين.
وقيل: لا يشترط وتستخرج المطلقة بالقرعة (8) أو يعين من شاء،
لعموم مشروعية الطلاق، ومحل المبهم جاز أن يكون مبهما، ولأن إحديهما
زوجة وكل زوجة يصح طلاقها، وقواه المصنف في الشرح، ويتفرع
على ذلك (9) العدة.
28

فقيل: ابتداؤها من حين الإيقاع (1).
وقيل: من حين التعيين (2)، ويتفرع عليه (3) أيضا فروع
كثيرة ليس هذا موضع ذكرها.
29

الفصل الثاني
(في أقسامه) وهو ينقسم أربعة أقسام (وهي) ما عدا المباح
وهو (1) متساوي الطرفين من الأحكام (2) الخمسة فإنه (3) لا يكون
كذلك بل إما راجح (4)، أو مرجوح (5) مع المنع من النقيض (6)
وتعينه (7) أم لا (8)، وتفصيلها (9) أنه: (إما حرام وهو طلاق
30

الحائض، لا مع المصحح له) وهو أحد الأمور الثلاثة السابقة أعني عدم
الدخول أول الحمل، أو الغيبة، (و) كذا (النفساء، وفي طهر جامعها
فيه) وهي غير صغيرة، ولا يائسة، ولا حامل مع علمه بحالها (1)
أو مطلقا (2) نظرا (3) إلى أنه لا يستثنى للغائب إلا كونها حائضا عملا
بظاهر النص (4).
(والثلاث (5) من غير رجعة) والتحريم هنا يرجع إلى المجموع
من حيث هو مجموع وذلك لا ينافي تحليل بعض أفراده وهو الطلقة
الأولى (6) إذ لا منع منها إذا اجتمعت الشرائط.
(وكله) أي الطلاق المحرم بجميع أقسامه (لا يقع) بل يبطل
31

(لكن يقع في) الطلقات (الثلاث) من غير رجعة (واحدة) وهي
الأولى، أو الثانية على تقدير وقوع خلل في الأولى، أو الثالثة على تقدير
فساد الأوليين.
(وإما مكروه، وهو الطلاق مع التئام الأخلاق) أي أخلاق
الزوجين فإنه ما من شئ مما أحله الله تعالى أبغض إليه من الطلاق. وذلك
حيث لا موجب له.
(وإما واجب، وهو طلاق المولي (1)، والمظاهر (2)) فإنه يجب
عليه (3) أحد الأمرين الفئة، أو الطلاق كما سيأتي، فكل واحد منهما (4)
يوصف بالوجوب التخييري (5)، وهو (6) واجب بقول مطلق.
(وإما سنة (7)، وهو الطلاق مع الشقاق (8)) بينهما، (وعدم
رجاء الاجتماع) والوفاق (9)، (والخوف من الوقوع في المعصية (10))
32

يمكن أن يكون هذا (1) من تتمة شرائط سنته على تقدير الشقاق، ويمكن
كونه فراد برأسه (2). وهو الأظهر، فإن خوف الوقوع في المعصية
قد يجامع اتفاقهما فيسن تخلصا من الخوف المذكور (3) إن لم يجب
كما وجب النكاح له (4).
(ويطلق الطلاق السني) المنسوب إلى السنة (على كل طلاق جائز
شرعا). والمراد به (5) الجائز بالمعنى الأعم (وهو (6) ما قابل الحرام)
ويقال له (7): طلاق السنة بالمعنى الأعم.
ويقابله البدعي (8) وهو
33

الحرام، ويطلق السني على معنى أخص من الأول وهو أن يطلق
على الشرائط (1)، ثم يتركها حتى تخرج من العدة ويعقد عليها ثانيا
ويقال له: طلاق السنة بالمعنى الأخص، وسيأتي ما يختلف من حكمهما (2)
(وهو) أي الطلاق السني بالمعنى الأعم (3) (ثلاثة) أقسام: (بائن)
لا يمكن للمطلق الرجوع فيه ابتداء (4) (وهو ستة: طلاق غير المدخول
بها) دخولا يوجب الغسل في قبل، أو دبر (5). (واليائسة.)
من الحيض. ومثلها لا يحيض (6) (والصغيرة.) إذ لا عدة لهذه الثلاث
ولا رجوع إلا في عدة (و) طلاق (المختلعة. والمباراة (7). ما لم ترجعا
في البذل) فإذا رجعتا صار رجعيا (والمطلقة ثالثة) ثلاثة (8) (بعد
34

رجعتين) كل واحدة عقيب طلقة إن كانت حرة، وثانية بينها وبين الأولى
رجعة إن كانت أمة.
(ورجعي. وهو ما للمطلق فيه الرجعة)، سواء (رجع أو لا)
فالطلاق الرجعي (1) عليه بسبب جوازها فيه كإطلاق الكاتب على مطلق
الإنسان من حيث صلاحيته لها (2).
(و) الثالث (طلاق العدة، وهو أن يطلق على الشرائط ثم يرجع
في العدة ويطأ، ثم يطلق في طهر آخر (3)) وإطلاق العدي عليه
من حيث الرجوع فيه (4) في العدة وجعله قسيما للأولين (5) يقتضي
مغايرته لهما مع أنه أخص من الثاني (6) فإنه من جملة أفراده، بل أظهرها
حيث رجع في العدة، فلو جعله (7) قسمين ثم قسم الرجعي إليه (8)
وإلى غيره كان أجود.
35

(وهذه) أعني المطلقة للعدة (تحرم في التاسعة أبدا) إذا كانت
حرة، وقد تقدم (1) أنها تحرم في كل ثالثة حتى تنكح زوجا غيره،
وأن المعتبر طلاقها للعدة مرتين من كل ثلاثة، لأن الثالث لا يكون عديا
حيث لا رجوع فيها فيه (2) (وما عداه (3)) من أقسام الطلاق الصحيح
وهو ما إذا رجع فيها وتجرد عن الوطء، أو بعدها بعقد جديد وإن وطئ
(تحرم) المطلقة (في كل ثالثة للحرة، وفي كل ثانية للأمة).
وفي إلحاق طلاق المختلعة إذا رجع في العدة بعد رجوعها في البذل
والمعقود عليها (4) في العدة الرجعية به (5) قولان: منشؤهما. من أن
الأول (6) من أقسام البائن والعدي من أقسام الرجعي، وأن شرطه (7)
الرجوع في العدة والعقد الجديد لا يعد رجوعا. ومن (8) أن رجوعها
36

في البذل صيره رجعيا (1). وأن (2) العقد في الرجعي بمعنى الرجعة.
والأقوى إلحاق الأول (3) به، دون الثاني (4) لاختلال (5) الشرط
ومنع (6) إلحاق المساوي بمثله (والأفضل في الطلاق أن يطلق على الشرائط)
المعتبرة في صحته، (ثم يتركها حتى تخرج من العدة، ثم يتزوجها إن شاء.
وعلى هذا (7)).
وهذا (8) هو طلاق السنة بالمعنى الأخص، ولا تحرم المطلقة به (9)
مؤبدا أبدا. وإنما كان أفضل، للأخبار (10) الدالة عليه، وإنما يكون
37

أفضل حيث تشترك أفراده في أصل الأفضلية (1) وجوبا، أو ندبا (2)،
لاقتضاء أفعل التفضيل الاشتراك في أصل المصدر، وما يكون مكروها،
أو حراما لا فضيلة فيه.
(وقد قال بعض الأصحاب) وهو عبد الله بن بكير: (إن هذا
الطلاق لا يحتاج إلى محلل بعد الثلاث)، بل استيفاء العدة الثالثة يهدم
التحريم استنادا إلى رواية (3) أسندها إلى زرارة قال: سمعت أبا جعفر
عليه السلام يقول: " الطلاق الذي يحبه الله تعالى والذي يطلق الفقيه وهو
العدل بين المرأة والرجل أن يطلقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين
وإرادة من القلب، ثم يتركها حتى تمضي ثلاثة قروء فإذا رأت الدم
في أول قطرة من الثالثة وهو آخر القرء، لأن الأقراء هي الأطهار فقد
بانت منه وهي أملك بنفسها فإن شاءت تزوجته وحلت له، فإن فعل هذا
بها مئة مرة (4) هدم ما قبله وحلت بلا زوج " الحديث.
وإنما كان ذلك (5) قول عبد الله، لأنه قال حين سئل عنه: هذا
مما رزق الله من الرأي. ومع ذلك (6) رواه بسند صحيح وقد قال الشيخ:
38

إن العصابة (1) أجمعت على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير،
وأقروا له بالفقه والثقة.
وفيه (2) نظر، لأنه فطحي (3) المذهب، ولو كان ما رواه حقا
لما جعله (4) رأيا له، ومع ذلك (5) فقد اختلف سند الرواية عنه فتارة
أسندها إلى رفاعة، وأخرى إلى زرارة، ومع ذلك نسبه (6) إلى نفسه.
والعجب من الشيخ - مع دعواه الإجماع المذكور (7) - أنه قال: إن إسناده
إلى زرارة وقع نصرة لمذهبه الذي أفتى به لما رأى أن أصحابه لا يقبلون
ما يقوله برأيه. قال (8): وقد وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب
الحق (9) إلى الفطحية ما هو معروف. والغلط في ذلك (10) أعظم من الغلط
في إسناد فتيا يعتقد صحته لشبهة دخلت عليه إلى بعض أصحاب الأئمة
39

عليهم السلام (والأصح احتياجه إليه) أي إلى المحلل، للأخبار (1)
الصحيحة الدالة عليه، وعموم القرآن الكريم (2)، بل لا يكاد يتحقق
في ذلك (3) خلاف، لأنه لم يذهب إلى القول الأول (4) أحد من الأصحاب
على ما ذكره جماعة، وعبد الله بن بكير ليس من أصحابنا الإمامية، ونسبة
المصنف له إلى أصحابنا التفاتا منه إلى أنه من الشيعة في الجملة، بل من فقهائهم
على ما نقلناه عن الشيخ (5) وإن لم يكن إماميا. ولقد كان ترك حكاية
قوله في هذا المختصر أولى.
(ويجوز طلاق الحامل أزيد من مرة) مطلقا (6) على الأقوى
(ويكون طلاق عدة إن وطئ) بعد الرجعة ثم طلق، وإلا يطأ بعدها (7)
(فسنة بمعناه الأعم). وأما طلاق السنة بالمعنى الأخص فلا يقع بها (8)
لأنه مشروط بانقضاء العدة، ثم تزويجها ثانيا كما سبق (9)، وعدة الحامل
40

لا تنقضي إلا بالوضع، وبه (1) تخرج عن كونها حاملا فلا يصدق أنها
طلقت طلاق السنة بالمعنى الأخص (2) ما دامت حاملا، إلا أن يجعل
وضعها قبل الرجعة كاشفا عن كون طلاقها السابق طلاق سنة بذلك
المعنى (3)، والأقوال هنا (4) مختلفة كالأخبار (5)، والمحصل ما ذكرناه (6)
(والأولى تفريق الطلقات (7) على الأطهار (8)) بأن يوقع كل
41

طلقة في طهر غير طهر الطلقة السابقة (لمن أراد أن يطلق ويراجع) أزيد
من مرة.
وهذه الأولوية (1) بالإضافة إلى ما يأتي بعده (2)، وإلا (3) فهو
موضع الخلاف وإن كان أصح الروايتين (4) صحته (5)، وإنما الأولى
المخرج من الخلاف أن يراجع (6) ويطأ، ثم يطلق في طهر آخر (7)
42

فإن الطلاق (1) هنا يقع إجماعا.
(ولو طلق مرات في طهر واحد) بأن يطلق ويراجع، ثم يطلق
ويراجع. وهكذا ثلاثا (فخلاف أقربه الوقوع مع تخلل الرجعة) بين كل
طلاقين، لعموم (2) القرآن (3)، والأخبار (4) الصحيحة بصحة الطلاق
إن أراده في الجملة (5) إلا ما أخرجه الدليل (6)، وروى (7) إسحاق
ابن عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له رجل طلق امرأته،
ثم راجعها بشهود، ثم طلقها بشهود، ثم راجعها بشهود، ثم طلقها بشهود
تبين منه قال: نعم قلت: كل ذلك في طهر واحد قال: تبين منه.
وهذه الرواية من الموثق، ولا معارض لها، إلا رواية (8) عبد الرحمن
ابن الحجاج عن الصادق عليه السلام في الرجل يطلق امرأته له أن يراجعها
43

قال: لا يطلق التطليقة الأخرى حتى يمسها. وهي (1) لا تدل
على بطلانها (2)، نظرا إلى أن النهي (3) في غير العبادة لا يفسد.
واعلم أن الرجعة (4) بعد الطلقة تجعلها (5) بمنزلة المعدومة بالنسبة
إلى اعتبار حالها (6) قبل الطلاق وإن بقي لها (7) أثر في الجملة.
كعدها (8) من الثلاث فيبقى حكم الزوجية بعدها (9) كما كان قبلها (10)
فإذا كانت مدخولا بها قبل الطلاق، ثم طلقها وراجع، ثم طلق يكون
44

طلاقه طلاق مدخول بها، لا طلاق غير مدخول بها (1) نظرا (2)
إلى أن الرجعة بمنزلة التزويج الجديد فيكون طلاقها بعده (3) واقعا
على غير مدخول بها، لما (4) عرفت من أن الرجعة (5) أسقطت حكم
الطلاق، ولولا ذلك (6) لم يمكن الطلاق ثلاثا (7)، وإن فرق الطلقات
45

على الأطهار من غير دخول والروايات (1) الصحيحة ناطقة بصحتها (2)
حينئذ (3)، وكذا (4) فتوى الأصحاب إلا من (5) شذ. وحينئذ (6)
فيكون الطلاق الثاني رجعيا، لا بائنا وإن وقع بغير مدخول بها بالنسبة
إلى ما بعد الرجعة فإنها مدخول بها قبلها (7). وهو (8) كاف.
(وتحتاج) المطلقة مطلقا (9) (مع كمال) الطلقات (الثلاث
إلى المحلل، للنص (10))، والإجماع ومخالفة من سبق ذكره (11) في بعض
46

موارده غير قادح فيه بوجه (1).
(ولا يلزم الطلاق بالشك) فيه (2) لتندفع الشبهة الناشئة من احتمال
وقوعه، بل تبقى (3) على حكم الزوجية، لأصالة عدمه (4)، وبقاء (5)
النكاح.
لكن لا يخفى الورع في ذلك (6) فيراجع إن كان الشك في طلاق
رجعي، ليكون على يقين من الحل، أو في البائن (7) بدون ثلاث جدد
النكاح، أو بثلاث (8) أمسك عنها وطلقها ثلاثا لتحل لغيره يقينا، وكذا
يبني على الأقل لو شك في عدده، والورع (9) الأكثر.
47

(ويكره للمريض الطلاق) للنهي عنه في بعض الأخبار (1) المحمولة
على الكراهة جمعا بينها (2)، وبين ما دل (3) على وقوعه (4)، صريحا
(فإن فعل (5) توارثا) في العدة (الرجعية) من الجانبين كغيره،
(وترثه هي في البائن، والرجعي إلى سنة) من حين الطلاق، للنص (6)
والإجماع.
وربما علل بالتهمة بإرادة إسقاط إرثها فيؤاخذ بنقيض (7) مطلوبه
وهو (8) لا يتم حيث تسأله الطلاق، أو تخالعه، أو تبارئه.
والأقوى عموم الحكم، لا طلاق النصوص (9) (ما لم تتزوج)
بغيره، (أو يبرأ من مرضه) فينتفي إرثها بعد العدة الرجعية وإن مات
في أثناء السنة.
وعلى هذا لو طلق أربعا في مرضه، ثم تزوج أربعا ودخل بهن
48

ومات في السنة مريضا قبل أن تتزوج المطلقات ورث الثمان الثمن، أو الربع
بالسوية.
ولا يرث أزيد من أربع زوجات اتفاقا إلا هنا ولا يلحق الفسخ
في المرض بالطلاق عملا بالأصل (1).
(والرجعة تكون بالقول. مثل رجعت وارتجعت) متصلا
بضميرها (2) فيقول: رجعتك وارتجعتك. ومثله راجعتك. وهذه الثلاثة
صريحة، وينبغي إضافة إلي، أو إلى نكاحي، وفي معناها (3) رددتك
وأمسكتك لورودهما في القرآن قال تعالى: " وبعولتهن أحق
بردهن في ذلك (4)، فإمساك بمعروف (5) " ولا يفتقر (6)
إلى نية الرجعة، لصراحة الألفاظ (7).
وقيل: يفتقر إليها في الأخيرين، لاحتمالهما غيرها (8) كالإمساك
49

باليد، أو في البيت، ونحوه (1)، وهو حسن.
(وبالفعل (2) كالوطئ، والتقبيل، واللمس بشهوة)، لدلالته
على الرجعة كالقول. وربما كان أقوى منه، ولا تتوقف إباحته على تقدم
رجعة، لأنها زوجة، وينبغي تقييده (3) بقصد الرجوع به، أو بعدم
قصد غيره، لأنه أعم خصوصا لو وقع منه سهوا، والأجود اعتبار
الأول (4).
(وإنكار الطلاق رجعة) لدلالته على ارتفاعه في الأزمنة الثلاثة،
ودلالة الرجعة على رفعه (5) في غير الماضي فيكون (6) أقوى أو دلالة عليها
ضمنا (7)، ولا يقدح فيه (8) كون الرجعة من توابع الطلاق فتنتفي (9)
حيث ينتفي المتبوع، لأن غايتها التزام ثبوت النكاح، والإنكار يدل عليه
فيحصل المطلوب منها وإن أنكر سبب شرعيتها.
(ولو طلق الذمية جاز مراجعتها ولو منعنا من ابتداء نكاحها دواما)
لما تقدم (10) من أن الرجعة ترفع حكم الطلاق فيستصحب حكم الزوجية
50

السابقة، لا أنها (1) تحدث حكم نكاح جديد، ومن ثم (2) أمكن
طلاقها ثلاثا قبل الدخول بعدها (3) استصحابا لحكم الدخول السابق (4)،
ولأن الرجعية زوجة، ولهذا يثبت لها أحكام الزوجية (5)، ولجواز
وطئه (6) ابتداء من غير تلفظ بشئ (7).
وربما يخيل المنع هنا (8) من حيث إن الطلاق إزالة قيد النكاح،
والرجعة تقتضي ثبوته (9)، فإما أن يثبت بالرجعة عين النكاح الأول (10)
أو غيره. والأول (11) محال، لاستحالة إعادة المعدوم، والثاني (12) يكون
51

ابتداء، لا استدامة.
ويضعف (1) بمنع زوال النكاح أصلا، بل إنما يزول بالطلاق،
وانقضاء العدة ولم يحصل.
(ولو أنكرت الدخول عقيب الطلاق) لتمنعه من الرجعة قدم
قولها (2) (وحلفت) لأصالة عدم الدخول، كما يقدم قوله لو أنكره
ليسقط عنه نصف المهر.
ثم مع دعواه الدخول يكون مقرا بالمهر وهي مقرة على نفسها بسقوط
نصفه (3)، فإن كانت قبضته فلا رجوع له بشئ عملا بإقراره (4)،
وإلا (5) فلا تطالبه إلا بنصفه عملا بإنكارها (6)، ولو رجعت إلى الإقرار
بالدخول لتأخذ النصف ففي ثبوته لها، أو توقفه على إقرار جديد منه
وجهان، وأولى بالعدم لو كان رجوعها بعد انقضاء العدة على تقدير الدخول
(ورجعة الأخرس بالإشارة) المفهمة لها، (وأخذ القناع) عن رأسها
لما تقدم (7) من أن وضعه عليه إشارة إلى الطلاق، وضد (8) العلامة علامة
52

الضد، ولا نص هنا عليه (1) بخصوصه فلا يجب الجمع بينهما (2)،
بل يكفي الإشارة مطلقا (3).
(ويقبل قولها في انقضاء العدة في الزمان المحتمل (4))، لانقضائها
فيه (وأقله (5) ستة وعشرون يوما ولحظتان (6)) إن كانت معتدة
بالأقراء. وذلك بأن يطلق وقد بقي من الطهر لحظة، ثم تحيض أقل الحيض
ثلاثة أيام، ثم تطهر أقل الطهر عشرة، ثم تحيض (7). وتطهر كذلك (8)
ثم تطعن (9) في الحيض لحظة.
(و) هذه اللحظة (الأخيرة دلالة على الخروج) من العدة،
أو من الطهر الثالث، لاستبانته (10) بها (لا جزء) من العدة، لأنها
53

ثلاثة قروء وقد انقضت قبلها (1) فلا تصح الرجعة فيها (2) ويصح
العقد (3).
وقيل: هي منها (4)، لأن الحكم بانقضائها (5) موقوف على تحققها (6)
وهو (7) لا يدل على المدعى.
هذا (8) إذا كانت حرة، ولو كانت أمة فأقل عدتها ثلاثة عشر
يوما ولحظتان (9)، وقد يتفق نادرا انقضاؤها في الحرة بثلاثة وعشرين
يوما وثلاث لحظات، وفي الأمة بعشرة وثلاث (10) بأن يطلقها بعد الوضع
54

وقبل رؤية دم النفاس بلحظة، ثم تراه لحظة، ثم تطهر عشرة، ثم تحيض
ثلاثة، ثم تطهر عشرة، ثم ترى الحيض لحظة والنفاس معدود بحيضة.
ومنه (1) يعلم الأمة، ولو ادعت ولادة تام (2) فإمكانه
بستة أشهر ولحظتين من وقت (3) النكاح لحظة للوطء، ولحظة للولادة
وإن إدعتها (4) بعد الطلاق بلحظة، ولو ادعت ولادة سقط مصور،
أو مضغة، أو علقة اعتبر إمكانه عادة (5).
وربما قيل: إنه (6) مئة وعشرون يوما ولحظتان في الأول (7)،
وثمانون يوما ولحظتان في الثاني (8)، وأربعون كذلك (9)،
55

في الثالث ولا بأس به (1).
(وظاهر الروايات (2) أنه لا يقبل منها غير المعتاد (3) إلا بشهادة
أربع من النساء المطلعات على باطن أمرها. وهو قريب) عملا بالأصل (4)
والظاهر (5)، واستصحابا (6) لحكم العدة، ولإمكان إقامتها البينة عليه.
ووجه المشهور (7): أن النساء مؤتمنات على أرحامهن ولا يعرف
إلا من جهتهن غالبا، وإقامة البينة عسرة على ذلك، غالبا، وروى (8)
زرارة في الحسن عن الباقر عليه السلام: قال: " العدة والحيض للنساء
إذا ادعت صدقت ".
والأقوى المشهور (9).
56

الفصل الثالث في العدد
(العدد) جمع عدة، وهي مدة تتربص فيها المرأة لتعرف براءة
رحمها من الحمل، أو تعبدا (1)، (ولا عدة على من لم يدخل بها الزوج)
من الطلاق، والفسخ (إلا في الوفاة فيجب) على الزوجة مطلقا (2)
الاعتداد (أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حرة) وإن كان زوجها عبدا
(ونصفها) شهران وخمسة أيام (إن كانت أمة) وإن كان زوجها حرا
على الأشهر، ومستنده (3) صحيحة (4) محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام
قال: " الأمة إذا توفي عنها زوجها فعدتها شهران وخمسة أيام ".
وقيل: كالحرة استنادا إلى عموم الآية (5)، وبعض الروايات (6)
57

وتخصيصهما (1) بغيرها (2) طريق الجمع (3)، (سواء دخل بها أو لا)
صغيرة كانت أم كبيرة ولو يائسة، دائما كان النكاح أم منقطعا.
(وفي باقي الأسباب) الموجبة للفرقة (4) (تعتد ذات الأقراء) جمع قرء
بالفتح، والضم وهو الطهر، أو الحيض (5) (المستقيمة الحيض) بأن
يكون لها فيه عادة مضبوطة وقتا، سواء انضبط عددا أم لا (مع الدخول)
بها المتحقق بإيلاج الحشفة، أو قدرها من مقطوعها قبلا أو دبرا على المشهور
وإن لم ينزل (بثلاثة أطهار) أحدها ما بقي من طهر الطلاق بعده
وإن قل، وغير مستقيمة الحيض ترجع إلى التمييز، ثم إلى عادة نسائها
إن كانت مبتدأة، ثم تعتد بالشهور (6).
(وذات الشهور وهي التي لا يحصل لها الحيض بالمعتاد وهي في سن
58

من تحيض) سواء كانت مسترابة كما عبر به كثير أم انقطع عنها الحيض
لعارض من مرض، وحمل، ورضاع، وغيرها تعتد (بثلاثة أشهر) هلالية
إن طلقها عند الهلال، وإلا (1) أكملت المنكسر ثلاثين بعد الهلالين (2)
على الأقوى.
(والأمة) تعتد (بطهرين) إن كانت مستقيمة الحيض، (أو خمسة
وأربعين يوما) إن لم تكن.
(ولو رأت) الحرة (الدم في الأشهر) الثلاثة (3) (مرة أو مرتين)
ثم احتبس (4) إلى أن انقضت الأشهر (انتظرت تمام الأقراء)، لأنها
قد استرابت بالحمل (5) غالبا (فإن تمت) الأقراء قبل أقصى الحمل
انقضت عدتها، (وإلا (6) صبرت تسعة أشهر) على أشهر القولين،
59

(أو سنة) على قول، (فإن وضعت ولدا، أو اجتمعت الأقراء الثلاثة) (1)
فذاك هو المطلوب في انقضاء العدة، (وإلا يتفق) أحد الأمرين (2)
(اعتدت بعدها) أي بعد التسعة، أو السنة (بثلاثة أشهر إلا أن يتم
الأقراء قبلها (3)) فتكتفي بها.
وقيل: لا بد من وقوع الثلاثة الأقراء بعد أقصى الحمل كالثلاثة
الأشهر (4).
والأول (5) أقوى، وإطلاق النص (6) والفتوى يقتضي عدم الفرق
بين استرابتها بالحمل، وعدمه في وجوب التربص تسعة، أو سنة، ثم
الاعتداد بعدها (7) حتى لو كان زوجها غائبا عنها فحكمها كذلك (8)
60

وإن كان ظاهر الحكمة (1) يقتضي اختصاصه (2) بالمسترابة.
واحتمل المصنف في بعض تحقيقاته الاكتفاء بالتسعة لزوجة الغائب
محتجا بحصول مسمى (3) العدة، والدليل (4) في محل النزاع، وهذه (5)
أطول عدة تفرض.
والضابط أن المعتدة المذكورة (6) إن مضى لها ثلاثة أقراء قبل ثلاثة
أشهر (7) انقضت عدتها بها، وإن مضى عليها ثلاثة أشهر لم تر فيها دم
حيض انقضت عدتها به وإن كان لها عادة (8) مستقيمة فيما زاد عليها (9)
61

بأن كانت ترى الدم في كل أربعة أشهر مرة، أو ما زاد، أو نقص بحيث
يزيد عن ثلاثة (1) ولو بلحظة، ومتى رأت في الثلاثة دما ولو قبل انقضائها
بلحظة فحكمها ما فصل سابقا من انتظار أقرب الأمرين من تمام الأقراء،
ووضع (2) الولد، فإن انتفيا (3) اعتدت بعد تسعة أشهر بثلاثة أشهر،
إلا أن يتم لها ثلاثة أقراء قبلها (4) ولو مبنية (5) على ما سبق، ولا فرق
بين أن يتجدد لها دم حيض آخر في الثلاثة (6)، أو قبلها (7) وعدمه (8).
(وعدة الحامل وضع الحمل) أجمع كيف وقع إذا علم أنه نشؤ
آدمي (وإن كان علقة (9)) ووضعته بعد الطلاق بلحظة، ولا عبرة
بالنطفة (10) (في غير الوفاة، وفيها (11) بأبعد الأجلين من وضعه،
62

ومن الأشهر) الأربعة والعشرة الأيام في الحرة، والشهرين والخمسة الأيام
في الأمة.
(ويجب الحداد على الزوجة المتوفى عنها زوجها) في جميع مدة
العدة (وهو ترك الزينة من الثياب، والأدهان، والطيب، والكحل
الأسود)، والحناء، وخضب الحاجبين بالسواد، واستعمال الاسفيداج
في الوجه، وغير ذلك مما يعد زينة عرفا. ولا يختص المنع بلون خاص
من الثياب، بل تختلف ذلك باختلاف البلاد، والأزمان والعادات، فكل
لون يعد زينة عرفا يحرم لبس الثوب المصبوغ به، ولو احتاجت إلى الاكتحال
بالسواد لعلة جاز، فإن تأدت الضرورة باستعماله ليلا ومسحه نهارا وجب
وإلا اقتصرت على ما تتأدى به الضرورة، ولا يحرم عليها التنظيف،
ولا دخول الحمام، ولا تسريح الشعر، ولا السواك، ولا قلم الأظفار،
ولا السكنى في المساكن العالية، ولا استعمال الفراش الفاخرة (1)، ولا تزيين
أولادها وخدمها، ولا فرق بين الزوجة الكبيرة، والصغيرة الحائل والحامل
إذا كانت حرة.
(وفي الأمة قولان المروي (2)) صحيحا عن الباقر عليه السلام (أنها
لا تحد)، لأنه قال: " إن الحرة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء
في العدة إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد ".
وهذا هو الأقوى، وذهب الشيخ في أحد قوليه وجماعة إلى وجوب
الحداد عليها، لعموم قول (3) النبي صلى الله عليه وآله " لا يحل لامرأة
63

تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج
أربعة أشهر وعشرا ". وفيه (1) مع سلامة السند أنه (2) عام، وذاك (3)
خاص فيجب التوفيق بينهما بتخصيص العام، ولا حداد (4) على غير الزوج
مطلقا (5)، وفي الحديث (6) دلالة عليه (7)، بل مقتضاه (8)
64

أنه (1) محرم.
والأولى حمله (2) على المبالغة في النفي والكراهة.
(والمفقود إذا جهل خبره) وكان لزوجته من ينفق عليها (وجب
عليها التربص) إلى أن يحضر، أو تثبت وفاته، أو ما يقوم مقامها (3)
(وإن لم يكن له (4) ولي ينفق عليها) ولا متبرع، فإن صبرت فلا كلام
وإن رفعت أمرها إلى الحاكم بحث (5) عن أمره (وطلب (6) أربع سنين)
من حين رفع أمرها إليه في الجهة التي فقد فيها إن كانت معينة، وإلا ففي
الجهات الأربع حيث يحتمل الأربع، (ثم يطلقها الحاكم) بنفسه، أو يأمر
الولي به (7).
والأجود تقديم أمر الولي به فإن امتنع طلق الحاكم، لأنه مدلول
الأخبار (8) الصحيحة (بعدها) أي بعد المدة (9)، ورجوع الرسل،
65

أو ما في حكمه (1). (وتعتد) بعده (2) (والمشهور) بين الأصحاب (أنها
تعتد عدة الوفاة)، وفي خبر (3) سماعة دلالة عليه، لأنه لم يذكر الطلاق
وقال: " بعد مضي أربع سنين أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا " وباقي
الأخبار (4) مطلقة، إلا أن ظاهرها (5) أن العدة عدة الطلاق حيث حكم
فيها بأنه يطلقها، ثم تعتد، وفي حسنة (6) بريد دلالة عليه (7)، لأنه
قال فيها: " فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدتها فبدا له أن يراجعها
فهي امرأته، وهي عنده على تطليقتين وإن انقضت العدة قبل أن يجئ
ويراجع فقد حلت للأزواج ولا سبيل للأول عليها " وفي الرواية (8) دلالة
على أنه إذا جاء في العدة لا يصير أحق بها إلا مع الرجعة، فلو لم يرجع
بانت منه.
66

ووجهه (1) أن ذلك (2) لازم حكم الطلاق الصحيح (3)، وإنما نسب
المصنف القول إلى الشهرة لضعف مستنده.
وتظهر الفائدة (4) في المقدار والحداد والنفقة (وتباح) بعد العدة
(للأزواج)، لدلالة الأخبار (5) عليه، ولأن ذلك (6) هو فائدة الطلاق
(فإن جاء) المفقود (في العدة فهو أملك (7) بها) وإن حكم بكونها
عدة وفاة بائنة، للنص (8) (وإلا) يجئ في العدة (فلا سبيل له عليها)
67

سواء وجدها قد (تزوجت) بغيره، (أو لا) أما مع تزويجها فموضع وفاق
وأما بدونه فهو أصح القولين، وفي الرواية (1) السابقة دلالة عليه،
ولأن حكم الشارع بالبينونة بمنزلة الطلاق، فكيف مع الطلاق، والحكم
بالتسلط (2) بعد قطع السلطنة يحتاج إلى دليل وهو منفي.
ووجه الجواز (3) بطلان ظن وفاته فيبطل ما يترتب عليه. وهو (4)
متجه إن لم نوجب طلاقها بعد البحث، أما معه (5) فلا.
(وعلى الإمام أن ينفق عليها من بيت المال طول المدة)
أي مدة
الغيبة إن صبرت، ومدة البحث إن لم تصبر، هذا إذا لم يكن له (6)
مال، وإلا أنفق الحاكم منه مقدما على بيت المال.
(ولو أعتقت الأمة في أثناء العدة أكملت عدة الحرة إن كان الطلاق
68

رجعيا، أو عدة وفاة) أما الأول (1) فلأنها في حكم الزوجة وقد أعتقت
وأما الثاني (2) فلرواية (3) أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، ولو كان (4)
بائنا أتمت عدة الأمة، للحكم بها (5) ابتداء، وصيرورتها (6) بعد العتق
أجنبية منه فلا يقدح عتقها في العدة.
(والذمية كالحرة في الطلاق، والوفاة على الأشهر) بل لا نعلم القائل
بخلافه، نعم روى (7) زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام قال:
سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني فطلقها هل عليها عدة مثل عدة
المسلمة فقال: لا، إلى قوله (8): قلت فما عدتها إن أراد المسلم أن يتزوجها
قال: " عدتها عدة الأمة حيضتان، أو خمسة وأربعون يوما " الحديث.
والعمل على المشهور (9)، وتظهر فائدة الخلاف (10) لو جعلنا عدة الأمة
69

في الوفاة نصف عدة الحرة كما سلف (1)، ولو جعلناها كالحرة فلا إشكال
هنا في عدة الوفاة للذمية، ويبقى الكلام مع الطلاق (2).
(وتعتد أم الولد من وفاة زوجها) لو كان مولاها قد زوجها من غيره
بعد أن صارت أم ولده، (أو من وفاة سيدها) لو لم يكن حين وفاته
مزوجا لها (عدة الحرة) لرواية (3) إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه السلام
في الأمة يموت سيدها قال: " تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ".
وقيل: لا عدة عليها من وفاة سيدها، لأنها ليست زوجة كغيرها
من إمائه الموطوءات من غير ولد فإن عدتهن من وفاة المولى الواطئ
قرء واحد.
وهذا القول ليس ببعيد لمن لم يعمل بالخبر الموثق فإن خبر إسحاق
كذلك (4) والأجود الأول (5) ولو مات سيدها وهي مزوجة من غيره
فلا عدة عليها قطعا ولا استبراء. وكذا لو مات سيدها قبل انقضاء عدتها (6)
70

أما لو مات (1) بعدها (2) وقبل دخوله ففي اعتدادها منه (3) أو استبرائها (4)
نظر. من (5) إطلاق النص (6) باعتداد أم الولد من سيدها. وانتفاء (7)
حكمة العدة والاستبراء، لعدم الدخول (8). وسقوط حكم السابق (9)
بتوسط التزويج (ولو أعتق السيد أمته) الموطوءة سواء كانت أم ولد أم لا
(فثلاثة أقراء) لوطئه إن كانت من ذوات الحيض، وإلا (10) فثلاثة أشهر.
(ويجب الاستبراء) للأمة (بحدوث الملك (11)) على المتملك،
71

(وزواله) (1) على (2) الناقل بأي وجه كان من وجوه الملك إن كان
قد وطئ (بحيضة) واحدة (إن كانت تحيض، أو بخمسة وأربعين يوما
إذا كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض).
والمراد بالاستبراء ترك وطئها قبلا ودبرا في المدة المذكورة، دون
غيره من وجوه الاستمتاع، وقد تقدم (3) البحث في ذلك مستوفى،
وما يسقط معه الاستبراء في باب البيع فلا حاجة إلى الإعادة في الإفادة.
72

الفصل الرابع في الأحكام
(يجب الإنفاق) على الزوجة (في العدة الرجعية مع عدم نشوزها
قبل الطلاق، وفي زمن العدة كما كان (1) في صلب النكاح) شروطا
وكمية وكيفية (2) (ويحرم عليها الخروج من منزل الطلاق) وهو المنزل
الذي طلقت وهي فيه إذا كان مسكن أمثالها وإن لم يكن (3) مسكنها
الأول، فإن كان دون حقها فلها طلب المناسب، أو فوقه (4) فله ذلك
وإنما يحرم الخروج مع الاختيار.
73

ولا فرق بين منزل الحضرية والبدوية البرية والبحرية، ولو اضطرت
إليه لحاجة خرجت بعد انتصاف الليل وعادت قبل الفجر مع تأديها (1)
بذلك، وإلا (2) خرجت بحسب الضرورة، ولا فرق في تحريم الخروج
بين اتفاقهما عليه (3) وعدمه على الأقوى، لأن ذلك من حق الله تعالى وقد قال
تعالى: " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن " (4) بخلاف زمن
الزوجية فإن الحق لهما (5)، واستقرب (6) في التحرير جوازه (7) بإذنه
وهو بعيد.
ولو لم تكن حال الطلاق في مسكن وجب العود إليه على الفور
إلا أن تكون في واجب كحج فتتمه كما يجوز لها ابتداؤه (8)، ولو كانت
في سفر مباح (9)، أو مندوب (10) ففي وجوب العود إن أمكن إدراكها (11)
74

جزء من العدة أو مطلقا (1)، أو تتخير بينه (2)، وبين الاعتداد في السفر
أوجه (3) من (4) إطلاق النهي عن الخروج من بيتها فيجب عليها تحصيل
الكون به. ومن (5) عدم صدق النهي هنا لأنها غير مستوطنة، وللمشقة (6)
في العود، وانتفاء (7) الفائدة حيث لا تدرك جزء من العدة، كل ذلك
مع إمكان (8)
75

الرجوع، وعدم (1) الضرورة إلى عدمه.
(و) كما يحرم عليها الخروج (يحرم عليه (2) الإخراج)، لتعلق
النهي بهما في الآية (3) (إلا أن تأتي بفاحشة) مبينة (يجب بها الحد،
أو تؤذي أهله) بالقول، أو الفعل فتخرج في الأول (4) لإقامته ثم ترد
إليه (5) عاجلا وفي الثاني (6) تخرج إلى مسكن آخر يناسب حالها من غير
عود إن لم تتب، وإلا (7) فوجهان أجودهما جواز إبقائها في الثاني (8)
للإذن في الإخراج معها (9) مطلقا، ولعدم الوثوق بتوبتها، لنقصان
عقلها ودينها.
76

نعم يجوز الرد (1) فإن استمرت عليها (2) وإلا أخرجت وهكذا (3).
واعلم أن تفسير الفاحشة في العبارة (4) بالأول هو ظاهر الآية.
ومدلولها (5) لغة ما هو أعم منه، وأما الثاني (6) ففيه روايتان (7) مرسلتان
والآية (8) غير ظاهرة فيه، لكنه مشهور بين الأصحاب، وتردد في المختلف
لما ذكرناه (9) وله وجه.
(ويجب الإنفاق) في العدة (الرجعية على الأمة) كما يجب على الحرة
77

(إذا أرسلها مولاها ليلا ونهارا (1)) ليتحقق به (2) تمام التمكين كما
يشترط ذلك (3) في وجوب الإنفاق عليها قبل الطلاق، فلو منعها ليلا،
أو نهارا، أو بعض واحد منهما فلا نفقة لها ولا سكنى، لكن لا يحرم عليه (4)
إمساكها نهارا للخدمة وإن توقفت عليه (5) النفقة، وإنما يجب عليه (6)
إرسالها ليلا وكذا الحكم قبل الطلاق (7).
(ولا نفقة للبائن) طلاقها (إلا أن تكون حاملا) فتجب لها النفقة
والسكنى حتى تضع لقوله تعالى: " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن
حتى يضعن حملهن " (8) ولا شبهة في كون النفقة بسبب الحمل،
78

لكن هل هي له (1) أولها (2) قولان أشهرهما الأول (3) للدوران (4)
وجودا وعدما كالزوجية (5).
ووجه الثاني (6) أنها (7) لو كانت للولد لسقطت عن الأب بيساره
كما لو ورث (8) أخاه لأبيه وأبوه قاتل (9) لا يرث ولا وارث غير الحمل
ولو جبت (10) على الجد مع فقر الأب، لكن التالي (11) فيهما (12) باطل
79

فالمقدم (1) مثله (2).
وأجيب بمنع البطلان فيهما (3).
وتظهر فائدة القولين (4) في مواضع.
منها إذا تزوج الحر أمة وشرط مولاها رق الولد وجوزناه (5).
وفي العبد (6) إذا تزوج أمة أو حرة وشرط مولاه الانفراد برق
الولد (7)، فإن جعلناها (8) للحمل فلا نفقة على الزوج (9)، أما في
الأول (10) فلأنه (11) ملك لغيره (12) وأما في الثاني (13) فلأن العبد لا يجب
80

عليه نفقة أقاربه، وإن جعلناها (1) للحامل وجبت وهو (2) في الأول (3)
ظاهر وفي الثاني (4) في كسب العبد، أو ذمة مولاه على الخلاف.
وتظهر الفائدة أيضا فيما لو كان النكاح فاسدا والزوج حرا فمن جعل
النفقة لها نفاها هنا، إذ لا نفقة للمعتدة عن غير نكاح له حرمة، ومن جعلها
للحمل فعليه لأنها نفقة ولده.
(ولو انهدم المسكن) الذي طلقت فيه (أو كان مستعارا فرجع
مالكه) في العارية، (أو مستأجرا انقضت مدته أخرجها إلى مسكن يناسبها)
ويجب تحري الأقرب إلى المنتقل عنه فالأقرب اقتصارا على موضع الضرورة
وظاهره (5) كغيره أنه لا يجب تجديد استئجاره ثانيا وإن أمكن (6)،
وليس ببعيد ووجوبه (7) مع إمكانه، تحصيلا للواجب (8) بحسب الإمكان
وقد قطع في التحرير بوجوب تحري الأقرب. وهو الظاهر فتحصيل
نفسه (9) أولى.
(وكذا لو طلقت في مسكن لا يناسبها أخرجها إلى مسكن مناسب)
81

متحريا للأقرب (1) فالأقرب كما ذكر (2) (ولو مات فورث المسكن
جماعة لم يكن لهم قسمته) حيث ينافي القسمة سكناها، لسبق حقها إلا مع
انقضاء عدتها.
(هذا إذا كانت حاملا وقلنا لها السكنى) مع موته كما هو أحد
القولين في المسألة. وأشهر الروايتين (3) أنه لا نفقة للمتوفى عنها ولا سكنى
مطلقا (4) فيبطل حقها من المسكن، وجمع (5) في المختلف بين الأخبار (6)
بوجوب (7) نفقتها من مال الولد لا من مال المتوفى (وإلا) تكن حاملا
أو قلنا: لا سكنى للحامل المتوفى عنها (8) (جازت القسمة)، لعدم المانع
منها (9) حينئذ (10) (وتعتد زوجة الحاضر من حين السبب) الموجب
للعدة من طلاق أو فسخ وإن لم تعلم به (11) (وزوجة الغائب في الوفاة
82

من حين بلوغ الخبر بموته (1)) وإن لم بثبت شرعا، لكن لا يجوز لها
التزويج (2) إلا بعد ثبوته (3) (وفي الطلاق من حين الطلاق) (4).
والفرق (5) مع النص (6) ثبوت الحداد على المتوفى عنها، ولا يتم
إلا مع بلوغها الخبر بموته، بخلاف الطلاق (7)، فعلى هذا (8) لو لم يبلغها
الطلاق إلا بعد مضي مقدار العدة جاز لها التزويج بعد ثبوته (9)، بخلاف
المتوفى عنها (10).
وقيل: تشتركان (11) في الاعتداد من حين بلوغ الخبر وبه روايات (12)
83

والأشهر الأول (1)، ولو لم نوجب الحداد على الأمة فهي كالمطلقة (2)
عملا بالعلة المنصوصة (3).
84

كتاب الخلع والمباراة
85

كتاب الخلع (1) والمباراة
وهو طلاق بعوض مقصود، لازم (2) لجهة الزوج، ويفترقان بأمور
تأتي. والخلع بالضم اسم لذلك (3) مأخوذ منه (4) بالفتح استعارة من خلع
الثوب وهو نزعه لقوله تعالى: " هن لباس لكم " (5) (وصيغة الخلع
أن يقول الزوج: خلعتك على كذا، أو أنت مختلعة على كذا) أو خلعت
فلانة أو هي مختلعة على كذا (ثم يتبعه بالطلاق) على الفور فيقول بعد
ذلك: فأنت طالق (في القول الأقوى) لرواية (6) موسى بن بكر
87

عن الكاظم عليه السلام قال: المختلعة يتبعها بالطلاق ما دامت في العدة ".
وقيل: يقع بمجرده من غير اتباعه به (1)، ذهب إليه المرتضى وابن
الجنيد وتبعهم العلامة في المختلف والتحرير والمصنف في شرح الإرشاد،
لصحيحة (2) محمد بن إسماعيل بن نوح بن بزيع أنه قال للرضا عليه السلام:
في حديث قد روي لنا أنها لا تبين حتى يتبعها (3) بالطلاق قال: " ليس
ذلك إذن خلعا " (4) فقلت: تبين منه قال: " نعم " وغيرها من الأخبار (5)
والخبر السابق (6) ضعيف السند مع إمكان حمله (7) على الأفضلية، ومخالفته (8)
88

لمذهب العامة فيكون أبعد عن التقية مع تسليمه لا يكفي في المصير إليه،
وترك الأخبار (1) الصحيحة، وهو (2) على ما وصفناه فالقول الثاني (3) أصح.
ثم إن اعتبرنا اتباعه بالطلاق فلا شبهة في عده طلاقا، وعلى القول
الآخر (4) هل يكون فسخا، أو طلاقا قولان أصحهما الثاني، لدلالة
الأخبار (5) الكثيرة عليه (6) فيعد فيها (7)، ويفتقر إلى المحلل بعد الثلاث
89

وعلى القولين (1) لا بد من قبول المرأة عقيبه (2)، بلا فصل معتد به،
أو تقدم سؤالها له قبله (3) كذلك (4) (ولو أتى بالطلاق مع العوض)
فقال أنت طالق على كذا مع سبق سؤالها له، أو مع قبولها بعده (5)
كذلك (6) (أغنى عن لفظ الخلع) وأفاد فائدته ولم يفتقر إلى ما يفتقر
إليه الخلع من كراهتها له خاصة، لأنه طلاق بعوض لا خلع.
(وكل ما صح أن يكون مهرا) من المال المعلوم، والمنفعة، والتعليم،
وغيرها (صح أن يكون فدية) في الخلع، (ولا تقدير فيه) أي في المجعول
فدية في طرف الزيادة والنقصان بعد أن يكون متمولا (فيجوز (7) على
أزيد مما وصل إليها منه) من مهر، وغيره، لأن الكراهة منها فلا يتقدر
عليها في جانب الزيادة، (ويصح بذل الفدية منها، ومن وكيلها) الباذل
له من مالها، (وممن يضمنه) في ذمته (بإذنها) فيقول للزوج: طلق
زوجتك على مائة وعلي ضمانها.
والفرق بينه (8) وبين الوكيل أن الوكيل يبذل من مالها بإذنها
وهذا (9) من ماله بإذنها.
90

وقد يشكل هذا (1) بأنه ضمان ما لم يجب، لكن قد وقع مثله (2)
صحيحا فيما لو قال راكب البحر لذي المتاع: ألق متاعك في البحر وعلي
ضمانه، وفي ضمان (3) ما يحدثه المشتري من بناء، أو غرس على قول،
وفي أخذ (4) الطبيب البراءة قبل الفعل.
(وفي) صحته (5) من (المتبرع) بالبذل من ماله (قولان أقربهما
المنع)، لأن الخلع من عقود المعاوضات فلا يجوز لزوم العوض (6) لغير
91

صاحب المعوض كالبيع (1)، ولأنه (2) تعالى أضاف الفدية إليها في قوله:
" فلا جناح عليهما فيما افتدت به (3) " وبذل (4) الوكيل والضامن
بإذنها كبذلها فيبقى المتبرع على أصل المنع، ولأصالة (5) بقاء النكاح
إلى أن يثبت المزيل، ولو قلنا بمفهوم الخطاب (6) فالمنع أوضح وحينئذ (7)
فلا يملك الزوج البذل، ولا يقع الطلاق إن لم يتبع به، فإن أتبع به
كان رجعيا.
92

ووجه (1) الصحة أنه افتداء وهو جائز من الأجنبي كما تقع الجعالة
منه على الفعل لغيره وإن كان طلاقا.
والفرق بين الجعالة (2)، والبذل (3) تبرعا أن المقصود من البذل
جعل الواقع (4) خلعا ليترتب عليه أحكامه المخصوصة (5)، لا مجرد بذل
المال في مقابلة الفعل، بخلاف الجعالة فإن غرضه وقوع الطلاق بأن يقول:
طلقها وعلي ألف، ولا مانع من صحته حتى لا يشترط في إجابته الفورية
والمقارنة لسؤاله، بخلاف الخلع (6)، ولو قلنا بصحته من الأجنبي فهو
خلع لفظا (7) وحكما (8)، فللأجنبي أن يرجع في البذل ما دامت في العدة
فللزوج حينئذ أن يرجع في الطلاق وليس للزوجة هنا رجوع في البذل،
لأنها لا تملكه فلا معنى لرجوعها فيه.
ويحتمل عدم جواز الرجوع هنا مطلقا (9) اقتصارا فيما خالف الأصل
93

على موضع اليقين وهو رجوع الزوجة فيما بذلته خاصة.
وفي معنى التبرع ما لو قال: طلقها على ألف من مالها (1) وعلي
ضمانها (2)، أو على عبدها (3) هذا كذلك (4) فلا يقع الخلع ولا يضمن
لأنه ضمان ما لم يجب وإن جاز ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، لمسيس (5)
الحاجة بحفظ النفس ثم (6) دون هذا (7)، أو للإنفاق (8) على ذلك
94

على خلاف الأصل فيقتصر عليه (1).
(ولو تلف العوض) المعين المبذول (قبل القبض فعليها ضمانه مثلا)
أي بمثله إن كان مثليا، (أو قيمة) إن كان قيميا، سواء أتلفته باختيارها
أم تلف بآفة من الله تعالى أم أتلفه أجنبي، لكن في الثالث (2) يتخير
الزوج بين الرجوع عليها وعلى الأجنبي وترجع هي على الأجنبي لو رجع (3)
عليها إن أتلفه بغير إذنها، ولو عاب فله أرشه، (وكذا تضمن (4))
مثله أو قيمته (لو ظهر استحقاقه لغيرها) ولا يبطل الخلع، لأصالة الصحة
والمعاوضة هنا ليست حقيقة كما في البيع (5) فلا يؤثر بطلان العوض المعين
في بطلانه، بل ينجبر بضمانها المثل، أو القيمة.
ويشكل (6) مع علمه باستحقاقه حالة الخلع، لقدومه على معاوضة
95

فاسدة إن لم يتبعه بالطلاق، ومطلقا (1) من حيث إن العوض لازم
لماهيته (2) وبطلان اللازم يستلزم بطلان الملزوم.
والمتجه البطلان مطلقا (3) إن لم يتبعه بالطلاق، وإلا (4) وقع رجعيا.
(ويصح البذل من الأمة بإذن المولى) فإن أذن في عين من أعيان
ماله تعينت (5)، فإن زادت (6) عنها شيئا من ماله وقف (7) على إجازته
فإن رد بطل فيه (8) وفي صحة الخلع (9)، ويلزمها (10) مثله أو قيمته
تتبع به بعد العتق، أو بطلانه (11) الوجهان (12)، وكذا لو بذلت شيئا
96

من ماله (1) ولم يجزه، ولو أجاز فكالإذن المبتدأ.
وإن (2) أذن في بذلها في الذمة، أو من ماله من غير تعيين
(فإن عين قدرا) تعين وكان الحكم مع تخطيه (3) ما سبق (4)، (وإلا)
يعين قدرا (انصرف) إطلاق الإذن (إلى) بذل (مهر المثل)
كما ينصرف الإذن في البيع إلى ثمن المثل نظرا إلى أنه في معنى المعاوضة
وإن لم تكن حقيقية، ومهر المثل عوض البضع فيحمل الإطلاق عليه
(ولو لم يأذن) لها في البذل مطلقا (5) (صح) الخلع في ذمتها دون
97

كسبها (وتبعت به بعد العتق) كما لو عاملها بإقراض وغيره (1) ولا إشكال
هنا وإن علم (2) بالحال، لأن العوض صحيح متعلق بذمتها وإن امتنع
قبضه حالا خصوصا مع علمه بالحكم (3) لقدومه عليه (4)، وثبوت
العوض في الجملة (5)، بخلاف بذل العين حيث لا يصح، لخلو الخلع
عن العوض، ولو بذلت مع الإطلاق أزيد من مهر المثل فالزائد كالمبتدأ
بغير إذن (6).
(والمكاتبة المشروطة كالقن) فيتعلق البذل بما في يدها (7) مع الإذن
وبذمتها مع عدمه إن كان مطلقا (8)، وإن كان (9) معينا ولم يجز المولى
بطل (10)، وفي صحة الخلع (11)،
98

ولزوم المثل، أو القيمة تتبع به (1) الوجهان (2) (وأما) المكاتبة (المطلقة
فلا اعتراض عليها) للمولى مطلقا (3) هكذا أطلق الأصحاب تبعا للشيخ
رحمه الله.
وفي الفرق (4) نظر لما اتفقوا عليه في باب الكتابة من أن المكاتب
مطلقا ممنوع من التصرف المنافي للاكتساب ومسوغ فيه (5) من غير فرق
بينهما (6)، فالفدية إن كانت غير اكتساب كما هو الظاهر، لأن العائد
إليها (7) البضع وهو غير مالي لم يصح فيهما، وإن اعتبر كونه (8) معاوضة
وأنه (9) كالمال من وجه (10) وجب الحكم بالصحة فيهما، والأصحاب
لم ينقلوا في ذلك (11) خلافا. لكن الشيخ رحمه الله في المبسوط حكى
99

في المسألة أقوالا. الصحة مطلقا (1). والمنع مطلقا (2). واختار
التفصيل (3) وجعله (4) الموافق لأصولنا وتبعه الجماعة.
والظاهر أن الأقوال التي نقلها للعامة كما هي عادته. فإن لم تكن
المسألة إجماعية فالمتجه عدم الصحة فيهما إلا بإذن المولى.
(ولا يصح الخلع إلا مع كراهتها) له (فلو طلقها (5)) والأخلاق
ملتئمة (ولم تكره بطل البذل ووقع الطلاق رجعيا) من حيث البذل.
وقد يكون بائنا من جهة أخرى ككونها غير مدخول بها، أو كون الطلقة
ثالثة (ولو أكرهها على الفدية فعل حراما) للإكراه بغير حق (ولم يملكها
بالبذل) لبطلان تصرف المكره إلا ما استثني (6) (وطلاقها رجعي) من هذه
الجهة لبطلان الفدية، فلا ينافي كونه بائنا من جهة أخرى (7) إن اتفقت.
(نعم لو أتت بفاحشة مبينة) وهي الزنا.
وقيل: ما يوجب الحد مطلقا.
وقيل: كل معصية (جاز عضلها) وهو منعها بعض حقوقها أو جميعها
100

من غير أن يفارقها (لتفتدي نفسها) لقوله تعالى: " ولا تعضلوهن
لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " (1)
والاستثناء من النهي إباحة، ولأنها إذا زنت لم يؤمن أن تلحق به ولدا
من غيره وتفسد فراشه، فلا تقيم حدود الله تعالى في حقه فتدخل في قوله
تعالى: " فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما
افتدت به (2) ".
وقيل: لا يصح ذلك (3) ولا يستبيح (4) المبذول مع العضل، لأنه
في معنى الإكراه، ولقوله تعالى: " فإن طبن لكم عن شئ منه
نفسا فكلوه هنيئا مريئا " (5). والمشروط (6) عدم عند عدم شرطه (7)
وقيل: إن الآية الأولى (8) منسوخة بآية الحد (9) ولم يثبت (10)،
101

إذ لا منافاة بينهما (1) والأصل عدم النسخ، وعلى الأول (2) هل يتقيد
جواز العضل ببذل ما وصل إليها منه من مهر، وغيره (3) فلا يجوز
الزيادة عليه أم لا يتقيد (4) إلا برضاه، اختار المصنف الأول (5) حذرا
من الضرر العظيم، واستنادا إلى قول النبي صلى الله عليه وآله لجميلة بنت
عبد الله بن أبي لما كرهت زوجها ثابت بن قيس وقال لها: أتردين عليه
حديقته قالت: نعم وأزيده لا حديقته فقط (6).
ووجه الثاني (7) إطلاق الاستثناء (8) الشامل للزائد، وعد الأصحاب
102

مثل هذا خلعا وهو (1) غير مقيد.
وفيه نظر، لأن المستثنى منه (2) إذهاب بعض ما أعطاها فالمستثنى
هو ذلك البعض (3) فيبقى المساوي والزائد (4) على أصل المنع، فإن
خرج المساوي بدليل آخر بقي الزائد (5)، وإطلاق الخلع عليه (6) محل
نظر، لأنها ليست كارهة (7)، أو الكراهة غير مختصة بها (8) بحسب
الظاهر، وذكرها (9) في باب الخلع لا يدل على كونها منه (10).
103

(وإذا تم الخلع فلا رجعة للزوج) قبل رجوعها في البذل (وللزوجة
الرجوع في البذل ما دامت في العدة) إن كانت ذات عدة، فلو خرجت
عدتها، أو لم يكن لها عدة كغير المدخول بها، والصغيرة، واليائسة فلا رجوع
لها مطلقا (1) (فإذا رجعت) هي حيث يجوز لها الرجوع (2) صار
الطلاق رجعيا (3) يترتب عليه أحكامه من النفقة، وتحريم الأخت والرابعة (4)
(ورجع هو إن شاء) ما دامت العدة باقية ولم يمنع من رجوعه مانع
كما (5) لو تزوج بأختها، أو رابعة (6) قبل رجوعها إن جوزناه (7).
نعم لو طلقها (8) بائنا في العدة جاز له الرجوع حينئذ فيها (9)،
لزوال المانع، ولو كان الطلاق (10) بائنا مع وجود العدة كالطلقة الثالثة
ففي جواز رجوعها في العدة وجهان. من (11) إطلاق الإذن فيه (12)
104

المتناول له (1). ومن (2) أن جواز رجوعها في البذل مشروط بإمكان
رجوعه في النكاح بالنظر إلى الخلع (3)، لا بسبب (4) أمر خارجي يمكن
زواله كتزويجه بأختها، ولأنه برجوعها يصير الطلاق رجعيا، وهذا (5)
لا يمكن أن يكون رجعيا.
105

ولا يخفى أن هذين (1) مصادرة على المطلوب.
لكن المشهور المنع (2). والوجهان (3) آتيان فيما لو رجعت ولما
يعلم حتى خرجت العدة حيث (4) يمكنه الرجوع لو علم. من (5) إطلاق الإذن
لها في الرجوع، ولزوم (6) الإضرار به.
والأقوى الجواز (7) هنا، للإطلاق (8)، ولأن جواز رجوعه (9)
106

مشروط بتقدم رجوعها فلا يكون (1) شرطا فيه، وإلا (2) دار.
والإضرار حصل باختياره حيث أقدم على ذلك (3) مع أن له طريقا
إلى الرجعة في الأوقات المحتملة (4) إلى آخر جزء من العدة (5).
(ولو تنازعا في القدر) أي قدر الفدية (حلفت) لأصالة
عدم زيادتها عما تعترف به منها، (وكذا) يقدم قولها مع اليمين (لو تنازعا
في الجنس) مع اتفاقهما (6) على القدر بأن اتفقا على أنها مائة لكن ادعى
أنها دنانير وادعت أنها دراهم، لأصالة عدم استحقاق ما يدعيه، ولأنه
مدع فعليه البينة فتحلف (7) يمينا جامعة بين نفي ما يدعيه، وإثبات
ما تدعيه (8) فينتفي مدعاه، وليس له أخذ ما تدعيه، لاعترافه بأنه
107

لا يستحقه. وينبغي جواز أخذه مقاصة، لا أصلا (1).
ويحتمل تحالفهما لأن كلا منهما منكر لما يدعيه صاحبه وهي (2) قاعدة
التحالف، وحينئذ (3) فيسقط ما تداعياه بالفسخ (4) أو الانفساخ (5)،
ويثبت مهر المثل (6)، إلا أن أصحابنا أعرضوا عن هذا الاحتمال (7)
رأسا، ومخالفونا (8) جزموا به (9) (أو الإرادة (10)) مع اتفاقهما
108

عليها (1) بأن اتفقا على ذكر القدر وعدم ذكر الجنس لفظا، وعلى إرادة
جنس معين لكن اختلفا في الجنس المراد (2).
وإنما كان القول قولها فيها (3)، لأن الاختلاف في إرادتها ولا يطلع
عليها إلا من قبلها فيقدم قولها فيها (4).
ويشكل (5) بأن المعتبر إرادتهما معا للجنس المعين، ولا تكفي إرادتها
خاصة، وإرادة كل منهما لا يطلع عليها إلا من قبله (6).
ولو علل (7) بأن الإرادة إذا كانت كافية عن ذكر الجنس المعين
كان الاختلاف فيها اختلافا في الجنس المعين فتقديم قولها من هذه الحيثية
لا من جهة تخصيص الإرادة.
وقال الشيخ: يبطل الخلع هنا (8) مع موافقته (9) على السابق.
109

وللقول بالتحالف هنا (1) وجه كالسابق (2).
ولو كان اختلافهما في أصل الإرادة (3) مع اتفاقهما على عدم ذكر
الجنس فقال أحدهما: أردنا جنسا معينا، وقال الآخر: إنا لم نرد،
بل أطلقنا رجع النزاع إلى دعوى الصحة والفساد (4). ومقتضى القاعدة
تقديم مدعيها (5) منهما مع يمينه (6).
ويحتمل تقديم منكرها والبطلان (7)، لأصالة عدمها (8). وهو
ظاهر القواعد (9)، وتقديم (10) قول المرأة، لرجوع النزاع إلى إرادتها
كما هو ظاهر التحرير.
وفيه ما ذكر.
(ولو قال: خلعتك على ألف في ذمتك فقالت: بل في ذمة زيد
حلف على الأقوى)، لأنه مدع وهي منكرة، لثبوت شئ في ذمتها
110

فكانت اليمين عليها. وقال ابن البراج: عليه اليمين، لأن الأصل في مال
الخلع أن يكون في ذمتها فإذا ادعت كونه في ذمة غيرها لم تسمع، لأصالة
عدم انتقالها عن ذمتها. وعلى الأول (1) لا عوض عليها، ولا على زيد،
إلا باعترافه (2)، وتبين (3) منه بمقتضى دعواه (4).
ومثله (5) ما لو قالت: بل خالعك فلان والعوض عليه،
لرجوعه (6) إلى إنكارها الخلع من قبلها، أما لو قالت: خالعتك على ألف
ضمنها فلان عني، أو دفعتها، أو أبرأتني، ونحو ذلك (7) فعليها المال
مع عدم البينة.
(والمباراة (8)) وأصلها المفارقة، قال الجوهري: تقول: بارأت
شريكي إذا فارقته، وبارأ الرجل امرأته (9) (وهي كالخلع) في الشرائط
111

والأحكام (إلا أنها) تفارقه (1) في أمور:
منها: أنها (تترتب على كراهية كل من الزوجين) لصاحبه.
فلو كانت الكراهة من أحدهما خاصة، أو خالية عنهما (2) لم تصح بلفظ
المباراة. وحيث كانت الكراهة منهما (فلا تجوز الزيادة) في الفدية
(على ما أعطاها) من المهر، بخلاف الخلع حيث كانت الكراهة منها
فجازت الزيادة. ونبه بالفاء (3) على كون هذا الحكم (4) مرتبا
على الكراهة منهما وإن كان (5) حكما آخر يحصل به الفرق بينها، وبين
الخلع.
(و) منها (6) أنه (لا بد هنا من الاتباع (7) بالطلاق)
على المشهور، بل لا نعلم فيه مخالفا، وادعى جماعة أنه إجماع، (ولو (8)
قلنا في الخلع: لا يجب) اتباعه بالطلاق، وروي (9) أنها لا تفتقر أيضا
112

إلى الأتباع، وربما كان به (1) قائل، لأن الشيخ نسب في كتابي (2)
الحديث القول بلزوم اتباعها بالطلاق إلى المحصلين من أصحابنا، وهو يدل
بمفهومه على مخالف منهم غير محصل. والمحقق في النافع نسبه (3) إلى الشهرة
وكيف كان فالعمل به (4) متعين.
وصيغتها (بارأتك) بالهمزة (على كذا) فأنت طالق.
ومنها (5) أن صيغتها لا تنحصر في لفظها، بل تقع بالكنايات الدالة
عليها كفاسختك على كذا أو أبنتك، أو بتتك، لأن البينونة تحصل
بالطلاق وهو صريح، بخلاف الخلع على القول المختار فيه (6). وينبغي
على القول بافتقاره (7) إلى الطلاق أن يكون كالمباراة.
(ويشترط في الخلع والمباراة شروط الطلاق) من كمال الزوج،
وقصده، واختياره، وكون المرأة طاهرا (8) طهرا لم يقاربها فيه بجماع
113

إن كانت مدخولا بها حائلا (1) غير يائسة، والزوج (2) حاضرا،
أو في حكمه (3)، وغيرها من الشروط (4).
114

كتاب الظهار
115

كتاب الظهار
وهو فعال من الظهر، أختص به (1) الاشتقاق، لأنه محل الركوب
في المركوب، والمراد به هنا تشبيه المكلف من يملك نكاحها بظهر محرمة
عليه أبدا بنسب، أو رضاع. قيل: أو مصاهرة، وهو (2) محرم وإن
ترتبت عليه الأحكام لقوله تعالى: " وإنهم ليقولون منكرا من
القول وزورا (3) "، لكن قيل: إنه لا عقاب فيه، لتعقبه
بالعفو (4).
ويضعف (5) بأنه وصف مطلق فلا يتعين كونه عن هذا الذنب
117

المعين (1) (وصيغته هي)، أو أنت، أو هذه، أو فلانة (علي)،
ونحوه (2)، أو محذوف الصلة (3) (كظهر أمي، أو أختي، أو بنتي)
أو غيرهن من المحرمات (ولو من الرضاع على الأشهر) في الأمرين وهما:
وقوعه بتعليقه (4) بغير الأم من المحارم النسبيات. ومحرمات الرضاع
مطلقا (5):
ومستند (6) عموم الحكم في الأول (7) مع أن ظاهر الآية (8)، وسبب (9)
118

الحكم تعلقه (1)
119

بالأم صحيحتا (1) زرارة، وجميل عن الباقر والصادق عليهما الصلاة والسلام
120

الدالتان عليه (1) صريحا، ولا شاهد للتخصيص بالأم النسبية في قوله
تعالى: " ما هن أمهاتهم "، لأنه لا ينفي غير الأم (2)، ونحن نثبت
غيرها بالأخبار الصحيحة (3)، لا بالآية (4) ولا في صحيحة (5) سيف
التمار عن الصادق عليه السلام قال: قلت له الرجل يقول لامرأته:
أنت علي كظهر أختي، أو عمتي، أو خالتي قال: فقال: " إنما ذكر الله
تعالى الأمهات وإن هذا لحرام (6) "، لأن عدم ذكره (7) لغيرهن
لا يدل على الاختصاص، ولا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة،
121

أو الخطاب، لأنه عليه السلام أجاب بالتحريم (1)، ولعل السائل استفاد
مقصوده منه (2) إذ ليس في السؤال ما يدل على موضع حاجته (3).
ومستند عمومه في الثاني (4) قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب (5) "، وقول الباقر عليه السلام في صحيحة
زرارة: " هو من كل ذي محرم من أم، أو أخت، أو عمة، أو خالة "
الحديث، وكل (6) من ألفاظ العموم يشمل المحرمة رضاعا. ومن (7)
122

في الخبر تعليلة مثلها (1) في قوله تعالى: " مما خطيئاتهم أغرقوا فادخلوا
نارا "، وقوله ويغضى من مهابته (2)،
123

أو بمعنى الباء (1) مثلها (2) في قوله تعالى: " ينظرون من طرف
خفي ". والتقدير يحرم لأجل (3).
124

الرضاع، أو بسببه (1) ما يحرم لأجل النسب، أو بسببه، والتحريم في الظهار
بسبب النسب ثابت في الجملة إجماعا فيثبت بسبب الرضاع كذلك (2)
وحينئذ (3) فيندفع ما قيل: من أن الظهار سببه (4) التشبيه بالنسب،
لا نفس النسب، فلا يلزم من كون التشبيه بالنسب سببا في التحريم كون
التشبيه بالرضاع سببا فيه، لما (5) قد عرفت من الملازمة (6)، ويمكن
أن ينبه بالأشهر (7) على ثالث (8) وهو اختصاص التشبيه بمن ذكر وهو
محرمات النسب والرضاع، دون غيرهن، لتخرج المحرمات مؤبدا بالمصاهرة
125

فقد قيل: بوقوعه (1) بالتشبيه بهن، للاشتراك في العلة وهي التحريم
المؤبد (2)، ولعموم قوله عليه السلام من كل ذي محرم (3)، ولا ينافيه
قوله عليه السلام بعد بذلك " من أم، أو أخت أو عمة "، لأن ذكرهن
للمثال، لا للحصر إذ المحرم النسبي أيضا غير منحصر فيهن. ولم يقل أحد
باختصاص الحكم (4) بالثلاثة لكن المشهور عدم وقوعه متعلقا بهن (5).
(ولا اعتبار بغير لفظ الظهر) من أجزاء البدن كقوله: أنت علي
كبطن أمي، أو يدها، أو رجلها، أو فرجها، لأصالة الإباحة، وعدم
التحريم بشئ من الأقوال، إلا ما أخرجه الدليل، ولدلالة الآية (6)،
والرواية (7) على الظهر، ولأنه (8) مشتق منه فلا يصدق بدونه.
126

وقيل: يقع بجميع ذلك (1) استنادا إلى رواية ضعيفة (2)، ولو علقه (3)
بما يشمل الظهر كالبدن والجسم (4) فالوجهان (5)، وأولى (6) بالوقوع
(ولا التشبيه بالأب) وإن عين ظهره، (أو الأجنبية) وإن شاركا
في التحريم، (أو أخت الزوجة)، لأن تحريمها غير مؤبد، ويفهم
من تخصيصها بالذكر من بين المحرمات بالمصاهرة الميل إلى التحريم بهن (7)
وإلا (8) لكان التمثيل بمن حرم منهن مؤبدا (9) أولى.
(أو مظاهرتها (10) منه)، لأصالة عدم التحريم في ذلك كله،
127

وكون (1) التحريم حكما شرعيا يقف على مورده (2) (ولا يقع إلا منجزا)
غير معلق على شرط، ولا صفة كقدوم زيد (3)، وطلوع الشمس (4)
كما لا يقع الطلاق معلقا إجماعا، وإنما كان (5) مثله لقول (6) الصادق
عليه السلام " لا يكون الظهار إلا على مثل موقع الطلاق "، ولرواية القاسم
ابن محمد قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام، إني ظاهرت من امرأتي
فقال: " كيف قلت " قال: قلت أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا
وكذا. فقال: " لا شئ عليك ولا تعد (7) ". ومثله روى (8) ابن بكير
عن أبي الحسن عليه السلام.
(وقيل) والقائل الشيخ وجماعة: (يصح تعليقه على الشرط) وهو
ما يجوز وقوعه في الحال وعدمه كدخول الدار، (لا على الصفة) وهي
ما لا يقع في الحال قطعا، بل في المستقبل كانقضاء الشهر. (وهو قوي)
لصحيحة حريز عن الصادق عليه السلام قال: " الظهار ظهاران فأحدهما
128

أن يقول: أنت علي كظهر أمي ثم يسكت فذلك الذي يكفر قبل أن
يواقع، فإذا قال أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا ففعل وجبت
عليه الكفارة حين يحنث (1) " وقريب منها (2) صحيحة عبد الرحمان بن
الحجاج عنه (3) عليه السلام فخرج الشرط عن المنع بهما (4) وبقي
غيره (5) على أصل المنع.
وأما أخبار المنع من التعليق مطلقا (6) فضعيفة جدا، لا تعارض
الصحيح (7) مع إمكان حملها (8) على اختلال بعض الشروط غير الصيغة
كسماع الشاهدين فإنه (9) لو لم يكن ظاهرا لوجب، جمعا بينهما (10)
129

لو اعتبرت (1).
(والأقرب صحة توقيته بمدة) كأن يقول: أنت علي كظهر أمي
إلى ستة أشهر مثلا، لعموم الآيات (2)، والروايات (3)، ولأن الظهار
كاليمين القابلة للاقتران بالمدة، وللأصل (4)، ولحديث (5) سلمة بن
صخر أنه ظاهر من امرأته إلى سلخ رمضان وأقره النبي صلى الله عليه وآله
وأمره بالتكفير (6) للمواقعة قبله، وإقراره حجة كفعله، وقوله صلى الله
عليه وآله وسلم.
وقيل: لا يقع مطلقا (7) لأن الله تعالى علق حل الوطئ في كل
المظاهرين بالتكفير (8) ولو وقع (9) مؤقتا أفضى إلى الحل بغيره (10)،
130

واللازم (1) كالملزوم في البطلان.
وربما فرق بين المدة الزائدة على ثلاثة أشهر، وغيرها (2)، لعدم
المطالبة بالوطء قبلها (3) وهي (4) من لوازم وقوعه (5) وهو (6) غير
كاف في تخصيص العموم.
(ولا بد من حضور عدلين) يسمعان الصيغة كالطلاق، فلو ظاهر
ولم يسمعه الشاهدان وقع لاغيا، (وكونها طاهرا من الحيض، والنفاس)
مع حضور الزوج، أو حكمه، وعدم الحبل كالطلاق وكان عليه أن ينبه
عليه. ولعله أهمله لظهور أن هذه شرائط الطلاق (وأن لا يكون قد قربها
131

في ذلك الطهر) مع حضوره أيضا كما سبق (1) فلو غاب وظن انتقالها
منه إلى غيره وقع منه مطلقا (2) (وأن يكون المظاهر كاملا) بالبلوغ،
والعقل (قاصدا) فلا يقع ظهار الصبي، والمجنون، وفاقد القصد بالإكراه
والسكر، والإغماء، والغضب إن اتفق (3).
(ويصح من الكافر) على أصح القولين، للأصل (4)، والعموم (5)،
وعدم المانع، إذ ليس عبادة يمتنع وقوعها منه، ومنعه الشيخ، لأنه لا يقر
بالشرع، والظهار حكم شرعي، ولأنه لا تصح منه الكفارة لاشتراط نية
القربة فيها فيمتنع منه الفئة وهي من لوازم وقوعه.
ويضعف بأنه (6) من قبيل الأسباب وهي (7) لا تتوقف على اعتقادها
والتمكن من التكفير متحقق بتقديمه الإسلام، لأنه قادر عليه، ولو لم يقدر
على العبادات لامتنع تكليفه بها عندنا، وإنما تقع منه باطلة لفقد شرط (8)
مقدور.
(والأقرب صحته بملك اليمين) ولو مدبرة، أو أم ولد، لدخولها
132

في عموم " والذين يظاهرون من نسائهم " (1) كدخولها (2) في قوله
تعالى: " وأمهات نسائكم " (3) فحرمت أم الموطوءة بالملك،
ولصحيحة (4) محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: وسألته عن الظهار
على الحرة والأمة فقال: نعم. وهي تشمل الموطوءة بالملك، والزوجية
وذهب جماعة إلى عدم وقوعه على ما لا يقع عليه الطلاق، لأن المفهوم
من النساء الزوجة، ولورود السبب فيها (5)، ولرواية (6) حمزة بن
حمران عن الصادق عليه السلام فيمن يظاهر أمته. قال: " يأتيها وليس
عليه شئ "، ولأن الظهار كان في الجاهلية طلاقا وهو لا يقع بها،
وللأصل (7). ويضعف (8) بمنع الحمل على الزوجة وقد سلف (9)،
والسبب (10) لا يخصص، وقد حقق في الأصول، والرواية (11) ضعيفة
133

السند، وفعل (1) الجاهلية لا حجة فيه، وقد نقل أنهم كانوا يظاهرون
من الأمة أيضا، والأصل (2) قد اندفع بالدليل.
وهل يشترط كونها مدخولا بها قيل: لا، للأصل (3)، والعموم (4).
(والمروي) صحيحا (اشتراط الدخول) روى (5) محمد بن مسلم
في الصحيح عن أحدهما قال: " لا يكون ظهارا، ولا إيلاء حتى يدخل
بها "، وفي صحيحة (6) الفضل بن يسار أن الصادق عليه السلام قال:
" لا يكون ظهارا، ولا إيلاء حتى يدخل بها " وهذا هو الأصح، وهو (7)
مخصص للعموم (8) بناء على أن خبر الواحد حجة ويخصص عموم الكتاب
(ويكفي الدبر (9))، لصدق الوطء به كالقبل.
(ويقع الظهار بالرتقاء (10) والقرناء (11) والمريضة التي لا توطء)
134

كذا ذكره المصنف وجماعة، وهو يتم على عدم اشتراط الدخول، أما
عليه فلا، لإطلاق النص (1) باشتراطه (2) من غير فرق بين من يمكن
ذلك (3) في حقه بالنظر إليه، وإليها، وغيره (4)، ولكن ذكر ذلك (5)
من اشترط الدخول كالمصنف، ومن توقف (6) كالعلامة والمحقق.
ويمكن أن يكون قول المصنف هنا من هذا القبيل (7). وكيف
135

كان فبناء الحكم (1) على اشتراط الدخول غير واضح (2)، والقول بأنه
إنما يشترط حيث يمكن (3) تحكم، ومثله (4) حكمهم بوقوعه من الخصي
والمجبوب حيث يمتنع الوطء منهما.
(وتجب الكفارة بالعود وهي) أنث الضمير لتوسطه بين مذكر
ومؤنث أحدهما مفسر للآخر قاعدة مطردة (5)، أي المراد من العود
(إرادة الوطء) لا بمعنى وجوبها (6) مستقرا بإرادته، بل (بمعنى تحريم
وطئها حتى يكفر) فلو عزم (7) ولم يفعل ولم يكفر، ثم بدا له في
136

ذلك (1) فطلقها سقطت عنه الكفارة، ورجح (2) في التحرير استقرارها (3)
به محتجا بدلالة الآية. وهي قوله تعالى " ثم يعودون لما قالوا فتحرير
رقبة " عليه (4).
وفي الدلالة (5) عليه نظر، وإنما ظاهرها (6) وجوبها بالعود قبل
أن يتماسا، لا مطلقا (7)، وإنما يحرم الوطء عليه به (8) لا عليها، إلا أن
تكون معاونة له على الإثم فيحرم لذلك (9)، لا للظهار، فلو تشبهت عليه
على وجه لا يحرم عليه، أو استدخلته وهو نائم لم يحرم عليها، لثبوت
الحل لها قبله (10) والأصل (11) بقاؤه، ويفهم من قوله (12): بمعنى تحريم
وطئها حتى يكفر، أن (13) غير الوطء من ضروب الاستمتاع لا يحرم عليه
137

وهو (1) أحد القولين في المسألة لظاهر قوله تعالى: من قبل أن يتماسا
إذ الظاهر منه الوطء كما في قوله تعالى: " من قبل أن تمسوهن "
وإن كان (2) بحسب اللغة أعم منه حذرا من الاشتراك (3)، ولا يرد (4)
استلزامه النقل والاشتراك خير منه، لأنا نجعله (5) متواطئا على معنى يشترك
فيه كثير وهو تلاقي الأبدان مطلقا (6)، وإطلاقه (7) على الوطء استعمال
اللفظ في بعض أفراده. وهو (8) أولى منهما ومن المجاز أيضا ومنه (9)
138

يظهر جواب ما احتج به الشيخ على تحريم الجميع (1) استنادا إلى إطلاق
المسيس (2).
وأما الاستناد إلى تنزيلها (3) منزلة المحرمة مؤبدا فهو مصادرة.
هذا (4) كله إذا كان الظهار مطلقا، أما لو كان مشروطا (5)
لم يحرم حتى يقع الشرط، سواء كان الشرط الوطء أم غيره.
ثم إن كان هو (6) الوطء تحقق بالنزع فتحرم المعاودة قبلها (7)
ولا تجب قبله (8) وإن طالت مدته على أصح القولين حملا على المتعارف (9).
(ولو وطء قبل التكفير عامدا) حيث يتحقق التحريم (10) (فكفارتان)
139

إحديها للوطء، والأخرى للظهار، وهي الواجبة بالعزم (1)، ولا شئ
على الناسي (2)، وفي الجاهل وجهان: من (3) أنه عامد. وعذره (4)
في كثير من نظائره.
(ولو كرر الوطء) قبل التكفير عن الظهار وإن كان قد كفر عن
الأول (5) (تكررت الواحدة (6)) وهي التي وجبت للوطء، دون
كفارة الظهار فيجب عليه ثلاث للوطء الثاني (7)، وأربع للثالث (8)
وهكذا (9)، ويتحقق تكراره (10) بالعودة بعد النزع التام، (وكفارة
الظهار بحالها) لا تتكرر بتكرر الوطء.
(ولو طلقها طلاقا بائنا، أو رجعيا وانقضت العدة حلت له من غير
140

تكفير)، لرواية (1) بريد العجلي وغيره (2)، ولصيرورته (3) بذلك (4)
كالأجنبي، واستباحة الوطء (5) ليس بالعقد الذي لحقه التحريم،
وروي (6) أن ذلك (7) لا يسقطها، وحملت (8) على الاستحباب،
ولو راجع في الرجعية عاد التحريم (9) قطعا. (وكذا (10) لو ظاهر
من أمة) هي زوجته (ثم اشتراها) من مولاها، لاستباحتها حينئذ (11)
بالملك، وبطلان حكم العقد كما بطل حكم السابق (12) في السابق (13) وكذا
141

يسقط حكم الظهار لو اشتراها (1) غيره وفسخ العقد (2)، ثم تزوجها
المظاهر (3) بعقد جديد.
(ويجب تقديم الكفارة على المسيس) لقوله تعالى: " من قبل أن
يتماسا " (ولو ماطل (4)) بالعود، أو (5) التكفير (رافعته إلى الحاكم
فينظره ثلاثة أشهر) من حين المرافعة (حتى يكفر ويفئ) أي يرجع
عن الظهار مقدما للرجعة (6) على الكفارة كما مر (7) (أو يطلق ويجبره
على ذلك (8) بعدها) أي بعد المدة (9) (لو امتنع) فإن لم يختر أحدهما
ضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يختار أحدهما، ولا يجبره على أحدهما
عينا، ولا يطلق (10) عنه كما لا يعترضه (11) لو صبرت.
142

كتاب الإيلاء
143

كتاب الإيلاء
الإيلاء (و) هو مصدر (1) آلى يولي إذا حلف مطلقا (2) وشرعا
(هو الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة) المدخول بها قبلا (3) أو مطلقا
(أبدا (4)، أو مطلقا) من غير تقييد بزمان، (أو زيادة (5) على أربعة
أشهر، للإضرار بها) فهو (6) جزئي من جزئيات الإيلاء الكلي
أطلق عليه (7). والحلف فيه (8) كالجنس يشمل الإيلاء الشرعي وغيره،
145

والمراد الحلف بالله تعالى كما سيأتي.
وتقييده بترك وطء الزوجة يخرج اليمين على غيره (1) فإنه
لا يلحقه (2) أحكام الإيلاء الخاصة به، بل (3) حكم مطلق اليمين،
وإطلاق الزوجة يشمل الحرة، والأمة المسلمة، والكافرة، وخرج بها (4)
الحلف على ترك وطء الأمة الموطوءة بالملك. وتقييدها (5) بالدائمة، المتمتع بها
فإن الحلف على وطئهما لا يعد إيلاء، بل يمينا مطلقا فيتبع الأولى في الدين،
أو الدنيا (6)، فإن تساويا انعقد يمينا يلزمه حكمه، وكذا (7) الحلف على ترك
وطء الدائمة مدة لا تزيد عن أربعة أشهر.
وزدنا في التعريف قيد المدخول بها لما هو المشهور بين الأصحاب من
اشتراطه من غير نقل الخلاف فيه، وقد اعترف المصنف في بعض تحقيقاته
146

بعدم وقوفه على خلاف فيه، والأخبار (1) الصحيحة مصرحة باشتراطه (2)
فيه وفي الظهار وقد تقدم (3) بعضها، وقيد القبل، أو مطلقا احترازا
عما لو حلف على ترك وطئها دبرا فإنه لا ينعقد إيلاء كما لا تحصل الفئة به.
واعلم أن كل موضع لا ينعقد إيلاء مع اجتماع شرائط اليمين يكون
يمينا. والفرق بين اليمين، والايلاء مع اشتراكهما في أصل الحلف والكفارة
الخاصة. جواز مخالفة اليمين في الإيلاء، بل وجوبها (4) على وجه مع
الكفارة، دون اليمين المطلقة، وعدم اشتراط انعقاده (5) مع تعلقه بالمباح
بأولويته دينا، أو دنيا، أو (6) تساوي طرفيه، بخلاف اليمين (7)
147

واشتراطه (1) بالإضرار بالزوجة كما علم من تعريفه (2) فلو حلف على ترك
وطئها لمصلحتها كإصلاح لبنها، أو كونها مريضة كان يمينا، لا إيلاء،
واشتراطه (3) بدوام عقد الزوجة، دون مطلق اليمين (4)، وانحلال
اليمين على ترك وطئها بالوطء دبرا مع الكفارة، دون الإيلاء (5) إلى غير
ذلك من الأحكام المختصة بالإيلاء المذكورة في بابه (6).
(ولا ينعقد الإيلاء) كمطلق اليمين (إلا باسم الله تعالى) المختص به
أو الغالب كما سبق تحقيقه في اليمين (7)، لا بغيره من الأسماء وإن كانت
معظمة، لأنه (8) حلف خاص وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم " ومن
كان حالفا فليحلف بالله تعالى، أو فليصمت (9) " ولا تكفي نيته (10)،
بل يعتبر كونه (متلفظا به (11)) ولا يختص بلغة، بل ينعقد (بالعربية
وغيرها) لصدقه عرفا بأي لسان اتفق، (ولا بد في المحلوف عليه) وهو
148

الجماع في القبل (من اللفظ الصريح) الدال عليه (1) (كإدخال الفرج
في الفرج)، أو تغيب الحشفة فيه، (أو اللفظة المختصة بذلك) لغة
وعرفا وهي مشهورة (2)،
(ولو تلفظ بالجماع، أو الوطء وأراد الإيلاء صح)، وإلا (3)
فلا، لاحتمالهما (4) إرادة غيره، فإنهما وضعا لغة لغيره (5) وإنما كني
بهما عنه (6) عدولا عما يستهجن إلى بعض لوازمه ثم اشتهر فيه (7) عرفا
فوقع به مع قصده (8).
والتحقيق أن القصد معتبر في جميع الألفاظ وإن كانت صريحة،
فلا وجه لتخصيص اللفظين به (9). واشتراكهما أو إطلاقهما (10) لغة
149

على غيره لا يضر مع إطباق العرف على انصرافهما إليه (1). وقد روى
أبو بصير في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن الإيلاء
ما هو؟ قال: " هو أن يقول الرجل لامرأته والله لا أجامعك كذا
وكذا " (2) الحديث ولم يقيده (3) بالقصد فإنه معتبر مطلقا (4)،
بل أجاب به (5) في جواب " ما هو " المحمول على نفس الماهية، فيكون
حقيقة (6) الإيلاء، ودخول غيره (7) من الألفاظ الصريحة حينئذ (8)
150

بطريق أولى فلا ينافيه (1) خروجها عن الماهية المجاب بها.
نعم يستفاد منه (2) أنه لا يقع بمثل المباضعة، والملامسة والمباشرة
التي يعبر بها عنه (3) كثيرا وإن قصده (4)، لاشتهار اشتراكها (5)،
خلافا لجماعة حيث حكموا بوقوعه بها (6).
151

نعم لو تحقق في العرف انصرافها، أو بعضها إليه وقع به (1).
ويمكن أن تكون فائدة تقييده (2) بالإرادة أنه لا يقع (3) عليه
ظاهرا بمجرد سماعه موقعا للصيغة بهما، بل يرجع إليه في قصده فإن
اعترف بإرادته (4) حكم عليه به، وإن ادعى عدمه قبل (5)، بخلاف ما
لو سمع منه الصيغة الصريحة فإنه لا يقبل منه دعوى عدم القصد،
عملا بالظاهر من حال العاقل المختار، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فيرجع
إلى نيته.
152

(ولو كنى بقوله: لا جمع رأسي ورأسك مخدة واحدة، أو
لا ساقفتك) بمعنى لا جمعني وإياك سقف (وقصد الإيلاء) أي الحلف
على ترك وطئها (حكم الشيخ) والعلامة في المختلف (بالوقوع)، لأنه
لفظ استعمل عرفا فيما نواه فيحمل عليه كغيره من الألفاظ، ولدلالة
ظاهر الأخبار (1) عليه حيث دلت على وقوعه (2) بقوله: لأغيضنك،
فهذه (3) أولى، وفي حسنة (4) بريد عن الصادق عليه السلام أنه قال:
" إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته، ولا يمسها. ولا يجمع رأسه
ورأسها فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر ".
والأشهر عدم الوقوع (5)، لأصالة الحل، واحتمال (6) الألفاظ
لغيره احتمالا ظاهرا فلا يزول الحل المتحقق بالمحتمل (7)،
153

والروايات (1) ليست صريحة فيه.
ويمكن كون الواو في الأخيرة (2) للجمع فيتعلق الإيلاء بالجميع،
ولا يلزم تعلقه بكل واحد.
واعلم أن اليمين في جميع هذه المواضع (3) تقع على وفق ما قصده
من مدلولاتها (4)، لأن اليمين تتعين بالنية حيث تقع الألفاظ محتملة (5)،
فإن قصد بقوله: لا جمع رأسي ورأسك مخدة نومهما مجتمعين عليها
انعقدت كذلك (6) حيث لا أولوية في خلافها (7)،
154

وإن قصد به (1) الجماع انعقد كذلك (2)، وكذا غيره (3) من الألفاظ
حيث لا يقع الإيلاء به (4).
(ولا بد من تجريده عن الشرط والصفة (5)) على أشهر القولين
لأصالة عدم الوقوع في غير المتفق عليه وهو المجرد عنهما.
وقال الشيخ في المبسوط والعلامة في المختلف: يقع معلقا عليهما،
155

لعموم القرآن (1) السالم عن المعارض. والسلامة عزيزة (2).
(ولا يقع (3) لو جعله يمينا (4)) كأن يقول: " إن فعلت
156

كذا فوالله لا جامعتك " قاصدا تحقيق الفعل (1) على تقدير المخالفة (2)
زجرا لها عن ما علقه عليه (3)، وبهذا (4) يمتاز عن الشرط (5)
مع اشتراكهما في مطلق التعليق (6) فإنه لا يريد من الشرط (7) إلا مجرد
التعليق، لا الالتزام في المعلق عليه (8).
ويتميزان (9) أيضا بأن الشرط أعم من فعلهما، واليمين لا تكون
157

متعلقة إلا بفعلها، أو فعله (1).
وعدم وقوعه يمينا (2)،
158

بعد اعتبار تجريده (1) عن الشرط، واختصاص الحلف بالله (2) تعالى
واضح.
(أو حلف بالطلاق أو العتاق) بأن قال إن وطأتك ففلانة - إحدى
زوجاته - طالق أو عبده حر، لأنه يمين بغير الله تعالى.
(ويشترط في المولي الكمال بالبلوغ والعقل والاختيار والقصد) إلى مدلول
لفظه، فلا يقع من الصبي والمجنون والمكره والساهي والعابث ونحوهم
ممن لا يقصد الإيلاء (ويجوز من العبد) بدون إذن مولاه اتفاقا حرة كانت
زوجته أم أمة إذ لا حق لسيده في وطئه لها، بل له (3) الامتناع منه
وإن أمره به (ومن (4)) الكافر (الذمي) لامكان وقوعه منه حيث
يقر بالله تعالى (5)، ولا ينافيه (6) وجوب الكفارة المتعذرة منه حال
كفره، لإمكانها في الجملة (7) كما تقدم في الظهار، وكان ينبغي أن يكون
159

فيه خلاف مثله (1) للاشتراك في العلة (2)، لكن لم ينقل هنا، ولا وجه
للتقييد بالذمي، بل الضابط الكافر المقر بالله تعالى ليمكن حلفه به.
(وإذا تم الإيلاء) بشرائطه (فللزوجة المرافعة) إلى الحاكم (مع امتناعه
عن الوطء فينظره الحاكم أربعة أشهر ثم يجبره بعدها على الفئة) وهي
وطؤها قبلا ولو بمسماه بأن تغيبت الحشفة وإن لم ينزل مع القدرة أو إظهار
العزم عليه أول أوقات الإمكان مع العجز (أو الطلاق) فإن فعل أحدهما
وإن كان الطلاق رجعيا خرج من حقها (3) وإن امتنع منهما ضيق عليه
في المطعم والمشرب ولو بالحبس حتى يفعل أحدهما وروي (4)
أن " أمير المؤمنين (ع) " كان يحبسه في حظيرة (5) من قصب ويعطيه ربع
قوته حتى يطلق (ولا يجبره) الحاكم (على أحدهما عينا) ولا يطلق
عنه بل يخيره بينهما.
(ولو آلى مدة معينة) تزيد عن الأربعة (ودافع) فلم يفعل أحد
الأمرين (6) (حتى انقضت) المدة (سقط حكم (7) الإيلاء)، لانحلال
اليمين بانقضاء مدته (8) ولم تلزمه الكفارة مع الوطء وإن أثم بالمدافعة
160

(ولو اختلفا في انقضاء المدة) المضروبة (1) (قدم قول مدعي البقاء (2))
مع يمينه، لأصالة عدم الانقضاء (ولو اختلفا في زمان وقوع الإيلاء (3)
حلف من يدعي تأخره)، لأصالة عدم التقدم، والمدعي للانقضاء في
الأول (4) هو الزوجة، لتطالبه (5) بأحد الأمرين، ولا يتوجه كونها
منه (6)، أما الثاني (7) فيمكن وقوعها من كل منهما فتدعي هي تأخر
161

زمانه (1) إذا كان مقدرا بمدة لم تمض قبل المدة المضروبة فترافعه ليلزم (2)
بأحدهما، ويدعي تقدمه (3) على وجه تنقضي مدته قبل المدة المضروبة
ليسلم من الإلزام بأحدهما وقد يدعي تأخره (4) على وجه لا تتم الأربعة
المضروبة، لئلا يلزم إذا جعلنا مبدأها (5) من حين الإيلاء. وتدعي
162

هي تقدمه (1) لتتم.
(ويصح الإيلاء من الخصي (2) والمجبوب (3)) إذا بقي منه (4)
قدر يمكن معه الوطء إجماعا ولو لم يبق ذلك فكذلك (5) عند المصنف
وجماعة، لعموم الآيات (6)، وإطلاق الروايات (7)،
163

والأقوى عدم الوقوع (1)، لأن متعلق (2) اليمين ممتنع كما لو حلف
أن لا يصعد إلى السماء، ولأن شرطه الإضرار بها. وهو غير متصور
هنا (3) (وفئته (4)) على تقدير وقوعه منه (5) (العزم على الوطء
مظهرا له) أي للعزم عليه (6) (معتذرا من عجزه)، وكذا فئة
الصحيح (7) (لو انقضت المدة وله مانع من الوطء) عقلي كالمرض (8)،
أو شرعي كالحيض، أو عادي كالتعب، والجوع، والشبع.
(ومتى وطء) المولي (لزمته الكفارة، سواء كان في مدة التربص)
أو قبلها لو جعلناها (9) من حين المرافعة (أو بعدها (10)) لتحقق الحنث
في الجميع وهو في غير الأخير (11) موضع وفاق، ونفاها فيه (12) الشيخ
164

في المبسوط، لأصالة البراءة، وأمره به (1) المنافي للتحريم الموجب للكفارة
والأصح إنه (2) كغيره، لما ذكر (3) ولقوله تعالى: " ذلك كفارة
أيمانكم إذا حلفتم (4) " ولم يفصل، ولقول الصادق عليه السلام
في من آلى من امرأته فمضت أربعة أشهر: " يوقف فإن عزم الطلاق بانت
منه، وإلا كفر يمينه وأمسكها " (5).
(ومدة الإيلاء (6) من حين الترافع) في المشهور كالظهار، لأن
ضرب المدة إلى الحاكم فلا يحكم بها قبلها (7) ولأنه (8) حقها فيتوقف
165

على مطالبتها، ولأصالة عدم التسلط على الزوج بحبس، وغيره (1) قبل
تحقق السبب (2).
وقيل من حين الإيلاء (3) عملا بظاهر الآية (4) حيث رتب التربص
عليه من غير تعرض للمرافعة، وكذا الأخبار (5). وقد تقدم في الخبر
السابق (6) ما يدل عليه. وفي حسنة بريد عن الصادق عليه السلام قال:
" لا يكون إيلاء ما لم يمض أربعة أشهر، فإذا مضت وقف، فإما أن
يفئ، وإما أن يعزم على الطلاق " (7). فعلى هذا لو لم ترافعه حتى
انقضت المدة أمره بأحد الأمرين (8) منجزا (ويزول حكم الإيلاء بالطلاق
166

البائن)، لخروجها عن حكم الزوجية. والظاهر أن هذا الحكم (1) ثابت
وإن عقد عليها ثانيا في العدة، لأن العقد لم يرفع حكم الطلاق، بل أحدث
نكاحا جديدا كما لو وقع (2) بعد العدة، بخلاف الرجعة في الرجعي (3)
ولو كان الطلاق رجعيا خرج من حقها (4)، لكن لا يزول حكم الإيلاء
إلا بانقضاء العدة،، فلو راجع فيها بقي التحريم (5).
وهل يلزم حينئذ بأحد الأمرين بناء (6) على المدة السابقة (7) أم
يضرب له مدة ثانية، ثم يوقف بعد انقضائها؟ وجهان. من (8) بطلان
167

حكم الطلاق، وعود النكاح الأول بعينه (1) ومن ثم جاز طلاقها قبل
الدخول وكان الطلاق (2) رجعيا، بناء على عود النكاح الأول، وأنها
في حكم الزوجة ومن (3) سقوط الحكم عنه بالطلاق فيفتقر (4) إلى حكم
جديد، استصحابا (5) لما قد ثبت. وبهذا (6) جزم في التحرير.
ثم إن طلق وفى (7)، وإن راجع ضربت له مدة أخرى وهكذا.
(وكذا يزول حكم (8) الإيلاء بشراء الأمة (9) ثم عتقها وتزوجها)
بعده (10) لبطلان العقد الأول بشرائها (11)، وتزويجها بعد العتق حكم جديد
168

كتزويجها بعد الطلاق البائن، بل أبعد (1)
ولا فرق (2) بين تزويجها بعد العتق (3)، وتزويجها به (4) جاعلا
له مهرا، لاتحاد العلة (5)، وهل يزول (6) بمجرد شرائها من غير عتق؟
الظاهر ذلك (7)، لبطلان العقد بالشراء، واستباحتها حينئذ (8) بالملك.
وهو (9) حكم جديد غير الأول، ولكن الأصحاب فرضوا المسألة (10)
كما هنا.
169

نعم لو انعكس الفرض بأن كان المولي عبدا فاشترته الزوجة توقف
حلها له على عتقه، وتزويجه ثانيا. والظاهر بطلان الإيلاء هنا (1) أيضا
بالشراء وإن توقف حلها له على الأمرين (2) كما بطل (3) بالطلاق البائن
وإن لم يتزوجها.
وتظهر الفائدة (4) فيما لو وطئها بعد ذلك (5) بشبهة، أو حراما
فإنه لا كفارة إن أبطلناه (6) بمجرد الملك والطلاق.
(ولا تتكرر الكفارة بتكرر اليمين)، سواء (قصد التأكيد (7))
وهو تقوية الحكم السابق، (أو التأسيس) وهو إحداث حكم آخر، أو
أطلق (8) (إلا مع تغاير الزمان) أي زمان الإيلاء وهو الوقت المحلوف
170

على ترك الوطء فيه، لا زمان الصيغة، بأن يقول: والله لا وطئتك ستة
أشهر فإذا انقضت فوالله لا وطئتك سنة (1) فيتعدد الإيلاء إن قلنا بوقوعه
معلقا على الصفة. وحينئذ (2) فلها المرافعة لكل منهما (3)، فلو ماطل
في الأول (4) حتى انقضت مدته انحل ودخل الآخر (5) وعلى ما
اختاره المصنف سابقا من اشتراط تجريده (6) عن الشرط والصفة يبطل
الثاني (7)، ولا يتحقق تعدد الكفارة بتعدده (8)، ولا يقع الاستثناء (9)
موقعه.
171

(وفي الظهار خلاف (1) أقربه التكرار) بتكرر الصيغة سواء فرق
الظهار أم تابعه في مجلس واحد، وسواء قصد التأسيس أم لم يقصد (2)
ما لم يقصد التأكيد، لصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال:
سألته عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرات، أو أكثر فقال عليه السلام:
" قال علي عليه السلام: مكان كل مرة كفارة (3) " وغيرها (4) من
الأخبار.
وقال ابن الجنيد لا تتكرر (5) إلا مع تغاير المشبهة بها، أو تخلل
التكفير (6)،
172

استنادا إلى خبر (1) لا دلالة فيه على مطلوبه.
(وإذا وطئ المولي ساهيا، أو مجنونا، أو لشبهة) لم تلزمه كفارة،
لعدم الحنث (وبطل حكم الإيلاء عند الشيخ)، لتحقق الإصابة (2)،
ومخالفة مقتضى اليمين، كما يبطل لو وطء متعمدا لذلك (3) وإن وجهت
الكفارة. وتبعه على هذا القول جماعة. ونسبة المصنف القول إليه (4)
يشعر بتمريضه.
173

ووجهه أصالة البقاء (1)، واغتفار (2) الفعل بالأعذار، وكون (3)
الإيلاء يمينا. وهي (4) في النفي تقتضي الدوام، والنسيان والجهل (5) لم
يدخلا تحت مقتضاها، لأن الغرض من البعث (6) والزجر (7) في اليمين
174

إنما يكون عند ذكرها، وذكر المحلوف عليه (1) حتى يكون تركه (2)
لأجل اليمين. مع أنه (3) في قواعده استقرب انحلال اليمين مطلقا (4)
بمخالفة مقتضاها نسيانا وجهلا وإكراها مع عدم الحنث (5)، محتجا (6)
بأن المخالفة قد حصلت وهي (7) لا تتكرر، وبحكم (8) الأصحاب ببطلان
الإيلاء بالوطء ساهيا مع أنها يمين. فنسب الحكم المذكور (9) هنا إلى
الأصحاب، لا إلى الشيخ وحده. وللتوقف (10) وجه.
(ولو ترافع الذميان إلينا) في حكم الإيلاء (تخير الإمام، أو الحاكم)
175

المترافع إليه (بين الحكم بينهم بما يحكم على المولي المسلم، وبين ردهم إلى
أهل ملتهم) جمع الضمير (1) للاسم المثنى تجوزا، أو بناء على وقوع الجمع
عليه حقيقة كما هو أحد القولين (ولو آلى ثم ارتد) عن ملة (حسب
عليه من المدة) التي تضرب له (زمان (2) الردة على الأقوى)، لتمكنه
من الوطء بالرجوع عن الردة فلا تكون (3) عذرا لانتفاء معناه (4).
وقال الشيخ: لا يحتسب عليه مدة الردة، لأن المنع (5) بسبب
الارتداد، لا بسبب الإيلاء، كما لا يحتسب مدة الطلاق منها (6) لو راجع
وإن كان يمكنه (7) المراجعة في كل وقت.
وأجيب بالفرق بينهما (8) فإن المرتد إذا عاد إلى الإسلام تبين أن
176

النكاح لم يرتفع، بخلاف الطلاق فإنه، لا ينهدم بالرجعة (1) وإن عاد حكم (2)
النكاح السابق كما سبق (3) ولهذا لو راجع المطلقة تبقى معه على طلقتين.
ولو كان ارتداده عن فطرة فهو بمنزلة الموت يبطل معها (4) التربص،
وإنما أطلقه (5)، لظهور حكم الارتدادين.
177

كتاب اللعان
179

كتاب اللعان (1)
وهو لغة المباهلة (2) المطلقة، أو فعال (3) من اللعن، أو جمع
له (4) وهو (5) الطرد والإبعاد من الخير، والاسم (6) اللعنة. وشرعا
هو المباهلة بين الزوجين في إزالة حد، أو نفي ولد بلفظ مخصوص عند
الحاكم.
(وله سببان: أحدهما رمي الزوجة المحصنة) بفتح الصاد وكسرها
(المدخول بها) دخولا يوجب تمام المهر، وسيأتي الخلاف في اشتراطه (7)
(بالزنا (8) قبلا، أو دبرا مع دعوى المشاهدة) للزنا، وسلامتها من الصمم
والخرس، ولو انتفى أحد الشرائط ثبت الحد (9) من غير لعان، إلا مع
181

عدم الإحصان (1) فالتعزير كما سيأتي.
(والمطلقة رجعية زوجة (2)) بخلاف البائن (3).
وشمل إطلاق رميها ما إذا ادعى وقوعه (4) زمن الزوجية
وقبله وهو في الأول (5) موضع وفاق، وفي الثاني (6) قولان. أجودهما
ذلك (7) اعتبارا (8) بحال القذف.
(وقيل) والقائل الشيخ والمحقق والعلامة وجماعة: (و) يشترط
زيادة على ما تقدم (عدم البينة) على الزنا على وجه يثبت (9) بها،
فلو كان له بينة لم يشرع اللعان، لاشتراطه (10) في الآية بعدم الشهداء،
182

والمشروط (1) عدم عند عدم شرطه (2)، ولأن اللعان حجة ضعيفة،
لأنه إما شهادة لنفسه، أو يمين فلا يعمل به مع الحجة القوية وهي البينة،
ولأن حد الزنا مبني على التخفيف (3)،
183

فناسب نفي اليمين فيه، ونسبته (1) إلى القول يؤذن بتوقفه فيه.
ووجهه (2) أصالة عدم الاشتراط، والحكم في الآية وقع مقيدا
بالوصف (3) وهو لا يدل على نفيه عما عداه، وجاز خروجه (4) مخرج
الأغلب، وقد روي (5) أن النبي صلى الله عليه وآله لا عن بين عويمر
العجلاني، وزوجته ولم يسألهما عن البينة (والمعني بالمحصنة العفيفة)
عن وطء محرم لا يصادف ملكا (6) وإن اشتمل على عقد، لا ما صادفه (7)
184

وإن حرم كوقت الحيض، والإحرام، والظهار فلا تخرج به (1)
عن الإحصان، وكذا وطء الشبهة (2)، ومقدمات الوطء مطلقا (3)
(فلو رمى المشهورة بالزنا) ولو مرة (4) (فلا حد ولا لعان) بل يعزر
(ولا يجوز القذف إلا مع المعاينة للزنا كالميل في المكحلة (5)) ليترتب
عليه اللعان إذ هو (6) شهادة، أو في معناها (لا بالشياع، أو غلبة
الظن) بالفعل فإن ذلك لا يجوز الاعتماد عليه في ثبوت الزنا.
هذا إذا لم يشترط في الشياع حصول العلم بالخبر فإنه حينئذ (7)
يكون كالبينة وهي (8) لا تجوز القذف أيضا أما لو اشترطنا فيه العلم
185

لم يبعد الجواز به (1) لأنه (2) حينئذ كالمشاهدة.
(الثاني (3). إنكار من ولد على فراشه بالشرائط السابقة) المعتبرة
في إلحاق الولد به، وهي وضعه لستة أشهر فصاعدا من حين وطئه،
ولم يتجاوز حملها أقصى مدته، وكونها موطوءته بالعقد الدائم (وإن سكت
حال الولادة) ولم ينفه (على الأقوى)، لأن السكوت أعم من الاعتراف به
فلا يدل عليه.
وقال الشيخ: ليس له إنكاره حينئذ (4) لحكم الشارع بإلحاقه به
بمجرد الولادة العاري عن النفي، إذ اللحوق لا يحتاج إلى غير الفراش
فيمتنع أن يزيل إنكاره حكم الشارع، ولأدائه إلى عدم استقرار الأنساب.
وفيه (5) أن حكم الشارع بالإلحاق مبني على أصالة عدم النفي (6).
أو على الظاهر (7) وقد ظهر خلافه (8)، ولو لم يمكنه النفي حالة الولادة
إما لعدم قدرته عليه لمرض، أو حبس، أو اشتغال بحفظ ماله من حرق
أو غرق، أو لص ولم يمكنه الإشهاد، ونحو ذلك، أو لعدم علمه بأن له
186

النفي لقرب عهده بالإسلام، أو بعده عن الأحكام فلا إشكال في قبوله (1)
عند زوال المانع، ولو ادعى عدم العلم به (2) قبل مع إمكانه في حقه (3)
وإنما يجوز له نفيه باللعان على أي وجه كان (ما لم يسبق الاعتراف منه به
صريحا، أو فحوى) فالأول (4) ظاهر. والثاني (5) أن يجيب المبشر
بما يدل على الرضا به والاعتراف (مثل أن يقال له: بارك الله لك في هذا
الولد فيؤمن (6)، أو يقول: إن شاء الله، بخلاف) قوله في الجواب
(بارك الله فيك وشبهه) كأحسن الله إليك ورزقك الله مثله فإنه لا يقتضي
الإقرار، لاحتماله غيره احتمالا ظاهرا.
(ولو قذفها بالزنا ونفي الولد وأقام بينة) بزناها (سقط الحد)
عنه، لأجل القذف بالبينة (ولم ينتف عنه الولد إلا باللعان)، لأنه
لاحق بالفراش وإن زنت أمه كما مر (7)، ولو لم يقم بينة كان له
اللعان للأمرين (8) معا، وهل يكتفى بلعان واحد (9) أم يتعدد. وجهان
187

من أنه (1) كالشهادة أو اليمين وهما (2) كافيان على ما سبق عليهما
من الدعوى. ومن (3) تعدد السبب الموجب لتعدد المسبب إلا ما أخرجه
الدليل (4).
(ولا بد من كون الملاعن كاملا) بالبلوغ والعقل، ولا يشترط العدالة
ولا الحرية، ولا انتفاء الحد عن قذف، ولا الإسلام، بل يلاعن (ولو كان
كافرا)، أو مملوكا، أو فاسقا، لعموم الآية (5)، ودلالة الروايات (6)
عليه.
وقيل: لا يلاعن الكافر، ولا المملوك بناء على أنه شهادات كما يظهر
من قوله تعالى: " فشهادة أحدهم " وهما ليسا من أهلها وهو (7) ممنوع
لجواز كونه (8) أيمانا، لافتقاره إلى ذكر اسم الله تعالى، واليمين يستوي
فيه العدل والفاسق، والحر والعبد، والمسلم والكافر، والذكر والأنثى
188

وما ذكره (1) معارض بوقوعه (2) من الفاسق إجماعا (ويصح لعان
الأخرس بالإشارة المعقولة إن أمكن معرفته (3) اللعان) كما يصح منه إقامة
الشهادة، والإيمان، والإقرار، وغيرها من الأحكام (4)، ولعموم الآية (5).
وقيل: بالمنع (6)، والفرق (7) لأنه (8) مشروط بالألفاظ الخاصة
دون الإقرار والشهادة فإنهما يقعان بأي عبارة اتفقت، ولأصالة عدم
ثبوته (9) إلا مع تيقنه وهو (10) منتف هنا.
وأجيب بأن الألفاظ الخاصة إنما تعتبر مع الإمكان، وإشارته قائمة
مقامها (11) كما قامت في الطلاق وغيره من الأحكام المعتبرة بالألفاظ الخاصة.
189

نعم استبعاد فهمه له (1) موجه، لكنه غير مانع، لأن الحكم مبني
عليه (2).
(ويجب) على ذي الفراش مطلقا (3) (نفي الولد) المولود على
فراشه (إذا عرف اختلال شروط الإلحاق (4)) فيلاعن وجوبا، لأنه لا ينتفي
بدونه (5) (ويحرم) عليه نفيه (بدونه) أي بدون علمه باختلال شروط
الإلحاق (وإن ظن انتفائه عنه) بزنا أمه، أو غيره (6) (أو خالفت
صفاته صفاته)، لأن ذلك لا مدخل له في الإلحاق، والخالق على كل
شئ قدير، والحكم مبني على الظاهر ويلحق الولد بالفراش دون غيره،
ولو يلم يجد من علم انتفاءه من يلاعن بينهما لم يفده نفيه مطلقا (7).
وفي جواز التصريح به (8) نظر، لانتفاء الفائدة. مع (9) التعريض
بالقذف إن لم يحصل التصريح.
190

(ويعتبر في الملاعنة الكمال، والسلامة من الصمم والخرس) فلو
قذف الصغيرة فلا لعان، بل يحد إن كانت في محل الوطء كبنت الثماني،
وإلا عزر خاصة للسب المتيقن كذبه (1) ولو قذف المجنونة بزنا أضافه
إلى حالة الجنون عزر، أو حالة (2) الصحة فالحد، وله إسقاطه (3)
باللعان بعد إفاقتها، وكذا لو نفى ولدها (4) ولو قذف الصماء والخرساء
حرمتا عليه أبدا ولا لعان، وفي لعانهما (5) لنفي الولد وجهان. من (6)
عدم النص فيرجع إلى الأصل (7). ومساواته (8) للقذف في الحكم.
191

والأوجه الأول (1)، لعموم النص (2). ومنع المساواة (3) مطلقا وقد
تقدم البحث في ذلك (4).
(والدوام) فلا يقع بالمتمتع بها، لأن ولدها ينتفي بنفيه من
غير لعان (إلا أن يكون اللعان لنفي الحد) بسبب القذف فيثبت (5)،
لعدم المانع (6)، مع عموم النص (7)، وهذا (8) جزم من المصنف بعد
التردد، لأنه فيما سلف نسب الحكم به إلى قول (9).
192

وقد تقدم (1) أن الأقوى عدم ثبوت اللعان بالمتمتع بها مطلقا (2)
وأن المخصص للآية صحيحة (3) محمد بن سنان عن الصادق عليه السلام.
(وفي اشتراط الدخول) بالزوجة في لعانهما (قولان) مأخذهما
عموم (4) الآية فإن أزواجهم، فيها جمع مضاف فيعم المدخول بها،
وغيرها، وتخصيصها (5) برواية محمد بن مضارب قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: ما تقول في رجل لاعن امرأته قبل أن يدخل بها. قال:
" لا يكون ملاعنا حتى يدخل بها يضرب حدا وهي امرأته " (6)
والمستند إليه ضعيف (7)، أو متوقف فيه، فالتخصيص (8) غير متحقق،
193

ولكن يشكل ثبوته (1) مطلقا، لأن ولد غير المدخول بها لا يلحق بالزوج
فكيف يتوقف نفيه على اللعان. نعم يتم ذلك (2) في القذف بالزنا.
فالتفصيل (3) كما ذهب إليه ابن إدريس حسن، لكنه حمل اختلاف
الأصحاب عليه (4). وهو (5) صلح من غير تراضي الخصمين، لأن النزاع
194

معنوي، لا لفظي بين الفريقين (1)، بل النزاع لا يتحقق إلا في القذف،
للإجماع على انتفاء الولد عند عدم اجتماع شروط اللحوق بغير لعان، وإن
كان كلامهم هنا (2) مطلقا.
(ويثبت) اللعان (بين الحر و) زوجته (المملوكة لنفي الولد أو)
نفي (التعزير) بقذفها، للعموم (3)، وصحيحة (4) محمد بن مسلم عن
الباقر عليه السلام قال: سألته عن الحر يلاعن المملوكة قال: " نعم إذا
كان مولاها الذي زوجها إياه لاعنها "، وغيرها (5).
وقيل: لا لعان بينهما مطلقا (6) استنادا إلى أخبار (7) دلت على
نفيه بين الحر والمملوكة، وحملها (8) على كونها مملوكة للقاذف طريق
195

الجمع بينها، وبين ما ذكرناه من وقوعه بالزوجة المملوكة صريحا.
وفصل (1) ابن إدريس هنا غير جيد فأثبته (2) مع نفي الولد،
دون القدف، نظرا إلى عدم الحد به (3) لها. ولكن دفع التعزير به (4)
كاف مضافا إلى ما دل عليه (5) مطلقا. ووافقه عليه (6) فخر المحققين
محتجا بأنه جامع بين الأخبار، والجمع بينهما بما ذكرناه أولى (ولا يلحق
ولد المملوكة بمالكها إلا بالإقرار به) على أشهر القولين، والروايتين (7)
196

(ولو اعترف بوطئها، ولو نفاه انتفى بغير لعان) إجماعا، وإنما الخلاف
في أنه هل يلحق به بمجرد إمكان كونه (1) منه وإن لم يقر به (2)
أم لا بد من العلم بوطئه، وإمكان لحوقه به (3)، أو إقراره به (4).
فعلى ما اختاره المصنف (5) والأكثر (6)،
197

لا يلحق به إلا بإقراره (1)، ووطئه وإمكان لحوقه به (2)، وعلى القول
الآخر (3) لا ينتفي إلا بنفيه (4)، أو العلم بانتفائه عنه (5).
ويظهر من العبارة (6) وغيرها من عبارة المحقق والعلامة: أنه لا يلحق
به إلا بإقراره، فلو سكت ولم ينفه ولم يقر به لم يلحق به وجعلوا ذلك
فائدة عدم كون الأمة فراشا بالوطئ (7).
والذي حققه جماعة أنه يلحق به بإقراره، أو العلم بوطئه، وإمكان
لحوقه به (8) وإن لم يقر به وجعلوا الفرق بين الفراش وغيره: أن الفراش
198

يلحق به الولد وإن لم يعلم وطئه، مع إمكانه (1) إلا مع النفي واللعان (2)،
وغيره (3) من الأمة والمتمتع بها يلحق به الولد إلا مع النفي، وحملوا
عدم لحوقه إلا بالإقرار على اللحوق اللازم (4)، لأنه بدون الإقرار ينتفي
بنفيه من غير لعان، ولو أقر به استقر ولم يكن له نفيه بعده (5) وهذا
هو الطاهر. وقد سبق في أحكام الأولاد (6) ما ينبه عليه، ولولا هذا
المعنى (7) لنافى (8) ما ذكروه هنا (9) ما (10)،
199

حكموا به فيما سبق من لحوقه به بشرطه (1).
(القول في كيفية اللعان وأحكامه، يجب كونه عند الحاكم) وهو
هنا الإمام عليه السلام (أو من نصبه) للحكم (2)، أو اللعان بخصوصه (3)
(ويجوز التحكيم فيه) من الزوجين (للعالم المجتهد) وإن كان الإمام
ومن نصبه موجودين، كما يجوز التحكيم في غيره من الأحكام.
وربما أطلق بعض الأصحاب على المحكم (4) هنا كونه عاميا (5) نظرا
إلى أنه غير منصوب بخصوصه (6)، فعاميته (7) إضافية، لا أن المسألة (8)
200

خلافية، بل الإجماع (1) على اشتراط اجتهاد الحاكم مطلقا، نعم منع
بعض الأصحاب من التحكيم هنا (2) لأن أحكام اللعان لا تختص بالمتلاعنين
فإن نفي الولد يتعلق بحقه، ومن ثم لو تصادقا (3) على نفيه لم ينتف
بدون اللعان، خصوصا عند من يشترط تراضيهما بحكمه بعده (4).
والأشهر الأول (5).
هذا (6) كله في حال حضور الإمام عليه السلام، لما تقدم في باب
القضاء (7): من أن قاضي التحكيم لا يتحقق إلا مع حضوره، أما مع
201

غيبته فيتولى ذلك الفقيه المجتهد (1)، لأنه منصوب من قبل الإمام عموما
كما يتولى غيره (2) من الأحكام ولا يتوقف على تراضيهما بعده (3) بحكمه
لاختصاص ذلك (4) على القول به بقاضي التحكيم (5).
والأقوى عدم اعتباره (6) مطلقا.
وإذا حضرا بين يدي الحاكم فليبدأ الرجل بعد تلقين الحاكم له الشهادة
(فيشهد الرجل أربع مرات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به) متلفظا
بما رمى به (7) فيقول (8) له: قل أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما
رميتها به من الزنا، فيتبعه فيه (9)، لأن اللعان يمين فلا يعتد بها
202

قبل استحلاف الحاكم وإن كان فيها (1) شائبة الشهادة، أو شهادة (2)
فهي لا تؤدى إلا بإذنه (3) أيضا، وإن نفى الولد (4) زاد (5)
" وأن هذا الولد من زنا وليس مني " كذا عبر في التحرير، وزاد أنه
لو اقتصر على أحدهما (6) لم يجز، ويشكل (7) فيما لو كان اللعان لنفي
الولد خاصة من غير قذف فإنه لا يلزم إسناده (8) إلى الزنا، لجواز
الشبهة فينبغي أن يكتفي بقوله: إنه لمن الصادقين في نفي الولد المعين
(ثم يقول) (9) بعد شهادته أربعا: كذلك (10) (أن لعنة الله عليه)
جاعلا المجرور بعلى ياء المتكلم (11) (إن كان من الكاذبين) فيما رماها به
203

من الزنا أو نفي الولد كما ذكر في الشهادات.
(ثم تشهد المرأة) بعد فراغه من الشهادة واللعنة (أربع شهادات
بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به) فتقول: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين
فيما رماني به من الزنا (ثم تقول: أن غضب الله عليها (1) إن كان
من الصادقين) فيه مقتصرة على ذلك فيهما (2).
(ولا بد من التلفظ بالشهادة على الوجه المذكور) فلو أبدلها بمعناها
كأقسم، أو أحلف، أو شهدت، أو أبدل الجلالة بغيرها من أسمائه تعالى
أو أبدل اللعن، والغضب، والصدق، والكذب بمرادفها (3)، أو حذف
لام التأكيد، أو علقه (4) على غير من كقوله إني لصادق، ونحو ذلك
من التعبيرات لم يصح.
(وأن يكون الرجل قائما عند إيراده) الشهادة واللعن وإن كانت
المرأة حينئذ (5) جالسة. (وكذا) تكون (المرأة) قائمة عند إيرادها
الشهادة والغضب وإن كان الرجل حينئذ جالسا.
(وقبل: يكونان معا قائمين في الإيرادين).
ومنشأ القولين اختلاف الروايات (6)،
204

وأشهرها وأصحها (1) ما دل على الثاني.
(وأن يتقدم الرجل أولا) فلو تقدمت المرأة لم يصح عملا بالمنقول (2)
من فعل النبي صلى الله عليه وآله، وظاهر الآية (3)، ولأن (4) لعانها
لإسقاط الحد الذي وجب عليها بلعان الزوج (وأن يميز الزوجة من غيرها
تمييزا يمنع المشاركة) أما بأن يذكر اسمها ويرفع نسبها بما يميزها، أو يصفها
205

بما يميزها عن غيرها (1)، أو يشير إليها إن كانت حاضرة (2).
(وأن يكون الإيراد) بجميع ما ذكر (باللفظ العربي الصحيح
إلا مع التعذر) فيجتزى بمقدورهما منه (3)، فإن تعذر تلفظهما بالعربية
أصلا أجزء غيرها من اللغات من غير ترجيح (فيفتقر الحاكم إلى مترجمين
عدلين) يلقيان عليهما الصيغة بما يحسنانه من اللغة (إن لم يعرف) الحاكم
(تلك اللغة)، وإلا باشرها بنفسه ولا يكفي أقل من عدلين حيث يفتقر
إلى الترجمة، ولا يحتاج إلى الأزيد.
(وتجب البدئة) من الرجل (بالشهادة، ثم اللعن) كما ذكر
(وفي المرأة بالشهادة ثم الغضب) وكما يجب الترتيب المذكور تجب الموالاة
بين كلماتهما، فلو تراخى بما يعد فصلا، أو تكلم بخلاله بغيره بطل.
(ويستحب أن يجلس الحاكم مستبدرا القبلة) ليكون وجههما إليها.
(وأن يقف الرجل عن يمينه (4)، والمرأة عن يمين الرجل (5)
وأن يحضر) من الناس (من يستمع اللعان) ولو أربعة عدد شهود الزنا
(وأن يعظه الحاكم قبل كلمة اللعنة) ويخوفه الله تعالى ويقول له:
إن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، ويقرأ عليه " إن الذين
206

يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا (1) " الآية، وأن لعنه
لنفسه يوجب اللعنة إن كان كاذبا ونحو ذلك (ويعظها قبل كلمة الغصب)
بنحو ذلك (2).
(وأن يغلظ بالقول) وهو تكرار الشهادات أربع مرات، وهو
واجب. لكنه أطلق الاستحباب (3) نظرا إلى التغليظ بمجموع الأمور
الثلاثة من حيث هو مجموع، وبما قررناه (4) صرح في التحرير.
وأما حمله (5) على زيادة لفظ في الشهادة، أو الغضب (6) على نحو
207

ما يذكر في اليمين المطلقة (1)، كأشهد بالله الغالب الطالب المهلك،
ونحو ذلك فإنه وإن كان (2) ممكنا لو نص عليه، إلا أنه يشكل بإخلاله
بالموالاة المعتبرة في اللفظ المنصوص (3) مع عدم الإذن في تخلل المذكور (4)
بالخصوص.
(والمكان) بأن يلاعن بينهما في موضع شريف (كبين الركن)
الذي فيه الحجر الأسود، (والمقام) مقام إبراهيم على نبينا وآله وعليه
السلام وهو المسمى بالحطيم (بمكة، وفي الروضة) وهي ما بين القبر
الشريف والمنبر (بالمدينة، وتحت الصخرة في المسجد الأقصى، وفي المساجد
بالأمصار) غير ما ذكر عند المنبر (5) (أو المشاهد الشريفة) للأئمة
والأنبياء عليهم السلام إن اتفق، ولو كانت المرأة حائضا فباب المسجد
فيخرج الحاكم إليها، أو يبعث نائبا، أو كانا ذميين فببيعة أو كنيسة (6)
208

أو مجوسيين فبيت نار، لا بيت صنم لوثني إذ لا حرمة له، واعتقادهم (1)
غير مرعي.
(وإذا لا عن الرجل سقط عنه الحد ووجب على المرأة)، لأن
لعانه حجة كالبينة (فإذا أقرت بالزنا، أو) لم تقر ولكن (نكلت)
عن اللعان (وجب عليها) الحد (وإن لاعنت سقط عنها).
(ويتعلق بلعانهما) معا (أحكام أربعة) في الجملة، لا في كل
لعان (2) (سقوط الحدين عنهما، وزوال الفراش) وهذان ثابتان في كل
لعان (3) (ونفي الولد عن الرجل)، لا عن المرأة إن كان اللعان لنفيه
(والتحريم المؤبد) وهو ثابت مطلقا (4) كالأولين، ولا ينتفى عنه الحد
إلا بمجموع لعانه (5)، وكذا المرأة (6)، ولا تثبت الأحكام أجمع (7)
إلا بمجموع لعانهما.
(و) على هذا (لو أكذب نفسه في أثناء اللعان وجب عليه حد
209

القذف (1)) ولم يثبت شئ من الأحكام (2)، (و) لو أكذب نفسه
(بعد لعانه) وقبل لعانها ففي وجوب الحد عليه (قولان) منشؤهما.
من (3) سقوط الحد عنه بلعانه ولم يتجدد منه قذف بعده فلا وجه لوجوبه
ومن (4) أنه قد أكد القذف السابق باللعان لتكراره (5) إياه فيه،
والسقوط (6) إنما يكون مع علم صدقه، أو اشتباه حاله، واعترافه بكذبه
ينفيهما (7) فيكون لعانه قذفا محضا فكيف يكون مسقطا.
(وكذا) القولان (8) لو أكذب نفسه (بعد لعانهما) لعين
ما ذكر في الجانبين (9).
والأقوى ثبوته فيهما (10) لما ذكر (11)، ولرواية (12) محمد بن
210

الفضيل عن الكاظم عليه السلام أنه سأله عن رجل لاعن امرأته وانتفى
من ولدها ثم أكذب نفسه هل يرد عليه ولده. قال: " إذا أكذب
نفسه جلد الحد ورد عليه ابنه، ولا ترجع إليه امرأته أبدا " لكن
لو كان رجوعه بعد لعانهما (لا يعود الحل)، للرواية (1)، وللحكم
بالتحريم شرعا، واعترافه لا يصلح لإزالته (2) (ولا يرث الولد (3))
لما ذكر (4) (وإن ورثه الولد)، لأن اعترافه (5) إقرار في حق
نفسه بإرثه منه (6)، ودعوى ولادته قد انتفت شرعا (7) فيثبت إقراره
211

على نفسه (1) ولا تثبت دعواه على غيره (2)، وكذا لا يرث الولد
أقرباء الأب (3) ولا يرثونه (4) إلا مع تصديقهم على نسبه في قول،
لأن الإقرار (5) لا يتعدى المقر.
(ولو أكذبت) المرأة (نفسها بعد لعانها فكذلك) لا يعود الفراش
ولا يزول التحريم (ولا حد عليها) بمجرد إكذابها نفسها، لأنه إقرار
بالزنا وهو لا يثبت (إلا أن تقر أربعا) كما سيأتي إن شاء الله تعالى،
فإذا أقرت أربعا حدت (على خلاف) في ذلك منشؤه ما ذكرناه.
من (6) أن الإقرار بالزنا أربعا من الكامل الحر المختار يثبت حده.
212

ومن (1) سقوطه بلعانهما لقوله تعالى: " ويدرء عنها العذاب
أن تشهد أربع شهادات بالله (2) " الآية فلا يعود (ولو قذفها)
الزوج (برجل) معين (وجب عليه حدان) أحدهما لها. والآخر للرجل
لأنه قذف لاثنين (وله إسقاط حدها باللعان)، دون حد الرجل.
(ولو أقام بينة) بذلك (سقط الحدان) كما يسقط حد كل قذف
بإقامة البينة بالفعل المقذوف به، وكذا يسقط الحد لو عفى مستحقه،
أو صدق (3) على الفعل، لكن إن كانت هي المصدقة، وهناك نسب (4)
لم ينتف بتصديقها، لأنه إقرار في حق الغير (5).
وهل له (6) أن يلاعن لنفيه قولان. من (7) عموم ثبوته لنفي
الولد، وكونه (8) غير متصور هنا، إذ لا يمكن الزوجة أن تشهد بالله إنه
لمن الكاذبين بعد تصديقها إياه. نعم لو صادقته على أصل الزنا، دون
كون الولد منه توجه اللعان منها، لإمكان شهادتها بكذبه في نفيه وإن ثبت
زناها.
213

(ولو قذفها فماتت قبل اللعان (1) سقط اللعان)، لتعذره بموتها
(وورثها)، لبقاء الزوجية (2) (وعليه الحد للوارث (3)) بسبب
القذف، لعدم تقدم مسقطه (4) (وله أن يلاعن لسقوطه) وإن لم يكن
بحضور الوارث، لأنه (5) إما شهادات، أو أيمان وكلاهما لا يتوقف
على حياة المشهود عليه، والمحلوف لأجله (6)، ولعموم الآية (7) وقد
تقدم: إن لعانه يسقط عنه الحد، ويوجب الحد عليها، ولعانهما يوجب
الأحكام الأربعة فإذا انتفى الثاني (8) بموتها بقي الأول خاصة فيسقط الحد (9)
(ولا ينتفي الإرث (10) بلعانه بعد الموت (11)) كما لا تنتفي الزوجية بلعانه
214

قبله (1) (إلا على رواية أبي بصير (2)) عن الصادق عليه السلام قال:
" إن قام رجل من أهلها فلا عنه فلا ميراث له، وإن أبى أحد منهم (3)
فله (4) الميراث ". ومثله روى (5) عمرو بن خالد عن زيد عن آبائه
عليهم السلام، وبمضمونها عمل جماعة.
والروايتان مع إرسال الأولى، وضعف سند الثانية مخالفتان للأصل (6)
من حيث إن اللعان شرع بين الزوجين فلا يتعدى (7)، وأن (8) لعان
الوارث متعذر، لأنه إن أريد مجرد حضوره فليس بلعان حقيقي، وإن أريد
إيقاع الصيغ المعهودة من الزوجة فبعيد (9)، لتعذر القطع من الوارث
215

على نفي فعل غيره غالبا، وإيقاعه (1) على نفي العلم تغيير للصورة المنقولة
شرعا، ولأن الإرث قد استقر بالموت فلا وجه لإسقاط اللعان المتجدد له (2)
(ولو كان الزوج أحد الأربعة) الشهود بالزنا (فالأقرب حدها)
لأن شهادة الزوج مقبولة على زوجته (إن لم تختل الشرائط) المعتبرة
في الشهادة (3) (بخلاف ما إذا سبق الزوج بالقذف) فإن شهادته ترد
لذلك (4)، وهو (5) من جملة اختلال الشرائط، (أو اختل غيره (6)
من الشرائط) كاختلاف كلامهم في الشهادة، أو أدائهم الشهادة مختلفي
المجلس، أو عداوة أحدهم لها، أو فسقه، أو غير ذلك (فإنها) حينئذ
(لا تحد)، لعدم اجتماع شرائط ثبوت الزنا (ويلاعن الزوج) لإسقاط
الحد عنه بالقذف، (وإلا) يلاعن (حد)، ويحد باقي الشهود للفرية.
واعلم أن الأخبار، وكلام باقي الأصحاب اختلف في هذه المسألة
216

فروى (1) إبراهيم بن نعيم عن الصادق عليه السلام جواز شهادة الأربعة
الذين أحدهم الزوج، ولا معنى للجواز هنا إلا الصحة التي يترتب عليها
أثرها وهو حد المرأة وعمل بها جماعة، ويؤيدها (2) قوله تعالى: " ولم
يكن لهم شهداء إلا أنفسهم " فإن ظاهرها أنه إذا كان غيره
فلا لعان، وقوله (3) تعالى " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم
فاستشهدوا عليهن أربعة منكم (4) " فإن الظاهر كون الخطاب
للحاكم، لأنه المرجع في الشهادة فيشمل الزوج وغيره، وروى (5) زرارة
عن أحدهما عليهما السلام في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها
قال: " يلاعن ويجلد الآخرون " وعمل بها الصدوق وجماعة، ويؤيدها (6)
قوله تعالى: " لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء (7) ".
والمختار القبول.
ويمكن الجمع بين الروايتين (8) مع تسليم أسنادهما بحمل الثانية (9)
217

على اختلال شرائط الشهادة كسبق الزوج بالقذف، أو غيره كما نبه عليه
المصنف بقوله: إن لم تختل الشرائط، وأما تعليلها (1) بكون الزوج
خصما لها فلا تقبل شهادته عليها، فهو (2) في حيز المنع (3).
218

كتاب العتق
219

الرقية في الإسلام
هناك اعتراض على الإسلام من ناحية اعترافه بقانون
(الرقية) - استعباد إنسان لمثله - الأمر الذي يتنافى والمعهود
من روح " العدالة " الإسلامية التي تتحكم في جميع قوانينه
وأحكامه وانتظاماته:
(لا ضرر ولا ضرار في الإسلام).
(البشر كلهم سواسية).
(لا فضل لعربي على عجمي).
(ولا لعجمي على عربي).
(ولا لأبيض على أسود).
(ولا لأسود على أبيض).
حديثا مشهورا عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
فالناس كلهم من ولد آدم أخوة سواء.
وقال الله عز وجل: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من
ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن
أكرمكم عند الله أتقاكم ". " ولقد كرمنا بني آدم ".
221

كانت جيوش المسلمين تتجه إلى أكناف العالم صارخة
بالدعوة إلى الحرية والعدالة والعلم لتحرر الشعوب من نير
الاستعباد، ومن ضغط الظلم. وظلمة الجهالة.
كانت الأمم ترحب بهذه الدعوة الإنسانية، وتجد آمالها
متحققة في ظل الإسلام العادل فتدخل في دين الله أفواجا
أفواجا من غير إكراه، أو عنف (لا إكراه في الدين قد
تبين الرشد من الغي).
هكذا عرف الإسلام نفسه. وهكذا عرفته الأمم فأقبلت
تعتنقه عن طوع ورغبة.
الإسلام دين ينبذ العنصرية ويحاربها حربا شعواء لا هوادة
فيها.
إن القوميات تنصهر في بوتقة الدين الإسلامي لتكوين
أمة واحدة تبتني وحدتها على أساس العقيدة والإيمان بالله.
فكلمة التوحيد هي الأساس لتوحيد الكلمة.
نعم إن الشعوبية جاءت من قبل اليهود، إنهم شعوبيون
وأتحفوا العالم بالشعوبية.
كما أن القومية العنصرية جاءت من قبل (بني أمية)
دخلاء الإسلام والإسلام منهم براء. فأطاحت بهيكل الإسلام
وشوهت سمعته البريئة. فيا لسخافة الرأي من قبول شريعة
الدخلاء، ورفض شريعة الكرماء.
222

وكلمتنا الأخيرة: الإسلام برئ من الشعوبية والعنصرية
إنما هو دين العقيدة والإيمان.
(كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة).
هذا هو الإسلام. وهذه روحه. وتلك دعوته.
هكذا عرفه الله وعرفتها الشعوب حقيقة واقعية لا مرية
فيها:
إذن فما سبب اعترافه بقانون الاستعباد البشري الذي
يتناقض مع قانون العدل والإنصاف ويستبشعه العقل الحكيم؟!
والجواب أولا بصورة إجمالية -: إن الإسلام لم يعترف.
بقانون الاستعباد البشري إطلاقا - على ما كان المتداول عند
الأمم المتمدنة آنذاك... تدلنا على ذلك مراجعة عابرة للتاريخ
القديم واستجواب فلسفة الاستعباد البشري حينذاك: -
كانت الرومان تعتقد - فلسفيا -: أن العنصر الأبيض
غير العنصر الأسود جنسا ودما وخلقة. فالدم الذي يجري في
عروق الإنسان الأبيض يختلف عن الذي يجري في عروق الأسود
كما أنهما خلقا من أصلين متباينين. وقد خلق الأسود لكي يخدم
الأبيض. فوجوده لوجوده، على غرار سائر الحيوانات والنباتات
والأحجار. فالإنسان الكريم هو الأبيض. أما الأسود فهو
مخلوق لخدمة الأبيض، فهو عبد له في أصل خلقته، وللإنسان
الأبيض أن يستغل الإنسان الأسود أينما وجده أو عثر عليه،
223

فهو ملك له وهو مالكه وفق القانون.
تلك كانت نظرة الأمم المتمدنة - أمثال الرومان والفرس
واليونان وغيرهم - إلى الجنس الأسود إطلاقا. لذلك كان
النخاسون يغيرون على المناطق الأفريقية لصيد الإنسان الأسود
زرافات، يحملونهم في السفن ويأتون بهم إلى الأسواق فيبيعونهم
كما تباع الأغنام والمواشي، بل وبصورة أفجع...!
وكانت الموالي تعامل العبيد معاملة سيئة، يستغلون منافعهم
ومواردهم ويفرضون عليهم الأتاوات الثقيلة، ويكلفونهم ما لا
يطيقون، أو يعبثون بأرواحهم غاية التفريح وترويح النفس،
كأداة صامتة يعمل صاحبها بها ما شاء...!
... جاء الإسلام - والعالم منهمك في مهاوي الغي والفساد -
جاء ليجعل حدا لتلك المظالم، ونهاية للعيث والفساد، وليوقظ
العقل البشري الذي أخذه السبات العميق منذ فترة سحيقة، ولينير
درب الحياة من جديد " فتنتهي الأمم عن غيها وجهلها،
وتهتدى إلى سبل الصلاح والسلام والعلم والعدل والإنصاف:
سبيل الإنسانية الفاضلة...!
فأخذ الإسلام في مبارزة الأفكار قبل مبارزة الأشخاص
فالحرب الفكرية أصعب ولكنها أمتن وأبلغ إلى الهدف، وإنما
تقع الحرب والقتال تمهيدا للأولى ولرفع حواجز سدت دون
بلوغ الدعوة: " صرخة العدالة " إلى الأمم.
224

ومما أخذه الإسلام تدبيرا لمبارزة قانون الاستعباد البشري
أن حارب فلسفته الدارجة، فقال: يا أيها الناس إنا خلقناكم من
ذكر وأنثى - أي كلكم من أب واحد ومن أم واحدة،
وكلكم أخوة وبنو أب واحد. - وجعلناكم شعوبا وقبائل -
مختلفة في العادات، وفق اختلاف الأصقاع والبيئات - لتعارفوا
ليتعرف بعضكم إلى بعض، ويسعى كل أمة في ترفيع مستواها
على أختها، وبذلك. يتدرج الإنسان على مدارج المدنية الراقية
إلى غيرها من آيات.
وأعلن الرسول الأعظم: لا فضل لأبيضكم على أسودكم،
كما لا فضل لعربي على عجمي. والبشر سواسية من ولد أب
واحد وأم واحدة.. إلى غيرها من مضامين متحدة الهدف
مأثورة عن النبي والأئمة عليهم السلام.
هكذا حارب الإسلام فكرة الاستعباد فلسفيا. وهي
مبارزة جذرية، تقطع أصول الاستعباد، وتذهب بفروعها
هباء. وبذلك ألغى قانون " الرقية " الذي كان يعترف به العالم
المتمدن إلى حد ذاك. نعم استثنى واحدة من موارد الاستعباد
التي كانت دارجة حينذاك، وهذا مما لا بد منه في قانون الاجتماع
العام، وبصالح العبيد أنفسهم، وهذا ما نروم تفصيله في هذا
المجال: -
ثانيا - الإسلام اعترف بقانون الاستعباد في مجال واحد
225

فقط، لا ثاني له وأن حكمته لترجع إلى مصلحة العبيد أنفسهم
وذلك:
إذا قامت الحرب بين الفئة الكافرة والمسلمين، فشحن
الكفر جيوشه لمحاربة الإسلام ومنابذته بكل قواه، وهنا يغلب
المسلمون جيوش الكفار ويطاردونهم ويقبضون على عدد من
الأسرى.
والمعاملة المتصورة مع هؤلاء الأسرى إحدى ثلاث لا رابع
لها:
1 - تخلية سبيلهم، ليرجعوا إلى ما كانوا فيه من منابذة
الإسلام من جديد.
2 - قتلهم جميعا، ليرتاح العالم من شر وجودهم المانع
عن نشر العدالة الإنسانية.
3 - إبقاءهم تحت تربية المسلمين في معاملة حسنة محدودة
شرعيا، لا يتجاوزونها، معاملة عادلة يحددها الإسلام وفق
روحه العادلة الرحيمة لعلهم يهتدون إلى معالم الإنسانية وينقلبون
إفرادا صالحين بعد ما كانوا فاسدين. فيستفيد منهم الاجتماع
الإنساني كعضو صالح فعال، بعد ما كان المجتمع البشري يخشى
غيهم وفسادهم وإفسادهم.
تلك طرق ثلاث لا بد من اختيار أحدها بشأن الأسرى
الذين جاؤوا منابذين للعدالة، فأطاح بهم القدر في أيدي دعاة
226

العدالة: المسلمين.
أما اختيار الطريق الأول فهو نقض للغرض. وكر على
ما فر منه. حيث محارب الإسلام، يملك روحا خبيثة، دعته
إلى منابذة داعي العدالة وسحق حامل مشعل الإنسانية، فلا يستحق
هكذا إنسان أن يكون مبسوط اليد يفعل ما يشاء من غي وعيث
وفساد، ويعمل في ضد مصلحة الإنسان وفي مناقضة الصالح
العام...! كلا.. إنه طريق لا يستحسنه العقل الحكيم ولا
يحبذه سلوك العقلاء مع الأبد.
فيبقى الاختيار بين الطريقين الآخرين: القتل أو الاستعباد.
ولا شك أن الثاني أرجح في نظر العقل، لأن الوجود مهما
كان فهو أولى من العدم، ولا سيما إذا كان واقعا في طريق
الإصلاح.
فإن وجود هذا الكافر المنابذ للإسلام وإن كان فاسدا
ومضرا بالعدالة الإنسانية، لكنه حينئذ مقيد بتربية إسلامية،
فلا يمكنه التخلف عن تعاليم الإسلام من بعد ذلك فهو منصاع
لا محالة لما يتلقاه أو يدور حوله من أوضاع صحيحة، إذ يلامس
حقيقة الإسلام وحقيقة العدالة وواقع الإنسانية الفاضلة فيرغب
إليها عن طيب نفس ويستسلم للدين طوع رغبته.
هكذا يعمل الإسلام مع الأسرى، أي يفتح لهم مدرسة
تربوية فيقلب بهم من ذوات خبيثة إلى ذوات طيبة. ومن فرد
227

طالح ضار إلى فرد صالح نافع. انقلابا في الماهية.
لا ما كانت تفعله الأمم مع أسراها بالقتل الجماعي أو
أو إهلاكهم تحت قيد الجوع والعطش. ولا تزال تعمل الأمم
الغالبة مع المساكين: الأمم المغلوبة، ومع أسراها أبشع معاملة
سيئة، بحجة أنها لا تطيق تحمل مؤنتها فتهلكهم زرافات. كما
شاهدنا ذلك في الحرب العالمية الثانية.
فما أروع وأجمل معاملة الإسلام مع أسراه، إنها تسمى
" استعباد الأسرى " ولكنها في الواقع تربية النفوس الشريرة،
وجعل العضو الفاسد عضوا صالحا. فما أحسنه من معاملة طيبة
يرتضيها العقل ويقر عليها العقلاء، عبر العصور..؟!
والخلاصة: إن قانون الاستعباد الذي يقره الإسلام قانون
عقلاني وفي صالح العبيد أنفسهم، كما هو في صالح الإنسانية
الكبرى هذا فحسب.
رابعا: إن الإسلام - بروحه العادلة وعلى وفق قانون
الإنصاف - لم يرتض إبقاء هؤلاء العبيد تحت نير العبودية،
ولو كان قد ضيق مجال الاستعباد، بشكل تقل الرقية العالمية
بنسبة تسعين بالمأة لكنه مع ذلك جعل وسائل تحرير العبيد بطرق
شتى كثيرة، منها قهرية وأخرى اختيارية: اختيار الموالي أو
اختيار العبيد. ولذلك كله تجد النظام الاجتماعي الإسلامي
(الفقه الإسلامي) العريض قد فتح بابا خاصا للتحرير (كتاب
228

العتق)، أما الرقية فلا يوجد له كتاب خاص في الفقه الإسلامي
اللهم إلا أسطر في كتاب الجهاد.
وإليك الإشارة إلى بعض القوانين التي سنها الإسلام
في سبيل تحرير العبيد: -
قانون (عتق الصدقة) قال الرسول الأعظم صلى الله عليه
وآله: من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار.
قانون (عتق الكفارة): كفارة الظهار. كفارة الإيلاء
كفارة الإفطار، كفارة خلف النذر، أو العهد، أو اليمين،
كفارة الجزع المحرم في المصاب، كفارة ضرب العبد، كفارة
القتل.
قانون (الخدمة): إذا خدم العبد المؤمن مولاه سبع سنين
فهو حر.
قانون (الإقعاد، والعمى والجذام): إنها أسباب قهرية
لانعتاق الرقيق.
قانون (الاستيلاد).
قانون (التدبير).
قانون (الكتابة) المشروطة والمطلقة.
قانون (السراية) أي سراية العتق إلى بقية أجزاء العبد
لو عتق منه بعضه.
قانون (تملك الذكر أحد العمودين أو المحارم من النساء).
229

قانون (تملك الأنثى أحد العمودين).
قانون (إسلام المملوك قبل إسلام مولاه).
قانون (تبعية أشرف الأبوين).
قانون (التنكيل).
تلك قوانين سنها الإسلام بصدد تحرير العبيد وهي كثيرة
سوف ندرسها في هذا الكتاب.
هذا فضلا عن القوانين التي سنها الإسلام لشراء العبيد
وإعتاقهم كما في باب الزكاة يشترى بمال الزكاة ما أمكن من
الأرقاء ويعتقون.
وفي باب الميراث إذا مات أحد ولا وارث له سوى مملوك
للغير يشترى منه ليرث. وأمثال ذلك أيضا كثيرة...
230

كتاب العتق
وهو لغة الخلوص (1) ومنه سميت جياد الخيل عتاقا، والبيت الشريف
عتيقا.
وشرعا خلوص المملوك الآدمي، أو بعضه من الرق (2)، وبالنسبة
إلى عتق المباشرة المقصود بالذات من الكتاب تخلص المملوك الآدمي،
أو بعضه من الرق منجزا بصيغة مخصوصة (3). (وفيه أجر عظيم)
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " من أعتق مؤمنا أعتق الله
العزيز الجبار بكل عضو عضوا له من النار فإن كان أنثى
أعتق الله العزيز الجبار بكل عضوين منها عضوا من النار (4)
231

لأن المرأة نصف الرجل ". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: " من
أعتق رقبة مؤمنة كانت فدائه من النار (1) "، ولما فيه
من تخليص الآدمي من ضرر الرق وتملكه منافعه، وتكمل أحكامه (2).
ويحصل العتق باختيار سببه، وغيره.
فالأول (3) بالصيغة المنجزة، والتدبير، والكتابة، والاستيلاد،
وشراء الذكر أحد العمودين، أو المحارم من النساء (4)، والأنثى أحد
العمودين، وإسلام المملوك (5) في دار الحرب قبل مولاه مع خروجه
منها (6) قبله، وتنكيل (7) المولى به.
والثاني (8) بالجذام، والعمى، والإقعاد، وموت المورث (9)،
وكون أحد الأبوين حرا إلا أن يشترط رقه على الخلاف. وهذه الأسباب منها
تامة في العتق كالإعتاق بالصيغة، وشراء القريب، والتنكيل، والجذام والإقعاد.
ومنها ناقصة تتوقف على أمر آخر كالاستيلاد لتوقفه على موت المولى
232

وأمور أخر (1)، والكتابة (2) لتوقفها على أداء المال، والتدبير لتوقفه (3)
على موت المولى، ونفوذه من ثلث ماله، وموت (4) المورث، لتوقفه (5)
على دفع القيمة إلى مالكه، وغيره مما يفصل في محله إن شاء الله تعالى.
ويفتقر الأول إلى صيغة مخصوصة.
(وعبارته الصريحة التحرير مثل أنت) مثلا، أو هذا، أو فلان (حر).
ووقوعه بلفظ التحرير موضع
وفاق، وصراحته فيه (6) واضحة. قال الله تعالى: " ومن قتل مؤمنا
خطأ فتحرير رقبة مؤمنة (7) " (وفي قوله: أنت عتيق، أو
معتق خلاف) منشؤه الشك في كونه مرادفا للتحرير فيدل عليه صريحا
أو كناية عنه فلا يقع به.
(والأقرب وقوعه (8)) به، لغلبة استعماله (9) فيه في اللغة،
233

والحديث، والعرف. وقد تقدم بعضه (1) واتفق الأصحاب على صحته (2)
في قول السيد لأمته: أعتقتك وتزوجتك الخ (3).
(ولا عبرة بغير ذلك من الألفاظ) التي لم توضع له (4) شرعا
(صريحا كان) في إزالة الرق (مثل أزلت عنك الرق، أو فككت
رقبتك، أو كناية عنه) تحتمل غير العتق (مثل أنت) بفتح التاء
(سائبة (5))، أو لا ملك لي عليك، أو لا سلطان، أو لا سبيل،
أو أنت مولاي (6) ويدخل في غير ذلك (7) ما دل على الإعتاق بلفظ
الماضي الذي يقع به غيره كأعتقتك، بل الصريح محضا كحررتك.
وظاهرهم عدم وقوعه (8) بهما. ولعله (9) لبعد الماضي عن الإنشاء
وقيامه (10) مقامه في العقود على وجه النقل خلاف الأصل فيقتصر فيه
234

على محله (1)، مع احتمال الوقوع به (2) هنا، لظهوره (3) فيه.
(وكذا لا عبرة بالنداء مثل يا حر)، ويا عتيق، ويا معتق
(وإن قصد التحرير بذلك (4)) المذكور من اللفظ غير المنقول (5)
شرعا، ومنه (6) الكناية، والنداء (كله (7)) اقتصارا (8) في الحكم
235

بالحرية على موضع اليقين، ولبعد النداء عن الإنشاء (1).
وربما احتمل الوقوع به (2) من حيث إن حرف الإشارة (3)
إلى المملوك لم يعتبره الشارع بخصوصه، وإنما الاعتبار بالتحرير، والاعتاق
واستعمال يا بمعنى أنت، أو فلان مع القصد (4) جائز.
ويضعف (5) بأن غاية ذلك (6) أن يكون كناية، لا صريحا فلا
يقع به (7)، ولا يخرج الملك (8) المعلوم عن أصله.
وحيث (9) لا يكون اللفظ مؤثرا شرعا في الحكم لا ينفعه ضم القصد
236

إليه. ونبه (1) بالغاية على خلاف من اكتفى بغير الصريح (2) إذا انضم
إلى النية (3) من العامة (4).
ويقوى الإشكال (5) لو كان اسمها حرة فقال: أنت حرة وشك
في قصده (6)، لمطابقة (7) اللفظ للمتفق (8)
237

على التحرير به (1)، واحتمال (2) الإخبار بالاسم.
والأقوى عدم الوقوع (3) نعم لو صرح بقصد الإنشاء صح (4)،
كما أنه لو صرح بقصد الإخبار قبل ولم يعتق.
(وفي اعتبار التعيين) للمعتق (5) (نظر) منشؤه: النظر إلى عموم
الأدلة الدالة على وقوعه (6) بالصيغة الخاصة، وأصالة (7) عدم التعيين،
وعدم (8) مانعية الإبهام في العتق شرعا من حيث وقع (9) لمريض أعتق
عبيدا يزيدون عن ثلث ماله ولم يجز الورثة، والالتفات (10) إلى أن العتق
238

أمر معين فلا بد له من محل معين.
وقد تقدم مثله في الطلاق (1)، والمصنف رجح في شرح الإرشاد
الوقوع (2)، وهنا توقف. وله (3) وجه إن لم يترجح اعتباره،
فإن لم يعتبر التعيين فقال: أحد عبيدي حر صح، وعين من شاء.
وفي وجوب الإنفاق عليهم قبله (4)، والمنع من استخدام أحدهم،
وبيعه وجهان. من (5) ثبوت النفقة قبل العتق ولم يتحقق (6) بالنسبة
إلى كل واحد فيستصحب، واشتباه (7) الحر منهم بالرق مع انحصارهم
فيحرم استخدامهم وبيعهم، ومن (8) استلزام ذلك الإنفاق على الحر
بسبب الملك، والمنع (9) من استعمال المملوك.
239

والأقوى الأول (1)، واحتمل المصنف استخراج المعتق بالقرعة،
وقطع بها (2) لو مات قبل التعيين.
ويشكل كل منهما (3) بأن القرعة لاستخراج ما هو معين في نفسه
غير متعين ظاهرا، لا لتحصيل التعيين (4).
فالأقوى الرجوع إليه (5) فيه (6) أو إلى وارثه بعده، ولو عدل
المعين عن من عينه لم يقبل ولم ينعتق الثاني إذ لم يبق للعتق محل، بخلاف
ما لو أعتق معينا واشتبه، ثم عدل (7) فإنهما (8) ينعتقان.
(ويشترط بلوغ (9) المولى) المعتق، (واختياره (10) ورشده،
240

وقصده (1)) إلى العتق، (والتقرب به إلى الله تعالى)، لأنه عبادة،
ولقولهم عليهم السلام: " لا عتق إلا ما أريد به وجه الله تعالى (2) "
(وكونه غير محجور عليه بفلس (3)، أو مرض فيما زاد على الثلث)
فلا يقع من الصبي وإن بلغ عشرا، ولا من المجنون المطبق، ولا غيره
في غير وقت كماله، ولا المكره، ولا السفيه (4)، ولا الناسي، والغافل
والسكران (5)، ولا من غير (6) المتقرب به إلى الله تعالى، سواء قصد
الرياء أم لم يقصد شيئا، ولا من المفلس بعد الحجر عليه (7). أما
قبله (8) فيجوز وإن استوعب دينه ماله، ولا من المريض (9) إذا استغرق
دينه تركته، أو زاد المعتق عن ثلث ماله (10)
241

بعد الدين إن كان (1)، إلا مع إجازة الغرماء والورثة (2).
وفي الاكتفاء بإجازة الغرماء في الصورة الأولى (3) وجهان.
من (4) أن المنع من العتق لحقهم ومن (5) اختصاص الوارث بعين التركة.
والأقوى التوقف (6) على إجازة الجميع.
(والأقرب صحة مباشرة الكافر) للعتق، لإطلاق الأدلة (7)، أو
242

عمومها (1)، ولأن العتق إزالة ملك، وملك الكافر أضعف من ملك
المسلم فهو أولى بقبول الزوال، واشتراطه (2) بنية القربة لا ينافيه، لأن
ظاهر الخبر السالف (3) أن المراد منها إرادة وجه الله تعالى، سواء حصل
الثواب أم لم يحصل.
وهذا القدر ممكن ممن يقر بالله تعالى. نعم لو كان الكفر بجحد
الإلهية مطلقا (4) توجه إليه المنع، وكونه (5)
243

عبادة مطلقا (1) ممنوع، بل هو عبادة خاصة يغلب فيها (2) فك الملك
فلا يمتنع من الكافر مطلقا (3).
وقيل: لا يقع من الكافر مطلقا (4) نظرا إلى أنه عبادة تتوقف
على القربة، وأن المعتبر من القربة ترتب أثرها من الثواب، لا مطلق
طلبها (5) كما ينبه عليه (6) حكمهم ببطلان صلاته، وصومه، لتعذر القربة
منه فإن القدر المتعذر هو هذا المعنى (7)، لا ما ادعوه أولا (8)، ولأن
244

العتق شرعا ملزوم للولاء (1) ولا يثبت ولاء الكافر على المسلم لأنه (2)،
سبيل منفي عنه (3)، انتفاء اللازم (4) يستلزم انتفاء الملزوم (5).
وفي الأول (6) ما مر (7).
وفي الثاني (8) إن الكفر مانع من الإرث كالقتل كما هو (9) مانع
في النسب.
والحق إن اتفاقهم على بطلان عبادته من الصلاة، ونحوها،
واختلافهم في عتقه، وصدقته، ووقفه عند من يعتبر نية القربة فيه يدل
245

على أن لهذا النوع من التصرف المالي حكما ناقصا (1) عن مطلق العبادات
من حيث المالية، وكون الغرض منها (2) نفع الغير فجانب المالية فيها
أعلب من جانب العبادة، فمن ثم وقع الخلاف فيها، دون غيرها
من العبادات والقول بصحة عتقه متجه مع تحقق قصده إلى القربة وإن لم
يحصل لازمها (3).
(وكونه) بالجر عطفا على مباشرة الكافر أي والأقرب صحة كون
الكافر (محلا) للعتق بأن يكون العبد المعتق كافرا، لكن (بالنذر
لا غيره) بأن ينذر عتق مملوك بعينه وهو كافر، أما المنع من عتقه
مطلقا (4) فلأنه خبيث وعتقه إنفاق له في سبيل الله وقد نهى الله تعالى
عنه بقوله: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون (5) "، ولاشتراط
246

القربة فيه (1) كما مر (2)، ولا قربة في الكافر، ولرواية (3) سيف بن
عميرة عن الصادق عليه السلام قال: سألته أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا
مشركا قال: " لا ".
وأما جوازه (4) بالنذر فللجمع بين ذلك (5)، وبين ما روي (6)
أن عليا عليه السلام أعتق عبدا نصرانيا فأسلم حين أعتقه بحمله (7)
على النذر.
والأولى (8) على عدمه.
وفيهما (9) معا نظر، لأن ظاهر الآية (10)، وقول المفسرين أن الخبيث
هو الردئ من المال يعطى الفقير. وربما كانت المالية في الكافر خيرا
247

من العبد المسلم (1)، والإنفاق (2) لماليته، لا لمعتقده الخبيث، ومع ذلك
فالنهي (3) مخصوص بالصدقة الواجبة (4)، لعدم تحريم الصدقة المندوبة
بما قل وردء حتى بشق تمرة إجماعا. والقربة يمكن تحققها في عتق
المولى الكافر المقر بالله تعالى الموافق (5) له في الاعتقاد فإنه يقصد به
وجه الله تعالى كما مر (6) وإن لم يحصل الثواب (7)، وفي المسلم (8)
إذا ظن القربة بالإحسان إليه (9)، وفك رقبته من الرق، وترغيبه
في الإسلام كما روي (10)
248

من فعل علي عليه الصلاة والسلام، وخبر (1) سيف مع ضعف سنده
أخص (2) من المدعى، ولا ضرورة للجمع (3) حينئذ بما لا يدل عليه
للفظ (4) أصلا فالقول بالصحة مطلقا (5) مع تحقق القربة (6) متجه،
وهو مختار المصنف في الشرح (7).
(ولا يقف العتق على إجازة المالك) لو وقع من غيره، (بل يبطل
عتق الفضولي) من رأس إجماعا، ولقوله (8) صلى الله عليه وآله وسلم:
249

" لا عتق إلا في ملك "، ووقوعه (1) من غيره بالسراية خروج عن المتنازع
واستثناؤه (2) إما منقطع، أو نظرا (3) إلى مطلق الانعتاق (4)، ولو
علق غير المالك العتق بالملك (5) لغى، إلا أن يجعله (6) نذرا، أو ما
250

في معناه (1)، ككلمة علي إعتاقه إن ملكته، فيجب عند حصول الشرط (2)
ويفتقر إلى صيغة العتق وإن قال، لله علي أنه حر إن ملكته (3)
على الأقوى (4).
وربما قيل: بالاكتفاء هنا (5) بالصيغة الأولى، اكتفاء (6) بالملك
الضمني كملك القريب (7) آنا ثم يعتق (ولا يجوز تعليقه على شرط)
251

كقوله: أنت حر إن فعلت كذا، أو إذا طلعت الشمس، (إلا في التدبير
فإنه) يجوز أن (يعلق بالموت) كما سيأتي (لا بغيره (1))، وإلا
في النذر (2) حيث لا يفتقر إلى صيغة (3) إن قلنا به.
(نعم لو نذر عتق عبده عند شرط) سائغ على ما فصل (4)
(انعقد) النذر وانعتق مع وجود الشرط (5) إن كانت الصيغة أنه إن كان
كذا من الشروط السائغة فعبدي حر (6).
252

ووجب عتقه (1) إن قال: فلله علي أن أعتقه.
والمطابق للعبارة (2) الأول (3)، لأنه (4) العتق المعلق، لا الثاني (5)
253

فإنه (1) الإعتاق.
ومثله (2) القول فيما إذا نذر أن يكون ماله صدقة، أو لزيد (3)
أو أن يتصدق به، أو يعطيه لزيد (4) فإنه ينتقل عن ملكه بحصول
الشرط في الأول (5)، ويصير ملكا لزيد قهريا، بخلاف الأخير (6)،
فإنه لا يزول ملكه به (7)، وإنما يجب أن يتصدق، أو يعطي زيدا
فإن لم يفعل بقي على ملكه وإن حنث. ويتفرع على ذلك (8) إبراؤه (9)
254

منه قبل القبض فيصح في الأول (1)، دون الثاني (2).
(ولو شرط عليه (3)) في صيغة العتق (خدمته) مدة مضبوطة
متصلة بالعتق، أو منفصلة، أو متفرقة (4) مع الضبط (صح) الشرط
والعتق، لعموم " المؤمنون عند شروطهم " ولأن منافعه المتجددة ورقبته
ملك للمولى فإذا أعتقه بالشرط فقد فك رقبته، وغير (5) المشترط
من المنافع، وأبقى المشترط على ملكه فيبقى (6) استصحابا للملك، ووفاء
بالشرط.
255

وهل يشترط قبول العبد الأقوى العدم، وهو ظاهر إطلاق العبارة
لما ذكرناه (1).
ووجه اشتراط قبوله (2) أن الإعتاق يقتضي التحرير والمنافع تابعة
فلا يصح شرط شئ منها، إلا بقبوله.
وهل تجب على المولى نفقته في المدة المشترطة قيل: نعم، لقطعه (3)
بها عن التكسب.
ويشكل (4) بأنه لا يستلزم وجوب النفقة كالأجير، والموصى بخدمته.
والمناسب للأصل (5) ثبوتها من بيت المال، أو من الصدقات (6)
لأن (7) أسباب النفقة مضبوطة شرعا وليس هذا (8) منها، وللأصل (9)
256

وكما يصح اشتراط الخدمة يصح اشتراط شئ معين من المال (1)، للعموم (2)
لكن الأقوى هنا (3) اشتراط قبوله، لأن المولى لا يملك إثبات
مال في ذمة العبد (4)، ولصحيحة (5) حريز عن الصادق عليه السلام.
وقيل: لا يشترط (6) كالخدمة، لاستحقاقه (7) عليه رقا السعي
في الكسب كما يستحق الخدمة، فإذا شرط عليه مالا فقد استثنى من منافعه
بعضها.
257

وضعفه ظاهر (1).
وحيث يشترط الخدمة لا يتوقف انعتاقه على استيفائها فإن وفى بها
في وقتها (2) وإلا (3) استقرت أجرة مثلها في ذمته، لأنها مستحقة عليه
وقد فاتت فيرجع (4) إلى أجرتها، ولا فرق بين المعتق، ووارثه
في ذلك (5).
(ولو شرط عوده في الرق إن خالف شرطا) شرطه عليه في صيغة
العتق (فالأقرب بطلان العتق)، لتضمن الشرط عود من تثبت حريته
رقا وهو غير جائز ولا يرد مثله (6)
258

في المكاتب المشروط، لأنه (1) لم يخرج عن الرقية وإن تشبث بالحرية
بوجه ضعيف (2)، بخلاف المعتق بشرط (3). وقول السيد للمكاتب (4)
فأنت رد في الرق (5) يريد الرق المحض، لا مطلق الرق. وقيل:
يصح الشرط ويرجع (6) بالإخلال للعموم (7)، ورواية (8) إسحاق بن
عمار عن الصادق عليه السلام أنه سأله عن الرجل يعتق مملوكه، ويزوجه
ابنته، ويشترط عليه إن أغارها (9)
259

أن يرده في الرق. قال: " له شرطه ". وطريق الرواية ضعيف (1)
ومتنها (2) مناف للأصول، فالقول بالبطلان أقوى، وذهب بعض
الأصحاب إلى صحة العتق، وبطلان الشرط، لبنائه (3) على التغليب
ويضعف (4) بعدم القصد إليه (5) مجردا عن الشرط وهو (6) شرط
الصحة كغيره (7) من الشروط.
(ويستحب عتق) المملوك (المؤمن) ذكرا كان أم أنثى (إذا أتى
عليه) في ملك المولى المندوب إلى عتقه (سبع سنين)، لقول الصادق
عليه السلام " من كان مؤمنا فقد عتق بعد سبع سنين أعتقه صاحبه
أم لم يعتقه، ولا تحل خدمة من كان مؤمنا بعد سبع سنين (8) ". وهو
260

محمول على تأكد استحباب عتقه، للإجماع على أنه يعتق بدون الإعتاق
(بل يستحب) العتق (مطلقا (1)) خصوصا للمؤمن. (ويكره عتق
العاجز عن الاكتساب إلا أن يعينه) بالإنفاق قال الرضا عليه السلام:
" من أعتق مملوكا لا حيلة له فإن عليه أن يعوله حتى يستغني عنه "
وكذلك كان علي عليه السلام يفعل إذا أعتق الصغار، ومن لا حيلة له (2)
(و) كذا يكره (عتق المخالف (3)) للحق في الاعتقاد، للنهي عنه
في الأخبار المحمول على الكراهة جمعا. قال الصادق عليه السلام: ما أغنى الله
عن عتق أحدكم تعتقون اليوم يكون علينا غدا، لا يجوز لكم أن تعتقوا
إلا عارفا (4) " (ولا) يكره عتق (المستضعف) الذي لا يعرف الحق
ولا يعاند فيه، ولا يوالي أحدا بعينه، لرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام
قال: قلت له: الرقبة تعتق من المستضعفين؟ قال: نعم (5).
السراية في العتق
(ومن خواص العتق السراية) وهو انعتاق باقي المملوك إذا أعتق
بعضه بشرائط خاصة (فمن أعتق شقصا) بكسر الشين أي جزء (من عبده)
261

أو أمته وإن قل الجزء سرى العتق فيه أجمع و (عتق كله) وإن لم يملك
سواه، (إلا أن يكون) المعتق (مريضا ولم يبرأ) من مرضه الذي
أعتق فيه، (ولم يخرج) المملوك (من الثلث) أي ثلث مال المعتق
فلا يعتق حينئذ أجمع، بل ما يسعه الثلث (إلا مع الإجازة) من الوارث
فيعتق أجمع إن أجازه، وإلا فبحسب ما أجازه.
هذا هو المشهور بين الأصحاب، وربما كان إجماعا، ومستنده
من الأخبار (1) ضعيف، ومن ثم (2) ذهب السيد جمال الدين بن طاووس
إلى عدم السراية بعتق البعض مطلقا (3)، استضعافا للدليل المخرج (4)
عن حكم الأصل (5)، ولموافقته لمذهب العامة (6) مع أنه قد روى (7)
262

حمزة بن حمران عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل أعتق
نصف جاريته ثم قذفها بالزنا قال: فقال: " أرى أن عليه خمسين جلدة
ويستغفر ربه " الحديث. وفي معناه خبران آخران (1)، وحملها الشيخ
على أنه لا يملك نصفها الآخر مع إعساره.
(ولو كان له فيه) أي في المملوك الذي أعتق بعضه (شريك
قوم عليه (2) نصيبه) (وعتق) أجمع (مع يساره) أي يسار المعتق
بأن يملك حال العتق زيادة عما يستثنى في الدين من (3) داره، وخادمه
263

ودابته، وثيابه اللائقة بحاله كمية وكيفية وقوت (1) يومه له،
ولعياله ما (2) يسع قيمة نصيب (3) الشريك فتدفع إليه (4) ويعتق.
ولو كان مديونا يستغرق دينه ماله الذي يصرف فيه (5) ففي كونه
موسرا، أو معسرا قولان أوجههما الأول (6)، لبقاء الملك معه (7).
وهل تنعتق حصة الشريك بعتق المالك حصته (8)، أو بأداء قيمتها
إليه (9)، أو بالعتق مراعى (10)
264

بالأداء أقوال. وفي الأخبار (1) ما يدل على الأولين (2) والأخير (3)
طريق الجمع (4).
265

وتظهر الفائدة (1) فيما لو أعتق الشريك (2) حصته قبل الأداء
فيصح على الثاني (3)، دون الأول (4)، وفي اعتبار (5) القيمة فعلي
الأول (6) يوم العتق، وعلى الثاني (7) يوم الأداء.
266

والظاهر أن الثالث (1) كالأول.
وفيما (2) لو مات قبل الأداء فيموت (3) حرا على الأول،
ويرثه (4) وارثه، دون الثاني (5)
267

ويعتبر الأداء (1) في ظهور حريته على الثالث.
وفيما (2) لو وجب عليه حد قبله (3) فكالحر (4) على الأول،
والمبعض (5)
268

على الثاني، وفي الحكم على الثالث (1) نظر.
وفيما (2) لو أيسر المباشر بعد العتق وقبل الأداء، فعلى الأول (3)
269

لا يجب عليه الفك، وعلى الثاني (1) يجب. وفي الثالث (2) نظر وإلحاقه (3)
بالأول مطلقا حسن.
(وسعى العبد في باقي قيمته) بجميع سعيه، لا بنصيب الحرية
خاصة (مع إعساره (4)) عنه (5) أجمع، فإذا أدى عتق كالمكاتب
المطلق (6)،
270

ولو أيسر (1) بالبعض سرى (2) عليه بقدره (3) على الأقوى وسعى
العبد في الباقي.
ولا فرق في عتق الشريك (4) بين وقوعه للإضرار بالشريك،
وعدمه (5) مع تحقق القربة المشترطة، خلافا للشيخ حيث شرط في السراية
مع اليسار (6) قصد الإضرار (7)، وأبطل العتق بالإعسار معه (8)
وحكم (9)
271

بسعي العبد مطلقا مع قصد القربة، استنادا إلى أخبار (1) تأويلها (2)
272

بما يدفع المنافاة بينها (1) وبين ما (2) دل على المشهور طريق الجمع (3)
(ولو عجز العبد) عن السعي، أو امتنع منه (4) ولم يمكن
إجباره، أو مطلقا (5) في ظاهر كلامهم (فالمهايأة (6)) بالهمز (في كسبه)
بمعنى أنهما يقتسمان الزمان بحسب ما يتفقان عليه، ويكون كسبه في كل
وقت لمن ظهر له بالقسمة (وتتناول) المهايأة (المعتاد من الكسب)
كالاحتطاب (7) (والنادر) كالالتقاط (8).
وربما قيل: لا يتناول (9) النادر،
273

لأنها معاوضة فلو تناولته (1) لجهلت، والمذهب خلافه (2)، والأدلة
عامة (3)، والنفقة والفطرة عليهما (4) بالنسبة (5).
ولو ملك (6) بجزئه الحر مالا كالإرث والوصية (7) لم يشاركه
المولى فيه (8)
274

وإن اتفق (1) في نوبته.
ولو امتنعا (2)، أو أحدهما من المهايأة لم يجبر الممتنع (3)، وكان
على المولى نصف أجرة عمله الذي يأمره به (4)، وعلى المبعض (5)
نصف أجرة ما يغصبه من المدة ويفوته (6) اختيارا (7).
(ولو اختلفا في القيمة (8) حلف الشريك (9)، لأنه (10) ينتزع
من يده) فلا ينتزع إلا بما يقوله، لأصالة عدم استحقاق ملكه (11)
275

إلا بعوض يختاره، كما يحلف المشتري لو نازعه الشفيع فيها (1)، للعلة (2).
وقيل: يحلف المعتق، لأنه غارم. وربما بني الخلاف (3)
على عتقه (4) بالأداء، أو الإعتاق فعلى الأول (5) الأول (6)،
وعلى الثاني (7) الثاني (8)، وعليه المصنف في الدروس، لكن قدم
على الحلف عرضه (9) على المقومين مع الإمكان.
والأقوى تقديم قول المعتق، للأصل (10)، ولأنه متلف فلا يقصر
عن الغاصب المتلف (11).
(وقد يحصل العتق بالعمى) أي عمى المملوك بحيث لا يبصر أصلا
276

لقول الصادق عليه السلام في حسنة حماد: " إذا عمي المملوك فقد أعتق (1) "
وروى (2) السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: " إذا عمي المملوك فلا رق عليه، والعبد إذا
جذم فلا رق عليه "، وفي معناهما أخبار كثيرة (3) (والجذام) وكأنه
إجماع ومن ثم لم ينكره ابن إدريس، وإلا (4) فالمستند ضعيف، وألحق
به (5) ابن حمزة البرص ولم يثبت (والإقعاد) ذكره الأصحاب ولم نقف
على مستنده، وفي النافع (6) نسبه إلى الأصحاب مشعرا بتمريضه إن لم
تكن (7) إشارة إلى أنه (8) إجماع، وكونه (9) المستند.
(وإسلام المملوك في دار الحرب سابقا على مولاه (10) خارجا
277

منها (1) قبله على أصح القولين للخبر (2)، ولأن (3) إسلام المملوك
لا ينافي ملك الكافر له غايته أنه يجبر على بيعه، وإنما يملك (4) نفسه
بالقهر لسيده، ولا يتحقق (5) ثم إلا بالخروج إلينا قبله، ولو أسلم العبد
بعده لم يعتق وإن خرج إلينا قبله، ومتى ملك نفسه (6) أمكن بعد
ذلك (7) أن يسترق مولاه إذا قهره (8) فتنعكس المولوية (9) (ودفع (10)
قيمة) المملوك (الوارث) إلى سيده ليعتق ويرث.
278

ويظهر من العبارة (1) انعتاقه بمجرد دفع القيمة حيث جعله سبب
العتق، وكذا يظهر منها (2) الاكتفاء في عتقه بدفع القيمة من غير عقد (3)
وسيأتي في الميراث (4) أنه يشترى ويعتق، ويمكن أن يريد كون دفع
القيمة من جملة أسباب العتق وإن توقف على أمر آخر (5) كسببية
التدبير (6)، والكتابة، والاستيلاد.
(وتنكيل (7) المولى بعبده) في المشهور. وبه روايتان: إحديهما (8)
مرسلة، وفي سند الأخرى (9) جهالة. ومن ثم أنكره ابن إدريس.
279

وأصل التنكيل: فعل الأمر الفظيع بالغير، يقال: نكل به تنكيلا
إذا جعله نكالا وعبرة لغيره مثل أن يقطع أنفه، أو لسانه، أو أذنيه،
أو شفتيه، وليس في كلام الأصحاب هنا شئ محرر، بل اقتصروا على مجرد
اللفظ فيرجع فيه إلى العرف فما يعد تنكيلا عرفا يترتب عليه حكمه (1)
والأمة في ذلك (2) كالعبد. ومورد الرواية (3) المملوك، فلو عبر به (4)
المصنف كان أولى.
(و) قد يحصل العتق (بالملك) فيما إذا ملك الذكر أحد العمودين
أو إحدى المحرمات نسبا، أو رضاعا، والمرأة أحد العمودين (وقد سبق)
تحقيقه في كتاب البيع (5).
(- ويلحق بذلك (6) مسائل - لو قيل لمن أعتق بعض عبيده:
أأعتقتهم؟) أي عبيدك بصيغة العموم من غير تخصيص بمن أعتقه (فقال:
نعم. لم يعتق سوى من أعتقه)، لأن هذه الصيغة لا تكفي في العتق،
وإنما حكم بعتق من أعتقه بالصيغة السابقة (7).
280

هذا بحسب نفس الأمر (1)، أما في الظاهر فإن قوله: نعم عقيب
الاستفهام عن عتق عبيده الذي هو جمع مضاف مفيد للعموم عند المحققين
يفيد الإقرار بعتق جميع عبيده من أوقع عليه منهم صيغة، وغيره (2) عملا
بظاهر إقرار المسلم، فإن الإقرار وإن كان إخبارا عما سبق لا يصدق
إلا مع مطابقته لأمر واقع في الخارج سابق (3) عليه، إلا أنه لا يشترط
العلم بوقوع السبب الخارجي، بل يكفي إمكانه وهو (4) هنا حاصل فيلزم
الحكم عليه (5) ظاهرا بعتق الجميع لكل من لم يعلم بفساد ذلك (6).
ولكن الأصحاب أطلقوا القول بأنه لا يعتق إلا من أعتقه من غير
فرق بين الظاهر (7)، ونفس الأمر تبعا للرواية (8). وهي ضعيفة
مقطوعة، وفيها (9) ما ذكر.
281

ويقوى الإشكال (1) لو كان من أعتقه سابقا لا يبلغ الجمع (2)
فإن إقراره ينافيه (3) من حيث الجمع والعموم، بل هو (4) في الحقيقة
جمع كثرة لا يطلق حقيقة إلا على ما فوق العشرة فكيف يحمل على الواحد
بحسب مدلول اللفظ لو لم يكن أعتق غيره في نفس الأمر.
نعم هذا (5) يتم بحسب ما يعرفه المعتق ويدين به، لا بحسب إقراره
لكن الأمر في جمع الكثرة سهل، لأن العرف لا يفرق بينه، وبين جمع
القلة وهو (6) المحكم في هذا الباب.
واشترط بعضهم في المحكوم بعتقه ظاهرا الكثرة (7) نظرا إلى مدلول
لفظ الجمع فيلزم عتق ما يصدق عليه الجمع (8) حقيقة ويكون في غير
282

من (1) أعتقه كالمشتبه، واعتذر لهم (2) عما ذكرناه (3) بأنه (4) إذا
أعتق ثلاثة من مماليكه يصدق عليه هؤلاء مماليكي حقيقة (5) فإذا قيل له:
أأعتقت مماليكك؟ فقال: نعم. وهي (6) تقتضي إعادة السؤال، وتقريره
فيكون (7) إقرارا بعتق المماليك الذين انعتقوا دون غيرهم، لأصالة البراءة
والإقرار إنما يحمل على المتيقن (8) لا على ما فيه احتمال (9).
ومما قررناه (10) يعلم فساد الاعتذار، للفرق بين قوله: أعتقت
مماليكي (11) المقتضي للعموم، وبين قوله لثلاثة: هؤلاء مماليكي، لأنه
حينئذ يفيد عموم المذكور (12)، دون غيره، بخلاف المطلق (13)
283

فإنه (1) يفيده في جميع من يملكه بطريق الحقيقة.
وهذا الاحتمال (2) فيه من جهة مدلول اللفظ (3) فكيف
يتخصص (4) بما لا دليل عليه ظاهرا.
نعم لو كان الإقرار في محل الاضطرار كما لو مر بعاشر (5) فأخبر
بعتقهم (6) ليسلم منه اتجه القول بأنه لا يعتق (7) إلا ما أعتقه عملا
بقرينة الحال (8) في الإقرار. وبه (9) وردت الرواية.
(ولو نذر عتق أول ما تلده فولدت توأمين) أي ولدين في بطن
284

واحد. وأحدهما: توأم على فوعل (1) (عتقا) معا إن ولدتهما دفعة واحدة،
لأن ما (2) من صيغ العموم فيشملهما، ولو ولدتهما متعاقبين عتق الأول
خاصة. والشيخ لم يقيد (3) بالدفعة تبعا للرواية (4)، وتبعه جماعة
منهم المصنف هنا، وحملت على إرادة أول حمل (5).
هذا إن ولدته حيا، وإلا عتق الثاني، لأن الميت لا يصلح للعتق
ونذره صحيحا (6) يدل على حياته التزاما.
285

وقيل: يبطل (1) لفوات متعلقه (2)، ولو ولدته حرا (3)، أو
مستحقا للعتق لعارض (4) فوجهان (5).
(وكذا (6) لو نذر عتق أول ما يملكه فملك جماعة) دفعة واحدة
بأن قبل شرائهم، أو تملكهم في عقد واحد، أو ورثهم من واحد (7)
(عتقوا) أجمع، لما ذكرناه من العموم (8).
286

(ولو قال: أول مملوك أملكه فملك جماعة عتق أحدهم بالقرعة)
لأن مملوكا نكرة واقعة في الإثبات فلا يعم، بل يصدق بواحد فلا يتناول
غيره، لأصالة البراءة (1)، (وكذا (2) لو قال: أول مولود تلده)
فلا فرق (3) حينئذ بين نذر ما تلده ويملكه فيهما (4) نظرا إلى مدلول
الصيغة في العموم، وعدمه، ومن خص إحديهما (5)
287

بإحدى العبارتين (1) والأخرى (2) بالأخرى (3) فقد مثل.
هذا غاية ما بينهما (4) من الفرق.
288

(وفيه (1) بحث، لأن ما هنا تحتمل المصدرية. والنكرة (2)
المثبتة تحتمل الجنسية فيلحق الأول (3) بالثاني، والثاني (4) بالأول،
289

ولا شبهة فيه (1) عند قصده وإنما الشك مع إطلاقه (2)، لأنه حينئذ (3)
مشترك فلا يخص بأحد معانيه بدون القرينة، إلا أن يدعى وجودها (4)
فيما ادعوه من الأفراد (5)، وغير بعيد ظهور الفرد المدعى (6) وإن احتمل
290

خلافه (1). وهو (2) مرجح، مع أن في دلالة الجنسية (3) على تقدير
إرادتها، أو دلالتها - على العموم (4) نظر، لأنه (5) صالح للقليل
والكثير.
ثم على تقدير التعدد (6) والحمل على الواحد يستخرج المعتق بالقرعة
كما ذكر (7)، لصحيحة (8) الحلبي عن الصادق عليه السلام في رجل
قال: أول مملوك أملكه فهو حر فورث سبعة جميعا قال: " يقرع بينهم
ويعتق الذي قرع "، والآخر (9)
291

محمول عليه، لأنه (1) بمعناه.
وقد يشكل (2) ذلك في غير مورد النص (3) بأن (4) القرعة
لإخراج ما هو معلوم في نفس الأمر مشتبه ظاهرا، وهنا الاشتباه واقع
مطلقا (5). فلا تتوجه القرعة في غير (6) موضع النص، إلا أن يمنع
تخصيصها (7) بما ذكر نظرا إلى عموم قولهم عليهم السلام: " إنها لكل
أمر مشتبه ".
292

لكن خصوصية هذه العبارة (1) لم تصل إلينا مستندة على وجه
يعتمد وإن كانت مشهورة.
وقيل: يتخير في تعيين من شاء، لرواية (2) الحسن الصيقل عنه
عليه السلام في المسألة بعينها.
لكن الرواية ضعيفة السند، ولولا ذلك (3) لكان القول بالتخيير.
وحمل القرعة على الاستحباب طريق الجمع (4) بين الأخبار، والمصنف
في الشرح اختار التخيير جمعا (5) مع اعترافه بضعف الرواية (6).
وربما قيل: ببطلان النذر (7)، لإفادة الصيغة وحدة المعتق
ولم توجد (8).
293

وربما احتمل عتق الجميع، لوجود الأولية في كل واحد كما لو قال:
من سبق فله كذا فسبق جماعة. والفرق (1) واضح.
(ولو نذر عتق أمته إن وطأها فأخرجها عن ملكه) قبل الوطء
(ثم أعادها) إلى ملكه (لم تعد اليمين)، لصحيحة (2) محمد بن مسلم
عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل تكون له الأمة فيقول
يوم يأتيها فهي حرة، ثم يبيعها من رجل، ثم يشتريها بعد ذلك قال:
" لا بأس بأن يأتيها فقد خرجت عن ملكه ".
وحمل ما أطلق فيها (3) من التعليق (4) على النذر (5) ليوافق
294

الأصول (1)، ويشهد له (2) أيضا تعليله عليه السلام الإتيان بخروجها
عن ملكه، ولو لم يكن منذورا لم يتوقف ذلك (3) على الخروج
كما لا يخفى.
ولو عمم النذر بما يشمل الملك العائد فلا إشكال في بقاء الحكم (4)
وفي تعديته (5) إلى غير الوطئ من الأفعال، وإلى غير الأمة وجهان
من (6) كونه قياسا، وإيماء (7) النص إلى العلة (8) وهي مشتركة
295

والمتجه التعدي (1)، نظرا إلى العلة (2)، ويتفرع على ذلك (3)
أيضا جواز التصرف في المنذور المعلق على شرط لم يوجد (4) وهي مسألة
إشكالية، والعلامة اختار في التحرير عتق العبد لو نذر إن فعل كذا فهو
حر فباعه قبل الفعل، ثم اشتراه، ثم فعل، وولده استقرب عدم جواز
التصرف في المنذور المعلق على الشرط قبل حصوله، وهذا الخبر (5)
حجة عليهما.
(ولو نذر عتق كل مملوك قديم انصرف) النذر (إلى من مضى
عليه في ملكه ستة أشهر) فصاعدا على المشهور.
وربما قيل: إنه إجماع، ومستنده رواية (6) ضعيفة السند،
واعتمادهم الآن على الإجماع، واختلفوا في تعديه (7) إلى نذر الصدقة
296

بالمال القديم ونحوه من (1) حيث إن القديم قد صار حقيقة شرعية
في ذلك (2) فيتعدى، ويؤيده (3) تعليله في الرواية بقوله تعالى: " حتى
عاد كالعرجون القديم " (4) فإنه يقتضي ثبوت القدم بالمدة
المذكورة (5) مطلقا (6) ومن (7) معارضة اللغة والعرف، ومنع (8)
تحققه شرعا، لضعف المستند (9). والإجماع (10) إن ثبت أختص
بمورده (11)
297

والأقوى الرجوع في غير المنصوص (1) إلى العرف.
وفيه (2) لو قصر الكل (3) عن ستة ففي عتق أولهم تملكا اتحد
أم تعدد، أو بطلان النذر وجهان (4).
وعلى الأول (5) لو اتفق ملك الجميع دفعة ففي انعتاق الجميع،
أو البطلان لفقد الوصف (6) الوجهان (7).
298

والأقوى البطلان فيهما (1)، لدلالة اللغة. والعرف على خلافه (2)
وفقد (3) النص.
واعلم أن ظاهر العبارة (4) كون موضع الوفاق نذر عتق المملوك،
سواء فيه الذكر والأنثى. وهو الظاهر، لأن مستند الحكم عبر فيه
299

بالمملوك، والعلامة جعل مورده (1) العبد، واستشكل الحكم (2) في الأمة
كغيرها (3) من المال، واعتذر له ولده بأن مورد الإجماع العبد وإن كان
النص (4) أعم، لضعفه (5)
300

وإثبات (1) موضع الإجماع في ذلك (2) لو تم لا يخلو (3) من عسر.
(ولو اشترى أمة نسيئة وأعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها)
كما هو مورد الرواية (4)، (أو تزوجها) بعد العتق (بمهر)، أو مفوضة (5)
لاشتراك الجميع (6) في الوجه (ثم مات ولم يخلف شيئا) ليوفى منه (7)
301

ثمنها (نفذ العتق)، لوقوعه من أصله صحيحا (1) (ولا تعود رقا)،
لأن الحر لا يطرأ عليه الرقية في غير الكافر (2)، (ولا) يعود
(ولدها) منه رقا أيضا، لانعقاده حرا كما ذكر (3).
(على ما تقتضيه الأصول) الشرعية، فإن العتق والنكاح صادفا
ملكا صحيحا، والولد انعقد حرا، فلا وجه لبطلان ذلك (4)
(وفي رواية (5) هشام بن سالم الصحيحة عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام: رقها ورق ولدها لمولاها الأول) الذي باعها ولم يقبض ثمنها
ولفظ الرواية قال أبو بصير: سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا حاضر
عن رجل باع من رجل جارية بكرا إلى سنة فلما قبضها المشتري أعتقها
من الغد وتزوجها، وجعل مهرها عتقها، ثم مات بعد ذلك بشهر فقال
أبو عبد الله عليه السلام: " إن كان للذي اشتراها إلى سنة مال، أو
عقدة (6) تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها فإن عتقه ونكاحه
302

جائزان، وإن لم يملك مالا، أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين
في رقبتها فإن عتقه ونكاحه باطلان، لأنه أعتق ما لا يملك، وارى أنها
رق لمولاها الأول قيل له (1): فإن كانت قد علقت من الذي أعتقها
وتزوجها ما حال الذي في بطنها؟ فقال: " الذي في بطنها مع أمه
كهيئتها " (2).
وهذه الرواية (3) منافية للأصول بظاهرها، للإجماع على أن المعسر
يملك ما اشتراه في الذمة، ويصح عتقه، ويصير ولده حرا، فالحكم
بكون عتقه ونكاحه باطلين، وأنه أعتق ما لا يملك، لا يطابق الأصول،
ومقتضاها (4) أنه متى قصر ماله عن مجموع ثمنها يكون الحكم كذلك (5)
وإن قل (6).
303

لكن عمل بمضمونها (1) الشيخ وجماعة، لصحتها (2)، وجواز (3)
استثناء هذا الحكم من جميع الأصول لعلة (4) غير معقولة.
وعلى هذا (5) لا فرق بين من جعل عتقها مهرها، وغيرها (6)
كما نبه عليه المصنف بقوله: أو تزوجها بمهر، ولا يتقيد الأجل بالسنة،
ولا فرق بين البكر والثيب، مع احتمال اختصاص الحكم (7) مما (8) قيد
في الرواية، ولو كان بدلها (9) عبدا قد اشتراه نسيئة وأعتقه ففي إلحاقه (10)
304

بها وجه، لاتحاد الطريق (1).
وكذا في تعدي الحكم (2) إلى الشراء نقدا، أو بعضه ولم يدفع
المال، ومضمون الرواية (3) موته قبل الولادة، فلو تقدمت (4) على موته
فأقوى إشكالا في عوده رقا، للحكم بحريته (5) من حين ولادته، بخلاف
الحمل، لامكان توهم كون الحكم (6) لتبعية الحمل للحامل.
305

ومن خالف ظاهر الرواية (1) - وهم الأكثرية - اختلفوا في تنزيلها
فحملها العلامة على كون المشتري مريضا (2) وصادف عتقه ونكاحه
وشراؤه مرض الوفاة فيكون الحكم ما ذكر فيها (3)، لأنه حينئذ (4)
يكون العتق مراعى فإذا مات معسرا كذلك (5) ظهر بطلانه.
ورده المصنف بأن ذلك (6) لا يتم في الولد، لانعقاده حال الحكم
بحرية أمه والحر المسلم لا يصير رقا، وهو (7) لا يقصر عن من تولد
من وطء أمة الغير بشهبة أو شراء فاسد مع جهله.
306

وحملها (1) آخرون على فساد البيع، وينافيه (2) قوله في الرواية (3)
إن كان له مال فعتقه جائز، وحملت (4) على أنه فعل ذلك (5) مضارة
والعتق يشترط فيه القربة (6) وهذا الحمل نقله المصنف عن الشيخ طومان
ابن أحمد العاملي المناري، ورده (7) بأنه لا يتم أيضا في الولد، وردها (8)
ابن إدريس لذلك (9) مطلقا (10). وهو الأنسب.
(وعتق الحامل لا يتناول الحمل) كما لا يتناوله البيع وغيره،
للمغايرة (11)، فلا يدخل أحدهما في مفهوم الآخر، سواء استثناه أم لا
307

وسواء علم به أم لا (إلا على رواية (1)) السكوني عن أبي عبد الله
عليه السلام عن أبيه عليه السلام في رجل أعتق أمة وهي حبلى فاستثنى
ما في بطنها قال: " الأمة حرة وما في بطنها حر، لأن ما في بطنها
منها " وعمل بمضمونها (2) الشيخ وجماعة، وضعف سندها (3) يمنع
من العمل بها، مع أنها (4) ظاهرة في التقية.
308

كتاب التدبير
والمكاتبة والاستيلاد
309

كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد
والنظر في أمور ثلاثة
(الأول - التدبير - تعليق عتق عبده) أو أمته (بوفاته) تفعيل (1)
من الدبر (2) فإن الوفاة دبر الحياة (أو تعليقه على وفاة زوج المملوكة)
التي دبرها فعلق عتقها على وفاة زوجها (أو على وفاة مخدوم العبد)،
أو الأمة أيضا، لجواز إعارتها للخدمة، بل هي المنصوصة كما سيأتي.
وصحته في الأول (3) إجماعي، وفي الأخيرين (4) (على قول
مشهور)، لأن العتق لما قبل التأخير كقبوله للتنجيز، ولا تفاوت بين
الأشخاص (5) جاز تعليقه بوفاة غير المالك ممن له ملابسة كزوجية،
311

وخدمة، وللأصل (1)، ولصحيحة (2) يعقوب بن شعيب أنه سأل
الصادق عليه السلام عن الرجل يكون له الخادم فيقول: هي لفلان تخدمه
ما (3) عاش فإذا مات فهي حرة فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس
سنين، أو ست سنين ثم يجدها ورثته (4) ألهم أن يستخدموها بعد ما أبقت؟
فقال: " لا، إذا مات الرجل (5) فقد عتقت ". وحملت عليه (6)
الزوجية، لشدة المشابهة. ولا يتعدى إلى غيرهما (7) لبعده (8) عن النص
وربما قيل بالتعدي مطلقا (9) من غير اعتبار الملابسة، لمفهوم
312

الدليل الأول (1).
وفي مقابلة المشهور قول ابن إدريس باختصاصه (2) بوفاة المولى،
عملا بالمتيقن (3)، ودعوى (4) أنه شرعا كذلك، ولبطلانه (5) بالإباق
والرواية (6) تضمنت خلافه.
313

والنص (1) الصحيح يدفع الاقتصار، والثاني (2) مصادرة،
والملازمة (3) بين إباقه من الملك، ومن المخدوم ممنوعة، للفرق بمقابلة
314

نعمة السيد بالكفران فقوبل بنقيضه (1) كقاتل العمد في الإرث، بخلاف
الأجنبي (2).
واعلم أن القول المشهور هو تعديته (3) من موت المالك المخدوم
كما هو المنصوص (4)، وأما إلحاق الزوج فليس بمشهور كما اعترف به
315

المصنف في الشرح، فالشهرة المحكية هنا (1) إن عادت إلى الأخير (2)
لزم القطع بالأول (3) دونه (4). وهو خلاف الظاهر (5)، بل ينبغي
العكس (6) وإن عادت إليهما (7) لم تتم الشهرة في الزوج إلا أن يجعل
له (8) مع الزوجية الخدمة والوقوف على موضع النص (9) والوفاق (10)
حسن (والوفاة) المعلق عليها (قد تكون مطلقة) غير مقيدة بوقت،
ولا مكان، ولا صفة (وقد تكون مقيدة) بأحدها كهذه السنة، أو
في هذا البلد، أو المرض والتعليق عليهما (11) جائز فلا يتحرر (12) في المقيد
316

بدون القيد (كما تقدم في الوصية (1)) من جوازها بعد الوفاة مطلقا
ومقيدا.
(والصيغة) في التدبير (أنت حر، أو عتيق، أو معتق بعد
وفاتي) في المطلق (أو بعد وفاة فلان): الزوج، أو المخدوم، أو بعد
وفاتي هذه السنة، أو في هذا المرض، أو في سفري هذا، ونحو ذلك
في المقيد، ويستفاد من حصر الصيغة فيما ذكر: أنه لا ينعقد بقوله:
أنت مدبر مقتصرا عليه، وهو أحد القولين في المسألة، لأن التدبير عتق
معلق على الوفاة كما استفيد من تعريفه فينحصر في صيغة تفيده (2).
ووجه الوقوع بذلك (3): أن التدبير حقيقة شرعية في العتق
المخصوص فيكون (4) بمنزلة الصيغة الصريحة فيه (5)، وفي الدروس
اقتصر على مجرد نقل الخلاف، والوجه عدم الوقوع (6) ولا يقع باللفظ
مجردا، بل (مع القصد إلى ذلك) المدلول فلا عبرة بصيغة الغافل،
والساهي، والنائم، والمكره.
317

(ولا يشترط) في صحته (نية التقرب به) إلى الله تعالى وإن توقف
عليه حصول الثواب على الأقوى، للأصل، ولأنه وصية لا عتق بصفة (1)
وقيل: يشترط (2) بناء على أنه عتق، وإلا لافتقر إلى صيغة بعد
الوفاة وشرطه (3) القربة، ويتفرع عليهما (4)
318

صحة تدبير الكافر مطلقا (1) أو مع إنكاره لله تعالى كما سلف (2).
319

(وشرطها) أي شرط صيغة التدبير (التنجيز) فلو علقها بشرط
أو صفة كإن فعلت كذا، أو طلعت الشمس فأنت حر بعد وفاتي بطل
(وأن يعلق بعد الوفاة بلا فصل، فلو قال: أنت حر بعد وفاتي بسنة)
مثلا (بطل).
وقيل: يصح فيهما (1) ويكون في الثاني (2) وصية بعتقه. وهو
شاذ.
(وشرط المباشر الكمال) بالبلوغ والعقل (والاختيار، وجواز
التصرف) فلا يصح من الصبي وإن بلغ عشرا، ولا المجنون المطبق مطلقا (3)
ولا ذي الأدوار فيه (4)، ولا المكره، ولا المحجور عليه لسفه مطلقا (5)
على الأقوى.
وقيل: لا (6)، لانتفاء معنى الحجر بعد الموت.
ويضعف بأن الحجر عليه حيا يمنع العبارة الواقعة حالتها (7) فلا
تؤثر بعد الموت، أما المحجور عليه لفلس فلا يمنع منه إذ لا ضرر
على الغرماء، فإنه إنما يخرج بعد الموت من ثلث ماله بعد وفاء الدين.
ومثله (8) مطلق وصية المتبرع بها.
320

وينبغي التنبيه على خروجه (1) من اشتراط جواز التصرف،
إلا أن يدعى أن المفلس جائز التصرف بالنسبة إلى التدبير وإن كان ممنوعا
منه (2) في غيره.
لكن لا يخلو من تكلف.
(ولا يشترط) في المدبر (الإسلام) كما لا يشترط (3) في مطلق
الوصية (فتصح مباشرة الكافر) التدبير (وإن كان حربيا)، أو جاحدا
للربوبية، لما تقدم من عدم اشتراط القربة، وللأصل (4) (فإن دبر)
الحربي حربيا (مثله واسترق أحدهما) بعد التدبير (أو كلاهما بطل التدبير)
أما مع استرقاق المملوك فظاهر، لبطلان ملك الحربي له المنافي للتدبير
وأما مع استرقاق المباشر فلخروجه عن أهلية الملك (5) وهو (6)
يقتضي بطلان كل عقد وإيقاع جائزين.
(ولو أسلم) المملوك (المدبر) من كافر (بيع على الكافر (7))
321

قهرا (وبطل تدبيره)، لانتفاء السبيل له على المسلم بالآية (1)، ولقوله
صلى الله عليه وآله وسلم: " الإسلام يعلو ولا يعلى عليه (2) " وطاعة
المولى علو منه (3)، والتدبير لم يخرجه عن الاستيلاء عليه بالاستخدام
وغيره.
وقيل: يتخير المولى بين الرجوع في التدبير فيباع عليه (4) وبين
الحيلولة بينه (5)، وبينه (6) وكسبه للمولى، وبين استسعائه في قيمته.
وهو (7) ضعيف لا دليل عليه.
نعم لو مات المولى قبل البيع عتق من ثلثه، ولو قصر ولم يجز
الوارث فالباقي رق، فإن كان الوارث مسلما فله، وإلا بيع عليه (8)
من مسلم.
(ولو حملت المدبرة من مملوك) بزنا، أو بشبهة، أو عقد على وجه
يملكه السيد (فولدها مدبر) كأمه.
322

ويشكل (1) في الزنا مع علمها، لعدم لحوقه بها شرعا. لكن الشيخ
وجماعة أطلقوا الحكم، والمصنف في الدروس قيده بكونه من مملوك المدبر
فلو كان من غيره لم يكن (2).
واستشكل (3) حكم الزنا، والأخبار (4) مطلقة في لحوق أولادها
بها في التدبير حيث يكونون أرقاء. فالقول بالإطلاق (5) أوجه.
نعم اشتراط إلحاقهم (6) بها في النسب حسن، ليتحقق النسب.
واعلم أن الولد بفتح الواو واللام وبضمها فسكونها (7) يطلق (8)
على الواحد والجمع، وقد يكون الثاني جمعا لولد كأسد وأسد، ويجوز
وطء المدبرة ولا يكون رجوعا (ولو حملت من سيدها صارت أم ولد)
ولم يبطل التدبير (فتعتق) بعد موته (من الثلث) بسبب التدبير
323

(فإن فضلت) قيمتها عن الثلث (فمن نصيب الولد (1)) يعتق الباقي.
(ولو رجع) المولى (في تدبيرها) ولها ولد (2) (لم يكن)
رجوعه في تدبيرها (رجوعا في تدبير ولدها)، لعدم الملازمة بينهما (3)
وتحقق الانفكاك (4)، وعدم دلالته (5) عليه بإحدى الدلالات (6)
(ولو صرح بالرجوع في تدبيره) أي تدبير الولد (فقولان): أحدهما
الجواز (7) كما يجوز الرجوع في تدبيرها، لكون التدبير جائزا فيصح
الرجوع فيه (8)، والفرع (9) لا يزيد على أصله. والثاني (10) - هو
الذي اختاره الشيخ مدعيا الإجماع وجماعة منهم المصنف في الدروس.
(و) هو (المروي) صحيحا (11) عن أبان بن تغلب عن الصادق
324

عليه السلام (المنع (1))، ولأنه لم يباشر تدبيره، وإنما حكم به شرعا
فلا يباشر رده في الرق، وبهذا يحصل الفرق بين الأصل والفرع (2).
(ودخول الحمل في التدبير للأم مروي) في الصحيح (3) عن الحسن
ابن علي الوشا عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن رجل دبر جاريته
وهي حبلى فقال: " إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها،
وإن كان لم يعلم فما في بطنها رق ".
والرواية كما ترى دالة على اشتراط دخوله (4) بالعلم به، لا مطلقا (5)
فكان على المصنف أن يقيده (6) حيث نسبه إلى الرواية (7).
نعم ذهب بعض الأصحاب إلى دخوله في تدبيرها مطلقا (8) كما يدخل
لو تجدد، إلا أنه (9)
325

غير مروي، وبمضمون الرواية (1) أفتى الشيخ في النهاية وجماعة (كعتق
الحامل) فإنه يتبعها الحمل على الرواية السابقة (2).
والأظهر عدم دخوله (3) فيها مطلقا (4)، وحملت هذه الرواية (5)
على ما إذا قصد تدبير الحمل مع الأم وأطلق العلم على القصد مجازا،
لأنه (6) مسبب عنه. وقد روى (7) الشيخ أيضا في الموثق عن الكاظم
عليه السلام عدم دخوله (8) مطلقا فالحمل (9) طريق الجمع.
(ويتحرر المدبر) بعد الموت (10) (من الثلث) كالوصية
326

(ولو جامع (1) الوصايا) كان كأحدها (قدم الأول فالأول (2))
إن لم يكن فيها (3) واجب (ولو كان على الميت دين قدم الدين)
من الأصل، سواء كان متقدما على التدبير أم متأخرا. ومنه (4) الوصية
بواجب مالي (فإن فضل) من التركة (شئ (5)) ولم يكن هناك
327

وصية تقدم (1) عليه (عتق من المدبر ثلث ما بقي (2)) إن لم يزد (3)
عن قيمته كغيره (4) من الوصايا المتبرع بها، حتى لو لم يفضل سواه (5)
328

عتق ثلثه، فإن لم يفضل عن الدين شئ بطل التدبير.
ولو تعدد المدبر والتدبير (1) بدئ بالأول فالأول (2)، وبطل
ما زاد عن الثلث إن لم يجز الوارث، وإن جهل الترتيب (3)، أو
دبرهم بلفظ واحد (4) استخرج الثلث بالقرعة، وبالجملة فحكمه حكم
الوصية.
هذا كله إذا كان التدبير متبرعا به وعلق على وفاة المولى ليكون
كالوصية، فلو كان واجبا بنذر وشبهه (5) حال الصحة، أو معلقا
على وفاة غيره (6) فمات (7) في حياة المولى فهو من الأصل، ولو مات (8)
بعد المولى فهو من الثلث أيضا.
هذا (9) إذا كان النذر مثلا،
329

لله علي عتق عبدي (1) بعد وفاتي ونحوه.
وأما لو قال: لله علي أن أدبر عبدي (2) ففي إلحاقه به (3)
في خروجه (4) من الأصل نظر، لأن الواجب بمقتضى الصيغة (5) هو
إيقاع التدبير عليه (6) فإذا فعله وفى بنذره وصار التدبير كغيره (7)،
لدخوله (8) في مطلق التدبير.
ومثله (9) ما لو نذر أن يوصي بشئ ثم أوصى به، أما لو نذر
330

جعله (1) صدقة بعد وفاته، أو في وجه سائغ (2) فكنذر العتق (3).
ونقل المصنف عن ظاهر كلام الأصحاب تساوي القسمين (4) في الخروج
من الأصل، لأن الغرض التزام الحرية بعد الوفاة، لا مجرد الصيغة،
ونقل عن ابن نما رحمه الله الفرق (5) بما حكيناه (6). وهو متجه،
وعلى التقديرين (7) لا يخرج (8) بالنذر على الملك فيجوز له استخدامه
ووطؤه إن كانت جارية.
331

نعم لا يجوز نقله عن ملكه. فلو فعل (1) صح ولزمته الكفارة
مع العلم (2)، ولو نقله عن ملكه ناسيا فالظاهر الصحة (3) ولا كفارة،
لعدم الحنث. وفي الجاهل وجهان (4). وإلحاقه بالناسي قوي. ولو وقع
النذر في مرض الموت فهو من الثلث مطلقا (5).
(ويصح الرجوع في التدبير) المتبرع به ما دام (6) حيا كما يجوز
الرجوع في الوصية وفي جواز الرجوع في الواجب بنذر وشبهه (7) ما تقدم
من عدم الجواز (8) إن كانت صيغته لله علي عتقه بعد وفاتي، ومجئ
الوجهين (9) لو كان متعلق النذر هو التدبير، من (10) خروجه عن عهدة
النذر بإيقاع الصيغة كما حققناه، ومن (11)
332

أنه تدبير واجب وقد أطلقوا لزومه (1).
والرجوع يصح (قولا مثل رجعت في تدبيره) وأبطلته ونقضته
ونحوه (وفعلا كأن يهب) المدبر وإن لم يقبض، (أو يبيع، أو
يوصي (2) به) وإن لم يفسخه قبل ذلك (3)، أو يقصد به (4) الرجوع
على أصح القولين.
ولا فرق (5) بين قبول الموصى له الوصية، وردها، لأن فسخه
جاء من قبل إيجاب المالك، ولا يعود التدبير بعوده (6) مطلقا (7)
(وإنكاره (8) ليس برجوع) وإن حلف (9) المولى، لعدم الملازمة (10)،
333

ولاختلاف اللوازم فإن الرجوع يستلزم الاعتراف به (1)، وإنكاره يستلزم
عدمه (2)، واختلاف اللوازم (3) يقتضي اختلاف الملزومات (4).
ويحتمل كونه (5) رجوعا، لاستلزامه (6) رفعه مطلقا وهو (7)
أبلغ من رفعه في بعض الأزمان. وفي الدروس قطع بكونه (8) ليس
برجوع إن جعلناه (9) عتقا، وتوقف (10) فيما لو جعلناه (11) وصية
ونسب القول بكونه رجوعا إلى الشيخ.
وقد تقدم (12) اختياره أن إنكار الطلاق رجعة، والعلامة حكم
334

بأن إنكار سائر العقود الجائزة ليس برجوع إلا الطلاق (1).
والفرق بينه (2)، وبين غيره غير واضح.
(ويبطل التدبير بالإباق) من مولاه سواء في ذلك الذكر، والأنثى
لا بالإباق من عند مخدومه المعلق عتقه على موته.
وقد تقدم (3) ما يدل عليه (فلو ولد له حال الإباق) أولاد
من أمة لسيده، أو غيره حيث يلحق (4) به الولد، أو حرة عالمة بتحريم
نكاحه (كانوا أرقاء) مثله (5) (وأولاده قبله (6) على التدبير)
وإن بطل (7) في حقه، استصحابا (8) للحكم السابق فيهم مع عدم المعارض
(ولا يبطل) التدبير (بارتداد السيد) عن غير فطرة فيعتق
335

لو مات على ردته، أما لو كان عن فطرة ففي بطلانه نظر: من (1) انتقال
ماله عنه في حياته. ومن (2) تنزيلها منزلة الموت فيعتق بها.
والأقوى الأول (3)، ولا يلزم من تنزيلها (4) منزلة الموت
في بعض الأحكام ثبوته (5) مطلقا (6)، وإطلاق العبارة (7) يقتضي
الثاني.
وقد استشكل الحكم (8) في الدروس، لما ذكرناه (9) (و) كذا
336

(لا) يبطل (بارتداد العبد إلا أن يلحق بدار الحرب) قبل الموت (1)
لأنه إباق، ولو التحق بعده (2) تحرر من الثلث، والفارق بين الارتداد
والإباق (3) - مع أن طاعة الله أقوى (4). فالخروج عنها أبلغ من الإباق -
النص (5) وقد يقرب (6) بغناء الله تعالى عن طاعته له، بخلاف المولى،
مع أن الإباق يجمع معصية الله تعالى والمولى، بخلاف الارتداد (7).
فقوة الارتداد ممنوعة.
(وكسب المدبر في الحياة) أي حياة المولى (للمولى، لأنه رق)
337

لم يخرج بالتدبير عنها (ولو استفاده (1) بعد الوفاة فله جميع كسبه
إن خرج من الثلث، وإلا (3) فبنسبة ما أعتق منه، والباقي)
من كسبه (للوارث).
هذا إذا كان تدبيره معلقا على وفاة المولى، فلو كان معلقا على وفاة
غيره وتأخرت (4) عن وفاة المولى فكسبه بعد وفاة مولاه ككسبه قبلها (5)
لبقائه على الرقية، ولو ادعى بعد الموت (6) تأخر الكسب وأنكره الوارث
حلف المدبر (7)، لأصالة عدم التقدم (8).
(النظر الثاني - في الكتابة (9)) واشتقاقها من الكتب وهو الجمع
338

لانضمام بعض النجوم إلى بعض. ومنه (1) كتبت الحروف. وهو (2)
مبني على الغالب، أو الأصل من وضعها بآجال متعددة، وإلا فهو ليس
بمعتبر عندنا وإن اشترطنا الأجل.
(وهي مستحبة مع الأمانة) وهي الديانة (والتكسب) للأمر بها (3)
في الآية مع الخير (4)، وأقل مراتبه (5) الاستحباب وفسر الخير بهما (6)
لإطلاقه (7) على الأول (8) في مثل قوله تعالى: " وما تفعلوه من
339

خير يعلمه الله " (1). " ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (2) "
وعلى الثاني (3) في مثل قوله تعالى: " وإنه لحب الخير لشديد (4)
و " إن ترك خيرا (5) " فحمل عليهما (6)، بناء على جواز حمل
المشترك (7) على كلا معنييه (8) إما مطلقا، أو مع القرينة وهي موجودة
لصحيحة (9) الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل:
" إن علمتم فيهم خيرا " قال: " إن علمتم لهم دينا ومالا "
ورواه (10) الكليني (11) بسند صحيح.
340

وحينئذ (1) يندفع ما قيل: إن استعمال المشترك في معنييه مرجوح،
أو مجاز لا يصار إليه.
نعم روي (2) في التهذيب عن الحلبي صحيحا عنه عليه السلام
في الآية (3) قال: " إن علمتم فيهم مالا " بغير ذكر الدين،
والمثبت (4) مقدم.
(ويتأكد) الاستحباب (بالتماس العبد) مع جمعه (5) للوصفين
أما مع عدمهما (6)، أو أحدهما فلا (7) في ظاهر كلام الأصحاب،
وفي النافع (8) أنها (9) تتأكد بسؤال المملوك (10) ولو كان عاجزا.
341

فجعل (1) الاستحباب مع عدم سؤاله مشروطا بالشرطين، ومعه (2)
يكتفي (3) بالأول (4) خاصة (ولو عدم الأمران (5)) الصادق بعدم
أحدهما (6)، وعدمهما معا (فهي (7) مباحة) على المشهور.
وقيل: مكروهة.
(وهي معاملة) بين المولى، والمملوك (مستقلة) بنفسها على الأشهر
وتختص بوقوعها (8) بين المالك ومملوكه، وأن العوض والمعوض ملك
342

السيد (1)، وأن المكاتب على درجة بين الاستقلال وعدمه (2)، وأنه
يملك (3) من بين العبيد، ويثبت له أرش الجناية على سيده، وعليه (4)
الأرش للسيد المجني عليه، وتفارق (5) البيع باعتبار الأجل في المشهور،
343

وسقوط (1) خيار المجلس، والحيوان (2) وعدم (3) قبولها لخيار
الشرط (وليست (4) بيعا للعبد من نفسه) وإن أشبهته في اعتبار العوض
المعلوم، والأجل المضبوط على تقدير ذكره (5) في البيع، لمخالفتها (6) له
في الأحكام، ولبعد ملك الإنسان نفسه فلو باعه (7) نفسه بثمن مؤجل
لم يصح (ولا عتقا بصفة (8)) وهي شرط عوض معلوم على المملوك
344

في أجل مضبوط. وهو وفاق (1)، خلافا لبعض العامة (2).
(ويشترط في المتعاقدين الكمال) بالبلوغ، والعقل، فلا يقع
من الصبي وإن بلغ عشرا وجوزنا عتقه، ولا من المجنون المطبق، ولا الدائر
جنونه في غير وقت الإفاقة. وهذان مشتركان بين المولى والمكاتب.
وقد يتخيل عدم اشتراطهما (3) في المكاتب، لأن المولى وليه فيمكن
قبوله عنه، وكذا الأب والجد والحاكم مع الغبطة. وله وجه وإن استبعده
المصنف في الدروس غير مبين وجه البعد.
(وجواز تصرف المولى) فلا يقع من السفيه بدون إذن الولي،
ولا المفلس بدون إذن الغرماء، ولا من المريض فيما زاد منه (4)
على الثلث بدون إجازة الوارث وإن كان العوض (5) بقدر قيمته،
لأنها (6) ملك المولى فليست معاوضة حقيقية، بل في معنى التبرع ترجع
إلى معاملة المولى على ماله بماله.
345

ويستفاد من تخصيص الشرط (1) بالمولى جواز كتابة المملوك السفيه
إذ لا مال له يمنع من التصرف فيه. نعم يمنع من المعاملة المالية،
ومن قبض المال لو ملكه بعد تحقق الكتابة.
(ولا بد) في الكتابة (من العقد المشتمل على الإيجاب مثل كاتبتك
على أن تؤدي إلي كذا في وقت كذا) إن اتحد الأجل (أو أوقات
كذا) إن تعدد (فإذا أديت فأنت حر).
وقيل: لا يفتقر إلى إضافة قوله: فإذا أديت إلى آخره، بل يكفي
قصده (2)، لأن التحرير غاية الكتابة فهي (3) دالة عليه فلا يجب ذكره
كما لا يجب ذكر غاية البيع، وغيره خصوصا لو جعلناها (4) بيعا للعبد
من نفسه.
ويضعف بأن القصد إليه (5) إذا كان معتبرا لزم اعتبار التلفظ
بما يدل عليه (6)، لأن هذا هو الدليل الدال على اعتبار الإيجاب والقبول
346

اللفظيين في كل عقد، ولا يكفي قصد مدلوله (1).
نعم لو قيل: بعدم اعتبار قصده (2) أيضا كما في غيره من غايات
العقود اتجه، لكن لا يظهر به (3) قائل (والقبول مثل قبلت) ورضيت.
وتوقف هذه المعاملة على الإيجاب والقبول يلحقها بقسم العقود،
فذكرها في باب الإيقاعات التي يكفي فيها الصيغة من واحد بالعرض (4)
تبعا (5) للعتق، ولو فصلوها ووضعوها في باب العقود كان أجود.
(فإن قال) المولى في الإيجاب مضافا إلى ذلك (6): (فإن عجزت
فأنت رد) بفتح الراء وتشديد الدال مصدر بمعنى المفعول أي مردود
(في الرق فهي مشروطة، وإلا) يقل ذلك (7)، بل اقتصر على الإيجاب
السابق (فهي مطلقة). ومن القيد (8) يظهر وجه التسمية.
347

ويشترك القسمان في جميع الشرائط وأكثر الأحكام، ويفترقان في أن
المكاتب في المطلقة ينعتق منه بقدر ما يؤدي من مال الكتابة، والمشروط
لا ينعتق منه شئ حتى يؤدي الجميع، والإجماع على لزوم المطلقة،
وفي المشروطة خلاف وسيأتي.
(والأقرب اشتراط الأجل) في الكتابة مطلقا (1) بناء على أن العبد
لا يملك شيئا فعجزه حال العقد عن العوض حاصل، ووقت الحصول (2)
متوقع مجهول فلا بد من تأجيله (3) بوقت يمكن فيه حصوله عادة.
وفيه (4) نظر، لإمكان (5) التملك عاجلا ولو بالاقتراض كشراء
من لا يملك شيئا من الأحرار، خصوصا لو فرض حضور شخص
يوعده (6) بدفع المال عنه بوجه في المجلس (7).
ويندفع ذلك (8) كله بأن العجز حالة العقد حاصل (9) وهو المانع.
نعم لو كان بعضه حرا وبيده مال فكاتبه على قدره فما دون حالا
فالمتجه الصحة، لأنه كالسعاية. ولو كان واقفا على معدن مباح يمكنه
348

تحصيل العوض منه في الحال فعلى التعليل بجهالة وقت الحصول (1) يصح
وبالعجز (2) حالة العقد يمتنع.
وقيل: لا يشترط الأجل مطلقا (3)، للأصل (4)، وإطلاق (5)
الأمر بها، خصوصا على القول بكونها بيعا، ويمنع اعتبار القدرة على العوض
حالة العقد، بل غايته إمكانها بعده. وهو حاصل هنا.
وحيث يعتبر أو يراد (6) يشترط ضبطه كأجل النسيئة (7) بما لا يحتمل
الزيادة والنقصان، ولا يشترط زيادته عن أجل واحد (8) عندنا، لحصول
الغرض، ولو قصر الأجل بحيث يتعذر حصول المال فيه عادة (9) بطل
349

إن علل بالجهالة (1)، وصح إن علل بالعجز (2).
وفي اشتراط اتصاله (3) بالعقد قولان أجودهما العدم، للأصل.
(وحد العجز) المسوغ للفسخ في المشروطة بمخالفة شرطه،
فإن شرط عليه التعجيز عند تأخير نجم عن محله (4)، أو إلى نجم آخر (5)
أو إلى مدة مضبوطة أتبع شرطه، وإن أطلق (6) فحده (أن يؤخر نجما
عن محله) والمراد بالحد هنا العلامة، أو السبب الدال على العجز، لا الحد
المصطلح (7)، وبالنجم المال المؤدى في المدة المخصوصة، ويطلق
على نفس المدة (8)، وبتأخيره (9) عن محله عدم أدائه في أول وقت
حلوله، وتحديده بذلك (10) هو الوارد في الأخبار (11) الصحيحة.
350

وفي المسألة أقوال أخر مستندة إلى أخبار (1) ضعيفة، أو اعتبار (2)
غير تام، وأما المطلقة فإذا نفذ بعض النجوم ولم يؤد قسطه فك من سهم
الرقاب، فإن تعذر استرق إن لم يكن أدى شيئا، وإلا فبحسب ما عجز
عنه، فحد العجز المذكور (3) يصلح له (4) بوجهه.
(ويستحب) للمولى (الصبر عليه) عند العجز، للأمر (5) بإنظاره
سنة وسنتين وثلاثا المحمول على الاستحباب جمعا (والأقرب لزوم الكتابة
من الطرفين) طرف السيد والمكاتب (في المطلقة والمشروطة) بمعنى أنه
ليس لأحدهما فسخها إلا بالتقايل مع قدرة المكاتب على الأداء، ووجوب
السعي عليه في أداء المال، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود (6) والكتابة منها (7)
والجمع المحلى (8) مفيد للعموم، وخروج (9) نحو الوديعة، والعارية بنص
351

ويبقى الباقي (1) على الأصل.
وذهب الشيخ وابن إدريس إلى جواز المشروطة من جهة العبد بمعنى
أن له الامتناع من أداء ما عليه فيتخير السيد بين الفسخ، والبقاء،
ولزومها من طرف السيد، إلا على الوجه المذكور (2).
وذهب ابن حمزة إلى جواز المشروطة مطلقا (3)، والمطلقة من طرف
السيد خاصة. وهو غريب. ومن خواص العقود اللازمة أنها لا تبطل
بموت المتعاقدين وهو هنا كذلك بالنسبة إلى المولى، أما موت المكاتب فإنه
يبطلها من حيث العجز عن الاكتساب (ويصح فيها التقابل) كغيرها (4)
من عقود المعاوضات.
(ولا يشترط الإسلام في السيد، ولا في العبد) بناء على أنها (5)
352

معاملة مستقلة، والأصل (1) يقتضي جوازها كذلك، ولو جعلناها (2)
عتقا بني على ما سلف في عتق الكافر فاعلا وقابلا.
هذا إذا لم يكن المولى كافرا والعبد مسلما، وإلا (3) أشكل جواز
المكاتبة من حيث عدم استلزامها (4) رفع سلطته عنه خصوصا المشروطة.
والأقوى عدم جوازها، لعدم الاكتفاء بها في رفع يد الكافر عن المسلم
لأنها لا ترفع أصل السبيل (5)، وهو (6) بمنزلة الرق في كثير من الأحكام
353

بل هو رق، ولو كان كفر المولى بالارتداد فإن كان عن فطرة فعدم
صحة كتابته واضح، لانتقال ماله عنه، وإن كان عن ملة ففي صحتها مطلقا
أو مراعا بعوده إلى الإسلام، أو البطلان أوجه أوجهها الجواز ما لم يكن
العبد مسلما بتقريب ما سلف (1).
وقيل: يشترط إسلام العبد مطلقا (2) نظرا إلى أن الدين داخل
في مفهوم الخير (3) الذي هو شرطها، ولأن المكاتب يؤتى من الزكاة
ويتعذر هنا (4).
ويضعف (5) بأن الخير شرط في الأمر بها (6)، لا في أصل
شرعيتها، والايتاء من الزكاة مشروط باستحقاقه لهما وهو منفي مع الكفر
كما ينتفي (7) مع عدم حاجته إليها.
(ويجوز لولي اليتيم أن يكاتب رقيقه مع الغبطة) لليتيم في المكاتبة
كما يصح بيعه وعتقه معها، ولصحيحة (8) معاوية بن وهب عن الصادق
عليه السلام في مكاتبة جارية الأيتام.
وقيل: بالمنع، لأن الكتابة شبيهة بالتبرع من حيث إنها معاملة
على ماله بماله.
354

والخبر حجة عليه (1) (ويجوز تنجيمها (2)) نجوما متعددة
بأن يؤدي في كل نجم قدرا من مالها (بشرط العلم بالقدر) في كل
أجل (والأجل (3)) حذرا من الغرر، سواء تساوت النجوم أجلا ومالا
أم اختلفت (4)، للأصل (5)، وهذا هو الأصل فيها (6) وليس (7)
355

موضع الاشتباه حتى يخص بالذكر، وإنما موضعه (1) النجم الواحد،
ولا يجوز حمل مطلقه (2) عليه (3)، للعلم به (4) من اشتراط الأجل.
(ولا تصح) الكتابة (مع جهالة العوض)، بل يعتبر ضبطه (5)
كالنسيئة، وإن كان عرضا فكالسلم (6)، ويمتنع فيها (7) ما يمتنع فيه
(ولا على عين (8))، لأنها إن كانت للسيد فلا معاوضة، وإن كانت
لغيره فهي كجعل ثمن المبيع من مال غير المشتري، ولو أذن الغير
في الكتابة على عين يملكها فهي في قوة بيع العبد بها فإن جعلناها (9)
356

بيعا صح، وإلا فوجهان: من الأصل (1). وكونه (2) خلاف المعهود
شرعا كما علم من اشتراط الأجل.
(ويستحب أن لا يتجاوز) مال الكتابة (قيمة العبد) يوم المكاتبة
(ويجب) على مولاه (الإيتاء) للمكاتب (من الزكاة إن وجبت)
الزكاة (على المولى)، للأمر به في قوله تعالى: " وآتوهم من مال
الله الذي آتاكم (3) " ولكن من سهم الرقاب إن أوجبنا البسط،
(وإلا) تجب عليه الزكاة (استحب له الإيتاء) وهو إعطاؤه شيئا
(ولا حد له) أي للمؤتى (قلة)، بل يكفي ما يطلق عليه اسم المال.
(ويكفي الحط من النجوم عنه (4))، لأنه في معناه، (ويجب
على العبد القبول) إن آتاه من عين مال الكتابة، أو من جنسه (5)،
357

لا من غيره، ولو أعتق قبل الإيتاء (1) ففي وجوب القضاء (2)،
وكونه (3) دينا على المولى وجه رجحه المصنف في الدروس وجعله كالدين
ولو دفع إليه من الزكاة وكان مشروطا (4) فعجزه (5) ففي وجوب
إخراج الزكاة لغيره (6) أوردها (7) إلى دافعها لو كان غيره قول.
ويحتمل ذلك (8) لو كان من الغير تبرعا، وعدمه (9) فيهما،
لملكه (10) له وقت الدفع، وبراءة ذمة الدافع، وعوده (11) إلى المولى
إحداث، لا إبطال ما سلف، ومن ثم (12)
358

بقيت المعاملة السابقة (1) بحالها وإن لم يرض بها المولى.
(ولو مات المكاتب المشروط قبل كمال الأداء) لمال الكتابة (بطلت)
وملك المولى ما وصل إليه من المال وما تركه المكاتب (ولو مات المطلق
ولم يؤد شيئا فكذلك (2)، وإن أدى) شيئا (تحرر منه بقدر المؤدى)
أي بنسبته (3) من الجميع، وبطل منه (4) بنسبة المتخلف (وكان
ميراثه (5) بين السيد، ووارثه (6) بالنسبة (7)) فإن كان الوارث حرا
فلا شئ عليه (8) (ويؤدي الوارث التابع له في الكتابة) كولده
من أمته (9) (باقي مال الكتابة)،
359

لأنه قد تحرر منه (1) بنسبة أبيه وبقي الباقي (2) لازما له (وللمولى
إجباره على الأداء) للباقي (كما له (3) إجبار المورث)، لأنه دين فله
إجباره على أدائه.
وقيل: لا (4)، لعدم وقوع المعاملة معه، وفي صحيحة (5) ابن
سنان، وجميل (6) بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام يقضى مال
الكتابة من الأصل، ويرث وارثه ما بقي (7)، واختاره (8) بعض الأصحاب
والمشهور الأول (9).
(وتصح الوصية للمكاتب المطلق بحساب ما تحرر منه)، لرواية (10)
محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام في مكاتب كان تحته امرأة حرة
فأوصت له عند موتها بوصية فقضى (11) أنه يرث بحساب ما أعتق منه.
360

ولو لم يتحرر منه شئ، أو كان مشروطا لم تصح الوصية له
مطلقا (1) على المشهور. واستقرب المصنف في الدروس جواز الوصية
للمكاتب مطلقا (2)، لأن قبولها (3) نوع اكتساب وهو (4) أهل له.
وفيه (5) قوة.
هذا إذا كان الموصي غير المولى، أما هو فتصح وصيته مطلقا (6)
ويعتق منه بقدر الوصية (7)، فإن كانت بقدر النجوم عتق أجمع،
وإن زادت (8) فالزائد له، ولا فرق بين كون قيمته (9) بقدر مال
الكتابة، أو أقل (10)، لأن الواجب (11) الآن هو المال، مع احتمال اعتبار
361

القيمة (1) لو نقصت من الوصية فيعتق (2) من الوصية. وله (3) الزائد
وإن لم تف بمال الكتابة، لأن ذلك حكم القن، والمكاتب لا يقصر عنه.
(وكل ما يشترط في عقد الكتابة مما لا يخالف المشروع لازم)،
لأن الشرط في العقد يصير كالجزء منه، فالأمر بالوفاء به (4) يتناوله،
ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " المؤمنون عند شروطهم " ولو خالف (5)
المشروع كشرط أن يطأ (6) المكاتبة، أو أمة (7) المكاتب مطلقا (8)،
أو يترك التكسب، أو رد (9) المطلق في الرق حيث شاء، ونحوه (10)
362

بطل الشرط ويتبعه بطلان العقد على الأقوى.
(وليس له) أي للمكاتب بنوعيه (1) (التصرف في ماله ببيع)
ينافي الاكتساب (2) كالبيع نسيئة بغير رهن، ولا ضمين، أو محاباة (3)
أو بغبن، لا مطلق البيع فإن له التصرف بالبيع والشراء، وغيرهما
من أنواع التكسب التي لا خطر فيها، ولا تبرع (4) (ولا هبة)
لا تستلزم عوضا زائدا عن الموهوب، وإلا (5) فلا منع، للغبطة (6)،
وفي صحة العوض المساوي وجه، إذ لا ضرر حينئذ (7) كالبيع بثمن المثل
والشراء به (8) (ولا عتق)، لأنه تبرع محض، ومنه (9) شراء
من ينعتق عليه (10)، وله قبول هبته (11)
363

مع عدم الضرر (1) بأن يكون (2) مكتسبا قدر مؤنته فصاعدا.
(ولا إقراض) مع عدم الغبطة، فلو كان في طريق خطر يكون
الإقراض فيه أغبط من بقاء المال، أو خاف تلفه قبل دفعه، أو بيعه
ونحو ذلك فالمتجه الصحة، ولكنهم أطلقوا المنع فما ذكر (3) (إلا بإذن
المولى) فلو أذن في ذلك كله (4) جاز. لأن الحق لهما وحيث يعتق
بإذنه فالولاء له إن عتق (5)، وإلا (6) فللمولى، ولو اشترى من ينعتق
عليه لم يعتق في الحال فإن عتق (7) تبعه، وإلا (8)
364

استرقهما (1) المولى، ولو مات العتيق (2) في زمن الكتابة وقف ميراثه (3)
توقعا لعتق المكاتب (4) وحيث (5) لا يأذن المولى فيما لا غبطة فيه
ولم يبطله حتى عتق المكاتب نفذ (6)، لزوال المانع (7) كالفضولي (8)
وقيل: لا (9) لوقوعه (10) على غير الوجه المشروع. وهو (11)
365

ممنوع (ولا يتصرف المولى في ماله (1) أيضا) بما ينافي الاكتساب
(إلا (2) بما يتعلق بالاستيفاء) مطلقة كانت أم مشروطة.
(ويحرم عليه وطء) الأمة (المكاتبة عقدا، وملكا (3)) بإذنها
وغيره فلو وطأها فعليه المهر وإن طاوعته، لأنها لم تستقل (4) بملكه
ليسقط (5) ببغيها، وفي تكرر المهر بتكرر الوطء أوجه ثالثها تكرره
مع تخلل الأداء بين الوطئين، وإلا (6) فلا، وتصير أم ولد لو ولدت
منه، فإن مات (7) وعليها شئ من مال الكتابة عتق باقيها من نصيب
ولدها، فإن عجز النصيب بقي الباقي مكاتبا (8) (وله (9) تزويجها)
من غيره (بإذنها) والفرق بينه (10)، وبين المولى (11) أن الملك له غير
366

تام، لتشبثها بالحرية. والعقد كذلك (1)، لعدم استقلالها والبضع (2)
لا يتبعض، أما الأجنبي فلما كان الحق منحصرا فيهما (3) وعقد له (4)
بإذنها فقد أباحه (5) بوجه واحد.
(ويجوز (6) بيع مال الكتابة بعد حلوله)، ونقله بسائر وجوه
النقل (7) فيجب على المكاتب تسليمه (8) إلى من صار إليه، خلافا
للمبسوط استنادا إلى النهي (9) عن بيع ما لم يقبض. وإطلاقه (10)
367

ممنوع لتقييده (1) بانتقاله إلى البايع بالبيع (فإذا أداه) المكاتب
(إلى المشتري عتق)، لأن قبضه كقبض المولى.
ولو قيل بالفساد (2) ففي عتقه بقبض المشتري مع إذنه (3) له
في القبض وجهان. من (4) أنه كالوكيل. ومن (5) أن قبضه لنفسه
وهو غير مستحق ففارق الوكيل بذلك (6). والوجهان اختارهما العلامة
في التحرير.
(ولو اختلفا في قدر مال الكتابة، أو في) قدر (النجوم)
وهي الآجال إما في قدر كل أجل مع اتفاقهما على عددها، أو في عددها
مع اتفاقهما على مقدار كل أجل (قدم قول المنكر (7)) وهو المكاتب
في الأول (8)،
368

والمولى في الثاني (1) (مع يمينه (2))، لأصالة البراءة من الزائد.
وقيل: يقدم قول السيد مطلقا (3)، لأصالة عدم العتق، إلا بما
يتفقان عليه.
(النظر الثالث - في الاستيلاد) للإماء بملك اليمين ويترتب عليه
أحكام خاصة كإبطال كل تصرف ناقل للملك عنه إلى غيره (4) غير
مستلزم للعتق (5)، أو مستلزم (6) للنقل كالرهن، وعتقها (7) بموت
المولى قبلها مع خلو ذمته من ثمن رقبتها، أو وفاء التركة (8) وحياة (9)
369

الولد، وغير ذلك (وهو (1) يحصل بعلوق (2) أمته منه في ملكه)
بما يكون مبدء نشوء آدمي ولو مضغة، لا بعلوق الزوجة الأمة (3)،
ولا الموطوءة بشبهة (4) وإن ولدته حرا، أو ملكهما بعد على الأشهر
ولا يشترط الوطء، بل يكفي مطلق العلوق منه (5)، ولا حل الوطء
إذا كان التحريم (6) عارضا كالصوم، والإحرام، والحيض والرهن،
أما الأصلي (7) بتزويج الأمة مع العلم بالتحريم فلا (8)، لعدم لحوق
النسب (9).
ويشترط مع ذلك (10) الحكم بحرية الولد، فلا يحصل (11) بوطء
المكاتب أمته قبل الحكم بعتقه (12)،
370

فلو عجز (1) استرق المولى الجميع (2) نعم لو عتق (3) صارت أم ولد
وليس له بيعها قبل عجزه وعتقه، لتشبثها بالحرية، ولا (4) بوطء العبد
أمته التي ملكه إياها مولاه لو قلنا بملكه (وهي (5) مملوكة) يجوز
استخدامها، ووطؤها بالملك، وتزويجها (6) بغير رضاها، وإجارتها،
وعتقها.
(ولا تتحرر بموت المولى) أي بمجرد موته كما يتحرر المدبر
لو خرج من ثلث ماله، أو أجازه الوارث (بل) تتحرر (من نصيب
ولدها) من ميراثه من أبيه، (فإن عجز النصيب) عن قيمتها كما لو لم
يخلف سواها وخلف وارثا سواه (7) (سعت) هي (في المتخلف)
من قيمتها عن نصيبه، ولا اعتبار بملك ولدها من غير الإرث (8)، لأن
عتقها عليه (9)
371

قهري فلا يسري عليه (1) في المشهور.
وقيل: يقوم عليه الباقي بناء على السراية بمطلق الملك (2) (ولا يجوز
بيعها ما دام ولدها حيا، إلا فيما استثني) في كتاب البيع (3) فإذا مات
أو ولدته سقطا زال حكم الاستيلاد رأسا، وفائدة (4) الحكم به بوضع
العلقة والمضغة وما فوقها إبطال التصرفات السابقة الواقعة حالة الحمل،
وإن جاز تجديدها حينئذ (وإذا جنت) أم الولد خطأ تعلقت الجناية
برقبتها على المشهور و (فكها) المولى (بأقل الأمرين من قيمتها، وأرش
الجناية) على الأقوى، لأن الأقل إن كان هو الأرش فظاهر، وإن كانت
القيمة فهي البدل من العين فيقوم مقامها، وإلا (5) لم تكن بدلا،
ولا سبيل إلى الزائد (6)،
372

لأن المولى لا يعقل (1) مملوكا. وهذا الحكم (2) لا يختص بأم الولد،
بل بكل مملوك.
وقيل: بل يفكها (3) بأرش الجناية مطلقا (4)، لتعلقها (5)
برقبتها.
ولا يتعين عليه (6) ذلك (7)، بل يفكها (إن شاء، وإلا)
يفكها (سلمها) إلى المجني عليه، أو وارثه ليتملكها فيبطل حكم الاستيلاد
وله (8) حينئذ بيعها، والتصرف فيها كيف شاء إن استغرقت الجناية
قيمتها (أو يسلم (9) ما قابل الجناية) إن لم تستغرق (10) قيمتها.
373

كتاب الإقرار
375

كتاب الإقرار (1)
" وفيه فصول "
(الأول - الصيغة وتوابعها): من (2) شرائط المقر، وجملة
من أحكامه، المترتبة على الصيغة، ويندرج فيه بعض شرائط المقر به،
وكان عليه (3) أن يدرج شرائط المقر له أيضا فيه (4)، وهي (5):
أهليته للتملك، وأن لا يكذب المقر، وأن يكون ممن يملك المقر به (6)
فلو أقر للحائط، أو الدابة لغا، ولو أكذبه لم يعط، ولو لم يصلح
لملكه، كما لو أقر لمسلم بخنزير، أو خمر غير محترمة بطل، وإنما أدرجنا
ذلك ليتم الباب.
377

(وهي) أي الصيغة: (له عندي كذا)، أو علي (أو هذا)
الشئ، كهذا البيت، أو البستان (له) دون بيتي وبستاني (1) في المشهور
لامتناع اجتماع مالكين مستوعبين على شئ واحد، والإقرار (2) يقتضي
سبق ملك المقر له على وقت الإقرار فيجتمع النقيضان.
نعم لو قال بسبب صحيح كشراء ونحوه صح، لجواز أن يكون له
حق وقد جعل داره في مقابلته.
والأقوى الصحة مطلقا (3)، لإمكان تنزيل الخالي من الضميمة
عليها (4)، لأن الإقرار مطلقا (5) ينزل على السبب الصحيح مع إمكان
غيره، ولأن التناقض إنما يتحقق مع ثبوت الملك لهما في نفس الأمر،
أما ثبوت أحدهما ظاهرا، والآخر في نفس الأمر فلا، والحال هنا كذلك
فإن الأخبار بملك المقر له يقتضي ملكه في الواقع، ونسبة المقر به (6)
إلى نفسه يحمل على الظاهر، فإنه (7)
378

المطابق لحكم الإقرار، إذ لا بد فيه (1) من كون المقر به تحت يد المقر،
وهي تقتضي ظاهرا كونه ملكا له، ولأن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة
مثل، فلا تخرجوهن من بيوتهن، فإن المراد: بيوت الأزواج
وأضيفت إلى الزوجات بملابسة السكنى، ولو كان ملكا لهن لما جاز
إخراجهن عند الفاحشة، وكقول أحد حاملي الخشبة: خذ طرفك وككوكب
الخرقاء (2)، وشهادة الله، ودينه (3).
وهذه الإضافة لو كانت مجازا لوجب الحمل عليه، لوجود القرينة
الصارفة عن الحقيقة والمعينة له (4) لأن الحكم بصحة إقرار العقلاء،
مع الإتيان باللام المفيدة للملك والاستحقاق قرينة على أن نسبة المال
إلى المقر بحسب الظاهر.
وفرق المصنف بين قوله: ملكي لفلان، وداري، فحكم بالبطلان
379

في الأول، وتوقف في الثاني (1).
والأقوى عدم الفرق (2).
وليس منه ما لو قال: مسكني له، فإنه يقتضي الإقرار قطعا،
لأن إضافة السكنى لا تقتضي ملكية العين، لجواز أن يسكن ملك غيره.
(أو له في ذمتي كذا وشبهه) كقوله: له قبلي كذا (ولو علقه
بالمشيئة) كقوله: إن شئت، أو إن شاء زيد، أو إن شاء الله (بطل)
الإقرار (إن اتصل) الشرط، لأن الإقرار إخبار جازم عن حق لازم
سابق على وقت الصيغة فالتعليق ينافيه، لانتفاء الجزم في المعلق، إلا
أن يقصد في التعليق على مشيئة الله التبرك فلا يضر.
وقد يشكل البطلان في الأول (3) بأن الصيغة قبل التعليق تامة الإفادة
لمقصود الإقرار. فيكون التعليق بعدها كتعقيبه بما ينافيه فينبغي أن يلغو
المنافي، لا أن يبطل الإقرار.
والاعتذار (4) بكون الكلام كالجملة الواحدة لا يتم إلا بآخره،
380

وارد في تعقيبه بالمنافي مع حكمهم بصحته (1).
وقد يفرق بين المقامين (2) بأن المراد بالمنافي الذي لا يسمع:
ما وقع بعد تمام الصيغة جامعة، لشرائط الصحة، وهنا (3) ليس كذلك
لأن من جملة الشرائط التنجيز وهو غير متحقق بالتعليق فتلغو الصيغة.
(ويصح الإقرار بالعربية، وغيرها)، لاشتراك اللغات في التعبير
عما في الضمير، والدلالة على المعاني الذهنية بحسب المواضعة، لكن يشترط
في تحقيق اللزوم علم اللافظ بالوضع، فلو أقر عربي بالعجمية، أو بالعكس
وهو لا يعلم مؤدى اللفظ لم يقع، ويقبل قوله في عدم العلم، إن أمكن
في حقه، أو صدقه المقر له، عملا بالظاهر (4) والأصل (5)
من (6) عدم تجدد العلم بغير لغته، والمعتبر في الألفاظ الدالة على الإقرار
إفادتها له عرفا، وإن لم يقع على القانون العربي، وقلنا باعتباره (7)
في غيره من العقود والإيقاعات اللازمة لتوقف تلك (8) على النقل،
ومن ثم لا يصلح بغير العربية مع إمكانها.
381

(ولو علقه بشهادة الغير) فقال: إن شهد لك فلان علي بكذا فهو
لك في ذمتي، أو لك علي كذا إن شهد لك به فلان (أو قال: إن شهد
لك فلان) علي بكذا (فهو صادق)، أو فهو صدق أو حق، أو لازم
لذمتي ونحوه (فالأقرب البطلان) وإن (1) كان قد علق ثبوت الحق
على الشهادة، وذلك (2) لا يصدق إلا إذا كان ثابتا في ذمته الآن،
وحكم بصدقه على تقدير شهادته، ولا يكون (3) صادقا إلا إذا كان
المشهود به في ذمته، لوجوب مطابقة الخبر الصادق لمخبره (4) بحسب الواقع
إذ ليس للشهادة أثر في ثبوت الصدق ولا عدمه، فلولا حصول الصدق
عند المقر لما علقه على الشهادة، لاستحالة أن تجعله الشهادة صادقا وليس
بصادق، وإذا لم يكن للشهادة تأثير في حصول الصدق - وقد حكم به (5) -
382

وجب أن يلزمه المال، وإن أنكر الشهادة فضلا عن شهادته، أو عدم
شهادته.
وإنما لم يؤثر هذا كله (لجواز أن يعتقد استحالة صدقه، لاستحالة
شهادته عنده). ومثله في محاورات العوام كثير، يقول أحدهم: إن شهد
فلان أني لست لأبي فهو صادق، ولا يريد منه إلا أنه لا تصدر عنه
الشهادة، للقطع بعدم تصديقه إياه على كونه ليس لأبيه، وغايته (1) قيام
الاحتمال وهو كاف في عدم اللزوم وعدم صراحة الصيغة في المطلوب،
معتضدا بأصالة براءة الذمة، مع أن ما ذكر في توجيه اللزوم معارض
بالإقرار المعلق على شرط بتقريب ما ذكر (2)، وكذا (3) قولهم: إنه
383

يصدق " كلما لم يكن المال ثابتا في ذمته، لم يكن صادقا على تقدير
الشهادة " وينعكس بعكس النقيض (1) إلى قولنا: " كلما كان صادقا
على تقدير الشهادة كان ثابتا في ذمته وإن لم يشهد " " لكن المقدم (2)
حق، لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " " وقد أقر بصدقه
على تقدير الشهادة " " فالتالي، وهو ثبوت المال في ذمته، مثله (3) "
فإنه (4) معارض بالمعلق، ومنقوض باحتمال الظاهر (5).
384

(ولا بد من كون المقر كاملا) بالبلوغ والعقل (خاليا من الحجر
للسفه) أما الحجر للفلس فقد تقدم في باب الدين (1) اختيار المصنف
أنه مانع من الإقرار بالعين، دون الدين، فلذا لم يذكره هنا، ويعتبر
مع ذلك القصد، والاختيار فلا عبرة بإقرار الصبي وإن بلغ عشرا.
إن لم نجز وصيته ووقفه وصدقته، وإلا قبل إقراره بها، لأن من ملك
شيئا ملك الإقرار به (2) ولو أقر بالبلوغ استفسر فإن فسره بالإمناء
قبل مع إمكانه، ولا يمين عليه حذرا من الدور (3).
ودفع المصنف له (4) في الدروس - بأن يمينه موقوف على إمكان
بلوغه، والموقوف على يمينه هو وقوع بلوغه فتغايرت الجهة (5) - مندفع
بأن إمكان البلوغ غير كاف شرعا في اعتبار أفعال الصبي وأقواله التي
منها يمينه.
ومثله إقرار الصبية به (6) أو بالحيض، وإن ادعاه (7) بالسن
385

كلف البينة، سواء في ذلك الغريب والخامل (1) وغيرهما، خلافا للتذكرة
حيث الحقهما (2) فيه (3) بمدعي الاحتلام، لتعذر إقامة البينة عليهما غالبا
أو بالإنبات (4) اعتبر، فإن محله ليس من العورة، ولو فرض أنه منها
فهو موضع حاجة.
ولا بإقرار المجنون إلا من ذي الدور وقت الوثوق بعقله، ولا بإقرار
غير القاصد كالنائم، والهازل، والساهي، والغالط.
ولو ادعى المقر أحد هذه (5) ففي تقديم قوله عملا بالأصل، أو
قول الآخر (6) عملا بالظاهر (7) وجهان.
ومثله دعواه بعد البلوغ وقوعه حالة الصبي (8). والمجنون حالته (9)
مع العلم به (10) فلو لم يعلم له حالة جنون حلف نافيه.
386

والأقوى عدم القبول في الجميع (1)، ولا بإقرار المكره فيما أكره
على الإقرار به، إلا مع ظهور أمارة اختياره، كأن يكره على أمر فيقر
بأزيد منه.
وأما الخلو من السفه فهو شرط في الإقرار المالي، فلو أقر بغيره
كجناية توجب القصاص، ونكاح، وطلاق قبل، ولو اجتمعا قبل
في غير المال كالسرقة بالنسبة إلى القطع، ولا يلزم بعد زوال حجره ما بطل
قبله، وكذا يقبل إقرار المفلس في غير المال مطلقا (2).
(وإقرار المريض من الثلث مع التهمة) وهي: الظن الغالب بأنه
إنما يريد بالإقرار تخصيص المقر له بالمقر به، وأنه في نفس الأمر
كاذب، ولو اختلف المقر له والوارث فيها (3) فعلى المدعي لها (4)
البينة، لأصالة عدمها. وعلى منكرها اليمين ويكفي في يمين المقر له أنه
لا يعلم التهمة، لأنها ليست حاصلة في نفس الأمر، لابتناء الإقرار
على الظاهر، ولا يكلف الحلف على استحقاق المقر به من حيث إنه يعلم
بوجه استحقاقه، لأن ذلك غير شرط في استباحة المقر به، بل له أخذه
ما لم يعلم فساد السبب.
هذا كله مع موت المقر في مرضه، فلو برئ من مرضه نفذ
387

من الأصل مطلقا (1).
ولا فرق في ذلك (2) بين الوارث والأجنبي (3).
(وإلا) يكن هناك تهمة ظاهرة (فمن الأصل) مطلقا (4) على أصح
الأقوال.
(وإطلاق الكيل، والوزن) في الإقرار كأن قال: له عندي كيل
حنطة، أو رطل سمن (يحمل على) الكيل والوزن (المتعارف في البلد)
أي بلد المقر وإن خالف بلد المقر له (فإن تعدد) المكيال والميزان
في بلده (عين المقر) ما شاء منها (ما لم يغلب أحدهما) في الاستعمال
على الباقي (فيحمل على الغالب) ولو تعذر استفساره فالمتيقن هو الأقل
وكذا القول في النقد (5).
(ولو أقر بلفظ مبهم صح) إقراره (وألزم تفسيره)، واللفظ
المبهم (كالمال، والشئ، والجزيل، والعظيم، والحقير)، والنفيس،
ومال أي مال، ويقبل تفسيره بما قل، لأن كل مال عظيم خطره شرعا
كما ينبه عليه (6) كفر مستحله، فيقبل في هذه الأوصاف (7)
388

(و) لكن (لا بد من كونه مما يتمول) أي يعد مالا عرفا
(لا كقشرة جوزة، أو حبة دخن (1))، أو حنطة إذ لا قيمة
لذلك عادة.
وقيل: يقبل بذلك، لأنه مملوك شرعا، والحقيقة الشرعية مقدمة
على العرفية، ولتحريم أخذه بغير إذن مالكه، ووجوب رده.
ويشكل (2) بأن الملك لا يستلزم إطلاق اسم المال شرعا، والعرف
يأباه. نعم يتجه ذلك (3) تفسيرا للشئ، وإن وصفه بالأوصاف العظيمة
لما ذكر (4)، ويقرب منه (5) ما لو قال: له علي حق.
وفي قبول تفسيرهما (6) برد السلام، والعيادة، وتسميت العطاس
وجهان: من إطلاق الحق عليها (7)
389

في الأخبار (1) فيطلق الشئ لأنه أعم (2). ومن (3) أنه خلاف المتعارف
وبعدهما عن الفهم في معرض الإقرار. وهو الأشهر (4).
ولو امتنع من التفسير، حبس وعوقب عليه، حتى يفسر،
لوجوبه عليه.
ولو مات قبله (5) طولب الوارث به إن علمه، وخلف تركة،
فإن أنكر العلم، وادعاه عليه المقر له، حلف على عدمه.
(ولا فرق) في الإبهام والرجوع إليه في التفسير (بين قوله:
عظيم، أو كثير)، لاشتراكهما في الاحتمال.
(وقيل) والقائل الشيخ وجماعة بالفرق، وأن (الكثير ثمانون)
كالنذر، للرواية (6) الواردة به فيه، والاستشهاد بقوله تعالى " لقد
390

نصركم الله في مواطن كثيرة (1) ". ويضعف مع تسليمه (2)
ببطلان القياس (3)، ولاستعمال الكثير في القرآن لغير ذلك مثل " فئة
كثيرة (4). وذكرا كثيرا (5) ". ودعوى أنه عرف شرعي (6)
فلا قياس، خلاف الظاهر (7)، وإلحاق العظيم به غريب (8).
(ولو قال: له علي أكثر من مال فلان) لزمه بقدره وزيادة
(و) لو (فسره بدونه (9) وادعى ظن القلة حلف)، لأصالة عدم
علمه به (10) مع ظهور أن المال من شأنه أن يخفى (وفسر بما ظنه)
وزاد عليه زيادة (11)،
391

وينبغي تقييده (1) بإمكان الجهل به في حقه. ولا فرق في ذلك بين
قوله قبل ذلك: إني أعلم مال فلان، وعدمه.
نعم لو كان قد أقر بأنه قدر يزيد عما ادعى ظنه (2)، لم يقبل
إنكاره ثانيا، ولو تأول بأن قال: مال فلان حرام، أو شبهة، أو عين
وما أقررت به حلال، أو دين، والحلال والدين (3) أكثر نفعا، أو بقاء
ففي قبوله قولان: من (4) أن المتبادر كثرة المقدار فيكون حقيقة فيها (5)
وهي مقدمة على المجاز مع عدم القرينة الصارفة. ومن (6) إمكان إرادة
المجاز ولا يعلم قصده إلا من لفظه فيرجع إليه فيه (7) ولا يخفى قوة
392

الأول (1). نعم لو اتصل التفسير بالإقرار لم يبعد القبول (2).
(ولو قال: له علي كذا درهم، بالحركات الثلاث): الرفع
والنصب والجر (والوقف) بالسكون، وما في معناه (3) (فواحد)،
لاشتراكه بين الواحد فما زاد وضعا فيحمل على الأقل، لأنه المتيقن إذا
لم يفسره بأزيد، فإن " كذا " كناية عن " الشئ ".
فمع الرفع يكون الدرهم بدلا منه، والتقدير: " شئ درهم ".
ومع النصب يكون تمييزا له، وأجاز بعض أهل العربية نصبه
على القطع (4) كأنه قطع ما ابتدأ به وأقر بدرهم.
ومع الجر تقدر الإضافة بيانية (5) كحب الحصيد (6) والتقدير
شئ هو درهم.
ويشكل (7) بأن ذلك وإن صح إلا أنه يمكن تقدير ما هو أقل منه
393

بجعل الشئ جزء من الدرهم (1) أضيف إليه فيلزمه (2) جزء يرجع
في تفسيره إليه، لأنه (3) المتيقن، ولأصالة البراءة من الزائد (4)،
ومن ثم (5) حمل الرفع والنصب على الدرهم مع احتمالهما أزيد منه.
وقيل: إن الجر لحن يحمل على أخويه (6) فيلزمه حكمهما.
وأما الوقف فيحتمل الرفع والجر لو أعرب، لا النصب لوجوب إثبات
الألف فيه وقفا فيحمل على مدلول ما احتمله.
فعلى ما اختاره (7) يشتركان في احتمال الدرهم فيحمل عليه.
وعلى ما حققناه (8) يلزمه جزء درهم خاصة، لأنه (9) باحتماله الرفع
والجر حصل الشك فيما زاد على الجزء فيحمل على المتيقن وهو ما دلت
عليه الإضافة.
(وكذا كذا درهما، وكذا وكذا درهما كذلك) في حمله على الدرهم
مع الحركات الثلاث، والوقف، لاحتمال كون " كذا " الثاني تأكيدا للأول
394

في الأول (1). والحكم في الإعراب ما سلف (2)، وفي الوقف ينزل
على أقل الاحتمالات (3). وكون " كذا " (4) شيئا مبهما، والثاني (5)
معطوفا عليه (6) في الثاني (7) وميزا بدرهم على تقدير النصب، وأبدلا
منه (8) على تقدير الرفع. وبينا معا بالدرهم مع الجر (9). ونزل
على أحدهما (10) مع الوقف، أو أضيف (11) الجزء إلى جزء الدرهم
395

في الجر على ما اخترناه، وحمل الوقف عليه (1) أيضا.
(ولو فسر) في حالة (الجر) من الأقسام الثلاثة (ببعض درهم
جاز)، لإمكانه وضعا بجعل الشئ المراد ب‍ " كذا " وما ألحق به (2)
كناية عن الجزء (3).
وفيه (4) أن قبول تفسيره به يقتضي صحته بحسب الوضع، فكيف
يحمل مع الإطلاق على ما هو أكثر منه (5) مع إمكان الأقل، فالحمل
عليه (6) مطلقا (7) أقوى.
(وقيل) - والقائل به الشيخ وجماعة -: (يتبع في ذلك) المذكور
من قوله (8): كذا [درهم (9)]، وكذا كذا، وكذا وكذا درهم
396

بالحركات الثلاث، والوقف. وذلك اثنتا عشرة صورة (1) (موازنه (2)
من الأعداد) جعلا لكذا كناية عن العدد، لا عن الشئ فيكون الدرهم
في جميع أحواله تمييزا لذلك العدد، فينظر إلى ما يناسبه بحسب ما تقتضيه
قواعد العربية من إعراب المميز للعدد ويحمل عليه.
397

فيلزمه (1) - مع إفراد المبهم (2) ورفع الدرهم - درهم، لأن
المميز لا يكون مرفوعا فيجعل بدلا كما مر، ومع النصب (3) عشرون
درهما، لأنه أقل عدد مفرد ينصب مميزه إذ فوقه ثلاثون إلى تسعين
فيحمل على الأقل، ومع الجر مئة درهم، لأنه أقل عدد مفرد فسر
بمفرد مجرور إذ فوقه الألف، ومع الوقف درهم، لاحتماله الرفع والجر
فيحمل على الأول [الأقل].
ومع تكريره بغير عطف ورفع الدرهم درهم (4)، لما ذكرنا في الأفراد
مع كون الثاني تأكيدا للأول. ومع نصبه أحد عشر، لأنه أقل عدد
مركب مع غيره ينصب بعده مميزه إذ فوقه اثنا عشر إلى تسعة عشر فيحمل
على المتيقن، ومع جره ثلاثمأة درهم، لأنه أقل عدد أضيف إلى آخر،
وميز بمفرد مجرور، إذ فوقه أربعمائة إلى تسعمائة، ثم مئة مئة، ثم مئة
ألف، ثم ألف ألف فيحمل على المتيقن، والتركيب هنا (5) لا يتأتى،
لأن مميز المركب لم يرد مجرورا.
وهذا القسم (6) لم يصرح به صاحب القول (7) ولكنه لازم له:
ومع الوقف يحتمل الرفع والجر فيحمل على الأقل منهما وهو الرفع.
398

ومع تكريره (1) معطوفا ورفع الدرهم يلزمه درهم، لما ذكر
في الأفراد بجعل الدرهم بدلا من مجموع المعطوف والمعطوف عليه. ويحتمل
أن يلزمه درهم وزيادة، لأنه ذكر شيئين متغايرين بالعطف فيجعل الدرهم
تفسيرا للقريب منهما وهو المعطوف (2) فيبقى المعطوف عليه (3) على إبهامه
فيرجع إليه (4) في تفسيره، وأصالة البراءة تدفعه (5).
ومع نصب الدرهم يلزمه أحد وعشرون درهما، لأنه أقل عددين
عطف أحدهما على الآخر، وانتصب المميز بعدهما، إذ فوقه اثنان وعشرون
إلى تسعة وتسعين فيحمل على الأقل. ومع جر الدرهم يلزمه ألف ومائة،
لأنه أقل عددين عطف أحدهما على الآخر وميز بمفرد مجرور، إذ فوقه
من الأعداد المعطوف عليهما المئة والألف ما لا نهاية له. ويحتمل جعل
الدرهم مميزا للمعطوف فيكون مئة ويبقى المعطوف عليه مبهما فيرجع
إليه (6) في تفسيره، وجعله (7) درهما لمناسبة الأعداد المميزة (8) فيكون
399

التقدير درهم ومئة درهم، لأصالة البراءة من الزائد (1). وهذا القسم (2)
أيضا لم يصرحوا بحكمه، ولكنه لازم للقاعدة (3).
ومع الوقف عليه يحتمل الرفع والجر فيحمل على الأقل وهو الرفع.
وإنما حملنا العبارة (4) على جميع هذه الأقسام (5) مع احتمال أن يريد
بقوله " كذا وكذا درهما. وكذا وكذا درهما كذلك " حكمها في حالة
النصب (6)، لأنه الملفوظ (7)، ويكون حكمهما في غير حالة النصب
مسكوتا عنه (8) لأنه (9) عقبه بقوله: " ولو فسر في الجر ببعض درهم
جاز " وذلك يقتضي كون ما سبق شاملا لحالة الجر إذ يبعد كون قوله:
" ولو فسر في الجر " تتميما لحكم كذا المفرد (10) لبعده.
400

وعلى التقديرين (1) يترتب عليه قوله. " وقيل: يتبع في ذلك
موازنه " فعلى ما ذكرناه (2) تتشعب (3) إلى اثنتي عشرة، وهي الحاصلة:
من ضرب أقسام الإعراب الأربعة (4) في المسائل الثلاث وهي: كذا
المفرد، والمكرر بغير عطف، ومع العطف (5)، وعلى الاحتمال (6)
يسقط من القسمين الأخيرين (7) ما زاد (8) على نصف المميز فتنتصف
الصور (9).
وكيف كان (10) فهذا القول (11) ضعيف، فإن هذه الألفاظ (12)
401

لم توضع لهذه المعاني (1) لغة، ولا اصطلاحا، ومناسبتها (2) على الوجه
المذكور لا يوجب اشتغال الذمة بمقتضاها (3) مع أصالة البراءة، واحتمالها
لغيرها على الوجه الذي بين (4)، ولا فرق في ذلك (5) بين كون المقر
من أهل العربية وغيرهم، لاستعمالها (6) على الوجه المناسب للعربية (7)
في غير ما ادعوه (8) استعمالا شهيرا. خلافا للعلامة حيث فرق، فحكم
بما ادعاه الشيخ على المقر إذا كان من أهل اللسان: وقد ظهر ضعفه (9).
(و) إنما (يمكن هذا) القول (10) (مع الاطلاع على القصد)
أي على قصد المقر وأنه أراد ما ادعاه القائل (11)، ومع الاطلاع لا إشكال
402

(ولو قال: لي عليك ألف، فقال: نعم، أو أجل، أو بلى، أو
أنا مقر به لزمه) الألف.
أما جوابه بنعم فظاهر، لأن قول المجاب إن كان خبرا فهي بعده
حرف تصديق، وإن كان استفهاما محذوف الهمزة فهي بعده للإثبات
والإعلام. لأن الاستفهام عن الماضي إثباته ب‍ " نعم " ونفيه ب‍ " لا ".
وأجل مثله (1).
وأما بلى فإنها وإن كانت لإبطال النفي، إلا أن الاستعمال العرفي
جوز وقوعها في جواب الخبر المثبت كنعم، والإقرار جار عليه (2)
لا على دقائق اللغة، ولو قدر كون القول (3) استفهاما فقد وقع استعمالها (4)
في جوابه (5) لغة وإن قل، ومنه (6) قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لأصحابه: " أترضون أن تكونوا من أرفع أهل الجنة؟ " قالوا: " بلى " (7)
والعرف قاض به.
وأما قوله: أنا مقر به فإنه وإن احتمل كونه مقرا به لغيره،
وكونه (8) وعدا بالإقرار، من حيث إن مقرا اسم فاعل يحتمل الاستقبال
403

إلا أن المتبادر منه كون ضمير " به " عائدا إلى ما ذكره المقر له وكونه
إقرارا بالفعل عرفا، والمرجع فيه إليه (1).
وقوى المصنف في الدروس أنه (2) ليس بإقرار حتى يقول: لك.
وفيه مع ما ذكر (3) أنه لا يدفع (4) لولا دلالة العرف وهي (5)
واردة على الأمرين.
404

ومثله (1) أنا مقر بدعواك، أو بما ادعيت، أو لست منكرا له،
لدلالة العرف، مع احتمال أن لا يكون الأخير (2) إقرارا، لأنه أعم (3).
(ولو قال (4): زنه، أو انتقده، أو أنا مقر) ولم يقل: " به "
(لم يكن شيئا) أما الأولان فلانتفاء دلالتهما على الإقرار، لإمكان خروجهما
مخرج الاستهزاء فإنه استعمال شائع في العرف، وأما الأخير (5) فلأنه
مع انتفاء (6) احتماله الوعد يحتمل كون المقر به المدعى وغيره، فإنه لو
وصل به قوله " بالشهادتين " أو " ببطلان دعواك " لم يختل اللفظ (7)
لأن المقر به غير مذكور، فجاز تقديره بما يطابق المدعى وغيره معتضدا
بأصالة البراءة (8)،
ويحتمل عده إقرارا، لأن صدوره (9) عقيب الدعوى قرينة
405

صرفه إليها (1) وقد استعمل لغة كذلك (2) كما في قوله تعالى: " أأقررتم
وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا " (3) وقوله تعالى: " قال
فاشهدوا "، ولأنه لولاه (4) لكان هذرا.
وفيه (5) منع القرينة (6) لوقوعه كثيرا على خلاف ذلك، واحتمال
الاستهزاء (7) مندفع عن الآية. ودعوى الهذرية (8) إنما يتم لو لم يكن
الجواب بذلك مفيدا ولو بطريق الاستهزاء، ولا شبهة في كونه (9)
من الأمور المقصودة للعقلاء عرفا المستعمل لغة، وقيام الاحتمال يمنع لزوم
الإقرار بذلك (10).
406

(ولو قال: أليس لي عليك كذا؟ فقال: بلى، كان إقرارا)،
لأن بلى حرف يقتضي إبطال النفي، سواء كان مجردا (1) نحو " زعم
الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي " (2) أم مقرونا
بالاستفهام الحقيقي كالمثال (3)، أم التقريري نحو " ألم يأتكم نذير
قالوا بلى " (4) " ألست بربكم قالوا بلى " (5). ولأن (6)
أصل، بلى، بل، زيدت عليها الألف (7)، فقوله: بلى، رد لقوله:
" ليس لي عليك كذا " فإنه الذي دخل عليه حرف الاستفهام، ونفي له،
ونفي النفي إثبات فيكون إقرارا.
(وكذا لو قال: نعم على الأقوى)، لقيامها مقام بلى لغة وعرفا
أما العرف فظاهر (8)، وأما اللغة فمنها قول النبي صلى الله عليه وآله
للأنصار: ألستم ترون لهم ذلك؟ فقالوا: " نعم " وقول بعضهم (9):
407

أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا فذاك بنا تداني (1)
نعم، وأرى الهلال كما تراه ويعلوها النهار كما علاني (2)
ونقل في المغني عن سيبويه وقوع " نعم " في جواب " ألست "،
وحكى عن جماعة من المتقدمين والمتأخرين جوازه.
والقول الآخر: أنه لا يكون إقرارا، لأن " نعم " حرف تصديق
كما مر فإذا ورد على النفي الداخل عليه الاستفهام كان تصديقا له (3)
فينافي الإقرار، ولهذا قيل - ونسب إلى ابن عباس -: إن المخاطبين بقوله
تعالى: " ألست بربكم قالوا بلى " لو قالوا: نعم كفروا. فيكون
التقدير حينئذ (4): ليس لك علي، فيكون إنكارا، لا إقرارا.
وجوابه: إنا لا ننازع في إطلاقها كذلك (5)، لكن قد استعملت
في المعنى الآخر (6) لغة كما اعترف به جماعة. والمثبت (7) مقدم واشتهرت
فيه عرفا، ورد المحكي عن ابن عباس (8)
408

وجوز الجواب بنعم، وحمله (1) في المغني على أنه لم يكن إقرارا
كافيا، لاحتماله (2). وحيث ظهر ذلك (3) عرفا ووافقته اللغة رجح
هذا المعنى وقوي كونه إقرارا.
الفصل الثاني - في تعقيب الإقرار بما ينافيه
وهو قسمان: مقبول ومردود (والمقبول منه الاستثناء إذا لم يستوعب
المستثنى منه)، سواء، بقي أقل مما أخرج أم أكثر أم مساو (4)، ولأن
المستثنى والمستثنى منه كالشئ الواحد فلا يتفاوت الحال بكثرته وقلته،
ولوقوعه في القرآن (5) وغيره من اللفظ الفصيح العربي.
(و) إنما يصح الاستثناء إذا (اتصل) بالمستثنى منه (بما جرت
به العادة) فيغتفر التنفس بينهما والسعال وغيرهما مما لا يعد منفصلا عرفا
ولما كان الاستثناء إخراج ما لولاه (6) لدخل في اللفظ (7) كان المستثنى
409

والمستثنى منه متناقضين (1).
(فمن الإثبات نفي (2)، ومن النفي إثبات) (3) أما الأول (4)
فعليه إجماع العلماء، وأما الثاني (5) فلأنه لولاه لم يكن " لا إله إلا الله "
يتم به التوحيد، لأنه (6) لا يتم إلا بإثبات الإلهية لله تعالى (7) ونفيها عما
عداه تعالى (8) والنفي هنا حاصل (9)، فلو لم يحصل الإثبات (10) لم
يتم التوحيد.
وعلى ما ذكر من القواعد (فلو قال: له علي مئة إلا تسعين فهو
إقرار بعشرة)، لأن المستثنى منه إثبات للمائة، والمستثنى نفي للتسعين منها
فبقي عشرة.
(ولو قال: إلا تسعون) بالرفع (فهو إقرار بمئة)، لأنه لم
يستثن منها شيئا، لأن الاستثناء من الموجب التام لا يكون إلا منصوبا
فلما رفعه لم يكن استثناء وإنما " إلا "، فيه بمنزلة غير يوصف بها وبتاليها
410

ما قبلها (1)، ولما كانت المئة مرفوعة بالابتداء كانت التسعون مرفوعة
صفة للمرفوع والمعنى: له علي مئة موصوفة بأنها غير تسعين، فقد وصف
المقر به ولم يستثن منه شيئا. وهذه الصفة مؤكدة صالحة للإسقاط إذ كل
مئة فهي موصوفة بذلك. مثلها " في نفخة واحدة " (2).
واعلم أن المشهور بين النحاة في، إلا الوصفية (3)، كونها وصفا
لجمع منكر كقوله تعالى: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " (4) والمائة
ليست من هذا الباب، لكن الذي اختاره جماعة من المتأخرين عدم اشتراط
ذلك، ونقل في المغني عن سيبويه جواز " لو كان معنا رجل إلا زيد،
لغلبنا "، أي غير زيد.
(ولو قال: ليس له علي مائة إلا تسعون فهو إقرار بتسعين)،
لأن المستثنى من المنفي التام يكون مرفوعا (5) فلما رفع التسعين علم أنه
استثناء من المنفي فيكون إثباتا للتسعين بعد نفي المئة (ولو قال: إلا تسعين)
بالياء (فليس مقرا)، لأن نصب المستثنى دليل على كون المستثنى منه
موجبا، ولما كان ظاهره النفي حمل على أن حرف النفي داخل على الجملة
المثبتة المشتملة على الاستثناء أعني مجموع المستثنى والمستثنى منه وهي
" له علي مائة إلا تسعين " فكأنه قال: المقدار الذي هو مئة إلا تسعين
ليس له على أعني العشرة الباقية بعد الاستثناء. كذا قرره المصنف
في شرح الإرشاد على نظير العبارة، وغيره.
411

وفيه (1) نظر، لأن ذلك لا يتم إلا مع امتناع النصب على تقدير
كون المستثنى منه منفيا تاما، لكن النصب جائز حينئذ اتفاقا وإن لم يبلغ
رتبة الرفع (2) قال ابن هشام: النصب عربي جيد. فقد قرئ به
في السبع " ما فعلوه إلا قليلا " (3) " ولا يلتفت منكم أحد
إلا امرأتك " (4).
فالأولى في توجيه عدم لزوم شئ في المسألة (5) أن يقال - على تقدير
النصب -: يحتمل كونه على الاستثناء من المنفي فيكون إقرارا بتسعين،
وكونه من المثبت والنفي موجه إلى مجموع الجملة (6) فلا يكون إقرارا
بشئ فلا يلزمه شئ، لقيام الاحتمال (7) واشتراك مدلول اللفظ لغة.
مع أن حمله على المعنى الثاني (8) مع جواز الأول (9) خلاف الظاهر.
والمتبادر من صيغ الاستثناء هو الأول (10) وخلافه يحتاج إلى تكليف (11)
لا يتبادر من الإطلاق، وهو قرينة ترجيح أحد المعنيين المشتركين، إلا
412

أن فتواهم المنضم إلى أصالة البراءة وقيام الاحتمال في الجملة يعين المصير
إلى ما قالوه (1).
(ولو تعدد الاستثناء وكان بعاطف) كقوله: له علي عشرة إلا
أربعة، وإلا ثلاثة (أو كان) الاستثناء (الثاني أزيد من الأول) كقوله
له علي عشرة إلا أربعة إلا خمسة (أو مساويا له) كقوله في المثال:
إلا أربعة إلا أربعة (رجعا جميعا إلى المستثنى منه).
أما مع العطف فلوجوب اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم
فهما كالجملة الواحدة، ولا فرق بين تكرر حرف الاستثناء وعدمه، ولا
بين زيادة الثاني على الأول، ومساواته له، ونقصانه عنه.
وأما مع زيادة الثاني على الأول ومساواته (2) فلاستلزام عوده
إلى الأقرب الاستغراق وهو باطل فيصان كلامه (3) عن الهذر بعودهما معا
إلى المستثنى منه.
واعلم أنه لا يلزم من عودهما معا إليه صحتهما (4)، بل إن لم يستغرق
الجميع المستثنى منه صح كالمثالين (5)، وإلا فلا، لكن إن لزم الاستغراق
من الثاني خاصة كما لو قال: له علي عشرة إلا خمسة إلا خمسة لغا الثاني
خاصة، لأنه هو الذي أوجب الفساد، وكذا العطف، سواء كان الثاني
مساويا للأول كما ذكر أم أزيد كله عشرة إلا ثلاثة وإلا سبعة، أم
نقص كما لو قدم السبعة على الثلاثة.
413

(وإلا يكن) بعاطف، ولا مساويا للأول، ولا أزيد منه بل
كان أنقص بغير عطف كقوله: له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية (رجع
التالي إلى متلوه) لقربه إذ لو عاد إلى البعيد لزم ترجيحه على الأقرب
بغير مرجح، وعوده إليهما يوجب التناقض إذ المستثنى والمستثنى منه متخالفان
نفيا وإثباتا كما مر (1) فيلزمه (2) في المثال تسعة، لأن قوله الأول (3)
إقرار بعشرة حيث إنه إثبات والاستثناء الأول (4) نفي للتسعة منها، لأنه
وارد على إثبات، فيبقى واحد واستثناؤه الثاني (5) إثبات للثمانية، لأنه
استثناء من المنفي فيكون مثبتا فيضم ما أثبته وهو الثمانية إلى ما بقي (6)
وهو الواحد وذلك تسعة.
ولو أنه ضم إلى ذلك قوله: إلا سبعة إلا ستة حتى وصل إلى
الواحد (7) لزمه خمسة، لأنه بالاستثناء الثالث نفى سبعة مما اجتمع
وهو تسعة فبقي اثنان، وبالرابع أثبت ستة فبقي ثمانية، وبالخامس يصير
ثلاثة، وبالسادس يصير سبعة، وبالسابع أربعة، وبالثامن ستة، وبالتاسع
وهو الواحد ينتفي منها واحد فيبقى خمسة.
414

والضابط: أن تجمع الأعداد المثبتة وهي الأزواج على حدة والمنفية
وهي الأفراد كذلك وتسقط جملة المنفي من جملة المثبت، فالمثبت ثلاثون،
والمنفي خمسة وعشرون، والباقي بعد الإسقاط خمسة.
ولو أنه لما وصل إلى الواحد قال: إلا اثنين، إلا ثلاثة إلى أن وصل
إلى التسعة لزمه واحد (1).
ولو بدأ باستثناء الواحد وختم به (2)
415

لزمه خمسة (1)، ولو عكس القسم الأول (2) فبدأ باستثناء الواحد وختم
بالتسعة لزمه واحد (3)، وهو واضح بعد الإحاطة بما تقدم من القواعد
ورتب عليه ما شئت من التفريع.
(ولو استثنى من غير الجنس (4) صح) وإن كان مجازا، لتصريحه
416

بإرادته، أو لإمكان تأويله بالمتصل (1) بأن يضمر قيمة المستثنى ونحوها
مما يطابق المستثنى منه (وأسقط) المستثنى باعتبار قيمته (من المستثنى منه
فإذا بقي) منه (بقية) وإن قلت (لزمت، وإلا بطل) الاستثناء،
للاستغراق (كما لو قال: له علي مائة إلا ثوبا) هذا مثال الاستثناء
من غير الجنس مطلقا (2) فيصح ويطالب بتفسير الثوب، فإن بقي من قيمته
بقية من المئة بعد إخراج القيمة قبل، وإن استغرقها بطل الاستثناء
على الأقوى وألزم بالمئة وقيل: بطل التفسير خاصة فيطالب بغيره (3).
(والاستثناء المستغرق باطل) اتفاقا (كما لو قال: له) علي
(مائة إلا مائة) ولا يحمل على الغلط، ولو ادعاه لم يسمع منه. هذا
إذا لم يتعقبه استثناء آخر يزيل استغراقه، كما لو عقب ذلك بقوله:
إلا تسعين فيصح الاستثناء آن، ويلزمه تسعون، لأن الكلام جملة واحدة
لا يتم إلا بآخره وآخره يصير الأول غير مستوعب، فإن المئة المستثناة منفية
لأنها استثناء من مثبت، والتسعين مثبتة، لأنها استثناء من منفي، فيصير
جملة الكلام في قوة: " له تسعون " وكأنه استثنى من أول الأمر عشرة.
(وكذا) يبطل (الإضراب) عن الكلام الأول (ببل، مثل:
له علي مئة، بل تسعون فيلزمه في الموضعين) وهما الاستثناء المستغرق
ومع الإضراب (مأة) لبطلان المتعقب في الأول (4)، للاستغراق. وفي الثاني (5)
417

للإضراب الموجب لإنكار ما قد أقر به فلا يلتفت إليه، وليس ذلك
كالاستثناء، لأنه (1) من متممات الكلام لغة، والمحكوم بثبوته فيه هو الباقي
من المستثنى منه بعده (2)، بخلاف الإضراب فإنه بعد الإيجاب يجعل
ما قبل بل كالمسكوت عنه بعد الإقرار به فلا يسمع، والفارق بينهما اللغة.
(ولو قال: له علي عشرة من ثمن مبيع لم أقبضه ألزم بالعشرة) ولم
يلتفت إلى دعواه عدم قبض المبيع، للتنافي بين قوله: علي، وكونه لم
يقبض المبيع، لأن مقتضاه (3) عدم استحقاق المطالبة بثمنه مع ثبوته
في الذمة (4)، فإن البائع لا يستحق المطالبة بالثمن إلا مع تسليم المبيع.
وفيه نظر، إذ لا منافاة بين ثبوته في الذمة، وعدم قبض المبيع،
إنما التنافي بين استحقاق المطالبة به مع عدم القبض وهو أمر آخر، ومن ثم
ذهب الشيخ إلى قبول هذا الإقرار، لإمكان أن يكون عليه العشرة ثمنا
ولا يجب التسليم قبل القبض، ولأصالة عدم القبض وبراءة الذمة من المطالبة
به، ولأن للإنسان أن يخبر بما في ذمته، وقد يشتري شيئا ولا يقبضه
فيخبر بالواقع، فلو ألزم بغير ما أقر به كان ذريعة إلى سد باب الإقرار
وهو مناف للحكمة.
والتحقيق أن هذا ليس من باب تعقيب الإقرار بالمنافي، بل
هو إقرار بالعشرة، لثبوتها في الذمة، وإن سلم كلامه فهو إقرار منضم
إلى دعوى عين من أعيان مال المقر له، أو شئ في ذمته فيسمع الإقرار
418

ولا تسمع الدعوى (1). وذكره في هذا الباب لمناسبة ما (2).
(وكذا) يلزم بالعشرة لو أقر بها ثم عقبه بكونها (من ثمن خمر
أو خنزير)، لتعقبه الإقرار بما يقتضي سقوطه، لعدم صلاحية الخمر
والخنزير مبيعا يستحق به الثمن في شرع الإسلام.
نعم لو قال المقر: كان ذلك من ثمن خمر، أو خنزير فظننته لازما
لي وأمكن الجهل بذلك في حقه توجهت دعواه وكان له تحليف المقر له
على نفيه إن ادعى العلم بالاستحقاق، ولو قال (3): لا أعلم الحال، حلف
على عدم العلم بالفساد، ولو لم يمكن الجهل بذلك في حق المقر لم يلتفت
إلى دعواه.
(ولو قال: له علي قفيز حنطة. بل قفيز شعير لزماه): قفيز
الحنطة والشعير، لثبوت الأول بإقراره،، والثاني بالإضراب.
(ولو قال): له علي (قفيز حنطة، بل قفيزان) حنطة (فعليه
قفيزان) وهما الأكثر خاصة.
(ولو قال: له هذا الدرهم، بل هذا الدرهم فعليه الدرهمان)،
لاعترافه في الإضراب بدرهم آخر مع عدم سماع العدول.
(ولو قال: له هذا الدرهم، بل درهم فواحد)، لعدم تحقق
المغايرة بين المعين (4)، والمطلق (5)
419

لإمكان حمله عليه (1).
وحاصل الفرق بين هذه الصور يرجع إلى تحقيق معنى بل، وخلاصته
أنها حرف إضراب، ثم إن تقدمها إيجاب وتلاها مفرد جعلت ما قبلها
كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بشئ وأثبت الحكم لما بعدها (2)، وحيث
كان الأول (3) إقرارا صحيحا استقر حكمه بالإضراب عنه.
وإن تقدمها (4) نفي فهي لتقرير ما قبلها على حكمه، وجعل ضده
لما بعدها، ثم إن كانا (5) مع الإيجاب مختلفين، أو معينين لم يقبل
إضرابه، لأنه إنكار للإقرار الأول وهو غير مسموع.
فالأول ك‍ " له قفيز حنطة، بل قفيز شعير " (6).
والثاني ك‍ " له هذا الدرهم، بل هذا الدرهم " (7) فيلزمه القفيزان
والدرهمان، لأن أحد المختلفين، واحد الشخصين غير داخل في الآخر.
وإن كانا (8) مطلقين، أو أحدهما لزمه واحد إن اتحد مقدار
420

ما قبل بل وما بعدها ك‍ " له درهم، بل درهم (1) " أو " هذا الدرهم
بل درهم (2) " أو " درهم، بل هذا الدرهم (3) " لكن يلزمه مع تعيين
أحدهما المعين، وإن اختلفا (4) كمية ك‍ " له قفيز، بل قفيزان (5) "
أو " هذا القفيز، بل قفيزان (6) " أو بالعكس (7)، لزمه الأكثر،
لكن إن كان المعين هو الأقل تعين، ووجب الإكمال.
(ولو قال: هذه الدار لزيد، بل لعمرو دفعت إلى زيد) عملا
بمقتضى إقراره الأول (وغرم لعمرو قيمتها)، لأنه قد حال بينه،
وبين المقر به بإقراره الأول فيغرم له، للحيلولة الموجبة للغرم (إلا أن يصدقه
زيد) في أنها لعمرو فتدفع إلى عمرو من غير غرم.
(ولو أشهد) شاهدي عدل (بالبيع) لزيد (وقبض الثمن) منه
(ثم ادعى المواطاة) (8) بينه وبين المقر له على الإشهاد، من غير أن يقع
421

بينهما بيع ولا قبض (سمعت دعواه)، لجريان العادة بذلك (1) (وأحلف
المقر له) على الإقباض، أو على عدم المواطاة.
ويحتمل عدم السماع فلا يتوجه اليمين، لأنه مكذب لإقراره.
ويضعف بأن ذلك واقع، تعم به البلوى فعدم سماعها يفضي إلى الضرر
المنفي (2). هذا إذا شهدت البينة على إقراره بهما (3) أما لو شهدت
بالقبض لم يلتفت إليه (4) لأنه مكذب لها (5) طاعن فيها فلا يتوجه
بدعواه يمين (6).
(الفصل الثالث - في الإقرار بالنسب)
(ويشترط فيه أهلية المقر) للإقرار، ببلوغه وعقله (وإمكان إلحاق
المقر به): بالمقر شرعا (فلو أقر ببنوة المعروف نسبه)، أو أخوته
أو غيرهما مما يغاير ذلك النسب الشرعي، (أو) أقر (ببنوة من هو أعلى
سنا) من المقر، (أو مساو) له، (أو أنقص) منه (بما لم تجر العادة
بتولده منه بطل) الإقرار، وكذا المنفي عنه شرعا كولد الزنا وإن كان
على فراشه، وولد اللعان وإن كان الابن يرثه.
422

(ويشترط التصديق) أي تصديق المقر به للمقر في دعواه النسب
(فيما عدا الولد الصغير) ذكرا كان أم أنثى، (والمجنون) كذلك (1)
(والميت) وإن كان بالغا عاقلا ولم يكن ولدا (2) أما الثلاثة (3)
فلا يعتبر تصديقهم، بل يثبت نسبهم بالنسبة إلى المقر بمجرد إقراره،
لأن التصديق إنما يعتبر مع إمكانه وهو ممتنع منهما (4) وكذا الميت مطلقا (5)
وربما أشكل حكمه (6) كبيرا مما تقدم (7). ومن إطلاق (8)
اشتراط تصديق البالغ العاقل في لحوقه، ولأن (9) تأخير الاستلحاق
إلى الموت يوشك أن يكون خوفا من إنكاره، إلا أن فتوى الأصحاب
على القبول، ولا يقدح فيه (10)
423

التهمة باستيثاق (1) مال الناقص (2)، وإرث الميت.
والمراد بالولد هنا الولد الصلب فلو أقر ببنوة ولد ولده فنازلا اعتبر
التصديق كغيره من الأقارب. نص عليه المصنف وغيره.
وإطلاق الولد يقتضي عدم الفرق بين دعوى الأب والأم وهو أحد
القولين في المسألة. وأصحهما - وهو الذي اختاره المصنف في الدروس - الفرق.
وأن ذلك (3) مخصوص بدعوى الأب، أما الأم فيعتبر التصديق لها، لورود
النص (4) على الرجل فلا يتناول المرأة. واتحاد طريقهما (5) ممنوع، لإمكان
424

إقامتها البينة على الولادة دونه (1)، لأن ثبوت نسب غير معلوم على خلاف
الأصل يقتصر فيه على موضع اليقين (2).
(و) يشترط أيضا في نفوذ الإقرار مطلقا (3) (عدم المنازع) له
في نسب المقر به (فلو تنازعا) فيه (اعتبرت البينة) وحكم لمن شهدت له
فإن فقدت فالقرعة، لأنها لكل أمر مشكل، أو معين عند الله مبهم عندنا
وهو هنا كذلك (4).
هذا إذا اشتركا (5) في الفراش (6) على تقدير دعوى البنوة. أو انتفى
عنهما كواطئ خالية عن فراش لشبهة، فلو كانت فراشا لأحدهما، حكم
له به خاصة، دون الآخر وإن صادقه الزوجان (7) ولو كانا زانيين انتفى
عنهما، أو أحدهما فعنه (8) ولا عبرة في ذلك كله بتصديق الأم (9).
425

(ولو تصادق اثنان) فصاعدا (على نسب غير التولد) (1) كالأخوة
(صح) تصادقهما (وتوارثا)، لأن الحق لهما (ولم يتعداهما التوارث) إلى ورثتهما
لأن حكم النسب إنما ثبت بالإقرار والتصديق، فيقتصر فيه على المتصادقين
إلا مع تصادق ورثتهما أيضا.
ومقتضى قولهم " غير التولد " أن التصادق في التولد يتعدى، مضافا
إلى ما سبق من الحكم بثبوت النسب في إلحاق الصغير مطلقا، والكبير
مع التصادق، والفرق بينه وبين غيره من الأنساب مع اشتراكهما في اعتبار
التصادق غير بين.
(ولا عبرة بإنكار الصغير بعد بلوغه) بنسب المعترف به صغيرا، وكذا
المجنون بعد كماله، لثبوت النسب قبله فلا يزول بالإنكار اللاحق، وليس
له إحلاف المقر أيضا، لأن غايته (2) استخراج (3) رجوعه، أو نكوله
وكلاهما الآن غير مسموع، كما لا يسمع لو نفى النسب حينئذ صريحا.
(ولو أقر العم) المحكوم بكونه وارثا ظاهرا (بأخ) للميت
وارث (دفع إليه (4) المال)، لاعترافه (5) بكونه أولى منه بالإرث
426

(فلو أقر العم بعد ذلك بولد) للميت وارث (وصدقه الأخ دفع إليه (1)
المال)، لاعترافهما بكونه أولى منهما.
(وإن أكذبه) أي أكذب الأخ العم في كون المقر به ثانيا ولدا
للميت (لم يدفع إليه) (2) لاستحقاقه (3) المال باعتراف ذي اليد له
وهو العم (4) ولم تعلم أولوية الثاني (5)، لأن العم حينئذ خارج (6)
فلا يقبل إقراره في حق الأخ (7) (وغرم العم له) أي لمن اعترف
بكونه ولدا (ما دفع إلى الأخ) من المال، لإتلافه له (8) بإقراره الأول
مع مباشرته لدفع المال (9).
ونبه بقوله: غرم ما دفع، على أنه لو لم يدفع إليه لم يغرم بمجرد
إقراره بكونه أخا - لأن ذلك لا يستلزم كونه وارثا، بل هو أعم وإنما
يضمن لو دفع إليه المال لمباشرته إتلافه حينئذ.
وفي معناه (10) ما لو أقر بانحصار الإرث فيه، لأنه بإقراره بالولد
427

بعد ذلك يكون رجوعا عن إقراره الأول فلا يسمع ويغرم للولد بحيلولته
بينه، وبين التركة بالإقرار الأول، كما لو أقر بمال لواحد ثم أقر به لآخر
ولا فرق في الحكم بضمانه حينئذ بين حكم الحاكم عليه بالدفع إلى الأخ،
وعدمه، لأنه مع اعترافه بإرثه مفوت بدون الحكم.
نعم لو كان دفعه في صورة عدم اعترافه بكونه الوارث (1) بحكم
الحاكم اتجه عدم الضمان، لعدم اختياره في الدفع، وكذا الحكم في كل
من أقر بوارث أولى منه، ثم أقر بأولى منهما. وتخصيص الأخ والولد
مثال، ولو كان الإقرار الأول بمساو للثاني كأخ آخر فإن صدقه تشاركا
وإلا غرم للثاني نصف التركة على الوجه الذي قررناه.
(ولو أقرت الزوجة بولد) للزوج المتوفى، ووارثه (2) ظاهرا أخوته
(فصدقها الأخوة) على الولد (أخذ) الولد (المال) الذي بيد الأخوة
أجمع، ونصف ما في يدها (3)، لاعترافهم باستحقاقه ذلك.
(وإن أكذبوها دفعت إليه) (4) ما بيدها زائدا عن نصيبها على تقدير
الولد وهو (الثمن)، لأن بيدها ربعا نصيبها على تقدير عدم الولد، فتدفع إلى
الولد نصفه (5)، ويحتمل أن تدفع إليه سبعة أثمان ما في يدها، تنزيلا
للإقرار على الإشاعة (6) فيستحق في كل شئ سبعة أثمانه بمقتضى إقرارها.
428

(ولو انعكس) الفرض بأن اعترف الأخوة بالولد دونها (دفعوا
إليه) جميع ما بأيديهم وهو (ثلاثة أرباع، ولو أقر الولد بآخر دفع إليه
النصف)، لأن ذلك (1) هو لازم إرث الولدين المتساويين ذكورية وأنوثية
(فإن أقرا) معا (بثالث دفعا إليه الثلث) أي دفع كل واحد منهما
ثلث ما بيده. وعلى هذا لو أقر الثلاثة برابع دفع إليه كل منهم ربع
ما بيده.
(ومع عدالة اثنين) من الورثة المقرين (يثبت النسب والميراث)،
لأن النسب إنما يثبت بشاهدين عدلين، والميراث لازمه (2) (وإلا)
يكن في المعترفين عدلان (فالميراث حسب)، لأنه لا يتوقف على العدالة
بل الاعتراف كما مر (3).
(ولو أقر (4) بزوج للميتة أعطاه النصف) (5)، أي نصف
ما في يده (6) (إن كان المقر) بالزوج (غير ولدها)، لأن نصيب
الزوج مع عدم الولد النصف (وإلا) يكن كذلك بأن كان المقر ولدها
(فالربع)، لأنه نصيب الزوج معه.
والضابط: أن المقر يدفع الفاضل مما في يده عن نصيبه على تقدير
429

وجود المقر به، فإن كان أخا للميتة ولا ولد لها دفع النصف، وإن كان
ولدا دفع الربع.
وفي العبارة (1) قصور عن تأدية هذا المعنى، لأن قوله: " أعطاها
النصف إن كان المقر غير ولدها " يشمل إقرار بعض الورثة المجامعين للولد
كالأبوين فإن أحدهما لو أقر بالزوج مع وجود ولد، يصدق أن المقر غير
ولدها مع أنه لا يدفع النصف، بل قد يدفع ما دونه (2) وقد لا يدفع
شيئا فإن الولد إن كان ذكرا والمقر أحد الأبوين لا يدفع شيئا مطلقا (3)
لأن نصيبه لا يزاد على السدس على تقدير وجود الزوج وعدمه، وإنما
حصة الزوج مع الابن (4) وإن كان أنثى والمقر الأب يدفع الفاضل مما
في يده عن السدس (5)، وكذا إن كان الأم وليس لها حاجب (6)
ومع الحاجب لا تدفع شيئا، لعدم زيادة ما في يدها عن نصيبها (7).
ولو كان المقر أحد الأبوين مع عدم وجود الولد الذي هو أحد
430

ما تناولته العبارة (1) فقد يدفع نصف ما في يده. كما لو لم يكن وارثا
غيره (2) أو هو الأب مطلقا (3)، وقد لا يدفع شيئا كما لو كان هو (4)
الأم مع الحاجب.
وتنزيل ذلك (5) على الإشاعة يصحح المسألة (6)، لكن يفسد ما سبق
431

من الفروع، لأنها لم تنزل عليها.
ولقد قصر كثير من الأصحاب في تعبير هذا الفرع (1) فتأمله
في كلامهم.
(وإن أقر) ذلك المقر بالزوج ولدا كان أم غيره (بآخر وأكذب
نفسه في) الزوج (الأول أغرم له) أي للآخر الذي اعترف به ثانيا،
لإتلافه نصيبه بإقراره الأول، (وإلا) يكذب نفسه (فلا شئ عليه)
في المشهور، لأن الإقرار بزوج ثان إقرار بأمر ممتنع شرعا فلا يترتب
عليه أثر.
والأقوى أنه يغرم للثاني مطلقا (2) لأصالة " صحة إقرار العقلاء على أنفسهم "
مع إمكان كونه هو الزوج، وأنه ظنه الأول فأقر به ثم تبين خلافه،
وإلغاء الإقرار في حق المقر مع إمكان صحته مناف للقواعد الشرعية. نعم
لو أظهر لكلامه تأويلا ممكنا في حقه كتزوجه إياها في عدة الأول فظن
أنه يرثها زوجان فقد استقرب المصنف في الدروس القبول، وهو متجه.
(ولو أقر بزوجة للميت فالربع) إن كان المقر غير الولد (أو
الثمن) إن كان المقر الولد. هذا على تنزيله في الزوج (3).
وعلى ما حققناه (4) يتم في الولد خاصة (5)
432

وغيره (1) يدفع إليها الفاضل مما في يده عن نصيبه على تقديرها. ولو كان
بيده أكثر من نصيب الزوجة اقتصر على دفع نصيبها.
فالحاصل: أن غير الولد يدفع أقل الأمرين من نصيب الزوجة وما
زاد عن نصيبه على تقديرها إن كان معه زيادة، فأحد الأبوين مع الذكر
لا يدفع شيئا (2)، ومع الأنثى يدفع الأقل (3)، والأخ يدفع الربع (4)
والولد الثمن (5) كما ذكر.
(فإن أقر (6) بأخرى وصدقته) الزوجة (الأولى اقتسماه) الربع،
433

أو الثمن (1)، أو ما حصل (2)، (وإن أكذبتها غرم) المقر (لها
نصيبها) وهو نصف ما غرم للأولى إن كان باشر تسليمها كما مر (3).
وإلا فلا.
(وهكذا) لو أقر بثالثة، ورابعة فيغرم للثالثة مع تكذيب الأوليين
ثلث ما لزمه دفعه، وللرابعة مع تكذيب الثلاث ربعه.
ولو أقر بخامسة فكالإقرار بزوج ثان فيغرم لها مع إكذاب نفسه،
أو مطلقا على ما سبق، بل هنا أولى، لإمكان (4) الخامسة الوارثة
في المريض إذا تزوج بعد الطلاق وانقضاء العدة ودخل ومات في سنته كما
تقدم (5) ويمكن فيه استرسال الإقرار ولا يقف عند حد إذا مات في سنته
مريضا (6).
434