الكتاب: ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة
المؤلف: الشهيد الأول
الجزء: ٢
الوفاة: ٧٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: محرم ١٤١٩
المطبعة: ستاره - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-١٠٤-٤
ملاحظات: ٩٦٤-٣١٩-١٠٢-٨ / ٤ VOLS.

ذكرى الشيعة
في
أحكام الشريعة
تأليف
الشهيد الأول
محمد بن جمال الدين مكي العاملي الجزيني
734 - 786 ه‍ ق
الجزء الثاني
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

BP الشهيد الأول محمد بن مكي، 734 - 786 ق.
3 / 182 ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف الشهيد الأول محمد بن جمال
8 ذ 9 ش الدين مكي العاملي الجزيني، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء
1376 التراث. قم: مؤسسة آل البيت عليهم لإحياء التراث، 1418 ق = 1376.
ج 4 نموذج (مؤسسة آل البيت عليهم السلام) لإحياء التراث 199 - 202)
342 / 297 المصادر بالهوامش
1. الفقه الجعفري القرن 8 ق. 2. عبادات الشيعة. الف. مؤسسة آل
البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث. ب. العنوان.
شابك (ردمك) 8 - 102 - 319 - 964 / 4 أجزاء
شابك (ردمك) 4 - 104 - 319 - 964 / ج 2
الكتاب: ذكرى الشيعة / ج 2
المؤلف: الشهيد الأول
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم
الطبعة: الأولى محرم 1419 ه‍
الفلم والألواح الحساسة (الزنگ): قم
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 5000 نسخة
السعر: 7500 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث
قم دور شهر خيابان شهيد فاطمي كوچه 9 بلاك 5
ص. ب 996 / 37185 هاتف 23435 و 37371
4

الدفن
5

الحكم الخامس: الدفن.
ومطالبه ثلاثة:
الأول: في المدفن، وفيه مسائل:
الأولى: الواجب حفرة يوجه الميت فيها إلى القبلة مضطجعا على جانبه
الأيمن، ليستر عن الإنس ريحه وعن السباع بدنه بحيث يعسر نبشها غالبا.
وهاتان الصفتان متلازمتان في الغالب، ولو قدر وجود إحداهما بدون الأخرى
وجب مراعاة الأخرى، للإجماع على وجوب الدفن ولا تتم فائدته إلا بهما، وأمر
النبي (صلى الله عليه وآله) به (1).
واما كيفيته، فلأن النبي (صلى الله عليه وآله) دفن كذلك، وفعله (2) وعليه
الصحابة والتابعون. وقد ذكر هذه الكيفية: الصدوقان (3) والشيخان (4) وابن البراج (5).
وفي رواية معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام)، قال: (مات البراء
ابن معرور الأنصاري بالمدينة ورسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة، فأوصى أنه
إذا دفن يجعل وجهه إلى وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى القبلة، فجرت
به السنة، وكانت الصلاة حينئذ إلى بيت المقدس) (6).
وابن حمزة جعل استقبال القبلة بالميت في الدفن مستحبا (7) لأصالة البراءة،

(1) مسند أحمد 4: 19، سنن أبي داود 3: 214 ح 3215، سنن النسائي 4: 80، السنن الكبرى
4: 34.
(2) الإرشاد للشيخ المفيد: 101.
(3) الفقيه 1: 108، الهداية: 27.
(4) المقنعة: 18، المبسوط 1: 186.
(5) المهذب 1: 63.
(6) علل الشرائع: 1: 301.
(7) الوسيلة: 68.
7

ويعارض بما تقدم.
ويجب كون الحفرة في مكان مملوك للمتصرف أو مباح، خالية عن الميت طم
بها، لتحريم التصرف في ملك الغير، وتحريم نبش القبور لأدائه إلى المثلة والهتك،
وعلى تحريمه إجماع المسلمين، وقول الشيخ في المبسوط: يكره (1) الظاهر أنه أراد
التحريم، لأنه قال بعد: ولو حفر فوجد عظاما رد التراب ولم يدفن فيه شيئا (2)،
قال المحقق: لأن القبر صار حقا للأول بدفنه فيه، فلم يجز مزاحمته بالثاني (3).
أما دفن ميتين فصاعدا في قبر ابتداء فيكره، قال في المبسوط: لقولهم
(عليهم السلام): (لا يدفن في قبر واحد اثنان) (4) ولأن النبي (صلى الله عليه وآله)
أفرد كل واحد بقبر (5) ومع الضرورة تزول الكراهية، بأن تكثر الموتى ويعسر
الإفراد، لما روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال للأنصار يوم أحد: (إحفروا،
وأوسعوا، وعمقوا، واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر الواحد وقدموا أكثرهم
قرآنا) (6).
فرعان:
الأول: المراد بالتقديم جعله في قبلة اللحد، فالرجل، ثم الصبي،
ثم الخنثى، ثم المرأة، كذا قاله الشيخ (7).
ولو تساوت الطبقة قدم الأفضل كما تضمنه الخبر، إلا في الأب وابنه، فإن
الأب مقدم مطلقا لحرمة الأبوة. وكذا تقدم الام على البنت، ولا تقدم على الابن.

(1) المبسوط 1: 187.
(2) المبسوط 1: 188.
(3) المعتبر 1: 306.
(4) المبسوط 1: 155.
(5) قال في تلخيص الحبير 5: 245. لم أره هكذا لكنه معروف بالاستقراء.
(6) مسند أحمد 4: 19، سنن أبي داود 3: 214 ح 3215، السنن الكبرى 3: 413، 4: 34.
(7) المبسوط 1: 184.
8

وينبغي ان لا يجمع بين الرجال والنساء إلا مع شده الحاجة، ولتراع
المحرمية إن أمكن. قال في المعتبر: يجعل بين كل اثنين حاجز ليكون كالمنفرد (1).
واعتبر ابن البراج الحاجز بين الرجل والخنثى وبين الخنثى والمرأة (2) والظاهر أنه أراد
غير المحارم. وليكن الحاجز من تراب أو غيره.
الثاني: لو اتخذ سرب للدفن جاز الجمع فيه ابتداء على كراهية، واستدامة
كذلك على الأقوى، لأنه لا يعد نبشا ولا يحصل به هتك.
المسألة الثانية: يسقط الاستقبال عند التباس القبلة، وعند تعذره، كمن
مات في بئر وتعذر إخراجه وصرفه إليها، كما مر (3).
وفي الذمية الحامل من مسلم، إذ يستدبر بها لما قيل: أن وجه الولد إلى ظهر
أمه، والمقصود بالذات دفنه وهي كالتابوت له، ولهذا دفنت في مقبرة المسلمين
إكراما للولد، لأنه لو سقط لم يدفن إلا في مقابر المسلمين، قال في التذكرة: وهو
وفاق (4) يعني: استدبارها.
وقد روى أحمد بن أشيم عن يونس عن الرضا (عليه السلام)، في الأمة
الكتابية تحمل من المسلم ثم تموت مع ولدها، أيدفن معها على النصرانية، أو يخرج
منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب: (يدفن معها) (5).
قال في المعتبر: ولا حجة فيها، لضعفها بابن أشيم، وعدم تضمنها الدفن
في مقبرة المسلمين (6). قال: والوجه ان الولد لما حكم بإسلامه لم يجز دفنه بين
الكفار، إخراجه مع موتها غير جائز فتدفن تبعا له، ولأن عمر أمر به ولم ينكر

(1) المعتبر 1: 338.
(2) المهذب 1: 65.
(3) تقدم في ص 416، التنبيه 9.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 54.
(5) التهذيب 1: 334 ح 980.
(6) المعتبر 1: 292.
9

عليه (1).
الثالثة: من مات في البحر وجب نقله إلى البر، فان تعذر لم يتربص به، بل
يوضع في خابية. ويوكى رأسها وتطرح في الماء، لخبر أيوب بن الحر عن الصادق
(عليه السلام) (2) أو يثقل، لمرسلة ابان عنه (عليه السلام) (3) وهو في مرفوع سهل
بن زياد إليه (عليه السلام): (يكفن، ويحنط، في ثوب ويلقى في الماء) (4).
والأقرب وجوب استقبال القبلة به حالة الإلقاء كما قاله ابن الجنيد لأنه
دفن، لحصول مقصود الدفن به.
ولا يجعل بين لوحين رجاء لوصوله البر فيدفنه المسلمون، لأن فيه تعريضا
لهتك معلوم بإزاء أمر موهوم.
الرابعة: يراعى في موضع الدفن الأقرب استحبابا لقول النبي (صلى
الله عليه وآله): (عجلوهم إلى مضاجعهم) (5).
ويكره نقله إلى غير مشهد إجماعا ولو كان أحد المشاهد استحب نقله
إليها ما لم يخف هتكه، لاجماع الإمامية عليه من عهد الأئمة إلى ما بعده، قال في
المعتبر: ولأنه يقصد بذلك التمسك بمن له أهلية الشفاعة، وهو حسن بين
الأحياء توصلا إلى فوائد الدنيا، فالتوصل إلى فوائد الآخرة أولى (6).
قلت: وروى الصدوق عن مولانا الصادق (عليه السلام): ان موسى
(عليه السلام) استخرج عظام يوسف (عليه السلام) من شاطئ النيل، وحمله إلى

(1) المعتبر 1: 292.
(2) الكافي 3: 213 ح 1، الفقيه 1: 96 ح 442، التذهيب 1: 340 ح 996، الاستبصار 1: 215
ح 762.
(3) الكافي 3: 214 ح 2، التهذيب 1: 339 ح 993، الاستبصار 1: 215 ح 759
(4) الكافي 3: 214 ح 3، التهذيب 1: 339 ح 994، الاستبصار 1: 215 ح 760.
(5) الكافي 3: 137 ح 1، التهذيب 1: 427 ح 1359.
(6) المعتبر 1: 307.
10

الشام (1).
قال في التذكرة: ولأن موسى (عليه السلام) لما حضرته الوفاة سأل الله
عز وجل ان يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية حجر، قال النبي (صلى الله عليه وآله):
لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر (2).
قال المفيد في العزية: وقد جاء حديث يدل على رخصة في نقل الميت إلى
بعض مشاهد آل الرسول (عليهم السلام) إن وصى الميت بذلك.
وقال صاحب الجامع: لو مات بعرفة فأفضل نقله إلى الحرم (3). والظاهر
أنه وقف على نص فيه.
ولو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون أو شهداء، استحب الحمل إليها،
لتناله بركتهم وبركة زيارتهم.
ولو كان بمكة أو بالمدينة فمقبرتيهما.
أما الشهيد، فالأولى: دفنه حيث قتل، لما روي عن النبي (صلى الله عليه
وآله): (ادفنوا القتلى في مصارعهم) (4)
ويستحب جمع الأقارب في مقبرة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لما دفن
عثمان بن مظعون، قال: (أدفن إليه من مات من أهله) (5) ولأنه أسهل لزيارتهم.
فيقدم الأب ثم من يليه في الفضل، والذكر على الأنثى.

(1) الفقيه 1: 123 ح 594 علل الشرائع: 296.
(2) تذكرة الفقهاء: 1: 53.
والرواية في مسند أحمد 2: 269، صحيح البخاري 2: 113، سنن النسائي 4: 119.
(3) الجامع للشرائع: 56.
(4) سنن ابن ماجة 1: 486 ح 1516، سنن النسائي 4: 79، السنن الكبرى 4: 57.
(5) سنن أبي داود 3: 212 ح 3206، السنن الكبرى 3: 412.
11

فروع خمسة:
الأول: الدفن في المقبرة أفضل من البيت، لأن النبي (صلى الله عليه وآله)
أمر بالدفن في البقيع (3)، ولإطباق الناس عليه، ولأنه أجلب للترحم والدعاء،
وأشبه بمساكن الآخرة، وأقل ضررا على ورثته. ودفن النبي في بيته من
خصوصياته أو خصوصيات الأنبياء، أو لأنه قبض في أشرف البقاع فدفن فيها،
ونقل ذلك عن علي (عليه السلام) (4) فاتبعه الصحابة.
الثاني لو أوصى بدفنه في بيته أو ملكه اعتبر الإجازة أو الثلث، ولا يخالف
بالدفن في المسبلة، لعموم إنفاذ وصية الميت بالمعروف.
الثالث: لو اختلف الوراث في الدفن في ملكه أو المسبلة، قدم اختيار
المسبلة، إذ لا ضرر فيه على الورثة.
ولو أراد أحدهما دفنه في ملك نفسه وأراد الآخر المسبلة، فإن كان فيها قوم
صالحون أو ترجحت ببعض الأسباب أجيب، وإلا ففي الترجيح نظر، لاشتماله
على منة على الوارث أو لأنه يضر بوارثه، ومن إمكان تعلق غرض الوارث به لدوام
زيارته وشبههه، فيقدم. ويمكن مراعاة الأقرب، ومع التساوي يقرع.
الرابع: لو سبق وليان بميتين إلى مباح وتعذر الجمع، فالقرعة. ولو سبق
أحدهما فهو أولى، كمقاعد الأسواق والمساجد.
، الخامس: لو دفن لم يجز نقله مطلقا، لتحريم النبش. وسمع الشيخ مذاكرة
جوازه (1)، وقد مر فعل موسى (عليه السلام) إياه (2). وجعله ابن حمزة

(1) المغني لابن قدامة: 2: 383.
(2) أخرجه السيوطي في الخصائص الكبرى 2: 278 عن أبي يعلى.
(3) المبسوط 1: 187.
انظر صحيفة: 10، المسألة الرابعة.
12

مكروها (1) وابن الجنيد جوز النقل، لصلاح يراد بالميت (2). وقطع المفيد في
العزية وابن إدريس بتحريم نقله (3) واختاره الفاضل (4).
المسألة الخامسة: اللحد أفضل من الشق عندنا في غير الأرض الرخوة،
لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): (اللحد لنا والشق لغيرنا) (5).
: ولرواية الحلبي عن الصادق (عليه السلام): (ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحد له أبو طلحة الأنصاري) (6). وفي رواية إسماعيل بن همام عن الرضا (عليه السلام)، قال: (قال أبو
جعفر (عليه السلام) احفروا لي شقا، فان قيل لكم: ان رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لحد له، فصدقوا) (7).
وليكن اللحد مما يلي القبلة واسعا مقدار ما يجلس فيه.
أما في الرخوة، فالشق أفضل خوفا من انهدامه. ولو عمل شبة اللحد من
بناء في قبلته كان أفضل، قاله في المعتبر (8)، ويظهر من كلام ابن الجنيد.
وفي حفر القبور ثواب عظيم، قال الصادق (عليه السلام): (من حفر لميت
قبرا كان كمن بوأه بيتا موافقا إلى يوم القيامة)، رواه سعد بن طريف.

(1) الوسيلة: 69.
(2) مختلف الشيعة: 123.
(3) السرائر: 34.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 56، نهاية الأحكام 2: 283.
(5) مسند أحمد 4: 359، سنن ابن ماجة 1: 496 ح 1554، سنن أبي داود 3: 213 ح 3208،
الجامع الصحيح 3: 363 ح 1045.
(6) الكافي 3: 166 ح 3، التهذيب 1: 451 ح 1467.
(7) الكافي 3: 166 ح 2، التهذيب 1: 451 ح 1468.
(8) المعتبر 1: 296.
(9) في الكافي 3: 165 ح 1، والتهذيب 1: 450 ح 1462، عن الباقر (عليه السلام)، وفي الفقيه
1: 92 ح 419 مرسلا عن الصادق (عليه السلام).
13

السادسة: يستحب تعميقه قامة أو إلى الترقوة، لقول النبي (صلى الله عليه
وآله): (وأوسعوا وعمقوا) (1).
وعن الصادق (عليه السلام): (حد القبر إلى الترقوة) أرسله الصدوق (2).
وعن ابن أبي عمير عنه (عليه السلام): (حد القبر إلى الترقوة)، وقال
بعضهم: إلى الثديين، وقال بعضهم: قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من
في القبر (3) والظاهر أن هذا من محكي ابن أبي عمير، لأن الإمام لا يحكي قول
أحد.
وفي الكليني أسنده إلى سهل بن زياد، قال: روى أصحابنا أن حد
القبر... إلى آخره (4).
وروى السكوني عن الصادق (عليه السلام): (أن النبي نهى أن يعمق
القبر فوق ثلاث أذرع) (5). والظاهر أنه نهي كراهة.
وفي خبر ابن أبي عمير المرسل عن الصادق (عليه السلام): ان زين
العابدين قال: احفروا لي حتى تبلغوا الرشح) (6). ويمكن حمله على الثلاث، لأنها
قد تبلغ الرشح في البقيع.
السابعة: لو تعذر 4 الحفر لصلابة الأرض أو تحجرها، وأمكن نقله إلى
ما يمكن حفره، وجب. وان تعذر أجزأ البناء عليه بما يحصل الغرضين
المذكورين، لأنه في معنى الدفن. ولو فعل ذلك اختيارا، فلأقرب المنع، لأنه

(1) مسند أحمد 4: 19، سنن أبي داود 3: 214 ح 3215، السنن الكبرى 3: 413، 4: 34.
(2) الفقيه 1: 107 ح 498.
(3) التهذيب 1: 451 ح 1469.
(4) الكافي 3: 165 ح 1.
(5) الكافي 3: 166 ح 4، التهذيب 1: 451 ح 1466.
(6) التهذيب 1: 451 ح 1469.
والرشح: عرق الأرض ونداوتها. مجمع البحرين مادة رشح.
14

مخالف لما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) من الحفر.
وكذا لا يجزئ جعله في تابوت من صخر أو غيره، مكشوفا أو مغطى، وان
حصل الغرضان، لعدم مسمى الدفن، ويجزئ مع التعذر. نعم، لو دفن بالتابوت
في الأرض جاز، لكنه مكروه إجماعا، نقله في المبسوط (1) ولافرق في الكراهية بين
أنواع التابوت.

(1) المبسوط 1: 187.
15

المطلب الثاني: في الكيفية، وفيه مسائل:
الأولى: يستحب إذا قرب الرجل من القبر وضعه عند رجليه، والصبر
هنيئة، ثم نقله في ثلاث دفعات يصبر فيها عليه، وينزل في الثالثة سابقا برأسه
قال المفيد: كما سبق إلى الدنيا في خروجه من أمه (1) لخبر عبد الله بن سنان
عن الصادق (عليه السلام): (ينبغي أن يوضع دون القبر هنيئة، ثم واره) (2). وعن محمد بن عجلان عنه (عليه السلام): (لا تفدحه بقبره، ولكن ضعه
دون قبره بذراعين أو ثلاثة، ودعه حتى يتأهب للقبر) (3).
وتؤخذ، المرأة عرضا في دفعة واحدة.
ويسل الميت سلا في إنزاله القبر، لما روي أن النبي سل من قبل رأسه سلا (4)،
وليكن رفيقا، لخبر الحلبي وابن عجلان عن الصادق (عليه السلام) (5).
ولم يزد ابن الجنيد في وضعه على مرة، وهو ظاهر المعتبر، عملا بمدلول
الحديث (6).
الثانية: يستحب لملحده حل أزراره، وكشف رأسه، وحفاؤه إلا
لضرورة، لخبر أبي بكر الحضرمي عن الصادق (عليه السلام): (لا تنزل القبر
وعليك عمامة، ولا قلنسوة، ولا رداء، ولا حذاء، وحل أزرارك). قلت: فالخف؟
قال: (لا بأس بالخف في وقت الضرورة والتقية، وليجتهد في ذلك جهده) (7).

(1) المقنعة: 12.
(2) التهذيب 1: 313 ح 908.
(3) التهذيب 1: 313 ح 909.
(4) السنن الكبرى 4: 54.
(5) الكافي 3: 194 ح 1، 195 ح 4، علل الشرائع: 306، التهذيب 1: 315 ح 915، 317
ح 922.
(6) المعتبر 1: 298.
(7) الكافي 3: 192 ح 3، التهذيب 1: 313 ح 911، الاستبصار 1: 213 ح 751.
16

ويقرب منه خبر سيف بن عميرة عنه (عليه السلام)، وقال: (لا بأس بالخف،
فأن في خلعه شناعة) (1).
وفي خبر ابن أبي يعفور عنه (عليه السلام): (لا ينبغي دخول القبر في
نعلين، ولا خفين، ولا قلنسوة) (2).
وليس ذلك واجبا، اجماعا، ولخبر محمد بن بزيع: رأيت أبا الحسن (عليه
السلام) دخل القبر، ولم يحل أزراره (3).
قال الفاضلان: يستحب أن يكون متطهرا، لقول الصادق (عليه
السلام): (توضأ إذا دخلت القبر)، وهو في سياق خبر محمد بن مسلم والحلبي
عنه (عليه السلام) (4).
ابن الجنيد أطلق نفي البأس عن الخفين (5). والأقرب تقيده كما ذكر،
وعليه الأكثر (6).
ثم إن أستقل الواحد بحمله لصغره وشبهه وإلا ضم إليه غيره، ولا يعتبر
الوتر عندنا كثلاثة، أو خمسة لخبر زرارة عن الصادق (عليه السلام): وسأله
عن القبر كم يدخله؟ قال: (ذاك إلى الولي، أن شاء أدخل وترا، وان شاء
شفعا) (7).
الثالثة: يستحب الدعاء باتفاق العلماء.
فعند معاينة القبر: اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة، ولا تجعلها حفرة

(1) التهذيب 1: 313 ح 910.
(2) الكافي 3: 192 ح 1، التهذيب 1: 314 ح 913.
(3) التهذيب 1: 314 ح 912، الاستبصار 1: 13 ح 752.
(4) المعتبر 1: 302، تذكرة الفقهاء: 1: 52.
والخبر في التهذيب 1: 321 ح 934.
(5) مختلف الشيعة: 121.
(6) راجع: المبسوط 1: 186، مختلف الشيعة 1: 121.
(7) الكافي 3: 193 ح 4، التهذيب 1: 314 ح 914.
17

من حفر النار.
وعند تناوله: بسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
اللهم ايمانا بك، وتصديقا بكتابك، هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله.
اللهم زدنا إيمانا وتسليما.
وبعد وضعه في اللحد يستحب قراءة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين وآية
الكرسي، لخبر محمد بن عجلان عن الصادق (عليه السلام) (1).
وليقل أيضا بعد وضعه ما رواه الحلبي عنه (عليه السلام): (بسم الله، وفي
سبيل الله، وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله). (اللهم عبدك نزل بك،
وأنت خير منزول به) (2). اللهم افسح له في قبره، وألحقه بنبيه (صلى الله عليه
وآله). اللهم ان كان محسنا فزده في حسناته، وان كان مسيئا فاغفر له وارحمه وتجاوز
عنه. وليستغفر له ما استطاع) (3). قال والظاهر أنه الصادق (عليه السلام) -: (وكان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا دخل القبر، قال: اللهم جاف الأرض
عن جنبيه، وصاعد عمله، ولقه منك رضوانا) (4).
أو ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): (إذا وضعه في
لحده، فقل: بسم الله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه
وآله) (5). اللهم إنا لا نعلم منه (6) إلا خيرا وأنت أعلم به، فإذا وضعت اللبن
فقل: اللهم صل وحدته، وآنس وحشته، وأسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها
عن رحمة من سواك. فإذا خرجت من قبره، فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون،

(1) الكافي 3: 195 ح 4، علل الشرائع: 306، التهذيب 1: 317 ح 922.
(2) العبارة ليست في المصدرين.
(3) الكافي 3: 194 ح 1، التهذيب 1: 315 ح 915.
(3) الكافي 3: 194 ح 1، التهذيب 1: 315 ح 915.
(5) في المصدرين زيادة: (اللهم عبدك نزل بك، وأنت خير منزول به، اللهم افسح له في قبره، وألحقه
بنبيه)
(6) ليست في م، س.
18

والحمد لله رب العالمين. اللهم ارفع درجته في أعلى عليين، واخلف على عقبه في
الغابرين، وعندك نحتسبه يا رب العالمين) (2).
وفي رواية ابن عجلان عن الصادق (عليه السلام): (ليكن أولى الناس به
مما يلي رأسه، ليذكر اسم الله، ويصلي على النبي وآله، ويتعوذ من الشيطان،
وليقرأ فاتحة الكتاب، والمعوذتين، والتوحيد، وآية الكرسي) (2).
وروى ابن عمر: أنه سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه يقال
عند الوضع: (بسم الله، وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم). وعند تسوية اللبن: (اللهم أجره من الشيطان ومن عذاب القبر. اللهم
جاف الأرض عن جنبيه، وصعد روحه، ولقه منك رضوانا) (5).
الرابعة: يستحب أن يلقنه الشهادتين وأسماء الأئمة (عليهم السلام)، وبه
أخبار تكاد تبلغ التواتر.
كخبر ابن عجلان هذا عن الصادق (عليه السلام): (يلقنه الشهادتين،
ويذكر له ما يعلم واحدا واحدا) (4).
وخبر محفوظ الإسكاف عن الصادق (عليه السلام): (ليكن أعقل من ينزل
في قبره عند رأسه، وليكشف عن خده الأيمن حتى يفضي به إلى الأرض، ويدني،
فاه إلى سمعه، ويقول إسمع إفهم ثلاثا الله ربك، محمد نبيك، والإسلام
دينك، وفلان (5) إسمع افهم، وأعدها عليه ثلاثا) (6).
وخبر أبي بصير عنه (عليه السلام): (ضع فاك على أذنه، فقل: الله ربك،

(1) الكافي 3: 196 ح 6، التهذيب 1: 316 ح 910
(2) الكافي 3: 195 ح 4، علل الشرائع: 306، التهذيب 1: 317 ح 922.
(3) سنن ابن ماجة 1: 495 ح 1553، السنن الكبرى 4: 55. باختلاف يسير.
(4) التهذيب 1: 313 ح 909
(5) في المصدرين زيادة: ((امامك).
(6) الكافي 3: 195 ح 5، التهذيب 1: 317 ح 923.
19

والإسلام دينك، ومحمد نبيك، والقرآن كتابك، وعلي إمامك) (1).
وخبر إسحاق بن عمار عنه (عليه السلام): (تضع يدك اليسرى على عضده
الأيسر، وتحرك تحريكا شديدا، ثم تقول: يا فلان ابن فلان إذا سئلت فقل: الله
ربي، ومحمد نبيي، والإسلام ديني، والقرآن كتابي، وعلي إمامي، حتى تستوفي
الأئمة. ثم تعيد القول، ثم تقول: افهم (2) يا فلان، فإنه يقول: نعم. ثم تقول:
ثبتك الله بالقول الثابت، هداك الله إلى صراط مستقيم، عرف الله بينك (3) وبين
أوليائك في مستقر من رحمته) (4).
وأورد الصدوق فيه وضع يده اليمنى تحت منكبه الأيمن، ويحركه تحريكا
شديدا، ويقول: (يا فلان الله ربك، ومحمد نبيك)... إلى آخره (5).
وخبر زرارة عن الباقر (عليه السلام): (اضرب بيدك على منكبه الأيمن،
ثم قل: يا فلان قل رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبعلي إماما، ويسمي إمام
زمانه) (6).
الخامسة: يستحب أن يجعل له وسادة من تراب، ويجعل خلف ظهره مدرة
وشبهها لئلا يستلقي، رواه سالم بن مكرم عن الصادق (عليه السلام) (7). وحل
عقد الأكفان، ورواه إسحاق بن عمار، وأبو بصير عنه (عليه السلام) (8) وأبو حمزة
عن أحدهما (عليهما السلام)، وزاد: (ويبرز وجهه) (9).

(1) الكافي 3: 195 ح 2، التهذيب 1: 318 ح 924.
(2) في المصدر: (أفهمت).
(3) في س زيادة: (وبين نبيك)، وهي ليست في المصدر.
(4) التهذيب 1: 457 ح 1492.
(5) الفقيه 1: 108 ح 500.
(6) الكافي 3: 196 ح 7، التهذيب 1: 457 ح 1490.
(7) الفقيه 1: 108 ح 500.
(8) التهذيب 1: 450 ح 1463، 457 ح 1492.
(9) التهذيب 1: 457 ح 1491.
20

وفي خبر حفص بن البحتري، وابن أبي عمير عن غير واحد، عن الصادق
(عليه السلام): (يشق الكفن من عند رأسه) (1). قال في المعتبر: هذا مخالف لما
عليه الأصحاب، ولأن فيه إفسادا للمال على وجه لم يتحقق شرعه، والصواب:
الاقتصار على حل عقده (2).
قلت: يمكن أن يراد بالشق: الفتح، ليبدو وجهه فان الكفن كان منضما،
فلا مخالفة ولا إفساد.
السادسة: يستحب وضع التربة معه، قاله الشيخان (3) ولم نعلم مأخذه،
والتبرك بها كاف في ذلك.
والأحسن جعلها تحت خده، كما قاله المفيد في المقنعة (4). وفي العزية: في
وجهه، وكذا في اقتصاد الشيخ (5). وقيل: تلقاء وجهه (6) وقيل: في الكفن. وفي
المختلف: الكل جائز (7).
وقد نقل أن امرأة قذفها القبر مرارا لفاحشة كانت تصنع، فأمر بعض
الأولياء بوضع تراب من قبر صالح معها فاستقرت، قال الشيخ نجيب الدين يحيى
ابن سعيد في درسه: يصلح أن يكون هذا متمسكا. ونقل الفاضل أنها كانت تزني
وتحرق أولادها، وإن أمها أخبرت الصادق (عليه السلام) فقال: (إنها كانت
تعذب خلق الله بعذاب الله، إجعلوا معها شيئا من تراب الحسين (عليه السلام)

(1) الكافي 3: 196 ح 9، التهذيب 1: 17 ح 921، 458 ح 1493.
(2) المعتبر 1: 301.
(3) المبسوط 1: 186، وعن المفيد في السرائر: 33، مختلف الشيعة: 121.
(4) قال في مفتاح الكرامة بعد نقله ما في المقنعة عن الذكرى 1: 498: ولم أجده فيها، ويؤيد عدم
وجوده اني لم أجد أحدا سواه نسبه إليها، وفي السرائر: 33، والمعتبر 1: 301 نسباه إلى المفيد من
دون ذكر المقنعة.
(5) الاقتصاد: 250.
(6) نسبه في السرائر: 33 إلى الشيخ الطوسي.
(7) مختلف الشيعة: 121.
21

فاستقرت) (1).
السابعة: ينبغي تشريج اللحد، أي: تنضيده باللبن وشبهه، وإن سواه
بالطين كان ندبا، لما روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) رأى في قبر ابنه خللا
فسواه بيده، ثم قال: (إذا عمل أحدكم عملا فليتقن) (2). وهو في رواية إسحاق
بن عمار عن الصادق (عليه السلام): (تضع الطين واللبن، وتقول ما دمت
تضعه: اللهم صل وحدته، وآنس وحشته، وآمن روعته، وأسكن إليه من رحمتك
رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك، فإنما رحمتك للظالمين) (3).
قال الراوندي: عمل العاملين من الطائفة على ابتداء التشريج من الرأس
ثم يخرج من القبر ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ارفع درجته في عليين،
واخلف على أهله في الغابرين، عندك نحتسبه يا رب العالمين (4)، وقد تقدم هذا
برواية أخرى (5).
الثامنة: يستحب في المرأة نزول الزوج أو المحارم، وفي الرجل: الأجانب،
لخبر السكوني عن الصادق (عليه السلام): (قال علي (عليه السلام): مضت
السنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها
في حال حياتها) (6).
وخبر عبد الله بن محمد بن خالد، عن الصادق (عليه السلام): (الوالد
لا ينزل في قبر ولده، والوالد لا ينزل في قبر والده) (7).

(1) تذكرة الفقهاء 1: 53، منتهى المطلب 1: 461.
(2) الكافي 3: 262 ح 45.
(3) التهذيب 1: 457 ح 1492.
(4) الدعوات: 266.
(5) تقدم في ص 19 الهامش 1.
(6) الكافي 3: 319 ح 5، التهذيب 1: 325 ح 948.
(7) وكذا نقله المصنف في روضة الجنان: 318، ولكن في التهذيب 1: 320 ح 929 بلفظ: (والولد
ينزل).
قال في مفتاح الكرامة بعد ذكره لصيغة الرواية عند المصنف 1: 495: وفي التهذيب وكثير من
كتب الاستدلال تركها أي لفظة: لا في الشق الأخير.
22

ولا ينافيه خبر عبد الله العنبري عنه (عليه السلام): (لا يدفن ابنه، ولا
بأس بدفن الابن أباه) (1) لأن المكروه لا بأس به، وهو مشعر بأن الكراهة في جانب
الأب الدافن أشد.
وعلل الأصحاب كراهة نزول الرحم بالقسوة. وقد روي عبيد بن زرارة أن
الصادق (عليه السلام) رأى والدا يطرح على ابنه التراب، فأخذه بكفيه وقال: (لا تطرح
عليه التراب، ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب). ثم قال: (أنهاكم
أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام، فإن ذلك يورث القسوة في القلب، ومن
قسا قلبه بعد من ربه) (2).
فرع:
الزوج أولى من المحارم بالمرأة، لما تقدم في الصلاة. ولو تعذر فامرأة
صالحة، ثم أجنبي صالح، وإن كان شيخا فهو أولى، قاله في التذكرة (3). يدخل
يده من قبل كتفيها، وآخر يدخل يده تحت حقويها، قاله ابن حمزة (4).
التاسعة: يكره فرش القبر بساج أو غيره، إلا لضرورة كنداوة القبر، لمكاتبة
علي بن بلال إليه: ربما مات عندنا الميت فتكون الأرض ندية، فنفرش القبر
بالساج، أو نطين عليه؟ فكتب: (ذلك جائز) (5) والظاهر أنه الإمام مع الاعتضاد
بفتوى الأصحاب (6).

(1) الكافي 3: 194 ح 8، التهذيب 1: 320 ح 930.
(2) الكافي 1: 199 ح 5، علل الشرائع: 304، التهذيب 1: 319 ح 928.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 52.
(4) الوسيلة: 68.
(5) الكافي 3: 197 ح 1، التهذيب 1: 456 ح 1488.
(6) راجع: المبسوط 1: 187، المهذب 1: 65. الوسيلة: 69، المعتبر 1: 304، نهاية الأحكام
2: 283.
23

اما وضع الفرش عليه والمخدة فلا نص فيه. نعم، روى ابن عباس من
طريقهم أنه جعل في قبر النبي (صلى الله عليه وآله) قطيفة حمراء (1). والترك أولى،
لأنه اتلاف للمال فيتوقف على اذن، ولم يثبت.
وقال ابن الجنيد: لا بأس بالوطاء في القبر، وإطباق اللحد بالساج.
العاشرة: اختلفت عبارة الأصحاب في تغشية القبر بثوب عند إنزال الميت.
ففي الخلاف: نعم، محتجا بالإجماع على جوازه، والاحتياط على
استعماله (2) ولرواية جعفر بن كلاب عن الصادق (عليه السلام): (يغشى قبر المرأة
بالثوب، ولا يغشى قبر الرجل)، قال: (وقد مد على قبر سعد بن معاذ ثوب،
والنبي (عليه السلام) شاهد فلم ينكر ذلك) (3). وهو يدل على أهمية تغطية الثوب
للمرأة وعلى إباحته للرجل، ولما ذكر في خبر ابن أبي عمير السالف: حتى يمد
الثوب على رأس من في القبر (4). فإنه كما يجوز حمله على الإمكان يجوز حمله على
الوقوع، ولأنه أنسب بستر الميت لما يخشى من حدوث حادث فيه، وأقله بدو شئ
مما ينبغي ستره عند حل العقد.
وقال المفيد في أحكام النساء وابن الجنيد: يجلل قبر المرأة إلى أن يغشى
باللبن دون الرجل (5) لمناسبته للستر، ولما روي أن عليا (عليه السلام) مر بقوم دفنوا
ميتا وبسطوا على قبره الثوب، فجذبه وقال: (إنما يصنع هذا بالنساء) (6)، وهو
الذي ارتضاه في المعتبر (7).

(1) مسند أحمد 1: 328، صحيح مسلم 2: 665 ح 967، الجامع الصحيح 3: 365 ح 1048،
سنن النسائي 4: 81.
(2) الخلاف 1: 728 المسألة: 552.
(3) التهذيب 1: 464 ح 1519.
(4) تقدم في ص 14 الهامش 3.
(5) حكاه عن المفيد ابن إدريس في السرائر: 34، والعلامة في مختلف الشيعة: 121 عن بعض نسخ
احكام النساء، والنسخة التي تحت أيدينا خالية منه.
(6) السنن الكبرى 4: 54.
(7) المعتبر 1: 335.
24

وابن إدريس أنكر استحباب التغشية في الرجل، وأحال المرأة على ثبوت
ذلك بنص (1).
قلنا ما ذكر كافي في هذا المطلوب.
الحادية عشر: يستحب الخروج من قبل الرجلين، لخبر عمار عن الصادق
(عليه السلام): (لكل شئ باب، وباب القبر مما يلي الرجلين) (2). ومثله رواية
الأصحاب عن جبير بن نفير الحضرمي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3).
وروى السكوني عن الباقر (عليه السلام) عن أبيه: (من دخل القبر،
فلا يخرج منه إلا من قبل الرجلين) (4).
والظاهر أن هذا النهي أو النفي للكراهية.
ووافق ابن الجنيد رحمه الله في الرجل، وقال في المرأة: يخرج من عند
رأسها (5) لإنزالها عرضا، أو للبعد عن العورة، والأحاديث المطلقة.
الثانية عشرة: يستحب إهالة الحاضرين عليه التراب بظهور الأكف، لخبر
محمد ابن الأصبغ عن بعض أصحابنا، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام).
وهو في جنازة فحثى التراب على القبر بظهور كفيه (6).
وأقله ثلاث حثيات باليدين جميعا، لفعل النبي (صلى الله عليه وآله)
ذلك (7)، وفي خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): انه حثا على ميت مما

(1) السرائر: 34.
(2) التهذيب 1: 316 ح 919
(3) التهذيب 1: 316 ح 918.
(4) الكافي 3: 193 ح 4 عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفي التهذيب 1: 316 ح 917 عن جعفر
عن أبيه عليهما السلام.
(5) مختلف الشيعة: 121.
(6) التهذيب 1: 318 ح 925 عن أحمد بن محمد الأصبغ.
(7) السنن الكبرى 3: 410.
25

يلي رأسه ثلاثا بكفيه (1).
وليدع بما دعا به الباقر (عليه السلام) في هذه الرواية باسطا كفيه على
القبر: (اللهم جاف الأرض عن جنبه، وصعد إليك روحه، ولقه منك رضوانا،
وأسكن قبره من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك) (2).
أو يدعو بما رواه السكوني بسند الخبر الأول إلى علي (عليه السلام):
(سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من حثا على ميت وقال: إيمانا
بك، وتصديقا بنبيك، هذا ما وعد الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) أعطاه الله
بكل ذرة حسنة) (3).
وليقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون.
قال الأصحاب: ولا يهيل ذو الرحم (4) لما مر.
ويرفع القبر عن الأرض مقدار أربع أصابع مفرجات لا أكثر من ذلك، قاله
المفيد (5). وابن زهرة خير بينها وبين شبر (6).
وفي خبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: (ويلزق القبر
بالأرض، إلا قدر أربع أصابع مفرجات، ويربع قبره) (7).
وفي خبر سماعة عن الصادق (عليه السلام): (يرفع من الأرض قدر أربع
أصابع مضمومة، وينضح عليه الماء) (8). وعليها ابن أبي عقيل.
وفي خبر حماد بن عثمان عنه (عليه السلام): ان أباه (عليه السلام) أمر أن

(1) الكافي 3: 198 ح 3، التهذيب 1: 319 ح 927.
(2) الكافي 3: 198 ح 3، التهذيب 1: 319 ح 927.
(3) الكافي 3: 198 ح 2، التهذيب 1: 319 ح 926.
(4) راجع: المقنعة: 12، المبسوط 1: 187، المعتبر 1: 300.
(5) المقنعة: 12.
(6) الغنية: 502.
(7) الكافي 3: 195 ح 3، التهذيب 1: 315 ح 916، 458 ح 1494.
(8) الكافي 3: 199 ح 2، التهذيب 1: 320 ح 932.
26

يرفع قبره أربع أصابع، وأن يرشه بالماء (1).
وفي خبر عبيد الله الحلبي ومحمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام):
(أمرني أبي أن اجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات، وذكر أن الرش بالماء
حسن) (2).
قلت: اختلاف الرواية دليل التخيير. وما رووه عن جابر: أن قبر النبي
(صلى الله عليه وآله) رفع قدر شبر (3) ورويناه عن إبراهيم بن علي عن الصادق (عليه السلام) أيضا (4) يقارب التفريج. ولما كان المقصود من رفع القبر أن يعرف
ليزار ويحترم كان مسمى الرفع كافيا، وابن البراج: شبر أو أربع أصابع (5).
ورش الماء عليه مستحب، لما مر. وصورته ما رواه موسى بن أكيل بضم
الهمزة وفتح الكاف عن الصادق (عليه السلام): (السنة في رش الماء على القبر
أن تستقبل القبلة وتبدأ من عند الرأس إلى الرجلين، ثم تدور على القبر من
الجانب الآخر، ثم ترش على وسط القبر) (6). وليكن متصلا إلى أن يرجع إلى
الرأس، قاله الصدوق (7).
الثالثة عشرة: يستحب تربيع القبر، لما سلف من خبر محمد بن مسلم (8).
وليكن مسطحا بإجماعنا نقله الشيخ (9) لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
سطح قبر ابنه إبراهيم (10) وقال القاسم بن محمد: رأيت قبر النبي (صلى الله عليه

(1) الكافي 3: 200 ح 5، التهذيب 1: 320 ح 933.
(2) التهذيب 1: 321 ح 934.
(3) السنن الكبرى 3: 410.
(4) التهذيب 1: 496 ح 1538.
(5) المهذب 1: 63.
(6) التهذيب 1: 320 ح 931.
(7) الفقيه 1: 109، الهداية: 28.
(8) تقدم في ص 26 الهامش 7.
(9) الخلاف 1: 706 المسألة: 505.
(10) الام 1: 273، مختصر المزني: 37، الخلاف 1: 706، المعتبر 1: 302.
27

وآله) والقبرين عنده مسطحة لا مشرفة، ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة
الحمراء (1) ولأن التربيع يدل على التسطيح، ولأن قبور المهاجرين والأنصار بالمدينة
مسطحة وهو يدل على أنه امر متعارف.
واحتج الشيخ أيضا في الخلاف بما رواه أبو الهياج، قال قال علي (عليه
السلام): (أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا ترى قبرا
مشرفا إلا سويته، ولا تمثالا ألا طمسته) (2) وفيه أيضا دلالة على عدم رفعه كثيرا.
وفي خبر زرارة وجابر عن الباقر (عليه السلام): (وسوي قبره) (3). (وسوي
عليه) (4) دليل على التسطيح.
الرابعة عشرة: لا يطرح في القبر من غير ترابه، ونقل فيه في التذكرة
الإجماع (5) لنهي النبي (صلى الله عليه وآله) أن يزاد في القبر على حفيرته، وقال: (لا يجعل في القبر من التراب أكثر مما خرج منه) رواه عقبه بن عامر (6) رويناه عن
السكوني عن الصادق (عليه السلام): (أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى أن
يزاد على القبر تراب لم يخرج منه) (7).
وفي الفقيه: قال الصادق (عليه السلام): (كل ما جعل على القبر من غير
تراب القبر، فهو ثقل على الميت) (8).

(1) سنن أبي داود 3: 215 ح 3220، مسند أبي يعلى 8: 53 ح 4571، المستدرك على الصحيحين
1: 369، السنن الكبرى 4: 3.
(2) الخلاف 1: 707 المسألة: 505. والرواية في: صحيح مسلم 2: 666 ح 969، سنن أبي داود 3: 215 ح 3218، الجامع
الصحيح 3: 366 ح 1049، السنن الكبرى 4: 3.
(3) التهذيب 1: 459 ح 1490.
(4) التهذيب 1: 459 ح 1496.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 53.
(6) السنن الكبرى 3: 410.
(7) الكافي 3: 202 ح 4، التهذيب 1: 460 ح 1500.
(8) الفقيه 1: 120 ح 576.
28

وابن الجنيد: لا يزاد من غير ترابه وقت الدفن، ولا بأس بذلك بعد
الدفن:
وعن السكوني عن الصادق (عليه السلام): (لا تطينوا القبر من غير
طينه) (1).
ويستحب كثرة الدعاء له والاستغفار في كل حال، ويسأل الله تثبيته عند
الفراغ من دفنه.
الخامسة عشرة: يستحب أن يوضع عند رأسه حجر أو خشبة علامة ليزار
ويترحم عليه، كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله)، حيث أمر رجلا بحمل صخرة
ليعلم بها قبر عثمان بن مظعون، فعجز الرجل فحسر رسول الله (صلى الله عليه
وآله) عن ذراعيه، فوضعها عند رأسه، وقال: (اعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من
مات من أهله) (2).
وروينا عن يونس بن يعقوب، قال: لما رجع الكاظم (عليه السلام) من
بغداد إلى المدينة ماتت ابنة له في رجوعه بفيد (3) فأمر بعض مواليه أن يجصص
قبرها، ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر (4).
وقال ابن الجنيد: لا بأس أن يوضع عليه الحصا والصندوق والعلامة.
وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): (لا يصلح البناء على
القبر، ولا الجلوس، ولا تجصيصه، ولا تطيينه) (5). فيمكن الجمع بحمل المطلق هنا على المقيد في خبر السكوني، وحمل
التجصيص المكروه على ما كان بعد اندراسه لا ما وقع ابتداء، كما قاله الشيخ

(1) الكافي 3: 201 ح 1، التهذيب 1: 460 ح 1499.
(2) سنن أبي داود 3: 212 ح 3206، السنن الكبرى 3: 412.
(3) فيد: بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة، معجم البلدان 1: 282.
(4) الكافي 3: 202 ح 3، التهذيب 1: 461 ح 1501، الاستبصار 1: 217 ح 767.
(5) التهذيب 1: 461 ح 1503، الاستبصار 1: 217 ح 767.
29

رحمه الله (1).
وفي المعتبر قوى الكراهية مطلقا، وحمل خبر يونس على الجواز (3). وروي العامة: (ان الميت لا يزال يسمع الاذان ما لم يطين قبره) (3) وفيه
دلالة على إباحة الكتابة على القبر، وقد روي فيه نهي عن النبي (صلى الله عليه
وآله) من طريق العامة (4) ولو صح حمل على الكراهة لأنه من زينة الدنيا.
السادسة عشرة: يستحب وضع الحصباء عليه، لما مر، ولما روي أن النبي
(صلى الله عليه وآله) فعله بقبر إبراهيم ولده (5) ولخبر ابان عن بعض أصحابه، عن
الصادق (عليه السلام)، قال: (قبر رسول (صلى الله عليه وآله) محصب
حصباء حمراء) (6).
السابعة عشرة: يستحب ما رواه زرارة عن الباقر (عليه السلام): (فإذا
حثي عليه التراب وسوي قبره، فضع كفك على قبره عند رأسه، وفرج أصابعك،
واغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء) (7) وليقل ما مر في خبر محمد بن مسلم عنه
(عليه السلام) (8).
وقال الصدوق: متى زار قبره دعا به مستقبل القبلة (9) وعلى ذلك عمل
الأصحاب

(1) المبسوط 1: 187.
(2) المعتبر 1: 305.
(3) الفردوس بمأثور الخطاب 5: 98 ح 7587، الدعوات للراوندي: 276 ح 797.
(4) سنن ابن ماجة 1: 498 ح 1563، سنن النسائي 4: 86، المستدرك على الصحيحين 1:
370.
(5) السنن الكبرى 3: 411.
(6) الكافي 3: 201 ح 2، التهذيب 1: 461 ح 1502.
(7) التهذيب 1: 457 ح 1490.
(8) تقدم في ص 26 الهامش 2.
(9) الهداية: 28. لم نعثر عليه في كتبه ما عدا الهداية، وفيها: (من يزور القبر يستقبل القبلة).
30

وقد روى إسحاق بن عمار، قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام): ان
أصحابنا يصنعون سيئا إذا حضروا الجنازة ودفن الميت، لم يرجعوا حتى يمسحوا
أيديهم على القبر، أفسنة ذلك أم بدعة؟ فقال: (ذلك واجب على من لم يحضر
الصلاة عليه) (1) وبسند آخر عن محمد بن إسحاق عن الصادق (عليه السلام):
(إنما ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه، فاما من أدرك الصلاة فلا) (2).
وروى زرارة في الحسن عن الباقر (عليه السلام): (كان رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من
المسلمين، كان إذا صلى على الهاشمي ونضح قبره بالماء، وضع (صلى الله عليه
وآله) كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين، فكان الغريب يقدم أو المسافر
فيرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول الله (صلى الله عليه وآله، فيقول: من
مات من آل محمد صلى الله عليه وآله) (3).
وليس في هاتين مخالفة للأول، لأن الوجوب على من لم يحضر الصلاة لا
ينافي الاستحباب لغيره، والمراد به انه يستحب مؤكدا لغير الحاضر للصلاة، ولهذا
لم يذكر الوجوب في الخبر الآخر، فهو وان كان مستحبا للحاضر لكنه غير مؤكد،
وإخبار الراوي عن عمل الأصحاب حجة في نفسه، وتقرير الإمام عليه يؤكده،
وفعل النبي (صلى الله عليه وآله) حجة فليتأس به، وتخصيص بني هاشم
لكرامتهم عليه.
وقد روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: سألت الصادق (عليه السلام)
كيف أضع يدي على قبور المسلمين؟ فأشار بيده إلى الأرض فوضعها عليه وهو
مقابل القبلة (4) وهذا يشمل حالة الدفن وغيره.

(1) التهذيب 1: 462 ح 1506.
(2) التهذيب 1: 467 ح 1532، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام).
(3) الكافي 3: 200 ح 4، التهذيب 1: 460 ح 1498.
(4) الكافي 3: 200 ح 3، التهذيب 4621 ح 1508.
31

الثامنة عشرة: أجمع الأصحاب على تلقين الولي أو من يأمره الميت (1) بعد
انصراف الناس عنه. وقد رواه العامة عن أبي امامة الباهلي عن النبي (صلى الله
عليه آله)، قال: (إذا مات أحدكم وسويتم عليه التراب، فليقم أحدكم عند
رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان بن فلانه، فإنه يسمع ولا يجيب. ثم يقول: يا فلان
بن فلانة، فيستوي قاعدا فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله. فيقول: أذكر ما
خرجت عليه من الدنيا شهادة ان لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وانك
رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما، فان منكرا
ونكيرا يتأخر كل واحد منهما، فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته):
قال يا رسول الله: فان لم نعرف اسم أمه؟ قال: (انسبه إلى حواء) (2).
وروينا عن يحيى بن عبد الله بعدة طرق قال: سمعت الصادق (عليه
السلام) يقول: (ما على أهل الميت منكم أن يدرؤوا عن ميتهم لقاء منكر ونكير).
قلت: كيف نصنع؟ قال: (إذا أفرد الميت، فليتخلف عنده أولى الناس به،
فيضع فمه عند رأسه، وينادي بأعلى صوته، يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه، من شهادة ان لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله سيد النبيين، وان عليا أمير المؤمنين وسيد
الوصيين، وان ما جاء به محمد حق، وان الموت حق، والبعث حق، وان الله يبعث
من في القبور. قال: فيقول منكر لنكير: انصرف بنا عن هذا القبر فقد لقن حجته) (3).
وعن جابر عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): (ما على أحدكم إذا دفن
ميته، وسوي عليه وانصرف عن قبره أن يتخلف عند قبره، ثم يقول: يا فلان
ابن فلان أنت على العهد الذي عهدناك به، من شهادة ان لا إله إلا الله، وان

(1) س، ط: الولي.
(2) مجمع الزوائد 2: 324، تلخيص الحبير 5: 243، كنز العمال 15: 604 عن الطبراني وابن
عساكر والديلمي
(3) الكافي 3: 201 ح 11، الفقيه 1: 109 ح 501، التهذيب 1: 321 ح 935.
32

محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وان عليا أمير المؤمنين إمامك، وفلان
وفلان حتى تأتي على آخرهم، فإنه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه: قد
كفينا الدخول عليه ومسألتنا إياه فإنه قد لقن، فينصرفان عنه ولا يدخلان
عليه) (1).
فرع:
لم يتعرض الشيخان والخبران لكيفية الوقوف.
وقد قال ابن إدريس: ان الملقن يستقبل القبلة والقبر (2).
وقال ابن البراج (3). وابن إدريس (4) والشيخ يحيى (5): يستدبر القبلة والقبر
أمامه.
وكلاهما جائز، لاطلاق الخبر الشامل لذلك، ولمطلق النداء عند الرأس على
أي وضع كان المنادي.
قال ابن البراج: ومع التقية يقول ذلك سرا (6).
تنبيه: نقل الشيخ المحقق عن الفقهاء الأربعة إنكار التلقين (7). وقال الشيخ

(1) التهذيب 1: 459 ح 1496.
(2) السرائر: 33.
(3) المهذب 1: 64.
(4) تقدم قول إدريس في الهامش 2 بما يخالف هذا، والظاهر أن ذكره هنا سهو، والمراد منه أبو
الصلاح الحلبي كما في كتابه الكافي في الفقه: 239، وكما نسبه إليه ابن إدريس في السرائر: 33.
راجع: الحدائق الناضرة 4: 129، مفتاح الكرامة 1: 501.
(5) الجامع للشرائع: 55.
(6) المهذب 1: 64.
(7) المعتبر 1: 303.
33

الفاضل: خلافا للجمهور (1).
وقد قال الرافعي من الشافعية -: يستحب أن يلقن الميت بعد الدفن،
فيقال: يا عبد الله بن أمة الله، أذكر ما خرجت عليه من الدنيا، شهادة ان لا إله
إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وان الجنة حق، وان النار حق، وان الساعة آتية
لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور، وأنك رضيت بالله ربا، وبالاسلام
دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا. قال: ورد
الخبر به عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
وقال صاحب الروضة (3): هذا التلقين استحبه جماعة من أصحابنا، منهم:
القاضي حسين، وصاحب التتمة، ونصر المقدسي في كتابه التهذيب وغيرهم،
ونقله القاضي حسين عن أصحابنا مطلقا. والحديث الوارد فيه ضعيف، لكن
أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم، وقد اعتضد بشواهد من
الأحاديث الصحيحة، كحديث: (إسألوا الله له التثبيت)، ووصية عمرو بن
العاص: أقيموا عند قبري قدر ما ينحر جزور. قال: ولم يزل أهل الشام على
العمل بهذا التلقين من العصر الأول وفي زمن من يقتدى به. قال: قال أصحابنا:
ويقعد الملقن عند رأس القبر، والطفل لا يلقن (4).
قلت: ولا ينافي هذا صحة نقل الفاضلين، لأن المنقول انما هو عن
أصحاب الشافعي لا عن نفسه.
واما الطفل، فظاهر التعليل يشعر بعدم تلقينه، ويمكن أن يقال يلقن،
إقامة للشعار وخصوصا المميز، وكما في الجريدتين.

(1) تذكرة الفقهاء 1: 53.
(2) فتح العزيز 5: 242.
(3) الروضة في الفروع روضة الطالبين وعمدة المتقين لأبي زكريا محي الدين يحيى بن شرف
النوري، المتوفى سنة 676، وقد اختصره من شرح الوجيز للرافعي لاحظ. كشف الظنون 1: 929.
(4) أورده وباختلاف يسير النووي في مصنف آخر، وهو المجموع 5: 304. والحديث النبوي في:
سنن أبي داود 3: 315 ح 3221، المستدرك على الصحيحين 1: 370 ووصية عمرو في صحيح
مسلم 1: 112 ح 121.
34

المطلب الثالث: في التوابع، وفيه ثمانية مباحث.
الأول: في الأحكام، وفيه مسائل:
الأولى: لو اجتمع أموات، ولم يمكن الجمع بين تجهيزهم في وقت واحد،
بدئ بمن يخشى فساده. فلو تساووا في ذلك، أو في عدم الفساد، قال الشيخ: يقدم
الأب، ثم الابن وابن الابن، ثم الجد. وان كان اخوان في درجة واحدة قدم
أسنهما، وان تساويا أقرع بينهما، وان كان أحدهما أقوى سببا قدم. والزوجتان
تقدم أسنهما، فان تساوتا أقرع بينهما (1).
قال المحقق: لست أعرف وجه ما ذكره مع التساوي، إذ ليس هنا إشكال
فيخرج بالقرعة، والأقرب: تخيير الولي في البدأة (2).
قلت: لا ريب ان التعجيل مستحب (كما مر، فالمعجل مرجح في هذا
الاستحباب) (3) فيحتاج إلى مرجح. وتخيير الولي لا شك في جوازه، وانما الكلام
في تخصيص الولي أحد المتساويين بالاستحباب، هل هو مستند إلى اختياره أو هو
مرجح بما جعله الشارع مرجحا؟ فيمكن الترجيح بخصال دينية أو بالذكورية، كما سبق. ويمكن القرعة، لاطلاق الأخبار في استعمالها عند الاشتباه. ومع التساوي
في المرجحات فالقرعة، لأن ترجيح الله تعالى أولى من ترجيح الولي.
والظاهر: ان هذا كله على سبيل الاستحباب إلا مع خشية الفساد، لأن
الغرض التجهيز وهو يحصل، ولم يفت الا التعجيل وهو مستحب.
الثانية: المشهور كراهة البناء على القبر واتخاذه مسجدا، وكذا يكره القعود
على القبر. وفي المبسوط نقل الاجماع على كراهة البناء عليه (4). وفي النهاية: يكره

(1) المبسوط 1: 176.
(2) المعتبر 1: 346.
(3) العبارة ساقطة من س.
(4) المبسوط 1: 187.
35

تجصيص القبور وتظليلها (1).
وكذا يكره المقام عندها، لما فيه من اظهار السخط لقضاء الله، أو الاشتغال
عن مصالح المعاد والمعاش، أو لسقوط الاتعاظ بها.
وقد روى يونس بن ظبيان عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه، قال:
(نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يصلى على قبر، أو يقعد عليه، أو يبنى
عليه) (2).
وفي صحاح العامة عن جابر: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان
يجصص القبر، أو أن يبنى عليه، وأن يقعد عليه (3).
وقال (صلى الله عليه وآله): (لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها) (4).
وخبر علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): (لا يصلح البناء عليه، ولا
الجلوس) (5) وظاهره الكراهية، فيحمل النهي الأول وغيره عليها، كما روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (لا تبنوا على القبور، ولا تصوروا سقوف
البيوت)، رواه جراح المدائني، عن الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) (6).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله): (لان يجلس أحدكم على جمر، فتحرق
ثيابه فتصل النار إلى بدنه، أحب إلي من أن يجلس على قبر) (7) وهو في صحيح
مسلم بنحو هذه العبارة (8). وهذا مبالغة في الزجر عن ذلك لاحترام القبر، (فإن

(1) النهاية: 44.
(2) المقنع: 21، التهذيب 1: 461 ح 1504 و 3: 201 ح 469، الاستبصار 1: 482 ح 1869.
(3) صحيح مسلم 2: 667 ح 970، الجامع الصحيح 3: 368 ح 1052، سنن النسائي 4: 87.
(4) صحيح مسلم 2: 668 ح 972، سنن أبي داود 3: 217 ح 3229، السنن الكبرى 4: 79.
(5) التهذيب 1: 461 ح 1503، الاستبصار 1: 217 ح 767.
(6) المحاسن 612، التهذيب 1: 461 ح 1505.
(7) مسند أحمد 4: 79، سنن ابن ماجة 1: 499 ح 1566، سنن أبي داود 3: 217 ح 3228،
سنن النسائي 4: 95، السنن الكبرى 4: 79.
(8) صحيح مسلم 2: 667 ح 971.
36

حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا) (1) كما سبق.
وزاد الشيخ في الخلاف: كراهة الاتكاء عليه والمشي (2)، ونقله في المعتبر عن
العلماء (3). وقد نقل الصدوق في الفقيه عن الكاظم (عليه السلام): (إذا دخلت
المقابر فطأ القبور، فمن كان مؤمنا استروح إلى ذلك، ومن كان منافقا وجد
ألمه) (4). ويمكن حمله على القاصد زيارتهم بحيث لا يتوصل إلى قبر إلا بالمشي على
آخر، أو يقال:: تختص الكراهية بالقعود لما فيه من اللبث المنافي للتعظيم.
وروى الصدوق عن سماعة، انه سأله (عليه السلام) عن زيارة القبور وبناء
المساجد فيها، قال: (زيارة القبور لا بأس بها، ولا يبنى عندها مساجد) (5).
قال الصدوق: وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (لا تتخذوا قبري قبلة،
ولا مسجدا، فان الله تعالى لعن اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (6). قلت: هذه الأخبار رواها الصدوق والشيخان وجماعة المتأخرين في كتبهم،
ولم يستثنوا قبرا، ولا ريب ان الامامية مطبقة على مخالفة قضيتين من هذه: أحداهما
البناء، والأخرى الصلاة، وتانك ما في المشاهد المقدسة. فيمكن القدح في
هذه الأخبار لأنها آحاد، وبعضها ضعيف الاسناد، وقد عارضها أخبار أشهر
منها، وقال ابن الجنيد: لا بأس بالبناء عليه، وضرب الفسطاط يصونه ومن
يزوره (7). أو تخصص هذه العمومات باجماعهم في عهود كانت الأئمة ظاهرة فيهم
وبعدهم من غير نكير، وبالأخبار الدالة على تعظيم قبورهم وعمارتها وأفضلية
الصلاة عندها، وهي كثيرة منها:

(1) التهذيب 1: 419 ح 1324، 465 ح 1522.
(2) الخلاف 1: 707 المسألة 507، المبسوط 1: 188.
(3) المعتبر 1: 305.
(4) الفقيه 1: 115 ح 539.
(5) الكافي 3: 288 ح 2، الفقيه 1: 114 ح 531.
(6) الفقيه 1: 114 ح 532.
(7) مختلف الشيعة: 122.
37

ما رواه الشيخ في التهذيب عن عامر البناني، عن الصادق (عليه السلام)،
عن آبائه، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، انه قال لعلي (عليه السلام): (يا أبا
الحسن ان الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة، وعرصة من عرصاتها.
وان الله جعل قلوب نجباء من خلقه، وصفوة من عباده تحن إليكم، وتحتمل المذلة والأذى فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها، تقربا منهم إلى الله، ومودة
منهم لرسوله، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي، وهم
زواري (1) غدا في الجنة.
يا علي، من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنها أعان سليمان على بناء بيت
المقدس، ومن زار قبوركم عدل ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج
من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر وبشر أوليائك ومحبيك
من النعيم وقرة العين بما لا عين رأت، ولا اذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ولكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها،
أولئك شرار أمتي لا تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي) (2). وقد روى كثيرا من
أهل (3) الحديث، وذكر تعيير الحثالة الحافظ ابن عساكر من علماء العامة (4).
قال المفيد رحمه الله: وقد روي أنه لا بأس بالصلاة إلى قبله فيها قبر
إمام، ويصلي الزائر مما يلي رأس الامام، وهو أفضل (5).
وقال الشيخ: وقد روي جواز الصلاة إلى قبور الأئمة (عليهم السلام)، خاصة في النوافل (6).

(1) في المصدر زيادة: (وجيراني).
(2) التهذيب 6: 107 ح 189.
(3) في (م) و (س): أهل.
(4) انظر: 111 - 112 من هذا الجزء.
(5) المقنعة: 25.
(6) المبسوط 1: 85.
38

قلت: الذي رواه في التهذيب باسناده إلى محمد بن عبد الله الحميري،
قال: كتبت إلى الفقيه أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة، هل يجوز أن يسجد
على القبر أم لا؟ وهل يجوز للمصلي أن يقوم وراء القبر ويجعله قبلة؟ فأجاب: ((أما
السجود على القبر فلا يجوز في نافلة، ولا فريضة، ولا زيارة، ولكن يضع خده الأيمن على القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه، ولا يجوز أن يصلي بين يديه، لأن
الأمام لا يتقدم، ويصلى عن يمينه وشماله) (1).
وقد روى المفيد عن ابن قولويه، بسنده إلى ابن أبي عمير، عمن روى عن الباقر (عليه السلام): (ان الصلاة الفريضة عند قبر الحسين تعدل عمرة) (2).
وبسنده إلى أبي علي الحراني، عن الصادق (عليه السلام): (من أتاه وزاره،
وصلى عنده ركعتين أو أربع ركعات، كتبت له حجة وعمرة). قال وكذلك لكل
من أتى قبر إمام مفترض الطاعة، قال: (نعم) (3).
وبسنده إلى شعيب العقرقوفي، عن الصادق (عليه السلام): (ما صلى
عنده أحد صلاة إلا قبلها الله منه، ولا دعا عنده أحد دعوة إلا استجيبت له
عاجلة وآجلة) (4).
والأخبار في ذلك كثيرة، ومع ذلك فقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مبني
عليه في أكثر الأعصار، ولم ينقل عن أحد من السلف إنكاره بل جعلوه أنسب
لتعظيمه. وأما اتخاذ القبور مسجدا، فقد قيل هو لمن يصلي فيه جماعة، أما فرادى
فلا.
الثالثة: روى الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (من حدد
قبرا، أو مثل مثالا، فقد خرج من الاسلام) (5).

(1) التهذيب 2: 288 ح 898.
(2) المزار للمفيد 116 ح 1.
(3) المزار للمفيد 117 ح 3.
(4) المزار للمفيد 118 ح 4.
(5) المحاسن: 612، الفقيه 1 ح 579، التهذيب 1: 459 ح 1497.
39

وقد نقل الصدوق في الفقه اختلافا في لفظه: فعن محمد بن الحسن
الصفار: جدد بالجيم فحكى ابن الوليد عنه: عدم جواز تجديده وتطيين جميعه
بعد مرور الأيام عليه، ويجوز ابتداء، ويجوز الرم من غير تجديد. وعن سعد بن
عبد الله: حدد بالحاء المهملة أي سنم قبرا. وعن أحمد بن أبي عبد الله البرقي:
جدث بالثاء المثلثة أخيرا. قال الصدوق رحمه الله: الجدث: القبر، ولا ندري
ما عني به.
والذي أذهب إليه انه جدد بالجيم ومعناه: نبش قبرا، لأن من نبش قبرا
فقد جدده، أو أحوج إلى تجديده. وأقول: ان المعاني الثلاثة في الحديث، وان من
خالف الامام في التجديد والتسنيم والنبش واستحل شيئا من ذلك فقد خرج من
الاسلام (1).
قال: ومعنى مثل مثالا: أبدع بدعة دعا إليها، ووضع دينا. ثم قال: فان
أصبت فمن الله على ألسنتهم، وإن أخطأت فمن عند نفسي (2).
ونقل الشيخ في التهذيب عن شيخه المفيد: خدد بالخاء المعجمة والدالين
من قوله تعالى: (قتل أصحاب الأخدود). والخد هو: الشق، فالمعنى: شق
القبر ليدفن فيه، أو على جهة النبش. قال: ويمكن أن معنى جدث: جعل القبر
دفعة أخرى قبرا لآخر، لأن الجدث: القبر، فيؤخذ الفعل منه، والكل محتمل،
والله أعلم بالمراد والذي صدر الخبر عنه (عليه السلام) (3).
قلت اشتغال هؤلاء الأفاضل بتحقيق هذه اللفظة، مؤذن بصحة الحديث
عندهم وإن كان طريقه ضعيفا، كما في أحاديث كثيرة اشتهرت وعلم موردها وان
ضعف اسنادها، فلا يرد ما ذكره في المعتبر من ضعف محمد بن سنان وأبي الجارود

(1) الفقيه 1: 121.
(2) الفقيه 1: 121.
(3) التهذيب 1: 459.
40

راوييه (1).
على أنه قد ورد نحوه من طريق أبي الهياج السالف (2) وقد نقله الشيخ في
الخلاف (3) وهو من صحاح العامة، وهو يعطى صحة الرواية بالحاء المهملة لدلالة
الاشراف والتسوية عليه، ويعطي ان المثال هنا هو التمثال هناك، وهو: الصورة،
وقد ورد في النهي عن التصوير وفي إزالة التصاوير أخبار مشهورة (4).
واما الخروج من الاسلام بهذين، فاما على طريقة المبالغة زجرا عن
الاقتحام على ذلك، واما لأنه فعل ذلك مخالفة للإمام (عليه السلام).
الرابعة: يكره الحدث بين القبور، لتأذي المترحمين به، ولما روي أن النبي
(صلى الله عليه وآله) قال: (لا أبالي، أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط
السوق) (5).
ويكره الضحك بينها، قال الصدوق: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): (ان الله تعالى كره لي ست خصال، فكرهتهن للأوصياء من بعدي
واتباعهم: العبث في الصلاة، والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة، واتيان
المساجد جنبا، والتطلع في الدور، والضحك بين القبور) (6).
الخامسة: يجوز الدفن ليلا، لما مر في الصلاة (7)، وقد فعله النبي (صلى الله عليه وآله
) بذي النجادين (8) وعلي (عليه السلام) بفاطمة (9) والحسنان بعلي (عليه

(1) المعتبر 1: 304.
(2) تقديم في 28 الهامش 2.
(3) الخلاف 1: 707 المسألة 505.
(4) لاحظ: صحيح مسلم 2: 666 ح 969، سنن السنائي 4: 89، السنن الكبرى 4: 3.
(5) سنن ابن ماجة 1: 499 ح 1568.
(6) الفقيه 1: 120 ح 575، أمالي الصدوق: 60.
(7) تقدم في ص 413 الهامش 3.
(8) أخرجه ابن قدامة في المغني 2: 417 عن الخلال في الجامع.
(9) المصنف لعبد الرزاق 3: 521 ح 6553 - 655، المصنف لابن أبي شيبة 3: 346.
41

السلام) (1) والصحابة بالأولين (2) وبعائشة (3). وما روي أنه (صلى الله عليه وآله)
زجر عن الدفن ليلا إلا لضرورة (4) لا يمنع الجواز، وغايته ان النهار أفضل تكثيرا
للمصلين والمترحمين، وللتمكن من اتباع السنة في وظائفه نهارا.
السادسة: أجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يدفن في مقبرة المسلمين كافر،
لئلا يتأذى المسلمون بعذابهم، ولأنها إن كانت وقفا ففيه اخراج له عن شرطه،
ولأنه أنسب بتعظيم المسلم، وقد سبق استثناء الحامل من مسلم (5).
فعلى هذا، لو دفن نبش ان كان في الوقف، ولا يبالي بالمثلة فإنه لا حرمة
له ولو كان في غيره، أمكن صرفا للأذى عن المسلمين، ولأنه كالمدفون في الأرض
المغصوبة.

(1) ترجمة الأمام علي من تاريخ ابن عساكر 3: 312 ح 1416، 1417.
(2) المصنف لعبد الرزاق 3: 510 ح 6553، المصنف لابن أبي شيبة: 3: 346، صحيح البخاري
2: 113.
(3): مختصر تأريخ دمشق لابن عساكر 2: 278، أسد الغابة 6: 192، تذكرة الفقهاء 1: 54.
(4) صحيح مسلم 2: 651 ح 943، سنن ابن ماجة 1: 487 ح 1521، سنن النسائي 4: 82.
(5) تقدم في ص: 9، المسألة الثانية.
42

البحث الثاني: في التعزية.
وهي تفعلة من العزاء، أي: الصبر، يقال: عزيته فتعزى، أي صبرته
فتصبر. والمراد بها طلب التسلي عن المصاب، والتصبر عن الحزن والاكتئاب،
باسناد الأمر إلى الله عز وجل ونسبته إلى عدله وحكمته، وذكر لقاء وعد الله على
الصبر، مع الدعاء للميت والمصاب لتسليته عن مصيبته. وهي مستحبة إجماعا، ولا كراهة فيها بعد الدفن عندنا، والدفن خاتمة أمره لا أمر أهله.
وقد روى إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام)، قال: (ليس
التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون، لا يحدث في الميت حدث فيسمعون
الصوت) (1)، ويظهر من كلام ابن البراج.
لنا: عموم قول النبي (صلى الله عليه وآله): (من عزى مصابا فله مثل
أجره)، رواه العامة (2) ورواه الكليني بزيادة: (من غير أن ينتقص من أجر المصاب
شئ) عن وهب، عن الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) (3). وعنه (صلى الله عليه وآله): (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبته إلا كساه
الله من حلل الكرامة) (4) رواه عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده.
وروى الكليني، عن إسماعيل الجزري، عن الصادق (عليه السلام)، عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبى
بها) (5) وروي: (يحبر بها) (6) أي: يسر.

(1) الكافي 2033 ح 1، التهذيب 1: 463 ح 1511.
(2) سنن ابن ماجة 1: 511 ح 1602، الجامع الصحيح 3: 385 ح 1073.
(3) قرب الاسناد: 25، الكافي 3: 205 ح 2، ثواب الأعمال: 236.
(4) سنن ابن ماجة 1: 511 ح 1601، السنن الكبرى 4: 59.
(5) الكافي 3: 223 ح 2، وفيه: عن إسماعيل الجوزي.
(6) الكافي 3: 205. ح 1، ثواب الأعمال: 235.
43

وقال (صلى الله عليه وآله): (التعزية تورث الجنة) (1).
وقال هشام بن الحكم: رأيت الكاظم (عليه السلام) يعزي قبل الدفن
وبعده (2).
وخبر إسحاق ليس بصريح في كونه قبل الدفن، ولو سلم حمل على تعزية
خاصة كأقل التعزية، كما قال الصادق (عليه السلام): (كفاك من التعزية أن
يراك صاحب المصيبة) (3)، ولا تحمل على الأفضل، لأن ابن أبي عمير أرسل عن
الصادق (عليه السلام): (التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن) (4) وظاهره: انها
الكاملة، ولأن ابن بابويه روى عنه (عليه السلام): (التعزية الواجبة بعد
الدفن) (5). ومن ثم حكم الشيخ بأفضليتها بعد الدفن (6) وتبعه الفاضلان (7)،
لاشتغال المعزى قبل دفنه بتجهيزه، واشتداد جزعهم بعده بمفارقته.
ولا حد لزمانها، عملا بالعموم. نعم، لو أدت التعزية إلى تجديد حزن قد
نسي كان تركها أولى. ويمكن القول بثلاثة أيام، لنقل الصدوق عن أبي جعفر
(عليه السلام): (يصنع للميت مأتم ثلاثة أيام من يوم مات) (8). ونقل عن
الصادق (عليه السلام): (ان النبي (صلى الله عليه وآله) أمر فاطمة عليها السلام
أن تأتي أسماء بنت عميس ونساؤها، وان تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام، فجرت
بذلك السنة) (9).

(1) ثواب الأعمال: 235.
(2) الكافي 3: 205 ح 9، الفقيه 1: 110 ح 503، التهذيب 1: 463 ح 1516، الاستبصار 1:
217 ح 769.
(3) الفقيه 1: 110 ح 505.
(4) لكافي 3: 204 ح 2 التهذيب 1: 463 ح 1512، الاستبصار 1: 217 ح 770.
(5) الفقيه 1: 110 ح 504.
(6) الخلاف 1: 729 المسألة 556.
(7) المعتبر 1: 342، تذكرة الفقهاء: 1: 58.
(8) الكافي 3: 217 ح 2، الفقيه 1: 116 ح 545.
(9) المحاسن: 149، الكافي 3: 217 ح 1، الفقيه 1: 116 ح 549.
44

قال: وقال الصادق (عليه السلام): (ليس لأحد ان يحد أكثر من ثلاثة
أيام، إلا المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها) (1). قال: وأوصى أبو جعفر (عليه
السلام) بثمانمأة درهم لمأتمه، وكان يرى ذلك (2) السنة، لأن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أمر باتخاذ طعام لآل جعفر (عليه السلام) (3).
وفي كل هذه إيماء إلى ذلك، والشيخ أبو الصلاح قال: من السنة تعزية
أهله ثلاثة أيام، وحمل الطعام إليهم (4).
والشيخ في المبسوط نقل الاجماع على كراهية الجلوس للتعزية يومين أو
ثلاثة (5). ورده ابن إدريس بأنه اجتماع وتزاور (6). وانتصر المحقق بأنه لم ينقل عن
أحد من الصحابة والأئمة الجلوس لذلك، فاتخاذه مخالف لسنة السلف، ولا يبلغ
التحريم (7).
قلت: الأخبار المذكورة مشعرة به، فلا معنى لاغترام حجة التزاور،
وشهادة الاثبات مقدمة، إلا أن يقال: لا يلزم من عمل المأتم الجلوس للتعزية
بل هو مقصور على الاهتمام بأمور أهل الميت لاشتغالهم بحزنهم، لكن اللغة
والعرف بخلافه، قال الجوهري: المأتم: النساء يجتمعن، قال: وعند العامة:
المصيبة (8)، وقال غيره: المأتم: المناحة (9) وهما مشعران بالاجتماع.

(1) الفقيه 1: 116 ح 550.
(2) في المصدرين زيادة: (من).
(3) الفقيه 1: 116 ح 546، الكافي 3: 217 ح 4.
(4) الكافي في الفقه: 240.
(5) المبسوط 1: 189.
(6) السرائر: 34.
(7) المعتبر 1: 344.
(8) الصحاح 5: 1857.
(9) قاله ابن بري كما في لسان العرب مادة أتم.
45

تنبيه
الاجماع على استحباب إطعام أهل الميت، لما سبق. ويكره الأكل
عندهم، لقول الصادق (عليه السلام): (الأكل عند أهل المصيبة من عمل
الجاهلية) (1). نعم، لو أوصى الميت بذلك نفذت وصيته، لأنه نوع من أنواع البر
يلحقه ثوابه بعد موته، ولكن لو فوض إلى غير أهله لكان أنسب، لاشتغالهم
بمصابهم عن ذلك كما دل عليه الخبر.
وليقل المعزي ما قاله الصادق (عليه السلام) لقوم: (جبر الله وهنكم،
وأحسن عزاكم، ورحم متوفاكم) (2).
وعزى (عليه السلام) آخر بابن له، فقال: (الله خير لابنك منك، وثواب
الله خير لك منه)، فلما بلغه شدة جزعه عاد إليه، فقال له: (قد مات رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أفما لك به أسوة). فقال: انه كان مرهقا، أي: يظن به
السوء. قال: (ان أمامه ثلاث خصال: شهادة الا اله إلا الله، ورحمة الله،
وشفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلن تفوته واحدة منهن إن شاء الله) (3).
وعن زين العابدين: (لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سمعوا قائلا
يقول: ان في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا مما فات، فبالله
فثقوا، وإياه فارجوا، فان المصاب من حرم الثواب) (4).

(1) الفقيه 1: 16 ح 548.
(2) الفقه 1: 110 ح 506.
(3) الكافي 3: 204 ح 7، الفقيه 1: 110 ح 508، ثواب الأعمال: 235، التهذيب 1: 468
ح 1537.
(4) كمال الدين: 392.
46

البحث الثالث: في البكاء وتوابعه.
وهو جائز إجماعا، قبل خروج الروح وبعده، لما روي أن النبي (صلى الله
عليه وآله): قبل عثمان بن مظعون وهو ميت، ورفع رأسه وعيناه تهرقان (1).
وفي البخاري ومسلم عن أنس: دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) تذرفان. فقال
له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله. فقال: (يا بن عوف انها رحمة)
ثم اتبعها بأخرى. فقال: (ان العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي
ربنا، وانا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) (2).
وفي الكليني: عن ابن القداح عن الصادق (عليه السلام): (لما مات
إبراهيم هملت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدموع، ثم قال (صلى الله
عليه وآله): تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وانا بك يا
إبراهيم لمحزونون) (3).
وعن ابن عمر: عاد النبي (صلى الله عليه وآله) سعد بن عبادة فوجده في
غشيته، فبكى النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما رأى القوم بكاء النبي بكوا. فقال:
(الا تسمعون ان الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب
بهذا)) وأشار إلى لسانه (أو يرحم) (4).
وروينا عن الحارث بن يعلى بن مرة، عن أبيه، عن جده، قال: قبض

(1) المصنف لعبد الرزاق 3: 596 ح 6775، مسند أحمد 6: 43، سنن ابن ماجة 1: 468
ح 1456، سنن أبي داود 3: 201 ح 3163، الجامع الصحيح 3: 314 ح 989، المستدرك على
الصحيحين 1: 361.
(2) صحيح البخاري 2: 105، صحيح مسلم 4: 1807 ح 2315.
(3) الكافي 3: 262 ح 45.
(4) صحيح البخاري 2: 106، صحيح مسلم 2: 636 ح 924.
47

رسول الله (صلى الله عليه وآله) فستر بثوب وعلي عند طرف ثوبه، وقد وضع خديه
على راحتيه، والريح تضرب طرف الثوب على وجه علي، والناس على الباب وفي
المسجد ينتحبون ويبكون (1).
قال الصدوق: لما انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من وقعة أحد
إلى المدينة، سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا وبكاء، ولم يسمع من دار
حمزة عمه، فقال (صلى الله عليه وآله): (لكن حمزة لا بواكي له). فآلى أهل المدينة
أن لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه، حتى يبدؤا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه، فهم
إلى اليوم على ذلك (2). ولما مر من بكاء أمير المؤمنين (عليه السلام) على فاطمة (3).
وعن الصادق (عليه السلام): (من خاف على نفسه من وجد بمصيبة
فليفض من دموعه، فإنه يسكن عنه) (4). وعنه (عليه السلام): (ان النبي (صلى الله عليه وآله) حين جاءته وفاة
جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) وزيد بن حارثة رضي الله عنه كان إذا دخل
بيته كثر بكاؤه عليهما جدا، ويقول: كانا يحدثاني ويؤنساني فذهبا جميعا) (5).
وروى الشيخ في التهذيب بالسند إلى محمد بن الحسن الواسطي، عن
الصادق (عليه السلام): (ان إبراهيم خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه
بعد موته) (6).
ولا يكره عندنا البكاء بعد الموت. وقول النبي (صلى الله عليه وآله): (فإذا

(1) التهذيب 1: 468 ح 1535.
(2) الفقيه 1: 116 ح 553، السنن الكبرى 4: 70.
(3) مصادرة كثيرة للمثال انظر: الكافي 1: 459، روضة الواعظين: 151، كشف الغمة 1:
501، البحار 43: 178.
(4) الفقيه 1: 119 ح 568.
(5) الفقيه 1: 113 ح 527.
(6) التهذيب 1: 465 ح 1524.
48

وجبت فلا تبكين باكية) (1) يحمل على رفع الصوت بالبكاء، لأن النبي (صلى الله
عليه وآله) لما بكى وقال عبد الرحمن: أو لم تكن نهيت عن البكاء، قال: (لا،
ولكن نهيت عن صوتين فاجرين: صوت عند مصيبة، خمش وجوه، وشق جيوب.
ورنة شيطان) (2) وفي صحيح مسلم: ان النبي (صلى الله عليه وآله) زار قبر أمه،
فبكى وأبكى من حوله (3).
ويستحب الاسترجاع عند المصيبة، للآية (4) ولقول النبي (صلى الله عليه
وآله): (أربع من كن فيه كان في نور الله الأعظم: من كان عصمة أمره شهادة أن
لا اله إلا الله وأني رسول الله، ومن إذا أصابته مصيبة قال: (إنا لله وإنا إليه
راجعون) ومن إذا أصاب خيرا قال: الحمد لله، ومن إذا أصاب خطيئة قال
استغفر الله وأتوب إليه) (5).
وقال الباقر (عليه السلام): (ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا،
فيسترجع عند المصيبة، ويصبر حين تفجأه المصيبة، إلا غفر الله ما مضى من
ذنوبه إلا الكبائر التي أوجب الله عليها النار. وكلما ذكر مصيبته فيها يستقبل من
عمره، فاسترجع عندها وحمد الله عز وجل، إلا غفر الله له كل ذنب اكتسبه فيما
بين الاسترجاع الأول إلى الاسترجاع الأخير، إلا الكبائر من الذنوب) (1).
رواهما ابن بابويه، واسند الكليني الثاني إلى معروف بن خربوذ عن الباقر
(عليه السلام) ولم يستثن منه الكبائر.
وروى الكليني بالاسناد إلى داود بن زربي بكسر الزاء ثم الراء الساكنة

(1) الموطأ 1: 108 ح 302، سنن النسائي 4: 13.
(2) الجامع الصحيح 3: 328 ح 1005.
(3) صحيح مسلم 2: 671 ح 976، سنن ابن ماجة 1: 501 ح 1572، سنن ابن داود 3: 218 ح 3234، سنن النسائي 4: 90.
(4) سورة البقرة: 156.
(5) المحاسن: 7، الفقيه 1: 111 ح 514 الخصال: 222، ثواب الأعمال: 198.
(6) الكافي 3: 224 ح 5، الفقيه 1: 1 ح 515، ثواب الأعمال: 234.
49

عن الصادق (عليه السلام): (من ذكر مصيبته ولو بعد حين، فقال: إنا لله وإنا إليه
راجعون، والحمد لله رب العالمين. اللهم اجرني على مصيبتي، واخلف علي
أفضل منها، كان له من الأجر مثلما كان عند أول صدمة) (1).
وروى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): (مامن مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله به: إنا لله وإنا إليه
راجعون. اللهم آجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا
منها). فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ ثم اني قلتها فاخلف لي رسول الله (صلى الله
عليه وآله).
وفي الترمذي عن أبي موسى عبد الله بن قيس: قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله) (إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي.
فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده. فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال
عبدي. فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: إبنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه: بيت الحمد) (3).
ونحوه رواه الكليني بسنده إلى السكوني، عن الصادق (عليه السلام)، عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4). وكذا رواه ابن بابويه (5).
وفي البخاري: (فيقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت
صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) (6).
وعن ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من كان له فرطان

(1) الكافي 3: 224 ح 6.
(2) صحيح مسلم 2: 631 ح 918.
(3) الجامع الصحيح 3: 241 ح 1021.
(4) الكافي 3: 218 ح 4.
(5) الفقيه 1: 112 ح 523.
(6) صحيح البخاري 8: 112.
50

من أمتي أدخله الله بهما الجنة). فقيل: فمن كان له فرط؟ قال: (ومن كان له
فرط). فقيل: فمن لم يكن له فرط؟ فقال: (فانا فرط أمتي لن يصابوا بمثلي) (1).
وروى ابن بابويه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، انه قال: (لا يدخل
الجنة رجل ليس له فرط). فقال له رجل: فمن لم يولد له ولم يقدم ولدا؟ فقال:
(إن من فرط الرجل أخاه في الله) (2) وعن الصادق (عليه السلام): (الصبر
صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل، وأفضل من ذلك الصبر عند ما حرم الله
عز وجل عليك فيكون لك حاجزا) (3).
وعن الصادق (عليه السلام): (من قدم ولدا، كان خيرا له من سبعين
يخلفونه من بعده، كلهم قد ركب الخيل وقاتل في سبيل الله) (4).
قال: وعنه (عليه السلام): (ثواب المؤمن من ولده إذا مات الجنة، صبر أو
لم يصبر) (5).
وعنه (عليه السلام): (من أصيب بمصيبة، جزع عليها أو لم يجزع، صبر
عليها أو لم يصبر، كان ثوابه من الله الجنة) (6).
ويلحق بذلك فوائد شتى أوردت في الكافي وغيره:
منها: عن سليمان النخعي عن الصادق (عليه السلام): (من أصيب
بمصيبة، فليذكر مصابه بالنبي (صلى الله عليه وآله)، فإنها من أعظم
المصائب) (7).
ومنها: عن عمرو بن سعيد الثقفي عن الباقر (عليه السلام): (فاذكر

(1) مسند أحمد 1: 334، الجامع الصحيح 3: 376 ح 1062.
(2) الفقيه 1: 112 ح 520.
(3) الفقيه 1: 118 ح 565، وفي الكافي 2: 174 ح 11.
(4) الفقيه 1: 112 ح 519، وفي الكافي 3: 218 ح 1.
(5) الفقيه 1: 112، 518، وفي الكافي 3: 219 ح 8.
(6) الفقيه 1: 111، ح 517.
(7) الكافي 3: 220 ح 1.
51

مصابك برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فان الخلائق لم يصابوا بمثله) (1).
ومنها: عن عبد الله بن الوليد باسناده: لما أصيب علي (عليه السلام) بعثني
الحسن إلى الحسين (عليهما السلام) وهو بالمدائن: فلما قرأ الكتاب قال: (يا لها
من مصيبة ما أعظمها، مع أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من أصيب منكم
بمصيبة فليذكر مصابي، فإنه لن يصاب بمصيبة أعظم منها) (2).
ومنها: عن هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام)، قال: (لما مات
النبي (صلى الله عليه وآله) سمعوا صوتا ولم يروا شخصا، يقول: (كل نفس ذائقة
الموت) إلى قوله: (فقد فاز) وقال: ان في الله خلفا من كل هالك، وعزاء
من كل مصيبة، ودركا مما فات، فبالله فثقوا وإياه فارجوا، فإنما المحروم من حرم
الثواب) (3).
ومنها: عن الحسين بن مختار، عنه (عليه السلام): (لما قبض رسول الله
(صلى الله عليه وآله) جاء جبرئيل (عليه السلام) والنبي مسجى، وفي البيت علي
وفاطمة والحسن والحسين (صلى الله عليهم)، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت
الرحمة (كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم). الآية، ان في الله جل وعز
عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا لمن فات، فبالله عز وجل فثقوا
وإياه فارجوا، فان المصاب من حرم الثواب. هذا آخر وطئي من الدنيا) (4).
ومنها: عن زيد الشحام عنه (عليه السلام): (لما قبض رسول الله (صلى
الله عليه وآله) أتاهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه، فقال: السلام
عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته (كل نفس ذائقة الموت) الآية، في الله
عزاء من كل مصيبة، وخلف من كل هالك، ودركا لما فات، فبالله فثقوا وإياه

(1) الكافي 3: 220 ح 2.
(2) الكافي 3: 220 ح 3.
(3) الكافي 3: 221 ح 4، تفسير العياشي: 210.
(4) الكافي 3: 221 ح 5 تفسير العياشي: 209.
52

فارجوا، فان المحرم من حرم الثواب، والسلام عليكم) (1).
ومنها: عن عبيد بن الوليد عن الباقر (عليه السلام) مثله، وفي آخره
(والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال بعضهم: هذا ملك من السماء بعثه
الله عز وجل ليعزيكم. وقال بعضهم: هذا الخضر) (2).
ومنها: عن جابر عن الباقر (عليه السلام): (أشد الجزع: الصراخ بالويل
والعويل، ولطم الوجه والصدر، وجز الشعر. ومن أقام النواحة فقد ترك الصبر،
ومن صبر واسترجع وحمد الله جل ذكره، فقد رضي بما صنع الله ووقع أجره على
الله جل وعز، ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم، وأحبط الله عز
وجل أجره) (3).
ومنها: عن ربعي بن عبد الله عن الصادق (عليه السلام)، قال: (ان
الصبر والبلاء يستبقان إلى المؤمن، يأتيه البلاء وهو صبور. وان الجزع والبلاء
يستبقان إلى الكافر، فيأتيه البلاء وهو جزوع)) (4).
ومنها عن السكوني عنه (عليه السلام): (قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): ضرب المسلم يده على فخذه عند المصيبة إحباط لأجره) (5).
ومنها عن موسى بن بكر عن الكاظم (عليه السلام)، قال: (ضرب
الرجل يده على فخذه إحباط أجره) (6).
ومنها: عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام): (يا إسحاق: لا
تعدن مصيبة أعطيت عليها الصبر واستوجبت عليها من الله عز وجل الثواب، انما

(1) الكافي 3: 221 ح 6، تفسير العياشي: 210.
(2) الكافي 3: 222 ح 8، عن عبد الله بن الوليد عن الباقر (عليه السلام).
(3) الكافي 222 ح 1.
(4) الكافي 3: 223 ح 3، الفقيه 1: 113 ح 528.
(5) الكافي 3: 224 ح 4.
(6) الكافي 3: 225 ح 9.
53

المصيبة التي يحرم صاحبها أجرها وثوابها إذا لم يصبر عند نزولها) (1).
ومنها: عن (أبي ميسرة) (2)، قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام)،
فجاءه رجل وشكا إليه مصيبة، فقال له: (اما انك ان تصبر تؤجر، وإلا تصبر
يمضي عليك قدر الله عز وجل الذي قدر عليك) (3).
تتمة:
يستحب تعزية جميع أهل الميت، ويتأكد في النساء، لضعف صبرهن.
وروى أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (فيما ناجى به
موسى (عليه السلام) ربه تعالى: يا رب ما لمن عزى الثكلى؟ فقال: أظله في ظلي
يوم لا ظل الا ظلي) (4).
وعن عبد الله العمري عن علي (عليه السلام): (من عزى الثكلى أظله الله
في ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله) (5).
وروى أبو داود عن أبي برزة عن النبي (صلى الله عليه وآله): (من عزى
ثكلى كسي بردا في الجنة) (6).
نعم، لا تعزى الشابة الأجنبية خوف الفتنة.
ويعزى الصغير، للعموم.
وقال ابن بابويه: إن كان المعزى يتيما مسح يده على رأسه، فقد روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله): (من مسح يده على رأس يتيم ترحما له، كتب الله له

(1) الكافي 3: 224 ح 7.
(2) في المصدر: فضيل بن ميسر.
(3) الكافي 3: 225 ح 10، وتمامه: (وأنت مأزور).
(4) الكافي 3: 226 ح 1، ثواب الأعمال: 231.
(5) الكافي 3: 227 ح 3، عن عيسى بن عبد الله العمري، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام)....
(6) الجامع الصحيح 3: 387 ح 1076.
54

بعدد كل شعرة مرت عليها حسنة). قال: وان وجد باكيا سكت بلطف، فعن
العالم (عليه السلام): (إذا بكى اليتيم اهتز له العرش، فيقول الله تبارك وتعالى:
من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه، فوعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا
يسكته عبد إلا وجبت له الجنة) (1).
ويعزى المسلم بقريبه الذمي، والدعاء للمسلم. واختلف في تعزية
الذمي، فمنعه في المعتبر، لأنه موادة منهي عنها (2) ولقوله (صلى الله عليه وآله):
(لا تبدؤهم بالسلام) (3) وهذا في معناه. وجوزه في التذكرة، لأن النبي (صلى الله
عليه وآله) عاد يهوديا في مرضه وقال له: (أسلم)، فنظر إلى أبيه فقال له أبوه:
أطع أبا القاسم فاسلم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (الحمد لله الذي أنقذه
من النار))، والتعزية في معنى العيادة (4). وأجيب: لعله لرجاء إسلامه.
وبالغ ابن إدريس رحمه الله فمنع من تعزية المخالف للحق مطلقا إلا
لضرورة، فيدعو له بإلهام الصبر لا بالأجر، ويجوز الدعاء لهم بالبقاء، لما ثبت من
جواز الدعاء لهم به في أخبار الأئمة (عليهم السلام). قال: وليقل لأخيه في
الدين ألهمك الله صبرا واحتسابا، ووفر لك الأجر، ورحم المتوفى وأحسن الخلف
على مخلفيه، أو يقول: أحسن الله لك العزاء، وربط على قلبك بالصبر، ولا
حرمك الأجر. ويكفي: آجرك الله (5).
قال: وليس في تعزية النساء سنة (6). ويدفعه ما سبق.

(1) بنصه في الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 172، وهو ينسب فيما ينسب
إليه لعلي بن بابويه. راجع مقدمة الكتاب ص 37 - 42.
(2) المعتبر 1: 343.
(3) صحيح مسلم 4: 1707 ح 21670، سنن أبي داود 4: 352 ح 5205، الجامع الصحيح 4:
154 ح 1602.
(4) تذكرت الفقهاء 1: 58.
والرواية في مسند أحمد 3: 280، صحيح البخاري 2: 118، سنن أبي داود 3: 185 ح 3095.
(5) السرائر: 34.
(6) السرائر: 34.
55

البحث الرابع: في النياحة.
يحرم اللطم والخدش وجز الشعر، إجماعا قاله في المبسوط (1) ولما فيه من
السخط لقضاء الله، ولرواية خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام): (لا
شئ في لطم الخدود، سوى الاستغفار والتوبة) (2).
وروى العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في صحاحهم: (أنا برئ
ممن حلق وصلق) (3) أي: حلق الشعر، ورفع صوته.
وفي الفقيه: قال النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة حين قتل جعفر بن أبي
طالب: (لا تدعين بويل (4)، ولا ثكل، ولا حرب، وما قلت فيه فقد صدقت) (5).
وروى مسلم: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر
بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة) (6). والمراد به
المشتملة على ذلك، لما يأتي من إباحة النوح الخالي من ذلك.
واستثنى الأصحاب إلا ابن إدريس (7) شق الثوب على موت الأب والأخ
لفعل العسكري على الهادي (8)، وفعل الفاطميات على الحسين (عليه السلام).
روى فعل الفاطميات أحمد محمد بن داود، عن خالف بن سدير، عن الصادق

(1) المبسوط 1: 189.
(2) التهذيب 8: 325 ح 1207.
(3) المصنف لعبد الرزاق 3: 558 ح 6684، صحيح مسلم 1: 100 ح 104، سنن ابن ماجة 1:
505 ح 1586، سنن أبي داود 3: 194 ح 3130، سنن النسائي 4: 20، السنن الكبرى 4:
64.
(4) في المصدر: (بذل)، وزيادة: (ولا حزن).
(5) الفقيه 1: 112 ح 521.
(6) صحيح مسلم 2: 644 ح 934.
(7) السرائر: 34.
(8) الفقيه 1: 111 ح 511.
56

(عليه السلام)، وسأله عن شق الرجل ثوبه على أبيه وأمه وأخيه، أو على قريب
له؟ فقال: (لا بأس بشق الجيوب، قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون،
ولا يشق الوالد على ولده، ولا زوج على امرأته، وتشق المرأة على زوجها) (1).
وفي نهاية الفاضل: يجوز شق النساء الثوب مطلقا (2) وفي الخبر إيماء إليه.
وروى الحسن الصفار عن الصادق (عليه السلام): (لا ينبغي الصياح على
الميت ولا شق الثياب) (3) وظاهره الكراهة. وفي المبسوط: روى جواز تخريق
الثوب على الأب والأخ، ولا يجوز على غيرهما (4).
ويجوز النوح بالكلام الحسن وتعداد فضائله باعتماد الصدق، لأن فاطمة
عليها السلام فعلته في قولها: (يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه إلى جبريل أنعاه،
يا أبتاه أجاب ربا دعاه) (5)، وروي انها أخذت قبضة من تراب قبره (صلى الله عليه
وآله) فوضعتها على عينيها وأنشدت:
ماذا على المشتم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا (6)
ولما سبق من النوح على حمزة (7).
وروى ابن بابويه: ان الباقر (عليه السلام) أوصى ان يندب في المواسم

(1) التهذيب 8: 325 ح 1207.
(2) نهاية الأحكام 2: 290.
(3) الكافي 3: 225 ح 8، عن امرأة حسن الصيقل عن الصادق (عليه السلام).
(4) المبسوط 1: 189.
(5) صحيح البخاري 6: 18، سنن ابن ماجة 1: 522، 1630، سنن النسائي 4: 13، المستدرك
على الصحيحين 1: 382، باختلاف يسير.
(6) المغني لابن قدامة 2: 411، المعتبر 1: 345، ارشاد الساري 2: 407، وفاء الوفا 4: 1405،
الوفا بأحوال المصطفى 2: 803.
(7) تقدم في ص 48 الهامش.
57

عشر سنين (1).
وسئل الصادق (عليه السلام) عن أجر النائحة، فقال: (لا بأس، قد نيح
على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
وفي خبر اخر عنه: (لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا) (3).
وفي خبر أبي بصير عنه (عليه السلام): (لا بأس بأجر النائحة) (4).
وروى حنان بن سدير عنه (عليه السلام): (لا تشارط، وتقبل كل ما
أعطيت) (5).
وروى أبو حمزة عن الباقر (عليه السلام): (مات ابن المغيرة، فسألت أم
سلمة النبي (صلى الله عليه وآله) أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فاذن لها، وكان
ابن عمها فقالت:
أنعى الوليد بن الوليد * أبا الوليد فتى العشيرة
حامي الحقيقة ماجدا * يسمو إلى طلب الوتيرة
قد كان غيثا للسنين * وجعفرا غدقا وميرة
وفي تمام الحديث: فما عاب عليها النبي ذلك ولا قال شيئا) (6).
مسائل ثلاث:
الأولى: يجوز الوقف على النوائح، لأنه فعل مباح فجاز صرف المال إليه،
ولخبر يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه السلام)، قال: (قال لي أبي: يا جعفر

(1) الفقيه 1: 116 ح 547.
(2) الفقيه 1: 116 ح 551.
(3) الفقيه 1: 116 ح 552.
(4) التهذيب 6: 359 ح 1028، الاستبصار 3: 60 ح 199.
(5) قرب الاسناد: 58، الكافي 5: 117 ح 3، التهذيب 6: 358 ح 1026، الاستبصار 3: 60
ح 200.
(6) الكافي 5: 117 ح 2، التهذيب 6: 358 ح 1027.
58

قف من مالي كذا وكذا، لنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى) (1). والمراد
بذلك تنبيه الناس على فضائله واظهارها ليقتدي بها، ويعلم ما كان عليه أهل هذا
البيت لتقتفى آثارهم، لزوال التقية بعد الموت.
والشيخ في المبسوط وابن حمزة حرما النوح، وادعى الشيخ الاجماع (2).
والظاهر: انهما أرادا النوح بالباطل، أو المشتمل على المحرم كما قيده في النهاية (3).
وفي التهذيب جعل كسبها مكروها بعد روايته أحاديث النوح (4).
واحتج المانع بما سبق (5)، وبما رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري عن النبي
(صلى الله عليه وآله): (النائحة إذا لم تتب، تقام يوم القيامة وعليها سربال من
قطران) (6).
وفي السنن عن أبي سعيد الخدري: لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
النائحة والمستمعة (7) وروى مسلم عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ليس منا من ضرب
الخدود، وشق الجيوب)، رواه ابن مسعود (8)
وعن أم عطية: اتخذ علينا النبي (صلى الله عليه وآله) عند البيعة ألا ننوح (9).
وجوابه: الحمل على ما ذكرناه، جمعا بين الأخبار، ولأن نياحة الجاهلية

(1) الكافي 5: 117 ح 1، التهذيب 6: 358 ح 1025.
(2) المبسوط 1: 189، الوسيلة 1: 69.
(3) النهاية: 365.
(4) التهذيب 6: 359.
(5) تقدم في ص 65 الهامش 3.
(6) صحيح مسلم 2: 644 ح 934، وفي: مسند أحمد 5: 342، سنن ابن ماجة 1: 504 ح 1582، المستدرك على الصحيحين 1: 383.
(7) مسند أحمد 3: 65، سنن أبي داود 3: 193 ح 3128.
(8) صحيح مسلم 1: 99 ح 103، وفي: مسند أحمد 1: 456، صحيح البخاري 4: 223، سنن
ابن ماجة 1: 504 ح 1584، الجامع الصحيح 3: 324 ح 999، سنن النسائي 4: 20.
(9) صحيح مسلم 2: 645 ح 936.
59

كانت كذلك غالبا، ولأن أخبارنا خاصة والخاص مقدم
الثانية: المراثي المنظومة جائزة عندنا، لما مر، ولأنها نوع من النوح وقد دللنا
على جوازه، وقد سمع الأئمة (عليهم السلام) المراثي ولم ينكروها.
الثالثة: لا يعذب الميت بالبكاء عليه سواء كان بكاء مباحا أو محرما
كالمشتمل على المحرم، لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (1).
واما البخاري ومسلم في خبر عبد الله بن عمر ان النبي (صلى الله عليه
وآله) قال: (ان الميت ليعذب ببكاء أهله) (2). وفي رواية أخرى: (أن الله ليزيد
الكافر عذابا ببكاء أهله) (3). ويروى أن حفصة بكت على عمر، فقال: مهلا يا
بنية ألم تعلمي أن رسول الله قال: (ان الميت يعذب ببكاء أهله عليه) (4) مأول.
قيل وأحسنه: أن الجاهلية كانوا ينوحون ويعدون جرائمه كالقتل وشن الغارات،
وهم يظنونها خصالا محمودة، فهو يعذب بما يبكون به عليه (5). ويشكل: ان
الحديث ظاهر في المنع عن البكاء بسبب استلزامه عذاب الميت، بحيث ينتفي
التعذيب بسبب انتفاء البكاء قضية للعلية، والتعذيب بجرائمه غير منتف بكي
عليه أو لا.
وقيل: لأنهم كانوا يوصون بالندب والنياحة، وذلك حمل منهم على المعصية
وهو ذنب، فإذا عمل بوصيتهم زيدوا عذابا (6). ورد: بأن ذنب الميت الحمل على
الحرام والأمر به، فلا يختلف عذابه بالامتثال وعدمه، ولو كان للامتثال أثر لبقي
الاشكال بحاله.
وقيل: لأنهم إذا ندبوه يقال له: أكنت كما يقولون (7). ورد: بأن هذا توبيخ

(1) سورة فاطر: 18.
(2) صحيح البخاري 2: 101، صحيح مسلم 2: 640 ح 927، 928.
(3) صحيح البخاري 2: 101، صحيح مسلم 2: 640 ح 927، 928.
(4) صحيح مسلم 2: 638 ح 927، المصنف لابن أبي شيبة 3: 391.
(5) المجموع 5: 309، شرح صحيح مسلم للنووي 4: 248، عمدة القاري 8: 79.
(6) قاله المزني وجمهور العلماء، المجموع 5: 308، عمدة القاري 8: 79.
(7) فتح العزيز 5: 266.
60

وتخويف له وهو نوع من العذاب، فليس في هذا سوى بيان نوع التعذيب، فلم
يعذب بما يفعلون.
وعن عائشة: رحم الله ابن عمر والله ما كذب، ولكنه أخطأ أو نسي، انما
مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) على يهودية وهم يبكون عليها فقال: (انهم
يبكون وانها لتعذب في قبرها) (1). وروي أنها قالت: وهل، أنما قال رسول الله:
(أن أهل الميت ليبكون عليه وأنه ليعذب بجرمه) (2). وهذا
نسبة الراوي إلى الخطأ، وهو علة من العلل المخرجة للحديث عن شرط الصحة.
ولك أن تقول: ان (الباء) بمعنى (مع)، أي: يعذب مع بكاء أهله عليه،
يعني: ان الميت يعذب بأعماله وهم يبكون عليه فما ينفعه بكاؤهم، ويكون زجرا
عن البكاء لعدم نفعه، وتطابق الحديث الآخر.

(1) صحيح مسلم 2: 643 ح 932، سنن ابن ماجة 1: 508 ح 1595، سنن النسائي 4: 17.
(2) المصنف لابن أبي شيبة: 3: 392 صحيح مسلم 2: 643 ح 932.
وهل: غلط ونسي، لسان العرب مادة وهل.
61

البحث الخامس: في زيارة القبور.
وهي مستحبة للرجال إجماعا.
روى مسلم عن بريدة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (كنت
نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكر الآخرة) (1).
وعنه (صلى الله عليه وآله): (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) (2).
وروى الكليني عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام)، قال:
(قال أمير المؤمنين (عليه السلام): زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم،
وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر أمه، بعد ما يدعو لهما) (3).
وروينا عن علي بن بلال وقد زار قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع بفيد في
طريق مكة شرفها الله قال: قال صاحب هذا عن القبر عن الرضا (عليه السلام):
(من أتى قبر أخيه المؤمن من أي ناحية كان، فوضع يده وقرأ إنا أنزلناه في ليلة
القدر أمن الفزع الأكبر) (4).
وعن هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام)، قال: (عاشت فاطمة
(عليها السلام) بعد أبيها خمسة وسبعين يوما، لم تر كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور
الشهداء في كل جمعة مرتين: الاثنين، والخميس) (5). وعن يونس عنه (عليه
السلام): (ان فاطمة كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت، فتأتي قبر حمزة

(1) المصنف لعبد الرزاق 3: 569 ح 6708 صحيح مسلم 2: 672 ح 977، سنن ابن ماجة 1:
501 ح 1571، الجامع الصحيح 3: 370 ح 1054، سنن النسائي 4: 89.
(2) صحيح مسلم 2: 671 ح 976، سنن النسائي 4: 90.
(3) الكافي 3: 229 ح 10، الخصال: 582.
(4) الكافي 3: 229 ح 9، كامل الزيارات: 319، التهذيب 6: 104 ح 182، وفي الجميع: (قرأ
انا أنزلناه سبع مرات). ولاحظ: رجال الكشي: 564 رقم 1066.
(5) الكافي 3: 228 ح 3.
62

فترحم عليه وتستغفر له) (1).
وفيه دليل على جوازه للنساء، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): (فاطمة
بضعة مني) (2). ولأن عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن، فقيل لها: قد نهى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) عن زيارة القبور فقالت: نهى ثم أمر بزيارتها (3) وان النساء
داخلات في الرخصة.
وكرهه في المعتبر لهن، لمنافاته الستر والصيانة (4). وهو حسن إلا مع الأمن
والصون، لفعل فاطمة (عليها السلام). ولو كانت زيارتهن مؤدية إلى الجزع
والتسخط لقضاء الله لضعفهن عن الصبر منعن منها، وعليه يحمل ما روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله): (لعن الله زوارات القبور) (5).
وليقل الزائر ما رواه أبو المقدام عن الباقر (عليه السلام)، أنه قال على قبر
رجل من الشيعة بالبقيع واقفا عليه: (اللهم ارحم غربته، وصل وحدته، وآنس
وحشته، واسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، وألحقه بمن
كان يتولاه)، ثم قرأ القدر سبعا (6).
وسأل جراح الصادق (عليه السلام) عن كيفية التسليم على أهل القبور؟ قال: (يقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، رحم الله

(1) الفقيه 1: 114 ح 537، التهذيب 1: 465 ح 1523.
(2) مسند أحمد 4: 328، صحيح البخاري 5: 26، صحيح مسلم 4: 1903 ح 2499، حلية
الأولياء 2: 40.
(3) مسند أبي يعلى 8: 284 ح 4871، المستدرك على الصحيحين 1: 376، السنن الكبرى 4:
78.
(4) المعتبر 1: 340.
(5) المصنف لعبد الرزاق 3: 569 ح 6704، الجامع الصحيح 3: 371 ح 1056، السنن الكبرى
4: 78.
(6) التهذيب 6: 105 ح 183.
63

المستقدمين (1) والمستأخرين، وانا إن شاء الله بكم لاحقون) (2).
وروى في الفقيه عن محمد بن مسلم، قلت للصادق (عليه السلام):
الموتى نزورهم، قال: (نعم). قلت: أفيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ قال: (أي والله
انهم ليعلمون بكم، ويفرحون بكم، ويستأنسون إليكم). قال: فأي شئ نقول
إذا اتيناهم؟ قال: قل: (اللهم جاف الأرض عن جنوبهم، وصاعد إليك
أرواحهم، ولقهم منك رضوانا، واسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم،
وتؤنس به وحشتهم، انك على كل شئ قدير) (3).
وروى إسحاق بن عمار عن الكاظم (عليه السلام): أنه يعلم بزائره،
ويأنس به، ويستوحش لانصرافه (4).
وقال فيه: قال الرضا (عليه السلام): (من أتى قبر مؤمن، يقرأ عنده انا
أنزلناه سبع مرات، غفر الله له ولصاحب القبر) (5).
قال: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا مر على القبور قال: (السلام
عليكم من ديار قوم مؤمنين، وانا إن شاء الله بكم لاحقون) (6).
وعن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) يقول: (السلام على
أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، أنتم لنا فرط، ونحن إن شاء الله بكم
لاحقون) (7).
وروى مسلم عن بريدة: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلمهم إذا
خرجوا إلى المقابر: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وانا إن

(1) في المصدرين زيادة: (منا).
(2) الكافي 3: 229 ح 8، الفقيه 1: 114 ح 533.
(3) الفقيه 1: 115 ح 540.
(4) الكافي 3: 228 ح 4.
(5) الفقيه 1: 115 ح 541، باختلاف يسير.
(6) الفقيه 1: 114 ح 534، وفي الكافي 3: 229 ح 7 مضمرا.
(7) الكافي 3: 229 ح 5.
64

شاء الله بكم لاحقون) (1).
وفي الترمذي عن ابن عباس: مر النبي صلى الله عليه وآله بقبور بالمدينة
فاقبل عليهم بوجهه، فقال (السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم،
أنتم سلفنا ونحن بالأثر) (2).
تنبيه
ظهر من ذلك استحباب قراءة القرآن عند زيارة الميت، للخبرين
السالفين، ولما روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (من دخل المقابر فقرأ
سورة يس، خفف عنهم يومئذ، وكان له بعدد ما فيها حسنات) (3). ولأنا سنبين أن
الميت يلحقه أعمال الخير، ولأن الدعاء عقيب القراءة أقرب إلى الإجابة والدعاء
ينفع الميت.
تتمة:
لا يستحب لمن دخل المقبرة خلع نعله، للأصل، وعدم ثبت.
قالوا: رأى النبي (صلى الله عليه وآله) رجلا يمشي في المقبرة وعليه نعلان،
فقال: (يا صاحب السبتين ألق سبتيك فرمى بهما) (4).
قلنا: حكاية حال، فلعله لما في هذا النوع من الخيلاء لأنه لباس أهل
التنعم، لا لأجل المقبرة. والسبت بكسر السين وسكون الباء -: جلود القبر المدبوغة بالقرظ، لأن
شعرها سبت عنها، أي: حلق. وقيل: لأنها انسبتت بالدباغ، أي: لانت

(1) المصنف لابن أبي شيبة 3: 340 صحيح مسلم 2: 671 ح 975، سنن ابن ماجة 1: 494 - ح 1547
(2) الجامع الصحيح 3: 369 ح 1053.
(3) مجمع البيان 8: 431.
(4) سنن أبي داود 3: 217 ح 3230، سنن النسائي 4: 96.
65

البحث السادس: فيما يلحق الميت من الأفعال بعد موته.
قال الفاضل: اما الدعاء، والاستغفار، والصدقة، وأداء الواجبات التي
تدخلها النيابة، فاجماع (1).
قال الله تعالى: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا
الذين سبقونا بالايمان) (2).
وقال تعالى: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) (3).
وقد سبق في الدعاء للميت عن النبي (صلى الله عليه وآله): (اللهم اغفر
لحينا وميتنا) (4). وعن الأئمة (عليهم السلام) نحو ذلك (5).
وفي الفقيه عن الصادق (عليه السلام): (ان الميت يفرح بالترحم عليه
والاستغفار له، كما يفرح الحي بالهدية تهدى إليه) (6).
وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعمرو بن العاص: (لو كان
أبوك مسلما، فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم، بلغه ذلك) (7).
وفي البخاري وغيره عن ابن عباس، قال رجل: ان أختي نذرت أن تحج
وانها ماتت. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (لو كان عليها دين، أكنت
قاضيه؟) قال: نعم. قال (فاقض دين الله فهو أحق بالقضاء) (8).
وأما ما عداها فعندنا انه يصل إليه. روى ابن بابويه عن الصادق (عليه

(1) تذكرة الفقهاء 1: 58.
(2) سورة الحشر: 10.
(3) سورة محمد: 19.
(4) تقدم في ج 1 ص 440، الهامش 3.
(5) فلاح السائل: 250، اقبال الأعمال: 70، 376.
(6) الفقيه 1: 117 ح 554.
(7) سنن أبي داود 3: 118 ح 2883.
(8) صحيح البخاري 8: 177، سنن النسائي 5: 117، السنن الكبرى 5: 179.
66

السلام): (ستة تلحق المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، ومصحف يخلفه،
وغرس يغرسه، وصدقة ماء يجريه، وقليب يحفره، وسنة يؤخذ بها من بعده) (1).
قلت: هذا الحديث يتضمن المهم من ذلك، إذ قد روى ابن بابويه أيضا
عن الصادق (عليه السلام): (من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا،
أضعف له أجره، ونفع الله عز وجل به الميت) (2).
قال: وقال (عليه السلام): (يدخل على الميت في قبره: الصلاة، والصوم،
والحج، والصدقة، والبر، والدعاء. ويكتب أجره للذي فعله وللميت) (3).
ولنذكر هنا أحاديث من هذا الباب، ضمنها السعيد المرتضى رضى الدين
أبو القاسم علي بن الطاووس الحسني طيب الله سره في كتابه المسمى (غياث
سلطان الورى لسكان الثرى) وقصد به بيان قضاء الصلوات عن الأموات.
الحديث الأول: رواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه وقد ضمن
صحة ما اشتمل عليه، وانه حجة بينه وبين ربه ان الصادق (عليه السلام)
سأله عمر بن يزيد، أنصلي عن الميت؟ فقال: (نعم، حتى أنه ليكون في ضيق
فيوسع (الله) عليه ذلك الضيق، ثم يؤتى فيقال له: خفف عنك هذا الضيق
بصلاة فلان أخيك عنك) (4).
الثاني: ما رواه علي بن جعفر في مسائله عن أخيه موسى (عليه السلام)،
قال: حدثني أخي موسى بن جعفر، قال: (سألت أبي جعفر بن محمد عن
الرجل، هل يصلح له أن يصلي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال: نعم، فيصلي ما
أحب، ويجعل تلك للميت، فهو للميت إذا جعل ذلك له) (5).
ولفظ (ما أحب) للعموم، وجعلها نفسها للميت دون ثوابها ينفي أن تكون

(1) الفقيه 1: 117 ح 555، وفي الكافي 7: 57 ح 5.
(2) الفقيه 1: 117 ح 556، 557.
(3) الفقيه 1: 117 ح 556، 557.
(4) الفقيه 1: 117 ح 554، ومنه ما أثبتناه بين المعقوفين.
(5) مسائل علي بن جعفر: 199 ح 429.
67

هدية صلاة مندوبه.
الثالث: من مسائله أيضا عن أخيه موسى (عليه السلام): وسأله عن
الرجل هل يصلح أن يصلي ويصوم عن بعض أهله بعد موته، فقال: (نعم،
يصلي ما أحب، ويجعل ذلك للميت، فهو للميت إذا جعله له) (1).
الرابع: ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي باسناده إلى محمد بن عمر بن
يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يصلي عن الميت؟ قال: (نعم،
حتى أنه ليكون في ضيق فيوسع عليه ذلك، ثم يؤتى فيقال له: خفف عنك هذا
الضيق بصلاة فلان أخيك) (2).
الخامس: ما رواه باسناده إلى عمار بن موسى الساباطي من كتاب أصله
المروي عن الصادق (عليه السلام) -: وعن الرجل تكون عليه صلاة أو يكون
عليه صوم، هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال: (لا يقضيه الا مسلم
عارف) (3).
السادس: ما ورواه الشيخ أيضا باسناده إلى محمد بن أبي عمير، عن رجاله،
عن الصادق (عليه السلام)، في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام، قال: (يقضيه أولى الناس به)
السابع: ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني في الكافي باسناده إلى ابن
أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في الرجل
يموت وعليه صلاة أو صيام، قال: (يقضي عنه أولى الناس به (5).
الثامن: هذا الحديث بعينه عن حفص بطريق آخر إلى كتابه الذي هو من

(1) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 3، وفيه: (يصوم).
(2) الفقيه 1: 117 / 554، وفيه: أخيك عنك، ولعل نسبته للشيخ من سهو القلم لاتحادهما في الكنية.
(3) الوسائل: كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 5.
(4) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 6.
(5) الكافي 4: 123 ح 1، وفيه: (بميراثه)).
68

الأصول (1)
التاسع: ما روي في أصل هشام بن سالم، من رجال الصادق والكاظم
(عليهما السلام)، ويروي عنه ابن أبي عمير. قال هشام في كتابه: وعنه (عليه
السلام)، قال: قلت: يصل إلى الميت الدعاء والصدقة والصلاة ونحو هذا؟
قال: (نعم). قلت: أو يعلم من صنع ذلك به؟ قال: (نعم). ثم قال: (يكون
مسخوطا عليه فيرضى عنه) (2) وظاهره أنه من الصلاة الواجبة التي تركها سبب في
السخط.
العاشر: ما رواه علي بن أبي حمزه في أصله، وهو من رجال الصادق
والكاظم أيضا (عليهما السلام). قال: وسألت عن الرجل يحج ويعتمر ويصلي
ويصوم ويتصدق عن والديه وذوي قرابته؟ قال: (لا بأس به؟ يؤجر فيما يصنع،
وله أجر اخر بصلته قرابته). قلت: وان كان لا يرى ما أرى وهو ناصب؟ قال:
(يخفف عنه بعض ما هو فيه) (3)
أقول: وهذا أيضا ذكره ابن بابويه في كتابه.
الحادي عشر: ما رواه الحسين بن الحسن العلوي الكوكبي في كتاب
المنسك باسناده إلى علي بن أبي حمزة، قال: قلت: لأبي إبراهيم (عليه السلام):
أحج وأصلي وأتصدق عن الاحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال: (نعم،
صدق عنه، وصل عنه، ولك أجر آخر بصلتك إياه) (5).
قال ابن طاووس رحمة الله عليه يحمل في الحي على ما تصح فيه النيابة
من الصلوات، ويبقى الميت على عمومه.

(1) مخطوط.
(2) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 7.
(3) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 8.
(4) لم نجده بلفظه ولكن انظر الفقيه 1: 117 ذيل الحديث 554.
(5) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 9.
69

الثاني عشر: ما رواه الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن الصادق
(عليه السلام)، انه قال: (يدخل على الميت في قبره: الصلاة، والصوم، والحج،
والصدقة، والبر، والدعاء). قال: (ويكتب أجره للذي يفعله وللميت) (1).
وهذا الحسن بن محبوب يروي عن ستين رجلا من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام). وروى عن الرضا (عليه السلام)، وقد دعا له الرضا (عليه
السلام) وأثنى عليه، فقال فيما كتبه -: (أن الله قد أيدك بحكمة وأنطقها على
لسانك، قد أحسنت وأصبت، أصاب الله بك الرشاد، ويسرك للخير، ووفقك لطاعته) (2)
الثالث عشر: ما رواه محمد بن أبي عمير بطريق آخر عن الإمام (عليه
السلام): (يدخل على الميت في قبره: الصلاة، والصوم، والحج، والصدقة،
والبر، والدعاء). قال: (ويكتب أجره للذي يفعله وللميت) (3).
قال السيد: هذا عمن أدركه محمد بن أبي عمير من الأئمة، ولعله عن
مولانا الرضا (عليه السلام).
الرابع عشر: ما رواه إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: (يدخل على الميت في قبره: الصلاة، والصوم، والحج والصدقة،
والبر، والدعاء). قال: (ويكتب أجره للذي يفعله وللميت) (4).
الخامس عشر: روى ابن بابويه عن الصادق (عليه السلام): (يدخل على
الميت في قبره: الصلاة، والصوم، والحج، والصدقة، والعتق) (5).
السادس عشر: ما رواه عمر بن محمد بن يزيد، قال: أبو عبد الله

(1) رواه الصدوق في الفقيه 1: 117 ح 557 مرسلا.
(2) عنه بحار الأنوار 88: 311.
(3) انظر الصدوق في الفقيه 1: 117 ح 557 مرسلا.
(4) انظر: الصدوق في الفقيه 1: 117 ح 557 مرسلا.
(5) الفقيه 2: 279 ح 1369.
70

(عليه السلام): (ان الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة، وكل عمل
صالح، ينفع الميت حتى أن الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه، ويقال: ان هذا
بعمل ابنك فلان وبعمل أخيك فلان أخوه في الدين).
قال السيد قوله (عليه السلام): (أخوه في الدين)) إيضاح لكل ما يدخل
تحت عمومه من الابتداء بالصلاة عن الميت أو بالإجارات.
السابع عشر: ما رواه علي بن يقطين، وكان عظيم القدر عند أبي الحسن
موسى (عليه السلام)، له كتاب المسائل عنه. قال: وعن الرجل يتصدق على
الميت ويصوم ويعتق ويصلي؟ قال: (كل ذلك حسن تدخل منفعته على الميت) (2)
الثامن عشر: ما رواه علي بن إسماعيل الميثمي في أصل كتابه قال:
حدثني كردين، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الصدقة والحج والصوم
تلحق بالميت؟ فقال: (نعم). قال: فقال: (هذا القاضي خلفي وهو لا يرى
ذلك). قال: قلت: وما أنا وذا، فوالله لو أمرتني أن أضرب عنقه لضربت عنقه،
قال: فضحك (3).
قال: وسألت أبا الحسن (عليه السلام): عن الصلاة على الميت أتلحق به؟
قال: (نعم) (4).
قال: وسألت أبا عبد الله (عليه السلام)، فقلت: اني لم أتصدق بصدقة
منذ ماتت أمي إلا عنها. قال: (نعم). قلت: أفترى غير ذلك؟ قال: (نعم
نصف عنك، ونصف عنها). قلت: أتلحق بها؟ قال: (نعم) (5).
قال السيد: قوله (الصلاة على الميت)، اي: التي كانت على الميت أيام

(1) عنه بحار الأنوار 88: 311.
(2) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 11.
(3) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 12.
(4) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 13.
(5) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 14.
71

حياته ولو كانت ندبا كان الذي يلحقه ثوابها دون الصلاة نفسها.
التاسع عشر: ما رواه حماد بن عثمان في كتابه قال: قال أبو عبد الله (عليه
السلام): (ان الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة، وكل عمل صالح، ينفع
الميت حتى أن الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه، ويقال: هذا بعمل ابنك
فلان، وبعمل أخيك فلان أخوه في الدين) (1).
العشرون: ما رواه عبد الله بن جندب، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه
السلام) أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة والبر والخير أثلاثا: ثلثا
له وثلثين لأبويه، أو يفردهما من أعماله بشئ مما يتطوع به، وان كان أحدهما حيا
والآخر ميتا؟ فكتب إلي: (اما الميت فحسن جائز، وأما الحي فلا إلا البر والصلة) (2).
قال السيد: لا يراد بهذا الصلاة المندوبة، لأن الظاهر جوازها عن الأحياء
في الزيارات والحج وغيرهما.
الحادي والعشرون: ما رواه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري: أنه كتب
إلى الكاظم (عليه السلام) مثله، واجابه بمثله (3).
الثاني والعشرون: ما رواه أبان بن عثمان، عن علي بن مسمع، قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): ان أمي هلكت ولم أتصدق بصدقة... كما تقدم
إلى قوله: أفيلحق ذلك بها؟ قال: (نعم). قلت: والحج؟ قال: (نعم). قلت:
والصلاة؟ قال: (نعم). قال: ثم سألت أبا الحسن (عليه السلام) بعد ذلك أيضا
عن الصوم فقال: (نعم) (4).
الثالث والعشرون: ما رواه الكليني باسناده إلى محمد بن مروان، قال: قال
أبو عبد الله (عليه السلام): (ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين،

(1) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 15.
(2) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 16.
(3) قرب الإسناد: 129.
(4) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 17.
72

يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما
وله مثل ذلك، فيزيده الله ببره وصلاته خيرا كثيرا) (1).
الرابع والعشرون: عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام)،
قال: (الصلاة التي حصل وقتها، قبل أن يموت الميت، يقضي عنه أولى الناس
به) (2).
ثم ذكر رحمه الله عشرة أحاديث تدل بطريق العموم:
الحديث الأول: ما رواه عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق (عليه
السلام)، قال: (يقضى عن الميت: الحج، والصوم، والعتق، وفعاله الحسن) (3).
الثاني: ما رواه صفوان بن يحيى، وكان من خواص الرضا والجواد (عليهما السلام)، وروى عن أربعين رجلا من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قال:
(يقضى عن الميت: الحج، والصوم، والعتق، وفعاله الحسن) (4)
الثالث: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
(يقضى عن الميت: الحج، والصوم، والعتق، وفعاله الحسن) (5)
الرابع: ما رواه العلاء بن رزين في كتابه، وهو أحد رجال الصادق (عليه
السلام)، قال: (يقضى عن الميت: الحج، والصوم، والعتق، وفعاله الحسن) (6).
الخامس: ما رواه البزنطي رحمه الله، وكان من رجال الرضا (عليه
السلام)، قال: (يقضى عن الميت: الحج، والصوم، والعتق، وفعله الحسن) (7).

(1) الكافي 2: 127 ح 7.
(2) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 18.
(3) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 19.
(4) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 19.
(5) عنه بحار الأنوار 88: 313.
(6) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 20.
(7) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 21.
73

السادس: ما ذكره صاحب الفاخر مما أجمع عليه وصح من قول الأئمة
عليهم السلام قال: ويقضى عن الميت أعماله الحسنة كلها (1). السابع: ما رواه ابن بابويه رحمه الله عن الصادق (عليه السلام)، قال:
(من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميت، أضعف الله أجره، ونفع الله به
الميت) (2).
الثامن: ما رواه عمر بن يزيد، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (من
عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا، أضعف الله أجره، وينعم بذلك
الميت) (3).
التاسع: ما رواه العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله
(عليه السلام)، قال: (يقضى عن الميت: الحج، والصوم، والعتق، وفعاله
الحسن) (4). العاشر: ما رواه حماد بن عثمان في كتابه قال: قال أبو عبد الله (عليه
السلام): (من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا، أضعف الله أجره،
وينعم له بذلك الميت) (5).
قلت: وروى يونس، عن العلاء بن رزين، عن عبد الله بن أبي يعفور،
عن الصادق (عليه السلام)، قال: (يقضى عن الميت: الحج، والصوم،
والعتق، والفعل الحسن). ومما يصلح هنا ما أورده في التهذيب باسناده عن عمر
ابن يزيد، قال: كان أبو عبد الله يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين، وعن والديه.

(1) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 22.
(2) الفقيه 1: 117 ح 556.
(3) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 25.
(4) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 23.
(5) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 24.
(6) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12 ح 27.
74

في كل يوم ركعتين. جعلت فداك، كيف صار للولد الليل؟ قال: (لأن
الفراش للولد). قال: وكان يقرأ فيهما القدر والكوثر (1). فان هذا الحديث يدل على وقوع
الصلاة عن الميت من غير الولد كالأب، وهو حجة على من ينفي الوقوع أصلا،
أو ينفيه الا من الولد.
ثم ذكر رحمه الله ان الصلاة دين، وكل دين يقضى عن الميت. اما
ان الصلاة تسمى دينا ففيه أربعة أحاديث:
الأول: ما رواه حماد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في اخباره عن
لقمان عليه السلام: (وإذا جاء وقت صلاة فلا تؤخرها لشئ، صلها واسترح منها،
فإنها دين) (2).
الثاني: ما ذكره ابن بابويه في باب آداب المسافر: إذا جاء وقت الصلاة فلا
تؤخرها لشئ، صلها واسترح منها، فإنها دين (3).
الثالث: ما رواه ابن بابويه في كتاب معاني الأخبار بإسناده إلى محمد بن
الحنفية في حديث الأذان: لما أسري بالنبي (صلى الله عليه وآله)... إلى قوله:
ثم قال: (حي على الصلاة، قال الله جل جلاله: فرضتها على عبادي، وجعلتها
لي دينا) (4) إذا روى بفتح الدال.
الرابع: ما رواه حريز بن عبد الله، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه
السلام)، قال: قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه، فخاف أن يدركه الصبح، ولم يصل صلاة ليلته تلك، قال: (يؤخر القضاء، ويصلي صلاة ليلته.

(1) التهذيب 1: 467 / 1533.
وفي (س): والدته بدل والديه.
(2) روضة الكافي: 349 / 547، الفقيه 2: 195 / 884، المحاسن: 375 / 145، الأمان: 99
(3) الفقيه 2: 195 / 884.
(4) معاني الأخبار: 42.
75

تلك) (1).
وأما قضاء الدين عن الميت، فلقضية الخثعمية لما سألت رسول الله (صلى
الله عليه وآله)، فقالت: يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا
يستطيع أن يحج، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها: (أرأيت لو كان على
أبيك دين فقضيته، أكان ينفعه ذلك؟). قالت: نعم. قال: (فدين الله أحق
بالقضاء) (2).
إذا تقرر ذلك، فلو أوصى الميت بالصلاة عنه وجب العمل بوصيته،
لعموم قوله تعالى: (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) (3).
ولأنه لو أوصى ليهودي أو نصراني وجب إنفاذ وصيته فكيف الصلاة المشروعة،
لرواية الحسين بن سعيد بسنده إلى محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل أوصى بماله في سبيل الله، قال: (أعطه لمن أوصى له وان كان
يهوديا أو نصرانيا، ان الله عز وجل يقول: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على
الذين يبدلونه) (4).
وذكر الحسين بن سعيد في حديث آخر عن الصادق (عليه السلام): (لو
أن رجلا أوصى إلي ان أضع في يهود ونصارى لوضعت فيهم، إن الله يقول:
(فمن بدله بعد ما سمعه) الآية (5).
قال السيد بعد هذا الكلام: ويدل على أن الصلاة عن الميت أمر مشروع
تعاقد صفوان بن يحيى وعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان في بيت الله الحرام:

(1) الوسائل، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61 ح 5178.
(2) انظر: صحيح البخاري 5: 222، صحيح مسلم 2: 973 ح 1334، سنن النسائي 5:
116، السنن الكبرى 5: 179.
(3) سورة البقرة: 181.
(4) بسند آخر في: الكافي 7: 14 ح 1، 2، الفقيه 4: 148 ح 514، التهذيب 9: 201 ح 804،
الاستبصار 4: 128 ح 485.
(5) بسند آخر في: الكافي 7: 201 ح 4، الفقيه 4: 148 ح 515، التهذيب 9: 202 ح 805.
76

أن من مات منهم يصلي من بقي صلاته، ويصوم عنه، ويحج عنه ما دام حيا،
فمات صاحباه وبقي صفوان، فكان يفي لهما بذلك فيصلي كل يوم وليلة خمسين
ومائة ركعة (1). وهؤلاء من أعيان مشايخ الأصحاب والرواة (2) عن الأئمة عليهم
السلام.
قال السيد رحمه الله وحسنا قال -: انك إذا اعتبرت كثيرا من الأحكام الشرعية
وجدت الأخبار فيها مختلفة، حتى صنف لأجلها كتب ولم تستوعب
الخلاف، والصلاة عن الأموات قد ورد فيها مجموع هذه الإخبار، ولم نجد خبرا
واحدا يخالفها. ومن المعلوم ان هذا المهم في الدين لا يخلو عن الشرع: بقضاء أو
ترك، فإذا وجد المقتضي ولم يوجد المانع، علم موافقة ذلك للحكمة الإلهية، وقد
ذكر ذلك الأصحاب لأنهم مفتون بلزوم قضاء الصلاة على الولي.
وقد حكى ابن حمزة في كتابه في قضاء الصلاة عن الشيخ أبي جعفر محمد
ابن الحسين الشوهاني: أنه كان يجوز الاستئجار عن الميت.
واستدل ابن زهرة على وجوب قضاء الولي الصلاة بالإجماع: انها تجري
مجرى الصوم والحج. وقد سبقه ابن الجنيد بهذا الكلام، حيث قال: والعليل إذا
وجبت عليه الصلاة، وأخرها عن وقتها إلى أن فاتت، قضاها عنه وليه كما يقضي
حجة الإسلام والصيام. قال: وكذلك روى أبو يحيى عن إبراهيم بن سام عن أبي
عبد الله (عليه السلام). فقد سويا بين الصلاة وبين الحج، ولا ريب في جواز
الاستئجار على الحج.
قلت: هذه المسألة أعني الاستئجار على فعل الصلاة الواجبة بعد الوفاة
مبنية على مقدمتين:
إحداهما: جواز الصلاة عن الميت، وهذه إجماعية والأخبار الصحيحة
ناطقة بها كما تلوناه.

(1) الاختصاص: 85، فهرست الطوسي: 83 رقم 346، رجال النجاشي: 197 ح 524.
(2) في س: والرواية.
77

والثانية: انه كلما جازت الصلاة عن الميت جاز الاستئجار عنه.
وهذه المقدمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة التي يمكن أن
تقع للمستأجر، ولا يخالف فيها أحد من الإمامية بل ولا من غيرهم لأن المخالف
من العامة إنما منع لزعمه أنه لا يمكن وقوعها للمستأجر عنه. اما من يقول بإمكان
وقوعها له وهم جميع الإمامية فلا يمكنه القول بمنع الاستئجار، إلا أن يخرق
الإجماع في إحدى المقدمتين على أن هذا النوع قد انعقد عليه الإجماع من الإمامية
الخلف والسلف من عهد المصنف وما قبله إلى زماننا هذا، وقد تقرر أن
إجماعهم حجة قطعية.
فإن قلت: فهلا اشتهر الاستئجار على ذلك والعمل به عن النبي والأئمة
(عليهم السلام)، كما اشتهر الاستئجار على الحج حتى علم من المذهب ضرورة؟
قلت: ليس كل واقع يجب اشتهاره، ولا كل مشهور يجب الجزم بصحته،
فرب مشهور لا أصل له، ورب متأصل لم يشتهر، إما لعدم الحاجة إليه في بعض
الأحيان (أو) (1) لندور وقوعه.
والأمر في الصلاة كذلك، فإن سلف الشيعة كانوا على ملازمة الفريضة
والنافلة، على حد لا يقع من أحد منهم إخلال بها إلا لعذر بعيد، كمرض موت
أو غيره. وإذا اتفق فوات فريضة بادروا إلى فعلها لأن أكثر قدمائهم على
المضايقة المحضة، فلم يفترقوا إلى هذه المسألة، واكتفوا بذكر قضاء الولي لما فات
الميت من ذلك على طريقة الندور. يعرف هذه الدعاوي من طالع كتب الحديث
والفقه وسيرة السلف معرفة لا يرتاب فيها.
فخلف من بعدهم قوم تطرق إليهم التقصير، واستولى عليهم فتور الهمم،
حتى آل الحال إلى أنه لا يوجد من يقوم بكمال السنن إلا أوحديهم، ولا مبادر
بقضاء الفائت إلا أقلهم، فاحتاجوا إلى استدرك ذلك بعد الموت لظنهم عجز

(1) من دونها في النسخ، ويحتمل سقوطها في الشق الثاني. ولعل العدم صحيح فهي علة لما
قبلها، وقد اعرض المصنف عن الشق الثاني ل‍ (اما)، والظاهر هو الأول.
78

الولي عن القيام به، فوجب رد ذلك إلى الأصول المقررة والقواعد الممهدة. وفيما
ذكرناه كفاية.
على أن قضاء الصلاة عن الميت غير متروك ذكره بين أرباب المذاهب المباينة
للشيعة على طرف النقيض، ولا مهمل روايته (1) عند نقلة حديثهم.
فإن شارح صحيح مسلم من الشافعية قال فيه ما هذا لفظه: وذهب
جماعة من العلماء إلى أنه يصل إلى الميت ثواب جميع العبادات من الصلاة
والصوم والقراءة وغير ذلك.
وحكى صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباح وإسحاق بن راهويه أنهما
قالا بجواز الصلاة عن الميت. ومال الشيخ أبو سعد عبد الله بن محمد بن هبة
الله بن أبي عصرون من أصحابنا المتأخرين في كتابه الإنتصار إلى اختيار هذا.
ودليلهم القياس على الدعاء والصدقة والحج فإنها مما تصل بالإجماع. واختلف
أصحاب الشافعي في ركعتي الطواف: هل تقع عن الأجير أو عن المستأجر؟
قلت: وهو قد حكى في الكتاب المذكور أن أبا إسحاق الطالقاني بفتح اللام
ذكر أن شهاب بن خراش حدث عن الحجاج بن دينار وهما ثقتان عن الرسول
الله (صلى الله عليه وآله)، قال: (إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع
صلاتك، وتصوم لهما مع صومك)، ثم ضعف الحديث بالإرسال مع اعترافه
بثقتهما نقلا عن الحافظ الكبير عبد الله بن المبارك. وجماعة من العلماء يعتمدون
مراسيل الثقات (2).
فهذه أربعون حديثا خالية عن معارض.
وفي البخاري في باب من مات وعليه نذر -: (أن ابن عمر أمر من ماتت

(1) في س: روايتهم.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 88 - 90 بتصرف. وانظر 8: 25 - 26 عنه، والحاوي
الكبير 15: 313.
79

أمها وعليها صلاة أن تصلي عنها) (1)، ومذهب الصحابي عند كثير من العلماء أنه
حجة (2)، وخصوصا فيما خالف القياس، أو لم ينقل مخالفة غيره، والأمران حاصلان
هنا.
واحتج مانع لحوق ما عدا الدعاء والصدقة والحج عن الميت بقوله تعالى:
(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) (3) وبقول النبي (صلى الله عليه وآله): (إذا
مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد
صالح يدعو له) (4). وعلى هذين اعتمد النووي وغيره (5).
والجواب: انهما عام مخصوص بمحل الوفاق، فمهما أجيب عنه فهو جوابنا.
وهذا كاف في الجواب، ثم نقول: الأعمال الواقعة نيابة عنه بعد موته، نتيجة سعيه
في تحصيل الإيمان وأصول العقائد المسوغة للنيابة عنه، فهي مسندة إليه، وأما الخبر
فدال على انقطاع عمله وهذا يصل إليه من عمل غيره. ثم نقول: عمل صالح
اهدى إلى الميت فيقع عنه كمحل الوفاق، ولا خلاص عن ذلك إلا بالتزام
المدعى، أو عدم دلالة الآية والخبر على ما ادعوه.

(1) صحيح البخاري 8: 177.
(2) انظر: مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف.
(3) سورة النجم: 39.
(4) مسند أحمد 2: 372، صحيح مسلم 3: 1255 ح 1631، سنن أبي داود 3: 117 ح 2880،
الجامع الصحيح 3: 66 ح 1376، سنن النسائي 6: 251، مسند أبي يعلي 11: 343
ح 6457.
(5) شرح صحيح مسلم 7: 89 - 90، ولاحظ المغني 2: 428.
80

البحث السابع: في نبش القبور.
وهو حرام، إجماعا كما سلف إلا في مواضع:
أحدها: أن يصير الميت رميما فلو ظنه فظهر بقاؤه وجب إعادته إلى ما كان
عليه ويختلف ذلك بحسب الترب والأهوية. ولو علم صيرورته رميما، لم يجز
تصويره بصورة المقابر في الأرض المسبلة، لأنه يمنع من الهجوم على الدفن فيه.
وثانيها: لو دفن في الأرض المغصوبة، لتحريم شغل مال الغير، ويكفي
غصب جزء منها في جواز القلع ولو أدى إلى الهتك، لأن حرمة الحي أولى بالمراعاة.
والأفضل لمالكها تركه اما بعوض أو غير عوض لئلا يهتك حرمته، وخصوصا
لو كان الشريك وارثا أو رحما.
ولو اتفق الوراث على دفنه في ملكهم حرم النبش، وكذا لو دفن في ملك
الغير بإذنه، لأن ذلك يقضي التأبيد إلى بلى الميت عرفا، حذرا من المثلة والهتك
نعم، لو رجع المعير قبل الطم، جاز لعدم المانع.
وثالثها: لو كفن في ثوب مغصوب جاز نبشه لأخذ الثوب، لبقائه على ملك
صاحبه فينزعه ولا يجب عليه أخذ القيمة عندنا، لأنها تجارة فيشترط فيها التراضي.
نعم، يستحب.
والفرق: بان تقويم المدفن غير ممكن بخلاف الثوب، ضعيف، لإمكانه
بإجارة البقعة زمانا يعلم بلى الميت فيه. واضعف منه: الفرق باشراف الثوب على
الهلاك بالتكفين بخلاف الأرض، لأن الفرض قيام الثوب.
وربما احتمل انه إن أدى نبشه إلى هتك الميت بظهور ما ينفر منه لم ينبش
والا نبش لما في الخبر السالف: (أن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا) (1). ولكن هذا
الاحتمال قائم في مواضع النبش إلى البلى.

(1) التهذيب 1: 419 ح 1324، 465 ح 1522.
81

ورابعها: إذا وقع في القبر ما له قيمة، جاز نبشه وأخذه، للنهي عن إضاعة
المال. وروي أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول الله ثم طلبه، ففتح
موضع منه فأخذه، وكان يقول: أنا آخركم عهدا برسول الله صلى الله عليه
وآله (1).
ولو دفع إلى صاحب المال قيمته، فكالثوب في عدم الوجوب بل أولى.
وخامسها: للشهادة على عينه، ليضمن المال المتلف، أو لقسمة ميراثه،
واعتداد زوجته، فإنه موضع ضرورة. وهذا يتم إذا كان النبش محصلا للعين، ولو
علم تغير الصورة حرم.
وتوقف في مواضع:
منها: إذا دفن في أرض ثم بيعت، قال في المبسوط: جاز للمشتري نقل
الميت منها، والأفضل تركه (2). ورده الفاضلان بتحريم النبش، إلا أن تكون
الأرض مغصوبة فيبيعها المالك (3).
ومنها: إذا دفن بغير غسل، أو كفن، أو صلاة، أو إلى غير القبلة.
وقطع الشيخ في الخلاف بعدم النبش للغسل، لأنه مثلة (4). ورجحه
في المعتبر (5).
ومال في التذكرة إلى نبشه إذا لم يؤد إلى إفساده، لأنه واجب فلا يسقط
بذلك، وكذا في الدفن إلى غير القبلة. واما الكفن، فوافق على عدم نبشه لأجله،
لحصول الستر بغيره، فالاكتفاء به أولى من هتك حرمته بنبشه، وأولى بعدم
النبش: الصلاة، لإمكان فعلها مدفونا (6).

(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 2: 303، دلائل النبوة للبيهقي 7: 257.
(2) المبسوط 1: 118.
(3) المعتبر 1: 337، تذكرة الفقهاء 1: 54.
(4) الخلاف 1: 730 المسألة 560.
(5) المعتبر 1: 309.
(6) تذكرة الفقهاء 1: 54.
82

ومنها: لو كفن في حرير، فهو كالمغصوب وأولى بعدم النبش، لأن الحق فيه
لله تعالى وحقوق الآدمي أشد تضيقا.
ومنها: لو ابتلع حيا جوهرا أو ما له قيمة ثم مات، فهل يشق جوفه؟
وجهان:
أحدهما وهو الذي رجحه في الخلاف (1) -: لا، سواء كان له أو لغيره،
لقول النبي (صلى الله عليه وآله): (حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا) (2).
والثاني: نعم، توصلا إلى استيفاء المال، ومراعاة حرمة الحي.
ويحتمل تقيده بعدم ضمان الوارث، جمعا بين الحرمتين لو ضمنه، وعليه
يتفرع النبش. ويمكن الفرق بين ماله ومال غيره، لأنه استهلك مال نفسه
بابتلاعه فهو كما لو أتلفه في حياته.
ومهما قلنا بعدم النبش يؤخذ من تركته إذا كان لغيره، لأنه أتلفه في حياته.
أما لو بلي وانتفت المثلة، جاز النبش لإخراجه، لزوال المانع. فإن كان
الوارث لم يغرم لصاحبه عاد إليه، وإن غرم فالأجود التراد لما يأتي في باب الغصب
إن شاء الله تعالى.
فروع:
الأول: لو كان في يد الميت خاتم، أو في أذنه حلقة، وتعذر إخراجها
توصل إليه بالكسر أو البرد، لأن في تركه إضاعة المال المنهي عنه.
ولو أوصى بدفن خاتم معه وشبهه مما يتبرك به، ففي إجابته وجهان:
من إضاعة المال المنهي عنها، ومن تسلطه على ماله فيجزي مجرى الوصية به لغيره،
وحينئذ يعتبر الثلث أو الإجارة. أما لو كان لا غرض فيه لم يجز قطعا، لأنه اتلاف محض.

(1) الخلاف 1: 730 المسألة 559.
(2) التهذيب 1: 419 ح 1324، 465 ح 1522.
83

الثاني: لو وجد جزء من الميت بعد دفنه لم ينبش، بل يدفن إلى جانبه، لأن
نبشه مثله وليس في تفرقة أجزائه ذلك. ولو أمكن ايصاله بفتح موضع من القبر لا
يؤدي إلى ظهور الميت أمكن الجواز، لأن فيه جمعا بين أجزائه وعدم هتكه.
الثالث: لا يختتن الأغلف بعد موته، قال في المعتبر: وعليه فتوى العلماء،
لأن الختان تكليف في حال الحياة وقد زالت، ولأن فيه إبانة جزء من أعضاء الميت
وهو حرام (1).
ولو ختن وجب دفن الجلدة معه، وفي ضمان المباشر وجهان: من أنه عاد،
ومن استحقاق قطعها من الحي فكأنها منفصلة عنه. ولو قلنا بالضمان، ففيه عشر
الأرش لو كان حيا، وهو عسر الثبوت، لأنه إذا قدر قطعها حيا فلا أرش. ويمكن
ثبوته إذا كان القطع بغير إذنه مع كونه غير ممتنع من الختان، فإنه لا يجوز ختنه
حينئذ بغير إذنه، فان قدر تفاوت في القيمة بحال خروج الدم نسب أرش الميت
إليه.

(1) المعتبر 1: 337.
84

البحث الثامن: في البرزخ
وهو لغة الحاجز، والمراد هنا ما بين الموت والبعث. قال الله تعالى: (ومن
ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) (1). روى ابن بابويه عن الصادق (عليه السلام):
إن بين الدنيا والآخرة ألف عقبة، أهونها. وأيسرها الموت) (2).
وهنا مسائل:
الأولى: سؤال القبر عليه الإجماع، إلا لمن لقن على ما سلف من الأخبار،
وروى الكليني بعدة أسانيد عن الصادق (عليه السلام): (إنما يسأل في قبره من
محض لإيمان والكفر محضا، وأما ما سوى ذلك فيلهى عنه) رواه محمد بن
مسلم (3)، وعبد الله بن سنان (4). وعن الباقر (عليه السلام) مثله، بطريق أبي بكر الحضرمي (5)
وابن بكير (4). ويجوز أن يأول بسؤال خاص لا مطلق السؤال.
وعن بشير الدهان عن الصادق (عليه السلام): (يجئ الملكان: منكر
ونكير، فيسألان الميت: من ربك؟ وما دينك؟ فإذا كان مؤمنا قال: الله ربي، وديني
الإسلام: فيقولان له: ما تقول في هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟
فيقول: أشهد أنه رسول الله. فيقولان له: نم نومة لا حلم فيها، ويفسح له في
قبره تسع أذرع، ويفتح له باب إلى الجنة فيرى مقعده فيها. وإذا كان كافرا دخلا
عليه، وأقيم الشيطان بين يديه، عيناه من نحاس، فيقولان من ربك؟ وما دينك؟ وما تقول في هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟ فيقول: لا أدري. فيخليان

(1) سورة المؤمنون: 100.
(2) الفقيه 1: 80 ح 362.
(3) الكافي 3: 236 ح 4.
(4) الكافي 3: 435 ح 2.
(5) الكافي 3: 237 ح 8.
(6) الكافي 3: 235 ح 3.
85

بينه وبين الشيطان، ويفتح له باب إلى النار، ويرى مقعده فيها) (1).
وعن أبي بكر الحضرمي: (يسألون عن الحجة القائم بين أظهرهم،
فيقول: ما تقول في فلان بن فلان؟ فيقول: ذاك إمامي. فيقال له: نم أنام الله
عينك، ويفتح له باب إلى الجنة. فما يزال ينفحه (2) من روحها إلى يوم القيامة.
ويقال للكافر: ما تقول في فلان؟ فيقول: قد سمعت به، وما أدري ما هو! فيقال
له: لا دريت، ويفتح له باب من النار، فلا يزال ينفحه (3) من حرها إلى يوم
القيامة) (4).
ورووا في الصحاح عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله): (إن هذه
الأمة تمتلي في قبورها، فإن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول: ما كنت تعبد؟
فان الله هداه بقول: كنت أعبد الله. فيقول: ما كنت تقول في هذا؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله. قال: فما يسأل عن شئ غيرها، فينطلق به إلى بيته الذي كان
في النار، فيقال: هذا بيتك في النار، ولكن الله عصمك ورحمك وأبدلك به بيتا
في الجنة فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له: أسكن.
وإن الكافر إذ وضع في قبره أتاه ملك فينتهزه، فيقول: ما كنت تعبد؟
فيقول لا أدري! فيقال له: لا دريت ولا تليت. فيقول: ما كنت تقول في هذا
الرجل؟ فيقول: كنت أقول مثل ما يقول الناس! قال: فيضربه بمطراق من
حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها الخلائق غير الثقلين) (5).
ومعنى تليت: قرأت، أتي بالياء لمجانسة دريت. ويروى: أتليت، من

(1) الكافي 3: 236 ح 7، باختلاف يسير.
(2) في المصدر: (يتحفه).
(3) في المصدر: (يتحفه).
(4) الكافي 3: 237 ح 8.
(5) مسند أحمد 3: 233، صحيح البخاري 2: 113، سنن أبي داود 4: 238 ح
النسائي 4: 97
86

أتلت الإبل إذا ولدت وتلاها أولادها.
وفي رواية أخرى: (والكافر يرى مقعده من الجنة، فيقال هذا مقعدك من
الجنة، ولكنك عصيت الله وأطعت عدوه) (1).
وعن البراء بن عازب عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: (يثبت
الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) (2). قال: هذا في القبر
إذا سئل عن ذلك (3).
وروى عن الكليني عن أبي بصير، عن الصادق (عليه السلام) في المؤمن إذا
أجاب: (يقولان له: نم نومة لا حلم فيها. ويفسح له في قبره تسع أذرع، ويرى
مقعده من الجنة، وهو قول الله تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)
الآية (4).
الثانية: تظافرت الأخبار بعذاب القبر نعوذ بالله منه وقد مر طرف منها،
وقوله تعالى: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا، ويوم تقوم الساعة) (5) يدل
عليه.
وقد روى ابن مسعود: أن أرواحهم في أجواف طير سود، يعرضون على
النار بكرة وعشيا إلى يوم القيامة (6).
وروى الكليني عن جابر، عن الباقر (عليه السلام): (قال النبي (صلى الله
عليه وآله): ليس من نبي إلا وقد رعى الغنم. كنت أنظر إلى الغنم والإبل وأنا

(1) أورد نحوها ابن ماجة في سننه 2: 1426 ح 4268.
(2) سورة إبراهيم: 27.
(3) بمضمونه في: صحيح مسلم 4: 2201 ح 2781، سنن ابن ماجة 2: 1427 ح 4269، سنن
أبي داود 4: 238 ح 4750، سنن النسائي 4: 101.
(4) الكافي 3: 238 ح 10.
(5) سورة المؤمن: 46.
(6) انظر: الجامع لاحكام القرآن 15: 369.
87

أرعاها قبل النبوة، وهي متمكنة (1) ما حولها شئ يهجيها حتى تذعر فتطير،
فأقول: ما هذا؟ فأعجب، حتى حدثني جبرئيل (عليه السلام) ان الكافر يضرب
ضربة ما خلق الله جل وعز شيئا إلا يسمعها ويذعر لها إلا الثقلين، فنعوذ بالله من
عذاب القبر) (2).
وعن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): (إن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) خرج في جنازة سعد وقد شيعه سبعون ألف ملك، فرفع رسول الله (صلى
الله عليه وآله) رأسه إلى السماء ثم قال: أو مثل سعد يضم؟ فقالت أم سعد: هنيئا
لك يا سعد. فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): يا أم سعد لا تحتمي على الله
عز وجل) (3).
وعن بشير الدهان عن الصادق (عليه السلام)، انه قال: (إنما القبر روضة
من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار) (4).
وعن أبي بصير عنه (عليه السلام) في الكافر: (ينادي مناد من السماء:
افرشوا له في قبره من النار، وألبسوه ثياب النار، وافتحوا له بابا إلى النار حتى يأتينا
وما عندنا شئ له، فيضر بأنه بمرزبة ثلاث ضربات ليس فيها ضربة إلا يتطاير
قبره، لو ضرب بتلك المرزبة جبال تهامة لكانت رميما) (5).
وعن الصادق (عليه السلام) في المصلوب يصيبه عذاب القبر: (يوحي الله
عز وجل إلى الهواء فيضغطه ضغطة أشد من ضغطة القبر) (6).
وعن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام): (قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لما ماتت رقية ابنته -: إني لأعرف ضعفها، وسألت الله عز وجل أن

(1) في م، س: متكئة.
(2) الكافي 3: 233 ح 1
(3) الكافي 3: 236 ح 6.
(4) الكافي 3: 242 ح 2.
(5) الكافي 3: 240 ح 12.
(6) الكافي 3: 241 ح 17.
88

يجيرها من عذاب القبر) (1).
وعن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): (ما أقل من يفلت من ضغطة
القبر) (2).
وفي البخاري ومسلم عن أنس: أن النبي (صلى الله عليه وآله) دخل نخلا
لبني النجار، فسمع صوتا ففزع، فقال: (من أصحاب هذه القبور؟). فقالوا: يا
رسول الله ناس ماتوا في الجاهلية. فقال: (نعوذ بالله من عذاب القبر) (3).
وفي رواية أخرى في المنافق والكافر: (ليضيق عليه قبره حتى تختلف فيه
أضلاعه، فتعوذوا بالله من عذابه ونقمته) (4).
وعن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إن أحدكم إذا
مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، وإن كان من أهل الجنة فمن أهل
الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار. فيقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك
الله إليه يوم القيامة) (5).
الثالثة: دل القرآن العزيز بقوله تعالى: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله
أموات بل أحياء) (6)، وقوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا
بل أحياء عند ربهم يرزقون) (7)، وغير ذلك على بقاء النفس بعد الموت بناء على
تجردها وعليه كثير من الأصحاب ومن المسلمين أو على تعقلها بأبدان، وهو
مروي بأسانيد متكثرة من الجانبين، فمنها

(1) الكافي 3: 241 ح 18.
(2) الكافي 3: 236 ح 6.
(3) لاحظناه في: مسند أحمد 3: 233، سنن أبي داود 4: 238 ح 4751، وفيهما. (تعوذوا).
(4) مسند أحمد 4: 288، سنن أبي داود 4: 240 ح 4754. وليس فيهما: (فتعوذوا...).
(5) مسند أحمد 2: 113، صحيح البخاري 2: 124، صحيح مسلم 4: 2199 ح 2866، سنن
ابن ماجة 2: 1427 ح 4270، الجامع الصحيح 3: 384 ح 1072، سنن النسائي 4: 107.
(6) سورة البقرة: 154.
(7) سورة آل عمران: 169.
89

ما روى ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: (أرواح
الشهداء في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل
في ظل العرش) (1).
ومنها ما روي من الطريقين عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (حياتي
خير لكم، ومماتي خير لكم). قالوا: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: (أما حياتي
فإن الله تعالى يقول: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم). وأما مفارقتي إياكم،
فإن أعمالكم تعرض علي كل يوم، فما كان من حسن استزدت الله لكم، وما كان
من قبيح، استغفرت الله لكم). قالوا: وقد رممت؟ فقال: (كلا، إن الله عز
وجل حرم لحومنا على الأرض أن تطعم منها شيئا) (2).
وروى الأصحاب في تفسير قوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم
ورسوله والمؤمنين) (3): ان أعمال العباد تعرض على رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وعلى الأئمة (عليهم السلام) كل يوم، ابرارها وفجارها (4).
وفي التهذيب: عن مروان بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
قلت له: إن أخي ببغداد، وأخاف أن يموت بها. قال: (ما تبالي حيثما مات، أنه
لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها إلا حشر الله روحه إلى وادي السلام).
قال: (وهو ظهر الكوفة، كأني بهم حلق حلق قعودا يتحدثون) (5)، ورواه في

(1) مسند أحمد 1: 266، سنن أبي داود 3: 15 ح 2520، مسند أبي يعلى 4: 219 ح 2331،
المستدرك على الصحيحين 2: 88، السنن الكبرى 9: 163.
(2) الفقيه 1: 121 ح 582، أمالي الطوسي 2: 23، وراجع: سنن ابن ماجة 1: 524 ح 1636،
سنن أبي داود 1: 275 ح 1047، سنن النسائي 3: 91.
والآية في سورة الأنفال: 33.
(3) سورة التوبة: 105.
(4) مجمع البيان 3: 69.
(5) التهذيب 1: 466 ح 1525.
90

الكافي أيضا (1).
وفي التهذيب: عن يونس بن ظبيان، قال: قال أبو عبد الله (عليه
السلام): (ما يقول الناس في أرواح المؤمنين)؟ قلت: يقولون في حواصل طيور
خضر في قناديل تحت العرش. فقال أبو عبد الله: (سبحان الله
المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر. يا يونس: المؤمن
إذا قبضه الله تعالى صير روحه في قالب كقالبه في الدنيا، فيأكلون ويشربون، وإذا
قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي في الدنيا) (2).
وروى في التهذيب أيضا عن علي، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي
بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أرواح المؤمنين؟ فقال: (في
الجنة على صور أبدانهم، لو رأيته لقلت فلان) (3). ومثله رواه في الكافي بسنده إلى
أبي ولاد الحناط، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4).
وعن أبي بصير عنه (عليه السلام): (أن أرواح المؤمنين لفي شجرة في
الجنة، يأكلون من طعامها، ويشربون من شرابها، ويقولون ربنا أقم لنا الساعة،
وأنجز لنا ما وعدتنا، وألحق آخرنا بأولنا) (5).
وعن أبي بصير عنه (عليه السلام): ان الأرواح في صفة الأجساد في شجر
في الجنة تتعارف وتتسائل، فإذا قدمت الروح عليهم يقولون: دعوها فإنها قد
أفلتت من هول عظيم. ثم يسألونها: ما فعل فلان؟ وما فعل فلان؟ فإن قالت لهم:
تركته حيا ارتجوه، وإن قالت لهم: قد هلك، قالوا: قد هوى) (6). ويقرب منه

(1) الكافي 3: 243 ح 2.
(2) التهذيب 1: 466 ح 1526. ونحوه في الكافي 3: 245 ح 6.
(3) التهذيب 1: 466 ح 1527 عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير.
(4) الكافي 3: 244 ح 1.
(5) الكافي 3: 244 ح 2.
(6) الكافي 3: 244 ح 3.
91

رواية يونس بن يعقوب عنه (عليه السلام) (1).
وفي الكافي باسناده إلى حبة العرني، قال: خرجت مع أمير المؤمنين (عليه
السلام) إلى الظهر، فوقف بوادي السلام كأنه مخاطب لأقوام، فقمت لقيامة حتى
أعييت، ثم جلست حتى مللت فعل ذلك غير مرة ثم عرض علي أمير المؤمنين
الجلوس، فقال (يا حبة إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته، ولو كشفت لك لرأيتهم
حلقا حلقا يتحادثون). فقلت: أجسام أو أرواح؟ فقال: (أرواح، وما من مؤمن
يموت في بقعة في بقاع الأرض إلا قيل لروحه الحقي بوادي السلام، وإنها لبقعة
من جنة عدن) (2).
وفي الكافي عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في أرواح
المشركين: (في النار يعذبون، يقولون: ربنا لا تقم لنا الساعة، ولا تنجز لنا
ما وعدتنا، ولا تلحق آخرنا بأولنا) (3).
وعن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام): (قال أمير المؤمنين (عليه
السلام): شر ماء على وجه الأرض ماء برهوت، وهو بحضرموت، ترده هام
الكفار) (4). وأكثر من الأخبار في ذلك.
ومما يدل على بقاء النفس مدركة بعد الموت أحاديث الزيارة، وهي كثيرة
منها:
رواية حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام): (إن المؤمن
ليزور أهله فيرى ما يحب، ويستر عنه ما يكره. وإن الكافر يزور أهله فيرى ما
يكره، ويستر عنه ما يحب)، قال: (ومنهم من يزور كل جمعة ومن يزور على قدر

(1) الكافي 3: 244 ح 1، 2، 3، 5.
(2) الكافي 3: 243 ح 1
(3) الكافي 3: 245 ح 1.
(4) الكافي 3: 246 ح 4.
92

عمله) (1).
وفي رواية إسحاق بن عمار، عن الكاظم (عليه السلام): (يزورون على
قدر فضائلهم، منهم من يزور في كل يوم، ومنهم في كل يومين، ومنهم في كل
ثلاثة، وإن زيارتهم عند الزوال) (2).
وفي رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): (ما من مؤمن ولا كافر
إلا وهو يأتي أهله كل يوم عند زوال الشمس، فإذا رأى أهله يعملون الصالحات
حمد الله على ذلك، وإذا رأى الكافر أهله يعملون الصالحات كانت عليه
حسرة) (3).
وفي رواية إسحاق عن الكاظم (عليه السلام): (فيبعث الله ملكا فيريه ما
يسره، ويستر عنه ما يكره، فيرى ما يسره ويرجع إلى قرة عين) (4).

(1) الكافي 3: 230 ح 1.
(2) الكافي 3: 231 ح 5.
(3) الكافي 3: 230 ح 2.
(4) الكافي 3: 231 ح 5.
93

المقام السادس: غسل مس الميت.
وهو واجب على الأصح لما رواه أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر، عن
النبي (صلى الله عليه وآله): (من غسل ميتا اغتسل، ومن حمله فليتوضأ) (1).
وروي: (ومن مسه فليتوضأ) (2).
وفي خبر آخر عنه (صلى الله عليه وآله): (الغسل من غسل الميت، والوضوء
من مسه) (3).
وروي: أن أبا طالب رضي الله عنه لما مات أمر النبي (صلى الله عليه
وآله) عليا (عليه السلام) بتغسيله، فلما فرغ منه قال له: (إذهب فاغتسل)) (4).
وروينا عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام): (من غسل ميتا
فليغتسل) قلت: فإن مسه؟ قال: (فليغتسل). قلت: إن أدخله القبر؟ قال: (لا
غسل عليه) (5).
وعن معاوية بن عمار عنه (عليه السلام) إذا مسه وهو سخن: (فلا غسل
عليه، فإذا، برد فعليه الغسل). قلت: البهائم والطير إذا مسها أعليه غسل؟ قال:
(لا، ليس هذا كالانسان) (6).
وعن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل مس ميتة أعليه

(1) المصنف لابن أبي شيبة 3: 269، مسند الطيالسي: 305 ح 2314، سنن أبي داود 3: 201
ح 3161، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2: 239 ح 1158.
(2) فتح العزيز 2: 131.
(3) انظر الخلاف للشيخ الطوسي 1: 223 المسألة 193.
(4) السنن الكبرى 1: 305.
(5) المعتبر 1: 352، ولاحظ: الكافي 3: 160 ح 1، التهذيب 1: 108 ح 283، الاستبصار 1:
99 ح 321.
(6) التهذيب 1: 429 ح 1367.
94

غسل؟ قال: (لا، إنما ذلك من الانسان) (1)، ومثله روى الحلبي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2).
وعن محمد بن الحسن الصفار كتبت إليه: رجل أصاب ثوبه أو بدنه ثوب
الميت، فوقع: (إذا أصاب يدك جسد الميت قبل ان يغسل فقد يجب عليك
الغسل) (3).
وعن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): (إذا مسه بحرارته فلا،
وإذا مسه بعد ما برد فليغتسل). قلت: فالذي يغسله أيغتسل؟ فقال: (نعم) (4).
وعن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام): (غسل من غسل ميتا
واجب) (5).
وعن يونس عن بعض رجاله عنه (عليه السلام): (الفرض: غسل
الجنابة، وغسل من غسل ميتا)) (6).
وعن عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام): يغتسل الذي غسل الميت.
وإن (غسل) (7) الميت انسان بعد موته وهو حار فليس عليه غسل، ولكن إذا مسه
وقبله وقد برد فعليه الغسل، ولا بأس أن يمسه بعد الغسل ويقبله) (8).
وظاهر هذه كلها الوجوب، وفي بعضها مصرح به، وقد قيد بكونه بعد
برده.
ومفهوم خبرين إنه لا غسل عليه لو مسه بعد الغسل، ولطهارته به، وفتوى

(1) التهذيب 1: 430 ح 1374.
(2) التهذيب 1: 431 ح 1375.
(3) التهذيب 1: 429 ح 1368.
(4) الكافي 3: 160 ح 2، التهذيب 1: 428 ح 1364.
(5) الفقيه 1: 45 ح 176، التهذيب 1: 104 ح 270، الاستبصار 1: 97 ح 315.
(6) التهذيب 1: 105 ح 271، الاستبصار 1: 98 ح 316.
(7) في المصادر: (قبل).
(8) الكافي 3: 160 ح 3، التهذيب 1: 108 ح 284، الاستبصار 1: 99 ح 322.
95

الأصحاب.
وعن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (ولا تغسل من مسه
إذا أدخلته القبر) (1).
ورواية (2) عمار عن الصادق (عليه السلام): (كل من (غسل) (3) ميتا فعليه
الغسل، وإن كان الميت قد غسل)) (4) مطرحة، وحملها في التهذيب على الندب (5)
كما سبق، وكذا مفهوم رواية حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) فيمن أدخل
القبر: (لا غسل عليه، إنما يمس الثياب) (6) تحمل على الندب، لو استفيد من
مفهوم المخالفة غسل.
تنبيه:
ويجب الغسل أيضا بمس قطعة فيها عظم، سواء أبينت من حي أو ميت،
لرواية أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسه انسان فكل ما كان فيه عظم فقد
وجب على من مسه الغسل، وإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه) (7). ونقل
الشيخ في الخلاف الإجماع في ذلك (8).
قال في المعتبر: الذي أراه التوقف في ذلك، فإن الرواية مقطوعة، والعمل
بها قليل، ودعوى الشيخ الاجماع لم تثبت، وغايته الاستحباب تفصيا من اطراح

(1) التهذيب 1: 105 ح 273.
(2) في م ورواه.
(3) في المصادر: (مس).
(4) التهذيب 1: 430 ح 1373، الاستبصار 1: 100 ح 328.
(5) راجع الهامش السابق.
(6) الكافي 3: 160 ح 1، التهذيب 1: 108 ح 238، الاستبصار 1: 99 ح 321.
(7) الكافي 3: 212 ح 4، التهذيب 1: 429 ح 1369، الاستبصار 1: 100 ح 325.
(8) الخلاف 1: 701 المسألة 490
96

قول الشيخ والرواية (1).
قلت: هذه القطعة نجسة قطعا لوجوب غسلها كما مر، وهي بعض من
جملة يجب الغسل بمسها وخصوصا في الميت، فكل دليل دل على وجوب الغسل
بمس الميت فهو دال عليها. ولأن الغسل يجب بمسها متصلة، فما الذي أخرجه
عن الوجوب بانفصالها؟ ولأنه يلزم عدم الغسل لو مس جميع الميت ممزعا. والخبر
المقبول (2) عنده رحمه الله حجة وكذا المقترن بالقرينة، والأمران حاصلان في
الخبر، والاجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند كثير، وابن الجنيد سابق على
الشيخ وقد أفتى بوجوبه في مس القطعة، إلا أنه قيدها ما بينه وبين سنة وفرضها
في القطعة من الحي (3). فالتوقف في هذه بخصوصيتها لا وجه له لأن الأصحاب
منحصرون في: موجب غسل الميت على الاطلاق وهم الأكثر، وفي: نافية على
الاطلاق وهو المرتضى (4) ومن اخذ أخذه، فالقول بوجوبه في موضع دون موضع
لم يعهد.
ثم إنا لم نقف للمرتضى رحمه الله على حجة نقلية، سوى ما يظهر من
حديث سعد بن أبي خلف، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
(الغسل في أربعة عشر موطنا، واحد فريضة، والباقي سنة) (5).
وما يلوح من مكاتبة القاسم الصيقل: كتبت إليه: جعلت فداك هل
اغتسل أمير المؤمنين (عليه السلام) حين غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عند موته؟ فأجابه: (النبي طاهر مطهر، ولكن أمير المؤمنين فعل وجرت به السنة)،
أورده في الاستبصار والتهذيب في باب الأغسال (6).

(1) المعتبر 1: 352.
(2) في س، ط: المنقول.
(3) مختلف الشيعة: 28.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 57، مختلف: 28، المعتبر 1: 352.
(5) التهذيب 1: 110 ح 289، الاستبصار 1: 98 ح 319.
(6) التهذيب 1: 107 ح 281، الاستبصار 1: 99 ح 323.
97

وأورد في التهذيب بسند آخر إلى الحسين بن عبيد، قال: كتبت إلى الصادق
هل اغتسل أمير المؤمنين (عليه السلام) حين غسل رسول الله عند موته؟ قال:
(كان رسول الله طاهرا مطهرا، ولكن فعل أمير المؤمنين ذلك وجرت به السنة) (1). نعم،
هناك رواية تضمنت أن غسل الميت سنة وحملها على ظاهرها يقتضي
الحكم بطهارته، ومس الطاهر لا يوجب غسلا ولا غسلا، إلا أن هذا يخالف
إجماع المسلمين فضلا عن الإمامية وهي ما مر في مرسل عبد الرحمن عن أبي
الحسن (عليه السلام) في اجتماع الجنب والميت والمحدث، حيث قال: (وغسل
الميت سنة) (2). وكذا بطريق التفليسي عن أبي الحسن (عليه السلام) في ميت
وجنب: (إذا اجتمعت سنة وفريضة بدئ بالفرض) (3). وبطريق الأرمني وقيل هو
التفليسي أيضا عن الرضا (عليه السلام): (يترك الميت، لأن هذا فريضة وهذا
سنة) (4).
وكل هذا تكلف، لوضوح روايات الوجوب دلالة، وشهرتها عملا. والشيخ
حمل لفظ (السنة) على الثابت بالسنة، وهو حسن (5). وأما اغتسال أمير المؤمنين
(عليه السلام) وجرى السنة به، فهو ظاهر الدلالة على الوجوب. وسلار عد
الأغسال الواجبة، وقال: وغسل من مس الميت على إحدى الروايتين (6) ولم نر
رواية مصرحة بذلك.
وفي التهذيب الذي هو شرح المقنعة لم يذكر سوى ما ذكرناه. نعم،
كلامه في الخلاف يشعر بوجود مخالف غير المرتضى، حيث قال: وعند بعضهم أنه
مستحب وهو اختيار المرتضى. ثم استدل على الوجوب بالاحتياط والأخبار، ولم

(1) التهذيب 1: 469 ح 1541.
(2) الفقيه 1: 59 ح 222، التهذيب 1: 109 ح 285، الاستبصار 1: 101 ح 329.
(3) التهذيب 1: 109 ح 286، الاستبصار 1: 101 ح 330.
(4) التهذيب 1: 110 ح 287، الاستبصار 1: 102 ح 1 33.
(5) التهذيب 1: 109، الاستبصار 1: 101.
(6) المراسم: 40.
98

يذكر الإجماع هنا (1)، ثم ذكره في كتاب الجنائز، قال: ومن شذ منهم لا يعتد
بقوله، ونقل الوجوب عن: علي (عليه السلام)، وأبي هريرة، وعن الشافعي في
البويطي (2).
وهذا الغسل يجامعه الوضوء وجوبا، لما سلف. ولو أحدث بعد الوضوء
المقدم أعاده. وبعد الغسل المقدم الوضوء لا غير. وفي أثناء الغسل، الأقرب: أن
حكمه حكم المحدث في أثناء غسل الجنابة.
وقطع في التذكرة بأنه لو أحدث في أثناء غسله أتم وتوضأ، تقدم أو تأخر (3).
ولعله يرى أن الحدث الأكبر يرفعه الغسل، والأصغر يرفعه الوضوء بالتوزيع. وفيه
بعد، لظهور أن الغسل والوضوء علة لرفع الحدث مطلقا، وهذا يستحب في جميع
الأغسال سوى الجنابة.
تفريع:
لو مسه قبل برده فلا غسل، لما مر.
وهل يجب غسل ما مسه؟ الأقرب: المنع، لعدم القطع بنجاسته حينئذ،
وأصالة البراءة، ولأن نجاسته ووجوب الغسل متلازمان إذ الغسل لمس النجس.
وإن قلنا: أن وجوبه تعبد محض، فبطريق الأولى سقوط غسل اليد، ويلوح ذلك
من كلام ابن أبي عقيل رحمه الله، إلا أنه مخالف للجماعة، ولدعوى الشيخ الاجماع
عليه (4). والفاضل أوجب غسل يده بمسه قبل البرد، محتجا بأن الميت نجس (5)

(1) الخلاف 1: 222 المسألة 193.
(2) الخلاف 1: 700 المسألة 489.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 57.
(4) الخلاف 1: 700 المسألة 488.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 57.
99

وجوابه: إنما يقطع بالموت بعد البرد.
ولو مس ما تم غسله منه، فالأقرب: سقوط الغسل، للحكم بطهارته. ولو
غلبنا النجاسة الحكمية، وقلنا: أن زوالها عن جزء مشروط بزوالها عن آخر، أمكن
الوجوب، ولأنه يصدق عليه أنه ميت لم يغسل. أما على القول بالنجاسة العينية
كما هو ظاهر الأصحاب (1) فلا إشكال في عدم الوجوب.
ولافرق بين مس المسلم والكافر، لشمول اللفظ. ولا دخل لقيد الغسل
هنا في اجراء الكافر مجرى البهيمة، لأنه قيد لعدم وجوب الغسل لو مس بعده،
ولا يلزم منه كون صحته شرطا لوجوب الغسل بمسه قبله، لأصالة عدم
الاشتراط. نعم، لا فرق في مس الكافر بين مسه قبل الغسل أو بعده، لأن غسله
لم يفده طهارة.
وهل يجب الغسل بمس العظم المجرد متصلا أو منفصلا؟ الأقرب: نعم،
لدوران الغسل معه وجودا وعدما. ويمكن الالتفات إلى طهارته فلا يفيد غيره
نجاسة، ونحن نمنع طهارته قبل الغسل الشرعي لأنه ينجس بالاتصال. نعم، لو أوضح العظم في حال الحياة وطهر، ثم مات فمسه، فالاشكال أقوى لأنه لا
يحكم بنجاسة هذا العظم حينئذ. ولو غلبنا جانب الحكم توجه وجوب الغسل،
وهو أقرب: اما على هذا فظاهر، واما على النجاسة العينية يمكن القول بنجاسته
تبعا للميت عينا، ويطهر بالغسل.
أما السن والضرس، فالأولى: القطع بعدم وجوب الغسل بمسهما، لأنهما
في حكم الشعر والظفر. هذا مع الانفصال، ومع الاتصال يمكن المساواة، لعدم
نجاستها بالموت. والوجوب، لأنها من جملة يجب الغسل بمسها.

(1) راجع: المقنعة: 12، المبسوط 1: 179، النهاية: 35، المعتبر 1: 420، تذكرة الفقهاء 1: 57.
100

الطهور
101

الفصل الرابع: في الاستعمال.
وهو البحث عن كيفية الطهارة، ومطالبة ثلاثة:
الأول: في كيفية الوضوء،
وفيه ثلاثة أبحاث:
الأول: في واجباته، والذي استفيد من نص الكتاب ثمانية:
أولها: النية، وقد تقدم تحقيقها. ويجب القصد بها إلى القربة، أعني:
موافقة إرادة الله تعالى. وظاهر كلام المتكلمين: ان القربة والتقرب طلب الرفعة
عند الله تعالى بواسطة نيل الثواب، تشبيها بالقرب المكاني.
وينبه على الأول قوله تعالى: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء
وجه ربه الأعلى) (1)، وقوله تعالى: (والذين آمنوا أشد حبا لله) (2) أي: إرادة
لطاعته، وقول أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: (ولكن وجدتك أهلا للعبادة)
بعد نفي الطمع في الثواب، والخوف من العقاب (3).
وينبه على الثاني قوله تعالى: (ويدعوننا رغبا ورهبا) (4)، وقوله تعالى: (يا
أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم
تفلحون) (5) أي: راجين الفلاح، أو: لكي تفلحوا. والفلاح هو الفوز بالثواب، قاله الشيخ أبو علي الطبرسي رحمه الله (6)، وقال بعض المفسرين: هو الفوز
بالأمنية، ومنه قوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون) (7). وقوله تعالى: (ألا إنها قربة

(1) سورة الليل: 19 - 20.
(2) سورة البقرة: 165.
(3) شرح نهج البلاغة للبحراني 5: 316.
(4) سورة الأنبياء: 90.
(5) سورة الحج. 77.
(6) مجمع البيان 7: 98.
(7) سورة المؤمنون: 1.
103

لهم سيدخلهم الله في رحمته) (1) صريح في ذلك، لقوله تعالى من قبل: (ويتخذ
ما ينفق قربات عند الله) (2).
واما قوله تعالى: (واقترب) (3) إن جعل مترتبا على السجود أفاد المعنى
الثاني، ومنه الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): (أقرب ما يكون العبد إلى
ربه إذا سجد) (4). وإن جعل مستقلا أمكن أن يكون معناه وافق إرادة الله تعالى،
أو إفعل ما يقربك من ثوابه، قال الشيخ أبو علي رحمه الله: واقترب من ثوابه،
قال: وقيل معناه وتقرب إليه بطاعته (5).
والظاهر أن كلا منهما محصل للاخلاص. وقد توهم قوم ان قصد الثوب
يخرج عنه، لأنه جعله واسطه بينه وبين الله. وليس بذلك، لدلالة الآي ولأخبار
عليه، وترغيبات القرآن والسنة مشعرة به، ولا نسلم أن قصد الثواب مخرج عن
ابتغاء الله بالعمل، لأن الثواب لما كان من عند الله فمبتغيه مبتغ وجه الله. نعم،
قصد الطاعة التي هي موافقة الإرادة أولى، لأنه وصول بغير واسطة.
ولو قصد المكلف في تقربه الطاعة لله أو ابتغاء وجه الله كان كافيا، ويكفي
عن الجميع قصد الله سبحانه الذي هو غاية كل مقصد.
وهذه القربة معتبرة في كل عبادة، لقوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله
مخلصين له الدين) (6)، (قل الله أعبد مخلصا له ديني) (7).
ودلالة الكتاب والأخبار على النية مع أنها مركوزة في قلب كل عاقل يقصد

(1) سورة التوبة: 99.
(2) سورة التوبة: 99.
(3) سورة العلق: 19.
(4) مسند أحمد 2: 421، صحيح مسلم 1: 350 ح 482، سنن أبي داود 1: 231 ح 875، سنن
النسائي 2: 226، السنن الكبرى 2: 110.
(5) مجمع البيان 10: 516.
(6) سورة البينة: 5.
(7) سورة الزمر: 14.
104

إلى فعل أغنى الأولين عن ذكر نيات العبادات وتعلمها، حتى أن الإخبار خالية
عن تشخص (1) نية، إلا ما سنذكر في الحج والعتق إن شاء الله.
لكن قال في التهذيب في تأويل خبر إعادة الوضوء بترك التسمية: أن المراد
بها النية (2). وفي الخلاف والمختلف نقل الإجماع على وجوبها (3). وفي المعتبر أسنده
إلى الثلاثة وابن الجنيد، وقال: لم أعرف لقدمائنا فيه نصا على التعيين (4). ولم يحتج
في الخلاف بغير الأخبار العامة في النية (5). ومن ثم لم يذكرها قدماء الأصحاب في
مصنفاتهم كالصدوقين.
والجعفي قال: لا عمل إلا بنية، ولا بأس إن تقدمت النية العمل أو كانت
معه. وابن الجنيد عطف على المستحب قوله: وأن يعتقد عند إرادة طهارته أنه
يؤدي فرض الله فيها لصلاته: قال: ولو عزبت النية عنه قبل ابتداء الطهارة، ثم اعتقد ذلك وهو في عملها، أجزأه ذلك.
وهذان القولان مع غرابتهما مشكلان، لأن المتقدمة عزم لا نية، والواقعة في
الأثناء أشكل، لخلو بعضه عن نية. وحمله على الصوم قياس محض، مع الفرق
بأن ماهية الصوم واحدة بخلاف الوضوء المتعدد الأفعال، واستحبابها لا أعلمه
قولا لأحد من علمائنا.
فإن احتج ابن الجنيد على الاستحباب بأنه تعالى قال: (إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا) (6) (وان كنتم جنبا فاطهروا) (7) ولم يذكر النية، وبأن الماء
مطهر مطلقا فإذا استعمل في مواضعه وقع موقعه.

(1) في س: مشخص.
(2) التهذيب 1: 358، الاستبصار 1: 68.
(3) الخلاف 1: 71 المسألة 18، مختلف الشيعة: 20.
(4) المعتبر 1: 138.
(5) راجع الهامش 3.
(6) سورة المائدة: 6.
(7) سورة المائدة 6.
105

أجيب: بأن الآية حجة لنا، لأن المفهوم منه فاغسلوا لأجل الصلاة، ومنه
قولهم إذا لقيت الأمير فخذ أهبتك، وإذا قابلت العدو فخذ سلاحك، فإن المفهوم
منه للقاء الأمير ومقاتلة العدو. وطهورية الماء مسلمة، ولكن الجمع بينه وبين قول
النبي (صلى الله عليه وآله): (إنما الأعمال بالنيات) (1) واجب. على أنه يمكن
العمل بطهورية الماء على الاطلاق في رفع الخبث لأنه كترك القبيح، ولأن المقصود
زوال عينه بالماء وقد حصل، بخلاف الطهارة فإن الغرض بها العبادة.
ومحل النية القلب، لأنها إرادة. ولا يستحب الجمع عندنا بينه وبين القول،
للأصل، ولعدم ذكر السلف إياه. وصار إليه بعض الأصحاب، لأن اللفظ أشد
عونا على اخلاص القصد (2)، وفيه منع ظاهر. والشيخ في الخلاف قال في نية
الصلاة محلها القلب دون اللسان، ولا يستحب الجمع بينهما، محتجا بأن النية
إرادة قلبية مؤثرة في تخصيص الفعل بوجهه، ولا دليل شرعي على التلفظ بها (3).
القول في كيفيتها: وللأصحاب فيها عبارات.
أولها: القربة وابتغاء وجه الله. وهو في: النهاية (4)، والمقنعة (5)، واختيار
البصروي رحمه الله لما مر.
وثانيها: أن ينوي رفع الحدث، أو استباحة فعل مشروط صحته بالطهارة.
وهو قول المبسوط، ولم يذكر القربة (6)، والظاهر أنه تركها لظهورها لا لما قاله

(1) التهذيب 4: 186 ح 519، مسند أحمد 1: 25، صحيح البخاري 1: 2، صحيح مسلم
3: 1515 ح 155، سنن أبي داود 2: 262 ح 2201، الجامع الصحيح 4: 1079 ح 2147،
السنن الكبرى 7: 341.
(2) كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1: 14.
(3) الخلاف 1: 308 المسألة 56.
(4) النهاية: 15.
(5) المقنعة: 15.
(6) المبسوط 1: 19.
106

العامة: أن العبادة لا تكون إلا قربة، لأنه مدخول (1) إذ صيرورتها قربة بغير قصد
ترجيح بلا مرجح.
وثالثها: التصريح بالقربة وأحد الأمرين، ولا يشترط الوجوب ولا الندب.
وهو مختار المعتبر (2).
ورابعها: الاستباحة. ويلوح من كلام المرتضى رضي الله عنه (3).
وخامسها: الجمع بين: القربة، والوجه، والرفع، والاستباحة. وهو قول:
أبي الصلاح (4) وابن البراج (5) وابن حمزة (6) والراوندي، لوجوب الرفع والاستباحة،
ووجوب نية كل واجب، ولأن الرفع يوجد بدون الاستباحة في غسل الحائض إن
قلنا برفعه الأكبر، والاستباحة بدون الرفع في المتيم والطهارة الضرورية، فإذا لم
يتلازما لم يكف أحدهما.
وسادسها: الجمع بين الأربعة وبين الطاعة لله. وهو قول ابن زهرة، قال:
واعتبرنا تعلق الإرادة برفع الحدث، لأنه مانع من الدخول. وبالاستباحة، لأنه
الوجه الذي لأجله أمر برفع الحدث، فما لم ينوه لا يكون ممتثلا للوجه الذي أمر به
لأجله. وتعلقها بالطاعة لله تعالى، لأن بذلك يكون الفعل عبادة. والقربة ومرادنا
بها: طلب المنزلة الرفيعة عنده بنيل ثوابه، لأنه الغرض المطلوب بطاعته.
والوجوب، للامتياز عن الندب، ولوقوعه على الوجه الذي كلف بإيقاعه (7).
وسابعها: اعتبار الوجوب أو وجهه إن كان واجبا، أو الندب، للامتياز،
ولوقوعه على الوجه الذي كلف به، والرفع أو الاستباحة. وهو مستفاد من جمع

(1) راجع: المغني 1: 122، المجموع 1: 313.
(2) المعتبر 1: 319.
(3) مختلف الشيعة: 20.
(4) الكافي في الفقه: 132.
(5) المهذب 1: 45.
(6) الوسيلة: 40.
(7) الغنية: 491 ضمن الجوامع الفقهية.
107

ما تفرق من كلام ابن إدريس رحمه الله، ولم يذكر القربة، وادعى الإجماع على
اعتبار الرفع أو الاستباحة (1).
وثامنها: إطلاق النية. وهو قول: الجعفي، وسلار (2).
قلت: والذي دل عليه الكتاب والسنة هو القربة والاستباحة، والباقي (3)
مستفاد من اعتبار المشخص للفعل لإيقاعه على الوجه المأمور به شرعا، ولكنه
بعيد من حال الأولين، ولو كان معتبرا لم يهمل ذكره.
ولو ضويقنا: فالوجه لا بأس به. وأحد الأمرين من الرفع والاستباحة كاف
في غير المعذور، لتلازمهما بل تساويهما فلا معنى لجمعهما. واعتبار الطاعة مع
القربة بعيد، فإنهما سيان على ما يظهر مما مر أو متلازمان.
قال في البشرى: لم أعرف نقلا متواترا ولا آحادا يقتضي القصد إلى رفع
الحدث أو استباحة الصلاة، لكن علمنا يقينا أنه لابد من نية القربة، قال: وإلا
كان هذا من باب: اسكتوا عما سكت الله عنه.
ويجب فيها المقارنة لابتداء الوضوء، ليقع التأثير، ولدلالة (الأعمال بالنيات)
عليه. المشهور: جواز فعلها عند اليدين، لأنه من الوضوء الكامل. وأولى
منه المضمضة والاستنشاق، لقربهما إلى الواجب.
وصاحب البشرى رحمه الله توقف فيهما، نظرا إلى أن مسمى الوضوء
الحقيقي غيرهما، وللقطع بالصحة إذا قارن عند غسل الوجه.
وابن إدريس: في الغسل ينوي عند غسل اليدين، وفي الوضوء عند
المضمضة والاستنشاق، محتجا بأنهما من جملة العبادة (4). والفرق تحكم. وانما تجوز عند غسل اليدين إذا كان مستحبا، وله شرطان:

(1) السرائر 17، 19.
(2) المراسم: 37.
(3) في س: والثاني.
(4) السرائر: 17.
108

أن يكون الوضوء من حدث النوم أو البول أو الغائط لا من الريح، أو
يكون الغسل من الجنابة، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (إذا استيقظ أحدكم
من نومه، فليغسل يده قبل أن يدخلها الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين
باتت يده) (1).
ولرواية حريز عن الباقر (عليه السلام): (يغسل الرجل يده من النوم مرة،
ومن الغائط والبول مرتين، ومن الجنابة ثلاثا) (2).
ولمضمرة عبيد الله الحلبي: (واحدة من حدث البول، واثنتان من الغائط،
وثلاث من الجنابة) (3).
واختلاف الروايات في البول مشعر بالاستحباب، وعليه يحمل الأمر
النبوي، مع أن التعليل فيه مشعر به أيضا، ويدل على أنه غير واجب منطوق آية
الوضوء ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يبول ولم تمس
يده شيئا، أيغمسها في الماء؟ قال: (نعم، وان كان جنبا) (4).
الشرط الثاني: ان يكون من اناء يمكن الاغتراف منه، فلو توضأ من نهر
أو مصنع أو من اناء لا يمكن الاغتراف منه لم يستحب الغسل، كدا قاله
الفاضل (5) رحمه الله ويمكن القول بالاستحباب لأن النجاسة الموهومة تزول به
بالنسبة إلى غسل باقي الأعضاء ان لم يكن لأجل الماء.
فرع: يتصور في غسل اليدين الأحكام الخمسة، وظاهر انتفاء النية عند

(1) مسند أحمد 2: 403، صحيح البخاري 1: 52، صحيح مسلم 1: 233 ح 278، سنن ابن
ماجة 1: 138 ح 393، سنن أبي داود 1: 25 ح 103، الجامع الصحيح 1: 36 ح 24.
(2) التهذيب 1: 36 ح 97، الاستبصار 1: 50 ح 142.
(3) التهذيب 1: 36 ح 96، الاستبصار 1: 50 ح 141. وفي الكافي 3: 12 ح 5 مسندة عن الصادق
عليه السلام.
(4) الكافي 3: 12 ح 4، التهذيب 1: 37 ح 98، الاستبصار 1: 50 / 141.
(5) منتهى المطلب 1: 49.
109

غير الوجوب والندب وجوازها عند الندب بالشرطين، وفي جوازها عند الواجب
كإزالة النجاسة المعلومة وجه، لأنه أولى من الندب بالمراعاة، والأقرب المنع، لأنه
لا يعد من أفعال الوضوء، وأولى بالمنع غسلهما مستحبا مع عدم الشرطين، كما إذا
باشر مائعا من يتهم بالنجاسة.
ويجب استدامة النية بمعنى البقاء على حكمها والعزم على مقتضاها، لأن
الاستدامة فعلا مما يمتنع أو يعسر، فاكتفي بالحكم دفعا للحرج، وفسر كثير من
الأصحاب الاستمرار على النية بما قاله في المبسوط، وهو أن لا ينتقل من تلك النية
إلى نية تخالفها، وكأنه بناء منهم على أن الباقي مستغن عن المؤثر.
وهنا مسائل:
الأولى: ذو الحدث الدائم كالمبطون، والسلس، والمستحاضة ينوي
الاستباحة. فلو ضم إليها رفع الحدث لغا، إلا أن يقصد رفع ما مضى فحسن.
ولو اقتصر عليه، فإن نوى رفع ما مضى صح لأنه في معنى الاستباحة، وإن نوى
رفعه مع ما هو حاصل أو سيحصل فقد نوى ما بعضه ممتنع، فيمكن الصحة
لتضمن النية رفع مانع الصلاة، والبطلان لعدم إمكان ما نواه فكيف يحصل له؟ ولو نوى رفع الحدث مطلقا، فالأقرب: صرفه إلى الصحة، حملا على ما
مضى. وهل يشترط مع نية الاستباحة نية رفع الماضي؟ الوجه: انه يبني على
العبارات السالفة.
الثانية لو نوى رفع حدث معين واقع ارتفع الجميع، لتوقف رفع
الخصوصية على رفع الجميع، لأن النوم والبول لا ترتفع حقيقتهما وإنما يرتفع
حكمهما، وهو شئ واحد تعددت أسبابه.
ولا يشترط التعرض لها، فإذا تعرض
لها مضافا إلى سبب واحد، لغت الإضافة إلى السبب وارتفع.
ولو جمع بين نية رفعه، ونية بقاء غيره من الأحداث الواقعة، ففيه وجهان:
البطلان، لتناقض القصد.
والصحة، لأنه نوى أمرا فيحصل له عملا
110

بالحديث (1)، وهو يستلزم ارتفاع غيره، ولا فرق بين كون المعين آخر الأحداث أو
لا لأن الخصوصية ملغاة، والمرتفع إنما هو القدر المشترك المانع من الصلاة.
والأقرب: الأول، وعليه يتخرج استباحة صلاة معينة نفي غيرها أو لا.
هذا في وضوء الرفاهية، واما وضوء المضطر فإنه ينوي استباحة الصلاة
مطلقا أو الصلاة الواحدة، فلو زاد على الواحدة لغت نيته واستباح الواحدة. ولو
نوى استباحة النافلة هنا لم يستبح الفريضة به، لأن وضوءه لا يبيح أزيد من واحدة
على ما مر.
ولو نوى استباحة صلاة وعدم استباحتها، فالوجه: البطلان، لتلاعبه مع
التناقض وبه يعرف وجه الأقرب السالف، والمنوي إنما يحصل إذا كان ممكنا،
وهنا قد نوى المتنافيين فلو حصلا اجتمعا، وحصول أحدهما ترجيح بغير مرجح.
ولو نوى رفع حدث غير واقع، أو استباحة صلاة قد فعلها متعمدا، بطل
قطعا، لأنه كلا نية. وان كان غلطا في اللفظ، لم يضر مع وجود القصد الصحيح.
وإن كان غلطا في القصد، فالأقرب: البطلان، لعدم النية المعتبرة، وكذا لو ظنه
واقعا فبان غير واقع.
الثالثة: لو نوى وضوء مطلقا لم يكف، لاشتراكه بين الواجب والندب،
والمبيح وغيره. ولو نوى الكون على الطهارة، فالأقرب: الصحة لأن الطهارة
تمتنع بدون رفع الحدث.
ولو نوى استباحة ما الطهارة مكملة له كقراءة القرآن، ودخول المساجد
فالأقرب: الصحة إن نوى إيقاعها على الوجه الأفضل، لتوقفه على رفع الحدث.
وفي نية الوضوء للنوم نظر، لأنه نوى وضوء الحدث. وألحقه في المعتبر
بالصحيح، لأنه قصد النوم على أفضل أحواله (2) ولما في الحديث من استحباب النوم على طهارة وهو مشعر بحصولها. ولك أن تقول: لا يلزم من استحباب النوم

(1) تقدم في ص 106 الهامش 1.
(2) المعتبر 1: 140.
111

على الطهارة صحة الطهارة للنوم، إذ الموصل إلى ذلك وضوء رافع للحدث فلينو
رفعه، أو استباحة مشروط، به لا مناف له.
والتحقيق: ان جعل النوم غاية مجاز، إذ الغاية هي الطهارة في آن قبل
النوم بحيث يقع النوم عليها، فيكون من باب الكون على طهارة وهي غاية
صحيحة.
وقطع في المبسوط بان ينوي استباحة ما يشترط فيه الطهارة، فلا يصح
الوضوء بنية غيره، لأنه مباح من دونه (1).
قلنا: الإباحة لا كلام فيها، وإنما الكلام في وقوع ذلك المنوي على الوجه
الأفضل وذلك غير حاصل من دون الطهارة، ولأنهم جعلوا العلة في فضيلة تلك
الأفعال الطهارة، فكيف لا تحصل؟ ولك أن تجيب بما مر. ومن هذا يعلم ما لو
نوى الجنب قراءة القرآن أو الجواز في المسجد.
ولو نوت الحائض بعد طهرها إباحة الوطء، فالأقرب: الصحة، لما قلناه
وخصوصا على القول بحرمته قبل الوطء. ويحتمل البطلان، لأن الطهارة لحق الله
ولحق الزوج فلا تبعض، بل تكلف طهارة صالحة لهما. ويجاب: بأن القربة
حاصلة، وإباحة الوطء على الكمال أو الصحة موقوف على رفع الحدث، فهما
منويان.
الرابعة: لو جدد طهارة، فتبين فساد الأولى أو سبق الحدث، ففي ارتفاعه
وجهان، من حيث عدم نيته، ومن أن شرعية المجدد لتدارك الخلل وكمالية
الطهارة، وهو قضية كلام الشيخ رحمه الله في المبسوط، مع أنه شرط في الوضوء
الواجب الاستباحة أو الرفع (2).
وأولى بالصحة لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة فتوضأ احتياطا، لنية
الاستباحة هنا. ويمكن المساواة، لعدم الجزم بالمنوي. وعلله في
التذكرة بعدم نية

(1) المبسوط 1: 19.
(2) المبسوط 1: 19، 25.
112

الوجوب (1). ويشكل: بانا نتكلم على تقديرها.
أما عكسه، أو الشاك في المتأخر من الطهارة والحدث، ثم يتطهران، فإن
طهارتهما صحيحة قطعا وإن تيقنا الحدث بعد، لأنهما مخاطبان بالجزم وقد فعلاه.
ولو ذهل عن الطهارة فأتى بها جازما، ثم تبين أنه كان قد فعلها على نوع
خلل، فالصحة قوية لمطابقة الجزم الواقع. وأولى بالصحة ما لو شك بعد هذه فيما
وقع فيه الخلل من الطهارتين.
الخامسة لو ضم إلى النية منافيا، فالأقرب: البطلان، كالرياء، والندب
في الواجب، لأن تنافي المرادات يستلزم تنافي الإرادات.
وظاهر المرتضى: الصحة، بمعنى: عدم الإعادة لا بمعنى حصول
الثواب، ذكر ذلك في الصلاة المنوي بها الرياء (2). وهو يستلزم الصحة فيها وفي
غيرها مع ضم الرياء إلى التقرب.
ولو ضم اللازم كالتبرد، قطع الشيخ وصاحب المعتبر بالصحة، لأنه فعل
الواجب وزيادة غير منافية (3). ويمكن البطلان، لعدم الاخلاص الذي هو شرط
الصحة. وكذا التسخن والنظافة.
السادسة: العاجز عن مباشرة الأفعال ينوي وان كان المباشر غيره، لأنه
المكلف والمباشر آلة. ولو نوى المباشر معه كان حسنا، لأنه الفاعل حقيقة كذبح
الهدي. ولا تجزئ نية المباشر وحده قطعا، لعدم جواز الاستنابة في النية، إذ هي
مقدورة تعلق مراد الشارع بها من المكلف بعينه.
ولو زال عذره فطهارته باقية، لعدم ثبوت كون مثله حدثا، خرج الوقت أو
لا، صلى بها أو لا.
السابعة: اشتراط القربة يمنع صحة الطهارة من الكافر، وتقربه بمعتقده

(1) تذكرة الفقهاء 1: 15.
(2) الانتصار: 17.
(3) المبسوط 1: 19، المعتبر 1: 140.
113

لا عبرة به، لأن التقرب إنما يعتبر على الوجه الشرعي.
أما غسل الكافرة الطاهرة من الحيض تحت المسلم ليغشاها فقد جوزه قوم
للضرورة (1)، وأورده الشيخ في الإيلاء من المبسوط (2)، ولو قيل بتسويغ الوطء من
غير غسل للضرورة كان قويا، وارتكاب هذه الضرورة أولى من ارتكاب شرع
غسل بغير نية صحيحة، ولأنهم منعوا من طهارة المرتد مع تحرمه بالاسلام على
الاطلاق (3)، فالكافر الأصلي أولى.
والعامة لما لم تكن القربة معتبرة عندهم حكموا بالصحة، وأبعد من الصحة
غسل المجنونة من الحيض بتولي الزوج، إذ لا تكليف في حقها، وجوز الأمرين
الفاضل (4)، ولم أره لغير العامة، وفرع عليه ما فرعوه من وجوب الإعادة بعد
الاسلام والإفاقة (5).
ولو ارتد المسلم في الأثناء بطل، لعدم البقاء على حكم النية، فإن عاد في
موضع صحة العود بنى بنية مستأنفة أن بقي البلل وإلا أعاد، ولو ارتد بعده لم
يبطل لسبق ارتفاع حدثه قيل ابتداء الوضوء في الردة باطل فكذا دوام حكمه.
قلنا: الفرق اشتراط النية الممتنعة من الكافر في الابتداء بخلاف الدوام،
ولأنه بعد الفراغ من الوضوء مستديم حكمه لا فعله فلا يتأثر بالردة السابقة
ويعارض بالردة بعد الصلاة والصوم، وكذا لا يبطل التيمم عندنا بالردة بعده لما
قلناه، قالوا خرج بكفره عن الاستباحة، قلنا ما دام الكفر.
الثامنة: لو نوى قطع الطهارة في الأثناء، أو المنافي للنية، بطلت حينئذ.
فلو عاد استأنف النية والوضوء إن جف، وإلا فالنية. ولو كان في أثناء الغسل كفاه

(1) المغني لابن قدامة 8: 129، الشرح الكبير 8: 135.
(2) المبسوط 5: 140.
(3) انظر: الخلاف 1: 127، المسألة 69.
(4) تذكرة الفقهاء 2: 646.
(5) المغني لابن قدامة 1: 239. وانظر الخلاف 1: 127، المسألة.
114

النية للباقي، لعدم شرط الموالاة فيه، ولو قدر اشتراط الموالاة فيه كغسل
الاستحاضة استأنفه.
ولو اشتغل عن الأفعال بغيرها مع استمرار حكم النية، لم يضر ما لم يجف
البلل، ولا يحتاج إلى نية مستأنفة وكذا الغسل، إلا مع طول الزمان، ويمكن
عدم احتياجه فيه مطلقا مع بقاء الاستمرار الحكمي.
التاسعة: لو عزبت الاستدامة في الأثناء، ولما يحصل المنافي، لم يقدح وان
تقدمت عند السنن، لأنها من الوضوء.
قالوا: المقصود من العبادة واجباتها، والندب تابع، فلا بد من بقاء النية إلى
أول الواجبات.
قلنا: ذلك يسد باب تقدمها، لعدم فائدته، ولعسر البقاء.
ولو نوى المنافي حال الذهول، فهو كالمنافي حال النية بل أولى، لضعف
الاستدامة الحكمية، وقوة الابتداء الحقيقي.
العاشر: من عليه موجب ينوي الوجوب في طهارته ما دام كذلك.
فلو نوى الندب عمدا أو غلطا بني على اعتبار الوجه، والحدث يرتفع وإن
لم يقصد فعل ما عليه من الواجب، لأن وجوب الوضوء مستقر هنا عند سببه.
ولو كان خاليا عن الموجب، ونوى الندب أو الاستباحة أو الرفع، صح.
ولو نوى الوجوب بني على ما قلناه، وأولى بالصحة هنا، لدخول المندوب
تحت الواجب لاشتراكهما في ترجيح الفعل، ونية المنع من الترك مؤكدة.
ومن قال بوجوب الوضوء لمجرد الحدث كما قلنا فيما سلف فالنية للوجوب
أبدا، وقد احتمله الفاضل في النهاية (1)، وإنما البحث على قول من جعل الموجب
وهو دخول الوقت، أو أحدهما بشرط الاخر، وهو معنى قولنا: انه يجب لغيره.
ووجه البطلان: عدم الاتيان به على وجهه. فعلى هذا لو صلى به صلوات

(1) نهاية الاحكام 1: 32.
115

أعاد ما وقع بالطهارة الأولى، لأنه صار مشغول الذمة بالواجب. هذا إن قلنا
بصحة وضوء المحتاط به إذا صادف الوجوب، بشرط تخلل الحدث، أو الذهول
عن كونه متطهرا، والضابط أن يكون جازما بموجب نية الطهارة الثانية.
ولو شك في دخول وقت الموجب، بنى على الأصل ونوى الندب. فلو تبين
الدخول ففيه الوجهان، ولو كان له طريق إلى العلم فالبطلان أقوى.
ولو شك في اشتغال ذمته بالموجب، فالأصل: البراءة، فينوي الندب. ولو
علم الاشتغال وشك في الخلو، فالأصل: البقاء، فينوي الوجوب. ولو ردد نيته
بين الواجب والندب عند الشك، إما مطلقا أو على تقديرين، فالوجه: البطلان
إن اعتبرنا نية الوجه، لعدم الجزم مع إمكان جزمه هنا.
ولو ظن الموجب في ذمته فتطهر، ثم بان عدمه، فالصحة أقوى، عملا
بامتثاله ما كلف به، ويمكن البطلان، لعدم مطابقته الواقع. ولو ظن براءة ذمته فنوى الندب، ثم ظهر الموجب، فهو كالمجدد يظهر
مصادفته الحدث. ومال في التذكرة في التذكرة إلى الصحة (1) وهو مشكل على أصله من اعتبار الوجه، وعدم الاجتزاء بالمجدد.
ولو شرع في الطهارة قبل الموجب، ثم حصل في أثنائها، فالأقرب:
الاستئناف، لأنها عبادة واحدة، ولو لم نعتبر الوجه لم نوجب الاستئناف. الحادية عشرة: لتفريق النية صور:
الأولى: أن يفرد كل عضو أو بعضه بنية تامة، فيمكن الصحة، لأن إجزاء
العامة يستلزم إجراء الخاصة، لأنها أقوى دلالة. ووجه المنع: انه عبادة واحدة
متصلة فلا يفرد بعضها عن بعض، وللقطع بان صاحب الشرع لم يفعل ذلك.
الثانية: أن ينوي عند كل عضو رفع الحدث عن ذلك العضو، أو عنه وعن
عضو آخر، فالبطلان هنا أولى، لأن حكم الحدث يرجع إلى الجملة، فارتفاعه

(1) تذكرة الفقهاء 1: 16.
116

عنها مقصود وهو غير منوي. ويحتمل الصحة، لتوهم السريان إليها.
الثالثة: لو نوى في ابتداء الوضوء رفع الحدث عن الأعضاء الأربعة، ففيه
الوجهان، والأقرب: البطلان لما قلناه على السريان يصح. وينسحب البحث
لو نوى استباحة الصلاة لعضو عضو.
الثانية عشرة: لو أخل بلمعة، فغسلها في الثانية بنية الندب عمدا،
بطلت. ولو كان جاهلا بها، ففيه الوجهان: الصحة، لاقتضاء النية الأولى وجوب
الغسل فالطارئ لا يؤثر، ولأن شرعية المندوب إنما هو بعد الفراغ من الواجب فقبله
لا يشرع، فقصده ممتنع فيبقى على القصد الأول. والبطلان، لاختلاف الوجه
والنية. ويؤيد الأول: أن شرع الثانية للتدارك، فيحصل.
قال ابن الجنيد: وإنما استحبت الثانية ليكمل بها ما لعله نقص في
الأولى (1). وينبه عليه حسن زرارة وبكير عن الباقر (عليه السلام) في
الغرفة الواحدة أتجزي؟ فقال: (نعم، إذا بالغت فيها، والثنتان يأتيان على ذلك
كله)) (2).
وربما بنى على أن نية المنافي بعد عزوب النية هل تؤثر أم لا؟ وعلى ان الوضوء
المنوي به ما يستحب له الطهارة يصح أم لا؟ وقد سبقا. وقد ينازع في تصور البناء
على الأصل الثاني، بناء على عدم صحة الوضوء المندوب قبل الواجب لمن عليه
واجب.
الثالثة عشرة: طهارة الصبي تمرينا هل هي معتبرة؟ فيه وجهان وكذا جميع
عبادته -: نعم، لأمر الولي بأن يأمره وهو معنى الشرعي، ولأنه يستبيح الصلاة
التي هي حرام على المحدث. ولا، لعدم التكليف في حقه، وصحة الصلاة
الواقعة منه كطهارته.

(1) مختلف الشيعة: 22
(2) الكافي 3: 25 ح 5، التهذيب 1: 81 ح 211، الاستبصار 1: 71 ح 216.
117

وهل ينوي الوجوب أو الندب؟ الأجود الأول، ليقع التمرين موقعه،
ويكون المراد بالوجوب في حقة ما لا بد منه، إذا المراد به الوضوء الواجب على
المكلف. ويمكن الثاني، لعدم وجه الوجوب في حقة، وهذا مطرود في نياته كلها.
وتظهر فائدة الحكم بالصحة فيما لو بلغ وطهارته باقية. والشيخ قطع في
المبسوط بأن الصبي والصبية إذا بلغا في أثناء الصلاة بما لا يبطل الطهارة أتما (1)،
وهو يستلزم كون عبادتهما معتبرة شرعا.
وفي الخلاف أوجب إعادة الصلاة مع بقاء الوقت، محتجا بأن الندب لا
يجزي عن الواجب، ولم يذكر إعادة الطهارة (2).
وفي المعتبر موافقة المبسوط في الصبية (3).
والفاضل يوجب إعادة الطهارة والصلاة، بناء على عدم كونهما شرعيين (4).
الرابعة عشرة: يجب مقارنتها لأعلى الوجه، لما سيأتي إن شاء الله من وجوب
البدأة بالأعلى. ولو قلنا بعدمه، جازت المقارنة لأي جزء اتفق، حتى لو غسل مع
المضمضة أو الاستنشاق جزءا من الوجه مع النية كان مجزئا.
الخامسة عشرة: لا ريب أن غسل اليدين المستحب من سنن الوضوء،
وأبلغ منه المضمضة والاستنشاق، فلو نوى عندها الوضوء، أثيب عليها، وإلا فإن
نواها خاصة أثيب وإلا فلا.
وهل السواك والتسمية من سننه حتى تقع عندهما النية؟ ظاهر الأصحاب
والأحاديث أنها من سننه، ولكن لم يذكر الأصحاب إيقاع النية عندهما، ولعله
لسلب اسم الغسل المعتبر في الوضوء عنهما.
السادسة عشرة: ذو الجبيرة ينوي رفع الحدث، لانتقال الفرض إليها، وكذا
الماسح على الخف حيث يجوز. ويتخرج على قول من قال بإعادة الوضوء لو زال

(1) المبسوط 1: 73.
(2) الخلاف 1: 306 المسألة 53.
(3) المعتبر 2: 103.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 15.
118

العذر، انه ينوي الاستباحة كالمتيمم والمستحاضة.
السابع عشرة: لو نوى استباحة السجدة المنسية أو المرغمتين صح قطعا.
ولو نوى استباحة سجدة العزيمة أو مس المصاحف، بني على اشتراط
الطهارة فيهما، فإن قلنا به ارتفع حدثه، وإلا بني على الأكمل.
ولو نوى سجدة الشكر بنى على الأكمل قطعا، لاتفاقنا على عدم اشتراط
الطهارة فيها.
الثامنة عشرة: لو نوى فرض الوضوء للقربة، فعلى القول بالاكتفاء بها
وبالوجه تجزئ قطعا، وعلى اعتبار الرفع أو الاستباحة يمكن الإجزاء لأنا نعلل
الفرضية بهما، فقد نوى موجب الرفع أو الاستباحة فهو كنيتهما، والأقرب: المنع،
لأنه لا تلازم بينهما في التصور. ولو قدر حضور أحدهما عند حضور الفريضة زال
الإشكال.
الواجب الثاني: غسل الوجه.
وهو أول الأركان الظاهرة، ووجوبه بالنص والإجماع، قال الله تعالى: (يا
أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) (1) والإجماع على وجوبه.
ويجب استيعابه، للآية. وحده طولا: من قصاص مستوي الخلقة إلى طرف
الذقن بالذال المعجمة المفتوحة وفتح القاف، وعرضا: ما اشتملت عليه الابهام
والوسطى، لأنه القدر الذي غسله النبي صلى الله عليه وآله بنقل أهل البيت
(عليهم السلام) (2) والقدر الذي رواه المسلمون، وقد رواه الأصحاب:
فقال ابن الجنيد: كذلك الرواية عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).
وفي الكافي والتهذيب عن حريز عن زرارة، قلت له: أخبرني عن حد الوجه
الذي ينبغي له أن يوضأ الذي قال الله تعالى؟ فقال: (الوجه الذي أمر الله عز
وجل بغسله، الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه، إن زاد عليه لم

(1) سورة المائدة: 6.
(2) انظر الوسائل، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 15.
119

يؤجر، وان نقص منه أثم، ما دارت عليه (1) السبابة والوسطى والابهام من
قصاص شعر الرأس إلى الذقن، وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو
من الوجه، وما سوى ذلك فليس من الوجه). قلت: الصدغ ليس من الوجه؟
قال: (لا) (2).
وفي الفقيه: قال زرارة لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرني عن حد الوجه؟
.... الحديث بعينه (3)، وهو الدليل ان المضمر هناك هو الباقر (عليه السلام)، مع ما
رواه ابن الجنيد. والشيخ في الخلاف أسنده عن حريز عن أحدهما (عليهما
السلام) (4)، وتبعه في المعتبر (5).
وعن إسماعيل بن مهران: كتبت إلى الرضا (عليه السلام) أسأله عن حد
الوجه؟ فكتب إلي: (من أول الشعر إلى آخر الوجه) (6).
وعن زرارة سألت أبا جعفر (عليه السلام): ان أناسا يقولون إن الاذنين
من الوجه وظهرهما من الرأس! فقال: (ليس عليهما غسل، ولا مسح) (7).
قال في التهذيب: وليس الوجه ما يواجه به، وإلا كان الأذنان والصدر بل
كل ما يواجه به منه، وهو فاسد (8).
قلت: ولو سلم هذا لم يدل على الزائد، لأن آخر الصدغين والبياض الذي
عند الاذنين لا تحصل بهما حقيقة المواجهة، وانما لم يحد الله الوجه كما حد اليدين
والرجلين، لا تحاد مسماه ووجوب إيعاب جميعه بخلافهما.

(1) ليست في م، س.
(2) الكافي 3: 27 ح 1، التهذيب 1: 54 ح 154.
(3) الفقيه 1: 28 ح 88.
(4) الخلاف 1: 76 المسألة 23.
(5) المعتبر 1: 141.
(6) الكافي 3: 28 ح 4، التهذيب 1: 55 ح 155.
(7) الكافي 3: 29 ح 10، التهذيب 1: 55 ح 156، الاستبصار 1: 63 ح 187.
(8) التهذيب 1: 54.
120

ويجب البدأة بأعلى الوجه إلى آخر الذقن في الأصح فلو نكس بطل،
لصحيح زرارة بن أعين، قال: حكى لنا (1) أبو جعفر (عليه السلام) وضوء رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، فدعا بقدح وماء، فادخل يده اليمنى واخذ كفا من ماء
فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه، ثم مسح بيده الحاجبين جميعا، ثم أعاد
اليسرى في الاناء فأسدلها على اليمنى، ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمنى في
الاناء، ثم صبها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى، ثم مسح ببقية ما بقي
في يديه رأسه ورجليه ولم يعدها في الماء (2).
ولأن الوضوء الذي وقع من النبي (صلى الله عليه وآله) بيانا وقال: (هذا
وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به) (3) - اي: بمثله يمتنع ان يكون البدأة فيه بغير
الأعلى، إلا لما جازت البدأة بالأعلى.
والمرتضى وابن إدريس: يستحب، فيصح النكس (4)، للعموم، ولصحيح
حماد بن عثمان عن الصادق (عليه السلام): (لا بأس بمسح الوضوء مقبلا
ومدبرا) (5).
قلنا: العموم يخص بدليل، والمسح غير الغسل.
وهنا مباحث:
الأول: هذا التقدير للأغلب من الناس، فغيره كالأنزع (6) والأغم (7)
وطويل الأصابع وقصيرها يرجع إلى الأغلب، حملا للفظ على الحقيقة العرفية،
مع التمسك بأصل البراءة في الزائد، وبشغل الذمة في الناقص.

(1) في م، س: لي.
(2) التهذيب 1: 55 ح 157، الاستبصار 1: 58 ح 171، وفي الكافي 3: 24 ح 1 بتفاوت.
(3) السنن الكبرى 1: 80.
(4) الانتصار: 16، المسائل الموصلية 1: 213، السرائر: 17.
(5) التهذيب 1: 58 ح 161، الاستبصار 1: 57 ح 169.
(6) الأنزع: هو الذي انحسر الشعر عن جانبي جبهته، الصحاح مادة نزع.
(7) الأغم: من الغمم، وهو أن يسيل الشعر حتى تضيق الجبهة أو القفا، الصحاح مادة غمم.
121

الثاني: قال الفاضلان: لا يجب غسل العذار، لعدم تناول اللفظ له،
وللأصل: وأولى منه البياض الذي بين الاذن والعذار (1).
وفي المبسوط: وأهداب العينين والعذار والشارب والعنفقة إذا غسلها
أجزأه، ولا يجب عليه إيصال الماء إلى ما تحتها (2).
وفي الخلاف: لا يجب ايصال الماء إلى ما أصل الشئ من شعر الوجه، مثل:
شعر الحاجبين، والأهداب، والعذار، والشارب، بالاجماع (3).
وابن أبي عقيل لما ذكر حد الوجه قال: وما سوى ذلك من الصدغين
والأذنين فليس من الوجه، ولم يذكر العذار فاطلاقه قد يشمله.
وقال ابن الجنيد: وكل ما أحاط به الشعر وستره من بشرة الوجه، أعني:
شعر العارضين والشارب والعنفقة والذقن، فليس على الإنسان إيصال الماء إليه
بالتخليل، وانما عليه إجراء الماء على الوجه والساتر له من الشعر.
وظاهر هذه العبارات وجوب غسل العذار.
قلت: العذار: ما حاذى الاذن يتصل أعلاه بالصدغ، وأسفله بالعارض.
والعارض: الشعر المنحط عن القدر المحاذي للاذن نابتا على اللحية، والذقن
تحته: وهو مجمع اللحيين. والعنفقة: الشعر الذي على الشفة السفلى بين بياضين
غالبا. والصدع: ما حاذى العذار فوقه.
وقد تضمنت الرواية المشهورة سقوط غسله (4) وفيها ايماء إلى سقوط غسل
العذار (5) مع أن الابهام والوسطى لا يصلان إليه غالبا، ومع ذلك فغسل العذار
أولى أخذا بالاحتياط، ولأن العارض يجب غسله قطعا وهو متصل بالعذار وقريب

(1) المعتبر 1: 141، منتهى المطلب 1: 57، نهاية الأحكام 1: 36.
(2) المبسوط 1: 20.
(3) الخلاف 1: 77 المسألة 25. وفيه زيادة: والعنفقة.
(4) اي الصدغ.
(5) تقدمت في ص 121 الهامش 2.
122

من محاذاته. وكذا شعر الخدين يجب غسله مع اتصال العذار به، ولعدم مفصل
يقف الغسل عليه دون العذار.
وظاهر الراوندي في الأحكام غسل الصدغين (1) والرواية تنفيه.
الثالث: لا يجب غسل النزعتين وهما: البياضان المكتنفان للناصية أعلى
الجبينين كما لا يجب غسل الناصية، ولأن القصاص غالبا في حد التسطيح الذي
ينفصل به الوجه عن الرأس، لان ميل الرأس إلى التدوير والنزعتان والناصية في
محل التدوير.
أما مواضع التحذيف بالذال المعجمة، وهو الذي ينبت عليه الشعر
الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة، أو ما بين الصدغ والنزعة، وتحذف النساء
والمترفون الشعر منه فالأحوط انها من الوجه، لاشتمال الإصبعين على طرفها غالبا،
ولوقوعها في التسطيح والمواجهة. وقطع في التذكرة بعدمه، لنبات الشعر عليه
متصلا بشعر الرأس (2) ولقضية الأصل، وما أشبهها بالعذار فلتكن بحكمه.
والعجب أن العامة مجمعة على ادخال العذارين في الوجه، ومختلفون في
مواضع التحذيف، قال كثير منهم بعدم دخولها (3) مع محاذاتها العذارين ودخولها
في التسطيح، وهذا يضعف التحديد بالتسطيح. وعلى كل حال يجب عندنا غسل
ما ناله الإصبعان منها غالبا.
ولا يرد على تحديد الوجه: داخل العين والفم والأنف، لعدم وجوب غسلها
قطعا، لأن المراد ظاهر ما بين القصاص ومنتهى الذقن، ولهذا ينتقل الفرض إلى
الشعر النابت على الوجه.
وبالتحديد يخرج المسترسل من اللحية طولا وعرضا، فلا يجب غسله، ولا
إفاضة الماء على ظاهره، لعدم اتصاف فاقد اللحية بنقص الوجه. والخبر عن النبي

(1) فقه القرآن 1: 13.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 16.
(3) راجع: المجموع 1: 371، المغني 1: 128، المبسوط للسرخسي 1: 6.
123

(صلى الله عليه وآله) أنه رأى رجلا غطى لحيته وهو في الصلاة، فقال: (اكشف
لحيتك، فإنها من الوجه) (1) ضعفه العامة، ولو سلم حمل على غير المسترسل منها.
الرابع: المشهور عدم وجوب تخليل الشعر النابت على الوجه، خف كله أو
كثف كله أو تبعض، لرجل كان أو لامرأة، حتى لا يجب تخليل لحية المرأة، نص
على ذلك كله (2): الشيخ في المبسوط (3) وصاحب المعتبر، لأن الوجه اسم لما يواجه
به ظاهرا فلا يتتبع (4) غيره.
ولصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) رواه الصدوق: (كل ما
أحاط به الشعر، فليس على العباد أن يطلبوه، ولا أن يبحثوا عنه، لكن يجري عليه
الماء)، وهو شامل للمدعى (5).
وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يتوضأ
أيبطن لحيته؟ قال: (لا) (6).
ولما يأتي إن شاء الله من حديث المرة في الوضوء.
وما رووه: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ فغرف غرفة غسل بها
وجهه (7) ولا يبلغ ماء الغسلة الواحدة أصول الشعر وخصوصا مع الكثافة، مع أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان كث اللحية كما وصفه به علي (عليه
السلام) (8).

(1) تلخيص الحبير 1: 318.
(2) ليست في س.
(3) المبسوط 1: 20، 22.
(4) في س، ط: يتبع.
(5) المعتبر 1: 142.
وصحيح زرارة في الفقيه 1: 28 ح 88.
(6) الكافي 3: 28 ح 2، التهذيب 1: 360 ح 1084.
(7) صحيح البخاري 1: 47 - 48، سنن أبي داود: 34 ح 137، سنن النسائي 1: 74.
(8) أمالي الطوسي 1: 350، ونحوه في مسند أحمد 1: 116، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8: 74 ح 6278.
124

ولأن كل شعرة تستر ما تحتها ضرورة فلا يجب غسله كالساتر للجميع لقيام
المواجهة فيه.
وابن الجنيد ذكر ما مضى، ثم قال: ومتى فرجت اللحية، فلم تكن
تتوارى بنباتها البشرة من الوجه، فعلى المتوضئ غسل الوجه كما كان قبل أن ينبت
الشعر، حتى يستيقن وصول الماء إلى بشرته التي يقع عليها حس البصر إما
بالتخليل أو غيره، لأن الشعر إذا ستر البشرة قام مقامها فإذا لم يسترها كان على
المتطهر إيصال الماء إليها (1).
وقال المرتضى: ومن كان ذا لحية كثيفة تغطي بشرة وجهه، فالواجب عليه
غسل ما ظهر من بشرة وجهه، وما لا يظهر مما تغطيه اللحية لا يلزم إيصال الماء
إليه، ويجزئه إجراء الماء على اللحية من غير إيصال إلى البشرة المستورة. ثم حكى
عن الناصر وجوب غسل العذار بعد نبات اللحية كوجوبه قبل نباتها، قال رحمه
الله -: هذا غير صحيح، والكلام فيه قد بيناه في تخليل اللحية، والكلام في
المسألتين واحد، لأنا قد بينا الشعر إذا علا البشرة انتقل الفرض إليه (2).
فحمل الفاضل رحمه الله كلامهما في التذكرة على وجوب تخليل الشعر
الخفيف، سواء كان الغالب فيه الخفة والكثافة نادرة كما عدا اللحية أو لا
كاللحية. وأوجب غسل الشعر الساتر ومنبته، وحكم بأن غسل أحدهما لا يجزئ
عن الآخر (3).
وكلاهما يحتمل قصر الوجوب على غسل البشرة التي لا شعر عليها، كقول
ابن الجنيد: التي يقع عليها حس البصر، وكلام السيد أظهر في المراد، وذلك غير
التخليل بالتفسير الذي ذكره، ولا يخالف الشيخ (4) والجماعة فيه. وفى المختلف

(1) مختلف الشيعة: 21.
(2) الناصريات: 220.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 16.
(4) المبسوط 1: 20.
125

ظاهره ما فسرنا كلامهما به، لأنه احتج عليه بوجوب غسل الوجه، وإنما ينتقل
الفرض إلى اللحية مع الستر لأنه يواجه بها حينئذ، أما مع رؤية الوجه فإن المواجهة
به دون اللحية (1). وهذا غير صريح في وجوب غسل ما تحت الشعر الساتر، إنما
هو صريح في وجوب غسل ما لا شعر فيه من الوجه.
وما في التذكرة مع مخالفته ظاهر الأصحاب يخالف مشهور العامة أيضا (2)،
لأن الضابط عندهم أن ما عدا شعر اللحية يجب تخليله وإن كثف، فيجب غسل
بشرته وشعره لندور الكثافة فيه فيلحق بالغالب، ولأن بياض الوجه محيط به، إما
من كل جانب كالحاجبين والأهداب أو من جانبين كالعذارين والشاربين،
فيجعل موضعها تبعا لما تحيط به.
وشعر اللحية يجب تخليله مع الخفة لا مع الكثافة. ونعني بالتخفيف، ما
تتراءى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب، أو ما يصل الماء إلى منبته من غير
مبالغة، وقد يؤثر الشعر في أحد الأمرين دون الآخر بحسب السبوطة والجعودة.
والكثيف يقابله في الأمرين.
ولو كان بعض الشعر خفيفا وبعضه كثيفا وفي مقتضى كل عليه، على
القول بالتخليل.
الخامس: إذا لم نقل بوجوب التخليل، فالأولى: استحبابه استظهارا ولو
مع الكثافة، لما رووه ان النبي (صلى الله عليه وآله) فعله (3).
وروينا في الجعفريات انه (صلى الله عليه وآله) قال: (أمرني جبرئيل عن
ربي أن اغسل فنيكي عند الوضوء) (4). وهما جانبا العنفقة، أو طرف اللحين
عندها. وفي الغريبين: مجمع اللحين ووسط الذقن. وقيل: هما العظمان

(1) مختلف الشيعة: 22.
(2) راجع: الام 1: 25، المغني 1: 128، مغني المحتاج 1: 51، بدائع الصنائع 1: 3.
(3) السنن الكبرى 1: 54.
(4) الجعفريات: 18.
126

الناشزان أسفل من الأذنين. وقيل: هما ما يتحركان من الماضغ دون
الصدغين (1).
وعنه (صلى الله عليه وآله): انه كان ينضح غابته (2). وهي: الشعر تحت
الذقن. وان عليا (عليه السلام) كان يخلل لحيته (3).
وما مر مما يدل على نفي التخليل يحمل على نفي الوجوب جمعا بين الأخبار.
وحينئذ بطريق الأولى استحباب إفاضة الماء على ظاهر اللحية طولا وعرضا،
وصرح به ابن الجنيد.
وفي خبر زرارة الصحيح عن الباقر (عليه السلام) في حكاية وضوء رسول
الله (صلى الله عليه وآله): (ثم غمس كفه في الماء، ثم وضعه على جبينه وسيله
على أطراف لحيته)، ثم أمر يده على وجهه وظاهر جبينه مرة واحدة) (4). وفي
الكافي: (وسدله على أطراف لحيته) (5). والأول رواية ابن بابويه.
وفي التذكرة اختار استحباب تخليل اللحية الكثيفة، واستحباب اكثار الماء
للوجه، عملا بما رووه عن علي (عليه السلام) من فعل النبي (صلى الله عليه
وآله).
واستحباب مسح المأقين بالإصبعين لإزالة الرمص، لفعل النبي (صلى الله
عليه وآله) (6). قلت: رواه من فعله أبو امامة، ولم أره من طريقنا ولكنه حسن

(1) لاحظ: لسان العرب وتاج العروس مادة فنك والغريبين: مخطوط.
(2) الجعفريات: 18.
(3) الجعفريات: 18.
(4) الفقيه 1: 24 ح 74.
(5) الكافي 3: 25 ح 4.
(6) تذكرة الفقهاء 1: 16.
ورواية علي (عليه السلام) في سنن أبي داود 1: 29 ح 117.
وفعل النبي صلى الله عليه وآله رواه احمد في مسنده 5: 258، أبو داود في سننه 1: 33 ح 134،
البيهقي في سننه 1: 66.
127

للاستظهار، ولو حال الرمص بين الماء والبشرة الظاهرة وجب.
والمأق: طرف العين الذي يلي الأنف، يهمز ولا يهمز، ويقال.
وغيره، وست لغات اخر. والطرف الآخر للعين اللحاظ.
ولا يستحب غسل باطن العين للأصل، بل ربما كره للأذى. وفعل ابن
عمر ليس بحجة، مع أنه روي أنه عمي منه (1).
السادس: لا يستحب غسل الاذنين ولا مسحهما، بل هو بدعة، قاله
المفيد (2).
وقد روي زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، قلت: ان أناسا يقولون أن
بطن الاذنين من الوجه، وظاهرهما من الرأس! فقال: (ليس عليهما غسل، ولا
مسح) (3).
وفي رواية محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام): (الأذنان ليستا من
الوجه، ولا من الرأس) (4)
وما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): (الأذنان من الرأس) (5) لم يثبت،
ولو صح لم يدل على مسحهما، لاختصاص المسح بالمقدم كما يأتي إن شاء الله
واما رواية علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) من كونهما من
الرأس فتمسحان (6) فهي تقية في النقل والفعل، إذ قد علم ضرورة من مذهب أهل
البيت خلاف ذلك.
وقوله (صلى الله عليه وآله): (سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه

(1) احكام القرآن للجصاص 2: 366، بدائع الصنائع 1: 4، المبسوط للسرخسي 1: 6.
(2) المقنعة: 5.
(3) الكافي 3: 29 ح 10، التهذيب 1: 55 ح 156، 94 ح 249، الاستبصار 1: 63 ح 187.
(4) الكافي 3: 29 ح 2.
(5) المصنف لابن أبي شيبة 1: 17، مسند أحمد 5: 258، 268، سنن ابن ماجة 1: 152 ح 444،
سنن أبي داود 1: 33 ح 134، سنن الدارقطني 1: 97.
(6) التهذيب 1: 62 ح 169، الاستبصار 1: 63 ح 188.
128

وبصره (1) لا يدل على أنهما من الوجه الذي يجب غسله، لأن الإضافة تصدق
بالمجاورة.
السابع: لو غسل الشعر ثم زال لم يفسد الوضوء، فإذا أحدث عاد الفرض
إلى البشرة. والأقرب: وجوب غسل جزء من كل حد الوجه، لتوقف الواجب
عليه.
الثامن: لا بد في الغسل من الجريان، لتبعية الاسم له. وعليه تحمل
روايات الدهن:
كرواية يعقوب بن عمار عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه: (ان عليا
(عليه السلام) كان يقول: الغسل من الجنابة والوضوء يجزئ منه ما أجزأ من
الدهن الذي يبل الجسد) (2).
ورواية زرارة عن الباقر (عليه السلام) في غسل الجنابة: (انما يكفيك مثل
الدهن) (3).
ورواية زرارة ومحمد بن مسلم عنه (عليه السلام): (انما الوضوء حد من
حدود الله، ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه، فان المؤمن لا ينجسه شئ انما يكفيه
مثل الدهن) (4).
وانما حملنا الدهن على الجريان توفيقا بينه وبين مفهوم الغسل، ولأن أهل
اللغة يقولون: دهن المطر الأرض إذا بلها بلا يسيرا.
وقيد الشيخان رحمهما الله إجزاء الدهن بالضرورة من برد أو عوز الماء (5)

(1) صحيح مسلم 1: 534 ح 771، سنن ابن ماجة 1: 335 ح 1054، سنن أبي داود 2: 60
ح 1414، الجامع الصحيح 2: 474 ح 580، سنن السنائي 2: 222.
(2) التهذيب 1: 138 ح 385، الاستبصار 1: 122 ح 414، عن إسحاق بن عمار عن الصادق
(عليه السلام).
(3) التهذيب 1: 137 ح 384.
(4) الكافي 3: 21 ح 2، التهذيب 1: 138 ح 387.
(5) المقنعة: 6، النهاية: 15.
129

لرواية محمد الحلبي عن الصادق (عليه السلام): (أسبغ الوضوء إن وجدت ماء،
وإلا فإنه يكفيك اليسير) (1). ولعلهما أرادا به ما لا جريان فيه أو الأفضلية كمنطوق
الرواية.
التاسع: قال المرتضى رحمه الله -: لا يجب الدلك في غسل الأعضاء،
لصدق الغسل بدونه (2).
ويلوح من كلام ابن الجنيد وجوب إمرار اليد على الوجه (3) لحكاية وضوء
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4) ولأنه المعهود في الغسل.
قلنا: لا ريب أنه الغالب في الاستعمال، ولا يلزم منه الوجوب، مع أنه قال
في موضع آخر: يوصل الماء إلى العضو بالصب أو الغمس، قاله في الجبائر.
تنبيه:
قال في البشرى: لو غمس العضو في الماء لم يمسح بمائه، لما يتضمن من
بقاء آن بعد الغسل يلزم منه استئناف، قال: ولو نوى الغسل بعد خروجه من الماء
أجزأ، إذ على العضو ماء جار فيحصل به الغسل.
ويمكن ان يقال: المراد بماء الوضوء الممسوح به ما تخلف بعد الحكم
بالغسل، والعضو الخارج من الماء محكوم بغسله، واجزاء الغسل بعد الاخراج
بعيد، لعدم صدق اسم الغسل عليه، ومع ذلك منعه من المسح قوي.
الواجب الثالث: غسل اليدين.
وهو بالنص والاجماع. ويجب غسل المرفقين اجماعا الا من شذ من

(1) التهذيب 1: 138 ح 388، الاستبصار 1: 123 ح 418.
(2) الناصريات 221 المسألة 32.
(3) مختلف الشيعة: 23.
(4) الكافي 3: 24 ح 1 - 5، الفقيه 1: 24 ح 74، التهذيب 1: 75 ح 190.
130

العامة (1) لقوله تعالى: (إلى المرافق) (2) ومجئ (إلى) بمعنى: (مع) كثير،
فيحمل عليه توفيقا بينه وبين فعل النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة عليهم
السلام، ولأن الغاية حيث لا مفصل محسوس تدخل في المغيا، ولدخول الحد
المجانس في الابتداء والانتهاء، مثل: بعت الثوب من هذا الطرف إلى هذا،
ولرواية جابر: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه (3).
وروى: أنه أدار الماء على مرفقيه، ثم قال: (هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة
ألا به (4).
وروينا عن بكير وزرارة ابني أعين أنهما سألا الباقر (عليه السلام) عن وضوء
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدعا بطست أو بتور فيه ماء فغسل كفيه، ثم
غمس كفه اليمنى في التور، فغسل وجهه واستعان بيده اليسرى بكفه على غسل
وجهه، ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء، فغسل به اليمنى من
المرفق إلى الأصابع لا يرد الماء إلى المرفقين، ثم غمس يده اليمنى فاغترف بها من
الماء فافرغه على يده اليسرى من المرفق إلى الكف لا يرد الماء إلى المرفق كما صنع
باليمنى، ثم مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين بفضل كفيه ولم يجدد ماء (5).
وعن الهيثم بن عروة عن الصادق (عليه السلام): ثم أمر يده من مرفقه إلى
أصابعه، وقال: تنزيل الآية: (من المرافق) (3) عنى به (عليه السلام) معناها.
ويجب البدأة بالمرفق للتأسي، ولو نكس فالخلاف فيه كالوجه.

(1) كابن داود وزخر والطبري وبعض أصحاب مالك، راجع: المجموع 1: 385، احكام القرآن
للجصاص 2: 341، التفسير الكبير 11: 159، بداية المجتهد 1: 10.
(2) سورة المائدة: 6.
(3) سنن الدارقطني 1: 83، السنن الكبرى 1: 56.
(4) لاحظ السنن الكبرى 1: 80 وهامش 6 ص 127.
(5) الكافي 3: 25 ح 5، التهذيب 1: 56 ح 158، الاستبصار 1: 57 ح 168.
(6) الكافي 3: 28 ح 5، التهذيب 1: 57 ح 159.
131

لنا: ان الوضوء المحكي عن النبي (صلى الله عليه وآله) لم ينكس فيه (1) والا
لما أجزأ غيره. ولأنه في وصف الباقر (عليه السلام) وضوء رسول الله (صلى الله
عليه وآله) بطريق زرارة وأخيه: فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يرد
الماء إلى المرفق. وكذا في غسل اليد اليسرى (2)، وكذا في خبر الهيثم عن الصادق
(عليه السلام)، و (إلى) في الآية كما مر (3) ولو كانت لانتهاء الغاية لم يضر لجواز
إرادة غاية المغسول، لأن اليد تصدق على غير المغيا فهي مسمى اليد، فتبقى كيفية
الغسل مثبتة بالسنة.
ويجب تحريك الخاتم والسوار والدملج (4) أو نزعه إذا لم يعلم جري الماء
تحته، لصحيح علي بن جعفر عن أخيه الكاظم (عليهما السلام) في الثلاثة (5).
وحكم غيرها حكمها، ولو كان واسعا استحب تحريكه استظهارا.
فروع:
الأول: الأقرب: وجوب تخليل الشعر لو كان على اليد وان كثف، لتوقف
غسل اليد عليه. وهل يجب غسله؟ الأقرب ذلك، لأنه من توابع اليد.
ويجب غسل الظفر وان خرج عن حد اليد، لأنه من أجزائها. والفرق بينه
وبين فاضل اللحية اتصاله بمتصل دائما. ولو كان تحته وسخ لا يمنع من وصول
الماء استحب إزالته، ولو منع وجب إلا مع المشقة، لنفي الحرج.
الثاني: لو ثقبت يده وجب ادخال الماء الثقب لأنه صار ظاهرا، فلو التحم
سقط. ولو كان في يده سلعة (6) وجب غسلها وتخليل غضونها (7) وما تحتها، لشمول

(1) تقدم في الصفحة السابقة.
(2) راجع الهامش 5، في الصفحة السابقة.
(3) راجع الهامش 6، في الصفحة السابقة.
(4) الدملج: شئ كالسوار تلبسه المرأة في عضدها. مجمع البحرين مادة دملج.
(5) قرب الاسناد: 83، الكافي 3: 144 ح 6، التهذيب 1: 85، ح 221، 222.
(6) السلعة: زيادة في الجسد كالغدة وتتحرك إذا حركت، مجمع البحرين مادة سلع.
(7) الغضن: مكاسر الجلد والدرع وغيرهما. الصحاح مادة غضن.
132

الاسم لها.
الثالث: يجب غسل الكف والأصبع والذراع الزوائد تحت المرفق، لتبعية
اليد.
ولو كانت له يد زائدة غير متميزة عن الأصلية وجب غسلهما من باب مقدمة
الواجب، ولو تميزت غسلت الأصلية خاصة دون الزائدة. وعليه يحمل إطلاق
المبسوط: بعدم وجوب غسل الزائدة فوق المرفق، إلا أن تكون تحت المرفق فتغسل
أيضا للتبعية (1).
ويمكن وجوب غسل اليد الزائدة مطلقا، كما هو ظاهر الشرائع
والمختلف (2)، للعموم. وان يغسل من الزائدة ما حاذى مرفق الأصلية إلى آخرها،
تنزيلا له منزلة ما خلق تحت المرفق. ويضعف بتبعيته لأصله الذي هو في غير محل
الفرض.
وتعلم الزائدة (3) بالقصر الفاحش ونقص الأصابع، وفقد البطش
وضعفه.
ولو تدلى جزء من غير المحل إلى المحل، أو من المحل إلى المحل، وجب
غسله. ولو تدلى من المحل إلى غير المحل سقط غسله، لخروجه عن المسمى.
ويمكن الوجوب، كالظفر الطويل.
ولو انفصل من أحد المحلين، فالتحم رأسه في الآخر، وتجافى الوسط، فهو
كالنابت في المحلين: يغسل ما حاذى محل الفرض ظاهره وباطنه.
الرابع: لو قطعت اليد من تحت المرفق وجب غسل الباقي، لأن (الميسور
لا يسقط بالمعسور) (4). ولو قطعت من فوق المرفق سقط الفرض. نعم، يستحب

(1) المبسوط 1: 21.
(2) شرائع الاسلام 1: 21، مختلف الشيعة: 23.
(3) في م: الزيادة.
(4) عوالي اللئالي 4: 58 ح 520.
133

غسل الباقي من العضد، لقول أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) في مقطوع اليد
من المرفق: (يغسل ما بقي)، رواه عنه علي أخوه في الصحيح (1).
وفي قوله (عليه السلام) إشارة إلى استحباب غسل العضد مع اليد، كما
روى العامة استحباب تطويل الغرة والتحجيل (2) وبه استدلوا على مسح المقطوع
باقي العضد (3).
وابن الجنيد أطلق غسل الباقي من عضده (4) ولعله أراد الندب إذ لا قائل بالوجوب.
ولو قطعت من مفصل المرفق، فالأقرب: وجوب غسل الباقي، لأن المرفق
مجموع عظم العضد وعظم الذراع، فإذا فقد بعضه غسل الباقي.
وفي المعتبر: لو قطعت من المرفق استحب مسح موضع القطع بالماء. فان
أراد دخول المرفق في القطع كما في المبسوط (6) فذاك، وإلا فالأقرب الوجوب، إلا
أن يبنى على أن غسل الجزء الأعلى انما وجب لأنه من باب المقدمة فلم يجب
بالأصالة. وهذا يتم إذا جعلت (إلى) لانتهاء الغاية، ولو جعلت بمعنى (مع)
فغسله مقصود، إلا أن يقال: المرفق طرف عظم الساعد لا مجموع العظمين.
وروى رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الأقطع اليد أو الرجل كيف
يتوضأ؟ قال: (يغسل ذلك المكان الذي قطع منه) (7) وهو مطلق.
ولو قطعت يده (8) أو بعضها بعد الوضوء لم يجب غسل ما ظهر منها كما لو

(1) الكافي 3: 29 ح 9، الفقيه 1: 30 ح 99، التهذيب 1: 360 ح 1086.
(2) صحيح مسلم 1: 216 ح 246، معرفة السنن 1: 244، السنن الكبرى 1: 77.
(3) راجع: المجموع 1: 428، فتح العزيز 1: 422.
(4) مختلف الشيعة: 23.
(5) المعتبر 1: 144.
(6) المبسوط 1: 21.
(7) التهذيب 1: 359 ح 1078.
(8) في س: يداه.
134

قلم ظفره أو شعره ويجب في طهارة أخرى.
الخامس: لو احتاج المريض أو الأقطع إلى معين وجب تحصيله، ولو بأجرة
وإن زادت عن المثل على الأقرب مع القدرة، لوجوب المقدمة. ويمكن منع
وجوب الزائد عن أجرة المثل، للضرر. ولو تعذر، تيمم إن أمكن، وإلا فهو فاقد
للطهور، وقد سبق.
الواجب الرابع: مسح الرأس.
للنص، والاجماع، وفيه مسائل:
الأولى: يختص المقدم باجماعنا، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح
بناصيته في الوضوء البياني رواه المغيرة بن شعبة (1) وحكى عثمان وضوء رسول
الله (صلى الله عليه وآله): فمسح رأسه مرة واحدة ولم يستأنف له ماء جديدا (2) ولما
في وصف الباقر (عليه السلام) (3).
وعن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام): (مسح الرأس على
مقدمه) (4).
وتحمل رواية الحسين بن أبي العلاء عنه (عليه السلام) بمسح مقدم الرأس
ومؤخره (5) على التقية، إذ هي خلاف إجماع الإمامية.
الثانية: الواجب في المقدم مسمى المسح، لاطلاق الأمر بالمسح الكلي فلا
يتقيد بجزء بعينه، لأن (الباء) هنا للتبعيض لغة ونقلا عن أهل البيت (عليهم السلام)، وغيرهم.

(1) صحيح مسلم 1: 230 ح 81، سنن أبي داود 1: 38 ح 150.
(2) صحيح البخاري 1: 52، صحيح مسلم 1: 204 ح 226، سنن أبي داود 1: 26 ح 106،
سنن النسائي 1: 64، سنن الدارقطني 1: 83.
(3) تقدم في ص 130 الهامش (4).
(4) التهذيب 1: 62 ح 171، الاستبصار 1: 60 ح 176.
(5) التهذيب 1: 63 ح 170.
135

أما اللغة، فكقوله تعالى: (يشرب بها عباد الله) (1)، وقول الشاعر:
شربن بماء البحر ثم ترفعت * متى لجج خضر لهن نئيج
وهو كثير الشواهد، ولأنها دخلت على المتعدي بنفسه فلابد لها من فائدة،
وانكار سيبويه وابن جني شهادة على النفي، ومعارض: باقرار الأصمعي وأبي علي
في التذكرة وابن كيسان والقتيبي، قيل: والكوفيون. والظاهر: أنهما نفياه عن
أصحابهما البصريين لا غير، صرح به ابن جني.
وأما النقل، فلصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (ان
المسح ببعض الرأس لمكان الباء) (3) وهو قول الشافعي أيضا (4).
الثالثة: لا يجزئ أقل من أصبع، قاله الراوندي في أحكام القرآن (5). وفي
المختلف: المشهور الاكتفاء به (6).
وفي المقنعة: يجزئ أصبع يضعها عليه عرضا، والثلاث أسبغ (7).
وفي النهاية: يجزئ إصبع عند الخوف من كشف الرأس ولا يجوز أقل من
ثلاث أصابع مضمومة للمختار (8).
والصدوق: حده أن يمسح بثلاث أصابع مضمومة (9). وأوجبها المرتضى

(1) سورة الانسان: 6.
(2) أبو ذؤيب الهذلي، راجع: شرح ابن عقيل 2: 6، أوضح المسالك 2: 117.
(3) الكافي 3: 30 ح 4، الفقيه 1: 56 ح 212، علل الشرائع: 279، التهذيب 1: 61 ح 168، الاستبصار 1: 62 ح 186.
(4) الام 1: 24، المجموع 1: 398.
(5) فقه القرآن 1: 29.
(6) مختلف الشيعة: 23.
(7) المقنعة: 5.
(8) النهاية: 14.
(9) الفقيه 1: 28.
136

في الخلاف (1)، وفي المصباح: يستحب (2).
وفي صحيح: زرارة وبكير عن الباقر (عليه السلام): (فإذا مسحت بشئ
من رأسك، أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع، فقد
أجزأك) (3). وهذا مع خبر التبعيض يدل على الاطلاق.
ويشهد للإصبع رواية حماد عن الحسين، قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): رجل توضأ وهو معتم وثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد؟ فقال:
(ليدخل إصبعه) (4).
وفي المبسوط: لا يتحدد بحد (5).
وفي الخلاف: الأفضل مقدار ثلاث أصابع مضمومة (6).
وابن الجنيد: يجزئ في المقدم إصبع، والمرأة ثلاث أصبع.
وقد روى معمر بن عمر عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (يجزئ من
مسح الرأس موضع ثلاث أصابع، وكذلك الرجل) (7) ولعل المراد به إجزاء
الأفضلية، أو التقدير لمحل المسح لا إمرار الأصابع.
الرابعة: لو استقبل الشعر أجزأ عند المبسوط (8)، لإطلاق الآية والأخبار،
ولصحيح حماد بن عثمان عن الصادق (عليه السلام)، وقد سبق (9).

(1) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1: 145.
(2) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1: 145
(3) التهذيب 1: 90 ح 237، الاستبصار 1: 61 ح 182.
(4) الكافي 3: 30 ح 3، التهذيب 1: 90 ح 239، الاستبصار 1: 61 ح 183.
(5) المبسوط 1: 21.
(6) الخلاف 1: 81 المسألة 29.
(7) الكافي 3: 29 ح 1، التهذيب 1: 60 ح 167، الاستبصار 1: 60 ح 177.
(8) المبسوط 1: 21.
(9) تقدم في ص 121 الهامش 5.
137

واختاره في المعتبر، وحكم بالكراهية تفصيا من الخلاف (1).
والأكثر على عدمه (2) حتى المرتضى رحمه الله مع تجويزه الاستقبال في الوجه
واليدين محتجا بتوقف القطع برفع الحدث عليه (3).
الخامسة: لا يجزئ المسح على حائل ولو كان عمامة باجماعنا، أو حناء على
الأشهر، لعدم الامتثال، ولرواية حماد السابقة (4) وخبر محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن المسح على الخفين وعلى العمامة؟ فقال: (لا
يمسح عليهما) (5).
ومرفوع محمد بن يحيى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الذي يخضب
رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء، قال: (لا يجوز، حتى يصيب بشعر رأسه
الماء (6).
وقد روى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المتوضئ:
(يمسح فوق الحناء) (7). ومحمد بن مسلم عنه (عليه السلام) في الحالق يطلي رأسه
بالحناء ويتوضأ: (لا بأس بمسح رأسه والحناء عليه) (8). وحملهما الشيخ على المشقة
بإزالة الحناء (9)، وربما يؤولان بأثر الحناء وهو اللون المجرد.
السادسة: يجب المسح بفضل نداوة الوضوء، فيبطل بالماء الجديد ولو
لضرورة في الأشهر. واستقر عليه إجماعنا بعد ابن الجنيد، إذ جوز أخذ الماء

(1) المعتبر 1: 145.
(2) راجع: الفقيه 1: 28، الخلاف 1: 83 المسألة 31، النهاية: 14، الوسيلة: 50.
(3) الانتصار: 19.
(4) راجع الهامش 4، من الصفحة السابقة.
(5) التهذيب 1: 361 ح 1090.
(6) الكافي 3: 31 ح 12، التهذيب 1: 359 ح 1080، الاستبصار 1: 76 ح 234، وفي
الجميع: (بشرة رأسه)).
(7) التهذيب 1: 359 ح 1079، الاستبصار 1: 75 ح 32.
(8) التهذيب 359 ح 1081، الاستبصار 1: 75 ح 234.
(9) التهذيب 1: 359 ح 1080، الاستبصار 1: 75 ح 234.
138

الجديد عند عدم بلة الوضوء، قال: وكذلك استحب إذا كان وضأ وجهه مرتين
مرتين (1).
لنا: وصف عثمان (2) والأخوين (3) وصحيح أبي عبيدة الحذاء، قال: وضأت
أبا جعفر (عليه السلام) بجمع وقد بال فناولته ماء فاستنجى، ثم صببت عليه
كفا فغسل وجهه، وكفا غسل به ذراعه الأيمن، وكفا غسل ذراعه الأيسر، ثم
مسح بفضل الندى رأسه ورجليه (4). ولحسن زرارة، قال أبو جعفر (عليه
السلام): (ان الله وتر ويحب الوتر، فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرف: واحدة
للوجه، واثنتان للذراعين، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك، وما بقي من بلة يمناك
ظهر قدمك اليمنى، وتمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى) (5).
وضرورة ابن الجنيد يدفعها مشهور خلف بن حماد المرسل عن أبي عبد الله
(عليه السلام)، قلت له: الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة؟ قال: (إن
كان في لحيته بلل فليمسح به). قلت: فان لم يكن له لحية؟ قال: (يمسح من
حاجبيه أو من أشفار عينيه) (6) مع أن ابن الجنيد حكم بالمسح ببلل اللحية أيضا.
وللاستئناف: صحيح أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن مسح الرأس، أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟ قال: (لا، بل تضع يدك
في الماء ثم تمسح) (7).
وصحيحة معمر بن خلاد بتشديد الميم واللام قال: سألت أبا الحسن
(عليه السلام) أيجزئ الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه؟ فقال برأسه: لا.

(1) المعتبر 1: 147، مختلف الشيعة: 24.
(2) تقدم في ص 135 الهامش 2.
(3) تقدم في ص 131 الهامش 5.
(4) التهذيب 1: 58 ح 162، 79 ح 204، الاستبصار 1: 58 ح 172، 69 ح 209.
(5) التهذيب 1: 360 ح 1083.
(6) التهذيب 1: 59 ح 165، الاستبصار 1: 59 ح 175.
(7) التهذيب 1: 59 ح 164، الاستبصار 1: 59 ح 174.
139

فقلت: أبماء جديد؟ فقال برأسه: نعم (1).
وخير على بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) في الرجل لا يكون على
وضوء، فيصيبه المطر حتى يبتل رأسه ولحيته وجسده ويداه ورجلاه، هل يجزئه
ذلك من الوضوء؟ قال: (إن غسله فان ذلك يجزئه)) (2).
وخبر عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتوضأ
الوضوء كله إلا رجليه ثم يخوض الماء بهما خوضا؟ قال: (أجزأه ذلك) (3).
وخبر أيوب بن نوح، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن
المسح على القدمين؟ فقال: (الوضوء بالمسح ولا يجب فيه الا ذلك، ومن غسل
فلا بأس) (4).
قلنا: هي معارضة بأشهر منها وبعمل الأصحاب، فتؤول بالتقية. وخبر
علي مأول بان المراد بالغسل استئناف الغسل بعد المطر. والمكاتبة ضعيفة، ولو
صحت حملت على التقية أو على أن يراد بالغسل التنظيف، كما في رواية أبي همام
عن أبي الحسن (عليه السلام): الفريضة في كتاب الله المسح والغسل في الوضوء
للتنظيف (5).
السابعة: لا يجزئ الغسل عن المسح عندنا، لمخالفة الأمر، وعدم صدق
أحدهما على الآخر، ولتحريم الماء الجديد. وروى محمد بن مروان، قال أبو
عبد الله (عليه السلام): (يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه
صلاة). قلت: فكيف! قال: (لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه) (6).

(1) التهذيب 1: 58، 163، الاستبصار 1: 58 ح 173.
(2) قرب الاسناد: 84، التهذيب 1: 359 ح 1082، الاستبصار 1: 75 ح 231
(3) التهذيب 1: 66 ح 187، الاستبصار 1: 65 ح 194.
(4) التهذيب 1: 64 ح 180، الاستبصار 1: 65 ح 194.
(5) التهذيب 1: 64 ح 181، الاستبصار 1: 64 ح 192.
(6) الكافي 3: 31 ح 9، علل الشرائع: 289، التهذيب 1: 65 ح 184، الاستبصار 1: 64 ح 191.
140

الثامنة: يستحب للمرأة وضع القناع في وضوء الغداة والمغرب، لأنه مظنة
التبذل، وتمسح بثلاث أصابع.
ويجوز في غيرهما إدخال الإصبع تحت القناع، وتجزئ الأنملة، قاله
الصدوق والمفيد رحمها الله (1). والذي في رواية زرارة عن الباقر (عليه
السلام): (يجزئها ان تمسح قدر ثلاث أصابع، ولا تلقي خمارها) (2).
نعم، في رواية الحسين بن زيد عن الصادق (عليه السلام): (لا تمسح
المرأة كما يمسح الرجال، انما المرأة إذا أصبحت مسحت برأسها وتضع الخمار عنها،
وفي الأربع الباقية تمسح بناصيتها) (3).
فروع:
الأول: الفرض بالمسح عندنا وصول البلة بواسطة اليد، ولا يكفي وصول
البلة وحدها. فلو قطر على المحل (ماء الوضوء) (4) أو مسح بآلة غير اليد، لم يجز
لمخالفته المعهود.
ولو مسح على حائل غير مانع من وصول الماء إلى البشرة لم يجز، لاقتضاء
(الباء) الالصاق مع التبعيض. نعم، لو أدخل يده تحت الجبهة ومسح بشرة
الرأس، أو أصل شعر الناصية، أجزأ. ولو وضع يده بالبلة على المحل ولم يمسح،
فالأقرب: عدم الاجزاء، لعدم مسمى المسح.
والظاهر: أن باطن اليد أولى. نعم، لو اختص البلل بالظاهر وعسر نقله
أجزأ. ولو تعذر المسح بالكف، فالأقرب جوازه بالذراع.
الثاني: يجوز المسح على كل من البشرة والشعر المختص بالمقدم، لصدق
الناصية عليهما. ولو مسح على الشعر خارج عن المقدم، لم يصح ولو جمعه على

(1) المقنعة: 5، وفي الفقيه 1: 30، والمقنع: 6، والهداية: 17 بلفظ: تدخل إصبعها.
(2) الكافي 3: 30 ح 5، التهذيب 1: 77 ح 195.
(3) التهذيب 1: 77 ح 194، باختصار في الألفاظ.
(4) ليست في س.
141

المقدم. ولو كان شعر المقدم يخرج بمده عن حد الناصية، لم يجز.
وكذا لا يجزئ المسح على الجمة، وهي: مجتمع شعر الناصية عند عقصه.
نعم، لو أدخل يده تحت الجمة، ومسح بشرة الرأس، أو أصل شعر الناصية،
أجزأ. وللأغم والأصلع يمسح مكان ناصية مستوي الخلقة.
الثالث: لا يستحب مسح جميع الرأس عندنا، لعدم توظيف الشرع،
والأقرب: كراهيته، لأنه تكلف ما لا يحتاج إليه.
وحرمه ابن حمزة (1) لمخالفة الشرع.
وفي الخلاف: اجمعنا على أنه بدعة فيجب نفيه (2).
وقال ابن الجنيد: لو مسح من مقدم رأسه إلى مؤخره أجزأه إذا كان غير
معتقده فرضه، ولو اعتقد فرضه لم يجزه إلا أن يعود إلى مسحه (3). ويضعف باشتماله
على الواجب، فلا يؤثر الاعتقاد في الزائد.
وأبو الصلاح أبطل الوضوء لو تدين بالزيادة في العسل أو المسح (4) وهو
كالأول في الرد. نعم، يأثم باعتقاده.
الرابع: لو مسح بثلاث أصابع، فالأقرب: ان الزائد موصوف
بالاستحباب، لجواز تركه. ويمكن الوجوب، لأنه أحد جزئيات الكلي. هذا إذا
أوقعه دفعة، ولو أوقعه تدريجا فالزائد مستحب قطعا.
الخامس: يجوز كون البلل من الغسلة الثانية، لما يأتي من استحبابها، ومن
منعه ينبغي ان لا يجزئ عنده. أما الثالثة فان قلنا بتحريمها لم يجز، وان قلنا بأنها
كلفة أمكن الاجزاء، والأقرب: عدمه، لأنها لا تعد من الوضوء ووجه الاجزاء
في الجميع اختلاطه بماء الوضوء، وهو الذي نصره في المعتبر (5).

(1) الوسيلة: 50.
(2) الخلاف 1: 83 المسألة 30.
(3) مختلف الشيعة: 24.
(4) الكافي في الفقه: 132.
(5) المعتبر 1: 147، 160.
142

السادس: لو جف ماء الوضوء عن يديه أخذ من مظانه كما مر ولو من
مسترسل اللحية طولا وعرضا، لما بينا من استحباب غسله. ولو تعذر لافراط الحر
وشبهه أبقى جزء من اليسرى أو كلها ثم تغمس في الماء، أو يكثر الصب ويمسح
به، ولا يقدح قصد إكثار الماء لأجل المسح، لأنه من بلل الوضوء، وكذا لو مسح
بماء جار على العضو وان أفرط الجريان، لصدق الامتثال، ولأن الغسل غير
مقصود.
السابع: لو مسح على الحائل لضرورة ثم زال السبب، فالأقرب: عدم
الإعادة، للامتثال، وقيامه مقام المحل.
ووجه الإعادة: تقدر الطهارة بقدر الضرورة.
قلنا: اي دليل قام على ذلك، وحمله على المتيمم والمستحاضة قياس.
الواجب الخامس: مسح الرجلين، باجماعنا، لدلالة الكتاب والسنة عليه.
أما الكتاب، فلقوله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى
الكعبين) (1)، وعطف الأرجل على الرأس الممسوح إما لفظا أو محلا، وهو أولى من
عطف المنصوب على الأيدي، للقرب وللفصل وللاخلال بالفصاحة من الانتقال
عن جملة إلى أخرى أجنبية قبل تمام الغرض. ولأن العمل بالقراءتين واجب وهو
بالعطف على الموضع.
ولو عطف على الأيدي لزم وجوب المسح بقراءة الجر، والغسل بقراءة
النصب، فان جمع بينهما فهو خلاف الاجماع الا من الناصر الزيدي (2). وان خير
بينهما فلم يقل به غير الحسن والجبائي وابن جرير (3). وقد استقر الاجماع بعدمهم
على خلافهم، وتعيين أحدهما ترجيح من غير مرجح.
لا يقال: الغسل مسح وزيادة فنكون عاملين بهما.

(1) سورة المائدة: 6.
(2) التفسير الكبير 11: 161.
(3) جامع البيان 6: 83، احكام القرآن لابن عربي 2: 577، التفسير الكبير 11: 161، المبسوط
للسرخسي 1: 8.
143

فنقول: ظاهر أنهما حقيقتان مختلفتان لغة وشرعا، والتداخل خلاف
الأصل، ولأنه لو كان الاشتمال يجوز التسمية باسم المشتمل وهو اختيار البصريين
في إعمال الثاني لتهافتت اللغة، إذ الغسل مثلا يشتمل على اعتماد وحركة فليسم
بهما.
لا يقال: الجر بالمجاورة لا بالعطف، مثل: جحر ضب خرب.
وكبير أناس في بجاد مزمل (1)
(وحور عين) (2) فيمن قرأ بالجر لمجاورتها (لحم طير) لأنهن يطفن ولا
يطاف بهن.
وقول الشاعر (3).
لم يبق الا سير منفلت * وموثق في عقال الأسر مكبول
بجر موثق بالمجاورة لمنفلت ومن حقه الرفع بالعطف على أسير.
فنقول: المثالان الأولان ظاهر مخالفتهما الآية لعدم حرف العطف، ومحققوا
النحو نفوا الجر بالمجاورة أصلا ورأسا، وقالوا: المراد خرب جحره ومزمل كبيرهم،
فحذف المضاف ثم استكن المضاف إليه في خرب ومزمل.
(وحور عين) فمن جرها بالعطف على (جنات النعيم) (4) كأنه قال: هم في
جنات وفاكهة ولحم ومقارنة حور، أو على (أكواب) لأن معناه ينعمون بأكواب،
ولا يلزم ان يطاف بهن ولو طيف بهن فلا امتناع فيه.
واما البيت، فموثق معطوف على التوهم لأن معنى (إلا أسير غير أسير، ومثله في العطف على التوهم قول زهير (5):

(1) البيت لامرئ القيس من قصيدته المعلقة. وصدره:
كأن ثبيرا في عرانين وبله
(2) سورة الواقعة: 22.
(3) مع التتبع الكثير لمظانه لم نعثر على قائله وقد استشهد به الشيخ الطوسي في التبيان 3:
453.
(4) سورة الواقعة: 12.
(5) شرح شعر زهير بن أبي سلمى: 208.
144

بدا لي اني لست مدرك ما مضى * ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
على توهم دخول الباء في الخبر، لكثرة دخولها فيه فجر (سابق).
وقال سيبويه: يجوز في قولهم: قام القوم غير زيد وعمرو، نصب عمرو على
التوهم لأن غير زيد في موضع إلا زيدا: وهذا عكس البيت فلم يحتج إلى
المجاورة.
ولضعف هذا التمسك، وظهور، العطف على الرؤوس مع جر الأرجل،
جنح متخذ لقولهم إلى أن المسح انما عبر به عن الغسل تنبيها على وجوب الاقتصاد
في صب الماء، لأن الأرجل تغسل بالصب من بين الأعضاء فهي مظنة الاسراف،
ثم جئ بقوله (إلى الكعبين) (1) إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة، لأن المسح لم
يضرب له غاية في الشرع.
قلت: هؤلاء فروا من مخالفة القواعد النحوية فوقعوا في مخالفة الوضع
اللغوي والشرعي، لأن المعلوم من الوضع اختلاف حقيقتي المسح والغسل، فما
الذي بعث على التعبير بإحداهما عن الآخر، وجعله مضلة للأفهام وعرضه
للأوهام؟ ومن ذا الذي قال بالاقتصاد في صب الماء على الرجلين من العلماء؟ ومن
أين ان الاقتصاد مدلول المسح؟ وأي محذور يلزم من عطف المحدود على غير
المحدود؟
بل هو في هذا المقام حسن، لأنه تعالى قال (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم
إلى المرافق) (2) فعطف في الغسل المحدود على غير المحدود، فالتناسب ان يعطف
في المسح كذلك لتأخذ الجملة الثانية بحجزة الأولى.
وآخرون حملوا الجر على طهارة ذي الخفين، فالتزموا التعبير عن الخف
بالرجل، وهو أشنع من الأول.
وقد روى علماء أهل البيت عن علي (عليه السلام) ان هذه الآية ناسخة

(1) سورة المائدة: 6.
(2) سورة المائدة: 6
145

للمسح على الخفين (1).
وأما السنة، فمن طريق العامة ما رواه أوس بن أوس الثقفي، قال: رأيت
النبي (صلى الله عليه وآله) أتى كظامة قوم بالطائف أو بالمدينة، فتوضأ ومسح على
قدميه (2). والكظامة بكسر الكاف: بئر إلى جانبها بئر، وبينهما مجرى في بطن
الوادي.
وروى حذيفة: انه رأى النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح على
نعليه (3).
ووصف ابن عباس وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانه مسح على
رجليه، وقال: ان في كتاب الله المسح ويأبى الناس الا الغسل (4).
وقال أيضا: الوضوء غسلتان ومسحتان (5).
وروى حبة العرني: رأيت عليا (عليه السلام) يشرب في الرحبة قائما، ثم
توضأ ومسح على نعليه (6).
وروى ابن علية عن موسى بن أنس: إنه قيل لأنس: ان الحجاج خطبنا
بالأهواز فذكر التطهير، وقال: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم،
وانه ليس شئ من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه، فاغسلوا بطونهما وظهورهما
وعراقيبهما! فقال أنس: صدق الله وكذب الحجاج، قال الله سبحانه وتعالى:

(1) التهذيب 1: 361 ح 1091.
(2) مسند أحمد 4: 8، سنن أبي داود 1: 41 ح 160، السنن الكبرى 1: 286.
(3) جامع البيان 6: 86.
(4) التهذيب 1: 63 ح 173، 174، مجمع البيان 2: 164، المصنف لابن أبي شيبة 1: 20، سنن
ابن ماجة 1: 156 ح 458.
(5) جامع البيان 6: 82، سنن الدارقطني 1: 96، السنن الكبرى 1: 72، المجموع 1: 418،
الجامع الأحكام القرآن 6: 92، شرح معاني الآثار 1: 34، الدر المنثور 2: 262.
(6) جامع البيان 6: 82، المغني 1: 150، كنز العمال 9: 435 ح 26856 عن سنن سعيد بن
منصور.
146

(وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) (1).
وقال الشعبي: نزل جبرئيل بالمسح (2).
وقال أيضا الوضوء مغسولان وممسوحان، وفي التيمم يمسح ما كان
غسلا، ويلغى ما كان مسحا (3).
وقال يونس: حدثني من صحبة عكرمة إلى واسط، قال: ما رأيته غسل
رجليه انما كان يمسح عليها (4).
واما الخاصة، فأخبارهم بذلك متواترة كما أن اجماعهم عليه واقع، مثل:
ما تقدم من وصف وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) (5).
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما نزل القرآن إلا بالمسح، ويأبى
الناس الا الغسل) (6).
وعن غالب بن هذيل، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المسح
على الرجلين؟ فقال: (هو الذي نزل به جبرئيل) (7).
وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): (ان عليا (عليه السلام) مسح
النعلين ولم يستبطن الشراكين) (8).
وخبر محمد بن مروان السالف عن الصادق (عليه السلام) (9).

(1) جامع البيان 6: 82، السنن الكبرى 1: 71، المغني 1: 150، الشرح الكبير 1: 147 المجموع
1: 418، الجامع لأحكام القرآن 6: 92.
(2) جامع البيان 6: 82، المصنف لابن أبي شيبه: 1: 19، الجامع لأحكام القرآن 6: 92.
(3) جامع البيان 6: 82، المغني 1: 151، الشرح الكبير 1: 147، الجامع لأحكام القرآن 6: 92.
(4) جامع البيان 6: 82.
(5) تقدم في ص 127 الهامش 6.
(6) لاحظ: التهذيب 1: 63 ح 174، 175.
(7) التهذيب 1: 63 ح 177، الاستبصار 1: 64 ح 189.
(8) الفقيه 1: 27 ح 86، التهذيب 1: 64 ح 182.
(9) تقدم في ص 140 الهامش 6.
147

وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام): (وامسح على
القدمين) (1).
وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (وأرجلكم إلى
الكعبين): (فعرفنا حين وصلها بالرأس ان المسح على بعضها، ثم فسر ذلك رسول
الله (صلى الله عليه وآله) للناس فضيعوه) (2).
وعن جعفر بن سليمان عن الكاظم (عليه السلام): جواز ادخال اليد في
الخلف المخرق ومسح ظهر القدم (3).
واعتمدوا على وصف عبد الله بن زيد بن عاصم وضوء النبي (صلى الله عليه
وآله) وغسل رجليه (4). وخبر عبد الله بن عمر: ان النبي (صلى الله عليه وآله) رأى
قوما وأقدامهم تلوح لم يمسها الماء، فقال: (ويل للأعقاب من النار، أسبغوا
الوضوء) (5). ويقرب منهما خبر أبي هريرة (6). وروي أن عثمان حكاه أيضا، وقال:
رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوما توضأ نحو وضوئي هذا (7).
والجواب: هذه معارضة بطرق أهل البيت عليهم السلام الذين هم أعرف
به وأكثر اطلاعا عليه، مع اعتضادها بالكتاب. على أن قول عثمان يشعر بعدم
دوامه على ذلك، فجاز أن يكون قد غسل رجليه ذلك اليوم للتنظيف، وكذا

(1) الكافي 3: 29 ح 2.
(2) الكافي 3: 30 ح 4، الفقيه 1: 56 ح 212.
(3) الكافي 3: 31 ح 10، التهذيب 1: 65 ح 185.
(4) الموطأ 1: 18، صحيح البخاري 1: 58، صحيح مسلم 1: 210 ح 235، سنن أبي داود 1:
29 ح 118، الجامع الصحيح 1: 66 ح 47، سنن النسائي 1: 71، سنن الدارقطني 1: 81.
(5) صحيح البخاري 1: 52، صحيح مسلم 1: 214 سنن ابن ماجة 1: 55 ح 450،
السنن الكبرى 1: 69.
(6) صحيح مسلم 1: 214 ح 241، سنن ابن ماجة 1: 154 ح 453، الجامع الصحيح 1: 58
ح 41، السنن الكبرى 1: 69.
(7) صحيح البخاري 1: 52، صحيح مسلم 1: 204 ح 226، سنن أبي داود 1: 26 ح 106،
سنن النسائي 1: 64، سنن الدارقطني 1: 83.
148

حكاية الراويين الآخرين يمكن حملها على ذلك، واما المسح فلا محمل له ولا
اشتباه فيه، وبتقدير تعارض الروايات تتساقط، فنرجع إلى كتاب الله تعالى
الصريح في المسح.
مسائل:
الأولى: الكعبان عندنا معقد الشراك وقبتا القدم. وعليه اجماعنا، وهو
مذهب الحنفية (1). وبعض الشافعية (2). وأكثر الأصحاب عبر عنهما بالناتئين في
وسط القدم أو ظهر القدم.
وقال المفيد: هما قبتا القدمين امام الساقين ما بين المفصل والمشط (3).
وقال ابن أبي عقيل: الكعبان ظهر القدم (4).
وابن الجنيد: الكعب في ظهر القدم دون عظم الساق (5) لاشتقاقه من قولهم
كعب إذا ارتفع، ومنه كعب ثدي الجارية إذا علا، قال (6):
قد كعب الثدي على نحرها * في مشرق ذي صبح نائر
قال العلامة اللغوي عميد الرؤساء في كتاب الكعب: هاتان العقدتان في
أسفل الساقين اللتان تسميان كعبين عند العامة، فهما عند العرب الفصحاء
وغيرهم جاهلييهم واسلامييهم تسميان المنجمين بفتح الجيم والميم والرهرهتين
بضم الرائين. وأكثر في الشواهد على إن الكعب هو الناشز في سواء ظهر القدم

(1) احكام القرآن للجصاص 2: 347، بدائع الصنائع 1: 7، اللباب 1: 6.
(2) المجموع 1: 422، السراج الوهاج: 17.
(3) المقنعة: 5.
(4) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 24.
(5) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 24.
(6) ديوان الأعشى 93 (ط المكتبة الثقافية بيروت) ص 93 وفيه:
قد نهد الثدي على صدرها * في مشرق ذي صبح نائر.
149

امام الساق حيث يقع مقعد الشراك من النعل.
ولثبوت المسح المستلزم لذلك لامتناع خرق الاجماع، ولقوله تعالى:
(إلى الكعبين) ولو أراد الظنبوبين لقال: إلى الكعاب.
وللنقل المتواتر عن أهل البيت (عليهم السلام)، كما رواه زرارة وبكير عن
أبي جعفر (عليه السلام) وسألاه عن الكعبين؟ فقال: ههنا. يعني: المفصل دون
عظم الساق (1).
وعن ميسر عن أبي جعفر (عليه السلام): انه وصف الكعب في ظهر
القدم (2).
وعنه (عليه السلام) في وصف وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله):
ثم مسح رأسه وقدميه ثم وضع يده على ظهر القدم، وقال: (هذا هو الكعب)
وأومأ بيده إلى أسفل العرقوب، وقال: (هذا هو الظنبوب) (3).
تنبيه: تفرد الفاضل بأن الكعب هو المفصل بين الساق والقدم، وصب
عبارات الأصحاب كلها عليه، وجعله مدلول كلام الباقر (عليه السلام)، محتجا
برواية زرارة عن الباقر (عليه السلام) المتضمنة لمسح ظهر القدمين، وهو يعطي
الاستيعاب، وبأنه أقرب إلى حد أهل اللغة (4).
وجوابه: ان الظهر المطلق هنا يحمل على المقيد، لأن استيعاب الظهر لم يقل
به أحد منا، وقد تقدم قول الباقر (عليه السلام): (إذا مسحت بشئ من رأسك

(1) الكافي 3: 25 ح 5، التهذيب 1: 76 ح 191.
(2) الكافي 3: 26 ح 7، التهذيب 1: 75 ح 189، الاستبصار 1: 69 ح 210.
(3) التهذيب 1: 75 ح 190.
والظنبوب: حرف الساق اليابس من القدم، وقيل: هو ظاهر الساق، لسان العرب مادة طنب
(4) مختلف الشيعة: 24.
ورواية زرارة في الكافي 3: 25 ح 4، والفقيه 1: 24 ح 74.
150

أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع، فقد أجزأك) في رواية
زرارة وأخيه بكير (1).
وقال في المعتبر: لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح، بل يكفي المسح من
رؤوس الأصابع إلى الكعبين ولو بإصبع واحدة، وهو اجماع فقهاء أهل البيت
(عليهم السلام)، ولإن الرجلين معطوفة على الرأس الذي يمسح بعضه فيعطيان
حكمه (2).
وقال في موضع آخر: تجزئ الأنملة (3) وقد تبع المفيد في ذلك حيث قال:
يجزئه ان يمسح على كل واحدة منهما برأس مسبحته من أصابعها إلى الكعبين (4).
وأهل اللغة إن أراد بهم العامة فهم مختلفون وان أراد به لغوية الخاصة فهم
متفقون على ما ذكرناه حسب ما مر. ولأنه إحداث قول ثالث مستلزم رفع ما أجمع
عليه الأمة، لأن الخاصة على ما ذكر، والعامة على أن الكعبين ما نتأ عن يمين
الرجل وشمالها، مع استيعاب الرجل ظهرا وبطنا، ومع ادخال الكعبين في الغسل
كالمرفقين.
ومن أحسن ما ورد في ذلك ما ذكره أبو عمر الزاهد في كتاب فائت
الجمرة، قال: اختلف الناس في الكعب. فأخبرني أبو نصر، عن الأصمعي:
أنه الناتئ في أسفل الساق عن يمين وشمال. وأخبرني سلمة، عن الفراء، قال:
هو في مشط الرجل، وقال هكذا برجله. قال أبو العباس: فهذا الذي يسميه
الأصمعي الكعب وهو عند العرب المنجم. قال: وأخبرني سلمة، عن الفراء، عن
الكسائي، قال: قعد محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) في مجلس كان له
وقال: (ها هنا الكعبان). قال: فقالوا هكذا. فقال: (ليس هو هكذا ولكنه

(1) تقدم في ص 5 الهامش 131.
(2) المعتبر 1: 150.
(3) المعتبر 1: 152.
(4) المقنعة: 5.
151

هكذا) وأشار إلى مشط رجله. فقالوا له: ان الناس يقولون هكذا! فقال: (لا، هذا
قول الخاصة، وذاك قول العامة).
نعم، لو قيل بوجوب ادخال الكعبين في المسح، إما لجعل (إلى) بمعنى
(مع)، واما لادخال الغاية في المغيا لعدم المفصل المحسوس، قرب مما قاله وان لم
يكن إياه، إلا أن ظاهر الأصحاب والأخبار بخلافه. ويؤيده النص على المسح
على النعلين من غير استبطان الشراك كما تقدم (1). ورواه الأحول عن الباقر (عليه
السلام) قال: (ولا يدخل أصابعه تحت الشراك) (2) وصرح في المعتبر بعدم دخولهما
محتجا برواية زرارة المذكورة (3).
ولك ان تقول: إن كان هذا تحديدا للمسح وجب ادخال الكعبين فيه
كالمرافق، وان كان تحديدا للممسوح فلا يجب البلوغ إلى الكعبين فضلا عن
دخولهما، لأنه لا يراد به الاستيعاب قطعا، بل المراد به بيان (4) محل المسح،
وبالجملة دخولهما أحوط.
الثانية: يجب المسح بالبلة كما قلناه في الرأس، وأحكامه أحكامه. ولو
غسل موضع المسح اختيارا بطل، لما سلف ولو كان لتقية، صح.
ولو أراد التنظيف قدم غسل الرجلين على الوضوء، ولو غسلهما بعد الوضوء
لنجاسة مسح بعد ذلك، وكذا لو غسلهما لتنظيف.
وفي خبر زرارة قال: قال (إن بدا لك فغسلت فامسح بعده، ليكون آخر
ذلك المفترض) (5).
وقال المفيد: يجعل بين الغسل والمسح مهلة، ولا يتابع بينهما، ليفصل
.

(1) تقدم في 147 الهامش 8.
(2) الكافي 3: 25 ح 5 عن زرارة وبكير.
(3) المعتبر 1: 151.
ورواية زرارة تقدمت في ص 147 الهامش 8.
(4) ليست في س.
(5) الكافي 3: 31 ح 8، التهذيب 1: 65 ح 186، 93 ح 247، الاستبصار 1: 65 ح 139
152

الوضوء من غير (1).
وهل يشترط جفاف الرجل من الماء؟ نص ابن الجنيد وابن إدريس والمحقق
على جواز المسح عليهما رطبتين (2). وبالغ ابن الجنيد فجوز إدخال اليد في الماء
والمسح فيه عند الضرورة (3). قال ابن إدريس: لأنه ماسح اجماعا، والظواهر (4)
من الآي والأخبار تتناوله (5).
وقال المحقق: لأن يديه لا تنفك عن ماء الوضوء (6).
واما ابن الجنيد فيمكن بناؤه على أصله من جواز الاستئناف.
وقوى الفاضل المنع، محتجا بأنه مسح بماء جديد (7)، وهو بإزاء قول
المحقق. وله أن يقول: الواجب في المسح مسماه، والجري فيه غير معتبر، وهذا
صادق مع هذا الجديد، لأنه وان قل فلا يقصر عن المسمى.
نعم، لو غلب ماء المسح رطوبة الرجلين ارتفع الاشكال. وبالجملة ما
ذكروه قوي، وما ذكره أحوط.
الثالثة: هل ظهر القدم محل للمسح كالمقدم في الرأس، بحيث لو وقع
المسح على جزء منه يجزئ كالرأس، ويكون التحديد للقدم الممسوح لا للمسح؟
يحتمل ذلك، تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه، ولحديث الأخوين عن الباقر
(عليه السلام) (8). ومنعه في المعتبر بعد التردد، محتجا بأنه لابد من الاتيان
بالغاية (9) ولا ريب انه أحوط، وعليه عمل الأصحاب.
الرابعة: هل يجزئ النكس؟ المشهور: نعم، لخبر حماد بن عثمان

(1) المقنعة: 5
(2) السرائر: 18، المعتبر 1: 160، مختلف الشيعة: 26.
(3) مختلف الشيعة: 26.
(4) في س، ط: والظاهر.
(5) السرائر: 18.
(6) المعتبر 1: 160.
(7) مختلف الشيعة: 26.
(8) تقدم في 131 الهامش 5.
(9) المعتبر 1: 152.
153

السالف (1).
وفي عبارة أخرى لحماد عن الصادق (عليه السلام): (لا بأس بمسح
القدمين مقبلا ومدبرا) (2).
وروى يونس عمن رأى أبا الحسن (عليه السلام) بمنى: يمسح ظهر
قدميه من أعلى القدم إلى الكعب، ومن الكعب إلى أعلى القدم (3).
وزاد في الكافي: ويقول: (الأمر في مسح الرجلين موسع، من شاء مسح
مقبلا، ومن شاء مسح مدبرا) (4) وهو إما من كلام الامام أو من كلام الراوي،
وعلى التقديرين فظاهره انه جمع بينهما (عليه السلام)، فيمكن أن يقال
باستحبابه، يكون إسباغا للمسح كما يستحب إسباغ الغسل.
ويؤيده مرفوع أحمد بن محمد بن عيسى إلى أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه
السلام)، في مسح القدمين ومسح الرأس، قال: (مسح الرأس واحدة من مقدم
الرأس ومؤخره، ومسح القدمين ظاهرهما وباطنهما) (5).
ولصحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السلام)، وسأله عن المسح على
القدمين، فوضع كفه على الأصابع فمسحهما إلى الكعبين، فقلت: لو أن رجلا
قال بإصبعين من أصابعه هكذا إلى الكعبين كلها؟ قال: (لا، إلا بكفه) (6) وأقل
أحواله الاستحباب، إلا أن هذا لا دلالة فيه على تعاكس المسح.
ويؤيد عدم استحباب العكس فتوى الأصحاب بأنه لا تكرار في المسح (7)

(1) تقدم في ص 121 الهامش 5.
(2) التهذيب 1: 83 ح 217، الاستبصار 1: 57 ح 169.
(3) قرب الاسناد: 126، التهذيب 1: 57 ح 160، 65 ح 183، 83 ح 216، الاستبصار 1:
58 ح 170.
(4) الكافي 3: 31 ح 7.
(5) التهذيب 1: 82 ح 215، الاستبصار 1: 61 ح 181.
(6) الكافي 3: 30 ح 6، التهذيب 1: 91 ح 243، الاستبصار 1: 62 ح 184.
(7) راجع: المقنعة: 5، المبسوط 1: 23، السرائر: 17، المعتبر 1: 160.
154

ولخلو الآية وأكثر الأخبار منه.
ويظهر من كلام ابن بابويه (1) والمرتضى (2)، وبه قطع ابن إدريس (3): انه
يجب الابتداء من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، جعلا ل‍ (إلى) على ما بها
من الانتهاء. ولأن في وصف الباقر (عليه السلام): (مسح قدميه إلى الكعبين
بفضل كفه) (4). ويلوح منه دخول الكعبين في المسح، لأنه لبيان غاية المسح
هنا وهو من جنس المغيا، وكذا في خبر البزنطي عن الرضا (عليه السلام) (5).
ولإن الوضوء البياني من الرسول لم ينكس فيه قطعا، وإلا لما أجزأ خلافه،
مع أنه مجزئ بالاجماع. وهذا القول أولى، لحصول اليقين بالخروج عن العهدة
بفعله.
الخامسة: هل يجب البدأة باليمنى من الرجلين؟ المشهور: العدم،
لاطلاق الآية والأخبار. وظاهر ابني بابويه وابن أبي عقيل وجوبه (6) وبه أفتى ابن
الجنيد وسلار (7) عملا بالوضوء البياني، وأخذا بالاحتياط.
وفي كلام بعضهم: يجوز مسحهما معا لا تقديم اليسرى. والعمل بالترتيب
أحوط
السادسة: إذا قطع بعض القدم مسح على ما بقي. ولو أوعب موضع
المسح سقط، لامتناع التكليف بالمحال. ولم نقف على نص في مسح موضع القطع
كما جاء في اليدين، غير أن الصدوق لما روى عن الكاظم (عليه السلام) غسل

(1) الفقيه 1: 28، الهداية: 17.
(2) الانتصار: 29.
(3) السرائر: 17.
(4) التهذيب 1: 56 ح 158، الاستبصار 1: 57 ح 168.
(5) راجع الهامش 6، المتقدم.
(6) الفقيه 1: 28، مختلف الشيعة: 25.
(7) المراسم: 38، مختلف الشيعة: 25.
155

الأقطع عضده، قال: وكذلك روي في أقطع الرجلين (1).
والقول في مسح الرجل الزائدة كما قلناه في اليد، بحسب الأصالة
والزيادة. ولو كانت تحت الكعب فالأقرب: المسح عليهما، للعموم. ويمكن
الاجتزاء بالتامة منهما، فان استويا تخير، لأن المسح لا يجب فيه الاستيعاب طولا
وعرضا
السابعة: لا يجوز المسح على حائل من خف وغيره، إلا لضرورة أو تقية
اجماعا منا قال ابن الجنيد: روى يحيى بن الحسين: ان آل رسول الله (صلى الله
عليه وآله أجمعين) أجموا على ذلك، وقال به خلق كثير من الصحابة والتابعين
لعدم مسمى الرجل فيه، ولإفادة الباء الالصاق، ولحمله على الوجه واليدين في عدم إجزاء غسل الحائل، ولأن الوضوء البياني الذي حكم فيه النبي (صلى الله
عليه وآله) بأنه لا تقبل الصلاة إلا به لم يمسح فيه على الخفين اجماعا.
قال الفاضل: والعجب تسويغهم المسح على الخفين لرفع الحدث عن
الرجلين، ومنعه عن البشرة.
واشتهر ذلك من قول علي (عليه السلام) ومناظراته، كما في صحيح زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام): (جمع عمر أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
وفيهم علي (عليه السلام)، فقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟ فقام المغيرة
ابن شعبة، فقال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح على الخفين. فقال
علي (عليه السلام): أقبل المائدة أو بعدها؟ فقال: لا أدري. فقال علي (عليه
السلام): سبق الكتاب الخفين، انما أنزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو
ثلاثة) (3).
وسمع أبا مسعود البدري يروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله)

(1) الفقيه 1: 30.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 18.
(3) التهذيب 1: 361 ح 1091.
156

فقال: (أقبل نزول المائدة أو بعده)؟ فسكت أبو مسعود (1).
وعن علي (عليه السلام): (ما أبالي أمسح على الخفين، أو على ظهر عير
بالفلاة) (2) بالياء المثناة تحت بعد العين المهملة وقبل الراء ومثله عن أبي هريرة (3)
وعن عائشة أيضا (4).
وعنها عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه قال: (أشد الناس حسرة يوم
القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره) (5). وعنها: لأن تقطع رجلاي بالمواسي أجب إلي من أن أمسح على الخفين (6).
وانكار هؤلاء يدل على عدم فعل النبي (صلى الله عليه وآله) إياه. ورواية
سعد وغير ان النبي (صلى الله عليه وآله) مسح على الخفين (7) معارضه بما تلوناه،
والترجيح معنا لشهادة الكتاب به، وامكان حملها على الضرورة كالبرد الشديد،
والعدو المرهق أو على أنه كان ثم نسخ، لما روي عن علي (على السلام) انه
قال: (نسخ الكتاب المسح على الخفين) (8) ومناظراته تدل على أنه كان مشروعا ثم
نسخ، وهذا جواب حسن حاسم للشبهة.
وأما الروايات عن أهل البيت عليهم السلام فكثيرة، منها:
ما رواه رقبة بن مصقلة، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فسألته

(1) أخرجه العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 18.
(2) أخرجه العلامة في تذكرة الفقهاء، وروى نحوه ابن أبي شيبة في المصنف 1: 186 عن
ابن عباس، واحمد في مسنده 1: 323.
(3) مصنف ابن أبي شيبة ج 1 ح 186.
(4) الفقيه 1: 30 ح 97، أمالي الصدوق: 515.
(5) الفقيه 1: 30 ح 96، أمالي الصدوق: 515.
(6) المصنف لعبد الرزاق 1: 221 ح 860، التفسير الكبير للرازي 11: 163.
(7) الموطأ 1: 18، صحيح البخاري 1: 58، صحيح مسلم 1: 228 ح 272، سنن أبي داود 1:
29 ح 118.
(8) التهذيب 1: 361 ح 1091.
157

عن أشياء، فقال: (اني أراك ممن يفتي في مسجد العراق). فقلت: نعم. فقال:
(ممن أنت). فقلت ابن أعم لصعصعة. فقال: (مرحبا بك يا ابن عم
صعصعة). فقلت له: ما تقول في المسح على الخفين؟ فقال: (كان عثمان يراه
ثلاثا للمسافر، ويوما وليلة للمقيم، وكان أبي لا يراه في سفر ولا حضر). فلما
خرجت من عنده فقمت على عتبة الباب، فقال لي: (أقبل يا ابن عم صعصعة).
فأقبلت عليه فقال لي: (القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون ويصيبون وكان أبي
لا يقول برأيه) (1) وهذا تصريح منه (عليه السلام) بعدم النص في المسح على
الخفين، وانما هو رأي رأوه.
وعن محمد بن مسلم عن أحدهما انه سأل عن المسح على الخفين وعلى
العمامة، فقال: (لا تمسح عليهما) (2).
وعن أبي الورد، قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن أبا ظبيان حدثني أنه
رأى عليا (عليه السلام) أراق الماء ثم مسح على الخفين! فقال: (كذب أبو ظبيان
أما بلغك قول علي (عليه السلام) فيكم: سبق الكتاب الخفين). فقلت: فهل
فيهما رخصة؟ فقال: (لا، إلا من (عذر أو تقية) (3) أو ثلج تخاف على رجليك) (4).
تنبيهات:
الأول: قال المرتضى رحمة الله في الناصرية: من مسح على الخفين
مقلدا أو مجتهدا، ثم وقف على خطئه أعاد الصلاة لأنه ما أدى الفرض (5).
ويشكل: بحسن زرارة وبكير والفضيل، ومحمد بن مسلم وبريد العجلي،

(1) التهذيب 1: 361 ح 1089، وفيه (كان عمر يراه).
(2) التهذيب 1: 361 ح 1090.
(3) في المصدرين: (عدو وتتقيه).
(4) التهذيب 1: 362 ح 1092، الاستبصار 1: 76 ح 236.
(5) الناصريات: 221 المسألة 34.
158

عن الباقر والصادق (عليهما السلام)، قالا: في الرجل يكون في بعض هذه
الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية، ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن
رأيه، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو صدقة أو حج، أو ليس عليه إعادة شئ
من ذلك؟ قال: (ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها، لأنه
وضع الزكاة في غير موضعها، انما موضعها أهل الولاية) (1)
قال في المعتبر: اتفقوا على أنه لا يعيد شيئا من عبادته التي فعلها سوى
الزكاة، والرواية عامة للماسح على الخفين سواء كان مجتهدا أو مقلدا (2).
الثاني: قد مر جواز المسح على العربي وان لم يدخل يده تحت الشراك.
قال ابن الجنيد في النعال: وما كان منها غير مانع لوصول الراحة
والأصابع أو بعضها إلى مماسة القدمين، فلا بأس بالمسح عليهما.
قال: وقد روي المسح عليهما عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، والباقر
والصادق عليهما السلام، وان رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح على
نعليه، فقال له المغيرة: أنسيت يا رسول الله؟ قال: (بل أنت نسيت هكذا أمرني
ربي).
قال: وروى الطبري والساجي وغيرهما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
مسح عليهما، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن
عمر، وأوس بن أوس. وروي عن أبي ظبيان وزيد الجهني أن أمير المؤمنين (عليه
السلام) توضأ ومسح عليهما.
فرع:
ظاهر كلام ابن الجنيد عدم اختصاص ذلك بالعربي، فيجوز على كل ما
لا يمنع. فحينئذ يجوز في السير المركب على الخشب إذا كان في عرض الشراك

(1) الكافي 3: 545 ح 1، علل الشرائع: 373، التهذيب 4: 54 ح 143.
(2) المعتبر 2: 766.
159

تقريبا. وتوقف فيه في التذكرة، قال وكذا لو ربط رجله بسير للحاجة بل عبثا (1).
قلت: أما السير للحاجة فهو ملحق بالجبائر، وأما العبث فان منع فالأقرب
الفساد إن أوجبنا المسح إلى الكعبين وهو الأقرب كما مر لأنه قد تخلف شئ
خارج عن النص.
الثالث: قال الصدوقان: عن العالم (عليه السلام): (ثلاثة لا اتقي فيهن
أحدا: شرب المسكر، والمسح على الخفين، ومتعة الحج) (2). وهو في الكافي
والتهذيب بسند صحيح عن زرارة، قال: قلت له: أفي مسح الخفين تقية؟ فقال:
(ثلاث لا أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر، ومسح الخفين، ومتعة الحج) (3).
وتأوله زرارة رحمه الله بنسبته إلى نفسه، ولم يقل: الواجب عليكم أن لا
تتقوا فيهن أحدا (4). وتأوله الشيخ بالتقية، لأجل مشقة يسيرة لا تبلغ إلى الخوف
على النفس أو المال (5)، لما مر من جواز ذلك للتقية.
قلت: ويمكن أن يقال: ان هذه الثلاث لا يقع الانكار فيها من العامة
غالبا، لأنهم لا ينكرون متعة الحج، وأكثرهم يحرم المسكر، ومن خلع خفه وغسل
رجليه فلا إنكار عليه، والغسل أولى منه عند انحصار الحال فيهما. وعلى هذا
يكون نسبته إلى غيره كنسبته إلى نفسه في أنه لا ينبغي التقية فيه، وإذا قدر خوف
ضرر نادر جازت التقية.
الرابع: المقتضى للمسح على الخفين عينا هو الضرورة والتقية، فيدوم
بدوامها ولا يتقدر بما قدروه. فإذا زالت الضرورة ولم يحدث، فهل يعيد الصلاة

(1) تذكرة الفقهاء 1: 18.
(2) الفقيه 1: 30 ح 95، المقنع: 6، الهداية: 17.
(3) الكافي 3: 32 ح 2، التهذيب 1: 362 ح 1093، الاستبصار 1: 76 ح 237.
(4) راجع الهامش السابق.
(5) التهذيب 1: 362، الاستبصار 1: 76.
160

أخرى؟ قطع به في المعتبر (1) وقربه في التذكرة، لزوال المشروط بزوال شرطه (2)
والأقرب: بقاء الطهارة، لأنها طهارة شرعية ولم يثبت كون هذا ناقضا، والمشروط
انما هو فعل الطهارة لا بقاء حكمها، وأحدهما غير الآخر.
الخامس: لا فرق عندنا مع الضرورة بين كون الخف بشرج أو غيره، ولا
بين الجورب والخف، ولا بين الجورب المنعل وغيره، ولا بين الجرموق فوق الخف
وغيره، ولا بين اللبس على طهارة أو حدث، ولا بين كونه ساترا قويا حلالا أو
لا... إلى غير ذلك مما فرعوه.
الواجب السادس: الترتيب، عند علمائنا، لأنه تعالى غيا الغسل بالمرافق
والمسح بالكعبين وهو يعطي الترتيب.
ولأن (الفاء) في (فاغسلوا) تفيد الترتيب قطعا بين إرادة القيام وبين غسل
الوجه، فيجب البدأة بغسل الوجه قضية للفاء، وكل من قال بوجوب البدأة به
قال بالترتيب بين باقي الأعضاء.
وما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (لا يقبل الله صلاة
امرئ حتى يضع الطهور مواضعه: فيغسل وجهه، ثم يغسل يديه، ثم يمسح
رأسه، ثم رجليه) (3).
ولعموم قول النبي (صلى الله عليه وآله): (ابدؤا بما بدأ الله به) (4)
ولأن الوضوء البياني وقع مرتبا. ولأن ((الواو) للترتيب، عند الفراء
وثعلب وقطرب والربعي، ونقله في التهذيب عن أبي عبيد القاسم بن

(1) المعتبر 1: 154.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 18.
(3) تلخيص الحبير 1: 358.
(4) مسند أحمد 3: 294، سنن النسائي 5: 236، سنن الدارقطني 2: 254. ونحوه في: الموطأ
1: 372، صحيح مسلم 2: 886 ح 1212، سنن أبي داود 2: 182 ح 1905، الجامع
الصحيح 3: 216 ح 862.
161

سلام (1).
ولرواية زرارة عن الباقر (عليه السلام): (تابع كما قال الله تعالى: إبدأ
بالوجه، ثم اليدين، ثم امسح الرأس والرجلين. ولا تقدمن شيئا بين يدي
شئ، إبدأ بما بدأ الله به، فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه ثم أعد على
الذراع، وان مسحت الرجلين قبل الرأس فامسح على الرأس ثم أعد على
الرجلين) (2).
وفي هذه الرواية دلالة من عدة أوجه على الترتيب، إلا أنه لم يبين فيها
وجوب تقديم غسل اليمنى على اليسرى، لاستفادته من الوضوء البياني ومن أخبار أخر:
كرواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في البادي بالشمال
قبل اليمين: يعيد اليمين ويعيد الشمال (3).
وكبيان الباقر (عليه السلام) وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثم
غمس كفه فغسل يده اليمنى، ثم غمس يده فغسل اليسرى (4).
وأما رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) فيمن نسي غسل
يساره: (يغسل يساره وحدها، ولا يعيد وضوء شئ غيرها) (5) فالمراد بالوحدة
من بين المغسولات، وبنفي الإعادة لما سبق عليها، توفيقا بينها وبين غيرها:
كرواية زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): (وان نسي شيئا من الوضوء
المفروض، فعليه أن يبدأ بما نسي، ويعيد ما بقي لتمام الوضوء) (6).

(1) التهذيب 1: 95.
(2) الكافي 3: 34 ح 5، الفقيه 1: 28 ح 89، التهذيب 1: 97 ح 251، الاستبصار 1: 73
ح 223.
(3) التهذيب 1: 97 ح 253، الاستبصار 1: 73 ح 225.
(4) التهذيب 1: 56 ح 158، الاستبصار 1: 57 ح 168.
(5) قرب الاسناد: 83، التهذيب 1: 98 ح 257، الاستبصار 1: 73 ح 226.
(6) التهذيب 1: 89 ح 235، 99 ح 260، الاستبصار 1: 74 ح 229.
162

ولمطابقة تأويلها رواية الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): (وان كان
إنما نسي شماله فليغسل الشمال، ولا يعيد على ما كان وضأه) (1).
وما رواه العامة عن علي (عليه السلام) وابن مسعود: (ما أبالي بأي
أعضائي بدأت) (2) معارض بما رووه عن علي (عليه السلام) أنه سئل، فقيل:
أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شئ؟ فقال: (لا، حتى يكون كما أمر الله
تعالى) (3).
مسائل ثلاث:
الأولى: اختلف الأصحاب في وجوب الترتيب بين الرجلين.
فابن الجنيد وابن أبي عقيل وسلار عليه (4) للاحتياط، والوضوء البياني.
والأكثر لا (5) للأصل، ولقوله تعالى (وأرجلكم)، مع عدم قيام مناف
له كما قام في اليدين.
قال ابن إدريس في الفتاوى: لا أظن أحدا منا يخالف في ذلك. نعم، هو
مستحب لقول النبي (صلى الله عليه وآله): (ان الله يحب التيامن) (7) وعليه قول
الصدوقين (6).
الثانية: لا يكفي في الترتيب عدم تقديم المؤخر بل يعتبر تقديم المقدم، إذ
هو المفهوم منه، وللأخبار. فلو غسل الأعضاء معا بطل، لفقد المعنى الثاني وان
وجد الأول، فحينئذ يحصل الوجه، فان أعاد الغسل الدفعي فاليمنى، فان أعاده

(1) الكافي 3: 34 ح 4، التهذيب 1: 99 ح 259، الاستبصار 1: 74 ح 228.
(2) سنن الدارقطني 1: 88، السنن الكبرى 1: 87، معرفة السنن: 248.
(3) المغني 1: 157، الشرح الكبير 1: 149.
(4) المراسم: 38، مختلف الشيعة: 25.
(5) منهم المفيد في المقنعة: 4، العلامة في المختلف: 25، المحقق في الشرائع 1: 22.
(6) نصب الراية 1: 34.
(7) الفقيه 1: 28، مختلف الشيعة: 25.
163

فاليسرى ويمسح بمائها.
ولو ارتمس ناويا صح الوجه، فان اخرج اليدين مرتبا صحتا، ولو أخرجهما
معا فاليمنى إذا قصد بالاخراج الغسل.
ولو كان في جار، وتعاقبت الجريات ناويا، صحت الأعضاء الثلاثة.
والأقرب: ان هذه النية كافية في الواقف أيضا، لحصول مسمى الغسل مع
الترتيب الحكمي، ويمسح بماء الأولى.
ولو غسل عضوا قبل الوجه لم يعتد به، فإذا غسل الوجه صح. ولو نكس
مرارا، ترتب الوضوء مهما أمكن وصح إن نوى عنده، أو كان قد تقدمت النية في
موضع استحباب التقدم. والأقرب: انه لا يضر عزوبها بعد، لتحقق الامتثال
فيخرج عن العهدة. ويحتمل الإعادة مع العزوب، لوجود الفصل بأجنبي،
بخلاف ما إذا أتى بأفعال الوضوء مرتبة.
الثالثة: الترتيب ركن في الوضوء فيبطل بتركه ولو نسيانا، لعدم الاتيان
بالجزء الصوري، وتحقق الماهية موقوف عليه فلا يعد ممتثلا.
وانما يتحقق البطلان إذا لم يستدرك في محله، فلو راعاه بعد صح ما دام
البلل، ولو كان عمدا فكذلك الا انه يأثم هنا. وجاهل الحكم غير معذور وان
استند إلى شبهة، لأنه مخاطب بالعلم. نعم، لا يعيد ذو الشبهة ما صلاه بهذا
الوضوء، للخبر المتقدم في عدم إعادة ما عدا الزكاة (1).
الواجب السابع:
الموالاة، اجماعا. وقد حكى المتأخرون فيها خلافا بين المتابعة ومراعاة
الجفاف، وعند التأمل يمكن حمل كلام الأكثر على اعتبار الجفاف، فلنورد عباراتهم
هنا تحصيلا للمراد، ونفيا للشبهة.
قال علي بن بابويه: وتابع بينه كما قال الله عز وجل: ابدأ بالوجه، ثم
باليدين، ثم امسح بالرأس والقدمين. فان فرغت من بعض وضوئك، فانقطع

(1) تقدم في 159 الهامش 1.
164

بك الماء من قبل أن تتمه وأوتيت بالماء، فأتم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا، وان
كان قد جف فأعد الوضوء. وان جف بعض وضوءك قبل أن تتم الوضوء، من
غير أن ينقطع عنك الماء، فاغسل ما بقي، جف وضوؤك أو لم يجف (1).
ولعله عول على ما رواه حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) كما أسنده
ولده في كتاب مدينة العلم، وفي التهذيب وقفه على حريز قال: قلت: إن جف
الأول من الوضوء قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال: (إذا جف أو لم يجف، فاغسل
ما بقي) (2). وحمله في التهذيب على جفافه بالريح الشديد، أو الحر العظيم، أو على
التقية.
قلت: التقية هنا أنسب، لأن في تمام الحديث: قلت: وكذلك غسل
الجنابة؟ قال: (هو بتلك المنزلة، وابدأ بالرأس، ثم أفض على سائر جسدك)).
قلت: فان كان بعض يوم؟ قال: (نعم). وظاهر هذه المساواة بين الوضوء والغسل
فكما ان الغسل لا يعتبر فيه الريح الشديدة والحر، كذلك الوضوء.
وفي من لا يحضره الفقيه اقتصر على حكاية كلام والده (3) وظاهره اعتقاده.
وهذا فيه تصريح بان المتابعة الترتيب، وان الموالاة ما أتي بعدها. وفي المقنع ذكر
ذلك ولم يذكر المتابعة (4).
وقال المفيد: ولا يجوز التفريق بين الوضوء، فيغسل وجهه ثم يصبر هنية
ثم يغسل يده، بل يتابع ذلك ويصل غسل يده بغسل وجهه، ومسح رأسه بغسل
يديه، ومسح رجليه بمسح رأسه، ولا يجعل بين ذلك مهلة الا لضرورة. ثم اعتبر
الجفاف عند الضرورة (5).
واحتج له في التهذيب بخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

(1) الفقيه 1: 35.
(2) التهذيب 1: 88 ح 233، الاستبصار 1: 72 ح 222.
(3) الفقيه 1: 35.
(4) المقنع: 6.
(5) المقنعة: 5
165

(إذا توضأت بعض وضوئك، فعرضت بك حاجة حتى يبس وضوؤك، فأعد فان
الوضوء لا يبعض) (1).
وبخبر معاوية بن عمار، قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ربما توضأت
فنفذ الماء، فدعوت بالجارية فأبطأت علي بالماء فيجف وضوئي؟ قال:
(أعد) (2).
وليس في هذين الخبرين تصريح بوجوب المتابعة.
وقال الجعفي: والوضوء على الولاء... إلى قوله: ومن فرق وضوءه حتى
يبس أعاده. وهو أيضا ظاهر في أن الولاء مراعاة الجفاف.
وقال المرتضى رحمه الله في الناصرية: الموالاة عندنا واجبة بين الوضوء
ولا يجوز التفريق، ومن فرق بين الوضوء بمقدار ما يجف مع (3) غسل العضو الذي
انتهى إليه، وقطع الموالاة منه في الهواء المعتدل، وجب عليه إعادة الوضوء (4).
وقال في المصباح حسبما نقله عنه في المعتبر: هي أن يتابع بين غسل
الأعضاء ولا يفرق إلا لعذر وتممه بنحو من كلامه في الناصرية (5). وهو أيضا
غير صريح في المطلوب، لانصباب قوله: ومن فرق... إلى اخره على تفسير
الموالاة، فكأنها المرادة بعدم التفريق.
وقال تلميذه سلار: والموالاة واجبة، وهي: أن يغسل اليدين والوجه رطب،
ويمسح الرأس والرجلين واليدان ورطبتان، في الزمان والهواء المعتدل (6). وهو
تصريح بمراعاة الجفاف.

(1) الكافي 3: 35 ح 7، علل الشرائع: 289، التهذيب 1: 87 ح 230، 98 ح 255، الاستبصار
1: 72 ح 220.
(2) التهذيب 1: 87 ح 231، 98 ح 256، الاستبصار 1: 72 ح 221.
(3) كذا في النسخ الثلاث، وفي المصدر: معه.
(4) الناصريات: 221 المسألة 33.
(5) المعتبر 1: 157.
(6) المراسم: 38.
166

وابن الجنيد اعتبر الجفاف، واشترط بقاء البلل على جميع الأعضاء، إلا
لضرورة فلا يضر الجفاف.
وقال الشيخ في النهاية: والموالاة أيضا واجبة في الطهارة، ولا يجوز تبعضها
إلا لعذر، فإن بعض لعذر أو انقطاع الماء جاز إلا أنه يعتبر ذلك بجفاف ما وضأه
من الأعضاء، فإن كان قد جف وجب الاستئناف الوضوء، وإن لم يكن قد جف
بنى عليه (1). ثم قال في غسل الرجلين: ولا يحل غسلهما بين أعضاء الطهارة (2).
وقال في المبسوط: والموالاة واجبة في الوضوء، وهي أن يتابع بين الأعضاء
مع الاختيار، فإن خالف لم يجزه. وإن انقطع عنه الماء انتظره، فإذا وصل إليه وكان
ما غسله عليه نداوة بنى عليه، وإن لم يبق فيه نداوة مع اعتدال الهواء أعاد الوضوء
من أوله (3).
وقال في الخلاف: عندنا أن الموالاة واجبة، وهي أن يتابع بين أعضاء
الطهارة، ولا يفرق بينهما إلا لعذر بانقطاع الماء، ثم يعتبر إذا وصل إليه الماء، فإن
جفت أعضاء طهارته أعاد الوضوء، وإن بقي في يده نداوة بنى عليه (4).
وفي التهذيب احتج للمتابعة: باقتضاء الأمر الفور، فيجب فعل الوضوء
عقيب توجه الأمر إليه، وكذلك جميع الأعضاء الأربعة، لأنه إذا غسل وجهه فهو
مأمور بعد ذلك بغسل اليدين، فلا يجوز له تأخيره (5).
وكلام الشيخين ظاهر في وجوب المتابعة، وظاهر المبسوط عدم الإجزاء
بالمخالفة ففيه وفاء بحق الواجب، إلا أنه في الجمل وافق الأصحاب في اعتبار
الجفاف (6)، فانحصرت المتابعة في المفيد رحمة الله ولو حمل قوله: (لا يجوز) على

(1) النهاية: 15.
(2) النهاية 15.
(3) المبسوط 1: 23.
(4) الخلاف 1: 93 المسألة 41.
(5) التهذيب 1: 87.
(6) الجمل والقعود: 159.
167

الكراهية انعقد الإجماع.
وقال ابن البراج رحمة الله في المهذب: والترتيب والموالاة يجبان في
الوضوء، فإن توضأ على خلاف الترتيب المقدم ذكره لم يكن مجزئا، وإن ترك الموالاة
حتى يجف الوضوء المتقدم لم يجزه أيضا، اللهم إلا أن يكون الحر شديدا أو الريح
يجف منهما العضو المقدم بينه وبين طهارة العضو الثاني من غير إمهال لذلك، فإنه
يكون مجزئا.
وفي الكامل: والموالاة، وهي: متابعة بعض الأعضاء بعض، فلا يؤخر
المؤخر عما يتقدمه بمقدار ما يجف المقدم في الزمان المعتدل. وهاتان العبارتان
ظاهرتان في مراعاة الجفاف.
وقال أبو الصلاح: والموالاة، وهي: أن تصل توضئة الأعضاء بعضا
ببعض، فإن جعل بينها مهلة حتى جف الأول بطل الوضوء (2). وليس فيه تصريح
بوجوب المتابعة، بل ظاهره اعتبار الجفاف.
وقال السيد ابن زهرة رحمة الله: الموالاة، وهي: ان لا يؤخر بعض
الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدم في الهواء المعتدل (3).
وقال ابن حمزه: والموالاة، وهي: ان يوالي بين غسل الأعضاء، ولا يؤخر
بعضه عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدم (4). وهو ظاهر في مراعاة الجفاف.
وقال الكيدري في سياق الواجب وأن لا يؤخر غسل عضو عن عضو
إلى أن يجف ما تقدم مع اعتدال الهواء (5).
وقال ابن إدريس: والموالاة واجبة في الصغرى فحسب، وحدها المعتبر
عندنا على الصحيح من أقوال أصحابنا المحصلين هو: ان لا يجف غسل العضو

(1) المهذب 1: 45.
(2) الكافي في الفقه: 133.
(3) الغنية: 492.
(4) الوسيلة 38.
(5) إصباح الشيعة: 29.
168

المتقدم في الهواء المعتدل. ولا يجوز التفريق بين الوضوء، بمقدار ما يجف غسل
العضو الذي انتهى إليه وقطع الموالاة منه في الهواء المعتدل. وبعض أصحابنا
يذهب إلى أن اعتبار الجفاف عند الضرورة، وانقطاع الماء وغيره من الأعذار (1)
وفيه تصريح باعتبار الجفاف، ومصير إلى ما قاله السيد من اعتبار جفاف العضو
السابق على ما يبتدئ منه، ولا يكفيه بقاء البلل على غيره في ظاهر كلامهما.
وقال الشيخ نجيب الدين ابن سعيد في الجامع: والمتابعة بين أعضاء
الطهارة، فان فرق وجف ما سبق استأنف الوضوء، وإن لم يجف بنى عليه (3).
وليس فيه تصريح بأحدهما.
وأما الفاضلان فتبعا الشيخ المفيد في كتبهما، واحتجا بحجته، وبأن الوضوء
البياني وقع متابعا تفسيرا للأمر الإجمالي، فتجب المتابعة كوجوب المفسر (3). وفي
المختلف احتج بخبر الحلبي عن الصادق (عليه السلام): (أتبع وضوءك بعضه
بعضا) (4).
والمختار: المراعاة، والأخبار لا تدل على أكثر منها.
والجواب عن تمسك الشيخ: بأن الفورية لا ينافيها هذا القدر من التأخير،
خصوصا مع كونه مبينا في الأخبار بالجفاف.
ومتابعة الوضوء البياني مسلمة، ولكن لم قلتم بمنافاة هذا اليسير من التأخير
لها؟ وإلا لوجب مراعاة القدر الذي تابع فيه من الزمان ومطابقته له، مع اعتضاده
بأحاديث الجفاف.
وأما خبر الحلبي فهو في سياق وجوب الترتيب في الوضوء، والمراد بالمتابعة
اتباع كل عضو سابقه بحيث لا يقدمه عليه، لأنه قال فيه: (إذا نسي الرجل أن

(1) السرائر: 17.
(2) الجامع للشرائع: 36.
(3) المعتبر 1: 156، تذكرة الفقهاء: 1: 20، منتهى المطلب 1: 70.
(4) مختلف الشيعة: 25.
وخبر الحلي في الكافي 3: 34 ح 4، التهذيب 1: 99 ح 259، الاستبصار 1: 74 ح 228.
169

يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه، فذكر بعد ذلك، غسل يمينه وشماله
ومسح رأسه ورجليه. وإن كان إنما نسي شماله فليغسل الشمال، ولا يعد على ما
كان توضأ)، وقال: (أتبع وضوءك بعضه بعضا) (1).
ومثله ما رواه الصدوق عن الباقر (عليه السلام)، قال: (تابع بين الوضوء كما
قال الله عز وجل: إبدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم امسح الرأس والرجلين، ولا تقدمن
شيئا بين يدي شئ تخالف ما أمرت به) (2)، واسند الكليني رحمه الله عن زرارة
عن الباقر (عليه السلام) (3).
ولأن المتابعة بهذا المعنى لو وجبت لبطل الوضوء بالإخلال بها قضية لعدم
الإتيان به على الوجه، وهما لا يقولان به.
ولأن ضبط الموالاة بالجفاف أولى من الاتباع، لاختلافه باختلاف حركات
المكلفين.
وإنما أوردنا عبارة الأصحاب هنا، لأن بعض الأفاضل نسب كثيرا منهم إلى
القول بالمتابعة.
فروع:
الأول: ظاهر ابني بابويه أن الجفاف لا يضر مع الولاء، والأخبار الكثيرة
بخلافه، مع إمكان حمله على الضرورة.
الثاني: ظاهر المرتضى وابن إدريس اعتبار العضو السابق.
وابن الجنيد مصرح باشتراط البلل على الجميع إلى مسح الرجلين إلا
لضرورة.
وظاهر الباقين: ان المبطل هو جفاف الجميع لا جفاف البعض، قال في

(1) راجع ص 169 الهامش 4.
(2) الفقيه 1: 28 ح 89.
(3) الكافي 3: 34 ح 5، التهذيب 1: 97 ح 251، الاستبصار 1: 73 ح 223.
170

المعتبر: لاطباقهم على الأخذ من اللحية والأشفار للمسح، ولا بلل هنا على
اليدين (1). وبه يشهد خبر زرارة والحلبي عن الصادق (عليه السلام) في الأخذ من
اللحية (2)، ورواه الكليني عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) (3) ورواه ابن بابويه
عن الصادق (عليه السلام)، ثم قال فيه: (وإن لم يكن لك لحية فخذ من
حاجبيك وأشفار عينيك) (4). وفي التهذيب من مراسيل حماد عن الصادق (عليه
السلام) ذكر الحاجبين والأشفار أيضا (5).
قلت: هذا يلزم منه أحد أمور ثلاثة: إما أن الجفاف للضرورة غير مبطل
كما قاله ابن الجنيد، وإما تخصيص هذا الحكم بالناسي، وإما أن المبطل جفاف
الجميع.
الثالث: لو كان الهواء رطبا جدا، بحيث لو اعتدل جف البلل، لم يضر
لوجود البلل حسا. وتقييد الأصحاب بالهواء المعتدل، ليخرج طرف الإفراط في
الحرارة. وكذا لو أسبغ الماء، بحيث لو اعتدل لجف، لم يضر.
الرابع: لو تعذر بقاء بلل للمسح جاز الاستئناف، للضرورة، ونفي
الحرج. ولو أمكن غمس العضو، أو اسباغ العضو المتأخر، وجب ولم يستأنف.
الخامس: لو نذر المتابعة في الوضوء وجبت، أما على المشهور فظاهر لأنها
مستحبة، وأما على الوجوب فللتأكيد. فلو أخل بها ولما يجف، ففي صحة الوضوء
وجهان مبنيان على اعتبار حال الفعل أو أصله. فعلى الأول لا يصح، وعلى الثاني
يصح. أما الكفارة، فلازمة مع تشخص الزمان قطعا، لتحقق المخالفة. وهذا
مطرد في كل مستحب أوجب بأمر عارض.

(1) المعتبر 1: 157.
(2) الكافي 3: 24 ح 3، التهذيب 1: 99 ح 260، 101 ح 263، الاستبصار 1: 74 ح 229.
(3) الكافي 3: 33 ح 2.
(4) الفقيه 1: 36 ح 134.
(5) التهذيب 1: 59 ح 165، الاستبصار 1: 59 ح 175.
171

الواجب الثامن: المباشرة بنفسه، فيبطل لو ولاه غيره اختيارا تفرد به
الإمامية على ما نقله المرتضى في الانتصار (1) وفي المعتبر: هو مذهب الأصحاب (2)
لقوله تعالى: (فاغسلوا) (3)، (وامسحوا) (4). واسناد الفعل إلى فاعله هو
الحقيقة، ولتوقف اليقين بزوال الحدث عليه.
وقال ابن الجنيد: يستحب ان لا يشرك الانسان في وضوئه غيره، بأن يوضئه
أو يعينه عليه (5). والدليل والإجماع يدفعه.
ويجوز مع العذر تولية الغير، لأن المجاز يصار إليه مع تعذر الحقيقة،
فحينئذ يتولى المكلف النية، إذ لا يتصور العجز عنها مع بقاء التكليف. فلو أمكن
غمس العضو في الماء لم تجر التولية، ولو أمكن في البعض تبعض.
ولو احتاج إلى اجرة وجبت، قضية لوجوب مقدمة الواجب، ولو زادت عن
أجرة المثل مع القدرة، إلا مع الاجحاف بماله دفعا للحرج. فلو تعذر وأمكن
التيمم وجب، ولو تعذرا فهو فاقد الطهارة.
ولو قدر بعد التولية، فالأقرب: بقاء
الطهارة، لأنها مشروعة، ولم يثبت كون ذلك ناقصا، ويتخرج وجها ذي الجبيرة
والتقية هنا.

(1) الانتصار: 29.
(2) المعتبر 1: 162.
(3) سورة المائدة: 6.
(4) سورة المائدة: 6.
(5) مختلف الشيعة: 25.
172

البحث الثاني: في مستحباته:
وهي ستة عشر:
الأول: وضع الاناء على اليمين إن توضأ منه، وكان مما يغترف منه باليد.
قاله الأصحاب، لما روي: ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يحب التيامن في
طهوره، وتنعله، وشأنه كله (1).
الثاني: الاغتراف باليمين، لما قلناه، ولأن الباقر (عليه السلام) فعل ذلك
لما وصف وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
وليدره بها إلى اليسار، قاله الأصحاب (3). وفي خبر زرارة عن الباقر (عليه
السلام): (أنه اخذ باليسرى فغسل اليمنى) (4). وروي أيضا عنه (عليه السلام)
الأخذ باليمنى (5).
الثالث: التسمية اجماعا. وهي ما رواه زرارة عن أبي عبد الله (عليه
السلام)، قال: (إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم الله وبالله، اللهم اجعلني
من التوابين، واجعلني من المتطهرين) (6).
وقال الصدوق: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا توضأ قال: (بسم الله
وبالله، وخير الأسماء وأكبر الأسماء لله (7) وقاهر لمن في السماوات قاهر لمن في الأرض

(1) صحيح البخاري 1: 53، صحيح مسلم 1: 226 ح 268، سنن ابن ماجة 1: 141
ح 401، سنن النسائي 1: 205.
(2) الكافي 3: 25 ح 4 الفقيه 1: 24 ح 74.
(3) راجع: المراسم: 39، الوسيلة: 51، المهذب 1: 43، المعتبر 1: 164، نهاية الأحكام 1:
53.
(4) الكافي 3: 24 ح 1، التهذيب 1: 55 ح 157، الاستبصار 1: 58 ح 171.
(5) الكافي 3: 24 ح 3.
(6) التهذيب 1: 76 ح 192 عن أبي جعفر (عليه السلام).
(7) ليست في م، س.
173

الله (1). الحمد لله الذي جعل من الماء كل شئ حي، وأحيا قلبي بالايمان. اللهم
تب علي، وطهرني، واقض لي بالحسنى، وأرني كل الذي أحب، وافتح لي
الخيرات من عندك، يا سميع الدعاء) (2)، وهذا أكمل.
ولو اقتصر على (بسم الله) أجزأ، لاطلاق قول النبي (صلى الله عليه وآله):
(إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله، وإذا لم تسم لم يطهر إلا ما أصابه الماء) (3)
وعن الصادق (عليه السلام): (من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنما اغتسل) (4)
والمراد: ثواب الغسل. وفيه إشارة إلى عدم وجوبها والا لم يطهر من جسده شئ،
مع عدم دلالة آية الوضوء عليها.
وما رووه من قول النبي (صلى الله عليه وآله): (لا وضوء لمن لم يذكر اسم
الله عليه) (5) لم يثبت عندهم، ولو سلم حمل على نفي الكمال. وفي مرسل ابن أبي
عمير عن أبي عبد الله (عليه السلام): أمر النبي (صلى الله عليه وآله) من توضأ
بإعادة وضوئه ثلاثا حتى سمى (6) دلالة على تأكد الاستحباب، أو يحمل على النية
كما مر (7).
ولو نسيها في الابتداء، فالأقرب: التدارك في الأثناء، إذ لا يسقط الميسور
بالمعسور، وكما في الأكل. ولو تعمد تركها، فالأقرب انه كذلك، لما فيه من القرب
إلى المشروع.

(1) ليست في المصدر.
(2) الفقيه 1: 27 ح 87.
(3) سنن الدارقطني 1: 74، السنن الكبرى 1: 44.
(4) الفقيه 1: 31 ح 101، التهذيب 1: 358 ح 1073، الاستبصار 1: 67 ح 203.
(5) مسند أحمد 2: 418، سنن ابن ماجة 1: 140 ح 399، سنن أبي داود 1: 25 ح 101، الجامع
الصحيح 1: 38 ح 25، مسند أبي يعلى 11: 293 ح 6409، سنن الدارقطني 1: 73،
المستدرك على الصحيحين 1: 46.
(6) التهذيب 1: 358 ح 1075، الاستبصار 1: 68 ح 206.
(7) تقدم في ص 105 الهامش 2.
174

ويستحب الدعاء بعد التسمية بقوله: (الحمد لله الذي جعل الماء طهورا،
ولم يجعله نجسا) (1) لما يأتي. ويقرأ الحمد والقدر، قاله المفيد (2).
الرابع: غسل اليدين قبل ادخالهما الإناء، مرة من النوم والبول، ومن
الغائط مرتين، وقد تقدم (3).
ولا يجب، لعدم تحقق النجاسة، ولقول أحدهما (عليهما السلام): (نعم) في
جواب محمد بن مسلم في الرجل يبول ولم يمس يده شيئا، أيغمسها في الماء؟ (4).
وما روى أبو هريرة من قول النبي (صلى الله عليه وآله): (إذا استيقظ
أحدكم من نومه، فليغسل يده قبل أن يدخلها الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري
أين باتت يده) (5) لم يثبت عندنا، مع إنكار بعض الصحابة على الراوي، وقالوا:
فما نصنع بالمهراس؟ (6). ولو سلم حمل على الندب، فان ظاهر التعليل يدل
عليه.
وما رويناه عن عبد الكريم بن عتبة عن أبي عبد الله (عليه السلام): من نهيه
عن إدخال يده بعد البول حتى يغسلها، وكذا بعد النوم لأنه لا يدري حيث كانت
يده (7) محمول على الكراهية توفيقا.
ولا فرق بين نوم الليل والنهار، ولا بين كون اليد مطلقة أو مشدودة، وكون
النائم مسرولا أو غيره. والمعتبر مطلق النوم، فلا يشترط فيه الزيادة على نصف
الليل. واليد هنا من الزند اقتصارا على المتيقن، ولا فرق بين غمس بعضها

(1) الكافي 3: 70 ح 6، الفقيه 1: 26 ح 84، أمالي الصدوق: 445، التهذيب 1: 53 ح 153.
(2) انظر المقنعة: 43 من دون: ويقرأ الحمد والقدر.
(3) تقدم في ص 108 - 109.
(4) الكافي 3: 12 ح 4، التهذيب 1: 37 ح 98، الاستبصار 1: 50 ح 143.
(5) تقدم في ص 109 الهامش 4.
(6) السنن الكبرى 1: 48.
المهراس: حجر منقور يدق فيه، ويتوضأ منه. الصحاح مادة هرس
(7) الكافي 3: 11 ح 2، علل الشرائع: 282، التهذيب 1: 39 ح 106، الاستبصار 1: 51
ح 145.
175

وجميعها في الكراهية.
ثم إن نوى للضوء عند الغسل، وإلا نوى له لأنه عبادة يعد من أفعال
الوضوء. وللفاضل وجه بعدم النية، بناء على أن الغسل لتوهم النجاسة (1).
قلنا: لا ينافي كونه عبادة باعتبار اشتمال الوضوء عليه.
الخامس: المضمضة والاستنشاق، لقول النبي (صلى الله عليه وآله):
(عشر من الفطرة) وعدهما (2). ولأن أبا عبد الله (عليه السلام) حكى وضوء
أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (ثم تمضمض، فقال: اللهم لقني حجتي يوم
ألقاك، وأطلق لساني بذكرك، ثم استنشق) رواه عبد الرحمن بن كثير (3).
وعن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): (هما من الوضوء، فإن نسيتهما
فلا تعد) (4).
وقول الصادق (عليه السلام): (المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) رواه عبد الله بن سنان (5).
وقوله (عليه السلام) في رواية أبي بكر الحضرمي: (ليس عليك استنشاق،
ولا مضمضة، إنهما من الجوف) (6) نفي للوجوب، لدلالة لفظ (عليك).
وقول الباقر (عليه السلام) في رواية زرارة: (ليسا من الوضوء) (7) يعني من
واجباته.
وروى زرارة أيضا عنه (عليه السلام): (ليس المضمضة والاستنشاق

(1) تذكرة الفقهاء 1: 20، نهاية الاحكام 1: 54.
(2) صحيح مسلم 1: 223 ح 261، سنن أبي داود 1: 14 ح 53، سنن النسائي 8: 126، السنن
الكبرى 1: 52.
(3) الكافي 3: 70 ح 6، الفقيه 1: 26 ح 84، أمالي الصدوق: 445، التهذيب 1: 53 ح 153.
(4) التهذيب 1: 78 ح 200، الاستبصار 1: 67 ح 200.
(5) التهذيب 1: 79 ح 203، الاستبصار 1: 67 ح 202.
(6) الكافي 3: 24 ح 3، التهذيب 1: 78 ح 201، الاستبصار 1: 117 ح 395.
(7) التهذيب 1: 78 ح 199، الاستبصار 1: 66 ح 199.
176

فريضة، ولا سنة، إنما عليك أن تغسل ما ظهر) (1)، يحمل على نفي سنة خاصة،
أي: مما سنه النبي (صلى الله عليه وآله) حتما، فان ذلك قد يسمى سنة لثبوته
بالسنة وإن كان واجبا. ويمكن تأويل كلام ابن أبي عقيل: ليسا بفرض ولا
سنة (2) بهذا أيضا فيرتفع الخلاف في استحبابهما.
وما روي عن عائشة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (هما من
الوضوء الذي لا بد منه) (3) طعن فيه الدارقطني بإرساله، ووهم من وصله (4). ولو
سلم حمل على الندب.
وكيفيتهما: أن يبدأ بالمضمضة ثلاثا بثلاث أكف من ماء، ومع الإعواز
بكف واحدة، فيدير الماء في جميع فيه ثم يمجه، ثم يستنشق. وليبالغ فيهما
بايصال الماء إلى أقصى الحنك، ووجهي الأسنان، واللثاث، ممرا إصبعيه (5)
عليهما، وإزالة ما هناك (6) من الأذى، ويجذب الماء إلى خياشيمه إلا أن يكون
صائما، لما رووه عن لقيط بن صبرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال: (أسبغ
الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق الا أن تكون صائما (7)،
وروينا عن يونس: (ان الأفضل للصائم أن لا يتمضمض) (8) وهو محمول على
المبالغة. والاستنشاق أيضا بثلاث أكف أو كف.
ويدعو عندهما بما رواه عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) التهذيب 1: 78 ح 202، الاستبصار 1: 67 ح 201.
(2) مختلف الشيعة: 21.
(3) سنن الدارقطني 1: 84، السنن الكبرى 1: 52.
(4) سنن الدارقطني 1: 84.
(5) في س: إصبعه.
(6) في س: هنا.
(7) مسند أحمد 4: 211، سنن ابن ماجة 1: 142 ح 407، سنن أبي داود 1: 36 ح 142، الجامع
الصحيح 3: 155 ح 788 سنن النسائي 1: 66، المستدرك على الصحيحين 1: 148
(8) الكافي 4: 107 ح 4، التهذيب 4: 205 ح 593، الاستبصار 2: 94 ح 304.
177

عن علي (عليه السلام) كما مر، وانه قال عند استنشاقه: (اللهم لا تحرم علي ريح
الجنة، واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها) (1) هكذا في التهذيب ومن لا
يحضره الفقيه. والذي في المقنعة والمصباح (وريحانها) بدل (وطيبها)، وأوله (اللهم
لا تحرمني طيبات الجنان) (2). وفي الكافي بسنده: (اللهم لا تحرم علي ريح الجنة،
واجعلني ممن يشم ريحها وطيبها وريحانها) (3). والكل حسن.
السادس: السواك. والظاهر أنه مقدم على غسل اليدين، لرواية المعلى بن
خنيس عن الصادق (عليه السلام): (الاستياك قبل أن تتوضأ) (4). ولو فعله عند
المضمضة جاز، وكذا لو تداركه بعد الوضوء، لقول الصادق (عليه السلام) في
ناسيه قبل الوضوء: (يستاك، ثم يتمضمض ثلاثا) (5).
واستحبابه في الجملة مجمع عليه، وخصوصا عند القيام من النوم،
وخصوصا لقيام صلاة الليل، لرواية أبي بكر بن سماك عن أبي عبد الله (عليه
السلام): (إذا قمت بالليل فاستك، فإن الملك يأتيك فيضع فاه على فيك، وليس
من حرف تتلوه إلا صعد به إلى السماء فليكن فوك طيب الريح) (6).
ولنذكر أحاديث أوردها الصدوق:
فعن النبي (صلى الله عليه وآله): (ما زال جبرئيل (عليه السلام) يوصيني
بالسواك، حتى خشيت أن أحفى أو أدرد) (7) وهما رقة الأسنان وتساقطها.
وقال (صلى الله عليه وآله) في وصيته لعلي (عليه السلام): (عليك بالسواك

(1) الفقيه 1: 26 ح 84، أمالي الصدوق: 445، التهذيب 1: 53 ح 153. وتقدم صدره في
ص 176 الهامش 3.
(2) المقنعة: 4، مصباح المتهجد: 7.
(3) الكافي 3: 70 ح 6.
(4) الكافي 3: 23 ح 6.
(5) الكافي 3: 23 ح 6.
(6) الكافي 3: 23 ح 7، علل الشرائع: 293، وفيهما: أبي بكير بن أبي سماك.
(7) الفقيه 1: 32 ح 108، وفي الكافي 3: 23 ح 3.
178

عند كل وضوء صلاة) (1).
وقال (عليه السلام): (السواك شطر الصلاة) (2).
وقال (عليه السلام): (لكل شئ طهور، وطهور الفم السواك) (3).
وقال (صلى الله عليه وآله): (لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك
عند وضوء كل صلاة) (4).
قال الصدوق: وروي (أن الكعبة شكت إلى الله ما تلقى من أنفاس
المشركين، فأوحى الله تعالى إليها: قري كعبة، فإني مبدلك منهم قوما يتنظفون
بقضبان الشجر. فلما بعث الله نبيه (صلى الله عليه وآله) نزل عليه الروح الأمين
(عليه السلام) بالسواك) (5).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن أفواهكم طرق القرآن، فطهروها بالسواك) (6).
وقال الباقر والصادق عليهما السلام: (صلاة ركعتين بسواك أفضل من
سبعين ركعة بغير سواك) (7).
وقال الصادق (عليه السلام): (في السواك اثنتا عشرة خصلة: هو من
السنة، ومطهرة للفم، ومجلاة للبصر، ويرضي الرحمن، ويبيض الأسنان،
ويذهب الحفر، ويشد اللثة، ويشهي الطعام، ويذهب بالبلغم، ويزيد في
الحفظ، ويضاعف الحسنات، وتفرح به الملائكة) (8) إلى أخبار كثيرة أوردها

(1) الفقيه 1: 32 ح 113.
(2) الفقيه 1: 32 ح 114، وفيه: (شطر الوضوء).
(3) الفقيه 1: 33 ح 116.
(4) الفقيه 1: 34 ح 123، وفي الكافي 3: 22 ح 1.
(5) الفقيه 1: 34 ح 125، وفي المحاسن: 558، والكافي 4: 546 ح 32.
(6) الفقيه 1: 32 ح 112، المقنع: 8.
(7) الفقيه 1: 33 ح 118، وفي الكافي 3: 22 ح 1.
(8) الفقيه 1: 34 ح 126، وفي المحاسن: 526، الكافي 6: 495 ح 6، ثواب الأعمال: 34.
والخصال: 481.
179

هو وغيره. وروى العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله): (السواك مطهرة للفم،
مرضاة للرب) (1)، وأنه (صلى الله عليه وآله) كان إذا استيقظ استاك (2).
وهنا مسائل: الأولى: استحبابه يعم الصائم والمحرم، أما الصائم فلرواية محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام): (يستاك الصائم أي النهار شاء، ولا يستاك
بعود رطب) (3)، وفيها دلالة على أصل السواك، وعلى كراهيته بالرطب للصائم،
كما أفتى به ابن أبي عقيل، والشيخ في الاستبصار (4).
وفي رواية الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): أيستاك الصائم بالعود
الرطب يجد طعمه؟ قال: (لا بأس به) (5). وفي رواية موسى الرازي عن الرضا (عليه
السلام): (الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب)، وأشار إلى أن المضمضة
إذا كانت للسنة فكذلك السواك (6).
قال في التهذيب: الكراهية لمن لم يضبط نفسه عن استرسال رطوبته، أما
من تمكن من ذلك فلا بأس به (7).
أما المحرم فلرواية الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه سأله عن

(1) مسند أحمد 6: 146، سنن الدارمي 1: 174، صحيح البخاري 3: 40، سنن النسائي 1:
10، السنن الكبرى 1: 34.
(2) مسند أحمد 1: 373، صحيح مسلم 1: 221 ح 255، سنن أبي داود 1: 15 ح 55، السنن
الكبرى 1: 38.
(3) التهذيب 4: 262 ح 785، الاستبصار 2: 91 ح 292.
(4) الاستبصار 1: 92، مختلف الشيعة: 233.
(5) التهذيب 4: 323 ح 993، الاستبصار 2: 91 ح 291.
(6) التهذيب 4: 263 ح 788، الاستبصار 2: 92 ح 295.
(7) التهذيب 4: 263.
180

المحرم يستاك؟ قال: (نعم، ولا يدمي) (1).
الثانية: يكره في الخلاء، لما مر. وكذا في الحمام، لأنه يورث وباء الأسنان،
قاله الصدوق (2).
الثالثة: ينبغي أن يكون عرضا، لما رواه عن الباقر (عليه السلام) أن النبي
(صلى الله عليه وآله) قال: اكتحلوا وترا، واستاكوا عرضا) (3).
الرابعة: يجوز الاعتياض عن السواك بالمسبحة والابهام عند عدمه أو ضيق
الوقت، لما رواه علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام)، في الرجل يستاك بيده إذا
قام إلى الصلاة، وهو يقدر على السواك، قال: (إذا خاف الصبح فلا بأس به) (4).
وروى الكليني مرسلا: (أدنى السواك أن تدلك بإصبعك) (5). وقد أسنده
في التهذيب إلى السكوني عن الصادق (عليه السلام): ((أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال: التسوك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك) (6). الخامسة: لو ضعفت الأسنان عنه بحيث يتضرر به جاز تركه، لما روي:
ان الصادق (عليه السلام) تركه قبل أن يقبض بسنتين لضعف أسنانه (7).
السادسة: ليكن بقضبان الأشجار على الأفضل، وأفضلها الأراك، لفعل
السلف. وليكن لينا لئلا يقرح اللثة، فإن كان يابسا لين بالماء.
وتتأدى أصل السنة بالخرقة الخشنة وبالإصبع، كما قلناه.
السابعة: لا بأس بإمراره على سقف الفم وظهور الأضراس، لما فيه من
التنظيف.

(1) التهذيب 5: 313 ح 1078.
(2) الفقيه 1: 33، 64.
(3) الفقيه 1: 33 ح 120.
(4) قرب الاسناد 1: 95، الفقيه 1: 34 ح 122.
(5) الكافي 3: 23 ح 5.
(6) التهذيب 1: 357 ح 1070.
(7) الفقيه 1: 33 ح 121، علل الشرائع: 295.
181

والظاهر: عدم كراهية استياكه بسواك غيره، للأصل.
الثامنة: أورد العامة في الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله) استحباب
السواك لدخول الإنسان بيته (1)، ولا بأس به لما فيه من الاستطابة.
التاسعة: يستحب تمرين الصبي عليه كالبالغ، ليألفه، وكسائر العبادات.
العاشرة: تغير النكهة له أسباب منها: النوم: وطول السكوت، وترك
الأكل، وأكل كريه الرائحة، وقلح (2) الأسنان، وأبخرة المعدة، وفي جميعها
يستحب.
ويستحب غسل السواك بعد الفراغ ليزول عنه الأذى، وأمام الاستياك
ليلينه إلا في الصوم، وتجفيفه بعد الغسل.
السابع: روى ابن بابويه عن الصادق (عليه السلام): (إذا توضأ الرجل
صفق وجهه بالماء، فإنه إن كان ناعسا استيقظ، وإن كان يجد البرد فزع فلم يجد
البرد) (3) وأفتى به والده في الرسالة.
وهو في التهذيب من مراسيل ابن المغيرة عنه (عليه السلام) (4)، وعارضه
بخبر السكوني عنه (عليه السلام): (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا
تضربوا وجوهكم بالماء إذا توضأتم) وجمع بينهما بحمل هذا على الأولى، والأول
على الإباحة (5).
الثامن: تخليل شعر الوجه، حسبما مر.
التاسع: تثنية الغسلات في الأعضاء الثلاثة بعد تمام الغسل بالأولى في
أظهر الأقوال ونقل فيه ابن إدريس الإجماع (6) بناء على عدم الاعتداد بخلاف

(1) صحيح مسلم 1: 220 ح 253، سنن النسائي 1: 13، السنن الكبرى 1: 34.
(2) القلح: صفرة الأسنان. الصحاح مادة قلح.
(3) الفقيه 1: 31 ح 106، علل الشرائع: 281.
(4) التهذيب 1: 357 ح 1071، الاستبصار 1: 69 ح 207، باختلاف يسير.
(5) التهذيب 1: 357 ح 1072، الاستبصار 1: 69 ح 208.
(6) السرائر 17.
182

المعين لما رووه عن أبي هريرة: ان النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ مرتين
مرتين (1). وروينا عن معاوية بن وهب وصفوان وزرارة عن أبي عبد الله (عليه
السلام): (الوضوء مثنى مثنى) (2).
ولا يراد به الوجوب، للامتثال بالمرة، ولما رووه عن ابن عباس: ان النبي
(صلى الله عليه وآله) توضأ مرة مرة (3). وروينا عن عبد الكريم، عن أبي عبد الله
(عليه السلام): (ما كان وضوء علي (عليه السلام) إلا مرة مرة) (4). وروى يونس
بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): (مرة مرة) (5).
وقال الصدوق في المقنع، ومن لا يحضره الفقيه: الوضوء مرة، واثنتان لا
يؤجر، وثلاث بدعة. وطعن في أخبار المرتين بانقطاع السند، وبالحمل على
التجديد (6).
قلت: الأخبار التي رويناها بالمرتين في التهذيب متصلة صحيحة الإسناد،
فلا عبرة بانقطاع غيرها، والحمل على التجديد خلاف الظاهر.
تنبيه: المشهور تحريم الثالثة، لأنها إحداث في الدين ما ليس منه وهو معنى
البدعة قال بعضهم: ولمنعها عن المولاة الواجبة، وهو بناء على المتابعة ولمرسل
ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام): (الوضوء واحدة فرض واثنتان لا

(1) سنن أبي داود 1: 34 ح 136، الجامع الصحيح 1: 62 ح 43، المستدرك على الصحيحين 1:
150، السنن الكبرى 1: 79.
(2) التهذيب 1: 80 ح 208 - 210، الاستبصار 1: 70 ح 213 - 215.
(3) صحيح البخاري 1: 51، سنن أبي داود 1: 34 ح 138، الجامع الصحيح 1: 60 ح 42،
سنن النسائي 1: 62، المستدرك على الصحيحين 1: 150.
(4) الكافي 3: 27 ح 9، التهذيب 1: 80 ح 207.
(5) الكافي 3: 26 ح 6، التهذيب 1: 80 ح 206، الاستبصار 1: 69 ح 211.
(6) الفقيه 1: 26، 29، المقنع: 4، الهداية: 16.
183

يؤجر والثالثة بدعة) (1).
وقال ابن الجنيد وابن أبي عقيل بعدم التحريم (2) لقول الصادق (عليه
السلام) في رواية زرارة: (الوضوء مثنى مثنى، من زاد لم يؤجر عليه) (3).
قلنا هو أعم من الدعوى مع معارضة الشهرة.
ثم المفيد جعل الزائد على الثلاث بدعة يؤزر فاعلها (4).
وابن أبي عقيل: إن تعدى المرتين لا يؤجر على ذلك (5)
وابن الجنيد: الثالثة زيادة غير محتاج إليها (6).
وبالغ أبو الصلاح فأبطل الوضوء بالثالثة (7) وهو حسن إن مسح بمائها.
وقال الكليني رحمه الله لما روى: (ما كان وضوء علي (عليه السلام) إلا
مرة مرة): وهذا دليل على أن الوضوء مرة مرة، لأنه (عليه السلام) كان إذا ورد عليه
أمران كلاهما طاعة الله تعالى أخذ بأحوطهما وأشدهما على بدنه. وإن الذي جاء
عنهم أنه قال: (الوضوء مرتان) انه هو لمن لم يقنعه مرة فاستزاد، فقال: (مرتان)
ثم قال: (ومن زاد على مرتين لم يؤجر). وهو أقصى غاية الحد في الوضوء الذي
من تجاوزه أثم ولم يكن له وضوء، وكان كمن صلى الظهر خمسا. ولو لم يطلق (عليه
السلام) في المرتين لكان سبيلهما سبيل الثلاث (8).
قلت: هذا نحو كلام ابن بابويه، والتأويل مردود باطلاق الأحاديث.
هذا كله إذا لم يتق، فلو ثلث للتقية فلا تحريم هنا ولا كراهية قطعا،

(1) التهذيب 1: 81 ح 212، الاستبصار 1: 71 ح 217.
(2) مختلف الشيعة: 22.
(3) التهذيب 1: 80 ح 210، الاستبصار 1: 70 ح 215.
(4) المقنعة: 5.
(5) مختلف الشيعة: 22.
(6) مختلف الشيعة: 22.
(7) الكافي في الفقه: 133.
(8) الكافي 3: 27.
184

لوجوب دفع الضرر، وما رواه داود بن زربي بكسر الزاء ثم الراء الساكنة ثم الباء
الموحدة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء، فقال: (توضأ ثلاثا
ثلاثا)، ثم قال: (أليس تشهد بغداد وعساكرهم)؟ قلت: بلى. قال: (فكنت
يوما أتوضأ في دار المهدي، فرآني بعضهم ولا أعلم به، فقال: كذب من زعم أنك
فلأني وأنت تتوضأ هذا الوضوء! فقلت: لهذا والله أمرني) (1).
العاشر: بدأة الرجل بظاهر ذراعه في الأولى، وبالباطن في الثانية، والمرأة
تعكس، لرواية محمد بن بزيع عن الرضا (عليه السلام): (فرض على النساء في
الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن، وفي الرجال بظاهر الذراع) (2). وحمل على
التقدير والتبين، للاتفاق على عدم وجوبه (3).
وهذه الرواية مطلقة في الغسلتين، وأكثر الأصحاب لم يفرقوا بين الأولى
والثانية بين الرجل والمرأة (4) والفرق شئ ذكره في المبسوط (5) وتبعه: ابن زهرة (6)
والكيدري، وابن إدريس (7) والفاضلان (8). وباقي كتب الشيخ على الإطلاق (9)
كباقي الأصحاب.
الحادي عشر: الدعاء عند كل فعل، وقد مر بعضه (10) ودل على الباقي
الرواية المشهورة عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
قال: (بينا أمير المؤمنين ذات يوم جالسا ومعه ابن الحنفية، وقال له: يا محمد إئتني

(1) التهذيب 1: 82 ح 214، الاستبصار 1: 71 ح 219.
(2) الكافي 3: 28 ح 6، التهذيب 1: 76 ح 193.
(3) المعتبر 1: 167.
(4) راجع: المقنعة: 5، المراسم: 39، الوسيلة: 51، المعتبر 1: 167.
(5) المبسوط 1: 20.
(6) الغنية: 492.
(7) السرائر: 17.
(8) شرائع الاسلام 1: 24، تذكرة الفقهاء 1: 21، نهاية الإحكام 1: 57.
(9) راجع: النهاية 13، الجمل والعقود: 159.
(10) تقدم في 175 الهامش 1، 17 الهامش 1، 2، 3 وغيرها في مواردها.
185

بإناء من ماء أتوضأ للصلاة، فأتاه فأكفاه بيده اليسرى على يده اليمنى، ثم قال:
بسم الله، الحمد لله... إلى قوله: ثم غسل وجهه، فقال: اللهم بيض وجهي
يوم تسود الوجوه، ولا تسود وجهي يوم تبيض الوجوه.
ثم غسل يده اليمنى، فقال: اللهم أعطني كتابي في يميني، والخلد في الجنان
بيساري، وحاسبني حسابا يسيرا. ثم غسل يده اليسرى فقال: اللهم لا تعطني
كتابي بشمالي، ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي، وأعوذ بك من مقطعات النيران.
ثم مسح رأسه، فقال: اللهم غشني رحمتك وبركاتك. ثم مسح رجليه،
فقال: اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، واجعل سعيي فيما يرضيك
عني.
ثم رفع رأسه فنظر إلى محمد، فقال: يا محمد من توضأ مثل وضوئي، وقال
مثل قولي، خلق الله من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه، ويكبره، فيكتب الله له
ثواب ذلك إلى يوم القيامة) (1). والراوي وإن كان قد ضعف، إلا أن الشهرة وعمل
الأصحاب يؤيدها.
وزاد المفيد في دعاء الرجلين: يا ذا الجلال والإكرام (2).
وإذا فرغ المتوضي يستحب له أن يقول: (الحمد لله رب العالمين)، لما رواه
زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3). وزاد المفيد: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين (4).
وقال ابن بابويه: زكاة الوضوء أن يقول: اللهم إني أسألك تمام الوضوء،
وتمام الصلاة، وتمام رضوانك، والجنة (5).

(1) الكافي 3: 70 ح 6، الفقيه 1: 26 ح 84، أمالي الصدوق: 445، التهذيب 1: 53 ح 153.
(2) المقنعة: 5
(3) التهذيب 1: 76 ح 192 عن أبي جعفر (عليه السلام).
(4) المقنعة: 5.
(5) الفقيه 1: 32.
186

الثاني عشر: فتح العينين عند الوضوء، قاله ابن بابويه راويا أن النبي (صلى
الله عليه وآله) قال: (افتحوا عيونكم عند الوضوء، لعلها لا ترى نار جهنم) (1).
ولا ينافيه حكم الشيخ في الخلاف بنفي استحباب إيصال الماء إلى داخل
العينين محتجا بالاجماع (2) وكذا في المبسوط (3) لعدم التلازم بين الفتح وبينه.
الثالث عشر: الوضوء بمد لرواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام):
(كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع. والمد: رطل
ونصف، والصاع ستة أرطال) (4) يعني بالمدني.
وقال ابن بابويه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (للوضوء مد،
وللغسل صاع. وسيأتي أقوام يستقلون ذلك، فأولئك على خلاف سنتي، والثابت
على سنتي معي في حظيرة القدس) (5).
وروى حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال، (إن لله ملكا يكتب
سرف الوضوء كما يكتب عدوانه) (6).
وقدر ابن بابويه المد - في سياق كلام الكاظم (عليه السلام) بوزن مائتين
وثمانين درهما، والدرهم ستة دوانيق، والدانق وزن ست حبات، والحبة وزن
حبتين من أوسط حب الشعير، قال: وصاع النبي (صلى الله عليه وآله) خمسة
أمداد (7). ولم أر له موافقا على ذلك مع حكمه في باب الزكاة بأن الصاع أربعة

(1) الفقيه 1: 31 ح 104، علل الشرائع: 280، ثواب الأعمال: 33.
(2) الخلاف 1: 85 المسألة 35.
(3) المبسوط 1: 20.
(4) التهذيب 1: 136 ح 378، الاستبصار 1: 121 ح 409.
(5) الفقيه 1: 23 ح 70.
(6) الكافي 3: 22 ح 9.
(7) الفقيه 1: 23.
187

أمداد، والمد وزن مائتين واثنتين وتسعين درهما ونصف (1) كما قاله الأصحاب (2).
والشيخ روى الأول بسند يأتي، ولم يتعرض له بحكم (3).
فرع:
هذا المد لا يكاد يبلغه الوضوء، فيمكن أن يدخل فيه ماء الاستنجاء، لما
تضمنه رواية ابن كثير عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال (أتوضأ
للصلاة) ثم ذكر الاستنجاء (4) ولما يأتي في حديث الحذاء أنه وضأ الباقر (عليه
السلام) (5).
والمفيد رحمه الله قال في الأركان باستحباب المد والصاع وانه إسباغ،
ثم قال في موضع آخر: من توضأ بثلاث أكف مقدارها مد أسبغ، ومن توضأ بكف
أجزأه، وهو بعيد الفرض.
ويجزئ مسمى الغسل، لرواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في
الوضوء: (إذا مس الماء جلدك فحسبك) (6).
وعن محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) (يأخذ أحدكم الراحة من الدهن
فيملأ بها جسده، والماء أوسع من ذلك) (7).
ورويا (8) عنه (عليه السلام): (إنما الوضوء حد من حدود الله، ليعلم الله

(1) المقنع: 48، الهداية: 41.
(2) راجع: النهاية: 191، الغنية: 505، السرائر: 109، المعتبر 2: 533.
(3) التهذيب 1: 135 ح 374، الاستبصار 1: 121 ح 410. وسيأتي في ص 633 الهامش 3.
(4) الكافي 3: 70 ح 6، الفقيه 1: 26 ح 84، أمالي الصدوق: 445، التهذيب 1: 53 ح 153، عن
عبد الرحمن بن عثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما مر، راجع:
ص 185 الهامش 10.
(5) سيأتي في ص 190 الهامش 6.
(6) الكافي 3: 22 ح 7، التهذيب 1: 137 ح 381، الاستبصار 1: 123 ح 417.
(7) الكافي 3: 24 ح 3.
(8) في س، ط: وروينا.
188

من يطيعه ومن يعصيه، وإن المؤمن لا ينجسه شئ، إنما يكفيه مثل الدهن) (1).
وعن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): (كان رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يغتسل بخمسة أمداد بينه وبين صاحبته، ويغتسلان جميعا من إناء
واحد) (2).
الرابع عشر: ترك التمندل، لما رواه الكليني عن إبراهيم بن محمد بن حمران
عن أبي عبد الله (عليه السلام): (من توضأ فتمندل كانت له حسنة، وإن توضأ
ولم يتمندل حتى يجف وضوؤه كانت له ثلاثون حسنة) (3).
ولا ينافيه: ما رواه محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) في المسح بالمنديل
قبل أن يجف، قال: (لا بأس) (4).
ورواية أبي بكر الحضرمي عنه (عليه السلام): (لا بأس بمسح الرجل
وجهه بالثوب) (5).
ورواية إسماعيل بن الفضل، قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) توضأ
للصلاة ثم مسح وجهه بأسفل قميصه، ثم قال: (يا إسماعيل إفعل هكذا فإني
هكذا أفعل) (2).
لأن نفي البأس أعم من نفي التحريم أو الكراهية، فيحمل على نفي
التحريم. وفعل الامام وأمره جاز أن يكون لعارض. وقول الترمذي: لم يصح في
هذا الباب شئ (7) شهادة على النفي.
وظاهر المرتضى في شرح الرسالة عدم كراهية التمندل، وهو أحد قولي

(1) الكافي 3: 21 ح 2، علل الشرائع: 279، التهذيب 1: 138 ح 387.
(2) الكافي 3: 22 ح 5، التهذيب 1: 137 ح 382، الاستبصار 1: 122 ح 412.
(3) المحاسن: 429، الكافي 3: 70 ح 4، الفقيه 1: 31 ح 105، ثواب الأعمال: 32.
(4) التهذيب 1: 364 ح 1101.
(5) التهذيب 1: 364 ح 1102.
(6) التهذيب 1: 357 ح 1069.
(7) الجامع الصحيح 1: 74.
189

الشيخ رحمهما الله تعالى (1).
الخامس عشر: ترك الاستعانة، لما روي أن عليا (عليه السلام) كان لا
يدعهم يصبون الماء عليه، يقول: (لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا) (2).
وروى الحسن بن علي الوشاء انه أراد الصب على الرضا (عليه السلام)،
فقال: (مه يا حسن) فقلت له: أتكره أن أؤجر؟ قال: (تؤجر أنت وأوزر أنا) وتلا
قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه
أحدا)، وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد) (3).
والطريق وإن كان فيها إبراهيم الأحمر إلا أن العمل على القبول، وعده الكليني في
النوادر (4).
فإن قلت: قد روى في التهذيب بطريق صحيح عن أبي عبيدة الحذاء،
قال: وضأت أبا جعفر (عليه السلام) بجمع، وقد بال فناولته ماء فاستنجى، ثم
صببت عليه كفا فغسل وجهه، وكفا غسل به ذراعه الأيمن، وكفا غسل به ذراعه
الأيسر، ثم مسح بفضل الندى رأسه ورجليه (5).
قلت: يحمل على الضرورة، وقد يترك الإمام الأولى لبيان جوازه.
السادس عشر: يكره الوضوء في المسجد لمن بال أو تغوط، لرواية رفاعة
قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء في المسجد؟ فكرهه من البول
والغائط (6).
ولا ينافيه رواية بكير بن أعين عن أحدهما (عليه السلام): (إن كان

(1) المبسوط 1: 23، الخلاف 1: 9 المسألة 44.
(2) الفقيه 1: 27 ح 58، علل الشرائع: 278، التهذيب 1: 354 ح 1057.
(3) التهذيب 1: 365 ح 1107.
والآية في سورة الكهف: 110.
(4) الكافي 3: 69 ح 1.
(5) التهذيب 1: 58 ح 162، 79 ح 204، الاستبصار 1: 58 ح 172، 69 ح 209.
(6) الكافي 3: 369 ح 97 التهذيب 3: 257 ح 719.
190

الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد) (1) بحمله على غيرهما.
مسائل سبع: الأولى: لو كان الإناء لا يغترف منه وضع على اليسار للصب في اليمين.
ولو استعان لضرورة أو مطلقا، فالظاهر: كون المعون على اليمين، كالإناء المغترف
منه.
الثانية: تقديم المضمضة على الاستنشاق مستحب. وفي المبسوط: لا يجوز
العكس (2).
والمأخذ أن تغيير هيئة المستحب هل توصف بالحرمة لما فيه من تغيير الشرع،
أو بترك المستحب تبعا لأصلها؟ هذا مع قطع النظر عن اعتقاد شرعية التغيير، أما
معه فلا شك في تحريم الاعتقاد لا عن شبهة، أما الفعل الظاهر لا. وتظهر
الفائدة في التأثيم، ونقص الثواب، وايقاع النية.
وكذا لو فعل الغسلات المسنونة على غير هيئة الغسلات الواجبة، فإنه
خالف المستحب.
ولو اعتقد وجوب الغسلة الثانية مع الإسباغ بالأولى، فإنه يخطئ، وفي
تحريم الفعل الوجهان، ويتفرع المسح بماء هذه الغسلات.
الثالثة: يجوز التثنية في بعض الأعضاء دون البعض، لاستحباب أصلها.
ولو قل الماء استأثر الوجه، ثم اليمنى. ولو لم يمكن الجمع بين استعمال الماء في
المقدمات واستعماله في الغسلات، ففي تقديم أيهما وجهان، مأخذهما:
اختصاص المقدمات بالأولية المقتضية للأهمية وأبلغية النظافة بها، وأن المقصود
بالذات أولى من الوسيلة إليه.
الرابعة: لو شك في عدد الغسلات السابقة بنى على الأقل، لأنه المتيقن.

(1) التهذيب 1: 353 ح 1049.
(2) المبسوط 1: 20.
191

وفي الغسلات المقارنة وجهان: من التعرض للثالثة، وقضية الأصل، وهو أقوى.
الخامسة: لا يستحب التكرار في المسح، لأنه مبني على التخفيف، لأنه
يخرج عن مسماه، ولأن عليا لما وصف وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: (ومسح رأسه مرة واحدة) (1)، وكذا رواه الباقر والصادق (عليهما السلام) (
والظاهر: أنه ليس بحرام، للأصل. نعم، يكره ذلك لأنه تكلف ما لا
حاجة إليه. ولو اعتقد المكلف شرعيته أثم، والوضوء صحيح، لخروجه عنه.
وظاهر الشيخين - في المقنعة، والمبسوط والخلاف -: التحريم (3). وفي
السرائر: من كرر المسح أبدع، ولا يبطل وضوؤه بغير خلاف (4). وعده ابن حمزة
من التروك المحرمة (5). ويمكن حمل كلامهم على المعتقد شرعيته.
السادسة: ذكر ابن الجنيد في كيفية غسل الوجه: أن يضع الماء من يمينه
على وسط الجبهة، بحيث يعلم أن الماء قد ماس القصاص، وتكون راحته مبسوطة
الأصابع، حتى تأخذ الراحة جبهته ويجري الماء من العضو الأعلى إلى الذي يليه،
والراحة تتبع جريان الماء على الوجه إلى أن يلتقي الإبهام والسبابة أسفل الذقن،
وتمر اليد قابضة عليه أو على اللحية إلى أطرافها.
وفي غسل اليدين: أن يملأ يده اليمنى ماء، ثم يضعه في اليسرى وقد
رفع مرفقه الأيمن، وحدر ذراعه وكفه، وبسط أصابعها وفرقها - فيضع الماء من
كفه اليسرى على أعلى مرفقه الأيمن ليستوعب الغسل المرفق، ثم يسكب الماء بها
ينقله بيساره، وقد قبض بها على مرفقه الأيمن من المرفق إلى أطراف أصابعه تبعا للماء، حتى يعلم أنه لم يبق من ظاهرها وباطنها مما يلي الأرض شئ إلا وقد جرى

(1) مسند أحمد 1: 125، سنن ابن ماجة 1: 150 ح 436، سنن أبي داود 1: 28 ح 115، سنن
الدارقطني 1: 90.
(2) راجع: الكافي 3: 25 ح 1 - 5، 485 ح 1، التهذيب 1: 81 ح 210.
(3) المقنعة: 5، المبسوط 1: 23، الخلاف 1: 79 المسألة 27.
(4) السرائر: 16.
(5) الوسيلة: 51.
192

عليه الماء. ويكون ظاهر اليسرى مما يلي السماء من ذراعه اليمنى، ثم يرفع يده
اليسرى من آخر يده اليمنى بعد مرورها على أصابع كفه اليمنى إلى أعلى مرفقه
الأيمن، فليقم بطن راحته اليسرى وظهرها مما يلي بطن ذراعه اليمنى حتى
يسكب الماء إلى أطراف أصابعه اليمنى. ولو أخذ لظهر ذراعه غرفة ولبطنها أخرى
كان أحوط. ثم ذكر غسل اليسرى كذلك.
وقال في مسح رجليه: يبسط كفه اليمنى على قدمه الأيمن، ويجذبها من
أصابع رجله إلى الكعب، ثم يرد يده من الكعب إلى أطراف أصابعه، فمهما
أصابه المسح من ذلك أجزأه وإن لم يقع على جميعه. ثم يفعل ذلك بيده اليسرى
على رجله اليسرى.
وهذه الهيئات لم يذكرها الأصحاب، ولكنها حسنة إلا المسح، فإن فيه
تكرار نفاه الأصحاب.
السابعة: قال أيضا: لو بقي موضع لم يبتل، فإن كان دون الدرهم بلها
وصلى، وإن كانت أوسع أعاد على العضو وما بعده، وإن جف ما قبله استأنف.
وذكر أنه حديث أبي أمامة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وزرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام)، وابن منصور عن زيد بن علي (عليه السلام) (1).
ولم يعتبر الأصحاب ذلك، بل قضية كلامهم غسله وغسل ما بعده مطلقا،
وإن جف البلل فالاستئناف مطلقا، لوجوب الترتيب بين غسل الأعضاء،
والأخبار لم تثبت عندهم.
وفي المختلف: ان أوجبنا الابتداء من موضع بعينه، وجب غسل العضو
من الموضع المتروك إلى آخره، وان لم نوجب اكتفي بغسله (2)، وهو إشارة إلى
الخلاف في كيفية غسل الوجه واليدين.
ولك أن تقول: هب أن الابتداء واجب من موضع بعينه، ولا يلزم غسله

(1) مختلف الشيعة: 27.
(2) مختلف الشيعة: 27.
193

وغسل ما بعده إذا كان قد حصل الابتداء، للزوم ترتب أجزاء العضو في الغسل،
فلا يغسل لا حقا قبل سابقه. وفيه عسر منفي بالآية
وقال ابن بابويه: سئل أبو الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل يبقى
من وجهه إذا توضأ موضع لم يصبه الماء، فقال: (يجزئه أن يبله من بعض
جسده) (1). فإن أريد به بله ثم الإتيان بالباقي فلا بحث، وإن أريد الاقتصار
عليه أشبه قول ابن الجنيد.
الثامنة: لم أقف على نص للأصحاب في استحباب الاستقبال بالوضوء،
ولا في كراهية الكلام بغير الدعاء في أثنائه. ولو اخذ الأول من قولهم (عليهم
السلام): ((أفضل المجالس ما استقبل به القبلة) (2)، والثاني من منافاته الدعوات
والأذكار، أمكن.
وكذا لم يذكروا كراهة نفض المتوضئ يده، وقد كرهه العامة، لما رووه عن
النبي (صلى الله عليه وآله): (إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم، فإنها مراوح
الشيطان) (3).
وكذا أهملوا استحباب الجلوس في مكان لا يرجع رشاش الماء إليه،
والظاهر: أن هذا بناء منهم على تأثير الاستعمال، وهو ساقط عندنا. نعم، لو
كانت الأرض نجسة وجب، وإن كانت مظنة النجاسة استحب.
وأما إمرار اليد على الأعضاء، فواجب في المسح، والأصح استحبابه في
الغسل، تأسيا بما فعله صاحب الشرع وأهل بيته صلى الله عليهم أجمعين.

(1) الفقيه 1: 36 ح 133، عيون أخبار الرضا 2: 22.
(2) الغايات: 87، الكامل لابن عدي 2: 785، مجمع الزوائد 8: 59 عن الطبراني.
(3) علل الحديث للرازي 1: 36، الفردوس بمأثور الخطاب: 1: 265 ح 1029.
194

البحث الثالث: في أحكام الوضوء.
وفيه مسائل:
الأولى: يستباح بالوضوء ما شاء المكلف من غاياته ما لم يحدث. نعم،
يستحب تجديده بحسب الصلوات، فرضا كانت أو نفلا، لما روي من فعل النبي
(صلى الله عليه وآله) (1). وروي: (الوضوء على الوضوء نور على نور) (2).
وروي: (من جدد وضوء من غير حدث، جدد الله توبته من غير
استغفار) (3).
وعن سعدان، عن بعض أصحابه، عن الصادق (عليه السلام): (الطهر
على الطهر عشرة حسنات) (4).
وعن سماعة قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام)، فحضرت
المغرب، فدعا بوضوء فتوضأ، ثم قال لي: (توضأ). فقلت: أنا على وضوء.
فقال: (وإن كنت على وضوء، إن من توضأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما
مضى من ذنوبه في يومه ألا الكبائر، ومن توضأ للصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما
مضى من ذنوبه في ليلته ألا الكبائر) (5).
فروع: الأول: هل يستحب تجديده لمن لم يصل بالأول؟ يمكن ذلك، للعموم.

(1) الفقيه 1: 25 ح 80.
(2) الفقيه 1: 26 ح 82.
(3) الفقيه 1: 26 ح 82، ثواب الأعمال: 33.
(4) الكافي 3: 72 ح 10.
(5) الكافي 3: 72 ح 9.
195

والعدم، لعدم نقل مثله. وقطع في التذكرة بالأول (1).
الثاني: هل يستحب تجديده لصلاة واحدة أكثر من مرة؟ الظاهر: لا،
للأصل من عدم الشرعية، ولأدائه إلى الكثرة المفرطة. وربما فهم عدم تجديده
لذلك من كلام ابن بابويه (2). وتوقف في المختلف، لعدم النص إثباتا ونفيا (3).
الثالث: الأقرب: انه لا يستحب تجديده لسجود التلاوة والشكر، ولما
الوضوء شرط في كماله، للأصل. وفي الطواف احتمال، للحكم بمساواته
الصلاة.
المسألة الثانية: في الجبائر.
وفيها نكت:
الأولى: الجبيرة إن أمكن نزعها أو إيصال الماء إلى البشرة وجب، تحصيلا
لمسمى الغسل والمسح. وإن تعذرا مسح عليها ولو في موضع الغسل، سواء
وضعها على طهر أو لا، قاله في المبسوط (4) قال في المعتبر: وهو مذهب
الأصحاب (5).
قلت: فيه تنبيه على قول بعض الشافعية بوجوب إعادة الصلاة لو وضعها
على غير طهر (6) بل قال بعضهم بوجوب الإعادة مطلقا (7).
أما عدم المسح عليها والحالة هذه فلا قائل به، قال في التذكرة: ولا نعلم
فيه مخالفا، لأن العامة رووا أن عليا (عليه السلام) قال: (انكسر إحدى زندي،

(1) تذكرة الفقهاء 1: 20.
(2) الفقيه 1: 26.
(3) مختلف الشيعة: 27.
(4) المبسوط 1: 23.
(5) المعتبر 1: 161.
(6) المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 1: 44، المجموع 2: 329.
(7) قاله البغوي، لاحظ: المجموع 2: 329.
196

فسألت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأمرني أن أمسح على الجبائر) (1).
والزند: عظم الذراع، وتأنيثه بتأويل الذراع.
وروينا عن كليب الأسدي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الكسير: (إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره، وليصل) (2)، ولأن التكليف بنزعها حرج
وعسر، كما أشار الصادق (عليه السلام) إليه فيما يأتي.
الثانية: في حكم الكسر القرح والجرح، لرواية الحلبي عنه (عليه السلام):
في الرجل يكون به القرحة فيعصبها بخرقة، أيمسح عليها إذا توضأ؟ فقال: (إن
كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة وإن كان لا يؤذيه نزع الخرقة ثم ليغسلها) (3).
الثالثة: لو لم يكن على الجرح خرقة غسل ما حوله، لما في هذه الرواية:
وسألته عن الجرح، كيف يصنع به في غسله؟ قال: (اغسل ما حوله) (4)، ومثله في
الجرح رواية عبد الله بن سنان، عنه (عليه السلام) (5).
ولا فرق بين الخرقة وغيرها مما يتعذر نزعه، ولا بين مواضع الغسل والمسح،
لرواية عبد الأعلى، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): عثرت فانقطع
ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: (يعرف هذا
وأشباهه من كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من
حرج)، إمسح عليه) (6).
قلت قد نبه (عليه السلام) على جواز استنباط الأحكام الشرعية من

(1) تذكرة الفقهاء 1: 20.
ورواية الإمام علي (عليه السلام) في المنصف لعبد الرزاق 1: 161 ح 623، سنن ابن ماجة 1:
215 ح 657، سنن الدار القطني 1: 226، السنن الكبرى 1: 228.
(2) التهذيب 1: 363 ح 1100.
(3) الكافي 3: 33 ح 3، التهذيب 1: 362 ح 1095، الاستبصار 1: 77 ح 239.
(4) الكافي 3: 33 ح 3، التهذيب 1: 362 ح 1095، الاستبصار 1: 77 ح 239.
(5) الكافي 3: 32 ح 2، التهذيب 1: 363 ح 1096.
(6) الكافي 3: 33 ح 4، التهذيب 1: 363 ح 1097، الاستبصار 1: 77 ح 240.
والآية في سوره الحج: 22.
197

أدلتها التفصيلية.
وأما رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم (عليه السلام) في الكسير
عليه الجبائر، كيف يصنع بالوضوء وغسل الجنابة وغسل الجمعة؟ قال: (يغسل
ما وصل إليه الغسل مما ليس عليه الجبائر، ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطاع
غسله، ولا ينزع الجبائر، ولا يبعث بجراحته (1) فلا تنافي أخبار المسح عليها،
بحمل قوله: (ويدع ما سوى ذلك) على أنه يدع غسله، ولا يلزم منه ترك مسحه،
فيحمل المطلق على المقيد.
الرابعة: حكم الطلاء الحائل حكم الجبيرة أيضا، لرواية الوشاء عن أبي
الحسن (عليه السلام) في الدواء إذا كان على يدي الرجل، أيمسح على طلي
الدواء؟ فقال (نعم) (2) وهو محمول على عدم إمكان إزالته.
ولو طلى رأسه بالحناء، ففي رواية محمد بن مسلم: يجوز المسح على
الحناء (3) وهو في الحمل كالأول.
الخامسة: لو عمت الجبائر أو الدواء الأعضاء مسح على الجميع، ولو تضرر
بالمسح تيمم. ولا ينسحب على خائف البرد فيؤمر بوضع حائل، بل يتيمم، لأنه
عذر نادر وزواله سريع.
السادسة: لو كانت الخرقة نجسة، ولم يمكن تطهيرها، فالأقرب: وضع
طاهر عليها، تحصيلا للمسح. ويمكن إجراؤها مجرى الجرح في غسل ما حولها.
وقطع الفاضل بالأول (4).
السابعة: ما قارب الجبيرة مما لا يمكن ايصال الماء إليه بحكمها، وكذا لو
احتاج إلى استيعاب عضو صحيح فحكمه حكم الكسير.

(1) التهذيب 1: 362 ح 1094، الاستبصار 1: 77 ح 238، وفي الكافي 3: 32 ح 1 عن أبي
الحسن الرضا (عليه السلام).
(2) التهذيب 1: 363 ح 1098.
(3) التهذيب 1: 359 ح 1081، الاستبصار 1: 75 ح 233.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 21.
198

ولو وضع على غير محل الحاجة وجب نزعه، فإن تعذر مسح عليه. وفي
الإعادة نظر، من تفريطه، وامتثاله. وقوى في التذكرة الأول (1) ولا إشكال عندنا
في عدم إعادة ما صلاه بالجبائر في غير هذا الموضع.
الثامنة: لو كانت الجبيرة على مواضع التيمم واحتج إليه، فكالوضوء
والغسل. ولا يجب مع التيمم مسحها بالماء، كما لا يجب على (2) ماسح الجبيرة في الطهارة المائية التيمم، لأن البدل لا يجامع المبدل.
وما رواه عن جابر إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في المشجوج لما اغتسل
من احتلامه فمات لدخول الماء شجته: (إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصب على
رأسه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده) (3) يحمل على القصد إلى
ذلك، أو على إنابة الواو مناب أو، ويكون في معنى لزوم أحد الأمرين على
الترتيب.
التاسعة: قطع الفاضلات بوجوب استيعاب الجبيرة بالمسح، عملا بظاهر
(عليها) (4) ولأنها بدل مما يجب ايعابه (5).
ويشكل: بصدق المسح عليها بالمسح على جزء منها، كصدق المسح على
الرجلين والخفين عند الضرورة. ويفرق بينهما بوجوب استيعاب الأصل في الجبيرة
بخلاف المسحين المذكورين.
وفي المبسوط: الأحوط استغراق الجميع (6)، وهو حسن. نعم، لا يجب
جريان الماء عليها لأنه لم يتعبد بغسلها إذا كان الماء لا يصل إلى أصلها، (أو
يصل) (7) بغير غسلها.

(1) تذكرة الفقهاء 1: 21.
(2) في س غسل.
(3) سنن أبي داود 1: 93 ح 336، سنن الدارقطني 1: 189، السنن الكبرى 1: 228.
(4) إشارة إلى الحديث المتقدم.
(5) المعتبر 1: 409، تذكرة الفقهاء 1: 21.
(6) المبسوط 1: 23.
(7) ليست في س.
199

العاشرة: لا فرق بين كون أصلها طاهرا، أو نجسا مع تعذر تطهيره،
للعموم. ولا يتقدر المسح عليها بغير مدة التعذر، لأنه المقتضي للمسح، فيدور
معه وجودا وعدما. والحمل على الخف (1) وهم في وهم.
الحادية عشرة: لو لم يكن على محل الكسر جبيرة، وتضرر بايصال الماء إليه،
فكالجرح في غسل ما حوله. وليتلطف بوضع خرقة مبلولة حوله، لئلا يسري إليه
الماء فيستضر أو ينجس. ولو احتاج إلى معين وجب ولو بأجرة ممكنة.
ولو لصق بالجرح خرقة وقطنة ونحوهما، وأمكن النزع وإيصال الماء حال
الطهارة، وجب كما في الجبيرة وإلا مسح عليه. ولو استفاد بالنزع غسل بعض
الصحيح، فالأقرب: الوجوب، لأن (الميسور لا يسقط بالمعسور) (2)، هذا مع
عدم الضرر بنزعه.
الثانية عشرة: لو أمكن المسح على محل (3) الجرح المجرد بغير خوف تلف،
ولا زيادة فيه، ففي وجوب المسح عليه احتمال، مال إليه في المعتبر (4)، وتبعه في
التذكرة، تحصيلا لشبه الغسل عند تعذر حقيقته (5)، وكأن يحمل الرواية: (يغسل
ما حوله) على ما إذا خاف ضررا بمسحه، مع أنه ليس فيها نفي لمسحة، فيجوز
استفادته من دليل آخر.
فإن قلنا به وتعذر، ففي وجوب وضع لصوق والمسح عليه احتمال أيضا، لأن المسح بدل عن الغسل، فينسب إليه بقدر الإمكان.
وإن قلنا: بعدم المسح على الجرح مع امكانه، أمكن وجوب هذا الوضع،
ليحاذي الجبيرة وما عليه لصوق ابتداء، والرواية مسلطة على فهم عدم الوجوب.

(1) راجع: المجموع 2: 330.
(2) عوالي اللئالي 4: 58 ح 205.
(3) ليست في س.
(4) المعتبر 1: 408.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 21.
200

إما الجواز، فإن لم يستلزم ستر شئ من الصحيح فلا إشكال فيه. وإن
استلزم أمكن المنع لأنه ترك للغسل الواجب، والجواز عملا بتكميل الطهارة بالمسح.
الثالثة عشرة: لو زال العذر، قطع الشيخ بوجوب إعادة الطهارة (1) لأنها
طهارة ضرورية فتتقدر بقدرها، ولأن الفرض متعلق بالبشرة ولما تغسل. وقضية
الأصل عدمه، للامتثال المخرج عن العهدة، والحمل على التيمم قياس باطل، ولعدم ذكره في الروايات مع عموم البلوى به.
فعلى قوله، لو توهم البرء فكشف فظهر عدمه، أمكن إعادة الطهارة،
لظهور ما يجب غسله. ووجه العدم: ظهور بطلان ظنه.
المسألة الثالثة: السلس يجدد الوضوء بحسب الصلوات في الأقرب، لأن
الأصل في الحدث الطارئ بعد الطهارة إيجابها، فعفي عنه في قدر الضرورة وهو
الصلاة الواحدة، ولاقتضاء القيام إلى الصلاة الطهارة لكل محدث، عملا بالآية
وهذا محدث.
وجوز في المبسوط ان يصلي بوضوء واحد صلوات كثيرة، لأنه لا دليل على
تجديد الوضوء عليه، وحمله على الاستحاضة قياس لا نقول به. ثم ذكر وجوب
التحفظ بقدر الإمكان (2)، كما مر. فكأنه لا يجعل البول حدثا ويحصر الحدث في
غيره.
وفي الخلاف جعله كالمستحاضة في وجوب التجديد، ثم ذكر الاجماع (3)، والظاهر أنه على المستحاضة لا غير. وكلامه في المبسوط يشعر بانتفاء النص فيه، مع أن ابن بابويه والشيخ رويا
عن حريز، عن الصادق (عليه السلام)، في الرجل يقطر منه البول والدم: (إذا

(1) المبسوط 1: 23.
(2) المبسوط 1: 68.
(3) الخلاف 1: 249 المسألة 221.
201

كان حين الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطنا، ثم علقه عليه وأدخل ذكره فيه، ثم
صلى يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر يؤخر الظهر ويعجل العصر بأذان
وإقامتين، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء بأذان وإقامتين، ويفعل ذلك في
الصبح) (1).
قلت: كأنه لا يرى فيه دلالة على المطلوب، إذ لا ينفي جواز الزيادة على
الصلاتين، ولا ينافي تخلل الوضوء للثانية.
والفاضل استشعر ذلك، فذهب في المنتهى إلى جواز الجمع المذكور لا
غيره (2). مع أن التهذيب بالاسناد إلى سماعة: سألته عن رجل أخذه تقطير من
فرجه إما دم أو غيره، قال: (فليضع خريطة، وليتوضأ، وليصل، فإنما ذلك بلاء
ابتلى به، فلا يعيدن إلا من الحدث الذي يتوضأ منه) (3) وهو يشعر بفتوى
المبسوط (4).
الرابعة: الظاهر: ان المبطون يجدد أيضا لكل صلاة، لمثل ما قلناه. ولم
أرهم صرحوا به، إلا ان فتواهم بالوضوء للحدث الطارئ في أثناء الصلاة يشعر
به.
وقد رواه محمد ابن مسلم عن الباقر (عليه السلام): (صاحب البطن
الغالب يتوضأ، ويبني على صلاته) (5)، وعبارة رواية التهذيب: (يتوضأ، ثم يرجع
في صلاته فيتمم ما بقي (6).
وفي رواية الفضيل بن يسار بالياء المثناة تحت، والسين المهملة المخففة
قلت للباقر (عليه السلام): أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو ضربانا،

(1) الفقيه 1: 38 ح 146، التهذيب 1: 348 ح 1021.
(2) منتهى المطلب 1: 73.
(3) التهذيب 1: 349 ح 1027.
(4) في ط: الأصحاب.
(5) الفقيه 1: 237 ح 1043.
(6) التهذيب 1: 350 ح 1036.
202

فقال: (انصرف، ثم توضأ، وابن علي ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة
بالكلام متعمدا)، ولم يبطلها باستدبار القبلة (1).
وروايات بناء المحدث في أثناء الصلاة بالتيمم يشعر به أيضا (2).
وفي المختلف ألغى الرواية مع صحتها، وأوجب استئناف الطهارة والصلاة
مع امكان التحفظ بقدر زمانها، وإلا بنى بغير طهارة كالسلس، محتجا بأن
الحدث لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة، لانتفاء شرط الصحة، أعني: استمرار
الطهارة (3). وهو مصادرة، وتشبيهه بالسلس ينفي ما أثبته من وجوب (4) إعادة
الصلاة للمتمكن، إلا أن يرتكب مثله في السلس، فالأولى: العمل بموجب
الرواية، وفتوى الجماعة.
فرع: هل ينسحب مضمون الرواية في السلس؟ يمكن ذلك، لاستوائهما
في الموجب، وإشارة الروايات إلى البناء بالحدث مطلقا. والوجه: العدم، لأن
أحاديث التحفظ بالكيس والقطن مشعرة باستمرار الحدث، وأنه لا مبالاة به.
والظاهر: أنه لو كان في السلس فترات، وفي البطن تواتر، أمكن نقل حكم كل منهما إلى الآخر.
الخامسة: لو شك في الوضوء وهو على حاله، تلافي المشكوك فيه مراعيا
للترتيب والولاء، لأصالة عدم فعله، ولرواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): (إذا كنت قاعدا على وضوئك، فلم تدر أغسلت ذراعك أم لا، فأعد عليها وعلى
جميع ما شككت فيه. فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه، وصرت إلى حالة أخرى
في صلاة أو غيرها، وشككت في شئ مما سمى الله عليك وضوءه، فلا شئ

(1) الفقيه 1: 240 ح 1060، التهذيب 2: 332 ح 1370.
(2) الفقيه 1: 58 ح 214، التهذيب 1: 204 ح 594، الاستبصار 1: 167 ح 580.
(3) مختلف الشيعة: 28.
(4) في س: جواز.
203

عليك فيه) (1).
وهذه كما تدل على المطلوب تدل على عدم اعتبار الشك بعد الانصراف.
وذكر القعود والقيام يبين الحال. نعم، لو طال القعود فالظاهر التحاقه بالقيام،
لمفهوم قوله: (وفرغت منه وصرت إلى حالة أخرى)، ورواية عبد الله بن أبي يعفور
عنه (عليه السلام): (إذا شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره، فليس
شكك بشئ، إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه) (2)، والمراد: انما الشك الذي
يلتفت إليه. وما أحسن رواية بكير بن أعين، قال: قلت له: الرجل يشك بعد
ما يتوضأ، قال: (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) (3) إلى أخبار كثيرة.
ولأنه لو شرع التلافي للشك بعد الفراغ أدى إلى الحرج المنفي، لعسر
الانفكاك من ذلك الشك، وعسر ضبط الانسان الأمور السالفة.
فرع:
لو كثر شكه، فالأقرب: إلحاقه بحكم الشك الكثير في الصلاة، دفعا
للعسر والحرج. والأقرب: إلحاق الشك في النية بالشك في أفعال الوضوء في
الموضعين، إذ هي من الأفعال، والأصل عدم فعلها إذا كان الحال باقيا.
أما مع اليقين بترك شئ، فلا فرق بين الحالين في وجوب التلافي مرتبا
مواليا. ولو كان في الصلاة قطعها، وبه أخبار كثيرة، منها: خبر الحلبي عن أبي
عبد الله (عليه السلام): (إذا ذكرت وأنت في صلاتك أنك قد تركت شيئا من
وضوئك المفروض، فانصرف وأتم الذي نسيته) (4).
السادسة: لو شك في الطهارة بعد يقين الحدث تطهر، وبالعكس لا

(1) الكافي 3: 33 ح 2، التهذيب 1: 100 ح 261.
(2) التهذيب 1: 101 ح 262، السرائر: 473.
(3) التهذيب 1: 101 ح 265.
(4) الكافي 3: 34 ح 3، التهذيب 1: 101 ح 263.
204

يلتفت، لأن اليقين لا يرفعه الشك، إذ الضعيف لا يرفع القوي.
وقد روى عبد الله بن بكير عن أبيه، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه
السلام): (إذا استيقنت انك توضأت فإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن
أنك قد أحدثت) (1). وهو صريح في مسألة يقين الطهارة، وظاهر في مسألة يقين
الحدث، عملا بمفهوم: (إذا استيقنت أنك توضأت)، فإنه يدل على اعتبار
اليقين في الوضوء.
ولو تيقن الطهارة والحدث، وشك في السابق، قال المفيد: وجب عليه
الوضوء، ليزول الشك عنه ويدخل في صلاته على يقين على الطهارة (2).
قال الشيخ: لأنه مأخوذ على الانسان ألا يدخل في الصلاة إلا بطهارة، فينبغي ان يكون متيقنا بحصول الطهارة قبله، ليسوغ له الدخول بها في الصلاة (3).
ولم يذكر في هذه المسائل الثلاث رواية غير ما تلوناه، وكذا ابن بابويه في (من لا
يحضره الفقيه) أوردها مجردة عن خبر (4)، وحكمها ظاهر.
غير أن المحقق في المعتبر قال: عندي في ذلك تردد يعني مسألة يقين
الطهارة والحدث ويمكن أن يقال: ينظر إلى حاله قبل تصادم الاحتمالين، فإن
كان حدثا بنى على الطهارة، لأنه بتيقن (5) انتقاله عن تلك الحالة إلى الطهارة ولم
يعلم تجدد الانتقاض (صار متيقنا) (6) للطهارة وشاكا في الحدث، فيبني على
الطهارة وإن كان قبل تصادم الاحتمالين متطهرا بنى على الحدث، لعين ما ذكرناه
من التنزيل (7). هذا لفظه.

(1) الكافي 3: 33 ح 1، التهذيب 1: 102 ح 268.
(2) المقنعة: 6.
(3) التهذيب 1: 102
(4) الفقيه 1: 37.
(5) في س: متقين، وفي ط: تيقن.
(6) في س، ط: فصار مستيقنا.
(7) المعتبر 1: 170.
205

الفاضل عكس، وعبارته هذه في المختلف: مثاله: إذا تيقن عند الزوال
انه نقض طهارة وتوضأ عن حدث وشك في السابق، فإنه يستصحب حال السابق
على الزوال. فإن كان على تلك الحال متطهرا فهو على طهارته، لأنه تيقن أنه نقض
تلك الطهارة ثم توضأ، ولا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة،
ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك. وان كان قبل
الزوال محدثا فهو الآن محدث، لأنه تيقن انه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها،
والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها (1).
قلت: هذان لو سلما فليس فيهما منافاة لقول الأصحاب، إذ مرجعهما إلى
تيقن أحدهما والشك في الآخر، والأصحاب لا يتنازعون في ذلك.
ويرد توجيه كل منهما نقضا على الآخر. وأيضا يمكن تعقب الطهارة للطهارة
في التجديد، وتعقب الحدث الحدث، ولما استشعر في غير المختلف ذلك قيدهما
بكونهما متحدين متعاقبين، وحكم باستصحاب السابق (2). وهو إذا تم ليس من الشك في شئ الذي هو موضوع المسألة، لأنها أمور
مرتبة علم ترتيبها، غايته انه يلتبس السابق لعدم الحظ الذهن الترتيب فهو
كالشاك في المبدأ في السعي وهو يعلم الزوجية والفردية، فإنه متى لحظه الذهن
علم المبدأ، ولا يسمى استصحابا عند العلماء، وقد نقل عنه أنه أراد به لازم
الاستصحاب، وهو: البناء على السابق.
وإذا لم يعلم الحال قبل تصادم الاحتمالين، فلا شك فيما قاله الأصحاب.
وفي التذكرة حكى الوجوه الثلاثة عن العامة، وعلل وجه البناء على الضد
باحتمال تجديد الطهارة في صورة سبق الطهارة، وباحتمال تعقب الحدث في صورة
سبق الحدث على زمان تصادم الاحتمالين، قال: ولو لم يكن من عادته التجديد،
فالظاهر: أنه متطهر بعد الحدث، فتباح له الصلاة. وعلل الاستصحاب بسقوط

(1) مختلف الشيعة: 27.
(2) منتهى المطلب 1: 72، تحرير الأحكام 1: 10.
206

حكم الحدث والطهارة الموجودين بعد التيقن، لتساوي الاحتمالين فيهما فتساقطا،
ويرجع إلى المعلوم أولا (1).
ويضعف بتيقنه الخروج عن ذلك السابق إلى ضده، فكيف يبني على ما
علم الخروج منه؟!.
وبالجملة فاطلاق الإعادة لا ينافيه هذان الفرضان، لأن مورد كلامهم
الشك، وهما إن تما أفادا ظنا، وأما الاتحاد والتعاقب فمن باب اليقين.
تنبيه: قولنا: اليقين لا يرفعه الشك، لا نعني به اجماع اليقين والشك في الزمان
الواحد، لامتناع ذلك ضرورة أن الشك في أحد النقيضين يرفع يقين الآخر، بل
المعني به أن اليقين الذي كان في الزمن الأول لا يخرج من حكمه بالشك في الزمن
الثاني، لأصالة بقاء ما كان، فيؤول إلى اجتماع الظن والشك في الزمان الواحد،
فيرجح الظن عليه كما هو مطرد في العبادات.
السابعة: حكم في المبسوط بأنه لو صلى الظهر بطهارة، ثم صلى العصر
بطهارة أخرى، ثم ذكر الحدث عقيب إحداهما قبل الصلاة، تطهر وأعاد
الصلاتين، وكذا يعيدهما لو توضأ وصلى الظهر، ثم أحدث وتوضأ وصلى العصر،
ثم علم ترك عضو من إحدى الطهارتين ولم يعلمها، معللا بأنه لم يؤد إحداهما
بيقين (2).
وهو بناء على وجوب تعيين المقضي مع الاشتباه، تحصيلا لليقين، لهذا
أوجب إعادة الخمس لو صلاها بخمس طهارات، ثم ذكر تخلل الحدث بين طهارة
وصلاة. وكذا أوجب الخمس لو توضأ خمسا كل مرة عقيب الحدث، ثم ذكر ترك

(1) تذكرة الفقهاء 1: 21.
(2) المبسوط 1: 24.
207

عضو (1).
ولو قلنا: بسقوط التعين هنا، أجزأه أربع مطلقة بينهما. وأجزأه في الخمس
هذه مع زيادة الاطلاق في العشاء، ومع صبح ومغرب، ولو اختلفت الصلاتان
فلا شك في إعادتهما.
والعجب أن الشيخ أفتى في المبسوط بأن من فاتته صلاة لا يعلمها بعينها
يجزئه ثلاث صلوات (2)، مع ايجابه الخمس هنا، ولا فرق. وعول على ما رواه علي
ابن أسباط، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
(من نسي صلاة من صلاة يومه، ولم يدر أي صلاة هي، صلى ركعتين وثلاثا
وأربعا) (3). قال: ولو صلى الظهر بطهارة، ثم جدد للعصر بغير حدث، ثم ذكر اخلال
عضو، أعاد الظهر بعد الطهارة دون العصر، لوقوعها بعد طهارتين. قال: وكذا
لو صلى الخمس على هذا الوجه، وذكر اخلال العضو أعاد الوضوء والأولى لا غير.
قال: ولو ذكر ترك عضو من طهارتين أعاد الأوليين، ومن ثلاث يعيد
الثلاث الأول، ومن أربع يعيدها لا غير، ومن خمس يعيد المجموع (4).
ولم يذكر إعادة الوضوء هنا، وهو بناء على اجزاء المجدد عن الواجب إذا
ظهر فساده، إما للاجتزاء بالقربة، وإما لأن غاية المجدد تدارك الخلل في الأول.
والتعليل الثاني يناسب فتوى المبسوط بوجوب نية الرفع أ الاستباحة (5) مع حكمه
بصحة الصلاة هنا.
وفي المعتبر: إن قصد بالطهارة الثانية الصلاة فكما قال الشيخ (6)، لأنه قصد

(1) المبسوط 1: 25.
(2) المبسوط 1: 127.
(3) التهذيب 2: 197 ح 774.
(4) المبسوط 1: 24 - 25.
(5) المبسوط 1: 19.
(6) المعتبر 1: 173.
208

زيادة على رفع الحدث فقد تضمن نيته رفع الحدث، مع أنه صرح في موضع آخر
باجزاء المجدد لو فسد الأول (1).
وأما الطهارة لإعادة الأولى، فعلى قوله رحمه الله لا حاجة إليها، لأنه الآن
متطهر وإلا لم تصح الثانية وما بعدها، إلا أن نقول: المجدد انما يجتزأ به إذا فعل
ما ترتب عليه قبل ذكر الخلل. وهو بعيد، لأنه أحال صحة الثانية على أنه كان من
الأول، فطهارته الثانية صحيحة.
ويؤيده حكمه بأنه لو جدد من غير صلاة ثم
صلى بهما صحت الصلاة، لأن كمال إحدى الطهارتين مصحح للصلاة، سواء
كانت الأولى أو الثانية. ولو ذكر تخلل حدث في هذه الصورة أعاد الصلاة،
لإمكان كونه عقيب المجدد فيفسد الوضوءان.
الثامنة: لو كان الوضوء المجدد منذورا فكالندب، إلا عند من اجتزأ بالوجه
والقربة.
ولو كان الوضوءان مندوبين أو واجبين نوى فيهما رفع الحدث أو
الاستباحة للذهول عن الأول، فالأقرب: الاجتزاء بأحدهما لو ظهر خلل في
الآخر.
ولو نوى بالثاني تأكيد الاستباحة أو الرفع، فيجئ على قول المعتبر أولوية
الاجزاء، إلا أن نية الوجوب مشكلة لعدم اعتقاده.
ويمكن ان يقال: ان التقوية (2)
لا تحصل إلا بايقاعه على وجهه، فإذا نوى الوجوب وصادف اشتغال الذمة كان
مجزئا، كما لو نوى الرفع وصادف الحدث.
تنبيه:
فرق المعتبر بين الوضوء المجدد مطلقا وبين المنوي به الصلاة (3) يشعر بأن

(1) المعتبر 1: 140.
(2) في ط: اليقين به، وما أثبتناه من (س) و (م).
(3) المعتبر 1: 140.
209

التجديد قسمان. وظاهر الأصحاب والأخبار: أن شرعية التجديد للتدارك، فهو
منوي به تلك الغاية. وعلى تقدير عدم نيتها لا يكون مشروعا.
التاسعة: لو كان الترك من طهارتين في يوم بخمس حقيقية فسد صلاتان
مبهمتان. فعلى قول الشيخ هنا، وأبي الصلاح، وابن زهرة في كل فائتة مبهمة
تجب الخمس، لوجوب التعيين (1). والوجه: الاجتزاء بأربع: صبح، ثم رباعية
مرددة بين الظهرين، ثم مغرب، ثم رباعية مرددة بين العصر والعشاء، لإتيانه
على الواجب، ولعدم تعقل الفرق بينه وبين النص على الثلاث.
ولو ردد بين الرباعيات الثلاث في الرباعية بعد الصبح لم يضر، لإمكان
كون الفائت العشاء مع الصبح، ولكن يجوز اسقاطه اكتفاء بالترديد الثنائي في
الرباعية الكائنة بعد المغرب.
ولو ذكر الظهر في الرباعية بعد المغرب فلغو، لأن الظهر إن كانت في الذمة
فقد صلاها فلا فائدة في ذكرها. والظاهر: أنه غير ضائر، لأنه أتى بالواجب فتلغو
الزيادة. ويحتمل البطلان، لأنه ضم ما يعلم انتفاءه من البين، فهو كالترديد بين
النافلة والفريضة بل أبلغ، لأن الظهر في حكم صلاة غير مشروعة للنهي المشهور
عن النبي (صلى الله عليه وآله) من أنه: (لا تصلى صلاة واحدة في اليوم
مرتين) (2).
فروع:
الأول: لو عين الرباعيات، فعلى مذهب التعيين لا شك في الاجزاء.
وعلى غيره يمكن العدم، لأنه تعيين ما لا يعمله ولا يظنه، بخلاف الترديد فإنه
آت في الجملة على ما يظن، وبخلاف الصبح والمغرب لعدم امكان الإتيان

(1) المبسوط 1: 25، الكافي في الفقه 150، الغنية: 562.
(2) مسند أحمد 2: 41، سنن أبي داود 1: 158 ح 579، سنن النسائي 2: 114، سنن الدارقطني
1: 415، السنن الكبرى 2: 303.
210

بالواجب من دونهما.
والأصل فيه: أن العدول إلى الترديد عن التعين، هل هو رخصه وتخفيف
على المكلف، أو هو المصادفة النية أقوى الظنين؟ فعلى الأول يجزئ التعين بطريق
الأولى. وعلى الثاني لا يجزئ. والخبر محتمل للأمرين (1).
الثاني: لو جمع بين التعيين والترديد أمكن البطلان، لعدم استفادته رخصة
به، وعدم انتقاله إلى أقوى الظنين.
والصحة، لبراءة الذمة بكل منهما منفردا، فكذا منضما. فحينئذ ان عين
الظهر، ردد ثنائيا بين العصر والعشاء مرتين، أحدهما قبل المغرب والأخرى
بعدها. وان عين العصر، ردد ثنائيا بين الظهر والعشاء مرتين، إحداهما قبل العصر
والأخرى بعد المغرب. وان عين العشاء، ردد ثنائيا مرتين متواليتين بين الصبح
والمغرب. والحق انه تكلف محض لا فائدة فيه، بل لا ينبغي فعله.
الثالث: لو ذكر بعد التعيين ما أنسيه أجزأ قطعا. وان ذكر بعد الترديد،
فان كان أثناء الصلاة عدل إلى الجزم بالتعيين. وان كان بعد الفراغ، فالأقرب:
الاجزاء، لاتيانه بالمأمور فخرج عن العهدة. ويمكن الإعادة، لوجوب التعيين
عند ذكره، وما وقع أولا كان مرعى. ويضعف بالاحتياط لو ذكر الحاجة إليه بعده
فإنه لا يعيد فهنا أولى، لعدم الفصل والزوائد هنا.
العاشرة: لو كان الترك من طهارتين في يومين، وعلم تفريقهما، صلى عن
كل يوم ثلاث يرتب بينهما لا فيهما.
وان علم جمعهما في يوم واشتبه، جمع بين حكمي اليومين حيث يختلفان في
التمام والقصر، فيصلي خمسا ثنائية مرددة بين الثلاث السابقة على المغرب، ثم
رباعية مرددة بين الظهرين، ثم مغربا، ثم ثنائية مرددة بين ما عدا الصبح،
ورباعية مرددة بين العصر والعشاء.
ولا مبالاة بتقديم الثنائية هنا على الرباعية وتأخيرها بخلاف ما قبل

(1) تقدم في ص 208 الهامش 3.
211

المغرب، فإنه يجب تقديم الثنائية على الرباعية لمكان الصبح. والبحث في التعيين
هنا، والجمع بينه وبين الاطلاق كما مر.
ولو ردد رباعيا هنا في الثنائية الأولى، فقد ضم ما لا يصح إلى ما يمكن
صحته، إذ العشاء غير صحيحة هنا قطعا، لأنها ان كانت فائتة فلابد من فوات
أخرى قبلها، فيمتنع صحة العشاء حينئذ.
فان قلت: لم لا يسقط الترتيب هنا، لعدم العلم به وامتناع التكليف لا مع
العلم، فحينئذ يجزئ كيف اتفق؟
قلت: لما كان له طريق إلى الترتيب، جرى مجرى المعلوم، فوجبت
مراعاته.
فان قلت: كل ترتيب منسي يمكن تحصيله فليجب مطلقا.
قلت: قد قيل بوجوب تحصيله، كما يأتي إن شاء الله في قضاء الصلوات،
وان منعناه هنالك فلاستلزام زيادة التكليف المنفي بالأصل، بخلاف هذه
الصور، لان التكليف بالعدد المخصوص لا يتغير، رتب أو لا، فافترقا.
فان قلت: إذا كان الترتيب معتبرا، فليعد الخمس مطلقا، لإمكان كون
الفائت الصبح، فيكون قد صلى ما بعدها مع اشتغال ذمته بها، فيبطل الجميع:
اما الصبح فلفواتها، واما غيرها فلترتبه عليها.
قلت: لا نسلم بطلان المرتب هنا لفساد المرتب عليه، لامتناع تكليف
الغافل وان كان قد توهمه قوم لأنا كالمجمعين على صحة صلاة من فاته صلاة
قبلها ولم يعلمه، وقد صرح به الأصحاب في مواضع العدول (1). ولو اشتبه عليه
الجمع والتفريق، فكالعلم بالتفريق أخذا باليقين.
الحادية عشر: لو كان الفوات في صلاة السفر، فالأقرب: الاجزاء في ابهام
الواحدة بالثنائية والمغرب، وفي ابهام الاثنتين بالثنائية المرددة ثلاثيا قبل المغرب
وبعدها، أخذا من مفهوم الخبر في صلاة الحضر، وبه أفتى ابن البراج.

(1) راجع: المبسوط 1: 126، مختلف الشيعة: 147.
212

وأوجب ابن إدريس هنا الخمس (1) لعدم النص عليه، وأصالة وجوب
التعيين. ولو كان في صلاة التخيير كما في الأماكن الشريفة الأربعة، وكما في قاصد
نصف مسافة غير مريد للرجوع ليومه على قول يأتي إن شاء الله وقلنا بقضائه
تخييرا كأدائه، تبع اختيار المكلف. وان حتمنا القصر في القضاء فظاهر.
الثانية عشر: لو تبين فساد ثلاث طهارات من يوم وجبت الخمس في التمام،
لان من الاحتمالات فساد الرباعيات، وفي القصر أربع يردد فيما عدا المغرب. ولو
كان الفاسد أربعا تساويا في إعادة الخمس.
تنبيه: خرج ابن طاوس رحمه الله وجها في ترك عضو متردد بين طهارة مجزئة وغير
مجزئة انه لا التفات فيه، لاندراجه تحت الشك في الوضوء بعد الفراغ. وهو
متجه، الا ان يقال: اليقين هنا حاصل بالترك وان كان شاكا في موضوعه،
بخلاف الشك بعد الفراغ فإنه لا يقين فيه بوجه، والله الموفق.

(1) السرائر: 59.
213

المطلب الثاني: في الغسل.
وفيه الأبحاث الثلاثة، فالأول في واجبه، وهو أربعة:
الأول: إزالة النجاسة عن بدنه، ليقع الماء على محل طاهر، فيرفع الحدث
عنه لبقائه على الطهارة، ولو كان البدن نجسا لنجس الماء.
ولو كان الماء كثيرا أو جاريا لا ينفعل، فالأقرب: عدم اجزاء غسلها عن
رفع الحدث، لأنهما سببان فيتعدد حكمهما.
وفي المبسوط: إن كان على بدنه نجاسة أزالها ثم اغتسل، فان خالف
واغتسل أولا فقد ارتفع حدث الجنابة، وعليه ان يزيل النجاسة إن كانت لم تزل
بالغسل، وان زالت بالاغتسال فقد أجزأه عن غسلها (1).
ويشكل: بأن الماء ينجس فكيف يرفع الحدث؟ والاجتزاء بغسلها عن
الأمرين مشكل أيضا.
ووجهه: صدق مسمى الغسل، وزوال العين، فيكفي عنهما. وهذا في
الحقيقة شرط في الغسل.
الثاني: النية، وهي القصد إلى ايقاعه بالغاية المذكورة في الوضوء ومباحثها
آتية هنا. والمستحاضة الدائمة الدم تنوي الاستباحة، ولا تقتصر على رفع الحدث،
كما مر. إما المبطون والسلس فكالصحيح هنا، لأن ارتفاع حكم الجنابة لا ينافيه
دوام هذا الحدث للضرورة. وربما احتمل مساواته الاستحاضة، لأن رفع الحدث
لا يتبعض. وكذلك المستحاضة ذات الدم القليل بعد الكثير، إذا قلنا بوجوب الغسل

(1) المبسوط 1: 29.
215

عليها من الاستحاضة أو وجب عليها غسل آخر، فإنها تنوي رفع الحدث بالنسبة
إلى الكثير أو السبب الجديد، وعلى الاحتمال تقتصر على الاستباحة.
وصاحب الجبيرة ينوي الرفع، ويتخرج ما ذكر في الوضوء.
ويجوز تقديم النية في مواضع التقديم في الوضوء. ويكفي استدامة
حكمهما، لعسر الاستدامة الفعلية.
وتجوز نية رفع الحدث الواقع لا غيره. وتجوز نية الرفع مطلقا، لاتيانه على
الواقع. وكذا لو نوى رفع الحدث الأكبر، ولو نوى رفع الأصغر لم يجزه، عامدا
كان أو ساهيا. ولا يرتفع الحدث عن أعضاء الوضوء، لعدم قصد الوضوء، وعدم
تبعض الرفع. ولا يجزئ عن الوضوء لو كان مع الغسل وضوء، لعدم القصد إليه،
ولعدم كماله.
ولو نوت الحائض والنفساء استباحة الوطء، وحرمناه، أجزأ. وان قلنا
بالكراهية، فالأقرب: الاجزاء، لما مر في الوضوء.
الثالث: إجراء الماء على جميع البشرة، تحقيقا لمسمى الغسل في قوله تعالى:
(ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (1) وللإجماع على ذلك. ولا يكفي
الإمساس من دون الجريان، لأنه يسمى مسحا لا غسلا.
ورواية إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أبيه: (إن
عليا (عليه السلام) كان يقول: الغسل من الجنابة والوضوء يجزئ منه ما (اجرى
مثل) (2) الدهن الذي يبل الجسد) (3) محمولة على الجريان، لخبر زرارة عن أبي
جعفر (عليه السلام)، قال: (الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيرة

(1) سورة النساء: 43.
(2) في المصدرين: (أجزأ من).
(3) التهذيب 1: 138 ح 385، الاستبصار 1: 122 ح 414.
وسيأتي في ص 242 الهامش 2.
216

أجزأه) (1) وعليها يحمل ما رواه عنه (عليه السلام): (إذا مس جلدك الماء
فحسبك) (2) وغيرها من الروايات.
ويجب تخليل الشعر بحيث يصل الماء إلى أصوله، خف أو كثف، لما روي
عن النبي (صلى الله عليه وآله): ((تحت كل شعرة جنابة، فبلوا الشعر، وأنقوا
البشرة) (3). وروى حجر بضم الحاء واسكان الجيم والراء ابن زائدة بالزاي
المعجمة عن أبي عبد الله (عليه السلام): (من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو
في النار) (4). وسقوط التخليل في الوضوء أخذا من المواجهة، ورفعا للحرج بتكرره.
ولو كان الشعر خفيفا لا يمنع، استحب تخليله استظهارا.
ولا يجب غسل الشعر إذا وصل الماء إلى أصوله، قاله الأصحاب (5) لقضية
الأصل، وخروجه عن مسمى البدن. والحديث ببل الشعر والتوعد على تركه،
يحمل على توقف الخليل عليه، أو على الندب. وفي مرسل الحلبي عن أبي
عبد الله (عليه السلام): (لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة) (6)
وظاهره عدم وجوب غسله.
وكذا يجب تخليل كل ما لا يصل إليه الماء الا به، لتوقف الواجب عليه
كالخاتم، والسير، والدملج، ومعاطف الاذنين.
ولا يجب غسل باطن الفم والأنف والعين، لقول أبي عبد الله (عليه السلام)
في رواية عبد الله بن سنان: (لا يجنب الأنف والفم) (7) وفي معناه رواية أبي بكر

(1) الكافي 3: 21 ح 4، التهذيب 1: 137 ح 380، الاستبصار 1: 123 ح 416.
(2) الكافي 3: 22 ح 7، التهذيب 1: 137 ح 381، الاستبصار 1: 123 ح 417.
(3) سنن ابن ماجة 1: 196 ح 597، الجامع الصحيح 1: 178 ح 106، السنن الكبرى 1:
179.
(4) عقاب الإعمال: 272، أمالي الصدوق: 391، التهذيب 1: 135 ح 373.
(5) راجع: السرائر: 21، المعتبر 1: 182، تذكرة الفقهاء: 1: 23.
(6) الكافي 3: 45 ح 16، التهذيب 1: 147 ح 416.
(7) التهذيب 1: 131 ح 358، الاستبصار 1: 117 ح 394.
217

الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1).
الرابع: الترتيب: وهو أن يبدأ بغسل الرأس مع الرقبة نص عليه المفيد (2)
والجماعة (3) ثم بالجانب الأيمن ثم بالأيسر، وهو من تفرداتنا.
وقد رووا عن عائشة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا اغتسل من
الجنابة بدأ بغسل يديه... إلى قولها: ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه،
ثم يفيض الماء على جلده (4) وعن ميمون نحوه (5) وهما من الصحاح.
ونقل الشيخ إجماعنا على وجوب الترتيب، واحتج باخبار منها: رواية زرارة
قلت: له كيف يغتسل الجنب؟ فقال: (إن لم يكن أصاب كفه شئ غمسها في
الماء، ثم بدأ بفرجه فأنقاه، ثم صب على رأسه ثلاث أكف، ثم صب على منكبه
الأيمن مرتين، وعلى منكبه الأيسر مرتين، فما جرى عليه الماء فقد أجزأه) (6).
والظاهر أن المراد به الإمام (عليه السلام)، وفي المعتبر أسنده زرارة عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (7).
وفي التهذيب في موضع آخر، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه
السلام) عن غسل الجناب ة؟ فقال: (أفض على رأسك ثلاث أكف وعن يمينك،
وعن يسارك، انما يكفيك مثل الدهن) (8).

(1) الكافي 3: 24 ح 3، التهذيب 1: 78 ح 201، 131 ح 359، الاستبصار 1: 117 ح 395.
(2) المقنعة: 6
(3) راجع: الانتصار 30، المعتبر 1: 182، تذكرة الفقهاء 1: 23.
(4) ترتيب مسند الشافعي 1: 39 ح 111، مسند أحمد 6: 52، سنن الدارمي 1: 191 صحيح
البخاري 1: 72، صحيح مسلم 1: 253 ح 316، سنن ابن ماجة 1: 190 ح 573.
(5) سنن الدارمي 1: 191، صحيح البخاري 1: 72، صحيح مسلم 1: 254 ح 317، سنن
ابن ماجة 1: 190 ح 573، الجامع الصحيح 1: 173 ح 103، السنن الكبرى 1: 177.
(6) الخلاف 1: 132 المسألة 75.
ورواية زرارة في الكافي 3: 43 ح 3، التهذيب 1: 133 ح 368.
(7) المعتبر 1: 183.
(8) التهذيب 1: 137 ح 384.
218

ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: (تبدأ بكفيك
فتغسلهما، ثم تغسل فرجك، ثم تصب على رأسك ثلاثا، ثم تصب على سائر
جسدك مرتين، فما جرى عليه الماء فقد طهر) (1) والمطلق يحمل على المفيد.
وقد روي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا اغتسل بدأ
بميامنه (2).
ولأن الغسل البياني لو بدأ فيه بمياسره لوجب البدأة بها، ولو أسبغ على
الجميع من غير مراعاة جانب لوجب ذانك، ولم يقل أحد بوجوبهما.
ولأن الاتفاق على أن الميامن أفضل، والنبي (صلى الله عليه وآله) لا يخل
به، فيكون الغسل البياني مشتملا على تقديم الميامن، فيجب التأسي به.
وفي المعتبر: الروايات دلت على تقديم الرأس على الجسد، اما اليمين على
الشمال فلا تصريح فيها به، ورواية زرارة وردت بالواو ولا دلالة فيه على الترتيب.
قال: لكن أفتى به الثلاثة واتباعهم، وفقهاؤنا الآن بأجمعهم يفتون به ويجعلونه
شرطا في صحة الغسل (3).
قلت: لا قائل بوجوب الترتيب في الرأس خاصة، فالفرق إحداث قول
ثالث. وأيضا فقد تقدم نقل الشيخ الاجماع عليه (4)، فيتوقف اليقين برفع الحدث
على الترتيب، ولأن الصلاة واجبة في ذمته فلا تسقط إلا بيقين الغسل، ولا يقين إلا
مع ترتيب الغسل. وبان الترتيب قد ثبت في الطهارة الصغرى على الوجه
المخصوص، ولا أحد قائل بالترتيب فيها إلا وهو قائل بوجوب الترتيب في غسل
الجنابة، فالقول بخلافه خروج عن الاجماع، ونقله ابن زهرة وابن إدريس
أيضا (5).

(1) الكافي 3: 43 ح 1، التهذيب 1: 132 ح 365، الاستبصار 1: 123 ح 420.
(2) صحيح مسلم 1: 256 ح 321، السنن الكبرى 1: 172.
(3) المعتبر 1: 183.
(4) تقدم في ص 218 الهامش 6.
(5) الغنية: 554، السرائر: 17.
219

نعم لم يصرح الصدوقان بالترتيب في البدن ولا بنفيه (1).
وابن الجنيد اجتزأ مع قلة الماء بالصب على الرأس، وامرار اليد على البدن
تبعا للماء المنحدر من الرأس على الجسد، قال: ويضرب كفين من الماء على صدره
وسائر بطنه وعكنه، وهي جمع عكنة بضم العين وسكون الكاف وهي: الطي
الذي في البطن من السمن، وتجمع أيضا على أعكان، ثم يفعل مثل ذلك على
كتفه الأيمن، ويتبع يديه في كل مرة جريان الماء حتى يصل إلى أطراف رجله
اليمنى ماسحا على شقه الأيمن كله ظهرا وبطنا، ويمر يده اليسرى على عضده الأيمن إلى أطراف أصابع اليمنى وتحت إبطيه وأرفاغه، ولا ضرر في نكس غسل
اليد هنا والارفاغ: المغابن من الإباط وأصول الفخذين، واحدها رفغ بفتح الراء
وضمها وسكون الفاء. ويفعل مثل ذلك بشقه الأيسر، حتى يكون غسله من
الجنابة كغسله للميت المجمع على فعل ذلك به. فان كان بقي من الماء بقية أفاضها
على جسده، وأتبع يديه جريان على سائر جسده. ولو لم يضرب صدره وبين كتفيه
بالماء، الا أنه أفاض ببقية مائه بعد الذي غسل به رأسه ولحيته ثلاثا على
جسده، أو صب على جسده من الماء ما يعلم أنه قد مر على سائر جسده، أجزأه.
ونقل رجليه حتى يعلم أن الماء الطاهر من النجاسة قد وصل إلى أسفلهما. وهذا
الكلام ظاهرة سقوط الترتيب في البدن.
والجعفي أمر بالبدأة بالميامن. وابن أبي عقيل عطف الأيسر بالواو. فحينئذ
قول ابن الجنيد نادر، مسبوق وملحوق بخلافه.
وأبو الصلاح أوجب الترتيب، ثم قال بعد غسل الأيسر -: ويختم بغسل
الرجلين، فان ظن بقاء شئ من صدره أو ظهره لم يصل إليه الماء، فليسبغ بإراقة
الماء على صدره وظهره (2). وكذا قاله بعض الأصحاب (3).

(1) لاحظ: المقنع: 12، الهداية: 20، الفقيه 1: 46.
(2) الكافي في الفقيه: 133.
(3) كابن زهرة في الغنية: 554.
220

وفي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) إيماء إليه، حيث
قال: (اغتسل (1) من الجنابة، فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصيبها الماء.
فقال له: ما كان عليك لو سكت، ثم مسح تلك اللمعة بيده)، رواه الكليني
بسنده (2) ورواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) وبموجبه قال الجعفي.
والعصمة تنفيه، إلا أن يحمل على الترك للتعليم، ويكون من الجانب الأيسر.
فان قلت: قد روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): (تصب الماء
على رأسك ثلاثا، وتفيض على جسدك بالماء) (4).
وروى أحمد بن محمد عن أبي الحسن (عليه السلام): (ثم أفض على
رأسك وجسدك) (5).
وروى سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام): (ليصب على رأسه ثلاثا)،
قال: (ليصبه، ثم يضرب بكف من ماء على صدره، وكف بين كتفيه، ويفيض
الماء على جسده كله) (6).
وروى العلاء عن محمد عن أحدهما عليهما السلام: (تصب على رأسك
ثلاثا، ثم تصب على سائر جسدك مرتين) (7).
وروى بكر بن حرب عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المغتسل من الجنابة
أيغسل رجليه بعد الغسل؟ فقال: (إن كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه فلا عليه أن لا يغسلهما، وان كان يغتسل في مكان تستنقع رجلاه في الماء

(1) في المصدرين زيادة: (أبي).
(2) الكافي 3: 45 ح 15. وفي التهذيب 1: 365 ح 1108 عن أبي بصير.
(3) المصنف لعبد الرزاق 1: 265 ح 1015 و 1017، المصنف لابن أبي شيبة 1: 41 و 42، سنن
الدارقطني 1: 112.
(4) التهذيب 1: 131 ح 362، الاستبصار 1: 118 ح 398.
(5) قرب الاسناد: 162، التهذيب 1: 131 ح 363، الاستبصار 1: 123 ح 419.
(6) التهذيب 1: 132 ح 364.
(7) الكافي 3: 43 ح 1، التهذيب 1: 132 ح 365، الاستبصار 1: 122 ح 412.
221

فليغسلهما) (1).
وروى هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه أصاب من جارية
له بين مكة والمدينة، فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها، وقال: (إذا أردت أن
تركبي فاغسلي رأسك). فعلمت بذلك أم إسماعيل فحلقت رأس الجارية، فلما
كان من قابل انتهى أبو عبد الله (عليه السلام) إلى ذلك المكان، فقالت له أم
إسماعيل: أي موضع هذا؟ قال لها: (هذا الموضع الذي أحبط الله فيه حجك عام
أول) (2). وروى حكم بن حكيم بضم الحاء عن أبي عبد الله (عليه السلام):
(وأفض على رأسك وجسدك، وان كنت في مكان نظيف فلا يضرك ان (3) تغسل
رجليك، وان كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك) (4).
وروى يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام): (ثم يصب على
رأسه، وعلى وجهه، وعلى جسده كله، ثم قد قضى الغسل) (5). ويقرب منه رواية
زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6).
وهذه الأخبار كلها ظاهرة في عدم الترتيب في البدن، وبعضها في عدمه في
الرأس أيضا.
قلت: المطلق يحمل على المقيد ولو اتحد المقيد وتعدد المطلق. ويدل على
وجوب الترتيب في الرأس بعد الإجماع: رواية حريز عن أبي عبد الله (عليه
السلام)، قال: (من اغتسل من جنابة ولم يغسل رأسه ثم بداله ان يغسل رأسه،

(1) الكافي 3: 44 ح 10، التهذيب 1: 132 ح 366، عن بكر بن كرب عن أبي عبد الله (عليه
السلام).
(2) التهذيب 1: 134 ح 370، الاستبصار 1: 124 ح 422.
(3) في المصدر: (ألا).
(4) التهذيب 1 139 ح 392.
(5) التهذيب 1: 142 ح 402.
(6) التهذيب 1: 370 ح 1131.
222

لم يجد بدا من إعادة الغسل) (1)
وأما حديث غسل الرجلين، فلعله أراد به التنظيف، وهو ظاهر في ذلك
وأما خبر هشام، فحمله الشيخ على توهم الراوي، لأن هشاما ثقة روى
عن محمد بن مسلم، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسطاطه وهو
يكلم امرأة فأبطأت عليه. قال: (ادنه، هذه أم إسماعيل جاءت وأنا أزعم أن هذا
المكان الذي أحبط الله فيه حجها عام أول، حيث أردت الإحرام فقلت: ضعوا
لي الماء في الخباء، فذهبت الجارية بالماء فوضعته، فاستخففتها فأصبت منها.
فقلت: اغسلي رأسك وامسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك، فإذا أردت
الإحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط
مولاتها فذهبت تتناول شيئا، فمست مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء، فحلقت
رأسها وضربتها. فقلت لها: هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجك) (2).
مسائل:
الأولى: يسقط الترتيب بالارتماس قطعا.
وروى زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): ((ولو أن رجلا ارتمس في الماء
ارتماسة واحدة، أجزأه ذلك وان لم يدلك جسده) (3). وروى الحلبي عنه (عليه
السلام): (إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة، أجزأه ذلك من غسله) (4). والخبران وردا في غسل الجنابة، ولكن لم يفرق أحد بينه وبين غيره من الأغسال.
ونقل الشيخ في المبسوط عن بعض الأصحاب: أنه يترتب حكما (5). وقال
سلار: وارتماسة واحدة تجزئه عن الغسل وترتيبه (6). وما نقله الشيخ يحتمل أمرين:

(1) الكافي 3: 44 ح 9، التهذيب 1: 133 ح 369، الاستبصار 1: 124 ح 421.
(2) التهذيب 1: 134 ح 371، الاستبصار 1: 124 ح 423.
(3) التهذيب 1: 370 ح 1131.
(4) الكافي 3: 43 ح 5، التهذيب 1: 148 ح 423، الاستبصار 1: 125 ح 424.
(5) المبسوط 1: 29.
(6) المراسم: 42.
223

أحدهما وهو الذي عقله عن الفاضل (1): انه يعتقد الترتيب حال
الارتماس. ويظهر ذلك من المعتبر، حيث قال: وقال بعض الأصحاب: يرتب
حكما، فذكره بصيغة الفعل المتعدي وفيه ضمير يعود إلى المغتسل، ثم احتج بأن
إطلاق الأمر لا يستلزم الترتيب، والأصل عدم وجوبه، فيثبت في موضع
الدلالة (2). فالحجة تناسب ما ذكره الفاضل.
الأمر الثاني: ان الغسل بالارتماس في حكم الغسل المرتب بغير الارتماس.
وتظهر الفائدة لو وجد لمعة مغفلة فإنه يأتي بها وبما بعدها ولو قيل: بسقوط
الترتيب بالمرة، أعاد الغسل من رأس، لعدم الوحدة المذكورة في الحديث وفيما لو
نذر الاغتسال مرتبا فإنه يبرأ بالارتماس، لا على معنى الاعتقاد المذكور، لأنه ذكره
بصورة اللازم المسند إلى الغسل، أي: يترتب الغسل في نفسه حكما وان لم يكن
فعلا
. وقد صرح في الاستبصار بذلك لما أورد وجوب الترتيب في الغسل، وأورد
إجزاء الارتماس فقال: لا ينافي ما قدمناه من وجوب الترتيب، لأن المرتمس يترتب
حكما وان لم يترتب فعلا، لأنه إذا خرج من الماء حكم له أولا بطهارة رأسه، ثم
جانبه الأيمن، ثم جانبه الأيسر، فيكون على هذا التقدير مرتبا.
قال: ويجوز ان يكون عند الارتماس يسقط مراعاة الترتيب، كما يسقط عند
غسل الجنابة فرض الوضوء (3).
قلت: هذا محافظة على وجوب الترتيب المنصوص عليه، بحيث إذا ورد ما
يخالفه ظاهرا أول بما لا يخرج عن الترتيب.
ولو قال الشيخ: إذا ارتمس حكم له أولا بطهارة رأسه ثم الأيمن ثم الأيسر
ويكون مرتبا، كان أظهر في المراد لأنه إذا خرج من الماء لا يسمى مغتسلا، وكأنه

(1) مختلف الشيعة: 33.
(2) المعتبر 1: 184.
(3) الاستبصار 1: 125.
224

نظر إلى أنه ما دام في الماء ليس الحكم بتقدم بعض على الاخر بأولى من عكسه،
ولكن هذا يرد في الجانبين عند خروجه إذ لا يخرج جانب قبل آخر.
وأما كلام سلار فليس صريحا في إيجاد اعتقاد ولا ظاهرا، انما حكم بإجزاء
الارتماس عن الغسل وعن ترتيب الغسل. ويجوز أن يكون من قبيل العطف
التفسيري، مثل: أعجبني زيد وعلمه، أي: يجزئ عن ترتيب الغسل، ويكون
ذلك موافقا لكلام المعظم.
الثانية: أجرى في المبسوط مجرى الارتماس القعود تحت المجرى والوقوف
تحت المطر في سقوط الترتيب، نظرا إلى وحدة شمول الماء (1) والى رواية علي بن
جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام)، سألته عن الرجل يجنب هل يجزئه من
غسل الجنابة أن يقوم في القطر (2) حتى يغتسل رأسه وجسده وهو يقدر على سوى
ذلك؟ قال: (إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك) (3).
قال في المعتبر: هذا الخبر مطلق، وينبغي أن يقيد بالترتيب في الغسل (4).
وفي المختلف قرر به الترتيب الحكمي عند من قال به، فقال: علق الإجزاء
على مساواة غسله عند تقاطر المطر لغسله عند غيره، وانما يتساويان لو اعتقد
الترتيب كما أنه في الأصل مرتب (5).
وهذا الكلام يعطي الاكتفاء بالاعتقاد، وكلام المعتبر يعطي فعل الترتيب.
ثم أجاب في المختلف: بان المساواة للاغتسال المطلق الشامل للارتماس وغيره،
فلا تختص المساواة بالغسل المرتب.
وابن إدريس بالغ في إنكار إجراء غير الارتماس مجراه، اقتصارا على محل

(1) المبسوط 1: 29.
(2) في ط، والمصادر: المطر.
(3) قرب الاسناد: 85، الفقيه 1: 14 ح 27، التهذيب 1: 149 ح 424، الاستبصار 1: 125
ح 425.
(4) المعتبر 1: 185.
(5) مختلف الشيعة: 33.
225

الوفاق، وتحصيلا لليقين (1)، ولا ريب أنه أحوط.
وفي التذكرة طرد الحكم في ماء الميزاب، وشبهه (2).
وبعض الأصحاب ألحق صب الاناء الشامل للبدن، وهو لازم للشيخ رحمه
الله.
وفي النهاية: يجزئ الغسل بالمطر (3).
وفي الاقتصاد: وان ارتمس ارتماسة، أو وقف تحت الميزاب، أو النزال، أو
المطر، أجزأه (4).
وابن الجنيد ألحق المطر أيضا بالارتماس، قال: ولو أمر يديه عقيب ذلك على سائر بدنه كان أحوط. وقد روى الكليني باسناده عن محمد بن أبي حمزة، عن
رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى
سال على جسده، أيجزئه ذلك من الغسل؟ قال: (نعم) (5).
وفي الاستبصار لما أورده خبر علي عن أخيه أوله بالترتيب الفعلي عند نزول المطر (6) كما قاله صاحب المعتبر (7). وأوله الشيخ أيضا بالترتيب الحكمي، كما ذكره
في الارتماس (8).
الثالثة: قال المفيد: لا ينبغي الارتماس في الماء الراكد، فإنه إن كان قليلا
أفسده، وان كان كثيرا خالف السنة بالاغتسال فيه (9).

(1) السرائر: 25.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 23.
(3) النهاية: 22.
(4) الاقتصاد: 245.
(5) الكافي 3: 44 ح 7.
(6) الاستبصار 1: 125.
(7) المعتبر 1: 185.
(8) الاستبصار 1: 125.
(9) المقنعة: 6.
226

وجعله ابن حمزة مكروها ولو في الكثير (1).
وخرج في التهذيب كلام المفيد على أن الجنب حكمه حكم النجس إلى أن
يغتسل، فمتى لاقى الماء الذي يصح فيه قبول النجاسة فسد. ثم ذكر خبر محمد
بن الميسر بالسين المهملة، وضم الميم، وفتح الياء المثناة تحت عن أبي عبد الله
(عليه السلام)، الدال على أن الجنب إذا انتهى إلى الماء القليل وليس معه إناء
يغترف به ويداه قذرتان يضع يده ويغتسل، دفعا للحرج. ونزله على أخذ الماء بيده
لا أنه ينزله بنفسه، ويغتسل بصبه على البدن (2) وحمل القذر على وسخ غير
نجس (3).
ولو تمسك بقضية صيرورة الماء مستعملا، وحمل الفساد عليه، كان أليق
بمذهبهما. وفي الرواية: الارتماس في الجاري أو فيما زاد على الكر من الواقف لا
فيما قل، وهو يشعر بما قلناه من العلة.
واحتج على كراهية النزول بمكاتبة محمد بن إسماعيل بن بزيع إلى من يسأله
عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء ويستقى فيه من بئر فيستنجى فيه، أو يغتسل فيه
الجنب، ما حده الذي لا يجوز؟ فكتب: (لا يتوضأ من مثل هذا إلا من ضرورة) (4)
ولا يخفى ضعف هذا التمسك إسنادا ودلالة.
نعم، روى العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: (لا يبولن
أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من جنابة) (5) وتمسك به على سلب
الطهورية، وحمله في المعتبر على الكراهية تنزيها عما تعافه النفس (6)، أو على التعبد

(1) الوسيلة: 55.
(2) التهذيب 1: 149.
وخبر ابن الميسر في الكافي 3: 4 ح 2، التهذيب 1: 49 ح 425، الاستبصار 1: 128 ح 436.
(3) الاستبصار 1: 128.
(4) التهذيب 1: 150 ح 427، الاستبصار 1: 9 ح 11.
(5) مسند أحمد 2: 346، صحيح البخاري 1: 68، صحيح مسلم 1: 235 ح 282، سنن أبي
داود 1: 18 ح 69، سنن النسائي 1: 197، السنن الكبرى 1: 238.
(6) المعتبر 1: 45.
227

المحض لما رووه عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال: (الماء لا يجنب) (1) وبعبارة
أخرى: (الماء ليس عليه جنابة) (2).
الرابعة: لو أخل بالترتيب أعاد على ما يحصل معه الترتيب. فإذا كان قد
قدم النية على غسل الرأس، ففي جميع صوره يراعي الترتيب. وان كان قد نوى
عند غسل الرأس، فتصور المخالفة في الجانبين، فيعيد على الوجه المشروع.
ولو غسل بعض الرأس مقارنا للنية، ثم انتقل إلى الجانبين، فسد غسلهما،
وأتم من حيث قطع على الرأس. ولو كرر النكس فكما مر في الوضوء.
الخامسة: لا مفصل محسوس في الجانبين، فالأولى: غسل الحد المشترك
معهما. وكذا العورة، ولو غسلهما مع إحداهما، فالظاهر: الإجزاء، لعدم المفصل
المحسوس، وامتناع إيجاب غسلها مرتين.
السادسة: لا يجب الدلك في الغسل عندنا، بل الواجب إمرار الماء،
للأصل، ولصدق مسمى الغسل به، ولقول النبي (صلى الله عليه وآله) لام
سلمة: (انما يكفيك إن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك
الماء فتطهرين) (3).
السابعة: لا تجب الموالاة هنا بمعنييها. قاله علي بن بابويه، وحكاه عنه
ولده (4)، وذكره المفيد في الأركان.
وقال الشيخ في التهذيب: عندنا أن الموالاة لا تجب في الغسل (5) وكذا

(1) سنن ابن ماجة 1: 132 ح 370، سنن أبي داود 1: 18 ح 68، الجامع الصحيح 1: 94
ح 65، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان: 2: 273 ح 1245، السنن الكبرى 1: 189.
(2) سنن الدارقطني 1: 52.
(3) مسند أحمد 6: 314، صحيح مسلم 1: 259 ح 330، سنن ابن ماجة: 1: 198 ح 603،
سنن أبي داود 1: 65 ح 251. الجامع الصحيح 1: 175 ح 105، سنن النسائي 1: 131.
(4) الفقيه 1: 49.
(5) التهذيب 1: 135.
228

نفي وجوبها في النهاية (1) والمبسوط (2) وكذا سلار (3) وابن البراج (4) وأبو الصلاح (5)
وابن زهرة (6) والكيدري، وابن إدريس (7) وصاحب الجامع (8) والفاضل (9). ولم
يتعرض لها المحقق على ما اعتبرته، وهي من المهمات مع عدم الخلاف فيها حسبها
نقلناه عنهم.
وروى إبراهيم عن بن عمر اليماني عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (ان
عليا (عليه السلام) لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة، ويغسل سائر جسده
عند الصلاة)، روى ذلك في الكافي والتهذيب (10)، وقصة أم إسماعيل تدل على
ذلك (11).
نعم، لو خيف فجأة الحدث، فالأجود: فعلها، كالسلس والمبطون
والمستحاضة. وتكون مقدرة بزمان لا يلحقه فيه حدث مع إمكانه، أو يراعي قلة
الحدث.
الثامنة: قال المفيد رحمه الله: إذا عزم الجنب على التطهير بالغسل،
فليستبرأ بالبول. فان لم يتيسر له ذلك، فليجتهد في الاستبراء، بمسح تحت
الأنثيين إلى أصل القضيب، وغمزه إلى الحشفة (12).

(1) النهاية: 22.
(2) المبسوط 1: 19.
(3) المراسم: 42.
(4) المهذب 1: 46.
(5) الكافي في الفقه: 134.
(6) الغنية: 554.
(7) السرائر: 21.
(8) الجامع للشرائع: 35.
(9) تذكرة الفقهاء 1: 25.
(10) الكافي 3: 44 ح 8، التهذيب 1: 134 ح 372.
(11) تقدمت في ص 223 الهامش 2.
(12) المقنعة: 6.
229

وصرح الشيخ في المبسوط وابن حمزة، وابن زهرة، والكيدري بوجوبه (1)
وكذا ابن البراج في الكامل.
وأبو الصلاح: يلزم الاستبراء (2).
وقال الجعفي: والغسل من الجنابة أن يبول، ويجتهد فينتر إحليله. وقال
ابنا بابويه: فاجهد أن تبول (3).
وفي من لا يحضره الفقيه: من ترك البول على أثر الجنابة، أوشك يردد بقية
الماء في بدنه، فيورثه الداء الذي لا دواء له (4). وهو مروي في الجعفريات عن النبي
(صلى الله عليه وآله) (5).
وابن البراج: يزيل النجاسة، ثم يجتهد في الاستبراء بالبول، فأن لم يأت
اجتهد (6).
وقال ابن الجنيد: يتعرض الجنب للبول، وإذا بال تخرط ونتر.
وظاهر صاحب الجامع الوجوب (7).
والأخبار إنما دلت وجوب الإعادة لو رأى بللا ولم يستبرئ، فلذلك نفى
وجوبها المرتضى وابن إدريس والفاضلان، مع قضية الأصل وموافقتهم على وجوب
الإعادة (8) فيما يذكر.
ولا بأس بالوجوب، محافظة على الغسل من طريان مزيله، ومصيرا إلى قول
معظم الأصحاب، وأخذا بالاحتياط

(1) المبسوط 1: 29، الوسيلة: 55، الغنية: 429.
(2) الكافي في الفقه: 133.
(3) الفقيه 1: 46، الهداية: 20.
(4) الفقيه 1: 46.
(5) الجعفريات: 21.
(6) المهذب 1: 45.
(7) الجامع للشرائع: 35.
(8) السرائر: 20 شرائع الاسلام 1: 28، المعتبر 1: 185، مختلف الشيعة: 32، تذكرة الفقهاء
1: 23.
230

التاسعة: لو اغتسل، ثم رأى بللا علمه منيا، اغتسل ثانيا للعموم.
ولو شك فيه، فان كان لم يبل أعاد الغسل، لأن الغالب تخلف أجزاء من
المني في مخرجه، وان كان قد بال لم يعد الغسل، لأن الغالب خروجه من البول وما
بقي من الحبائل، ولأن اليقين لا يرتفع بالشك، ولما رواه سليمان بن خالد عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، في رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شئ،
قال: (يعيد الغسل). قلت: المرأة يخرج منها بعد الغسل. قال: (لا تعيد).
قلت: فما الفرق؟ قال: (لان ما يخرج من المرأة انما هو من ماء الرجل) (1).
ونحوه رواية الحلبي عنه (عليه السلام)، بلفظ: البلل (2)، ورواية حريز
عن محمد عنه (عليه السلام): عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شئ
قال: (يغتسل ويعيد الصلاة، الا أن يكون بال قبل أن يغتسل، فإنه لا يعد
غسله)، قال محمد: قال أبو جعفر (عليه السلام): (من اغتسل وهو جنب قبل
أن يبول ثم وجد بللا (3) فليس ينتقض غسله ولكن عليه الوضوء (4)، ورواه
الصدوق بعد رواية إعادة الغسل مع ترك البول، ثم قال: إعادة الغسل أصل،
والخبر الثاني رخصة (5)، يعني: إعادة الوضوء.
ودل على إجزاء الاجتهاد رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه
السلام) في الرجل تصيبه الجنابة فينسي أن يبول حتى يغتسل، ثم يرى بعد

(1) الكافي 3: 49 ح 1، علل الشرائع: 287، التهذيب 1: 143 ح 404، 148 ح 420،
الاستبصار 1: 118 ح 399.
(2) الفقيه 1: 47 ح 186، التهذيب 1: 143 ح 405، الاستبصار 1: 118 ح 400.
(3) الرواية وردت في التهذيب والاستبصار بزيادة لفظها: (فقد انتقض غسله، وان كان بال ثم
اغتسل ثم وجد بللا)
والصدوق رواها كما في المتن، أي: من دون زيادة.
هذا ولعل نسخة مصدر المصنف كانت كما في المتن.
(4) التهذيب 1: 144 ح 407، الاستبصار 1: 199 ح 402.
(5) الفقيه 1: 47 ح 186، 187.
231

الغسل شيئا أيغتسل أيضا؟ قال: (لا، قد تعصرت ونزل من الحبائل) (1).
والشيخ حمله على أمرين: أحدهما أن يكون ذلك الشئ مذيا. والثاني
أن الناسي يعذر، لدلالة مضمر أحمد بن هلال عليه أيضا (2).
ويشكل: بان الخارج إذا حكم بأنه مني مع عدم البول، فكيف يعذر فيه
الناسي؟ إذ الأسباب لا يفترق فيها الناسي. والعامد. نعم، روى عبد الله بن هلال
وزيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام): ان تارك البول لا يعيد الغسل
برؤية شئ بعده، وفي خبر ابن هلال: أن ذلك مما وضعه الله عنه (3) وهذان ليس
فيهما للناسي ذكر فان صح عذره حملا عليه، وحملهما الأصحاب على من لم يتأت
له البول فاجتهد.
فخرج من هذا ان في الأخبار دلالة على أربعة أوجه:
أحدها: إعادة الغسل على كل من لم يبل ولم يجتهد، وعليه الأصحاب (4).
ونقل فيه ابن إدريس والفاضل الاجماع (5).
والثاني: ترك الإعادة على الاطلاق.
والثالث: إعادة الوضوء لا غير، وهو مفهوم كلام الصدوق (6).
والرابع: إعادة العامد الغسل بناء على أن الإعادة عقوبة على تعمد
الاخلال بالواجب مع اشتباه الخارج، فمع النسيان يزول أحد جزئي السبب فلا
يؤثر في الإعادة، وهذا يؤيد وجوب الاستبراء، هذا في تارك البول
العاشرة: لو بال ولم يستبرئ ورأى بللا توضأ، لأن الغالب أن البول يدفع

(1) التهذيب 1: 145 ح 409، الاستبصار 1: 120 ح 406.
(2) التهذيب 1: 145، الاستبصار 1: 120، ومضمر بن هلال فيهما برقم 410، 407.
(3) التهذيب 1: 145 ح 411، 412، الاستبصار 1: 119 ح 404، 405.
(4) راجع: المقنعة: 6، النهاية: 22، المهذب 1: 45، شرائع الاسلام 1: 28.
(5) السرائر 22، اما المحقق ففي الشرائع 1: 28، ومختصر النافع: 9، والمعتبر 1: 193 ولكن لم
ينقل الاجماع وكذا العلامة في التحرير 1: 13 وسائر كتبه.
(6) المقنع: 13، الفقيه 1: 47 ح 187.
232

أجزاء المني فيزول احتماله، ولم يحصل الاستبراء المزيل لبقية البول فيبقى احتماله،
ولرواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سمعه يقول في رجل
رأى بعد الغسل شيئا: (إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضأ، وان لم يبل
حتى اغتسل ثم وجد البلل فليعد الغسل) (1).
والشيخ تارة حمله على أن يكون ما خرج منه بولا، وتارة على استحباب
الوضوء.
قلت: هذان الحملان ظاهرهما أنه لا يجب مع الاشتباه شئ.
وقد روى في باب الاستنجاء عن عبد الملك بن عمرو بفتح العين
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك
بللا، قال: (إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأثنيين ثلاث مرات، وغمز ما بينهما،
ثم استنجى، فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي) (2).
وكذا حديث حفص بن البختري بالباء الموحدة تحت، والخاء المعجمة
عنه (عليه السلام) (3).
وحديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام). بعد
الاستبراء: (وان خرج بعد ذلك شئ، فليس من البول، ولكنه من الحبائل) (4).
ومفهوم هذه الأخبار أنه لو لم يستبرئ حكم بالنقض، بل قد روي إعادة
الوضوء بالخارج بعد الاستبراء، رواه الصفار عن محمد بن عيسى، قال: كتب
إليه رجل، هل يجب الوضوء مما يخرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب: (نعم) (5)
وحملها الشيخ على الندب، فكتب ينتفي الوجوب مع الاشتباه وعدم الاستبراء
؟

(1) التهذيب 1: 144 ح 408، الاستبصار 1: 119 ح 403.
(2) الفقيه 1: 39 ح 148، التهذيب 1: 20 ح 50، الاستبصار 1: 94 ح 303.
(3) التهذيب 1: 27 ح 70، الاستبصار 1: 48 ح 136.
(4) الكافي 3: 19 ح 1، التهذيب 1: 28 ح 71، 356 ح 1063، الاستبصار 1: 49 ح 137.
(5) التهذيب 1: 28 ح 72، الاستبصار 1: 49 ح 138.
233

مع أن الشيخ والجماعة مفتون بانتقاض الوضوء بالبلل إذا لم يستبرئ، صرح بذلك
في المبسوط في باب الاستنجاء (1)، ونقل ابن إدريس فيه الاجماع (2)، وكذا نقل
الاجماع على عدم انتقاض الوضوء لو استبرأ ثم رأى البلل (3).
الحادية عشر: لو بال الجنب واستبرأ، ثم رأى بللا بعد الغسل، فلا إعادة
لغسل ولا وضوء، لحصول الاستظهار بطرفيه، وقد دلت الاخبار عليه (4).
فروع:
الأول: لا يكفي الاجتهاد الا مع عدم إمكان البول، وقد دل عليه ما
سلف.
الثاني: انما يجب الاستبراء أو يستحب وتتعلق به والأحكام للمنزل. أما
المولج بغير إنزال فلا، لعدم سببه. هذا مع تيقن عدم الانزال، ولو جوزه أمكن
استحباب الاستبراء أخذا بالاحتياط، أما وجوب الغسل بالبلل فلا، لأن اليقين
لا يرفع بالشك.
الثالث: اختلف الأصحاب في استبراء المرأة.
فظاهر: المبسوط والجمل وابن البراج في الكامل انه لا استبراء عليها (5)
وأطلق أبو الصلاح الاستبراء (6).
وابنا بابويه والجعفي لم يذكروا المرأة.
والفاضل: لا استبراء عليها، لعدم غايته، لتغاير مخرجي البول والمني

(1) المبسوط 1: 18.
(2) السرائر: 16.
(3) السرائر: 17
(4) راجع: الفقيه 1: 39 ح 148، التهذيب 1: 20 ح 50، الاستبصار 1: 48 ح 136.
(5) المبسوط 1: 29، الجمل والقعود: 161.
(6) الكافي في الفقه: 133.
234

منها (1)، وكذا علل به الراوندي في الرائع.
وفي المقنعة: تستبرئ المرأة بالبول، فان لم يتيسر لها ذلك فلا شئ عليها (2).
وفي النهاية سوى بين الرجل والمرأة في الاستبراء بالبول أو الاجتهاد (3).
وابن الجنيد: إذا بالت تنحنحت بعد بولها، ذكره في سياق غسل الجنابة.
ولعل المخرجين وان تغايرا، يؤثر خروج البول في خروج ما تخلف في المخرج
الآخر ان كان، وخصوصا مع الاجتهاد.
فظاهر الأخبار تشهد للقول الأول، مع قضية الأصل. فحينئذ لو رأت بللا
بعد الغسل أمكن تنزيله على استبراء الرجل لو قلنا باستبرائها، ولو قلنا بالعدم
أمكن أن تكون كرجل لم يستبرأ فتعيد حيث يعيد، وأن تكون كمن استبرأ لان
اليقين لا يرفع بالشك ولم يصدر منها تفريط. هذا إذا لم يعلم أن الخارج مني.
ولو علم أنه مني فقد دل الخبر السابق على أن الذي يخرج منها انما هو مني
الرجل (4). وقطع ابن إدريس بوجوب الغسل إذا علمت أن الخارج مني، ولم يعتد
بالرواية، لعموم: (الماء من الماء)، قال: ولو لم تعلمه منيا فلا غسل عليها وان لم
تستبرئ (5) وكأنه نظر إلى اختلاط المنيين غالبا.
أما لو اشتبه المنيان فالوجوب قوي، أخذا بعموم: (إنما الماء من الماء) (6)
وشبهه، وقد مر. وعلى قول ابن إدريس لا إشكال في وجوب الغسل.

(1) مختلف الشيعة: 32.
(2) المقنعة: 6.
(3) النهاية: 21.
(4) تقدم في ص 231 الهامش 1.
(5) السرائر: 22.
والرواية في: مسند أحمد 3: 29، سنن ابن ماجة 1: 199 ح 607، سنن أبي داود 1: 56
ح 217، الجامع الصحيح 1: 186 ح 112، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2: 249
ح 1183، شرح المعاني الآثار 1: 54.
(6) مسند أحمد 3: 47، صحيح مسلم 1: 269 ح 343، مسند أبي يعلى 2: 432 ح 1236.
235

الرابع: هذا المني الخارج أو المشتبه مع عدم الاستبراء حدث جديد،
فالعبادة الواقعة قبله صحيحة لاستجماعها للشرائط. ونقل ابن إدريس عن بعض
الأصحاب إعادة الصلاة، ورده (1) ولعل المستند الحديث المتقدم عن محمد (2) وهو
ابن مسلم ويمكن حمله على الاستحباب، أو على من صلى بعد أن وجد بللا
حصل بعد الغسل.
وربما تخيل فساد الغسل الأول، لأن المني باق بحاله في مخرجه لا في مقره،
كما قاله بعض العامة. وهو خيال ضعيف، لان المتعبد به هو الغسل مما خرج
لا مما بقي، ولهذا لو حبسه لم يجب به الغسل الا بعد خروجه عندنا (3) وعند
أكثرهم (4).
المسألة الثانية عشرة: لا يجب إيصال الماء إلى باطن الفم والأنف
بالمضمضة والاستنشاق عندنا، للحديث السالف (5)، ولا يستحب إعادة الغسل
لتاركهما. نعم، مقطوع الأنف والشفتين يجب أن يغسل ما ظهر بالقطع، لالتحاقه
بالظاهر، ولا عبرة بكونه باطنا بالأصالة.
ويجب غسل ما ظهر من صماخ الاذن، لأنه من البشرة، وعليه نبه الشيخان
والصدوق بقولهم: ويخلل اذنيه بإصبعيه (6) ولا يجب تتبع الباطن من
الصماخين.
ويجب غسل ما يبدو من الشقوق في البدن، وما تحت القلفة (7) بضم

(1) السرائر: 22.
(2) تقدم في ص 231 الهامش 4.
(3) المعتبر 1: 178، نهاية الأحكام 1: 100.
(4) المجموع 2: 140، المغني 1: 231، الشرح الكبير 1: 233.
(5) تقدم في صفحة 217 الهامش 7.
(6) المقنعة: 6، النهاية: 21، الفقيه 1: 49.
(7) القلفة: الجلدة التي تقطع في الختان، مجمع البحرين مادة القلف.
236

القاف وسكون اللام ونفس القلفة، الا ان يكون مرتتقا فيغسل الظاهر.
الثالثة عشرة: المرأة كالرجل في جميع ما ذكر. نعم، ينبغي لها المبالغة في
تخليل الشعر. ولو توقف الوصول إلى البشرة إلى حل الضفائر وجب وإلا فلا، وقد
سلفت الرواية (1).
وقال المفيد: إن كان الشعر مشدودا حلته (2). وحمله في التهذيب على توقف
وصول الماء عليه، لأن الواجب غسل البشرة والشعر لا يسمى بشرة (3). ولا يجب عليها إيصال الماء إلى باطن الفرج، بكرا كانت أو ثيبا، للأصل،
ولأنه من البواطن. ويمكن وجوب غسل ما يبدو من الفرج عند الجلوس لقضاء
الحاجة، لأنه في حكم الظاهر كالشقوق.
ولا فرق بين الجنب والحائض، في عدم وجوب نقض الضفائر إذا وصل
الماء إلى البشرة، لأن الواجب في الغسلين متعلق بالبشرة لا بالشعر.

(1) تقدمت في ص 228 الهامش 3.
(2) المقنعة: 6.
(3) التهذيب 1: 147.
237

البحث الثاني: في مستحباته.
وهي ثلاثة عشر.
الأول: التسمية، ذكرها الجعفي.
وقال المفيد: يسمي الله عز وجل عند اغتساله ويمجده ويسبحه (1) ونحوه
قال ابن البراج في المهذب (2).
والأكثر لم يذكروها في الغسل، والظاهر: انهم اكتفوا بذكرها في الوضوء، تنبيها بالأدنى على الأعلى. وخبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): (إذا وضعت
يدك في الماء فقل: باسم الله وبالله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من
المتطهرين) (3). يشمل ذلك.
ومنع منها بعض العامة بناء على أنها قرآن، وان القرآن على الإطلاق يمنع
منه ذو الحدث الإكبر (4) والمقدمتان ممنوعتان.
الثاني: غسل اليدين ثلاثا من الزندين، للخبر المذكور في الوضوء، فإنه
تضمن ثلاثا من الجنابة (5). وقال الجعفي: يغسلهما إلى المرفقين أو إلى نصفهما، لما فيه من المبالغة في
التنظيف، والأخذ بالاحتياط، ولخبر أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن (عليه
السلام) عن غسل الجنابة، فقال (تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى
أصابعك) (6).

(1) المقنعة: 6
(2) المهذب 1: 46.
(3) التهذيب 1: 76 ح 192.
(4) الأذكار للنووي: 39، المجموع 2: 181.
(5) تقدم في ص 109 الهامش 2، 3.
(6) التهذيب 1: 131 ح 363، الاستبصار 1: 123 ح 419.
238

وروى سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام): (إذا أصاب الرجل جنابة،
فأراد أن يغتسل، فليفرغ على كفيه فليغسلهما دون المرفق) (1).
وصرح الفاضل هنا باستحباب غسل اليدين وان كان مرتمسا، أو تحت
المطر، أو مغتسلا من إناء يصبه عليه من غير إدخال، محتجا بأنه من سنن الغسل،
ولقول أحدهما (عليهما السلام) في غسل الجنابة: (تبدأ بكفيك) (2).
الثالث: المضمضة والاستنشاق ثلاثا
ثلاثا، لخبر زرارة عن أبي عبد الله
(عليه السلام): (تبدأ فتغسل كفيك، ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل
فرجك، ثم تتمضمض وتستنشق) (3). وفي رواية أبي بصير عنه (عليه السلام):
(تصب على يديك الماء فتغسل كفيك، ثم تدخل يدك فتغسل فرجك، ثم
تتمضمض وتستنشق) (4). وفيهما دلالة على الاجتزاء بالغسل إلى الزند، لأنه حد
الكف.
واما خبر أبي بكر الحضرمي عنه (عليه السلام): (ليس عليك مضمضة ولا
استنشاق، لأنهما من الجوف) (5).
وخبر أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عنه (عليه السلام) في الجنب
يتمضمض قال: (لا، ان الجنب الظاهر) (6).
وخبر الحسن بن راشد قال: قال الفقيه العسكري (عليه السلام): (ليس
في الغسل، ولا في الوضوء، مضمضة ولا استنشاق) (7).

(1) التهذيب 1: 132 ح 364.
(2) نهاية الأحكام 1: 110.
والخبر في الكافي 3: 43 ح 1، التهذيب 1: 132 ح 365، الاستبصار 1: 123 ح 420.
(3) التهذيب 1: 370 ح 1131.
(4) التهذيب 1: 131 ح 362، الاستبصار 1: 118 ح 398.
(5) الكافي 3: 24 ح 3، التهذيب 1: 78 ح 201، 131 ح 359، الاستبصار 1: 117 ح 395.
(6) التهذيب 1: 131 ح 360، الاستبصار 1: 118 ح 396، بلفظ: (انما يجنب).
(7) التهذيب 1: 131 ح 361، الاستبصار 1: 118 ح 397.
239

فالمراد نفي الوجوب الذي يقوله كثير من العامة (1) توفيقا بين الاخبار.
الرابع: الدلك باليدين، لما فيه من المبالغة في الايصال.
الخامس: تخليل ما يصل إليه الماء بدون التخليل استظهارا، كالشعر
الخفيف، ومعاطف الآذان، والإبطين، والسرة، وعكن البطن في السمين، وما
تحت ثديي المرأة.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): (فأما النساء اليوم
فقد ينبغي أن يبالغن في الماء) (2). ومنه يعلم استحباب نقض المرأة الضفائر، وكذا
في خبر جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام): (يبالغن في الغسل) (3).
وأما ما رواه إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)،
قال: (كن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) إذا اغتسلن من الجنابة، يبقين صفرة
الطيب على أجسادهن، وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمرهن أن يصببن
الماء صبا على أجسادهن) (4).
وما رواه إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا (عليه السلام): الرجل
يختضب فيصيب جسده ورأسه الخلوق الطيب والشئ اللكد مثل علك الروم
وما أشبه فيغتسل، فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق والطيب
وغير ذلك، فقال: (لا بأس) (5).
قلت: الخلوق بفتح الخاء وضم اللام ضرب من الطيب. واللكد
اللاصق بعضه ببعض، يقال لكد عليه لكدا بفتح الكاف في المصدر وكسرها في
الفعل إذا لصق به، وتلكد الشئ لزم بعضه بعضا.

(1) المجموع 1: 356، فتح العزيز 1: 396، الوجيز 1: 13، المغني 1: 132.
(2) التهذيب 1: 147 ح 418.
(3) الكافي 3: 45 ح 17، التهذيب 1: 147 ح 418.
(4) علل الشرائع: 293، التهذيب 1: 369 ح 1123.
(5) الكافي 3: 51 ح 7، التهذيب 1: 130 ح 356.
240

وهذا الحديثان لا يدلان على نفي استحباب التخليل، فان غايتهما ان
ذلك غير قادح في صحة الغسل ونحن نقول به.
السادس: الغسل بصاع، لخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه
السلام)، انه قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغتسل بصاع من ماء،
ويتوضأ بمد) (1). وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (2).
وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): (كان رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع. والمد: رطل ونصف، والصاع: ستة
أرطال) (3)، يعني: أرطال المدينة فيكون تسعة أرطال بالعراقي، كذا ذكره الشيخ في
التهذيب، وأسند ما تقدم في الوضوء من تقدير ابن بابويه الصاع بخمسة أمداد (4)
عن سليمان بن حفص المروزي، قال أبو الحسن (عليه السلام): (الغسل
بصاع من ماء، والوضوء بمد من ماء. وصاع النبي صلى الله عليه وآله خمسة
أمداد)... إلى آخره (5)، ذكره بسندين عن سليمان.
وروى عن سماعة. قال: سألته عن الذي يجزئ من الماء للغسل، فقال:
(اغتسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصاع، وتوضأ بمد. وكان الصاع على
عهده خمسة أرطال، وكان المد قدر رطل وثلاث أواق) (6).
وقال البزنطي: ويجزئ من العسل صاع وهو خمسة أرطال، وبعض
أصحابنا ينقل ستة أرطال برطل الكوفة، وللوضوء مد من ماء، والمد رطل وربع.
قال: والطامث تغتسل بتسعة أرطال. وهذا يخالف المشهور في تقدير الصاع.
ولا ريب أن الواجب مسمى الغسل فقد روى هارون بن حمزة الغنوي

(1) التهذيب 1: 136 ح 377.
(2) التهذيب 1: 136 ح 378، الاستبصار 1: 120 ح 408.
(3) التهذيب 1: 136 ح 378، الاستبصار 1: 121 ح 409.
(4) تقدم من ص 187 الهامش 1.
(5) التهذيب 1: 135 ح 374، 375، الاستبصار 1: 121 ح 410.
(6) التهذيب 1: 136 ح 376، الاستبصار 1: 121 ح 411.
241

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (يجزئك من الغسل والاستنجاء ما بللت
يدك) (1).
وعن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه: (أن عليا
(عليه السلام) كان يقول: الغسل من الجنابة والوضوء يجزئ منه ما أجزأ من
الدهن الذي يبل الجسد)، وقد تقدم (2) فلا يتقدر بقدر، فالقليل كاف مع
الرفق، ولا يكفي الكثير مع الخرق.
وقيد المفيد الدهن بالضرورة، كشدة البرد وعوز الماء (3). والظاهر أنه أراد:
أنه مع عدم الضرورة يكون تاركا للأفضل بالاقتصار على الدهن، أو أراد به دهنا
لا يجري على العضو، فيكون التقيد بالضرورة حقيقة في موضوعه.
وقد تظافرت الأخبار بالأكف، كخبر سماعة عن أبي عبد الله (عليه
السلام): (ثم ليصب على رأسه ثلاث مرات ملأ كفيه (4) يضرب بكف من ماء
على صدره، وكف بين كتفيه) (5)
وفى خبر زرارة: ثلاث أكف للرأس، وللأيمن مرتين، وللأيسر مرتين (6).
وقال المفيد: يأخذ كفا من الماء بيمينه، فيضعه على أم رأسه ويغسله به،
ويميز الشعر حتى يصل إلى أصوله، وان أخذ بكفيه كان أسبغ، فان أتى على
غسل رأسه ولحيته وعنقه إلى أصل كتفه والا غسل بكف آخر. ثم يغسل جانبه
الأيمن من أصل عنقه إلى تحت قدمه اليمنى بمقدار ثلاث أكف ما زاد، ثم

(1) الكافي 3: 22 ح 6، التهذيب 1: 138 ح 386، الاستبصار 1: 122 ح 415.
(2) التهذيب 1: 138 ح 385، الاستبصار 1: 122 ح 414.
وقد تقدم في ص 216 الهامش 3.
(3) المقنعة: 6.
(4) في المصدر زيادة: (ثم).
(5) التهذيب 1: 132 ح 364.
(6) الكافي 3: 43 ح 3.
242

الأيسر كذلك (1).
والشيخ وجماعة ذكروا استحباب صاع فما زاد (2)، والظاهر: أنه مقيد بعدم
أدائه إلى السرف المنهي عنه.
السابع: تكرار الغسل ثلاثا في كل عضو، قاله جماعة من الأصحاب، لما
فيه من الاسباغ، ولدلالة الصاع عليه، وكذا ثلاث الأكف. ولا ينافيه ذكر
المرتين، لامكان إرادة المستحب غير المؤكد في المرتين.
وابن الجنيد حكم بغسل رأسه ثلاثا، واجتزأ بالدهن في البدن، قال: ولا
أختار إيثار ذلك مع امكان الماء. واستحب ابن الجنيد أيضا للمرتمس ثلاث
غوصات، يخلل شعره ويمسح سائر جسده بيده عقيب كل غوصة. ولا بأس به،
لما فيه من صور التكرار ثلاثا حقيقة وان كان الارتماس يأتي على ذلك.
الثامن: الموالاة، لما فيه من المبادرة إلى الواجب، والتحفظ من طريان
المفسد في الغسل، وقد عدها جماعة من الأصحاب في المستحب، ولأن المعلوم
من صاحب الشرع وذريته المعصومين فعل ذلك.
التاسع: الدعاء، لما رواه محمد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام):
(تقول في غسل الجمعة: اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق ديني، وتبطل عملي.
وتقول في غسل الجنابة: اللهم طهر قلبي، وزك عملي (3)، واجعل ما عندك خيرا
لي. اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين) (4).
وفي المصباح، تقول عند الغسل: اللهم طهرني وطهر قلبي، واشرح لي
صدري، وأجر على لساني مدحتك والثناء عليك. اللهم اجعله لي طهورا وشفاء

(1) المقنعة: 6.
(2) الجمل والعقود: 161، مصباح المتهجد: 9، الوسيلة: 56، المعتبر 1: 186، منتهى المطلب
1: 86.
(3) في المصدرين زيادة: (وتقبل سعيي).
(4) التهذيب 1: 146 ح 414، 415، وقطعة منه في الكافي 3: 43 ح 4، باختلاف يسير.
243

ونورا، إنك على كل شئ قدير (1).
وقال المفيد: إذا فرغ من غسله فليقل: اللهم طهر قلبي... إلى آخر ما
مر (2). ولعل استحباب الدعاء (3) شامل حال الاغتسال وبعده.
وقال ابن بابويه: قال الصادق (عليه السلام): (من اغتسل للجمعة
فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد ان محمدا عبده
ورسوله. اللهم صل على محمد وآله محمد، واجعلني من التوابين، واجعلني من
المتطهرين، كان طهرا من الجمعة إلى الجمعة) (4).
العاشر: الأقرب: استحباب غسل المسترسل من الشعر، لدلالة فحوى
خبر: (من ترك شعرة من الجنابة) (5) عليه.
الحادي عشر: ترك الاستعانة، لما ذكر في الوضوء.
وقول ابن الجنيد هنا يناسب قوله في الوضوء، حيث قال: وان كان غيره
يصب عليه الماء من إناء متصل الصب، أو كان تحت أنبوب، قطع ذلك ثلاث
مرات، يفصل بينهن بتخليل الشعر بكلا يديه. فظاهره جواز مباشرة الغير.
ويرده: قوله تعالى: (حتى تغسلوا وان كنتم جنبا فاطهروا) (6) والاخبار
الظاهرة في تولي المكلف ذلك.
الثاني عشر: حكم الفاضل رحمه الله باستحباب تخليل المعاطف
والغضون، ومنابت الشعر والخاتم والسير قبل إفاضة الماء للغسل، ليكون أبعد
من الاسراف، وأقرب إلى ظن وصول الماء (7)، وقد نبه عليه قدماء الأصحاب.

(1) مصباح المتهجد: 9.
(2) المقنعة: 6.
(3) في م: الغسل.
(4) الفقيه 1: 61 ح 228.
(5) تقدم في ص 217 الهامش 4.
(6) المائدة: 6.
(7) نهاية الاحكام 1: 109.
244

وعد البدأة بغسل ما على جسده من الأذى والنجاسة من المستحب (1).
ويشكل بما مر.
فان احتج برواية حكم بن حكيم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن غسل الجنابة، فقال (أفض على كفك اليمنى من الماء فاغسلها، ثم اغسل
ما أصاب جسدك من اذى، ثم اغسل فرجك، وأفض على رأسك وجسدك) (2)
حيث عطفه على المستحب وجعله مقدمة للغسل.
فالجواب: أنه بصيغة الأمر، والأصل فيها الوجوب، فإذا خرج بعضها
بدليل بقي الباقي على أصله. وقطع بحصول الرفع والإزالة لو كان في ماء كثير، بخلاف القليل لانفعاله
بالنجاسة، واستثنى كون النجاسة في آخر العضو فإنها تطهره وترفع الحدث (3).
نعم، لو كان أذى غير النجاسة استحب تقديمه على الغسل.
الثالث عشر: لا يجب الترتيب في نفس العضو وان وجب بين الأعضاء،
لقضية الأصل. وبه قطع الفاضل (4) وهو ظاهر الأخبار حيث لم يذكر فيها تحديد
ولا غاية.
وهل يستحب غسل الأعلى فالأعلى؟ الظاهر: نعم، لأنه أقرب إلى التحفظ
من النسيان، ولأن الظاهر من صاحب الشرع فعل ذلك.
تتمة:
لا يستحب تجديد الغسل، للأصل، والاقتصار على مورد النص في تجديد
الوضوء، ولأن موجب الوضوء، أسباب شتى وبعضها قد يخفى فيحتاط فيه

(1) تذكرة الفقهاء 1: 23، نهاية الأحكام 1: 109.
(2) التهذيب 1: 139 ح 392.
(3) نهاية الأحكام 1: 109.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 25.
245

بالتجديد، بخلاف الغسل فإنه يبعد فيه ذلك، ولانتفاء المشقة فيه بخلاف
الغسل، فحينئذ لو نذر تجديد الغسل بنى على انعقاد نذر المباحات، وسيأتي إن
شاء الله تعالى.
246

البحث الثالث: في أحكامه.
وهي تظهر بمسائل:
الأولى: لا وضوء واجبا مع غسل الجنابة بخلاف غيره من الأغسال، كما
سلف.
وهل يستحب؟ أثبته في التهذيب، لخبر أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر
(عليه السلام)، قال: سألته كيف أصنع إذا أجنبت، قال: (إغسل كفيك
وفرجك، وتوضأ وضوء الصلاة، ثم اغتسل) (1) فحمله على الندب، لمعارضة
أخبار كثيرة له كمرسل ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام): (كل غسل قبله
وضوء، إلا غسل الجنابة) (2) وقوله (عليه السلام) في خبر حكم: (وأي وضوء أنقى
من الغسل وأبلغ) لما قال له: ان الناس يقولون: يتوضأ للصلاة (3).
قلت: الأولى حمله على التقية، لأن الأصحاب على خلافه.
وقد روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أن أهل الكوفة
يروون عن علي (عليه السلام) الوضوء قبل الغسل من الجنابة، قال: (كذبوا على
علي (عليه السلام)، ما وجد ذلك في كتاب علي (عليه السلام)، قال الله تعالى:
(وإن كنتم جنبا فاطهروا) (4).
وقد أرسل محمد بن أحمد بن يحيى: أن الوضوء قبل الغسل وبعده
بدعة (5). والشيخ ضعفه بالارسال والقطع، ثم حمله على اعتقاد فرضه قبل
الغسل.

(1) التهذيب 1: 140 ح 393، الاستبصار 1: 126 ح 429.
(2) الكافي 3: 45 ح 13، التهذيب 1: 139 ح 391، الاستبصار 1: 126 ح 430.
(3) التهذيب 1: 139 ح 392.
(4) التهذيب 1: 139 ح 389، 142 ح 400، الاستبصار 1: 125 ح 426.
(5) التهذيب 1: 140 ح 394، الاستبصار 1: 126 ح 430.
247

وفي رواية عبد الله بن سليمان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: (الوضوء بعد الغسل بدعة) (1). ومثله خبر سليمان بن خالد عن أبي جعفر
(عليه السلام) (2).
الثانية: لو أحدث المجنب في أثناء غسله حدثا أصغر فلا نص مشهورا
فيه، واختلف في كلام الأصحاب:
فأوجب ابنا بابويه والشيخ في النهاية الإعادة (3). وقد قيل إنه مروي عن
الصادق (عليه السلام) في كتاب عرض المجالس للصدوق، ولأن الحدث
ناقض للطهارة بعد الكمال فقبله أولى وانتقاضها يبقيه على حكم الجنابة الموجبة
للغسل.
ويشكل: بأنه بعد الكمال أثره إيجاب الوضوء لا غير، فليكن كذلك قبله.
وبقاؤه على حكم الجنابة بعد الحدث محل النزاع، فلذلك أوجب المرتضى الوضوء
بعد الغسل (4).
وخرج ابن البراج الاقتصار على اتمام الغسل، لأنه لا أثر للأصغر مع
الأكبر (5).
وفي المبسوط أفتي بالإعادة، ثم نقل الوضوء (6)، وهو يشعر بتوقفه.
والأقرب الأول، لامتناع الوضوء في غسل الجنابة عملا بالاخبار المطلقة،
وامتناع خلو الحدث عن أثر هنا مع تأثيره بعد الكمال.

(1) الكافي 3: 45 ح 12، التهذيب 1: 140 ح 395.
(2) التهذيب 1: 140 ح 396.
(3) الفقيه 1: 49، الهداية: 21، النهاية: 22.
(4) مختلف الشيعة: 32.
(5) جواهر الفقه: 473.
(6) المبسوط 1: 30.
248

فروع ثلاثة:
الأول: لو كان الحدث من المرتمس، فان قلنا بسقوط الترتيب حكما، فان
وقع بعد ملاقاة الماء جميع البدن أوجب الوضوء لا غير، والا فليس له اثر. وان قلنا
بوجوب الترتيب الحكمي القصدي، فهو كالمرتب وان قلنا بحصوله في نفسه
وفسرناه بتفسير الاستبصار (1) أمكن انسحاب البحث فيه.
الثاني: لو تخلل الحدث الغسل المكمل بالوضوء، أمكن المساواة في طرد
الخلاف، وأولوية الاجتزاء بالوضوء هنا، لأن له مدخلا في اكمال الرفع أو
الاستباحة، وبه قطع الفاضل في النهاية مع حكمه بالإعادة في غسل الجنابة (2).
الثالث: لو أحدث غير المجنب بعد غسله فلا شئ سوى الوضوء. وتخيل:
بقاء الحدث الأكبر فتنسحب الأقوال، ضعيف، لمنعه أولا، وحكم الشارع باكماله
بالوضوء ثانيا بتقدير بقائه، ولزوم وضوئين على قول الوضوء هناك ثالثا.
ولو قدم الوضوء فأحدث بعده قبل الغسل، انتقض الوضوء فيعيده قبل
الغسل أو بعده، لعدم تأثيره بعد الحدث.
الثالثة: ماء الغسل على الزوج في الأقرب لأنه من جملة النفقة، فعليه
نقله إليها ولو بالثمن، أو يمكنها (3) من الانتقال إليه، فلو احتاج إلى عوض كالحمام
فالأقرب: وجوبه عليه أيضا مع تعذر غيره، دفعا لضرر.
ووجه العدم: ان ذلك مؤنة التمكين الواجب عليها. وربما فرق بين ماء غسل
الجنابة وغيره إذا كان سبب الجنابة من الزوج.
وأما الأمة، فالأقرب: أنها كالزوجة، لأنه مؤنة محضة، وانتقالها إلى التيمم

(1) تقدم في ص: 224، هامش 3.
(2) نهاية الأحكام 1: 114.
(3) في س: تمكينها.
249

مع وجود الماء بعيد، وحمله على دم التمتع قياس من غير جامع، ويعارض بوجوب
فطرتها فكذا ماء طهارتها.
ولو عجزتا عن المباشرة، فالأقرب: وجوب الإعانة عليه، لمثل ما قلناه.
الرابعة: لو توضأ المجنب غير معتقد للشرعية فلا إثم، ولو اعتقدها بني
على ما مر.
ولو اعتقد تكميل الغسل بالوضوء أبدع ولم يخرج عن الاجزاء، قاله جماعة
من الأصحاب (1) لحصول الرافع بكماله. ويمكن البطلان، لقصور نيته في الغسل
بحسب معتقده، والفرق بين تقدم الوضوء وتأخيره، لأن النية جازمة باستباحة
الصلاة إذا تقدمه الوضوء بخلاف ما إذا تأخر.
الخامسة: المرتد يجب عليه الغسل عند سببه كالكافر بل أولى، لالتزامه بحكم
الاسلام، ولا يصح منه مرتدا، لعدم التقرب.
ولو ارتد في أثناء الغسل لم يبطل فيما مضى، فلو عاد بنى بنية مستأنفة،
والظاهر: أنه لا يجب عليه طهارة بدنه، كالكافر إذا أسلم. ولو ارتد بعد الغسل
لم يؤثر في ابطاله على الأصح، وتحقيقه في الكلام.

(1) لاحظ: النهاية: 23، نهاية الأحكام 1: 112، تذكرة الفقهاء 1: 24.
250

المطلب الثالث: في التيمم.
وفيه الأبحاث الثلاثة.
فالأول في واجبه: وهو ايقاعه في وقت الصلاة، فلا يجوز تقديمه عليه
اجماعا منا، للآية الدالة على وجوبه بإرادة الصلاة (1) ونفي الجواز علم من حيث أنه
بدل عن الطهارة المائية فموضعه الضرورة، ولا ضرورة قبل دخول الوقت.
ولقول النبي (صلى الله عليه وآله): (أينما أدركتني الصلاة تيممت
وصليت) (2) علق التيمم على إدراك الوقت، وهو كالآية في الدلالة.
فلو تيمم قبل الوقت لم ينعقد فرضا ولا نفلا، لعدم شرعيته. نعم، لو تيمم
لاستباحة نافلة صح نفلا وذلك وقتها. ومن عليه فائته فالأوقات كلها صالحة
لتيممه.
ولا يشترط التذكر في دخول الوقت. نعم، هو شرط في نية الوجوب. وقول
النبي (صلى الله عليه وآله): (فليصلها إذا ذكرها، فان ذلك وقتها) (3) لا ينفي ما
عداه.
فروع: الأول: لو تيمم لفائتة ضحى صح التيمم، ويؤديها به وغيرها ما لم ينتقض
تيممه عندنا، لما يأتي من استباحة ما يستباح بالمائية عند التيمم، فإذا دخل الوقت
ربما بني على السعة والضيق في التيمم.
الثاني: تيمم للآية كالكسوف بحصولها.
وللجنازة بحضورها، لأنه وقت الخطاب بالصلاة. ويمكن دخول وقتها

(1) سورة النساء: 43.
(2) مسند أحمد 2: 222، السنن الكبرى 1: 222.
(3) سنن الدارقطني 1: 423، السنن الكبرى 2: 219، وراجع تلخيص الحبير 2: 349.
251

بتغسيله، لإباحتها حينئذ وان لم يهيأ للصلاة. بل يمكن دخول وقتها بموته، لأنه
الموجب للصلاة وغيرها من احكام الميت.
الثالث: يتيمم للاستسقاء باجماع الناس في المصلى، ولا يتوقف على
اصطفافهم. والأقرب: جوازه بإرادة الخروج إلى الصحراء، لأنه كالشروع في
المقدمات. بل يمكن بطلوع الشمس في اليوم الثالث، لان السبب الاستسقاء
وهذا وقت الخروج فيه. اما النوافل الرواتب فلأوقاتها، وغير الرواتب فلإرادة
فعلها.
فلو تيمم قبل هذه الأسباب لم يعتد به، لعدم الحاجة إليه.
الرابع: لو شك في دخول الوقت لم يتيمم، لا صالة عدم الدخول. ولو ظن
الدخول، ولا طريق إلى العلم، تيمم. فلو ظهر عدمه فالأقرب: البطلان،
لظهور خطأ الظن.
الخامس: لو تيمم في الأوقات المكروهة لابتداء النوافل إرادة التنقل،
فالظاهر: الصحة، لان الكراهة لا تنفي الانعقاد.
وقطع في المعتبر بعدم التيمم في أوقات النهي (1) وتبعه في التذكرة (2)
وهو مذهب العامة (3).
واختلف الأصحاب في صحته مع سعة وقت الصلاة، فصار إليه
الصدوق (4) والجعفي في ظاهر كلامه لعموم: (فلم تجدوا) 5) (وأينما أدركتني) (6). ولدلالة الأخبار على عدم إعادة واجد الماء في الوقت، فهو مستلزم

(1) المعتبر 1: 383.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 66.
(3) المجموع 2: 241.
(4) الفقيه 1: 58، المقنع: 8، الهداية: 19.
(5) سورة النساء: 43.
(6) مسند أحمد 2: 222، السنن الكبرى 1: 222.
252

للتيمم مع السعة، كخبر زرارة الصحيح عن الباقر (عليه السلام)، قلت: إن
أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت، قال: (تمت صلاته ولا إعادة
عليه (1). وعن معاوية بن ميسرة عن الصادق (عليه السلام): ثم اتى بالماء وعليه
شئ من الوقت: (يمضي على صلاته، فان رب الماء رب التراب) (2). ولأنه بدل
فصح مع السعة كالمبدل منه.
والأكثر على مراعاة ضيق الوقت صرحوا به. وقال البزنطي في الجامع: لا
ينبغي لأحد ان يتيمم الا في آخر وقت الصلاة (3) وهو غير صريح في ذلك. وقد
نقل السيد الاجماع في الناصرية والانتصار على اعتبار التضيق (4) والشيخ في
الخلاف لم يحتج به هنا (5)، ولعله نظر إلى خلاف الصدوق، وعدم تصريح المفيد
في المقنعة به، وفي الأركان لم يذكره، وكذا ابن بابويه في الرسالة.
واعتبر ابن الجنيد في التأخر الطمع في التمكن من الماء، فان تيقن أو ظن
فوته إلى آخر الوقت فالأحب التيمم في أوله (6). وابن أبي عقيل في كلامه إلمام به،
حيث قال: لا يجوز لأحد أن يتيم الا في آخر الوقت، رجاء أن يصيب الماء قبل
خروج الوقت (7).
والفاضلان صوبا هذا التفصيل، لان فيه جمعا بين الأدلة (8) والشيخ في
الخلاف نفاه صريحا (9).

(1) التهذيب 1: 194 ح 562، الاستبصار 1: 160 ح 552.
(2) الفقيه 1: 59 ح 220، التهذيب 1: 195 ح 564، الاستبصار 1: 160 ح 554.
(3) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1: 383.
(4) الانتصار: 31، الناصريات: 225 المسألة 51.
(5) لاحظ: الخلاف 1: 146 المسألة 94.
(6) حكاه عنهما: المحقق في المعتبر 1: 383، والعلامة في المختلف الشيعة: 47.
(7) حكاه عنهما: المحقق في المعتبر 1: 383، والعلامة في مختلف الشيعة: 54.
(8) المعتبر 1: 392، مختلف الشيعة: 47.
(9) الخلاف 1: 163 المسألة 114.
253

فان قلنا به، تيمم المريض والكسير الذي لا يمكنه استعمال الماء، ولا يظن
زوال عذره وقت الصلاة في أول الوقت، لعدم الطمع في استعمال الماء.
واعتمد في التهذيب على:
رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام): (إذا لم يجد المسافر الماء فيطلب
ما دام في الوقت، فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتمم وليصل في آخر الوقت) (1).
ورواية محمد بن مسلم، قال: سمعته يقول: (إذا لم يجد الماء وأردت التيمم
فأخر التيمم إلى آخر الوقت، فان فاتك الماء لم تفتك الأرض) (2).
ورواية عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام): (فإذا تيمم الرجل
فليكن ذلك في آخر الوقت، فان فاته الماء فلن تفوته الأرض) (3).
وهذه مع سلامة سندها ودلالتها ظاهرها توقع الماء، لأن الطلب يؤذن
بامكان الظفر والا كان عبثا.
وأكثر الأخبار مطلقة فان ثبت تقييد حملت عليه، وقد تقدم حجة
الصدوق، ويضاف إليها أيضا رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في
رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت، فقال: (ليس عليه إعادة
الصلاة) (4). وتأولها الشيخ بان المراد من الصلاة دخوله فيها لا فراغه، أو أن المراد
أن تيممه وصلاته كانا في الوقت لا أنه أصاب الماء في الوقت (5). وهو من
التأويلات البعيدة، ولو حملها على ظن ضيق الوقت فيظهر خلافه كان قريبا.
وعلى كل حال، فاعتبار الضيق قوي من حيث الشهرة، ونقل الاجماع،
وتيقن الخروج عن العهدة.

(1) الكافي 3: 63 ح 2، التهذيب 1: 192 ح 555، 203 ح 589، الاستبصار 1: 159 ح 548،
165 ح 574.
(2) الكافي 3: 63 ح 1، التهذيب 1: 203 ح 588، الاستبصار 1: 165 ح 573.
(3) التهذيب 1: 404 ح 1265.
(4) التهذيب 1: 195 ح 565، الاستبصار 1: 160 ح 555.
(5) التهذيب 1: 195.
254

فرعان:
الأول: المعتبر في ضيق الظن. فلو انكشف خلافه، فالأقرب الاجزاء
عملا بمفهوم تلك الروايات، ولأنه صلى صلاة مأمورا بها، والامتثال يقتضي
الاجزاء.
ونقل في المعتبر أن ظاهر الشيخ في كتابي الحديث وجوب الإعادة لظهور
خطأ ظنه (1).
وقد روى المنصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في رجل تيمم
فصلى ثم أصاب الماء، فقال: (أما أنا فكنت فاعلا، اني أتوضأ وأعيد) (2).
قال الشيخ: معناه إذا كان قد صلى في أول الوقت تجب عليه الإعادة،
لرواية يعقوب بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل تيمم
وصلى فأصاب بعد صلاته ماء، أتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال: (إذا
وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد، فان مضى الوقت فلا إعادة عليه) (3).
قلت: فحوى هذين الخبرين صحة التيمم في أول الوقت. أما الأول، فلأنه (عليه السلام) أسند الإعادة إلى نفسه، ولو كان ذلك واجبا لكان المكلف
به عاما. وأما الثاني، فلأنه علق الإعادة على وجدان الماء في الوقت، وقضيته انه
لو لم يجد الماء لم يعد، لمفهوم الشرط المستفاد من لفظة (إذا). وحينئذ يمكن حملها
على استحباب الإعادة، توفيقا بينهما وبين الأخبار الدالة على عدم الإعادة
بالوجدان في الوقت.
الفرع الثاني: حكم في المبسوط بأنه لو دخل عليه وقت الصلاة وهو متيمم

(1) المعتبر 1: 384.
(2) التهذيب 1: 193 ح 558، الاستبصار 1: 159 ح 550.
(3) التهذيب 1: 193، الاستبصار 1: 159، والرواية فيها برقم 559، 551.
255

لنافلة أو لفائتة جاز أن يصلي الحاضرة به (1) ولم يعتبر ضيق الوقت هنا مع أنه قال
بالضيق، فلعله نظر إلى أن التأخير انما هو لغير المتيمم، ولهذا احتج عليه بعموم
الأخبار الدالة على جواز الصلوات الكثيرة بتيمم واحد (2).
ويمكن اعتبار الضيق كما أومأ إليه الفاضلان (3) لقيام علة التأخير.
ويضعف: بأنه متطهر، والوقت سبب فلا معنى للتأخير، وهذا الواجب
شرط للتيمم.
الواجب الثاني: النية، اجماعا منا ومن الأكثر، لما مر، ولدلالة (تيمموا) على
القصد، ولأنه المفهوم من إرادة القيام إلى الصلاة، كما قلناه في الوضوء. ويعتبر
فيها أربعة أمور:
الأول القربة، كما سلف.
الثاني قصد الاستباحة، لأنها الغاية، فلو ضم الرفع لغى. ولو اقتصر على
نية الرفع، فكما قلناه في وضوء دائم الحدث، إذ التيمم لا يرفع الحدث، لانتفاضه
بالتمكن من الماء، ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعمرو بن العاص وقد
تيمم عن الجنابة من شدة البرد: (صليت بأصحابك وأنت جنب) (4) فسماه جنبا
بعد التيمم، فإذا نوى رفع الحدث فقد نوى ما لا يمكن حصوله. نعم، لو نوى
رفع المانع من الصلاة صح وكان في معنى نية الاستباحة.
فروع:
الأول: لو نوى استباحة فريضة، مطلقة أو معينة، فرضا أو نفلا،
استباحها وغيرها، لأنه كالطهارة المائية في الاستباحة، لما يأتي إن شاء الله.

(1) المبسوط 1: 34.
(2) المبسوط 1: 34.
(3) المعتبر 1: 384، تذكرة الفقهاء 1: 66، نهاية الأحكام 1: 185.
(4) مسند أحمد 4: 203، سنن أبي داود 1: 92 ح 334، سنن دار القطني 1: 178، المستدرك على
الصحيحين 1: 177، السنن الكبرى 1: 225.
256

الثاني: الأقرب: اشتراط نية البدلية عن الأكبر أو الأصغر، لاختلاف
حقيقتهما فيتميزان بالنية. وبه صرح الشيخ في الخلاف، وعليه بنى ما لو نسي
الجنابة فتيمم للحدث انه لا يجزئ، لعدم شرطه (1). وهذا بناء على اختلاف
الهيئتين.
ولو اجتزأنا بالضربة فيهما، أو قلنا فيهما بالضربتين، أمكن الاجزاء. وبه
أفتى في المعتبر (2)، مع أن الشيخ في الخلاف قال في المسألة: فان قلنا انه متى نوى
بتيممه استباحة الصلاة من حدث جاز له الدخول في الصلاة كان قويا، قال: والأحوط الأول، يعني: عدم الاجزاء. وذكر ان لا نص للأصحاب فيها أي: في
مسألة النسيان (3).
الثالث: لو تيمم الصبي ثم بلغ، قال في المعتبر: يستبيح الفريضة (4) وهو
بناء على أن طهارته شرعية، وقد سلف.
الرابع: لو نوى التيمم وحده لم يصح قطعا. ولو نوى فريضة التيمم أو إقامة
التيمم المفروض أمكن الاجزاء، لأن ذلك يتضمن الاستباحة. والأقرب المنع،
لأن الاستلزام غير بين لجواز الغفلة عنه، ولأن التيمم ليس مطلوبا لنفسه وانما
يطلب عند الضرورة فلا يصلح متعلقا أوليا للقصد، ومن ثم لا يستحب تجديده
بخلاف الوضوء.
الأمر الثالث: المقارنة للضرب على الأرض، لأنه أول أفعاله. فلو تقدمت
عليه لم يجز. ولو أخرها إلى المسح الجبهة، فالأقرب: عدم الاجزاء، لخلو بعض
الأفعال عن النية. وجزم الفاضل بالاجزاء (5) تنزيلا للضرب منزلة أخذ الماء
للطهارة المائية. وفيه منع ظاهر، لأن الأخذ غير معتبر لنفسه، ولهذا لو غمس

(1) الخلاف 1: 140 المسألة 87.
(2) المعتبر 1: 391.
(3) الخلاف 1: 140 المسألة 87.
(4) المعتبر 1: 391.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 65، نهاية الأحكام 1: 204.
257

الأعضاء في الماء أجزأ بخلاف الضرب، ولأنه لو أحدث بعد أخذ الماء لم يضر
بخلاف الحدث بعد الضرب.
الأمر الرابع: استدامة حكمها إلى آخره، لما سلف. ولو عزبت بعد
الضرب لم يضر عندنا، كعزوبها بعد غسل اليدين وبل أولى، لما قلناه من كون الضرب جزءا حقيقا من التيمم.
الواجب الثالث: الضرب على الأرض بيديه معا، وهو مذهب الأصحاب ورواياتهم به كثيرة، مثل:
رواية داود بن النعمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ان عمارا
أصابته جنابة فتمعك، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): تمعكت كما
تتمعك الدابة! أفلا صنعت كذا، أهوى بيديه على الأرض فوضعهما على
الصعيد (1).
ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): (فضرب بيديه الأرض) (2).
ورواية ليث المرادي عن أبي جعفر (عليه السلام): (تضرب بكفيك على
الأرض) (3).
ورواية ابن مسلم عنه (عليه السلام): فضرب بكفيه الأرض (4).
فروع أربعة:
الأول: لا يكفي التعرض لمهب الريح ليصير التراب ضاربا يديه، لأنه
تعالى أوجب القصد إلى الصعيد هنا بصورة القاصد. ومن أوقع النية
عند المسح (5) يمكن على قوله الجواز، لأن الضرب غير مقصود لنفسه، فيصير كما

(1) التهذيب 1: 207 ح 598، الاستبصار 1: 170 ح 591.
(2) الكافي 3: 61 ح 1، التهذيب 1: 207 ح 601، الاستبصار 1: 170 ح 590.
(3) التهذيب 1: 209 ح 608، الاستبصار: 171 ح 596.
(4) التهذيب 1: 210 ح 612، الاستبصار 1: 172 ح 600.
(5) قاله العلامة في التذكرة الفقهاء 1: 65، ونهاية الأحكام 1: 204.
258

لو استقبل بأعضاء وضوئه الميزاب أو المطر.
وأولى بعدم الجواز ما لم نقل الغير التراب إلى المكلف القادر على الضرب
باذنه، لأنه لم يقصد الصعيد، وقصد نائبه كقصد ما أثارته الريح في عدم
الاعتبار.
الثاني: نقل التراب عندنا غير شرط، لاستحباب النقض على ما يجئ إن شاء الله
تعالى بل الواجب المسح بيديه اللتين أصابتاه، ولا فرق بين كونه على
الأرض وغيرها، بل لو كان التراب على بدنه أو بدن غيره وضرب عليه أجزأ. ولو
كان على وجهه تراب صالح للضرب وضرب عليه، أجزأ في الضرب لا في مسح
الوجه، فيمسح الوجه بعد الضرب.
وكلام ابن الجنيد يقتضي المسح بالتراب، حيث قال: وإذا حصل الصعيد
براحتيه مسح بيمينه وجهه (1) وفي أنحاء كلامه ما يدل على ذلك.
الثالث: لا يجزئ معك الأعضاء في التراب، كما دل عليه الخبر. نعم، لو
تعذر الضرب واستنابة الغير أجزأ، لأن (الميسور لا يسقط بالمعسور) (2).
بل يمكن
تقديم المعك على نيابة الغير، وهو يجئ عند من لم يعتبر الضرب من الأفعال.
الرابع: معظم الروايات وكلام الأصحاب بعبارة (الضرب) (3) وفي بعضها
(الوضع) (4) والشيخ في النهاية والمبسوط عبر بالأمرين (5). وتظهر الفائدة في وجوب
مسمى الضرب باعتماد، والظاهر: انه غير شرط، لأن الغرض قصد الصعيد وهو

(1) مختلف الشيعة: 50.
(2) عوالي اللئالي 4: 58 ح 205.
(3) لاحظ: الكافي 3: 61 - 62 ح 1 - 3، التهذيب 1: 270 ح 600 - 602، 210 ح 608 -
814.
ولاحظ: المقنعة: 8، المهذب 1: 47، المراسم: 54، السرائر: 26، نهاية الأحكام 1: 204.
(4) لاحظ: الكافي 3: 62 ح 4، التهذيب 1: 207 ح 598.
ولاحظ: المبسوط 1: 32، النهاية: 49، شرائع الاسلام 1: 48، قواعد الأحكام 1: 23.
(5) المبسوط 1: 32، النهاية: 49.
259

حاصل بالوضع.
نعم لابد من ملاقاة باطن اليدين، لأنه المعهود من الوضع،
والمعلوم من عمل صاحب الشرع.
واختلف الأصحاب في عدد الضرب، فاجتزأ ابن الجنيد وابن أبي عقيل
والمفيد في العزية والمرتضى بالضربة الواحدة في الوضوء والغسل (1) محتجا
بحديث عمار، فان النبي (صلى الله عليه وآله) بينه بضربة واحدة وكان عمار
جنبا (2)، وبه احتج ابن أبي عقيل، قال المرتضى: ولأن المجمع عليه ضربة واحدة
والزائد لا دليل عليه، أو يتمسك بأصل البراءة.
وفي الاحتجاج بالاجماع هنا كلام في الأصول، وهو المعبر عنه: بالأخذ
بأقل ما قيل، والتمسك بالأصل انما يتم مع عدم المخرج.
ونقل الفاضلان عن علي بن بابويه الضربتين فيهما (3) والذي في الرسالة:
فإذا أردت ذلك، فاضرب بيديك على الأرض مرة واحدة، وانفضهما وامسح بهما
وجهك، ثم اضرب بيسارك الأرض فامسح بها يمينك من المرفق إلى أطراف
الأصابع، ثم اضرب بيمينك الأرض فامسح بها يسارك من المرفق إلى أطراف
الأصابع، قال: وقد روى أن يمسح جبينه وحاجبيه، ويمسح على ظهر كفيه، ولم
يفرق بين الوضوء والغسل.
وهذا فيه اعتبار ثلاث ضربات، ورواه ابنه قي المقنع (4)، وهو في التهذيب
صحيح السند عن ابن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام): فضرب بكفيه
الأرض ثم مسح بهما وجهه، ثم ضرب بشماله الأرض مسح بها مرفقه إلى أطراف
الأصابع، واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها، ثم ضرب بيمينه الأرض ثم

(1) المرتضى في الناصريات: 224 المسألة 47، وجمل العلم والعمل 3: 25 وحكاه عن الآخرين
العلامة في مختلف الشيعة: 50.
(2) التهذيب 1: 207 ح 598، الاستبصار 1: 170 ح 591.
(3) المعتبر 1: 388، مختلف الشيعة: 50.
(4) المقنع: 9.
260

صنع بشماله كما صنع بيمينه (1).
نعم، قال المفيد في كتاب الأركان في ظاهر كلامه بالضربتين مطلقا، وهو
مروي صحيحا عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، قلت: كيف التيمم؟
قال: (هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة، تضرب بكفيك مرتين، ثم
تنفضهما نفضة للوجه، ومرة لليدين) (3).
وعن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) سألته عن التيمم، فقال: (مرتين مرتين للوجه واليدين) (3).
وروي حسنا عن إسماعيل بن همام عن الرضا (عليه السلام)، قال:
(التيمم ضربة للوجه، وضربة للكفين) (4).
وأول الأول: بتمام الكلام عند قوله: (ضرب واحد للوضوء)، ويبتدأ
بقوله: (والغسل من الجنابة تضرب بكفيك مرتين)، وعلى هذا يقرأ الغسل
بالرفع، وهو الذي لحظه الشيخ (5) وتبعه في المعتبر (6) فلا يخلو عن تكليف.
والآخران: بان لا عموم للصدر المحلى بلام الجنسية مع امكان ان تكون
عهدية أيضا.
والأكثر على أن الضربة للوضوء والضربتين للغسل (7)، جمعا بين هذين وبين
أخبار مطلقة في الضربة كخبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (8) وخبر عمرو

(1) التهذيب 1: 210 ح 612، الاستبصار 1: 172 ح 600.
(2) التهذيب 1: 210 ح 611، الاستبصار 1: 172 ح 599.
(3) التهذيب 1: 210 ح 610، الاستبصار 1: 172 ح 598.
(4) التهذيب 1: 210 ح 609، الاستبصار 1: 172 ح 597.
(5) التهذيب 1: 211.
(6) المعتبر 1: 388.
(7) راجع: المقنعة: 8، الفقيه 1: 57، المبسوط 1: 33، المعتبر 1: 338.
(8) التهذيب 1: 212 ح 614، الاستبصار 1: 171 ح 594.
261

ابن أبي المقدام عن الصادق (عليه السلام) (1) والاعتضاد بعمل الأصحاب، ولا
بأس به.
وليس التخيير بذلك البعيد ان لم يكن فيه إحداث قول، أو يحمل المرتان
على الندب، كما قاله المرتضى في شرح الرسالة (2) واستحسنه في المعتبر قال: ولا
نمنع جواز ثلاث ضربات كما دلت عليه الرواية السالفة (3).
مسألتان:
الأولى: لا يشترط علوق الغبار باليدين، لما روي: ان النبي (صلى الله
عليه وآله) نفض يديه (4) وفي رواية: نفخ فيهما (5) وهو موجود في رواياتنا كثيرا (6).
ولأن الصعيد وجه الأرض لا التراب، ولما بيناه من جواز التيمم بالحجر.
ولا يجب النفض والنفخ، للأصل، وظاهر الآية. وفعل النبي (صلى الله
عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) لبيان الندب.
فان احتج ابن الجنيد لاعتبار الغبار بظاهر قوله تعالى: (منه) ومن
للتبعيض (7) منعناه بجواز كونها لابتداء الغاية، مع أنه في رواية زرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام): (ان المراد من ذلك التيمم)، قال: (لأنه علم أن ذلك أجمع لم
يجر على الوجه، لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها) (8)

(1) التهذيب 1: 212 ح 615، الاستبصار 1: 171 ح 595.
(2) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1: 388.
(3) المعتبر 1: 388.
وتقدمت الرواية في ص 261 الهامش 2.
(4) صحيح البخاري 1: 96، صحيح مسلم 1: 280 ح 368، سنن أبي داود 1: 87 ح 321، سنن النسائي 1: 17.
(5) مسند أحمد 4: 319، صحيح البخاري 1: 92، سنن ابن ماجة 1: 188 ح 569، سنن أبي
داود 1: 88 ح 322، سنن النسائي 1: 168، سنن أبي يعلى 3: 181 ح 1606.
(6) لاحظ: الكافي 3: 61 ح 1، التهذيب 1: 212 ح 614، 615.
(7) مختلف الشيعة: 50.
(8) تفسير العياشي 1: 299 ح 52.
262

وفي هذا إشارة إلى أن العلوق غير معتبر.
الثانية: ظاهر الأصحاب أن الأغسال سواء في كيفية التيمم، قال في
المقنعة: وكذلك تصنع الحائض والنفساء والمستحاضة بدلا من الغسل (1).
وروى أبو بصير، قال: سألته عن تيمم الحائض والجنب، أسواء إذا لم يجدا
ماء؟ قال: (نعم) (2)، وعن عمار بن موسى عن الصادق (عليه السلام) مثله (3).
وخرج بعض الأصحاب وجوب تيممين على غير الجنب، بناء على وجوب
الوضوء هنالك (4). ولا بأس به، والخبران غير مانعين منه، لجواز التسوية في
الكيفية لا في الكمية.
الواجب الرابع: مسح الجبهة من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى، وهذا القدر متفق عليه بين الأصحاب. وأوجب الصدوق مسح الحاجبين أيضا (5)
ولا بأس به.
ولا يجب استيعاب الوجه، لإفادة الباء التبعيض كما سلف، ولأصل
البراءة، ولبناء التيمم على التخفيف، ونقل المرتضى في الناصرية اجماع الأصحاب عليه (6).
وقد روي من طرق شتى: كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في
قضية عمار: (ثم مسح جبينه بأصابعه وكفيه أحداهما بالأخرى) (7). وموثق زرارة
عنه (عليه السلام): (ثم مسح بهما جبهته وكفيه مرة واحدة) (8). ومثله رواية عمرو

(1) المقنعة: 8.
(2) الكافي 3: 65 ح 10، التهذيب 1: 212 ح 616.
(3) الفقيه 1: 58، ح 215، التهذيب 1: 162 ح 465.
(4) قاله العلامة في نهاية الأحكام 1: 208.
(5) الفقيه 1: 57، المقنع: 9، الهداية: 18.
(6) الناصريات: 224 المسألة 46.
(7) الفقيه 1: 57 ح 212.
(8) الكافي 3: 61 ح 1، التهذيب 1: 207 ح 601، 211 ح 613، الاستبصار 1: 170 ح 590.
263

ابن أبي المقدام (1).
وكلام علي بن بابويه يعطي استيعاب الوجه (2)، وفي كلام الجعفي اشعار به،
للخبر السالف (3). ولمضمر سماعة: (فمسح بهما وجهه وذراعيه إلى المرفقين) (4)
وبرواية ليث المرادي عن أبي عبد الله (عليه السلام): (وتمسح بهما وجهك
وذراعيك). وبرواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): (ثم تنفضهما وتمسح
وجهك ويديك) (6).
وأجاب المرتضى والشيخ: بان المراد به الحكم لا الفعل (7)، وكأنه إذا مسح
الجبهة وظاهري الكف غسل الوجه والذراعين.
قال في المعتبر: وهو تأويل بعيد، ثم أجاب بالطعن في السند، وذكر الطعن
في خبر ليث المرادي بأن راويه الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان، وهو
ضعيف (8). قلت: قد أوردنا غيره مما لا طعن فيه، والذي في التهذيب عن ابن سنان، ولعله عبد الله وهو ثقة. بل لو حمل ذلك على الاستحباب، والباقي على الوجوب
كان حسنا. وقد حكم بالتخيير في المعتبر (9) وهو ظاهر ابن أبي عقيل (10).
وفي رواية عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المجنب

(1) التهذيب 1: 212 ح 614، الاستبصار 1: 171 ح 594.
(2) مختلف الشيعة: 50.
(3) راجع: صفحة 635 الهامش 2
(4) التهذيب 1: 208 ح 602، الاستبصار 1: 170 ح 592.
(5) التهذيب 1: 209 ح 608، الاستبصار 1: 171 ح 596.
(6) التهذيب 1: 212 ح 615، الاستبصار 1: 171 ح 595.
(7) التهذيب 1: 208، وحكاه عن المرتضى: المحقق في المعتبر 1: 386.
(8) المعتبر 1: 386.
(9) المعتبر 1: 386.
(10) المعتبر 1: 386، مختلف الشيعة: 50.
264

معه ما يكفيه للوضوء، أيتوضأ به أو يتيمم؟ قال: (لا، بل يتيمم، الا ترى انما
جعل عليه نصف الوضوء) (1). وفي رواية الحسين بن أبي العلاء عنه (عليه
السلام) مثله، الا انه قال: (جعل عليه نصف الطهور) (2) فيمكن ان يفهم منها
عدم استيعاب الوجه والذراعين، ويمكن ان يراد بهما سقوط مسح الرأس
والرجلين.
فروع ثلاثة: الأول: يجب ان يبدأ في مسح الجبهة بالأعلى إلى الأسفل. فلو نكس،
فالأقرب المنع، اما لمساواة الوضوء، واما تبعا للتيمم البياني.
الثاني: يجب المسح بالكفين معا. فلو مسح بأحدهما لم يجز، لما قلناه،
وللاقتصار على المتقين. واجتزأ ابن الجنيد باليد اليمنى، لصدق المسح (3)
ويعارض بالشهرة.
الثالث: الأقرب: وجوب ملاقاة بطن الكفين للجبهة، لما قلناه من البيان.
الواجب الخامس: مسح ظهر الكفين من الزند إلى أطراف الأصابع عند
الأكثر، لإفادة (الباء) التبعيض، ومساواة المعطوف فيه للمعطوف عليه، ولأن اليد
حقيقة في ذلك وان كانت تقال على غيره فليقتصر على المتقين، وروى حماد بن
عيسى عن بعض الأصحاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، انه سئل عن
التيمم فتلا هذه الآية: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) (4)، ثم قال:
(وامسح على كفيك من حيث موضع القطع) (5) ولما سبق.

(1) الفقيه 1: 57 ح 213.
(2) التهذيب 1: 404 ح 1266.
(3) مختلف الشيعة 1: 51.
(4) سورة المائدة: 38.
(5) الكافي 3: 62 ح 2، التهذيب 1: 207 ح 599، الاستبصار 1: 170 ح 588.
265

وابن بابويه كما حكيناه عنه لما احتج به. ويرد: بعمل الأكثر، وبالحمل على
الجواز كما قاله في المعتبر (1).
ويجب تقديم اليمنى على اليسرى كما قاله الأصحاب، ولأنه بدل مما يجب
فيه التقديم.
ونقل ابن إدريس رحمه الله عن بعض الأصحاب ان المسح على اليدين
من أصول الأصابع إلى رؤوسها (2)، ولعل هذا القائل اعتبر رواية القطع فإنه
مخصوص بذلك عند الأصحاب، وفي كلام الجعفي ما يوهم هذا القول.
قلنا: معارض بما رواه في التهذيب صحيحا عن داود بن النعمان عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في قضية عمار: (فمسح وجهه {ويديه} فوق الكف
قليلا) (3) وعليه الأكثر، وربما فهم وجوب تجاوز الرسغ بعض الأصحاب (4).
وتؤول (قليلا) بأنه لا يجب إيصال الغبار إلى جميع العضو وان وجب
استيعابه بالمسح. أو يكون الراوي قد رأى الإمام (عليه السلام) ماسحا من أصل
الكف، فتوهم المسح من بعض الذراع. وهو تكلف، فان الأصحاب لما أوجبوا
المسح من الزند أوجبوا ادخاله، وذلك يستلزم المسح فوق الكف بقليل صريحا.
ويجب البدأة بالزند إلى آخر اليد، فلو نكس بطل كما قلناه في الوجه.
ويجب إمرار البطن أيضا على الظهر. نعم، لو تعذر المسح بالبطن، لعارض
من نجاسة أو غيرها، فالأقرب: الاجتزاء بالظهر في المسحين، لصدق المسح.
ولو كان له يد زائدة فكما سلف في الوضوء. ولو مسح باليد الزائدة التي
لا يجب مسحها، فالأقرب: عدم الاجزاء. اما لو مسح بغير اليد كالآلة لم يجز
قطعا. ولو قطع من الزند، فالظاهر: عدم وجوب مسح الرسغ، لأنه غير محل

(1) المعتبر 1: 387.
(2) السرائر: 26.
(3) التهذيب 1: 207 ح 598، الاستبصار 1: 170 ح 591، ومنهما ما أثبتناه بين المعقوفين.
(4) انظر: الفقيه 1: 57 ذيل الحديث 212، المقنع: 9.
266

الوجوب.
الواجب السادس: الترتيب كما ذكرناه بين الضرب فالجبهة فاليدين، لتصريح الأخبار به والأصحاب، وفعل النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة
(عليهم السلام)
قال في التذكرة: ذهب إليه علماء أهل البيت (عليهم السلام) (1). وفي
الخلاف احتج عليه بما دل على ترتيب الوضوء وبالاحتياط (2).
فلو أخل به استدرك ما يحصل معه الترتيب.
الواجب السابع: الموالاة، ذكره الأصحاب. ويتوجه على القول بالتضيق
وعلى غيره، لتعقيب إرادة القيام إلى الصلاة به، والآتيان بالفاء في: (فتيمموا)، (فامسحوا) وهي دالة على التعقيب بالوضع اللغوي، ولأن التيمم البياني عن
النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته توبع فيه فيجب التأسي.
وفي المعتبر نقل عن الشيخ وجوب الموالاة، واحتج له البناء على آخر
الوقت (3). ولو أخل بها بما لا يعد تفريقا لم يضر، لعسر الانفكاك منه. وان طال
الفصل أمكن البطلان، وفاء لحق الواجب. ويحتمل الصحة وان اثم، لصدق
التيمم مع عدمها.
الواجب الثامن: يشترط طهارة مواضع المسح من النجاسة، لأن التراب
ينجس بملاقاة النجس فلا يكون طيبا، ولمساواته أعضاء الطهارة المائية. نعم،
لو تعذرت الإزالة ولم تكن النجاسة حائلة ولا متعدية، فالأقرب: جواز التيمم،
دفعا للحرج، وعموم شرعيته، ولأن الأصحاب نصوا على جواز تيمم الجريح مع
تعذر الماء.

(1) تذكرة الفقهاء 1: 66.
(2) الخلاف 1: 138 المسألة 82.
(3) المعتبر 1: 394، ولاحظ: الخلاف 1: 138 المسألة 83.
267

أما غير الأعضاء، فهل يشترط خلوها من النجاسة؟ فيه وجهان حكاهما في
المعتبر:
أحدهما: نعم، نقله عن النهاية في قوله بناء على تضيق الوقت.
الثاني: لا ونسبه إلى الخلاف كالوضوء (1).
والذي في النهاية والمبسوط: وجوب تقديم الاستنجاء على التيمم ولو
بالتنشيف بالخرق وغيرها وان كان مخرج البول أو المني (2)، يعني: مع تعذر الماء،
ولم يذكر شرطيته في صحة التيمم.
وفي الخلاف: يجوز تقديم التيمم (3). ولعله أراد به إجزاءه لو قدمه، ولهذا
احتج بان الأمرين واجبان فكيف وقعا تحقق الامتثال.
قال: وكل ظاهر يتضمن الأمر بالوضوء والاستنجاء يدل على ذلك (4).
قلت: هذا أقوى، وما ذكره في تضيق الوقت مسلم، لكن الاستنجاء وإزالة
النجاسة من مقدمات الصلاة فلا بد لهما من وقت مضروب، وكما لا يجب تحصيل
القبلة والساتر قبل التيمم فكذا هنا.
هذا كله مع امكان الإزالة، اما مع تعذره فلا اشكال في الجواز. وعلى ما
نقلناه عن الشيخ ليس في كلامه اختلاف صريح، مع أن المفيد رحمه الله ذكر
أيضا تقديم الاستنجاء على التيمم (5) وكذا ذكر ابن البراج (6) وما هو الا كذكر
تقديم الاستنجاء على الوضوء، مع أنه لو قدم الوضوء كان صحيحا معتدا به في
الأظهر من المذهب.

(1) المعتبر 1: 394.
(2) النهاية: 50، المبسوط 1: 34.
(3) الخلاف 1: 98 المسألة 45.
(4) الخلاف 1: 99 المسألة 45.
(5) المقنعة: 8.
(6) المهذب 1: 48.
268

الواجب التاسع: المباشرة بنفسه، لقوله تعالى: (فتيمموا) (1) والأمر
حقيقة في طلب الفعل من المأمور.
ويجوز عند الضرورة الاستنابة في الأفعال لا في النية. وهل يضرب المعين
بيدي نفسه أو بيدي المؤمم؟
قال ابن الجنيد: يضرب الصحيح بيديه، ثم يضرب بهما يدي العليل. ولم
نقف على مأخذه، والأقرب: انه يضرب بيدي العليل ان أمكن والا فبيدي
نفسه، ولا يحتاج إلى أن يضرب بهما يدي العليل.

(1) سورة النساء: 43.
269

البحث الثاني: في مستحباته.
وهي تسعة:
الأول: السواك، اما لأجل الصلاة، أو لأجل التيمم الذي هو بدل مما
يستحب فيه السواك.
الثاني: الأقرب: استحباب التسمية كما في المبدل منه، لعموم البدأة باسم
الله أمام كل أمر ذي بال، وأوجبها الظاهرية.
الثالث: قصد الربى والعوالي، وقد مر.
الرابع: تفريج الأصابع عند الضرب، نص عليه الأصحاب (1) لتتمكن
اليد من الصعيد. ولا يستحب تخليلها في المسح، للأصل.
الخامس: نقض اليدين، لما مر، ولما فيه من إزالة تشويه الخلقة، وقال
الشيخ: ينفضهما ويمسح إحداهما بالأخرى (2).
السادس: استيعاب الأعضاء بالمسح كما تقدم، ولكنه غير مشهور في
العمل فتركه أولى.
السابع: مسح الأقطع الباقي، ذكره في المبسوط بهذه العبارة: وإذا كان
مقطوع اليدين من الذراعين سقط عنه فرض التيمم، ويستحب ان يمسح ما
بقي (3). مع إمكان حمل (ما بقي) على الجبهة، وفيه اشكال، إذ الأقرب: وجوب
مسحها، لأن (الميسور لا يسقط بالمعسور) (4). فلا يتم هذا التفسير، ولا قوله:
بسقوط فرض التيمم، الا ان يريد فرض التيمم بالنسبة إلى الذراعين، ونحوه قال

(1) راجع: النهاية: 49، نهاية الأحكام 1: 204.
(2) المبسوط 1: 33.
(3) المبسوط 1: 33.
(4) عوالي اللئالي 4: 58 ح 205.
270

في الخلاف (1).
الثامن: أن لا يكرر المسح، لما فيه من التشويه، ومن ثم لم يستحب تجديده
لصلاة واحدة.
التاسع: الأقرب استحباب أن لا يرفع يده عن العضو حتى يكمل
مسحه، لما فيه من المبالغة في الموالاة. ويمكن تقدير لموالاة بزمان جفاف الماء
لو كان وضوءا، فيستحب نقص زمان التيمم عن ذلك، ولو بلغه فالأقرب:
البطلان.

(1) الخلاف 1: المسألة 84.
271

البحث الثالث: في أحكامه
وهي تسع مسائل:
الأولى: يستباح بالتيمم كل ما يستباح بالطهارة المائية، من صلاة وطواف
واجبين أو ندبين، ودخول مسجد ولو كان الكعبة، وقراءة عزيمة، وغير ذلك من
واجب ومستحب، قاله الشيخ في المبسوط والخلاف بعبارة تشمل ذلك (1)
والفاضلان (2) لقوله تعالى: (ولكن يريد ليطهركم) (3).
ولقول النبي (صلى الله عليه وآله): (وطهورا) (4).
ولقول لأبي ذر: (يكفيك الصعيد عشر سنين) (5).
ولرواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام): (ان الله جعل
التراب طهورا كما جعل الماء طهورا) (6).
الثانية: يستباح بالتيمم ما لم ينتقض بحدث أو وجود الماء، عند علمائنا
أجمع، سواء خرج الوقت أولا، وسواء كانت التالية فريضة أو نافلة، لما قلناه.
وروي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، أيصلي الرجل بتيمم واحد
صلاة الليل والنهار كلها؟ قال: (نعم، ما لم يحدث أو يصب ماء) (7)، ومثله روى
السكوني عن الصادق (عليه السلام) (8).

(1) المبسوط 1: 34، الخلاف 1: 138، المسألة 84.
(2) المعتبر 1: 391، نهاية الأحكام 1: 212.
(3) سورة المائدة: 6.
(4) الفقيه 1: 155 ح 724، أمالي الصدوق: 179 مسند أحمد 5: 148، سنن ابن ماجة 1: 188
ح 567، سنن النسائي 1: 210.
(5) الفقيه 1: 59 ح 221، التهذيب 1: 199 ح 578.
(6) الكافي 3: 66 ح 3، الفقيه 1: 60 ح 223، التهذيب 1: 404 ح 1264.
(7) الكافي 3: 63 ح 4، التهذيب 1: 200 ح 580، الاستبصار 1: 164 ح 570.
(8) التهذيب 1: 201 ح 582، الاستبصار 1: 163 ح 567.
272

وعن حماد بن عثمان عنه (عليه السلام)، أيتيمم لكل صلاة؟ قال: (لا،
هو بمنزلة الماء) (1).
وأما رواية أبي همام عن الرضا (عليه السلام): (يتيمم لكل صلاة حتى
يوجد الماء) (2). ورواية السكوني عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه قال: (لا
تستبح بالتيمم أكثر من صلاة واحدة) (3) فمحمولان على التقية أو على الندب،
قال الشيخ: أو على رؤية الماء بين الصلاتين، وبان أبا همام تارة يرويها عن الرضا
(عليه السلام)، وتارة باسناده إلى السكوني، وهو اضطراب يضعف الخبر، ولأن
السكوني روى خلاف هذا (4) كما ذكرناه.
الثالثة: لا إعادة فيما صلى بالتيمم المشروع، لأن امتثال المأمور به يقتضي
الاجزاء، ولما مر في المسألة السالفة، ولقول أبي الحسن (عليه السلام) فيما رواه
عند عبد الله بن سنان: (قد أجزأته صلاته) (5).
واستثنى من ذلك مواضع:
أحدها: من صب الماء في الوقت، وقد سلف.
وثانيها: من تيمم في أول الوقت إذا قلنا به ثم وجد الماء في الوقت،
فأوجب ابن الجنيد وابن أبي عقيل الإعادة (6)، لرواية يعقوب بن يقطين
السالفة (7).
لنا ما روي عن أبي سعيد الخدري، أن رجلين تيمما فوجدا الماء وصليا في

(1) التهذيب 1: 200 ح 581، الاستبصار 1: 163 ح 566.
(2) التهذيب 1: 201 ح 583، الاستبصار 1: 163 ح 568.
(3) التهذيب 1: 201 ح 584، الاستبصار 1: 164 ح 569.
(4) التهذيب 1: 201.
(5) التهذيب 1: 193 ح 556، الاستبصار 1: 159 ح 549، 161 ح 558، عن ابن سنان عن
أبي عبد الله (عليه السلام).
(6) مختلف الشيعة: 54.
(7) تقدمت في ص 255 الهامش 3.
273

الوقت، فأعاد أحدهما، وسألا النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال لمن يعد: (أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك)، وللآخر: (لك الأجر مرتين) (1).
ورواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله (عليه السلام)... إلى قوله: ثم
أتي الماء وعليه شئ من الوقت، أيمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد الصلاة؟
قال: (يمضي على صلاته، فان رب الماء رب التراب) (2).
والجواب عن خبر ابن يقطين: بحمل الإعادة على بطلان التيمم مع سعة
الوقت، وحمل عدم الإعادة على كون التيمم وقع آخر الوقت. هكذا أجاب
الفاضل (3) وفيه نوع من التحكم، والحمل على الاستحباب حسن كما دل عليه
الخبر النبوي.
وثالثها: إعادة متعمد الجنابة.
ورابعها: ذو الثوب النجس.
وخامسها: الممنوع بزحام الجمعة وعرفة.
وسادسها: إعادة ما صلاه بالتيمم في الحضر، وقد سلفت في الفصل
الثاني.
الرابعة: الردة لا تبطل التيمم، فلو عاد إلى الاسلام صلى به،
للاستصحاب، ولعدم ثبوت كونه ناقضا.
وكذا لا يبطله نزع العمامة والخف، ولا بظن الماء أو شكه، عملا بأصالة
البقاء، ولقول النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر: (الصعيد الطيب وضوء المسلم
ولو لم يجد الماء عشر حجج، فإذا وجده فليمسه بشرته) (4)، علق ذلك على الوجود

(1) المصنف لعبد الرزاق 1: 230 ح 890، سنن الدارمي 1: 190، سنن أبي داود 1: 93 ح 338،
سنن النسائي 1: 213، سنن الدارقطني 1: 189، المستدرك على الصحيحين 1: 178.
(2) الفقيه 1: 59 ح 220، التهذيب 1: 195 ح 564، الاستبصار 1: 160 ح 554.
(3) مختلف الشيعة: 54.
(4) مسند أحمد 5: 155، 180، سنن أبي داود 1: 91 ح 332، الجامع الصحيح 1: 212
ح 124، سنن الدارقطني 1: 187، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2: 302 ح 1308،
المستدرك على الصحيحين 1: 176.
274

والظن لا يحصله، ووجوب الطلب عند الظن أو الشك لا يلزم منه الانتقاض، ولا
يكفي في الانتقاض وجود الماء إذا لم يتمكن من استعماله لأنه كلا وجود.
الخامسة: إذا وجد المتيمم الماء وتمكن من استعماله، ففيه صور:
أحديها: ان يجده قبل الصلاة، فينتقض تيممه إجماعا ويجب استعمال الماء،
فلو فقده بعد أعاد التيمم.
الثانية: ان يجده بعد الصلاة، وقد سلف.
الثالثة: ان يجده في أثناء الصلاة، والروايات فيه مختلفة.
إحداها: رواية محمد بن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في المتيمم
يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة، قال: (يمضي في الصلاة) (1). وعليها المفيد (2)
والشيخ في أحد قوليه (3) والمرتضى في مسائل الخلاف (4) وابن البراج (5) وابن إدريس
(6) والفاضلان (7).
واجتزؤوا بتكبيرة الاحرام، حتى قال في الخلاف: لا صحابنا فيه روايتان:
إحداها وهي الأظهر: أنه إذا كبر تكبيرة الاحرام مضى في صلاته (8) فكأنه جعل
حين يدخل مبدأ الدخول.
ويؤيدها: (ولا تبطلوا أعمالكم) (9) والاستصحاب.

(1) التهذيب 1: 203 ح 590، الاستبصار 1: 166 ح 575.
(2) المقنعة: 8.
(3) المبسوط 1: 33.
(4) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 51.
(5) المهذب 1: 48.
(6) السرائر: 27.
(7) المعتبر 1: 400، نهاية الأحكام 1: 210
(8) الخلاف 1: 141 المسألة 89.
(9) سورة محمد صلى الله عليه وآله: 33.
275

وثانيتها: رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، فيمن صلى بتيمم
ركعة (1) فأصاب الماء، قال: (يخرج ويتوضأ ويبني على ما مضى من صلاته التي
صلى بالتيمم) (2)، وفي الرواية: إذا كان قد صلى ركعتين ثم وجد الماء لم
يقطعها (3).
وابن الجنيد يقرب كلامه من هذه في بعض الأحكام، حيث قال: وإذا وجد
المتيمم الماء بعد دخوله في الصلاة قطع ما لم يركع الركعة الثانية، فان ركعها مضى
في صلاته. فان وجده بعد الركعة الأولى، وخاف من ضيق الوقت ان يخرج إن
قطع، رجوت أن يجزئه ان لا يقطع صلاته، فاما قبله فلابد من قطعها مع وجود
الماء (4).
وثالثتها: رواية عبد الله بن عاصم رواها في التهذيب بثلاث طرق عنه عن
أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتيمم ويقوم في الصلاة فيجد الماء: (إن
كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ، وان كان قد ركع فليمض) (5). وعليها عمل: ابن
أبي عقيل (6) والجعفي، والصدوق (7) والمرتضى في القول الآخر (8).
والشيخ في النهاية وفي التهذيب قيد الرجوع بسعة الوقت
للوضوء والصلاة إذا انصرف، لأنه يكون قد تيمم قبل آخر الوقت (9). وهو بعيد،

(1) في المصادر بزيادة: (واحدث) وستأتي الإشارة إليها في المسألة السادسة.
(2) الفقيه 1: 58 ذيل ح 214، التهذيب 1: 205 ذيل ح 595، الاستبصار 1: 167 ذيل
ح 580.
(3) وهي رواية عمر بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) وهي صدر الرواية المتقدمة.
(4) مختلف الشيعة: 51.
(5) التهذيب 1: 204 ح 591 593، وفي الكافي 3: 64 ح 5، الاستبصار 1: 166 ح 576
578.
(6) مختلف الشيعة: 51.
(7) الفقيه 1: 58.
(8) جمل العلم والعمل 3: 26.
(9) النهاية 48، التهذيب 1: 203.
276

لأنه لو كان المقتضي للإعادة تيممه مع سعة الوقت لم يفرق الامام بين الراكع وغيره
من غير استفصال.
قال في المعتبر: رواية ابن حمران أرجح من وجوه:
منها: انه أشهر في العلم والعدالة من عبد الله بن عاصم، والأعدل مقدم.
ومنها: انها أخف وأيسر واليسر مراد لله تعالى.
ومنها: أن مع العمل برواية محمد يمكن العمل برواية عبد الله بالتنزيل على
الاستحباب، ولو عمل برواية لم يكن لرواية محمد محمل (1).
قلت: ويؤيدها ما سلف، وظاهر قول النبي (صلى الله عليه وآله): (فلا
ينصرف أحدكم من الصلاة، حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) (2).
وفي التذكرة بعد ذكر نقض وهذه أجاب عن رواية ابن عاصم: بان المراد
بالدخول في الصلاة الشروع في مقدماتها كالأذان، وبقوله: (ما لم يركع) ما لم
يتلبس بالصلاة، وبقوله: (وان كان قد ركع) دخوله عليها، اطلاقا لاسم الجزء
على الكل (3).
وهذا الحمل شديد المخالفة للظاهر، مع أن لمانع ان يمنع تعارض
الروايتين، إذ المطلق يحمل على المقيد، ورواية محمد بن حمران مطلقة، فتحمل على
ما إذا ركع. وليس في قوله: حتى يدخل، تصريح بأول وقت الدخول حتى
يتعارضا، وحينئذ لا يحتاج إلى الترجيح بما ذكر.

(1) المعتبر 1: 400.
(2) صحيح مسلم 1: 276 ح 362، سنن ابن ماجة 1: 171 ح 514، الجامع الصحيح 1: 109
ح 75، سنن النسائي 1: 98.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 65.
والظاهر أن العلامة أجاب عن رواية زرارة عن الباقر (عليه السلام) الشبيهة برواية ابن عاصم،
وهي في الكافي 3: 63 ح 4، ولفظها:... قلت: فان أصاب الماء وقد دخل في الصلاة، قال:
(فلينصرف وليتوضأ...) وتمامها كما في رواية ابن عاصم بزيادة: (فان التيمم أحد الطهورين).
277

وقال سلار: يرجع ما لم يقرأ (1). كأنه اعتبر مسمى الصلاة الذي يحصل بهذا
القدر، أو اعتبر أكثر الأركان وهو: القيام والنية والتكبير، وأكبر الأفعال وهي: القراءة.
ولابن حمزة في الواسطة قول غريب، وهو: أنه إذا وجد الماء بعد الشروع،
وغلب ظنه على أنه ان قطعها وتطهر بالماء لم تفته الصلاة، وجب عليه قطعها
والتطهر بالماء، وان لم يمكنه ذلك لم يقطعها إذا كبر، وقيل: قطع ما لم يركع، وهو
محمول على الاستحباب. فاشتمل على وجوب القطع على الاطلاق مع سعة
الوقت، ولا أعلم به قائلا منا الا ما نقلناه عن ابن أبي عقيل، واختاره ابن الجنيد (2)
فإنه قريب من هذا، الا ان حكم ابن حمزة باستحباب القطع والفرض ضيق
الوقت مشكل.
فروع:
الأول: إذا حكمنا باتمام الصلاة مع وجود الماء: اما لكونه قد تجاوز محل
القطع، أو قلنا بالاكتفاء بالشروع، فهل يعيد التيمم لو فقد الماء بعد الصلاة؟
ظاهر المبسوط نعم، حيث قال: ان فقده استأنف التيمم لما يستأنف
من الصلاة، لأن تيممه قد انتقض في حق الصلوات المستقبلة، وهو الأحوط (3).
والفاضل: مال إليه تارة، لأنه تمكن عقلا من استعمال الماء، ومنع الشرع من
إبطال الصلاة لا يخرجه عن التمكن، فان التمكن صفة حقيقية لا تتغير بالأمر
الشرعي أو النهي، والحكم معلق على التمكن.
وأعرض عنه أخرى بالمنع الشرعي من قطع الصلاة والحكم بصحتها، ولو
انتقض لبطلت (4).
وكذا قال الشيخ: لو كان في نافلة ثم وجد الماء (1).

(1) المراسم: 54.
(2) مختلف الشيعة: 54، المعتبر 1: 400.
(3) المبسوط 1: 33.
(4) مختلف الشيعة: 54.
278

وربما كان هذا لعدم تحريم قطع النافلة فليس لها حرمة الفريضة، والشيخ
حكم بصحة النافلة والتيمم بعدها.
وفرع بعضهم على قول الشيخ: انه لا يجوز العدول إلى فائتة سابقة،
لانتقاض التيمم بالنسبة إلى كل صلاة غير هذه (2).
والأقرب: الجزم بعدم انتقاضه في صورتي الفريضة أو النافلة. اما بالنسبة
إلى ما هو فيها فظاهر، لأنا بنينا على اتمام الصلاة. واما بالنسبة إلى غيرها،
فلاستصحاب الحكم بصحة التيمم إلى الفراغ، وعند الفراغ لا تمكن من استعمال
الماء لأنه المقدار فنقول: هذا تيمم صحيح وكل تيمم صحيح لا ينقضه الا
الحدث، أو التمكن من استعمال الماء، والمقدمتان ظاهرتان، وهو مختار المعتبر (3).
واما قضية العدول فأبلغ في الصحة، لأن العدول ان كان واجبا فالمعدول
إليه بدل مما هو فيها بجعل الشرع، فكيف يحكم ببطلانها؟ وان كان مستحبا
كمن عدل عن الحاضرة إلى الفائتة عند من لم يقل بالترتيب بين الفوائت
والحاضرة فهو أيضا انتقال إلى واجب من واجب، غايته ان الانتقال غير متعين
وان كان واجبا مخيرا.
وبالجملة المحكوم عليه بالصحة هو نوع الصلاة التي شرع
فيها لا هذا الشخص بعينه، والشيخ انما قال في حق الصلوات المستقبلة.
الفرع الثاني: حيث قلنا لا يرجع فهو للتحريم، للنهي عن ابطال العمل،
ولحرمة الصلاة فلا يجوز انتهاكها.
وتفرد الفاضل بجواز العدول إلى النفل، لأن فيه الجمع بين صيانة الفريضة
عن الابطال، وأداء الفريضة بأكمل الطهارتين (4).

(1) المبسوط 1: 33.
(2) تعرض إلى ذكر ذلك المدارك 2: 248 والحدائق 4: 385 والذخيرة: 109 ومن غير
نسبة.
(3) المعتبر 1: 401.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 65.
279

والأصح المنع، لأن العدول إلى النقل ابطال للعمل قطعا، فيحافظ على
حرمة الفريضة. والحمل على ناسي الأذان والجمعة (1) قياس باطل. ولأنه لو جاز
العدول إلى النفل لجاز الابطال بغير واسطة، وهو لا يقول به. ولو ضاق الوقت
حرم ذلك قطعا.
الفرع الثالث: لو كان في صلاة غير مغنية عن القضاء كبعض الصور
السالفة عند من أوجب القضاء، وكمن ترك شراء الماء لغلائه فإنه يتيمم ويصلي
ثم يقضي عند ابن الجنيد (2) فالأجود البطلان، لوجوب الإعادة بوجود الماء بعد
الفراغ، ففي أثناء الصلاة أولى. ويمكن المنع، لعموم النهي عن الابطال،
والمحافظة على حرمة الصلاة.
المسألة السادسة: لو أحدث المتيمم في الصلاة ووجد الماء، قال المفيد: ان
كان الحدث عمدا أعاد، وان كان نسيانا تطهر وبنى (5). وتبعه الشيخ في النهاية (4)
وابن حمزة في الواسطة.
وابن أبي عقيل حكم بالبناء في المتيمم ولم يشرط النسيان في الحدث (5)
وشرطوا عدم تعمد الكلام، وعدم استدبار القبلة، وعولوا على صحيحة زرارة
ومحمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: قلت له: رجل دخل في
الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء، قال: (يخرج ويتوضأ
ثم يبني على ما بقي من صلاته التي صلى بالتيمم) (6).
وروى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) القطع والبناء إذا وجد الماء ولم

(1) نفس المصدر السابق
(2) المعتبر 1: 369.
(3) المقنعة: 8.
(4) النهاية: 48.
(5) مختلف الشيعة: 53.
(6) التهذيب 1: 204 ح 594، وفيه: (على ما مضى).
280

يذكر الحديث وقد سبقت (1) وهي دالة على اطلاق ابن أبي عقيل (2)، وقد سبق
في المبطون حكم يقرب من هذا.
والصدوق أورد الرواية الصحيحة (3)، فكأنه عامل بها لما ذكر في ديباجة
كتابه (4).
وفي التهذيب احتج بالرواية للمفيد، وأورد لزوم بناء المتوضئ لو أحدث في
أثناء الصلاة، وأجاب بان الاجماع أخرجه والأخبار.
كرواية الحسن بن الجهم عن أبي الحسن (عليه السلام) فمن صلى الظهر
أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة: (ان كان لم يتشهد قبل ان يحدث
فليعد). ورواية عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يكون في صلاته
فيخرج منه حب القرع متلطخا بالعذرة: يعيد الوضوء والصلاة (5).
وفي المعتبر حسن ما قاله الشيخان، قال: لأن الاجماع على أن الحدث عمدا
يبطل الصلاة فيخرج من اطلاق الرواية، ويتعين حملها على غير صورة العمد،
لأن الاجماع لا يصادمه (6).
قال: ولا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكراه فإنها مشهورة، ويؤيدها
ان الواقع من الصلاة وقع مشروعا مع بقاء الحدث فلا يبطل بزوال الاستباحة
كصلاة المبطون إذا فجئه الحدث بخلاف المصلي بالطهارة المائية، لأن حدثه

(1) تقدمت في صفحة 276 هامش 2.
(2) مختلف الشيعة: 53.
(3) الفقيه 1: 58 ح 214.
(4) إشارة إلى قوله: (.. بل قصدت إلى ايراد ما أفتي به وأحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني
وبين ربي تقدس ذكره...)
(5) التهذيب 1: 205 - 206 والحديثين فيه برقم 596، 597.
(6) المعتبر 1: 407.
281

مرتفع، فالحدث المتجدد رافع لطهارته فتبطل (1).
وابن إدريس رد الرواية للتسوية بين نواقض الطهارتين، وان التروك متى
كانت من النواقض لم يفترق العامد فيها والساهي. قال: وانما ورد هذا الخبر فأوله
بعض أصحابنا بصلاة المتيمم (2).
قلت: الأول محل النزاع، والرواية مصرحة بالمتيمم، فكيف يجعل تأويلا؟
وفي المختلف ردها أيضا لاشتراط صحة الصلاة بدوام الطهارة، ولما قاله
ابن إدريس. وقال: الطهارة المتخللة فعل كثير، وكل ذلك مصادرة. ثم أول
الرواية بحمل الركعة على الصلاة تسمية للكل بالجزء، وبان المراد ب‍: (ما مضى
من صلاته) ما سبق من الصلوات السابقة على وجدان الماء، أو يرجع إذا صلى
ركعة استحبابا ويبني على ما مضى من الصلوات السابقة على التيمم (3).
قلت: لفظ الرواية: (يبني على ما بقي من صلاته) وليس فيها (ما مضى)
فيضعف التأويل مع أنه خلاف منطوق الرواية صريحا.
السابعة: يجب استيعاب مواضع المسح، فلو ترك منه شئ بطل وان قل،
عمدا كان أو سهوا، ما لم يتداركه في محل الموالاة لعدم امتثال أمر الشارع. ولا
فرق بين طول الزمان وقصره إذا خرج عن الموالاة. ولا بين قدر الدرهم ولا ما
دونه.
الثامنة: التيمم لا يرفع الحدث، لما مر.
وحكاه في الخلاف عن كافة الفقهاء الا داود وبعض المالكية (4).
وقال في المعتبر: هو مذهب العلماء كافة، وقيل: يرفع، واختلف في قائلة،
قيل: هو أبو حنيفة ومالك، مع أن ابن عبد البر منهم نقل الاجماع عليه. ولأن
.

(1) المعتبر 1: 407.
(2) السرائر: 27.
(3) مختلف الشيعة: 53.
(4) الخلاف 1: 144 المسألة 92.
282

المتيمم يجب عليه استعمال الماء عند التمكن منه بحسب الحدث السابق، فلا
يكون وجود الماء حدثا والا لاستوى المحدث والجنب فيه، لكن المحدث لا يغتسل
والجنب لا يتوضأ قطعا. ولما مر قضية عمرو (1).
وقال المرتضى في شرح الرسالة: ان المجنب إذا تيمم ثم أحدث أصغر،
ووجد ماء يكفيه للوضوء توضأ به، لان حدثه الأول قد ارتفع وجاء ما يوجب
الصغرى وقد وجد من الماء ما يكفيه لها، فيجب عليه استعماله ولا يجزئه
تيممه (2)
ويمكن ان يريد بارتفاع حدثه استباحة الصلاة، وان الجنابة لم تبق مانعة
منها، فلا ينسب إلى مخالفة الاجماع.
والشيخ في الخلاف حكم في هذه الصورة بوجوب إعادة التيمم بدلا من
الجنابة، وان لا حكم لحدث الوضوء فلا يستعمل الماء فيه، واستدل بان حدث
الجنابة باق (3).
وعلى مذهب المرتضى لو لم يجد ماء للوضوء ينبغي الإعادة بدلا من
الوضوء.
ونقل في المختلف: ان الأكثر على خلافه، واحتج له بصحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل أجنب في سفر ومعه ماء بقدر ما يتوضأ
به، قال: (يتيمم ولا يتوضأ) (4) وللمرتضى أن يحمله على ما قبل التيمم عن
الجنابة، فلا يلزم مثله فيما بعده.

(1) المعتبر 1: 394 - 395. وقضية عمرو تقدمت في ص.
(2) انظر المهذب لابن فهد 1: 217.
(3) الخلاف 1: 144 المسألة 92.
(4) مختلف الشيعة: 55.
وصحيحة محمد بن مسلم في التهذيب 1: 405 ح 1272.
283

التاسعة: فاقد الماء لو كان على محاله جبائر، وتعذر نزعها، مسح عليها كما
يمسح بالماء بل أولى. فلو زالت بعد التيمم انسحب الوجهان في الطهارة المائية.
والله الموفق
284

كتاب الصلاة
معرفة أعداد الصلاة
285

الباب الثاني:
معرفة أعداد الصلاة.
ونذكر هنا اليومية وسننها والباقي يأتي إن شاء الله تعالى. وقد تضمنت
الاخبار من طريقي الخاصة والعامة: (إن الله تعالى أمر النبي صلى الله عليه وآله
بخمسين صلاة ليلة المعراج، فمر على النبيين صلى الله عليهم لا يسألونه عن
شئ، حتى مر على موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام فسأله فأجابه، فقال:
سل ربك التخفيف فان أمتك لا تطيق ذلك، فسأل ربه فحط عشرا. ثم عاد ثانية
فقال له: سل ربك التخفيف، فحط عشرا. وهكذا خمس مرات حتى صارت
خمسا) (1) فعن زين العابدين عليه السلام: خمس بخمسين لآية المضاعفة (2).
فالمفروض خمس: الظهر، والعصر، والعشاء الآخرة. وكل واحدة أربع
ركعات بتشهدين وتسليم حضرا، وركعتان بتشهد وتسليم سفرا. والمغرب ثلاث
ركعات، بتشهدين وتسليم حضرا وسفرا. والصبح ركعتان حضرا وسفرا.
واما الوتر، فمن خصائص النبي صلى الله عليه وآله، لما روي عنه صلى
الله عليه وآله انه قال: (ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم: الوتر، والنحر،
وركعتا الفجر) (3).

(1) تفسير القمي 2: 12، الفقيه 1: 125 ح 602، صحيح البخاري 1: 98، الجامع الصحيح
1: 417 ح 213، سنن النسائي 1: 200.
(2) الفقيه 1: 126 ح 603، أمالي الصدوق: 371، التوحيد: 176، علل الشرائع:
132.
(3) سنن الدارقطني 2: 21، المستدرك على الصحيحين 1: 300.
287

وعن علي عليه السلام: (الوتر ليس بحتم، وانما هو سنة) (1).
وروى الأصحاب عن الصادق عليه السلام بطريق محمد الحلبي: (انما
كتب الله الخمس، وليست الوتر مكتوبة) (2).
وروى عنه أبو أسامة: (الوتر سنة لا فريضة) (3).
وهذا كله إجماع وان خالف بعض العامة في الوتر، لقول النبي صلى الله
عليه وآله: (ان الله زادكم صلاة، وهي: الوتر) (4)، والتمسك به ضعيف، لان
الزيادة أعم من الوجوب. وروى الأصحاب عن عبيد، عن أبيه، عن الباقر عليه
السلام: (الوتر في كتاب علي عليه السلام واجب) (5) وأول بالتأكيد. ومن
الحجة على عدم وجوب الوتر: الاجماع على تحقيق الصلاة الوسطى، ولو كان
واجبا لانتفت.
والصلاة الوسطى هي الظهر، ونقل الشيخ في الخلاف فيه إجماع
الفرقة (6) وقال ابن الجنيد: عندنا هي الظهر (7) ورواية البزنطي عن الصادق عليه
السلام وزرارة عن الباقر عليه السلام، قال: (حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى) (وهي صلاة الظهر، وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه

(1) المصنف لعبد الرزاق 3: 3 ح 4569، الصنف لابن أبي شيبة 2: 296، مسند أحمد 1:
86، سنن الدارمي 2: 371، سنن ابن ماجة 1: 370 ح 1169، الجامع الصحيح 2: 316
ح 453.
(2) التهذيب 2: 11 ح 22، عن الحلبي عن الصادق عليه السلام.
(3) التهذيب 2: 243 ح 961.
(4) المصنف لعبد الرزاق 3: 7 ح 4582، المصنف لابن أبي شيبة 2: 297، مسند أحمد 2:
206، سنن الدارقطني 2: 31، السنن الكبرى 2: 469.
(5) التهذيب 2: 243 ح 962.
(6) الخلاف 1: 294 المسألة 40.
(7) مختلف الشيعة: 123.
288

وآله، وهي وسط بين صلاتين بالنهار: صلاة الغداة، والعصر) (1) ولأنها وسط بين
نافلتين متساويتين، وبه علل ابن الجنيد (2).
ونقل المرتضى اجماع الشيعة على انها العصر (3) وبما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله انه قال: (شغلونا عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر) (4)
ولأنها وسط بين صلاتي نهار وصلاتي ليل.
وأما المستحب في اليوم والليلة من النوافل الراتبة، فالمشهور أربع
وثلاثون ركعة: ثمان قبل الظهر، وثمان قبل العصر، وأربع بعد المغرب،
وركعتان تصليان جلوسا بعد العشاء الآخرة، وثمان في الليل، وركعتا الشفع،
وركعة الوتر، وركعتا الصبح قبلها. ولا نعلم فيه مخالفا من الأصحاب، ونقل
فيه الشيخ الاجماع منا (5).
ونقل الراوندي ان بعض الأصحاب يجعل الست عشرة للظهر، وصحح
المشهور.
وابن الجنيد جعل قبل العصر ثماني ركعات، للعصر منها ركعتان (6)،
وفيه إشارة إلى أن الزائد ليس لها، ولم يخالف في العدد، ويشهد لقوله رواية
عمار الآتية في التنبيه السابع (7). ومعظم الأخبار والمصنفات خالية من التعين

(1) رواية زرارة في الكافي 3: 271 ح 1، الفقيه 1: 124 ح 600، التهذيب 2: 241 ح 954.
والآية في سورة البقرة: 238.
(2) مختلف الشيعة: 123
(3) المسائل الميافارقيات 1: 275.
(4) مسند أحمد 1: 113، صحيح مسلم 1: 437 ح 205، سنن أبي داود 1: 112 ح 409،
مسند أبي يعلى 1: 314 ح 390، السنن الكبرى 1: 460.
(5) الخلاف 1: 525 المسألة 266.
(6) مختلف الشيعة: 123.
(7) ستأتي في ص 301 الهامش 6.
289

للعصر وغيرها.
وعلى ما فصلناه دل ما رواه الشيخ في التهذيب باسناده إلى إسماعيل بن
سعد عن الرضا عليه السلام: (الصلاة إحدى وخمسون ركعة) (1) ومثله روى
الفضيل بن يسار والفضل بن عبد الملك وبكير عن الصادق عليه السلام (2).
وسأل عمرو بن حريث أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة رسول الله صلى
الله عليه وآله، فقال: (كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي ثماني ركعات
الزوال، وأربعا الأولى، وثماني بعدها، وأربعا العصر، وثلاثا المغرب، وأربعا
بعد المغرب، والعشاء الآخرة أربعا، وثماني صلاة الليل، وثلاثا الوتر، وركعتي
الفجر، وصلاة الغداة ركعتين) (3).
وهذا الخبر لم يتضمن نافلة العشاء الآخرة، وهو مذكور في خبر الفضيل
ابن يسار (4) والحارث بن المغيرة عن الصادق عليه السلام (5). وفي رواية الحارث:
(كان أبي يصليهما وهو قاعد، وأنا أصليهما وأنا قائم) (6). وفي خبر سليمان بن
خالد عنه عليه السلام: (ركعتان بعد العشاء الآخرة، تقرأ فيهما مائة آية قائما أو
قاعدا، والقيام أفضل) (7). وروى البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام مثله (8)
وقال: (وركعتين بعد العشاء من قعود تعد بركعة) (9). والجمع بينهما بجوارها من
قعود ومن قيام.

(1) الكافي 3: 446 ح 16 التهذيب 2: 3 ح 1، الاستبصار 1: 218 ح 771.
(2) الكافي 3: 443 ح 3، التهذيب 2: 4 ح 3، الاستبصار 1: 218 ح 773.
(3) الكافي 3: 443 ح 5، التهذيب 2: 4 ح 4، الاستبصار 1: 218 ح 774.
(4) الكافي 3: 443 ح 2.
(5) التهذيب 2: 4 ح 5.
(6) التهذيب 2: 4 ح 5.
(7) التهذيب 2: 5 ح 8.
(8) اي: مثل الحديث المتقدم في الهامش 3.
(9) الكافي 3: 444 ح 8، التهذيب 2: 8 ح 14.
290

وقد روي في غير المشهور عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام:
(الذي يستحب أن لا ينقص منه: ثمان للزوال، وبعد الظهر ركعتان، وقبل
العصر ركعتان، وبعد المغرب ركعتان، وقبل العتمة ركعتان)، ثم ذكر
الليلة ونافلة الصبح (1) ومثله روى ابن بابويه عن الباقر عليه السلام في صفة
صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله (2) ومثله روى عن يحيى بن حبيب عن الرضا
عليه السلام (3) فذلك تسع وعشرون ركعة.
وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: انها سبع وعشرون، اقتصر
بعد المغرب على ركعتين (4).
وكله محمول على المؤكد من المستحب، ولا ينافي مطلق الاستحباب.

(1) التهذيب 2: 6 ح 11، الاستبصار 1: 219 ح 777.
(2) الفقيه 1: 146 ح 678.
(3) التهذيب 2: 6 ح 10، الاستبصار 1: 219 ح 776.
(4) التهذيب 2: 7 ح 12.
291

تنبيهات:
الأول: قال ابن بابويه: أفضل هذه الرواتب: ركعتا الفجر، ثم ركعة
الوتر، ثم ركعتا الزوال، ثم نافلة المغرب، ثم تمام صلاة الليل، ثم تمام نوافل
النهار (1).
وقال ابن أبي عقيل لما عد النوافل: وثماني عشرة ركعة بالليل، منها نافلة
المغرب والعشاء. ثم قال: بعضها أوكد من بعض، فأوكدها الصلوات التي
تكون بالليل، لا رخصة في تركها في سفر ولا حضر (2). ولعله لكثرة ما ورد في
صلاة الليل من الثواب: فروي في (من لا يحضره الفقيه): (إن جبرائيل عليه
السلام قال للنبي صلى الله عليه وآله: شرف المؤمن صلاته بالليل) (3).
وقال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: (عليك بصلاة الليل
ثلاثا) (4) ولأبي ذر: (من ختم له بقيام الليل، ثم مات، فله الجنة) (5).
وعن بحر السقاء عن الصادق عليه السلام: (ان من روح الله التهجد
بالليل) (6).
وروى عنه الفضيل بن يسار: ان البيوت التي يصلي فيها بالليل بتلاوة
القرآن، تضئ لأهل السماء كما تضئ نجوم السماء لأهل الأرض) (7).
ومدح الله عز وجل عليا عليه السلام بقيام الليل بقوله تعالى: (أمن هو

(1) الفقيه 1: 314.
(2) مختلف الشيعة: 123.
(3) الفقيه 1: 298 ح 1363، الخصال 1: 7.
(4) الفقيه 1: 307 ح 1402، وفي المحاسن: 17، والكافي 8: 79 ح 33.
(5) الفقيه 1: 300 ح 1376، التهذيب 2: 122 ح 465.
(6) الفقيه 1: 298 ح 1364، أمالي الطوسي 1: 175.
(7) الفقيه 1: 299 ح 1370، ثواب الأعمال: 66، التهذيب 2: 122 ح 464.
292

قانت آناء الليل ساجدا وقائما) (1) في أخبار كثيرة رواها هو وغيره.
وفي الخلاف: ركعتا الفجر أفضل من الوتر، باجماعنا، وروت عائشة ان
النبي صلى الله عليه وآله قال: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) (2).
في المعتبر: ركعتا الفجر أفضل من الوتر، لما رووه عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وآله: (صلوهما ولو طردتكم الخيل). وعن عائشة: لم يكن
النبي صلى الله عليه وآله على شئ من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتين
قبل الصبح. وروينا عن علي عليه السلام في قوله تعالى (ان قرآن الفجر كان
مشهودا) قال: (ركعتا الفجر تشهدهما ملائكة الليل والنهار). وعن الصادق
عليه السلام: (من كان يؤمن بالله فلا يبيتن الا بوتر) (3).
قلت: وفيه دلالة على رجحانها على غيرها خرج منه ركعتا الفجر.
قال فيه أيضا: ثم نافلة المغرب، لرواية الحارث ابن المغيرة عن أبي
عبد الله عليه السلام: (لا تدع أربع ركعات بعد المغرب في سفر ولا حضر وان
طلبتك الخيل) (4). وخبر الخفاف الآتي يدل عليه.

(1) الفقيه 1: 299 ح 1371.
والآية في سورة المزمر: 9.
(2) الخلاف 1: 523 المسألة 264.
والرواية في: مسند أحمد 6: 265، صحيح مسلم 1: 501 ح 725، الجامع الصحيح
2: 275 ح 416، سنن السنائي 3: 252، السنن الكبرى 2: 470.
(3) المعتبر 2: 16 - 17.
ورواية أبي هريرة في السنن الكبرى 2: 471.
ورواية عائشة في: مسند أحمد 6: 54، صحيح مسلم 1: 501 ح 724، سنن أبي داود
2: 19 ح 1254.
ونحو رواية علي عليه السلام في: الكافي 8: 338 ح 536، والفقيه 1: 291 ح 1321،
وعلل الشرائع: 324، عن علي بن الحسين عليه السلام.
ومثل رواية الصادق في: علل الشرائع: 330 عن الباقر عليه السلام.
(4) المعتبر 2: 17.
ورواية الحارث في: التهذيب 2: 113 ح 423.
وراوية أبي بصير في: المحاسن: 53، الخصال: 610، التهذيب 2: 121 ح 457.
293

قال أيضا: ثم صلاة الليل، لرواية أبي بصير عنه عليه السلام عن آبائه
عن علي عليه السلام، قال: (قيام الليل مصحة للبدن، ورضى الرب، وتمسك
بأخلاق النبيين، وتعرض لرحمته).
قلت: هذه التمسكات غايتها الفضيلة، اما الأفضلية فلا دلالة فيها
عليها. وتظهر الفائدة في الترغيب في الأفضل ونذره، وغير ذلك.
الثاني: يكره الكلام بين المغرب ونافلتها، لرواية أبي الفوارس: نهاني
أبو عبد الله عليه السلام أن أتكلم بين الأربع التي بعد المغرب (1).
وعن أبي العلاء الخفاف عنه عليه السلام: (من صلى المغرب ثم عقب
ولم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين، فان صلى أربعا كتبت له
حجة مبرورة) (2). ونقله ابن بابويه عن الصادق عليه السلام (3) مع ضمانه صحة
ما يورده في كتابه.
الثالث: في موضع سجدتي الشكر بعد المغرب روايتان يجوز العمل
بهما، إحداهما:
رواية حفص الجواهري عن الهادي عليه السلام انها بعد السبع (4).
والثانية: رواية جهم، قال: رأيت أبا الحسن الكاظم عليه السلام وقد
سجد بعد الثلاث، وقال: (لا تدعها، فان الدعاء فيها مستجاب) (5). مع امكان
حمل هذه على سجدة مطلقة وان كان بعيدا.
وقد روى استجابة الدعاء عقيب المغرب وبعد الفجر، وبعد الظهر وفي

(1) الكافي 3: 443 ح 7، التهذيب 2: 114 ح 425.
(2) التهذيب 2: 113 ح 422.
(3) الفقيه 1: 143 ح 664.
(4) التهذيب 2: 114 ح 426، الاستبصار 1: 347 ح 1308.
(5) الفقيه 1: 217 ح 967، التهذيب 2: 114 ح 427، الاستبصار 1: 347 ح 1309.
294

الوتر: الفضل بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام (1).
ويستحب أن يقال في السجدة بعد السبع ليلة الجمعة سبع مرات:
(اللهم إني أسألك بوجهك الكريم، واسمك العظيم، أن تصلي على محمد
وآل محمد، وان تغفر لي ذنبي العظيم) (2).
الرابع: كل النوافل يسلم فيها بعد الركعتين، الا الوتر فإنه بعد الركعة،
لما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: (مفتاح الصلاة الطهور، وبين كل
ركعتين تسليمة) (3).
وعنه صلى الله عليه وآله: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، رواه ابن
عمر (4).
ومنع في المبسوط من الزيادة على ركعتين (5) اقتصارا على ما نقل عن
النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته. وقال في الخلاف: إن فعل خالف السنة،
واحتج باجماعنا، وبما رواه ابن عمر: ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه
وآله عن صلاة الليل، فقال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم
الصبح، صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)، ثم ذكر الخبر السابق عن ابن
عمر، وقال: فدل على أن ما زاد على مثنى لا يجوز (6). وظاهر كلامه في
الكتابين عدم شرعيته وانعقاده.

(1) الكافي 3: 343 ح 17، التهذيب 2: 114 ح 428.
(2) الكافي 3: 428 ح 1، الفقيه 1: 273 ح 1249، التهذيب 2: 115 ح 431.
(3) السنن الكبرى 2: 380.
(4) سنن ابن ماجة 1: 419 ح 1322، سنن أبي داود 2: 29 ح 1295، الجامع الصحيح 2:
491 ح 597، سنن النسائي 3: 227، سنن الدارقطني 1: 417.
(5) المبسوط 1: 71.
(6) الخلاف 1: 527 المسألة 267.
ورواية ابن عمر في: الموطأ 1: 123، صحيح البخاري 2: 30، صحيح مسلم 1: 516
ح 749، سنن أبي داود 2: 36 ح 1326، الجامع الصحيح 2: 300 ح 437.
295

وهل تجوز الركعة الواحدة في غير الوتر؟ منع منه في الخلاف والمعتبر (1)
اقتصارا على المتفق عليه من فعل النبي صلى الله عليه وآله (2)، ولرواية ابن
مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله انه نهى عن البتيراء (3)، يعني: الركعة
الواحدة.
وقد ذكر الشيخ في المصباح عن زيد بن ثابت صلاة الأعرابي عند ارتفاع
نهار الجمعة عشر ركعات: يقرأ في الركعتين الأوليين الحمد مرة والفلق سبعا،
وفي الثانية بعد الحمد الناس سبعا، ويسلم ويقرأ آية الكرسي سبعا، ثم يصلي
ثماني ركعات بتسليمتين، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة، والنصر مرة،
والاخلاص خمسا وعشرين مرة. ثم يدعوا بالمرسوم (4). ولم يذكر سندها، ولا
وقفت لها على سند من طرق الأصحاب.
قال ابن إدريس: قد روي رواية في صلاة الأعرابي، فان صحت لا
تعدي، لان الاجماع على أن الركعتين بتسليمة (5).
الخامس: تسقط في السفر نوافل الظهرين عند علمائنا، لرواية أبي بصير
عن الصادق عليه السلام: (الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما ولا بعدهما
شئ، الا المغرب فان بعدها أربع ركعات، لا تدعهن في حضر ولا سفر) (6).
ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليها السلام: (لا تصل قبل
الركعتين ولا بعدهما شيئا نهارا) (7).

(1) الخلاف 1: 119 المسألة 221، المعتبر 2: 18.
(2) راجع: صحيح مسلم 1: 508 ح 736، سنن ابن ماجة 1: 418 ح 1318، السنن الكبرى
2: 486.
(3) النهاية لابن الأثير 1: 93، الفائق 1: 72، وراجع: كشف الخفاء 1: 330 ح 877.
(4) مصباح المجتهد: 281.
(5) السرائر: 39.
(6) الكافي 3: 349 ح 3، التهذيب 2: 14 ح 36.
(7) التهذيب 2: 14 ح 32.
296

رواية أبي يحيى الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام، انه قال له: (يا
بني: لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة) وقد سأله عن نافلة النهار
سفرا (1).
ورواية صفوان بن يحيى عن الرضا عليه السلام (2).
وروى معاوية بن عمار وحنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام،
قضاءها للمسافر ليلا (3). وحمله الشيخ على الجواز، لقوله عليه السلام: (أكره
أن أقول لهم لا تصلوا، والله ما ذلك عليهم) رواه عمر بن حنظلة عنه، حيث
سأله عن قضائها ليلا فنهاه، فقال: سألك أصحابنا فقلت: أقضوا (4).
وتثبت الليلية سفرا، لرواية الحارث بن المغيرة عنه عليه السلام: (كان
أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر ولا في حضر) (5) وهو شامل لنافلة
الصبح، وتختص بقول الرضا عليه السلام: (صل ركعتي الفجر في
المحمل) (6).
واختلف في الوتيرة، فالمشهور سقوطها، وادعي فيه ابن إدريس
الاجماع (7) لروايتي أبي بصير وأبي بصير وأبي يحيى السابقتين (8).
وفي النهاية: يجوز فعلها (9) لرواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه
السلام: (انما صارت العشاء مقصورة وليست تترك ركعتاها لأنها زيادة في

(1) الفقيه 1: 285 ح 1293، التهذيب 2: 16 ح 44، الاستبصار 1: 221 ح 780.
(2) التهذيب 2: 16 ح 45، 46، 48، الاستبصار 1: 221 ح 781 - 783.
(3) التهذيب 2: 16 ح 45، 46، 48، الاستبصار 1: 221 ح 781 - 783
(4) التهذيب 2: 17 ح 47، الاستبصار 1: 222 ح 784.
(5) التهذيب 2: 15 ح 39.
(6) الكافي 3: 441 ح 12، التهذيب 2: 15 ح 38.
(7) السرائر: 39.
(8) تقدمنا في ص 296 الهامش 6 والهامش 1 من هذه الصفحة.
(9) النهاية: 125.
297

الخمسين تطوعا، ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوع) (1).
قلت: هذا قوي، لأنه خاص ومعلل وما تقدم خال منهما، الا ان ينعقد
الاجماع على خلافه.
السادس: تستحب الضجعة بعد نافلة الفجر على الجانب الأيمن، رواه
أبو هريرة وعائشة عن أمر النبي صلى الله عليه وآله (2) وفعله (3).
وروينا عن سليمان بن خالد، قال: سألته يعني أبا عبد الله عليه
السلام عما أقول إذا اضطجعت على يميني بعد ركعتي الفجر، فقال عليه
السلام: (اقرأ الخمس التي في آخر آل عمران إلى (الميعاد)، وقل:
استمسكت بعروة الله الوثقى التي لا انفصام لها، واعتصمت بحبل الله المتين،
وأعوذ بالله من شر فسقة العرب والعجم. آمنت بالله، توكلت على الله، ألجأت
ظهري إلى الله، فوضت أمري إلى الله، من يتوكل على الله فهو حسبه، ان الله
بالغ أمره، قد جعل الله لكل شئ قدرا، حسبي الله ونعم الوكيل. اللهم من
أصبحت حاجته إلى مخلوق فان حاجتي ورغبتي إليك. الحمد لرب الصباح،
الحمد لفالق الاصباح ثلاثا) (4).
هذه الضجعة ذكرها الأصحاب (5) وكثير من العامة (6) قال الأصحاب:
ويجوز بدلها السجدة والمشي والكلام، الا ان الضجعة أفضل (7).
روى إبراهيم بن البلاد، قال: صليت خلف الرضا عليه السلام في

(1) الفقيه 1: 290 ح 1320، علل الشرائع: 267، عيون أخبار الرضا 2: 113.
(2) مسند أحمد 2: 415، سنن أبي داود 2: 21 ح 1261، الجامع الصحيح 2: 281 ح 420.
(3) صحيح البخاري 2: 31، صحيح مسلم 1: 508 ح 736، الجامع الصحيح 2: 282
ج 420.
(4) التهذيب 2: 136 ح 530.
(5) راجع: المقنعة: 22، المبسوط 1: 132، السرائر: 68، المعتبر 2: 19.
(6) المجموع 4: 27، المغني 1: 799.
(7) راجع الهامش 5.
298

المسجد الحرام صلاة الليل، فلما فرغ جعل مكان الضجعة سجدة (1).
قلت: في هذا ايماء إلى الاقتداء بالنافلة، وتصريح بصلاة النافلة في
المسجد، مع إمكان حمل قوله (خلف) على المكان.
وفي مرسلة الحسين بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام: (يجرئك من
الاضطجاع بعد ركعتي الفجر القيام والقعود والكلام) (2) ونحوه رواية زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام (3).
وروى سليمان بن حفص، قال: قال أبو الحسن الأخير: (إياك والنوم
بين صلاة الليل والفجر، ولكن ضجعة بلا نوم، فان صاحبه لا يحمد على ما
قدم من صلاته) (4).
وروى عمر بن يزيد، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (ان خفت
الشهرة في التكأة، أجزأك أن تضع يديك على الأرض ولا تضطجع) وأومأ
بأطراف أصابعه من كفه اليمنى فوضعها في الأرض قليلا (5).
وروى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام، فيمن نسي ان يضطجع
على يمينه بعد ركعتي الفجر فذكر حين أخذ في الإقامة، كيف يصنع؟ قال:
(يتيمم ويصلي ويدع ذلك فلا بأس) (6).
وكل هذه متضافرة في استحباب الضجعة ورجحانها على غيرها.
ويستحب ان يصلي على النبي وآله مائة مرة بين ركعتي الفجر وفريضتها،
ليقي الله وجهه من النار، رواه الصدوق (7).

(1) الكافي 3: 448 ح 26، التهذيب 2: 137 ح 531.
(2) التهذيب 2: 137 ح 532.
(3) التهذيب 2: 137 ح 533، 339 ح 1400، الاستبصار 1: 349 ح 1320.
(4) لتهذيب 2: 137 ح 534.
(5) التهذيب 2: 338 ح 1398.
(6) التهذيب 2: 338 ح 1399، وفيه: (يقيم ويصلي).
(7) الفقيه 1: 314 ح 1426.
299

السابع: قال في المعتبر: لا يجوز التنفل قبل المغرب، لأنه إضرار
بالفريضة، ولما رواه أبو بكر عن جعفر عليه السلام: (إذا دخل وقت صلاة
مفروضة فلا تطوع)، ونحوه رواية أديم بن الحر عنه عليه السلام (1).
قال: وذهب إليه قوم من أصحاب الحديث من الجمهور (2).
قلت: احتجوا بما روي في الصحيحين عن عبد الله بن مغفل عن النبي
صلى الله عليه وآله انه قال: (صلوا قبل المغرب ركعتين) قاله ثلاثا، وفي
الثالثة: (لمن شاء) كراهة أن يتخذها الناس سنة (3). وروي عن أنس، قال:
صليت ركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله (4).
وعورضوا: بما روي عن ابن عمر، قال: ما رأيت أحدا على عهد رسول
الله صلى الله عليه وآله يصليهما (5). وعن عمر: انه كان يضرب عليهما (6).
الا ان الاثبات أصح إسنادا، وشهادة ابن عمر على النفي. وفعل عمر
جاز ان يستند إلى اجتهاده. واحتجاج المحقق على المنع بالاضرار ممنوع كما
في الرواتب قبل الفرائض. ونفي التطوع في الخبر جاز أن يكون لنفي الأفضلية
لا لنفي الصحة، ولأنه مخصوص بالرواتب الباقية، ويمكن حمله على التطوع
بقضاء النافلة، مع أنه معارض بما روي في التهذيب.
عن سماعة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي
المسجد وقد صلى أهله، أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال: (إن كان في وقت

(1) المعتبر 2: 20.
والروايتان في التهذيب 2: 167 ح 660، 663، الاستبصار 1: 292 ح 1071.
(2) المعتبر 2: 20.
(3) صحيح البخاري 2: 74، سنن أبي داود 2: 26 ح 1281، السنن الكبرى 2: 474.
(4) صحيح مسلم 1: 573 ح 836، مسند أبي يعلى 7: 43 ح 3956، السنن الكبرى 2: 475.
(5) السنن الكبرى 2: 476.
(6) صحيح مسلم 1: 573 ح 836.
300

حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة، وان خاف فوت الوقت فليبدأ
بالفريضة) (1).
وعن إسحاق بن عمار، قال: قلت: أصلي في وقت فريضة نافلة، قال:
(نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام يقتدي به، فإذا كنت وحدك فابدأ
بالمكتوبة) (2).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن رجل نام
عند الغداة حتى طلعت الشمس، فقال: (يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة) (3).
وعن عبد الله بن سنان عنه عليه السلام: (ان رسول الله صلى الله عليه
وآله رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس، فركع ركعتين ثم
صلى الصبح) (4).
قال في التهذيب: انما يجوز التطوع بركعتين ليجمع الناس ليصلوا
جماعة كما فعل النبي صلى الله عليه وآله، فاما إذا كان الانسان وحده فلا يجوز
ان يبدأ بشئ من التطوع (5).
وعن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: (لكل صلاة مكتوبة ركعتان
نافلة، الا العصر فإنه يقدم نافلتها، وهي الركعتان التي تمت بهما الثماني بعد
الظهر. فإذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا،
حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثم اقض
ما شئت) (6)

(1) الكافي 3: 288 ح 3، الفقيه 1: 257 ح 1165، التهذيب 2: 264 ح 1051.
(2) الكافي 3: 289 ح 4، التهذيب 2: 264 ح 1052.
(3) التهذيب 2: 265 ح 1057، الاستبصار 1: 286 ح 1048.
(4) التهذيب 2: 265 ح 1058، الاستبصار 1: 286 ح 1049.
(5) التهذيب 2: 265.
(6) التهذيب 2: 273 ح 1086.
301

وهذه الأخبار يستفاد منها جواز النافلة في وقت الفريضة، وخصوصا إذا
كانت الجماعة منتظرة. نعم، قد قال ابن أبي عقيل انه قد تواترات الأخبار عنهم
عليهم السلام انهم قالوا: (ثلاثة صلوات إذا دخل وقتهن لا يصلى بين أيديهن
نافلة: الصبح، والمغرب، والجمعة إذا زالت الشمس) (1) فان صح هذا صلح
للحجة، ومثله أورده الجعفي.
وقد اشتملت تلك الأحاديث على جواز التطوع أداء وقضاء لمن عليه
فريضة، وقد عرضها نحو رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: (لا يتطوع
بركعة حتى يقضي الفرضية) (2) مع امكان حمله على الكراهية. فعلى هذا تجوز
نافلة الطواف والزيارة وشبهها لمن عليه فريضة إذا كان لا يضر بها.
الثامن: قال ابن الجنيد: يستحب الاتيان بصلاة الليل في ثلاثة أوقات،
لقوله تعالى (ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار)، وقد رواه أهل البيت
عليهم السلام (3).
قلت: أشار إلى ما رواه معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه
السلام يقول وذكر صلاة النبي صلى الله عليه وآله، قال: (كان يأتي بطهور
فيخمر عند رأسه، ويوضع سواكه تحت فراشه، ثم ينام ما شاء الله. فإذا استيقظ
جلس ثم قلب بصره في السماء، ثم تلا الآيات من آل عمران: (ان في خلق
السماوات والأرض) ثم يستن ويتطهر، ثم يقوم إلى المسجد فيركع أربع
ركعات، على قدر قراءته ركوعه، وسجوده على قدر ركوعه، يركع حتى يقال
متى يرفع رأسه، ويسجد حتى يقال متى يرفع رأسه، ثم يعود إلى فراشه فينام
ما شاء الله.

(1) الحديث في أمالي الطوسي 2: 306.
(2) الكافي 3: 292 ح 3، التهذيب 2: 266 ح 1059، الاستبصار 1: 286 ح 1046.
(3) مختلف الشيعة: 124.
والآية في سورة طه: 130.
302

ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء،
ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد، فيصلى أربع ركعات كما ركع قبل ذلك،
ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله. ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل
عمران ويقلب بصره في السماء، ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد، فيوتر
ويصلي الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة) (1). ومعنى يستن: يستاك.
ودلت رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام على جواز الجمع، قال:
(انما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلي صلاة جملة واحدة ثلاث
عشرة ركعة) (2). وروايات على فعلها آخر الليل:
كرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: (ومن السحر ثماني
ركعات) (3).
ورواية زرارة: (وثلاث عشرة ركعة من آخر الليل) (4).
ورواية زرارة عن الباقر عليه السلام: (بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة
ركعة) (5).
ورواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام: (كان رسول الله
صلى الله عليه وآله لا يصلي شيئا الا بعد انتصاف الليل) (6).
ورواية سليمان بن حفص عن العسكري السلام، قال: (إذا بقي

(1) التهذيب 2: 334 ح 1377.
والآية في سورة آل عمران: 164.
(2) التهذيب 2: 137 ح 533، الاستبصار 1: 349 ح 1320.
(3) التهذيب 2: 6 ح 11، الاستبصار 1: 219 ح 777.
(4) التهذيب 2: 7 ح 12.
(5) التهذيب 2: 7 ح 13.
(6) التهذيب 2: 118 ح 443.
303

ثلث الليل الأخير، ظهر بياض من قبل المشرق فأضاءت له الدنيا، فيكون ساعة
ثم يذهب وهو وقت صلاة الليل، ثم يظلم الفجر، ثم يطلع الفجر الصادق
من قبل المشرق) (1).
وكل هذه الروايات ليس بينها تناف، لا مكان كون التفريق بعد
الانتصاف، وكون التفريق من خصوصياته عليه السلام.
التاسع: الشفع مفصول عن الوتر بالتسليم في أشهر الروايات، كما رواه
سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن الوتر أفصل أم وصل؟
قال: (فصل) (2)، وغيرها من الروايات.
وقد روى يعقوب بن شعيب ومعاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه
السلام: التخيير بين التسليم وتركه (3). وروى كردويه الهمداني، قال: سألت
العبد الصالح عن الوتر، فقال: (صله) (4).
وأشار في المعتبر إلى ترك هذه الروايات عندنا (5).
والشيخ أجاب عنها تارة بالحمل على التقية. وتارة بان التسليم المخير
فيه هو (السلام عليكم) الأخيرة، ولا ينفي (السلام علينا) إلى آخره. وأخرى ان
المراد بالتسليم ما يستباح به من الكلام وغيره، تسمية للمسبب باسم السبب،
مثلما روى منصور عن مولى لأبي جعفر عليه السلام قال: (ركعتا الفجر (6) ان
شاء تكلم بينهما وبين الثالثة، وان شاء لم يفعل) (7) وكل هذا محافظة على

(1) الكافي 3: 283 ح 6، التهذيب 2: 118 ح 445.
(2) التهذيب 2: 128 ح 492، الاستبصار 1: 308 ح 1314.
(3) التهذيب 2: 129 ح 494، 495، الاستبصار 1: 348 ح 1315، 1316.
(4) التهذيب 2: 129 ح 496، الاستبصار 1: 349 ح 1317.
(5) المعتبر 2: 15.
(6) كذا، وفي المصدر: (الوتر).
(7) التهذيب 2: 129 والحديث فيه برقم 497، وفي الاستبصار 1: 349 ح 1318.
304

المشهور من الفصل
العاشر: يستحب الاستغفار في قنوت الوتر سبعين مرة، رواه معاوية بن
عمار عن الصادق عليه السلام (1).
وعن أبي بصير قلت له: (المستغفرين بالأسحار)، فقال: (استغفر رسول
الله صلى الله عليه وآله في وتره سبعين مرة)) (2).
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
(القنوت في الوتر الاستغفار، وفي الفريضة الدعاء) (3).
ويجوز الدعاء فيه على العدو رواه عبد الله بن سنان عنه عليه
السلام، قال: (وان شئت سميتهم وتستغفر) (4) ورواه العامة عن النبي صلى الله
عليه وآله (5).
ويجوز في القنوت ما شاء. روى حماد عن الحلبي، عنه عليه السلام في قنوت الوتر شئ مؤقت يتبع؟ فقال: (لا، اثن على الله عز وجل، وصل على
النبي صلى الله عليه وآله، واستغفر لذنبك العظيم)، ثم قال: (كل ذنب
عظيم) (6). قلت: فيه إشارة إلى تقوية من قال: كل الذنوب كبائر (7). وانما كان كل
ذنب عظيما، لاشتراك الذنوب في الاقدام على مخالفة أمر الله ونهيه، فهي
بالنسبة إليه واحدة، وبالنسبة إلى جلاله عظيمة.

(1) التهذيب 2: 130 ح 498.
(2) التهذيب 1: 130 ح 501.
(3) الكافي 3: 340 ح 9، الفقيه 1: 311 ح 1414، التهذيب 2: 131 ح 503.
(4) الفقيه 1: 309 ح 1410، التهذيب 2: 131 ح 504.
(5) صحيح مسلم 1: 466 ح 675، شرح معاني الآثار 1: 241، السنن الكبرى 2: 197.
(6) الكافي 3: 450 ح 31، التهذيب 2: 130 ح 502.
(7) راجع: التبيان 3: 182، مجمع البيان 2: 38، التفسير الكبير 10: 73، تفسير القرطبي 5: 159 في
تفسير آية: (ان تجتنبوا كبائر...) النساء 31.
305

واستحب العامة أن يقال فيه ما رواه الحسن بن علي عليه السلام، قال:
(علمني رسول الله صلى الله عليه وآله كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم
اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما
أعطيت، وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وانه لا يذل من
واليت، تباركت ربنا وتعاليت) (1). واستحبه فيه الصدوق (2) وذكره المفيد رحمه
الله أيضا في قنوت الوتر (3).
ويستحب الدعاء فيه بما ذكره في المقنعة (4) وبما ذكره الشيخ في
المصباح (5). والدعاء فيه لاخوانه بأسمائهم وأقلهم أربعون، ليستجاب دعاؤه،
وذكر ابن حمزة وبعض المصريين من الشيعة انه يذكرهم من أصحاب النبي
صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، ويزيد عليهم ما شاء (6).
الحادي عشر: يجوز الجلوس في النافلة مع الاختيار، قال في المعتبر:
وهو اطباق العلماء (7). وينبه عليه جواز الاحتياط المعرض للنافلة من جلوس
فالنافلة المحققة أولى، ولما رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله: (صلاة
الرجل قاعدا نصف الصلاة (8).
وعنه صلى الله عليه وآله: (من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا

(1) المصنف لعبد الرزاق 3: 117 ح 4984، سنن الدارمي 1: 373، سنن ابن ماجة 1: 372 ح 1178، سنن أبي داود 2: 63 ح 1420، الجامع الصحيح 2: 328 ح 464.
(2) الفقيه 1: 308 ح 1405.
(3) المقنعة: 128.
(4) المقنعة: 128.
(5) مصباح المتهجد: 133.
(6) الوسيلة: 116.
(7) المعتبر 2: 23.
(8) المصنف لعبد الرزاق 2: 472 ح 4123، صحيح مسلم 1: 507 ح 735، سنن أبي داود 1:
250 ح 950.
306

فله نصف أجر القائم) (1).
وعن عائشة: لم يمت النبي صلى الله عليه وآله حتى كان كثيرا من صلاته
وهو جالس (2).
وروى الأصحاب عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن رجل يكسل أو يضعف فيصلي التطوع جالسا، قال: (يضعف
ركعتين بركعة)) (3).
وروى سدير عن أبي جعفر عليه السلام: (ما أصلي النوافل الا قاعدا منذ
حملت هذا اللحم) (4).
وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام، وسأله عمن صلى جالسا من
غير عذر، أتكون صلاته ركعتين بركعة؟ فقال: (هي تامة لكم) (5). وقد تضمنت
الأخبار الأول احتساب ركعتين بركعة، فيحمل على الاستحباب وهذا على
الجواز.
ويستحب القيام بعد القراءة، ليركع قائما وتحسب له بصلاة القائم، رواه
حماد بن عثمان عن أبي الحسن عليه السلام (6) وزرارة عن أبي جعفر عليه
السلام (7).
وابن إدريس منع من جواز النافلة جالسا مع الاختيار الا الوتيرة، ونسب
الجواز إلى الشيخ في النهاية، إلى رواية شاذة. واعترض على نفسه بجواز

(1) مسند أحمد 4: 422، صحيح البخاري 2: 59، سنن ابن ماجة 1: 388 ح 1231، سنن
أبي داود 1: 250 ح 951، الجامع الصحيح 1: 231 ح 369، سنن النسائي 3: 224.
(2) صحيح مسلم 1: 506 ح 732، السنن الكبرى 2: 490.
(3) التهذيب 2: 166 ح 655، الاستبصار 1: 293 ح 1080.
(4) الكافي 3: 410 ح 1، التهذيب 2: 169 ح 674، باختلاف يسير.
(5) الكافي 3: 410 ح 2، الفقيه 1: 238 ح 1048، التهذيب 2: 170 ح 677.
(6) التهذيب 2: 170 ح 676.
(7) الكافي 3: 411 ح 8، التهذيب 2: 170 ح 675.
307

النافلة على الراحلة مختارا سفرا وحضرا، وأجاب: بأن ذلك خرج بالا جماع (1).
قلت: دعوى الشذوذ هنا مع الاشتهار عجيبة. والمجوزون للنافلة على
الراحلة هم المجوزون لفعلها جالسا. وذكر النهاية هنا والشيخ يشعر
بالخصوصية، مع أنه قال في المبسوط: يجوز أن يصلي النوافل جالسا مع
القدرة على القيام، وقد روي أنه يصلي بدل كل ركعة ركعتين وروي انه ركعة
بركعة، وهما جميعا جائزان (2).
وقد ذكر أيضا المفيد رحمه الله فإنه قال: وكذلك من أتعبه القيام في
النوافل كلها، وأحب أن يصليها جالسا للترفه، فليفعل ذلك وليجعل كل ركعتين بركعة (3).
الثاني عشر: روى في التهذيب عن الحجال، عن أبي عبد الله عليه
السلام: انه كان يصلي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية ولا يحتسب
بهما، وركعتين وهو جالس يقرأ فيهما بالتوحيد والجحد. فان استيقظ في الليل
صلى وأوتر، وان لم يستيقظ حتى يطلع الفجر صلى ركعة (4) واحتسب بالركعتين
اللتين صلاهما بعد العشاء وترا (5).
وفيه إيماء إلى جواز تقديم الشفع في أول الليل، وهو خلاف المشهور.
نعم، في خبر زرارة عنه عليه السلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا
يبيتن حتى يوتر) (6) وهذا يمكن حمله على الضرورة.

(1) السرائر: 68، ولاحظ: النهاية: 121.
(2) المبسوط 1: 132.
(3) المقنعة: 23.
(4) في المصدر: (ركعتين فصارت شفعا).
وأورد الحديث الفيض الكاشاني في الوافي 2: 57، والبحراني في الحدائق الناضرة 6:
33، وفيهما (ركعة) وقالا: وفي بعض نسخ الحديث (ركعتين).
(5) التهذيب 2: 341 ح 1410.
(6) التهذيب 2: 341 ح 1412.
308

وفي المصباح استحب أن يصلي بعد ركعتي الوتيرة ركعتين من قيام (1).
وأنكرهما ابن إدريس استسلافا لان الوتيرة خاتمة النوافل (2) كما صرح به
الشيخان في المقنعة والنهاية حتى في نافلة شهر رمضان (3) وهو مشهور بين
الأصحاب.
والذي في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (وليكن آخر صلاتك
وتر ليلتك) (4) ولكنه في سياق الوتر لا الوتيرة.
ونسب ابن إدريس الرواية بالركعتين إلى الشذوذ (5).
وفي المختلف: لا مشاحة في التقديم والتأخير، لصلاحية الوقت
للنافلة (6).
الثالث عشر: قد مر قراءة مائة آية في الوتيرة. وروى ابن أبي عمير عن
الصادق عليه السلام: انه كان يقرأ فيهما الواقعة والتوحيد (7).
وتظاهرت الرواية بقراءة التوحيد ثلاثا في الشفع والوتر، كرواية الحارث:
ان النبي صلى الله عليه وآله كان يفعله (8) ورواية عبد الرحمن بن الحجاج عن
الصادق عليه السلام: (ان أباه كان يفعله) (9).
وروى أبو الجارود عن الصادق عليه السلام: (ان عليا عليه السلام كان

(1) مصباح المتهجد: 105.
(2) السرائر: 67.
(3) المقنعة: 13، النهاية: 119
(4) الكافي 3: 453 ح 12، التهذيب 2: 274 ح 1087.
(5) السرائر: 67.
(6) مختلف الشيعة: 124.
(7) التهذيب 2: 116 ح 433.
(8) التهذيب 2: 124 ح 469.
(9) التهذيب 2: 126 ح 481.
309

يوتر بتسع سور) (1). وروى يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح، انه سأله عن
القراءة في الوتر، وان بعضا يروي التوحيد في الثلاث، وبعضا يروي المعوذتين
وفي الثالثة التوحيد، فقال: (اعمل بالمعوذتين وقل هو الله أحد) (2). والبحث
هنا قي الأفضلية فالمشهور أولى.
واما القراءة في الثماني فبطوال السور قاله الأصحاب مع سعة الوقت.
وفي رواية محمد بن أبي حمزه عن أبي عبد الله عليه السلام، انه قال: (كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يقرأ في كل ركعة خمس عشرة آية، ويكون ركوعه
مثل قيامه، وسجوده مثل ركوعه، ورفع رأسه من الركوع والسجود سواء) (3).
وعن أبي مسعود الطائي عنه عليه السلام: (ان رسول الله صلى الله عليه
وآله كان يقرأ في أخيرة صلاة الليل هل أتى) (4).
قال في التهذيب: وروي: (ان من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة
الليل في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاثين مرة، انفتل وليس بينه وبين
الله ذنب الا غفر له) (5)، وكذا ذكر ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه بصيغة:
(وروي) (6).
واختلف كلام الأصحاب هنا:
ففي الرسالة والنهاية: يقرأ في أوليي صلاة الليل في الأولى التوحيد وفي
الثانية الجحد (7) وفي موضع آخر منها قدم الجحد، وروى العكس (8). وكذا في

(1) التهذيب 2: 337 ح 1390.
(2) التهذيب 2: 127 ح 483.
(3) التهذيب 2: 123 ح 468.
(4) التهذيب 2: 124 ح 469.
(5) التهذيب 1: 124 ح 470.
(6) الفقيه 1: 307 ح 1403
(7) النهاية: 120.
(8) النهاية 79.
310

المبسوط (1).
وقال المفيد وابن البراج: في أولاهما ثلاثون مرة التوحيد، وفي الثانية
ثلاثون مرة الجحد (2).
وابن إدريس: في كل ركعة منهما بعد الحمد ثلاثون مرة التوحيد، قال:
وقد روي أن في الثانية الجحد، والأول أظهر (3).
قلت: الكل حسن، والبحث في الأفضلية، وينبغي للمتهجد ان يعمل
بجميع الأقوال في مختلف الأحوال.
ويستحب الجهر. روى يعقوب بن سالم، انه سأل الصادق عليه السلام
في الرجل يقوم آخر الليل ويرفع صوته بالقرآن، فقال: (ينبغي للرجل إذا صلى
في الليل ان يسمع أهله، لكي يقوم القائم ويتحرك المتحرك) (4).
ومع ضيق الوقت يخفف ويقتصر على الحمد، لقول الصادق عليه
السلام لخائف الصبح: (اقرأ الحمد واعجل) (5).
وروى محسن الميثمي عنه عليه السلام: (يقرأ في صلاة الزوال في
الأولى الحمد والتوحيد، وفي الثانية الحمد والجحد، وفي الثالثة الحمد
والتوحيد وآية الكرسي، وفي الرابعة الحمد والتوحيد و (آمن الرسول...) إلى
آخر البقرة، وفي الخامسة الحمد والتوحيد و (ان في خلق السماوات) إلى
(الميعاد)، وفي السادسة الحمد والتوحيد و (ان ربكم الله) إلى
(المحسنين)، وفي السابعة الحمد والتوحيد (وجعلوا لله شركاء الجن) إلى
(الخبير)، وفي الثامنة الحمد والتوحيد و (لو أنزلنا هذا القرآن) إلى آخر

(1) المبسوط 1: 108، 131.
(2) المقنعة: 19، المهذب 1: 135.
(3) السرائر: 67.
(4) علل الشرائع: 364، التهذيب 2: 124 ح 472.
(5) الكافي 3: 449 ح 27، التهذيب 2: 124 ح 473، الاستبصار 1: 280 ح 1019.
311

الحشر (1).
وروى معاذ بن مسلم عنه عليه السلام: (لا ان تقرأ بقل هو الله أحد
وقل يا أيها الكافرون في سبع: في الركعتين قبل الفجر، وركعتي الزوال،
وركعتين بعد المغرب، وركعتين في أول صلاة الليل، وركعتي الاحرام،
والفجر إذا أصبحت بهما، وركعتي الطواف (2). قال في التهذيب: وفي رواية أخرى: (انه يقرأ في هذا كله بقل هو الله
أحد، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون، الا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ
بقل يا أيها الكافرون، ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو الله أحد) (3).
الرابع عشر: ذكر ابن بابويه ونقله عنه في التهذيب: ان الصادق عليه
السلام قال: (ان الله تعالى انزل على نبيه صلى الله عليه وآله كل صلاة
ركعتين، فأضاف إليها رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة ركعتين في الحضر،
وقصر فيها في السفر الا المغرب والغداة.
فلما صلى المغرب بلغه مولد فاطمة
عليها السلام فأضاف إليها ركعة شكرا لله عز وجل، فلما ولد الحسن عليه
السلام أضاف إليها ركعتين شكرا، فلما ولد الحسين عليه السلام أضاف
ركعتين إليها، فقال: (للذكر مثل حظ الأنثيين)، فتركها على حالها في
الحضر والسفر (4).
الخامس عشر: روى الفضيل: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله عز
وجل: (والذين هم على صلواتهم يحافظون)؟ قال: (هي الفريضة). قلت:

(1) التهذيب 2: 73 ح 272.
(2) الكافي 3: 316 ح 22، الخصال: 347، التهذيب 2: 74 ح 273.
(3) التهذيب 2: 74 ح 274.
(4) الفقيه 1: 289 ح 1319، علل الشرائع: 324، التهذيب 2: 113 ح 424.
والآية في سورة النساء: 11.
312

(الذين هم على صلاتهم دائمون)؟ قال: (هي النافلة) (1).
السادس عشر: يستحب ركعتان ساعة الغفلة، وقد رواها الشيخ بسنده
عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: (قال رسول الله صلى
الله عليه وآله: تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين، فإنهما يورثان دار
الكرامة. قيل: يا رسول الله وما ساعة الغفلة؟ قال: ما بين المغرب والعشاء) (2).
ويستحب أيضا بين المغرب والعشاء: ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد
(وذا النون...) إلى (المؤمنين) (3) وفي الثانية بعدها (وعنده مفاتح
الغيب) الآية (4)، ويدعو ويسأل الله حاجته، فعن الصادق عليه السلام: (ان
الله يعطيه ما يشاء) (5).
السابع عشر: من فاتته صلاة الليل، فقام قبل الفجر فصلى الشفع والوتر
وسنة الفجر، كتبت له صلاة الليل، رواه معاوية بن وهب عن الصادق عليه
السلام (6).
ويستحب الدعاء بالمأثور في هذه السنن وبعدها.
الثامن عشر: قد تترك النافلة لعذر، ومنه: الهم والغم، لرواية علي بن
أسباط عن عدة منا: ان الكاظم عليه السلام كان إذا اهتم ترك النافلة (7) وعن

(1) الكافي 3: 269 ح 12، التهذيب 2: 240 ح 915.
والآيتان في سورة المؤمنين: 9، وسورة المعارج: 23.
(2) الفقيه 1: 357 ح 1564، ثواب الأعمال: 68، معاني الأخبار: 265، علل الشرائع: 343،
التهذيب 2: 243 ح 963.
(3) سورة الأنبياء: 87، 88.
(4) سورة الأنعام: 59.
(5) مصباح المتهجد: 94.
(6) التهذيب 2: 337 ح 1391، 341 ح 1411.
(7) الكافي 3: 454 ح 15، التهذيب 2: 11 ح 24.
313

معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام، مثله إذا اغتم (1) والفرق بينهما ان الغم
لما مضى، والهم لما يأتي. وفي الصحاح: الاهتمام الاغتمام (2).
التاسع عشر: ذكر ابن بابويه ان نافلة الظهر تسمى: صلاة الأوابين (3) وهو
في خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام: (وربما أخرت الظهر
ذراعا من أجل صلاة الأوابين) (4).
فائدة:
يشترط في وجوب الصلاة البلوغ والعقل اجماعا، ولحديث: (رفع
القلم) (5). والخلو في النساء من الحيض والنفاس، لما مر. واما الاسلام فشرط
الصحة لا الوجوب، وتسقط باسلامه لما سلف.
ويستحب تمرين الصبي لست، رواه إسحاق بن عمار عن الصادق عليه
السلام (6) ومحمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (7) بلفظ (الوجوب) في
الخبرين تأكيدا للاستحباب.
وعن الباقر عليه السلام: في صبيانهم خمس، وغيرهم سبع (8)
ويضرب عليها لعشر، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله، انه قال:

(1) التهذيب 2: 11 ح 23.
(2) الصحاح 5: 2061 مادة همم.
(3) الفقيه 1: 146.
(4) الكافي 3: 289 ح 5.
(5) مسند أحمد 6: 100، صحيح البخاري: 59 سنن ابن ماجة 1: 658 ح 2041، سنن
أبي داود 4: 139 ح 4398، الجامع الصحيح 4: 32 ح 1423.
(6) التهذيب 2: 381 ح 1589، 1591، الاستبصار 1: 408 ح 1561، 1562.
(7) التهذيب 2: 381 ح 1589، 1591، الاستبصار 1: 408 ح 1561، 1562.
(8) الكافي 3: 409 ح 1، الفقيه 1: 182 ح 861، التهذيب 2: 380 ح 1584، الاستبصار
1: 409 ح 1564.
314

(مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر) (1).
قال بعض الأصحاب: إنما يضرب لامكان الاحتلام (2)، ويضعف:
بأصالة العدم وندوره، بل استصلاحا، ليتمرن على فعلها فيسهل عليه إذا بلغ،
كما يضرب للتأديب.
وقال ابن الجنيد: يستحب ان يعلم السجود لخمس، ويوجه وجهه إلى
القبلة. وإذا تم له ست علم الركوع والسجود واخذ بالصلاة، فإذا تمت له سبع
علم غسل وجهه وان يصلي، فإذا تم له تسع علم الوضوء وضرب عليه، وامر
بالصلاة وضرب عليها.
قال: وكذلك روي عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام. ثم
روى الضرب عند العشر عن النبي صلى الله عليه وآله.
وروى الصدوق عن عبد الله بن فضال عن الباقرين عليهما السلام: (إذا
بلغ الغلام ثلاث سنين، قيل له: لا إله إلا الله، سبع مرات. ثم يترك حتى يتم
له أربع (3) سنين وسبعة أشهر وعشرون يوما، فيقال له: قل محمد رسول الله،
سبعا. فإذا أتم أربع سنين قيل له: قل: (4) صلى الله عليه وآله وسلم. فإذا أتم
خمسا وعرف يمينه من شماله امر بالسجود إلى القبلة. فإذا أتم سبعا امر بغسل
الوجه والكفين والصلاة. فإذا أتم تسعا علم الوضوء والصلاة وضرب عليهما.
فإذا تعلم الوضوء والصلاة غفر الله تعالى لوالديه) (5).
ولو صلى ثم بلغ في الوقت أعاد، لأنه تعلق به الخطاب حينئذ، وما فعله

(1) مسند أحمد 2: 180، سنن أبي داود 1: 133 ح 494، سنن الدارقطني 1: 123،
المستدرك على الصحيحين 1: 197.
(2) قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 79.
(3) كذا، وفي المصدر: (ثلاث).
(4) في المصدر زيادة: (سبع مرات).
(5) الفقيه 1: 182 ح 863.
315

لم يكن واجبا فلا يؤدي به الواجب.
فروع:
لو صلى الظهر يوم الجمعة ثم بلغ وجبت الجمعة، لعين ما ذكرناه.
ولو بلغ في الصلاة بغير المبطل، فالأصح الاستئناف إن بقي قدر
الطهارة وركعة، والا استحب البناء، ويتخير بين نية الوجوب أو الندب كما مر
في الوضوء. وقطع الشيخ في الخلاف بان صلاته شرعية، لقوله صلى الله
عليه وآله: (مروهم بالصلاة لسبع)، وبنى عليه جواز إمامته في الفريضة (1).
ورخص لهم في الجمع بين العشائين، عن زين العابدين عليه
السلام (2).
ويستحب تفريقهم في صلاة الجماعة عن الباقر عليه السلام (3) وروى
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: بلوغ الغلام والجارية بثلاث عشرة (4)
والسند ضعيف.

(1) الخلاف 1: 123 المسألة 17.
وقوله صلى الله عليه وآله في: مسند أحمد 2: 180، سنن أبي داود 1: 133 ح 494،
المستدرك على الصحيحين 1: 197.
(2) الكافي 3: 409 ح 2، التهذيب 2: 380 ح 1585.
(3) الكافي 3: 409 ح 3، التهذيب 2: 380 ح 1586.
(4) التهذيب 2: 380 ح 1588.
316

مواقيت الصلاة
317

الباب الثالث:
في المواقيت
وفصوله أربعة:
الأول: في مواقيت الفرائض الخمس.
يجب معرفة الوقت لئلا يصلي في غيره، ولا يجوز تقديم الصلاة على
وقتها اجماعا.
وما روي عن ابن عباس والشعبي من جواز استفتاح المسافر الظهر
قبل الزوال بقليل (1) متروك، لسبق الإجماع ولحاقه. وقد روى الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام: (إذا صليت شيئا من الصلوات في السفر في غير وقتها
لا يضر) (2) وحمله الشيخ على خروج الوقت لعذر (3)، مع معارضتها بخبر أبي
بصير عنه عليه السلام: (من صلى في غير وقت فلا صلاة له) (4).
والصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا عند الأكثر. وقد يظهر من كلام
المفيد التضيق، حيث حكم بأنه لو مات قبل أدائها في الوقت كان مضيعا، وإن
بقي حتى يؤديها عفي عن ذنبه (5).
لنا: ما روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (أحب الوقت إلى الله
حين يدخل وقت الصلاة، فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب

(1) انظر: المغني لابن قدامة 1: 441، بداية المجتهد 1: 92.
(2) الفقيه 1: 358 ح 1574، التهذيب 2: 141 ح 551، الاستبصار 1: 244 ح 869.
(3) التهذيب 2: 141.
(4) الكافي 3: 285 ح 6، التهذيب 2: 140 ح 547، الاستبصار 1: 244 ح 868.
(5) المقنعة: 14.
319

الشمس) (1).
وروى محمد بن مسلم: ربما دخلت على أبي جعفر عليه السلام وقد
صليت الظهرين، فيقول: (أصليت الظهر؟) فأقول: نعم، والعصر. فيقول:
(ما صليت العصر) (2)، فيقوم مسترسلا غير مستعجل فيتوضأ أو يغتسل، ثم
يصلي الظهر، ثم يصلي العصر (3).
ويقرب منه رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: في قوم
بعضهم يصلي الظهر وبعضهم يصلي العصر، فقال: (كل واسع) (4).
في أخبار
كثيرة.
واحتج في التهذيب للمفيد برواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه
السلام، إنه قال: (لكل صلاة وقتان، فأول الوقت أفضله. وليس لأحد أن
يجعل آخر الوقتين وقتا، إلا في عذر من غير علة)، وعن ربعي عنه عليه
السلام: (إنا لنقدم ونؤخر وليس كما يقال: من أخطاء وقت الصلاة فقد هلك،
وإنما الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها)، ولأن
الأمر على الفور. ثم قال: ولم نرد بالوجوب هنا ما يستحق به العقاب، بل ما
يستحق به اللوم والعتب والأولى فعله (5).
قلت: ظاهر انتقاء دلالة هذه على العصيان، وقد اعترف به الشيخ.
ويمكن أن يحتج بما رواه الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام: (أول

(1) التهذيب 2: 24 ح 69، الاستبصار 3: 87 ح 5.
(2) كذا، وفي المصدرين: (الظهر).
(3) التهذيب 2: 252 ح 999، الاستبصار 1: 256 ح 920.
(4) التهذيب 2: 251 ح 997، الاستبصار 1: 256 ح 918، وفيهما: (كل ذلك واسع)
(5) التهذيب 2: 41.
ورواية ابن سنان فيه برقم 124، وفي الكافي 3: 274 ح 3، والاستبصار 1: 244 ح 870.
ورواية ربعي فيه برقم 132، وفي: الاستبصار 1: 262 ح 939.
320

الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله) قال: والعفو لا يكون إلا عن ذنب (1)
وجوابه: بجواز توجه العفو بترك الأولى، مثل: عفى الله عنك.
ويتهذب الباب برسم مسائل:
الأولى: لكل صلاة وقتان، أحدهما: للفضيلة، والاخر: للإجزاء. وقال
جماعة من الأصحاب: أحدهما للمختار، والآخر للمعذور والمضطر (2). وأكثر
الروايات على الأول، وتمسك الآخرون بالأخبار الآتية الدالة على القامة
وشبهها، مع الأخبار الدالة على الغروب، وسنجيب عنه.
قال في المبسوط: والعذر أربعة: السفر، المطر، والمرض وشغل
يضر تركه بدينه أو دنياه. والضرورة خمسة: الكافر يسلم، والصبي يبلغ،
والحائض تطهر، والمجنون يفيق، والمغمى عليه يفيق (3).
ورواية ربعي تتضمن الحصر فيما ذكر فيها (4) والظاهر أنه على سبيل
الغالب.
إذا تقرر ذلك، فوقت الظهر زوال الشمس اجماعا. ويعلم بزيادة الظل
بعد نقصه، أو حدوثه بعد عدمه، كما في مكة وصنعاء في أطول يوم من السنة.
وقيل: باستمرار ذلك فيهما ستة وعشرين يوما قبل انتهاء الطول، ومثلها بعد
انتهائه.
وقد يعلم بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلة العراق،
ذكره في المبسوط بصيغة: (وروي) (5).

(1) الفقيه 1: 140 ح 651، وليس فيه (قال) والعبارة التي بعدها يمكن أن تكون من كلام
الصدوق.
(2) راجع: المقنعة: 14، المبسوط 1: 72، الخلاف 1: 217، المسألة 13، الوسيلة: 81.
(3) المبسوط 1: 72.
(4) تقدمت في ص 320 ضمن الهامش 5.
(5) المبسوط 1: 73.
321

وما روى سماعة عن الصادق عليه السلام: انه أخذ عودا فنصبه حيال
الشمس ثم قال: (إن الشمس إذا طلعت كان الفئ طويلا، ثم لا يزال ينقص
حتى تزول، فإذا زالت زاد، فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر) (1). ونحوه رواية
علي بن أبي حمزة عنه عليه السلام (2). وقد ذكر الأصحاب الدائرة الهندية
كالمفيد (3) وغيره.
وقد دل على الوقت الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك
الشمس) (4). واللام للتأقيت، مثل: لثلاث خلون. والدلوك: الزوال، عند
الأكثر، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (أتاني جبرئيل لدلوك
الشمس حين زالت، فصلى بي الظهر) (5)، وهو من الدلك الذي هو الانتقال
وعدم الاستقرار، ومنه الدلك باليد، وقيل: لأن الناظر إليها عند الزوال يدلك
عينه ليدفع شعاعها.
وروى ابن عباس: ان النبي صلى الله عليه وآله قال: (أمني جبرئيل عليه
السلام عند باب البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس) (6).
وروى يزيد بن خليفة: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن عمر بن
حنظلة أنبأنا عنك بوقت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا لا يكذب علينا).
قلت: ذكر انك قلت: (إن أول صلاة افترضها الله على نبيه صلى الله عليه وآله

(1) التهذيب 2: 27 ح 75.
(2) التهذيب 2: 27 ح 76.
(3) المقنعة: 13.
(4) سورة الإسراء: 78.
(5) جامع البيان 15: 93.
(6) المصنف لعبد الرزاق 1: 531 ح 2028، مسند أحمد 1: 333، سنن أبي داود 1: 107
ح 393، الجامع الصحيح 1: 279 ح 149، سنن الدارقطني 1: 258، المستدرك على
الصحيحين 1: 193.
322

الظهر، وهو قول الله عز وجل: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) فإذا زالت
الشمس لم تمنعك إلا سبحتك). قال: (صدق) (1).
وعن عبيد بن زرارة عنه عليه السلام: (إذا زالت الشمس دخل وقت
الظهر والعصر جميعا، إلا أن هذه قبل هذه قبل هذه، ثم أنت في وقت منهما حتى تغيب
الشمس) (2).
وعن الصباح بن سيابة عنه عليه السلام: (إذا زالت الشمس دخل وقت
الصلاتين) (3) ومثله عن سفيان بن السمط (4)، (و) عن مالك الجهني (5) وكذا رواه
منصور بن يونس عن العبد الصالح عليه السلام (6).
ورواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، وزاد فيه: (فإذا غابت الشمس
دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخر) (7).
وفهم بعض من هذه الأخبار اشتراك الوقتين، وبمضمونها عبر ابنا
بابويه (8) ونقله المرتضى رحمه الله في الناصرية عن الأصحاب، حيث قال:
يختص أصحابنا بأنهم يقولون: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معا،
إلا إن الظهر قبل العصر. قال: وتحقيقه انه إذا زالت دخل وقت الظهر بمقدار
ما يؤدى أربع ركعات، فإذا خرج هذا المقدار اشتراك الوقتان. بمعنى ذلك: أنه
يصح أن يؤدى في هذا الوقت المشترك الظهر والعصر بطوله، والظهر مقدمة،

(1) الكافي 3: 275 ح 10، التهذيب 2: 20 ح 56، الاستبصار 1: 260 ح 932.
والآية في سورة الإسراء: 78.
(2) الفقيه 1: 139 ح 647، التهذيب 2: 26 ح 73، الاستبصار 1: 246 ح 881.
(3) التهذيب 2: 243 ح 964، الاستبصار 1: 245 ح 874.
(4) التهذيب 2: 244 ح 965، الاستبصار 1: 246 ح 875.
(5) التهذيب 2: 244 ح 967، الاستبصار 1: 246 ح 877.
(6) التهذيب 2: 244 ح 966، الاستبصار 1: 246 ح 876.
(7) الفقيه 1: 140 ح 648، التهذيب 2: 19 ح 54.
(8) المقنع: 27، الهداية: 29.
323

ثم إذا بقي للغروب مقدار أربع خرج وقت الظهر وخلص للعصر (1).
قال الفاضل: وعلى هذا يزول الخلاف (2).
وقال المحقق: يؤول بأن المراد بالاشتراك ما بعد الاختصاص، لتضمن
الخبر: (إلا إن هذه قبل هذه)، ولأنه لما لم يتحصل للظهر وقت مقدر لأنها
قد تصلى بتسبيحتين، وقد يدخل عليه الوقت في آخرها ظانا فيصلي العصر
بعدها عبر بما في الرواية، وهو من ألخص العبارات (3).
قلت: ولأنه يطابق مدلول الآية في قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك
الشمس إلى غسق الليل) (4)، وضرورة الترتيب تقتضي الاختصاص، مع دلالة
رواية داود بن فرقد المرسلة عن الصادق عليه السلام، حيث قال: (إذا زالت
الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع
ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس
مقدار ما يصلي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي
وقت العصر) (5).
فرع: لو أوقع العصر في المختص، لظن، أو نسيان، عدل. ولو ذكر بعد فراغه
أعادهما. وربما دل عليه خبر ابن مسكان عن الحلبي، قال: سألته عن رجل
نسي الأولى حتى صلى العصر، قال: (فليجعل صلاته التي صلى الأولى، ثم
ليستأنف العصر) (6).

(1) الناصريات: 229.
(2) مختلف الشيعة: 66.
(3) المعتبر 2: 35.
(4) سورة الإسراء: 78.
(5) التهذيب 2: 25 ح 70، الاستبصار 1: 261 ح 936.
(6) التهذيب 2: 269 ح 1074، الاستبصار 1: 287 ح 1052.
324

ونحمله على أنه فيها، لرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام: فذكر
وهو يصلي أنه لم يكن صلى الأولى: (فيجعلها الأولى) (1).
وفي خبر الصيقل عنه عليه السلام: وقد صلى ركعتين من العصر (2).
وكذا يحمل خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (أو بعد فراغك من العصر
فانوها الأولى، فإنما هي أربع مكان أربع) (3).
ويجئ على الاشتراك بغير تفسير المرتضى صحتها.
الثانية: يمتد وقت الفضيلة للظهر، أو الاختيار، إلى أن يصير الظل
الحادث بعد الزوال مماثلا للشخص، في المشهور. والخلاف في موضعين:
أحدهما: تقدير الامتداد بما قلناه، أما الزيادة عليه فمنفية، كما ذكره
الشيخ في الخلاف من الاجماع على كونه وقتا، ولا دلالة على الزائد (4).
وأما اختصاصه بالمثل، فلقول الصادق عليه السلام لعمر بن سعيد: (قل
له يعني لزرارة -: إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر، وإذا كان ظلك مثليك
فصل العصر) (5) وكان زرارة سأله عن وقت الظهر في القيظ.
ويقرب منه رواية أحمد بن عمر عن أبي الحسن عليه السلام: (وقت
الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة، ووقت العصر قامة ونصف
إلى قامتين)) (6) إذا اعتبرنا قامة الانسان.
ولرواية معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (أتي
جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس

(1) الكافي 3: 294 ح 7، التهذيب 2: 269 ح 1072.
(2) التهذيب 2: 270 ح 1075.
(3) الكافي 3: 291 ح 1، التهذيب 3: 158 ح 340
(4) الخلاف 1: 46 مسألة 4.
(5) التهذيب 2: 22 ح 62، الاستبصار 1: 248 ح 891.
(6) التهذيب 2: 19 ح 52، الاستبصار 1: 247 ح 883.
325

فأمره أن يصلي الظهر ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر، ثم أتاه
حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب، ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره
فصلى العشاء، ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح، ثم أتاه من الغد
حين زاد الظل قامة فأمره فصلى الظهر، ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره
فصلى العصر، ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب، ثم أتاه حين
ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء، ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى
الصبح، ثم قال: ما بينهما وقت) (1).
وقدر بالأقدام الأربعة، وهي: الأسباع لرواية إبراهيم الكرخي عن
الكاظم عليه السلام: يخرج وقت الظهر بعدما يمضي من زوالها أربع أقدام، وإن
وقت العصر يدخل بآخرها، وانه لو صلى الظهر بعد الأربع تعمدا ليخالف السنة
لم تقبل منه، وانه لو أخر العصر إلى أن تغرب الشمس متعمدا من غير علة لم
تقبل (2). وفيه دلالة للتوقيت بالعذر، ويحمل على الفضيلة تغليظا، لتحصيل
المحافظة عليها.
وقدر بسبعي الشخص، لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام وسأله عن
وقت الظهر، فقال: (ذراع من زوال الشمس، ووقت العصر ذراع من وقت
الظهر، فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس) (3).
قلت: في هذا تقدير الذراع بالقدمين، اللذين هما سبعا الشخص
الماثل، والظاهر أنه بالنسبة إلى الإنسان إذ هو الأصل في الاقدام.
وروي
بعدة أسانيد صحيحة عن الباقر والصادق عليهما السلام: (وقت الظهر بعد
الزوال قدمان، ووقت العصر بعد ذلك قدمان) (4).

(1) التهذيب 2: 252 ح 1001، الاستبصار 1: 257 ح 922.
(2) التهذيب 2: 26 ح 74، الاستبصار 1: 258 ح 926.
(3) الفقيه 1: 140 ح 653، التهذيب 2: 19 ح 55، الاستبصار 1: 248 ح 888.
(4) الكافي 3: 227 ح 7، الفقيه 1: 140 ح 649، التهذيب 2: 24 ح 67، 255 ح 1012.
الاستبصار 1: 248 ح 892.
326

وقدر بالذراع، لما مر، لرواية محمد بن حكيم عن العبد الصالح: (آخر
وقت الظهر قامة من الزوال) (1) مع رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه
السلام ان: (القامة هي الذراع) (2).
ولرواية معاوية بن ميسرة عنه عليه السلام قال: (أتى جبرئيل عليه
السلام) وذكر مثل الحديث السالف ألا أنه قال بدل القامة والقامتين: ذراع
وذراعان (3).
ولرواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (كان رسول
الله صلى الله عليه وآله إذا كان فئ الجدار ذراعا صلى الظهر، وإذا كان ذراعين
صلى العصر).
قال الراوي: الجداران تختلف في الطول والقصر. قال: (إن
جدار مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كان يومئذ قامة) (4).
قلت: معظم هذه الأخبار ونحوها تدل دلالة أولية على توقيت النافلة،
بمعنى: أن النافلة لا تصلى عند خروج هذه المقادير، وإنما اختلفت المقادير
بحسب حال المصلين في السرعة والبطء، والتخفيف والتطويل، لما رواه
الحارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور بن حازم، قالوا: كنا نقيس
الشمس بالمدينة بالذراع، فقال لنا أبو عبد الله عليه السلام: (ألا أنبئكم بأبين
من هذا).
قلنا: بلى.
قال: (إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر، إلا أن
بين يديها سبحة وذلك إليك، فإن أنت خففت فحين تفرغ من سبحتك، وإن
أنت طولت فحين تفرغ من سبحتك) (5).

(1) التهذيب 2: 251 ح 994، الاستبصار 1: 256 ح 917.
(2) التهذيب 2: 23 ح 65، الاستبصار 1: 251 ح 901.
(3) التهذيب 2: 253 ح 1002، الاستبصار 1: 257 ح 923.
(4) التهذيب 2: 250 ح 993، الاستبصار 1: 255 ح 916.
(5) الكافي 3: 276 ح 4، التهذيب 2: 22 ح 63، الاستبصار 1: 250 ح 898.
327

ولما رواه محمد ابن أحمد بن يحيى، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي
الحسن عليه السلام: روي عن آبائك القدم والقدمان والأربع، والقامة
والقامتان، وظل مثلك، والذراع والذراعان، فكتب عليه السلام: (لا القدم ولا
القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة، وبين يديها سبحة وهي
ثمان ركعات، فإن شئت طولت وإن شئت قصرت، ثم صل الظهر. فإذا فرغت
كان بين الظهر والعصر سبحة، وهي ثمان ركعات، إن شئت طولت وإن شئت
قصرت، ثم صل العصر) (1).
قال الشيخ: إنما نفي القدم والقدمين لئلا يظن أن ذلك لا يجوز غيره (2).
ورواية زرارة عن الباقر عليه السلام: (أتدري لم جعل الذراع
والذراعان؟) قلت: لم؟ قال: (لمكان الفريضة، فإن لك أن تتنفل من زوال
الشمس إلى أن يمضي الفئ ذراعا، فإذا بلغ فيؤك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة) (3).
وعلى هذا من يصلي النافلة يستحب له تأخير الفريضة إلى فراغها،
وبعض الأخبار كالصريح في ذلك.
وقد روى سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام: (وقت الظهر بعد
الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلا في السفر أو يوم الجمعة، فأن وقتها إذا زالت) (4).
ومثله روى عن إسماعيل بن عبد الخالق (5) فيحمل أيضا على مصلي النافلة.
وروى بكير عن أبي عبد الله عليه السلام: إني صليت الظهر في يوم

(1) التهذيب 2: 249 ح 990، الاستبصار 1: 454 ح 913.
(2) الهامش السابق.
(3) الكافي 3: 288 ح 1، التهذيب 2: 245 ح 974، الاستبصار 1: 249 ح 893.
(4) التهذيب 2: 244 ح 970، الاستبصار 1: 247 ح 884.
(5) التهذيب 2: 21 ح 59، الاستبصار 1: 247 ح 885.
328

غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زال النهار، فقال: (لا تعد، ولا تعد) (1).
وحمله الشيخ على النهي عن ملزوم هذا وهو ترك النافلة، لأن معاوية بن ميسرة
سأل الصادق عليه السلام: أيصلي الظهر إذا زالت الشمس في طول النهار؟
قال: (نعم، وما أحب ان يفعل ذلك كل يوم) (2)
وفي خبر عمر بن سعيد السابق: الأمر بصلاة الظهر إذا صار الظل
مثله (3)، إشارة إلى استحباب تأخيرها لمصلي النافلة أيضا، وقد يستفاد من
دلالتها الالتزامية توقيت الفريضة، ومن بعضها يستفاد ذلك بالمطابقة.
ثم لما عارضها أخبار أخر تدل على امتداد الوقت جمع بينهما، إما
بالحمل على الاختيار والعذر، أو على الأفضلية وعدمها، مع اعتضاد كل واحد
من الحملين بما يصرح به.
وقد روى زرارة: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أبين الظهر والعصر حد
معروف؟ فقال: (لا) (4)، وهذا يؤيد أن التوقيت للنافلة.
الموضع الثاني: ذهب الشيخ في التهذيب إلى اعتبار المماثلة بين الفئ
الحادث بعد الزوال والظل السابق عليه، تعويلا على مرسلة يونس عن الصادق
عليه السلام (5) وهي ضعيفة السند والدلالة، ومعارضة برواية عمر بن سعيد فإنها صريحة في اعتبار المماثلة بين الشخص والظل وكذا رواية يزيد بن خليفة (6)
وقد ذكرتا، ولأنه لو اعتبر الظل لزم اختلاف الوقت بالطول والقصر بحسب
الأزمنة والأمكنة بخلاف الشخص.

(1) التهذيب 2: 246 ح 979، الاستبصار 1: 252 ح 903.
(2) التهذيب 2: 247 ح 980، الاستبصار 1: 252 ح 904.
(3) تقدم في ص 325 الهامش 5.
(4) التهذيب 2: 255 ح 1013.
(5) التهذيب 2: 24، ومرسلة يونس فيه برقم 67، وفي الكافي 3: 277 ح 7.
(6) تقدمتا في ص 325 الهامش 5، وص 323 الهامش 1.
329

الثالثة: يمتد إجزاء الظهر إلى أن يبقى للغروب قدر أدائها مع العصر
لضرورة الترتيب، والغسق يدل عليه لأنه الظلمة، ولخبري عبيد وداود
السابقين (1) ولما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام: (أحب الوقت إلى الله أوله
حين يدخل وقت الصلاة، فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب
الشمس) (2).
وقد مر قول الشيخ في التهذيب بخروج وقت الظهر بمضي أربعة
أقدام.
الرابعة: أول وقت العصر عند مضي قدر أداء الظهر، ويمتد الفضيلة إلى
المثلين، والإجزاء إلى أربع ركعات للغروب، وقد تقرر ذلك.
وروى معمر بن يحيى عن الباقر عليه السلام: (وقت العصر إلى غروب الشمس) (3).
وفي الخلاف: لا خلاف ان صاحب الضرورة إذا أدرك قبل غروب
الشمس ركعة تجب عليه العصر (4). وعند المفيد ذلك للمضطر والناسي، وأما
غيرهما فإلى اصفرار الشمس (5) لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: (وقت
العصر ما لم تصفر الشمس (6) وهو من صحاح العامة ولما رواه أبو بصير عن
أبي عبد الله عليه السلام في تضييع صلاة العصر: (أن يدعها حتى تصفر
وتغيب) (7).

(1) تقدما في ص 323 الهامش 2، وص 324 الهامش 5.
(2) التهذيب 2: 24 ح 69، الاستبصار 1: 260 ح 935.
(3) التهذيب 2: 25 ح 71، الاستبصار: 261 ح 937.
(4) الخلاف 1: 49 مسألة 13.
(5) المقنعة: 14.
(6) صحيح مسلم 1: 427 ح 612، سنن أبي داود 1: 109 ح 396، سنن السنائي 1: 260.
(7) التهذيب 2: 256 ح 1018، الاستبصار 1: 259 ح 930.
330

وروى سليمان بن خالد عنه عليه السلام: (من تركها حتى يصير على
ستة أقدام فذلك المضيع) (1). وروى سليمان بن جعفر: قال الفقيه: (آخر وقت
العصر ستة أقدام ونصف) (2).
وكل ذلك ليس بصريح في خروج الوقت ولا في النهي، فلو سلم حمل
على الكراهية.
الخامسة: لا خلاف عندنا في جواز الجمع بين الظهر والعصر، حضرا
وسفرا، للمختار وغيره. ورواه العامة عن: علي عليه السلام (3) وابن عباس (4)
وابن عمر (5) وأبو موسى (6) وجابر (7) وسعد بن أبي وقاص (8) وعائشة (9).
وروى ابن عباس: ان النبي صلى الله عليه وآله جمع بين الظهرين
والعشائين من غير خوف ولا سفر (10) وفي لفظ آخر: من غير خوف ولا مطر (11)

(1) التهذيب 2: 256 ح 1016، الاستبصار 1: 259 ح 928.
(2) التهذيب 2: 256 ح 1014، الاستبصار 1: 259 ح 927.
(3) المصنف لابن أبي شيبة 1: 458، سنن الدارقطني 1: 391.
(4) المصنف لعبد الرزاق 2: 555 ح 4436، المصنف لابن أبي شيبة 2: 456، صحيح مسلم
1: 491 ح 706، سنن أبي داود 2: 6 ح 1214، سنن السنائي 1: 286، السنن الكبرى 3:
166.
وراجع الهامش 10، 11.
(5) الموطأ 1: 144، صحيح مسلم 1: 488 ح 703، سنن النسائي 1: 289، سنن الدارقطني
1: 392، السنن الكبرى 3: 159.
(6) المغني 2: 113.
(7) سنن أبي داود 2: 7 ح 1215، سنن النسائي 1: 287، السنن الكبرى 3: 164.
(8) المغني 2: 113.
(9) المصنف لابن أبي شيبة 1: 457.
(10) الموطأ 1: 144، المصنف لعبد الرزاق 2: 555 ح 4435، مسند أحمد 1: 283، صحيح
مسلم 1: 489 ح 705، سنن أبي داود 2: 6 ح 1210، سنن النسائي 1: 290.
(11) صحيح مسلم 1: 493 ح 706، سنن أبي داود 2: 6 ح 1211، الجامع الصحيح 1: 354
ح 187، سنن النسائي 1: 290، مسند أبي عوانة 2: 353، السنن الكبرى 3: 168.
331

وكلاهما في الصحاح.
وفيها عن عبد الله بن شقيق العقيلي، قال: قال رجل لابن عباس:
الصلاة. فسكت، ثلاثا. ثم قال في الثالثة لا أم لك! أتعلمنا بالصلاة، كنا
نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله (1).
وروينا عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: (ان النبي صلى الله عليه
وآله جمع بين الظهرين حين زالت الشمس في جماعة من غير علة). قال:
(وانما فعل ذلك ليتوسع الوقت على أمته) (2).
نعم، الأقرب استحباب تأخير العصر إلى أن يخرج وقت فضيلة الظهر،
اما المقدر بالنافلتين والظهر، واما المقدر بما سلف من المثل والاقدام
وغيرهما، لأنه معلوم من حال النبي صلى الله عليه وآله، حتى أن رواية الجمع
بين الصلاتين تشهد بذلك.
وقد صرح به المفيد رحمة الله في باب عمل الجمعة، قال: والفرق
بين الصلاتين في سائر الأيام، مع الاختيار وعدم العوارض أفضل قد ثبتت
السنة به، الا في يوم الجمعة فان الجمع فيهما أفضل، وكذا في ظهري عرفة
وعشائي المزدلفة (3).
وابن الجنيد حيث قال: لا يختار ان يأتي الحاضر بالعصر عقيب الظهر
التي صلاها مع الزوال، الا مسافر أو عليلا أو خائفا ما يقطعه عنها، بل
الاستحباب للحاضر ان يقدم بعد الزوال، وقبل فريضة الظهر شيئا من التطوع إلى أن
تزول الشمس قدمين أو ذراعا من وقت زوالها، ثم يأتي بالظهر ويعقبها
بالتطوع من التسبيح أو الصلاة حتى يصير الفئ أربعة اقدام أو ذراعين ثم

(1) المصنف لابن أبي شيبة 2: 456، صحيح مسلم 1: 492 ح 706، السنن الكبرى 3:
168.
(2) الكافي 3: 286 ح 1، التهذيب 2: 263 ح 1046، الاستبصار 1: 247 ح 882.
(3) المقنعة: 27.
332

يصلي العصر، ولمن أراد الجمع بينهما من غير صلاة ان يفصل بينهما بمائة
تسبيحة (1).
والأصحاب في المعنى قائلون باستحباب التأخير، وانما لم يصرح
بعضهم به اعتمادا على صلاة النافلة بين الفريضتين. وقد رووا ذلك في
أحاديثهم كثيرا، مثل:
حديث اتيان جبرئيل بمواقيت الصلاة، رواه معاوية بن وهب (2) ومعاوية
ابن ميسرة (3) وأبو خديجة (4) والمفضل بن عمر (5) وذريح (6) عن أبي عبد الله عليه
السلام.
وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (كان رسول الله صلى
الله عليه وآله يصلي الظهر على ذراع، والعصر على نحو ذلك) (7) يعني: على
ذراع آخر، لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (كان حائط مسجد رسول
الله قامة، فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر، فإذا مضى من فيئه ذراعان صلى
العصر)) (8) ومثله رواية إسماعيل الجعفي عنه عليه السلام (9).
وعن عبد الله بن سنان: شهدت المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله
صلى الله عليه وآله، فحين كان قريبا من الشفق نادوا وأقاموا الصلاة فصلوا
المغرب، ثم أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين، ثم قام المنادي في مكانه في

(1) لاحظ: مختلف الشيعة: 71.
(2) التهذيب 2: 252 ح 1001، الاستبصار 1: 257 ح 922.
(3) التهذيب 2: 253 ح 1002، الاستبصار 1: 257 ح 923.
(4) راجع: التهذيب 2: 253 ح 1002.
(5) التهذيب 2: 253 ح 1003، الاستبصار 1: 257 ح 924.
(6) التهذيب 2: 253 ح 1004، الاستبصار 1: 258 ح 925.
(7) التهذيب 2: 248 ح 987، الاستبصار 1: 253 ح 910.
(8) التهذيب 2: 250 ح 992، الاستبصار 1: 255 ح 915.
(9) التهذيب 2: 21 ح 58، الاستبصار 1: 255 ح 916.
333

المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء، فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن
ذلك، فقال: (نعم، قد عمله رسول الله صلى الله عليه وآله) (1).
وعن صفوان الجمال، قال: صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام الظهر
والعصر عندما زالت الشمس بأذان وإقامتين، وقال: ((اني على حاجة
فتنفلوا) (2). وفي هذا الخبر فوائد:
منها: جواز الجمع.
ومنها: انه لحاجة.
ومنها: سقوط الأذان والنافلة مع الجمع، كما روى محمد بن حكيم عن
أبي الحسن عليه السلام: (إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع بينهما) (3).
ومنها: أفضلية القدوة على التأخير.
وروى عبد الله بن سنان في كتابه عن أبي عبد الله عليه السلام: (ان
رسول الله صلى الله عليه وآله كان في السفر يجمع بين المغرب والعشاء،
والظهر والعصر، انما يفعل ذلك إذا كان مستعجلا). قال عليه السلام:
(وتفريقهما أفضل). وهذا نص في الباب.
ولم أقف على ما ينافي استحباب التفريق من رواية الأصحاب، سوى ما
رواه عباس الناقد، قال: تفرق ما كان في يدي وتفرق عني حرفائي، فشكوت
ذلك إلى أبي عبد الله عليه السلام، فقال: (أجمع بين الصلاتين الظهر والعصر
ترى ما تحب) (4). وفي الكافي: فشكوت ذلك إلى أبي محمد عليه السلام (5)،
والذي هنا بخط الشيخ وقد نسبه إلى الكافي. وهو إن صح أمكن تأويله بجمع

(1) الكافي 3: 286 ح 2.
(2) الكافي 3: 287 ح 5، التهذيب 2: 263 ح 1048.
(3) الكافي 3: 287 ح 3، التهذيب 2: 263 ح 1050.
(4) التهذيب 2: 263 ح 1049.
(5) الكافي 3: 287 ح 6.
334

لا يقتضي طول التفريق، لامتناع ان يكون ترك النافلة بينهما مستحبا، أو يحمل
على ظهري يوم الجمعة.
واما باقي الأخبار فمقصورة على جواز الجمع، وهو لا ينافي استحباب
التفريق.
قال الشيخ: كل خبر دل على أفضلية أول الوقت محمول على الوقت
الذي يلي وقت النافلة (1).
وبالجملة كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين
مطلقا، علم منه استحباب التفريق بينهما بشهادة النصوص والمصنفات بذلك.
وأورد على المحقق نجم الدين تلميذه جمال الدين يوسف بن حاتم
الشامي المشغري وكان أيضا تلميذ السيد ابن طاووس ان النبي صلى الله
عليه وآله ان كان يجمع بين الصلاتين، فلا حاجة إلى الأذان للثانية إذ هو
الاعلام، وللخبر المتضمن انه عند الجمع بين الصلاتين يسقط الأذن، وان كان
يفرق فلم ندبتم إلى الجمع وجعلتموه أفضل؟
فأجابه المحقق: ان النبي صلى الله عليه وآله كان يجمع تارة ويفرق
أخرى. ثم ذكر الروايات كما ذكرنا، وقال: انما استحببنا الجمع في الوقت الواحد
إذا اتى بالنوافل والفرضين فيه، لأنه مبادرة إلى تفريغ الذمة من الفرض حيث
ثبت دخول وقت الصلاتين. ثم ذكر خبر عمرو بن حريث عن الصادق عليه
السلام، وسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: (كان النبي
صلى الله عليه وآله يصلي ثماني ركعات الزوال، ثم يصلي أربعا الأولى وثماني
بعدها، وأربعا العصر، وثلاثا المغرب وأربعا بعدها، والعشاء أربعا، وثماني
الليل، وثلاثا الوتر، وركعتي الفجر، والغداة ركعتين (2).

(1) التهذيب 2: 248، الاستبصار 1: 253.
(2) الكافي 3: 443 ح 5، التهذيب 2: 4 ح 4، الاستبصار 1: 218 ح 774.
335

تنبيهات:
الأول: معظم العامة على عدم جواز الجمع بين الصلاتين لغير عذر،
محتجبين بان المواقيت ثبتت تواترا من قول النبي صلى الله عليه وآله وفعله (1).
وجوابهم: أنتم قائلون بجواز الجمع في السفر والعذر، فلو كان الوقت
غير مضروب للفريضة الثانية لاستحال فعلها فيه، كما استحال جمع الصبح
والظهر والعصر والمغرب في وقت أحدهما.
ويعارضون بما رووه عن ابن عباس: ان النبي صلى الله عليه وآله جمع
بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، من غير خوف ولا سفر (2) وفي لفظ آخر:
من غير خوف ولا مطر (3).
وروى البخاري عن أبي امامة، قال: صلينا مع عمر بن العزيز، ثم
دخلنا على أنس وهو يصلي العصر! فقلنا: ما هذه الصلاة؟ فقال: العصر، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله التي كنا نصلي معه (4) والتعجب يدل
على أنه قدمها على الوقت.
وروى مالك: ان النبي صلى الله عليه وآله جمع بين الصلاتين في
السفر (5). وهو دليل الجواز، ولا يحمل على أنه صلى الأولى آخر وقتها والثانية
أوله، لأن ذلك لا يسمى جمعا وابن منذر من أئمة العامة لما صح عنده

(1) لاحظ: المغني 2: 113، الشرح الكبير 2. 110، بداية المجتهد 1: 171.
(2) تقدم في ص 331 الهامش 10.
(3) تقدم في ص 331 الهامش 11.
(4) صحيح البخاري 1: 144، صحيح مسلم 1: 434 ح 623، سنن النسائي 1: 253.
(5) الموطأ 1: 143، صحيح مسلم 4: 1784 ح 706، سنن أبي داود 2: 1206، سنن ابن
ماجة 1: 340 ح 1070، سنن النسائي 1: 285.
336

أحاديث الجمع ذهب إلى جوازه كما قاله الامامية (1) وهو قول ابن إدريس (2).
الثاني: روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، لما ذكر عليه
السلام أفضلية الوقت، فقلت: وكيف اصنع بالثماني؟ قال: (خفف ما
استطعت) (3) وهذا يعطي استحباب تخفيف الثماني قبل الظهر، ولا يدل على
سواها.
الثالث: روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: أفضل الأعمال
الصلاة لأول وقتها (4).
وروى قتيبة الأعشى عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (ان فضل أول
الوقت على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا) (5).
وعن محمد بن مسلم عنه عليه السلام: (إذا دخل وقت صلاة فتحت
أبواب السماء لصعود الأعمال، فما أحب أن يصعد عمل أول من عملي، ولا
يكتب في الصحيفة أحد أول مني) (6).
وعن زرارة عن الباقر عليه السلام، وقد سأله عن أفضلية الأول أو الوسط
أو الأخير، فقال: (أوله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله يحب من
الخير ما يعجل) (7).
ثم قال الباقر عليه السلام: (ان أول الوقت أبدا أفضل، فتعجل الخير

(1) المغني 2: 113، الشرح الكبير 2: 116.
(2) السرائر: 40.
(3) التهذيب 2: 257 ح 1019.
(4) الجامع الصحيح 1: 319 ح 170، سنن الدارقطني 1: 246، المستدرك على الصحيحين
1: 189، السنن الكبرى 1: 434.
(5) الكافي 3: 274 ح 6، ثواب الأعمال: 58، التهذيب 2: 40 ح 129.
(6) التهذيب 2: 41 ح 131.
(7) الكافي 3: 274 ح 5، التهذيب 2: 40 ح 127.
337

ما استطعت) (1).
وعن سعد بن أبي خلف عن الكاظم عليه السلام، قال الصلوات
المفروضات في أول وقتها إذا أقيم حدودها، أطيب ريحا من قضيب الآس
يؤخذ من شجره في طيبة وريحة وطراوته، فعليكم بالوقت الأول) (2).
إذا ظهر ذلك، فبم تحصل فضيلة الأولية؟ الظاهر أنه بالاشتغال
بمقدمات الصلاة كما يدخل الوقت، فإنه لا يعد حينئذ متوانيا ولا متأخرا. وفي
الاخبار ما يدل على أن الفضيلة بتقديم ما يمكن تقديمه من الشروط، لينطبق
الفعل على أول الوقت، مثل ما روي: (ما وقر الصلاة من أخر الطهارة لها حتى
يدخل وقتها) (3).
وتظهر الفائدة أيضا في ناذر الصلاة لوقتها الأول.
والظاهر أن وقت الفضيلة متفاوت فيها فكلما قرب من الأول فاز بالفضل، وربما احتمل مساواته وصب الاخبار عليه، أو نقول النصف الأول منه متساو
لان معظم الوقت باق. ولو شغل بشغل خفيف قبل المقدمات أو بعدها كأكل
لقمة أو كلام قصير، أو مشى على عادته لم تفته الفضيلة، لعدم تأثير مثله في
التواني.
وقد يكون التأخير أفضل في أماكن تأتي إن شاء الله تعالى.
السادسة: للمغرب وقتان كباقي الصلوات، لعموم الاخبار، كخبر معاوية
وابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: (لكل صلاة وقتان) (4).
وخبر داود الصرمي بكسر الصاد واسكان الراء المهملتين: كنت عند

(1) الكافي 3: 274 ح 8، التهذيب 2: 41 ح 130.
(2) التهذيب 2: 40 ح 128، ثواب الأعمال: 58.
(3) تنتهي طرق الرواية إلى الشهيد في كتابه هذا، انظر الحدائق 2: 140، جواهر الكلام 1: 17،
وسائل الشيعة 1: 274 ح 5 باب 4 من أبواب الوضوء فلعل المصنف انفرد بها.
(4) الكافي 3: 274 ح 3، 4، التهذيب 2: 40 ح 124، 125، الاستبصار 1: 244 ح 870، 871.
338

أبي الحسن الثالث عليه السلام فغربت الشمس، فجلس يتحدث حتى غاب
الشفق قبل ان يصلي المغرب، ثم توضأ وصلى (1).
وعن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في تأخير المغرب ساعة: (لا
بأس، إذا كان صائما أفطر، وان كانت له حاجة قضاها) (2). في أخبار كثيرة تدل
على جواز تأخيرها.
وفي مكاتبة إسماعيل بن مهران إلى الرضا عليه السلام: ان أصحابنا
يجعلون آخر وقت المغرب ربع الليل، فكتب: (كذلك الوقت، غير أن وقت
المغرب ضيق، وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في أفق
المغرب) (3). وروى إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في وقت
المغرب قال: (ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق) (4). وسيأتي الدليل
على امتداد وقتها إلى نصف الليل، ولا نعني بالوقتين الا هذا.
قال الشيخ: هذه الأخبار دالة على المعذور، لان الامر عندنا للفور، فلا
يجوز تأخير المغرب عن غيبوبة الشمس الا عن عذر (5).
قلت: سبيل هذا كسبيل ما ذكر في أوقات الباقي من الحمل على العذر،
وحمله آخرون على الفضيلة.
نعم، قد روى الشيخ بطريقتين عن أبي عبد الله عليه السلام: (ان
جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله فجعل لكل صلاة وقتين، الا المغرب
فجعل لها وقتا واحدا) (6).

(1) التهذيب 2: 30 ح 90، الاستبصار 1: 264 ح 955.
(2) التهذيب 2: 30 ح 93، الاستبصار 1: 266 ح 963.
(3) الكافي 3: 281 ح 16، التهذيب 2: 260 ح 1037، الاستبصار 1: 270 ح 976.
(4) التهذيب 2: 258 ح 1029، الاستبصار 1: 263 ح 950.
(5) التهذيب 2: 32.
(6) الكافي 3: 280 ح 8، التهذيب 2: 260 ح 1035، 1036، الاستبصار 1: 245 ح 872،
873.
339

ويعارض بخبر ذريح عن أبي عبد الله عليه السلام: (ان جبرئيل عليه
السلام أتى النبي صلى الله عليه وآله في الوقت الثاني من المغرب قبل سقوط
الشفق) (1). وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: (وقت
المغرب من حيث تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم) (2). فتحمل أخبار
التضيق على الأفضلية جمعا.
السابعة: أول وقت المغرب غروب الشمس بالاجماع، ويمتد الفضيلة
إلى غيبوبة الشفق المغربي، والاجزاء إلى أن يبقى لانتصاف الليل قدر أدائها
مع العشاء، لخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: واثنتان أول
وقتهما غروب الشمس إلى انتصاف الليل، الا ان هذه قبل هذه (3).
ويختص المغرب من أول الوقت بقدر أدائها، ثم يشترك مع العشاء إلى
انتصاف الليل فيختص العشاء بأربع، كما قلناه في الظهرين، لخبر داود بن
فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام (4).
والشيخان والقاضي وأبو الصلاح: وقت المختار إلى غيبوبة المغربية،
والمضطر إلى ربع الليل (5)، لتقدير التأخير إلى المشعر به، ولخبر عمر بن يزيد
عن الصادق عليه السلام: (فإنك في وقت إلى ربع الليل) (6) وعنه بلفظ آخر:
(فلك ان تؤخرها إلى ربع الليل) (7)، ويحمل على الفضيلة. الثامنة: يعلم الغروب بذهاب الحمرة المشرقية في الأشهر، قال في

(1) التهذيب 2: 257 ح 1022، الاستبصار 1: 263 ح 949.
(2) التهذيب 2: 257 ح 1023، الاستبصار 1: 263 ح 948.
(3) التهذيب 2: 27 ح 78، الاستبصار 1: 262 ح 941.
(4) التهذيب 2: 28 ح 82، الاستبصار 1: 263 ح 945.
(5) المقنعة: 93 و 95، المبسوط 1: 75، النهاية: 59، المهذب 1: 69، الكافي في الفقه:
137.
(6) التهذيب 2: 30 ح 91.
(7) التهذيب 2: 31 ح 94، الاستبصار 1: 267 ح 964.
340

المعتبر: عليه عمل الأصحاب (1) لما رواه بريد بن معاوية عن الباقر عليه
السلام: (إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني: المشرق فقد غابت
الشمس من شرق الأرض ومن غربها) (2).
وعن محمد بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام في وقت المغرب:
(إذا تغيرت الحمرة في الأفق وذهبت الصفرة) (3).
ويقرب منه ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله، انه قال: (إذا أقبل
الظلام من ههنا وأشار إلى المشرق وادبر النهار من ههنا وأشار إلى
المغرب فقد أفطر الصائم) (4).
وللشيخ قول بسقوط القرص، لخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام: (وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها) (5).
وعن أبي أسامة أو غيره: صعدت جبل أبي قبيس والناس يصلون
المغرب، فرأيت الشمس لم تغب وانما توارت خلف الجبل، فأخبرت أبا عبد
الله عليه السلام بذلك، فقال: (بئس ما صنعت، انما تصليها إذا لم ترها خلف
جبل، غابت أو عادت، فإنما عليك مشرقك ومغربك وليس على الناس أن
يبحثوا) (6). وجزم الفقيه ان الراوي أبو أسامة زيد الشحام (7). وعن سماعة عنه عليه السلام: (ليس عليك صعود الجبل)، وقد قال له:

(1) المعتبر 2: 51.
(2) الكافي 3: 278 ح 2، التهذيب 2: 29 ح 84، الاستبصار 1: 265 ح 956.
(3) التهذيب 257 ح 1024.
(4) المصنف لعبد الرزاق 4: 227 ح 7595، مسند أحمد 1: 28، صحيح البخاري 3: 46،
صحيح مسلم 2: 772 ح 1100، سنن أبي داود 2: 304 ح 2351، الجامع الصحيح 3: 81
ح 698.
(5) الكافي 3: 279 ح 7، التهذيب 2: 28 ح 81، الاستبصار 1: 263 ح 944.
(6) التهذيب 2: 264 ح 1053، الاستبصار 1: 266 ح 961.
(7) الفقيه 1: 142 ح 661.
341

ربما صلينا ونحن نخاف ان تكون الشمس خلف الجبل (1).
والجواب: كل خبر فيه غيبوبة القرص محمول على ذهاب الحمرة،
حملا للمطلق على المقيد، والنهي عن البحث في ذلك جاز ان يكون بعد
ذهاب الحمرة وتوهم الراوي بقاء الشمس. وقد روى الكليني عن ابن أبي عمير
مرسلا عن الصادق عليه السلام، قال: (وقت سقوط القرص ووجوب الافطار
ان يقوم بحذاء القبلة ويتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمة
الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص) (2). وهذا صريح
في أن زوال الحمرة علامة سقوط القرص، ومراسيل ابن أبي عمير في قوة
المسانيد.
واما اعتبار رؤية النجوم كما روى بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه
السلام وسئل عن وقت المغرب، فتلا: (فلما جن الليل رأى كوكبا)،
وقال: (هذا أول الوقت) (3). وروى إسماعيل بن همام: رأيت الرضا عليه
السلام صلى بنا على باب ابن أبي محمود حين ظهرت النجوم (4) فهي نادرة،
ومحمولة على وقت الاشتباه، أو لضرورة، أو على مدها حتى تظهر النجوم
فيكون فراغه منها عند ذلك، كما قاله الشيخ (5). ومعارضة بخبر أبي أسامة الشحام: قال رجل لأبي عبد الله عليه
السلام. أؤخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ فقال: (خطابية! ان جبرئيل نزل

(1) الفقيه 1: 141 ح 656، أمالي الصدوق: 74، التهذيب 2: 29 ح 87، الاستبصار 1: 266
ح 962.
(2) الكافي 3: 279 ح 4، التهذيب 4: 185 ح 516.
(3) الفقيه 1: 141 ح 657، التهذيب 2: 30 ح 88، الاستبصار 1: 264 ح 953.
والآية في سورة الأنعام: 76.
(4) التهذيب 2: 30 ح 89، الاستبصار 1: 264 ح 954.
(5) التهذيب 2: 261، الاستبصار 1: 268.
342

بها على محمد صلى الله عليه وآله حين سقط القرص) (1).
وفي مرسل محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام، انه قال:
(ملعون من اخر المغرب طلب فضلها) (2).
وعن الرضا عليه السلام: (ان أبا الخطاب قد كان أفسد عامة أهل الكوفة
، وكانوا لا يصلون حتى يغيب الشفق، وانما ذلك للمسافر
والخائف وصاحب الحاجة) (3).
وعن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: (انما أمرت أبا الخطاب ان
يصلي المغرب حين زالت الحمرة، فجعل هو الحمرة من قبل المغرب) (4).
وعن القاسم بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام: ذكر عنده أبو
الخطاب فلعنه، ثم قال: (انه لم يكن يحفظ شيئا! حدثته ان رسول الله صلى
الله عليه وآله غابت له الشمس في مكان كذا وصلى المغرب بالشجرة بينهما ستة
أميال، فأخبرته بذلك في السفر فوضعه في الحضر) (5).
التاسعة: أول وقت العشاء الآخرة عند الفراغ من المغرب في الأقوى
لما سلف، لاخبار كثيرة كخبر زرارة عن الصادق عليه السلام: (قال: صلى
رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق من
غير علة في جماعة، وانما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته) (6).
وروى زرارة أيضا عن الباقرين عليهما السلام في الرجل يصلي العشاء
الآخرة قبل سقوط الشفق: (لا بأس بذلك) (7) ومثله روى الحلبيان عن الصادق

(1) علل الشرائع: 350، التهذيب 2: 28 ح 80، الاستبصار 1: 262 ح 943.
(2) الفقيه 1: 142 ح 660، علل الشرائع: 350، التهذيب 2: 33 ح 100.
(3) التهذيب 2: 33 ح 99، الاستبصار 1: 268 ح 968.
(4) التهذيب 2: 259 ح 1033، الاستبصار 1: 265 ح 960.
(5) التهذيب 2: 258 ح 1028.
(6) الكافي 3: 286 ح 1، التهذيب 2: 263 ح 1046، الاستبصار 1: 271 ح 981.
(7) التهذيب 2: 34 ح 104.
343

عليه السلام (1).
وذهب الشيخان إلى أن وقتها غيبوبة المغربية (2) لما رواه يزيد بن خليفة
عن الصادق عليه السلام: (أول وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى ثلث
الليل) (3). وعن زرارة عن الباقر عليه السلام: (إذا غاب الشفق دخل وقت
العشاء) (4).
ويحمل على الفضيلة جمعا مع أن أخبارنا أصح طريقا، ولأنهما جوزا
ذلك عند الضرورة، لولا كونه وقتا لاستحال فعلها فيه، كما لا يجوز تقديم
المغرب على الغروب. والشيخ حمل أخبار الجواز على الضرورة، أو على مدها
حتى يذهب الشفق (5).
ويمتد وقت الفضيلة إلى ثلث الليل، والاجزاء إلى نصفه، لخبر أبي
بصير عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
لولا أني أخاف أن أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل، وأنت في
رخصة إلى نصف الليل، وهو غسق الليل) (6).
ولخبر نزول جبرئيل بالصلاة من طريقي الخاصة والعامة: انه صلى
العشاء في المرة الثانية حين ذهب ثلث الليل (7).
وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (العتمة إلى ثلث

(1) التهذيب 2: 34 ح 105، الاستبصار 1: 271 ح 979.
(2) المقنعة: 14، المبسوط 1: 75، النهاية: 59.
(3) الكافي 3: 279 ح 6، التهذيب 2: 31 ح 95، الاستبصار 1: 267 ح 965.
(4) التهذيب 2: 262 ح 1045، الاستبصار 1: 269 ح 973.
(5) التهذيب 2: 34، الاستبصار 1: 272.
(6) التهذيب 2: 261 ح 1041، الاستبصار 1: 272 ح 986.
(7) التهذيب 2: 252 ح 1001، 1004، الاستبصار 1: 257 ح 922، 925.
وراجع ص 322 الهامش 7.
344

الليل، أو إلى نصف الليل، وذلك التضييع) (1).
وفي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (وآخر وقت العشاء ثلث
الليل) (2). وعن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله عليه السلام: (آخر وقت
العتمة نصف الليل) (3).
وفي هذه الأخبار دلالتان مع المدعى.
أحدهما: جواز تسمية العشاء الآخرة بالعتمة، وقد كرهه الشيخ (4) لما
روى النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا يغلبنكم الاعراب على اسم
صلاتكم فإنها العشاء، وانهم يعتمون بالإبل، ويسمون الحلبة العتمة) (5).
قلنا: ان صح فلا دلالة فيه، غايته ان تسميتها بالعشاء أولى.
قال الشيخ: وكذلك تسمية الصبح بالفجر، بل كما قال الله تعالى:
(وحين تصبحون) (6).
ويعارض بخبر عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام: (صلاة
الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء) (7).
وزعم بعض العامة كراهة تسميتها الغداة، اما الفجر والصبح فلا (8) لنطق

(1) التهذيب 2: 262 ح 1043، الاستبصار 1: 273 ح 988.
(2) راجع الهامش 4، من الصفحة السابقة.
(3) التهذيب 2: 262 ح 1042، الاستبصار 1: 273 ح 987.
(4) المبسوط 1: 75.
(5) المصنف لعبد الرزاق 1: 566 ح 2153، مسند أحمد 2: 10، صحيح مسلم 1: 445
ح 644، سنن ابن ماجة 1: 230 ح 704، سنن النسائي 1: 270، مسند أبي يعلى 9: 471
ح 5623.
(6) المبسوط 1: 75.
والآية في سورة الروم: 17.
(7) التهذيب 2: 39 ح 123، الاستبصار 1: 276 ح 1003.
(8) كالشافعي، راجع: الام 1: 76، المجموع 3: 46.
345

القران بالفجر، وكذا النبي صلى الله عليه وآله في حديث جبرئيل عليه
السلام (1)، وبالصبح في قوله صلى الله عليه وآله. (من أدرك من الصبح
قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) (2). ويكرهون تسمية المغرب بالعشاء،
لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا يغلبنكم الاعراب على اسم
صلاتكم انها المغرب، والمغرب يسمونها العشاء) (3). وكل ذلك لم يثبت.
الثانية: استحباب تأخير العشاء عن ذهاب الشفق. وقد روى عبد الله بن
سنان عن الصادق عليه السلام، قال: (أخر رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة
العشاء الآخرة ما شاء الله، فجاء عمر فدق الباب فقال: يا رسول الله نام النساء
نام الصبيان! فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (ليس لكم ان تؤذوني
ولا تأمروني، انما عليكم ان تسمعوا وتطيعوا) (4).
وروى العامة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(لولا ضعف الضعيف وسقم السقيم، لأمرت بهذه الصلاة ان تؤخر إلى شطر
الليل) (5).
وظاهر الأصحاب عدم هذا الاستحباب، لمعارضة أخبار أفضلية أول
الوقت، وصرح به في المبسوط (6).
وقال المرتضى، لما قال الناصر: أفضل الأوقات أولها في الصلوات
كلها: هذا صحيح، وهو مذهب أصحابنا.

(1) راجع ص 322 الهامش 7.
(2) سيأتي الحديث بتمامه في ص 57 الهامش 1.
(3) صحيح البخاري 1: 147، السنن الكبرى 1: 372.
(4) التهذيب 2: 28 ح 81.
(5) سنن ابن ماجة 1: 226 ح 693، سنن أبي داود 1: 114 ح 422، سنن النسائي 1: 268،
السنن الكبرى 1: 375.
(6) المبسوط 1: 77.
346

والدليل على صحته بعد الاجماع ما رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله
عليه وآله وسأله عن أفضل الأعمال، فقال: (الصلاة في أول وقتها)، ومثله رواية
أم فروة عن النبي صلى الله عليه وآله (1)، ولأن في تقديمها احتياطا للفرض وفي
التأخير تغريرا به لجواز المانع.
وحينئذ نقول ما اختاره النبي صلى الله عليه وآله لأمته هو الأفضل،
لاعتضاده بقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر) (2) وتأخير النبي صلى الله عليه
وآله جاز ان يكون لعذر، أو لبيان الجواز.
المسألة العاشرة: يخرج وقت العشاء بنصف الليل، لما مر
وفي الخلاف بثلثه (3).
وفي المعتبر: يمتد إلى طلوع الفجر (4) ونقله في المبسوط عن بعض
الأصحاب (5) ويظهر من الصدوق في الفقيه (6) لقول النبي صلى الله عليه وآله:
(انما التفريط ان تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى) (7) ولا تفوت صلاة
حتى يدخل وقت صلاة أخرى، ولما رويناه عن النبي صلى الله عليه وآله: (لا
تفوت صلاة الليل حتى يطلع الفجر) (8).

(1) الناصريات: 230 المسألة 75.
ورواية ابن مسعود في: الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 19 ح 1477، سنن
الدارقطني 1: 246، المستدرك على الصحيحين 1: 189، السنن الكبرى 1: 434.
ورواية أم فروة تقدمت في ص 337 الهامش 4.
(2) سورة البقرة: 185.
(3) الخلاف 1: 264 المسألة 8.
(4) المعتبر 2: 43.
(5) المبسوط 1: 75.
(6) انظر الفقيه 1: 232 ح 1030.
(7) صحيح مسلم 1: 473 ح 681، سنن أبي داود 1: 121 ح 441، سنن النسائي 1: 94
السنن الكبرى 1: 376.
(8) الفقيه 1: 232 ح 1030، التهذيب 2: 256 ح 1015، الاستبصار 1: 273 ح 989،
الإمام الصادق عليه السلام.
347

وروى أبو بصير وابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إن نام
رجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء، ثم استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما،
فليصلهما. وان خشي ان تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة) (1).
وروى ابن سنان عنه عليه السلام: (إذا طهرت المرأة من آخر الليل
فلتصل المغرب والعشاء) (2).
وقال الشيخ في موضع من الخلاف: لا خلاف بين أهل العلم في أن
أصحاب الاعذار إذا أدرك أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة انه تلزمه
العشاء الآخرة (3).
وجوابه المعارضة بالأخبار السالفة، والشهرة المرجحة، ويؤيدها مرفوع
ابن مسكان إلى أبي عبد الله عليه السلام، انه قال: (من نام قبل أن يصلي
العتمة، فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل، فليقض صلاته وليستغفر الله) (4)
وكذا رواية النوم عن العشاء إلى نصف الليل المتضمنة للقضاء وصوم الغد (5).
ويحمل الخبر الأول على دخول وقت صلاة الليل. والثاني على فواتها،
وفي الاستبصار حمله على ذي العذر رخصة إذا دام عذره إلى الفجر (6). وخبر
الحائض يحمل على الندب. واما الخبر الآخر (7) فسنده مستقيم ودلالته
واضحة، الا انه مطرح بين الأصحاب، وحمل الشيخ آت فيه، وفيه التزام ببقاء
وقتها للمعذور، وحمل القبلية على انتصاف الليل بعيد، لأنه قال فيه: (وان

(1) التهذيب 2: 270 ح 1076، 1077، الاستبصار 1: 288 ح 1053، 1054.
(2) التهذيب 1: 390 ح 1204، الاستبصار 1: 143 ح 490.
(3) الخلاف 1: 271 المسألة 13.
(4) التهذيب 2: 276 ح 1097.
(5) الفقيه 1: 142 ح 658.
(6) الاستبصار 1: 273.
(7) راجع الهامش 2.
348

استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح، ثم المغرب، ثم العشاء قبل طلوع
الشمس). واعلم أن في هذا الخبر دلالة على مذهب التوسعة في القضاء.
الحادية عشر: وقت الصبح طلوع الفجر الثاني، اجماعا. ويسمى:
الصادق، لأنه صدقك عن الصبح. ويسمى الأول: الكاذب وذنب السرحان،
لخروجه مستدقا مستطيلا كذنب السرحان، ولأن الضوء يكون في الأعلى دون
الأسفل كما أن الشعر في أعلى ذنبه أكثر من أسفله.
وسمي الصبح من قولهم: رجل أصبح، إذا جمع بياضا وحمرة.
والصادق هو المستطير، أي: المنتشر الذي لا يزال في زيادة، بخلاف الأول
لأنه يمحي أثره، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (لا يغرنكم الفجر المستطيل،
كلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير) (1).
وفي مكاتبة ابن الحصين لأبي جعفر الثاني عليه السلام بخطه عليه
السلام: (الفجر هو الخيط الأبيض المتعرض، وليس هو الأبيض صعدا) (2).
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يصلي ركعتي الصبح، وهي الصبح (3)، إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا (4).
ويمتد وقتها للاجزاء إلى طلوع الشمس، لخبر زرارة عن أبي جعفر عليه
السلام: (وقت الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) (5) والفضيلة إلى
الاسفار والتنوير، لما تقدم في خبر جبرئيل عليه السلام رواه معاوية بن وهب

(1) نحوه في: صحيح مسلم 2: 77 ح 1094، الجامع الصحيح 3: 85 ح 705. وراجع تلخيص
الحبير 3: 34.
(2) الكافي 3: 282 ح 1، التهذيب 2: 36 ح 115، الاستبصار 1: 274 ح 994.
(3) كذا، وفي المصدرين: (الفجر).
(4) التهذيب 2: 36 ح 111، الاستبصار 1: 273 ح 990.
(5) التهذيب 2: 36 ح 114، الاستبصار 1: 275 ح 998.
349

بلفظ: (التنوير) (1) ورواه ذريح بلفظ: (الاسفار) (2) وبه عبر الشيخ في
الخلاف (3) ولرواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام: (لكل صلاة
وقتان، فأول الوقتين أفضلهما، وقت صلاة الفجر (4) إلى أن يتجلل الصبح
السماء، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا، ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سها) (5)
ونحوه خبر الحلبي عنه عليه السلام (6).
وعن أبي بصير عنه عليه السلام، قال: متى يحرم الطعام على الصائم؟
فقال: (إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء). قلت: فمتى تحل الصلاة؟ قال: إذا
كان كذلك) فقلت: ألست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟
فقال: (لا، انما نعدها صلاة الصبيان) (7) وفي ذلك إيماء إلى الجواز وكراهية
التأخير.
وابن أبي عقيل والشيخ في أحد قوليه: طلوع الحمرة للمختار،
وطلوع الشمس للمضطر (8) عملا بظاهر هذه الأخبار، وهي أدل على الفضيلة،
وقد روى الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام: (من أدرك من الغداة
ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة) (9).
تنبيه:
يستحب التعجيل في الصبح استحبابا مؤكدا، لما روي أن النبي صلى

(1) التهذيب 2: 252 ح 1001، الاستبصار 1: 257 ح 922.
(2) التهذيب 2: 253 ح 1004، الاستبصار 1: 258 ح 925.
(3) الخلاف 1: 48 المسألة 10.
(4) في المصدرين زيادة: (حين ينشق الفجر).
(5) التهذيب 2: 39 ح 123، الاستبصار 1: 276 ح 1003.
(6) الكافي 3: 283 ح 5، التهذيب 2: 38 ح 121، الاستبصار 1: 276 ح 1001.
(7) التهذيب 2: 39 ح 122، الاستبصار 1: 276 ح 1002.
(8) المبسوط 1: 75، الخلاف 1: 267 المسألة 10، وحكاه عن ابن أبي عقيل العلامة في مختلف
الشيعة: 70.
(9) التهذيب 2: 38 ح 119، الاستبصار 1: 275 ح 999.
350

الله عليه وآله كان يصلي الصبح، فينصرف النساء منها وهن متلفعات
بمروطهن، لا يعرفن من الغلس (1).
وعن إسحاق بن عمار، قلت للصادق عليه السلام: أخبرني بأفضل
المواقيت في صلاة الفجر؟ فقال: (مع طلوع الفجر، ان الله تبارك وتعالى
يقول (وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا) يعني: صلاة الصبح، فإذا
صلاها مع طلوع الفجر أثبتها له ملائكة الليل وملائكة النهار) (2).
الثانية عشر: يستقر وجوب الصلاة بادراك أول الوقت على صفة الكمال
ومضي مقدار أدائها تامة الشرائط والافعال، لامتناع ان يكلف الله تعالى بعبادة
من غير وقت يسعها.
وفي الخلاف: إذا أدرك من الظهر دون أربع، ثم جن أو أغمي عليه أو
حاضت، لم يلزمه الظهر لاجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن من لم يدرك
من أول الوقت مقدار ما يؤدي الفرض فيه لم يلزمه إعادته (3).
وقد مضى ان ظاهر الصدوق رحمه الله اعتبار إدراك الأكثر (4).
وقال ابن الجنيد: إن حاضت الطاهر، بعد أن كان يصح لها لو صلت في
أول الوقت الصلاة أو أكثرها، وجب قضاء تلك الصلاة (5). مع أنه قال: إذا
طهرت الحائض أو أسلم الكافر أو بلغ الصبي والصبية، قبل غروب الشمس
في وقت يصح لهم أن يأتوا بالصلاتين قبل مغيب الشمس، صلوهما أو قضوهما

(1) الموطأ 1: 5، ترتيب مسند الشافعي 1: 51 ح 147، مسند أحمد 6: 3، سنن الدارمي 1:
277، صحيح البخاري 1: 151، صحيح مسلم 1: 446 ح 645.
(2) الكافي 3: 282 ح 2، ثواب الأعمال: 57، التهذيب 2: 37 ح 116، الاستبصار 1: 275
ح 995.
والآية في سورة الإسراء: 78.
(3) الخلاف 1: 274، المسألة 15.
(4) انظر الحدائق الناظرة 3: 249. ولم نجده في مظانه مما تقدم.
(5) مختلف الشيعة: 148
351

إن أخروهما، وكذلك في المغرب والعشاء.
فظاهره هنا اعتبار إدراك جميع الصلاة، وهو ظاهر ابن إدريس، نظرا إلى
وجوب زمان يتسع للعبادة (1).
واختار السيد مذهب ابن بابويه رحمهما الله (2) والمشهور: الاكتفاء في
آخر الوقت بادراك الطهارة وركعة، لما سلف من رواية الإصبع (3) ولما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك
الصلاة) (4). وعنه صلى الله عليه وآله: (من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب
الشمس فقد أدرك فقد أدرك العصر) (5).
والفرق بين أول الوقت وآخره واضح، إذ يمكنه البناء في آخر الوقت بغير
مانع واتمام الصلاة، بخلاف أول الوقت إذ لا سبيل إلى ذلك.
فروع: الأول: لابد من اتساع أول الوقت للطهارة وباقي الشرائط، ولا عبرة
بتمكنه منها قبل الوقت لعدم مخاطبته حينئذ، ولا فرق بين تمكنه من الطهارة
أول الوقت وبين غيره كالتيمم والمستحاضة. نعم، لو اتفق حصول الشرائط
قبل الوقت كفى إدراك الصلاة، وكذا لو حصل البعض كفى إدراك الباقي مع
الصلاة.
الثاني: المعتبر في ذلك أخف صلاة يقتصر فيها على الواجب. فلو طول
في صلاته، ثم جن في أثنائها، وجب القضاء إذا كان ذلك القدر كافيا في أقل

(1) السرائر: 59.
(2) جمل العلم والعمل 3: 38.
(3) راجع ص 350 الهامش 8.
(4) الموطأ 1: 10، المصنف لعبد الرزاق 2: 281 ح 2369، مسند أحمد 2: 241، سنن
الدارمي 1: 277، صحيح البخاري 1: 151، صحيح مسلم 1: 423 ح 607، سنن ابن
ماجة 1: 356 ح 1122.
(5) انظر الخلاف 1: 49، المسألة 3.
352

صلاة ولو كان قي أحد الأماكن الأربعة التي يتخير فيها بين التمام والقصر،
اكتفى بادراك القصر، لأنه لو قصر لأمكنه أداؤها.
الثالث: حكم أثناء الوقت حكم أوله في ذلك. فلو أفاق المجنون في
أثناء الوقت، ثم جن أو غمي عليه في الوقت، اعتبر في قدر الإفاقة أدرك
جميع الشرائط والأركان، وكذا لو كانت مجنونة فأفاقت ثم حاضت.
والرابع: لا يكفي في آخر الوقت إدراك تكبيرة الاحرام، ولا ما دون ركعة،
لمفهوم الشرط في الخبر. وحمله على أن اقتداء المسافر بالحاضر في جزء يسير
من الصلاة يوجب عليه التمام (1) ممنوع الأصل والحمل. وقد نقل الشيخ في
الخلاف عدم عندنا فيما دون الركعة (2).
الخامس: لا فرق بين الكافر وغيره من المعذورين، لان الكافر لا يؤاخذ
بما تركه حال الكفر. وتوهم بعضهم كون الكافر غير معذور هنا، لمخاطبته
بالاسلام المقدور فيجب القضاء متى أدرك الوقت (3). وهو ضعيف، لقوله
تعالى: (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) (4)، ولقول النبي
صلى الله عليه وآله: (الإسلام يهدم ما قبله)) (5).
السادس: لو أدرك من آخر الوقت في الظهرين والعشائين قدر أربع فما
دون، لزمته الأخيرة منهما ولا تلزمان معا. ولو أدرك خمسا وجبتا أداء، وقدم
الظهر والمغرب.
وقد ذكر بعض العامة وجها بوجوب المغرب والعشاء بإدراك أربع، مخرجا

(1) ذهب إليه الشافعي وأحمد في أحد قوليهما، راجع: المجموع 3: 64، مختصر المزني: 12،
المغني 1: 420.
(2) الخلاف 1: 271 المسألة 13.
(3) حلية العلماء 2: 26، فتح العزيز 3: 71.
(4) سورة الأنفال: 38.
(5) صحيح مسلم 1: 112 ح 121.
353

من أنه إذا أدرك من الظهرين خمسا تكون الأربع التي وقعت فيها الظهر لها،
لاستئثارها بالسبق، ووجوب تقديمها عند الجمع. ولأنه لو لم يدرك سوى ركعة
لم تجب الظهر، فلما أدرك الأربع مع الركعة وجبت، فدل على أن الأربع في
مقابلة الظهر.
وعارضوه: بأن الظهر هنا تابعة للعصر في الوقت واللزوم، فإذا اقتضى
الحال ادراك الصلاتين وجب أن يكون الأكثر في مقابلة المتبوع، والأقل في
مقابلة التابع، فتكون الأربع في مقابلة العصر (1).
وتبعهم بعض الأصحاب في هذين الوجهين، وهما عند التحقيق غير
مرضيين عندنا، لأن المستقر في المذهب استئثار العصر بأربع للمتمم من آخر
الوقت، ويلزمه أن لا يخرج ذلك الوقت عن الوقتية باعتبار ما. فإذا أدرك
المكلف خمسا فقد أدرك ركعة من آخر وقت الظهر، فأوجبت الظهر واستتبعت
ثلاثا من وقت العصر، كما استتبعت العصر ثلاثا من وقت المغرب. فلا يتصور
كون الأربع في مقابلة الظهر محافظة على الوقت المضروب من قبل الشرع.
بل التحقيق: ان قدر الأربع الأخيرة وإن كان للعصر إلا ان الظهر
زاحمتها بثلاث منه فصار في حكم وقتها، كما أن قدر الثلاث وإن كان
للمغرب إلا أنه لما أوقعت العصر فيه أداء كان بحكم وقتها، فحينئذ لا وجه
لوجوب المغرب بإدراك أربع، هذا مع النص أهل البيت عليهم السلام بأنه
لو بقي أربع من آخر وقت العشاءين اختصت العشاء به (2). وهذا يصلح دليلا
على اختصاص العصر بالأربع مع النص عليه أيضا (3).
السابع: نقل الشيخ خلافا بين الأصحاب فيما إذا أدرك ركعة من آخر
الوقت، هل يكون مؤديا للجميع، أو قاضيا للجميع، أو بالتوزيع؟ والأظهر

(1) فتح العزيز 3: 75.
(2) التهذيب 2: 28 ح 82، الاستبصار 1: 263 ح 945.
(3) التهذيب 2: 25 ح 70، الاستبصار 1: 261 ح 936.
354

الأول (1)، لظاهر الأخبار السالفة.
وظاهره في الخلاف دعوى الإجماع عليه، حيث قال عن
الأصحاب: انهم لا يختلفون في أن من أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع
الشمس يكون مؤديا في الوقت (2).
قال: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله: (من أدرك ركعة من الصبح
قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن
تغرب الشمس فقد أدرك العصر)، قال: وكذلك روي عن أئمتنا عليهم
السلام (3).
وينصر الثاني أن الركعة الأولى وقعت في آخر الوقت الذي كان للركعة
الأخيرة، فقد وقعت في غير (4) وقتها، أما الباقي فظاهر وأما التوزيع فأظهر.
وتظهر الفائدة في النية، وفي الترتيب على الفائتة السابقة، وفي سقوط
فرع تنزيل الأربع للظهر أو العصر على المذهبين الآخرين بالكلية.
الثامن: لو أدرك من سبقه التكليف بالصلاة أقل من ركعة نوى القضاء
حينئذ، قال الشيخ: بلا خلاف بيننا (5). وحينئذ يراعى الترتيب بين الفوائت.
والظاهر: ان المراد بالركعة التامة إلى رفع الرأس من السجدتين، لأنه

(1) المبسوط 1: 72.
(2) الخلاف 1: 268 المسألة 11.
(3) الخلاف 1: 271 المسألة 13.
وحديث النبي صلى الله عليه وآله في: مسند أحمد 2: 462، صحيح البخاري 1: 151،
صحيح مسلم 1: 424 ح 608، سنن ابن ماجة 1: 229 ح 669، سنن أبي داود 1: 112
ح 412، الجامع الصحيح 1: 353 ح 186.
وما روي عن الأئمة عليهم السلام في: التهذيب 2: 38 ح 119، 262 ح 1044،
الاستبصار 1: 275 ح 999، 1000.
(4) في م: آخر.
(5) المبسوط 1: 73.
355

المفهوم المتعارف، وبه صرح في التذكرة (1). ويمكن الاجتزاء بالركوع،
للتسمية لغة وعرفا، ولأنه المعظم. وعلى كل حال فالمعتبر قدر الواجب منها لا
غير.
التاسع: لو أدرك ذو العذر المسقط للقضاء من آخر الوقت ركعة
والطهارة، ثم عرض عذر مسقط للقضاء، فالأقرب: عدم التكليف، لمساواته
الأول في القصور عن الواجب، وزوال الفارق بالتمكن من الباقي، فإنه لا
تمكن هنا.
العاشر: لو تمكن من الأداء ثم مات، فإن خرج الوقت عامدا عصى، وان
كان ناسيا أو لم يخرج الوقت فلا عصيان، ويجئ الوقت على نقل المفيد تعصيته (2).
قال بعض الأصحاب: ويجب القضاء على الولي (3) وفيه كلام يأتي إن
شاء الله تعالى.

(1) تذكرة الفقهاء 1: 78.
(2) المقنعة: 14.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 86.
356

الفصل الثاني:
في مواقيت الرواتب
ومسائله خمس:
الأولى: وقت صلاة الأوابين زوال الشمس إلى أن يصير الفئ على
قدمين، ونافلة العصر إلى أربع أقدام، وتسمى: السبحة، قاله ابن أبي عقيل،
لما رواه عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (للرجل أن يصلي الزوال ما
بين زوال الشمس إلى أن يمضي قدمان، فإن كان قد بقي من الزوال ركعة
واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتم الصلاة حتى يصلي تمام الركعات. وإن
مضى زمان (1) قبل أن يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم يصل الزوال إلا بعد ذلك.
وللرجل أن يصلي من نوافل الأولى ما بين الأولى إلى أن تمضي أربعة أقدام،
فإن مضيت أربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئا فلا يصلي النوافل. وإن كان قد
صلى ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها، ثم يصلي العصر) (2).
وهذا يدل على تسمية ما قبل الظهر بصلاة الزوال، كما سميت صلاة
الأوابين وما بعد الظهر لها.
ثم قال في هذا الخبر: (وللرجل أن يصلي إن بقي عليه شئ من صلاة
الزوال إلى أن يمضي بعد حضور الأولى نصف قدم. وإن كان قد صلى من
نوافل الأولى شيئا قبل أن تحضر العصر، فله أن يتمم نوافل الأولى إلى أن
يمضي بعد حضور العصر قدم) (3).
قلت: لعله أراد بحضور الأولى والعصر ما تقدم من الذراع والذراعين،

(1) في المصدر: (قدمان).
(2) التهذيب 2: 273 ح 1086.
(3) المصدر السابق.
357

والمثل والمثلين وشبهه، ويكون للمتنفل أن يزاحم الظهر والعصر بما بقي من
النوافل ما لم يمض القدر المذكور. فيمكن أن يحمل لفظ ال‍ (شئ) على
عمومه، فيشمل الركعة وما دونها وما فوقها، فيكون فيه بعض مخالفة للتقدير
بالركعة. ويمكن حمله على الركعة فما فوقها، ويكون مقيدا لها بالقدم
والنصف.
ويجوز ان يريد بحضور الأولى مضي نفس القدمين المذكورين في
الخبر، وبحضور العصر الاقدام الأربع. وتكون المزاحمة المذكورة مشروطة
بأن لا تزيد على نصف قدم في الظهر بعد القدمين، ولا على قدم في العصر
بعد الأربع. وهذا تنبيه حسن لم يذكره المصنفون.
وذهب بعض الأصحاب إلى امتداد وقت النافلتين بامتداد وقت الاختيار
المقدر بالمثل والمثلين (1). وفيما مضى من الأخبار شاهد لذلك وللتقديرات
الاخر، وإذا عمل بجميعها أمكن، لتنزيله على مختلف أحوال المصلين.
وفي المعتبر اعتمد على المثل والمثلين، محتجا بقول الصادق عليه
السلام في رواية زرارة وعبد الله بن سنان: (كان حائط مسجد رسول الله صلى
الله عليه وآله قامة، فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر، وإذا مضى من فيئه
ذراعان صلى العصر. ثم قال: لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي
ذراع، فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة، وإذا بلغ فيؤك
ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة).
قال: وهذا يدل على بلوغ المثل أو المثلين، لأن تقدير ان الحائط
ذراع)، لأنه روى ابن حنظلة عن الصادق عليه السلام: (ان في كتاب علي القامة
ذراع، وعنه عليه السلام: (ان قامة رحل رسول الله صلى الله عليه وآله كانت ذراعا) (2)

(1) راجع: المبسوط 1: 76، الغنية: 494.
(2) المعتبر 2: 48.
الرواية الأولى بلفظها في: الفقيه 1: 140 ح 653، التهذيب 2: 19 ح 55، الاستبصار 1:
250 ح 899، عن زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام.
والرواية الثانية والثالثة في: التهذيب 2: 3 ح 64، 66، الاستبصار 1: 251 ح 900،
902.
358

وقد أخذه من تأويلات الشيخ في التهذيب لما اختلف من الأخبار هنا (1) وتبعه
في التذكرة (2).
وهو منظور فيه وجهين:
أحدهما: منع الدلالة على المدعى، لأنه بناه على إن القامة ذراع
واستشهد بما ذكر، ومن أين يعلم أن هذه القامة مفسرة لتلك القامة! والظاهر
تغايرهما بدليل قوله: (فإذا مضى من فيئه ذراع... وذراعان)، ولو كان الذراع
نفس القامة لم يكن للفظ (من) هنا معنى، بل ولا للتقدير بالذراع والذراعين.
ويؤيد أن المراد بالقامة قامة الإنسان قوله عليه السلام: (فإذا بلغ فيؤك
ذراعا... وذراعين) تطبيقا لبعض الكلام على بعض. ويدل عليه خبر
إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (كان رسول الله صلى
الله عليه وآله إذا كان فئ الجدار ذراعا صلى الظهر، وإذا كان ذراعين صلى
العصر). فقلت له: إن الجدر تختلف، بعضها قصير وبعضها طويل. فقال:
(كان جدار مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ قامة) (3) وهذا ينبو عن
حمل القامة على الذراع.
الثاني: ان دلالة هذه على الأقدام السالفة إنسب، كما عقله جماعة من
الأصحاب (4) فإن الذراع قدمان غالبا.
وقد قال ابن الجنيد: يستحب للحاضر أن يقدم بعد الزوال شيئا من

(1) التهذيب 2: 22 - 23.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 77.
(3) التهذيب 2: 21 ح 58، الاستبصار 1: 255 ح 916.
(4) راجع: الوسيلة: 80.
359

التطوع إلى أن تزول الشمس قدمين أو ذراعا من وقت زوالها. قال: وفي نافلة
العصر إلى أن يصير الفئ أربعة أقدام أو ذراعين (1).
وقد روى ابن بابويه: أن زرارة سأل أبا جعفر عليه السلام عن وقت
الظهر، فقال: (ذراع من زوال الشمس، ووقت العصر ذراعان من وقت الظهر،
فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس). ثم قال: (إن حائط مسجد رسول الله صلى الله
عليه وآله كان قامة) (2) وذكر تمام الخبر السابق، وهو مصرح بما قلناه.
تنبيه:
ظاهره في المبسوط والجمل استثناء قدر إيقاع الفريضتين من المثل
والمثلين (3) والأخبار لا تساعده، بل ظاهرها استئثار النافلة بجميع المثل
والمثلين، وقد سبقت في بيان وقت الظهر.
ثم هنا روايات غير مشهورات في العمل:
كرواية القاسم بن الوليد عن أبي عبد الله عليه السلام في الست عشرة
ركعة: (أي ساعات النهار شئت صليتها، إلا ان مواقيتها أفضل) (4).
ومثله مرسلة علي بن الحكم عنه عليه السلام (5) وقد أسندها في موضع
آخر عن سيف بن عبد الأعلى عن أبي عبد الله عليه السلام: (ست عشرة ركعة
متى ما شئت (6). إن علي بن الحسين عليه السلام كانت له ساعات من النهار
يصلي فيها، فإذا شغلة ضيعة أو سلطان قضاها. إنما النافلة مثل الهدية، متى
ما اتي بها قبلت) (7).

(1) مختلف الشيعة: 71.
(2) الفقيه 1: 140 ح 653.
(3) المبسوط 1: 76، الجمل والعقود: 174.
(4) التهذيب 2: 9 ح 17، 267 ح 1063، الاستبصار 1: 77 ح 1007.
(5) التهذيب 2: 8 ح 15، 267 ح 1064، الاستبصار 1: 278 ح 1008.
(6) في المصدرين: (نشطت).
(7) التهذيب 2: 267 ح 1065، الاستبصار 1: 278 ح 1009.
360

وعن محمد بن عذافر، قال أبو عبد الله عليه السلام: (صلاة التطوع
بمنزلة الهدية متى ما اتي بها قبلت، فقدم منها ما شئت، وأخر منها ما شئت) (1).
قال الشيخ: هذه رخصة لمن علم أنه إن لم يقدمها اشتغل عنها أداء
وقضاء، فأما مع عدم العذر فلا يجوز تقديمها (2) لرواية محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام في الرجل يشتغل عن الزوال أيتعجل من أول النهار؟ فقال:
(نعم، إذا علم أنه يشتغل، فيتعجلها في صدر النهار كلها) (3).
وعن إسماعيل بن جابر، قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اني أشتغل.
قال: (فاصنع كما نصنع، صل ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها
صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر واعتد بها من الزوال) (4).
واعتمد الشيخ في المنع من التقديم على أخبار التوقيت، وعلى ما رواه
ابن أذينة عن عدة انهم سمعوا أبا جعفر عليه السلام قال: (كان علي عليه
السلام لا يصلي من النهار حتى تزول الشمس، ولا من الليل بعدما يصلي
العشاء حتى ينتصف الليل) (5)، ومثله رواية زرارة عن أبي جعفر عليه
السلام (6).
قلت: قد اعترف الشيخ بجواز تقديمها عند الضرورة، ولو قيل بجوازه
مطلقا كما دلت عليه الأخبار غاية ما في الباب انه مرجوح كان وجها،
وحديث الاشتغال لا ينافيه، لإمكان إدراك ثواب فعلها في الوقت مع العذر لا
مع عدمه.

(1) التهذيب 2: 267 ح 1066، الاستبصار 1: 278 ح 1010.
(2) راجع الهامش السابق.
(3) الكافي 3: 450 ح 1، التهذيب 2: 268 ح 1067، الاستبصار 1: 278 ح 1011.
(4) التهذيب 2: 267 ح 1062، الاستبصار 1: 277 ح 1006.
(5) الكافي 3: 289 ح 7، التهذيب 2: 266 ح 1060، الاستبصار 1: 277 ح 1004.
(6) التهذيب 2: 266 ح 1061، الاستبصار 1: 277 ح 1005.
361

وقد نقل المحقق امتداد وقت النافلة بامتداد وقت الفريضة (1) ولعل القائل
به اعتمد على الأخبار المذكورة، فإن بعضها يدل عليه
فائدة:
هذا التوقيت لغير يوم الجمعة، أما يوم الجمعة فتزيد النافلة أربعا في
المشهور، ويجوز تقديمها بأسرها على الزوال، لرواية علي بن يقطين، قال:
سألت أبا الحسن عليه السلام عن النافلة التي تصلى يوم الجمعة، قبل الجمعة
أفضل أو بعدها؟ قال: قبل الجمعة (2).
وروى سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام: (ست ركعات
بكرة، وست بعد ذلك، وست بعد ذلك، وركعتان بعد الزوال، وركعتا بعد
العصر، فهذه اثنتان وعشرون ركعة) (3).
وبهذا الترتيب عمل المفيد في الأركان
والمقنعة (4).
وروى يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح عليه السلام: (إذا أردت أن
تتطوع يوم الجمعة في غير سفر صليت ست ركعات ارتفاع النهار، وستا قبل
نصف النهار، وركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة، وستا بعد الجمعة) (5)
وروى البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام: (ست في صدر النهار،
وست قبل الزوال، وركعتان إذا زالت، وست بعد الجمعة) (6).
وعبارة الأصحاب مختلفة بحسب اختلاف الرواية:
وقال المفيد: لا بأس بتأخيرها إلى بعد العصر (7).

(1) شرائع الاسلام 1: 62.
(2) التهذيب 3: 12 ح 38، 246 ح 672، الاستبصار 1: 411 ح 1570.
(3) التهذيب 3: 246 ح 669، الاستبصار 1: 411 ح 1571.
(4) المقنعة: 26.
(5) التهذيب 3: 11 ح 36، الاستبصار 1: 410 ح 1567.
(6) التهذيب 3: 246 ح 668، الاستبصار 1: 10 ح 1569.
(7) المقنعة: 27.
362

وقال الشيخ: يجوز تأخير جميع النوافل إلى بعد العصر، والأفضل
التقديم. قال: ولو زالت الشمس ولم يكن صلى منها شيئا أخرها إلى بعد
العصر (1).
وقال ابن أبي عقيل: يصلي إذا تعالت الشمس ما بينها وبين الزوال أربع
عشرة ركعة، وبين الفريضتين ستا، كذلك فعله رسول الله صلى الله عليه وآله.
فإن خاف الإمام بالتنفل تأخير العصر عن وقت الظهر في سائر الأيام صلى
العصر بعد الفراغ من الجمعة، وتنفل بعدها بست ركعات، كما روي عن أمير
المؤمنين عليه السلام: انه كان ربما يجمع بين صلاة الجمعة والعصر (2).
وابن الجنيد: ست ضحوة، وست ما بينها وبين انتصاف النهار، وركعتا
الزوال، وثمان بين الفرضين (3). وقد روى سليمان بن خالد عن أبي عبد الله
عليه السلام: (النافلة يوم الجمعة: ست ركعات قبل زوال الشمس، وركعتان
عند زوالها، وبعد الفريضة ثماني ركعات) (4).
وقال الجعفي: ست عند طلوع الشمس، وست قبل الزوال إذا تعالت
الشمس، وركعتان قبل الزوال، وست بعد الظهر، ويجوز تأخيرها إلى بعد
العصر.
وابنا بابويه: ست عند طلوع الشمس، وست عند انبساطها، وقبل
المكتوبة ركعتان، وبعدها ست. وإن قدمت كلها قبل الزوال، أو أخرت إلى
بعد المكتوبة، فهي ست عشرة، وتأخيرها أفضل من تقديمها (5).
وقد روى عقبة بن مصعب عن الصادق عليه السلام، قلت: أيما أفضل

(1) المبسوط 1: 150، النهاية: 104.
(2) مختلف الشيعة: 110.
(3) مختلف الشيعة: 110.
(4) التهذيب 3: 11 ح 37، الاستبصار 1: 410 ح 1568.
(5) الفقيه 1: 268، المقنع: 45، مختلف الشيعة: 110.
363

أقدم الركعات يوم الجمعة، أو أصليها بعد الفريضة؟ فقال: (لا بل تصليها بعد
الفريضة) (1).
وروى سليمان بن خالد عنه عليه السلام، قلت له: أقدم يوم الجمعة
شيئا من الركعات؟ قال: (نعم، ست ركعات). قلت فأيهما أفضل أقدم
الركعات يوم الجمعة، أو أصليها بعد الفريضة؟ قال: (تصليها بعد
الفريضة) (2).
وحملهما الشيخ علي ما إذا زالت الشمس، فإن تأخير النافلة حينئذ
أفضل (3).
تنبيهات:
الأول: المشهور صلاة ركعتين عند الزوال يستظهر بهما في تحقق
الزوال، قاله الأصحاب (4). وقد روى عبد الرحمن بن عجلان عن أبي جعفر
عليه السلام: (إذا كنت شاكا في الزوال فصل الركعتين، وإذا استيقنت الزوال
فصل الفريضة) (5).
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا صلاة نصف
النهار إلا يوم الجمعة) (6). وقال ابن أبي عقيل: إذا زالت الشمس فلا صلاة إلا
الفريضة (7). وقد روى أبو عمر قال: حدثني انه سأله عن الركعتين اللتين عند
الزوال، فقال: (أما أنا فإذا زالت الشمس بدأت بالفريضة) (8). وهاتان الروايتان

(1) التهذيب 3: 246 ح 670، الاستبصار 1: 411 ح 1572.
(2) التهذيب 3: 14 ح 48، الاستبصار 1: 11، ح 1573.
(3) التهذيب 3: 14.
(4) راجع: المقنعة: 26، المبسوط 1: 150، المهذب 1: 101، الكافي في الفقه: 159.
(5) التهذيب 3: 12 ح 39، الاستبصار 1: 412 ح 1574.
(6) التهذيب 3: 13 ح 44، الاستبصار 1: 12 1576.
(7) مختلف الشيعة: 110.
(8) التهذيب 3: 12 ح 40، الاستبصار 1: 412 ح 1575.
364

غير متعارضتين، لحمل الأولى على الشك، والثانية على اليقين.
الثاني: يلوح من كلام ابني بابويه ان النافلة ست عشرة لا غير (4) كسائر
الأيام، وتفصيلهما السالف ينافيه إذ هو عشرون. ويمكن حمله على أن العشرين
وظيفة من فرق ذلك التفريق، والست عشرة لمن قدم الجميع قبل الزوال أو أخر
الجميع إلى ما بعده.
وقد روى سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام في النافلة يوم
الجمعة: (ست عشرة ركعة قبل العصر). قال عليه السلام: (وقال علي عليه
السلام: ما زاد فهو خير). وقال: (إن شاء يجعل معها (2) ست ركعات في صدر
النهار، وست ركعات نصف النهار، ويصلي الظهر، ويصلي معها أربعا، ثم
يصلي العصر) (3). وهذا يظهر منه زيادة ست عشر أخرى، ويمكن كونه تفصيلا
للست عشرة.
الثالث: تضمنت رواية عمار السابقة (4) مزاحمة نافلتي الظهرين بركعة،
والكلام في موضعين:
أحدهما: إذا زاحم، هل يصليها أداء أو قضاء؟ الأقرب الأول، تنزيلا
لها منزلة الصلاة الواحدة وقد أدرك منها ركعة، ولظهور التوسعة في وقت النافلة
من الأخبار.
الثاني: هل هذه المزاحمة حاصلة في يوم الجمعة؟ الظاهر لا، لتضيق
الجمعة بمضمون أخبار كثيرة:
منها: خبر إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله عليه السلام في
وقت الظهر: (بعد الزوال بقدم أو نحوه، إلا في يوم الجمعة أو في السفر، فإن

(1) المقنع: 45.
(2) في المصدرين: منها.
(3) التهذيب 3: 245 ح 667، الاستبصار 1: 413 ح 1580.
(4) تقدمت في ص 357 الهامش 2.
365

وقتها حين تزول) (1). وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (صلاة الجمعة من الأمر
المضيق، إنما لها وقت واحد حين تزول، ووقت العصر يوم الجمعة وقت
(الظهر) (2) في سائر الأيام) (3).
المسألة الثانية: وقت نافلة المغرب بعدها حتى يذهب الشفق المغربي،
فإذا ذهب ولم يكملها بدأ بالعشاء، قاله الشيخ في النهاية (4). واحتج في المعتبر
على توقيتها بذلك بما روي في منع النافلة في وقت الفريضة، مثل: ما رواه
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إذا دخل وقت الفريضة فلا
تطوع) (5).
قلت: وقت الفريضة قد دخل عنده وعند الأكثر بالفراغ من المغرب، إلا أن
يقال: ذلك وقت يستحب تأخير العشاء عنه، وعند ذهاب الشفق يتضيق فعلها،
فيحمل النص عليه. وفي وصف الباقر عليه السلام صلاة رسول الله صلى الله
عليه وآله: (صلى المغرب ثلاثا، وبعدها أربعا، ثم لا يصلي شيئا حتى يسقط
الشفق، فإذا سقط صلى العشاء الآخرة) (6). والتأسي يقتضي فعلها كما فعلها
النبي صلى الله عليه وآله.
قال المفيد: تفعل بعد التسبيح وقبل التعقيب، كما فعلها النبي صلى
الله عليه وآله لما بشر بالحسن عليه السلام، فإنه صلى ركعتين شكرا، فلما بشر

(1) التهذيب 2: 13 ح 45، الاستبصار 1: 412 ح 1577.
(2) في النسخ: العصر، وأثبتنا (الظهر) تبعا للمصدر، وكما يأتي في بحث صلاة الجمعة، الشرط
السادس، المسألة الثانية.
(3) التهذيب 3: 13 ح 46.
(4) النهاية: 60
(5) المعتبر 2: 54.
والرواية في التهذيب 2: 167 ح 661، 247 ح 982، الاستبصار 1: 252 ح 906.
(6) الفقيه 1: 146 ح 678.
366

بالحسين عليه السلام صلى ركعتين، ولم يعقب حتى فرغ منها (1).
وابن الجنيد: لا يستحب الكلام، ولا عمل شئ بينها وبين المغرب.
وبالجملة التوقيت بما ذكره الشيخ لم نقف عليه، وربما يتأتى على مذهبه
بتأخير دخول العشاء إلى ذهاب الشفق، مع ورود الأخبار كثيرا بجواز التطوع
في أوقات الفرائض أداء وقضاء.
ولو قيل بامتداد وقتها بوقت المغرب أمكن، لأنها تابعة لها، وإن كان
الأفضل المبادرة بها قبل كل شئ سوى التسبيح، وفي الأركان: يقدمها على
التسبيح.
ولو قلنا بقول الشيخ، وكان قد شرع في ركعتين منها، ثم زالت الحمرة،
أتمهما سواء كانتا الأولتين أو الاخرتين، للنهي عن إبطال العمل، ولأن الصلاة
على ما افتتحت عليه. ويظهر من كلام ابن إدريس أنه إن كان قد شرع في
الأربع أتمها وإن ذهب الشفق (2).
الثالثة: وقت الوتيرة بعد العشاء الآخرة. ويمتد كوقتها، لتبعيتها
الفريضة، وحينئذ لو انتصف الليل ولما يأت بها صارت قضاء.
والبزنطي لم يذكر استحباب الوتيرة، واقتصر على خمسين ركعة، وهو
مروي في الخبر السابق عن أبي جعفر عليه السلام في صفة صلاة رسول الله صلى
الله عليه وآله، قال: (فإذا سقط الشفق صلى العشاء، ثم أوى إلى فراشه ولم
يصل شيئا) (3).
الرابعة: وقت صلاة الليل بعد انتصافه، وكلما قرب من الفجر كان
أفضل، قال الشيخ في الخلاف والمحقق: عليه علماؤنا أجمع (4). واحتج

(1) المقنعة: 18.
(2) السرائر: 41.
(3) الفقيه: 146 ح 678
(4) الخلاف 1: 533 المسألة 272، المعتبر 2: 54.
367

في الخلاف بقوله تعالى (والمستغفرين بالأسحار)، مدحهم بذلك وهو دليل
أفضلية الدعاء فيه، والصلاة مشتملة على الدعاء والاستغفار (1).
وقد روى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (كان
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى العشاء الآخرة أوى إلى فراشه، ثم لا
يصلي شيئا إلا بعد انتصاف الليل) (2).
ومثله عن أبي جعفر عليه السلام، وقال: حتى يزول الليل، فإذا زال
الليل صلى ثماني ركعات، وأوتر في الركعة الأخيرة. ثم يصلي ركعتي الفجر
قبل الفجر، وعنده، وبعيده (3).
قلت: عبر بزوال الليل عن انتصافه كزوال النهار. وفي رواية عمر بن
حنظلة انه قال لأبي عبد الله عليه السلام: زوال الشمس نعرفه بالنهار، كيف لنا
بالليل؟ فقال: (لليل زوال كزوال الشمس). قال: فبأي شئ نعرفه؟ قال:
(بالنجوم إذا انحدرت (4). والظاهر أنه عنى به انحدار النجوم الطوالع عند
غروب الشمس.
والجعفي: اعتمد على منازل القمر الثمانية والعشرين المشهورة، فإنه قال
إنها مقسومة على ثلاثمائة وأربعة وستين يوما، لكل منزلة ثلاثة عشر يوما، فيكون
الفجر مثلا بسعد الأخبية ثلاثة عشر يوما، ثم ينقل إلى ما بعده، وهكذا. فإذا
جعل القطب الشمالي بين الكتفين نظر ما على الرأس وبين العينين من
المنازل، فيعد منها إلى منزلة الفجر، ثم يؤخذ لكل منزلة نصف سبع. قال:
والقمر يغرب في ليلة الهلال على نصف سبع من الليل، ثم يتزايد كذلك إلى

(1) راجع الهامش السابق.
والآية في سورة آل عمران: 17.
(2) التهذيب 2: 118 ح 443، 3: 69 ح 225، الاستبصار 1: 279 ح 1013، 467 ح 1806.
(3) الفقيه 1: 146 / 678.
(4) الفقيه 1: 146 / 677.
368

ليلة أربع عشرة، ثم يتأخر ليلة خمس عشرة نصف سبع، وعلى هذا إلى آخره.
قال: وهذا تقريب.
ويدل أيضا على اختصاص آخره رواية عمر بن يزيد، انه سمع أبا عبد الله
عليه السلام يقول: (إن في الليل لساعة، لا يوافقها عبد مسلم يصلي ويدعو
فيها إلا استجاب الله له في كل ليلة، وهي إذا مضى نصف الليل
(الثاني) (1) (2). وروى عبدة النيسابوري، قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن الناس
يروون عن النبي صلى الله عليه وآله ان في الليل لساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن
بدعوة إلا استجيب له، قال: (نعم). قلت: متى هي؟ قال: (ما بين نصف
الليل إلى الثلث الباقي في كل ليلة) (3).
فإن قلت: فما نصنع بالروايات المتضمنة لجواز فعلها قبل نصف الليل:
كرواية ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام في فعل صلاة الليل
في الليالي القصار صيفا أول الليل، فقال: (نعم، نعم ما رأيت، ونعم ما
صنعت) (4).
وقد تقدم قول الصادق عليه السلام: (إنما النافلة مثل الهدية، متى ما
اتي بها قبلت) (5).
وروى سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا بأس بصلاة الليل من
أول الليل إلى آخره، إلا ان أفضل ذلك إذا انتصف الليل إلى آخره) (6).

(1) في الكافي: (في السدس الأول من النصف الباقي)، وفي التهذيب: (إلى الثلث الباقي).
(2) الكافي 3: 447 ح 19، التهذيب 2: 117 ح 441.
(3) التهذيب 2: 118 ح 444 وفيه: عبدة السابوري، أمالي الطوسي 1: 148.
(4) الفقيه 1: 302 ح 1382، التهذيب 2: 118 ح 446، الاستبصار 1: 279 ح 1014.
(5) تقدم في ص 360 الهامش 5.
(6) التهذيب 2: 337 ح 1394، 3: 233 ح 607، باختلاف يسير.
369

وقد روى ابن محبوب بسندين مكاتبة جواز ذلك، والظاهر أن المجيب
الامام (1).
قلت: هي محمولة على العذر كغلبة النوم والسفر، لرواية الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام في صلاة الليل والوتر أول الليل في السفر إذا تخوفت
البرد أو كانت علة، فقال: (لا بأس أنا أفعل إذا تخوفت) (2).
وعن علي بن سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام في صلاة الليل والوتر في
السفر أول الليل، إذا لم يستطيع أن يصلي في آخره، قال: (نعم) (3)، وليس ببعيد
كون ذلك رخصة مرجوحة.
ومن الروايات رواية يعقوب بن سالم عنه عليه السلام يقدمها خائف
الجنابة في السفر أو البرد (4)، وعن محمد بن حمران عنه عليه السلام
للمسافر (5).
تنبيهات:
الأول: هذا التقديم جائز للعذر، والقضاء أفضل في المشهور، لرواية
معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام في الذي يغلبه النوم يقضي، ولم
يرخص له في الصلاة أول الليل، وفي الشابة يغلبها النوم تقدم إن ضيعت
القضاء (6).

(1) التهذيب 2: 337 ح 1392، 1393.
(2) الكافي 3: 1441 ح 10، التهذيب 2: 168 ح 664، 3: 228 ح 580، الاستبصار 1: 280
ح 1017.
(3) الفقيه 1: 289 ح 1316، التهذيب 2: 169 ح 670، الاستبصار 1: 280 ح 1018.
(4) التهذيب 2: 168 ح 665.
(5) التهذيب 2: 168 ح 666.
(6) الكافي 3: 447 ح 20، الفقيه 1: 302 ح 1381، التهذيب 2: 119 ح 447، الاستبصار
1: 279 ح 1015
370

وربما قيل بالمنع من تقديمها أصلا، فكان أبو علي زرارة يقول: كيف
تقضى صلاة لمن لم يدخل وقتها؟! إنما وقتها بعد نصف الليل (1).
وابن أبي عقيل: يجوز التقديم للمسافر خاصة (2).
وابن إدريس منع من التقديم مطلقا بناء على التوقيت بالانتصاف، ومنع
الصلاة قبل الوقت (3) واختاره الفاضل في المختلف (4). والاخبار تدفعه مع
الشهرة، وقد روى محمد بن أبي قرة بإسناده إلى إبراهيم بن سيابة، قال: كتب
بعض أهل بيتي إلى أبي محمد عليه السلام في صلاة المسافر أول الليل صلاة
الليل، فكتب: (فضل صلاة المسافر من أول الليل كفضل صلاة المقيم في
الحضر من آخر الليل).
الثاني: قال المرتضى رضي الله عنه آخر وقت صلاة الليل طلوع
الفجر الأول (5). ولعله نظر إلى جواز ركعتي الفجر حينئذ، والغالب ان دخول
وقت صلاة يكون بعد خروج أخرى، ويندفع بوجوه:
منها: الشهرة بالفجر الثاني بين الأصحاب.
ومنها: ان إسماعيل بن سعد الأشعري سأل أبا الحسن عليه السلام عن
ساعات الليل، فقال: (الثلث الباقي) (6).
ومنها: ما مر من الأخبار.
وأما ركعتا الفجر فيظهر جوابها مما يأتي من عدهما من صلاة الليل.
الثالث: لو خاف ضيق الوقت خفف بالحمد وحدها، كما روي عن أبي

(1) التهذيب 2: 119، الاستبصار 1: 280.
(2) مختلف الشيعة: 74.
(3) السرائر: 67.
(4) مختلف الشيعة: 74.
(5) الناصريات: 230 المسألة 76.
(6) التهذيب 2: 339 ح 1401.
371

عبد الله عليه السلام (1)
ولو ظن عدم اتساع الزمان لصلاة الليل، اقتصر على الوتر وقضى صلاة
الليل، لرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2).
ولو طلع الفجر ولما يتلبس من صلاة الليل بشئ، فالمشهور في الفتوى
تقدم الفريضة، لرواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في المنع
من الوتر بعد طلوع الفجر (3).
وروى عمر بن يزيد، وإسحاق بن عمار عنه عليه السلام في تقديم صلاة
الليل والوتر على الفريضة وإن طلع الفجر (4).
قال الشيخ: هذه رخصة لمن أخر لاشتغاله بشئ من العبادات (5).
قال في المعتبر: اختلاف الفتوى دليل التخيير (6) يعني بين فعلها قبل
الفرض وبعده، وهو قريب من قول الشيخ.
ولو كان قد تلبس بما دون الأربع، فالحكم كعدم التلبس. ولو تلبس
بأربع قدمها مخففة، لرواية محمد بن النعمان عن أبي عبد الله عليه السلام:
(إذا كنت صليت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر، فأتم الصلاة
طلع أم لم يطلع) (7) مع أنه قد روى يعقوب البزاز، قال: قلت له: أقوم قبل الفجر
بقليل فأصلي أربع ركعات ثم أتخوف أن ينفجر الفجر، أأبدأ بالوتر أو أتم
الركعات؟ قال: (لا، بل أوتر، وأخر الركعات حتى تقضيها) (8) ويمكن حملها

(1) الكافي 3: 449 ح 27، التهذيب 2: 124 ح 473، الاستبصار 1: 280 ح 1019.
(2) الكافي 3: 449 ح 28، التهذيب 2: 125 ح 474، الاستبصار 1: 281 ح 1020.
(3) التهذيب 2: 126 ح 479، الاستبصار 1: 281 ح 1021.
(4) التهذيب 2: 126 ح 477، 478، الاستبصار 1: 281 ح 1022، 1023.
(5) التهذيب 2: 126.
(6) المعتبر 2: 60.
(7) التهذيب 2: 125 ح 475، الاستبصار 1: 282 ح 1025.
(8) التهذيب 2: 125 ح 476، الاستبصار 1: 282 ح 1026.
372

على الأفضل كما صرح به الشيخ رحمه الله (1).
الخامسة: وقت الوتر آخر الليل بعد الثماني، لفعل النبي صلى الله عليه
وآله (2).
وليكن بين الصبحين، لما روى ابن قرة عن زرارة ان رجلا سأل أمير
المؤمنين عليه السلام عن الوتر أول الليل، فلم يجبه، فلما كان بين الصبحين
خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد فنادى: (أين السائل عن الوتر
ثلاث مرات نعم ساعة الوتر هذه). ثم قام فأوتر.
وعن عبد الله بن سنان، عن أبيه سنان، عن أبي جعفر عليه السلام في
قوله تعالى: (ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم): (وهو الوتر آخر الليل) (3).
وروى إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام: أأوتر بعد ما يطلع
الفجر؟ قال: (لا) (4).
وقد روى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام: فعل صلاة الليل
والوتر بعد الفجر، ولا تجعله عادة (5) وهو محمول على الضرورة كما قاله
الشيخ.
ويجوز تقديم الوتر أول الليل حيث يجوز تقديم صلاة الليل، لما سلف،
وقد سلفت رواية الحجال عن الصادق عليه السلام في تقديم ركعتين من أول
الليل، فإن استيقظ صلى صلاة الليل وأوتر، وإلا صلى ركعة (6) واحتسب

(1) راجع الهامش السابق.
(2) الفقيه 1: 146 ح 678.
(3) رواه القاضي التميمي في دعائم الاسلام 1: 204 مرسلا.
والآية في سورة الطور: 49.
(4) التهذيب 2: 126 ح 479، الاستبصار 1: 281 ح 1021.
(5) التهذيب 2: 126 ح 477، الاستبصار 1: 281 ح 1022.
(6) في المصدر: (ركعتين).
373

بالركعتين شفعا (1).
وعليه تحمل رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر) (2). ويجوز حملها على التقية، لأن عندهم وقت
للوتر ما بين العشاء إلى الفجر، ويروون عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال:
(الوتر جعلها الله لكم ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر) (3).
وجوابه، يحمل على آخر وقت العشاء، ويعارض بما روي عن عائشة:
أوتر رسول الله صلى الله عليه وآله أول الليل وآخره، ولكن انتهى وتره حين مات
إلى السحر (4).
وأفضل أوقاته بعد الفجر الأول، لما مر، ولرواية إسماعيل بن سعد
الأشعري عن الرضا عليه السلام في ساعة الوتر: (أحبها إلي الفجر الأول).
وقال: (كان أبي ربما أوتر بعدها انفجر الصبح) (5).
ولو ظن الضيق فشفع وأوتر وصلى ركعتين الفجر، ثم تبين بقاء الليل، بنى
ستا على الشفع، وأعاد الوتر مفردة وركعتي الفجر، قاله المفيد رحمه الله (6).

(1) كذا، وفي المصدر: (وترا).
وقد تقدمت في ص 308 الهامش 5.
(2) التهذيب 2: 341 ح 1412.
(3) سنن ابن ماجة 1: 369 ح 1168، سنن أبي داود 2: 61 ح 1418، الجامع الصحيح 2:
314 ح 452، سنن الدارقطني 2: 30، المستدرك على الصحيحين 1: 306، السنن الكبرى
3: 23.
(4) ترتيب مسند الشافعي 1: 195 ح 549، المصنف لعبد الرزاق 3: 17 ح 4624، مسند أحمد
6: 107، سنن الدارمي 1: 372، صحيح البخاري 2: 31، صحيح مسلم 1: 512
ح 745، سنن ابن ماجة 1: 374 ح 1185، سنن أبي داود 2: 66 ح 1435، الجامع الصحيح
2: 318 ح 459.
(5) التهذيب 2: 339 ح 1401.
(6) المقنعة: 24.
374

وقال علي بن بابويه: يعيد ركعتي الفجر لا غير (1).
وقال في المبسوط: لو نسي ركعتين من صلاة الليل، ثم ذكر بعد أن أوتر،
قضاهما وأعاد الوتر (2).
وكأن الشيخين نظرا إلى أن الوتر خاتمة النوافل ليوترها. وقد روى إبراهيم
ابن عبد الحميد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام فيمن ظن
الفجر فأوتر ثم تبين الليل: (انه يضيف للوتر ركعة، ثم يستقبل صلاة الليل،
ثم يعيد الوتر) (3).
وروى علي بن عبد الله عن الرضا عليه السلام، قال: (إذا كنت في
صلاة الفجر فخرجت ورأيت الصبح، فزد ركعتين إلى الركعتين اللتين صليتهما
قبل، واجعله وترا) (4).
وفيه تصريح بجواز العدول من النفل إلى النفل، لكن
ظاهره انه بعد الفراغ (5)، كما ذكر مثله في الفريضة (6). ويمكن حمل الخروج
على رؤية الفجر في أثناء الصلاة كما حمل الشيخ الفراغ في الفريضة على
مقاربة الفراغ (7).
السادسة: وقت ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الليل ولو قبل طلوع
الفجر في الأشهر من الأخبار.
وقال المرتضى والشيخ في المبسوط -: بعد طلوع الفجر الأول (8).

(1) مختلف الشيعة: 124.
(2) المبسوط 1: 131.
(3) التهذيب 2: 338 ح 1396.
(4) التهذيب 2: 338 ح 1397.
(5) في س: الركوع.
(6) التهذيب 2: 158 ح 340.
(7) الخلاف 1: 382 المسألة 139.
(8) المبسوط 1: 76، وحكاه عن المرتضى: المحقق في المعتبر 2: 56، والعلامة في مختلف
الشيعة: 71.
375

وقال ابن الجنيد: ولا استحب صلاتهما قبل سدس الليل الأخير (1).
لنا رواية زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: (انهما قبل الفجر،
إنهما من صلاة الليل، أتريد أن تقايس: لو كان عليك من شهر رمضان أكنت
تطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟ فابدأ بالفريضة) (2).
وعن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام: (انهما قبل
الغداة) (3).
وعن البزنطي، قال أبو الحسن عليه السلام: (قال أبو جعفر عليه السلام
احش بهما صلاة الليل، وصلهما قبل الفجر) (4).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في ركعتي الفجر: هما من
صلاة الليل (5). في أخبار كثيرة.
وتسميان الدساستين لدسهما في صلاة الليل. وروى أبو الفرج بن أبي
قرة بإسناده إلى سعد الإسكاف، عن الصادق عليه السلام في ركعتي الفجر:
(دسهما في صلاة الليل دسا).
ويظهر من ذلك أنه لو طلع الفجر بدأ بالفريضة، لكن جاءت روايات اخر
بجوازهما بعد الفجر:
كرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام:
(صلهما مع الفجر وقبله، وبعده) (6).
وعن يعقوب بن سالم، قال أبو عبد الله عليه السلام: (صلهما بعد

(1) مختلف الشيعة: 71.
(2) التهذيب 2: 133 ح 513، الاستبصار 1: 283 ح 1031.
(3) التهذيب 2: 133 ح 514، الاستبصار 1: 283 ح 1032.
(4) التهذيب 2: 133 ح 516، الاستبصار 1: 283 ح 1034.
(5) التهذيب 2: 133 ح 512، الاستبصار 1: 283 ح 1030.
(6) التهذيب 2: 134 ح 520، الاستبصار 1: 284 ح 1037.
376

الفجر، واقرأ في الأولى الجحد، وفي الثانية التوحيد) (1)، ومثله رواية عبد
الرحمن بن الحجاج عنه عليه السلام (2).
وفي مرسلة إسحاق بن عمار عنه عليه السلام، قال: (صل الركعتين ما
بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك) (3). وعن الحسين بن أبي العلاء عنه
عليه السلام في الرجل يقوم وقد نور بالغداة: (ليصل السجدتين اللتين قبلها ثم
ليصل الغداة) (4).
وحمل الشيخ هذين الخبرين على الفجر الأول. وفيه بعد، لظهورهما
في الثاني وانتشاره، ودلالتهما على امتداد وقتهما إلى ذلك. وقد روى التصريح
بجوازهما بعد الفجر الثاني أبو بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قلت متى أصلي ركعتي الفجر؟ قال: (حين يعترض الفجر، وهو الذي تسميه
العرب الصديع) (5).
وأما كلام ابن الجنيد، فيشهد له رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام: أول وقتهما سدس الليل الباقي (6).
وظاهر كلام التهذيب والاستبصار عدم جواز فعلهما بعد طلوع الفجر
الثاني، وحمل الأخبار على الفجر الأول، أو على صلاتهما أول ما يبدو الفجر
الثاني استظهارا لتيقنه، أو على التقية (7)، لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه
السلام وقد أمره بفعلهما بعد طلوع الفجر، فقال أبو بصير: إن أبا جعفر عليه
السلام أمرني أن أصليهما قبل طلوع الفجر. فقال: (يا أبا محمد إن الشيعة أتوا

(1) التهذيب 2: 134 ح 521، الاستبصار 1: 284 ح 1038.
(2) التهذيب 2: 134 ح 523، الاستبصار 1: 284 ح 1040.
(3) التهذيب 2: 134 ح 524، الاستبصار 1: 284 ح 1041.
(4) التهذيب 2: 135 ح 525، الاستبصار 1: 285 ح 1043.
(5) التهذيب 2: 133 ح 517.
(6) التهذيب 2: 133 ح 515، الاستبصار 1: 283 ح 1033.
(7) التهذيب 2: 125، الاستبصار 1: 284.
377

أبي مسترشدين فأفتاهم بمر الحق، وأتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية) (1). هذا
الخبر يدل على أن تقديمهما أفضل، لا على أن ذلك هو الوقت المخصوص.
على أنه قد روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: (إني لا صلي
صلاة الليل، وأفرغ من صلاتي وأصلي الركعتين، وأنام ما شاء الله قبل أن يطلع
الفجر، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما) (2)، ونحوه رواية حماد بن عثمان عن
أبي عبد الله عليه السلام (3). وحملهما الشيخ على فعلهما قبل الفجر الأول
فتعادان بعده (4).
قلت: الظاهر أن فعلهما جائز قبل الفجرين وبينهما وبعدهما إلى
التنوير، وأما الأفضل فالظاهر أنه بين الفجرين حسبما دلت عليه الأخبار.
قال كثير من الأصحاب: ويمتد وقتهما إلى طلوع الحمرة (5). واحتج له
في المعتبر بأنه وقت تتضيق فيه الفريضة للمتأد (6) غالبا فتمتنع النافلة، وبما رواه
إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الركعتين قبل الفجر،
متى أدعهما حتى أقضيهما؟ قال: (إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة). وعن
علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل لا يصلي الغداة حتى
يسفر وتظهر الحمرة، ولم يركع ركعتي الفجر، أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال:
(يؤخرهما) (7).

(1) التهذيب 2: 135 ح 526، الاستبصار 1: 285 ح 1043.
(2) التهذيب 2: 135 ح 528، الاستبصار 1: 285 ح 1045.
(3) التهذيب 2: 135 ح 527، الاستبصار 1: 285 ح 1044.
(4) التهذيب 2: 135، الاستبصار 1: 285.
(5) راجع: الوسيلة: 80، الغنية: 494، المهذب 1: 70، المعتبر 2: 55.
(6) في النسخ: للمتأيد، ولعل الصحيح ما أثبتناه وهو افتعال من التؤدة بمعنى التأني
(7) المعتبر 2: 57.
والروايتان في التهذيب 2: 340 ح 1408، 1409.
378

قلت: قد روى سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الركعتين قبل الفجر؟ قال: (تتركهما وفي خط الشيخ: تركعهما حين
تترك الغداة، انهما قبل الغداة) (1) وهذا يظهر منه امتدادهما بامتدادها، وليس
ببعيد. وقد تقدم رواية فعل النبي صلى الله عليه وآله إياهما قبل الغداة في قضاء
الغداة (2) فالأداء أولى. والأمر بتأخيرهما عن الإقامة أو عن الإسفار (3) جاز كونه
لمجرد الفضيلة لا توقيتا.

(1) التهذيب 2: 133 ح 514، الاستبصار 1: 283 ح 1032.
(2) تقدم في ص 301 الهامش 4.
(3) راجع روايتي التهذيب في الهامش 7، المتقدم.
379

الفصل الثالث
في الأحكام
وفيه مسائل:
الأولى: تكره النافلة المبتدأة في أوقات خمسة: عند طلوع الشمس حتى
تذهب الحمرة، قاله المفيد (1) وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله: (حتى
ترتفع) (2). وغروبها حتى يذهب الشفق المشرقي، ويراد به ميلها للغروب وهو
الاصفرار حتى يكمل الغروب. وقيامها في الاستواء حتى تزول، إلا في يوم
الجمعة فإنه يجوز عند القيام. وبعد صلاتي الصبح إلى طلوع الشمس،
والعصر إلى غروبها.
واحترزنا بالنافلة عن الفريضة، وبالمبتدأة عن ذات السبب كقضاء
النافلة، والتحية، والاستسقاء، وصلاتي الطواف، والإحرام فإن ذلك لا يكره
في المشهور.
والأصل فيه ما رواه عقبة بن عامر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه
وآله عن ثلاث أن نصلي بهن، أو نقبر فيهن موتانا: إذا طلعت الشمس حتى
ترتفع، وحين تقوم، وإذا تضيفت للغروب (3) أي: مالت.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله: (ان الشمس تطلع ومعها قرن
الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، وإذا

(1) المقنعة: 23.
(2) مسند أحمد 4: 152، سنن الدارمي: 333، صحيح مسلم 1: 568 ح 831، سنن
ابن ماجة 1: 486 ح 1519، سنن أبي داود 3: 208 ح 3192، الجامع الصحيح 3: 348
ح 1030، سنن النسائي 1: 275، مسند أبي يعلى 291 ح 1755.
(3) مسند أحمد 4: 152، سنن الدارمي 1: 333، صحيح مسلم 1: 568 ح 831، سنن ابن
ماجة 1: 486 ح 1519، سنن أبي داود 3: 208 ح 3192، الجامع الصحيح 3: 348.
ح 1030، سنن النسائي 1: 277، مسند أبي يعلى 3: 291 ح 1755.
381

دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها) ونهى عن الصلاة في هذه الأوقات (1)
ونحوه روينا عن أبي الحسن الثاني عليه السلام (2).
فقيل: قرن الشيطان حزبه، وهم عبدة الشمس يسجدون لها في هذه
الأوقات.
وقال بعض العامة: إن الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه
الأوقات، ليكون الساجد للشمس ساجدا له (3).
وفي التهذيب في خبر مرفوع إلى أبي عبد الله عليه السلام، ان رجلا قال
له عليه السلام: إن الشمس تطلع بين قرني شيطان، قال: (نعم، إن إبليس
اتخذ عريشا بين السماء والأرض، فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت
الناس، قال إبليس لشياطينه: إن بني آدم يصلون لي) (4).
وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لا صلاة بعد الفجر
حتى تطلع الشمس، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ان الشمس تطلع
بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان)، وقال: (لا صلاة بعد العصر حتى
تصلى المغرب) (5).
وإنما اختص يوم الجمعة لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: انه
نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة (6). وعن أبي قتادة عنه صلى الله
عليه وآله: انه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال: (إن جهنم تسجر إلا يوم

(1) الموطأ 1: 29، ترتيب مسند الشافعي 1: 55 ح 163، المصنف لعبد الرزاق 2: 425
ح 3950، مسند أحمد 4: 438، سنن ابن ماجة 1: 397 ح 1253، سنن النسائي 1: 275،
مسند أبي يعلي 3: 37 ح 1451، السنن الكبرى 2: 454.
(2) علل الشرائع: 343.
(3) فتح العزيز 3: 105.
(4) الكافي 3: 290 ح 8، التهذيب 2: 268 ح 1068.
(5) التهذيب 2: 174 ح 694، الاستبصار 1: 290 ح 1065.
(6) ترتيب مسند الشافعي 1: 139 ح 408، السنن الكبرى 2: 464.
382

الجمعة) (1). وعن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام: (لا صلاة نصف
النهار إلا يوم الجمعة) (2).
وإنما قيدنا المبتدأة: لتظافر الروايات بقضاء النافلة فيها، منها:
رواية عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام: لا بأس
بقضاء صلاة الليل والوتر بعد صلاتي الفجر والعصر (3).
وعن جميل بن دراج عن أبي الحسن عليه السلام نحوه، قال: (وهو من
سر آل محمد المخزون) (4).
وعن سليمان بن هارون عن أبي عبد الله عليه السلام: (إنما هي
النوافل، فاقضها متى ما شئت) (5).
وعن أبي عبد الله عليه السلام بطريقتين: (إقض صلاة النهار أي ساعة
شئت) (6).
وقد روى ابن بابويه بإسناده عن أبي الحسين الأسدي فيما ورد عليه من
جواب مسائله من محمد بن عثمان العمري رضي الله عنهما -: وأما ما سألت
عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، فإن كان كما يقول الناس:
ان الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان، فما أرغم أنف
الشيطان بشئ أفضل من صلاة فصلها، وأرغم الشيطان (7) وأورده الشيخ في
التهذيب أيضا عن ابن بابويه (8). وهذا يعطي عدم الكراهية مطلقا.
وبإزاء هذا ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إن نام

(1) سنن أبي داود 1: 248 ح 1083، السنن الكبرى 2: 464، 3: 193.
(2) التهذيب 3: 13 ح 44، الاستبصار 1: 412 1576.
(3) التهذيب 2: 173 ح 687، الاستبصار 1: 289 ح 1058.
(4) التهذيب 2: 173 ح 689، الاستبصار 1: 290 ح 1060.
(5) التهذيب 2: 173 ح 690، وفي الاستبصار 1: 290 ح 1061 عن أبي الحسن عليه السلام.
(6) التهذيب 2: 173 ح 691، 692، الاستبصار 1: 290 ح 1062، 1063.
(7) الفقيه 1: 315 ح 1431، اكمال الدين: 520.
(8) التهذيب 2: 175 ح 697، الاستبصار 1: 691 ح 1067.
383

رجل ولم يصل المغرب والعشاء أو نسي، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما
يصليهما كلتيهما فليصلهما، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء
الآخرة. وإن استيقظ بعد الفجر فليصل (1) المغرب، ويدع العشاء حتى تطلع
الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصلها) (2) وفي هذا الخبر دلالة على امتداد وقت
العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر، كما مر.
وروى الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام: ان الذاكر ظهرا
منسية في أثناء العصر يعدل، ولو ذكر مغربا في أثناء العشاء صلى المغرب
بعدها ولا يعدل، لأن العصر ليس بعدها صلاة (3).
وفي خبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: (فليصل الصبح، ثم
المغرب، ثم العشاء، قبل طلوع الشمس) (4).
وحملها الشيخ على التقية، لتظافر الأخبار بقضاء الفرائض في أي وقت
شاء (5).
قلت: هذه الروايات لا دلالة فيها على نفي كراهية ماله سبب. وقد قال
المرتضى في الناصرية: يجوز أن يصلى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
كل صلاة لها سبب متقدم، وإنما لا يجوز يبتدأ فيها بالنوافل (6)، وعنى:
الطلوع، والغروب، والاستواء.
والشيخ في الخلاف قال: فيما بعد الصبح والعصر لا يكره ما له سبب،
كالأمثلة الماضية. وقال: فيما نهي عنه لأجل الوقت وهي المتعلقة

(1) في المصدرين زيادة (الفجر، ثم المغرب، ثم العشاء الآخرة، قبل طلوع الشمس. فان خاف
ان تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين، فليصل).
(2) التهذيب 2: 270 ح 1077، الاستبصار 1: 288 ح 1054.
(3) التهذيب 2: 270 ح 1075.
(4) التهذيب 2: 270 ح 1076، وفي الاستبصار 1: 288 ح 1053 عن ابن مسكان.
(5) التهذيب 2: 271.
(6) الناصريات: 230 المسألة 77.
384

بالشمس -: لا فرق فيه بين الصلوات والبلاد والأيام يوم الجمعة فإنه يصلى
عند قيامها النوافل. قال: وفي أصحابنا من قال التي لها سبب مثل ذلك (1).
وفي المبسوط: عمم الأوقات الخمسة بالكراهية، إلا فيما له سبب (2).
وقال المفيد رحمه الله: تقضى النوافل بعد صلاة الصبح حتى تطلع
الشمس، وبعد العصر إلى اصفرارها، ولا يجوز قضاؤها ولا ابتداؤها عند طلوع
الشمس ولا غروبها. ولو زار بعض المشاهد عند طلوعها أو غروبها أخر
الصلاة، حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها، أو صفرتها عند غروبها (3).
وحكم الشيخ في النهاية بكراهة صلاة النوافل أداء وقضاء عند الطلوع
والغروب، ولم يعين شيئا (4).
وقال ابن أبي عقيل: لا نافلة بعد طلوع الشمس إلى الزوال، وبعد
العصر إلى أن تغيب الشمس، إلا قضاء السنة فإنه جائز فيهما، وإلا يوم
الجمعة (5).
وقال ابن الجنيد: ورد النهي عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن
الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس، وغروبها، وقيامها نصف النهار، إلا يوم
الجمعة في قيامها (6).
وقال الجعفي: وكان يكره يعني الصادق عليه السلام أن يصلى من
طلوع الشمس حتى ترتفع، ونصف النهار حتى تزول، وبعد العصر حتى
تغرب، وحين يقوم الإمام يوم الجمعة إلا لمن عليه قضاء فريضة أو نافلة من

(1) الخلاف 1: 520 المسألة 263.
(2) المبسوط 1: 76.
(3) المقنعة: 23، 35.
(4) النهاية: 62.
(5) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 76.
(6) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 76.
385

يوم الجمعة.
وقال المرتضى في الانتصار: يحرم التنفل بالصلاة بعد طلوع الشمس
إلى الزوال (1). وكأنه عنى به صلاة الضحى لذكرها من قبل.
والأقرب على القول بالكراهية استثناء ماله سبب، لأن شرعيته عامة. وإذا
تعارض العمومان وجب الجمع، والحمل على غير ذوات الأسباب وجه جمع،
فإن مثل قول النبي صلى الله عليه وآله: (إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس
حتى يصلي ركعتين) (2) يشمل جميع الأوقات، وكذا كل ذي سبب، فإن النص
عليه شامل. وقد ظهر استثناء القضاء من ذلك بالأخبار الصريحة، فإذا جاز
إخراجه بدليل جاز إخراج غيره.
فروع:
الأول: النهي عن الصلاة بعد الصبح والعصر لمن صلاهما، سواء
صلاهما غيره أو لا. ولو لم يصل الصبح أو العصر فلا كراهية في سنتهما، وأما
غيرها فمبني على إيقاع النافلة في وقت الفريضة وقد سبق.
وبعض العامة يجعل النهي معلقا على طلوع الفجر (3)، لما روي أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: (ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا
سجدتين) (4)، ولعموم قوله عليه السلام: (لا صلاة بعد الفجر) (5).
والحديث الأول لم نستثبته، وأما الثاني فنقول بموجبه، ويراد به صلاة

(1) الانتصار: 50.
(2) صحيح البخاري 1: 120، صحيح مسلم 1: 495 ح 714، سنن ابن ماجة 1: 324
ح 1013، سنن أبي داود 1: 127 ح 467، الجامع الصحيح 2: 129 ح 316، سنن النسائي
2: 53، السنن الكبرى 3: 53.
(3) المغني 1: 790، الشرح الكبير 1: 832.
(4) مسند أحمد 2: 104، سنن أبي داود 2: 25 ح 1278، مسند أبي يعلي 9: 460 ح 5608،
سنن الدارقطني 1: 419، السنن الكبرى 2: 465.
(5) سنن الدارمي 1: 335، سنن الترمذي 1: 343 ح 183، سنن النسائي 1: 278.
386

الفجر توفيقا بينه وبين الأخبار.
الثاني: لو أوقع النافلة المكروهة في هذه الأوقات، فالظاهر: انعقادها إن
لم نقل بالتحريم، إذ الكراهية لا تنافي الصحة كالصلاة في الأمكنة المكروهة.
وتوقف فيه الفاضل من حيث النهي (1).
قلنا: ليس بنهي تحريم عندكم. وعليه يبني نذر الصلاة في هذه
الأوقات. فعلى قولنا ينعقد، وعلى المنع جزم الفاضل بعدم انعقاده (3) لأنه
مرجوح.
ولقائل أن يقول بالصحة أيضا، لأنه لا يقصر عن نافلة لها سبب، وهو
عنده جائز، ولأنه جوز ايقاع الصلاة المنذورة مطلقا في هذه الأوقات (3).
الثالث: يجوز إعادة الصبح والعصر في جماعة، لأن لها سببا، ولأنه
روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى الصبح، فلما انصرف رأى رجلين
في زاوية المسجد، فقال: (لم لم تصليا معنا)؟ فقالا: كنا قد صلينا في رحلنا،
فقال صلى الله عليه وآله: (إذا جئتما فصليا معنا، وإن كنتما قد صليتما في
رحالكما تكن لكما سبحة) (4).
الرابع: لو تعرض للسبب في هذه الأوقات كأن أراد الإحرام، أو دخل
المسجد، أو زار مشهدا لم تكره الصلاة، لصيرورتها ذات سبب، ولأن شرعية
هذه الأمور عامة.
ولو تطهر في هذه الأوقات، جاز ان يصلي ركعتين ولا يكون هذا ابتداء،

(1) تذكرة الفقهاء 1: 80.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 80.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 80.
(4) سنن الدارقطني 1: 414.
وبلفظ: (فإنها لكم نافلة) في: مسن الطيالسي 175 ح 1247، مسند أحمد 4: 161،
سنن أبي داود 1: 157 ح 575، الجامع الصحيح 1: 424 ح 219، سنن النسائي 2: 112،
المستدرك على الصحيحين 1: 244، السنن الكبرى 2: 301.
387

للحث على الصلاة عقيب الطهارة، ولأن النبي صلى الله عليه وآله روي أنه قال
لبلال: (حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دق نعليك بين
يدي في الجنة). قال: ما عملت عملا أرجى عندي من أنني لم أتطهر طهورا
في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي. وأقره
النبي صلى الله عليه وآله على ذلك (1).
الخامس: ليس سجود التلاوة صلاة، فلا يكره في هذه الأوقات، ولا
يكره التعرض لسبب وجوبه أو استحبابه. ولو سمي جزءا أو شارك الصلاة في
الشرائط فله سبب، وكذا سجود الشكر. اما سجود السهو، ففي رواية عمار عن
أبي عبد الله عليه السلام: (لا تسجد سجدتي السهو، حتى تطلع الشمس
ويذهب شعاعها) (3)، وفيه إشعار بكراهة مطلق السجدات.
السادس: الظاهر أنه لا فرق بين مكة وغيرها، للعموم.
وأما قول النبي صلى الله عليه وآله: (لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت
وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار) (3) فلا يدل على الاستثناء، لأن الصلاة
لها سبب. هذا إن حملت الصلاة على صلاة الطواف، وإن حملت على مطلق
الصلاة فنحن نقول به، إذ لا تحريم هنا فلا منع، أو يراد به ماله سبب، أو
نستثني الأوقات الخمسة بدليل آخر فيكون المراد ما عداها.
السابع: لو ائتم المسافر بالحاضر في صلاة الظهر، تخير في جمع الظهر
والعصر، أو الإتيان بالظهر في الركعتين الأوليين فيجعل الأخيرتين نافلة. ولو
ائتم في العصر فالظاهر التخيير أيضا.

(1) مسند أحمد 2: 433، صحيح البخاري 2: 67، صحيح مسلم 4: 1910 ح 2458.
(2) التهذيب 2: 353 ح 1466.
(3) مسند أحمد 4: 80، سنن ابن ماجة 1: 398 ح 1254، الجامع الصحيح 3: 220 ح 868،
سنن النسائي 1: 284، الاحسان بترتيب صحيح ابن حيان 3: 46 / 1550، سنن الدارقطني 1:
424، المستدرك على الصحيحين 1: 448.
388

ويأتي على قول من عمم كراهية النافلة ان تقدم في الأوليين النافلة،
ويجعل العصر في الأخيرتين، وقد روى ذلك محمد بن النعمان عن الصادق عليه
السلام (1)، قال الشيخ: إنما فعل ذلك لأنه تكره الصلاة بعد العصر (2).
المسألة الثانية: قال الجعفي: خمس صلوات يصلين على كل حال وفي
كل وقت: فريضة نسيتها تقضيها، وركعتا الإحرام، وركعتا الطواف، وكسوف
الشمس، وصلاة الجنازة. والصلوات الفائتة تقضى ما لم يدخل عليها وقت
صلاة، فإذا دخل عليها وقت صلاة بدأ بالتي دخل وقتها.
وقال الشيخ في المبسوط: خمس صلوات تصلى في كل وقت ما لم
يتضيق وقت فريضة حاضرة: الفائتة الواجبة إذا ذكرها وفائت النافلة ما لم يدخل
وقت فريضة، وصلاة الكسوف، وصلاة الجنازة، وركعتا الإحرام، وركعتا
الطواف (3).
وقد روى الكليني عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام: (خمس صلوات تصليهن في كل وقت: - صلاة الكسوف، والصلاة على الميت، وصلاة
الإحرام، والصلاة التي تفوت، وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس
وبعد العصر إلى الليل) (4) ونحوه روى معاوية بن عمار عنه عليه السلام (5).
وهذا ظاهره انعقاد صلاتي الإحرام والطواف لمن عليه قضاء فريضة أو
نافلة.
وظاهر الجعفي المواسعة في القضاء، وسيأتي إن شاء الله بسطه. وقد
تقدم ذكر التنفل في أوقات الفرائض واختلاف الروايات فيه.

(1) التهذيب 3: 165 ح 360، 226 ح 573.
(2) التهذيب 3: 166.
(3) المبسوط 1: 76.
(4) الكافي 3: 287 ح 1، التهذيب 2: 171 ح 682.
(5) الكافي 3: 277 ح 2، التهذيب 2: 172 ح 683.
389

وابن بابويه حكم بصلاة سنة الصبح قضاء، ثم قضاء الفريضة كما جاءت
به الرواية (1).
وابن الجنيد: إذا وسع الوقت القضاء والحاضرة جاز قضاء التطوع
والواجب مرتبا كما حال الأداء، وجعل الأحب إليه البدأة بالفريضة (2).
وفي خبر زرارة عن الباقر عليه السلام: (ولا تتطوع بركعة حتى تقضي
الفريضة) (3).
وفي صحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السلام فيمن فاته الوتر
والصبح: (يبدأ بالفريضة) (4).
ورواية محمد بن النعمان السابقة تدل على جواز النافلة في وقت
الفريضة، وقد ذكرها الشيخ في باب القضاء من التهذيب (5).
الثالثة: لا يجوز التعويل في الوقت على الظن إلا مع تعذر العلم، فيبني
على الأمارات المفيدة للظن الغالب، أو يصبر حتى يتيقن. وقد روى الحسن
العطار عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لان أصلي الظهر في وقت العصر،
أحب إلي من أن أصلي قبل أن تزول الشمس) (6).
وعن سماعة، قال: سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس ولا
القمر ولا النجوم، قال: (اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك) (7)، وهذا يشمل

(1) الفقيه 1: 233، المقنع: 33.
والرواية في الفقيه 1: 233 ح 1031.
(2) مختلف الشيعة: 148.
(3) الكافي 3: 292 ح 3، التهذيب 2: 172 ح 685، 3: 159 ح 341، الاستبصار 1: 286
ح 1046.
(4) التهذيب 2: 265 ح 1056، الاستبصار 1: 286 ح 1047.
(5) التهذيب 3: 165 ح 360، 226 ح 573.
(6) التهذيب 2: 254 ح 1006.
(7) الكافي 3: 284 ح 1، الفقيه 1: 143 ح 667، التهذيب 2: 46 ح 147، الاستبصار 1:
295 ح 1088.
390

الاجتهاد في الوقت والقبلة.
ومن الأمارات ما رواه الكليني والشيخ عن عبد الله الفراء عن أبي عبد الله
عليه السلام، انه سئل عن اشتباه الوقت بالغيم، فقال: (أتعرف الديكة؟ إذا
ارتفعت أصواتها وتجاوزت فقد زالت الشمس) أو قال: (فصل) (1). ورويا مرسل
الحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليه السلام: (إذا صاح الديك ثلاثة
أصوات ولاء فقد زالت الشمس، ودخل وقت الصلاة) (2)، وأورده أيضا ابن
بابويه رحمه الله في الفقيه (3)، وظاهره الاعتماد عليه. وصار إليه بعض العامة إذا
علم من عادة الديك مصادفة الوقت (4). ونفى ذلك في التذكرة بالكلية (5)، وهو
محجوج بالخبرين المشهورين. ولو كان له أوراد من صلاة، أو درس علم، أو قراءة قرآن، أو صنعة
استفاد بها الظن، عمل عليه. ولو ظهر فساد ظنه أعاد الصلاة، لوقوعها في
غير وقتها، ولرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: (من صلى في غير وقت
فلا صلاد له) (6) وقد روى زرارة عن الباقر عليه السلام في رجل صلى الغداة
بليل، غره القمر فأخبر بذلك، قال: (يعيد) (7).
أما لو دخل عليه الوقت في أثنائها، فالأقرب: الإجزاء، لأنه متعبد بظنه،
خرج عنه ما إذا لم يدرك شيئا من الوقت. وقد روى إسماعيل بن رياح عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال: (إذا صليت وأنت ترى انك في وقت ولم يدخل

(1) الكافي 3: 284 ح 2، الفقيه 1: 143 ح 668، التهذيب 2: 255 ح 1010.
(2) الكافي 3: 285 ح 5، التهذيب 2: 255 ح 1011.
(3) الفقيه 1: 144 ح 669.
(4) المجموع 3: 74.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 85.
(6) التهذيب 2: 254 ح 1005.
(7) الكافي 3: 285 ح 4، التهذيب 2: 140 ح 548، 254 ح 1008.
391

الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة، فقد أجزأت عنك) (1). وهذه محمولة
على الظان الذي لا طريق له إلى العلم، قاله المفيد والشيخ في المبسوط (2).
اما المعتمد، فالأجود الإعادة، لأنه منهي عن الشروع مع العمد، والنهي
مفسد. والشيخ في النهاية طرد الحكم فيه، مع حكمه بعدم جواز الدخول في
الصلاة قبل العلم بدخول وقتها، أو غلبة الظن (3). ويمكن حمل كلامه على
الظان، فإنه يسمى متعمدا للصلاة، ليجمع بين كلاميه.
وأما الناسي: إما لمراعاة الوقت، وإما لجريان الصلاة منه حال عدم
خطور الوقت بالبال، فاختلف الأصحاب فيه:
ففي النهاية والكافي لأبي الصلاح انه كالظان (4) إذ المعتبر له إدراك وقت
الصلاة وقد حصل، مع رفع الخطأ عن الناسي، وفحوى الخبر يدل عليه.
وقال المرتضى: لابد من كون وقوع جميع الصلاة في الوقت، ومتى
صادف شئ من اجزائها خارج الوقت بطلت عند محققي الأصحاب
ومحصليهم، وقد وردت روايات به (5).
وأطلق ابن أبي عقيل بطلان صلاة العامد والساهي قبل الوقت (6). وقال ابن الجنيد: ليس للشاك يوم الغيم ولا غيره ان يصلي إلا عند تيقنه
بالوقت، ومن صلى أول صلاته أو جميعها قبل الوقت ثم أيقن ذلك استأنفها (7).
وظاهر كلام هؤلاء إعادة الظان كالناسي. والأقرب إعادة الناسي وإن دخل

(1) الكافي 3: 286 ح 11، الفقيه 1: 143 ح 666، التهذيب 2: 35 ح 110، 141 ح 550.
(2) المقنعة: 14، المبسوط 1: 74.
(3) النهاية: 62.
(4) النهاية: 62، الكافي في الفقه: 138.
(5) أجوبة المسائل الرسية الأولى 2: 350.
(6) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 73.
(7) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة.
392

الوقت عليه، لتفريطه بعدم التحفظ مع قدرته عليه، ولأن المسبب لا يثبت مع
عدم سببه، والوقت سبب الوجوب فلا يتقدم الوجوب عليه، والإجزاء تابع
للوجوب، خرج عنه الظان للرواية وتعبده باجتهاده، فيبقى الباقي على أصله.
واستدل في المختلف على بطلان صلاة الجميع بظاهر خبر أبي بصير
السلف، فإنه شامل للصلاة الكاملة وغيرها (1). ويدفعه بناء العام على الخاص
إن سلم العموم.
وقال السيد: معنى ضرب الوقت: التنبيه على عدم الإجزاء في غيره،
فالمصلي قبله مخالف للمشروع فتفسد صلاته، ولأن القطع بالبراءة لا يتم إلا
بفعل الجميع في الوقت (2).
وجوابه: لا مخالفة إذ هو مأمور بالعمل بظنه، والقطع بالبراءة غير معتبر
في العبادات غالبا، وإلا لكان تكليفا بالمحال أو الحرج.
وأما الجاهل، فقد صرح المرتضى ببطلان صلاته (3) وألحقه أبو الصلاح
بالناسي (4). ويمكن تفسيره بجاهل دخول الوقت فيصلي لأمارة على دخوله،
أو لا لأمارة بل لتجويز الدخول، وبجاهل اعتبار الوقت في الصلاة، وبجاهل
حكم الصلاة قبل الوقت.
فإن أريد الأول فهو معنى الظان، وقد مر. وإن أريد باقي التفسيرات،
فالأجود البطلان، لعدم الدخول الشرعي في الصلاة، وتوجه الخطاب على
المكلف بالعلم بالتكليف فلا يكون جهله عذرا، وإلا لارتفع المؤاخذة على
الجاهل.

(1) مختلف الشيعة: 74.
وقد تقدم خبر أبي بصير في ص 391 الهامش 6.
(2) أجوبة المسائل الرسية الأولى 2: 350.
(3) أجوبة المسائل الرسية الأولى 2: 350.
(4) الكافي في الفقه: 138.
393

تنبيه:
لو صادف الوقت صلاة الناسي والجاهل بدخول الوقت أو بالحكم، ففي
الإجزاء نظر، من حيث عدم الدخول الشرعي، ومن مطابقة العبادة ما في نفس
الأمر، والأول أقوى. وأولى بالبطلان تارك الاجتهاد مع القدرة عليه، أو تارك
التقليد مع العجز عن الاجتهاد، لعصيانهما. ولو لم يتذكر الاجتهاد والتقليد
فكالأول.
الرابعة: الأعمى يقلد العدل العارف بالوقت، لظهور عذره، وقصوره عن
العلم والظن، ويكتفي بأذان العدل. وكذا العامي الذي لا يعرف الوقت، أو
الممنوع من عرفانه بحبس أو غيره.
اما غيرهما، فلا يجوز له التقليد مع امكان العلم، لأنه مخاطب بعلم
الوقت، والتقليد لا يفيد العلم.
ولو تعذر العلم، فأخبره عدل عن علم بأذان أو غيره، فالظاهر أنه
كالممنوع من عرفانه، فيكتفي بقوله. ويمكن المنع، لأن الاجتهاد في حقه
ممكن، وهو أقوى من التقليد. اما لو اخبره عدل عن اجتهاد لم يعتد بقوله
قطعا، لتساويهما في الاجتهاد، وزيادة اجتهاد الإنسان على غيره بالنسبة إلى ما
يجده في نفسه.
ولو قدر رجحان اجتهاد غيره في نفسه على اجتهاد نفسه، أمكن العدول
إلى الغير، لامتناع العمل بالمرجوح مع وجود الراجح. ويمكن التربص ليصير
ظنه أقوى من قول الغير، وهو قوي، بخلاف القبلة، لأن التربص فيها غير موثوق
فيه باستفادة الظن، فيرجح هناك ظن رجحان اجتهاد غيره.
بل يمكن وجوب التأخير للمشتبه عليه الوقت مطلقا حتى يتيقن الدخول،
ولا يكفيه الاجتهاد ولا التقليد، لأن اليقين أقوى وهو ممكن. أما لو كان الصبر
لا يحصل منه اليقين، فلا إشكال في جواز الاجتهاد والتقليد، لأنه معرض
394

بالتربص لخروج الوقت.
والوجه عدم وجوب التربص مطلقا، لأن مبنى شروط العبادات وأفعالها
على الظن في الأكثر، والبقاء غير موثوق به. وهذا الفرع جزئي من جزئيات صلاة
أصحاب الأعذار مع التوسعة، أو مع الضيق، وسيأتي إن شاء الله.
الخامسة: قطع في المعتبر بجواز التعويل على أذان الثقة الذي يعرف
منه الاستظهار، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (المؤذنون امناء)، ولأن الأذان
مشروع للإعلام بالوقت، فلو لم يعول عليه لم تحصل الغاية من شرعه (1)،
وظاهره عموم ذلك للمتمكن من العلم وغيره. ويمكن حمل أمانة المؤذن
وشرعية الأذان للإعلام على ذوي الأعذار، ولتنبيه المتمكن على الاعتبار.
وأطلق في المبسوط جواز التعويل على الغير مع عدم المانع.
نعم لو قدر حصول العلم بالأذان لتظاهر الأمارات جاز التعويل، ولا يكون
ذلك لمجرد الأذان. ولا فرق في المنع من تقليد المؤذن بين الصحو
والغيم، لأنه يصير إلى الظن مع إمكان العلم، ولا اعتبار بقطعه في الصحو.
وقد روى ذريح، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (صل الجمعة
بأذان هؤلاء، فإنهم أشد شئ مواضبة على الوقت) (3). وروى محمد بن
خالد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخاف أن أصلي الجمعة قبل أن
تزول الشمس، فقال: (إنما ذاك على المؤذنين) (4). وفي هذين إشعار بما قال
المحقق رحمه الله.

(1) المعتبر 2: 63.
وقول النبي صلى الله عليه وآله في: ترتيب مسند الشافعي 1: 58 ح 174، المصنف لعبد
الرزاق 1: 477 ح 1839، السنن الكبرى 1: 43.
(2) المبسوط 1: 74.
(3) الفقيه 1: 189 ح 899، التهذيب 2: 284 ح 1136.
(4) التهذيب 2: 284 ح 1137، 3: 244 ح 661.
395

ولكن روى ابن أبي قرة بإسناده إلى علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه
السلام في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر، ولا يدري أطلع أم لا، غير أنه
يظن لمكان الأذان أنه طلع؟ قال: (لا يجزئه حتى يعلم أنه قد طلع).
السادسة: لو صلى المقلد بالتقليد في الوقت فانكشف الفساد، فالأقرب
أنه كالظان، فتلحقه أحكامه، لتعبده بذلك. ولو عارضه اخبار آخر بعدم
الدخول، فإن تساويا أو كان الأول أرجح فلا التفات، وإن كان الثاني أرجح
فحكمه حكم التعارض في القبلة، وسيأتي إن شاء الله.
السابعة: كل من انكشف فساد ظنه في أثناء الصلاة ولما يدخل الوقت،
أو دخل وقلنا بعدم الإجزاء، ففي وقوع صلاته نافلة وجهان:
أحدهما واختاره الفاضل (1) -: لا، لعدم نيته، (ولا عمل إلا بنية)، ولقول الصادق عليه السلام في خبر معاوية في رجل قام في المكتوبة فسها فظن أنها
نافلة، أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة، قال: (هي على ما افتتح عليه
الصلاة) (2)، وفي عبارة أخرى: (هي على ما افتتح الصلاة عليه) (3)، وهذا افتتحها
على الفريضة.
وفي خبر عمار عنه عليه السلام في الرجل يريد أن يصلي ثمان ركعات
فيصلي عشرا، أيحتسب بالركعتين من صلاة عليه؟ قال: (لا، إلا أن يصليها
عمدا، فإن لم ينو ذلك فلا) (4).
وعن عبد الله بن أبي يعفور عنه عليه السلام: (إنما يحسب للعبد من
صلاته التي ابتدأ في أول صلاته) (5).

(1) تذكرة الفقهاء 1: 85.
(2) التهذيب 2: 197 ح 776.
(3) التهذيب 2: 343 ح 1419.
(4) التهذيب 2: 343 ح 1421.
(5) التهذيب 2: 343 ح 1420.
396

والثاني: نعم، لأن النفل يكفي فيه التقرب مع القصد إلى الصلاة وقد
وقع، ولفتوى الأصحاب بأن الاحتياط مع الغناء عنه نافلة، وقد رواه ابن أبي
يعفور وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام: (فإن كان صلى أربعا كانت هاتان
نافلة) (1).
ويمكن الجواب بأن هذا مع تمام الصلاة، ولا يلزم منه الحكم بالنافلة لا
مع التمام. وعلى القول بأنها لا تقع نافلة لا تصير بالعدول نافلة، لبطلانها من
أصلها.
ويؤيد الثاني عموم: (ولا تبطلوا أعمالكم) (2) فنعمل به مهما أمكن، ومن
الممكن جعلها نافلة.
ويقوى الإشكال لو ركع في الثالثة، وقلنا بأن النافلة لا تتجاوز الركعتين
إلا أن يلتحق بإعادة اليومية في صورة الندب، وعلى التقديرين ففي جواز
العدول بها إلى القضاء احتمال. نعم، لو كان قد عدل بها قبل عرفان بطلانها
صح قطعا.
الثامنة: لو اجتهد أو قلد في موضعه، فصادف الصلاة بأسرها خارج
الوقت، أو صادف ما يخرجها عن الأداء، أجزأ لأن نية الأداء فرضه، ونية القضاء
إنما هي مع التذكر.
ولو ظن الخروج نوى القضاء، فلو كذب ظنه فالأداء باق، فإن كان في
الأثناء فالوجه العدول إليه، لأنه دخل دخولا مأمورا به فيقتضي الإجزاء، والآن
صار متعبدا بالأداء.
ولو تبين بعد فراغه مصادفة الوقت. فالوجه الإجزاء، للامتثال. ويمكن
الإعادة إن أمكن الأداء، لما قلناه. ويحتمل الإعادة مطلقا، بناء على أن ما

(1) الكافي 3: 352 ح 4، التهذيب 2: 186 ح 739، الاستبصار 1: 372 ح 1415.
(2) سورة محمد: 33.
397

صلاه لم يطابق نفس الأمر.
التاسعة: يستحب تأخير الصلاة الظهر إذا اشتد الحر إلى وقوع الظل الذي
يمشي الساعي فيه إلى الجماعة، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (إذا
اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم) (1).
ومن طريق الأصحاب ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه
السلام، قال: (كان المؤذن يأتي النبي صلى الله عليه وآله في صلاة الظهر،
فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله: أبرد أبرد) (2).
وفي المبسوط قال: إذا كان الحر شديدا في بلاد حارة، وأرادوا أن يصلوا
جماعة في مسجد، جاز أن يبردوا بصلاة الظهر قليلا، ولا تؤخر إلى آخر
الوقت (3). فقد اشتمل كلامه على قيود:
أحدها: شدة الحر، وهو مصرح الخبر.
وثانيها: في البلاد الحارة، ويفهم من فحوى الخبر، لقلة أذى الحر في
البلاد المعتدلة. ولعل الأقرب عدم اعتباره، أخذا بالعموم، وقد يحصل التأذي
بإشراق الشمس مطلقا.
وثالثها: التقييد بالجماعة، فلو صلى منفردا في بيته فلا إبراد، لعدم
المشقة المقتضية للإبراد. ولو أراد المنفرد الصلاة في المسجد حيث لا جماعة
فالأقرب: الإبراد، لظاهر الخبر.
ورابعها: المسجد، فلو صلوا في موضع هم فيه مجتمعون فلا إبراد. ولو
اتفق اجتماعهم في المسجد ولا يأتيهم غيرهم، فعلى فحوى كلامه يجوز

(1) الموطأ 1: 16، ترتيب الشافعي 1: 52 ح 152، المصنف لعبد الرزاق 1: 452
ح 2049، مسند أحمد 2: 266، سنن الدارمي 1: 274، صحيح البخاري 1: 142،
صحيح مسلم 1: 432 ح 617، سنن ابن ماجة 1: 222 ح 677، سنن أبي داود 1: 110
ح 402، الجامع الصحيح 1: 295 ح 157، سنن النسائي 1: 348.
(2) الفقيه 1: 144 ح 671.
(3) المبسوط 1: 77.
398

الإبراد، وعلى اعتبار المشقة لا إبراد. ولو أمكنهم المشي إلى المسجد في كن
أو ظل فهو كاجتماعهم في المسجد.
وخامسها: التقليد بالظهر، ولا ريب في انتفاء الإبراد في الأربع الاخر.
أما الجمعة، فهل تنزل منزلة الظهر؟ فيه وجهان: نعم، لإطلاق الخبر. ولا،
لشدة الخطر في فواتها، وعموم قوله صلى الله عليه وآله: (أول الوقت رضوان
الله، وآخر الوقت عفو الله) (1) خرج عنه الظهر فبقي ما عداها، ويؤيده قول الباقر
عليه السلام: (وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول) (2).
وسادسها: قوله: جاز أن يبردوا، ظاهره أن الإبراد رخصة، فلو تحملوا
المشقة وصلوا في أول الوقت فهو أفضل، ولا بن بابويه قول بأن المراد بالإبراد
الإسراع في فعلها (3)، وهو غريب. الأصح: الاستحباب، لأنه أقل مراتب
الأمر، وتكراره في الخبر مشعر بتأكده.
وسابعها: تقييده بالقليل، والظاهر أنه ما قدرنا به، لدفع الأذى بهذا
القدر. وفي قوله: ولا تؤخر إلى آخر الوقت، إيماء إلى جوازه إلى آخر النصف
الأول من الوقت أعني: وقت الفضيلة، كما قاله بعض العامة (4) ولا بأس به.
وقال في الخلاف: تقديم الظهر في أول وقتها أفضل، وإن كان الحر
شديدا جاز تأخيرها قليلا رخصة (5). وهذا يشعر بعدم استحباب الإبراد،
خصوصا وكان قد حكى الإبراد عن العامة (6).
العاشرة: في باقي الأسباب التي يستحب لها التأخير، وقد مضى

(1) الجامع الصحيح 1: 321 ح 172، سنن الدارقطني 1: 249، السنن الكبرى 1: 435.
(2) الفقيه 1: 43 ح 665، 267 ح 1220.
(3) الفقيه 1: 144.
(4) حيلة العلماء 2: 21، المجموع 3: 59.
(5) الخلاف 1: 293 المسألة 39.
(6) الخلاف 1: 292 المسألة 39.
399

استحباب تأخير التيمم أو وجوبه، واستحباب تأخير المستحاضة الظهرين حتى
تأتي بالسبحتين، واستحباب تفريقهما وتفريق العشائين، وتأخير نافلة الليل.
وهنا أمور اخر:
منها: استحباب تأخير الحاج العشائين ليصليهما في المزدلفة ولو إلى
ربع الليل.
ومنها: المشتغل بقضاء الفرائض يستحب له تأخير الأداء إلى ضيق وقته،
لما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت
أخرى، فإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت،
فابدأ بالتي فاتتك. وإن كنت تعلم انك إذا صليت التي فاتتك، فاتتك التي
بعدها، فابدأ بالتي أنت في وقتها) (1) وإنما حملناه على الندب جمعا بين
الأخبار.
ومنها: الصائم إذا نازعته نفسه، أو كان من يتوقع افطاره، وسيأتي مستند
ذلك إن شاء الله. وقد روى عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في المغرب تؤخر
ساعة: (لا بأس، إن كان صائما أفطر ثم صلى، وإن كانت حاجة قضاها ثم
صلى) (2).
وروى الكليني عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في الصلاة
تحضر وقد وضع الطعام، قال: (إن كان أول الوقت فابدأ بالطعام، وإن خاف
تأخير الوقت فليبدأ بالصلاة) (3).
ومنها: جميع أصحاب الأعذار مع رجاء زوال العذر بالتأخير، لأنه مصير
إلى جعل الصلاة على الوجه الأكمل.

(1) الكافي 3: 294 ح 4، التهذيب 2: 172 ح 686، 268 ح 1070، الاستبصار 1: 287
ح 1051.
(2) التهذيب 2: 31 ح 93، 265 ح 1055، الاستبصار 1: 266 ح 963.
(3) المحاسن: 423، الكافي 6: 298 ح 9، التهذيب 9: 100 ح 433.
400

وأوجبه المرتضى (1) وابن الجنيد (2) وسلار (3) رضي الله عنهم، لوجوب
تحصيل المعتبر في الماهية من الشرط والجزء مهما أمكن.
لنا: عموم الأمر بالمخاطبة في الوقت، وإمكان الإخترام.
وقد روى جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام فيمن يفوته
الظهران والمغرب وذكر عند العشاء الآخرة، قال: (يبدأ بالوقت الذي هو فيه،
فإنه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت فد دخل، ثم يقضي
ما فاته الأول فالأول) (4). وفي هذا الخبر دليل على ما قلنا من الاستحباب في
القاضي، وعلى وجوب ترتيب الفوائت، وعلى ما ادعيناه من عدم وجوب
التأخير.
وقد روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: ما من صلاة يحضر وقتها إلا نادى ملك بين يدي الله:
أيها الناس قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فأطفئوها
بصلاتكم) (5).
وروى أبان بن تغلب، قال: صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام
بالمزدلفة، فلما انصرف قال: (يا أبان الصلوات الخمس المفروضات من أقام
حدودهن، وحافظ على مواقيتهن، لقي الله يوم القيامة وله عند الله عهد يدخل
به الجنة. ومن لم يقم حدودهن، ويحافظ على مواقيتهن، لقي الله ولا عهد له،
إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له) (6). وأخبار كثيرة شاملة للمعذور وغيره.

(1) الناصريات: 225 المسألة 51.
(2) مختلف الشيعة: 149.
(3) المراسم: 54، 62.
(4) التهذيب 2: 352 ح 1462.
(5) الفقيه 1: 133 ح 624، أمالي الصدوق: 401، ثواب الأعمال: 57، التهذيب 2: 238
ح 944.
(6) الكافي 3: 267 ح 1، ثواب الأعمال: 48، التهذيب 2: 239 ح 945.
401

ومنها: إذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال كانتظار الجماعة، أو
طول الصلاة والتمكن من استيفائها. وقد حمل الشيخ خبر عبد الله بن سنان
عن الصادق عليه السلام في صلاة النبي صلى الله عليه وآله ركعتين قبل الصبح
التي قضاها وخبر أبي بصير عنه في مثل ذلك، على انتظار الجماعة، وإلا لم
تجز النافلة في وقت الفريضة (1).
وروى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام في المغرب: (إذا كان
أرفق بك وأمكن لك في صلاتك، وكنت في حوائجك، فلك إلى ربع
الليل) (2).
الحادية عشرة: اشتهر بين متأخري الأصحاب منع صلاة النافلة لمن
عليه فريضة (3)، وقد قدمنا أخبارا تشهد بجواز ذلك منقولة من التهذيب (4)، وقد ذكر
في الكافي ما يشهد بذلك، فمنه:
ما رواه سماعة، قال: سألته عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله،
أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال: (إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع
قبل الفريضة، وإن خاف الفوت فليبدأ بالفريضة). ثم بعد كلام إما متصل به،
أو من كلام الكليني: الفضل إذا صلى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة ليكون
فضل أول الوقت للفريضة، وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل من أول
الوقت إلى قريب من آخر الوقت (5).
ومنه: ما رواه عن إسحاق بن عمار، قال: قلت: أصلي في وقت فريضة
نافلة؟ قال: (نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام تقتدي به، فإذا كنت وحدك

(1) التهذيب 2: 265، الاستبصار 1: 286. والخبرين فيهما برقم 1057، 1058 / 1048،
1049.
(2) التهذيب 2: 31 ح 94، 259 ح 1034، الاستبصار 1: 267 ح 964.
(3) مختلف الشيعة: 148.
(4) قد مرت الأخبار في ص 301 وما بعدها.
(5) الكافي 3: 288 ح 3، التهذيب 2: 264 ح 1051، وصدره في الفقيه 1: 257 ح 1165.
402

فابدأ بالمكتوبة) (1).
وعن محمد بن مسلم، قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إذا دخل
وقت الفريضة، أتنفل أو أبدأ بالفريضة؟ فقال: (إن الفضل أن تبدأ
بالفريضة) (2).
احتج المانعون بما تقدم من رواية المنع، وبرواية زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام: (لا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها) (3)، وما روي عنهم
عليهم السلام: (لا صلاة لمن عليه صلاة) (4).
والجواب لما تعارضت الروايات وجب الجمع بالحمل على الكراهية في
هذا النهي، وبنفي الصلاة الكاملة في الخبر الثاني، وقد ذكر فيما تقدم
التصريح بأن قاضي الفريضة يصلي أمامها نافلة ركعتين (5)، وأن النبي صلى الله
عليه وآله فعل ذلك، قال الكليني والصدوق: الله أنام النبي صلى الله عليه وآله
عن صلاة الصبح رحمة للأمة (6).
الثانية عشرة: لو شك في فعل الصلاة ووقتها باق وجبت، لقيام السبب،
وأصالة عدم الفعل، وإلا فلا، عملا بظاهر حال المسلم انه لا يخل بالصلاة.
وبه خبر حسن السند عن زرارة والفضيل، عن أبي جعفر عليه السلام، انه قال:
(متى استيقنت أو شككت في وقت صلاة انك لم تصلها، أو في وقت فوتها
صليتها. وإن شككت بعدما خرج وقت الفوت، فقد حال (7) حائل فلا إعادة

(1) الكافي 3: 289 ح 4، التهذيب 2: 264 ح 1052.
(2) الكافي 3: 289 ح 6.
(3) الكافي 3: 292 ح 3، التهذيب 2: 172. 685، 3: 159 ح 341، الاستبصار 1: 286
ح 1046.
(4) رسالة جواب أهل الحائر عن سهو النبي صلى الله عليه وآله: 11، المبسوط 1: 127، الخلاف
1: 78 المسألة 86.
(5) تقدم في ص 301 الهامش 4.
(6) الكافي 3: 294، الفقيه 1: 234.
(7) في المصدرين: (دخل).
403

عليك من شك) أورده الكليني والشيخ في التهذيب (1).
الثالثة عشرة: مضى استحباب إعادة المنفرد جماعة وإن كان وقت نهي،
وتكون المعادة نفلا، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (تكن لكما سبحة) (2) وقد
مر أن السبحة النافلة، ولبراءة الذمة بالأولى فيمتنع وجوب الثانية، لقوله صلى
الله عليه وآله: (أتصلي صلاة في يوم مرتين) (3)، أي: بنية الوجوب. ولا فرق
بين إمام الحي وغيره.
وقد روي خبران يتضمنان الوجوب:
أحدهما: من طريق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله: (إذا جئت إلى
الصلاة، فوجدت الناس فصل معهم، فإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه
مكتوبة) (4).
وثانيهما: من طريق الخاصة وهو في الصحيح عن حفص بن البختري
عن أبي عبد الله عليه السلام، في الرجل يصلي وحده، ثم يجد جماعة، قال:
(يصلي معهم ويجعلها الفريضة) (5).
وأول الأول بأن له ثواب المكتوبة، ويمكن تأويل الثاني به، والشيخ
حمله على جعلها من قضاء سالف، أو على من كان في أثناء الصلاة فوجد
الجماعة (6)، لأنه قد روى عمار عن الصادق عليه السلام عن الرجل يصلي
الفريضة ثم يجد جماعة، أيعيدها معهم؟ قال: (نعم، هو أفضل)، قال (فإن

(1) الكافي 3: 294 ح 10، التهذيب 2: 276 ح 1098.
(2) تقدم في ص 83 الهامش 7.
(3) مسند أحمد 2: 41، سنن أبي داود 1: 158 ح 579، سنن النسائي 2: 114، سنن
الدارقطني 1: 415، السنن الكبرى 2: 303.
(4) سنن أبي داود 1: 157 ح 577.
(5) الكافي 3: 379 ح 1، التهذيب 3: 50 ح 176.
(6) التهذيب 3: 50.
404

لم يفعل ليس به بأس) (1).
فعلى ما قلناه ينوي النفل، ولو نوى الظهر المعادة جاز.
وقال بعض العامة: ينوي الفرض (2) إما للخبرين السالفين، وإما لأنه لا
جماعة في نافلة.
قلنا: قد أول الخبران، والجماعة هنا في النفل جائزة.
فرع
لو لم يدرك سوى ركعتين، فالأقرب إتمامها بحسب ما نواه، لأنه المأمور
به. وجوز في التذكرة التسليم على اثنتين، لأنها نافلة (3). ولو أدرك ركعة،
فالوجهان. ولو أدرك ثلاثا، فالاتمام ليس إلا.
ولو كانت المعادة المغرب، اقتصر على الثلاث إذ هي المنوية. وبعض
العامة: يأتي بأربع (4) لأنه لم يتعبد بنافلة وترا غير الوتر، والمفارقة للإمام محذورة
فيتمها ركعتين، وعن حذيفة: يصلي ركعتين لا غير (5). وكل هذا بناء على
الندب.
الرابعة عشرة: يأثم بتأخير الصلاة عن أول وقتها بعزم عدم التدارك، ولو
عزم على الفعل فلا إثم، ولو أهمل فالظاهر الإثم مع تذكر الوجوب. وليس
العزم شرطا في جواز التأخير، خلافا للمرتضى (6) وتحقيقه في الأصول.
نعم، يحرم تأخيرها عن وقتها المضروب لها، ولا يخرج عن التحريم
بإبقاء ركعة وإن حصل بها الأداء، لأن ذلك بحكم التغليب ولتحصيل البراءة،
وإلا فالركعات الباقية خارجة عن الوقت مع وجوب فعلها فيه، والإخلال

(1) التهذيب 3: 50 ح 175.
(2) المجموع 4: 224، فتح العزيز 4: 303.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 80.
(4) حلية العلماء 2: 160، المجموع 4: 225.
(5) انظر: المغني 1: 788 والشرح الكبير 2: 7.
(6) الذريعة 1: 134.
405

بالواجب حرام.
ويكره تأخير الصبح عن الإسفار، والعصر إلى الاصفرار، لما سلف،
ويلزم منه كراهة تأخير الظهر إلى حد يدخل العصر في الاصفرار. وكذا يكره
تأخير كل صلاة عن وقت الفضيلة، لما تقدم من الأخبار الدالة على المنع،
فأقل أحواله الكراهية. فحينئذ تتعدد أوقات الصلوات (بالأفضل والفضيلة
والجواز والكراهة والإجزاء.
الخامسة عشرة: صلاة الصبح من صلاة النهار عند الكل، إلا أبا محمد
الأعمش إذ حكي عنه أنها من صلاة الليل (1) بناء على أن أول النهار طلوع
الشمس، حتى للصوم فيجوز الإكل والشرب إلى طلوع الشمس عنده، قال في
الخلاف: وروي ذلك عن حديفة (2) لقوله تعالى (وجعلنا آية النهار
مبصرة) وآية النهار: الشمس، ولقول النبي صلى الله عليه وآله: (صلاة
النهار عجماء) (4).
وجوابه: منع ان الآية الشمس، بل نفس الليل والنهار آيتان، وهو من
إضافة التبيين كإضافة العدد إلى المعدود. سلمنا انها الشمس، ولكن علامة
الشئ قد تتأخر حتى تكون بعد دخوله. سلمنا ان الشمس علامة النهار، وأنها
متقدمة، لكن الضياء الحاصل من أول الفجر عن الشمس فكأن الشمس
طالعة، وفي الحقيقة هي طالعة، وإن تأخر رؤية جرمها، ولهذا اختلفت أوقات
المطالع بحسب الأقاليم. وأما الخبر فقد نسبه الدارقطني إلى الفقهاء، أو
يحمل على معظم صلاة النهار.
ويعارض باستقرار الإجماع على خلافه، وبقوله تعالى: (وأقم الصلاة

(1) المجموع 3: 45.
(2) الخلاف 1: 226 المسألة 9.
(3) سورة الإسراء: 12.
(4) عوالي اللآلي 1: 421 ح 98.
406

طرفي النهار) (1)، قال الشيخ: ولم يختلفوا ان المراد بذلك صلاة الصبح،
وصلاة العصر (2).
السادسة عشرة: من ترك الصلاة الواجبة من المسلمين مستحلا فهو
مرتد، يقتل إجماعا إن ولد على الفطرة من غير استتابة، لعلم ثبوتها من الدين
ضرورة، ولقول النبي صلى الله عليه وآله: (بين العبد وبين الكفر ترك
الصلاة) (3)، وبه احتج في الخلاف، وقال: أجمعت الفرقة على روايته (4). وعنه
صلى الله عليه وآله: (من ترك الصلاة متعمدا، فقد برئت منه الذمة) (5).
وإذا قتل لم يصل عليه، ولم يدفن في مقبرة المسلمين، وماله لوارثه
المسلم.
وإن كان مسلما عن كفر استتيب، فإن تاب وإلا قتل، لقوله تعالى (فإن
تابوا وأقاموا الصلاة) الآية (6).
ولو ادعى المستحل الشبهة، وأمكنت في حقه بان كان قريب العهد
بالإسلام، أو ساكن بادية يمكن في حقه عدم علم وجوبها قبل منه.
ولو تركها غير مستحل عزر ثلاثا، وقتل في الرابعة.
قال في المبسوط: إذا خرج وقت الصلاة امر بأن يقضيها، فان أبى عزر.
وإن أقام على ذلك حتى ترك ثلاث صلوات، وعزر فيها ثلاث مرات قتل في
الرابعة.
لما روي عنهم عليهم السلام: (إن أصحاب الكبائر يقتلون في

(1) سورة هود: 114.
(2) الخلاف 1: 267 المسألة 9.
(3) صحيح مسلم 1: 88 ح 134، سنن أبي داود 4: 219 ح 4678، مسند أبي يعلى 3: 318
ح 1783، مسند أبي عوانة 1: 61، المعجم الصغير 1: 134، سنن الدارقطني 2: 53.
(4) الخلاف 1: 690 المسألة 6.
(5) مسند أحمد 6: 421.
(6) سورة التوبة: 5.
407

الرابعة)، وذلك عام في جميع الكبائر (1).
مع أنه قال في الخلاف: روي عنهم: (ان أصحاب الكبائر يقتلون في
الثالثة) (2).
وقال في المبسوط: (ولا يقتل حتى يستتاب، فأن تاب والا قتل، وكفن
وصلى عليه، ودفن في مقابر المسلمين، وميراثه لورثته المسلمين (3).
فقضية كلام الشيخ اشتراط ترك أربع صلوات حتى يخرج وقتها، وانه لا
يقتل حتى يعزر ثلاثا، ويستتاب فيمتنع من التوبة.
والذي رواه الأصحاب عن يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام،
انه قال: (أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة) (4).
وروى أبو خديجة عنه عليه السلام في المرأتين في لحاف بلا حاجز:
تحدان، ثم تقتلان في الثالثة (5).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: ان رسول الله صلى الله
عليه وآله كان إذا حد شارب الخمر مرتين قتله في الثالثة (6)، وبه عدة أخبار. قال
الكليني: قال جميل: وروى بعض أصحابنا انه يقتل في الرابعة (7).
ولم أقف في الرابعة على حديث عام، بل روى أبو خديجة عن الصادق

(1) المبسوط 1: 129.
(2) الخلاف 1: 690 المسألة 6.
والرواية في: الكافي 7: 191 ح 2، الفقيه 4: 51 ح 182، التهذيب 10: 95 ح 369،
الاستبصار 4: 212 ح 792.
(3) المبسوط 1: 129.
(4) الكافي 7: 191 ح 2، الفقيه 4: 51 ح 182، التهذيب 10: 95 ح 369، الاستبصار 4:
212 ح 791.
(5) الكافي 7: 202 ح 4، التهذيب 10: 59 ح 214، الاستبصار 4: 217 ح 811.
(6) الكافي 7: 218 ح 1، التهذيب 10: 95 ح 366.
(7) الكافي 7: 218 ح 4.
408

عليه السلام في المرأتين في لحاف: القتل في الرابعة (1) كما روى في الثالثة.
وروى زرارة أو بريد عن أبي عبد الله عليه السلام: (إذا زنى الحر أربع
مرات أقيم عليه الحد، قتل) (2). وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه
السلام: (الزاني إذا جلد ثلاثا يقتل في الرابعة) (3).
مع أن جميل بن دراج قال: (روى أصحابنا: ان الزاني يقتل في
الثالثة (4). وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (من أخذ في شهر
رمضان وقد أفطر، فرفع إلى الإمام، يقتل في الثالثة) (5).
وعن أبي بصير، قال قلت: آكل الربا بعد البينة؟ قال: (يؤدب، فان عاد
أدب، فإن عاد قتل) (6). وفي الخلاف: يقتل في الثالثة، لما رواه يونس عن
الماضي عليه السلام (7).
ونقل المحقق الثالثة ثم احتاط بالرابعة (8) لما نقله الشيخ. وقد أول خبر
أبي فروة عن الصادق عليه السلام: في آتي البهيمة الحد وروى جميل عنه عليه
السلام القتل بالتكرار، قال: لأنا قدر روينا أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة
أو الرابعة، ثم ذكر خبر يونس بالثالثة (9).

(1) الكافي 7: 202 ح 4، الفقيه 4: 31 ح 88، التهذيب 10: 44 ح 159، الاستبصار 4: 217
ح 811.
(2) الكافي 7: 235 ح 7، الفقيه 4: 31 ح 90، التهذيب 10: 27 ح 86.
(3) الكافي 7: 191 ح 1، التهذيب 10: 37 ح 129، الاستبصار 4: 212 ح 790.
(4) الكافي 7: 256 ح 5.
(5) الكافي 7: 258 ح 12، التهذيب 10: 141 ح 557.
(6) الكافي 7: 241 ح 9، الفقيه 4: 50 ح 176، التهذيب 10: 98 ح 380.
(7) الخلاف 1: 690 المسألة 6.
وقد مرت الرواية في صفحة 408 الهامش 2.
(8) شرائع الاسلام 1: 122.
(9) التهذيب 10: 62، الاستبصار 4: 225.
وخبر أبي فروة في التهذيب 10: 62 ح 227، الاستبصار 4: 224 ح 840، عن أبي جعفر
عليه السلام.
وخبر جميل في التهذيب 10: 61 ح 223، الاستبصار 4: 224 ح 836.
409

فروع:
الأول: إذا كان ترك الصلاة مع الاستحلال ارتدادا فالمرأة لا تقتل
بتركها، بل تحبس وتضرب أوقات الصلوات حتى تتوب أو تموت، لما رواه ابن
محبوب عن غير واحد من الأصحاب، عن الباقر والصادق عليهما السلام:
(المرأة إذا ارتدت استتيبت، فإن تابت والا خلدت السجن، وضيق عليها في
حبسها) (1).
وعن عباد بن صهيب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المرتد
يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. والمرأة تستتاب، فإن تابت وإلا حبست في
السجن وأضربها) (2).
ولو تركتها لا مستحلة وعزرت ثلاثا فظاهر الأصحاب قتلها في الرابعة
كالرجل، وكذا في جميع مواضع تكرار الحد أو التعزير، والله أعلم.
الثاني: لا فرق بين ترك الصلاة وترك شرط أو جزء مجمع عليه كالطهارة
والركوع أما المختلف فيه كإزالة النجاسة، وتعيين الفاتحة، ووجوب
الطمأنينة، فلا يقتل مستحل تركه.
الثالث: لو ادعى النسيان أو الغفلة في إخباره عن استحلال الترك، أو
أول الصلاة بالنافلة قبل منه، لقيام الشبهة الدارئة للحد.
ولو اعتذر عن ترك الصلاة بالنسيان، أو عدم المطهر، قبل عذره ويؤمر
بالقضاء. فإن امتنع منه عزر إن أوجبنا الفور، وإن قلنا بالتراخي فلا، فلو تكرر
التعزير أمكن انسحاب حكم الأداء.

(1) الكافي 7: 256 ح 3، التهذيب 10: 137 ح 543، الاستبصار 4: 253 ح 959.
(2) التهذيب 10: 144 ح 569، الاستبصار 4: 255 ح 967.
410

ولو استحل ترك القضاء، فالظاهر أنه كترك الأداء. ولو اعتذر عن الترك
بالكسل أو المرض لم يقبل منه، وطولب المريض بالصلاة بحسب حاله، فإن
امتنعا عزرا ثلاثا ثم القتل.
الرابعة: قال الفاضل في التذكرة: الظاهر من قول علمائنا انه بعد التعزير
ثلاثا يقتل بالسيف إذا ترك الرابعة (1).
وقال في النهاية: يحتمل أن يضرب حتى يصلي أو يموت (2) وهو منقول
عن بعض العامة (3).
ووافق الفاضل الشيخ في أنه لا يقتل في الرابعة حتى يستتاب، ولا يسوغ
قتله مع اعتقاده التحريم بالمرة الواحدة ولا بما زاد، ما لم يتخلل التعزير ثلاثا،
لأصالة حقن الدم (4) ولقوله صلى الله عليه وآله: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا
بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق) (5).
الخامس: توبة تاركها مستحلا في موضع قبولها هو إخباره عن اعتقاد
وجوبها وفعلها، فلو أخر ولم يفعل عزر، ولو فعل ولما يخبر لم تتحقق التوبة.
والظاهر أنه لا يكفي إقراره بالشهادتين هنا، لأن الكفر لم يقع بتركهما.
السادس: لو صلى الكافر لم يحكم بإسلامه، سواء صلى في دار
الإسلام أو الكفر، لأن الإسلام هو الشهادتان.
ولو سمع تشهده فيها، فالظاهر أنه لا يكفي، لإمكان الاستهزاء، فلو أعرب عن نفسه الكفر بعده لم
يكن مرتدا. وكذا لو صلى المرتد لم يحكم بعوده إلى الإسلام. وهذه المسألة

(1) تذكرة الفقهاء 1: 86.
(2) نهاية الاحكام 1: 339.
(3) قاله أبو العباس، لاحظ: المجموع 3: 13.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 86.
(5) مسند أحمد 1: 61، سنن ابن ماجة 2: 847 ح 2533، سنن أبي داود 4: 170 ح 4502.
الجامع الصحيح 4: 460 ح 2158، المستدرك على الصحيحين 4: 350.
411

وفروعها لم أقف فيها على نص معين من طريقنا، ولم يذكرها من الأصحاب إلا
القليل.
412

الفصل الرابع:
في مواقيت القضاء.
والكلام فيه يشتمل على مسائل:
الأولى: وقت القضاء للفائتة الواجبة ذكرها ما لم تتضيق الحاضرة، لقوله
تعالى: (وأقم الصلاة لذكري) (1)، أي: لذكر صلاتي، قال كثير من
المفسرين: إنها في الفائتة، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (من نام عن صلاة
أو نسيها، فليقضها إذا ذكرها، إن الله تعالى يقول: (وأقم الصلاة
لذكري) (2).
وروى زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: (إذا فاتتك صلاة فذكرتها
في وقت أخرى، فإن كنت تعلم انك إذا صليت الفائتة كنت من الأخرى في
وقت، فابدأ بالتي فاتتك، فإن الله تعالى يقول: (وأقم الصلاة لذكري). وإن
كنت تعلم انك إذا صليت الفائتة، فاتتك التي بعدها، فابدأ بالتي أنت في
وقتها) (3).
وفيه دلالات ثلاث: التوقيت بالذكر، ووجوب القضاء، وتقديمه على
الحاضرة مع السعة.
وعن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (من نام عن صلاة أو نسيها،
فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها) (4). وفيه دلالتان:
إحداهما: توقيت قضاء الفائتة بالذكر.
والثاني: وجوب القضاء مع الفوات، ووجوبه في حق المعذور يستلزم

(1) سورة طه: 14.
(2) مجمع البيان 4: 5، التفسير الكبير 22: 20.
(3) الكافي 3: 293 ح 4، التهذيب 2: 172 ح 686، الاستبصار 1: 287 ح 1051.
(4) سنن الدارقطني 1: 423، السنن الكبرى 2: 218، وراجع تلخيص الحبير 2: 349.
413

أولويته في حق غيره، ولما تقدم في خبري: (خمس صلوات) (1).
وعن زرارة عن الباقر عليه السلام فيمن صلى بغير طهور، أو نسي
صلوات، أو نام، قال: (يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا) (2)
وتقريره كالسالف.
الثانية: ظاهر الأكثر وجوب الفور في القضاء، إما لأن الأمر المطلق للفور
كما قاله المرتضى والشيخ (3) وإما احتياطا للبراءة.
وهؤلاء يوجبون تقديمها على الحاضرة مع سعة الوقت، ويبطلون
الحاضرة لو عكس متعمدا. وبالغ المرتضى رحمه الله وأتباعه، فمنع في
المسائل الرسية من أكل يفضل عما يمسك الرمق، ومن نوم يزيد على ما
يحفظ الحياة، ومن تعيش يزيد على قدر الضرورة، ومن الاشتغال بجميع
المباحات والمندوبات والواجبات الموسعة قبل القضاء (4).
ويحتجون: تارة بالاحتياط المحصل ليقين البراءة، وبتركه يتعرض
المكلف للضرر المظنون الذي يجب التحرز منه عقلا.
وتارة بقوله تعالى: (وأقم الصلاة لذكري).
وآونة بخبري الخمس، وخبري زرارة السابقين (5) وفي عبارة أخرى لزرارة
عن الباقر عليه السلام: (فإذا دخل وقت الصلاة، ولم يتم ما قد فاته، فليقض
ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه التي حضرت) (6).

(1) تقدما في ص 389 الهامش 4، 5.
(2) الكافي 3: 292 ح 3، التهذيب 2: 171 ح 681.
(3) الذريعة 1: 53، عدة الأصول مخطوط -: 85.
(4) أجوبة المسائل الرسية 2: 365، المهذب 1: 125.
(5) تقدما في ص 389 الهامش 4، ص 390 الهامش 3.
(6) الكافي 3: 292 ح 3، التهذيب 2: 172 ح 685، 266 ح 1059، الاستبصار 1: 286
ح 1046.
414

وبما رواه أبو بصير، قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت
العصر، قال: (يبدأ بالظهر، وكذلك الصلوات، وتبدأ بالتي نسيت إلا أن تخاف
أن يخرج وقت الصلاة، فتبدأ بالتي أنت في وقتها) (1).
وبخبر عمرو بن يحيى عن أبي عبد الله عليه السلام فيمن صلى إلى غير
القبلة، ثم تبين له وقد دخل وقت صلاة أخرى، قال: يصليها (2) قبل أن يصلي
هذه التي دخل وقتها) (3).
واحتج السيد على بطلان الحاضرة مع السعة بالنهي عنها (4)، إما لأن
الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده، وإما بما روي من قول النبي صلى الله
عليه وآله: (لا صلاة لمن عليه صلاة) (5). واحتج بعض المتأخرين على مذهب السيد من المنع عن المنافي
للقضاء برواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام فيمن فاته نوافل لا
يدري كم هو من كثرته، قال: (يصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرته).
قلت: لا يقدر على القضاء من شغله. قال: (ان كان شغله في طلب معيشة
لابد منها، أو حاجة لأخ مؤمن، فلا شئ عليه. وان كان شغله للدنيا وتشاغل
بها عن الصلاة فعليه القضاء، والا لقي الله مستخفا متهاونا مضيعا للسنة) (5).
قال: وهو من باب التنبيه (6).

(1) الكافي 3: 292 ح 2، التهذيب 2: 172 ح 684، 268 ح 1069، الاستبصار 1: 287
ح 1050.
(2) في المصدرين: (يعيدها).
(3) التهذيب 2: 46 ح 149، الاستبصار 1: 297 ح 1098.
(4) جوابات المسائل الرسية الأولى 2: 364.
(5) جواب أهل الحائر عن سهو النبي صلى الله عليه وآله: 11، المبسوط 1: 127، الخلاف 1:
386 المسألة: 139.
(6) المحاسن: 315، الكافي 3: 453 ح 13، الفقيه 1: 359 ح 1577، التهذيب 2: 11 ح 25، 198
ح 778.
415

وابنا بابويه رحمهما الله على المواسعة المحضة، حتى أنهما
يستحبان تقديم الحاضرة على الفائتة مع السعة (1) وتبعهما أكثر المتأخرين (2) قال
الفاضل: هو مذهب والدي وأكثر من عاصرناه من المشايخ (3).
ويجيبون عن الاحتياط: بأنه لو تم اقتضى الأولوية لا الوجوب، ونحن
نقول باستحباب تقديم الفائتة، وبمعارضته بأصالة البراءة، وبتجويز الاخترام
قبل فعل الحاضرة، فالاحتياط البدأة بها.
وعن الآية: ان المفسرين ذكروا فيها وجوها منها هذا.
ومنها: ان الصلاة تذكر بالمعبود، وتشغل القلب واللسان بذكره.
ومنها: ان اللام للتعليل، أي: لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها.
ومنها: ان المراد لذكري خاصة، اي: لا تراء بها ولا تشبها بذكر
غيري.
ومنها: ان المراد لأذكرك بالثناء.
ومنها: ان المراد باللام التوقيت، فيشمل جميع مواقيت الصلاة.
وحينئذ لا يتعين ما ذكرتم للإرادة، إذ خبر الواحد لا ينهض حجة في
مخالفة المشهور، مع معارضته بمثله. سلمنا، لكن نمنع الوجوب المضيق،
فان الأمر لا يدل على الفور، وقد تحقق في الأصول.
وعن الأخبار: بأنها تدل على مطلق الوجوب، اما على الوجوب المضيق
فلا، فان في خبري الخمس: صلاة الكسوف والجنازة والإحرام (4)، ولا
يقول أحد بوجوب تقدمها على الحاضرة تضييقا، مع المعارضة بوجوه:
أحدها: قضية الأصل، فإنه دليل قطعي حتى يثبت الخروج منه.

(1) الفقيه 1: 232، المقنع: 32، مختلف الشيعة: 144.
(2) راجع: الوسيلة: 84، المعتبر 2: 405، قواعد الأحكام: 44.
(3) مختلف الشيعة: 144.
(4) تقدما في ص 389 الهامش 4، 5.
416

وثانيها: لزوم الحرج والعسر والضرر المنفي بالكتاب والسنة.
وثالثها: عموم آي الصلاة، مثل: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق
الليل) (1) (أقيموا الصلاة) (2) فإنه يشمل عليه فائتة وغيره.
ورابعها: معارضة الأخبار بمثلها. فروى ابن سنان عن الصادق عليه
السلام، قال: (إن نام رجل ونسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة، فان
استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما، وان خاف أن تفوته
إحداهما فليبدأ بالعشاء. وان استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح، ثم المغرب،
ثم العشاء) (3).
وروى أبو بصير عن الصادق عليه السلام نحو ذلك (4).
وروى سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام: (إذا دخل الوقت عليك
فصلها، فإنك لا تدري ما يكون) (5).
وخبر جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام وقد مر في المسألة
صريح في تقديم الحاضرة (6).
وروى عمار الساباطي عن الصادق عليه السلام: (ان حضرت العتمة،
وذكر ان عليه صلاة المغرب، فأحب أن يبدأ بالمغرب بدأ، وان أحب بدأ
بالعتمة، ثم صلى المغرب بعد) (7). وهذا صريح في التخيير، فان كان مغرب
يومه بني على خروج المغرب بربع الليل أو بغيره، وان كان مغرب أمسه فأوضح
في الدلالة.

(1) سورة الإسراء: 78.
(2) سورة النور: 56.
(3) التهذيب 2: 270 ح 1076. وفي الاستبصار 1: 288 ح 1053 عن ابن مسكان.
(4) التهذيب 2: 270 ح 1077، الاستبصار 1: 288 ح 1054.
(5) التهذيب 2: 272 ح 1082.
(6) تقدم في ص 383 الهامش 3.
(7) التهذيب 2: 271 ح 1079، الاستبصار 1: 288 ح 1055.
417

والأخبار الدالة على عدم القضاء في أوقات الكراهة، وعلى جواز النافلة
لمن عليه قضاء، تدل على ذلك أيضا، وقد سلفت.
وخامسها: تسويغ الأصحاب الأذان والإقامة للقاضي (1) مع استحبابهما،
وقد رووه بطرق كثيرة.
منها: خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام فيمن صلى
اليومين والثلاثة جنبا: (يتطهر، ويؤذن ويقيم في أولهن، ثم يصلي ويقيم بعد
ذلك في كل صلاة) (2).
ومنها: خبر قضاء النبي صلى الله عليه وآله الصبح، فإنه أمر بلالا بالأذان
بل وصلى نافلتها قبلها (3).
ومنها: خبر زرارة عن الباقر عليه السلام (4) وسيأتي إن شاء الله تعالى.
وسادسها: في رواية الحسن بن زياد عن الصادق عليه السلام في عدم
العدول في العشاء إلى المغرب (5) وتقريره كما مر، وحمله هنا على مغرب أمسه
أولى، لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الدالة على العدول عن العشاء
إلى المغرب إلى الركعة الثالثة (6).
والأمر بالشئ على التضيق يستلزم النهي عن ضده، فلم قلتم ان الأمر
هنا مضيق؟
وأما حديث: (لا صلاة لمن عليه صلاة) فلم نستثبته من طرقنا، وانما
أورده الشيخ في المبسوط والخلاف مرسلا (7). وفي التهذيب بطريق معتبر عن

(1) راجع: المقنعة: 35، المبسوط 1: 95، المعتبر 2: 135.
(2) التهذيب 3: 159 ح 342.
(3) سيأتي مفصلا في ص 422.
(4) سيأتي في ص 420 الهامش 1.
(5) تقدمت في ص 384 الهامش 6.
(6) الكافي 3: 291 ح 1، التهذيب 3: 158 ح 340.
(7) المبسوط 1: 127، الخلاف 1: 386 المسألة 139.
418

علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام، قال: سألته عن صلاة الجنائز إذا
احمرت الشمس أتصلح أو لا؟ قال: (لا صلاة في وقت صلاة)، وقال: (إذا
وجبت الشمس فصل المغرب، ثم صل على الجنائز) (1). ويحملان على
النافلة، أو على نفي الكمال.
وأما خبر النافلة، فهو من التغليظ في النافلة إذ لا يقول أحد بوجوبه، فإذا
كان هذا المنبه غير واجب، فكيف يستفاد الوجوب في المنبه عليه؟
تنبيه:
صار بعض الأصحاب من المتأخرين إلى تعجل (2) قضاء الفائتة مع الوحدة
والسعة (3) وبعضهم إلى ما ليومه وان تعددت (4). والحامل على ذلك
روايتان صحيحتان:
رواية صفوان عن أبي الحسن عليه السلام في ناسي الظهر حتى غربت
الشمس، قال: (كان أبو جعفر أو كان أبي عليهما السلام يقول: إذا أمكنه أن
يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، والا صلى المغرب ثم صلاها) (5).
ورواية زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: (إذا نسيت صلاة أو صليتها
بغير وضوء، وكان عليك قضاء صلوات، فابدأ بأولهن فأذن لها وأقم، ثم صل
ما بعدها بإقامة، إقامة لكل صلاة). قال: وقال أبو جعفر عليه السلام: (وان
كنت قد صليت الظهر، وقد فاتتك الغداة فذكرتها، فصل أي ساعة ذكرتها ولو
بعد العصر. ومتى ذكرت صلاة فاتتك صليتها).
وقال: (ان نسيت الظهر حتى صليت العصر، فذكرتها وأنت في الصلاة

(1) قرب الاسناد: 99، التهذيب 3: 320 ح 996.
(2) في س: تعجيل.
(3) كالمحقق في المعتبر 2: 405.
(4) كالعلامة في مختلف الشيعة: 144.
(5) الكافي 3: 293 ح 6، التهذيب 2: 269 ح 1073.
419

أو بعد فراغك، فانوها الأولى ثم صل العصر، فإنما هي أربع مكان أربع. وان
ذكرت انك لم تصل الأولى، وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين،
فصل الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر.
وان كنت ذكرت انك لم تصل العصر، حتى دخل وقت المغرب ولم
تخف فوتها، فصل العصر ثم صل المغرب. وان كنت قد صليت المغرب فقم
فصل العصر. وان كنت قد صليت من المغرب ركعتين، ثم ذكرت العصر،
فانوها العصر ثم سلم، ثم صل المغرب.
وان كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب، فقم فصل
المغرب. وان كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين، أو قمت في
الثالثة، فانوها المغرب ثم سلم، ثم قم فصل العشاء الآخرة.
وان كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر، فصل العشاء
الآخرة. وان كنت ذكرتها وأنت في الركعة أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء،
ثم قم فصل الغداة وأذن وأقم.
وان كانت المغرب والعشاء قد فاتتك جميعا، فابدأ بهما قبل ان تصلي،
الغداة، إبدأ بالمغرب ثم العشاء. وان خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بهما،
فابدأ بالمغرب، ثم بالغداة، ثم صل العشاء. وان خشيت ان تفوتك الغداة إن
بدأت بالمغرب فصل الغداة، ثم صل المغرب والعشاء، ابدأ بأولهما لأنهما
جميعا قضاء، أيهما ذكرت فلا تصليهما الا بعد شعاع الشمس). قلت: فلم
ذاك؟ قال: (لأنك لست تخاف فوته) (1).
قال الشيخ في الخلاف: جاء هذا الخبر مفسرا للمذهب كله، وحمل
قوله: فليجعلها ظهرا بعد الفراغ، على مقاربة الفراغ (2).

(1) الكافي 3: 291 ح 1، التهذيب 3: 158 ح 340.
(2) الخلاف 1: 386 المسألة 139.
420

قلت: قد اشتمل هذا الخبر على ما يدفع الاحتمالين، لان المغرب
والعشاء المذكورتين أخيرا متعددتان مع أنهما من يوم سالف، فان عمل به كله
زالا، ان عمل ببعضه كان تحكما. وفيه دلالة على أن الترتيب مستحب لا مستحق لأنه حكم بالتوسعة بعد صلاة الصبح، فلو صح القول بالمضايقة
انتفى.
والتحقيق هنا: ان الأخبار في حيز التعارض، والجامع بينها الحمل على
الاستحباب، فان القول بالمضايقة المحضة يلزم منه اطراح الأخبار الصحيحة
على التوسعة، والقول باستحباب تقديم الحاضرة يلزم منه اطراح أخبار
الترتيب، والتفصيل معرض لاطراح الجميع، والعمل الخبرين مهما أمكن أولى
من اطراحهما، أو اطراح أحدهما. وبتقدير الاطراح، تبقى قضية الأصل
وعمومات القرآن سالمة عن المعارض.
والشيخ من أصحاب المضايقة (1) مع حكمه في مواضع من التهذيب بعدمها، كحكمه فيمن أعاد صلاة مع الامام بجعلها نافلة أو قضاء فريضة
سالفة (2) وكايراده خبر عمار سالف عن الصادق عليه السلام: (فإذا أردت ان
تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها، فلا تصل شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل
الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثم اقض ما شئت) (3) ولم يعرض له الشيخ، مع أنه عادته ان الخبر إذا كان لا يرتضيه يعرض له.
ولم يصرح في النهاية والخلاف ببطلان الحاضرة لو أوقعها لا مع الضيق،
وكذلك: المفيد، وابن عقيل، وابن الجنيد. نعم، صرح به: المرتضى (4)

(1) راجع: الخلاف 1: 382 المسألة 139.
(2) التهذيب 3: 51، النهاية: 125.
(3) التهذيب 2: 237 ح 1086.
(4) أجوبة المسائل الرسية الأولى 2: 364.
421

وابن البراج (1) وأبو الصلاح (2) والشيخ في المبسوط (3) وابن إدريس (4) رحمهم الله.
تتمة:
روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام: (قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: إذا دخل وقت صلاة مكتوبة، فلا صلاة نافلة حتى يبدأ
بالمكتوبة). قال: فقدمت الكوفة، فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقلبوا
ذلك مني، فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر عليه السلام، فحدثني: ان
رسول الله صلى الله عليه وآله عرس في بعض أسفاره، فقال: (من يكلؤنا؟)
فقال بلال: أنا.
فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس، فقال: (يا بلال ما أقدرك؟) فقال:
يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم، فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله: (قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة)، وقال: (يا بلال
أذن) فأذن فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتي الفجر، وأمر أصحابه
فصلوا ركعتي الفجر، ثم قام فصلى بهم الصبح، ثم قال: (من نسي شيئا من
الصلاة فليصلها إذا ذكرها، فان الله عز وجل يقول: (وأقم الصلاة لذكري).
قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه، فقال: نقضت
حديثك الأول! فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فأخبرته بما قال القوم،
فقال: (يا زرارة ألا أخبرتهم انه قد فات الوقتان جميعا، وان ذلك كان قضاء من
رسول الله صلى الله عليه وآله).
وقد تقدم طرف من هذا الخبر، وفيه فوائد:
منها: استحباب ان يكون للقوم حافظ إذا ناموا، صيانة لهم عن هجوم ما

(1) المهذب 1: 126.
(2) الكافي في الفقه: 150.
(3) المبسوط 1: 127.
(4) السرائر: 58.
422

يخاف منه.
ومنها: ما تقدم من أن الله تعالى أنام نبيه لتعليم أمته، ولئلا يعير بعض
الأمة بذلك، ولم أقف على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة
به.
ومنها: ان العبد ينبغي ان يتفأل بالمكان والزمان بحسب ما يصيبه فيهما
من خير وغيره، ولهذا تحول النبي صلى الله عليه وآله إلى مكان آخر (1).
ومنها: استحباب الأذان للفائتة كما يستحب للحاضرة، وقد روى العامة
عن أبي قتادة وجماعة من الصحابة في هذه الصورة: ان النبي صلى الله عليه
وآله أمر بلالا فأذن فصلى ركعتي الفجر، ثم أمره فأقام فصلى صلاة الفجر (2).
ومنها: استحباب قضاء السنن.
ومنها: جواز فعلها لمن عليه قضاء، وان كان قد منع منه أكثر
المتأخرين (3) وقد تقدم حديث آخر فيه (4).
ومنها: شرعية الجماعة في القضاء كالأداء.
ومنها: وجوب قضاء الفائتة، لفعله عليه السلام ووجوب التأسي به،
وقوله: (فليصلها).
ومنها: ان وقت قضائها ذكرها.
ومنها: ان المراد بالآية ذلك.
ومنها: الإشارة إلى المواسعة في القضاء، لقول الباقر عليه السلام: (الا
أخبرتهم انه فات الوقتان) إلى آخره، وهو نظير خبره السالف عنه عليه

(1) لاحظ: دعائم الاسلام 1: 141.
(2) المصنف لعبد الرزاق 1: 588 ح 2240، المصنف لابن أبي شيبة 2: 82، سنن أبي داود 1:
121 ح 444، السنن الكبرى 1: 403.
(3) كالعلامة في مختلف الشيعة: 148.
(4) لعله إشارة إلى ما تقدم في ص 301 الهامش 4.
423

السلام (1).
وقد روى زرارة أيضا في الصحيح ما يدل على عدم جواز النافلة لمن عليه
فريضة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أصلي نافلة وعلي فريضة أو في
وقت فريضة؟ قال: (لا، انه لا تصلى نافلة في وقت فريضة، أرأيت لو كان
عليك من شهر رمضان أكان لك ان تتطوع حتى تقضيه؟ قال: قلت: لا. قال:
(فكذلك الصلاة). قال: فقايسني وما كان يقايسني. عنى زرارة تشبيهه عليه
السلام الصلاة بالصيام وانه في صورة القياس، وان الامام لم يكن من شأنه القياس،
ولعله عليه السلام أراد به مجرد المثال، أو لتعليم زرارة فلج خصومه.
والشيخ جمع بينهما بالحمل على انتظار الجماعة (2).
وابن بابويه عمل بمضمون الخبر وأمر بقضاء النافلة ثم الفريضة (3).
وفي المختلف اخبار المنع، وأورد هذا الخبر خبر أبي بصير عن الصادق
عليه السلام فيمن نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس، فقال: (يصلي ركعتين
ثم يصلي الغداة)، وأورد حمل الشيخ إياهما على انتظار الجماعة، فيجوز
الاشتغال بالنافلة (4).
وأشار بعض الأصحاب إلى إمكان ان يكون الخبر المروي عن النبي
صلى الله عليه وآله في ذلك من المنسوخ، إذ النسخ جائز في السنة.
وقد روى إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه
السلام، قال: قلت: ان قوما يحدثونا غير متهمين وتحدثونا أنتم بغيره، قال:
(ان الحديث ينسخ كما ينسخ القران) (5).

(1) تقديم في ص 415 الهامش. 1
(2) التهذيب 2: 265، الاستبصار 1: 287.
(3) المقنع: 33.
(4) مختلف الشيعة: 148.
وخبر أبي بصير في التهذيب 2: 265 ح 1057، الاستبصار 1: 286 ح 1048.
(5) رواه الكليني في الكافي 1: 52 ح 2 باسناده عن أيوب الخراز عن محمد بن مسلم عن أبي
عبد الله عليه السلام.
424

المسألة الثالثة: أجمع العلماء على وجوب قضاء ما فات من المكتوبة،
مع بلوغ من فاته، وكمال عقله، واسلامه، وسلامة المرأة من الحيض والنفاس،
وقدرته على المطهر، عمدا فاتت أو سهوا، أو بنوم أو سكر، وقد دلت عليه الأخبار
السالفة.
ودل على إخراج الصبي والمجنون حديث: (رفع القلم) (1). وعلى
إحراج الكافر: (قل للذين كفروا) الآية (2)، وخبر: (الاسلام يجب أو يهدم
ما قبله) (3). وعلى إخراج الحائض والنفساء ما سلف. واما السكران فلأنه
سبب عادي في زوال عقله فهو كالنوم. واما فاقد الطهور، فقد تقدم الخلاف فيه.
الرابعة: لا يجب القضاء مع الاغماء المستوعب للوقت في المشهور
لان زوال العقل سبب لزوال التكليف وليس مستندا إليه.
ولتبعية القضاء لوجوب الأداء.
ولرواية أبي أيوب عن الصادق عليه السلام: سألته عن الرجل أغمي عليه
أياما لم يصل ثم أفاق، أيصلي ما فاته؟ قال: (لا شئ عليه) (4) وعن حفص
ابن البختري عنه عليه السلام، سمعته يقول في المغمى عليه: (ما غلب الله
عليه فالله أولى بالعذر عنه) (5) ونحوه رواية معمر بن عمرو عن الباقر عليه
السلام (6) ومكاتبة محمد بن سليمان الهادي عليه السلام (7) وكذا مكاتبة أيوب

(1) سيأتي بتمامه في ص 429 الهامش 5.
(2) سورة الأنفال: 38.
(3) صحيح مسلم 1: 112 ح 121.
(4) الكافي 3: 412 ح 3، التهذيب 3: 302 ح 924، الاستبصار 1: 457 ح 1771.
(5) الكافي 3: 413 ح 7، التهذيب 3: 302 ح 923، الاستبصار 1: 457 ح 1770.
(6) الكافي 3: 412 ح 2، التهذيب 3: 303 ح 926، الاستبصار 1: 457 ح 1773 وفي المصادر
الثلاثة: معمر بن عمر.
(7) التهذيب 3: 303 ح 927، الاستبصار 1: 458 ح 1774، عن علي بن محمد سليمان
عن الهادي عليه السلام.
425

ابن نوح إياه (1).
ولرواية أبي بصير وعبيد الله الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل
يغمى عليه نهارا ثم يفيق قبل غروب الشمس، قال: (يصلي الظهر والعصر،
ومن الليل إذا أفاق قبل الصبح قضى صلاة الليل) (2). وعلى هذا عمل أكثر
الأصحاب (3).
وبإزاء هذه روايات: كرواية حفص، عن أبي عبد الله عليه السلام:
يقضي صلاة يوم) (4).
وعن العلاء بن الفضيل عنه عليه السلام: (إن أفاق قبل غروب الشمس
فعليه قضاء يومه هذا، فان أغمي عليه أياما قضى آخر أيامه) (5).
ورواية ابن سنان عليه السلام: (كل ما تركته من صلاتك لمرض
أغمي عليك فيه، فاقضه إذا أفقت عنه) (6).
ورواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: (يقضي ما فاته، يؤذن
في الأولى ويقيم في البقية) (7).
ورواية منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام: (يقضيها كلها،

(1) الفقيه 1: 237 ح 1041، التهذيب 3: 303 ح 928، 4: 243 ح 711، الاستبصار 1: 458
ح 1775.
(2) هذه رواية أبي بصير، وهي في: التهذيب 3: 305 ح 940، الاستبصار 1: 460 ح 1787.
ونحوها رواية الحلبي، وهي في: الفقيه 1: 236 ح 1040، التهذيب 1: 304 ح 933،
الاستبصار 1: 459 ح 1780.
(3) راجع: المبسوط 1: 125، المراسم 92، المعتبر 2: 404.
(4) التهذيب 3: 303 ح 930، الاستبصار 1: 458 ح 1777.
(5) التهذيب 3: 303 ح 931، الاستبصار 1: 458 ح 1778.
(6) التهذيب 3: 304 ح 935، الاستبصار 1: 459 ح 1782.
(7) التهذيب 3: 304 ح 936، الاستبصار 1: 459 ح 1783.
426

ان أمر الصلاة شديد) (1).
وفي مقطوعة سماعة: (إذا جاز ثلاثة أيام فليس عليه قضاء، وإذا أغمي
عليه ثلاثة أيام فعليه قضاء الصلاة) (2).
ورواية إسماعيل بن جابر، قال: سقطت من بعيري فانقلبت على أم
رأسي، فمكثت سبع عشرة ليلة مغمى علي، فسألته عن ذلك؟ فقال: (اقض
مع كل صلاة صلاة). وفيه تصريح بالتوسعة لو أوجبنا القضاء على المغمى
عليه.
وهذه الروايات حملها ابن بابويه في الفقيه والشيخ على الندب (3).
وقال ابن بابويه في المقنع: واعلم أن المغمى عليه يقضي جميع ما فاته
من الصلوات. وروي: (انه ليس عليه ان يقضي الا صلاة اليوم الذي أفاق فيه،
أو الليلة التي أفاق فيها). وروي: (انه يقضي صلاة ثلاثة أيام). وروي:
(يقضي ما أفاق في وقتها) (4).
والجعفي رحمه الله في الفاخر أورد الروايات من الجانبين، ولم يجنح
إلى شئ منها، فكأنه متوقف.
وقال ابن الجنيد: والمغمى عليه أياما من علة سماوية، غير مدخل على
نفسه ما لم يبح إدخاله عليها، إذا أفاق في آخر نهار إفاقة يستطيع معها الصلاة،
قضى صلاته ذلك اليوم، وكذلك إن أفاق آخر الليل قضى صلاة تلك الليلة. فان لم
يكن مستطيعا لذلك كانت افاقته كاغمائه، إذا لم يقدر على الصلاة بحال من
الأحوال التي ذكرناها في صلاة العليل. فان كانت إفاقته في وقت لا يصح له

(1) التهذيب 3: 305 ح 938، الاستبصار 1: 459 ح 1785، عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه
السلام.
(2) التهذيب 4: 244 ح 720، الاستبصار 1: 458 ح 1776.
(3) الفقيه 1: 237، التهذيب 3: 244.
(4) المقنع: 37.
427

الا صلاة واحدة، صلى تلك الصلاة فقط. فان كانت (1) العلة من محرم، أو
فعل محظور، قضى جميع ما ترك من صلاته في إغمائه.
فظاهره وجوب قضاء صلاة يومه أو ليلته إن وسعها زمان الا فاقة، والا
فصلاة واحدة ان وسعها، وفي روايتي حفص والعلاء دلالة ما عليه. وقد روى
عبد الله بن محمد، قال كتبت إليه: جعلت فداك، روي عن أبي عبد الله عليه
السلام في المريض يغمى عليه أياما، فقال بعضهم: يقضي صلاة يومه الذي
أفاق فيه، وقال بعضهم: يقضي صلاة ثلاثة أيام ويدع ما سوى ذلك، وقال
بعضهم: انه لا قضاء عليه، فكتب: (يقضي صلاة اليوم الذي أفاق فيه) (2).
وقال سلار رحمه الله: وقد روي: (انه إذا أفاق آخر النهار قضى صلاة
ذلك اليوم، وان أفاق آخر الليل قضى صلاة تلك الليلة) (3) وابن إدريس حكى
هذا، وانه روي: (أنه يقضي صلاة شهر) (4).
وبعض العامة: يقضي خمس صلوات فما دون (5) لأن عليا عليه السلام
أغمي عليه يوما وليلة فقضى (6) وعمار أغمي عليه أربع صلوات فقضاهن (7) وابن
عمر أغمي عليه أكثر من يوم وليلة فلم يقض (8).
قلنا: الفعل أعم من الواجب، فيحمل على الندب.
وبعضهم: يقضي الجميع (9). وبعضهم كالأقوى عندنا، لأنه

(1) في س زيادة: تلك.
(2) التهذيب 3: 305 ح 939، الاستبصار 1: 459 ح 1786.
(3) المراسم: 92.
(4) السرائر: 59.
(5) قاله أبو حنيفة، لاحظ: المجموع 3: 6، بدائع الصنائع 1: 246، المغني 1: 446.
(6) قال في مفتاح الكرامة 3: 378: ما رووه عن علي (عليه السلام) غير صحيح كما ستسمع.
(7) المصنف لعبد الرزاق 2: 479 ح 4156، سنن الدارقطني 2: 81، السنن الكبرى 1: 387.
(8) المصنف لعبد الرزاق 2: 479 ح 4152، سنن الدارقطني 1: 82، السنن الكبرى 1: 388.
(9) قاله أحمد بن حنبل، لاحظ: المغني 1: 446، المجموع 3: 7.
428

كالمجنون (1).
فروع:
الأول: لو زال عقل المكلف بشئ من قبله فصار مجنونا، أو سكر
فغطى عقله، أو أغمي عليه بفعل فعله، وجب القضاء لأنه مسبب عن فعله،
وأفتى به الأصحاب (2)، وكذا النوم المستوعب وشرب المرقد. ولو كان في النوم
على خلاف العادة، فالظاهر إلحاقه بالاغماء، وقد نبه عليه في المبسوط (3).
فإن قلت: قد قال النبي صلى الله عليه وآله: (رفع عن أمتي الخطأ
والنسيان) (4) وقال صلى الله عليه وآله: (رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي
حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق) (5) ووجوب
القضاء يتبع وجوب الأداء، فلم أوجب القضاء على الناسي والنائم؟
قلت: خرجا من العموم بخصوص قول النبي صلى الله عليه وآله: (إذا
نسي أحدكم صلاة أو نام عنها، فليصلها إذا ذكرها) (6).
الثاني: لو تناول المزيل للعقل غير عالم بذلك، أو أكل غذاء مؤذيا لا
يعلم به، أو سقي المسكر كرها أو لم يعلم كونه مسكرا، أو اضطر إلى استعمال
دواء فزال عقله، فهو في حكم الاغماء لظهور عذره. اما لو علم أن جنسه مسكر
وظن أن ذلك القدر لا يسكر، أو علم أن متناولة يغمى عليه في وقت فتناوله في
غيره مما يظن أنه لا يغمى عليه فيه، لم يعذر لتعرضه للزوال.

(1) قاله مالك والشافعي، لاحظ: المغني 1: 446.
(2) راجع: المبسوط 1: 126، المراسم: 92، السرائر: 59.
(3) المبسوط 1: 126.
(4) الفقيه 1: 36 ح 132، سنن ابن ماجة 1: 659 ح 2045، السنن الكبرى 6: 84.
(5) مسند أحمد 6: 100، صحيح البخاري 7: 59، سنن ابن ماجة 1: 658 ح 2041، سنن
أبي داود 4: 139 ح 4398، الجامع الصحيح 4: 32 ح 1423، سنن النسائي 6: 156.
(6) مسند أحمد 3: 100، سنن الدارمي 1: 280، صحيح مسلم 1: 471 ح 680، سنن ابن
ماجة 1: 228 ح 698، سنن أبي داود 1: 119 ح 435، الجامع الصحيح 1: 334 ح 177.
429

ولو وثب لحاجة فزال عقله أو أغمي عليه، فلا قضاء ولو كان عابثا،
فالقضاء ان ظن كون مثله يؤثر ذلك ولو بقول عارف.
الثالث: ولو شربت المرأة دواء لتحيض، أو تسقط الولد فتصير نفساء،
فالظاهر: عدم وجوب القضاء، لان سقوط القضاء عن الحائض والنفساء ليس من
باب الرخص والتخفيفات حتى يغلظ عليهما إذا حصلا بسبب منهما، انما هو
عزيمة، لأمرهما بالترك، فإذا امتثلا الأمر فقضية الأصل عدم القضاء.
فإن قلت: هذا منقوص بقضاء الصوم مع أمرهما بتركه.
قلت: الصوم انما وجب بأمر جديد ونص من خارج على خلاف الأصل
الرابع: المرتد الذي تقبل توبته يجب ان يقضي مدة ردته، للعمومات
خرج عنها الكافر الأصلي فيبقى ما عداه، ولأنه التزم بالاسلام جميع الفرائض
فلا يسقط عنه بالمعصية ما التزمه بالطاعة وكما في حقوق الآدميين، ولأنا نجبره
على الأداء حال ردته فيجبر على القضاء بعد توبته.
اما الذي لا يقبل رجوعه عندنا لكونه عن فطره، فان قتل فلا بحث الا في
حق وليه. وان فات السلطان وتاب، فهل تكون توبته مقبولة؟ فيه نظر:
من حكم الشرع بعدم قبولها، واجرائه مجرى الميت فيما يتعلق بنكاحه
وإرثه.
ومن عموم: (ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا) (1) فأثبت لهم إيمانا بعد
الكفر، وهو شامل لذي الفطرة وغيرها، ولأن كل دليل دل على قبول التوبة من
العصاة آت فيه، ولامتناع تكليف الله تعالى العبد بما لا يقدر عليه، ولأنه
مخاطب بالايمان كغيره من الناس فيمتنع عدم قبوله، والا لكان تكليفا بما لا
يطاق. ووجوب قتله لوجهين:
أحدهما: حسم مادة الارتداد، وصيانة الاسلام واحترامه، فلا يدل ذلك

(1) سورة النساء: 137.
430

على عدم قبول توبته عند الله.
والثاني: انا لا نعلم مواطأة قلبه وللسانه، والله تعالى علام الغيوب.
فحينئذ يتوجه عليه القضاء ويصح منه، كالمرتد عن الملة.
والشيخ في الخلاف قيد المسألة بمن تقبل منه التوبة (1) فظاهره عدم
تصورها في غيره.
الخامس: لو طرأ الجنون أو الاغماء على الردة، فالأقرب عدم دخول
أيامهما في القضاء، للعموم الدال على عدم قضاء المجنون والمغمى عليه،
وهو شامل للمرتد وغيره.
قالوا: من جن في ردته فهو مرتد في جنونه حكما، وكل مرتد يقضي ولأن
القضاء تغليظ عليه (2).
قلنا: نمنع مساواة المرتد حكما للمرتد حقيقة فإنه أول المسألة، ونمنع
شرع هذا التغليظ.
قالوا: ترك بسبب الردة فيسقط اعتبار الجنون، عملا بأسبق السببين (3).
قلنا: السبب الثاني أزال تكليفه، فمنع السبب الأول من التأثير.
وأولى في السقوط إذا طرأ الحيض على الردة، لأنها مأمورة بالترك
بخلاف المجنون، فإنه كما لا يخاطب بالفعل لا يخاطب بالترك.
ولو طرأ الجنون على السكر فكطريانه على الردة بل أقوى في السقوط،
إذ لا يسمى حال جنونه سكران حقيقة ولا حكما. ولو اتصل السكر بالردة فلا
ريب في القضاء أيامهما، ويستند قضاء كل فريضة إلى سبب فواتها ولا مدخل
للآخر فيه.
ولو سكر بغير قصده، أو أغمي عليه بغير فعله، فالأقرب سقوط قضاء

(1) الخلاف 1: 442 المسألة 190.
(2) فتح العزيز 3: 99.
(3) فتح العزيز 3: 99.
431

أيامهما كما في غير المرتد، لاستناد الاسقاط إلى سبب بغير فعله.
المسألة الخامسة: لو استبصر مخالف الحق فلا إعادة لما صلاه صحيحا
عنده وان كان فاسدا عندنا، ولا لما هو صحيح عندنا وان كان فاسدا عنده،
ويحتمل الإعادة هنا، لعدم اعتقاده صحته.
ودل على الحكم الأول الخبر المشهور الذي رواه محمد بن مسلم وبريد
وزرارة والفضيل بن يسار، عن الباقر والصادق عليهما السلام، قالا في الرجل
يكون في بعض هذه الأهواء - كالحرورية، والمرجئة، والعثمانية، والقدرية -
ثم يتوب ويعرف هذا الامر ويحسن رأيه، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة
أو حج، أو ليس عليه إعادة شئ من ذلك؟ قال: (ليس عليه إعادة شئ من
ذلك غير الزكاة فإنه لابد ان يؤديها، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها، وانما
موضعها أهل الولاية) (1).
وروى علي بن إسماعيل الميثمي، عن محمد بن حكيم، قال: كنت
عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه كوفيان كانا زيديين، فقالا: جعلنا
لك الفداء، كنا نقول بقول وان الله من علينا بولايتك، فهل تقبل شئ من
أعمالنا؟ فقال: (اما الصلاة والصوم والحج والصدقة، فان الله يتبعكما ذلك
فيلحق بكما. واما الزكاة فلا، لأنكما أبعدتما حق امرء مسلم وأعطيتماه غيره).
ولو ترك صلاة أو صلوات حال انحرافه، وجب قضاؤها بعد استقامته،
للعمومات. وفي كتاب الرحمة في الحديث مسند برجال الأصحاب إلى عمار
الساباطي، قال: قال سليمان بن خالد لأبي عبد الله عليه السلام وانا جالس:
اني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين، أقضي ما فاتني قبل
معرفتي، قال: (لا تفعل، فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت
من الصلاة) (2).

(1) الكافي 3: 545 ح 1، علل الشرائع: 373، التهذيب 4: 54 ح 143.
(2) ورواه أيضا الكشي في اختيار معرفة الرجال: 361 رقم 667.
432

وهذا الحديث مع ندوره وضعف سنده لا ينهض مخصصا للعموم، مع
قبوله التأويل: بان يكون سليمان يقضي صلاته التي صلاها وسماها فائتة
بحسب معتقده الآن، لأنه اعتقد انه بحكم من لم يصل لمخالفتها في بعض
الأمور، ويكون قول الإمام: (من ترك ما تركت) من شرائطها وأفعالها، وحينئذ لا
دلالة فيه على عدم قضاء الفائتة حقيقة في الحال الأول.
وقد تشكك بعض الأصحاب في سقوط القضاء عمن صلى منهم أو
صام، لاختلال الشرائط والأركان، فكيف يجزئ عن العبادة الصحيحة؟ وهو
ضعيف، لأنا كالمتفقين على عدم اعادتهم الحج الذي لا إخلال فيه بركن،
مع أنه لا يكاد ينفك من مخالفة في الصورة، ولأن الشبهة متمكنة فيعذر، وانما
لم يعذر في الزكاة لأنها حق آدمي بني علي التضيق.
لا يقال: انما لم يوجبا عليهما السلام الإعادة لهدم الايمان ما قبلة، كما
أشار إليه في خبر عمار.
فنقول: هذا خيال يبطل بايجاب إعادة الزكاة، فلو كان الايمان هادما لم
يفترق الحكم، ولأنه لا يجب إعادة الحج، ولو كان هادما لوجب عند
الاستطاعة.
السادسة: يجب ترتيب الفوائت في القضاء بحسب الفوات، لما سبق،
ولأنه يتوقف عليه يقين البراءة. هذا مع علم السابقة.
ومال بعض الأصحاب ممن صنف في المضايقة والمواسعة إلى أنه
لا يجب، وحمل الاخبار وكلام الأصحاب على الاستحباب وهو حمل بعيد،
مردود بما اشتهر بين الجماعة.
فان قيل: هي عبادات مستقلة، والترتيب فيها من توابع الوقت وضروراته
فلا يعتبر في القضاء كالصيام.
قلنا: قياس في معارضة النص، ويعارض: بأنها صلوات وجبت مرتبة،
فلتقض مرتبة كالأداء.
433

ولو ذكر في الأثناء سابقة عدل ما أمكن.
ولو أوجبنا الترتيب بين الفوائت
والحاضرة، فصلى الحاضرة ناسيا أو ظانا براءته، ثم ذكر في أثنائها، عدل إلى
الفائتة. وكذا يعدل من أداء إلى أداء.
ونقل الشيخ في نقل النية من الحاضرة إلى الفائتة إجماع الأصحاب (1).
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام: (إذا ذكرت انك لم تصل الأولى وأنت في
صلاة العصر (2)، فصل الركعتين الباقيتين. وقم فصل العصر) (3).
ولو لم يمكن العدول، أتم ما هو فيه واستأنف السابقة، ولم يجب
الإعادة: لرفع النسيان (4).
اما الجهل بالحكم فليس عذرا، لأنه ضم جهلا إلى
تقصير.
السابعة: لو جهل ترتيب الفوائت، فالأقرب سقوطه، لامتناع التكليف
بالمحال. والتزام التكرار يحصله، لكن بحرج منفي وزيادة تكليف لم تثبت.
وكذا لو فاتته صلوات تمام وقصر، وجهل السابق، تخير. وقيل: يقضي
الرباعية تماما وقصرا (5) وهو كالأول في الضعف.
ولو ظن سبق بعض، فالأقرب العمل بظنه، لأنه راجح فلا يعمل
بالمرجوح.
ولو شرع في نافلة فذكر ان عليه فريضة أبطلها، لاختلاف الوجه فلا
يعدل. ولو كانت مما يجوز تقديمه على القضاء كما مر أتمها إذ قلنا بجواز
فعلها. ويجوز العدول من النفل إلى النفل. ومسائل العدول ست عشرة، لان
كلا من الصلاتين اما فرض أو نفل، أداء أو قضاء، ومضروب الأربعة في مثلها

(1) الخلاف 1: 383 المسألة 139.
(2) في المصدرين زيادة: (وقد صليت منها ركعتين).
(3) الكافي 3: 291 ح 1، التهذيب 3: 158 ح 340.
(4) الفقيه 1: 36 ح 123، سنن ابن ماجة 1: 659 ح 2045، السنن الكبرى 6: 84.
(5) المعتبر 2: 410.
434

ستة عشر، تبطل منها أربعة النفل إلى الفرض، ويصح الباقي.
الثامنة: الاعتبار في التمام والقصر بحال فوات الصلاة، فان فاتت في
موضع وجوب قصرها قضاها قصرا وان كان حاضرا، وان كانت في موضع وجوب
إتمامها قضاها تماما وان كان مسافرا، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (فليقضها
كما فاتته) (1).
وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام، قلت: رجل فاتته صلاة في
السفر فذكرها في الحضر، قال: (يقضيها كما فاتته، ان كانت صلاة سفر أداها
في الحضر مثلها) (2).
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام: (إذا نسي الرجل صلاة صلاها بغير
طهور وهو مقيم، فليقض أربعا مسافرا كان أو مقيما. وان نسي ركعتين صلى
ركعتين إذا ذكر، مسافرا كان أو مقيما) (3).
ولا خلاف بين المسلمين في وجوب إتمام ما فات في الحضر وان فعل
في السفر، الا ما نقل عن المزني من القصر اعتبارا بحالة الفعل، كالمريض إذا
قضى فإنه يعتبر حاله، والمتيمم كذلك (4).
ورد: بسبق الاجماع، والمريض والمتيمم عاجزان عن القيام واستعمال
الماء، ولا تكليف مع العجز. ولهذا لو شرع في الصلاة قائما ثم مرض قعد.
ولو شرع حاضرا ثم سارت به السفينة لم يقصر عنده وكذا عندنا، إذا كان قد
مضى زمان يسعها تماما.
واختلفوا في عكسه، لتخيل ان القصر رخصة في السفر وقد زال محلها،

(1) المهذب البارع 1: 460، عوالي اللئالي 3: 107 ح 105.
(2) الكافي 3: 435 ح 7، التهذيب 3: 162 ح 350.
(3) الفقيه 1: 282 ح 1283، التهذيب 3: 225 ح 568.
(4) حيلة العلماء 2: 202، المجموع 4: 367.
435

ولقول النبي صلى الله عليه وآله: (إذا ذكرها) (1) فوجوبها عند الذكر وهو حاضر.
وجوابه: منع الرخصة بل هو عزيمة كما يأتي إن شاء الله. ووجوبها عند
التذكر على حد الفوات جمعا بين الخبرين، إذ ليست واجبة ابتداء بل بسبب
الفوات.
التاسعة: تقضى الجهرية والاخفاتية كما كانت تؤدي، ليلا كان أو نهارا
لتحقق المماثلة، ولنقل الشيخ فيه إجماعنا (2). وكذا يؤذن لها ويقام كما يأتي
إن شاء الله ونقل أيضا فيه الاجماع (3). نعم، لو كانت مما لا أذان له كعصر
الجمعة، وعرفة، اقتصر على الإقامة.
اما المساواة في كيفية الخوف فلا، بل يقضي الآمن مستوفيا للأفعال وان
فاتته حال الخوف.
واما الكمية، فان استوعب الخوف الوقت فقصر، وان خلا منه قدر
الطهارة وفعلها تامة فتمام، وان أمن آخره فالأقرب الاكتفاء بركعة في التمام.
فلو فاتت فالأقرب قضاؤها تماما، إذ الأصل في الصلاة التمام وقد أدرك مصحح
الصلاة، أعني: الركعة.
العاشرة: قال بعض المتأخرين بسقوط الترتيب بين اليومية والفوائت
الاخر، وكذا بين تلك الفوائت (4) اقتصارا بالوجوب على محل الوفاق. وبعض
مشايخ الوزير السعيد مؤيد الدين ابن العلقمي طاب ثراهما أوجب الترتيب
في الموضعين، لعموم: (فليقضها كما فاتته) (5) وجعله الفاضل في التذكرة
احتمالا (6) ولا بأس به.

(1) تقدم في ص 429 الهامش 6.
(2) الخلاف 1: 387 المسألة 140.
(3) الخلاف 1: 282 المسألة 26.
(4) قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 82.
(5) المهذب البارع 1: 460، عوالي اللئالي 3: 107 ح 105.
(6) تذكرة الفقهاء 1: 82.
436

ولو فاتته صلوات الاحتياط، وقلنا بعدم تأثيرها في المحتاط لها،
فالأقرب: وجوب ترتيب الاحتياط كالأصل، لأنه معرض للجزئية. ووجه عدم
الوجوب: قضية الأصل، وانها صلوات مستقلة، ويضعف بشمول النص لها.
وعليه تنسحب الأجزاء المنسية في صلاة أو أكثر.
الحادية عشرة: لو علم في أثناء الفائتة ضيق الوقت عن الحاضرة عدل إلى
الحاضرة لأنها صلاة صحيحة لولا هذا المانع، فهي كالعدول من الحاضرة
إليها. ولو لم يمكن العدول بان يتجاوز محله قطع الفائتة، إذ الوقت تعين
لغيرها، فلو أتمها بطلت عمدا كان أو جهلا.
اما الناسي فمعذور، لارتفاع القلم عنه، ولأن وقت الفائتة الذكر
ويمكن البطلان كما لو صلى فيتم الفريضة في مثل هذا الوقت. هذا إذا كان
اتمام الفائتة هنا يستلزم خروج وقت الحاضرة بالكلية، أو بقاء (1) دون ركعة، اما
لو كان الباقي قدر ركعة فما زاد مما لا يكمل به صلاة ففيه وجهان، من حيث إنه
ليس له ابتداء الفائتة هنا فكذا الاستدامة، ومن عموم: (الصلاة على
ما افتتحت عليه) (2) والنهي عن ابطال العمل.
ولو بقي قدر الصلاة بعد اتمامها لكن بالحمد وحدها، ففيه أيضا
الوجهان.
الثانية عشرة: لو فاته ما لم يحصه، قضى حتى يغلب على الظن الوفاء،
تحصيلا للبراءة. فعلى هذا، لو شك بين عشر صلوات وعشرين قضى
العشرين، إذ لا تحصل البراءة المقطوعة الا به مع امكانها. وللفاضل وجه
بالبناء على الأقل، لأنه المتقين، ولأن الظاهر أن المسلم لا يترك الصلاة.
وكذا الحكم لو علم أنه فاتته صلاة معينة أو صلوات معينة ولم يعلم

(1) في ط زيادة: ما.
(2) التهذيب 2: 197 ح 776.
437

كميتها، فإنه يقضي حتى يتحقق الوفاء، ولا يبني على الأقل الا على ما قاله
رحمه الله تعالى.
الثالثة عشرة: لو لم يعلم تعيين الفائتة، فقد مضى في الوضوء حكمها.
ولو لم يعلم العدد أيضا، كرر المردد حتى يغلب الوفاء.
الرابعة عشرة: يستحب قضاء النوافل الموقتة، باجماع علمائنا، وقد روي
في ذلك أخبار كثيرة، منها:
خبر عبد الله بن سنان وإبراهيم بن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه
السلام، في رجل فاته من النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته كيف يصنع؟
قال: (يصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرته، فيكون قد قضى بقدر ما
عليه). قلت: فإنه ترك ولا يقدر على القضاء من شغله، قال: (إن كان شغله
في طلب معيشة لا بد منها، أو حاجة لأخ مؤمن فلا شئ عليه، وان كان شغله
للدنيا وتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، والا لقي الله مستخفا متهاونا
مضيعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله.
قلت: فإنه لا يقدر على القضاء فهل يصلح أن يتصدق؟ فكست مليا ثم
قال (نعم، ليتصدق بصدقة). قلت: (وما يتصدق؟ قال: (بقدر قوته، وأدنى
ذلك مد لكل مسكين مكان كل صلاة). قلت: وكم الصلاة التي لها مد؟ فقال:
(لكل ركعتين من صلاة الليل، وكل ركعتين من صلاة النهار). فقلت: لا يقدر،
فقال: (مد لكل أربع ركعات). فقلت: لا يقدر، فقال: (مد لصلاة الليل، ومد
لصلاة النهار، والصلاة أفضل، والصلاة أفضل، والصلاة أفضل) (1).
وعن مرازم، قال: سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليه السلام: ان
علي نوافل كثيرة، فقال: (اقضها). فقلت: لا أحصيها. قال: (توخ) فقال

(1) تقدمت رواية ابن سنان في ص 415 الهامش 6.
واما رواية إبراهيم فقد أوردها المحقق في المعتبر 2: 413.
438

مرازم: اني مرضت أربعة أشهر لم أصل نافلة، فقال: (ليس عليك قضاء ان
المريض ليس كالصحيح، كل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر فيه) (1).
وبهذين الخبرين احتج الشيخ على أن من عليه فرائض لا يعلم كميتها،
قال: يقضي حتى يغلب الوفاء (2) من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
وعن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: (ان الرب ليعجب ملائكته
من العبد من عباده يراه يقضي النافلة، فيقول: عبدي يقضي ما لم أفترض
عليه) (3).
وروى عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام فيمن اجتمع عليه
صلاة من مرض، قال: (لا يقضي) (4). وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام في مريض يترك النافلة، فقال: (إن قضاها فهو خير له، وان لم
يفعل فلا شئ عليه) (5). فالجمع بينها وبين ما سبق بالحمل على عدم تأكد
القضاء في حق المريض، كما قاله الإصحاب (6).
واما مرسلة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل
تجتمع عليه الصلوات، قال: (ألقها واستأنف) (7) فلا تنافي الاستحباب، لان
المستحب جائز الترك.
فان قلت: أقل مراتب الأمر الاستحباب، فيستحب الالقاء.
قلت: قد جاء للإباحة، وهو محمول على من يشق عليه القضاء.
الخامسة عشرة: يستحب تعجيل فائتة النهار بالليل وبالعكس، قاله

(1) الكافي 3: 451 ح 4، علل الشرائع: 362، التهذيب 2: 12 ح 26، 199 ح 779.
(2) التهذيب 2: 198.
(3) الكافي 3: 488 ح 8، التهذيب 2: 164 ح 646.
(4) الكافي 3: 412 ح 6، التهذيب 3: 306 ح 946.
(5) الكافي 3: 412 ح 5، التهذيب 3: 306 ح 947.
(6) راجع: المعتبر 2: 413، شرائع الاسلام 1: 121، تذكرة الفقهاء 1: 83.
(7) التهذيب 2: 11 ح 21، 276 ح 1095.
439

الأكثر (1) لعموم: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) (2) ولقوله تعالى: (وهو الذي
جعل الليل والنهار خلفة) (3). فعنهم عليهم السلام: (هو لمن جعل على نفسه
شيئا من الخير من صلاة أو ذكر، فيفوته ذلك من الليل فيقضيه بالنهار، أو يشتغل
بالنهار فيقضيه بالليل) (4). وعن عنبسة العابد في تفسيرها: (قضاء صلاة الليل
بالنهار، وقضاء صلاة النهار بالليل) (5) وكان علي بن الحسين عليهما السلام
يفعل ذلك (6).
وروى ابن أبي قرة رحمة الله باسناده إلى إسحاق بن حماد، عن
إسحاق بن عمار، قال: لقيت أبا عبد الله عليه السلام بالقادسية عند قدومه على
أبي العباس، فأقبل حتى انتهينا إلى طيزناباذ (7) فإذا نحن برجل على ساقية يصلي
وذلك ارتفاع النهار، فوقف عليه أبو عبد الله عليه السلام وقال: (يا عبد الله اي
شئ تصلي؟) فقال: صلاة الليل فاتتني أقضيها بالنهار. فقال يا معيب حط
رحلك حتى نتغدى مع الذي يقضي صلاة الليل. فقلت: جعلت فداك تروي
فيه شيئا فقال: (حدثني أبي، عن آبائه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: ان الله يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار، يقول: يا ملائكتي انظروا
إلى عبدي كيف يقضي ما لم أفترض عليه، أشهدكم اني قد غفرت له).
وعن ابن أبي عقيل عنهم عليهم السلام في تفسير قوله تعالى: (والذين هم
على صلاتهم دائمون) (8)، اي: يدومون على أداء السنة، فان فاتتهم بالليل

(1) راجع: المبسوط 1: 128، الوسيلة: 84، شرائع الاسلام 1: 64، مختلف الشيعة: 149.
(2) سورة آل عمران: 133
(3) سورة الفرقان: 62.
(4) تفسير القمي 2: 116، الفقيه 1: 315 ح 1428.
(5) التهذيب 2: 275 ح 1093.
(6) التهذيب 2: 164 ح 644.
(7) موضع بين الكوفة والقادسية على ميل منها. معجم البلدان 4: 55
(8) سورة المعارج: 23.
440

قضوها بالنهار، وان فاتتهم بالنهار قضوها بالليل).
وعن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام: (أفضل قضاء
النوافل قضاء صلاة الليل بالليل، وصلاة النهار بالنهار) (1). وأمر الصادق عليه
السلام معاوية بن عمار بقضاء الليلية في الليل، والنهارية في النهار (2). وعليه
ابن الجنيد (3) والمفيد في الأركان.
وروى أبو بصير عنه عليه السلام: (إن قويت فاقض صلاة النهار
بالليل) (4).
والجمع بالأفضل والفضيلة، إذ عدم انتظار مثل الوقت فيه مسارعة إلى
الخير.
واما خبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل ينام عن الفجر
حتى تطلع الشمس وهو في سفر، كيف يصنع أيجوز له ان يقضي بالنهار؟ قال:
(لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار، ولا يجوز له ولا يثبت له، ولكن يؤخرها
فيقضيها بالليل) (5) فنسبه الشيخ إلى الشذوذ، لمعارضة الأخبار الكثيرة له (6)،
كخبر حسان بن مهران عنه عليه السلام في قضاء النوافل: (ما بين طلوع
الشمس إلى غروبها) (7).
السادسة عشرة: اختلفت الروايات في قضاء الوتر، فالمشهور: انه يقضى
وترا دائما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (8) وزرارة عن

(1) الكافي 3: 452 ح 5، التهذيب 2: 163 ح 643.
(2) الكافي 3: 451 ح 3، التهذيب 2: 162 ح 637.
(3) مختلف الشيعة: 149.
(4) التهذيب 2: 163 ح 641.
(5) التهذيب 2: 272 ح 1081، الاستبصار 1: 289 ح 1057.
(6) المصدر السابق.
(7) التهذيب 2: 272 ح 1084، الاستبصار 1: 290 ح 1064.
(8) التهذيب 2: 164 ح 648، الاستبصار 1: 292 ح 1073.
441

الباقر عليه السلام (1) وعبد الله بن المغيرة عن الكاظم عليه السلام (2).
وفي رواية الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام: (يقضيه من النهار ما لم
تزل الشمس وترا، فإذا زالت فمثنى مثنى) (3).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: (الوتر ثلاث ركعات إلى
زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فأربع ركعات) (4).
وعن كردويه الهمداني عن أبي الحسن عليه السلام: (ما كان بعد الزوال
فهو شفع ركعتين ركعتين) (5).
وحمل الشيخ الأخبار الأخيرة تارة على من يصليه جالسا، وتارة بأنه على
طريق العقوبة (6)، لما تضمنته مقطوعة زرارة، قال: (متى قضيته نهارا بعد ذلك
اليوم قضيته شفعا). قلت: ولم؟ قال: (عقوبة لتضييعه) (7).
السابعة عشرة: روى عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل تكون
عليه صلاة ليال كثيرة، هل يجوز له أن يقضيها بأوتارها يتبع بعضها بعضا؟ قال:
(نعم، كذلك له في أول الليل، وأما إذا انتصف إلى أن يطلع الفجر فليس
للرجل ولا للمرأة ان يوتر الا وتر صلاة تلك الليلة، فان أحب أن يقضي صلى
ثماني ركعات وأخر الوتر، ثم يقضي ما بدا له بلا وتر، ثم يوتر الوتر الذي لتلك
الليلة خاصة) (8). فقد تضمن هذا الخبر أمرين:
أحدهما: عدم اجتماع وترين فصاعدا بعد نصف الليل:

(1) التهذيب 2: 165 ح 649، الاستبصار 1: 292 ح 1074.
(2) التهذيب 2: 165 ح 650، الاستبصار 1: 293 ح 1075.
(3) التهذيب 2: 165 ح 652، الاستبصار 1: 293 ح 1077.
(4) التهذيب 2: 165 ح 653، الاستبصار 1: 293 ح 1078.
(5) التهذيب 2: 165 ح 654، الاستبصار 1: 293 ح 1079.
(6) التهذيب 2: 165، 166، الاستبصار 1: 293، 294.
(7) التهذيب 2: 166 ح 658، الاستبصار 1: 294 ح 1083.
(8) التهذيب 2: 273 ح 1086.
442

والثاني: ان الأوتار تؤخر إذا قضى نهارا، الا وتر ليلته.
وقد عارضها أشهر منها وأصح سندا، كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه
السلام: (إذا اجتمع عليك وتران وثلاثة أو أكثر من ذلك، فاقض ذلك كما
فاتك، تفصل بين كل وترين بصلاة، لا تقدمن شيئا قبل أوله، الأول فالأول.
تبدأ إذا أنت قضيت بصلاة ليلتك ثم الوتر).
وقال عليه السلام: (لا وتران في
ليلة الا وأحدهما قضاء). وقال: (إن أوترت من أول الليل وقمت في آخر الليل
فوترك الأول قضاء، وما صليت من صلاة في ليلتك كلها فلتكن قضاء إلى آخر
صلاتك فإنها لليلتك، ولتكن آخر صلاتك وتر ليلتك) (1).
وعن عيسى بن عبد الله القمي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (كان
أبو جعفر عليه السلام يقضي عشرين وترا في ليلة) (2).
وعن إسماعيل الجعفي عن الباقر عليه السلام، أيكون وتران في ليلة؟
قال: (لا). فقلت: ولم تأمرني أوتر وترين في ليلة؟ فقال عليه السلام:
(أحدهما قضاء) (3)، ونحوه عن (4) زرارة عنه عليه السلام (5).
قلت: لما كان الوتر يجعل الصلوات وترا، تخيل ان اجتماع وترين يخل
بذلك، فالعمل على المشهور.
وقد روى الصدوق والشيخ عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام:
(لا تقض وتر ليلتك يعني في العيدين حتى تصلي الزوال في ذلك اليوم) (6)
وهذا يشبه ما تقدم غير أنه مختص بالعيدين.

(1) الكافي 3: 453 ح 11، التهذيب 2: 274 ح 1087.
(2) الكافي 3: 453 ح 12، التهذيب 2: 274 ح 1089.
(3) الكافي 3: 452 ح 5، التهذيب 2: 163 ح 638.
(4) في ط: حسنة.
(5) التهذيب 2: 164 ح 645.
(6) الفقيه 1: 322 ح 1474، عن حريز عن الصادق عليه السلام، وفي التهذيب 2: 274
ح 1088، باسناده عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.
443

خاتمة:
فيها بحثان:
أحدهما: انه قد اشتهر بين متأخري الأصحاب قولا وفعلا الاحتياط
بقضاء صلاة يتخيل اشتمالها على خلل، بل جميع العبادات الموهوم فيها
ذلك، وربما تداركوا ما لا مدخل للوهم في صحته وبطلانه في الحياة
وبالوصية بعد الوفاة، ولم نظفر بنص في ذلك بالخصوص، وللبحث فيه مجال
إذ يمكن أن يقال بشرعيته لوجوه، منها: قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) (1)
(واتقوا الله حق تقاته) (2) (وجاهدوا في الله حق جهاده) (3) (والذين جاهدوا
فينا لنهدينهم سبلنا) (4) (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) (5) وقول النبي
صلى الله عليه وآله: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) (6) و (انما الأعمال
بالنيات) (7) و (من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه) (8) وقوله صلى الله عليه وآله
للمتيمم لما أعاد صلاته لوجوده الماء في الوقت: (لك الأجر مرتين) وللذي لم

(1) سورة التغابن: 16.
(2) سورة آل عمران: 102.
(3) سورة الحج: 78.
(4) سورة العنكبوت: 69
(5) سورة المؤمنون: 60.
(6) مسند أحمد: 3: 153، الجامع الصحيح 4: 668 ح 2518، سنن النسائي 8: 327،
الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2: 52 ح 720، المستدرك على الصحيحين 2: 13،
السنن الكبرى 5: 335.
(7) مسند أحمد 1: 25، صحيح البخاري 1: 2، صحيح مسلم 3: 1515 ح 1907، سنن ابن
ماجة 2: 1413 ح 4227، سنن أبي داود 2: 262 ح 2201، الجامع الصحيح 4: 179
ح 1647.
(8) عوالي اللئالي 1: 394 ح 41.
444

يعد: (أصبت السنة) (1).
وقول الصادق عليه السلام في الخبر السالف: (انظروا إلى عبدي يقضي
ما لم أفترض عليه) (2).
وقول العبد الصالح في مكاتبة عبد الله بن وضاح: (أرى لك أن تنتظر
حتى تذهب الحمرة وتأخذ الحائطة لدينك) (3).
وربما تخيل المنع لوجوه، منها: قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر) (4)
(يريد الله أن يخفف عنكم) (5) (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (6)
وفتح باب الاحتياط يؤدي إليه.
وقول النبي صلى الله عليه وآله: (بعثت بالحنفية السمحة السهلة) (7).
وروى حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام: (ما أعاد الصلاة
فقيه، يحتال لها ويدبرها حتى لا يعيدها) (8).
الأقرب الأول، لعموم قوله تعالى: (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا
صلى) (9) وقول النبي صلى الله عليه وآله: (الصلاة خير موضوع، فمن شاء
استقل، ومن شاء استكثر) (10). ولأن الاحتياط المشروع في الصلاة من هذا

(1) المصنف لعبد الرزاق 1: 230 ح 890، سنن الدارمي 1: 190، سنن أبي داود 1: 93
ح 338، سنن النسائي 1: 213، سنن الدارقطني 1: 189، المستدرك على الصحيحين 1:
178.
(2) تقدم في ص 440.
(3) التهذيب 2: 259 ح 1031، الاستبصار 1: 264 ح 952.
(4) سورة البقرة: 185.
(5) سورة النساء: 28.
(6) سورة الحج: 78.
(7) تاريخ بغداد 7: 209.
(8) التهذيب 2: 351 ح 1455.
(9) سورة الفلق: 9.
(10) مسند أحمد 5: 178، الاحسان بترتيب صحيح ابن حيان 1: 287 ح 362، المستدرك على
الصحيحين 2: 597.
445

القبيل فان غايته التجويز، لهذا قال أبو عبد الله عليه السلام: (وان كان صلى
أربعا كانت هاتان نافلة) (1).
ولأن إجماع شيعة عصرنا وما راهقه عليه فإنهم لا يزالون يوصون بقضاء
العبادات مع فعلهم إياها، ويعيدون كثيرا منها أداء وقضاء، والنهي عن إعادة
الصلاة هو في الشك الذي يمكن فيه البناء.
البحث الثاني: في قضاء الصلوات عن الأموات.
قد قدمنا شرعية ذلك بغير معارض له، ولنذكر هنا مسائل.
الأولى: في المقضي. وظاهر الشيخين، وابن أبي عقيل، وابن البراج
وابن حمزة، والفاضل في أكثر كتبه، انه جميع ما فات الميت (2) لما سلف من
الأخبار.
وقال ابن الجنيد رحمه الله -: والعليل إذا وجبت عليه صلاة فأخرها عن
وقتها إلى أن مات قضاها عنه وليه، كما يقضي عنه حجة الاسلام والصيام
ببدنه، وان يجعل بدل ذلك مدا لكل ركعتين أجزأه، فان لم يقدر فلكل أربع،
فان لم يقدر فمد لصلاة النهار ومد لصلاة الليل، والصلاة أفضل (3) وكذا
المرتضى أطاب الله ثراه ورضي عنه وأرضاه (4).
وقال ابن زهرة قدس الله روحه -: ومن مات وعليه صلاة وجب على وليه
قضاؤها، وان تصدق عن كل ركعتين بمد أجزأه، فان لم يستطع فعن كل أربع
بمد، فان لم يجد فمد لصلاة النهار ومد لصلاة الليل، وذلك بدليل الاجماع

(1) الكافي 3: 353 ح 4.
(2) المقنعة 56، 103، المبسوط 1: 127، النهاية: 157، المهذب 1: 196، الوسيلة:
150، تذكرة الفقهاء 1: 276، مختلف الشيعة: 241.
(3) مختلف الشيعة: 148.
(4) جمل العلم والعمل 3: 39.
446

وطريقة الاحتياط.
وأورد على نفسه قوله تعالى: (وان ليس للانسان الا ما سعى)، وما
روي من قول النبي صلى الله عليه وآله: (إذا مات المؤمن انقطع عمله الا من
ثلاث).
وأجاب: بان الثواب للفاعل لا للميت، لان الله تعالى تعبد الولي بذلك
وسمي قضاء عنه لحصوله عند تفريطه.
ومعظم كلامه ككلام ابن الجنيد، والايراد وجوابه من كلام المرتضى في
الانتصار (1).
وقد أجبنا عنه فيما مر.
وقال ابن إدريس وتبعه سبطه نجيب الدين يحيى بن سعيد -: والعليل
إذا وجبت عليه فأخرها عن أوقاتها حتى مات قضاها عنه ولده الأكبر من
الذكران، ويقضي عنه ما فاته من الصيام الذي فرط فيه، ولا يقضي عنه الا
الصلاة الفائتة في حال مرض موته فحسب، دون ما فاته من الصلوات في غير حال
مرض الموت (2).
وقال الشيخ نجم الدين بن سعيد رحمه الله في كتابيه كقول
الشيخين (3).
وفي البغدادية له المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري
رحمه الله -: الذي ظهر ان الولد يلزمه قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة
لعذر كالمرض والسفر والحيض لا ما تركه الميت عمدا مع قدرته عليه.

(1) الغنية: 501.
والآية الكريمة في سورة النجم: 39.
وقول النبي صلى الله عليه وآله في: صحيح مسلم 3: 1255 ح 1631، الجامع الصحيح 3: 660
ح 1376، السنن الكبرى 6: 278.
(2) السرائر: 60، الجامع للشرائع: 89.
(3) المعتبر 2: 701، شرائع الاسلام 1: 203.
447

وقد كان شيخنا عميد الدين قدس الله لطيفه ينصر هذا القول، ولا بأس
به، فان الروايات تحمل على الغالب من الترك، وهو انما يكون على هذا الوجه، اما
تعتمد ترك الصلاة فإنه نادر. ونعم، قد يتفق فعلها لا على الوجه المبرئ للذمة،
والظاهر أنه ملحق بالتعمد للتفريط.
ورواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته
يقول: (الصلاة التي دخل وقتها قبل ان يموت الميت يقضي عنه أولى أهله به)
وردت بطريقين، وليس فيها نفي لما عداها، الا ان يقال: قضية الأصل تقتضي
عدم القضاء الا ما وقع الاتفاق عليه، أو أن المعتمد مؤاخذ بذنبه فلا يناسب
مؤاخذة الولي به، لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (1).
واما الصدقة عن الصلاة فلم نرها في غير النافلة، كما سبق. وتخصيص
ابن إدريس خال عن المأخذ.
الثانية: في القاضي. وصرح الأكثر بأنه الولد الأكبر (2) وكأنهم جعلوه
بإزاء حبوته لأنهم قرنوا بينهما وبينه، والأخبار خالية عن التخصيص، كما أطلقه
ابن الجنيد وابن زهرة (3) ولم نجد في أخبار الحبوة ذكر الصلاة. نعم، ذكرها
المصنفون (4) ولا بأس به اقتصارا على المتيقن، وان كان القول بعموم كل ولي
ذكر أولى، حسبما تضمنته الروايات.
الثالثة: في المقتضي عنه. وظاهرهم انه الرجل، لذكرهم إياه في معرض
الحبوة، وفي بعض الروايات لفظ الرجل، وفي بعضها الميت. وكلام المحقق
يؤذن بالقضاء عن المرأة (5) ولا بأس به أخذا الروايات، ولفظ الرجل

(1) سورة الأنعام: 164.
(2) راجع: المبسوط 1: 286، الوسيلة: 150، المعتبر 2: 701، مختلف الشيعة: 242.
(3) راجع ص 446 الهامش 3، و 447 الهامش 1.
(4) راجع: المقنعة: 103، النهاية: 633، الوسيلة: 387.
(5) لاحظ: المعتبر 2: 703.
448

للتمثيل لا للتخصيص.
والأقرب دخول العبد، لهذا الظاهر، مع إمكان عدمه إذ وليه وارثه والعبد
لا يورث، وإلزام المولى بالقضاء أبعد.
فروع سبعة:
الأول: الأقرب اشتراط كمال الولي حالة الوفاة، لرفع القلم عن الصبي
والمجنون. ويمكن إلحاق الأمر به عند البلوغ، بناء على أنه يحبى وانها تلازم
القضاء.
اما السفيه وفاسد الرأي فعند الشيخ لا يحبى (1) فيمكن انتفاء القضاء
عنه. ووجوبه أقرب أخذا بالعموم. والشيخ نجم الدين لم يثبت عنده منع السفيه
والفاسد من الحبوة (2) فهو أولى بالحكم بوجوب القضاء عليهما.
الثاني: لا يشترط خلو ذمته من صلاة واجبة، لتغاير السبب فيلزمان معا
والأقرب الترتيب بينها، عملا بظاهر الأخبار وفحاويها. نعم، لو فاتته صلاة
بعد التحمل أمكن القول بوجوب تقدمها، لان زمان قضائها مستثنى كزمان
أدائها. وأمكن تقديم المتحمل، لسبق سببه.
الثالث: الأقرب انه ليس له الاستئجار، لمخاطبته بها والصلاة لا تقبل
التحمل عن الحي. ويمكن الجواز، لما يأتي إن شاء الله في الصوم، ولأن
الغرض فعلها عن الميت. فان قلنا بجوازه، وتبرع بها متبرع، أجزأت أيضا.
الرابع: لو مات هذا الولي، فالأقرب ان وليه لا يتحملها، لقضية
الأصل، والاقتصار على المتيقن، سواء تركها عمدا أو لعذر.
الخامس: لو أوصى الميت بقضائها عنه بأجرة من ماله، أو أسندها إلى
أحد أوليائه أو إلى أجنبي وقبل، فالأقرب سقوطها عن الولي، لعموم وجوب
العمل بما رسمه الموصي.

(1) النهاية: 634.
(2) شرائع الاسلام 1: 203.
449

السادس: لو قلنا بعدم قضاء الولي ما تركه الميت عمدا، أو كان لا ولي
له، فان أوصى الميت بفعلها من ماله انفذ، وان ترك فظاهر المتأخرين من
الأصحاب عدم وجوب إخراجها من ماله، لعدم تعلق الفرض بغير البدن،
خالفناه مع وصية الميت لانعقاد الاجماع عليه، بقي ما عداه على أصله.
وبعض الأصحاب أوجب إخراجها كالحج، وصب الاخبار التي لا ولي
فيها عليه، واحتج أيضا بخبر زرارة، قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ان أباك
قال لي: (من فر بها فعليه ان يؤديها)، قال: (صدق أبي ان عليه أن يؤدي ما وجب
عليه، وما لم يجب عليه فلا شئ عليه)، ثم قال: (أرأيت لو أن رجلا أغمي
عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته، أكان عليه وقد مات ان يؤديها؟ فقلت: لا،
قال: (الا ان يكون أفاق من يومه) (1).
فظاهره انه يؤديها بعد موته، وهو انما يكون بوليه أو ماله، فحيث لا ولي
تحمل على المال، وهو شامل لحالة الايصاء وعدمه.
السابع: لو أوصى بفعلها من ماله، فان قلنا بوجوبه لولا الايصاء، كان
من الأصل كسائر الواجبات. وان قلنا بعدمه، فهو تبرع يخرج من الثلث الا ان
يجيزه الوارث.

(1) الكافي 3: 525 ح 4، التهذيب 4: 35 ح 92.
450