الكتاب: منتهى المطلب (ط.ق)
المؤلف: العلامة الحلي
الجزء: ١
الوفاة: ٧٢٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية

كتاب
منتهى المطلب
مجلد الأول
للعالم الرباني والكامل الصمداني
رئيس الفقهاء والمحققين آية الله في العالمين
الشيخ العلامة جمال الدين أبى منصور
الحسن بن يوسف بن علي المطهر الحلي
المشتهر بالعلامة
متوفى سنة 762 ه‍ ق
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتفضل فلا يبلغ مدحته الحامد والمنعم فلا يحصى نعمه العادون الكريم فلا يحصر مدى كرمه الحاصرون والكامل في ذاته وصفاته فلا يقدر على إدراكه
المجتهدون القديم فلا أزلي سواه الباقي فكل شئ فان عداه القادر فكل موجود منسوب إلى قدرته العالم فكل مخلوق مندرج تحت عنايته نحمده على أفضال
أسند إلينا ونشكره على توالي تكرمه به علينا ونسبق يده من نعمه الجسام ونسترفده من عطاياه العظام والصلاة على أشرف النفوس الزكية وأعظم الذوات
القدسية خصوصا على سيد البرية محمد المصطفى وعترته المرضية صلاة باقية إلى يوم الدين مستمرة على مر الدهور والسنن وسلم عليهم أجمعين.
وبعد فإن الله تعالى لما أوجد الأشياء بعد العدم بمقتضى إرادته وميز بينهما بحسب عنايته جعلها متفاوتة في النقصان والكمال ومتباينة
بالبيان والزوال واقتضت الحكمة الإلهية والعناية الأزلية تشريف الانسان على غيره من الموجودات السفلية وتفضيله على جميع المركبات العنصرية
لما أودع فيه من العقل الدراك الفارق بين متشابهات الباقي إدراكه على تعاقب الدهور ثم لما كان مقتضى الحكمة الأزلية تتميم هذا التكميل وتحصيل
هذا التشريف على أبلغ تحصيل وكان ذلك إنما يتم بمعرفته ويجعل (ويحصل) بالعلم بكمال حقيقته لا جرم أو (و) بالسلوك في هذا الطريق فكلف العلم به على وجه
التحقيق ولما كان الانسان مطبوعا على النسيان ومجبولا على النقصان كان من مقتضى الحكمة تكرير التذكير العرفة بالانقياد المشفوع بالاستعداد
ليحصل المراد فأمر بالشرائع على مقتضى حكمته وسن السنن بموجب لطفه بخليقته ثم لما كان الوصول إلى معرفة الشرائع على كل واحد متعذرا
والوقوف على مقاصد السنن متعسرا لا جرم أوجب النفور على بعض المتكلفين بقوله: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) ولما لطف
الله تعالى لنا بالبحث على الشريعة المحمدية والملة الأحمدية على حق الطريق معرفة وأوثقها لمعة وهي طريقة الامامية المتمسكين بأقوال الأئمة المعصومين
من الزلل في القول والعمل (صلوات الله عليهم) أجمعين أحببنا أن نكتب دستورا في هذا الفن يحتوي على مقاصده يشمل على فوائده على وجه الايجاز
والاختصار مجتنبين الإطالة والاكثار مع ذكر الخلاف الواقع بين أصحابنا والإشارة إلى مذاهب المخالفين المشهور مع ذكر ما يمكن أن يكون
حجة لكل فريق وقد وسمناه بمنتهى المطلب في تحقيق المذهب ونرجو من لطف الله تعالى أن يكون هذا الكتاب بعد التوفيق لإكماله أنفع
من غيره أما أولا: فنذكر الخلاف الواقع بين الأصحاب والمخالفين مع ذكر حججهم والرد على الفاسد منها. وأما ثانيا: فباشتماله على المسائل الفقهية
الأصلية والفرعية على وجه الاختصار فكان هذا الكتاب متميزا عن غيره من الكتب وقد رتبنا هذا الكتاب على أربع قواعد قبل الخوض
في المقصود بد من تقديم المقدمات. الأولى: في ذكر الغرض من هذا العلم ووجه الحاجة إليه قد بينا في كتب العقلية أن الله تعالى إنما فعل
الأشياء المحكمة المتقنة لغرض وغاية لا بمجرد العبث والاتفاق كما قاله بعض من لا يحصل (لا تحصيل) له ولا شك أن أشرف الأجسام السفلية هي نوع
الانسان فالغرض لازم في خلقه ولا يمكن أن يكون الغرض منه حصول ضرر له فإن ذلك إنما يقع من المحتاج أو الجاهل تعالى الله عن ذلك
علوا كبيرا فلا بد وأن يكون هو النفع ولا يجوز عوده إليه تعالى لاستغنائه فلا بد وأن يكون عايدا على العبد ثم لما بحثنا عن المنافع الدنيوية وجدناها
في الحقيقة غير منافع بل هي رفع الألم فإن كان فيها شئ يستحق أن يطلق عليه اسم النفع فهو يسير جدا ومثل هذا الغرض لا يمكن أن يكون غاية
2

في حصول هذا المخلوق الشريف خصوصا مع انقطاعه وينوبه (ويشوبه) بالآلام المتضاعفة فلا بد وأن يكون الغرض شيئا آخر مما يتعلق بالمنافع الأخروية ولما
كان ذلك النفع من أعظم المطالب وأنفس المقاصد لم يكن مبذولا لكل أحد بل إنما يحصل بالاستحقاق وذلك لا يكون إلا بالعمل في هذه الدار المسبوق
بتحصيل كيفية العمل المشتمل عليه هذا العلم فكان ذلك من أعظم المنافع في هذا العلم والحاجة إليه ما يسر جدا لتحصيل هذا النفع والمخلص من العقاب
الدائم. المقدمة الثانية: في مرتبة هذا العلم إعلم أن المعلوم (العلوم) قد يتقدم بعضها على بعض إما لتقدم موضوعاتها أو لتقدم غاياتها ولاشتمالها
على مبادئ العلوم المتأخرة أو لأمور أخر ليس هذا موضع ذكرها والحق عندي أن مرتبة هذا العلم متأخرة عن غيره لا باعتبار الثالث وذلك لافتقاره إلى
سائر العلوم واستغنائها عنه أما تأخره عن علم الكلام فلان هذا العلم مباحث (باحث) عن كيفية التكليف وهو لا شك مسبوق بالبحث عن معرفة التكليف
والمكلف وأما تأخره عن علم أصول الفقه فظاهر لان هذا العلم ليس ضروريا بل لا بد فيه من الاستدلال وأصول الفقه متكفل ببيان كيفية ذلك
الاستدلال فبهذا الاعتبار كان متأخرا عن علم المنطق المتكفل ببيان فساد الطريق وصحتها وأما اللغة والنحو والتصريف فلان مبادئ هذا العلم إنما
هو القرآن والسنة وغيرهما ولا يشك في أن القرآن والسنة عربيان فوجب تقديم البحث عن اللغة والنحو والتصريف على البحث عن هذا العلم فهذه العلوم
التي يحتاج هذا العلم إلى تقدم معرفتها. المقدمة الثالثة: في موضوع هذا العلم ومبادئه ومسائله، إعلم أن كل علم على الاطلاق لا بد أن يكون
باحثا عن أمور لاحقة لغيرها وتسمى تلك الأمور مسائل ذلك العلم وذلك الغير موضوعه ولا بد له من مقدمات يتوقف الاستدلال عليها ومن تصورات
للموضوع وأجزائه وجزئياته إن كانت ويسمى ذلك أجمع بالمبادئ ولما كان الفقه باحثا عن الوجوب والندب
والإباحة والكراهة والتحريم والصحة
والبطلان لا من حيث هي بل من حيث هي عوارض لأفعال المكلفين لا جرم كان موضوع هذا العلم هو أفعال المكلفين من حيث الاقصاء والتحير ومباديه
هي المقدمات التي يتوقف عليها بذلك العلم كالقرآن والاخبار والاجماع والتصورات التي يتوقف عليها ذلك العلم ومسائله هي المطالب الجزئية
التي يشتمل عليها علم الفقه. المقدمة الرابعة: في تحديد هذا العلم لا يمكن تحديد علم من العلوم إلا بالإضافة إلى متعلقه لدخول الإضافة
فيه وكونها جزء منه الفقه في اللغة هو الفهم وأما في الاصطلاح فهو عبارة عن العلم بالأحكام الشرعية الفرعية مستندا إلى الأدلة التفصيلية
وقد بينا في أصول الفقه في شرح هذا الحد على الاستقصاء. المقدمة الخامسة: في أن تحصيل هذا العلم واجب يدل عليه المعقول والمنقول أما المعقول
فهو أن معرفة التكليف واجب وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ولا يتم إلا بتحصيل هذا العلم قطعا وما لا يتم إلا به يكون واجبا فيكون تحصيل هذا العلم واجبا.
وأما المنقول فقوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون). المقدمة السادسة:
في أن تحصيل هذا العلم واجب على الكفاية ويدل عليه ما تقدم من القرآن فإنه دل على وجوب التفقه على الطائفة من كل فرقة ولو كان واجبا على
الأعيان لكان واجبا على كل فرقة ولان الأصل عدم الوجوب والدليل إنما يتضمن بالوجوب على الكفاية ولان الوجوب على الأعيان ضرر عظيم و
هو منفي اتفاقا. المقدمة السابعة: إعلم أن الناس على أقسام ثلاثة بالنسبة إلى العلم، أحدها الذي هو الأصل والمستيقظ له والمطهر لكنوزه
والدال على فوائده وكأنه الخالف لذلك العلم والمبتدع له وهذا القسم أشرف الأقسام وأعلاها. وثانيها: من كان من مرتبة دون هذه المرتبة وحظه من
العلم أنقص من حظ الأول وكان سعيه وكده فيهم ما يرد عليه من العلوم المنقولة عن الأول ويحصل ما داره الأول ولهذا القسم أيضا شرف قاصر عن
شرف الأول. وثالثها: من قصر عن هاتين المرتبتين ولم يقربا حد هذين العامين (العالمين) وهم الغالب في زماننا وهم في الحقيقة يقتسمون قسمين، الأول:
من تعاطى درجة العلم وهم المتجاهلون وغاية سعيهم الرد على أهل الحيف والتخطئة لهم وجبر نقصهم بذلك وهم الحشوية (و) من لم يسم نفسه إلى ذلك وهم
الجاهلون وهم أشرف من أولى هذه المرتبة ولذلك أشار مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بقوله: " الناس ثلاثة عالم رباني و
متعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العالم (العالم) ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ". المقدمة الثامنة:
إنه قد يأتي في كتابنا هذا إطلاق لفظ الشيخ ونعني به الامام أبا جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه والمفيد نريد منه الشيخ محمد بن محمد النعمان
وبالشيخين هما وقد يأتي في بعض الاخبار أنه في الصحيح ونعني به ما كان رواية ثقات عدولا وفي بعضها في الحسن ونريد منه ما كان بعض رواته قد أثنى
عليه الأصحاب وإن لم يصرحوا بلفظ التوثيق وفي بعضها في الموثق ونعني به ما كان بعض رواته من غير الامامية كالفطحية والواقفية وغيرهم إلا أن الأصحاب شهدوا
بالتوقيف له. المقدمة التاسعة: لما رأينا أن الغالب على الناس في هذا الزمان الجهل وطاعة الشهوة والغضب والرفض لادراك المعاني القدسية
وترك الوصول إلى أنفس المعارج العلوية واقتناهم برذائل الأخلاق واتصافهم بالاعتقادات الباطلة على الاطلاق والتشيع على من سمت عنه عن
درجتهم وطلب نفسه الصعود عن منزلتهم حتى أتى في مدة عمرنا هذا وهو اثنان وثلاثون سنة لم يشاهد من طلاب الحق إلا من قل ومن العاضدين للصواب
إلا من جل أحببنا إظهار شئ من فوائد هذا العلم عسى يحصل لبعض الناس مرتبة الاقتداء ويرغب في الاقتفاء ذلك من أشرف فوائد وضع هذا
الكتاب لما فيه من السنة المقتدى بها الفائز صاحبها بالسهم المعلى من السعادة والتخلص من مراتب الشقاوة فشرعنا في عمل هذا الكتاب المحتوي على
المسائل اللطيفة والمباحث الدقيقة الشريفة وإن كان أصحابنا المتقدمون وعلماؤنا السابقون رضوان الله عليهم قد أوضحوا سبيل كل خير و
3

نهجوا طريق كل فائدة خصوصا شيخنا الأقدم والامام الأعظم المستوجب الكرامة والمستحق لمراتب الإمامة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه
الشريفة فإنه الواصل بنظره الثاقب إلى أعظم المطالب ولما انتقل إلى جوار الرحمن ونزل ساحة الرضوان درس هذا العلم بعده وطمست معالمه وامحت مراسمه ولم
يتعلق المتأخرون بفوائد ولم يغترفوا إلا من بحر فرائده ولم يستضيئوا إلا بأنواره ولم يستخرجوا إلا درر نثاره إلا أن أصحابه المتأخرين عنه قبل
زماننا من استنبط بنظره ما لم يثبته في كتبه وإن كان يسيرا الاعتذار به فوضعنا هذا الكتاب الجامع لتلك الفوائد الحاوي لتلك الفرائد هذا
مع أن كتابنا هذا لا يخلو عن مطالب دقيقة ومباحث عميقة لم يوجد في شئ من صحف الأولين ولم يطو في دفاتر الأقدمين ما استنبطناه من فكرنا ونظرنا
ومن الله تعالى نستمد العون والتوفيق وأن يجعل ذلك خالصا لوجهه عليه توكلت وإليه أنيب. [القاعدة الأولى]: في العبادات ويشتمل على عدة
كتب الكتاب الأول في الطهارة وفيه مقدمة ومقاصد. أما المقدمة: ففيها بحثان، الأول: في تعريفها الطهارة النظافة وشرعا قال الشيخ
ما يستباح به الدخول في الصلاة وأورد على طرده إزالة النجاسة وعلى عكسه وضوء الحائض والجواب عن الأول المعنى ما يستباح به الدخول على سبيل
الاستقلال في وقت ما فيخرج الإزالة بخلاف الطهارة التي تستباح بها إن كانت الحال حال ضرورة، وعن الثاني المنع من تسميته طهارة وقد رواه
محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) قلت الحائض تتطهر يوم الجمعة وتذكر الله تعالى؟ قال: أما الطهر فلا ولكن يتوضأ الحديث لا يقال لا شك في صدق الوضوء
عليه وهو نوع من الطهارة فيستلزم مصدق الجنس لأنا نقول لفظة النوع يقال عليه لا لوجوده فيه بل بالاشتراك وهذا الحد بحسب الغاية وللشيخ حد آخر بالنظر
إلى نفس الماهية وذلك أنه لما نظرنا إلى الأنواع وجدناها مشتركة في كونها أفعالا وأنها واقعة في البدن مقرونة بالنية والترتيب يراد لأجل الصلاة
ولان ما عدا هذه أمور مخصصة لكل نوع فأحدنا الأول في حد المشترك فقلنا أنها أفعال مخصوصة في البدن على وجه مخصوص يستباح بها عبادة مخصوصة
إذا عرفت هذا فنقول الحق أن لفظة الطهارة بالنسبة إلى المعنى الشرعي حقيقة شرعية مجاز لغوي أما الأول فللسبق إلى الفهم بالنسبة إلى عادة الشرع
وذلك دليل الحقيقة. وأما الثاني: فظاهر لعدم فهم أهل اللغة ذلك وفيه يظهر عدم اشتراط التوفيق فيه وإذا نظر إلى الموضعين كان مشتركا وإن
أظهر ذلك ثبت أنها من المنقولات وهذا حكم سائر الألفاظ الشرعية. تذنيب: جعل لفظ الطهارة واقعا على أنواعها الثلاثة
بالتواطئ لاشتراكها فيما ذكرناه أولى من جعلها مشتركة ومجازا في أحدهما. الثاني: في تقسيمها وذلك على نوعين، الأول: الطهارة إما أن يكون
صغرى أو كبرى والصغرى قسمان وضوء وتيمم الكبرى الغسل والشيخ في نهايته قسمها إلى وضوء وتيمم ووجه الاعتذار أنه ذكر أقسام الطهارة بالنسبة إلى الضرورة
والاختيار والطهارة الضرورية هي التيمم ولما كان أغلب الطهارة في الاخبار الوضوء ذكره وأعرض عن ذكر الغسل الذي هو نادرا ونقول ان الوضوء مثال
الغسل بالنظر إلى الاعتبار اللغوي وهو المجتبى. الثاني: الطهارة إما أن تكون واجبة أو مندوبة ولما كانت الطهارة غير مقصودة لذاتها بل لغيرها لا جرم
كان وجوبها وندبها تابعين لوجوب ذلك الغير وندبيته فالوضوء إنما يجب لوجوب الصلاة أو الطواف أو لمس كتابة القرآن إن وجب بنذر وشبهه على رأي و
للنذر وشبهه والغسل إنما يجب لما ذكرنا وللصوم إذا بقي لطلوع الفجر مقدار الغسل ولصوم المستحاضة مع إنغماس القطنة ولدخول المساجد و (لمس) القرآن
ان وجبا وللنذر وشبهه والتيمم إنما يجب للصلاة الواجبة مع الشروط الآتية والخروج عن المسجدين إذا أجنب فيهما وللنذر وشبهه والمندوب لما عدا
ذلك وقد يأتي مفصلا في أبوابه.
{الفصل الأول}: فيما يتطهر به عن المياه، وفيه مباحث، البحث الأول: الماء المطلق الماء على
ضربين مطلق ومضاف والمراد من المطلق هو الذي يصح عليه الاسم بإنفراده مع امتناع سلبه عنه أو الباقي على أوصاف الخلقة ويقع عليه اسم الماء من غير
إضافة وليس المراد من أوصاف الخلقة الجميع كالحرارة وضدها بل الأوصاف التي هي مدار الطهورية ومن المضاف خلاف ذلك والمطلق على ضربين جار و
راكد والراكد على ضربين ماء البئر وماء غير البئر وماء البئر على ضربين قليل وكثير والفقهاء بحثوا عن أحكام هذه الأقسام لاختلاقها بالنسبة إلى
وقوع النجاسة فيها. مسألة: الماء المطلق طاهر في نفسه ومطهر لغيره سواء أنزل من السماء أو نبع من الأرض أو أذيب من الثلج والبرد أو كان ماء
بحر وغيره. أما الحكم الأول فالنص والاجماع اما النص فقوله تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) وقوله: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) وما
رواه الجمهور من قوله (عليه السلام) الماء طهور لا ينجسه شئ ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن الله جعل التراب طهورا
كما جعل الماء طهورا وأما الاجماع فلان أحدا لم يخالف في أن الماء المطلق طاهر وأما المعقول فلان النجاسة حكم طارئ على المحل والأصل عدم الطريان
ولان تنجس الماء يلزم منه الحرج المنفي إجماعا. وأما الثاني: فللنص والاجماع أما النص فقوله تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) وما ورد
في النصوص (المتقدمة) المقدمة من أنه طهور والطهور من صيغ المبالغة والطهارة تقبل الشدة والضعف فيحمل المبالغة على التعدي عن المحل بأن يكون طاهرا في نفسه
مطهر لغيره وقد نص الجوهري على أن الطهور هو الذي يتطهر به وقول أبي حنيفة الطهور هو الطاهر وقول مالك الطهور ما يتكرر به الطهارة ضعيفان لما تقدم ولقوله
(عليه السلام) طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا ومعناه مطهر إناء أحدكم رواه الجمهور ولقوله (عليه السلام) جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ولو
أراد الطاهر لم يثبت المزية وقوله (عليه السلام) عن ماء البحر وقد سئل عن الطهارة به انه الطهور ماءه ولو أراد الطاهر لم يحصل ا لجواب وأما الاجماع فلان أحدا
لم يخالف فيه سوى ما نقل عن سعيد بن المسيب و عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لا يجوز التوضي بماء البحر مع وجود غيره وهو محجوج بالاجماع وبما رواه الجمهور
4

عن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن التوضي بماء البحر فقال: " هو الطهور ماؤه الحل ميته (ميتته) وعن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ماء البحر طهور هو؟ قال: نعم إحتجا بأنه نار والجواب إن أراد به أنه في الحال كذلك فهو تكذيب الحس وإن أراد صيرورته كذلك فلا نمنع
الطهورية. مسألة: إذا تغير أحد أوصاف المطلق اللون أو الطعم أو الرائحة فإن كان تغيره بالنجاسة نجس سواء كان قليلا أو كثيرا جاريا أو راكدا
وهو قول كل من يحفظ عنه العلم ويدل عليه الاجماع فإني لا أعرف فيه مخالفا وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير
لونه أو طعمه أو ريحه ومن طريق الخاصة ما روى الشيخ في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب فإذا تغير
الماء وتغير الطعم فلا توضأ منه ولا تشرب ولان انفعاله بالنجاسة وتغير أوصافه بها يدل على قهرها له وإزالة قوة الماء التي باعتبارها كان مطهرا
وإن كان بغيره بمرور رائحة النجاسة عليه لم تنجس لان الرائحة ليست نجاسة وإن كان تغيره بملاقات جسم طاهر فإن لم يسلبه التغير إطلاق الاسم فهو
باق على طهارته ويصح التطهر به إجماعا إن لم يكن (يمكن) التحرز منه كالطحلب وما ثبت في الماء وما يتساقط من ورق الشجر النابت فيه أو يحمله الريح وكالتراب
الذي أصله مطهر وكالثلج الذي أصله الماء (كالحري)؟ وكذا ما تغير الماء بمجاورته من غير ممازجته كالعود والدهن لان الموجب المتطهر هو كونه طاهرا
وهو موجود مع التغير اما لو أمزج بما يمكن التحريز كقليل الزعفران فإنه باق على أصله في الطهورية إجماعا منا وبه قال أبو حنيفة وقال مالك
والشافعي: لا يجوز الطهارة به. وعن أحمد روايتان لنا عموم الآية وقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) والنكرة في سياق النفي للعموم فلا يجوز التيمم
مع وجود هذا الماء ولقوله (عليه السلام) لأبي ذر التراب كافيك ما لم تجد الماء ولان الصحابة كانوا يسافرون وغالب أوعيتهم الأدم وهي تغير الماء غالبا
ولأنه طهور خالطه طاهر ولم تغير جنسه ولا جريانه فاشتبه المتغير بالدهن. فروع الأول: لو امتزج الماء بما يشابهه كماء الورد المنقطع الرائحة
اعتبرها (فيما) يوجد فيه الرائحة فإن كان بحيث لو امتزج به مثله في المقدار سلبته الاسم منع هاهنا من الطهورية وإلا فلا. الثاني: الذائب من الثلج
والبرد يجوز التطهر به وكذا بالثلج نفسه إن جرى على العضو المغسول أما الملح الذائب إذا كان أصله السبخ
فلا. الثالث: لو كان معه ماء قليل لا
يكفيه للطهارة وماء ورد لا يتغير إطلاق الاسم بامتزاجه فمزجه جازت الطهارة لأنه حينئذ مطلق وهو إحدى الروايتين عن أحمد وفي الأخرى
لا يجوز للعلم بأنه استعمل المضاف في الوضوء ويبطل بأنه لما لم يظهر صفة المانع بقي الاعتبار بالماء كما لو مزج ما يكفيه لطهارته بمضاف ثم
استعمله وبقي قدر المضاف فإنه وافق على الصحة وهل يجب عليه المزج للطهارة أم لا نص الشيخ في المبسوط على عدم الوجوب ووجهه أنه غير واجد للماء
المطلق فحصل شرط التيمم وعندي فيه نظر فإنه بعد المزج يجب عليه الوضوء به لكونه واجدا للماء المطلق فقبل المزج هو متمكن من الماء المطلق
فلا يجوز له التيمم. الرابع: لو كان تغيره لطول بقائه فإن سلبه إطلاق الاسم لم يجز الطهورية ولا يخرج عن كونه طاهرا وإلا فلا بأس و
لكنه مكروه ولا خلاف بين عامة أهل العلم في جواز الطهارة إلا ابن سيرين لما رواه الجمهور انه (عليه السلام) توضأ من بئر بضاعة وكان ماؤها نقاعة الحنا
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الماء الآجن يتوضأ منه إلا أن يجد غيره. الخامس: لو كان على العضو المغسول طاهر
كالزعفران فيغير به الماء وقت غسله فإن سلبه إطلاق الاسم لم يجز والأصح الوضوء به واعلم أنه لما كانت هذه الكيفيات الثلاث إنما يحصل عالما
بالممازجة للنجاسة لا جرم كانت مؤثرة في زوال الوصف السابق من حصول الطهارة أما غيرها من الكيفيات فلا اعتبار به لأنه قد يحصل وإن لم يقع
امتزاج. السادس: يكره استعمال ما أسخنه الشمس في الآنية في الطهارة وقال أبو حنيفة ومالك لا يكره وللشافعي قولان وعن أحمد روايتان لنا
ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله انه نهى عائشة وقد وضعت قصعتها في الشمس فقال يا حميراء ما هذا قال أغسل رأسي وجسدي قال لا تعودي فإنه
يورث البرص وما رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الماء الذي يسخن الشمس لا تتوضأ به ولا تغسلوا به ولا
تعجنوا به فإنه يورث البرص وروى الشيخ في حديث مرسل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس أن يتوضأ بالماء الذي يوضع في الشمس ومن طريق هذا
الحديث محمد بن سنان وفيه قول والجمع من (بين) الأحاديث بعد تسليمها حمل النهي عن (على) التنزيه والكراهة ويدل عليها العلة التي أومأ إليها صلى الله عليه وآله الدالة على
المصلحة العائدة إلى المنافع الدنيوية. فرعان، الأول: الظاهر عموم النهي ويحمل عدمه واختصاصه بما يخاف منه المحذور كالشمس في البلاد الحارة
دون المعتدلة أو فيما يشبه آنية الحديد والرصاص دون الذهب والفضة لصفاء جوهرهما. الثاني: لو زالت حرارة الشمس فالأقرب بقاء الكراهة
لعدم خروجه عن كونه مشمسا. * مسألة: الماء المسخن بالنار لا بأس باستعماله لبقاء ا لاسم خلافا لمجاهد وكذا ما كان مسخنا من منبعه و
روى الجمهور عن شرى قال اجتنبت وانا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجمعت حطبا وأحميت الماء فاغتسلت فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله فلم ينكر وروى الشيخ في الصحيح
عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه اضطر إليه وهو مريض فأتوه مسخنا فاغتسل بل يكره تغسيل الميت منه لما روى الشيخ في الصحيح
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لا يسخن الماء للميت ولان فيه أجزاء نارية فلا يعجل به وقد نص أبو عبد الله (عليه السلام) على هذه العلة فيما رواه الشيخ عنه (عليه السلام) قال لا يسخن
للميت الماء لا تعجل له النار وفي طريق ضعيف فإن خاف الغاسل من البرد زالت الكراهة على ما ذكره الشيخ (ره) والمفيد لان فيه دفعا للضرر ويكره
التداوي بالمياه الحارة من الجبل التي يشم منها رائحة الكبريت ذكره ابن بابويه (ره) لأنها من فوح جهنم على ما روى ولا فرق بين أن يكون مسخنا
5

بالنجاسة أولا إذ لا يعلم وصول أجزاء النجاسة إليه عملا بالأصل السالم لمن يمازجه النجاسة وعن أحمد في كراهية الطهارة بالمسخن بالنجاسة روايتان.
فرع: النجس من الجاري إنما هو المتغير دون ما عداه أما الأول فبالاجماع وبالنصوص الدالة على نجاسة المتغير. وأما الثاني: فبالأصل الدال على الطهارة السليم
عن المعارض وهو المتغير والملاقاة لا يوجب التنجيس له بما يأتي وكذلك البحث في المواقف الزائد على الكر فإن المتغير إن بلغ كرا فهو على الأصل وإلا لحقه
الحكم لحصول الملاقاة الموجب للتنجيس السالم عن بلوغ الكرية. مسألة: اتفق علمائنا على أن الماء الجاري لا ينجس بالملاقات وهو قول أكثر
المخالفين وقال الشافعي إن كانت النجاسة يجري مع الماء فما فوقها وما تحتها طاهران واما الجرية التي فيها النجاسة فحكمها كالراكد وعن الجرية القذر
الذي بين حافتي النهر عرضا عن يمين النجاسة وشمالها إن كان أقل من قلتين فهو نجس وإلا فلا وإن كانت النجاسة واقعة والماء يجرى عليها فلكل
جرية حكم نفسها إن كانت أقل من قلتين نجست وإلا فلا. لنا: ما رواه الجمهور من قوله (عليه السلام) الماء كله طاهر لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته
وذلك عام إلا ما أخرجه الدليل. وما رواه الشيخ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري ولان الجاري قاهر للنجاسة غالبة
عليها وهي غير ثابتة ولان الأصل الطهارة فيستصحب متى يظهر دلالة تنافيه ولأنه إجماع. فروع الأول: الجريان في الماء الجاري متجدد فلا يعتبر
الجرية التي فيها النجاسة بانفرادها خلافا لبعض الشافعية حيث حكموا بنجاستها إن كانت ذوي القلتين لأنه ما متصل فيدافع وفي منع استقرار الجرية
الثاني: لو جرى الماء على نجاسة واقفة لم يلحقه حكم التنجيس وقال بعض الشافعية إن بلغت الجرية قتلين لم ينجس وإلا كانت نجسة وليس بجيد
لما تقدم. الثالث: لا فرق بين الأنهار الكبار والصغار نعم الأقرب اشتراط الكرية لانفعال الناقص عنها مطلقا ولو كان القليل يجري على
أرض منحدرة كان ما فوق النجاسة طاهرا. الرابع: الواقف في جانب النهر المتصل بالجاري حكمه له لاتحاده بالاتصال فيتناوله الأدلة ولو كان
الجاري متغيرا اعتبر في الواقف الكرية. الخامس ماء الغيث حال نزوله ملحق بالجاري ويلوح من كلام الشيخ في التهذيب والمبسوط اشتراط الجريان
من الميزاب لما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبد الله جعفر في ميزابين سالا أحدهما بول والآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضر ذلك واستدل
الشيخ على الاشتراط بما رواه في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن البيت يبال على ظهره ويغسل من الجنابة ثم يصيبه المطر
أيوضؤ من مائه ويتوضأ للصلاة فقال إذا جرى فلا بأس ونحن نمنع هذا الشرط ويحمل الجريان على النزول من السماء لعدم التقييد في الخبر ولما رواه الشيخ
في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه عن الرجل يمر في ماء المطر وقد صب فيه خمر فأصاب ثوبه قبل أن يغسله فقال لا يغسله ثوبه ولا رجله ويصلي فيه فلا
بأس لأنه لا يقال هذا يتناول حال الانقطاع لأنا نقول نحمله على غير تلك الحالة عملا بما رويناه أولا ولما رواه ابن يعقوب عن أبي عبد الله
(عليه السلام) في حديث قلت يسيل علي من ماء المطر فأرى فيه التغير لتغير وأرى فيه آثار القذر فيقطر القطرات علي وينتضح منه علي والبيت
يتوضأ على سطحه ويكف على ثيابنا فقال ما بذا بأس لا تغسله كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر وما رواه ابن بابويه عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن
السطح يبال عليه فيصيبه السماء فكيف فيصيب الثوب فقال لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه ولأنه متقاطرة يشبه الجاري فيلحقه حكمه ولان الاحتراز
منه يشق وبالتخفيف يندفع المشقة أما إذا استقر على الأرض وانقطع التقاطر ثم لا قاه نجاسة اعتبر فيه ما يعتبر في الواقف لانتفاء العلة التي
هي الجريان. مسألة: ماء الحمام في حياضه الصغار كالجاري إذا كان ماله مادة تجري إليها وهو يحكي عن أبي حنيفة وعن أحمد بن حنبل أنه قال
قد قيل إنه بمنزلة الجاري. لنا: ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال هو بمنزلة الماء الجاري ولان الضرورة داعية إليه والاحتراز عنه
ضرر عظيم فيكون منفيا ولأنه بجريانه من المادة يشبه الجاري فيلحقه حكمه وأما اشتراط المادة فلما رواه الشيخ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ماء الحمام
لا بأس به إن كان لمادة ولأنه بوجودها يغير النجاسة فلا يساوى حال عدمها ويشترط عدم العلم بالنجاسة في المادة لا العلم بعدمها فإن بينهما
فرقا كثيرا أما الأول فلان النجس لا يطهر بالجريان وأما الثاني فللعموم ولأنه متعذر ولأنه جرح. فروع الأول: هل يشترط الكرية
في المادة الوجه ذلك لان ما قصر عنه مساو له فلا يفيد حكما ليس له. الثاني: المادة لما يؤثر في تسوية الصغير بالجاري لو اتصلت به بأنبوبة
أو شبهها لا حال انقطاعها عنه. الثالث: لو كان الحوض الصغير في غير الحمام وله مادة ففي إلحاقه بماء الحمام نظر. الرابع: الحوض الصغير
من الحمام إذا نجس لم يطهر بإجراء المادة إليه ما لم يغلب عليه بحيث يستولي عليه لان الصادق (عليه السلام) حكم بأنه بمنزلة الجاري ولو تنجس الجاري لم يطهر إلا باستيلاء
الماء عليه بحيث يزيل انفعاله. * مسألة: قال علمائنا الماء الكثير الواقف لا ينجس بالملاقات عملا بالأصل ولأنه حرج وهو مذهب علماء الاسلام
كافة وإنما الخلاف في تقدير الكثرة فذهب الشيخان والسيد المرتضى وأتباعهم إلى التقدير بالكر وهو مذهب الحسن بن صالح بن حي حكاه الطحاوي
وروى التقدير القلتين وذهب الشافعي وأحمد إلى التقدير بالقلتين وقال أبو حنيفة إن كان الماء يصل بعضه إلى بعض نجس بحصول النجاسة فيه
وإلا فلا وفسره أبو يوسف والطحاوي يحركه أحد الجانبين عند حركة الآخر وعدمها فالموضع الذي لم يبلغ التحرك إليه لم ينجس وقال بعضهم ما كان
كل من طوله وعرضه عشرة أذرع في عمق شبر لم ينجس وإن كان أقل نجس بالملاقات للنجاسة وإن بلغ ألفا قلة. وقال المتأخرون من أصحابه الاعتبار
بحصول النجاسة علما أو ظنا والحركة اعتبرت للظن فإن أغلب ظن الخلاف حكم بالطهارة له ما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) إذا كان الماء
6

قدر كر لم ينجسه شئ وفي رواية لم يحمل خبيثا. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ والأصل الطهارة خرج ما دون الكر بما نذكره فيبقى الباقي على الأصل إلى أن يظهر مناف ولان الاجماع
واقع على التقدير والقول بالقلتين باطل. أما {أولا} فللمنع من الحديث الذي استدل به الشافعي وهو قوله (عليه السلام): إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل
خبثا. فإن الحنفية قد طعنوا فيه حتى قالوا انه مدني فلو كان صحيحا لعرفه مالك. وأما {ثانيا} فلان القلة مجهولة ولقد فسرها أهل اللغة بالجرة
وهي أيضا مجهولة فالحوالة فيما يعم به البلوى وما يمر الحاجة إليه على مثل هذا الخفي مناف للحكم فإن ابن دريد قال: القلة من قلل الهجر عظيمة يسع خمس قرب
فلا يكون منافيا لما ذهبا إليه من الكر. والقول بمذهب أبي حنيفة باطل لأنه تقدير غير شرعي ولأنه مجهول فإن الحركة قابلة للشدة والضعف والتعليق
للطهارة والنجاسة بذلك إحالة على ما لا يعلم والتقدير بعشرة أذرع مجرد استحسان من غير دليل مع أن الحديث الصحيح عندهم يبطل ذلك كله
وهو أن النبي صلى الله عليه وآله أتاه الماء فقالوا إن حياضنا يرده السباع والكلاب والبهائم قال لها ما أخذت بأفواهها ولنا ما عين والحوض غالبا يتحرك طرفا
بحركة بعضه ولا يبلغ هذا التقدير. ولان التقدير بالحركة يؤدي إلى الحكم بالطهارة والنجاسة في ماء واحد على تقدير اختلاف أوضاعه وهو محال.
احتج أبو حنيفة بقوله (عليه السلام): لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من جنابة إذا أراد بالدائم ا لواقف فلو لم يكن البول مؤثرا في
تنجيسه لم يكن للنهي فائدة. والجواب من وجهين الأول: إنا نحمله على القليل جمعا بين الأدلة، الثاني: المنع من حصر الفوائد فيما ذكرتم فإنه قد نهى
من البول في الجاري والنهي فيما نهى تنزيه لا يقال بتبعض ما ذكرتموه بما رواه الشيخ عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شئ و (إنما) القلتان جرتان. وبما رواه في الصحيح عن صفوان قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحياض
التي من مكة إلى المدينة تردها السباع ويلغ فيها الكلب ويشرب فيها الحمير ويغتسل منها الخبيث ويتوضأ منه فقال وكم قدر الماء قلت إلى
نصف الساق وإلى الركبة فقال توضأ فيه. لأنا نجيب عن الأول بأنه مرسل ولأنه مناف لعمل الأصحاب ولا نه ورد للتقية ولأنه يحتمل أن
يكون القلة تسعا وستمائة رطل وقد ذكرناه. وعن الثاني: بأنه مناف لاجماع المسلمين لان القائل بالتقدير لم يقدره بذلك وأيضا فيحتمل أن الامام
فهم من ذلك بلوغ الماء قدر كر جمعا بين الأدلة. مسألة: اختلف الرواية في كمية الكر فالمشهور بين الأصحاب ما رواه ابن أبي عمير عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الكر من الماء الذي لا ينجسه شئ ألف ومائتا رطل وهي حسنة
عمل عليها الأصحاب لكن اختلف الأصحاب
في تعين (تعيين) الرطل قال الشيخ والمفيد إنه عراقي وقدره مئة وثلاثون درهما وقال المرتضى وابن بابويه: مدني قدره مئة وخمسة وتسعون درهما وروى
الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال قلت لا بي عبد الله (عليه السلام): الذي لا ينجسه شئ قال ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته وناول الشيخ على
احتمال بلوغ الأرطال وهو حسن لأنه لم يعتبر أحد من أصحابنا هذا المقدار وروى في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الماء الذي لا ينجسه شئ قال كر قلت وما الكر قال ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار وكذا ذكر قريب وكذا في المختلف أيضا في ثلاثة أشبار وهي مدفوعة بمخالفة الأصحاب
لها إلا ابن بابويه ذكر أن الكر ثلاثة أشبار طولا في عرض في عمق ولعله تعويل على هذه الرواية وهي قاصرة عن إفادة مطلوبة وروى الشيخ
عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكر من الماء كم يكون قدره قال إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في ثلاثة أشبار ونصف في عمقه
في الأرض فذلك الكر من الماء وهذه الرواية عمل عليها أكثر الأصحاب إلا أن في طريقها عثمان بن عيسى وهو واقفي لكن الشهرة يعضدها. وروى
الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الكر ستمائة رطل وناولها الشيخ باحتمال كون الأرطال ضعف العراقي وهو يقوي ما
فسره الشيخ في الرطل وروى الشيخ عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الكر من الماء نحو حبي هذا وأشار إلى حب من تلك
الحباب التي يكون بالمدينة فلا يمتنع أن يكون الحب تسع مقدار الكر وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة قال إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه
شئ وليس بمناف لما أصلناه لتعليق الحكم على الزيادة فيحمل على بلوغ المقدر جمعا بين الأدلة وروى محمد بن يعقوب عن الحسن بن الصالح الثوري
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الكر ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها وليس يحضرني الآن حال الحسن بن صالح بن حي فإنه قدر
الكر بثلاثة آلاف رطل وهو مدفوع بما قدمناه من الأحاديث وبالإجماع فإن أحدا لم يقدره بذلك. فروع: [الأول] الاعتبار
في الأشبار إنما هو بالغالب لا بالنادر لان إحالة الشرع في ذلك إنما هو على المتعارف. [الثاني] التقدير الذي ذكرناه تحقيق لا تقريب
لأنه تقدير شرعي تعلق به حكم شرعي فيناط به ومجموعه تكثيرا اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان وقال القطب الراوندي: مجموعه عشرة أشبار
ونصف لان المراد ليس هو الضرب، أما الشافعي: فقد اختلف أصحابه في الرواية عنه فقال قوم إنه تحقيق وآخرون إنه تقريب وعن الحنابلة وجهان.
[الثالث] إذا وقعت النجاسة المايعة في المقدر الذي لا يقبل التنجيس ولم يغيره جاز استعمال جميعه وهو قول أكثر الشافعية خلافا لبعضهم
لان البلوغ موجب لعدم التأثير فيسقط حكم اعتبار النجاسة ولان النجاسة شائعة في أجزاء الماء فتخصيص الباقي المساوي بالمنع ترجيح من غير مرجح
وهذا التقدير سار في كل واقف سواء كان محبوبا في الله أو غيرهما وإن كانت النجاسة مميزة جاز استعمال الماء المجاور لها ولا يجب التباعد حدا للكثير
7

خلافا للشافعي في الحد. [الرابع] بلوغ الكرية حد لعدم قبول التأثر عن الملاقي إلا مع التغير من حيث أن التغير قاهر للماء عن قوته المؤثرة
في التطهير فهل التغير علامة على ذلك فالحكم مع الغلبة أم هو المتغير الأولى الأول فلو زال التغير من قبل نفسه لم يزل حكم التنجس. [الخامس] لو وافقت
النجاسة الماء في صفاته فالأقرب الحكم بنجاسة الماء إن كان متغيرا بمثلها على تقدير المخالفة وإلا فلا ويحتمل عدم التنجيس لانتفاء المقتضى
وهو المتغير. [السادس] لو تغير بعض الزائد على الكر فإن كان الباقي كرا فصاعدا اختص المتغير بالتنجيس وإلا نجس الجميع وقال بعض الشافعية
الجميع نجس وإن كثر وتباعدت أقطاره لان المتغير نجس فينجس ما يلاقيه ثم ينجس ملاقي ملاقيه وهكذا وهو غلط لان الباقي الكر لا ينجس بالملاقاة.
[السابع] لو اغترف من كر فيه نجاسة عينية متميزة كان المأخوذ طاهرا والباقي نجس ولو كانت غير متميزة وكان الباقي طاهرا وعلى
التقدير الأول لو دخلت النجاسة في الآنية كان باطنها وما فيه نجسين والماء وظاهر الآنية طاهران إن دخلت النجاسة مع أول جزء من الماء
وإن دخلت أجزاء فالجميع نجس ولو لم يدخل النجاسة في الآنية فالماء الذي فيها وباطنها طاهران وظاهرها وباقي الماء إن جعلت الآنية
تحت الماء وإلا فالجميع نجس لان الماء يدخل الآنية شيئا فشيئا والذي يدخل فيها اخرا نجس فيصير ما في الاناء نجسا. [الثامن] قال داود
إذا بال الرجل في الماء الراكد ولم يتغير لم ينجس ولم يجز أن يتوضأ منه لان النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يبول الرجل في الماء الدائم ثم يتوضأ منه ويجوز
لغيره وإن يغوط فيه ولم يتغير لم ينجس وجاز له ولغيره الوضوء منه ولو بال على الشط لو جرى في الماء جاز أن يتوضأ منه إذا لم يتغير لا نه لم يبل
في الماء وعندنا أنه يكره البول في الماء. [التاسع] لا فرق في عدم تنجيس الكر بملاقاة النجاسة مع عدم التغير بين جميع النجاسات
لعموم قوله (عليه السلام) إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ وقال أحمد إن الماء الكثير الواقف الذي يمكن نزحه كالزائد على القلتين ينجس لوقوع
بول الآدميين أو عذرتهم الرطبة خاصة لقوله (عليه السلام): لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه وهو يتناول القليل والكثير
وعامة الفقهاء لم يفرقوا بين البول وغيره والنهي لا يدل على النجاسة مع أنه واقف على أن بول الكلب أزيد نجاسة من بول الآدمي وإن القلتين
لا ينجس بوقوع بول الكلب فأولى أن لا ينجس ببول الآدمي. الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة له سواء تعرف (تغير) أحد أوصافه أو لا ذهب إليه
أكثر علماءنا وبه قال أبو حنيفة وسعيد بن جبير وابن عمرو ومجاهد وإسحاق وأبو عبيد وقال ابن أبي عقيل من علمائنا لا ينجس إلا المتغير كالكثير
وهو مروي عن حذيفة وأبي هريرة وابن عامر وسعيد بن المسيب والحسن وعكرمة وعطا وطاوس وجابر بن زيد وابن أبي ليلى ومالك والأوزاعي
والثوري وابن المنذر وللشافعي قولان، وعن أحمد روايتان. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شئ. ومن طريق الخاصة ما
رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه قال إن كانت يده قذرة فأهرقه وإن
كان لم يصبها قذر فليغتسل منه وما رواه في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يدخل يده في الاناء وهي قذرة قال يكفي الاناء.
وما رواه الشيخ في الحسن عن سعيد الأعوج قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن سؤر اليهودي والنصراني قال لا وما ورآه في الصحيح عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام قال إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام. وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله قال سألته عن الكلب يشرب عن الاناء قال اغسل الاناء. وما رواه في الصحيح عن الفضل بن عباس قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن فضل الهر والشاة والبقر والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئا إلا سألته عنه فقال: لا بأس حتى انتهيت
إلى الكلب فقال رجس نجس لا يتوضأ بفضله واجتنبت ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء وأيضا قوله (عليه السلام): الماء الذي لا ينجسه شئ
ألف ومأتا رطل وقوله: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ علق الحكم على الشرط فينتفي عند انتفائه وأيضا ما رواه ابن جابر فيما قدمناه وهو قوله سألته عن
الماء الذي لا ينجسه شئ فقال: كر فيقول لو لم يكن ما دون الكر قابلا للتنجيس لكان تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة وهو لا يجوز إجماعا ولكان توقيف الحكم على الكرية
عبثا ولان النجاسة امتزجت بالماء وشاعت أجزاؤها في أجزائه ويجب الاحتراز عن أجزاء النجاسة وقد تعذر بالاحتراز عن أجزاء الماء المختلط
أجزاؤه بأجزائها احتج ابن أبي عقيل بما روي عنه (ع) وهو قوله: الماء طاهر لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه وبما روي عن الباقر (عليه السلام)
قال سألته عن الجرة والقربة يسقط فيها فأرة أو جرذ أو غيره فيموت فيها فقال لو غلبت رائحته على طعم الماء أو لونه فأرقه وإن لم يغلب فاشرب منه
وأتوضأ بما روي عن الصادق (ع) إنه أسقي من بئر فخرج في الدلو فأرتان فقال أرقه فاستقى آخر فخرج فيه فأرة فقال أرقه ثم استقى آخر فلم يخرج
فيه شئ فقال صبه في الاناء فتوضأ وشرب وبما روي عن الصادق (ع) قال سأل عن الماء النقيع يبول فيه الدواب فقال إن تغير الماء فلا
يتوضأ منه وإن لم يغيره أبوالها فتوضأ منه وكذلك الدم إذا سال في الماء وأشباهه احتج مالك بالحديث الأول عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ولان التنجيس موجب للحرج فإنه لا يمكن حينئذ تطهر شئ بالماء فإنه ينجس بملاقاة النجاسة والنجس لا يطهر والجواب عن الأول أنه ليس من
الألفاظ الدالة على العموم فيحمل على الكثير جمعا بين المطلق والمقيد وعد الحديثين الآخرين بضعف السند فإن الراوي علي بن حديد وهو
ضعيف مع أنه مرسل وأما الحديث الرابع فإن راويه ياسين الضرير ولا أحقق حاله فهو مدفوع ويعارض بما ذكرناه. وحجة مالك النقلية بما
أجبنا به ابن أبي عقيل. وأيضا فإن ذلك ورد في بئر رضاعة بضم ا لباء وفتحها وماؤها يجري في البساتين فعلى هذا كأنه قال الماء الجاري طهور
8

الحديث وما ذكره من الملازمة في العقلية ممنوع لان التطهر حصل لأجل الضرورة على أن لنا المنع من الملازمة أيضا على مذهب السيد المرتضى
ومذهب الشافعي من الفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه ومعارض بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم فلو
لم يكن قائل للتنجيس لم يكن فيه فائدة وفيه كلام ذكرناه سالفا وأيضا بما روي عن عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير أنهما حكما بنجاسة بئر
زمزم حيث وقع الزنجي فيه فمات حتى أمر نزح ماء البئر كله وبما روي عن علي (عليه السلام) إنه حكم بنجاسة البئر لولوغ الفأرة فيه حتى أوجب نزح دلاء وقد
روى بعض الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه أمر نزح ثلاثين دلوا لا يقال يعارض ما ذكرتم بما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا توضأ منه ولا تشرب وبما رواه في الصحيح عن ابن مسكان
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الوضوء مما وقع الكلب فيه والسنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك يتوضأ منه أو يغتسل قال:
نعم إلا أن يجد غيره فينزه عنه لأنا نجيب عن الأول أنه ليس فيه ما يدل على العموم والسنور الكلي دخل على الغلبة إلا على الماء المطلق فيحمل على
البالغ كرا جمعا بين الأدلة وهو الجواب عن الثاني: فروع [الأول] ماء (الماء) القليل قابل للانفعال عن كل نجاسة وإن كانت دما يسيرا
بحيث لا يدركه الطرف كرؤس الا بر وقال الشيخ في المبسوط إن ما لا تدركه الطرف معفو عنه دما كان أو غيره وقال في الاستبصار إذا كان الدم مثل رؤس
الابرام ينجس به الماء. لنا: حصول المؤثر والقابل فيوجد ألا ترى صح الشيخ بما رواه في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن رجل امتحط
فصار الدم قطعا صغارا فأصاب إناه ولم يستبن ذلك في الماء هل يصح الوضوء منه فقال إن لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس وإن كان شيئا بينا فلا تتوضأ منه ولان وجوب التحرز عنه مشقة
وحرج فيكون منفيا والجواب عن الأول أنه غير دال بصريحه على صورة النزاع فإنه ليس فيه إشعار بإصابة الماء وإن كان المفهوم منه ذلك لكن دلالة المفهوم
أضعف لما ذكرناه ويعارضه ما رواه محمد بن يعقوب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى () قال سألته عن رجل رعف وهو يتوضأ فيقطر قطرة في إنائه هل
يصلح الوضوء منه قال لا ولم يشترط الطهور ويحتمل أن يكون الأول معناه إذا أصاب الاناء وسئل في وصوله إلى الماء اعتبر بالطهور حسنا وعن الثاني
إن اعتبار المشقة مع قيام الموجب ساقط. الثاني: أطلق المفيد وسلار بتنجيس المياه الأواني والحياض حتى أن سلارا أوجب إراقته وإن كان
كثيرا وهذا الاطلاق غير واضح لنا العموم المستفاد من قوله (ع) إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ لا يقال يعارضه الأحاديث الدالة على نجاسة الأواني
عند الملاقاة لأنا نقول الاطلاق هناك بناء على الغالب من صغير الاناء عن بلوغ الكرية ولأنه مقيد بما ذكرنا والحق أن مرادهما بالكثرة هنا
الكثرة العرفية بالنسبة إلى الأواني والحياض التي يسقى منها الدواب وهي غالبا يقصر عن الكر. [الثالث] لو وصل بين الغديرين بساقية اتحد
أو اعتبر الكرية فيهما مع الساقية جميعا أما لو كان أحدهما أقل من كر ولاقاه نجاسة فوصل بغدير بالغ كرا قال
بعض الأصحاب الأولى بقاؤه على
النجاسة لأنه ممتاز عن الطاهر مع أنه لو مازجه وقهره لنجسه وعندي فيه نظر فإن الاتفاق واقع على أن تطهر ما نقص من الكر بالقاء الكر عليه
ولا شك أن المداخلة ممتنعة فالمعتبر أن الاتصال الموجود هنا. [الرابع] لو شك في بلوغ الكرية فالوجه التنجيس لان الأصل النقلة والاحتياط
ويحتمل عدمه لأنه كان طاهرا قبل وقوع النجاسة ويشك في تنجيسه بها ولا يدفع متيقن بالشك. [الخامس] قد بينا أن الكثرة إذا تغير بالنجاسة
نجس أما لو تغيره بما نجاسته عارضية كالزعفران النجس والمسك النجس فإنه لا ينجس بذلك لان الملاقي يطهر بالماء نعم لو سلبه إطلاق اسم الماء فإنه
ينجسه. مسألة: لا يجوز استعمال الماء النجس في رفع الحدث ولا في إزالة النجاسة لأنه منفعل بها فكيف يعدمها عن غيره وهو إجماع وكذا
كل ما منع من استعماله كالمشتبه وإن لم يكن نجسا ويجب التيمم إذا لم يوجد غيره لأنه منع من الطهارة به شرعا فكان كالعدم ولا يجوز استعماله أيضا
في الأكل ولا يشرب إلا عند الضرورة لما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز بن عبد الله عن الصادق (عليه السلام) فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا توضأ
منه ولا تشرب وفي الصحيح عن الفضل فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا توضأ منه ولا تشرب وفي الصحيح عن الفضل عن العباس عن الصادق (ع) وقد سأله عن أشياء حتى انتهى إلى الكلب فقال رجس نجس لا تتوضأ بفضله
فاصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء. فروع [الأول] لو شك في نجاسة متقين الطهارة جاز الاستعمال وبنى على النفي ولو
تيقن النجاسة وشك في الطهارة بنى على النجاسة عملا بالمتيقن وتركا للمرجوح الثاني لو أخبره عدل بنجاسة الماء لم يجب القبول وان أسندها
إلى سبب بناء على ما ذكرنا من ترجح الأصل المتيقن على الخبر المظنون خلافا للحنابلة فيما إذا ذكر السبب وكذا البحث لو وجده متغيرا وشك في استناد
التغير إلى النجاسة أما لو شهد عدلان بالنجاسة فالأولى القبول لان شهادة العدلين معتبرة في نظر الشرع قطعا فإن المشتري لو ادعى سبق النجاسة
لثبت جواز الرد بناء على وجود العيب وقال ابن البراج: لا يحكم بالشهادة عملا بالأصل القطعي السالم عن النفي بصدقهما أما لو تعارضت البينتان في الماءين
فقال في الخلاف: سقطت شهادتهما ورجع إلى الأصل وقال في المبسوط: لو قلنا إن أمكن الجمع بينهما قبلنا ونجسا كان قويا ولم يتعرض لما لا يمكن فيه
الجمع والوجه فيه وجوب الاحتراز منها والحكم بنجاسة أحدهما لا بعينه والقول بسقوط شهادتهما فيما يتعذر الجمع فيه لا يخلو من قوة وهو قول الحنابلة.
[الثالث] لو علم بالنجاسة بعد الطهارة وشك في سبقها عليه فالأصل الصحة ولو علم سبقها على الطهارة وشك في بلوغ الكرية أعاد
لان الأصل عدمها ولو شك في نجاسة الواقع أو في كون الحيوان الميت من ذوات الأنفس بنى على الطهارة. [الرابع] لو أخبر العدل بنجاسة إنائه
9

أو الفاسق بطهارته فالوجه القبول ولو أخبر الفاسق بنجاسة إنائه فالأقرب القبول أيضا ولو سقط عليه من طريق ما لم يلزمه السؤال عنه لأصالة الطهارة.
مسألة: المشهور عند أصحابنا تنجس البئر بملاقاة النجاسة وهو أحد قولي الشيخ وقال في التهذيب لا يغسل الثوب ولا يعاد الطهارة ما لم يتغير
بالنجاسة لكن لا يجوز استعماله إلا بعد تطهيره وذهب الجمهور إلى التنجيس أيضا مع قلة الماء أو لغيره فالحق أنها لا تنجس بمجرد الملاقاة وقد أجمع العلماء
كافة على نجاستها بالتغير بالنجاسة احتج القائلون بالتنجيس بوجوه. الأول: النص وهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن بزيع قال كتبت إلى رجل
أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن البئر يكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شئ من العذرة كالبعرة
أو نحوها ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة فوقع (ع) في كتابي بخطه نزح منها دلاء فلو كانت طاهرة لما حسن تقريره على السؤال وما رواه
أيضا في الصحيح عن علي بن بقطين عن أبي الحسن موسى (ع) قال سألته عن البئر يقع فيها الحمامة والدجاجة أو الفأرة أو الكلب أو الهرة فقال يجزيك أن
تنزح منها دلاء فإن ذلك يطهرها إن شاء الله ولو كانت طاهرة لكان تعليل التطهير بالنزح تعليلا لحكم سابق بعلة لاحقة وهو محال. الثاني:
عمل أكثر الأصحاب وهو وإن لم يكن حجة قطعية لكنه يفيد أولوية ما فإذا انظم (نضيف) إلى ما ذكرنا من الأحاديث حصل القطع بالحكم. الثالث: لو كان طاهرا
لما ساغ التيمم والتالي باطل فالمقدم مثله والشرطية ظاهرة فإن الشرط في جواز التيمم فقدان الطاهر وبيان بطلان التالي من وجهين الأول: ما رواه
الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغرف
به فتيمم بالصعيد الطيب فإن رب الماء رب الصعيد ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم مائهم واعلم أن هذا الحديث كما دل على بطلان التالي
فله دلالة على المطلوب ابتداء مستفادة من قوله (ع): ولا تفسد على القوم مائهم. الثاني: لو لم يجز التيمم لزم أحد الامرين إما جواز استعمال ماء البئر
بغير نزح أو إطراح الصلاة وهما باطلان أما الأول فلانه لو صح لما وجب النزح وهو باطل بالأحاديث المتواترة الدالة على وجوبه وأما
الثاني: فبالاجماع. الرابع: إنه لو كان طاهرا لكان النزح عبثا والمقدم كالتالي باطل. احتج الآخرون بوجوه. {الأول} بالنص وهو روايات
منها ما دل بمنطوقه وهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل قال كتبت إلى الرجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) فقال ماء
البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فنزح فيه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنه له مادة وقد أشار (عليه السلام) إلى العلة فكان أبلغ
في التنظيف وما رواه عن علي بن حديد عن بعض أصحابنا قال كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة فصرنا إلى بئر فاستقى غلام أبي عبد الله (ع) دلوا
خرج فيه فأرتان فقال أبو عبد الله (ع): أرقه فاستقى آخر فخرجت فيه فأرة فقال أبو عبد الله (ع): أرقه فقال فاستقى الثالث فلم يخرج فيه شئ فقال
صبه في الاناء وهذا وإن كان مرسلا مرجح وما رواه الشيخ في حديث حسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سألته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل
من عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين أيصلح الوضوء منها قال: لا بأس وما رواه في الصحيح عن
محمد بن إسماعيل عن الرضا (ع) قال ماء البئر واسع
لا يفسده شئ إلا أن يتغير وما رواه الشيخ عن عمار قال سئل أبو عبد الله (ع) عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة فقال: لا بأس
إن كان فيها ماء كثير وعمار وإن كان فطحيا إلا أنه تعتمد كثيرا على روايته لثقته ومنها ما يدل بمفهومه وهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية
عن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزح
البئر وما رواه في الصحيح عن معاوية عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الفأرة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها ويصلى وهو لا يعلم أيعيد الصلاة
ويغسل ثوبه فقال لا يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه وما رواه عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال سأل عن الفأرة تقع في البئر لا يعلم بها إلا
بعد ما يتوضأ منها أيعاد الوضوء فقال لا وما رواه عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بئر يستقى منها ويتوضأ به وغسل منه الثياب وعجن به
ثم علم أنه كان فيها ميت قال: لا بأس فلا يغسل الثوب ولا يعاد منه الصلاة وما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الحبل يكون
من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر أيتوضأ من ذلك الماء قال: لا بأس واعترضوا على الحديث الأول بوجوه {أحدها} إن قوله (ع): " لا يفسده " أي فسادا
يوجب التعطيل. {الثاني} إن الراوي أسندها إلى المكاتبة وهي ضعيفة. {الثالث} المعارضة بخبر بزيع المتقدم والجواب عن الأول: إنه تخصيص لا يدل اللفظ
عليه ولان الاستثناء ينفيه لأنه حينئذ لا يبقى فرق بين المستثنى والمستثنى منه. وعن الثاني: أن الراوي قال فقال (ع) كذا والثقة لا يخبر بالقول إلا مع القطع على أن
الرسول (ع) كان ينفذ رسله بالمكاتبات فلو لم يكن حجة (وإلا ز) لما ساغ ذلك على أن الحديث الذي استدلوا به أولا من هذا النوع. وعن الثالث: إن المعارضة
إنما يتم على تقدير نصوصية الحديث الأول على المطلوب مه وليس كذلك. الوجه الثاني: العمومات الدالة على أن مطلق الماء طهور وقد تقدمت وتخصيصها
بالماء القليل حال ملاقاة النجاسة لا يخرجها عن كونها حجة. الوجه الثالث: انها لو نجست لما طهرت والتالي باطل اتفاقا ولأنه حرج فالمقدم مثله
بيان الشرطية أنه لا طريق إلى التطهير إلى النزح حينئذ وإلا لزم إحداث الثالث وليس بصالح لذلك أما أولا: فإنه لم يعد في الشرع تطهر شئ
بإعدام بعضه وأما ثانيا: فلانه غالبا قد يسقط عن الدول الأخير إلى البئر فيلزم تنجيسها ولا ينفك المكلف من النزح وذلك ضرر عظيم. وأما ثالثا:
فلان الاخبار اضطربت في تقدير النزح فتارة دلت على التضييق في التقديرات المختلفة وتارة دلت على الاطلاق وذلك مما
10

لا يمكن أن يجعله الشارع طريقا إلى التطهير. الرابع: إنه بجريانه من منابعه أشبه الماء الجاري فيتساويان حكما. الخامس: الأصل الدال على الطهارة وعلى
نفي الحرج المستفاد من التنجيس والجواب عما احتجوا أولا من وجوه {أحدها} انه (عليه السلام) لم يحكم بالنجاسة أقصى ما في الباب أنه أوجب النزح. {وثانيها} أنه لم لا
يجوزان يكون قوله نزح منها دلوا وإن كان متضمنا للطهارة إلا أن المراد ها هنا النظافة لا ضد النجاسة فإن هذه الأشياء المعدودة من
القاذورات أو تقريره (عليه السلام) لقول السائل حتى يحل الوضوء منها بعد تسليمه ليس فيه دلالة على التنجيس فإنا نقول بموجبه حيث أوجبنا النزح ولم نسوغ
الاستعمال قبله. {وثالثها} يحمل على ما إذا تغيرت جمعا بين الأدلة. {ورابعها} هذه دلالة مفهوم وهي ضعيفة خصوصا مع معارضتها للمنطوق والمفهوم. {وخامسها}
يحمل المطهر ها هنا على ما أذن في استعماله وذلك إنما يكون بعد النزح لمشاركته للنجس في المنع جمعا بين الأدلة وهذه الأجوبة آتية في الحديث الثاني
وعن الثاني: بأن عمل الأكثر ليس بحجة وأيضا فكيف يدعى عمل الأكثر ها هنا مع أن الشيخ وابن أبي عقيل ذهبا إلى ما نقلناه عنهما وعن الثالث: بالمنع عن
الملازمة أولا قوله الشرط فقدان الطاهر قلنا ليس على الاطلاق بل المأذون في استعماله فإن المستعمل في إزالة الحدث الأكبر طاهر عند أكثر
أصحابنا يجب معه التيمم فكذا ها هنا وثانيا: بالمنع من بطلان التالي والحديث الذي ذكره غير دال على التنجيس فإنه يحتمل رجوع النهي إلى المصلحة
الحاصلة من فقدان الضرر بالوقوع والنهي عن إفساد الماء أما على معنى عدم الانتفاع به إلا بعد النزح وأما على النهي عن إظهار الاجزاء
الحمية في البئر وخلطها بالماء وبالجملة فهل الحديث أيضا يدل بمفهومه والملازمة الثانية من الوجه الثاني ممنوعة والملازمة في الوجه الرابع ممنوعة
ولا يلزمه عدم العلم بالفائدة العلم بالعدم إذا عرفت هذا فالأقوى عندنا عدم التنجيس بالملاقاة. فائدة: لا يكره الطهارة بالبئر ويستوي في ذلك
زمزم وغيرها من الآبار وهذا مذهب العلماء ويحكى عن أحمد كراهة الطهارة بماء زمزم. لنا: أنه ماء مطلق فيساوي غيره. احتج بما روي عن العباس إنه
قال: لا أحله الغسل أما للتأدب فحل بل والجواب بعد سلامة النقل لعله قال ذلك في وقت قلة المياه وكثرة الحاجة إلى الشرب أو لان الغسل ربما
لا ينفك عن النجاسة ويحرم غسلها في المسجد. [البحث الثاني: في كيفية تطهير المياه من النجاسات] مسألة: المتغير إما أن يكون
جاريا أو واقفا فالجاري إنما يطهر بإكثار الماء المتدافع حتى يزول التغير لان الحكم تابع للوصف فيزول بزواله ولان الطارئ لا يقبل النجاسة لجريانه
والمتغير مستهلك فيه فيطهر ولو زال التغير من قبل نفسه أو بملاقاة أجسام طاهرة غير الماء وتصيف (أو تصريف) الرياح المشهور لا يطهر لان النجاسة حكم شرعي
فيتوقف زواله عليه ولأنها نجسة قبل الزوال فيستصحب الحكم ولان النجاسة تثبت بوارد فلا تزول إلا بوارد بخلاف نجاسة الخمر فإنها تثبت بغير وارد
فيطهر بغير وارد وقال الشافعي وأحمد: إن زال طول المكث عاد طهورا وإن زال لطرح المسك والزعفران فلا لأنهما ساتران مزيلان وفي التراب
قولان مبنيان على أنه مزيل أو ساتر ولو زال التغير بأخذ بعضه لا يطهر وإن كان الباقي كرا وكذا لو زال التغير بإلقاء أقل من كر على الأقوى خلافا لبعض
علمائنا وللشافعي لنا: أ نه بملاقاته الماء النجس ينجس فلا يكون مطهرا وكذا باقي الأجسام كالمسك والزعفران ولأنها (لا) تطهر نفسها فأولى أن لا يطهر غيرها.
مسألة: الماء القليل إن تغير بالنجاسة فطريق تطهيره إلقاء كر عليه دفعة فإن زال تغيره فقد طهر إجماعا وإن لم يزل وجب إلقاء أقل من كر آخر وهكذا
إلى أن يزول التغير ولا يطهر بزوال التغير من قبل نفسها إجماعا منا وهو ظاهر ومن القائلين بطهارة الكثير المتغير بزوال تغيره لان المقتضى للتنجيس في الكثير
التغير فيزول بزواله وفي القليل الملاقاة لا التغير فلا يؤمن زواله في عدم التنجيس وإن لم يتغير قال الشيخ في الخلاف: يشترط في تطهير الكر الورود
قال في المبسوط: لا فرق بين أن يكون الطارئ نابعا من تحته أو يجري إليه أو يغلب فإن أراد بالنابع ما يكون نبعا من الأرض ففيه إشكال من حيث
إنه ينجس بالملاقاة فلا يكون مطهرا وإن أراد به ما يوصل إليه من تحته فهو حق وهل يطهر بالاتمام الوجه أنه لا يطهر سواء تمم بنجس أو طاهر وتردد
في المبسوط وجزم المرتضى في المسائل الرسية وابن البراج وابن إدريس بالتطهير وللشافعية في اجتماع القلتين من الماء النجس وجهان. لنا: أن النجاسة حكم
شرعي فيقف زواله عليه ولان النجاسة سابقة قبل البلوغ فلا يؤثر في العمل به الشك عنده وللنهي عن استعمال غسالة الماء الحمام وهي لا ينفك عن
الطاهر واستدل المرتضى بوجهين الأول بلوغ الكرية يوجب استهلاك النجاسة ولا فرق بين وقوعها قبل البلوغ وبعده الثاني لو لم يحكم بالطهارة
حينئذ لما حكم بطهارة الكثير إذا اشتبه وقوع النجاسة فيه قبل البلوغ وبعده والتالي باطل اتفاقا فالمقدم مثله بيان الملازمة إن احتمال الوقوع في
الحالتين على السوية فلا أولوية واحتج ابن إدريس بوجوه {أحدها} قوله (ع) إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا ادعاه متواترا. {الثاني} قوله تعالى: (وينزل
من السماء عليكم ماء ليطهركم به) وقوله: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) وقوله: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وقوله: (حتى تغتسلوا) أجاز الدخول في الصلاة بعد الاغتسال
فالمغتسل بالمتنازع يصدق عليه اسم الاغتسال وقوله (ع) لأبي ذر: إذا وجدت الماء فأمسه جلدك والمتنازع فيه ماء وقوله (ع) أما أنا فأحثو ثلاث حثيات من
ماء فإذا أنا قد طهرت ولم يختص ماء بالذكر. {الثالث} الاجماع والجواب عما احتج به سيد المرتضى أولا بالمنع من المساواة ضرورة كون الأصل منصوصا عليه
بخلاف المتنازع فإن أسندها إلى القياس فباطل والفرق واقع فإن البالغ له قوة على عدم الانفعال على الملاقي بخلاف المنفعل وعن الثاني:
بالمنع ملازمة (عن الملازمة) وتساوي الاحتمالين ممنوع بالأصل الدال على الطهارة فالحاصل أن الطهارة و (إن) لم يسند إلى (إلا) أن البلوغ رافع للتنجيس وعما احتج
به ابن إدريس أولا بالمنع من الرواية قال الشيخ رواها مرسلة في المبسوط ولم يسندها في غيره نعم قد وردت أحاديث كثيرة بقولهم (ع) إذا بلغ الماء
11

قدر كر لم ينجسه شئ وهذا يدل على أن بلوغ الكرية مانع من التأثير لا على أنه رافع لما كان. ثانيا: وعن الثاني أن الآيات والأحاديث الذي ذكرها
غير دالة على محل النزاع فإنا لم نمنع من جواز استعمال الماء ولكن النزاع في تطهر النجس بالاتمام. وعن الثالث: إن دعوى الاجماع كدعوى تواتر
حديثه. فروع [الأول] لو كان بعض الكر نجسا وتمم المستعمل فكالأول. [الثاني] لو قلنا بالطهارة ففرق لم يصر نجسا كما لو كان كرا
عند وقوع النجاسة ثم فرق. [الثالث] لو قلنا بالطهارة لم يشترط خلوه من نجاسة عينية نعم يشترط خلوه عن التغير. [الرابع] إنما لا يقبل النجاسة
الكثير من محض الماء فلو كثر النجس القليل بما ورد لم يطهر ولو كمل الطاهر بما ورد كرا ثم وقعت فيه نجاسة فالأقرب عدم التأثير إن بقي الاطلاق
خلافا للشافعي. [الخامس] لو نجس القليل وزيد عليه ما يقهره ولم يبلغ حد الكثرة لم يزل حكم التنجيس خلافا للشافعي في أحد الوجهين لكن
شرطوا طهارة الوارد ووروده على النجس فإن نريد؟ الوارد على الأول وأن لا يكون فيه نجاسة جامدة. [السادس] لا يطهر عن الماء من المائعات
خلافا للحنابلة حيث جوزوا تطهير الدهن بأن يلقى عليه ماء كثير ويضرب جيدا وهو باطل لعدم العلم بالوصول. مسألة: قد ذكرنا
أن الأقوى عندنا عدم تنجيس البئر بالملاقاة فالنزح الوارد عن الأئمة (ع) إنما كان تعبدا والقائلون بالتنجيس جعلوه طريقا إلى التطهير إذا عرفت
هذا فنقول الواقع في البئر على أنواع. {الأول} ما يوجب نزح الجميع وهو موت البعير والثور فيها ووقوع الخمر وكل مسكر والفقاع والمني ودم الحيض
والاستحاضة والنفاس لما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا مات فيها بعير أو يصيب فيها خمر فلينزح وروى عبد الله بن سنان في الصحيح
عن أبي عبد الله (ع) قال: وإن مات فيها ثور أو نحوه أوصب فيها خمر نزح الماء كله ولا يعارض هذا برواية عمرو بن سعيد بن هلال عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال سألته عما يقع في البئر وعد أشياء إلى أن قال حتى بلغت الحمار والجمل قال: كر من ماء لان عمرو هذا فطحي والأصحاب لم يعملوا بهذه الرواية أيضا
ولا برواية زرارة قال قلت لأبي عبد الله (ع) بئر قطر فيها قطرة دم أو خمر قال الخمر والدم والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد نزح فيه عشرون
دلوا فإن غلب الريح نزحت حتى تطيب لأنا لم نعرف من الأصحاب من عمل بها غير ابن بابويه في المقنع والرواة لها لا يحضرني الآن حالهم قال
الشيخ وأيضا فهذا خبر واحد لا يدفع ما يقدم ولان العمل بالأول يستلزم العمل بهذا بخلاف العكس ولا برواية كردويه قال سألت أبا
الحسن (ع) عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر قال: ينزح منها ثلاثون دلوا لما ذكرناه أولا وقال بعض المتأخرين يمكن تنزيل
الروايتين على القطرة من الخمر ويفرق بين القطرة وصبه كالدم لأنه ليس أثر القطرة في التنجيس كالمصبوب لشباعته وهذا ضعيف أما {أولا}
فلان رواية زرارة اشتملت على حكم التغير ومن المستبعد بل المحال حصول التغير عن القطرة لا يقال المراد فإن تغيرت بالانصباب لأنا نقول
هذا ضعيف من وجهين. الأول: الاضمار. والثاني: أن الأنصاب موجب لنزح الجميع فمع التغير أولى فأما {ثانيا} فلان أحدا من أصحابنا لم يفرق بين
قليل الخمر والكثير إلا من ثبت وقال الشيخ والمفيد والسيد المرتضى إن حكم المسكرات حكم الخمر ولم يظفر في ذلك بحديث سوى ما رويناه عن زرارة
وهم غير عاملين به نعم يمكن أن يدخل تحت حكمه لما رواه عطا بن يسار عن أبي جعفر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مسكر خمر وروى ابن يقطين عن
أبي الحسن الماضي (ع) قال كلما عاقبت (عاقبته) الخمر فهو خمر فيقول إطلاق الخمر على المسكر إما بالقياس في التسمية والجامع الاسكار ويلزم منه جواز
إثبات اللغة بالقياس وقد ذهب إليه بعضهم وإما من حيث المشاركة في الحكم وعلى كلا التقديرين يلزم المطلوب
وأما الفقاع فقد ألحقه الشيخ
بالخمر وتبعه أبو الصلاح وابن إدريس وادعى فيه الاجماع ولم يقف على حديث يدل عليه سوى ما رواه هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال سألته عن الفقاع فقال لا تشتر به فإنه خمر مجهول وعدي الرضا (عليه السلام) وهو حرام وهو خمر وعن أبي الحسن الأخير (ع) قال: هي خمر استصغرها
الناس والبحث فيه كالخمر وأما المني فقد قال الشيخ إنه يوجب نزح الجميع وتبعه جماعة ولم نقف فيه على خبر ويمكن أن يقال إنه ماء محكوم بنجاسته وتقدير
بعض المنزوحات ترجيح من غير مرجح فيجب الجميع لكنا لما طعنا في المقدمة الأولى سقط عندنا هذا الدليل وأما دم الحيض والاستحاضة والنفاس فقد
ألحقه الشيخ بهذا النوع ولم يظفر فيه بحديث مروي. فروع [الأول] لو تعذر نزح الجميع لكثرته تراوح عليها أربعة رجال
مثنى مثنى من طلوع الفجر إلى الغروب ولم أعرف فيه مخالفا من القائلين بالتنجيس ويدل عليه أيضا ما رواه عمار عن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل
قال وسئل عن بئر وقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير قال نزف كلها فإن غلب عليها الماء فلينزف يوما إلى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين
فينزفوا يوما إلى الليل وقد طهرت وهذه الرواية ضعيفة من وجهين، الأول: السند فإن رواتها فطحية. الثاني: المتن فإن أحدا من أصحابنا لم يوجب
نزح الجميع بموت الكلب والفأرة والخنزير أجاب الشيخ عن الثاني باحتمال التغير واستدل الشيخ أيضا بما رواه عمرو بن سعيد بن هلال عن الباقر (ع)
قال سألته عما يقع في البئر ما بين الفأرة والسنور إلى الشاة فكل ذلك يقول سبع دلاء قال حتى بلغت الحمار والجمل قال كر من ماء إن كان
كثيرا قال الشيخ تراوح للأربعة يوما يزيد عن الكر فيجب أن يكون مجزيا والبحث في هذه الرواية في السند والمتن كما مر ويزيد عليه أن هذه الرواية دلت
على الاكتفاء بالكر والتراوح وإن زاد على الكر لكن لا دلالة في هذه الرواية على أنه يقوم مقام نزح الجميع والأقرب أن يقال إنه بالتراوح
يغلب على الظن زوال ما كان في البئر فيصار إليه. [الثاني] إن أوجبنا الرجال لم يجز النساء ولا الصبيان ويشكل لو ساوت قوتهم قوة الرجال
12

وإن علما (عملنا) بالحديث المتناول للقوم إجزاء (أجزء) النساء والصبيان. [الثالث] لا بد من نزح اثنين اثنين تبعا للرواية ولا يكفي الآحاد وإن علمنا (عملنا) بالحديث المتناول
إلى أن قصر زمان التراوح. [الرابع] لو نزح اثنان وامتد نزحهما إلى الليل ففي الاجزاء نظر أقر به ذلك إن علم مساواته لتراوح الأربعة. [الخامس] البعير
اسم جنس الصغير والكبير والذكر والأنثى كالانسان. النوع الثاني: ما يوجب نزح كر وهو موت الحمار والبغل والفرس والبقر وأشباهها أما الحمار فقد
ذهب إليه أكثر أصحابنا مستدلين برواية عمرو بن سعيد عن الباقر (عليه السلام) وهي ضعيفة من حيث السند ومن حيث التسوية بين الحمار والجمل إلا أن أصحابنا
عملوا فيها بالحمار والتسوية سقطت باعتبار حصول المعارض فلا يلزم نفر الحكم عن ما فقد عليه المعارض وأما البقر والفرس فقد قال الشيخ والسيد المرتضى
والمفيد بمساواتهما للحمار في الكر ولم يقف في ذلك على حديث إلا ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم ويزيد بن معاوية العجلي عن أبي
عبد الله (ع) وأبي جعفر (ع) في البئر يقع فيها الدابة والفأرة والكلب والطير فيموت قال يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم اشرب وتوضأ قال صاحب الصحاح:
الدابة اسم لكل ما يدب على الأرض والدابة اسم لكل ما يركب فيقول لا يمكن حمله على المعنى الأول وإلا لعم وهو باطل لما يأتي فيجب حمله على الثاني فنقول الألف واللام ليست للعهد لعدم
سبق معهود يرجع إليه فإما أن يكون للعموم كما ذهب إليه الجبائيان أو التفريق (لتفريق) الماهية على المذهب الحق وعلى التقديرين يلزم العموم في كل مركوب
أما الأول: فظاهر وأما الثاني: فلان تعليق الحكم على الماهية يستدعي ثبوته في جميع صور وجودها وإلا لم يكن عليه هذا خلف وإذا ثبت
فيه العموم دخل فيه الحمار والفرس والبغل والإبل والبقر نادرا غير أن الإبل والثور خرجا بما دل لمنطوقه على نزح الجميع فيكون الحكم ثابتا
في الباقي فإن قلت يلزم التسوية بين ما عدده (عده) الامامان (ع) قلت خرج ما استثنى لدليل فيفصل فيبقى الباقي لعدم المعارض وأيضا التسوية
حاصلة من حديث الحكم بوجوب نزح الماء وإن افرقت بالكثرة والقلة وذلك شئ لم يتعرضا له (ع) إلا أن لقائل أن يقول إن ما ذكرتموه
لا يدل على بلوغ الكرية ويمكن التمحل بان يحمل الدلاء على ما يبلغ الكر جمعا بين المطلق والمقيد خصوصا مع الاثبات بصيغة جمع الكر (الكثرة) لا الكثرة (الكر)
يقال إن حمل الجمع على الكثرة استحال إرادة القلة منه وإلا لزم الجمع بين إرادتي الحقيقة والمجاز وإن حمل على القلة فكذلك لأنا نقول لا نسلم لاستحالة
التالي سلمنا لكن إن حمل على معناه المجازي وهو مطلق الجمع لم يلزم ما ذكرتم على أن لنا في كون الصيغة المذكورة حقائق أو مجازات في القلة
والكثرة نظر أو بعض المتأخرين استدل بهذه الرواية على وجوب النزح للحمار دون الفرس أو البقرة وألحقهما بما لم يرد فيه نص وقد ظهر خلافه
وقد روى مثل هذه الرواية البقباق عن أبي عبد الله (عليه السلام). الثالث: الانسان وينزح لموته سبعون دلوا وهو مذهب القائلين بالتنجيس أجمع
واستدل عليه الشيخ برواية ابن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل ذبح طيرا
فوقع دمه في البئر فقال: ينزح منها دلاء هذا إذا كان ذكيا فهو كذا وما سوى ذلك مما وقع في بئر الماء فيموت فيه فأكبره الانسان ينزح منها
سبعون دلوا وأقله العصفور ونزح منها دلو واحد وما سوى ذلك فيما بين هذين والاستدلال بهذه الرواية ضعيف فإن رواتها فطحية ولم
أقف على غيرها إلا ما يدل بمفهومه لا (ز ظ) على هذا الحكم وهو ما رواه الشيخ عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله (ع) بئر قطرت فيها قطرة الدم إلى آخر الرواية
وقد تقدمت وما رواه في الحسن عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في البئر يقع فيها الميتة قال إذا كان له ذبح نزح منها عشرون دلوا وقال إذا
دخل الجنب البئر يخرج منها سبع دلاء ووجهه الاستدلال من الحديثين إن الحكم علق تارة على لفظ الميت وهو تعليق على الماهية وتارة على لفظ الميتة فيعم في جواز عمومها
إلا أن أصحابنا لم يعلموا (لم يعملوا) العشرين فيكون الاستدلال بهما ساقطا والحنفية أوجبوا نزح الجميع واعلم أن هذا الحكم عند القائلين به سار في الصغير
والكبير والسمين والمهزول والذكر والأنثى أما المسلم والكفار فهل يستويان فيه منع ابن إدريس منه لان بملاقاته حيا يجب نزح الجميع
فلا يطهر بالموت وصنع من يناول المطلق له قياسا على الجنب في قولهم ينزح له سبع فإنه يختص المسلم وهو ضعيف فإن المقدمة الأولى مبني
على أن ملاقاة النجاسة التي لم يرد فيها نفس (نص) يوجب نزح الجميع وهو ممنوع وسيأتي والقياس الذي ذكره ضعيف فإنه لا يناسبه بين الموضعين
إلا من حيث إن لفظة الانسان مطلق ولفظة الجنب مطلق وهذا لا يوجب أن أحد المطلقين إذا قيد بوصف بدليل وجب تقييد الآخر
ولا يختص النقص بصورة النزاع بل في كل اسم جنس حلى بلام التعريف بأن يقول مثلا ان لفظ البيع في قوله تعالى: (وأحل الله البيع) وكذا لفظ الزانية
والزاني والسارق والسارقة ليس للعموم لان لفظ الجنب ليس للعموم ولا شك في فساده على أنا نقول هل وجد ما يخصص لفظ الجنب أم لا فإن وجد امتنع
القياس للفارق وإن لم يوجد منع من القبيل؟ فيه بالاسلام أيضا سلمنا لكن لا نسلم عدم النص فإن النص كما يدل بمنطوقه يدل بمفهومه وهو ثابت
هنا لان الانسان لفظ مطلق يتناول المسلم والكافر فيجري مجرى النطق بهما فإذا وجب في موته سبعون لم يجب في مباشرته أكثر لان الموت
يتضمن المباشرة فيعلم نفي ما زاد من مفهوم النص سلمنا لكن يمنع بقاء نجاسة المشترك (المشرك) بعد موته وإنما يحصل له نجاسة بالموت مغايرة لنجاسته
حال حياته وبيانه إن النجاسة حكم شرعي يتبع مور النص لتساوي الجواهر في الجسمية فالمشترك إنما لحقه حكم التنجيس باعتبار كفره وقد
انتفى موته (بموته) فينتفي الحكم التابع ويلحقه حكم آخر شرعي تابع للموت والحكمان متغايران. الرابع: ما يوجب نزح خمسين وهو الدم الكثير والعذرة الرطبة
أما الدم فقال الشيخ في النهاية: الكثير خمسون وكذا في المبسوط وقال المفيد في الكثير عشر وقال ابن بابويه في دم ذبح الشاة من ثلاثين إلى أربعين
13

وقال علم الهدى في المصباح في الدم: ما بين الدلو الواحدة إلى العشرين واما القليل فقال ابن بابويه: نزح دلاء يسيرة وقال المفيد: خمس دلاء وقال
في النهاية والمبسوط: عشر والأقوى ما ذكره ابن بابويه ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سألته عن
رجل ذبح شاة فاضطربت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما هل يتوضأ من ذلك البئر قال نزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا ثم يتوضأ ولا
بأس قال وسألته عن رجل ذبح دجاجة أو حمام فوقعت في بئر هل يصلح أن يتوضأ منها قال نزح منها دلاء يسيرة ثم يتوضأ منها وسألته عن رجل
يستقي من بئر ويرعف فيها هل يتوضأ منها قال نزح منها دلاء يسيرة وما ذكره السيد المرتضى فيمكن الاحتجاج له برواية زرارة عن أبي عبد
الله (ع) وهي قوله الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد نزح منه عشرون دلوا وقد تقدمت إلا أن هذا الحديث دل على نزح العشرين
فقول المرتضى من دلو إلى عشرين غير مطابق فإن قلت هذا الحديث يتناول الكثير وقول السيد المرتضى من واحد إلى عشرين يحمل على
التفصيل إن كان الزم قليلا فواحدة وإلا فعشرون وما بينهما يحتسب تفاوت الكثرة والقلة قلت هذا ضعيف من وجهين، الأول: أنه ليس
في قول المرتضى دلالة على تفصيل. الثاني: أن الحديث وقع جوابا عن قول السائل قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بئر قطر فيها قطرة دم أو خمر قال
الدم والخمر الحديث فالألف واللام ها هنا للعهد المسبوقية الذكر لفظا واستدل الشيخ في التهذيب على قول المفيد برواية محمد بن إسماعيل بن
بزيع في الصحيح قال كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن البئر يكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول
أو دم أو يسقط فيها شئ من العذرة كالبقرة أو نحوها ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة فوقع (عليه السلام) في كتابي بخطه ينزح منها دلاء قال
الشيخ وجه الاستدلال إن أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة فيجب للاخذ به إذ لا دليل على ما دونه وبعض المتأخرين سلم المقدمة الأولى
ثم قال لا نسلم أنه إذا جرد على (عن) الإضافة كانت حاله كذا فإنه لا يعلم من قوله عندي دراهم أنه لم يجز عن زيادة عن عشرة فإن دعوى ذلك باطلة والحق
ما ذكره الشيخ لان الإضافة منها وإن جردت لفظا لكنها مقدرة وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه إذا عرفت هذا فنقول لا بد من إضمار
عدد يضاف إليه تقديرا فيحمل على العشرة التي هي أقل ما يصلح إضافته إلى هذا الجمع أخذا بالمتيقن وحوالة على الأصل من براءة الذمة لا يقال فكان
يجب على الامام بيانه لما ذكرتم لأنا نقول يجوز أن يكون الإمام (عليه السلام) عرف من المخاطب علمه بالحاجة إلى الاضمار وبالبراءة الأصلية فكان
ذلك بمنزلة التنصيص وهاهنا نوع من التحقيق وهو أن هذا الحديث يمكن أن يستدل به على ما ذهب الشيخ إليه في القليل لان السؤال يضمن
قوله قطرات دم وهو جمع تصحيح ونص سيبويه على أن جمع التصحيح للقلة فيكون السؤال يضمن القليل وأما الحكم بالعدد فإما لما ذكره الشيخ وإما لأنه
جمع كثرة فيحمل على أقلها وهو العشرة وأما العذرة فقال ابن بابويه: لها عشر فإن ذابت فأربعون أو خمسون، وقال المفيد في المقنع: للرطبة أو الذائبة
خمسون ولليابسة عشر، وقال الشيخ: للرطبة خمسون ولليابسة عشر وقال المرتضى في المصباح: لليابسة عشر فإذا ذابت وتقطعت خمسون دلوا والأقوال
متقاربة فإن الرطبة واليابسة والذائبة اشتركتا في شياع أجزائهما في أجزاء الماء فيعلق بهما حكم واحد بخلاف اليابسة والرواية يتضمن ما ذكره ابن بابويه
روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن العذرة يقع في البئر فقال نزح منها عشر دلاء فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا ويمكن التعدية إلى
الرطبة للاشتراك في شياع الاجزاء ولأنها يصرح رطبة. [الخامس] ما يوجب نزح أربعين وهو موت الكلب أو الخنزير أو الثعلب والأرنب والشاة
والسنور وما أشبهها وبول الرجل هذا مذهب الشيخين ووافقهما السيد المرتضى في الكلب ووافقهما مع ابن بابويه في القول ولنذكر ما وصل
إلينا من الروايات في ذلك فإنها غير دالة على مقصودهم أما الكلب والسنور فروى الشيخ في الحسن عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (ع) في الفأرة والسنور
والدجاجة والطير والكلب قال: ما لم ينفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء فإن تغير الماء فخذه حتى
يذهب الريح وفي موضع آخر فخذ منه حتى
يذهب الريح وروى في الضعيف عن عمرو بن سعيد بن هلال قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عما يقع في البئر ما بين الفأرة والسنور إلى الشاة فقال كان
ذلك يقول سبع دلاء وروى الشيخ عن حسين بن سعيد عن القاسم عن علي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الفأرة يقع في البئر قال سبع دلاء قال
وسألته عن الطير والدجاجة يقع في البئر قال سبع دلاء والسنور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا والكلب وشبهه وهذه الرواية ضعيفة فإن
القاسم بن محمد وعلي بن أبي حمزة واقفيان قال الشيخ عقيب هذا لحديث وهذا يدخل فيه الشاة والغزال والثعلب والخنزير وكل ما ذكر وروي في
الضعيف عن سماعة قال سألت أبا عبد الله (ع) إلى قوله وإن كانت سنورا أو أكبر منه نزحت منها ثلاثين دلوا أو أربعين دلوا وروى في الصحيح عن زرارة
ومحمد بن مسلم ويزيد بن معاوية العجلي عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما السلام) في البئر يقع فيها الدابة والفأرة والكلب والطير فيموت قال: يخرج ثم
نزح من البئر دلاء ثم اشرب وتوضأ وقد تقدم البحث في هذه الرواية وروي في الضعيف عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه إن عليا (ع) كان يقول
الدجاجة ومثلها يموت في البئر نزح منها دلوان و (أو) ثلاثة فإذا كانت شاة وما أشبهها فتسعة أو عشره وروى عن البقباق مثل رواية زرارة و
محمد بن مسلم وبريد ومثلها روى علي بن يقطين عن الباقر (ع) إلى الكاظم (ع) إلا أنه ذكر عوض الدابة والطير الحمامة والدجاجة وزاد أو الهرة وذكر
العطف بأو وقد تقدمت أيضا وفي رواية أبي مريم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) إذا مات الكلب في البئر نزحت وفي رواية ياسين عن حريز عن زرارة
14

عن أبي عبد الله (ع) قال: الدم والخمر والميتة ولحم الخنزير في ذلك كله واحد نزح منه عشرون دلوا وفي رواية عمار عن أبي عبد الله صلى الله عليه وآله نزف البئر
كلها لوقوع الكلب والفأرة والخنزير ورواتها فطحية وقال ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه: نزح للكلب عن ثلاثين إلى أربعين، وفي السنور سبع، وفي الشاة
وما شابهها تسعة إلى عشرة ويمكن أن يكون حجته رواية إسحاق بن عمار وأما البول فقد روى الشيخ عن علي بن حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن
بول الصبي العظيم يقع في البئر فقال: دلو واحد قلت بول الرجل قال: نزح منها أربعون دلوا وعلي بن حمزة لا يعول على روايته غير أن الأصحاب قبلوها وفي رواية
معاوية بن عمار في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) في البئر يبول فيها الصبي أو يصيب فيها بول أو خمر قال ينزح الماء كله وحمله الشيخ على التغير وفي رواية
كردويه نزح ثلاثون وقد تقدمت وفي رواية محمد بن بزيع في الصحيح نزح منها دلاء من غير ذكر تفصيل البول والأقرب في العمل عندي الاخذ برواية
محمد بن بزيع لسلامة سندها ويحمل الدلاء على رواية كردويه فإنها لا بأس بها ورواية معاوية بن عمار يحمل على التغير في البول أو على الاستحباب ففرعان
الأول: لا فرق بين بول الكافر والمسلم لاطلاق الاسم. الثاني: لا فرق بين المرأة والرجل إن عملنا برواية محمد بن بزيع أو رواية كردويه وإن عملنا برواية
علي بن حمزة حصل الفرق وابن إدريس لم يفرق بينهما من مأخذ آخر قال: لأنها انسان والحكم معلقا (معلق) عليه معرفا باللام الدال على العموم ومقدماته
كلها فاسدة نعم لا فرق في المرأة بين الصغيرة والكبيرة في وجوب الأربعين. [السادس] ما يوجب نزح ثلاثين وذلك روى الشيخ عن كردويه وقال سألت
أبا الحسن (ع) عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرؤ الكلاب قال ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت منجزة؟.
[السابع] ما يوجب نزح عشر وهو الدم القليل والعذرة اليابسة على ما ذكره الأصحاب وقد تقدم. [الثامن] ما يوجب نزح سبع وهو أقسام {أحدها}
موت الطير اختار الشيخان والسيد المرتضى ومن تابعهم ويدل عليه رواية أبي أسامة وأبي يوسف يعقوب بن هشيم عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا وقع في البئر
الطير والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء وكذا في رواية علي بن أبي حمزة وقد تقدمت في قسم الكلب وكذا في رواية سماعة عن أبي عبد الله (ع)
وفي رواية زرارة ومحمد بن مسلم ويزيد بن معاوية عنهما (عليهما السلام) دلاء وقد تقدمت وكذا في رواية البقباق ورواية علي بن يقطين وفي رواية الحلبي في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا سقط في البئر صغير فمات فيها فانزح منها دلاء قال: فإن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء وإن مات فيها بعير
أو صب فيها خمر فلينزح وفي رواية عبد الله بن سنان في الحسن عن أبي عبد الله (ع) قال: سقط في البئر دابة صغيرة أو يبول فيها جنب نزح منها سبع دلاء
وفي رواية إسحاق بن عمار والدجاجة ومثلها يموت في البئر نزح منها دلوان أو ثلاثة وفي رواية أبي أسامة في الحسن عن أبي عبد الله (ع) وفي الفأرة و
السنور والدجاجة والطير والكلب قال: ما لم ينفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء وإن تغير الماء فخذه حتى يذهب الريح قال ابن إدريس:
والسبع يجب للنعامة والحمامة وما بينهما. {وثانيها} اغتسال الجنب ويدل عليه رواية الحلبي وابن سنان وفي رواية أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الجنب يدخل البئر فيغتسل منها قال: نزح منها سبع دلاء وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في البئر يقع فيها الميتة قال: إذا كان له ريح
نزح منها عشرون دلوا وقال إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء. تنبيه: قال ابن دريس يتعلق بالارتماس بحيث يغطي ماء البئر
رأسه بالنزول والروايات التي أوردناها ليس فيها إشعار بذلك فرواية الحلبي بعبارة الوقوع ورواية ابن سنان بعبارة النزول ورواية أبي
بصير بالدخول والاغتسال ورواية محمد بن مسلم بالدخول آخر هذا الحكم إنما يتعلق مع الخلو عن النجاسة العينية كذا ذكره ابن إدريس بناء فيه على أن
المني يوجب نزح الجميع ونحن لما لم يقع عندنا دلالة على وجوب النزح للمني لا جرم توقفنا في هذا الاشتراط ومعنى؟ أن يعلم أن القائلين
بتنجيس البئر منهم من قال بالمنع من المستعمل في الكبرى فأوجب النزح للجنب كالشيخين ومنهم من لم يمنع منه فلم يتعرض للنزح كالمرتضى إلا سلار
فإنه أوجب النزح ولم يمنع من الاستعمال أما نحن فلما أوجبنا النزح للتعبد قلنا بالوجوب ها هنا عملا بهذه الروايات {وثالثها} خروج
الكلب بعد وقوعه لرواية أبي إبراهيم في الصحيح قال حدثنا جعفر قال قال أبو جعفر (ع): إذا مات الكلب في البئر نزحت وقال جعفر إذا وقع فيها ثم
اخرج منها حيا نزح منها سبع دلاء وهو اختيار الشيخ في المبسوط وقال في النهاية وقد روى إذا وقع فيها كلب وخرج حيا نزح منها سبع دلاء وابن إدريس
استضعف هذه الرواية وقال نزح منها أربعون دلوا ولا أعرف من أين هذا الاستضعاف والتقدير الذي صار إليه فإن كان استضعافه لقول الشيخ في
النهاية وروي (وروايته) فهو خيال فاسد. {ورابعها} الفأرة إذا تفسخت أو انفسخت كذا قال المفيد وأبو الصلاح وسلار وقال الشيخ إذا تفسخت فسبع دلاء وقال
المرتضى في المصباح في الفأرة سبع وقد روى ثلاث وقال ابن بابويه وإن وقع فيها فأرة فدلو واحدة وإن تفسخت فسبع دلاء وما رواه أبو سعيد
المكاري عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا وقعت الفأرة في البئر فتفسخت فانزح منها سبع دلاء وما رواه منصور قال حدثني عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع)
قال نزح منها سبع إذا بال فيها الصبي أو وقعت فيها فأرة أو نحوها ولا يحضرني الآن حال رواة هذه الأحاديث لكن روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن
عمار قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الفأرة والوزغة وقع في البئر قال: نزح منها ثلاث دلاء ومثله روى في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) وروى
في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا سقط في البئر حيوان صغير فمات فيها فانزح فيها دلاء وروي في الحسن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام): إن سقط في البئر دابة صغيرة أو نزل فيها جنب نزح منها سبع دلاء علق الحكم على موت صغير الحيوان الصادق على الفأرة فيوجد عند ثبوته وروى
15

عن سماعة عن أبي عبد الله (ع) في الفأرة يقع في البئر أو الطير قال إن أدركته قبل أن ينتن نزحت منه سبع دلاء وسماعة واقفي والراوي عن عثمان بن عيسى
واقفي فالاستدلال بها ضعيف وفي رواية علي بن يقطين في الصحيح نزح منها دلاء من غير ذكر التفسخ والعدد وكذا في رواية زرارة ومحمد ويزيد عنهما وقد
تقدمت وفي رواية أبي أسامة في الحسن إذا لم ينفسخ أو يتغير طعم الماء خمس دلاء وفي رواية علي بن أبي حمزة سبع دلاء ولم يذكر التفسخ وهي ضعيفة السند
وكذا في رواية عمر وبن سعيد بن هلال وهي ضعيفة أيضا وكذا في رواية أبي أسامة وأبي يوسف يعقوب بن هشيم وروى في الصحيح عن ابن مسكان
قال سألت أبا عبد الله (ع) عما يقع في الآبار قال: أما الفأرة فينزح منها حتى يطيب وإن سقط فيها كلب فقدرت على أن ينزح ما فيها فافعل وكل
شئ سقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس به ولكن هذه الرواية إنما يدل على ما وجد فيه التغيير لدلالة قوله (عليه السلام)
حتى يطيب عليه وروى أبو خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن الفأرة يقع في البئر قال إذا ماتت ولم ينتن نزح أربعين دلوا وحمل
الشيخ هذه الرواية على الاستحباب وإطلاق الرواية بالسبع على التفسخ وبالثلاث على عدمه وقد عرفناك ضعف الروايات الدالة على التفصيل
مع أن في رواية أبي أسامة نزح خمس مع عدم التفسخ وخامسها: بول الصبي ويدل عليه رواية منصور عن عدة من أصحابنا وقد تقدمت في الفأرة وفي رواية
علي بن حمزة نزح لبول الصبي العظيم دلو واحد. [التاسع] ما يوجب نزح خمس دلاء وهو زرق الدجاج اختاره الشيخ وقيده المفيد وابن إدريس
بالجلال ولم أقف على حديث يدل على شئ منها. [العاشر] ما يوجب نزح ثلاث وهو موت الفأرة مع عدم التفسخ على ما ذكره الشيخ وبول الصبي إذا
أكل الطعام على ما ذكره السيد المرتضى وبول الصبي الرضيع على ما ذكره أبو الصلاح وقد تقدم البحث في ذلك كله ولموت الحية سواء تفسخت
أو لا وألحق الشيخ بها الوزغة والعقرب واقتصر المفيد على الوزغة وقال أبو الصلاح للحية والعقرب ثلاث دلاء وللوزغة دلو واحدة وقال
علي بن بابويه إذا وقع فيها حية أو عقرب أو خنافس أو بنات وردان فاستق للحية دلو وليس عليك فيما سواها شئ وابن إدريس اقتصر على الحية
بثلاث أما الحية فلم يقف على حديث يدل على ما ذكروه فيها ويمكن التمسك فيها بحديث عبد الله بن سنان الدال على حكم الدابة الصغيرة ولكنه
يدل على نزح سبع دلاء وأما الوزغة فيدل عليه روايتا معاوية بن سنان في الصحيح وقد تقدمنا في فصل الفأرة وفي رواية الحلبي في الصحيح
عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا سقط في البئر حيوان صغير فانزح منها دلاء وهي دالة على الوزغة والحية أيضا ويحمل على الثلاثة أخذ بالمتيقن في
أقل الجمع وفي رواية يعقوب بن عثيم قال قلت لأبي عبد الله (ع) سام أبرص وجدناه قد تفسخ في البئر قال: إنما عليك أن تنزح منه سبع دلاء قال قلت
فثيابنا التي صلينا فيها نغسلها ونعيد الصلاة قال: لا وسئل جابر بن يزيد الجعفي أبا جعفر (عليه السلام) عن السام أبرص يقع في البئر فقال: ليس بشئ حرك الماء
بالدلو وجمع الشيخ بينهما بأن حمل الثاني على عدم التفسخ والأولى عندي تعلق الحكم وهو نزح الثلاث بالحية دون غيرها مما عددناه لوجود النفس السائلة
لها دون غيرها وميتها نجسة وحمل رواية يعقوب في سام أبرص على الاستحباب أما {أولا} فلرواية جابر. وأما {ثانيا} فلانها لو كانت نجسه بوقوعه لما أسقط عنه
غسل الثوب وسئل يعقوب بن عثيم أبا عبد الله (ع) فقال له بئر ماء في مائها ريح يخرج منها قطع جلود فقال: ليس بشئ إن الوزغ ربما طرح
جلده وإنما يكفيك من ذلك دلو واحد وربما كان في ذلك اعتماد أبي الصلاح وفي رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته
عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع بالماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ به قال: يسكب منه ثلاث مرات وقليله وكثيره بمنزلة
واحدة ثم يشرب منه ويتوضأ غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه والأقرب عندي. تفريعا على القول بالتنجيس استحباب النزع (النزح) للعقرب
أيضا يدل عليه ما رواه ابن مسكان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله وكل شئ وقع في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس
وأشباه ذلك فلا بأس وفي رواية المنهال بن عمرو قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) العقرب تخرج من البئر ميتة قال: استق منها عشرة دلاء قال فقلت
فغيرها من الجيف قال: الجيف كلها سواء إلا جيفة قد أجيفت فإن كانت لجيفة قد أجيفت فاستق منها مائة دلو فإن غلب عليها الريح بعد مئة دلو فانزحها كلها فما تضمنت
هذه الرواية منه نزح العشرة على جهة الاستحباب ومنهال لا يحضرني الآن حاله فإن كان ثقة فالرواية صحيحة ولنا ما روي عن أبي عبد الله (ع)
قال: لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة. [الحادي عشر] ما نزح له دلو واحدة وهو العصفور وشبهه
فقال به الشيخان وأتباعهما
ويدل عليه رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال سأل أبو عبد الله (ع) وذكر الحديث إلى أن قال وأقل ما يقع في البئر عصفور نزح منها
دلو واحد وعمار فطحي لكن الأصحاب قبلوا روايته وشهدوا بالثقة وفي رواية الحلبي في الصحيح ورواية ابن سنان في الحسن دلالة على نزح ما هو
أكثر وقد تقدمنا وأما البول فقد مضى الكلام فيه وحد ابن إدريس الرضيع بمن كان له دون الحولين سواء أكل الطعام أو لا وقال أبو الصلاح
لبول الصبي الرضيع ثلاث دلاء ويلحق الضمير شئ ما بعصفور كل طائر في حال صغره وفيه إشكال والأقرب إلحاقه بنوعه لتناول الاسم واشترط الراوندي
فيه أن يكون مأكولا قال: واحترز بذلك عن الخفاش فإنه نجس وهو أشد إشكالا من الأول وللحنفية تقسيم آخر للنجاسة الواقعة في البئر قال إما
أن يكون ذا روح أولا والثاني: أوجب نزح الجميع كالبول والدم والخمر قلت أو كثرت والأول لا يخلو إما أن يكون فأرة ونحوها كالعصفور
وشبهها ودجاجة ونحوها كالسنور أو شاة ونحوها كالانسان فلا يخلو إما أن يخرج حيا أو ميتا واجد الموت لا يخلو إما إن يكون منتفخة
16

أو منفسخة تمعط شعرها أو غير منتفخة أو غير منفسخة ولم يتمعط شعرها فإن خرج حيا فلا يوجب النزح شئ منها إلا الكلب والخنزير ذكره القاضي و
الشهيد في نكته وقال إن الفأرة إذا وقعت في البئر هاربة من الهر فإنها توجب تنجيس ماء البئر وإن خرجت حية لأنها نقول؟ من فرعها وكذا الهرة إذا
وقعت هاربة من الكلب وغير الكلب والخنزير إذا خرج حيا لم ينزح له شئ إذا لم يصب الماء فمه فإن أصاب فمه فإن كان سؤره طاهرا فالماء طاهر و
إن كان نجسا فالماء نجس وإن كان مكروها فالماء مكروه ويستحب أن ينزح منها عشر دلاء وإن كان سؤره مشكوكا كالبغل والحمار نزح الماء كله
كذا ذكر في الفتاوي عن أبي يوسف وإن استخرج بعد التفسخ ويمعط الشعر نزح الماء كله في الفضول بأسرها وإن استخرج قبله بعد الموت فإن كان
فأرة ونحوها نزح منها عشرون دلوا أو ثلاثون بعد اخراجها وإن كان سنورا وشبهه نزح منها أربعون وخمسون وإن كانت شاة وشبهها نزح الماء
كله حتى يغلبهم الماء وفي الإوزة والنحلة والجدي روايتان عن أبي حنيفة إحديهما أنها كالشاة والأخرى كالدجاجة وهم اختلفوا في نزح الماء كله فقال
محمد في النوادر إذا نزح ثلاث مائة دلو أومأتا دلو فإن لم ينزف فقد غلبهم الماء وروي عن أبي حنيفة أنه قال: ينزح منها مائتا دلو وفي رواية مائة
دلو وعن أبي يوسف روايتان إحديهما يجوز جانبها حفرة مقدار عرض الماء وطوله وعمقه فتخصص ونزح ماؤها فيصيب (فيصب) فيها حتى يملا فإذا امتلأت
حكم بطهارتها والأخرى يرسل فيها قصبة أو خشبة فيجعل لمبلغ الماء علامة ثم نزح منها عشرون دلوا أو ثلاثون فنظر كم انتقص فإن انتقص شبر نزح
لكل شبر ذلك المقدر إلى آخره وقيل يؤتى برجلين عارفين بأمر الماء فيحكمان فيه فينزح مقدار ما حكما به وقال الكرخي يحكم بالاجتهاد وإن يسكن قلبه
أنه طهر حكم به قالوا وهذا كله استحسان والقياس إما أن لا يحكم بنجاسة الماء كما قال الشافعي وإن حكم بالنجاسة لا يحكم بالطهارة بعد ذلك كما قال بشر
يطم البئر ونحن قد عرفت ما عندنا فيه من أن المراد بنزح كل الماء نزح الجميع بحيث لا يبقى منه شئ ولا يتقدر بقدر ومع التعذر بالتراوح عملا بالنص.
فروع [الأول] إذا تغير ماء البئر بالنجاسة نجس وهو اتفاق علماء الاسلام واختلف الأصحاب في تطهيره فقال الشيخان ينزح الجميع فإن تعذر
نزح حتى يطيب وقال السيد المرتضى وابنا بابويه مع التعذر يتراوح عليها أربعة رجال يوما وقال أبو الصلاح نزح حتى يزول التغير وقال ابن إدريس
إن كانت مما يوجب نزح الجميع نزح ومع التعذر تراوح الأربعة يوما فإن زال التغير طهرت وإلا نزحت حتى يزول التغير ولا يتقدر بعد ذلك بمدة
بل بالزوال وإن كان مما يوجب نزح مقدار محله ود؟ نزح المقدر فإن زال التغير طهرت وإلا نزحت حتى يزول والأولى عندي ما ذكره أبو الصلاح. لنا:
رواية أبي أسامة في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) فإن تغير الماء فخذ حتى يذهب الريح ورواية ابن بزيع في الصحيح عن الرضا (ع) فينزح منه حتى يذهب
الريح ويطيب طعمه لأنه له مادة وحينئذ رواية سماعة وإن أنتن حتى يوجد ريح النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء وفي رواية زرارة
فإن غلبت الريح نزحت حتى يطيب ولان العلة التغير بالنص والدوران في الطرفين على مذهبنا وقد زال فيزول الحكم التابع ولأنه قبل وقوع التغير
طاهر فكذا بعده مع زوال التغير والجامع المصلحة الناشئة من الطهارة في الحالين ولان نزح الجميع حرج وضرر فيكون منفيا ولأنه لو لم يكن زوال
التغير غاية لزم إما خرق الاجماع أو الفرق بين الأمور المتساوية بمجرد الحكم وإلحاق الأمور المختلفة بعضها ببعض لمعنى غير معتبر شرعا والتالي بامتا؟؟
باطل والمقدم مثله بيان الملازمة إنه حينئذ إما أن لا يطهر بالنزح وهو خرق الاجماع أو يطهر فإما نزح الجميع حالتي الضرورة والاختيار وهو خرق الاجماع
أيضا فإما أن ينزح الجميع حالة الاختيار وبالزوال حالة الضرورة والعجز وهو الفرق بين الأمور المتساوية ضرورة تساوي الحالتين في التنجيس أو الجميع
في الاختيار وبالتراوح عند الضرورة قياسا على الأشياء المعينة الموجبة لنزح الجميع وهو قياس أحد المختلفين على الآخر ضرورة عدم النص
الدال على الالحاق أو ينزح شئ معنى (معين) وهو خرق الاجماع ضرورة عدم القائل به من الأصحاب لا يقال لا نسلم تساوي حالتي الضرورة والاختيار لأنا
نقول يعني بالتساوي ها هنا اتحادهما في الحكم بالتنجيس مع سقوط التعليل بالمشقة والحرج في نظر الشرع إذ هو حوالة على وضوء (وجه ص) خفي مضطرب
ومثل هذا لا يجعله الشارط مناطا للحكمة ولأنه يشتبه الجاري بمادته فيشبهه في الحكم وقد نص الرضا (ع) عن هذه العلة ولا شك في أن الجاري يطهر
بتواتر جريانه حتى يزول التغير فكذا البئر إذا زال التغير لنزح يعلم حصول الجريان من النابع الموجب لزوال التغير حجة الشيخ ما رواه في الصحيح عن أبي
عبد الله (ع): فإن نتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر وفي رواية منهال وإن كان جيفة قد أجيفت فاستق منها مئة دلو قال (فإن): غلب عليها الريح بعد مائة دلو فانزحها كلها
دلائه ماء محكوم بنجاسته إجماعا فالتقدير تحكم والجواب عن الحديث الأول من وجهين {أحدهما} يحتمل نزحت البئر حتى تطيب ويجب المصير إليه جمعا بين
الاخبار. {الثاني} يحتمل أن الماء قد تغير تغيرا لا يزيله إلا نزح الجميع إما لقلته أو أغلبية النجاسة وعن الثاني: بالوجه الثاني من هذين ويدل عليه العادة
فإن من المستبعد نزح مئة دلو من ماء متغير ولا يزول تغيره إلا لغلبة النجاسة وضيق مجاري الماء وقلة الجريان وعن الثالث: بالمنع من التحكم
وبالخصوص مع وجود النص المتقدم. [الثاني] إذا وقع فيها نجاسة لم يقدر لها الشارع منزوحا ولم يغير الماء فعندنا لا يتعلق به حكم والقائلون
بالتنجيس اختلفوا فقال بعضهم بالجميع لأنه ماء محكوم بنجاسته فلا بد من النزح والتخصيص ببعض المقادير ترجيح غير مرجح فوجب نزح الجميع
وبعضهم أوجب نزح أربعين لرواية كردويه وهو إنما يدل على نزح ثلاثين ومع ذلك فالاستدلال بها لا يخلو من تعسف وتردد الشيخ في المبسوط والأقوى
عندي تفريعا على التنجيس الأول. [الثالث] المعتبر في الدلو العادة لعدم النص الدال على التقدير وأبو حنيفة قال: إن كان بها دلو معروف
17

نزح به وإلا اتخذ (كل) دلو تسع عشر أرطال وقيل ثمانية أرطال. [الرابع] لو تعلق الحكم بعدد معين نزح بدلو عظيم يسع ذلك العدد (و) ليس لأصحابنا فيه نص
والواجب عدم الاجزاء بالحكم تعلق بعدد معين ومقدار معين فالمساوي لأحدهما غير مخبر؟ (مجز) وهو اختيار زفر وقال أبو حنيفة وصاحباه: يحكم بالطهارة.
[الخامس] لا ينجس جوانب البئر بما يصيبها من النزح للمشقة المنفية وهو أحد وجهي الشافعية والآخر ينجس فيغسل لو أريد تطهيرها وليس بجيد للضرر
وعدم إمكان التطهير وعن أحمد روايتان كالوجهين. [السادس] لا يجب غسل الدلو بعد الانهاء؟ لعدم الدليل الدال على ذلك ولأنه حكم شرعي
فكان يجب على الشرع بيانه ولأنه يستحب زيادة النزح في البعض ولو كان نجسا لتعدت النجاسة إلى الماء. [السابع] لا يجب النية في النزح لعدم الدليل الدال على
الوجوب ولأنه ليس في نفسه عبادة مطلوبة بل معنى وجوب النزح مع عدم جواز الاستعمال إلا به بأنه مستقر في الذمة فجرى مجرى إزالة النجاسة. فرع: يجوز أن
يتولى النزح البالغ وغيره والمسلم وغيره مع عدم المباشرة للمقتضى وهو النزح السالم عن معارضة اشتراط النية. [الثامن] يحكم بالطهارة عند مفارقة آخر
الدلاء لوجه الماء والمتساقط من الدلو معفو عنه للمشقة ولان الحكم بالطهارة متعلق بالنزح وقد حصل ولان البئر معدن الطاهر والدلو معدن النجس فإذا
انفصل عن وجه الماء تميز النجس عن الطاهر فيطهر كما لو نحي عن رأس البئر وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يطهر إلا إذا نحي عنه رأس البئر لان الفصل بين ماء
البئر وماء الدلو واجب للغسل بين الطرفين وماء البئر متصل بالدلو حكما أنه لا ينجس الماء بما يتقاطر منه فحكم المتقاطر منه حكم ماء البئر فلا يقع الانفصال من كل وجه
بخلاف ما إذا نحي عن رأس البئر لأنه انفصال حقيقي ولهذا لو عاد شئ من ماء الدلو البئر وجب النزح ثانيا. [التاسع] إذا وجدت الجيفة في البئر فإن غيرت
الماء حكم بنجاسته من حين الوقوف على التغير وإلا فلا سواء وجدت منتفخة أو لا هذا على رأينا وأما القائلون بالتنجيس فحكموا به من حين الوجدان واختيار أبي
يوسف ومحمد لان النجاسة في الحال حقيقية وفي الماضي مشكوك فيه لاحتمال موتها خارجا وانتفائها (وانتفاخها) ثم سقوطها فلا تثبت النجاسة في الماضي بالشك وعند
أبي حنيفة إن وجدت منتفخة حكم بنجاستها منذ ثلاثة أيام ولياليها وإن كان غير منتفخة منذ يوم وليلة لان الموت حادث لا بد له من سبب ظاهر والوقوع في
الماء سبب صالح فيضاف إليه للمناسبة ومن المعلوم أنه لا موت بالسقوط في زمان قصير بل يمضي مدة كثيرة ونهايتها غير مضبوطة فقدرنا بيوم وليلة الذي
هو أدنى الكثرة والانتفاخ يفتقر إلى زمان أكثر من زمان الموت وغير ممكن أن يوقف عليه فقدرناه بثلاثة أيام ولياليها وقال كره أبو حنيفة ليس
بجيد لان الوصف المذكور ذكره مناسب مرسل غريب فمن لم يشهد به أصل من الأصول بالاعتبار بطريق من الطرق فكان مرسلا ولم يعتبر جنسه البعيد
في جنس الحكم فكان غريبا فيكون مردودا اتفاقا وأيضا المناسبة إنما تتم على تقدير عدم وجود مفسدة راجحة أو متساوية والمفسدة هنا موجودة
وهي الضرر الحاصل من التنجيس في الماضي وأيضا الموت حاصل من الله تعالى فكيف يطلب له سبب ظاهر وبالخصوص مع عدم توقف الموت على السبب دائما
ولا أكثريا وأيضا التقييد لأدنى كثرة الموت بيوم وليلة ولأدنى الانتفاخ بثلاث تخمين غير مطابق للموجود بل في الغالب يحصلان لأقل من المقدرين.
[العاشر] إذا تكررت النجاسة فإن كانت من نوع واحد فالأقرب سقوط التكرير في النزح لان الحكم متعلق على الاسم المتناول للقليل والكثير
لغة أما إذا تغايرت فالأشبه عندي التداخل. لنا: أنه بفعل الأكثر تمثيل الامرين فيحصل الاجزاء وقد بينا أن النية غير معتبرة فلا يقال إنه يجب عليه
النزحات لكل نجاسة مقدار متغاير لا يقال يلزم تحليل الشئ الواحد بعلل متغايرة وهو محال لأنا نقول الحق أن هذه علامات ومعرفات لا علل
عقلية ولا استحالة في اجتماع المعرفات ويحتمل التزايد لان كثرة الواقع يزيد مقدار النجاسة فيؤثر زيادة شياع للنجاسة في الماء ولهذا اختلف
النزح زيادة مقدار الواقع وموته وإن كان طاهرا في الحياة. [الحادي عشر] لو وقع جزء الحيوان في البئر كيده ورجله يحكم بحكمه عملا بالاحتياط
الدال على المساواة بأصالة البراءة الدالة على عدم الزيادة. [الثاني عشر] النزح إنما يجب بعد اخراج النجاسة وهو متفق عليه بين القائلين في
التنجيس فإنه قبل الاخراج لا فائدة فيه وإن كثر. [الثالث عشر] لو وجب نزح عدد معين فنزح الدلو الأول ثم صب فيها فالذي أقول تفريعا
على القول بالتنجيس إنه لا يجب نزح ما زاد على العدد عملا بالأصل ولأنه لم يرد النجاسة بالنزح والالقاء وكذا إذا ألقا الدلو الأوسط
أما لو ألقى الدلو الأخير بعد انفصاله عنها فالوجه دخلوه تحت النجاسة التي لم يرد فيها نص وكذا لو رمى الدلو الأول في بئر طاهر ألحق بغير المنصوص
وقالت الحنفية تطهر البئر الثانية بما يطهر به البئر الأولى وليس بجيد لان النزح الأول وجب لنجاسة معينة والماء المصبوب مغاير لها فلا يلحقه
حكمها من حيث النص وأما القياس فيه فباطل خصوصا على رأيهم في أنه لا يجري الغاسق (القياس ظ) في الأمور المقدرة كالحدود والكفارات ولو ألقيت النجاسة
المعينة وما وجب لها من المنزوح في الطاهرة فالأولى التداخل وهو مذهب الحنفية. [الرابع عشر] لو غار ماؤها قبل النزح ثم ظهر فيها
بعد الجفاف ماء فالأصل فيه الطهارة لا يقال ظهور الماء عقيب الجفاف أمارة على أن العائد هو الأول لأنا نقول
جاز أن يكون هو الأول و
جاز أن يكون قد انصب إليها من واد وجهات لها وإذا جاز الأمران جوازا متساويا كيف يجعل الإعادة أمارة على أحد الجائزين دون الآخر
لا يقال قد يعلق عليها الحكم بوجوب النزح فلا يسقط إلا به لأنا نقول النزح لم يتعلق بالبئر بل بمائها المحكوم بنجاسته الذي لا يعلم وجوده فالتكليف
بالنزح منه تكليف بما لا يطاق ولان التكليف سقط وقت الذهاب فعوده يحتاج إلى دليل مستأنف. [الخامس عشر] لو سبق إليها نهر من الماء الجاري
وصارت متصلة به فالأولى على التخريج الحكم بالطهارة لان المتصل بالجاري كأحد أجزائه فينزح عنه حكم البئر. [السادس عشر] الجنب إذا ارتمس فيها
18

هل يطهر أم لا نص في المبسوط أن لا يطهر ويمكن أن يكون ذلك منه بناء على مذهبه من أن الماء المستعمل في الكبرى لا يجوز استعماله لا من حيث إنه نجس لعدم ملاقاته
للنجاسة والعجب أن ابن إدريس القائل بطهارة المستعمل حكم هنا بنجاسة البئر ولم يوجد في الأحاديث شئ يدل عليه ولا في لفظ أصحابنا ذلك والحق عندي
بناء على التنجيس عدم تنجيس الماء والاكتفاء بالطهارة ولا ينافي ذلك وجوب النزح وقال أبو حنيفة: إذا ارتمس بغير نية الاغتسال فالماء نجس و
الرجل طاهر لان الماء مطهر بذاته وإنما يتنجس بعد مزايلته عن البدن وهو بناء على تنجيس المستعمل وعدم اشتراط النية وسيأتي البحث فيهما وقال أبو يوسف:
الرجل جنب والماء نجس لان صب الماء عنده شرط لإزالة الحدث ولم يوجد وإنما نجس لملاقاته البدن وهو النجس والمقدمتان ممنوعتان وقال محمد: ينجس
والماء طاهر والرجل طاهر لان الماء لا قى بدنه وهو مطهر متطهر ولا ينجس الماء لاشتراط نية التقرب عنده في صيرورة الماء مستعملا ولم يوجد. مسألة:
لا ينجس البئر بالبالوعة وإن قرب ما لم تتصل النجاسة. لنا: ما رواه محمد بن القاسم عن أبي الحسن (ع) في البئر يكون بينها وبين الكنيف خمس وأقل وأكثر
يتوضى منها فقال: ليس يكره في قرب ولا بعد يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء ولان طهارة الماء معلومة فلا تزول إلا مع تيقن السبب ولأنه حرج فيكون منفيا
نعم يستحب تباعدهما قدر خمس أذرع إن كانت البئر فوق البالوعة أو كانت الأرض صلبة ومع فقدهما سبع لما رواه الحسن بن رباط عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال سألته عن البالوعة يكون فوق البئر قال إذا كانت أسفل من البئر فخمس أذرع وإن كان فوق البئر فسبعة أذرع من كل ناحية وذلك كثير وفي رواية
قدامة بن أبي زيد الحمار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته كم أدنى ما يكون بين البئر وبين الماء وبين البالوعة فقال: إن كان
سهلا فسبع أذرع وإن كان جبلا فخمس وفي رواية محمد بن السليمان الديلمي عن أبيه قال سألت أبا عبد الله (ع) عن البئر يكون إلى جنبها الكنيف فقال لي: إن (إنه) يجري
العيون كلها مع مهب الشمال فإذا كانت البئر نظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرها إن كان بينهما أذرع وإن كان الكنيف فوقا نظيفة
فلا أقل من اثنى عشر ذراعا وإن كان تجاها بحذاء القبلة وهو (وهما) مستويان في مهب الشمال فسبعة أذرع وفي رواية زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير
في الحسن قالوا: قلنا له بئر يتوضأ منها يجري البول قريبا منها أينجسها قال فقال إن كانت البئر في أعلى الوادي فالوادي يجري فيه البول من تحتها وكان بينهما
قدر ثلاثة أذرع أو أربعة لم ينجس ذلك شيئا وإن كانت البئر في أسفل الوادي يمر عليها الماء وكان بين البئر وبينه سبعة أذرع لم ينجسها وما كان
أقل من ذلك لم يتوضأ منه قال زرارة فقلت له إن كان يجري يلزمها وكان لا يثبت على الأرض فقال: ما لم يكن له قرار فليس به بأس فإن استقر منه قليل
فإنه لا يثقب الأرض ولا يغور حتى يبلغ البئر وليس على البئر منه بأس فتوضأ منه إنما ذلك إذا استنقع كله لا يقال هذا الحديث يدل على التنجيس من وجوه
{الأول} أنه علق عدم التنجيس بعدد فينتفي عند انتفائه. {الثاني} قوله وإن كان أقل من ذلك لم يتوضأ وما ذلك إلا التنجيس. {الثالث}
قوله ما لم يكن له قرار فليس به بأس دل من حيث المفهوم على ثبوت البأس مع الاستقرار. {الرابع} قوله وما كان منه قليلا لا يثقب الأرض فليس
به بأس دل على ثبوت البأس مع الكثرة. {الخامس} قوله إنما ذلك إذا استنقع كله دل بالنصوصية على ثبوت التنجيس مع الاستنقاع لأنا نقول
الجواب عما ذكرتموه من حيث الاجمال ومن حيث التفصيل ولنا الاجمال من وجهين: أحدهما: إن هؤلاء الرواة لم يسندوها عن إمام فيجوز
أن يكون قولهم قلنا إشارة إلى بعض العلماء وإن كان هذا الاحتمال مرجوحا إلا أنه غير ممتنع. الثاني: إن الوجه التي ذكرتموها غير دالة على
التنجيس بمنصوص الخطاب بل بمفهومه فلا يعارض النص وأما التفصيل والجواب عن الأول بالمنع من عدم الحكم عند عدم العدد ولنزد هذا تحقيقا فنقول
إذا كان العدد الناقص علة للعدم امتنع الوجود في الزائد لوجود علة العدم فيها أما لو كان الناقص موصوفا بحكم لم يجب اتصاف ا لزائد به فإنه لا يلزم
من إيجاب الثمانين إيجاب الزائد إذا كان العدد موصوفا بوصف الإباحة كان الناقص عنه إذا كان داخلا تحته في كل حال موصوفا بها كإباحة جلد
الثمانين المستلزم لإباحة العشرين وإن لم يدخل تحته النية لم يتعد الوصف إليه كإباحة العمل بالشاهدين وإن دخل في حال دون أخرى كالإباحة (كإباحة ظ) استعمال
ألف ومأتي رطل إذا وقع فيها نجاسة لم تدل على الثبوت في الأقل أما لو حرم عددا فقد يكون الأقل أولى بالتحريم كما في تحريم استعمال ما نقص عن
الكر مع وقوع النجاسة والمستلزم لتحريم استعمال ما نقص عن الناقص وقد لا يكون فإنه لا يستلزم تحريم جلد القاذف مائة تحريم الثمانين وحكم
الايجاب حكم الإباحة وعن الثاني: لا نسلم أن النهي نهي تحريم سلمنا لكن لا نسلم أنه للتنجيس وكيف يحكم بذلك من يستدل على التنجيس من أصحابنا وهم قد اتفقوا
على عدم التنجيس بالتقارب حدا. وعن الثالث: هذا مفهوم دليل الخطاب وهو ضعيف ولو سلم فلا نسلم أن البأس يستلزم التحرج وهو الجواب عن الرابع وعن الخامس
أنه ليس دالا على التنجيس بل على ثبوت البأس ولو أسلم لكن ليس مطلق الاستقرار مقتضيا للتنجيس بل الاستقرار الموجب للنفوذ ويدل عليه قوله فإن
استقر منه قليل فإنه لا يثقب الأرض ونحن نقول بموجبه فإنه مع النفوذ من المستبعد أن لا يقر؟ الماء فيحكم بالتنجيس حينئذ وفي رواية ابن بابويه عن أبي
بصير قال: نزلنا في دار فيها بئر وإلى جانبها بالوعة ليس بينهما إلا نحو من ذراعين فامتنعوا من الوضوء منها وشق ذلك عليهم فدخلنا على أبي عبد الله
(عليه السلام) فأخبرنا به فقال: توضأوا منها فإن لتلك البالوعة محاريب نصب في وادي يصيب في البحر وهذه الرواية مناسبة للمذهب وإن كان في طريقها
علي بن حمزة فيعمل عليها بموافقة الأصل وغيرها من الأحاديث. فروع: لو تغير ماؤها تغيرا يصلح إسناده إلى البالوعة فهو على الطهارة ما لم
يحصل اليقين بالاسناد وكذا غير البالوعة من النجاسات اخر لو وقع حيوان غير مأكول اللحم في البئر لم ينجسها مع خروجه حيا لان المخرج يعظم (ينضم ظ)
19

انضماما شديد الحرفة؟ فلا يحصل ملاقاة الماء لموضع النجاسة وما نقلناه عن أبي حنيفة أولا فليس شيئا البتة. [البحث الثاني] في المضاف
وهو كل ما افتقر صدق اسم الماء عليه إلى تقييد وصح سلب المطلق عنه سواء اعتصر من جسم أو استخرج منه أو مزج به ما يسلبه الاطلاق كماء الرمان و
الورد والزعفران وهو ظاهر إجماعا ولان الأصل الطهارة والنجاسة طار فيقتصر إلى السبب ولا يرفع حدث إجماعا منا وما اخترناه مذهب الشافعي ومالك
وأحمد وأبي عبيدة خلافا لأبي حنيفة فإنه جوز الوضوء بنبيذ التمر مع عدم الماء إذا ان حلوا أو قارسا ولو غلى واشتد وقذف بالزبد لم يجز التوضؤ
به في رواية ولو أنه طبخ أدنى طبخة فحكمه حكم المثلث من العنب فإنه يجوز شربه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد لا يتصور فما دام حلوا فهو على
الاختلاف المذكور ولو غلى واشتد قال أبو حنيفة: له أن يتوضأ به وقال محمد: ليس له أن يتوضأ به كما اختلفوا في شربه وقال
الأوزاعي يجوز التوضؤ ما لا يشد؟ كلها حلوا كان أو غير حلو مسكرا أو غير مسكر إلا الخمر خاصة وقال نوح بن أبي مريم عن أبي حنيفة إن التوضؤ
بنبيذ التمر منسوخ وقال أبو يوسف: يتيمم ولا يتوضى بالنبيذ قال وذكر الحسن عن أبي حنيفة أنه يجمع بين التيمم والنبيذ فإن ترك أحدهما لم يجز صلاته
وقال محمد: يجوز أن يجمع بينهما احتياطا أيهما ترك لا يجوز وأيهما قدم وأخر جاز وقال الحسن البصري: لا بأس بالوضوء بالنبيذ وقال عكرمة: النبيذ
وضوء لمن لم يجد الماء وقال إسحاق (استحق ظ): النبيذ حلوا أحب من التيمم وجمعهما أحب إلي. لنا: وجوه {أحدها} قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) أوجب التيمم عند
عدم الماء المطلق وواجد المضاف غير واجد للمطلق فانتفت الواسطة. {الثاني} رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون معه
اللبن أيتوضى منه للصلاة قال: لا إنما هو الماء والصعيد نفى أن يكون غير الماء المطلق والتراب مطهر. {الثالث} الوضوء حكم شرعي فيقف
تحصيله على الشرع والذي قطع الشرع الحصول به الماء المطلق هو فبقي الباقي غير مجزي. {الرابع} منع الدخول في الصلاة لأجل الحدث
مستفاد من الشرع فيستمر ما لم يظهر دلالة شرعية على زواله. {الخامس} لو حصل رفع الحدث بالنبيذ فحصل بماء الباقلا المغلى والمقدم
كالتالي باطل بيان الشرطية الارتفاع لو حصل في محل النزاع كان لرجحان صفة المائية الأصلية على صفة الحلاوة الفرعية عملا بالمناسبة ولو
كان كذلك لزم حصول الارتفاع بماء الباقلا ترجيحا للمائية الأصلية على صفة الارمية؟؟ إذ القول بالافتراق مع التساوي في الداعي ممتنع اتفاقا. {السادس} لو حصل الرفع بالمضاف لكان لكونه منصوصا عليه أو في معناه أو بغيرها والحصر ظاهر والأول باطل لان المنصوص عليه هو المطلق
ضرورة إن الاطلاق في الأسماء ينصرف إلى الكامل من المسميات اعتبروا بإجزاء التسليم في الزكاة دون غيره والكامل من الماء هو الباقي على الصفات الأصلية
فإذا تبدلت بأضدادها خرجت عن الكمال فلا ينصرف لفظ الاطلاق إليه ولان النصوص إنما وردت بالماء في أول خلقه ونزوله وهو حينئذ عار من
الإضافة وأما الثاني: فالناس قائلان منهم من لم يتعلل الطهورية في الماء ومنهم من عللها بتحصيل النظافة وعلى القول الأول لا قياس والمعنى الثاني
غير موجود في ماء الزعفران مثلا لأنه غير صالح للتنزه والتنظيف والثالث: بطل لأنه يصير تحكما محضا وقد روى يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) في الرجل يتوضأ
بماء الورد ويغتسل به قال: لا بأس وهذه الرواية ضعيفة السند وقد ذكر ابن بابويه أيضا عن ابن الوليد أنه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس نقله
النجاشي ويحتمل أن يكون الورد قليلا غير مؤثر في سلب الاسم قال الشيخ هذا الحديث شاذ شديد الشذوذ اجتمعت العصابة على ترك العمل به احتج أبو حنيفة
بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال لابن مسعود ليلة الحسن؟ هل معك ماء فقال لا إلا نبيذ التمر فيما رواه وقال صلى الله عليه وآله ثمرة طيبة وماء طهور فأخذه وتوضأ به وهذا الحديث
مردود من وجوه: {أحدها} أن أبا يوسف لم يصححه ولو كان صحيحا لما خفى عنه. {الثاني} أن راويه أبو زيد وهو مجهول. {الثالث} إن عبد الله بن
مسعود سئل عل كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الحسن فقال ما كان معه منا أحد ودرت؟ إني كنت معه. {الرابع} يحتمل أن يكون المراد بالنبيذ ها هنا ما ترك
فيه قليل تمر أزال ملوحة الماء فلم يبلغ الشدة ويدل عليه ما ورد من طريق الأصحاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن النبيذ فقال حلال
فقال إنا نبيذه (ننبذه) فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك فقال: شه شه تلك الخمرة تلك الخمرة المنتنة قال فقلت جعلت فداك فأي نبيذ تعني قال: إن أهل المدينة شكوا إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) تغير الماء وفساد طبائعهم فأمرهم أن ينبذوا فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له فيعمد إلى كف من تمر فيقذف به في
السن فمنه شربه ومنه طهوره فقلت وكم كان عدد التمر الذي في الكف فقال: ما حمل الكف قلت واحدة أو اثنتي (ثنتان ظ) فقال: ربما كانت واحدة وربما كانت
اثنتين فقلت وكم كان عدد يسع السن فقال: ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى فوق ذلك فقلت بأي الأرطال فقال: أرطال مكيال العراق ومع هذا
الاحتمال يندفع الاستدلال. فرع: المضاف إن اعتصر من الجسم كماء الورد أو خالطة تغير اسمه كالمرق أو طبخ فيه كماء الباقلا المغلى لم يجز الوضوء
ولا يغسل به في قول عامة أهل العلم إلا ما حكي عن أبي ليلى والأصم في المياه المعتصر أنها طهور يرفع بها الحدث ويزال بها الخبث وللشافعية وجه في ماء
الباقلا المغلى إلى النبيذ فإنا قد بينا الخلاف فيه. مسألة: للأصحاب في إزالة النجاسة بالمضاف قولان أقواهما المنع وبه قال مالك والشافعي
ومحمد بن الحسن وزفر خلافا لأبي حنيفة وعن أحمد روايتان كالقولين. لنا وجوه: {الأول} ما ورد منه وجوب الغسل بالماء عند الملاقاة والماء إنما يفهم منه
عند الاطلاق المطلق والمقدمة الأولى نقلية رواها الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) في صحيح مسلم والبخاري من حديث أسماء إن امرأة سألت النبي (صلى الله عليه
وآله) عن دم الحيض يصيب الثوب فقال صلى الله عليه وآله: جنبيه ثم اقرضيه ثم اغسليه بالماء وما رواه الأصحاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الحسن روى الحسين بن أبي العلا
20

عن أبي عبد الله (عليه السلام) رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره قال: يصلي فيه وإذا وجد الماء غسله وجه الاستدلال أنهم (عليهم السلام) أمروه بالغسل بالماء جوابا
بالسؤال وجعلوه طريقا في تحصيل الطهارة فلو حصلت بغيره لكان التغيير تضييقا وهو منفي لما فيه من الحرج وعبثا لخلوه عن الفائدة لا يقال هذه نصيبه
في عين وفضاء الأعيان لا عموم لها لتناولها صورة واحدة فيكون محل النزاع خاليا عن الحجة وأيضا يمنع دلالة التخصيص على اليقين فإنه قد يأتي
لغيره كالتنبيه كما في الصورة الثانية وكالتعدية في غير محل التنصيص للجامع المستنبط وككون المذكور أغلب كما في الزبيبة فلم لا يجوز ذلك منا وأيضا
التخصيص إنما دل على التعيين على سبيل الاستحباب بدليل الامر بالحث والعرض وليتابعه أجنبي ولا طريق إلى حصول الطهارة وأيضا يقول بالموجب
فإنه أمر بإزالة العين والمرتبة ومع زوالها بالحمل مثلا لم يبق ما يتوجه الخطاب إليه كمن نذر ذبح شاة فماتت لأنا نجيب عن الأول: بأن قضايا الأعقاب
حجة اتفاقا إلا من داود فلا يسمع من أبي حنيفة والسيد المرتضى هذا المنع وهل أكثر الأحكام الشرعية إلا مستندة إلى حكمه (عليه السلام) وعن الثاني:
إن الحكيم لا يخص شيئا بالذكر مع انتفاء المقتضي للتخصيص من التعيين بسؤال أو قرينة حال لاختصاصه بالحكم خصوصا مع أنه ذكر جنس الغسل فلو
أراد التعميم لاقتصر عليه. وعن الثالث: بأن الامر قد ثبت أنه للوجوب على أنا لم نتمسك بالأمر في إثبات الايجاب فيحمل على الاستحباب وإنما وقع التمسك
بكونه نص على الماء بالذكر في جهة البيان فيختص بالتطهير وأما الحث والعرض فهما واجبان إذا لم يكن الإزالة إلا بهما على أن خروج الدليل عن الدلالة في
صورة المعين؟ لا يقضي الخروج العام وعن الرابع: وهو سؤال القول بالموجب الذي هو أقوى لها إنا نقول إن لم يستدل على الايجاب ليدعى الخصم انتفاء
الخطاب وإنما تمسكا به لاثبات تغير الماء على ما سبق سلمنا الايجاب لكن الضمير بقوله غسله عائد إلى الثوب الا يجاب بدليل قوله (ع): " ثم صلي فيه "
لا إلى الحيض. الثاني: لا يجوز أن يزيل النجاسة الحكمية وهو الحدث به فلا يجوز إزالة الحقيقية به بل أولى لان الحكمي تقدير الحقيقي وهو دونها. الثالث:
إنه بملاقاة النجاسة ينجس فلا يطهر المحل لا يقال ينتقص بالماء لأنا نقول يقتضي الدليل بنجاستها خالفنا في الماء للاجماع فلا يتعدى إلى غيره لما فيه
من كثرة المخالفة الدليل الرابع: الشرع منع من الصلاة في الثوب النجس واستصحاب النجس في الصلاة فتقف زوال المنع على الاذن ويستصحب المنع إلى
أن يظهر المنافي. الخامس: الطهارة مراد لأجل الصلاة فلا يحصل بغير الماء كطهارة الحدث ولو تعدد؟ من حيث الشبهة أو المعنى أما الشبهة فاعتبار إحدى
الطهارتين بالأخرى نظرا إلى الاشتراك في الاسم والمقصود فإنه مستقر بإيجاد الوسيلتين إلا أن يبدي الخصم فارقا وأما المعنى فهو أن المحل إذا
نجس استدعى محيلا والإحالة من خصائص الماء دون غيره من الميقات ودليل الاختصاص طهارة الحدث لا يقال بمنع الاشتراك لفظا من حيث إن الإزالة
ليست طهارة بل زالت نجاسة عن المحل الطاهر في الأصل سلمنا سلامة عن هذا لكن لا نسلم من المطالبة وما ذكرتموه من التقرير بالاشتراك في الاسم و
المقصود لا يستقيم فإنه ما من شيئين إلا ويشتركان من جهة ويختلفان من أخرى لكن الجمع لا يمكن إلا إذا اتفقا في المعنى المحصل للحكم ولم يثبتوا
ذلك وأيضا الفرق بين الطهارتين يكون أحديهما مزيلة التعين مرتبة دون الأخرى فلا فرق في زوال العين بالحل وبغيره ويكون أحدهما يشترط
فيها النية والموالاة والترتيب فجاز اشتراطها بالماء دون الأخرى وبأن طهارة الخبث أكثر توسعة في التحصيل فإنها تحصل بفعل الصبي والمجنون
بخلاف الأخرى وأيضا النقص بالخمر المنقلب فإنه يطهر البدن (الدرن ظ) وإن لم يحصل استعمال الماء وأيضا القلب فيقول طهارة يزاد في الصلاة فيوجد بغير
الماء كطهارة الحدث الحاصلة بالتيمم لأنا نجيب عن الأول: بأن هذا غير مسموع فإنا نعلم قطعا من عرف اللغة إطلاق لفظ الطهارة على إزالة النجاسة
وأيضا الشارع نص على ذلك في قوله طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا وغير ذلك من الأحاديث التي تعلقوها وعن سؤال المطالبة
ما بينا من الجامع وعن الفرق الأول بأن الحل (الخل ظ) ليس في معنى الماء بسيلانه وشدة رطوبته ولطافته وعوضه في أجزاء الجسم فيستأصل
أجزاء النجاسة وعن الثاني أنه غير لائق من أبي حنيفة فإنه لا يقول باشتراط النية والترتيب وأيضا فهو وارد على أحد المأخذين أعني الشبهة وعن
الثالث أن المقصود هو استعمال الماء وقد وجد عن النقص بالفرق فإن الحاجة ماسة إلى الحلول وهي مفتقرة إلى الطروق (الظروف) فلو حكمنا بنجاستها
كان ذلك حكما بنجاسة الخل وعن القلب بالمنع بأن حطم الأصل فإن التيمم لا يرفع حدث ولا يسمى طهارة حقيقية عند بعضهم وأيضا فهذا غير لائق من أبي
حنيفة فإنه يرى أن التيمم بد ل ولا يرى القياس في الابدال احتجوا بأنه قد ورد الامر بالغسل روى الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لخولة
بنت سار: جنبيه ثم اقرضيه ثم اغسليه وروى الأصحاب عن الصادق (ع) إذا أصاب الثوب المني فليغسل وليس في ذلك تقييد وأيضا روى الشيخ في الحسن عن
حكم بن حكم الصيرفي قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أبول فلا أصيب الماء وقد أصاب يدي شيئا من البول فأمسحه بالحائط والتراب ثم يعرق يدي فأمس
وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي قال: لا بأس وعن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: لا بأس أن تغسل الدم بالبصاق
ولان النجاسة تابعة للعين بالدوران وقد زالت فيزول معلولها والجواب عن الأول: أنه لا ينافي التقييد بالماء يحمل عليه لما قلناه من الأدلة ولان إطلاق
الغسل ينصرف إلى تحصيله بالماء كما في إطلاق استفتى؟ وعن الرواية الأولى أن المراد لا بأس بالصلاة مع ذلك قبل الغسل للضرورة وليس فيه دلالة على
الطهارة وتحمل الرواية حينئذ على ما إذا زالت الرطوبة بالعرق ثم تمس جسده أو وجهه أو ثوبه وعن الثانية: أنها ضعيفة السند فإن غياثا هذا بتري فلا تعويل
على روايته على أنه يمكن حملها عن (على ظ) الدم الذي ليس ينجس كدم ما لا نفس له سائلة أو يحمل على الاستعانة بالبصاق لأنه مطهر وعن الثالث: بالمنع من المقدمتين
21

[المقدمة الأولى] لا خلاف بيننا أن المضاف ينجس بالملاقاة وإن كثر سواء كانت النجاسة قليلة أو كثيرة وغيره
أحد أوصافه أو لم يغيره وهو إحدى
الروايات عن أحمد وفي الثانية اعتبار للعلتين والثالثة ما أصله الماء كالخل التمري فكا الماء وماء الباقلا وهذه الروايات في جميع المائعات وإن كانت
من غير الماء كالدهن وشبهه. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال (عليه السلام): إن كان مائعا فلا تقربوه ولم يفرق بين
القليل والكثير ومن طريق الخاصة ما رواه زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فإن كان جامدا فألقها وما يليها وكل ما بقي
وإن كان ذائبا فلا ولكن أبرح به ولأنها لا قوة لها على دفع النجاسة فإنها لا يطهر غيرها فلا يدفعها عن نفسها كالقليل والطريق إلى تطهيره حينئذ إلقاء كر فما زاد عليه
من الماء المطلق لان بلوغ الكر به سبب لعدم الانفعال عن الملاقي وقد مازجه المضاف فاستهلكه فلم يكن مؤثرا في تنجيسه لوجود السبب ولا يمكن الإشارة
إلى غير نجسه فوجب الحكم بطهارة الجميع. فرعان [الأول] لو تغير الكثير بإحدى أوصاف المضاف قال الشيخ نجس الكثير وليس بجيد. لنا: الأصل الطهارة و (عدم) انفعال الكر
بالنجس وليس انفعالا بالنجاسة والمؤثر بالتنجيس إنما هو الثاني لا الأول. [الثاني] لو سلبه المضاف إطلاق الاسم (و) الأقوى حصول الطهارة وارتفاع الطهورية.
مسألة: الماء المستعمل في رفع الحدث الأصغر طاهر مطهر إجماعا منا وهو قول الحسن البصري والزهري والنخعي وعطا ابن أبي رياح ومكحول وأبو
ثور وداود وأهل الطاهر؟ في إحدى الروايتين عن مالك وأحمد وحكاه عيسى بن أبان عن الشافعي في رده على الشافعي وحكى أبو ثور عنه أنه يوقف؟ فيه وقال
محمد: إنه طاهر غير طهور وهو قول الشافعي في الحديد وبه قال الأوزاعي وأحمد في إحدى الروايتين والليث بن سعد وهو مروي عن مالك وقال أبو حنيفة
إنه نجس نجاسة غليظة في رواية الحسن عنه كالدم والبول والخمر حتى أنه إذا أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم منع أداء الصلاة فقال أبو يوسف: إنه
نجس نجاسة خفيفة حتى أنه إذا أصاب الثوب أكثر من الدرهم لم يمنع الصلاة ما لم يكن كثيرا فاحشا ورواه عن أبي حنيفة وبقول أبي يوسف أخدمت
ألح ملح (إلى آخره ملخصا) ويقول محمد أحد مشايخ العراق وقال زفر: إن كان المتوضئ محدثا فهو كما قال محمد وإن كان المتوضئ غير محدث فهو كما قال طاهر وطهور و
هو قول الشافعي أيضا. لنا وجوه: {أحدها} أن بلال أخرج وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فتبادر إليه الصحابة ومسحوا به وجوههم ولو كان نجسا لما فعلوا وأيضا
روى الجمهور عنه صب على جابر من وضوئه ورووا أيضا عنه (ع) إنه قال: الماء لا يجنب وعنه (ع) أنه قدمت إليه امرأة من نسائه تضعه ليتوضأ منها فقالت امرأة
إني غمست يدي فيها وأنا جنب وقال الماء ليس عليه جنابة وروى الجمهور عن ربيع أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح رأسه بفضل ماء كان في يده. {الثاني} ما رواه
الأصحاب روى عبد الله بن سنان عن أبي أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل وقال الماء الذي يغسل به الثوب ويغسل به الرجل من الجنابة
لا يجوز أن يتوضأ به وأما الماء الذي يتوضأ به الرجل فيغسل وجهه ويده في شئ نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضأ به وروى زرارة عن أحدهما
(عليه السلام) قال: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا توضأ أخذوا ما سقط من وضوئه فيتوضؤن به وروى حريز بن عبد الله في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كلما غلب
الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب وجه الاستدلال فيه من وجهين أحدهما: عموم جواز الاستعمال سواء استعمل في الوضوء أم لا. الثاني: أنه إذا لاقى النجاسة
العينية كان حكمه جواز الاستعمال ما دام وصف الماء باقيا فالأولى أنه إذا رفع به الحدث مع عدم ملاقاة النجاسة جاز استعماله. {الثالث} المقتضي موجود
وهو الامر باستعمال الماء المطلق والمعارض وهو الاستعمال لا يصلح أن يكون معارضا لأنه لم يخرجه عن إطلاقه وإضافته إلى الاستعمال يؤثر بغير وصف
ولا بنية فيكون كإضافته إلى المحل ولأنه طاهر لاقى طاهرا فلا يخرجه عن تأدية الفرض به ثانيا: كالثوب إذا تعددت الصلاة فيه احتج أبو حنيفة وأبو
يوسف بأن هذا الفعل يسمى طهارة وذلك يستدعي نجاسة المحل فشارك الذي أزيلت به نجاسة الحقيقية ولما كانت النجاسة مجتهدا فيها حقق حكمها
كبول ما لا يؤكل لحمه والجواب أن وقوع لفظ الطهارة على مزيل الحدث وعلى مزيل الخبث بالاشتراك اللفظي فلا جامع بينهما ولا نسلم أن التسمية مستدعى
بقية النجاسة والفرق بين مزيل الحدث والخبيث ملاقاة النجاسة العينية الصالحة للحوق حكم التنجيس فلا يتم القياس. فروع: [الأول] الماء المستعمل
في المرة الثانية أو في المضمضة والاستنشاق أو التجديد عدنا طاهر بالاجماع وللشافعية وجهان، {أحدهما} ذلك لأنه لم يؤده فرضا. {والثاني} المنع
لأنه مستعمل في الطهارة ومن أحمد روايتان. [الثاني] يجوز إزالة النجاسة بالوضوء عندنا وللشافعي وجهان، {أحدهما} ذلك لان للماء فعلين
رفع الحدث وإزالة الخبث فإذا رفع الحدث بقي تطهير الخبث. {والثاني} المنع وهو المشهور عندهم لأنه مائع لا يزيل الحدث ولا يرفع الخبث كالمائعات
وليس للماء فعلان بل فعل واحد وهو رفع أحدهما أعني النجاسة أو الحدث لا بعينه فأيهما حصل زالت طهوريته. [الثالث] لو بلغ المستعمل
هذه الكثرة للشافعية فيه وجهان، {أحدهما} جواز التطهير به لان البلوغ مانع من قبول النجاسة فرفع حكم الاستعمال أولى. {والثاني} المنع لأنه مستعمل.
[الرابع] المستعمل في تعبد من غير حدث كغسل اليدين من نوم الليل طاهر مطهر وعن أحمد في الحكم الثاني روايتان {إحديهما} المنع لأنه مستعمل
في طهارة تعبد أشبه المستعمل في رفع الحدث والأصل عندنا باطل. مسألة: المستعمل في رفع الحدث الأكبر كالجنابة قال الشيخان وابن بابويه:
إنه طاهر غير مطهر وقال السيد المرتضى: بأنه مطهر وقول الجمهور ها هنا كقولهم ثم إنهم لم يفصلوا بين المائين والذي أذهب إليه أنه طاهر مطهر فالبحث
ها هنا في مقامين الأول إنه طاهر وذلك مجمع عليه عندنا وإن التنجيس حكم شرعي فيتوقف ثبوته على الشرع وليس في الشرع دلالة عليه ولان
القول بالتنجيس مع القول بطهارة المستعمل في الوضوء مما لا يجتمعان إجماعا. والثاني: ثابت إجماعا فينتفي الأول وإلا لزم خرق الاجماع ولما رووه
22

عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله الماء لا يجنب (و) في قوله الماء ليس عليه جنابة وروى أحمد وابن ماجة معا أن النبي صلى الله عليه وآله اغتسل من الجنابة فرأى لمعة لم يصبها الماء فيقتصر؟
شعره عليها ولان الماء طاهر لاقى محل طاهر (محلا طاهرا) فلا يخرج عن وصف الطهارة. [المقدمة الثانية] فلما رواه الجمهور عن أبي هريرة قال لقيت النبي صلى الله عليه وآله
وانا جنب فانجلت؟ منه فاغتسلت ثم جئت فقال أين كنت يا أبا هريرة فقلت يا رسول الله كنت جنبا فكرهت أن أجالسك فذهبت فاغتسلت ثم جئت فقال: سبحان
الله المسلم لا ينجس وأما الملازمة فظاهرة ولان المقتضى موجود والمعارض لا يصلح أن يكون معارضا وقد تقدما ولرواية حريز في الصحيح من قوله كلما غلب الماء
على ريح الجيفة فتوضأ. [المقام الثاني] في كونه مطهرا وهو ما ذكرناه في المستعمل في الصغرى احتج المانعون بوجوه، {أحدها} ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله:
لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يفسد فيه من جنابة ولو لم يكن نجسا لم يكن للنهي فائدة. {الثاني} رواية عبد الله بن سنان تقدمت في الوضوء. {الثالث} إنه
مشكوك فيه فيجب أنه لا يجوز استعماله فالجواب عن الأول المنع من الدلالة على التنجيس فإنه قد نهى عن البول في الماء الجاري مع أنه لا ينجس لو فعل إجماعا.
وعن الثاني: بالطعن في روايتها فإن في طريقها أحمد بن هلال وهو ضعيف جدا وابن فضال وهو فطحي. وعن الثالث: بالمنع من الشك فيه ووجهه أن يقول
الشك إما أن يقع في كونه طاهرا أو كونه مطهرا والأول باطل عند الشيخ والثاني أيضا باطل فإنه حكم تابع لطهارة الماء وإطلاقه وقد حصلا فأي
شك ها هنا. فروع: [الأول] إذا حصل الجنب عند غدير أو قليب وخشي إن نزل فساد الماء قال الشيخ فليرش عن يمينه وأمامه وخلفه ثم يأخذ
كفا كفا يغتسل به تعويلا على ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر في كتاب الجامع عن عبد الكريم عن محمد بن ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألت عن الجنب
ينتهي إلى الماء القليل والماء في وهدة فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع؟ قال: ينضح بكف بين يديه وكف خلفه وكف عن يمينه وكف
عن شماله ويغتسل ورواه الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان قال حدثني صاحب لي ثقة إنه سأل أبا عبد الله (ع) وبمثله روي في الصحيح عن علي بن جعفر عن
أخيه موسى (ع) واختلف في المراد فقيل إنه يمسح جسده بالماء ثم يغتسل فالفائدة سرعة جريان الماء عند الغسل بحيث لا يزال إلى الماء قبله وقيل يرش
على الأرض في الجهات لهذه الفائدة أيضا أقول وهذا عندي على وجه الاستحباب دون الايجاب وروى الشيخ في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال
سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إذا أتيت ماء وفيه قلة فانضح من يمينك وعن يسارك وبين يديك وتوضأ. [الثاني] متى كان على جسد المجنب والمغتسل
من حيض وشبهه نجاسة عينية فالمستعمل إذا قل عن الكر نجس إجماعا بل الحكم بالطهارة إنما يكون مع الخلو من النجاسة المعينة فإذا ارتمس فيه ناويا
للغسل صار الماء مستعملا وطهر الجنب وبه قال الشافعي لأنه إنما يصير مستعملا بارتفاع حدث فيه وقال أحمد يصير مستعملا ولا يرتفع حدثه لقوله (ع) لا يغتسل
أحدكم في الماء الدائم والنهي يقتضي الفساد والكبرى ممنوعة ولو غسل مرتبا فتساقط الماء من رأسه أم من جانبه الأيمن صار مستعملا فليس له استعمال
الباقي على قول الشيخ ولو نزل فيه اثنان وارتمسا دفعة واتفقا في زمن النية طهرا ولو سبق أحدهما طهر وصار مستعملا في حق الثاني ولو غسل رأسه
خارجا ثم أدخل يده في القليل ليأخذ ما يغسل به جانبه فالأقرب أن الماء يصير مستعملا ولو نوى غسل يده صار مستعملا. [الثالث] المستعمل في
غسل الجنابة يجوز إزالة النجاسة به إجماعا منا لاطلاقه والمنع من رفع الحدث له عند بعض الأصحاب لا يوجب المنع من إزالة النجاسة لأنهم إنما
قالوه ثم لعلة لم توجد في إزالة الخبث فإن صحت تلك العلة ظهر الفرق وبطل الالحاق وإلا حكموا بالتساوي في الباين كما قلناه نحن. [الرابع]
إذا بلغ المستعمل في الكبرى كرا قال الشيخ في المبسوط زال عنه حكم المنع وتردد في الخلاف والذي أختاره تفريعا على القول بالمنع زوال المنع ها هنا
لان بلوغ الكرية موجب لعدم انفعال الماء عن الملاقي وما ذلك إلا لقوته فكيف يبقى انفعاله عن ارتفاع الحدث الذي لو كان نجاسة لكانت
تقديرية وفي النهاية؟ لو اغتسل في كر لما نفى؟ انفعاله لعدمه وكذا المجتمع لا يقال يرد ذلك في النجاسة العينية لأنا نقول هناك إنما حكمنا بعدم الزوال
لارتفاع قوة الطهارة بخلاف المتنازع فيه. [الخامس] المستعمل في الأغسال المندوبة أو في غسل الثوب أو الآنية الطاهرين ليس بمستعمل
لان الاستعمال لم يسلبه الاطلاق فيجب بقائه على التطهير للآية وقالت الحنفية كل مستعمل في غسل بني آدم على وجه القربة فهو مستعمل وما لا
فلا ولو غسل يده للطعام أو من الطعام صارت مستعملا بخلاف ما لو غسل لازالته الوسخ أو لإزالة العجين من يده ولو توضأ واغتسل للتبرد
قال الطحاوي: يصير مستعملا وعند أبي يوسف إنما يصير مستعملا بأحد الامرين أما بنية التقرب بإسقاط الفرض وعند محمد بنية التقرب لا غير وتظهر الفائدة في الجنب المرتمس في البئر
لطلب الدلو ففي هذه الرواية عند أبي يوسف الماء بحاله والرجل بحاله وقد ذكرنا عنه أولا أن الماء نجس والرجل جنب وروى الكرخي عنه قولا ثالثا
وهو أن الماء نجس والرجل طاهر ولو أن الطاهر انغمس في البئر لطلب الدلو لم يصر مستعملا اتفاقا قال محمد ولو أدخل رأسه أو خفه في إناء فيه ماء
للمسح لا يجوز عن المسح ويصير مستعملا ويخرج رأسه وخفه من الماء المستعمل لا نه قصد التقرب وقال أبو يوسف يجوز المسح ولا يصير الماء مستعملا
لان المسح هو الإصابة دون الإسالة والتقرب وسقوط الغرض إنما يقع بالإصابة لا بالإسالة واتفقا على أنه لو لم يقيد المسح فإنه يجوز عن
المسح ولا يصير الماء مستعملا لان قصد التقرب لم يوجد عند أبي يوسف وإن سقط الغرض عن ذمته لكنه أسقط الغرض بالإصابة لا الإسالة.
[السادس] لو اغتسل من الجنابة وبقيت في العضو لمعة لم يصبها الماء فصرف البلل الذي على العضو إلى تلك اللمعة جاز أما على ما اخترناه نحن
فظاهر وأما على قول الحنفية فكذلك لأنه إنما يكون مستعملا بانفصاله عن البدن وفي اشتراط استقراره في المكان خلاف عندهم وأما في الوضوء
23

فقالوا لا يجوز صرف البلل الذي في اليمنى من اللمعة التي في اليسرى لان البدن في الجنابة كالعضو الواحد فافترقا وليس للشيخ فيه نص والذي ينبغي أن
يقال على مذهبه عدم الجواز في الجنابة فإنه لم يشترط في المستعمل. [السابع] لو اغتسل واجبا من جنابة مشكوك فيها كالواجد في ثوبه المختص
والمتعين لها وللغسل الشاك في السابق أو من حيض مشكوك فيه كالواجد في ثوبه المختص كالباسية المفرق أو العدد هل يكون ماؤه مستعملا فيه إشكال
فإن لقائل أن يقول إنه غير مستعمل لأنه ماء طاهر في الأصل لم يعلم إزالة الجنابة فلا يلحقه حكم المستعمل
ويمكن أن يقال إنه مستعمل إنه قد
اغتسل به عن الجنابة وإن لم يكن معلوما إلا أن الاغتسال معلوم فيلحقه حكمه ولأنه ما (أ) زال مانعا من الصلاة فانتقل المنع إليه كالمتيقن. [الثامن]
لو انغمس الجنب في ماء قليل فإن نوى بعد تمام إنغماسه اتصال الماء بجميع البدن حدثه؟ لوصول الماء ارتفع الطهور إلى محل الحدث مع النية ويكون مستعملا
وهل يحكم بالاستعمال في حق غيره قبل انفصاله عنه الوجه ذلك ولو خاض جنبان ونوى رفعه بعد تمام الارتماس ارتفع حدثهما وإن نوى قبل
إكمال الانغماس فالأقرب أنه لا يكون مستعملا بأول الملاقاة بل يرتفع حدثه عند كمال الانغماس. [التاسع] الذمية إذا اغتسلت من الحيض
لإباحة وطئ الزوج كان الماء نجسا عندنا لان الكافر نجس وعن أحمد روايتان إحديهما أنه مطهر لا يعلم نزل مانعا من الصلاة فأشبه
ما لو تبرد به والأخرى انه غير مطهر لأنه زالت به المانع من الوطئ. [العاشر] المستعمل في التجديد أو الجمعة أو غسل العيدين وغيرهما من المسنونات
طاهر مطهر وقد تقدم وعن أحمد روايتان. مسألة: المنفصلة من غسالة النجاسة إما ان ينفصل متغيرا بها فهو نجس إجماعا لتغيره وإما أن
ينفصل غير متغير قبل طهارة المحل وهو كذلك لأنه ماء يسير لا قى نجاسة لم يطهرها فكان نجسا كالمتغير وكما لو وردت النجاسة عليه وكالباقي في
المحل فإنه نجس وهو جزء من الماء الذي غسلت به النجاسة ولأنه قد كان نجسا في المحل فلا يخرجه العصر إلى التطهير لعدم صلاحيته وهو إحدى أوجه
الشافعي وفي الآخر أنه طاهر لان الماء الوارد على النجاسة يعتبر فيه التغير لان الحاجة داعية إلى ملاقاته النجاسة فاعتبر فيه التغير كالقلتين
لما سبق حفظ ذلك من النجاسة اعتبر فيه التغير ثم اختلفوا فقال ابن حيران يجوز أن يتوضأ به ولا يزيل به النجاسة والمشهور عندهم أنه طاهر غير مطهر
وإما أن ينفصل غير المتغير من الغسلة التي طهرت المحل فللشيخ قولان قال في المبسوط وهو نجس وفي الناس من قال: لا ينجس إذا لم يغلب على أحد أوصافه وهو قوي
والأول أحوط وجزم في الخلاف بنجاسة الغسلة الأولى وطهارة الغسلة الثانية والأقوى عندي التنجيس وهو مذهب أبي حنيفة والأنباطي
من الشافعية وللحنابلة وجهان. لنا: أنه ماء قليل لاقى نجاسة فينجس بها كما لو وردت عليه وما رواه عيص بن القسم قال سألته عن رجل أصابه
قطر من طشت فيه وضوء فقال إن كان من بول أو قذر فيغتسل ما أصابه وذهب الشافعي إلى أنه طاهرة لأنه جزء من المتصل والمتصل طاهر فكذا
المنفصل ولأنه ما زال حكم النجاسة ولم يتغير بها فكان طاهرا كالمنفصل من الأرض والجواب عن الأول بالمنع من كونه جزءا حالة الانفصال
وقياسه على المنفصل باطل لوقوع الفرق وهو لزوم المشقة في تنجيس المتصل دونه وعن الثاني: بالمنع في الأصل على ما يأتي رفع الحدث
بمثل هذا الماء أو بغيره مما يزيل النجاسة لا يجوز إجماعا أما على قولنا فظاهر وأما على قول الشيخ فلما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغسل من الجنابة لا يتوضأ به ولأنه أزال مانعا من الصلاة فينتقل إلى الماء ما كان في الثوب من المنع وإن كان
طاهرا كماء الحدث. فرع: عفي عن ماء الاستنجاء إذا سقط منه شئ على ثوبه أو بدنه سواء رجع على الأرض الطاهرة أو لا وصرح الشيخان
بطهارته أما لو سقط وعلى الأرض نجاسة ثم رجع على الثوب أو البدن فهو نجس سواء تغير أم لا وكذا لو تغير أحد أوصافه من الاستنجاء. لنا: ما رواه الأحول
في الحسن قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أخرج من الخلا فاستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به فقال: لا بأس وما رواه محمد بن النعمان
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له أستنجي ثم يقع ثوبي فيه وأنا جنب فقال: لا بأس به وما رواه عبد الكريم عن عتبة الهاشمي قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجس ذلك ثوبه فقال: لا وهكذا حكم الماء الذي يتوضأ به أو يغسل به من الجنابة وأما عندنا فهو
طاهر وأما عند الشيخ فلما رواه في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في الرجل الجنب يغتسل فينضح من الأرض في إنائه فقال:
لا بأس ما جعل عليكم في الدين من حرج وفي الصحيح عن الفضيل أيضا قال سئل أبي (أبو) عبد الله (عليه السلام) عن الجنب يغتسل فينضح الماء من الأرض في الاناء فقال: لا
بأس هذا مما قال الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) ولان التحرز من هذه المياه مما يعسر جدا فشرع العفو دفعا للحرج ويدل عليه تعليل
الإمام (ع) في الغسل به. فروع [الأول] الماء الذي يغسل به القبل والدبر يدخل تحت هذا الحكم لعموم اسم الاستنجاء لهما. [الثاني]
الماء الذي يغسل به الآنية لا يلحقه هذا الحكم وقال الشيخ في الخلاف إذا أصاب الثوب أو الجسد من الماء الذي يغسل به إناء الولوغ لا يغسل
سواء كان من الغسلة الأولى أو الثانية (و) تردد في المبسوط في نجاسة الأولى. لنا: إنه ماء قليل لاقى نجاسة فينفعل بها ولا يتعدى إليه الرخصة
التي في الاستنجاء لأنه استعمال الماء الذي تمام المانع على المنع منه مع عدم قيام الواجب وذلك غير سائغ اتفاقا احتج الشيخ بوجهين، {الأول}
عدم الدلالة الشرعية على التنجيس. {الثاني} الالزام بعدم تطهير الاناء فإنه دائما لا ينفك عن أجزاء مائية تخلفت من الغسلة فلو كانت
نجسة لكان الماء الملاقي لها في المرة الأخرى ينجس فلا يحصل الطهارة البتة والجواب عن الأولى: بوجود الدليل الشرعي وهو قوله (عليه السلام)
24

إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شئ ومع انتفاء الشرط ينتفي المشروط وإلا لم يكن شرطا ولأنه وافقنا على أن الماء القليل ينجس بالملاقاة
وعن الثاني: بالفرق بين المرة الثالثة والثانية فإن الاجماع وقع على الطهارة بعد المرة الثانية وبالفرق بين المنفصل والمستخلف بوجود
المشقة وعدمها في أحدهما دون الثاني. [الثالث] لو اجتمع الماء الذي يغسل به النجاسة كرا لم يزل عنه المانع لانفعاله بالنجاسة أو لا
فيكون المنع ثابتا فيستصحب إلى أن تظهر دلالة شرعية على زواله وعلى رأي الشيخ يلزم الحكم بكونه طهورا أما لو اجتمع ماء الغسلة الأولى والثانية
فبلغ كرا فعلى أحد قولي الشيخ يكون باقيا على المنع. [الرابع] إذا غسل الثوب من البول في إجانة بأن يصب عليه الماء فسد الماء وخرج
من الثانية طاهرا اتحدت الآنية أو تعددت وقال أبو يوسف: إذا غسل في ثلاث إجانات خرج من الثالثة طاهرا وأما الإجانة الرابعة فما فوقها
طاهر ولو كان المغسول عضوا من أعضاء الوضوء قال أبو يوسف: فسدت المياه كلها ولو كانت مائة آنية ولم تطهر وقال محمد يخرج المغسول من
الإجانة الثالثة طاهرا ولما بعد ذلك طاهر وطهور في الثوب وطاهر غير طهور في العضو ونحن قد سلف منا بيان طهارة المستعمل في رفع
الاحداث بقي علينا أن نبين الدلالة على طهارة الثوب المذكور ويدل عليه وجها. {الأول} أنه قد حصل الامتثال بغسله مرتين فيكون طاهرا
وإلا لم يدل الامر على الاجزاء. {الثاني} ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الثوب يصيبه البول قال:
اغسله في المركن مرتين فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة. [الخامس] غسالة الحمام وهو المستنقع منع الشيخ في النهاية عن استعمالها وقال
ابن بابويه: لا يجوز التطهير بغسالة الحمام وادعى ابن إدريس الاجماع على ذلك وكثرة الأخبار الدالة عليه ولم يصل إلينا من القدماء غير
حديثين ضعيفين يدلان على ذلك {أحدهما} ما رواه حمزة بن أحمد عن أبي الحسن الأول (ع) قال: ولا يغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه
يسيل منها ماء يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم وهي مرسلة فإن محمد بن محبوب رواها عن عدة من أصحابنا وأيضا
فانزجره فإن حمزة ابن أحمد لا أعرف حاله. {الثاني} ما رواه محمد بن يعقوب في كتابه عن بعض أصحابنا عن ابن جمهور عن محمد بن القاسم عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع)
قال: لا يغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام فإن فيها غسالة ولد الزنا الحديث وهذا مع إرساله فإن ابن جمهور ضعيف جدا قال النجاشي: محمد بن
جمهور ضعيف في الحديث فاسد المذهب وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها والأقوى عندي أنه على أصل الطهارة وقد روى الشيخ عن أبي
يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الماضي (ع) قال: سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب قال: لا بأس وأيضا
روي في الصحيح عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال: لما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب وروي في الصحيح عن الحلبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في الماء الآجن يتوضأ منه إلا أن يجد ماء غيره وهذان عامان. [البحث الرابع] في الا سائر والأواني
المشتبهة. مسألة: الحيوان على ضربين آدمي وغيره فالآدمي إن كان مسلما أو بحكمه فسؤره طاهر عدا الناصب والغلاة وغير المسلم والناصب و
الغلاة سؤرهم نجس وغير الآدمي مأكول اللحم وغيره فالأول سؤره طاهر فإن كان لحمه مكروها كان سؤره كذلك كالفرس والحمار والبغل
وغير المأكول إما أن يكون نجس العين كالكلب والخنزير أو لا والأول سؤره نجس والثاني سؤره طاهر هذا على القول المشهور لأصحابنا وهو اختيار
الشيخ في الخلاف ووافق في المبسوط على ذلك إلا في شئ واحد وهو غير مأكول اللحم من الحيوان الانسي فإنه منع من استعمال سؤره
إلا ما لا يمكن التحرز منه وما اخترناه أولا هو مذهب الشافعي إلا في قسم الآدمي وهو قول عمرو بن العاص وأبي هريرة وقال أبو حنيفة سؤر
الآدمي طاهر سواء كان مسلما أو لا صغيرا أو كبيرا إلا سؤر شارب الخمر فإنه نجس إلا إذا ابتلع بصاقه ثلاث مرات وكذا سؤر مأكول اللحم وسؤر
الفرس مكروه في إحدى الروايتين وفي الأخرى هو طلق وهو اختيار محمد وأبو (وأبي) يوسف وكذا الطيور المأكولة إلا الدجاجة المطلقة فإنه مكروه
وسؤر الكلب والخنزير نجس وسؤر سباع الوحش كالأسد نجس وفي الأخرى هو طلق وهو اختيار محمد وأبي يوسف وكذا الطيور المأكولة إلا
الدجاجة المطلقة فإنه مكروه وسؤر الكلب والخنزير وسؤر سباع الطير مكروه وكذا الحشرات كالحية والعقرب وكذا سؤر الهرة وسؤر البغل
والحمار مشكوك فيه وذهب الجمهور إلى طهارة الكفار وطهارة سؤرهم وعرقهم وما باشروه برطوبة وقال أحمد: كل حيوان يؤكل لحمه فسؤره
طاهر وكذا حشرات الأرض والهر وأما السباع ففيه روايتان {أحديهما} أن سؤرها طاهر. {والأخرى} نجس وفي البغل والحمار روايتان وقال مالك
والأوزاعي وداود سؤر الكلب والخنزير طاهر يتوضأ به ويشرب وإن ولغا في طعام لم يحرم أكله وقال الزهري يتوضأ به إذا لم يجد غيره وقال
عبيد بن أبي لبابة والثوري وابن ماجشون وابن مسلمة يتوضأ به ويتيمم وقال مالك ويغسل الاناء الذي ولغ الكلب فيه تعبدا وأما سؤر السباع
عدا السنور وما دونها في الخلقة وسؤر جوارح الطير والحمار الأهلي والبغل فكله طاهر عندنا إلا أنه مكروه وبه قال الحسن البصري وعطا و
الزهري ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك والشافعي وابن المنذر لما رواه جابر أن النبي صلى الله عليه وآله سئل أيتوضأ بما أفضلت الخمر فقال: نعم وبما أفضلت
السباع كلها وهو رواية عن أحمد وفي الرواية الأخرى أن جميع ذلك نجس إذا لم يجد غيره يتيمم ويتركه فقد وقع الاتفاق بين العلماء الحاقة على
طهارة سؤر المسلمين غير الخوارج والغلاة وعلى نجاسة سؤر الكلب والخنزير إلا من مالك ومن تقدم فإنه قال بطهارة سؤرهما وحكى
25

الطحاوي عن مالك في سؤر النصراني والمشرك انه لا يتوضى له (به). لنا: على نجاسة سؤر الكافر قوله تعالى: (إنما المشركون نجس) وأيضا ما رواه الجمهور عن
أبي تغلبة الحبشي قال قلت يا رسول الله أنا بأرض قوم أهل الكتاب فآكل في آنيتهم فقال: لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا
فيها لا يقال على الآية والخبر أنهم لما كثرت مباشرتهم للنجاسات أطلق عليهم اسم النجس وإن لم تكن أعيانهم نجسة ولا أوانيهم لأنا نقول هذا صرف
اللفظ عن الظاهر مع عدم الدليل ولان إذلال الكافر أمر مطلوب والتنجيس طريق صالح وأيضا ما رواه الشيخ في الحسن عن سعيد الأعرج قال
سألت أبا عبد الله (ع) عن سؤر اليهودي والنصراني قال: لا وأما الناصب قادح في أمير المؤمنين (ع) وقد علم بالضرورة من الدين تحريم ذلك فهو
من هذه الحيثية داخل في الكفار لخروجه عن الاجماع وأما الغلاة فإنهم وإن أقروا بالشهادة إلا أنهم خارجون عن الاسلام أيضا وأما نجاسة
سؤر الكلب والخنزير فيدل عليه ما رواه الجمهور عن النبي (ع) أنه قال طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه
أن يغسله سبعا أخرجه أبو داود ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضل أبي العباس قال سألت أبا عبد الله (ع) عن فضل الهرة والشاة والبقر والإبل والحمار والخيل
والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئا إلا سألته عنه فقال: لا بأس حتى انتهيت إلى الكلب فقال: رجس نجس لا يتوضى بفضله وأصبب ذلك الماء
واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الكلب يشرب من الاناء قال: اغسل الاناء وعن
السنور قال: لا بأس أن يتوضأ من فضلها إنما هي من السباع وما رواه معاوية بن شريح قال سأل عذافر أبا عبد الله (ع) وأنا عنده عن سؤر
الثور والشاة والبقر والبعير والحمار والفرس والبغل والسباع يشرب فيه أو يتوضأ فقال: نعم اشرب منه وتوضأ قال قلت له الكلب؟ قال: لا قلت أليس
هو سبع قال: لا والله إنه نجس لا والله إنه نجس ومثله روى معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) ولأنهما نجسا العين فينجسان ما يلاقيانه وكان
لعابهما متولد (متولدا) من لحمها وهو نجس العين فإن امتزج بالماء نجس الماء لا يقال إن الكلب من الطوافين علينا فكان سؤره طاهرا كالهرة وأيضا روي
في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الوضوء مما ولغ فيه الكلب والسنور أو يشرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك أيتوضأ منه
أو يغتسل؟ قال: نعم إلا أن تجد غيره فتنزه عنه لأنا نجيب عن الأول: بالمنع من كونه من الطوافين سلمنا لكن القياس في معارض النص باطل وعن الثاني:
بأن المراد ما ولغ فيه الكلب مما بلغ كرا ويدل عليه ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: ليس بفضل السنور بأس لمن يتوضأ منه ويشرب ولا يشرب
سؤر الكلب إلا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه. فائدة الأحاديث التي قدمناها ليس فيها دلالة على الخنزير بل الطريق وجوه. {أحدهما}
أنه نجس فينجس سؤره. {الثاني} الاجماع وقول مالك فارق له ويمكن أن يقول ثبت نجاسة سؤر الكلب فيثبت نجاسة سؤر الخنزير بالاجماع. {الثالث}
قوله تعالى: (أو لحم خنزير) فإنه نجس. {الرابع} قال ا لشيخ الخنزير يسمى كلبا لغة وقد روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سألته
عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به؟ فقال: إن كان دخل في صلاته فليمض وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح
ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله قال وسألته عن خنزير شرب في إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات احتجوا بقوله تعالى: (فكلوا
مما أمسكن عليكم) ويأمر بغسل ما أصابه فيه (فوه) وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الحياض التي بين مكة والمدينة يردها السباع والكلاب والحمر وعن
الطهارة بها فقال: لها ما حملت في بطونها ولنا ما أبقت فيدل على أن ما بقي طهور ولأنه حيوان فكان طاهرا كالمأكول والجواب الامر بالغسل مستفاد من الاخبار
سلمنا لكن المشقة منعت من وجوب الغسل والحياض الكبيرة لا ينجس بالملاقاة والفرق ظاهر بين المأكول والكلب وأما طهارة سؤر غيرهما
من الحيوانات فلانها طاهرة والماء على أصل الطهارة فمع الملاقاة لا يوجب التنجيس ولما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل عن الحياض في الفلوات
وما يؤتيها (يأتيها) من السباع فقال: لها ما حملت في بطونها وما أبقت فهو لنا شراب وطهور ومن طريق الخاصة رواية فضل الصحيحة وقد تقدمت ورواية
محمد بن مسلم في الصحيح أيضا الدالة على طهارة سؤر الهر بالتنصيص وعلى طهارة سؤر السباع كلها بالايماء وروايتا معاوية بن شريح ورواية معاوية بن
ميسرة وقد تقدمتا وأيضا روى الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) إن أبا جعفر (ع) كان يقول لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من
الاناء أن يشرب منه ويتوضأ منه وروي في الصحيح عن معاوية بن عمار في الهرة أنها من أهل البيت ويتوضأ من سؤرها ويدل هذا من حيث المفهوم
على طهارة سؤر الحشرات وروي في الصحيح عن أبي الصلاح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان علي (ع) يقول: لا تدع فضل السنور أن يتوضى منه إنما
هي سبع ويدل بالايماء على طهارة سؤر السباع وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال في كتاب علي (ع): أن الهر سبع ولا بأس بسؤره
وإني لأستحي من الله أن ادع طعاما لان الهر أكل منه وروي في الصحيح عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله (ع) عن سؤر الدواب والغنم والبقر
أيتوضأ منه ويشرب فقال: لا بأس وروي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: فضل الحمامة والدجاج فلا بأس به وروي عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (ع)
قال سئل عما يشرب منه الحمامة قال: كلما أكل لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب وعما شرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال: كل شئ به من الطير يتوضأ فما يشرب
منه إلا أن يرى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب وحديث أبي بصير وعمار وإن كانا ضعيفين لان في الأول علي بن أبي
حمزة وهو واقفي وعمار فطحي إلا أنه مناسب للمذهب وأيضا الاجماع قد وقع على طهارة سؤر الطيور وعلى طهارة سؤر الهر وما دونها في الخلقة كالفأرة وابن عرس وغيرهما
26

من حشرات الأرض فإن عامة أهل العلم من أصحابه والتابعين من أهل المدينة والشام وأهل الكوفة وأصحاب الرأي على طهارتها وجواز شرب سؤرها
والوضوء به وكره أبو حنيفة سؤر الهر وكذا ابن عمر ويحيى الأنصاري وابن أبي ليلى وقال أبو هريرة يغسل مرة أو مرتين وبه قال ابن المسيب وقال الحسن
وابن سيرين: يغسل مرة وقال طاوس: يغسل سبعا كالكلب وما تقدم يبطل ذلك كله وما نقلنا عن الشيخ في المبسوط ضعيف للأحاديث التي نقلناها
واستدل في التهذيب على نجاسة سؤر الكلب والخنزير بما رواه عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: كلما يؤكل لحمه فلا بأس بسؤره قال وهذا يدل على
أن ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الوضوء منه ولا الشرب والظاهر أن ما صار إليه في المبسوط مستند إلى هذا وهو ضعيف من وجهين، {الأول} إن عمارا فطحي
وكذا الراوي عنه وهو مصدق بن صدقة وكذا الراوي عن مصدق وهو عمرو بن سعيد وكذا الراوي عن عمر وهو أحمد بن الحسن بن علي فلا تعارض الروايتين
التي قدمناها. {الثاني} إن ما ذكره الشيخ دليل الخطاب فلا يجوز التعويل عليه خصوصا مع النص المعارض واحتج أبو حنيفة على نجاسة سؤر سباع
الوحش لان لعابه نجس بدليل حرمة أكله مع كونه صالحا للفداء من غير استحقاقه الكراهة والاحترام وإذا كان لعابه نجسا وقد امتزج بالماء
أوجب نجاسته وخص ما ورد من الحديث بالحياض الكبيرة والجواب عنه بالمنع من نجاسة اللعاب وتحريم أكل اللحم لا يدل على النجاسة فإن التحريم قد
يكون للنجاسة وقد يكن لاشتماله على المؤذي وقد يكون لمصالح آخر خفية علينا فكيف يعارض النص بمثل هذا الاستدلال الضعيف على
أنا نقول حيوان يطهر جلده بالدباغ فيكون سؤره طاهرا كالشاة والحمار والجامع أن طهارة الجلد يدل على أن عينه ليست نجسة فلا يكون
لحمه نجسا وتخصيص الحديث لغير دليل باطل خصوصا مع أن السؤال عن الجمع المحلى بالألف واللام الموضوع للعموم فلو لم يكن الجواب بحيث يدخل
فيه كل الافراد لكان تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك باطل بالاتفاق واستدل من قال بنجاسة سؤر الحمر بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال يوم الخيبر
في الحمر: أنه رجس وهو ضعيف فإن البخاري قال راوي هذا الحديث ابن أبي حنيفة وهو منكر الحديث وإبراهيم أبي يحيى وهو كذاب فلا يعول عليه
فروع [الأول] قال ابن بابويه لا يجوز الوضوء بسؤر ولد الزنا والذي يراه (نراه) أنه مكروه فإن تمسك بكفره منعنا ذلك ويمكن أن
يستدل عليه بما رواه محمد بن يعقوب بإسناده عن الوشا عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) أنه كره سؤر ولد الزنا واليهودي والنصراني والمشرك وكل
ما خالف الاسلام وكان أرشد ذلك عنده سؤر الناصب ووجهه أنه لا يرد بلفظه كره المعنى الظاهر له وهو النهي عن الشئ نهي تنزيه لقوله
واليهودي فإن الكراهية فيه تدل على التحريم فلم يبق المراد إلا كراهة التحريم ولا يجوز أن يرادا معا وإلا لزم استعمال المشترك في كلا معنييه أو
استعمال اللفظ في معنى الحقيقة والمجاز وذلك باطل والجواب المنع من الحديث فإنه مرسل سلمنا لكن قول الراوي كره ليس إشارة إلى النهي بل الكراهة
التي في مقابلها الإرادة وقد يطلق على ما هو أعم من المحرم والمكروه سلمنا لكن الكراهة قد يطلق على النهي المطلق فليحمل عليه وإلا يلزم ما ذكرتم.
[الثاني] قال الشيخ بنجاسة سؤر المجبرة والمجسمة وقال ابن إدريس بنجاسة غير المؤمن والمستضعف ويمكن أن يكون مأخذهما قوله تعالى: (كذلك
يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) والرجس النجس وقول ابن إدريس مشكل وتنجيس سؤر المجبرة ضعيف وفي المجسمة قوة. [الثالث] يكره سؤر
ما أكل الجيف من الطير إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة وهو قول السيد المرتضى. لنا: ما أوردناه من الأحاديث العامة في استعمال سؤر
الطيور والسباع وهي لا ينفك عن تناول ذلك عادة فلو كان ذلك مانعا وجب التنصيص عليه وإلا لزم صرف الظاهر إلى نادر ولا دلالة للفظ
الشامل عليه وذلك بعيد ومحال من حيث إنه تأخير للبيان عن وقت الحاجة وهكذا سؤر الهرة وإن أكلت الميتة ثم شربت قل الماء أو كثر غابت
من العين أو لم تغب لعموم الأحاديث المبيحة ولان النبي (ص) نفى عموم النجاسة عنها مطلقا اللهم إلا أن يكون أثر النجاسة ظاهرا على المنقار أو الفم
أو نشاهد في الماء وعند الشافعية والحنابلة وجهان: {أحدهما} مثل قولنا. {والثاني} إن لم تغب فالماء نجس وهو ظاهر نص الشافعي وإن غابت
ثم عادت فشربت فوجهان، {أحدهما} التنجيس لان الأصل بقاء النجاسة. {والثاني} الطهارة لأصالة طهارة الماء ويمكن أن يكون وردت حال غيبوبتها
على ماء كثير [الرابع] يكره سؤر الحائض إن كانت متهمة وهو اختيار الشيخ في النهاية وأطلق في المبسوط. لنا: ما رواه الشيخ عن عيص بن القسم قال سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن سؤر الحائض قال: لا يتوضى منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة وتغسل يدها قبل أن تدخلها الاناء وقد كان رسول
الله صلى الله عليه وآله يغتسل هو وعائشة في إناء واحد يغتسلان جميعا ورواه محمد بن يعقوب في الصحيح عن العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن سؤر الحائض قال لا يتوضى منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة ويغسل يديها قبل أن يدخلها في الاناء وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يغتسل
هو وعائشة في إناء واحد يغتسلان جميعا وروي في الحسن عن الحسين بن أبي العلا قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض يشرب سؤرها قال:
نعم ولا يتوضأ وهذا يدل على الكراهية لأنه إن كان طاهرا جاز الوضوء منه وإلا لم يجز الشرب ومثله روى عنبسة بن مصعب وأيضا مع التهمة يتطرق
تحرير النجاسة فيكره الاستعمال احتياطا للعبادة. [الخامس] ذهب بعض أصحابنا إلى أن لعاب المسوخ كالقرد والدب والثعلب والأرنب نجس
وقال الشيخ (ره) المسوخ نجس وهو عندي ضعيف. لنا: رواية الفضل ولان الأصل الطهارة وحكم السؤر حكم اللعاب ويكره سؤر الدجاج لعدم انفكاكها
من استعمال النجاسة ولا بأس بسؤر الفأرة والحية وكذا لو وقعتا في الماء وخرجتا وقال في النهاية الأفضل ترك استعماله. لنا: ما رواه إسحاق بن
27

عمار وقد تقدم وأيضا فإنه جسم طاهر لاقى طاهرا فلا يوجب المنع والوجه أن الوزغ كذلك وقال في النهاية لا يجوز استعمال ما وقع فيه الوزغ وإن خرج حيا
وهو اختيار ابن بابويه. لنا: ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال سألته عن العظاية؟ والحية والوزغ في الماء فلا يموت أيتوضأ منه للصلاة
قال: لا بأس ولأنه طاهر في الأصل لاقا طاهرا فلا يوجب التنجيس ورواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال سألته عن حية دخلت حيث فيه ماء وخرجت
منه قال: إن وجد ماء غيره فليهرقه غير دالة على التنجيس مع أن في طريقها وهبا فإن كان هو وهب ابن وهب أبا النجري (البختري) فهو ضعيف جدا ورواية عمار عن أبي
عبد الله (ع) قال: سئل رسول الله عن العظاية يقع في البئر قال: يحرم اللبن وقال أن فيها السم ضعيفة أيضا فإن رواتها الحسن بن فضال عن عمرو بن سعيد
عن مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي وهؤلاء فطحية وأيضا فإن فيه إشارة إلى أن التحريم إنما كان لأجل السم وكذلك ليس مما نحن فيه فإنه غير دال
على التنجيس وأيضا فإن الرواية قد اشتملت على قوله سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنمل وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن
وشبهه قال: كل ما ليس له دم فلا بأس. [السادس] يجوز للرجل أن يستعمل فضل وضوء المرأة وغسلها وبالعكس ما لم يكن هنا نجاسة عينية
وهو قول أكثر أهل العلم وقال أحمد يكره إذا دخلت المرأة وعنه رواية أخرى إنه لا يجوز وحكى ابن المنذر عن إسحاق الكراهة وكذا حكى عن
الحسن وابن المسيب وكان ابن عمر لا يكره فضل وضوئها إلا أن تكون جنبا أو حائضا قال فإذا خلت به فلا
تقربه. لنا: ما تقدم من الأحاديث الدالة
على جواز استعمال سؤر الحائض وما رواه محمد بن يعقوب بإسناده عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله (ع) يتوضأ الرجل من فضل المرأة؟ فقال: إذا
كانت تعرف ولما رواه الجمهور عن ميمونة قال اغتسلت من جفنة ففضلت منها فضلة قلت يا رسول الله إني اغتسلت منه فقال: الماء ليس عليه
جنابة ولأنه في الأصل طاهر فيبقى على الأصل احتج ابن حنبل بما روى الحكم بن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى أن يتوضأ الرجل فضل وضوء
المرأة وهذا ضعيف فإن محمد بن إسماعيل قال هذا الحديث موقوف ومن رفعه فقد أخطأ. مسألة: اتفق علماؤنا على أن ما لا نفس له
سائلة من الحيوانات لا ينجس بالموت ولا يؤثر في نجاسة ما يلاقيه من الماء وغيره وهو مذهب الحنفية وعامة الفقهاء وأحد قولي الشافعي والقول
الآخر: أنه ينجس ما يموت فيه عدا السمك وأما الحيوان فإنه ينجس قولا واحدا قال ابن المنذر: لا أعرف أحدا قال بنجاسة الماء سوا الشافعي ونقل أبو جعفر
من الحنفية في شرح الطحاوي عن بعض الحنفية أن الضفدع إذا مات في الخل والعصير ينجسه فاعتبر موته في غير موطنه ومعدنه ولم يعتبر سيلان
الدم. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: موت ما لا نفس له سائلة في الماء لا يفسد وما رواه عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أيما طعام أو شراب مات
فيه دابة ليس لها نفس سائلة فهو الحلال أكله وشربه والوضوء منه وما رواه مسلم وأبو داود عن النبي صلى الله عليه وآله إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله
فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء قال الشافعي مقله ليس لقتله قلنا اللفظ عام في كل شراب بارد أو حار أو دهن بما يؤت فيه بغمسة فيه
وطعن الترمذي في الحديث الثاني بأن رواية فيه ما هو مدلس لا الثقات فيه جماعة وإذا روى عن الثقات صححوه لان الترمذي قال بعثه دلس فإنما
روى عن الثقاة (جوزوا) للحديث السابق واللاحق ومن طريق الأصحاب ما رواه الشيخ عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) قال: كل شئ يسقط
في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس وما رواه عن محمد بن يحيى رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يفسد الماء إلا ما كانت
له نفس سائلة وما رواه حفص بن غياث عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة وحفص وإن كان عاميا إلا
أن روايته مناسب للمذهب وابن سنان الذي روى عن ابن مسكان الحديث الأول وإن كان قد ضعفه بعض أصحابنا إلا أن بعضهم قد شهد له بالثقة وأيضا
فهي مناسبة للمذهب وما رواه عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وأشباه ذلك يموت في اللبن و
الزيت وشبهه قال: كل ما ليس له دم فلا بأس وهذه مقوية لا حجة والأقرب الاستدلال بالأصل بما روي عن الصادق (ع) قال: الماء كله طاهر
حتى يعلم أنه قذر ولان الموت ليس لذاته علة النجاسة وإلا لنجس المذكى الذي حله الموت وإن كان نجسا لما فيه من الدماء وهذا ليس له
دم وحرمت الانتفاع به لعدم صلاحية الغذاء لا للنجاسة وعن أحمد في الوزغ روايتان، {أحدهما} النجاسة لما روي عن علي (ع) أنه كان يقول:
إن ماتت الوزغة والفأرة في الحب فصب ما فيه وإن ماتت في بئر فانزحها حتى يغلبك والجواب النزح والصب في الوزغ لا باعتبار النجاسة بل
باعتبار الطب. فروع [الأول] كل حيوان يعيش في الماء فلا يخلو إما أن يكون ذا نفس سائلة أو لا فإن كان كالتمساح وشبهه
مما له عرق يخرج منه الدم فهو ينجس بالموت فينجس الماء إن كان قليلا وبه قال أحمد خلافا للحنفية لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله في الحديثين السابقين
فإنه علق الحكم فيها على كون النفس ليس سائلة ومن طريق الخاصة رواية محمد بن أبي يحيى بإسناده عن الصادق (ع) قال: لا يفسد الماء إلا ما كانت له
نفس سائلة والاستثناء من النفي إثبات وما اخترناه روي عن أبي يوسف أيضا احتج المخالف بقوله (ع): هو الطهور ماؤه الحل ميتة والجواب أنه مختص
بالسموك وإلا لزم تحليل الجميع وليس كذلك إجماعا وأيضا ليس هذه الصيغة من صيغ العموم فلا يتناول ذا النفس وغيره جميعا وإن لم يكن ذا نفس
سائلة لم ينجس سواء مات في الماء أو خارجه ولو تقطعت أجزاء حيوان الماء ذي النفس السائلة في الماء نجسه إن كان قليلا وإن كان كثيرا جاز استعماله
وعند الحنفية يكره شربه لأنه لا يتوصل إليه إلا ومعه جزء من أجزاء الذي لا يحل أكله: له وشربه والضفدع لا ينجس بالموت لأنه ليس ذا نفس سائلة وبه قال
28

مالك وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وقال الشافعي وأبو يوسف وأحمد إنه نجس لأنه يعيش في البر فأشبه حيوان البر والجواب المقتضي للنجاسة سيلان النفس. [الثاني]
الحيوان المتولد من الأجسام الطاهرة طاهر كالفأرة ودود الخل وشبهه والمتولد من النجاسات كدود العذرة كذلك لأنه غير ذي نفس سائلة فيدخل تحت
العموم الدال على طهارة ما مات فيه حيوان غير ذي نفس وقال أحمد إن المتولد من الأعيان العينية (النجسة) نجس حيا وميتا لأنها كائنة عن النجاسة فيكون
نجسة كولد الكب والخنزير والجواب المقدمتان ممنوعتان فإن المعلوم تولده في النجاسة أما منها فلا ولو سلم منع من نجاسة المتولد من النجس وولد
الكلب ليس نجسا باعتبار تولده عن الكلب بل باعتبار اسم الكلب عليه بخلاف دود العذرة ويحرم أكله عند علمائنا أجمع سواء انفصل عن الطعام
أو اتصل به وهو أحد قولي الشافعي لاستقراره احتج حالة الاتصال بغير الإزالة وحالة الانفصال بالطهارة وهما غير دالين على المطلوب. [الثالث]
ولا خلاف عندنا في أن الآدمي ينجس بالموت لان له نفس سائلة وهو مذهب أبي حنيفة خلافا للشافعي على أحد القولين ولأحمد في إحدى الروايتين.
لنا: أنه ذو نفس سائلة فيدخل تحت قوله لا يغسل الماء إلا ما كانت له نفس سائلة ولان شخصا وقع في بئر زمزم في عهد عبد الله بن عباس
وابن الزبير فأمرا بنزح الماء فلم يمكنهم ذلك وكان لها عين ينبع في أسفلها كأنها علف ضرور فأمر بسدها بالأنطاع فلم يقدروا عليه فأمرا بنزح البعض
وحكما بطهارة الباقي احتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: المؤمن لا ينجس والجواب أن المؤمن إنما يتناول حقيقة الحي أما الميت فإنما يطلق عليه بالمجاز
ويطهر بالغسل إن كان مسلما أما الكافر فلا. [الرابع] الصيد المحلل إذا وقع بالماء القليل مجروحا فمات فيه فإن كان الجرح قاتلا فهو حلال
والماء طاهر وإلا فلا فيهما سواء أشتبه أو علم استناد الموت إلى الماء قيل إنه مع اشتباه موته بالماء وعدمه أن يكون الأصل طهارة الماء وحرمة الحيوان
فيحكم بطهارة الماء وتحريم الحيوان عملا بالأصل وما اخترناه نجس في بعض كتبنا وليس بجيد لان العمل بالأصلين إنما يصح مع الامكان وهنا
منتف فإنه كما يستحيل اجتماع الشئ مع نقيضه كذا يستحيل اجتماعه مع نقيض لازمه وموت الحيوان يستلزم نجاسة الماء فلا يحتاج الحكم بطهارته
كما لا يجامع تذكيته. [الخامس] لو لاقى الحيوان الميت وغيره من النجاسات ما زاد على الكر من الماء الجامد الأقرب عدم التنجيس ما لم يغيره. لنا: قوله (ع)
إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ وبالتجميد لم يخرج عن حقيقته بل ذلك مما يوكل موت مقتضي حقيقته فإن الآثار الصادرة عن الحقيقة كلما
قربت كان آكد في ثبوتها والبرودة من معلولات طبيعة الماء وهي يقتضي الجمود أما لو كان ناقصا عن الكر هل يكون حكمه حكم الجامدات بحيث يلقى
النجاسة وما يكفها أمر يدخل تحت عموم التنجيس للقريب الأقرب الأول لأنه بجموده يمنع من شياع النجاسة فلا يتعدى موضع الملاقاة بخلاف
الماء القليل الذي يسري النجاسة إلى جميع أجوائه. مسألة: هل يجوز الطهارة بالثلج الحق جوازه بشرط أن يكون ما يتحلل منه جاريا
على العضو بحيث يسمى غاسلا والشيخ اقتصر في الخلاف على الدهن فإن كان المقصود الغسل الخفيف بحيث ينتقل جزء من الماء على جزئين من البدن
فهو صحيح. لنا: ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج قال: يغتسل بالثلج
أو ماء النهر وروى معاوية بن شريح قال سأل رجل أبا عبد الله (ع) وأنا عنده قال يصيبنا الرمق والثلج ويريد أن يتوضأ فلا نجد إلا ماء جامدا
فكيف أتوضأ أدلك به جلدي؟ قال: نعم ومعاوية لا أعرفه وفي طريق هذه الرواية عثمان بن عيسى وهو واقفي فالتعويل على الأولى وما رواه
الشيخ في الحسن عن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا
أيهما أفضل التيمم أم يمسح بالثلج وجهه قال: الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتمم أمره بالتيمم مع عدم القدرة
فينتفي عند وجودها ضرورة كونه شرطا ولأنه فعل حقيقة الغسل فيكون متمثلا بالأمر بالاغتسال لا يقال قدر روى محمد بن يعقوب في الصحيح عن محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن رجل أجنب ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا فقال: هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أرى أن يعود إلى هذه
الأرض التي توبق دينه فيقول لو جاز الاغتسال به لما جاز التيمم ولا حكم (ع) بكونه بمنزلة الضرورة ولا نهاه عن العود إلى هذه الأرض
ولا حكم بأنها موبقة لدينه والتوالي كلها باطلة وقد روى الشيخ أيضا هذه الرواية ولأنه لو جاز الاغتسال بالثلج أو الوضوء لما خصص الامامان
(عليهم السلام) في الحديثين استدللتم بهما بعدم وجدان الماء لأنا نقول أما الحديث الذي ذكرتموه فإنا نحمله على من لم يمكن من استعمال الثلج للبرد لان الغالب
في تلك الأرض التي لا يوجد فيها إلا الثلج والجمد شدة البرودة المانعة من الملامسة فيحمل عليه لطهوره وجمعا بين الأدلة وأما التخصيص فممنوع
لأنه قد وقع الاتفاق من المحققين على أن الجواب عن صورة خاصة لا يقتضي التخصيص كما لو سئل عن السائمة فقال فيها زكاة مع وقوع
الخلاف منهم على الدلالة على التخصيص إذا لم يكن جوابا. فرعان [الأول] ظهر من هذا جواز استعمال الثلج مع وجود الماء بشرط الجريان.
[الثاني] لو وقع في الماء القليل المانع الملاصق لما زاد على الكر من الثلج نجاسة ففي نجاسته نظر فإنه يمكن أن يقال ماء متصل بالكر فلا
يقبل التنجيس ويمكن أن يقال ماء قليل متصل بالجامد اتصال مماسة لا ممازجة واتحاد فأشبه المتصل بغير الماء في انفعاله عن النجاسة لقلته.
مسألة: إذا كان معه إناءان أحدهما نجس بيقين واشتبها أجتنب مائهما وجوبا ويتيمم سواء زاد عدد الطاهر أو نقص وهل يجب الإراقة
جزم به الشيخ في النهاية وابن بابويه في كتابه والمفيد في المقنعة والأولى عدم الوجوب وعن أحمد روايتان في الإراقة وقال الشافعي يجوز
29

التحري إن كانت نجاسته ظاهرية وجوز أبو حنيفة التحري بشرط غلبة الطاهر أما مع المساواة والأقلية فلا وهو إحدى الروايتين عن أحمد وما اخترناه
مذهب المزني وأبي ثور وأحمد في إحدى الروايتين وهو أيضا مذهب أكثر الصحابة وقال ابن الماجشون ومحمد بن مسلم لا يتحرى ويتوضى بكل واحد منهما
ويصلي بعد أن يغسل بالثاني ما أصابه من الأول. لنا: ما رواه الشيخ عن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في
أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس بقذر على ماء غيره قال: يهرقهما جميعا ويتيمم وما رواه سماعة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل معه إناءان
فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال: يهرقهما به ويتيمم وسماعة وعمار وإن كانا ضعيفين إلا أن الأصحاب
تلقت هذين الحديثين بالقبول وأيضا شهدوا لهما بالثقة ولان الصلاة بالماء النجس حرام فالاقدام على ماء لا يؤمن معه أن يكون
نجسا إقدام على ما لم يؤمن معه فعل الحرام فيكون حراما ولأنه متيقن لوجوب الصلاة فلا يزول إلا بمثله لما رواه الشيخ في الصحيح عن
زرارة قال قال ولا تنقض اليقين أبدا بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر ولأنه لو جاز الاجتهاد لجاز في الماء والبول والماء المضاف
كماء الورد ولا يجوز هنا إجماعا فلا يجوز هناك اعتذر أصحاب الشافعي بأن البول لا أصل له في الطهارة والجواب هذا الماء قد زال عنه
أصل الطهارة فلم يبق للأصل أثر ولان البول قد كان ما فعله أصل في الطهارة وأيضا لو جاز التحري لجاز التحري في الميتة والمذكاة
والمحرم والأجنبية والتالي باطل إجماعا فكذا المقدم ووجه الملازمة في الثابت أن الاجتهاد طريق صالح لتعين المجتنب عنه من
غيره والتخصيص بحكم وأيضا لو جاز الاجتهاد لما جاز الاجتهاد هنا ولزم جواز استعمال تيقن (متيقن) النجاسة والتالي بقسميه باطل فالمقدم مثله بيان
الملازمة أنه لو اجتهد وقت تنجس أحد الإنائين ثم اجتهد وقت الظهر في الآخر فإما أن يعمل بالاجتهاد الثاني أو
لا وعلى التقدير الأول
يلزم ما ذكرناه ثانيا وعلى (الثاني)؟ يلزمه الأول وأما بطلان قسمي التالي فبالاجماع في الثاني وبالعقد الدال على امتناع ما أرى
ثبوته إلى انتفائه في الأول احتج الشافعي بأنه شرط الصلاة فجاز التحري من أصله كما لو اشتبهت القبلة ولان الطهارة تؤدي باليقين
تارة أو بالظن أخرى ولهذا جاز الوضوء بالماء القليل المتغير الذي لا يعلم سبب تغيره والجواب القبلة يباح تركها حالة الضرورة في السفر في النفل اختيارا
ولان القبلة التي توجه إليها مبنية على الظن ولو بان له يقين الخطأ لم يلزمه الإعادة والمتغير من غير سبب يجوز الوضوء به عملا بأصالة الطهارة
وإن عارضه ظن النجاسة وهنا عارضه يقين النجاسة ولهذا لا يحتاج في القليل إلى التحري بخلاف التنازع. فروع [الأول] حكم
ما زاد على الإنائين في المنع من التحري سواء كان هناك أمارة أو لم يكن وسواء كان الطاهر هو الأكثر وبالعكس أو تساويا سواء كان المشتبه
بالطاهر نجسا أو نجاسة أو ماء مضافا ولو انقلب أحدهما لم يجري التحري أيضا لأنه ظن فلا يرفع لعين النجاسة ووافقنا الشافعي إلى عدم التحري
إذا كان في أحد الإنائين نجاسة كالبول لأنه ليس له أصل في الطهارة سواء زاد عدد الطاهر أو لا وقال أبو حنيفة إن زاد عدد الطاهر جاز قالت
الشافعية لو أدى اجتهاد أحد الرجلين إلى طهارة إناء والآخر إلى طهارة آخر صلى كل منهما منفردا ولا يجوز الايتمام لأنه معتقد فساد طهارة إمامه
فلو كانت الأواني خمسة واستعمل كل ما أدى إليه اجتهاده فإن كان الطاهر واحدا صلى كل منهم منفردا فإن صلوا جماعة لم يصح وإن كان النجس واحدا
صحت صلاتهم جماعة فلو صلوا الخمس جماعة وأم كل واحد منهم في واحدة وكل من صلى إماما صحت صلاته وكل صلاة صلاها وهو مأموم فيها صحيحة
إلا الصلاة الأخيرة فإمام المغرب أيضا لا يصح له صلاة المغرب لأنه يزعم أنه تطهر بالماء الطاهر وكذا إمام الصبح والظهر والعصر فتعين استعمال الماء
النجس بحكم اقتدائه بمن قبله في حق إمام المغرب وعلى الباقي إعادة صلاة العشاء لما ذكرناه وهذا عندنا ساقط لأنا نوجب التيمم. [الثاني]
لو كان أحدهما متيقن الطهارة والآخر مشكوك النجاسة كما لو انقلبت أحد المشتبهين ثم اشتبه الباقي بمتيقن الطهارة وكذا لو اشتبه الباقي
بمتيقن النجاسة وجب الاجتناب. [الثالث] لو خاف العطش أمسك أيهما شاء لاستوائهما في المنع وخائف العطش يجوز أن تمسك (يمسك) النجس
فالمشكوك أولى ويجوز له أن يستعمل أيهما شاء ولا يلزمه التحري لأنه مضطر فساغ له التناول ولو لم يكونا متيقنين شرب الطاهر وتيمم ولو خاف
العطش في ثاني الحال حبس الطاهر لان وجود النجس كعدمه عند الحاجة إلى الشرب في الحال فكذا في الماء (في الحال الثاني) وخوف العطش في إباحة التيمم كحقيقته
وهو قول بعض الحنابلة وقال بعضهم يحبس النجس لأنه ليس بمحتاج إلى شربه في الحال فلم يجز التيمم مع وجوده. [الرابع] لو استعمل الإنائين
وأحدهما نجس مشتبه وصلى لم تصح صلاته ولم يرتفع حدثه سواء قدم الطهارتين أو صلى بكل واحد صلاة لأنها ماء يجب اجتنابه فكان كالنجس وكذا
لو استعمل أحدهما وصلى به لم تصح صلاته ووجب عليه غسل ما أصابه المشتبه بماء متيقن كالنجس وهو أحد وجهين الحنابلة والآخر لا يجب
غسله لان المحل طاهر بيقين فلا يزول بشك النجاسة والجواب لا فرق في المنع بين يقين النجاسة وشكها هنا بخلاف غيره أما لو كان أحدهما
ماء والآخر مضافا قال الشيخ يطهر بهما وهو حسن خلافا لابن إدريس وقال الجمهور كافة بمثل قول الشيخ لأنه يمكنه إذا فرضه بيقين من غير
حرج فيه فوجب عليه ولو احتاج إلى أحدهما للشرب أبقاه وتوضئ بالآخر وتيمم وكذا لو صب أحدهما ليحصل له يقين البراءة. لنا: أنه متمكن
من تحصيل الطهارة ولم يتناوله المنع فوجب عليه الفعل. [الخامس] لو كان معه ماء متيقن الطهارة لم يجز له التحري سواء كان الاشتباه
30

بين الطاهرين أو بين الطاهر والنجس ولا استعمالهما في الموضعين وهو اختيار أبي إسحاق المروزي من الشافعية وقال أكثرهم هو مخير بين التحري واستعمال
المتيقن. لنا: ما تقدم من الأدلة المانعة من التحري لفاقد المتيقن فلوا جده أولى. [السادس] لو اشتبه بالمغصوب وجب اجتنابهما ولو تطهر بهما
ففي الاجزاء نظر ينشأ من إتيانه وهو الطهارة بماء مملوك فيخرج عن العهدة ومن طهارته بما ينهى عنه فيبطل وهو الأقوى ولو غسل ثوبه بالمغصوب
أو المشتبه به طهر وصحت الصلاة فيه. [السابع] لا يجب الإراقة ولا النزح عملا بالأصل وليس شرطا في التيمم لان الوجدان مفقود هنا لعدم
التمكن من الاستعمال. [الثامن] لو بلغ ماؤهما كرا لم يجب النزح ولو فعل كان الجميع نجسا على ما اخترناه ويجئ على أحد قولي الشيخ وجوب النزح.
[التاسع] لو أراق أحدهما لم يجز التحري أيضا وهو أحد قولي الشافعية ووجب التيمم ومن وافقنا من الشافعية قال بعضهم يتيمم كما قلناه
وقال آخرون يتوضأ لان الأصل الطهارة ونجاسته مشكوك فيها وقد زال يقين النجاسة وليس بجيد لما قلناه من وجوب الاجتناب ولو
اجتهد في الصلاة الثانية بعد إراقة أحدهما فأداه اجتهاده إلى طهارة الباقي قال بعض الشافعية ولو اجتهد تيمم وعندنا الاجتهاد من أصله
باطل ووافقنا الشافعي في المنع من التحري في حق الأعمى في أحد القولين وجوز له في الآخر التحري. [العاشر] كما لا يجوز التحري في الإنائين من الماء لا يجوز في غيرهما وجوز الشافعي التحري في الإنائين
من السمن والدهن وغير ذلك وفي الثوبين إذا نجس أحدهما ومنع من التحري في كمي الثوب الواحد وفرق بأن النجاسة هنا قد تحققت بالثوب فلا يزول بالظن.
[الفصل الثاني] في الوضوء والنظر في الموجب والكيفية والاحكام فهي هنا مباحث الأول في موجباته: مسألة: الحدث الناقض للطهارة
إما أن يوجب طهارة الصغرى لا غير وهو خمسة أشياء خروج البول والغائط والريح والنوم الغالب على الحاستين السمع والبصر وكلما (أ) زال العقل من
إغماء وجنون وسكر وشبهه وأما أن يوجب الكبرى لا غير وهو الجنابة خاصة وإما أن يوجبهما معا وهو الحيض والنفاس ومس الأموات بعد بردهم
بالموت وقبل تطهيرهم بالغسل وإما أن يوجب الوضوء خاصة أي في حال والأمرين في حالة الأخرى وهو الاستحاضة. مسألة: لا نعرف خلافا
بين أهل العلم في أن خروج البول والغائط والريح من المعتاد ناقض للطهارة وموجب للوضوء ويدل عليه قوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من
الغائط) وما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (ع): ما ينقض الوضوء فقالا: ما يخرج من طرفيك الأسفلين
من الدبر والذكر من غائط أو بول أو مني أو ريح والنوم حتى يذهب العقل وكل النوم يكره إلا أن يسمع الصوت وما رواه في الصحيح عن زرارة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يوجب الوضوء إلا من غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها وما رواه في الصحيح عن سالم بن الفضيل عن أبي عبد الله (ع)
قال: ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين الذين أنعم الله بهما عليك. فروع [الأول] لو خرج أحد الثلاثة من غير المعتاد فالوجه
أنه لا ينقض وقال الشيخ إن خرج البول والغائط مما دون المعدة نقض ومن فوقها لا ينقض وما اخترناه مذهب الشافعي في أحد قوليه وما اختاره
الشيخ هو القول الثاني فقال أبو حنيفة: إنه ينقض مطلقا سواء خرج مما فوق المعدة أو دونها بشرط السيلان لا الريح فقد نقل الكرخي أنه لو خرج
من الذكر أو من قبل المرأة لم ينقض وروي عن محمد أنه لو خرج من قبل المرأة ريح منتن نقض وللشافعي قول أن الريح ينقض سواء خرج من قبل الرجل
أو دبره وكذا المرأة ويمكن خروج الريح من قبل المرأة ومن قبل الرجل إذا كان أدر. لنا: رواية أبي الفضل فإنه (ع) نفى النقض إلا مع الخروج من
الطرفين وأيضا رواية زرارة فإنه (ع) أجاب عن السؤال المستوعب لكل ناقض لان ما من صنيع العموم فلو كان التخصيص بالذكر لا يقتضي وبقي الحكم
عما عداه لكان تأخير البيان عن وقت الحاجة وكان في الجواب إيهاما للخطاء وذلك باطل ولان غسل غير موضع النجاسة غير معقول فتقصر على
مورد الشرع ولان الأصل بقاء الطهارة فيقف انتقاضها على غير موضع الدلالة ويقول على الحنفية أن أنس بن مالك احتجم ولم يرد على
غسل محاجمة وروى ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قضيت له وضوءا وقلت يا رسول الله أيجب الوضوء من القئ فقال: لو كان واجبا لوجدته في كتاب
الله أتى (صلى الله عليه وآله) بحرف لو الدالة على الامتناع للامتناع ورووا عنه (صلى الله عليه وآله) قال: لا وضوء إلا من صوت أو ريح فيقول لا
يجب الوضوء بهذه النصوص لما دلت عليه فلا يجب في الثلاثة لأنهم لم يفصلوا ولان الخارج من غير السبيلين لو كان ناقضا لا يشترط فيه
السبيلان قياسا على الخارج منهما احتج الشيخ بقوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) وهو مطلق سواء خرج من السبيلين أو من غيرهما لكن الخارج
ما فوق المعدة لا يسمى غائطا فلا يكون ناقضة واحتج أبو حنيفة بالآية وبما روي أن فاطمة بنت أبي حنيش قالت يا رسول الله إني امرأة استحاض
فلا أطهر فأخاف أن لا يكون لي في الاسلام حظ فقال: إنما ذلك دم عرق وليست بالحيضة فتوضأي وصلي وكلمة أن للتعليل وأيضا هو خارج
نجس من الآدمي فيؤثر في تنجيس الأعضاء الأربعة حكما إذ هو من لوازمه كما في الخارج من السبيلين والجواب عما ذكره الشيخ أن الاطلاق ينصرف
إلى المعتاد فيتقيد به وأيضا فالروايات التي ذكرناها مقيدة للاطلاق وتخصيص الشيخ ليس بجيد وقد ذهب إليه الشافعي أيضا في بعض
أقواله لان الغائط لغة المكان المطمئن وعرفا الفضلة المخصوصة ولا اعتبار بالمخرج في التسمية وعما ذكره أبي (أبو) حنيفة أولا من وجوه أحدها أنه (عليه السلام)
يأمرها بالوضوء وإنما هو عن كلام عروة هكذا ذكره الإسكافي. [الثاني] إنه (عليه السلام) لم يذكر الدم وإنما كان عرقا على ما ذكره بعض المحدثين
فحينئذ يبطل ما ذكر من التعليل. [الثالث] الاستفسار وتقريره أن يقول لم لا يجوز أن يكون المراد بالوضوء غسل مورد النجاسة بقي علينا
31

أن نبين جواز استعماله فيما ذكرنا ويدل عليه الموضع اللغوي وهو ما أمر والاستعمال الشرعي وهو ما رواه معاذ أن قوما سمعوا أن النبي يقول الوصف
مما مست النار. [الرابع] المنع من انصراف التعليل إلى إيجاب الوضوء لأنه ينصرف إلى ما قصد بيانه مما وقع الاشكال فيه والاشكال نشأ للمرأة
من اشتباه دم الحيض بدم الاستحاضة لقولها أخشى أن لا يكون لي حظ في الاسلام وذلك لا يوجب اعتقاد انتفاء وجوب الطهارة فإن الحيض يوجب
أعلا الطهارتين فيجب صرفه إلى عين الغسل والاطلاق في الصلاة ويدل على صرفه إليه وإن لم يكن مذكور أو الإشارة بقوله إنما ذلك دم
عرق إلى كونه بحال لا يمكنها الاحتراز عنه وذلك يناسب حكما يشعر بالتحقيق وهو الاكتفاء بالوضوء عن الغسل الثاني لو اتفقا لمخرج في غير المعتاد
خلقه أنقضت الطهارة بخروج الحدث منه إجماعا لأنه مما أنعم به وكذا لو انسد المعتاد وانفتح غيره أما لو انفتح مخرج آخر والمعتاد على حاله فإن
صار معتادا فالأقرب مساواته له في الحكم وإن كان نادرا فالوجه أنه لا ينقض ولو خرج الريح من الذكر لم ينقض لأنه غير معتاد ولان ما خرج منه
لا يسمى ضرطة ولا فسوة ولأنه لا منفذ له إلى الجوف أما المرأة فالأقرب أن ما يخرج من قبلها من الريح كذلك وإن كان لها منفذ إلى الجوف بناء على
المعتاد أما ما يخرج من الفم كالجشأ فلا ينقض إجماعا ولو خرج البول من الأقلف حتى صار في قلفته نقض الثالث ما يخرج من السبيلين غير
البول والغائط والريح والمني والدماء الثلاثة لا ينقض الطهارة سواء كان طاهرا كالدود أو نجسا كالدم وهكذا لو استدخل دواء كالحقنة
وغيرها إلا أن يستصحب شيئا من النواقض فيكون الحكم له ووافق مالك أصحابنا في الدود والحصا والدم وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه
والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور أن جميع ذلك ناقض. لنا: ما ذكرنا في الروايات وأيضا ما رواه الشيخ عن محمد بن يعقوب عن الفضيل عن أبي عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يخرج منه مثل حب القرع قال: ليس عليه وضوء قال محمد بن يعقوب وروي إذا كان متلطخا بالعذرة أعاد الوضوء وروى عمار عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال سأل عن الرجل يكون في الصلاة فيخرج منه مثل القرع فكيف يصنع فقال إن كان خرج نظيفا من القذرة فليس عليه شئ ولم ينقض
وضوئه وإن خرج متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة وروى حريز عمن
أخبره عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يسقط منه الدواب وهو في الصلاة قال يمضي في صلاته ولا ينقض
ذلك وضوءه وروى عبد الله بن أبي زيد عن
أبي عبد الله (ع) قال: ليس في حب القرع والديدان الصغار وضوء ما هو إلا بمنزلة القمل وروى محمد بن يعقوب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موس (عليه السلام)
قال سألته عن الرجل هل يصلح له أن يستدخل الدواء ثم يصلي وهو معه انتقض الوضوء قال لا ينقض الوضوء ولا يصلي حتى يطرحه ولان الأصل
الطهارة فيستصحب ما لم يثبت الناقض ولان النقض حكم شرعي فيقف على الشرع ولأنه لو نقض الخارج من السبيلين لنقض الخارج من غيرهما
وبالاتفاق التالي باطل في الطاهر فالمقدم مثله الرابع المذي والوذي وقد اتفق علماؤنا على أنهما غير ناقضين وأنهما طاهران وخالف جميع الجمهور
في ذلك. لنا: ما تقدم من الروايات الدالة على انحصار الناقض فيما ذكرناه وأيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن زيد الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم عن
أبي عبد الله (ع) قال: إن سال من ذكرك شئ من مذي لا تغسله ولا تقطع له الصلاة ولا تنقض له الوضوء إنما ذلك بمنزلة النخامة كل شئ خرج منك
بعد الوضوء فإنه من الحبائل وفي رواية حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (ع) قال: الوذي لا ينقض الوضوء إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق وأيضا روى
الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من القبلة ولا من مس
الفرج ولا من المضاجعة وضوء ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد وروي في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن المذي فقال: إن عليا كان
رجلا مذاء استحيا أن يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمكان فاطمة فأمر المقداد ان يسأله وهو جالس فسأله فقال له النبي: ليس بشئ وروى عمرو بن حنظلة
قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المذي فقال: ما هو عندي إلا كالنخامة وفي طريقها ابن فضال وروي عيينة قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان علي (ع)
لا يرى في المذي وضوء ولا غسل ما أصاب الثوب منه لا في الماء والأكبر؟ وفي طريقها معلى بن محمد وهو مضطرب الحديث والمذهب فالتعويل على الروايات
الصحيحة ولان الأصل الطهارة لا يقال روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سألت الرضا (ع) عن المذي فأمرني بالوضوء منه ثم أعدت عليه في
سنة أخرى فأمرني بالوضوء وقال إن علي بن أبي طالب (ع) أمر المقداد بن الأسود أن يسأل النبي صلى الله عليه وآله واستحيا أن يسأله فقال فيه الوضوء لأنا نقول قال الشيخ
وهذا خبر شاذ فيحمل على الاستحباب لما روى الحسين بن سعيد في الصحيح عن محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن (ع) قال سألته عن المذي فأمرني بالوضوء منه ثم
أعدت عليه سنة أخرى فأمرني بالوضوء منه وقال إن عليا (ع) أمر المقداد أن يسأله رسول الله صلى الله عليه وآله فاستحيا أن يسأله فقال فيه الوضوء قلت فإن لم
أتوضأ قال: لا بأس ولا شك أن الراوي إذا روى الحديث تارة مع زيادة وتارة بدونها عمل على تلك الزيادة إذا لم يكن مغيرة ويكون بمنزلة الروايتين
لا يقال الزيادة هنا مغيرة لأنها تدل على الاستحباب مع أن الخبر الأول الخالي عنها يدل على الوجوب لأنا نقول هذا ليس بتغير بل هو تفسير لما دل
عليه لفظ الامر الأول لأنه لو كان مغيرا لكان الخبر المشتمل على الزيادة متناقضا وليس كذلك اتفاقا ويحمل أيضا على المذي الذي يقاربه الشهوة ويكون
كثيرا ويخرج عن المعتاد لكثرته ويدل عليه ما رواه علي بن يقطين في الصحيح عن أبي الحسن قال سألته عن المذي انتقض الوضوء قال: إن كان بشهوة نقض
أقول: ويحمل المذي ها هنا على المني من توابعه واطلاق الاسم (اسم) الملزوم على اللازم كثير لا يقال روى الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع)
32

قال طمث يخرجن من الإحليل وهن المني فمنه الغسل والوذي فمنه الوضوء لأنه يخرج من دريرة البول قال والمذي ليس فيه وضوء إنما هو بمنزلة ما يخرج
من الانف فهذا يدل على وجوب الوضوء من الوذي لأنا نقول يحمل على ما إذا لم يكن استبرأ من البول فإنه لا ينفك عن ممازجة أجزاء من البول ويدل
عليه التعليل الذي ذكره (عليه السلام) لا يقال روى الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع) الرجل يمذي وهو في الصلاة من شهوة
ومن غير شهوة قال المذي منه الوضوء فهذا يدل على إيجاب الوضوء من المذي مطلقا ولا يمكن تأويله بما ذكرتم أولا لأنا نقول المراد ومنه التعجب جمعا بين
الأدلة هذا تأويل الشيخ في التهذيب ويمكن حمله على الاستحباب أيضا. مسألة: قال علماؤنا النوم الغالب على السمع والبصر ناقض للوضوء
سواء كان قاعدا أو قائما أو راكعا أو ساجدا في حال الصلاة أو غيرها وهو مذهب المزني وإسحاق وأبي عبيد وقال ابن بابويه من أصحابنا الرجل يرقد
قاعدا أنه لا وضوء عليه ما لم ينفرج وقال الشافعي إذا نام قاعدا متمكنا مقعدته من الأرض لم ينقض وحكي عن أبي موسى الأشعري وأبي محايد وحميد
الأعرج أنهم قالوا النوم لا ينقض الوضوء على سائر الأحوال ونقله ابن الصباغ في الشامل عن الامامية وهو غلط في النقل وقال أبو حنيفة:
لو نام في الصلاة قائما أو قاعدا أو راكعا أو ساجدا عليه النوم أو تعمد وعلى كل حال لم ينقض وضوء وكذا لو نام خارج الصلاة قائما أو قاعدا
متمكنا أو راكعا أو ساجدا أما لو نام متوركا ومضطجعا انتقض وضوئه وبه قال داود. وقال مالك: النوم قاعدا إذا طال حدث وقال أحمد بن حنبل:
نوم المضطجع ينقض كثيره وقليله ونوم القاعد إن كان كثيرا نقض وإلا فلا ونوم القائم والراكع والساجد فيه روايتان أحدهما: ينقض. والآخري:
لا ينقض. لنا: النص والمعقول أما النص فقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) نقل المفسرون أجمع أن المراد بها إذا قمتم من النوم
وهذا يقتضي الوجوب على الاطلاق وأيضا روى الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال العين وكاء السنة فمن نام فليتوضأ وفي حديث آخر العينان
وكاء السنة فإذا نامت العينان استطلق الوكاء وروى صفوان المرادي أن النبي صلى الله عليه وآله أمرنا بأن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها إذا كنا سفرا لا من جنابة
ولكن من غائط أو بول أو نوم عطف مطلق النوم على البول والغائط حدث فكان المطلق حدثا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن
زرارة عن أحدهما (عليه السلام) قال: لا ينقض الوضوء إلا ما يخرج من طرفيك أو النوم وما رواه في الحسن عن عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته
يقول من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أي الحالات فعليه الوضوء وروي في الصحيح عن محمد بن عبد الله و عبد الله بن المغيرة قال سألنا الرضا (عليه السلام) عن الرجل
ينام على دابته فقال إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء وروي في الصحيح عن إسحاق ابن عبد الله الأشعري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ينقض الوضوء إلا حدث
والنوم حدث وقد ذكرنا في كتاب استقصاء الاعتبار في تحرير معاني الأخبار وجه الاستدلال من هذا الحديث وما فيه من المباحث اللطيفة ومع ذلك قال صلى الله عليه وآله
نخلي هذا الكتاب عن بعضها فنقول في الظاهر أن هذا الحديث يدل على أن النوم ناقض وإذا اعتبر بنوع من الاعتبار ورد عليه الاشكال من حيث خروجه
من شرائط القياس فنقول وجه الاستدلال منه أن كل واحد من أنواع الحدث اشترك مع غيره منها في معنى الحدثية وامتاز عنه بخصوصيته وما به الاشتراك غير
ما به الامتياز وغير داخل فيه فماهية الحدث من حيث هي مغايرة لتلك الخصوصيات والإمام (ع) حكم بإسناد النقص إلى الحدث الذي هو المشترك فلا
يكون لقيد الخصوصيات مدخل في ذلك التأثير وحكم بأن تلك الماهية التي هي علة موجودة في النوم والعقل قاض بأن المعلول لا يتخلف عن علته
فلا جرم كان النوم ناقضا لا يقال يعارض ما ذكرتم من الأثر بما رواه الشيخ عن عمران بن حمران أنه سمع عبدا صالحا يقول من نام وهو جالس
لا يتعمد النوم فلا وضوء عليه وما رواه عن بكر بن أبي بكر الحضرمي قال سألت أبا عبد الله (عليه ا لسلام) ينام الرجل وهو جالس؟ فقال: كان أبي يقول
إذا نام الرجل وهو جالس يجتمع فليس عليه وضوء وإن نام مضطجعا فعليه الوضوء لأنا نقول نمنع أولا صحة سند الحديث فإن عمران بن حمران لا
نعرف حاله وبكر بن أبي بكر كذلك، وثانيا: يحمل ذلك على ما إذا لم يغلب النوم على العقل لما رواه في الصحيح عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة فقال: إن كان لا يحفظ حدثا منه إن كان فعليه الوضوء وإعادة الصلاة وإن كان يستيقن
أنه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة وروي في الصحيح عن زيد الشحام قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخفقة والخفقتين به فقال ما
أدري ما الخفقة والخفقتين إن الله يقول: (بل الانسان على نفسه بصيرة) إن عليا كان يقول من وجد طعم النوم فإنما أوجب عليه الوضوء وروى
في الصحيح عن زرارة قال قلت له الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال: يا زرارة قد ينام العين ولا ينام
القلب والاذن فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء، قلت فإن حرك إلى جنبه بشئ ولم يعلم به؟ قال: لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجئ
من ذلك أمر يقين وإلا فإنه على يقين من وضوء لا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر. وأما المعقول فهو أن النوم سبب لخروج
الحدث بواسطة ذهاب وكاء السنة فصار كالنوم متوركا ومضطجعا وأيضا النوم غالب على العقل ومزيل للتميز فاشتبه الاغماء ولما كان المقيس عليه
ناقضا على كل حال فكذا المقيس احتج أبو حنيفة بما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا وضوء على من نام قائما أو راكعا أو ساجدا إنما الوضوء
على من نام مضطجعا فإذا اضطجع استرخت مفاصله وما رواه عن ابن عباس أيضا قال رأيت النبي صلى الله عليه وآله نام وهو ساجد حتى خطه عط ونفخ؟ ونهج ثم قام فصلى
فقلت يا رسول الله صليت وأتوضأ وقد نمت فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله وما رواه حذيفة بن اليماني قال
33

بينما أنا جالس في صلاتي إذا رقدت فوضع انسان يده على كتفي وإذا النبي (صلى الله عليه وآله) فقلت يا رسول الله على من هذا وضوء فقال: لا حتى
تضع جنبيك وما رواه أنس قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا نام العبد في سجوده باها الله به ملائكته فيقول انظروا إلى عبدي
روحه عندي وجسده في طاعتي فلو كان النوم ناقضا لخرج عن كونه طائعا واستدل الشافعي بما رواه أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
كانوا ينامون ثم يقومون لصلاة ولا يتوضؤن والجواب عن الحديث الأول من وجهين: أحدهما: الطعن في السند فإن رواية أبو خالد الدالاني
عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس وأبو خالد لم يلق قتادة وقال شعبة وغيره إن قتادة لم يسمع أبا العالية إلا أربعة أحاديث أو ثلاثة وليس هذا
الحديث منها وقيل قتادة كان مدلسا قال ابن سيرين حدث؟ (حديث) عمر سبب إلا عن الحسين وأبي العالية لأنهما لم يكونا يباليان عن من أحد؟ (حدثوا) الثاني أنه مع التسليم فهو من
غير حجة لأنه (ع) نص على الاضطجاع ونص على العلة التي هي الاسترخاء وذلك يقتضي تعمم الحكم في جميع موارد صور العلة وهذان جوابان عن الثاني وعن
الثالث يجوز أن يكون حذيفة غير مستغرق في النوم بحيث يغيب عن مشاعره الإحساس وليس في حديث إن رقاده انتهى إلى ذلك لا يقال تعليق
الايجاب بوضع الجنب إلى الأرض يقتضي السلب في غيره لأنا نقول هنا خرج مخرج الأغلب فلا يدل على النفي في غيره إجماعا كما في النهي عن
الاكراه عند إرادة التحصن وعن الرابع بوجوه، أحدها: أن السجود قد يكون في الصلاة وفي غيرها وليس في الحديث إشعار بذكر الصلاة، والثاني:
أن قوله وجسده في طاعتي لا يمكن حمله على حالة النوم بل يكون إشارة إلى حالة قبل النوم لأنه في تلك الحال خرج عن أن يكون مكلفا، الثالث: أنه قد
روى هذا الحديث بغير هذه العبارة فإنه قد روى روحه عندي وجسده بين يدي وحينئذ لا دلالة وحديث الشافعي ضعيف لان رواية أنس على النفي غير مقبولة
ولان قوله ينامون حكاية حال فلا يعم فجاز أن يكون المراد بذلك غير الغالب ولأنه حكاية عن حال خفية عنه استدل عليها بظاهر فعلهم فأمكن
أن يظن نوما ما ليس بنوم. فروع [الأول] السنة غير ناقضة والمراد منها ابتداء النعاس لأنه في تلك الحال لا يسمى نائما ولان النقض
مشروط بزوال العقل لرواية أبي الصباح وزرارة وقد تقدمتا. [الثاني] كلما غلب على العقل من إغماء أو جنون أو سكر أو غيره ناقض لا نعرف
خلافا فيه بين أهل العلم لان النوم الذي يجدد معه الحدث موجب للوضوء فالاغماء والسكر أولى ولما رواه الشيخ في الصحيح عن معمر بن خالد قال سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع للوضوء يشتد عليه وهو قاعد يستند بالوسائد فربما أعفي وهو قاعد على تلك الحال
قال: يتوضى قلت له إن الوضوء اشتد عليه فقال إذا خفى عنه الصوت فقد وجب عليه الوضوء علق الحكم بخفاء الصوت فيطرد وأجمع العلماء على عدم
وجوب الغسل على المغمى عليه وقال الشافعي قيل ما جن انسان إلا أنزل والمعتمد أنه لا يجب به الغسل على
المغمى عليه أيضا لان ما ذكره الشافعي لم يعلم
تحققه. [الثالث] لو نام المريض مضطجعا نقض وضوئه لما ذكرناه واختلف الحنفية فيه فقال بعضهم ينقض وقال آخرون لا ينقض لأنه
بمنزلة القائم والقاعد وإن اتفقوا على أن النوم كذلك في غير حالة الصلاة ناقض. مسألة: المشهور عند الأصحاب أن الاستحاضة القليلة
حدث موجب للوضوء خلافا لابن أبي عقيل منا وهو قول أكثر الجمهور وقال ابن أبي عقيل منا ليس عليها وضوء وقال داود ليس على المستحاضة مطلقا وضوء
وهو قول ربيعة ومالك. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال المستحاضة تتوضى لكل صلاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت وصلت كل صلاة بوضوء وما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: تصلي
كل صلاة بوضوء ما لم يثقب الدم وفي طريقها ابن بكير وإن كان فيه قولا إلا أن أصحابنا شهدوا له بالثقة احتج مالك بقول النبي (صلى الله عليه
وآله) وإن فرط الدم على الحصير والجواب عنه أن المراد به في الوقت لان طهارتها باقية ببقاء الوقت ولانا نقول بموجبه لأنها مكلفة بالصلاة
وإن كان الدم يسيل ولان النبي (صلى الله عليه وآله) قال في هذا الحديث يتوضأ وصلى وأيضا فهو خارج نجس فصار كالبول. فروع [الأول]
لا تجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء واحد سواء كانا فرضين أو أحدهما أو نفلين وقال الشافعي تتوضى لكل فرض ولا تجمع بين فرضين بوضوء
ولها أن تجمع بين فرض ونفل وبين نوافل وقال أبو حنيفة وأحمد يصلى بوضوء واحد ما شاءت من الفرائض والنوافل ما دامت في الوقت و
الشيخ في المبسوط اختار قول الشافعي. لنا: ما رويناه من حديث زرارة ومعاوية من قولهما (ع) يتوضأ لكل صلاة وما رواه الجمهور عن النبي (صلى
الله عليه وآله) قال: المستحاضة يتوضأ لكل صلاة ولأنها طهارة ضرورية لكون الحدث مقارنا لها فيتقدر بقدر الضرورة وهو الصلاة
الواحدة. [الثاني] لو توضأت قبل دخول الوقت لم يصح لعدم الضرورة ولقوله (ع) يتوضأ لكل صلاة. [الثالث] لو انقطع دمها بعد
الطهارة للبرء؟ قبل الدخول استأنف الوضوء وهو قول الشافعي لأنه شرع للضرورة وقد زالت فصارت كالمتيمم ولو صلت من غير استئناف أعادت الصلاة
ومع الاستيناف لأنها دخلت غير متطهرة سواء عاد الدم قبل الفراغ أو بعده أما لو انقطع في أثناء الصلاة فللشافعية وجهان، أحدهما: الاستيناف
بعد إعادة الطهارة، الثاني: الاستمرار وأما عندنا فالوجه عدم الاستيناف لأنها دخلت في الصلاة دخولا مشروعا قطعا ولا دليل على إيجاب
الخروج والاستصحاب يدل على وجوب الاتمام قوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) وقال أبو حنيفة إذا انقطع الدم قبل الشروع أو بعده قبل الفراغ
فتم ذلك الانقطاع حتى خرج وقت الظهر مثلا انقضت طهارتها فإذا توضأت للعصر فصلت فاستمر الانقطاع إلى الغروب لم ينتقض
34

طهارتها بل يجب عليها إعادة الطهر لأنه انقطع دمها وقت العصر وبين أنها صلت الظهر بطهارة العذر والعذر قد زال فلا يجب عليها إعادة
العصر لان وجوب الظهر إنما يظهر بعد الغروب فالحاصل أن المستحاضة عنده وضوءا كاملا هو ما يحصل مع السيلان والدم منقطع وحكمه أن
يقع عن دم سائل قبل ذلك وعن دم لم يسل في الوقت ولا يضرها خروج الوقت إذا لم يصل في الوقت وناقصا وهو الحاصل مع السيلان
وحكمه أن يقع عن دم سائل قبل ذلك وعن دم يسيل في الوقت ويضرها خروج الوقت سال (حال) انقطاع كامل كما قلنا في طهارة العصر في الفرض
الذي انقطع الدم وقت الظهر واستمر إلى الغروب وحكمه أن يوجب زوال العذرة ولا يمنع اتصال الدم الثاني بالدم الأول وانقطاع ناقص وهو
أن يقع دون وقت صلاة كاملة وحكمه أن لا يوجب زوال العذر ولا يمنع اتصال الدم الثاني بالدم الأول وحكمه حكم الدم المتصل. [المقصد
الرابع] هل يجب عليها الوضوء عند الصلاة حتى لو أخرت الصلاة غير متشاغلة بها لا تدخل في الصلاة نص في المبسوط على وجوب الاتصال قال
لان المأخوذ عليها أن تتوضى عند كل صلاة وذلك يقتضي التعقيب ونحن لم نقف في شئ من أخبارنا على هذا اللفظ ويمكن أن يقال إنها
طهارة ضرورية فلا يتقدم على الغسل بما يعتد به كالتيمم ولان الدم حدث فيستبيح بالوضوء ما لا بد منه وهو قدر التهيأ والصلاة بل قد وردت
هذه اللفظة في الغسل وقد روى الشيخ عن أبي بكير فإذا مضى عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة ثم صلت ولفظة ثم للتراخي لان الرواية ضعيفة
السند وابن بكير لم يسندها إلى إمام فنحن في هذا من المتوقفين. الخامس: ظهر مما قلنا أن طهارتها تنتقض بدخول الوقت كما ينتقض بخروجه لا على معنى
أنها مرتفعة الحدث وبالدخول والخروج يزول الارتفاع بل بمعنى أنها كانت مستبيحة للدخول في الصلاة في وقتها بطهارتها فإذا خرج وقتها
أو داخل وقت الأخرى وجب عليها استيناف الطهارة وهو اختيار أبي يوسف وقال أبو حنيفة ومحمد تنتقض بخروج الوقت لا بالدخول وقال زفر
ينتقض بالدخول لا بالخروج. لنا: أنها ضرورية لمقارنة الحدث فيتقدر بقدر الضرورة والضرورة متقدرة بالوقت فلا تثبت قبل الوقت ولا
بعده. احتج أبو حنيفة ومحمد بأن طهارتها تثبت للحاجة إلى أداء الصلاة في الوقت فيثبت عند وجود دليل الحاجة ويزول عند دليل زوال الحاجة و
دخول الوقت دليل الحاجة وخروجه دليل زوال الحاجة فكان المؤثر في الانتقاض هو الخروج وهذا الدليل يقتضي أن لا يتقدم الطهارة على الوقت
إلا أن الحاجة دعت إلى تقديمها على الوقت لأنها لا يتمكن من أداء الصلاة في أول الوقت إلا بتقديم الطهارة على الوقت حتى يتمكن والجواب هذا
بناء على أنها في أول الوقت مخاطبة بفعل الصلاة مع تقديم الطهارة قبله أو مع عدم الطهارة والقسمان باطلان إجماعا ومعارض بقوله (عليه السلام) المستحاضة
تتوضأ لوقت كل صلاة رواه الحنفية وفائدة الخلاف يظهر في موضعين أحدهما: إذا توضأت بعد الفجر ثم طلعت الشمس انتقض عندنا وعند الثلاثة
وقال زفر لا ينتقض لعدم دخول الوقت لان ذلك الوقت مهمل إلى زوال الثاني إذا توضأت بعد دخول الشمس انتقض وضوؤها بالزوال عندنا وعند
أبي يوسف وزفر خلافا لأبي حنيفة ومحمد وفي غير هذين لا فائدة فإنه لا يخرج وقت إلا بدخول آخر فينتقض الطهارة على المذاهب الثلاثة
مسألة: لا يوجب الوضوء وحده شئ سوا ما ذكرناه لما تقدم من الأحاديث الدالة على الحصر وقد ذكر المخالفون أشياء لوجوب الوضوء
الأول: مس القبل والدبر سواء كان له أو لغيره امرأة أو رجلا بشهوة أو بغيرها باطنا أو ظاهرا لا يوجب الوضوء وهو مذهب الشيخين والسيد المرتضى
وأتباعهم وقال ابن بابويه من مس باطن ذكره بإصبعه أو باطن دبره انتقض وضوءه وقال ابن الجنيد من مس ما انضم عليه الثقبان انتقض وضوءه
ومن مس ظاهر الفرج من غيره بشهوة يطهر إذا كان محرما ومن مس باطن الفرجين فعليه الوضوء من المحرم والمحلل وما اخترناه مذهب ابن عباس و
عطا وطاوس والثوري ونقله الجمهور عن علي (عليه السلام) وعمار بن ياسر و عبد الله بن مسعود وهو مذهب أبي حنيفة لان أبي حنيفة قال: إذا باشر امرأته
وانتشر وليس بينهما ثوب ومن الفرج نقض خرج شئ أو لم يخرج وهو قول أبي يوسف والذي نقوله إنه لا ينقض إلا بالايلاج وبالانزال وهو
قول محمد وقال الشافعي: مس الذكر من نفسه أو غيره بالراحة أو بطون الأصابع ناقض وكذا فرج المرأة وحلقة الدبر في الحد بل دون فرج البهيمة
وفي التقديم ينقض ولا أثر للمس بين الأصابع وبرؤوسها وأظهر الوجهين عنده أن فرج الميت والصغير كفرج الحي والكبير وإن الذكر الأشل
واليد الشلاء كالصحيحين وإن محل الجب كالشاخص قال ومس بشرة المرأة الأجنبية ناقض للأجنبية بشهوة كان اللمس أو بغير شهوة أي موضع كان من بدنها بأي موضع كان
من بدنه سوى الثقبة وهو قول ابن مسعود وابن عمر وزهري وربيعة وزيد بن أسلم ومكحول والأوزاعي وفي المحرم والصغير والميتة عند الشافعي قولان،
ويستوي اللمس سهوا وعمدا وفي الملموس قولان ولو مس الخنثى من نفسه أحد فرجيه لم ينتقض عنده لاحتمال زيادته وإن مس رجل ذكره أو امرأة
فرجه انتقض إذ لا يخلو عن مس أو لمس وإن مس رجل فرجه أو امرأة ذكره لم ينتقض لاحتمال الزيادة ولو مس أحد الخنثيين من الآخر الفرج والآخر من
الأول الذكر انتقضت طهارة أحدهما لا بعينه ويصح صلاة واحدة منهما لان بقاء طهارته ممكن واليقين لا يرفع بالشك وقال مالك وأحمد وإسحاق
إن لمس المراة بشهوة انتقض الوضوء وإن كان بغير شهوة لم ينقض وحكاه أبو المنذر عن النخعي والشعبي والحكم وحماد وقال داود: وإن قصد لمس المرأة
ينقض وإن لم يقصد لم ينتقض وخالفه ابنه قال: لا ينتقض بكل حال وقال داود: إذا مس ذكر غيره لم ينتقض طهارته، ولنا: بعد ما تقدم ما رواه
الجمهور عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي أنه قال يا رسول الله ربما أمس ذكري وأنا في الصلاة هل علي منه وضوء؟ فقال (عليه السلام): لا قل هؤلاء بضعة
35

منك. نفى (ع) الوجوب وذكر علة جامعة بين الذكر والأعضاء وما روت عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قيل وهو صائم وقال إن القبلة لا تنقض
الوضوء ولا تفطر الصائم يا حميراء إن في ديننا لسعة وعنها أنه كان (عليه السلام) يقبل بعض نسائه وكان يخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ وروى يزيد بن سنان
عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أم سلمة أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقبلها وهو صائم لا يفطر ولا يحدث وضوء ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من القبلة
ولا من مس الفرج ولا من المضاجعة وضوء ولا يغسل من الثوب ولا الجسد وما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ليس في القبلة و
المباشرة ولا مس الفرج وضوء وما رواه في الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القبلة ينقض الوضوء؟ قال: لا بأس لما يقال
روى الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) إذا قبل الرجل المرأة من شهوة أو مس فرجها أعاد الوضوء وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (ع)
قال: من مس كلبا فليتوضأ لأنا نقول في طريق الحديثين عثمان بن عيسى وهو واقفي فلا تعويل على روايته خصوصا مع وجود الأحاديث الصحيحة
الدالة على خلافها وذلك نعم المعين على أن الحديث الأول تحمل على الاستحباب لما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألته عن رجل مس فرج
امرأته قال: ليس عليه شئ وإن شاء غسل يده ويحمل الحديث الثاني على غسل اليد لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل قال: يغسل المكان الذي أصابه وأيضا الحديث هو الخارج النجس ولم يؤخذ وأيضا فإن مس ما هو نجس
لا يؤثر في الطهارة فمس الطاهر أولى ولان مس الذكر بظاهر الكف لا ينقض وكذا باطنه كسائر الأعضاء ولان كل أمر يتعلق بالذكر أوجب أعلى
الطهارتين لا يتعلق بمس اليد فيوجب أن يكون الموجب لأصغرهما كذلك ولان مس الرجل المرأة لو كان ناقضا لكان مس الرجل ينقضه كالوطي ولأنه
مس لا يؤثر في الصيام فيجب أن لا ينقض الوضوء والأصل من مسه نفسه احتج الشافعي بما رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إذا أفضى
أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينها حجاب ولا ستر فليتوضأ وما رواه يسيرة بنت صفوان عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا مس أحدكم
ذكره فليتوضأ وقوله تعالى: (أو لامستم النساء) وحقيقة اللمس باليد ولان مس الفرج بغير حائل سبب لخروج البلل فأقيم مقام حقيقة الخروج احتياطا
والجواب عن الأول: بأن رواية يزيد بن عبد الملك النوفلي عن أبي موسى الخياط عن سعيد المقري عن أبي هريرة ويزيد ضعيف عند
أهل النقل وأبو موسى مجهول. وعن الثاني: وهو حديث يسيرة إن رواية (إن راويه) مروان بن الحكم وكان قد رواه العروة فلم يرفع عروة بحديثه رأسا فبعثوا شرطيا
إلى يسيرة فأخبر عنها الشرطي بذلك وكان إبراهيم الحربي يقول حديث يسيرة إنما هو شرطي عن شرطي عن امرأة ورده يحيى بن مغيرة فلم يقبله ومع التسليم
يحمل على غسل اليد مع عدم الاستنجاء. وعن الثالث: أن المراد باللمس الوقاع مجازا والتيمم المذكور للجنابة على ما اتفق عليه المفسرون. وعن الرابع: أنه
ليس بسبب ظاهر بل محتمل سلمنا لكن السبب إنما يقوم مقام المسبب مع تعذر الوقوف على حقيقة المسبب كما في النوم والغفلة وهذه حالة يقظة فأمكن الوقوف
على حقيقة الخروج. فروع: [الأول] لمس الشعر عندنا لا يوجب الوضوء وبه قال الشافعي، وقال مالك
وربيعة: إن كان بشهوة نقض. [الثاني]
المس من وراء حائل لا يوجب الوضوء وبه قال الشافعي، وقال مالك وربيعة: إن كان لشهوة نقض. [الثالث] لو كان لإصبع زائدة فمس بباطنها ذكره ثم لم
ينتقض طهارته وهو أحد وجهي الشافعية وفي الأخرى ينتقض وكذا لو مسه بعد قطعه فيه الوجهان عندهم. [الرابع] لا فرق بين مس ذكر صغير
أو كبير عندنا في عدم النقض ولا عند الشافعي في النقض وقال الزهري والأوزاعي ومالك: أنه لا يجب على من مس ذكر الصغير وضوء. [الخامس]
لو مس الأنثيين أو الالية أو العانة لم ينتقض وضوئه وله (وبه) قال الشافعي وحكي عن عروة بن الزبير أن عليه الوضوء. [السادس] لو مست المرأة فرجها
لم ينتقض وضوئها وبه قال مالك وقال الشافعي: ينتقض ولو مس فرج البهيمة لم ينتقض وضوئه عندنا وعند الشافعي في أحد القولين وفي الآخر ينتقض وهو
مذهب الليث بن سعد. {الثاني} القئ لا ينقض الوضوء من ملا الفم أولا ذهب إليه علماؤنا وبه قال عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن أبي أوفى و
أبو هريرة وعائشة وجابر بن عبد الله ومن التابعين سعيد بن المسيب والقسم بن محمد وعطا وطاوس وسالم بن عبد الله بن عمر ومكحول وهو مذهب ربيعة و
مالك والشافعي وأبي ثور وقال أبو حنيفة: إن قاء طعاما أو مرة أو صفراء أو سوداء أو دما لم يخالطه شئ بعد أن وصل الجوف ثم عاد نقض إن
كان على الفم وإلا فلا، وقال زفر: ينقض مطلقا وإن قاء بلغما انحدر من الرأس لم ينقض إجماعا، وإن ارتقى من الجوف لم ينقض قليلا وكثيرا في قول أبي حنيفة
ومحمد وإن ملا الفم وقال أبو يوسف: ينقض إن كان ملا الفم وإن قاء دما أر تقئ من الجوف لم ينقض قل أو أكثر عند أبي حنيفة وقال محمد: أنه ينقض
إن كان ملا الفم وإن انحدر من الرأس فقد اتفقوا على نقضه وأما إذا قاء مرارا قليلا قليلا بحيث لو جمع يبلغ ملا الفم ان اتحد المجلس
يجمع عند أبي يوسف الفم وانحدر من الرأس وقال محمد: ان اتحد السبب وهو العينان يجمع وإلا فلا وقال الأوزاعي: والثوري وأحمد وإسحاق
إن كان القئ ملا الفم نقض وإلا فلا. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قاء ولم يتوضأ ورووا عنه (عليه السلام) فاغسل فمه وقال
وهكذا الوضوء عن القئ وأيضا ما رواه أبو الدرداء أن النبي (صلى الله عليه وآله) قاء فأفطر قال ثوبان؟ فسكبت له وضوء وقلت الوضوء واجب من القئ
يا رسول الله؟ فقال: لو كان واجبا لوجدته في كتاب الله عز وجل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي أسامة قال سألت أبا عبد الله (ع)
36

عن القئ والرعاف والمرة هل ينقض الوضوء قال (لا) وما رواه في الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود قال سألت الرضا (ع) عن القئ والرعاف والمرة أتنقض الوضوء أم لا
قال: لا ينقض شيئا ولان القليل ليس بحدث وكذلك الكثير كالدمع وغيره والجامع أن غسل غير موضع النجاسة ليس بمعقول فيقتصر على مورد الشرع.
احتج أبو حنيفة بما رواه ابن جريح عن أبيه عن ابن أبي ملكة عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من قاء أو رعف في صلاة فلينقل عن صلاته
وليتوضأ وليبني على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم أو يحدث ولأنه نجس خرج من البدن فينقض كالخارج من السبيلين والجواب عن الأول: إن الناس
قد اختلفوا في الحديث فقالوا إن ابن جريح لم يرو عنه غير ابنه عبد الملك ولم تثبت عدالته وقالوا أيضا ابن جريح كان يرسله فلا يكون
كان يرسله حجة ولان مالكا قال لا نص فيه ولو كان صحيحا لما ذهب علي بن مالك ولو سلم فيحمل الوضوء على غسل الفم ولأنه عام في القليل
والكثير وأبو حنيفة لا يقول به ولأنه لو كان ناقضا لما جاز البناء على الصلاة. وعن الثاني: بمنع وجود العلة وسيأتي بيانه. {الثالث} القهقهة غير
ناقضة للوضوء وإن أبطلت الصلاة وقال ابن الجنيد: من قهقه في صلاته متعمدا لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته وأعاد وضوئه وقال
الشافعي: كما قلناه نحن وبه قال جابر وأبو موسى الأشعري ومن التابعين القسم بن محمد وعروة وعطا والزهري ومكحول وبه قال مالك وأحمد وإسحاق
وأبو ثور وقال أبو حنيفة: القهقهة إن حصلت في حرمة صلاة لها ركوع وسجود انتقضت طهارته وفسدت صلاته وإن كان بعد القعود
مقدار التشهد انتقض وضوئه ولم يفسد صلاته وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال زفر: لا ينقض وضوئه وإن وقعت في حرمة صلاته ليس
لها ركوع ولا سجود كالجنازة وسجود التلاوة فسدت الصلاة والسجدة ولم ينقض الوضوء ولو كانت خارجة الصلاة لم ينقض الطهارة
إجماعا ولو قهقه الامام والمأمومون بعد القعود آخر الصلاة مقدار التشهد انتقض وضوء هم جميعا إن سبق الامام بالقهقهة أو كانوا معا
لان ضحكهم حصل في حرمة الصلاة أما لو تقدم ضحك الامام انتقض وضوئه خاصة لأنه وقع في حرمة صلاة أما ضحك القوم فقد خرج خارج
الحرمة لأنهم خرجوا من حرمة الصلاة بخروج الامام ولا يفيد صلاة الامام والمأمومين في واحدة من الصور وقال الحسن والنخعي والثوري: يجب
الوضوء بالقهقهة في الصلاة وعد الأوزاعي روايتان. لنا: ما رواه الجمهور عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الضحك ينقض الصلاة
ولا ينقض الوضوء وما رووه عن جابر أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله) من تقهقه في صلاته يعيد صلاته ولا يعيد الوضوء وما رواه معاذ بن
أنس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الضاحك في صلاته والمتكلم سواء والكلام غير ناقض فكذا الضحك قضية للتسوية ومن طريق الخاصة
ما قدمناه من الأحاديث الدالة على حصر الناقض في الخارج من السبيلين والنوم وما رواه محمد بن يعقوب في الحسن عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: القهقهة لا ينقض الوضوء وينقض الصلاة ولأنه لو كانت حدثا في الصلاة لكانت حدثا خارج الصلاة قياسا على البول ولأنها لما
لم يكن حدثا خارج الصلاة لم يكن حدثا في الصلاة لان التبسم لا ينقض إجماعا فكذا الكثير كالكلام والمشي ولأنها ليست حدثا في الجنازة
فلا يكون حدثا في غيرها كالكلام والتبسم أحتج أبو حنيفة لما رواه أسامة قال بينا نصلي خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل خنزير فتردى
في بئر فضحكنا منه فأمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بإعادة الوضوء وإعادة الصلاة والجواب من وجهين، أحدهما: أن راوي هذا الحديث الأصلي
الحسن بن دينار وهو ضعيف، الثاني: أن الراوي قال أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم ينقل لفظ الرسول فلعله توهم ما ليس بأمر لا يقال قد روى
الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول إن التبسم في الصلاة لا ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء إنما يقطع الضحك الذي فيه
القهقهة لأنا نجيب من وجهين، أحدهما: أن الرهط لم يسندوا القول إلى إمام فلعلهم رجعوا في ذلك إلى غيره، الثاني: أنه ليس فيه دلالة على أن
القهقهة ينقض الوضوء وقوله إنما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة إشارة إلى الصلاة فإن المفهوم من لفظ القطع إنما يرجع إلى الصلاة فيقال انقطعت
صلاته لا الوضوء فلا يقال انقطع وضوئه. {الرابع} أكل ما مسه النار لا يوجب الوضوء وكذا لحم الإبل وقال أحمد بن حنبل: أكل لحم الإبل ناقض سواء كان
نيا أو مطبوخا عالما كان أو جاهلا وهو أحد قولي الشافعي قال الخطائي وإليه ذهب عامة أهل الحديث ووافقنا على ما اخترناه مالك والشافعي
وأبو حنيفة وذهب جماعة من السلف إلى إيجاب الوضوء ما أكل ما غيرته النار منهم ابن عمر وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو هريرة والحسن والزهري وذهب عامة
الفقهاء والأئمة من الصحابة إلى أنه لا يوجب الوضوء بأكل ما مسته النار. لنا: ما رواه ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الوضوء مما يخرج لا مما
يدخل وما رواه جابر قال كان آخر الامرين مر برسول الله صلى الله عليه وآله ترك الوضوء مما مست النار وما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يتوضأ من لحوم الغنم ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن بكير بن أعين قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الوضوء مما غيره النار؟ فقال: ليس عليك فيه وضوء إنما الوضوء
مما يخرج ليس مما يدخل وفيه دلالة على أن أكل لحوم الجزور غير ناقض من وجوه، أحدها: جوابه بالنفي عن ماء المستوعبة. الثاني: حصره بإنما للوضوء
في الخارج. الثالث: نفيه عن الداخل وما رواه الشيخ في الحسن عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل يتوضأ من الطعام وشرب
وشرب لبن البقر والإبل والغنم وأبوالها ولحومها قال: لا يتوضأ منه ولأنه مأكول أشبه سائر المأكولات احتج أحمد بما رواه البراء بن عازب قال
سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن لحوم الإبل فقال: توضأ منها والجواب من وجوه، أحدها: أنها منسوخ بخبر جابر فإنه قال آخر الامرين ترك الوضوء
37

مما مسته النار. الثاني: يحتمل أنه أراد غسل اليد لان الوضوء إذا أضيف إلى الطعام اقتضى غسل اليد كأمره بالوضوء قبل الطعام وبعده والتخصيص بالإبل
للزهومة التي ليست في غيرها. الثالث: أنه يحمل على الاستحباب. {الخامس} شرب اللبن مطلقا وغيره غير ناقض عن أحمد في لبن الإبل روايتان. لنا: ما تقدم
من الأحاديث ولأنه مشروب أشبه الماء فيتساويان حكما احتج أحمد بما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل عن ألبان الإبل فقال: توضأ من ألبانها والجواب:
أن المحدثين طعنوا فيه وقالوا الحديث إنما ورد في اللحم فلا تعويل عليه حينئذ مع تخصيص للنص الدال على حصر الاحداث فيما عددنا. فروع:
لا فرق في عدم النقض (بين) لحم البعير وسائر أجزائه (و) غيره كالطحال والكبد والدهن والرق والكرش والمصران والسنام وعن أحمد فيه وجهان، أحدهما: أنه
ينقض لان إطلاق اللحم في الحيوان يتناول الجملة وهو ضعيف لان التناول هنا مجاز فيقف على السماع خصوصا مع وجود النص الدال بالحقيقة
على ما ينافيه. {السادس} الردة، وهي الاتيان بما يخرج به عن الاسلام إما نطقا أو اعتقادا أو شكا بفعل عن الاسلام لا يوجب الوضوء ولا
ينقض التيمم وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه ومالك والشافعي في الوضوء وله في التيمم قولان وقال زفر: أنها تبطل التيمم وقال أحمد: أنها
ينقض الوضوء والتيمم وبه قال الأوزاعي وأبو ثور. لنا: أن حصول الطهارة وزوالها حكم شرعي فيتوقف عليه وما ذكرناه من الأحاديث الدالة
على حصر الاحداث وليس الردة منها، ولان الباقي بعد الفراغ من فعل الطهارة صفة كونه طاهرا لا نفس الفعل لاستحالة ذلك والكفر لا ينافيه كما
في الغسل وفي الوضوء عند زفر احتج أحمد بقوله تعالى: (إن أشركت ليحبطن عملك) وبقوله: (ومن يكفر بالايمان فقد حبط علمه) ولما روي عن ابن عباس
أنه قال الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج وأشدهما حدث اللسان وقال النبي صلى الله عليه وآله: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ. واحتج زفر بالآيتين
وبأن الردة لو قارنت التيمم منعت صحته فإذا طرأت عليه أبطلت والجامع أنها عبادة فلا يجامع الكفر والجواب عن الآيتين أنهما مشروطتان با
الموافاة وقد بيناه في علم الكلام ويدل عليه قوله تعالى: (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر أولئك حبط أعمالهم) شرط في الاحباط الموت
وأما حديث ابن عباس فليس بحجة أما أولا: فلانه لم ينقله عن النبي (صلى الله عليه وآله) لقوله برأيه. وأما ثانيا: فلان تسميته حدثا لا يوجب كونه
ناقضا فإن كان متجدد حادث والاشتراك في الاسم لا يوجب الشركة في الحكم المعلق على أحد السببين وكلام زفر ضعيف لوقوع الفرق بين المقارنة
والتقدم لعدم فقدان شرط التيمم في الأول وهو مقارنة النية والنقض بالطهارة المائية. {السابع} انشاء الشعر وكلام الفحش والكذب والغيبة والقذف
غير ناقض وهو إجماع علماء الأمصار سواء كان في الصلاة أو خارجا عنها. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: الكلام ينقض
الصلاة ولا ينقض الوضوء وما رووه عنه صلى الله عليه وآله قال: من حلف باللات فليقل لا إله الله ولم يأمر في ذلك بالوضوء ومن طريق الخاصة ما رواه
معاوية بن ميسرة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إنشاء الشعر هل ينقض الوضوء قال: لا ولا يعارض هذا برواية سماعة قال سألته عن نشيد
الشعر هل ينقض الوضوء أو ظلم الرجل صاحبه أو الكذب؟ فقال: نعم، إلا أن يكون شعرا نصدق فيه أو يكون يسيرا من شعر الأبيات الثلاثة والأربعة فأما أن يكون
من الشعر الباطل وهو ينتقض الوضوء لوجوه، أحدها: أن سماعة لم يسنده عن إمام بل قال سألته ويحتمل أن يكون المراد بعض الفقهاء. الثاني: أن سماعة
واقفي والراوي عنه زرعة وهو واقفي أيضا. الثالث: أنه خبر واحد مع معارضة الاجماع فلا يسمع. الرابع: المعارضة بما قدمناه من الأحاديث
الناصة على حصر الاحداث. {الثامن} حلق الشعر ونتفه وقص الأظفار لا ينقض الوضوء ولا يوجب غسل موضعه لما رواه الشيخ في الصحيح
عن سعد بن عبد الله الأعرج قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) آخذ من أظفاري ومن شاربي وأحلق رأسي
أفأغتسل؟ قال: ليس عليك غسل، قلت:
فأتوضأ؟ قال: ليس عليك وضوء، قلت: فامسح على أظفاري الماء؟ فقال: هو طهور ليس عليك مسحا (مسح). وروي في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر
(عليه السلام) الرجل يقلم أظفاره وينجز شاربه ويأخذ من شعر لحيته ورأسه هل ينقض ذلك وضوئه؟ فقال: يا زرارة كل هذا سنة والوضوء فريضة و
ليس شئ من السنة ينقض الفريضة إن ذلك ليزيده تطهيرا وروي في الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون على طهر
فيأخذ من أظفاره أو شعره أيعيد الوضوء قال لا ولكن يمسح رأسه وأظفاره بالماء قال قلت فإنهم يزعمون أن فيه الوضوء فقال: خاصموكم فلا
تخاصموهم وقولوا هكذا السنة وأمره (عليه السلام) بالمسح بالماء للاستحباب من حيث إنه فيه إزالة وسخ إن كان. {التاسع} ما يخرج من البدن من دم أو قيح
أو نخامة أو رطوبة أو صديد لا ينقض الطهارة كيف خرج كثر أو قل إلا الدماء الثلاثة وقال أبو حنيفة الدم والقيح والصديد إذا خرج عن رأس
الجرح وسال نقض الطهارة وإن لم يسل لم ينقض قال ولو خرج من رأس الجرح فمسحه ثم خرج وهكذا نظر إن كان بحال لو تركه سال
نقض وإلا فلا ولو أبطل رباط الجراح نقض إن نفذ البلل إلى الخارج وإلا فلا ولو كان الرباط ذا طاقين فنفذ إلى البعض نقض ولو نزل الدم إلى
قصبة الانف وأنفه مسدود نقض إن كان داخل الانف يقبل التطهير ولو نزل البول إلى قصبة الذكر لم ينقض وقال زفر: ينقض سواء سال أو لم يسل
وقال الشافعي: الخارج من غير القبل والدبر كالدم والبصاق وغير ذلك لا ينقض مطلقا كما قلناه وهو مذهب مالك وبه قال عبد الله بن عباس
و عبد الله بن عمر و عبد الله بن أبي أوفى وأبو هريرة وعائشة وجابر بن عبد الله ومن التابعين سعيد بن مسيب والقسم بن محمد وعطا وطاوس وأسامة بن
عبد الله بن عمر ومكحول وربيعة وأبو ثور وداود وقال الأوزاعي والثوري وإسحاق كل نحر خارج من البدن إذا سال يوجب الوضوء وقال أحمد: إن كان
الدم قطرة أو قطرتين لم يوجب الوضوء وعنه رواية أخرى إذا خرج قدر ما يعفى عنه وهو قدر الشبر لم يوجب الوضوء. لنا: ما رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وآله
38

أنه احتجم ولم يتوضأ ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسن بن علي الوشا قال سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: كان أبو عبد الله (عليه السلام)
يقول في الرجل يده في أنفه فيصيب خمس أصابعه الدم قال: ينقيه ولا ينقض الوضوء وما رواه عبد الأعلى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الحجامة
أفيها وضوء؟ قال: لا، ولا يغسل مكانها إن الحجام مؤتمن إن كان ينظفه ولم يكن صبيا صغيرا وما رواه صفوان قال سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام) وأنا حاضر
فقال إن بي جرحا في مقعدتي فأتوضأ ثم استنجي ثم اخذ بعد ذلك الندا والصفرة يخرج من المقعدة فأعيد الوضوء؟ قال: قد أنقيت قال: نعم، قال: لا، ولكن رشه
بالماء ولا تعد الوضوء وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن الرعاف والحجامة وكل دم سائل فقال ليس في هذا وضوء إنما الوضوء من طرفيك
الذين أنعم الله بهما عليك ولان النقض حكم شرعي فيتوقف على النقض. {العاشر} لا ينقض الطهارة بظن الحدث لأنه متيقن فلا يرفع إلا بيقين لما رواه
الشيخ في الصحيح عن زرارة قال: لا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر وما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد
الله (عليه السلام): إن الشيطان ينفخ في دبر الانسان حتى يخيل إليه أنه قد خرجت منه ريح فلا ينقض وضوءه إلا ريح تسمعها وتجد ريحها. {الحادي عشر}
القرقرة في البطن لا ينقض الوضوء. لنا: قوله (عليه السلام): " لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين " وما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه
وآله) إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أو لم يخرج فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وما رواه عبد الرحمن بن
أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له أجد الريح في بطني حتى أظن أنها قد خرجت؟ فقال: ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت وتجد
الريح وهو إجماع العلماء كافة ولا يعارض برواية زرعة عن سماعة قال سألته عما ينقض الوضوء؟ قال: الحدث يسمع صوته أو يجد ريحه و
القرقرة عن البطن لا شئ لا يصير عليه والضحك في الصلاة والقئ لان سماعة لم يسنده عن إمام فلعل المسؤول من لا يوثق بفتواه وأيضا فإن
زرعة وسماعة واقفيان فلا تعويل على روايتهما إذا سلمت عن المعارض فضلا عما لا يحصل معه السلامة. {الثاني عشر} لو طهرت مقعدته
لعلة لم ينتقض الوضوء إلا مع خروج شئ من الغائط وهل يشترط انفصاله أم لا فيه نظر. [البحث الثاني] في الاستطابة وآداب التخلي،
الاستطابة: الاستنجاء بالماء أو بالأحجار فيقال طاب واستطاب إذا استنجى وسمي استطابة لوجود معنى الطيب في جسده بإزالته الخبث عنه والاستنجاء
استفعال من نجوت الشجرة أي قطعتها والاستجمار استفعال من الجمار وهي الحجارة الصغار التي يستعملها في استجماره ويستحب لمن أراد التخلي أن
يطلب موضعا يستر فيه عن الناس فإن في ذلك تأسيا بفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وروى ابن المنذر بإسناده عن جابر قال خرجت مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بسفر فإذا هو بشجرتين بينهما أربعة أذرع فقال: يا جابر انطلق إلى هذه الشجرة فقل يقول لك رسول الله صلى الله عليه وآله ألحقي بصاحبتك
حتى أجلس خلفكما فجلس النبي (صلى الله عليه وآله) خلفهما ثم رجعا إلى مكانهما. مسألة: يجب ستر العورة مطلقا لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ورووا عنه (عليه السلام) أنه قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت
يمينك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (ع) قال: لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه وما رواه عن حمزة بن أحمد
عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: وغض بصرك وما رواه أبو بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يغتسل الرجل بارزا؟ فقال: إذا لم يره أحد فلا بأس
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن عورة المؤمن حرام؟ فقال: نعم، فقلت أعني سفليه؟ فقال: ليس حيث تذهب إنما هو إذاعة
سره وليس هذا الحديث منافيا لما قلنا لان فيه تفسير لفظ العورة لمعنى آخر وحكم بتحريمه ونحن قد دللنا على تحريم النظر إلى العورة بالمعنى الذي
قصدناه فلا ينافي ونقل ابن بابويه في كتابه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا
بمئزر ونقل عن الصادق (صلى الله عليه وآله) أنه سئل عن قول الله عز وجل: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم فقال: كلما
كان في كتاب الله عز وجل من ذكر حفظ الفروج فهو من الزنا إلا في هذا الموضع فإنه الحفظ من أن ينظر إليه وذلك يدل على وجوب الاستتار.
فرع: المراد بالعورة هنا القبل والدبر لما رواه الشيخ عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الماضي قال: العورة عورتان القبل
والدبر مستورة بالأليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة ولقول أبي عبد الله (ع): الفخذ ليست من العورة رواه الشيخ أيضا
ولان الأصل عدم وجوب ستر فيخرج منه المجمع عليه ولما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يقبل سرة الحسين (عليه السلام) ولا يظن به مس العورة من غيره.
مسألة: يحرم استقبال القبلة واستدبار في الصحارى والبنيان في البول والغائط وقال ابن الجنيد ما يستحب الانسان إذا أراد التغوط
في الصحراء أن يجتنب استقبال القبلة أو الشمس أو القمر أو الريح بغائط أو بول وبه قال أبو أيوب الأنصاري والنخعي وقال المفيد وسلار من
أصحابنا التحريم مختص بالصحارى وهو اختيار الشافعي وبه قال مالك وإسحاق وروي ذلك عن العباس بن عبد المطلب وابن عمر وهو إحدى الروايات
عن أحمد بن حنبل وقال أبو حنيفة والثوري لا يجوز استقبال القبلة بذلك لا في الصحارى ولا في البنيان وعنه في الاستدبار روايتان وروي مثله عن أحمد
وقال داود وربيعة وعروة بن الزبير يجوز استقبالها لها واستدبارها وفرق أبو يوسف بين الاستقبال والاستدبار. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي
(صلى الله عليه وآله) قال: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره وشرقوا أو غربوا وما رواه عنه قال: إذا جلس أحدكم على حاجته
39

فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها وعنه (عليه السلام أنه قال: إنما أنا لكم مثل الوالد فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط
ولا بول ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال قال النبي (صلى الله عليه وآله): إذا دخلت المخرج
فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولكن شرقوا وغربوا وما رواه عن ابن أبي عمير عن عبد الحميد بن أبي العلا وغيره قال سئل الحسن بن علي (ع) ما حد
الغائط؟ قال: لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستقبل الريح ولا يستدبرها وروي عن علي بن إبراهيم رفعه قال خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله
(عليه السلام) وأبو الحسن موسى (عليه السلام) قائم وهو غلام فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط
الثمار ومنازل النزال ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول وارفع ثوبك وضع حيث شئت وروي في الحسن عن محمد بن إسماعيل قال دخلنا على أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) وفي منزله كنيف سمعته يقول من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة وتعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له واستدل
المفيد وسلار على تحضيض التحريم بما رواه محمد بن إسماعيل في الحسن قال دخلت على الرضا (عليه السلام) وفي منزله كنيف مستقبل القبلة ولا حجة فيه لان التحريم
يتناول حالتي القعود لا البناء واحتج الشافعي على الجواز في البنيان بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال ارتقيت فوق بيت حفصة فرأيت النبي (صلى الله
عليه وآله) يقضي حاجته مستدبر القبلة والجواب لعله (عليه السلام) قد كان منحرفا ولم يتنبه ابن عمر له لعلته والظاهر أنه (عليه السلام) لم يكن يحرم هذا في الصحرا إلا
لحرمة القبلة فكيف كان (ع) يفعله في البنيان واحتج داود: بأنه قد تعارضت الاخبار والأصل الإباحة وليس بجيد لأنا قد بينا المحال (الحال)؟ في الجواب.
فروع: [الأول] لو كان الموضع مبنيا على الاستقبال والاستدبار وأمكنه الانحراف وجب عليه وإن لم يمكنه ولم يتمكن من غير ذلك المقعد
جاز له الاستقبال والاستدبار لمكان الضرورة. [الثاني] لو كان في الصحراء وهدة أو نهر أو شئ يستره جرى عند الشافعية مجرى البنيان
وهذا الفرع عندنا ساقط والأقوى على قول المجوزين من أصحابنا إلحاقه بالصحراء. [الثالث] روي أنه (ع) نهى عن استقبال القبلتين
ويحتمل أمرين أحدهما النهي عن استقبال الكعبة واستقبال بيت المقدس لأنه يكون مستدبر القبلة وهو منهي عنه. [الرابع] ليس
التسقيف شرطا في البنيان بل كونه بحيث يستر القاعد عن أعين الناس ولو كان بقدر مؤخرة الرجل. [الخامس] قال بعض الشافعية إنا لا نحرم
القعود في البنيان إذ قعد قريبا من البناء بحيث لا يكون بينه وبين البناء إلا قدر ما بين الصفين فأما إذ تباعد عن البناء فإنه يخرج لأنه
لا يؤمن أن يكون هناك فصل من الانس أو من الجن أو الملائكة يقع بصره على عورته. [السادس] يكره استقبال بيت المقدس
لأنه قد كان قبلة ولا يحرم للنسخ وهو قول الشافعي أيضا. مسألة: ويكره استقبال الشمس والقمر بفرجيه من البول والغائط لما رواه الشيخ عن السكوني
عن جعفر عن آبائه (عليه السلام) قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يستقبل الرجل الشمس والقمر وهو يبول وما رواه عن عبد الله بن يحيى الكاهلي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يبولن أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به ولأنهما اشتملا على نور
من نور الله تعالى. فروع: لو استتر عنهما بشئ فلا بأس لأنه لو استتر عن القبلة بالانحراف جاز فها هنا أولى. مسألة: ويكره في حال البول و
الغائط أمور. [الأول] استقبال الريح بالبول لئلا يعكسه فيرده على جسده وثيابه ولما قدمناه من رواية ابن أبي العلا. [الثاني] البول
على الأرض الصلبة لئلا يرد عليه وما رواه الشيخ في الحسن عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أشد الناس توقيا عن البول كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية أن ينضح
عليه البول وروي عن سليمان الجعفري قال بت مع الرضا (عليه السلام) في سفح فلما كان آخر الليل قام فتنحى وصار على موضع مرتفع فبال وتوضى وقال
من فقه الرجل أن يرتاد لموضع بوله وبسط سراويله وقام (عليه السلام) صلى صلاة الليل وقد ظهر من هذا
استحباب طلب المرتفع من الأرض. [الثالث] البول
قائما لئلا يترشش عليه قال عمر ما بلت قائما منذ أسلمت وقال ابن مسعود من الجفا أن تبول وأنت قائم وكان سعد بن إبراهيم لا يجوز شهادة من بال قائما
ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه في كتابه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: البول قائما من غير علة من الجفا والاستنجاء باليمين من الجفا
وروى الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أتى سباطة فبال قائما وهذه الرواية لا تنافي ما ذكرناه أما أولا: فللطعن فيها فإنهم رووا عن عائشة أنها قالت
من حدثكم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدا نقله الترمذي وقال هذا شئ صح في هذا الباب وأما ثانيا:
فلانه (عليه السلام) فعله بيانا للجواز ولم يفعله إلا مرة وأما ثالثا: فلاحتمال أن يكون في موضع لا يتمكن من الجلوس فيه وأما رابعا: فإنه قيل إنما فعل ذلك
لعله كانت بمايضه والمايض ما تحت الركبة من كل حيوان. [الرابع] أن يطمح ببوله من السطح في الهواء لما رواه الشيخ عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكره الرجل أو ينهى الرجل أن يطمح بوله من السطح في الهواء [الخامس]
البول في الماء جاريا وراكدا والراكد أشد كراهية لما رواه الشيخ عن الفضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري
وكره أن يبول في الراكد وروي عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة
وقال إن للماء أهلا. [السادس] الجلوس للحدث في المشارع والشوارع ومواضع ا للعن وتحت الأشجار المثمرة وفي النزال ومساقط الثمار
40

وجحرة الحيوان وأفنية الدور ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رجل لعلي بن الحسين (عليه السلام) أين يتوضأ الغرباء؟
فقال: تتقي شطوط الأنهار والطرق النافذ أو تحت الأشجار المثمرة ومواضع اللعن قيل له وأين مواضع اللعن؟ قال: أبواب الدور وفي الحديث الذي نقلناه
عن أبي الحسن (عليه السلام) جوابا لسؤال أبي حنيفة ما يدل على كراهية أفنية المساجد ومنازل النزال وروى الشيخ عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثة من فعلهن ملعون المتغوط في ظل النزال، والمانع للنبات، وساد الطريق المسلوك وروى الجمهور
عن عبد الله بن برجين أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى أن يبال في الجحر ولأنه لا يؤمن خروج حيوان تلسعه فقد حكى عن سعد بن عبادة بال في جحر بالشام
فاستلقاه ميتا فسمعت الجن تنوح عليه بالمدينة ويقول نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده. [السابع]
السواك على الخلا لما رواه ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال قال: السواك على الخلا يورث البخر. [الثامن] الكلام على
حال الخلا لما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لا يخرج الرجلان يقربان الغائط كاشفان عن عورتهما
يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن صفوان عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه قال نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أن يجب الرجل آخر وهو على الغائط أو يكلمه حتى يفرغ أما الذكر لله تعالى أو حكاية الأذان أو قراءة آية الكرسي فلا يكره لما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد
قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن؟ قال: لم يرخص في الكنيف أكثر من آية الكرسي وحمد الله أو آية ومثله رواية محمد بن
بابويه في كتابه وروى الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت الحائض والجنب يقرئان شيئا؟ قال: نعم، ما شاءا إلا السجدة ويذكران الله على كل حال
وروى ابن بابويه في كتابه قال: لما ناجى الله موسى بن عمران (ع) قال موسى يا رب أبعيد أنت مني فأناديك أم قريب فأناجيك فأوحى الله جل جلاله أنا
جليس من ذكرني فقال موسى يا رب إني أكون في آجال أجلك أن أذكرك فيها فقال يا موسى اذكرني على كل حال وكره الشافعي ذلك كله ولنا: ما تقدم
واحتج بما رواه المهاجرون فنقل أنه قال إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر والجواب أحاديثنا أشهر. فروع: [الأول] يجب رد السلام لقوله
تعالى: (فحيوا بأحسن منها) والامر للوجوب وكرهه لما روى المهاجرون فنقل أنه سلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضأ
فلما توضأ رد عليه. [الثاني] يستحب أن يحمد الله تعالى إذا عطس وأن يسمت المعطس لما فيهما من الذكر وكرهه الشافعي. [الثالث] لو احتاج فيه؟
إلى أمر فإن قدر عليه بغير الكلام كالتصفيق باليد أو ضرب الحائط كان أولى من الكلام وإلا تكلم. [التاسع] الاستنجاء باليمين لما نقل ابن بابويه
قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الجفا الاستنجاء باليمين وروى الجمهور أن النبي (صلى ا لله عليه وآله) قال إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره باليمين
وإذا خلى فلا يستنج بيمينه وعن عائشة قالت كانت يد رسول الله (صلى الله عليه وآله) اليمنى لطعامه وطهوره ويده اليسرى للاستنجاء وكان النبي (صلى الله عليه
وآله) استحب أن يجعل اليمنى لما علا من الأمور واليسرى لما دنى. فروع: [الأول] لو استنجى بيمينه أجزأ وترك الأولى في قول العلماء وحكي عن
بعض الظاهرية عدم الاجزاء لليمنى وهو غلط لأنه نهى تنزيه. [الثاني] لا يكره الاستعانة باليمنى خلافا لبعض الشافعية وذلك صب الماء
أو غيره لعدم تناول النهي له وللحاجة إليه. [الثالث] لا يكره الاستنجاء باليمين مع الحاجة كمرض اليسار وشبهه. [العاشر] الاستنجاء باليسار
وفيها خاتم عليه اسم من أسماء الله تعالى وأسماء أنبيائه أو أحد الأئمة (عليه السلام) وما كان فضة من حجر زمزم فإن كان فيها شئ من ذلك فليحوله لما رواه
عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله تعالى ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى ولا يجامع وهو
عليه ولا يدخل للمخرج وهو عليه ولان فيه إجلالا لله تعالى وتعظيما فكان ذلك مناسبا ولا يعارض بما روى الشيخ عن وهب بن وهب عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: كان نقش خاتم أبي " العزة لله جميعا " وكان في يساره يستنجي بها وكان نقش خاتم أمير المؤمنين (عليه السلام) " الملك لله " وكان في يده اليسرى يستنجي بها
ولا بما رواه عن أبي القسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت لا لرجل يريد الخلاف عليه خاتم فيه اسم الله تعالى فقال: ما أحب ذلك، قال فيكون
اسم محمد؟ قال: لا بأس لان وهب بن وهب كذاب عامي المذهب فلا يعول على روايته واما الرواية الثانية فإن رواتها لا يعرف حالهم وفي طريقها
ابن زياد فإن كان سهلا فهو ضعيف على أنها لا تدل على الملاقاة بل إنما يدل على الدخول باستصحاب الخاتم. {الحادي عشر} الأكل والشرب على حال
الخلا لما روى ابن بابويه في كتابه قال دخل أبو جعفر الباقر (ع) فوجد لقمة خبز فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك معه وقال تكون معك
لآكلها إذا خرجت فلما خرج (عليه السلام) قال للمملوك أين اللقمة؟ قال: أكلته يا بن رسول الله، فقال: إنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة فاذهب فأنت
حر لوجه الله فإني أكره أن أستخدم رجلا من أهل الجنة فتأخيره لأكلها مع ما فيه من الثواب الوافر دال على كراهية الأكل حينئذ خصوصا لما علق
الأكل بالخروج. {الثاني عشر} الحدث على شطوط الأنهار ورؤس الآبار ما قدمناه من الحديثين ولما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر
عن أبيه عن آبائه قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يتغوط على شنير بئر ماء يستعذر منها أو نهر يستعذر أو تحت شجرة فيها ثمرتها.
{الثالث عشر} طول الجلوس على الخلا لما رواه أبو جعفر بن بابويه عن الصادق (عليه السلام) قال: طول الجلوس على الخلا يورث الناسور ورواه
الشيخ أبو جعفر الطوسي عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قال لقمان الجلوس على الخلا يورث الناسور قال فكتب هذا
41

على باب الحشر. {الرابع عشر} أن يمس الرجل ذكره بيمينه عند البول لما رواه ابن بابويه عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا بال الرجل فلا يمس
ذكره بيمينه. {الخامس عشر} يكره استصحاب دراهم بيض لما رواه الشيخ عن غياث جعفر عن أبيه (عليه السلام) أنه كره أن يدخل الخلا ومعه
دراهم بيض إلا أن يكون مصرورا. مسألة: يستحب لطالب الحدث أشياء. الأول: تغطية الرأس عند دخول الخلا لما رواه الشيخ عن علي بن
أسباط أو رجل عنه عمن رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه ويقول سرا في نفسه " بسم الله وبالله " قال المفيد إنها
من سنن النبي (صلى الله عليه وآله) ولأنه لا يؤمن وصول الرائحة إلى دماغه مع الكشف. الثاني: يستحب التسمية عند الدخول لرواية علي بن أسباط
ولما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إذا دخلت المخرج فقل " بسم الله اللهم إني أعوذ بك من أخبث
المخبث النجس الشيطان الرجيم " فإذا خرجت فقل " بسم الله الحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث وأماط عني الأذى " وإذا توضأت فقل " أشهد أن لا
إله إلا الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين والحمد لله رب العالمين ". الثالث: الدعاء عند دخول الخلا والخروج منه والاستنجاء والفراغ منها
لما تقدم وروي عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إذا دخلت الغائط فقل " أعوذ بالله من الرجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم " فإذا فرغت
فقل " الحمد لله الذي عافاني من البلاء وأماط عني الأذى " وروي عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الحسين عن الحسن بن علي عن أبيه عن آبائه عن جعفر
قال قال النبي (صلى الله عليه وآله): إذا انكشف أحدكم لبول أو غير ذلك فليقل " بسم الله " فإن الشيطان يغض بصره. وروي في الصحيح عن عبد الله بن ميمون القداح عن
أبي عبد الله (ع) عن آبائه عن علي (عليه السلام) أنه كان إذا خرج من الخلا قال: " الحمد لله الذي رزقني لذته وأبقى قوته في جسدي وأخرج عني أذاه يا لها نعمة " ثلاثا
وروى ابن بابويه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه كان إذا أراد دخول المتوضأ قال اللهم " إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان
الرجيم اللهم أمط عني الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم " وإذا استوى جالسا للوضوء قال " اللهم اذهب عني القذى والأذى واجعلني من المتطهرين " فإذا تزجر؟
قال " اللهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه عني خبيثا في عافية " وروي أيضا عنه (عليه السلام) أنه كان يقول: مامن عبد إلا وبه ملك موكل يلوى
عنقه حتى ينظر إلى حدثه ثم يقول الملك له يا بن آدم هذا رزقك فانظر من أين أخذته وإلى ما صار فعند ذلك ينبغي للعبد أن يقول " اللهم ارزقني
من الحلال وجنبني الحرام وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا أراد الحاجة وقف على باب المتوضئ ثم ألتفت عن يمينه ويساره إلى ملكيه فيقول:
"؟ أمتنعا؟ عني فلكم الله علي أني لا أحدث بلساني شيئا حتى أخرج إليكما ويقول عند الدخول: " الحمد لله الحافظ المؤدي ". [الرابع] تقديم الرجل اليسرى عند
الدخول واليمنى عند الخروج بخلاف المسجد فيهما ذكره الأصحاب فإن المسجد مكان شريف فاستحب ابتداء العضو الشريف بالدخول فيه والخلا بضده.
[الخامس] الاستبراء في البول بأن يمسح يده من عند القعدة إلى أصل القضيب ثم يمسح ثلاثا وينتره ثلاثا قال علم الهدى: يستحب عند البول نتر القضيب من
أصله إلى طرفه ثلاث مرات. لنا: ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر (ع) رجل بال ولم يكن معه ماء؟ قال: يعصر أصل ذكره إلى
طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه فإن خرج شئ فليس من البول ولكنه من الحبائل والمراد ها هنا عروق الظهر واحتج المرتضى بما رواه الشيخ
في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يبول قال: ينتره ثلاثا ثم إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي ولا تنافي
بين الحديثين لان المستحب الاستطهار بحيث لا يتخلف شيئا (شئ) من آخر البول في القضيب وذلك قابل للشدة والضعف ومتفاوت بقوة المثانة وضعفها
وذهب بعض الأصحاب إلى وجوب الاستبراء. فروع: [الأول] لو استبرأ ثم وجد بللا كان طاهرا ولا يجب منه إعادة الوضوء لقول أبي جعفر
(عليه السلام) فليس من البول ولكنه من الحبائل ولا يعارض بما رواه عن الصفار عن محمد بن عيسى قال كتب إليه رجل هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر
بعد الاستبراء فكتب نعم، لان محمد بن عيسى لم يسنده إلى إمام فلعله عول على فتوى من لا يوثق به وأيضا فإنه نقل بالكتابة لا المشافهة
وأيضا يحتمل أن يكون المجيب فهم أن الخارج بول فأوجب منه الوضوء وأيضا يحتمل أن يكون أراد الاستحباب كذا ذكره الشيخ
وهو بعيد لأنه أجاب بنعم عقيب هل يجب الوضوء. [الثاني] لو لم يستبرء وتوضى وصلى صحت تلك الصلاة لان الظاهر انقطاعه وقد قيل أن
الماء يقطع البول ولو رأى حينئذ بللا قبل الصلاة أعاد الطهارة لغلبة الظن بكونه من بقايا البول المحتقن في الذكر
فيكون الطهارة مشكوكة
ولو رأى البلل بعد الصلاة لم يعد صلاته لحصولها على الوجه المشروع فكانت مجزية ويعيد الوضوء لحصول الحدث ويغسل الموضع. [الثالث]
الرجل والمرأة في ذلك سواء، وكذا البكر والثيب لان موضع مخرج البول البكارة والثيوبة؟. مسألة: مذهب علمائنا أن البول لا يجزي فيه
إلا الماء وخالف به الجمهور فإن أبا حنيفة لم يجب الاستنجاء منه ولا من الغائط بالماء و لا بغيره وهو أحد الروايتين عن مالك وحكى ذلك الزهري
وقدر أبو حنيفة النجاسة يصيب الثوب أو البدن بموضع الاستنجاء فقال: إذا أصاب الثوب أو البدن بموضع الاستنجاء قدر ذلك لم يجب إزالته و
قدره بالدرهم البغلي وعند الشافعي وأحمد وإسحاق وداود يجب الاستنجاء ويكفي فيه الحجر كالغائط وهو قول مالك في الرواية الأخرى. لنا: ما
رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه مر بقبرين جديدين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان بكبيرة أما أحدهما فقال (فكان) يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا ينتره من البول.
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: فأما البول فلا بعد من غسله وما رواه عن يزيد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام)
42

قال: يجزي من الغائط المسح بالأحجار ولا يجزي من البول إلا بالماء وما رواه في الصحيح عن زرارة قال توضأت يوما ولم أغتسل ذكري ثم صليت فسألت أبا عبد
الله (عليه السلام) فقال: اغسل ذكرك وأعد صلاتك والغسل حقيقة في الإزالة بالماء فلو كان غيره مجزيا لما اقتصر عليه للتنظيف وروى الحسن عن يونس بن يعقوب قال
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال؟ قال: يغسل ذكره ويذهب الغائط ثم يتوضى مرتين فذكر الغسل جوابا عن السؤال
المشتمل على المفروض يدل على المقصود ولهذا لم يجب الغسل في الغائط قال فيه ويذهب الغائط وقد روي في الصحيح عن ابن أذينة قال قال ذكر أبو مريم الأنصاري
أن الحكم بن عتيبة بال يوما ولم يغسل ذكره متعمدا فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: بئس ما صنع عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوءه
وما رواه في الصحيح عن عمرو بن أبي نصر قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبول فينسى أن يغسل ذكره ويتوضى؟ قال: يغسل ذكره ولا يعيد وضوءه
وما رواه في الصحيح عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان بنو إسرائيل إن أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد
وسع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم ماء طهورا فانظروا كيف تكونون فتخصيصه (ع) للماء يدل على نفي الطهورية عن غيره خصوصا
عقيب ذكر النعمة بالتحقيق فلو كان البول يزول بغيره لكان التخصيص منافيا للمراد وما رواه في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: إذا انقطعت ذرة البول فصب الماء والامر للوجوب أيضا فإن مقتضى الدليل عدم إزالة النجاسة بغير الماء فيجب المسير إليه وأيضا لو جاز إزالة البول
بغير الماء لجاز إزالته إذا تعدى المخرج والتالي باطل عند الشافعي وبيان الملازمة حصول الإزالة الموجبة للتطهير بلا مناسبة المشتركة بين البابين وأيضا
لو جاز إزالته بغير الماء لجاز إزالة ما زاد على الدرهم إن كان في غير المخرج والتالي باطل عند أبي حنيفة ووجه الملازمة ما قدمناه. فروع: [الأول]
البكر كالثيب في وجوب الغسل بالماء لما قلناه أما المقتصرون على الأحجار فرقوا بينهما فجعل البكر كالرجل لان عذرتها تمنع انتشار البول وأما الثيب فإن خرج
البول بحده فلم ينتره وكذلك إن تعدى مخرج الحيض وقد أوجب بعضهما الغسل لان مخرج الحيض والولد غير
مخرج البول. [الثاني] الأغلف إن كان مرتقا لا يمكنه اخراج البشرة فهو كالمختتن وإن أمكنه اخراجها كشفها إذا بال وغسل المخرج فإن لم
يكشفها وقت البول فهل يجب كشفها لغسل المخرج الأقرب الوجوب ولو تنجس بالبول وجب غسلها كما لو انتشر إلى الحشفة. [الثالث] لو توضى
قبل غسل المخرج جاز ولو صلى أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء وهو مذهب أكثر علمائنا وقال ابن بابويه ومن صلى فذكر أنه لم يغسل ذكره فعليه
أن يغسل ذكره ويعيد الوضوء والصلاة. لنا: ما تقدم من الروايات الصحيحة كرواية ابن أذينة وعمرو بن أبي نصر وما رواه الشيخ عن علي بن يقطين
عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يبول فلا يغسل ذكره حتى يتوضى وضوء الصلاة فقال: يغسل ذكره ولا يعيد وضوئه احتج ابن بابويه
بروايات منها: ما رواه عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: فإن كنت هرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك
إعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك ومنها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله ومنها: ما رواه سليمان بن خالد عن أبي جعفر
(عليه السلام) في الرجل يتوضى فينسى غسل ذكره قال: يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء والجواب من حيث الاجمال ومن حيث التفصيل أما الاجمال: فمن وجهين،
{الأول} يحمل الامر على الاستحباب فإن تكرار الطهارة مستحب. {الثاني} يحمل الوضوء على مفهومه اللغوي جمعا بين الأدلة. وأما التفصيل: أما الرواية
الأولى فإن راويها محمد بن عيسى عن يونس عن زرعة عن سماعة وزرعة وسماعة واقفيان فلا تعويل على روايتهما وأحاديث محمد بن عيسى عن يونس
نقل ابن بابويه منع العلم بها عن ابن الوليد أما الثانية فإن في طريقها روى سماعة بن مهران وهو واقفي وأما الثالثة فإن سليمان بن خالد راويها
لم ينص أصحابنا على تعديله بل ذكروا أنه خرج مع زيد بن علي وقطعت يده كذا قال النجاشي وقال الشيخ قطعت إصبعه قالا ولم يخرج معه من أصحاب
أبي جعفر (عليه السلام) غيره ولا يعارض ما ذهبنا إليه من وجوب إعادة الصلاة لما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتوضى وينسى أن
يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة أما أولا: فلاحتمال تخصيص هذا الحكم لمن لم يجد لما (الماء) ذكره الشيخ. وأما ثانيا: فلان في طريقها أحمد بن هلال وهو ضعيف
قال الشيخ وهو غال وقال النجاشي ورد فيه ذموم من سيدنا أبي محمد العسكري (عليه السلام). [الرابع] لو لم يجد الماء لغسل البول أو لعذر استعماله لجرح
أو شبهه أجزأه المسح بالحجر وشبهه مما يزيل العين لان الواجب إزالة العين والأثر فلما تعذرت إزالتهما لم يسقط إزالة العين وروى الشيخ عن عبد الله بن بكير
قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يبول ولا يكون عنده الماء ليمسح ذكره بالحائط؟ قال: كل شئ يابس زكي. تنبيه: لو وجد الماء بعد ذلك وجب عليه
الغسل ولا يجزي المسح المتقدم لأنه اجتزأ به للضرورة وقد زالت ونجاسة المحل باقية لان المزيل لم يوجد فلو
لاقاه شئ برطوبة كان نجسا.
[الخامس] لو خرج من الذكر دود أو حصى أو غيره مما ليس ببول ولا دم ولا مني لا يجب غسله سواء كان جامدا أو مائعا عملا بالأصلين
برأ الذمة والطهارة وكذا لو أدخل شيئا ثم أخرجه كالميل والحقنة ما لم يحصل هناك نجاسة من أحد الثلاثة وللشافعي قولان في الجامد كالحصا
والدود إذا خرجت غير ملوثة أحدهما: وجوب الاستنجاء إذ لا يخلو من نداوة وأن لم يطهر. والثاني: عدم الوجوب لعدم البلة فأشبه الريح وعلى الأول
هل تجزي الحجارة أو يتعين الماء قولان وأوجب الاستنجاء من المائع كالدم والقيح والصديد والمذي قطعا وفي تعيين الماء والتخيير بينه وبين
الحجارة قولان ولو خرجت البعرة يابسة لا بلل فيها كان حكمها حكم الحصاة عنده وعندنا يجب فيها الاستنجاء ولو سال إلى فرج امرأة مني من ذكر أو أنثى
43

ثم خرج لم يجب به وضوء ولا غسل ويكون حكمه حكم النجاسة الملاقية للبدن في وجوب غسل موضع الملاقاة خاصة. [السادس] من بال لا يجب
عليه إلا غسل مخرج البول لا غير لأنه محل النجاسة والتعدي في الغسل إلى غيره غير معقول وهو إجماع علمائنا وروى عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إذا بال الرجل ولم يخرج منه شئ غيره فإنما عليه أن يغسل إحليله وحده ولا يغسل مقعدته. [السابع] أقل ما يجزي من الماء الغسلة ما أزال العين
عن رأس الفرج هذا قول أبي الصلاح وقدره الشيخان بمثل ما على الحشفة. لنا: أن المنع تابع للعين وقد زالت فخرج عن العهدة استدل الشيخ بما رواه
نشيط بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ قال: مثلا ما على الحشفة من البلل. وفي طريق
هذه الرواية مسروك بن عبيد ولا أعرف حاله فنحن فيها من المتوقفين ولان الاجماع واقع على الاكتفاء في الغائط بالإزالة ففي البول أولى
لسرعة انفصاله لجميع أجزائه وقد روى بسيط عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يجزي من البول أن يغسله بمثله وهذا
الخبر مرسل في طريقه مسروك ولا نعرفه. [الثامن] لا يجب على المرأة إدخال إصبعها في فرجها ونقل عن بعض الحنفية قول مردود عندهم وجوبه
وليس بشئ لعدم الدليل وإن الباطن لا يقبل النجاسة وإلا لزم الحرج والضرر. مسألة: قال علماؤنا الاستنجاء من الغائط واجب
وهو مذهب أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة إنه سنة وليس بواجب وهو رواية عن مالك وحكى أيضا عن الزهري. لنا: ما رواه الجمهور عن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه ثلاثة أحجار فإنها تجزي عنه وقال (ع): لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار رواه
مسلم وفي لفظ لقد نهانا أن نستنجي بدون ثلاثة والامر يقتضي الوجوب والاجزاء إنما يستعمل في الواجب والنهي عن الاقتصار على أقل من ثلاثة يقتضي
التحريم ولان المحل لا يخلو من ملاقاة نجاسة فيجب إزالتها لتحصيل الطهور المشروط في الصلاة بقوله (عليه السلام) لا صلاة إلا بطهور ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الحسن عن يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد الله (ع) الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال قال: يغسل ذكره
ويذهب الغائط ثم يتوضى مرتين مرتين وما رواه الشيخ في الحسن عن ابن المغيرة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: ينقي مأثمه والامر للوجوب وما رواه الشيخ
عن مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لبعض نسائه مري نساء المؤمنين أن تستنجي بالماء فإنه مطهرة
للحواشي ومذهبة للبواسير وروي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) جرت السنة في اثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله ويجوز
أن يمسح رجله ولا يغسلها وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: لا صلاة إلا بطهور وتجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة
من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأما البول فلا بد من غسله ولفظة الاجزاء يدل على الوجوب خصوصا بعد قوله " لا صلاة إلا بطهور " فإنه لما ذكر ذلك
عقب بالاستنجاء كان القصد أنه من جملة الطهور وإلا لم يكن لذكر الحكم الأول فائدة وروي في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام)
قال سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أنه لم يستنج من الخلا قال: ينصرف ويستنجي من الخلا ويعيد الصلاة وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزاه ذلك
ولا إعادة عليه احتج أبو حنيفة بما رواه داود عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال من استجمر فليؤثر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ولأنها
نجاسة يكتفى فيها بالمسح فلم يجب إزالتها كيسير الدم والجواب عن الأول: أن نفي الحرج عائد إلى الوتر إذ هو المأمور به في الخبر ونحن نقول
به. وعن الثاني: أن الاجتزاء بالمسح المشبعة الغسل لكثرة تكره (المشبهة للغسل لكثرة تكرره) في محل الاستنجاء. فروع: [الأول] إذا تعدى المخرج تعين الماء وهو أحد
قولي الشافعي وإسحاق والقول الثاني للشافعي أنه: إذا تعدى إلى باطن الأليتين ولم يتجاوز إلى ظاهرهما فإنه يجزيه الحجارة فإن تجاوز ذلك وظهر
على الأليتين وجب الماء عنده قولا واحدا وأما البول فإذا انتشر على ما أقبل على الثقب أجزأه الاستنجاء وإن انتشر حتى تجاوز ذلك وجب الماء فيما جاوزه
وذكر صاحب الفتاوى اختلاف الحنفية فيما إذا أصاب موضع الاستنجاء أكثر من قدر الدرهم فالاستنجاء بثلاثة أحجار ولم يغسله فقال بعضهم
بالطهارة ونفاه آخرون ولو كانت النجاسة في سائر الموضع أكثر من قدر الدرهم لم يجز إلا الغسل. لنا: ما رواه الجمهور عن علي (عليه السلام) أنه قال:
انكم كنتم تبعرون؟ بعيرا وأنتم اليوم تنظلون نظلا فاتبعوا الماء والأحجار ولان المتيقن لإزالة النجاسة إنما هو الماء والاستجمار في المحل المعتاد
رخصة لأجل المشقة الحاصلة من تكرار الغسل مع تكرار النجاسة أما ما لا يتكرر فيه حصول النجاسة فلا يجزي فيه إلا الغسل كالساق والفخذ ومن طريق
الخاصة ما رواه مسعدة بن زياد من أمر النبي صلى الله عليه وآله لنسائه بأن يأمرن النساء بالاستنجاء بالماء وقد تقدم وما رواه عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وإن خرج من مقعدته شئ ولم يبل فإنما عليه أن يغسل المقعدة والغسل حقيقة في الدلالة
بالماء ولفظة " على " تدل الوجوب وما رواه الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا (عليه السلام) قال سمعته يقول في الاستنجاء: يغسل ما ظهر منه
على الشرج ولا يدخل الأنملة إذا الامر للوجوب وروي في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يا معشر الأنصار إن الله قد أحسن إليكم الثناء فما تصنعون؟ قالوا: نستنجي بالماء لا يقال ما دلت عليه هذه الآثار لا يقولون به وما يقولون
به لا يدل عليه هذه الأحاديث لما بيانه أنها كما يتناول المتعدي يتناول غيره وأنتم لا تقولون به وما يقولون من التخصيص بالتعدي لا تدل
عليه هذه الأخبار لأنا نقول إنها كما دلت على المطلوب وهو وجوب الغسل بالماء في المتعدي لكونه أحد أفراد العموم المستفادة من الأحاديث فهي
دالة على غيره ونحن لم نتعرض الآن له فإذا أخرجناه عن إرادة المخصصات لا يلزم خروج المطلوب عن الإرادة. [الثاني] إذا لم يتعد
44

المخرج تخير بين الماء والأحجار والماء أفضل والجمع بينهما أكمل وهو مذهب أهل العلم إلا من شذ كعطا فإنه قال: غسل الدبر محدث وكسعيد بن المسيب
فإنه قال: هل يفعله إلا النساء وأنكر ابن الزبير وسعد بن أبي وقاص الاستنجاء بالماء وكان الحسن البصري لا يستنجي بالماء وحكي عن قوم من الزيدية
والقاسمية ما يضاد قول هؤلاء وهو أنه لا يجوز الاستنجاء بالأحجار مع وجود الماء. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان يستنجي بالماء وروى أنس قال كان النبي (صلى الله عليه وآله) يدخل الخلا فأحمل أنا وغلام يحوي ازاده من ماء وغيره فيستنجي بالماء وروى
أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: نزلت هذه الآية في أهل قبا فيه رجال يحبون أن يتطهروا قال كانوا يستنجون بالماء ومن طريق الخاصة
ما قدمناه من حديث هشام عن النبي (صلى الله عليه وآله) وغيره من الأحاديث وما رواه الشيخ عن الحسن بن راشد عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: الاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير وأما ما يدل على كون الماء أفضل لما تقدم من حديث أبي هريرة وعائشة ومن طريق الخاصة
ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار وهذا يدل على أفضلية غيره وهو الماء عليه وما رواه
هشام أيضا ولأنه يطهر المحل ويزيل العين والأثر وذلك أبلغ في التنظيف ولما رواه الشيخ عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام)
قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا استنجى أحدكم فليؤثر؟ بها وترا إذا لم يكن الماء نسوغ الاستنجاء مع عدم الماء وليس ذلك شرطا
لما يأتي من جواز الاقتصار على الأحجار وأما ما يدل على أن الجمع أفضل لما رواه الشيخ عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال جرت
السنة بالاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء وليس الجمع شرطا وأما ما دل على جواز الاقتصار على الأحجار مع (عدم) التعدي فإجماع علماء
الاسلام وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنه يجزي عنه وقد تقدم من طريق الخاصة
رواية زرارة وغيرها وقد تقدمت وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال كان الحسين بن علي (ع) كان يمسح من الغائط بالكرسف
ولا يغسل ولان المحل طاهر حال الضرورة فكذا حال الاختيار. [الثالث] حد الاستنجاء بالماء النقاء بحيث يزول العين والأثر لما رواه الشيخ
في الحسن عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) وتذهب الغائط وقد تقدم ما رواه الشيخ في الحسن عن ابن المغيرة عن أبي الحسن (ع) قال:
قلت للاستنجاء حد قال لا ينقى مأثمه قلت فإنه ينقى مأثمه ويبقى الريح قال: الريح لا ينظر إليها ولان المراد إزالة العين والأثر فلا يحصل
المقصود دونه أما الاستنجاء فحدة زوال العين والأثر معفو عنه لأنه لا يتعلق بالجامد منه شئ إنما ينظفه الماء أما الرائحة فإنها معفو عنها
في الاستنجاء بالماء والأحجار. [الرابع] الأحجار المستعملة في الاستنجاء يشترط فيه أمور، {الأول} العدد فلا يجزي أقل من الثلث وإن حصل النقاء
بالأقل وهو مذهب الشيخ وأتباعه وأحمد والشافعي وإسحاق وأبو ثور وقال مالك وداود الواجب الانقاء دون العدد وهو اختيار المفيد من
أصحابنا وقال أبو حنيفة: المستحب الانقاء ولا اعتبار بالعدد. لنا: ما رواه الجمهور عن سلمان (رض) قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله نستنجي بأقل
من ثلاثة أحجار ومن طريق الخاصة رواية زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (ع) ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وفي رواية أخرى جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله في اثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله ولان الحجر الواحد لا يحصل
به الإزالة الكلية فلا بد من يحلق شئ (فلا بد من شئ يحلق) بقايا النجاسة غالبا وقليل النجاسة ككثيرها وفي الثلاثة يحصل القطع بالإزالة. فرعان
[الأول] لو لم يحصل النقاء بالثلاثة وجبت الزيادة إلى أن يحصل النقاء وهو إجماع لكن يستحب أن لا يقطع إلا على وتر لرواية علي (عليه السلام)
وقد تقدمت ونعني بالنقاء زوال عين النجاسة ورطوبتها بحيث يخرج الحجر نقيا ليس عليه أثر ولان المراد إزالة عين النجاسة ولما كان ذلك إنما
يحصل غالبا باستعمال الثلاثة لا جرم قدره الشارع بها لمقارنتها الإزالة غالبا لا لاجزائها وإن لم يحصل النقاء. [الثاني] في إجزاء
الحجر ذي الشعب الثلاث خلاف قال في المبسوط يجزي عند بعض أصحابنا قال والأحوط اعتبار العدد ومنع داود والأقوى عندي الجواز
وهو أحد قولي الشافعي وإسحاق وأبي ثور وإحدى الروايتين عن أحمد احتج الشيخ بالأحاديث الدالة على استعمال ثلاثة أحجار. ولنا: أنه استجمر
ثلاثا منقية مما وجد فيه شرط الاستجمار فأجزأه كما لو تعدد حسا ولأنه لو فصله لجاز استعماله إجماعا ولا فرق بينهما إلا الفصل ولا أثر له في
التطهير ولأنه لو استجمر به ثلاثة يحصل لكل واحد منهم مسحة وقائم مقام ثلاثة أحجار فكذلك في الواحد لان الواجب التطهير وهو إنما يحصل بعدد المسحات
بالحجر دون الأحجار ولهذا لو مسح بحائط أو ثوب ثلاث مسحات أجزأه واحتجاجهم بالأحاديث ضعيف لأنها دالة على تكرار المسحات بالحجر دون
غير الأحجار كما يقال ضربته ثلاثة أسواط أي ثلاث ضربات بسوط لان معناه معقول والمراد معلوم ولهذا لم يقتصر على لفظة الأحجار بل جوزنا
استعمال الخشب والخزف وغيرهما لا يقال بشرط الطهارة في الأحجار وهي غير حاصلة لأنا نقول المشترط إنما هو الطهارة في محل الاستعمال و
لهذا لو ينجس جانبه بغير الاستعمال جاز استعمال الجانب الآخر ولو استعمل ثلاثة أنفس ثلاثة أحجار كل واحد منهم من كل حجر شعبة أجزأهم وعلى قول الشيخ
لا يجزي. {الوصف الثاني} أن يكون مما له تأثير في إزالة العين لأنه هو المقصود فيحصل به الاكتفاء وذلك يستدعي شيئين، الأول: يجوز استعمال
الخزف والخشب والمدر والجلد وكل جامد طاهر يزيل إلا ما نستثنيه وهو قول أكثر العلم وقال داود الواجب الاقتصار على الأحجار وحكي ذلك عن زفر
45

وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: واستنظف بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حشيات؟ من
تراب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن ابن المغيرة عن أبي الحسن (ع) قلت للاستنجاء حد؟ قال: لا ينقى مأثمه وما رواه في الصحيح عن زرارة قال كان يستنجي
من البول ثلاث مرات ومن الغائط بالمدر والخزف وما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان الحسين (ع) يتمسح من الغائط بالكرسف
ولا يغتسل ولان المقصود إزالة عين النجاسة وهذا يحصل بغير الأحجار بحصوله بها واحتج داود بأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بالأحجار وهو يقتضي
الوجوب ولأنه موضع رخصه الشرع فيها بآلة مخصوصة فوجب الاقتصار عليها كالتراب في التيمم والجواب عن الأول أن الامر إذا كان لمعنى ووجد مشاركة له
عدى الحكم إليه عنده وقد حصل في هذه الصورة ما ذكرناه وعن الثاني: أن الرخصة في التيمم غير معقولة. المعنى لهذا لم يعد الحكم بخلاف ما ذكرناه
الثاني: لا يجوز استعمال ما يزلج من النجاسة كالحديد الصقيل والزجاج واللحم الرخو وأشباه ذلك ولا يجزي لعدم المعنى المقصود منه وهو الإزالة
وكذا التراب لأنه يقع بعضه على المحل وقد صار نجسا فيحصل في المحل نجاسة أجنبية وهو أحد قولي الشافعي وفي الآخر يجوز لقوله (عليه السلام) أو ثلاث
حشيات من تراب. {الوصف الثالث} أن يكون طاهرا فلا يجوز الاستجمار بالحجر النجس وهو قول علمائنا أجمع واختيار الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة يجزيه.
لنا: ما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أتاه ابن مسعود بحجرين وروثة يستنجي بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال هذا رجس
يعني نجس وفي حديث آخر أنها ركس وهذا تعليل منه (ع) ومن طريق الخاصة ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و
هذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أنها موافقة للمذهب ولأنه إزالة النجاسة فلا يحصل بالنجاسة كالغسل. فروع: [الأول] لو استجمر
بالنجس لم يجزه لان المحل ينجس بنجاسة من غير المخرج فلم يجز فيها غير الماء كما لو تنجس ابتداء هذا إذا كانت نجاسته بغير الغائط ولو كانت نجاسة به
احتمل أيضا لما تقدم والاكتفاء بثلاثة غيره لان النجاسة واحدة في الجنس أما لو كثر واستعمل الطاهر منه وأزيلت النجاسة بغسل أو غيره
أو استعمل الطرف الطاهر أجزأ وكذا الاحتمال لو سهل بطنه فترششت النجاسة من الأرض إلى محل الاستجمار رخصة في تطهير المحل
من نجاسة خارجة منه لكثرتها لا من نجاسة واردة لندورها. [الثاني] الحجر النجس إذا تقادم عهده وزالت عين النجاسة عنه لا يجوز
استعماله لنجاسته أما لو كانت النجاسة مائعة كالبول فزالت عنها بالشمس جاز استعماله لطهارته ولو زالت بغيرها لم يجز لبقاء نجاسته. [الثالث]
لو استجمر بحجر ثم غسله أو كسر ما نجس منه جاز الاستجمار به ثانيا لأنه حجر يجزي غيره الاستجمار فأجزأه كغيره ويحتمل على قول الشيخ عدم الاجزاء
محافظة على صورة لفظ العدد وفيه بعد [الرابع] لو استجمر بالآجر صح سواء كان الطين نجسا أو لا لأنه بالطبخ يطهر ومنعت الشافعية من الاستجمار
بالآجر إذا عمل بالسرجين إلا بعد أن يغسل ويجف. {الوصف الرابع} أن لا يكون عظما ولا روثا ولا مطعوما وهو قول علمائنا والشافعي و
إسحاق والثوري خلافا لأبي حنيفة فإنه أجاز الاستنجاء بالعظم والروث وشرط مالك طهارتهما. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن مسعود قال قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن وروى الدارقطني أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى أن يستنجى
بروث أو عظم وقال إنهما لا يطهران وروى أبو داود عنه أنه قال لرويفع بن ثابت أن أخبر الناس أنه من استنجى برجيع أو عظم فهو برئ من محمد
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن ليث المرادي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو الشعر أو العود قال: أما العظام والروث فطعام
الجن وذلك مما شرطوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال لا يصلح بشئ من ذلك وإن كانت ضعيفة السند إلا أن الأصحاب تلقوها
بالقبول ويؤيدها الروايات الصحيحة الدالة على الأحجار مقتضاها الاقتصار إلا أنه صير إلى غيرها من المزيلات لدليل فبقي الباقي على المنع وأما
الطعام فالنهي متناول له من طريق التنبيه لان النهي معلل في الروث بكونه زاد الجن فزادنا أولى. فرع: لو استنجى بالعظم أو بالروث
أو بالطعام قال الشيخ لا يجزيه وبه قال الشافعي خلافا لأبي حنيفة. لنا: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: انهما لا يطهران وأيضا المنع من الدخول
في الصلاة حكم شرعي فيستصحب حتى يقوم دليل شرعي على زواله واستدل الشيخ رحمه الله بأنه منهي عنه والنهي يدل على الفاسد وفي الكبرى كلام والأقرب
الطهارة لان التقدير زوال عين النجاسة فحصلت الطهارة كالحجر والنهي وإن اقتضى التحريم فإنه لا ينافي الطهارة كالماء المغصوب والحجر المغصوب وكالنهي عن
الاستنجاء باليمين مع حصول الطهارة لا يقال الاستجمار رخصة لموضع المشقة فإذا كان ما تعلقت به الرخصة معصية لم يجز كسفر المعصية لأنا نقول الفرق
ظاهر فإن شرط الرخصة هناك منتف ومنتقض بالحجر المغصوب. {الوصف الخامس} أن لا يكون ممن له حرمة كتربة الحسين وحجر زمزم وكتب الأحاديث وورق
المصحف العزيز وكتب الفقه لان فيه هتكا للشريعة واستخفافا لحرمتها فهو في الحرمة أعظم من الروث والورق ولو استنجا به لم يجز يه عند الشيخ لما قلناه أولا والأجود
الاجزاء لما تقدم. {الوصف السادس} أن يكون جافا فإن الرطوبة تنشر إلى النجاسة فيزداد النجاسة. [الخامس] لو استنجى بالخرقة لم يجز قلبها والاستنجاء
بالوجه الآخر إلا أن يكون صفيقة تمنع نفوذ أجزاء النجاسة إلى الجانب الآخر فحينئذ ينبغي القول بالجواز والأليق بمذهب القائلين بعدم الاكتفاء بالحجر ذي الشعب
الثلاث عدم الاكتفاء ها هنا ولو كانت طويلة فاستعمل طرفها جاز استعمال الطرف الآخر على قولنا وعلى
المانعين من الحجر يجوز بعد القطع. [السادس] يجوز الاستجمار
بالصوف والشعر ومنع الشافعية والحنابلة من كل متصل بالحيوان كذنبه والصوف على ظهره. لنا: أنه مزيل فأجزأ كالحجر والخشب ولو انفصل الجزء جاز الاستجمار
46

به إن كان طاهرا وإلا فلا ويجوز بالجلد المذكى وإن لم يكن مدبوغا لأنه طاهر وهو أحد قولي الشافعي ومنع في الآخر لأنه لا يحصل منه الانقاء ليبوسته
والجواب: المنع من عدم الانقاء فإن البحث معه لا يقال إنه مأكول لأنا نقول إنه لا يؤكل في العادة فلا يقصد بالأكل أما الجلد الميت فلا يجوز وإن دبغ لبقاء
نجاسته خلافا للجمهور. [السابع] محل الاستجمار بعد استعمال الأحجار المزيلة للعين طاهر خلافا للشافعي وأبي حنيفة واتفق الجميع على أن أثر النجاسة بعد
الاستنجاء وزوال العين معفو. لنا: قوله (عليه السلام) عن العظم والروث فإنهما لا يطهران وإن دل من حيث المفهوم إن غيرهما مطهر ولان الصحابة كانوا يستعملون
الاستجمار كثيرا حتى أن بعضهم أنكر الماء وقال آخرون إنه بدعة مع سخونة بلادهم وعدم انفكاك أبدانهم من العرق ولم ينقل عنهم الاحتراز منه ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا صلاة إلا بطهور ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار يدل بالمفهوم على أنها من الطهور. [الثامن]
كيف حصل الانقاء بالاستنجاء أجزأ سواء وزع الثلاثة على أجزاء المحل أو جعل الثلاثة متواردة على جميع المحل وهو قول الشيخ في المبسوط بحصول امتثال الامر بالاستنجاء
على التقديرين ومنع بعض الفقهاء من ذلك لأنه يكون تلفيقا فيكون بمنزلة صحة؟ واحدة ولا يكون تكرارا وهو ضعيف لأنا لو خلينا والأصل لاجتزأنا بالواحدة
المزيلة لكن لما دل النص على العدد وجب اعتباره وقد حصل ها هنا والفرق بين الواحد والمتعدد كون الواحد المنتقل إلى الجزء الثاني من المحل يكون نجسا
بمروره على الجزء الأول أما المتكثر ففي الجزء الثاني يكون بكرا ومع هذا الفرق لا يتم القياس. [التاسع] لا يجب الاستنجاء في مخرج الغائط إلا مع خروج نجاسة
منه كالغائط والدم أما الدود والحصى والحقنة الطاهرة والشعر رطبا ويابسا فلا يتعلق به الحكم خلافا للجمهور لان الرطوبات طاهرة ما عدا ما عددناه
والطاهر لا يجب إزالته أما لو خرج مع هذه الأشياء شئ من أجزاء النجاسة تعلق به الحكم وكذا لو احتقن بنجاسة ثم خرجت لأنها بالملاقاة نجست المحل و
هل يكون حكمها حكم الغائط في الاجتزاء بالأحجار الأقرب المنع. [العاشر] ليس على النائم ولا على من خرج منه ريح استنجاء، وهو مذهب علماء الاسلام، وروى
الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من استنجا من ريح فليس منا، ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: رأيت أبا
الحسن (عليه السلام) يستيقظ من نومه يتوضأ ولا يستنجي وقال كالمتعجب من رجل سماه بلغني أنه إذا خرجت منه ريح استنجى، وروى عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن الرجل
يكون منه الريح أعليه أن يستنجي؟ قال: لا. [الحادي عشر] الواجب في الاستنجاء إزالة النجاسة عن الظاهر ومذهب أكثر أهل العلم، وروى عنه محمد أنه قال: ما لم يدخل إصبعه
لا يكون نظيفا وهذا شاذ. لنا: الاكتفاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) بالاستجمار ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا (ع)
قال سمعته يقول في الاستنجاء: يغسل ما ظهر على الشرع ولا يدخل فيه الأنملة ولأنه بإدخال الإصبع لا يحصل النقاء فيجب عليه تكرير الاستنجاء لان كل خارج عندهم
موجب للاستنجاء وإن خلا من النجاسة ولأنه ضرر فيكون خفيفا. [الثاني عشر] لو انسد المخرج المعتاد وانفتح آخر هل يجزي الاستجمار أم لا فيه تردد ينشأ من
صرف الاستنجاء الغالب إلى المكان المخصوص وأيضا فهو نادر بالنسبة إلى سائر الناس فلا يثبت فيه أحكام الفرج فإنه لا ينقض الوضوء ولا يجب بالايلاج فيه تمام مهر؟
ولا حد ولا غسل فأشبه سائر البدن ولان المأخوذ في إزالة النجاسة استعمال الماء وجوزنا الأحجار رخصة فيقصر على موضعه الذي ثبت عمل الرسول صلى الله عليه وآله
والصحابة عليه وهو أحد وجهي الشافعي، والثاني: الجواز لان الخارج من جنس المعتاد وهو على هذا ولو بال الخنثى المشكل من آخر الفرجين كان حكمه حكم الخارج من الفرج
[الثالث عشر] لا يفتقر مع استعمال الماء إلى تراب وهو قول أهل العلم لما ثبت من إجتزاء النبي (صلى الله عليه وآله). [الرابع عشر] روى عمار الساباطي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أراد أن يستنجي بدأ بالمقعدة ثم بالإحليل ويمكن أن يكون الوجه في ذلك افتقار البول إلى المسح من المقعدة وقبل غسلها لا
ينفك اليد عن النجاسة وبعض الجمهور عكس الحكم لئلا يتلوث يده إذا شرع في الدبر لان قبله بارز يصيبه إذا مدها إلى الدبر والوجهان عندي سائغان فإن
عمار لا يوثق بما تنفرد به. [الخامس عشر] الاستجمار إنما يكون في المعتاد كالغائط أما النادر كالدم فلا بد فيه من الماء وغيرهما عندنا طاهر لا يجب فيه استنجاء
بحجر ولا ماء وللشافعي قول في النادر أنه يجزي فيه الاستجمار. لنا: أن الرخصة في المعتاد شرعت مع الكثرة لحصول المشقة بالاقتصار على الماء وهذا المعنى منتف في
النادر. [السادس عشر] شرط الشافعية في الاستجمار أن لا يقوم المتغوط عن المحل لأنه بقيامه تنتقل النجاسة من مكان إلى آخر وهو جيد على أصلنا وشرطوا
أيضا بقاء الرطوبة في النجاسة لان الحجر لا يزيل النجاسة الجامدة. [البحث الثالث] في السواك وآداب الوضوء والحمام وما يتبع ذلك. مسألة:
مذهب علمائنا أن السواك مندوب إليه غير واجب وهو مذهب أكثر الجمهور خلافا لإسحاق وداد حيث أوجباه. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة وهو متفق عليه وذلك يدل على عدم الوجوب لا يقال هذا يدل على غير مطلوبكم لأنه يدل على
أنه غير مأمور به وهو عندكم مندوب لأنا نقول لا منافاة لوجهين، أحدهما: أن الامر للوجوب فلا يكون المندوب مأمورا به. الثاني: يخصص هذا الحديث
بأمر الايجاب دون الاستحباب لاتفاق الناس على نقله وأعلم أن هذا الحديث كما يدل على عدم الوجوب ففيه دلالة من حيث المفهوم على الندبية ويدل
عليها أيضا ما رواه الجمهور عنه (ع) أنه قال: السواك مطهر للفم ومرضاة للرب ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى خفت أن أحفى أو أدرد. وروي عن الصادق (ع) قال نزل جبرئيل بالسواك والحجامة والخلال. وعنه (ع): أربع سنن المرسلين
التعطر والسواك والنساء والخلاء. وعن أمير المؤمنين (ع) قال: إن أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك. وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام)
يا علي عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة. وقال (عليه السلام): السواك شرط الوضوء. وروري عن النبي (صلى الله عليه وآله): لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك
47

عند وضوء كل وروى ابن يعقوب عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك.
وروي في الصحيح عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من سنن المرسلين السواك. وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى
الله عليه وآله) ما زال جبرئيل (ع) يوصيني بالسواك حتى خفت أن أدرد. فروع: [الأول] أشد أوقات الاستحباب في ثلاثة مواضع عند الصلاة لقوله
(عليه السلام): لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة رواه ابن يعقوب في كتابه عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وعند الوضوء لما رواه
ابن بابويه في كتابه لأمرتهم عند وضوء كل صلاة، ولما رواه ابن يعقوب عن المعلى بن خنيس قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السواك بعد الوضوء؟ قال:
الاستياك قبل أن يتوضأ وعند السحر. لما رواه ابن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قمت بالليل فامسك فإن الملك ك يأتيك فيضع فاه على فيك فليس
من حرف يتلوه ويتنطق به إلا صعد إلى السماء فليكن فوك طيب الريح. [الثاني] يكره السواك في الخلاء لما رواه ابن بابويه في كتابه عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: السواك
في الخلاء يورث البخر ويكره أيضا في الحمام قال لأنه يورث وباء الأسنان. [الثالث] يجوز السواك للصائم نهارا بالرطب واليابس سواء كان
أول النهار أو آخره لعموم الامر به وقال الشافعي: يكره للصائم بعد الزوال وهو ضعيف للعموم ولما رواه الجمهور عنه (عليه السلام) أنه قال: خير خلال الصائم
السواك والذي اخترناه قول علي (عليه السلام) وبه قال ابن عباس وعائشة وابن سيرين وعروة وأصحاب الرأي وقال عطا وأبو ثور ومجاهد وإسحاق بقول الشافعي
وهو قول عمر وعن أحمد روايتان وقال مالك إن كان الصوم فرضا كره السواك وإن كان نفلا استحب لاستحباب إخفاء النوافل وبترك السواك يظهر صومه ولا
بأس بالسواك للمحرم للعموم. [الرابع] يستحب أن يكون آلة السواك عودا لينا ينقي الفم ولا يجرحه ولا يضره ولا يتفتت كالأراك لما روى ابن بابويه في كتابه
أن الكعبة شكت إلى الله تعالى ما يلقى من أنفاس المشركين فأوحى الله تبارك وتعالى إليها قري كعبة فإني مبدل لك بهم قوما يتنظفون بقضبان الشجر فلما بعث الله
عز وجل نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) نزل جبرئيل بالسواك فإن لم يوجد استاك بيده قال علماؤنا وأحمد خلافا للشافعي لما رواه الشيخ عن السكوني عن
جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: التسويك بالابهام والمسبحة عند الوضوء سواك وروى ابن يعقوب عن أبي جعفر (ع)
قال: أدنى السواك أن تدلكها بإصبعك. [الخامس] يستحب أن لا يترك السواك أكثر من ثلاثة أيام لقوله (عليه السلام): يا علي عليك بالسواك عند وضوء كل
صلاة والتقدير مستفاد من رواية ابن بابويه وابن يعقوب في كتابيهما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في السواك: لا تدعه في كل ثلاثة أيام ولو أن تمره مرة واحدة.
[السادس] في السواك اثنتي عشرة فائدة رواها ابن بابويه عن الصادق (ع) قال: هو من السنة، ومطهرة للفم، ومجلاة للبصر، ومرضى الرحمن، وتبيض الأسنان، ويذهب
بالحفر، ويشد اللثة ويشتهي الطعام، ويذهب بالبلغم، ويزيد في الحفظ، ويضاعف الحسنات، ويفرح به الملائكة وروي أيضا أنه أحد الحنفية العشرة وهي خمس في الرأس
هي: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، والفرق لمن طول شعر رأسه ومن لم يفرق شعره فرقه الله يوم القيامة بمنشار من النار وخمس في البدن
وهي: الاستنجاء، والختان، وحلق العانة، وقص الأظافير، ونتف الأبطين. [السابع يستحب أن يستاك عرضا وإن يبدء بجانبه الأيمن لان النبي (صلى
الله عليه وآله) كان يحب التيامن في كل شئ. [الثامن] اختلف في السواك هل هو من سنن الوضوء أم لا؟ فقيل: إنه من سننه لأنه نوع من النظافة
يؤمر به المتوضئ وقيل: إنه سنة مقصودة في نفسه لأنه يؤمر به غير المتطهر كالحائض والنفساء كما يؤمر به المتطهر وتظهر الفائدة فيما لو نذر الاتيان بسنة الوضوء.
[التاسع] يستحب وضع الاناء عن اليمين والاغتراف بها إن كانت الآنية التي يغترف منها باليد لما رواه الجمهور عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان يحب التيمن في فعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه حكى لنا
وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعى بقدح من ماء فأدخل يده اليمنى فأخذ كف من ماء فاستدلاها على وجهه ولأنه أمكن في الاستعمال. [العاشر]
ويستحب غسل اليدين قبل إدخالهما الاناء من النوم وهو مذهب علمائنا وبه قال عطا ومالك والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي وقال أحمد به
في نوم النهار وأصح الروايتين عنه وجوب غسلهما من نوم الليل وهو مذهب ابن عمر وأبي هريرة والحسن البصري إلا أن حسن البصري أوجب غسلهما من نوم
النهار أيضا لقوله تعالى: (وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) عقب القيام إلى الصلاة بغسل الوجه وقال المفسرون المراد إذا قمتم من النوم و
ليس في الآية دلالة على غسل اليدين فيحصل الاكتفاء بالمأمور به وإلا لم يبق الامر دالا على الاجزاء وأيضا ما رواه الشيخ عن سماعة قال سألته
عن رجل يمس الطست أو الركوة ثم يدخل يده في الاناء قبل أن يفرغ كفيه قال: تهريق من الماء ثلاث حفنات وإن لم يفعل فلا بأس. والطريق وإن كان ضعيفا
إلا أنه مؤيدة بالأصل وعمل الأصحاب وروي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه قدره فليهرقه
وإن لم يصبها قدره فليغتسل منه هذا مما قال الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وفي طريقها محمد بن سنان وفيه قول. وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته عن الرجل يبول ولم يمس يده اليمنى شيئا أيغمسها في الماء؟ قال: نعم، وإن كان جنبا وأيضا وهو قائم من النوم فأشبه قيامه
من نوم النهار. احتج أحمد بقوله (عليه السلام): إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلها الاناء ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده. والجواب:
أن التعليل يشعر بأن الامر للاستحباب فإن طريان الشك على يقين الطهارة لا يؤثر فيها كما في الشك في الحدث مع يقين الطهارة ويدل على الاستحباب
أنها يدخل الاناء وينقل الماء إلى الأعضاء ففي غسلها احتراز بجميع أعضاء الوضوء وما رواه الجمهور من أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يفعله ومن طريق
48

الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن عبيد الله الحلبي قال سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلهما في الاناء؟ قال: واحدة من حدث البول
واثنتان من الغائط ومن الجنابة ثلاثا. وما رواه حريز عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يغسل الرجل يده من
النوم مرة ومن ا لغائط والبول مرتين ومن الجنابة
ثلاثا واختلاف الأحاديث دال على الاستحباب وغير قادح فيه لا يقال إنه أمر وهو يدل على الوجوب وبه احتج الموجبون وأيضا روى الشيخ عن عبد الكريم بن
عتبة الكوفي الهاشمي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبول ولم يمس يده اليمنى بشئ أيدخلها في وضوئه قبل أن يغسلها قال لا حتى يغسلها
قلت فإنه استيقظ من نومه ولم يبل أيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال: لا لأنه لا يدري حيث كانت يده فليغسلها لأنا نجيب عن الأول بأن
الامر وإن كان في الأصل للوجوب إلا أنه قد يستعمل كثيرا في الندب وقد دللنا على الاستحباب فيحمل عليه وعن الثاني: بذلك أيضا والنهي لا يدل
على التحريم في كل صورة خصوصا مع قيام الدليل الدال على المصير إلى خلافه. فروع: [الأول] لو لم يغسل يده وغمسها في الماء لم يؤثر في
تنجيسه قليلا كان أو كثيرا وعند القائلين بالوجوب كذلك أيضا لان طهورية الماء كانت بيقين والغمس المحرم لا يقتضي زوالها لأنه لو زال لكان
مستندا إلى وهم النجاسة والوهم لا يزيل اليقين لان اليقين لا يزول بالشك فبالوهم أولى وقال الحسن يجب إهراق الماء وقال أحمد أحب إلي أن يهريق
الماء وليس بشئ. [الثاني] لم يحد الأصحاب اليد ها هنا والأولى أن المراد منها العضو من الكرع لأنه هو الواجب في مسح التيمم ولان الغمس لها قد
يحصل الاكتفاء ببعض المغموس لقوله فلا يدخل يده قبل أن يغسلها ولا يستحب الزيادة لان اليد من المرفق هو الواجب للوضوء ولأنه غير مغموس. [الثالث]
غمس بعضها في المنع الاستحساني كغمس جميعها لا نه مفهوم من قوله لأنه لا يدري حيث كانت يده وقال الحسن: لا يمنع لان النهي يتناول غمس الجميع ولا يلزم
من كون الشئ محكوما عليه لشئ كون بعضه كذلك وهو ضعيف لما قلناه من المفهوم ونحن لم نقل بالملازمة بين الحكم على الجميع والبعض. [الرابع]
غمسها بعد غسلها ذوي (دون ظ) الثلاث في الجنابة والمرتين في الغائط كغمسها قبل الغسل لان النهي باق لا يزول حتى يغسلها كمال العدد. [الخامس] لا فرق بين أن يكون
يد النائم مشدودة أو مطلقة أو في جور ب أو كون النائم عليه سراويله أو لم يكن عملا بالعموم وأيضا الحكم المعلق على المظنة لا يعتبر فيه حقيقة الحكم كالمشقة
في السفر وكالاستبراء للرحم في العدة فإنه واجب في حق الصغيرة واليائسة وأيضا الغسل تعبد لا باعتبار النجاسة ولهذا فإن القائلين بالوجوب معترفون
بطهارة اليد قبل الغسل وأيضا احتمال النجاسة لا ينحصر في مس الفرج فقد يكون في البدن بثرة أو دمل أو يلاقي يده نجاسة خارجة أو يكون نجسة قبل
نومه فينساها لطول نومه. [السادس] هذا الحكم يتعلق بالمسلم البالغ العاقل لان المراد تطهيرها حكما فلا يحصل إلا فيمن ذكرناه. [السابع]
لم يقدر أصحابنا النوم هنا بقدر والظاهر أن المراد منه الناقض لأنه مفهوم من قوله لأنه لا يدري أين باتت يده وقال بعض الفقهاء من
الجمهور هو ما زاد على نصف الليل قال: لأنه لا يكون بايتا بالنصف فإن من خرج من جميع (النوم) قبل نصف الليل لا يكون بايتا ويجب الدم وهو ضعيف
لأنه لو جاء بعد الانتصاف المزدلفة فإنه يكون بايتا بها إجماعا ولا دم وقد بات دون النصف. [الثامن] لا يقتصر إلى نية في غسل اليدين لأنه معلل
بوهم النجاسة ومع تحققها لا يجب النية فمع توهمها أولى ولأنه قد فعل المأمور به وهو الغسل فيحصل الاجزاء والقائلون بالوجوب أوجبوا النية
في أحد الوجهين. [التاسع] لا يفتقر إلى تسمية وقال بعض الجمهور يفتقر قياسا على الوضوء نحن نمنع الحكم في الأصل لما يأتي ويظهر الفرق بأن الوضوء
آكد وهو في أربعة أعضاء وأيضا فإن شرط القياس حصول العلة المتوقف على معقولية المعنى وهو غير معقول هنا. [العاشر] المستحب عندنا غسل
اليدين من حدث البول مرة واحدة ومن الغائط مرتين ومن الجنابة ثلاثا لان تفاوت الاحداث يناب تفاوت الغسل والجمهور استحب غسلها من حدث
النوم ثلاثا خاصة. لنا: ما تقدم في حديثي الحلبي وحديث حريز عن الباقر (عليه السلام) وقد تقدما احتجوا بما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا استيقظ أحدكم من منامه
فلا يغمس من يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده الجواب: أن أصحاب ابن مسعود أنكروا على أبي هريرة هذا وقالوا كيف يصنع بالمهراس.
[الحادي عشر] لو تعددت الاحداث فالأولى التداخل سواء اتحد الجنس أو اختلف. [الثاني عشر] الوجه اختصاص التعبد بذلك بالماء القليل
فلو كانت الآنية يسع الكر لم يستحب وكذا لو غمس يده في نهر جار والأقرب أن غسل اليدين تعبد محض فلو نقض طهارة يده استحب له غسلها قبل الادخال
ولو لم يرد الطهارة ففي استحباب غسلها إشكال يقر به ذلك لعموم الامر بالغسل لمريد الغمس وكذا يستحب غسلها لمن قام من النوم ولمن لم يقم وهو أوهم على
يده نجاسة أو لا وهل غسلها من سنن الوضوء فيه احتمال من حيث الامر به عند الوضوء ومن حيث أن الامر به لتوهم النجاسة لقوله: فإنه لا يدري
أين باتت يده فيكون من جملة السنن. مسألة: ويستحب التسمية في ابتداء الطهارة وهو مذهب عامة العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد
وفي الأخرى أنها واجبة وبه قال إسحاق بن راهويه. لنا: قوله تعالى: (فاغسلوا) عقب القيام بالغسل فانتفت الواسطة بين إرادة الصلاة والغسل
وما رواه الجمهور أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من توضى فذكر اسم الله عليه كان طهورا لجميع بدنه ومن صام ولم يذكر اسم الله عليه كان طهورا لأعضاء وضوئه
ومعنى ذلك الطهارة من الذنوب لان رفع الحدث لا ينقض وذلك يدل على أن التسمية موضع الفضيلة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) حكاية وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يذكر فيه التسمية ولو كانت واجبة لوجب ذكرها وما رواه في الصحيح عن ابن
أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله وإذا لم تسم لم يطهر عن جسدك إلا ما مر عليه
49

الماء ولو كانت شرطا لكان الاخلال بها مبطلا فلا يحصل طهارة شئ من الأعضاء وأيضا روي في الصحيح عن عيص بن القسم عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: من ذكر اسم الله تعالى على وضوء فكأنما اغتسل. وذلك يدل على تأكد الاستحباب فإن المشبه به غير واجب فلا يكون الطريق إليه واجبا لا يقال يعارض
هذا ما رواه الشيخ في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رجلا توضأ وصلى فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أعد صلاتك
ووضوءك ففعل وتوضى وصلى فقال له النبي صلى الله عليه وآله أعد وضوؤك وصلاتك ففعل وتوضى وصلى فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) أعد وضوءك
وصلواتك فأتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فشكا ذلك إليه فقال: هل سميت حيث توضأت قال لا، قال: يتم على وضوءك فسمى فأتى النبي (صلى الله عليه
وآله) فلم يأمر أن يعيد الوضوء وبما استدل به أهل الظاهر من قول النبي (صلى الله عليه وآله) لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه لأنا نجيب عن الأول:
بأنه يحتمل أن يكون المراد بالتسمية النية إطلاقا لاسم الجزء على الكل وذلك باب مستعمل في المجاز يجب المصير إليه عند وجود الاجماع على امتناع الحمل
على الحقيقة، وعن الثاني: بذلك أيضا على أن أحمد قال: ليس ثبت في هذا حديث ولا أعلم فيه حديثا له إسناد جيد. وقال الحسن بن محمد: ضعف أبو عبد الله
الحديث في التسمية فإن رجاله مجهولون ولو سلم فالمراد نفي الكمال كقوله (ع): لا صلاة للجار المسجد إلا في المسجد جمعا بين الأدلة. فروع [الأول]
لو تركها عمدا أو سهوا لم تبطل طهارته وهو ظاهر على قولنا أما القائلون بالوجوب فقالوا إن تركها عمدا بطلت طهارته ولأنه ترك واجبا في الطهارة
فأشبه ما لو ترك النية وهو ضعيف فإن الأصل الصحة وقياسهم مقلوب فإنا نقول فلا يشرط فيه العمد كالنية وهم قد اشترطوه فإن أحمد قال: لو تركها ناسيا
أرجو أن لا يكون عليه شيئا وهذا النوع من القلب يسمى قلبا لابطال مذهب المستدل بالالزام. [الثاني] لو فعلها خلال الطهارة لم يكن قد أتى
بالمستحب لقوله (ع): " إذا وضعت يدك في الماء فقل " وإن كان قد أتى بمستحب واختلف القائلون بالوجوب في الاعتداد بذلك فقال بعضهم به لأنه قد ذكر
اسم الله على وضوئه، وقال بعضهم: لو تركها سهوا لا يسقط التكليف بها وهو ضعيف لقوله (عليه السلام): " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان. [الثالث] كيفيتها، ما
رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا وضعت يدك في الماء فقل " بسم الله وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين
فإذا فرغت فقل: " الحمد لله رب العالمين " وروي في الضعيف عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أمير المؤمنين: " بسم الله والحمد لله الذي جعل
الماء طهورا ولم يجعله نجسا ". وروي عن محمد بن يعقوب في الحسن عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: فإذا توضأت فقل: " أهد أن لا
إله إلا الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين والحمد لله رب العالمين ". مسألة: قال علماؤنا المضمضة والاستنشاق مستحبان غير
واجبين في الطهارتين وبه قال مالك والشافعي والحسن وقتادة وربيعة ويحيى الأنصاري والليث والأوزاعي وقال أحمد: إنهما واجبان
في الطهارتين. وبه قال إسحاق وابن أبي ليلى، وروي عنه رواية أخرى أن الواجب هو الاستنشاق فيهما وهو قول أبي ثور وداود، وروي عنه أيضا أن
المضمضة والاستنشاق واجبان في الكبرى مستحبان في الصغرى وهو قول أبي حنيفة. لنا: قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) ولم يجعل فاصلا بين إرادة
القيام وغسل الوجه وذلك يقتضي الاجزاء بالمأمور به وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال: عشر من الفطرة وذكر فيها المضمضة والاستنشاق والفطرة
سنة و ذ كره لها من الفطرة يدل على مخالفتها لسائر الوضوء ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المضمضة
والاستنشاق ليسا من الوضوء أي ليسا من فرائضه وأما ما رواه في الحسن عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عنهما فقال: هما من الوضوء فإن نسيتهما فلا
تعدوا هذا الخبر يدل على صحة ما ذكرناه من التأويل وما رواه عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس عليك استنشاق ولا مضمضة لأنها
من الخوف وما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما رواه زرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام) قال: ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنة إنما عليك أن تغسل ما ظهر وأقول ويريد بالسنة المنفية السنة التي لا يجوز تركها ويدل عليه
مفهوم قوله: إنما عليك أن تغسل ما ظهر فإن " على " دالة على الايجاب، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في صفة وضوء
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يذكر المضمضة والاستنشاق لما كان فعله بيانا فلو كانا واجبين لاستحال منه الاخلال بهما وما رواه
الشيخ في الحسن عن زرارة قال قال أبو جعفر (عليه السلام): قد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات واحدة للوجه واثنتان للذراعين فلو كانا واجبين لما
حصل الاجزاء وروى محمد بن يعقوب في كتابه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن المضمضة والاستنشاق، قال: ليس لهما من وضوئهما
من الجوف وهذا التعليل يشعر بأنهما ليسا واجبين في غسل الجنابة ويدل عليه من حيث المنطوق ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان قال قال
أبو عبد الله (ع): لا تجنب الانف والفم لأنهما سائلان. وفي طريقهما موسى بن سعدان وهو ضعيف في الحديث إلا أن الأصحاب تلقته بالقبول وروى
الشيخ عن الحسن بن راشد قال قال الفقيه العسكري (عليه السلام): ليس في الغسل ولا في الوضوء مضمضة ولا استنشاق أي ليسا بواجبين فيهما. لما رواه الشيخ
عن أبي بصير قال سألت أبي عبد الله (عليه السلام) عن غسل الجنابة قال: تصب على يديك الماء فتغسل كفيك ثم تدخل يدك فتغسل فرجك ثم تمضمض و
تنشف لا يقال الامر يقتضي الوجوب لأنا نقول قد بينا انتفاء الوجوب ويدل على انتفائه ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن غسل الجنابة فقال: تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك وتبول إن قدرت على البول ثم تدخل يدك في الاناء ثم اغسل ما
50

أصابك منه ثم أفض على رأسك وجسدك ولا وضوء فيه فلو كان واجبين لوجب ذكرهما عقيب السؤال وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة
وذلك باطل اتفاقا وأيضا الانف والفم باطنان فلا يجب غسلهما كباطن اللحية وباطن العين ولان الوجه ما يحصل به المواجهة ولا يحصل المواجهة
بها ولان غسل الجنابة واجب فلا يجب فيه المضمضة والاستنشاق قياسا على غسل الميت واحتج المخالف بما رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه
وآله) أنه جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة. وما رواه أبو هريرة أيضا أنه (عليه السلام) قال: تصل كل شعرة جنابة قبلوا الشعر وألقوا البشرة
وباطن الفم بشرة وداخل الانف شعر فيجب سلبه قال أبو حنيفة لأنهما عضوان باطنان من وجه ظاهران من وجه
فأعطيناهما حكم الباطن في الوضوء
وحكم الظاهر في الجنابة وقال أحمد: إنهما ظاهران لان الصائم لا يفطر بوضع الطعام فيهما ولا ينشر حرمة الرضاع بوصول اللبن إليهما ولا
يجب الحد بترك الخمر فيهما فيجب غسلهما والجواب عن الحديث الأول أنه قد ضعفه العلماء قالوا إن راويه بركة الحلبي وهو غير معروف وأيضا فإنه
على خلاف مطلوبهم فإنه أوجب الثلاث وهم لا يقولون به وأيضا فإنه حكاية قول أبي هريرة فلعله توهم ما ليس بفرض فرضا فلا يبقى حجة مع وجود
المنافي وأيضا فالفرض في اللغة التقدير فيحمل عليه ويدخل فيه الواجب والندب وعن الحديث الثاني أن رواية الحرث بن وحبة وقد ضعفه البخاري
قال يحيى بن معين حديث الحرث بن وحبة ليس بشئ وأيضا يحتمل أنه أراد بالشعر ما ظهر وكذا في البشرة على أنه قد قيل إن البشرة اسم لظاهر البدن دون باطنه
وعن كلام أبي حنيفة بالمنع من كونهما ظاهرين ثم بالمطالبة بوجه التخصيص وينتقض ما ذكر أحمد جميعه بالعين وبالمنع من التعليل في الاحكام التي ذكرها
ظاهرين بكونهما باطنين. فروع [الأول] المضمضة إدارة الماء في الفم والاستنشاق اجتذابه في الانف ويستحب إدارة الماء في جميع الفم
للمبالغة وكذا في الانف. [الثاني] لو أدار الماء في فمه ثم ابتلعه فقد امتثل لان المقصود به قد حصل وهو قول الحنابلة القائلين بالوجوب وقول
بعض الحنفية وقال بعضهم لا يجزيه نقله شارح الحاوي وليس بشئ. [الثالث] يستحب فيهما الدعاء لما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في صفة وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم تمضمض وقال " اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك " ثم استنشق فقال: " اللهم
لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها ". ورواه أيضا ابن بابويه عنه (عليه السلام). [الرابع] يستحب أن يتمضمض ويستنشق
بيناه وقال بعض الجمهور والتمضمض باليمين والاستنشاق باليسار. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يحب التيمن في
طهوره وشأنه كله. [الخامس] يستحب الترتيب فيهما وتقديمهما على الوضوء متابعة لفعل أمير المؤمنين (ع) والمبالغة فيهما أما في المضمضة فبأن
يدخل الماء في الفم ويديره على جميع جوانب فمه ويوصله إلى طرف حلقه ويمره على أسنانه ولسانه ثم تمحوه وفي الاستنشاق يدخل الماء في الانف ويأخذه النفس
حتى يصل إلى خياشيمه ثم يدخل إصبعه فيه فيزيل ما في الانف من الدرن ثم يستنشر مثل ما يفعله المتمخط إلى الصائم فإنه لا ينبغي له المبالغة لقوله (ع)
بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ولأنه ربما وصل إلى الجوف والدماغ. [السادس] المستحب فيهما أن يمضمض ثلاثا كملا ثم يستنشق ثلاثا إما
بكف واحدة أو بأكثر وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي المستحب أن يأخذ كفا من الماء فتمضمض ببعضها ويستنشق بالبعض ثم يفعل ثانيا وثالثا كذلك. لنا: ما
رواه الجمهور عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه فصل بين المضمضة والاستنشاق. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
عن صفة وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه تمضمض ثم استنشق وثم للترتيب ولأنه أذكى في التطهير فأشبه بأعضاء الطهارة حيث ينتقل إلى الثاني
بعد إكمال الأول احتج الشافعي بما رواه عبد الله بن زيد أن النبي (صلى الله عليه وآله) تمضمض واستنشق بكف واحد والجواب أنه محمول على أنه استعمل فيهما كفا
واحدا. مسألة: يستحب الدعاء عند غسل الأعضاء لما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في صفة وضوء أمير المؤمنين (ع)
ثم غسل وجهه فقال: " اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه " ثم غسل يده اليمنى فقال: " اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد
في الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا " ثم غسل يده اليسرى فقال: " اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران "
ثم مسح رأسه فقال: " الهم غشني برحمتك وبركاتك " ثم مسح رجله فقال: " اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل الاقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني ". ورواه ابن
بابويه أيضا وروي أنه يستحب أن يقول المتوضئ: " اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك والجنة ". مسألة: يستحب أن يبدأ الرجل
في غسل ذراعيه بظاهرهما والمرأة بباطنهما وهو اتفاق علمائنا لما رواه الشيخ عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: فرض
الله على النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن وفي الرجال ظاهر الذراع والمراد بالفرض هنا التقدير لا الوجوب. مسألة:
قال علمائنا: يستحب الوضوء بمد وقال أبو حنيفة: لا يجزي في الوضوء أقل منه. لنا: قوله تعالى: (فاغسلوا) ومع تحقق الامتثال بما يسمى غسلا يحصل
الاجزاء وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما الوضوء حد من حدود الله تعالى ليعلم الله تعالى من
يطيعه ومن يعصيه وإن المؤمن لا ينجسه شئ إنما يكفيه اليسير ويدل على الاستحباب ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: كان رسول
الله (صلى الله عليه وآله) يغسل بصاع من ماء ويتوضأ بمد من ماء وروي عن سليمان بن حفص المروزي قال قال أبو الحسن (عليه السلام): الغسل
بصياع من ماء والوضوء بمد من ماء وصاع النبي (صلى الله عليه وآله) خمسة أمداد والمد وزن مأتين وثمانين درهما والدرهم وزن ستة دوانيق والدانق وزن
51

ست حبات والحبة وزن حبتين من شعير من أوسط الحب لا من صغاره ولا من كباره. وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يتوضأ بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال قال الشيخ يعني أرطال المدينة فيكون تسعة أرطال بالعراقي وروى
ابن بابويه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الوضوء مد والغسل صاع وسيأتي أقوام بعدي يستقلون ذلك فأولئك على خلاف سنتي والثابت
على سنتي معي في حظيرة القدس. مسألة: يكره التمندل من الوضوء ذكره الشيخ في بعض كتبه وبه قال عبد الله بن عباس وقال في الخلاف: لا بأس به وهو
قول أكثر الفقهاء وللشافعي قولان. لنا: ما رواه ابن بابويه عن الصادق (عليه السلام) قال: من توضى وتمندل كتبت له حسنة ومن توضى ولم يتمندل
حتى يجف وضوءه كتبت له ثلاثون. احتج الشيخ بما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المسح بالمنديل قبل أن يجف؟ قال: لا بأس
به. والجواب: أنا نقول به فإن نفي البأس يفهم منه نفي التحريم وأيضا يدل على ما قلناه قول أمير المؤمنين (ع) لولده محمد لما وصف له الوضوء: يا محمد من توضأ
مثل ما توضأت وقال مثل ما قلت خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويهلله ويكبره ويكتب له ثواب ذلك ومع التمندل يزول التقاطر. مسألة:
يكره الاستعانة في الوضوء بصب الماء لما روى الحسن بن علي الوشا قال دخلت على الرضا (عليه السلام) وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة فدنوت منه
لأصب عليه فأبى ذلك وقال: مه يا حسن، فقلت له لما تنهاني أن أصب على يديك تكره أن أؤجر؟ فقال: تؤجر أنت وأوزر انا فقلت له فكيف ذلك؟ فقال: أما سمعت
الله يقول: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد. وفي طريق
هذه الرواية إبراهيم بن إسحاق الأحمر وفيه ضعف إلا أن الأصحاب عملوا بمضمونها ولان صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) اشتملا
على ترك الاستعانة ولان فيه زيادة مشقة في تحصيل أمر مطلوب شرعا فيكون فيه زيادة ثواب ومع الاستعانة تفقد ذلك القدر. مسألة: يحرم كشف العورة
في الحمام وغيره بحيث يراه غيره ويستحب دخوله بمئزر وإن لم يره غيره روى الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال: إذا تعرا أحدكم نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا. وعن حمزة بن أحمد عن أبي الحسن الأول قال سألته أو سأله غيري عن الحمام قال: ادخله بمئزر وغض
بصرك ولا تغتسل من البئر التي يجمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت (ع) وهو شرهم. وعن مسمع
عن أبي عبد الله (ع) عن أمير المؤمنين (ع) أنه نهى أن يدخل الرجل إلا بمئزر. وروي عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يغتسل الرجل بارزا؟ فقال:
إذا لم يره أحد فلا بأس. وروي في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه. وروى ابن بابويه عن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بميزر ونهى (عليه السلام) عن الغسل تحت السماء إلا بمئزر ونهى عن دخول الأنهار إلا بمئزر
وقال: إن للماء أهلا وسكانا. وروي عن حنان بن سدير عن أبيه قال دخلت أنا وأبي وجدي وعمي حماما في المدينة فإذا رجل في بيت المسلخ فقال لنا: ممن القوم
فقلنا من العراق، فقال: وأي العراق، فقلنا كوفيون، فقال: مرحبا بكم يا أهل الكوفة وأهلا أنتم الشعار دون الدثار، ثم قال: ما يمنعكم من الإزار فإن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: عورة المؤمن على المؤمن حرام، قال: فبعث عمي إلى كرباسة فشقها بأربعة ثم أخذ كل واحد منا واحدا ثم دخلنا فيها
فلما كنا في البيت الحار صمد لجدي فقال: يا كهل ما يمنعك من الخضاب؟ فقال له جدي أدركت من هو خير مني ومنك لا يخضب، فقال: ومن ذلك الذي
هو خير مني؟ قال: أدركت علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلا يختضب، فنكس رأسه ويصاب عرقا، وقال: صدقت وبررت، ثم قال: يا كهل إن خضبت فإن رسول الله
قد خضب وهو خير من علي (عليه السلام) وإن تركت فلك بعلي (عليه السلام) أسوة قال: فلما خرجنا من الحمام سألنا عن الرجل في المسلخ فإذا هو علي بن الحسين (ع)
ومعه ابنه محمد الباقر (عليه السلام). وقد اشتمل هذا الحديث على فوائد، إحداها: الأمر بالمعروف برفق، الثانية: تحريم النظر إلى عورة المؤمن، الثالثة: الامر بالخضاب،
الرابعة: جواز دخول الرجل وابنه الحمام، الخامسة: الدلالة على متابعة النبي (صلى الله عليه وآله) في أفعاله ويستحب الدعاء. وروى ابن بابويه عن محمد بن
حمران قال قال الصادق (عليه السلام): إذا دخلت الحمام فقل في الوقت الذي تنزع ثيابك " اللهم انزع عني ربعة النفاق وثبتني على الايمان " فإذا دخلت البيت
الأول فقل " اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي واستعيذ بك من أذاه " وإذا دخلت البيت الثاني: فقل " اللهم أذهب عني الرجس النجس وطهر جسدي وقلبي " وخذ من
الماء الحار وضعه على هامتك وصب منه على رجليك وإن أمكن أن تبلع منه جرعة فافعل فإنه ينقي المثانة وألبث في البيت الثاني ساعة فإذا دخلت
البيت الثالث فقل " نعوذ بالله من النار ونسأله الجنة " ترددها إلى وقت خروجك من البيت الحار وإياك وشرب الماء البارد والفقاع في الحمام
فإنه يفسد المعدة ولا تصبن عليك الماء البارد فإنه يضعف البدن وصب الماء البارد على قدميك إذا خرجت فإنه يسيل الدم من جسدك فإذا لبست ثيابك
فقل " اللهم ألبسني التقوى وجنبني الردى " فإذا فعلت ذلك أمنت من كل داء. وروي عن محمد بن مسلم أنه سأل أبا جعفر (ع) فقال: كان أمير المؤمنين (ع)
ينهى عن قراءة القرآن في الحمام فقال: لا، إنما ينهى أن يقرأ الرجل وهو عريان، فإذا كان عليه إزار فلا بأس فقال علي بن يقطين لموسى بن جعفر (عليه السلام)
أقرأ في الحمام وأنكح فيه؟ قال: لا بأس. وقد ورد ذم ومدح في الحمام قال أمير المؤمنين (عليه السلام): نعم البيت الحمام يذكر فيه النار ويذهب بالدرن، وقال
(عليه السلام): بئس البيت الحمام يهتك الستر ويذهب الحياء. وقال الصادق (عليه السلام) بئس البيت بيت الحمام يهتك الستر ويبدء العورة ونعم البيت بيت
الحمام ويذكر حر جهنم ومن الأدب أن لا يدخل الرجل ولده معه الحمام فينظر إلى عورته. وقال الصادق (ع): لا تنك؟ في الحمام فإنه يذهب شحم الكلى
52

ولا تسرح في الحمام فإنه يرفق الشعر ولا تغسل رأسك بالطين فإنه يسيح الوجه ولا تدلك بالخزف فإنه يورث البرص، ولا تمسح وجهك بالإزار فإنه
يذهب بماء الوجه، وروي أن المراد بذلك طين مصر وخزف الشام، وقال أبو الحسن موسى (عليه السلام): لا تدخل الحمام على الريق ولا تدخلوا حتى تطعموا شيئا وقال
(عليه السلام): الحمام يوم ويوم لا تكثر اللحم وإدمانه كل يوم يذيب شحم الكليتين. ودخل الصادق (عليه السلام) الحمام فقال له صاحب الحمام نخليه لك؟ فقال: لا إن المؤمن
خفيف المؤنة. وقال الصادق (عليه السلام): غسل الرأس بالخطمي في كل جمعة أمان من البرص والجنون، وقال (عليه السلام): غسل الرأس بالخطمي ينفي الفقر ويزيد في الرزق،
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): غسل الرأس بالخطمي يذهب بالدرن وينفي الأدراء إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) اغتم فأمره جبرئيل (عليه السلام) وغسل
رأسه بالسدر وكان ذلك سدرا من سدرة المنتهى. وقال أبو الحسن موسى (عليه السلام): من غسل الرأس بالسدر يجلب الرزق جلبا، وقال الصادق (عليه السلام):
اغسلوا رؤوسكم بورق السدر فإنه قدسه كل ملك مقرب وكل نبي مرسل، وخرج الحسن بن علي (عليه السلام) فقال له رجل طاب استحمامك، فقال له: يا لكع وما تضع بآلات
ها هنا؟ قال: فطاب حمامك فقال: إذا طاب الحمام فما راحة البدن منه، قال فطاب حميمك، فقال ويحك ما
عرفت أن الحميم العرق فقال فكيف أقول؟ قل طاب منك
ما طهر وطهر منك ما طاب. فصول: في الفطرة حلق العانة مستحب، روى ابن بابويه عن أبي الحسن موسى (عليه السلام): ألقوا الشعر عنكم فإنه نجس، وكان الصادق
(عليه السلام) يطلي في الحمام فإذا بلغ موضع العورة قال للذي يطلى تنح ثم يطلي هو ذلك الموضع. قال ابن بابويه ومن أطلى فلا بأس أن يلقي المئزر عنه لان النورة
ستر والسنة إزالتها بالنورة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): النورة طهور، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أحب للمؤمن أن يطلي في كل خمسة عشر يوما، وقال الصادق
(عليه السلام): السنة في النورة في كل خمسة عشر يوما فإن أتت عليك عشرون يوما وليس عندك فاستقرض على الله عز وجل، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا ترك عانته فوق أربعين يوما ولا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تدع ذلك منها فوق عشرين يوما، وقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): احلقوا شعر البطن للذكر والأنثى. فصل: ونتف الإبط من الفطرة ويفحش بتركه، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): نتف
الإبط ينفي الرائحة المكروهة وهو طهور وسنة مما أمر به الطيب عليه وعلى أهل بيته السلام، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يطولن أحدكم شعر
إبطيه فإن الشيطان يتخذه مجنا يستتر به، وكان الصادق (عليه السلام) يطلي إبطيه في الحمام ويقول: نتف الا بط يضعف المنكبين ويوهم ويضعف البصر
وقال (عليه السلام): حلقه أفضل من نتفه وطليه أفضل من حلقه والمقصود إنما هو الإزالة فمهما حصلت حصلت الأفضلية ومع ذلك فينبغي الإزالة بالنورة
لما ورد فيها من الفضل. فصل: إزالة الشعر من الانف مستحبة لما فيه من التحسين والتزيين، ولما رواه ابن بابويه عن الصادق (عليه السلام) قال:
أخذ الشعر من الانف يحسن الوجه. فصل: واتخاذ الشعر أفضل من إزالته، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الشعر الحسن من كسوة الله فأكرموه، وقال
(عليه السلام): من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزيه، وقد روي خلاف ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجل: احلق فإنه يزيد في جمالك ويحتمل
أن المراد هاهنا ما دل عليه اللفظ صريحا كما هو في التخصيص لمعرفته بحال الأمور من زيادة جماله بحلق شعره. فصل: وقص الأظفار من الفطرة
ومفاحش تركها فربما يعرف لاجتماع الوسخ إذا حك جلده قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قصوا أظافيركم وللنساء أتركن من أظافيركن فإنه
أزين لكن، وقال الرضا (عليه السلام) قلموا أظفاركم يوم الثلاثاء واستحبوا يوم الأربعاء وتصيبوا من الحجامة حاجتكم يوم الخميس وتطيبوا بأطيب طيبكم
يوم الجمعة، وقال الحسين بن أبي العلا للصادق (عليه السلام) ما ثواب من أخذ من شاربه يوم الأربعاء وقلم أظفاره في كل جمعة؟ قال: لا يزال مطهرا
إلى الجمعة الأخرى وقال الصادق (عليه السلام): من قص من أظافيره يوم الخميس وترك واحدا ليوم الجمعة نفى الله عنه الفقر، وقال عبد الله بن أبي يعفور
للصادق (عليه السلام) جعلت فداك ما استنزل الرزق بشئ مثل التعقيب ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فقال: أجل ولكن أخبرك بخير من ذلك لك أخذ
الشارب وتقليم الأظافر يوم الخميس يدفع الرمد قال الباقر (عليه السلام): من أخذ من أظفاره كل خميس لم يرمد ولده، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قلم أظفاره
يوم السبت ويوم الجمعة وأخذ شاربه عوفي من وجع الضرس. فصل: أخذ الشارب من الفطرة، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يطولن
أحدكم شاربه فإن الشيطان يتخذه مجنا يستتر به، وقال (عليه السلام): خفضوا (حفوا) الشوارب وعفو اللحى ولا تتشبهوا باليهود وقال (عليه السلام): إن المجوس جزوا لحاهم
ووفروا شواربهم وإنا نجز الشوارب ونعفي اللحاوى الفطرة وقال الصادق (عليه السلام): أخذ الشارب من الجمعة إلى الجمعة أمان من الجذام، وقال الصادق
(عليه السلام): قصها إذا طالت وقال موسى بن بكير له (عليه السلام) إن أصحابنا إنما أخذوا الأظفار والشوارب يوم الجمعة فقال سبحان الله خذها إن شئت يوم الجمعة
وإن شئت في سائر الأيام وروى عبد الرحيم العفير عن الباقر (عليه السلام) قال: من أخذ من أظفاره وشاربه كل جمعة وقال حين يأخذ " بسم الله وبالله وعلى
سنة محد وآل محمد صلى الله عليه وآله " لم يسقط منه قلامة ولا جرازة (جزارة) إلا كتب الله لها عز وجل له بها عتق نسمة ولم يمرض إلا مرضه الذي يموت فيه. فصل: فرق
الرأس من الفطرة ولان فيه تحسينا، وقال الصادق (ع): من اتخذ شعرا ولم يفرق فرقه الله بمنشار من نار ويستحب التمشيط سئل أبو الحسن الرضا (عليه السلام)
عن قوله عز وجل: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)؟ قال: من ذلك التمشيط عند كل صلاة وقال الصادق (عليه السلام): مشط الرأس يذهب الوباء ومشط
اللحية تشد بالأضراس وقال الصادق (عليه السلام) قال: يدفن الرجل شعره وأظافيره إذا أخذ منها وهي سنة، قال وروي أن من السنة دفن الشعر والظفر
والدم. فصل: يستحب الخضاب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أطلى واختضب بالحنا آمنه الله عز وجل من ثلاث الجذام، والبرص، والا
53

كلة؟ إلى طلبه مثلها، وقال الصادق (عليه السلام): الحنا على أثر النورة أمان من الجذام والبرص، وروي من أطلى فتدلك بالحنا من قرنه إلى قدمه نفى الله عنه
الفقر، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اختضبوا بالحنا فإنه يجلي البصر وينبت الشعر ويطيب الريح ويسكن الزوجة (الروعة). وقال أمير المؤمنين (ع):
الخضاب هدى محمد (صلى الله عليه وآله) وهو من السنة، وقال الصادق (عليه السلام): لا بأس بالخضاب كله وسأل محمد بن مسلم أبا جعفر (ع) عن الخضاب فقال:
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخضب وهذا شعره عندنا، وقال الصادق (عليه السلام): الخضاب بالسواد أنس للنساء ومهانة للعدو، وقال (عليه السلام) في قوله تعالى: (واعدوا
لهم ما استطعتم من قوة)، قال: من الخضاب بالسواد، وروى ابن بابويه أن رجلا دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله) وقد صفر لحيته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما
أحسن هذا ثم دخل عليه بعد ذلك وقد اقتنى بالحنا فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: هذا أحسن من ذلك ثم دخل عليه بعد ذلك وقد
خضيب بالسواد فضحك إليه فقال: هذا أحسن من ذلك وذاك وقال (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي درهم في الخضاب أفضل من ألف درهم في
غيرها في سبيل الله وفيه أربع عشر خصلة يطرد الريح من الاذنين، ويجلي البصر، ويلين الخياشيم، ويطيب النكهة، ويسد اللثة، ويذهب بالنسيان، ويقل
وسوسة الشيطان، ويفرح به الملائكة، ويسر منه المؤمن، ويغيظ به الكافر، وهو زينة وطيب، ويستحي منه منكر ونكير، وهو براءة له من قبره. فصل:
يكره نتف الشيب فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الشيب نور فلا تنتفه وكان علي (عليه السلام) لا يرى بجز الشيب بأسا ويكره نتفه وقال الصادق (ع) لا يأمن
بجز الشمط ونتفه وجزه أحب إلي من نتفه، وقال (عليه السلام): من شاب شيبة في الاسلام كانت له نور يوم القيامة، وقال (عليه السلام): أول من شاب إبراهيم الخليل (ع)
وإنه ثنى لحيته ورأى طاقة بيضاء فقال يا جبرئيل ما هذا؟ فقال: هذا وقار فقال إبراهيم: اللهم زدني وقارا ويستحب قص ما زاد على القبضة من
اللحية، قال الصادق (عليه السلام): تقبض بيدك على اللحية وتجز ما فضل، وقال (عليه السلام): ما زاد من اللحية على القبضة فهو في النار وهذا بعد سلامة السند
يدل على تأكيد الاستحباب لا الوجوب.
[البحث الرابع] في أفعال الوضوء وكيفيته. مسألة: في النية، وفيها بحثان غامضان، الأول:
في وجوبها قال علماؤنا النية شرط في الطهارة والمائية بنوعيها والترابية وهو قول علي (عليه السلام) وهو مذهب ربيعة والليث وإسحاق وأبي عبيد و
ابن المنذر وأحمد بن حنبل وأبي ثور وداود والشافعي ومالك وقال أبو حنيفة والثوري: لا يشترط النية في طهارة الماء وإنما يشترط للتيمم وقال
الحسن بن صالح بن حي: ليست النية شرطا في شئ من الطهارة المائية والترابية وعن الأوزاعي روايتان أحديهما كقول الحسن والأخرى كقول أبي حنيفة
لنا: وجوه، {أحدهما} رواه الجمهوري عن علي (عليه السلام) أنه قال النية شرط في جميع الطهارات وقوله حجة ومن طريق الخاصة ما رواه عن الرضا (عليه السلام) قال لا
قول إلا بعمل ولا عمل إلا بالنية ولا نية إلا بإصابة السنة. {الثاني} إن الوضوء عبادة وكل عبادة بنية أما الصغرى فلان أهل اللغة نصوا على
أن التعبد هو التذلل قال الشاعر وأفردت إفراد البعير المعبدي أي المذلل وهذا المعنى المشتق منه موجود هنا فإن فعل الطهارة على وجه الطاعة
نوع تذلل فيصدق عليه اللفظ ولان التيمم عبادة وهو بدل والبدل بحكم الأضداد أما الكبرى فيدل عليها قوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين
له الدين) والاخلاص هو مرادنا بالنية وقوله تعالى: (الله أعبد مخلصا) وقوله تعالى: (فاعبدوا الله مخلصين). {الثالث} الوضوء عمل ضرورة وكل عمل بنية لقوله (ع)
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى اتفق عليه الجمهور فنفى أن يكون له عمل شرعي بدون النية. {الرابع} قوله تعالى: (وما لاحد عنده من نعمة تجزى
إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى). {الخامس} قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) والمفهوم منه في لغة العرب أغسلوا للصلاة كما يقول
إذا لقيت الأمير فألبس أهبتك أي للقائه وإذا لقيت العدو فخذ سلاحك أي لأجل لقائه وهو كثير النظائر. {السادس} لو لم تجب النية في الوضوء
لزم أحد الامرين إما النية أو خرق الاجماع والثاني بقسميه باطل قطعا فالمقدم مثله بيان الشرطية أن الوضوء تعبد وعدم النية إما أن يكون شرطا
أو لا يكون وعلى التقدير الأول يلزم خرق الاجماع وعلى التقدير الثاني إما أن لا يكون المسمى شرطا أو يكون وعلى التقدير الأول يلزم خرق الاجماع و
على التقدير الثاني يلزم الشارع؟ لان الكلي لا يمكن وجوده إلا مشخصا وقيد الخصوصية هما النية وعدمها فأحدهما شرط المسمى فإما أن يكون الشرط العدم
فيلزم خرق الاجماع لان شرط الشرط شرط وأما الوجود فيلزم المطلوب وإما أن يكون المسمى ثانيا ونقل الكلام إليه وذلك يفضي إلى الشارع المحال. {السابع}
إنها طهارة عن حدث فلا يصح بغير نية كالتيمم. {الثامن} أنه عبادة فافتقرت إلى النية كالصلاة وبيان الصغرى من وجهين. أحدهما: أن العبادة هي
الفعل المأمور به شرعا من غير إطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي والطهارة كذلك فإنها مرارة شرعا ليست مما يطرد بها العرف ولا يقتضيها العقد لانتفاء
المصلحة المتأخرة فيها. الثاني: أنها تنقسم إلى فرض ونفل وكل ما انقسم إليهما فهو عبادة بالاستقراء بيان الكبرى أن العبادة لو صحت بدون
النية فلا تخلو إما أن يحصل عليها ثواب أم لا والقسمان باطلان أما الأول فلانه يلزم منه مخالفة الدليل وهو قوله (عليه السلام) ليس للمؤمن عليه إلا
ما نواه رواه الجمهور والمراد بذلك نفي الثواب بدون النية والثاني باطل وإلا لزم القبح العقلي وهو حصول التكليف من غير عوض ولأنه مخالف للعمومات الواردة
من جهة الكتاب والسنة الدالة على الثواب في كل عبادة احتج أبو حنيفة بوجوه، أحدها: قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) ذكر الشرائط ولم يذكر النية
فلو كانت شرطا لوجب ذكرها. الثاني: أنه أمر بالغسل ومقتضي الامر الاجتزاء بفعل المأمور به. الثالث: أن الآية ليست منها ذكر النية فلو أوجبناها
لكنا قد زدنا على النص والزيادة على النص نسخ. الرابع: أنها طهارة بالماء فلا يفتقر إلى النية كغسل النجاسة. الخامس: أنها غير عبادة فلا يفتقر
54

إلى النية كسائر الأفعال الخارجة عن كونها عبادة وبيان الصغرى أنها لو كانت عبادة مع عدم النية بطل قولكم كل عبادة يفتقر إلى النية والأول باطل أيضا
وإلا لبطل قولكم أيضا بافتقار العبادة إلى النية وإلا لزم اشتراط النية بالنية فالجواب: عن الأول أنه حجة لنا: لما بينا من أن المفهوم منه إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا للصلاة وأيضا فإنه لم يذكر الشرائط بل ذكر إذ كان الوضوء والنبي (صلى الله عليه وآله) بين شرائطه كالتيمم وعن الثاني بما قلناه أولا و
أيضا مقتضى الامر وجوب الفعل وهو واجب فاشترط لصحته شرط آخر كالتيمم وعن الثالث بما ذكرناه أولا وبالمنع من كون الزيادة عن النص نسخا وعن الرابع:
أنها مع كونها طهارة هي أيضا عبادة والعبادة لا يكون إلا منوية لأنها قربة إلى الله تعالى وطاعة وعن الخامس: أن نقول أنها عبادة بدون النية أي يسمى عبادة بدونها قوله يبطل كل
عباده يفتقر إلى النية. قلنا: لا نسلم فإنا نقول أن العبادة يفتقر إلى النية في التحصيل والايجاد على الوجه المطلوب شرعا لا أنها يفتقر إليها بان بكون
مصححة للاطلاق اللفظي سلمنا لكنا نقول إنها عبادة مع النية (و) قول يبطل افتقارها إلى النية وإلا لزم افتقار العبادة مع النية إلى النية. قلنا: هذا باطل
فإنه لا يلزم من افتقارها إلى نية هي جزءها افتقارها مع ذلك الجزء إلى نية أخرى ثانيا. فروع: [الأول] إزالة النجاسة لا يفتقر إلى النية وهو قول
العلماء وحكي عن ابن شريح وهو قول أبي سهل الصعلوكي من الشافعية إنها يفتقر إلى النية. لنا: أنها كالترك فلا يفتقر إلى النية. [الثاني] غسل الميت
لا بد فيه من النية وقد صرح بذلك أبو الصلاح لأنها عبادة فيفتقر إلى النية وللشافعي وجهان أحدهما: كما قلناه بناء على أن الميت لا ينجس وكان غسله
كالطهارة عن حدث والثاني: عدم الافتقار إلى نية بناء على أنه نجس فصار كغسل النجاسة. [الثالث] الحائض
إذا انقطع دمها قال بعض علمائنا لا تحل
للزوج الوطي حتى تغتسل فإن نوت به إباحة الاستمتاع فالأقرب الاجزاء وللشافعي وجهان هذا أحدهما والثاني لا يجوز لأنها من أهل وحق الله تعالى فيه
والطهارة فيها حق الله تعالى والطهارة فيها حق الله تعالى وحق الزوج فلا بد من نيتهما معا لتكلفهما طهارة يصلح للحقين بخلاف الذمية لأنها ليست
من أهل الله تعالى فاكتفى فيها بنية حق الزوج. [الرابع] لو ارتد لم يبطل وضوئه ولا غسله على الأقوى ويبطل تيممه لأنه ينوي به الاستباحة وقد
خرج عنها بالردة. [الخامس] طهارة الصبي معتبرة عند الشيخ وفيه إشكال أقربه أنها تمرين وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي بالأول. لنا: أنه ليس أهلا
للتكليف وعلى قول الشيخ لو بلغ بغير المبطل بعد الطهارة لم يجب عليه الاستيناف وكذا لو جامع الصغيرة فاغتسلت ثم بلغت. [السادس] لو اغتسل
الجنب وترك جزءا من بدنه ثم نسي الاغتسال فأعاد الغسل وغسل ذلك المحل فالأقوى صحة غسله لان الواجب عليه غسل ذلك الجزء وقد حصل.
[السابع] لو نوت المستحاضة بالوضوء استباحة صلاتين فما زاد ففي صحة الطهارة إشكال ينشأ من أنها شئ يستحيل حصوله شرعا فلا عبرة بذلك الوضوء
من استلزام نية الصلاتين نية أحدهما الثاني في كيفيتها وشرايطها، والنية عبارة عن القصد فيقال نواك الله بخير أي قصدك ونويت السفر أي قصدته
وعزمت عليه ومحلها القلب لأنه محل المقصود والدواعي فمنه اعتقده بقلبه أجزأه سواء يلفظ بها بلسانه أو لا ولو نطق بها ولم يخطر بباله لم يجزيه ولو
سبق لسانه إلى غير عزمه وما اعتقده لم يمنع صحة ما اعتقده بقلبه ويشترط استحضار النية التقرب لقوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين
له الدين) ولا يتحقق الاخلاص بدون التقرب ويشترط استباحة شئ لا يستباح إلا بها كالصلاة والطواف أو رفع الحدث وهو إزالة المانع من كل
فعل يفتقر إلى الطهارة لقوله تعالى: (وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا أي للصلاة على اللغوي واكتفى الشيخ (ره) في بعض كتبه بنية القربة. لنا: الآية فإنها
تدل على نية الاستباحة ويجب أن تقع مقارنة لغسل الوجه لأنه مبدأ للطهارة فلو تراخت عنه لوقع غير منوي ويستحب إيقاعها عند غسل اليدين
للوضوء أمام غسل الوجه ويشمل النية أفعال الطهارة المسنونة والواجبة لان غسل اليدين للوضوء من الحالة؟ يجاز؟ إيقاع النية عنده وجوز الشافعي ذلك بشرط بقاء النية؟ إلى غسل
الوجه والمعتمد عليها قلناه ويتضيق عند غسل أول جزء من الوجه الذي هو أول واجباته ولا يجوز تقديمه على غسل اليدين ولو بالزمن اليسير خلافا لأحمد وإلا فإن استحضرت
حال الغسل فتلك أخرى مجددة وإلا وقع غير منوي فلا يكون مجزيا ويجب استدامتها حكما بمعنى أنه لا ينتقل إلى نية منافية لها ولا يشترط الاستمرار
حقيقة للمشقة نعم يستحب ليقع جميع الأفعال مقترنة بالنية وهل يشترط نية الوجوب أو الندب الوجه اشتراطه لأنه فعل مشترك فلا يتخصص إلا
بالنية وبالقياس على واجبات العبادات. فروع [الأول] لو نوى ما لا يشرع له الطهارة كالأكل والبيع والتبرد لم يرتفع حدثه إجماعا لأنه
لم ينو الطهارة ولا ما يتضمن نيتها فلا تكون حاصلة له كالذي لم ينو شيئا. [الثاني] لو نوى ما ليس من شرطه الطهارة بل من فضله كقراءة القرآن
أو النوم أو كتابة القرآن أو الأحاديث أو الفقه أو الكون على طهارة قال الشيخ لا ترتفع حدثه لأنه لم ينو رفع الحدث ولا ما يتضمنه فأشبه ما لو نوى
التبرد وفيه للشافعي وجهان ويمكن أن يقال بارتفاع الحدث كأحد وجهي الشافعي لأنه نوى طهارة شرعية فينبغي أن يحصل له ما نواه عملا
بالخبر ولو لم ينو رفع الحدث ولا ما يتضمنه لأنه نوى شيئا من ضرورية صحة الطهارة وهو الفضل الحاصل لمن فعل ذلك وهو على طهارة
فصحت طهارته كما لو نوى ما لا يباح إلا بها أما لو نوى وضوء مطلقا فالوجه عدم الارتفاع لما قاله الشيخ وإن كان فيه نظر من حيث أن الوضوء
والطهارة إنما ينصرفان بالاطلاق إلى المشروع فيكون ناويا لوضوء شرعي إلا أن الأول أصح وهو وقول أكثر الشافعية. [الثالث] لو جدد الطهارة
ندبا فتبين انه كان محدثا فوجهان أحدهما الاجزاء لأنه نوى طهارة شرعية فيحصل له والآخر عدمه لأنه لم ينو رفع الحدث ولا ما يتضمنه فهو كما لو
نوى التبرد وكذا لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة فتوضى احتياطا ولو أغفل لمحة في الطهارة الواجبة فغسلت في الثانية أو أغفلت في
الغسلة الأولى فانغسلت الثانية فالوجهان. [الرابع] لو نوى الجنب الاستيطان في المسجد أو قراءة العزائم أو مس كتابة القرآن ارتفع حدثه قولا واحدا
55

لأنه شرط لذلك كله أما لو نوى الاجتياز ففي ارتفاع حدثه إشكال نص الشيخ على عدمه. [الخامس] لو نوى الطهارة والتبرد أجزأه وهو أظهر قولي
الشافعي لان التبرد يحصل بدون النية فلا يؤثر هذا الاشتراك فإنه قد فعل الواجب وزيادة غير منافية كما لو قصد بالصلاة الطاعة والخلاص من خصمه و
يحتمل البطلان وهو الوجه الثاني للشافعي لأنه لم يخلص فعله للعبادة أما لو ضم إلى الرفع نية الرياء فالوجه عندي البطلان لان الطاعة لا تخلص طاعة إلا بنيتها
ولم يحصل فلا يكون ما فعله مجزيا. [السادس] لو غربت النية عن خاطره في أثناء الطهارة لم يؤثر في صحتها خلافا للشافعي فيما لو غربت بعد اقترانها
بغسل اليدين ووافقنا على الاجزاء لو غربت بعد اقترانها بغسل الوجه. لنا: أنه أتى بالمأمور به وهو الطهارة مع النية فوجب الاجتزاء به ولان ما اشترطت له النية
لا يبطل بغروبها والمذهول عنها كالصلاة والصيام والفرق بين ما اقترنت بغسل الوجه وغسل اليدين باطل لأنهما استويا في كونهما من أفعال الصلاة المشترطة
فيها النية ولو غربت عند غسل الوجه وقد قدمها عند غسل اليدين ثم غسل اليدين للتبرد لم يقع عند (عن) الوضوء فإن ذكر ورطوبة الوجه باقية جاز
استيناف غسل اليدين بنية الوضوء وإلا استأنف من أوله. [السابع] لو نوى قطع النية في أثناء الطهارة لم تبطل فعله الأول خلافا لبعض الشافعية لأنه
وقع صحيحا فلا يؤثر فيه قطع النية كما لو نوى القطع بعد الفرا غ وما أتى به من الغسل بعد القطع لا اعتداد به لفقدان شرطه ولو أعاد النية
أعاد ما فعله بغير نية لكن يقع هنا فرق بين الوضوء والغسل في طول الفصل وقصره فيجوز في الغسل معهما ويشترط في الوضوء عدم الطول المؤدي
إلى الجفاف. [الثامن] لو شك في النية بعد الفراغ لم يلتفت لأنها وقعت مشروطة فلا يؤثر فيها تجدد الشك أما لو وقع الشك في الأثناء استأنف
قولا واحدا لأنها عبادة مشروطة بالنية ولم يتحقق. [التاسع] لو وضاه غيره لعذر اعتبرت نية المتوضئ لأنه المخاطب بالطهارة والوضوء يحصل له
ولا يحصل مع النية ولا اعتبار بالموضى وهو غير مخاطب ولا يحصل له فأشبه حامل الماء إليه. [العاشر] لا تصح طهارة الكافر لعدم النية
منه ولو وقعت النية فهي غير معتبرة إذ من شرطها الاسلام ولا فرق بين أن يكون ذميا ولا حربيا وقال الشافعي في أحد الوجهين اجتزأ
الذمية تحت المسلم بغسلها من الحيض لحق الزوج فلا يلزمها الإعادة بعد الاسلام. [الحادي عشر] لو نوى بطهارته صلاة معينة كان
كما نوى استباحة الصلاة وكذا لو نوى أنه لا يصلي غيره وهو أحد أقوال الشافعي وقال أيضا يفسد لأنه لم ينو ما يقتضيه الطهارة قال أيضا
يباح له ما نوى لان الطهارة قد تصح لصلاة واحدة كالمستحاضة. لنا: أن فعل المأمور به وهو النية والأفعال فواجب الاجتزاء ولا يحصل
بدون رفع الحدث فيجوز له الدخول به في كل صلاة واجبة أو مندوبة لزوال المانع ولان هذا إبطال للطهارة بعد صحتها من غير حدث ولا فرق بين أن يكون
تلك الصلاة نفلا أو فرضا. [الثاني عشر] المستحاضة تكفيها نية استباحة الصلاة وهو أحد قولي الشافعي ولا يجوز لها نية رفع الحدث لأنه
موجود خلافا للشافعي فإنه اشترط مع نية الاستباحة في أحد قوليه وهو باطل لأنه نية ما يمتنع حصوله فإن نوت الرفع احتمل الصحة لاستلزامه نية الاستباحة
والأقوى البطلان وكذا المبطون وصاحب السلس والمتيمم وقال علماؤنا من يجب عليه الطهارتان ينوي رفع الحدث إن قدم الغسل والاستباحة إن قدم
الوضوء والأقرب أن له أن ينوي الرفع لكل منها. [الثالث عشر] لو فرق النية على أعضاء الوضوء بأن نوى غسل الوجه لرفع الحدث ثم اليمنى كذلك إلى
آخر الأعضاء فالوجه عندي الاجزاء وهو أحد قولي الشافعي وفي الآخر لا يجزيه. لنا: أنه إذا صح غسل الوجه بنية مطلقة يدخل فيها ضمنا فلان يصح بنية
مقصوده أولى احتج بأن الوضوء عبادة واحدة إذ لا يتصور اختصاص بعضها بالبطلان وبعضها بالصحة فيصير كالصلاة وكما تبطل لو نوى التكبير ثم نوى
القراءة وهكذا لبطلت صلاته كذا الطهارة والجواب الفرق فإن أركان الصلاة يرتبط بعضها بالبعض بخلاف أركان الطهارة أما لو أتى بالبعض
من النية عند غسل الوجه والبعض عند اليمنى وهكذا فإنه يبطل طهارته لأنه يحصل بعض الأفعال خاليا عن النية فلا يكون مجزيا. [الرابع عشر]
قد بينا أنه يستحب غسل اليدين قبل إدخالهما الاناء وهل يستحب في غير الاناء إشكال فإن قلنا به صح إقران النية وإلا فلا. [الخامس عشر]
لو نوى رفع المعين ارتفعت جميع الاحداث سواء كان آخر الاحداث أو أولها لان الاحداث يتداخل فلا يرتفع أحدها إلا بارتفاع الجميع وقد نوى
رفع أحدها فوجب أن يحصل له فيحصل إلى رفع الجميع وهو أحد أقوال الشافعي والثاني: أنه لا يرتفع حدثه لأنه لم ينو رفع جميع الاحداث و
الثالث: أنه إن كان أخر الاحداث ارتفعت كلها لأنها تداخلت فيما بعدها وإن كان أولها لم يرتفع. [السادس عشر] لو نوى رفع حدث بعينه والواقع
غيره فإن كان غالطا صح وإلا بطل. [السابع عشر] كل من عليه طهارة واجبة يجب أن ينوى الوجوب وغيره ينوي الندب فلو نوى الوجوب
أعاد ولو صلى به فريضة لم يصح ولو صلى بطهارات متعددة فرائض كثيرة مع تخلل الحدث بأن كان يتوضى لكل فريضة قبل وقتها أعاد الصلاة الأولى
خاصة لبطلانها فصارت قضاء كل من عليه قضاء ينوي الوجوب. مسألة: ويجب غسل الوجه وهو مذهب علماء الاسلام قال الله تعالى:
(فاغسلوا وجوهكم) واختلفوا في حده فمذهب أهل البيت (عليهم السلام) أنه من قصاص شعر الرأس إلى الذقن طولا وما دارت عليه الابهام والوسطى
عرضا وبه قال مالك وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ما بين العذار والاذن من الوجه وذهب الزهري إلى أن الوجه ما بين الاذنين ونقل شارح الطحاوي
عن أبي يوسف أنه روي عنه إذا نبتت اللحية زال العذار عن حد الوجه وقال بعض الحنابلة الصدغان من الوجه. لنا: أن الوجه ما يحصل به المواجهة
وهذا لا يواجه به وما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة قال قلت له أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي له أن يتوضى الذي قال الله عز وجل؟ فقال: الوجه
56

الذي أمر الله عز وجل بغسله الذي لا ينبغي لاحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم ما دارت عليه الوسطى والابهام
من قصاص شعر الرأس إلى الذقن وما حوت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه قلت الصدغ من الوجه
فقال: لا ورواه محمد بن يعقوب ومحمد بن بابويه في كتابيهما في الصحيح وزاد ابن بابويه تعين المروي عنه وهو أبو جعفر الباقر (عليه السلام) وزاد أيضا قال؟ زرارة
قلت له أرأيت ما أحاط به الشعر فقال: كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء
وأيضا خلاف في تناول الامر بالغسل لما ذكرناه فيكون ما عداه منتفيا بالأصل السالم عن معارضة اليقين واحتج الشافعي وأبو حنيفة وأحمد
بالاجماع واحتج الزهري بما رواه المسلم عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه سجد فقال وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره أضاف السمع إليه
كالبصر والجواب عن الأول: بالمنع عن الاجماع مع وقوع الخلاف وكيف يتحقق ذلك وأهل البيت (عليهم السلام) رووا هذا القول ومالك وأبو يوسف و
الزهري وغيرهم وعن الثاني أن الإضافة تكفي فيها مجرد ملابسة ما وهي حاصلة هنا وهي المجاورة ولم ينقل أحد أن الاذنين مغسولان بل نقلوا
مسحهما فيكون ما ذكره مدفوعا على أنه معارض بما رواه الجمهور عن الربيع ابن مسعود وقال رأيت صلى الله عليه وآله توضى فمسح رأسه ومسح ما أقبل منه وما أدبر وصدغيه
وأذنيه مرة واحدة فمسحه مع الرأس ولم ينقل أنه غسله مع الوجه فبطل كونه من الوجه. فروع [الأول] لا اعتبار بأن يفضل يداه عن المعتاد
أو يقصر أو يبلغ وجهه حدا في الكبر يخرج به عن المعتاد (أ) وفي الصغير كذلك ولا اعتبار أيضا بالأملج الذي ينجز شعره عن مقدم رأسه ولا
الأنزع ولا بالأغم الذي ينزل شعره إلى الوجه بل يجب على كل واحد من هؤلاء الرجوع إلى مستوى الخلقة وهو قول أكثر أهل العلم عملا بقوله
تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) وهذا خطاب يتوجه إلى الغالب وقال الشافعي: الغمم إن استوعب جميع الجبهة
وجب إيصال الماء إليه وإن لم يستوعب فوجهان. [الثاني]
لا يجب غسل ما خرج عن ما حددناه ولا يستحب كالعذار وهو النابت على العظم الثاني الذي هو سمت الصماخ وما انحط عنه إلى وتد الا ذن وما بينه
وبين الا ذن من البياض لا على الأمرد ولا على الملتحي وبه قال مالك وقال الشافعي يجب غسله عليهما وقال أبو يوسف يجب على الأمرد خاصة ولا العارض
وهو ما نزل عن حد العذار وهو النابت على اللحيين ولا الصدغ وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار المحاذي لرأس الا ذن ونزل عن رأسها قليلا ولا النزعتان وهما ما أنجز عنه الشعر متصاعدا في
جانبي الرأس والتحذيف وهو الشعر الداخل في الوجه ما بين انتهاء العذار والنزعة المتصل شعر الرأس لان التكليف بهذه شرعي ولا يشرع بدله على التكليف بها فلا تكليف. [الثالث] لا يلزم تخليل
شعر اللحية ولا الشارب ولا العنفقة ولا الأهداب سواء كانت كثيفة أو خفيفة ولا يستحب أيضا بل الواجب إن فقد الشعر غسل هذه المواضع وإن وجد فإمرار
الماء على ظاهر الشعر وقال ابن الجنيد متى خرجت اللحية ولم يكثر فعل المتوضئ غسل الوجه حتى يستيقن وصول الماء إلى بشرته لأنها لم يستر موضعها وهو قول
الشافعي واتفقوا على استحباب التخليل إلا أبا ثور فإنه قال بوجوب إيصال الماء إلى بشرة الوجه وإن كانت كثيفة وهو قول المزني. لنا: ما رواه الجمهور
من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله إنه غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه ولم يذكر التخليل فيكون منفيا وأيضا روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه توضى فغرف
غرفة غسل بها وجهه ومن المستحيل إمكان غسل الوجه وإيصال الماء إلى ما تحت الشعر بكف واحد وبالخصوص مع وضوء النبي صلى الله عليه وآله بأنه كثيف اللحية
كغيرها وأيضا الوجه مأخوذ من المواجهة وذلك غير صادق على ما تحت الشعر ولأنه يستر ما تحته بالعادة فوجب انتقال الغرض إليه قياسا على الرأس
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت له أرأيت ما كان تحت الشعر قال كلما أحاطته الشعر فليس على العباد
أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء ورواه ابن بابويه أيضا في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته عن الرجل
يتوضى ببطن لحيته قال لا وروي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إنما عليك أن تغسل ما ظهر وإنما يفيد الحصر. تذنيب: لو نبت للمرأة لحية
كان حكمها ذلك لما ذكرناه ولأنه شعر ساتر لما تحته فأشبه لحية الرجل سواء كانت خفيفة أو كثيفة خلافا للشافعي. [الرابع] لا يجب غسل المرسلات
من اللحية طولا وعرضا وهو قول أبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه وفي القول الآخر يجب وبه قال مالك وعن أحمد روايتان ونقل عن أبي حنيفة وأيضا
ان اللحية النابتة في محل الفرض لا تجب غسلها إذا كانت كثيفة لان الوجه اسم للبشرة التي بها يحصل المواجهة والشعر ليس ببشرة وما تحته لا
يحصل به المواجهة وهو أيضا مروي عن أبي يوسف لكن الأظهر من مذهب أبي حنيفة أن عليه غسل الربع من اللحية قياسا على مسح الرأس. لنا:
أنها ليست من الوجه ولأنه شعر خارج عن محل الفرض فأشبه ما لو نزل من شعر الرأس عنه كالذوابتين واحتج الموجبون بأنها يسمى في الشرع وجها
لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله رأى رجلا غطا لحيته في الصلاة فقال: اكشف وجهك فإن اللحية من الوجه وعرفا ولهذا يقال خرج وجهه أي لحيته ولأنه
شعر نابت على موضع مغسول فيوصل إليه الماء كالشارب والجواب عن الأول: لعل ذلك الرجل غطا النابت في محل الفرض لا الساقط عنه
وعن الثاني: بأنه مجاز بالاستعمال ولهذا فإنه لا يطرد فلا يقولون طال وجهه أو عرض أو قصر وجهه لمن جعل هذه الأوصاف للحيته وعن
الثاني: أن الحكم مضافا إلى المختص وهو أنه شعر غير ساقط عن العضو والمفروض وإلا لثبت الحكم في محل النقص وهو المسترسل من الرأس. [الخامس]
الأذنان ليسا من الوجه فلا يجب غسلهما ولا يستحب ولا يجب مسحهما ما أقبل منهما وما أدبر ولا يجوزان وقال الجمهور ويمسح الأذنان وقال الزهري
هما من الوجه يغسلان معه وقال الشعبي والحسن البصري وإسحاق يغسل ما أقبل ويمسح ما أدبر ثم اختلف الشافعية وأبو حنيفة فقال الشافعي: المستحب
استيناف ماء جديد لهما وقال أبو حنيفة يمسحهما بماء الرأس واتفق أهل العلم على أن مسحهما غير واجب إلا ما يحكى عن إسحاق بن راهويه من
57

إيجاب مسحهما. لنا: أنه تكليف فيتوقف على الشرع ولم يثبت فاعتقاد فعله بدعة ولما رويناه عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حد الوجه
وما رويناه عنهم من صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وصفة وضوء أمير المؤمنين (ع) ولم يمسح الاذنين وما رواه الشيخ
عن زرارة قال سألت أبا جعفر (ع) إن ناسا يقولون باطن الاذنين من الوجه وظهرهما من الرأس فقال: ليس عليهما غسل ولا مسح وفي طريقها ابن فضال
وابن بكير وفيهما قول إلا أن إجماع الأصحاب يؤيد العمل بها واعتضادها بالاخبار الاجزاء احتجوا بما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه مسح رأسه وأذنيه
بماء واحد وبما روي عنه (ع) أنه قال: الأذنان من الرأس والجواب عن الأول: أنه مدفوع عند الشافعي ولو كان صحيحا لما خفى عنه على أنه حكاية فعل وفيه ضعف
وعن الثاني بالمنع منه فإن سليمان بن حرب قال ليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وآله وإنما هو من كلام أبي أمامة راوي الخبر وقال حماد بن يزيد لا أدري هو من قول
النبي صلى الله عليه وآله أو من قول أبي أمامة على أن أصحاب الحديث قد ضعفوه فإن راويه شهر بن حوشب وقال شعبي إن شهرا وافق رجلا من أهل الشام مخافة على
أن كونها من الرأس لا يدل على وجوب مسحهما ولا استحبابه لما سنبين من اختصاص المسح بالمقدم لا يقال قد روى الشيخ عن علي بن رئاب قال سألت
أبا عبد الله (ع) الأذنان من الرأس قال: نعم قلت فإذا مسحت رأسي مسحت أذني قال نعم، لأنا نقول هذا حديث مردود بالاجماع على خلافه وبأنه تحمل
على التقية ورواية يونس وهو مشترك بين الموثق كابن عبد الرحمن وابن رباط والمضعف كابن ظبيان فلا حجة فيه. [السادس] روى الشيخ
في حديث مرسل عن الصادق (ع) قال: إذا توضى الرجل فليصفق وجهه بالماء فإنه إن كان ناعسا فزع واستيقظ وإن كان البرد فزع ولم يجد البرد
وذكر في حديث ضعيف عن السكوني عن جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تضربوا وجوهكم بالماء إن توضى ثم ولكن شنوا الماء شنا والشن
السبيل وجمع بينهما بأن الأول محمول على إباحته ولا يجب خلافه. والثاني محمول على أولوية غيره فلا ينافي. [السابع] يستحب إسباغ ماء الوجه لان
فيه عضوبا (وفورا) ومع الكثرة يحصل اليقين لوصول الماء إلى الجميع. [الثامن] لو غسل منكوسا قال الشيخ لا يجزيه خلافا للمرتضى مع أنه كرهه. لنا: ما
رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة بن أعين قال حكى لنا أبو جعفر (عليه السلام) وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعا بقدح من ماء فأدخل يده اليمنى
فأخذ كفا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلا الوجه وفعله إذا كان بيانا للمجمل وجب اتباعه فيه وأيضا نقل عنه (عليه السلام) حين أكمل وضوئه أن قال هذا
وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وأيضا لا شك أنه صلى الله عليه وآله توضأ بيانا فإن كان قد ابتدأ بأسفل الوجه لزم وجوبه ولا قائل به ويكون قد فعل المكروه
فإنه واقف على الكراهية وهو منزه عنه وإن كان قد غسل من أعلاها وجب اتباعه، [التاسع] قال الشيخ في الخلاف فتح العين عند الوضوء
واحتج بإجماع الفرقة وبالأصل وروى ابن بابويه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار جهنم وهذا
يعطي الاستحباب وهو أحد قولي الشافعي لابن عمر فعله والجواب: فعل ابن عمر ليس حجة مع أنهم نقلوا وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم ينقل إدخال
الماء إلى العين ولان فيه ضررا وقياسا على المضمضة والاستنشاق ضعيف لان داخل الفم والأنف يتغير بخلاف داخل العين. [العاشر]
لو غسل النابت على الوجه ثم زال عنه وانفلت جلده من يديه أو ظفره أو قصه لم يؤثر في طهارته وهو قول أكثر أهل العلم ونقلوا عن ابن حريز
أن ظهور بشرة الوجه بعد غسل شعره يوجب غسلها قياسا على ظهور قدم الماسح على الخف. لنا: أنه أتى بالمأمور ولأنه غسل ما هو الأصل وهو الشعر
بدليل أنه لو غسل البشرة دون الشعر لم يجزيه فأشبه ما لو انكشطت جلدة من الوجه بعد غسله وقياسه ضعيف لان الخفين بدل لم يجز عن غسل
الرجلين دونهما بخلاف الشعر. مسألة: ويجب غسل اليدين بالاجماع والنص وأكثر أهل العلم على وجوب إدخال المرفقين في الغسل خلافا
لبعض أصحاب مالك وابن داود وزفر لما رواه الجمهور عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال كان النبي صلى الله عليه وآله إذا توضى أدار الماء من مرفقه وهذا بيان
للغسل المأمور به في الآية فإن " إلى " قد تأتي بمعنى " مع " كقوله تعالى: (ويزدكم قوة إلى قوتكم) وقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) وقوله: (من
أنصاري إلى الله) ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن بكير وزرارة بن أعين أنهما سألا أبا جعفر (عليه السلام) عن وضوء رسول الله (صلى الله عليه
وآله) فدعا بطست أو تبور فيه ماء فغسل كفيه إلى قوله فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع وقد وافق على أن مبدأ الغاية داخل وروى الشيخ عن
الهيثم بن عروة التميمي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) فقال: ليس هكذا تنزيلها إنما هي فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ثم أمر يده من مرفقه إلى أصابعه ولان الاحتياط يقتضي الوجوب احتج زفر بأنها غاية في الآية فلا يدخل في ذي الغاية
كقوله ثم أتموا الصيام إلى الليل وهو ضعيف أما أولا: فبالمنع من كونها غاية بل بمعنى " مع " لما بيناه من الاستعمال والاحتياط، وثانيا: بالمنع من
كون الغاية غير داخلة فإن بعضهم ذهب إلى وجوب الدخول وآخرون قالوا بالوقف فإنها تارة تدخل وأخرى لا تدخل فكان مجملا وقال آخرون إن كان
الحد من جنس المحدود دخل كقوله بعتك هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف وإلا فلا كآية الصيام وهنا المرافق من جنس الأيدي. فروع
[الأول] لو غسلهما مبتدئا بالمرافق أجزأ إجماعا بل هو الأولى وهل هو واجب أم لا نص الشيخ على ذلك حتى لو استقبل الشعر لم يجزه فقال المرتضى
بالاستحباب احتج الشيخ بابتداء النبي (صلى الله عليه وآله) من المرفق لما رواه عن زرارة وبكير بن أعين أنهما سألا أبا جعفر (عليه السلام) عن وضوء رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ثم قال ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يرد الماء إلى المرفقين
58

وما رواه الهيثم بن عروة وقد تقدمت والرواية الأولى في طريقها عثمان بن عيسى والثاني في طريقها فهد بن زياد وهما ضعيفان احتج المرتضى بأنه أتى
بالمأمور به فيجب الاجزاء لكنه أتى بالكراهية والشيخ أن يقول إذا كان مكروها لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله بيانا فتعين الآخر فيكون واجبا ونحن نقول قد بينا
تحريم العكس في الوجه فيحرم هنا لعدم القائل بالفرق. [الثاني] الواجب في الغسل ما يحصل به مسماه كالدهن بشرط بقاء التسمية فيه وذلك
بأن يصدق الجريان على الماء أما المسح فلا لأنه بالأول يكون ممتثلا بخلاف الثاني. [الثالث] لو انقطعت يده من دون المرفق غسل الباقي
من محل الفرض وهو قول أهل العلم. لنا: ما رواه الشيخ عن رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الأقطع الرجل واليد كيف يتوضى؟ قال: يغسل
ذلك المكان الذي قطع منه ورواه ابن يعقوب في كتابه في الحسن عن رفاعة أيضا وروى الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن
الأقطع اليد والرجل قال: يغسلهما ولان غسل الجميع واجب بتقدير وجوده وذلك يستلزم وجوب غسل كل بعض فلا يسقط بعضه لفقدان
البعض الآخر. [الرابع] لو انقطعت يده من المرفق سقط غسلها لفوات محل الغسلات وللشافعي في غسل العظم الباقي وهو طرف العضد
وجهان أصحهما عنده الوجوب لان غسل العظمين المتلاقيين من العضد والمرفق واجب فإذا زال أحدهما غسل الأخرى ونحن نقول إنما وجب غسل
طرف العضد توصلا إلى غسل المرافق ومع سقوط الأصل ينفى الوجوب لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سألته
عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضى؟ قال: يغسل ما بقي من عضده لأنا نقول هذه الرواية متنافية للاجماع فإن أحدا لم يوجب غسل العضد فيحمل
على الاستحباب تشبيها بالغاسل أما لو قطعت يده من فوق المرفق سقط الغسل إجماعا لفوات المحل لكن يستحب غسل الباقي لما تقدم من الرواية
وهو قول الشافعي. [الخامس] إذا كان أقطع اليد فوجد من يوضيه متبرعا لزمه ذلك لتمكنه وإن لم يجد إلا بالأجرة يقدر عليها فهل يجب ذلك
أم لا؟ الوجه الوجوب للمتمكن أيضا كما يلزمه شراء الماء وقال بعض الجمهور لا يلزمه كما لو عجز عن القيام في الصلاة لا يلزمه استئجار من يعينه ويعتمد عليه ونحن
يمنع الأصل ولو عجز عن الأجرة أو لم يجد من يستأجره صلى على حسب حاله كفاقد الماء والتراب وفي
وجوب إعادة الصلاة إشكال. [السادس] لو
خلق له يد زائدة وإصبع أو لحم نابت أو جلد منبسط في محل الفرض وجب غسله لأنه كالجزء منه فأشبه الثؤلول ولو كانت فوق المرفق كالعضد والمرفق
لم يجب غسلها سواء كانت طويلة أو قصيرة لأنها خرجت عن محل الفرض فأشبهت شعر الرأس إذا نزل عن الوجه وقال الشافعي إن كان بعضها يحاذي محل
الفرض غسل المحاذي منه وليس بشئ. [السابع] لو لم يعلم اليد الزائد من الأصلية وجب غسلهما جميعا لان غسل إحديهما تعيين وتخصيص
إحديهما به ترجيح من غير مرجح فوجب الجميع كما لو نجس إحدى يديه ولم يعلمها بعينها. [الثامن] لو انقلعت جلدة من غير محل الفرض حتى
نزلت من محل الفرض وجب غسلها لان أصلها في محل الفرض فأشبهت الا صبع الزائدة ولو انقلعت من محل الفر ض فعدلت من غير محل الفرض
لم يجب غسلها قصيرة كانت أو طويلة بلا خلاف لأنها في غير محل الفرض كما لا يفسد الإصبع النابتة في غير محله ولو انقلعت من أحد المحلين
فالتحم رأسها في الآخر ونفى وسطها متجاوزا صار حكمها حكم النابت في المحلين يجب غسل ما حاذى محل الفرض من ظاهرها وباطنها وغسل
ما تحتها من محل الفرض. [التاسع] لو قطعت يده من دون المرفق بعد الطهارة لم يجب غسل ما ظهر منها لان الطهارة لم يتعلق بموضع القطع
وإنما كانت متعلقة بما كان ظاهرا من اليد وقد غسله. [العاشر] لو طالت أظفاره حتى خرجت عن سمت يده احتمل وجوب غسلها لأنه نادر و
عدمه كاللحية وللشافعية الوجهان. [الحادي عشر] الوسخ تحت الظفر المانع من وصول الماء إلى ما تحته هل يجب إزالته مع عدم الضرر فيه إشكال فإن لقائل
أن يقول إنه حائل عما يجب غسله ويمكن إزالته من غير مشقة فيجب كالسمع ويمكن أن يقال إنه ساتر عادة فكان يجب على النبي (صلى الله عليه وآله) بيانه ولما
لم يبين دل على عدم الوجوب ولأنه يستر عادة فأشبه ما يستره الشعر من الوجه والأقرب الأول. [الثاني عشر] ذو الرأسين واليدين يغسل أعضائه
مطلقا لان كل واحد من الوجهين يسمى وجها سواء علمت الزيادة أو لا وسواء حكم الشرع بوحدته أو بكثرته. مسألة: ويجب مسح الرأس بالنص
والاجماع واختلفوا في قدر الواجب منه فقال مالك وأحمد (في أحد) قوليه يجب مسح الجميع وقال علماؤنا الواجب مسح البعض وهو مذهب الحسن والثوري والأوزاعي
والشافعي وأبو حنيفة وفصل أحمد في القول الآخر فأوجب الاستيعاب في حق الرجل دون المرأة وحكي عن محمد بن مسلم من أصحاب مالك أنه إن ترك
قدر الثلث جاز وقال غيره من أصحابه إن ترك يسيرا بغير قصد جاز وحكي عن المزني أنه قال يجب مسح جميعه. لنا: قوله تعالى: (فامسحوا برؤسكم) وقد بينا
أن " الباء " للتبعيض وما رواه الجمهور عن المغيرة بن شعبة أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح بناصيته وما رواه سعيد عن عثمان أنه مسح مقدم
رأسه بيده مرة واحدة لم يستأنف له ماء جديدا حين حكى وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما رواه أنس بن مالك أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) توضى فوضع مقدم عمامته وأدخل يده تحتها فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة ولا شك أن مسح جميع الرأس
لا يتم مع رفع المقدم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ألا تخبرني من أين علمت وقلت أن المسح
ببعض الرأس وبعض الرجل فضحك ثم قال يا زرارة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونزلت به الكتاب من الله تعالى بقوله: (اغسلوا وجوهكم)
فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل قال: (وأيديكم إلى المرافق) ثم فصل بين الكلامين فقال: (وامسحوا برؤسكم) فعرفنا حين وصلهما بالرأس إن المسح ببعض الرأس كان
59

وصل الرجل بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: (وأرجلكم إلى الكعبين) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضها ثم فسر ذلك رسول الله
(صلى الله عليه وآله) للناس فضيعوه ثم قال: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) فلما وضع الوضوء عمن لم يجد الماء لثبت
بعض الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم ثم وصل بها وأيديكم ثم قال منه أي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك أجمع لا يجري على الوجه لأنه تعلق من ذلك ببعض
الكف ولا تعلق ببعضها ثم قال: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) والحرج: الضيق وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: مسح الرأس على مقدمه وما رواه عن معمر بن عمير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يجزي من مسح الرأس ثلاث أصابع وكذلك الرجل وروى ابن يعقوب في
الحسن عن زرارة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح قدر ثلاث أصابع ولا يلقي عنها خمارها وما رواه
عن الحسين قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل توضى وهو معتم فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد؟ فقال: يدخل إصبعه وأيضا الأصل براءة
الذمة ومن مسح بعض رأسه يصدق أنه قد مسح برأسه كما يقال مسحت برأس اليتيم وأيضا فهو مسح يسقط في التيمم فوجب أن لا يستحق
الاستيعاب كالمسح على الخفين عندهم وأيضا لا يجب الاستيعاب في المسح كما لا يجب استيعاب الحلق في التخلل والجامع ما هو مشترك فيه من كون كل منهما
حكما مختصا بالرأس على وجه العبادة احتجوا بما رووا عنه (عليه السلام) من أنه توضى فمسح رأسه كله ولأنه لما كان كل جزء من الرأس محصلا للعرض
علم تعلقه بالجميع قياسا على سائر الأعضاء والجواب عن الأول: بالمنع من صحته فإن أهل البيت (عليهم السلام أجمعوا على رده ورده الشافعي وأبو حنيفة
فلو كان صحيحا لما ردوه وأيضا يحمل على غير الوجوب جمعا بينه وبين ما نقلوه عنه (عليه السلام) من ترك مسح البعض ولا يمكن أن يقال إنه ترك بعض
الواجب وعن الثاني: بالمنع من ثبوت العلة في الفرع فإن عندنا المسح مختص بالمقدم على ما يأتي ومع هذا فإنه ينتقض بالمسح على الخفين فإن كل
جزء من الخف محل الفرض ثم لا يتعلق الفرض بالجميع وكذا يحصل الكفارة المخيرة وأصل الامر بالمهية الكلية لا يقتضي الامر بشئ من جريانها على
اليقين لان الماهية صادقة على تلك الجزئيات وليس كل واحد منها صادقا على الآخر فما به الاشتراك غير ما ليس بالاشتراك فالامر بالماهية
الكلية التي بها الاشتراك لا يكون أمرا بما به يمتاز كل واحد من الجهات لا بالذات ولا بالاستلزام نعم يكون أمرا بواحد منها لا بعينه لاستحالة
تحصيل الكلي إلا في أحد جزئياته. فروع [الأول] الحق عندي أن الواجب من مسح الرأس لا يتقدر بقدر في الرجل وفي المرأة بل يكفي
فيه أقل ما يصدق عليه الاسم وبه قال الشيخ في المبسوط نعم الأفضل ما يكون مقدار ثلاث أصابع مضمومة وبه قال السيد المرتضى في المصباح
وقال في الخلاف يجب مقدار ثلاث أصابع وهو اختيار ابن بابويه وأبي حنيفة في إحدى الروايتين عنه وفي الرواية الأخرى يجزي مسح أربعة لا غير
وقال الشافعي يجزي ما وقع عليه الاسم وأقله ثلاث شعرات وحكي عنه أنه لو مسح شعرة واحدة أجزأه وذهب بعض الحنابلة إلى أن قدر الواجب
هو الناصية وهو رواية عن أبي حنيفة وحكي عن أحمد أنه لا يجزي إلا مسح أكثره. لنا: قوله تعالى: (وامسحوا برؤسكم) والمراد البعض الكلي الصادق على الكثير
والقليل والامر الكلي لا يكون أمرا بشئ من جزئياته على التعيين فأيها أوقع أجزأ ولا حد له شرعا فيفتقر بالاجزاء على أقل ما يتناوله الاسم
وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة وبكير بن أعين أنهما سألا أبا جعفر (عليه السلام) عن وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن انتهى قوله تعالى:
(فامسحوا برؤسكم وأرجلكم) قال (عليه السلام): فإذا مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه
وروى الشيخ عن حماد بن عيسى بإسناد صحيح عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يتوضأ وعليه العمامة قدر ما (قال رفع العمامة و) يدخل أصبعه فيمسح على
مقدم رأسه وهذا الحديث وإن كان مرسلا إلا أن الأصل يعضده علي بن يعقوب رواه في كتابه عن حماد عن الحسين عن أبي عبد الله (عليه السلام) ورواه
السيد المرتضى في الخلاف عن حماد أبي عبد الله (عليه السلام) والحاصل أن حماد أرسله تارة وأسنده أخرى فيكون حكمه حكم الروايتين فيعمل بالسند
لا يقال أنهما رواه في واقعة واحدة فيقع التعارض لأنا نقول ليس في واقعة قولان الرواية الأولى عن أحدهما (عليهما السلام) فتحمل على أنه أبو جعفر
الباقر (عليه السلام) على أنهما لو كانا واحدا لجاز سماعه من ثقة تارة ومنه (عليه السلام) أخرى فإن اتحاد المروي عنه لا يحصل اتحاد الواقعة على أن السيد
المرتضى روى عن حماد أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فكيف يقع الاتحاد لا يقال يعارض هذه الأدلة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال المرأة يجزي بها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع ولا يلقى عنها خمارها والاجزاء إنما يفهم في أقل الواجب لأنا نقول
لا نسلم أنه إنما يفهم في أقل الواجب نعم لا شك على أنه إلا تحمل عود الاجزاء إلى عدم إلقاء الخمار وهو الأولى لما رواه الشيخ عن عبد الله بن
الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجل إن المرأة إذا أصبحت
مسحت رأسها وتضع الخمار عنها فإذا كان الظهر والعصر والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها احتج أبو حنيفة بأن المسح أمر مقصود والامر به أمر باستعمال
الآلة التي هي اليد فكأنها مذكورة دلالة والاقتضاء لا عموم له فثبت بقدر ما يدفع به الضرورة وهو الأدنى وثلاث أصابع إليه أدنى الآلة
لأنه يقوم مقام كلية اليد لأنه أكثر اليد إلا أنه دون كله فيصير مأمورا باستعمال هذا القدر ضرورة والجواب لا نسلم أن الآلة هي اليد بل بعضها
سلمنا لكن لا نسلم أن أدنى اليد ثلاث أصابع وكيف يصح فيه ذلك ومن مذهبه أنه لو مسح بإصبع واحدة ثلاث مرات باستيناف ما هو مقدار ثلاث أصابع
60

اجزاء فليس المعتبر حينئذ الآلة بل قدر الممسوح فيسقط ما قال بالكلية. [الثاني] القائلون بالاكتفاء بالأقل اختلفوا فذهب قوم إلى أن
القدر الزائد عليه يوصف بالوجوب والمحققون منعوا من ذلك فإن الواجب هو الذي لا يجوز تركه وهذه الزيادة يجوز تركها فلا تكون واجبة.
[الثالث] المسح عندنا مختص بالمقدم خلافا للجمهور. لنا: ما رواه من حديث المغيرة بن شعبة وعثمان في اختصاص مسح رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بالمقدم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مسح الرأس على مقدمه ولا يعارض هذا ما رواه
الشيخ عن الحسين بن عبد الله قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يمسح رأسه من خلفه وعليه عمامة بإصبعه أيجزيه فقال: نعم لوجهين أحدهما:
أن الراوي لا يحضرنا الآن حال تقيته وعدمه. الثاني: أنه لا يمنع أن يدخل الرجل إصبعه من خلفه ويمسح المقدم ويمكن أن يخرج ذلك فخرج البقية ومما
يعضد ما ذكرناه ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال قال أبو عبد الله (عليه السلام): امسح على قدمه. [الرابع] يجوز المسح على المقدم مقبلا و
مدبرا وهو مذهب الشيخ في المبسوط وقال في الخلاف التحريم. لنا: أنه امتثل الامر بالمسح فوجب الاجزاء وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس أن يمسح الوضوء مقبلا ومدبرا ولان أبا جعفر (عليه السلام) لما حكى وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر البدأة
بالمرفقين لما كان واجبا وأهمل كيفية المسح بل قال: ثم مسح رأسه وقدمه وفي رواية أخرى ثم مسح ببقية ما بقي ما في يديه رأسه ورجليه ولو كان استقبال
الشعر حراما لوجب بيانه لان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. [الخامس] يجوز المسح على البشرة وعلى شعرها خلافا لبعض الجمهور حيث ذهب إلى
وجوب المسح على الشعر. لنا: قوله تعالى: (فامسحوا برؤسكم) وهو يتناول البشرة حقيقة وإنما صير إلى الشعر لمحل الظاهر فعلى تقدير التوصل وجب
الاجزاء واحتج المخالف بأن الفرض قد انتقل إلى الشعر كما انتقل في غسل اللحية فكما لم يجز هناك غسل الباطن فكذا هنا والجواب إنما اعتبرنا
الظاهر في اللحية لانتقال اسم الوجه إليه وزواله عن البشرة بخلاف الرأس الذي أسمه لازم مع ستره بالشعر فاقترنا (. [السادس] لا يجوز المسح على حائل
غير الشعر كالعمامة وهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وقال الثوري والأوزاعي وأحمد وداود وإسحاق إنما يجوز ذلك
إلا أن أحمد والأوزاعي قالا إنما يجوز إذا لبسها على طهارة فقال بعض أصحاب أحمد إنما يجوز ذلك إذا كانت تحت الحنك. لنا: قوله تعالى: (وامسحوا
برؤسكم) و " الباء " اما للالصاق أو للتبعيض وعلى كلا التقديرين يجب المسح على البشرة ما لم تكن ضرورة مانعة كالشعر وما رواه الجمهور من صفة وضوء رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أنه مسح برأسه وروى الشيخ عن حماد عن الحسين قال لأبي عبد الله (عليه السلام)
رجل توضى وهو معتم وثقل عنه نزع العمامة لمكان البرد فقال:
ليدخل إصبعه. تذنيب: لا فرق بين أن يكون الحائل ثخينا يمنع من وصول ماء المسح إلى الرأس أو يكون رقيقا لا يمنع عملا بالآية وقال أبو حنيفة
إن كان رقيقا ينفذ الماء منه ويبلغ ربع الرأس أجزأه وهذا بناء على أصله من استيناف الماء. [السابع] يستحب أن تضع المرأة القناع ويتأكد في المغرب
والصبح لما رواه الشيخ عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقد تقدم في حديث عبد الله بن الحسين بن زيد. [الثامن] لا يمسح على الجمة ولا على ما يجمع على مقدم الرأس
من غير شعر المقدم لأنه حائل ضروري فأشبه العمامة ولو خضب رأسه بما يستره أو طينه بساتر لم يجز المسح على الخضاب والطين لأنه لم يمسح على محل الفرض فأشبه
المسح على العمامة. [التاسع] لو كان على رأسه جمة فأدخل يده تحتها ومسح على رأسه أجزأ لحصول الامتثال بالمسح على الرأس ونقل الشيخ عن الشافعي عدم
الجواز وهو ضعيف. [العاشر] يجب المسح في الرأس والرجلين ببقية البلل ولا يجوز الاستيناف وأوجب الجمهور الاستيناف إلا مالكا فإنه أجاز المسح
بالتقية وهو منقول عن الحسن وعروة والأوزاعي. لنا: ما رواه الجمهور عن عثمان قال مسح رسول الله (صلى الله عليه وآله) مقدم رأسه بيده مرة
واحدة ولم يستأنف له ماء جديدا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة بن أعين قال حكى لنا أبو جعفر (عليه السلام) وضوء رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال ثم مسح ببقية ما بقي في يده رأسه ورجليه ولم يعدها في الاناء وروي عن بكير وزرارة أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام)
صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال ثم مسح رأسه إلى الكعبين بفضل كفيه لم يجدد وفعله (عليه السلام) بيان للمجمل فيكون واجبا
وروى الشيخ في الصحيح قال وضأت أبا جعفر (عليه السلام) بجمع وقال بال وناولته ماء فاستنجى ثم صببت عليه كفا فغسل وجهه وكفا غسل به ذراعه الأيمن
وكفا غسل به ذراعه الأيسر ثم مسح بفضلة الندى رأسه ورجليه قال ابن الجنيد من أصحابنا إذا كان بيد المتطهر نداوة يستبقها من غسل يده مسح بيمينه
رأسه ورجليه اليمنى وبيده اليسرى رجله اليسرى وإن لم يستبق ذلك أخذ ماء جديدا لرأسه ورجليه وذلك ظاهر في جواز الاستيناف احتج بما رواه في الصحيح عن أبي
معمر بن خالد قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) أيجزي الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه فقال لا، فقلت أبماء جديد؟ فقال: برأسه نعم ورواه الشيخ في الصحيح وبما رواه في الصحيح عن أبي
بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسح الرأس قلت أمسح بما في يدي رأسي؟ قال: بل تضع يدك في الماء ثم تمسح قال الشيخ وهذان محمولان على التقية
ومعارضان بالأحاديث المتقدمة وبوجوب الموالاة المستدعية لعدم الاستيناف بخلاف غسل اليدين الذي لا يمكن إلا به وبالاحتياط. [الحادي
عشر] لو غسل موضع المسح لم يجزيه وبه قال علماؤنا أجمع وقال الشافعي بالجواز وهو أحد قولي أحمد. لنا: أن الواجب المسح فلا يجزي ما
غايره كالغسل وما رواه الجمهور في صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه مسح وأمر بالمسح ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال لي لو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثم أضمرت إلى ذلك من المفروض لم يكن بوضوء وما رواه عن محمد بن
61

مروان قال أبو عبد الله (عليه السلام) أنه يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة قلت وكيف ذاك؟ قال: لأنه يغسل ما أمره الله بمسحه.
[الثاني عشر] لو ذكر أنه لم يمسح ببقية النداوة فإن لم يبق في يده أخذ من لحيته وأشفار عينيه وحاجبيه ومسح ولو لم يبق أعاد لما رواه الشيخ في
الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل ينسى مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة قال: إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل
ذلك وليصلي وروي في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ويكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به
مقدم رأسك قال في الذاكر للترك وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) فإن شككت في مسح رأسك وأصبت في لحيتك بللا فامسح بها
عليه وعلى ظهر قدمك ولأنه ماء الوضوء فأشبه لها لو كان على اليد إذ الاعتبار بالبقية لا بمحل ما ولا فرق بين أن يكون ذلك البلل بقية الغسل الأولى
أو الثانية لان كل واحد منهما ماء الوضوء. [الثالث عشر] لو مسح رأسه بخرقة مبلولة أو خشبة لم يجزه عندنا قولا واحدا لأنه ماء جديد و
القائلون بجواز الاستيناف اختلفوا فذهب بعضهم إلى الجواز لأنه فعل المأمور به وآخرون منعوا وهو الأصح لان النبي (صلى الله عليه وآله) مسح
بيده ولو وضع على رأسه خرقة مبلولة فابتل به رأسه أو وضع خرقة ثم بلها حتى ابتل شعره لم يجزه قولا واحدا لان ذلك ليس بمسح ولا غسل.
[الرابع عشر] إن مسح بإصبع واحدة أو إصبعين أجزأه عندنا لأن الاعتبار بأقل الاسم وأما من قال من أصحابنا بوجوب ثلاث أصابع فإنه
لا يجزيه إلا إذا مسح بهما ما يجب مسحه فالأولى على قولهم الاجزاء لان السيد احتج بما رواه معمر بن عمر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال يجزي من مسح
الرأس موضع ثلاث أصابع أما الجمهور الموجبون لمقدار ثلاث أصابع فقد اختلفوا ها هنا فقال زفر: بالجواز وقال أحمد: يجوز وإن كان الواجب عنده مسح جميع الرأس إذا استوعبه
بالإصبع وقال أبو حنيفة: لا يجوز والخلاف ينشأ من كون المستعمل طهورا أم لا. [الخامس عشر] مسح جميع الرأس غير مستحب ولا مسح الاذنين
خلافا للشافعي لان عثمان نقل في وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيفية المسح ولم ينقل مسح الجميع بل المقدم ومن طريق الخاصة ما وصفه أبو جعفر
(عليه السلام) من وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا لم يفعله كان غير موظف شرعا فلا اعتداد به. [السادس عشر] لو أصاب رأسه من ماء
المطر لم يجزه لأنه ما استأنف والشرط استعمال الماء الباقي من نداوة الوضوء وقال أبو حنيفة إذا أصاب مقدار ثلاث أصابع أجزأه مسحه باليد
أو لم يمسحه وهو ضعيف لما قلنا ولو سلمنا لكن الواجب المسح ولم يحصل. [السابع عشر] لا يستحب مسح العنق ولو اعتقده كان بدعة
قال شارح الطحاوي ليس عند أصحابنا المتقدمين فيه رواية قال وعن الفقيه أبي جعفر الهندواني أنه قال يمسح على العنق وقال الشافعي
يستحب المسح على الرقبة. لنا: ما رواه الجمهور عن عثمان في صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يذكر فيه العنق ولا الرقبة ورووه أيضا عنه (عليه السلام)
وقال عقيب ذلك فمن زاد أو نقص فقد تعدى عقيب وضوئه ثلاثا فيقول المراد بالتعدي التجاوز عن محال الوضوء وأمكنته لا العدد لان نقص العدد جائز
اتفاقا قال الواجب مرة واحدة. [الثامن عشر] لا يجوز المسح على الاذنين ذهب إليه علماؤنا أجمع وقال الشافعي حكم الاذنين منفرد عن الرأس و
الوجه فيأخذ لها ماء جديدا وقال أحدهما من الرأس ويجب مسحهما على الرواية التي توجب استيعاب الرأس ويجزي أن يمسحهما بماء الرأس وروى
الجمهور عن عبد الله بن العباس أنهما من الرأس يمسحان بماء الرأس وبه قال عطا والحسن البصري ومن الفقهاء الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه
وقال الزهري هما من الوجه وذهب الشعبي والحسن بن صالح بن يحيى أنه يغسل ما أقبل ويمسح ما أدبر منهما مع الرأس. لنا: ما رواه الجمهور في حديث
عثمان حيث نقل صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم ينقلهما ومن طريق الخاصة ما روي عنهما (عليهما السلام) من صفة وضوء رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ولم يذكر الاذنين وما رواه زرارة قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) أن أناسا يقولون الاذنين من الوجه وظهرهما من الرأس فقال ليس
عليهما غسل ولا مسح. [التاسع عشر] لو وضع يده المبتلة على موضع المسح ورفعها لم يجزه لأنه لم يأت بالواجب وهو المسح وهو أحد وجهي
الشافعي ولو مسح بيده على شعر جعد كالريح؟ فإن كان يخرج بالمد عن محل الفرض لم يجزه. مسألة: قال علماؤنا الواجب مسح الرجلين
إلى الكعبين وهو قول عبد الله بن عباس من الصحابة وقول علي (عليه السلام) وأنس بن مالك روي عنه أنه ذكر له قول الحجاج اغسلوا القدمين ظاهرهما
وباطنهما وخللوا بين الأصابع فإنه ليس شئ من ابن آدم أقرب من الخبث من قدميه فقال أنس: صدق الله وكذب الحجاج وتلا قوله: (فاغسلوا
وجو هكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين وقال الشعبي الوضوء مغسولان وممسوحان وبه قال أبو العالية وعكرمة
وقال أبو الحسن البصري وابن جرير الطبري وأبو علي الحناني بالتخيير بين المسح والغسل وقال الفقهاء الأربعة وباقي الجمهور الواجب الغسل دون المسح
وقال داود ويجب الغسل والمسح معا. لنا: وجوه، {الأول} قوله تعالى: (وامسحوا برؤسكم وأرجلكم) بالجر في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة وفي رواية
أبي بكر عن عاصم وذلك يصح الا مع العطف على المجرور وهو الرؤس فيجب المشاركة في الحكم لاتفاق أهل اللغة على أن الواو مشترك في
المعنى والاعراب لا يقال الجر لا يقتضي العطف على المجرور لجواز العطف على الأيدي والجر بالمجاورة فإنه قد جاء في كلام العرب الجر على المجاورة
كثيرا كقولهم جحر ضب خرب والخرب صفة الجحر المرفوع وقال الشاعر كان بشيرا في عرانين وبله كثير أناس في بجاد مرمل والمرمل من صغار الحصى صفة لكثير الابجاد
لأنا نقول هذا باطل من وجوه أما أولا: فلان أهل العربية نصوا على أن الاعراب بالمجاورة لا يقاس عليه وإذا خرج إلى هذا الحد في الشذوذ
62

استحال حمل كلام الله تعالى عليه وأما ثانيا: فلان الأخفش قال إنه لم يرد الاعراب بالمجاورة في كتاب الله تعالى فكيف يصح حمله عليه مع إنكار مثل
هذا الرجل له وأما ثالثا: فلان الاعراب بالمجاورة إنما يسوغ في موضع يزول فيه الاشتباه كما في المثل والبيت أما في مثل هذه الآية فلا وأما
رابعا: فلان المجاورة إنما تصح مع عدم حرف العطف كما في المثال والبيت أما مع وجوده فلا وقوله تعالى: (وحور عين) على قراءة من قرأ بالجر ليس
من هذا الباب قال أبو علي الفارسي في كتابه الحجة هو عطف على قوله: (أولئك المقربون في جنات النعيم) ويكون قد حذف المضاف وتقديره " أولئك
في جنات النعيم " وفي مقارنة حور عين أو في معاشر حور عين وهذا الوجه حسن على أن أكثر القراء قرأ بالرفع ولم يقرأه بالجر غير حمزة والكسائي لا
يقال قد قرئ بالنصب وذلك يقتضي العطف على الأيدي لأنا نقول لا نسلم أن النصب يوجب العطف على الأيدي بل كما يجوز العطف عليها يجوز العطف على محل الرؤس والعطف
على الموضع مشهور عند أهل اللغة فإن قلت العطف على اللفظ أولى قلت لا نسلم الأولوية سلمنا لكن يعارضها أولويتان إحداهما: القرب وهو معتبر
في اللغة فإنهم اتفقوا على أن قولهم ضربت فضلي سعدي أن الأقرب فاعل ولو عطفت ببشرى أيضا لكان عطفا على المفعول للقرب وكذلك جعلوا
أقرب الفعلين إلى المعمول عاملا بخلاف الأبعد وذلك معلوم من لغتهم ومع العطف على لفظ الأيدي يفوت هذه الأولوية الثانية أنه
من المستقبح في لغة العرب الانتقال من حكم قبل تمامه إلى حكم آخر غير مشارك له ولا مناسب على أنا نقول العطف ها هنا على لفظ الأيدي ممتنع لأنه معه
يبطل قراءة الجر للتنافي بينهما ومع العطف على الموضع يحصل الجمع ويجب المصير إليه ومن العجائب ترجيح الغسل لقراءة النصب مع عدم دلالتها
وإمكان حملها على أمر سائغ على المسح المستفاد من قراءة الجر وحمل الجر على أمر ممتنع. الثاني: ما رواه الجمهور عن أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى النبي
(صلى الله عليه وآله) أتى كظامة قوم بالطائف فتوضأ ومسح على قدميه وما رووه عن ابن عباس أنه وصف وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فمسح على رجليه وما رووه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه توضأ ومسح على قدميه ونعليه. الثالث: ما رووه عن
الصحابة كعلي (عليه السلام) فإنه قال ما نزل القرآن إلا بالمسح وابن عباس إنه قال كتاب الله المسح ويأبى الناس إلا الغسل وذلك من الأخبار الدالة على
عمل الصحابة بالمسح وعملهم حجة. الرابع: ما رواه الخاصة روى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حكاية وضوء رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ثم مسح ببقية ما في يديه ورأسه ورجليه ولم يعدها في الاناء وروي في الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) ثم مسح بفضلة
اليد رأسه ورجليه وما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: (وأرجلكم إلى الكعبين)
فعرفنا أن المسح على بعضها ثم فسر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس فضيعوه وما رواه عن سالم وغالب ابني هذيل قال سألت أبا جعفر (عليه السلام)
عن المسح على الرجلين فقال: نعم هو الذي نزل به جبرئيل (عليه السلام) وروي في الصحيح عن أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المسح على القدمين
كيف هو فوضع كفه على الأصابع ثم مسحها على الكعبين وما رواه في الحسن عن أيوب نوح قال كتبت إلى أبي
الحسن (عليه السلام) أسأله عن المسح على
القدمين فقال الوضوء بالمسح ولا يجب فيه إلا ذلك ومن غسل فلا بأس لا يقال هذا تنافي قولكم لان الغسل عندكم غير مجز بل الواجب المسح لأنا
نقول إن قوله (عليه السلام) ومن غسل فلا بأس أشار بذلك من غسل للتنظيف لأنه يحتمل ذلك عليه جمعا بين الأدلة ولان قوله (عليه السلام) لا يجب
إلا ذلك استثناء لنفي الوجوب فثبت الوجوب وهو يثبت البأس بالغسل فيحتمل على ما قلناه وإلا لزم التناقض وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليه السلام) قال سألته عن المسح على الرجلين فقال لا بأس لا يقال هذا يدل على التخيير لان رفع البأس يفهم منه تجويز المخالفة لأنا نقول نمنع ذلك فإن
نفى البأس أعم من ثوبت البأس في نقضه ونفيه ولا دلالة للعام على الخاص بإحدى الدلالات الثلاث على أن دلالة المفهوم إنما يكون حجة على تقدير
عدم المنافي للمنطوق فإنه أقوى منه والمنافي ما قدمناه من الأحاديث وروي عن محمد بن مروان قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) إنه يأتي على الرجل
ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة قلت وكيف ذلك؟ قال: لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه. الخامس: أنه عضو من أعضاء الطهارة يسقط في التيمم
فيكون فرضه المسح كالرأس واستدل المخالفون بما رواه عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه توضأ فغسل رجليه ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به
وما رواه أبو هريرة وعائشة أنه صلى الله عليه وآله قال: ويل للأعقاب من النار وتوعد على ترك غسل العقب فلو جاز تركه لكان التوعد عليه قبيحا وروى عاصم بن
لقيط عن أبيه قال قلت كيف الوضوء يا رسول الله فقال أصبغ الوضوء وخلل بين الأصابع والجواب عن الأول: أنه يحتمل أن يكون (عليه السلام) فعل ذلك بعد
مسحهما ولم يرو الراوي المسح للنسيان أو لالتباس الفعل عليه ويتقارب زمانه أو لتوهم أن ذكر الغسل يغنى عنه. وعن الثاني: أنه قد قيل إن أحدا
من الاعراب كانوا يبولون وهم قيام فيترشش البول على أعقابهم وأرجلهم فلا يغسلونها ويدخلون المسجد للصلاة فتوعد النبي (صلى الله
عليه وآله) لأجل ذلك. وعن الثالث: أن إسباغ الوضوء لا يستلزم جواز الغسل فإنا نحن نقول به في تكريره وإكثار الماء فيه واستقصاء الغسل
والامر بالتخليل بين الأصابع لا يدل على أنها أصابع الأرجل. مسألة: لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح بل الواجب من رؤس الأصابع
إلى الكعبين ولو بإصبع واحدة وهو مذهب علماء نا أجمع. لنا: أنه تعالى عطف الأرجل على الرؤس بالواو فوجب التشريك عملا بمقتضى العطف
وفي المعطوف عليه ثبت الحكم في بعضه فكذا المعطوف خصوصا وقد قرئ بالجر المقتضي لتكرير العامل تقديرا لا يقال فقد قرئ بالنصب
63

وذلك يقتضي العطف على لمحل فلا يكون مبعضا لأنا نقول لا منافاة بينهما لان التبعيض لما ثبت في الجر وجب تقديره في النصب وإلا لتنافت القراءتان
وتقدير عامل الجر مع النصب غير ممتنع بخلاف الجر مع عدم تقديره ولأنه بفعل البعض يكون ممتثلا لصدق اسم المسح فيه فثبت الاجزاء ولما
رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة وبكير عن أبي جعفر (عليه السلام) في صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال فإذا مسح بشئ من رأسه أو من رجليه قدميه
ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه لا يقال يعارض هذا ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سألته عن المسح على
القدمين كيف هو فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم فقلت جعلت فداك لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه؟ فقال:
لا إلا بكفه وما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا توضأت فامسح قدميك ظاهرهما وباطنهما ثم قال هكذا فوضع يده على
الكعب ووضع الأخرى على باطن قدميه ثم مسحهما إلى الأصابع لأنا نقول أما الأول: فمحمول على الاستحباب إذ لا ريب في المسح بأكثر من الا صبع
فيحمل عليه جمعا بين الأدلة والنفي ها هنا كما في قوله (عليه السلام) لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وأما الثاني فلا تعويل عليه إذ الرواة فطحية فسقط
بالكلية وأيضا لو وجب استيعاب المسح لزم خرق الاجماع لان الناس قائلان منهم من أوجب المسح ولم يو جب الاستيعاب ومنهم من لم يوجب فقال بالاستيعاب
فلو قلنا بوجوب الاستيعاب مع وجوب المسح كان ذلك خرقا للاجماع واعلم أن المحققين من الأصوليين قالوا إن القول الثالث إنما يكون باطلا
إذا تضمن إيصال ما أجمعوا عليه كحرمان الجد مع الأخ قال بعضهم بالمقاسمة والآخرون بحرمان الأخ إذا لم يتضمن وها هنا من قبل القسم الأول
فإن القائل بالغسل والمسح اتفقوا على نفي وجوب مسح الجميع فالقول بوجوبه قول ببطلان المتفق عليه. مسألة: ذهب علماؤنا إلى
أن الكعبين هما العظمان النابتان في وسط القدم وهما معقد الشراك وبه قال محمد بن الحسن من الجمهور وخالف الباقون فيه وقالوا إن الكعبين
هما النابتان في جانبي الساق وهما المسميان بالطنابيب. لنا: وجوه، {أحدها} قوله تعالى: (إلى الكعبين) تدل على أن في الرجلين كعبين لا غير ولو أراد
ما ذكروه لكانت كعاب الرجل أربعة فإن لكل قدم كعبين. {الثاني} ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) في
وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى قوله: قلنا أصلحك الله فأين الكعبان؟ قال: هنا يعني المفصل وما رواه عن ميسرة عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال: الوضوء واحد ووصف الكعب في ظهر القدم وما رواه عن ميسرة عن أبي جعفر (عليه السلام) في صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم وضع يده على
ظهر القدم ثم قال هذا هو الكعب قال وأومى بيده إلى أسفل العرقوب ثم قال إن هذا هو الطنبوب. {الثالث} التمسك بالاجماع فنقول القول بوجوب المسح مع
أن الكعب غير ما ذكرناه منفي بالاجماع أما عندنا فلثبوت الامرين وأما عند الخصم فلانتفائهما معا احتج المخالف بقوله تعالى: (وأرجلكم إلى الكعبين)
أراد كل رجل يغسل إلى الكعبين إذ لو أراد جمع كعاب الأرجل لقال إلى الكعاب كالمرافق ولما روى أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في سوق
ذي المجاز عليه جبة حمراء وهو يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ورجل تبعه يرميه بالحجارة حتى أدمى عرقوبيه وكعبيه فقيل
من هو فقال عمه أبو لهب دل على أن الكعب في جانب القدم لان الرمية إذا كانت من وراء المرمي لم يصب ظهر قدمه وما رواه النعمان بن بشير أنه قال
لتسوين صفوفكم أو لتخالفن الله بين قلوبكم فقال فلقد رأيت الرجل منا يلصق كعبه بكعب صاحبه ومنكبه بمنكبه فدل على أن الكعب في جانب القدم
لامتناع الالصاق في ظهره ولان أبا عبيدة قال الكعب هو الذي في أصل القدم ينتهي الساق إليه بمنزلة كعاب القنا. والجواب عن الأول: أنه تعالى
عنى رجلي كل واحد من المتطهرين ومعلوم قطعا أن في رجلين كعبين وهذا أولى فإن التكليف يتناول الرجلين معا فصرف الخطاب إلى المتعلق بهما
أشبه ولا استبعاد في الجميع بالقياس إلى الجمع وفي التشبيه بالقياس إلى المكلف فالأول كالمرافق والثاني كالكعبين وعن الثاني: أنه لا استبعاد
في إصابة الرامي ظهر قدمه فإنه ربما كان مع توليته عنه كان يقبل أحيانا عليه فتقبل إليه فيصيب المرمى ظهر قدمه فإنه ليس في الخبر أكثر من الاتباع
وقد يتبع من يقبل بوجهه تارة ويعرض أخرى. وعن الثالث والرابع: أنهما دالان على تسمية غير ما ذكرناه بالكعب ولا منافاة ويجوز أن يكون
ما ذكره النعمان وأبو عبيدة مذهبا فما نقلناه عن الباقر (ع) أولى. فروع: [الأول] قد يشبه عبارة علمائنا على بعض من لا مزيد تحصيل
له في معنى الكعب والضابط فيه ما رواه زرارة في الصحيح عن الباقر (ع) قلنا أصلحك الله فأين الكعبان قال ها هنا يعني المفصل دون عظم الساق. [الثاني]
يجوز المسح مقبلا ومدبرا. لنا: أنه قد امتثل الامر بالمسح ولما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس بمسح القدمين
مقبلا ومدبرا وروى يونس قال أخبرني من رأى أبا الحسن (ع) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلا القدمين. [الثالث]
لا يجوز استيناف ماء جديد لما قلناه في مسح الرأس. [الرابع] لو كان على رجليه رطوبة غير ماء الوضوء ثم مسح بباقي النداوة على تلك الرطوبة فالوجه
الاجزاء خلافا لوالدي (ره) لأنه أتى بالمسح ببقية النداوة ولم يستأنف للوضوء فأجزأه عملا بالأصل وكذا لو كان في الماء فاخرج
رجليه منه ومسح عليهما وفي الجميع نظر. [الخامس] يجب الانتهاء في المسح إلى الكعب لقوله (إلى الكعبين) وبدون الانتهاء لا تحصل الغاية وهل
يجب إدخالهما في المسح قال بعض الأصحاب لا لما رواه زرارة وبكير عن أبي جعفر (عليه السلام) في صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فإذا
مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه فالوجه عندي الدخول لقوله تعالى: (إلى الكعبين)
64

وهذه إما أن يكون بمعنى " مع " كما قلناه في اليدين فتعين الدخول وإما أن يكون غاية فيجب دخولها لعدم اتصالها؟ عن ذي الغاية حسنا؟ و
أيضا قال المبرد: وإذا كان الحد من جنس المحدود دخل فيه والكعبان من جنس الرجلين ولا حجة فيما رواه فإنه قد يكون ذلك مستعملا فيما يدخل
فيه المبدأ كقوله له عندي ما بين واحد إلى عشرة فإنه يدخل فيه دخول الواحد قطعا ولأنه في حالة الابتداء أيهما يجب مسحها لرواية يونس قال أخبرني
من رأى أبا الحسن (ع) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلا القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم فوجب في الانتهاء كذلك لعدم القائل بالفرق ولأنه
يلزم اسقاط بعض ما يجب مسحه في أحد الحالتين وهو باطل اتفاقا. [السادس] يسقط فرض المسح عمن قطعت قدماه ولو بقي شئ بين يدي
الكعب أو الكعب مسح عليه أنه قد كان يجب مسح الجميع فلا يسقط البعض بفوات الباقي لفوات محله. [السابع] لو غسل موضع المسح لم يجز بما
قلناه في الرأس روى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لي: لو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثم أضمرت أن ذلك من المفروض
لم يكن ذلك بوضوء ولم يعارض هذا ما رواه عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتوضأ الوضوء كله إلا رجليه ثم يخوض الماء لهما خوضا قال أجزأه
ذلك لان راويه فطحية (فطحي) ولاحتمال أن يكون ذلك في محل الضرورة كما في التقية. تذنيب: لو فعل ذلك للتقية أو للخوف صح وضوءه فلو زالت العلة
هل تجب إعادة الوضوء؟ فيه نظر والوجه عدم الوجوب ولو أراد التنظيف غسلهما قبل الوضوء أو بعده. [الثامن] لا بأس بالمسح على النعل العربي وإن لم يدخل
يده تحت الشراك لأنه لا يمنع مسح موضع الفرض ولما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في المسح: يمسح على النعلين
ولا يدخل يدك تحت الشراك بقي هنا بحث وهو أنه هل يجب مسح ما تحت الشراك ظاهر قول الأصحاب يقتضي عدمه والأقرب وجوبه لان عدم إيجاب إدخال
اليد تحت الشراك لا يقتضي عدم إيجاب مسحه لامكانه وإن لم يدخل يده تحت الشراك. مسألة: لا يجوز المسح على الخفين ولا على الجوربين ولا
على شئ مما يستر ظهر القدم سفرا وحضرا اختيارا وهو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وبه قال مالك في رواية أبي ذويب عنه فإنه قال: أبطل مالك المسح
على الخفين في آخر أيامه وهو أيضا مذهب الخوارج ومذهب أبي بكر بن داود، وخالف باقي الفقهاء في ذلك لوجوه، {الأول} قوله تعالى: (وامسحوا
برؤسكم وأرجلكم) والحائل ليس برجل فلا يقع معه الامتثال فلا يحصل الاجزاء. {الثاني} ما روته عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه
قال: أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره. وروي عنها أنها قالت: لان أمسح على ظهر عير بالفلاة أحب إلي أن أمسح على خفي. وما
روي عنه (عليه السلام) أنه توضأ مرة وقال: وهذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به. ولا شك أنه في تلك الحال باشر الفعل بالرجلين دون الخف لأنه لو
واقع الفعل على الخفين لم يحصل الاجزاء إلا به وذلك منفي اتفاقا. {الثالث} ما روي عن الصحابة من إنكاره ولم ينكر المنازع فدل على
أنه إجماع روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: مسح الكتاب المسح على الخفين. وفي رواية أخرى: ما أبالي أمسحت على الخفين أو على ظهر عير بالفلاة
ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ولما روى أبو سعيد البدري أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح على الخفين قال له علي (عليه السلام): قبل نزول المائدة أو بعده؟
فسكت أبو سعيد وهذا يدل على أن عليا (عليه السلام) كان يعتقد أنه لا يجوز بعد الامر بالأرجل وروي عن ابن عباس أنه قال: سبق كتاب الله المسح
على الخفين ولم ينكر وروي عنه أنه قال: سألوا هؤلاء هل مسح رسول الله (صلى الله عليه وآله) على خفيه بعد نزول سورة المائدة وبهذا احتج مالك
في أن المسح على الخفين شبهة لا متيقن وروي عن عائشة أنها قالت لان يقطع رجلاي بالمواسي أحب إلي من
أن أمسح على الخفين ولم ينكر عليها وكره
أبو هريرة ذلك {الرابع]. ما رواه الأصحاب روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المسح على الخفين فقال لا تمسح وقال إن
جدي قال سبق الكتاب الخفين وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) سئل عن المسح على الخفين وعلى العمامة قال: لا تمسح عليهما. وروي
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وفيهم علي فقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟
فقال المغيرة بن شعبة فقال رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح على الخفين فقال علي (عليه السلام): قبل المائدة أو بعدها فقال: لا أدري فقال علي (ع): سبق
الكتاب الخفين إنما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت له هل في مسح الخفين
تقية فقال ثلاثة لا اتقي فيها أحدها شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج وروي عن أبي الورد قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أن أبا ظبيان حدثني أنه
رأى عليا (عليه السلام) أراق الماء ثم مسح على الخفين فقال كذب أبو ظبيان أما بلغك قول علي (ع) فيكم سبق الكتاب الخفين فقلت فهل فيهما رخصة
فقال لا إلا من عدو يتقيه أو ثلج يخاف على رجليه ولا منافاة بين الحديثين في عدم التقية وجوازها لاختصاص الأول به (عليه السلام) ويحتمل أنه
لا يتقى تقية يسيرة لا يبلغ المشقة العظيمة وروي عن رقية بن مصقلة قال دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فسألته عن أشياء فقال إني أراك ممن يفتي
في مسجد العراق فقلت نعم فقال لي من أنت فقلت ابن عم لصعصعة فقال مرحبا بك يا بن عم صعصعة فقلت له ما تقول في المسح على الخفين فقال
كان عمر يراه ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم وكان أبي لا يراه في سفر ولا حضر فلما أخرجت من عنده قمت على عتبة الباب فقال أقبل يا بن عم صعصعة
فأقبلت عليه فقال إن القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون وكان أبي لا يقول برأيه. {الخامس} أن يقول آخر أعضاء الطهارة فلا يجوز على الحائل
قياسا على الوجه واليدين أو يقول عضو يسقط في حال الضرورة من غير بدل فلا يجوز المسح على الحائل المنفصل منه كالرأس وشرطنا ألا يفصل
65

ليخرج الشعر في الأصل أو يقول حائل منفصل عن العضو فلا يجوز المسح عليه كالعمامة والبرقع أو يقول الطهارة من حدث فلا يجوز فيها المسح
على الخف كالجنابة احتجوا بما روي عنه (عليه السلام) أنه مسح على خفيه والجواب أن هذه الرواية يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد وذلك لا يجوز وأيضا
فهي معارضة برواية علي (عليه السلام) أنه قال: نسخ الكتاب المسح على الخفين وبما قدمناه من الأحاديث عنه (عليه السلام) وأصحابه. فروع [الأول]
لا بأس بالمسح على الخفين عند الضرورة كالبرد وشبهه والتقية لرواية أبي الورد عن أبي جعفر (عليه السلام) ولان فيه مشقة فكان المسح عليهما حينئذ رخصة.
[الثاني] لما كان الجواز عندنا تابعا للضرورة يقدر بقدرها في السفر والحضر سواء لبسهما على طهارة أو حدث وعلى أي صفة كان الجورب
سواء كان منتعلا أولا وسواء كان الخف يشرح أو لا وسواء كان الجرموق فوق الخف أم لا نعم متى أمكن المسح على البشرة بأن يكون مشقوقا وجب.
[الثالث] لو زالت الضرورة أو نزع الخف استأنف لأنها طهارة مشروطة بالضرورة فيزول مع زوالها والا يتم طهارته بالمسح مع نزعه لان الموالاة
لا تحصل. [الرابع] كما جاز المسح على الخفين للضرورة فكذا يجوز على غيرهما ويجوز على العمامة وعلى القناع مع الضرورة أما مع عدمها فلا وها هنا
فروع أخر مبنية على القول بجواز المسح على الخفين ساقط عندنا ذكر الشيخ (ره) بعضها ونحن نذكرها إقتداء بالشيخ فنقول الفرع
[الأول] اشترط المجوزون للمسح على الخفين بقدم (بعدم) الطهارة ولو غسل أحد رجليه وأدخلها الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف لم يجز المسح حتى يخلع ما لبسه قبل كمال الطهارة
ثم يعيده إلى رجليه هذا عند أحمد والشافعي ومالك وإسحاق وقال أبو حنيفة: يجوز واعتبر أن يكون الحدث مع كمال الطهارة دون اللبس وبه قال المزني
وأبو ثور وداود وابن المنذر لأنه أحدث بعد كمال الطهارة واللبس فجاز المسح كما لو نزع الخف الأول ثم عاد فلبسه واحتج الشافعي بما رواه عن المغيرة بن
شعبة قال كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفر فأهويت لان أنزع خفيه فقال دعهما فإني أدخلهما طاهرين فمسح عليهما جعل العلة
وجود الطهارة فيهما جميعا وقت إدخالهما ولم يوجد طهارتهما وقت لبس الأول ولان الأول خف ملبوس قبل رفع الحدث فلم يجز المسح عليه كما
لو لبسه قبل غسل قدمه. [الثاني] لا يجزي المسح على الخفين في جنابة ولا في غسل واجب ولا مستحب إجماعا منا ومنهم وحجتنا في ذلك ظاهرة واحتجوا بما رواه
صفوان ابن غسال المرادي قال كان النبي (صلى الله عليه وآله) يأمرنا إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولان وجوب الغسل نادر
فلا يشق النزع. [الثالث] لو تطهر ثم لبس الخف فأحدث قبل بلوغ الرجل قدم الخف لم يجز له المسح لان الرجل حصلت في مقرها وهو محدث فصار كما لو بدء باللبس وهو محدث
ونحن لا نشترط هذا في محل الضرورة. [الرابع] لو تيمم ثم لبس الخف قالوا لم يكن له المسح لأنه ليس على طهارة ناقصة ولأنها طهارته ضرورية
بطلت من أصلها فصار كما لو لبسه على الحدث ولأنه غير رافع للحدث فقد لبسه وهو محدث ونحن لا نشترط هذا في الضرورة أما لو تطهرت المستحاضة
أو صاحب السلس ولبسوا أخفافهما فلهم المسح عندهم كمال طهارتهم في حدثهم فلو انقطع الدم وزالت الضرورة بطلت الطهارة من أصلها فلم يكن لهم
مسح كالمتيمم إذا وجد الماء. [الخامس] لو لبس خفين ثم أحدث ثم لبس فوقهما خفين أو جرموقين لم يجز المسح عليهما إجماعا منهم لأنه ليس
مما هو على حدث ونحن لا نشترط كذلك في محل الضرورة ولو مسح على الأولين ثم لبس الجرموقين لم يجز المسح عليهما عند بعضهم لان بالمسح على الخف
لم يزل الحدث فكان لبسه على حدث ولأنها طهارة ناقصة فأشبه التيمم وبعض الشافعية جوزه لان المسح قام مقام غسل القدم وإن لبس الفوقاني
قبل أن يحدث فإن كان الأسفل منخرقا والأعلى صحيحا جاز المسح على الأعلى وإن كان الأعلى منخرقا؟ أو كانا صحيحين قال أبو حنيفة يجوز المسح عليه
لأنه خف ساتر يمكن متابعة المشرفية فأشبه المنفرد وبه قال الشافعي في القدم والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق والمزني ومالك في إحدى
الروايتين ومنع منه الشافعي في أحد قوليه ومالك في الرواية الأخرى لان الحاجة لا تدعو إلى لبسه في الغالب فلا يتعلق به رخصة عامة كالجبيرة
وقال المجوزون فلو نزع الفوقاني قبل مسحه لم يؤثر ذلك وكان لبسه كعدمه ولو نزعه بعد مسحه بطلت الطهارة ووجب نزع الخفين وغسل
الرجلين لزوال محل المسح ونزع أحد الخفين كنزعهما لان الرخصة تعلقت بهما فصار كانكشاف القدم ولو أدخل يده من تحت الفوقاني و
مسح الذي تحته جاز عندهم لان كل واحد منهما محل للمسح فجاز المسح على أيهما كان كما يتخير بين غسل قدميه في الخف والمسح عليه ولو لبس أحد الجرموقين
في أحد الرجلين دون الأخرى جاز المسح عليه وعلى الخف الذي في الرجل الأخرى لان الحكم يتعلق به وبالخف في الرجل الأخرى فصار كما لو لم يكن تحته شئ. [السادس] لو لبس خفا منخرقا
فوق صحيح جاز على قول بعضهم بخلاف ما لو كان تحته لفائف أو خرق لان القدم مستور بما يجوز المسح عليه فجاز المسح كما لو كان السفلاني
مكشوفا وقال آخرون لا يجوز لان الفوقاني لو كان منفردا لم يجز المسح عليه فلم يجز مع غيره كما لو لبس على لفافة أما لو لبس مخرقا؟ على مخرق؟
فاستتر به القدم ففيه وجهان، الجواز لاستتار القدم بالخفين فأشبه المستور بالصحيحين وعدمه لعدم استتار القدم بخف صحيح ولو لبس
الخف بعد طهارة كاملة مسح فيها على العمامة قال بعضهم لا يجوز المسح لأنه ليس على طهارة ممسوح فيها على بدل فلم يستبح المسح باللبس
فيهما على خف وقال آخرون بالجواز فيهما كما لو لبس خفا على طهارة ومسح. [السابع] قد قلنا أن التوقيت في المسح باطل عندنا بل هو تابع
للضرورة فمتى زالت الرخصة وبه قال مالك في السفر وفي الحضر على إحدى الروايتين والثانية لا يمسح في الحضر مطلقا وقال الشافعي و
أبو حنيفة بالتوقيت في المسح يوما وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر وبه قال الثوري والأوزاعي والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق
66

وقال ليث بن سعد وربيعة يمسح على الخفين إلى أن نزعهما ولم يفرقا بين المسافر والحاضر وهو قول الشعبي وقال داود ويمسح المسافر بخمسة عشرة
صلاة والمقيم بخمسة واختلفوا في ابتداء المدة وقال الشافعي من حين يحدث اللابس للخفين فإذا تطهر المقيم بغسل أو وضوء ثم أدخل رجليه
الخفين وهما طاهران ثم أحدث فإنه يمسح عليهما من وقت ما أحدث يوم وليلة فقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وداود وابتدأ المدة من
حين يمسح على الخفين. لنا: أنها طهارة ضرورية فتقدرت بقدرها واحتجوا بما رواه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه جعل ثلاثة أيام ولياليهن
للمسافر ويوما وليلة للمقيم وقد مضى الجواب عنه قالوا إذا انقضت المدة بطلت الوضوء وليس له المسح عليهما إلا بعد النزع واللبس على طهارة كاملة
وقال الحسن لا يبطل الوضوء إلا بحدث ثم لا يمسح بعد حتى نزعها وقال داود ينزع خفيه ولا يصل فيهما فإذا نزعهما صلى حتى يحدث لان الطهارة
لا تبطل إلا بحدث والنزع والانقضاء ليسا بحدث ولو خلع قبل انقضاء المدة بعد المسح عليها بطل وضؤه في قول أحمد والزهري والأوزاعي وإسحاق
وأحد قولي الشافعي وقال أبو حنيفة والثوري وأبو ثور والشافعي أيضا لا يبطل قال وقال مالك والليث بن سعد أنه يغسل قدميه مكانه فإن أخر
ذلك استأنف الطهارة والأول أولى عندنا لأنها طهارة ضرورية وقد زالت ولان مسح الخفين ناب عن غسل الرجلين خاصة فطهورهما
يبطل ما ناب عنه التيمم إذا بطل برؤية الماء وجب ما ناب عنه ولو نزع العمامة بعد المسح عليهما للضرورة عندنا فالوجه البطلان لما قلناه وهو قول القائلين بالبطلان في الخفين قالوا و
لو نزع أحد الخفين فهو كنزعهما لأنهم كالعضو الواحد ولهذا لا يجب فيها الترتيب ولو انكشف بعض القدم من خرق فهو كنزع الخف أما لو انكشف
الطهارة وبقيت البطانة لم يضر عندهم إبقاء الاستتار ولو أخرج رجله إلى ساق الخف ولم يظهر من القدم شئ فهو كحلقة عند أبي حنيفة
خلافا للشافعي في الحديد احتج أبو حنيفة بأن الاستقرار شرط لجواز المسح بدليل ما لو أدخل الخف فأحدث قبل الاستقرار لم يكن له المسح حجة
الشافعي عدم ظهور الرجل والثوري ومالك وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والشافعي في القديم وافقوا أبا حنيفة وكذا الأوزاعي.
[الثامن] قالوا لو سافر قبل المسح أتم مسح المسافر وابتدأ مدة المسح من حيث أحدث بعد لبس الخف عند الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وفي رواية أخرى
عن أحمد الابتداء من حين مسح بعد أن أحدث ولو أحدث مقيما ثم مسح مقيما ثم سافر أتم على مسح مقيم ثم خلع على القول الشافعي وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة
والثوري يمسح مسح المسافر سواء مسح في الحضر لصلاة أو أكثر بعد أن لا ينقضي مدة المسح وهو حاضر لأنه مسافر قبل الاكمال فأشبه ما لو سافر قبل
الشروع ولو مسح مسافر أقل من يوم وليلة ثم قام وأقدم وأتم على مسح مقيم وخلع قاله أبو حنيفة والشافعي وإذا مسح مسافر يوم وليلة فصاعدا
ثم أقام أو قدم خلع لأنه صار مقيما فلم يترخص برخص المسافر ولان المسح عبادة يخلف سفرا وحضرا فإذا ابتدأها في السفر ثم حضر في أثنائها غلب
حكم الحضر كالصلاة. [التاسع] قالوا مما يجوز المسح على ما يكون ساتر المحل الفرض لما يرى منه الكعبان ولا شئ من القدم لصفة أو كونه مشدودا
يمكن متابعة المشي فيه ولو كان مقطوعا ذوي الكعبين لم يجز المسح عليه عند الشافعي في الحديد وبه قال الحسن بن صالح وقال الشافعي في القديم
يجوز المسح عليه إذا أمكن متابعة المشي عليه وبه قال إسحاق وأبو ثور وداود وقال مالك والأوزاعي إن كثر الخرق وتفاحش لم يجز وبه قال
الليث بن سعيد وقال أبو حنيفة إن يخرق قدر ثلاث أصابع لم يجز وإن كان أقل جاز قال أبو يوسف قلت لأبي حنيفة من أين أخذت هذا قال
الثلاث أكثر الأصابع واحتج مالك والأوزاعي بأنه خف يمكن متابعة المشي فيه فأشبه الساتر ولان الغالب على خفاف العرب التخريق واتفقوا
على أنه لا يجوز المسح على اللفافة والخرق ولا فرق في الجواز بين ما يكون من جلد أو لبد أو غيرهما وفي الخشب والحديد قولان أقربهما عندهم الجواز
ولو كان محرما كالحرير لم يترخص بالمسح لعصيانه فلم يستبح به الرخصة كما لا يترخص المسافر سفر المعصية. [العاشر] قالوا أيجوز المسح على الجوربين
بالشرطين الستر وإمكان متابعة المشي سواء كنا منعلين أولا وهو اختيار أحمد والحسن بن صالح وإسحاق
ويعقوب
ومحمد وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا يجوز المسح عليهما إلا أن ينعلا ولو كان الجورب لا يثبت بنفسه ويثبت بلبس النعل أبيح المسح عليه وينقضي
الطهارة بخلع النعل لان ثبوته أحد شرطي الجواز وإنما يحصل بالنعل ومع الخلع يزول الشرط فتبطل الطهارة كما لو ظهر القدم. [الحادي عشر] مذهب أبي حنيفة
وأحمد أن المسنون في المسح أن يضع يده على موضع الأصابع ثم يجرها إلى ساقه خطا بأصابعه ويجوز العكس قالوا ولا بأس مسح أسفله ولا عقبه وبه قال الثوري
وداود والأوزاعي لما رووه عن علي (عليه السلام) أنه قال لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخفين أولى بالمسح من ظاهره ولان باطنه ليس بمحل لفرض المسح
فلم يكن محلا لمسنونه كالساق ولان مسحه غير واجب ولا يكاد مسلم؟ من مباشرة إذا فيه تنجيس يده به فكان تركه أولى وقال الشافعي ومالك السنة مسح
الظاهر والباطن أعني أعلى الخف وأسفله وبه قال عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز والزهري وابن المبارك وراهويه لما رواه مغيرة بن شعبة قال
وضأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمسح على الخف وأسفله وهذا الحديث قد طعن فيه الترمذي وقال إنه معلول قال وسألت أبا زرعة ومحمدا عنه
فقال ليس بصحيح وقال أحمد وروى هذا الحديث رجا بن حبوة عن دواد كاتب المغيرة فلم يلقه. [الثاني عشر] قال الشافعي والمجزي ما وقع عليه اسم
المسح وهو قولنا في محل الضرورة لان الطلق المسح ولم يقدره فوجب الرجوع إلى ما يتناوله الاسم وقال أبو حنيفة يجزيه قدر ثلاث أصابع لقول
الحسن سنة المسح خلط بالأصابع فينصرف إلى سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقل الجمع ثلاث وهو ضعيف وقال زفر: إن مسح بإصبع واحدة
67

قدر ثلاث أصابع وقال أحمد لا يجزيه إلا مسح أكثر القدم وفي الاجزاء مع المسح بالخرقة والخشب عندهم وجهان والأصح عندنا عدم الاجزاء في
صورة يباح المسح فيها على الخفين واختلفوا في إجزاء غسل الخف والأقوى عندنا عدم الاجزاء في محل الضرورة. [الثالث عشر] لو مسح أسفل
الخف دون أعلاه لم يجزيه عندنا في صورة الجواز وهو مذهب عامة العلماء إلا ما نقل عن أصحاب الشافعي وبعض أصحاب مالك. لنا: أنه ليس محل للفرض فلا يجزي
كالساق وكذا البحث في عقب الخف. [الرابع عشر] لا فرق في الترخص مع الضرورة بين المرأة والرجل ولا فرق بين المستحاضة وصاحب السلس و
غيرهما لأن علة الترخص في الرجل موجودة في المرأة وقال بعض الشافعية ليس لصاحب السلس والمستحاضة أن يمسحا أكثر من وقت صلاة لان الطهارة
التي لبسا الخف عليها لا يستباح بها أكثر من ذلك وهو ضعيف لان المسح لا يبطل ببطلان الطهارة فلا يبطل بخروج الوقت وقال زفر: إن المستحاضة
تمسح يوما وليلة. تذنيبان، {الأول} لو كان الخف مغصوبا لم يجز المسح عليه عندنا حال الضرورة وعند بعض الشافعية مطلقا لان اللبس
معصية فلا يناسب الترخص وعند بعضهم يجوز مطلقا لان المعصية لا يختص باللبس فصار كالصلاة في الدار المغصوبة وليس بجيد على ما يأتي. {الثاني}
لو زال عذرهما إلا الضرورة المبيحة جاز لهما المسح عليه عندنا لوجود السبب وهو الضرورة أما الجمهور فمنعوا من ذلك لأنهما كملا في بابهما فلم يكن لهما المسح
بتلك الطهارة كالمتيمم إذا أكمل بالقدرة على الماء لا يمسح بالخف الملبوس على التيمم ونحن لما لم نشترط سبق الطهارة سقطت هذه الحجة بالكلية وأصل
" الواو " يفيد مع الجمع الترتيب لوجوه، {أحدها} ما روي أن واحدا قام بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال من أطاع الله ورسوله فقد
اهتدي ومن عصاهما فقد غوى وقال (عليه السلام) بئس خطيب القوم أنت قل ومن عصى الله ورسوله فقد غوى ولولا إفادة " الواو " للترتيب لما تفرق
القولان لا يقال ليس النهي لما ذكرتم بل لتفرد كل واحد بالذكر ولا يجمع بين ذكر الله تعالى وذكر رسوله في كتابه واحدة لأنه منهي عنه كما قال الله تعالى:
(والله ورسوله أحق أن يرضوه) ولم يقل يرضوهما لأنا نقول العلة في كراهة الجمع المعنى الذي ذكرناه وهو سقوط الترتيب لا ما ذكرتم وإلا لزم
تعليل الشئ لنفسه لأنا في طلب علة النهي عن الجميع فكيف يعلل بنفسه. {الثاني} أن عمر سمع شاعرا يقول كفا الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فقال له عمر لو قدمت الاسلام على الشيب لأجرتك وهذا يدل على التأخير في المرتبة عند التأخير في اللفظ. {الثالث} ما روى أن الصحابة قالوا
لابن عباس لم تأمرنا بالحج قبل العمرة وقد قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) وهم كانوا فصحاء العرب ففهمهم للترتيب يدل عليه على
أن ابن عباس أجابهم عن ذلك فقال: كما قدمتم الدين على الوصية والله تعالى قدم الوصية على الدين فقال: (من بعد وصية يوصى بها أو دين)
وهذا اعتراف من ابن عباس بأن تقديم الحج يقتضي تقديم فعله وإنما عدل لدلالة كما عدل في الوصية لأنه لو لم يذهب إلى اقتضاء الترتيب لما جاز
منه ذلك ولقال " الواو " يقتضي الترتيب. {الرابع} إن الفرا وأبا عبيدة بن سلام نصا على أنها يفيد الترتيب فلو لم يكن كذلك لما جاز هذا النص منهما و
قولهما مقدم على من نص على أنها ليست للترتيب لتقدم الاثبات في الشهادة على النفي. {الخامس} لو قال لغير المدخول بها أنت طالق و
طالق طلقة واحدة ولو قال طلقتين طلقت اثنتين ولو كانت " الواو " يفيد الجمع لم يبق فرق. {السادس} إن الترتيب في اللفظ يستدعي
سببا والترتيب في الوجود صالح له فوجب جعله سببا له إلى أن يقيم الخصم المعارض. {السابع} إن الترتيب مع التعقيب وضع له لفظ ومع التراخي
آخر ومطلق الترتيب معقول لا بد له من لفظ وليس إلا " الواو " لا يقال الجمع المطلق معنى معقول واللفظ يدل عليه لا " الواو " لأنا نقول مع التعارض
يجب الترجيح وهو معنى فإنا لو جعلناه حقيقة في الجمع استحال التجوز به في الترتيب لعدم لزوم الخاص العام وبالعكس يجوز فكان أولى. مسألة:
قال علماؤنا: الترتيب واجب في الوضوء وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيدة وقال أبو حنيفة ومالك والثوري: لا يجب ورواه الجمهور
عن علي (عليه السلام) وابن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن البصري وعطا والزهري والنخعي ومكحول وبه قال الأوزاعي ومحمد بن الحسن وأبو يوسف و
المزني وداود. لنا: قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم) وقد بينا أن " الواو " يقتضي الترتيب ولأنه تعالى
عقب إرادة القيام بالغسل فيجب تقدمه على غيره وكل من أوجب تقدم الغسل وجب الترتيب ولأنه تعالى ذكر هذه الأعضاء مرتبا فيجب غسلها مرتبا ولأنه
تعالى جعل غاية الغسل المتطرف المرافق فيجب البدأة بالوجه أما المقدمة الأولى فلانه قد اتفق محققوا الأدب على أن العامل في المعطوف هو
الفعل الظاهر بتقوية حرف العطف فلو قلنا يجعل إلى غاية في ذلك المقدر لزم اعتبار وجوده من حيث الغاية واعتبار عدمه من حيث العطف
وفي ذلك تناف وما ورآه الجمهور من صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن كل من حكاه فإنما حكاه مرتبا وهو مفسر لما في كتاب الله تعالى
وتوضأ مرتبا وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به أي بمثله ولان الصحابة رتبوا فإن عليا (عليه السلام) نقل عنه الترتيب ولم ينكر عليه فكان إجماعا
وروى أحمد عن حريز عن قابوس عن أبيه أن عليا (عليه السلام) سئل فقيل له أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شئ قال: لا حتى يكون كما أمر الله تعالى ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال حكى لنا أبو جعفر (عليه السلام) وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعا بقدح من ماء فأدخل يده اليمنى فأخذ
كف من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه ثم مسح بيده الجانبين ثم أعاد يده اليسرى في الاناء فأسدلها على يده اليمنى ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمنى
في الاناء ثم صبها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى ثم مسح ببقيته ما بقي في يديه رأسه ورجليه ولم يعده في الاناء وحرف ثم يقتضي الترتيب وروي
68

في الصحيح عن زرارة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) تابع بين الوضوء كما قال الله عز وجل ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم امسح الرأس والرجلين ولا تقدمن شيئا
بين يدي شئ يخالف ما أمرت به فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل
ثم أعد على الرجل ابدأ بما بدأ الله عز وجل به وروي في الصحيح عن زرارة قال سئل أحدهما عن رجل بدأ بيديه قبل وجهه ورجليه قبل يديه قال يبدأ بما
بدأ الله وليعد ما كان وفي الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتوضأ ويبدأ بالشمال قبل اليمين قال يغسل اليمنى ويعيد اليسار
لا يقال يعارض ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سألته عن رجل توضأ ونسي غسل يساره فقال يعيد يساره
وحدها ولا يعيد الوضوء شئ غيرها فلو كان الترتيب واجبا لما جاز الاقتصار على غسل اليسار خاصة لأنا نقول الملازمة ممنوعة وبيانه إن اليسار
آخر الأعضاء فلا يجب غسل شئ غيرها ولم يتوضى الإمام (عليه السلام) لعدم وجوب إعادة المسح تعويلا على ما عرف بينهم ويدل على ما رواه الشيخ
في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه
وشماله ومسح رأسه ورجليه وإن كان إذا نسي شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على ما كان توضئ قال اتبع وضوءك بعضه بعضا وأيضا الوضوء عبادة
يبطله الحدث فيجب فيه الترتيب قياسا على الصلاة وأيضا فهو عبادة ترتبط بعضها ببعض يفسد أولها بفساد آخرها فيجب فيه الترتيب كالصلاة
وأيضا فهي عبادة ترجع إلى شطرها حال العذر فيجب فيها الترتيب كالصلاة وأيضا فهي عبادة يجمع أفعالا مختلفة الصفة مرادة للصلاة و
متقدمة عليها فلا يعتد بها مع عدم الترتيب كالأذان احتج أبو حنيفة بأنه تعالى أمر بالطهارة وعطف ب‍ " الواو " وهي لا يقتضي ا لترتيب فلو شرطنا
كان نسخا وبما روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: ما أبالي بأي أعضاء بدأت وقال ابن مسعود لا بأس أن تبدئ برجليك قبل يديك في الوضوء والجواب
عن الأول بالمنع عن كون " الواو " لا يقتضي الترتيب وقد بيناه سلمنا لكن النسخ إنما يلزم لو قلنا إنها يقتضي عدم الترتيب أما إذا قلنا
إنها لا يقتضي الترتيب لم يكن منافيا لوجوب الترتيب بدليل آخر قوله الزيادة على النص نسخ قلنا ممنوع وعن الثاني أنه معارض بما روي عن علي (عليه السلام)
من وجوب الترتيب وحديث ابن مسعود قال علماء الجمهور لا يعرف له أصل. برهان آخر: لا شئ من الوضوء غير المرتب بواجب وكل ما يؤدى به الواجب
فهو واجب فلا شئ من الوضوء غير المترتب يؤدى به الواجب والصغرى مسلمة وبيان الكبرى أنه به يحصل مصلحة الواجب وكلما يحصل به مصلحة الواجب
فهو واجب بيان الصغرى أنه لو لم يكن كذلك لكان حراما قياسا على الترك وأما الكبرى فلانه لو لم يكن واجبا لزم الترجيح من غير مرجح ضرورة أن علة
الحكم الحكمة الموجبة له فلو اشتمل ما ليس بواجب عليها كان اختصاص الواجب بالوجوب ترجيحا من غير مرجح. فروع [الأول] يجب أن يبدأ بوجهه
ثم بيده اليمنى ثم اليسرى ثم يمسح الرأس ثم يمسح الرجلين وهل يجب تقديم اليمنى من الرجلين في المسح أم يسقط الترتيب فيه قولان أشبهما السقوط
أما وجوب تقديم الوجه فقد مضى وأما الترتيب في اليدين فهو قول علمائنا خاصة لان الموجبين للترتيب أسقطوا الترتيب بينهما لأنهما كالعضو
الواحد فسقط فيه الترتيب كالأصابع ولقوله تعالى: (وأيديكم). لنا: ما قدمناه من الأحاديث الدالة على وجوب الترتيب فيهما وقياسهم باطل حينئذ و
الآية لا تنافي الأدلة وأما الرجلان فلم نجد حديثا يدل على الترتيب فيهما وحملهما على اليدين قياس نعم يستحب تقديم اليمين لقوله (ع) إن الله يحب
التيامن ولان القرآن قال وأرجلكم ولم يترتب والأصل عدمه. [الثاني] لو نكس وضوءه صح غسل الوجه إن استحب ذكر النية بالفعل عنده
ولا تكفيه الاستمرار حكم نعم لو نوى عند غسل الكفين أو عند المضمضة فالأقرب الاكتفاء باستحباب الحكم ولو نكس ثانيا مع بقاء الندى حصل له
غسل الوجه واليمنى ولو نكس ثالثا معه حصل باليسرى وهكذا إلى آخره ما دامت الرطوبة موجودة ولو غسل أعضائه دفعة حصل بالوجه ولكان
في الماء الجاري وتواردت عليه جريات؟ ثلاث حصل بالأعضاء المغسول ولو نوى الطهارة ثم انغمس في ماء واقف دفعة حصل بغسل الوجه ولو
اخرج أعضائه مرتبا حصل بالأعضاء المغسولة وافتقر إلى المسح ولو لم يرتب في الاخراج حصل بالوجه وقت النزول وباليمنى وقت الاخراج
[الثالث] يستحب البدأة بالاستنجاء قبل الوضوء لا لأنه واجب لما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أذينة قال ذكر أبو مريم الأنصاري أن الحكم بن
عتيبة بال يوم ولم يغسل ذكره متعمدا فقال أبو عبد الله (ع): بئس ما صنع عليه ان يغسل ذكره ويعيد صلاته
ولا يعيد الوضوء. [الرابع]
لو وضأ أربعة للعذر دفعة لم يجزيه لعدم الترتيب. [الخامس] لو انغمس المحدث ولم يترتب ونوى الطهارة لم يجزيه لعدم الترتيب وهو أحد
وجهي الشافعي وفي الآخر يجزيه لان الغسل يجزي عن الحدثين وإن لم يرتب فأجزائه عن الأصغر أولى والجواب الجنب المحدث يسقط فرض حدثه
مع الجنابة فيكون الحكم لهما أصل اعلم أن الناس اختلفوا في أن الزيادة على النص هل هي نسخ أم لا مع اتفاقهم على أن زيادة عبادة أو صلاة
على العبادات والصلاة لا تكون نسخا وقال الشافعي: لا تكون نسخا وقال أبو حنيفة: يكون نسخا والحق عندي ما ذكره أبو الحسين قال النظر في
هذه. * المسألة: يتعلق بأمور ثلاثة: {أحدها} أن الزيادة على النص هل يقتضي زوال أمر أم لا؟ والحق أنها يقتضيه لان إثبات كل شئ ء
لا أقل من أن يقتضي زوال عدمه الذي كان. {وثانيها} ان هذه الإزالة هل تسمى نسخا؟ والحق أن الذي يزول بسبب هذه الزيادة إن كان حكما
شرعيا وكانت الزيادة متراخية عنه سميت تلك الإزالة نسخا وإن كان عقليا وهو البراءة الأصلية لم تسم تلك الإزالة نسخا. {وثالثها} هل يجوز
69

الزيادة على النص بخبر الواحد والقياس أم لا والحق أنه إن كان الزائد حكم العقل وهو البراءة الأصلية جاز ذلك إلا أن يمنع مانع خارجي كما إذا ادعى ان خبر
الواحد لا يكون حجة فيما يعم به البلوى والقياس غير حجة في الكفارات والحدود إلا أن هذه الموانع لا يعلق لها بالنسخ من حيث هو نسخ واما إن كان الحكم
الزائل شرعا فلينظر في دليل الزيادة فإن كان بحيث يجوز أن يكون ناسخا لدليل الحكم الزائد جاز إثبات الزيادة وإلا فلا. * مسألة: قال علماؤنا:
الموالاة شرط وهو قول مالك وقتادة والليث بن سعد وأحمد والأوزاعي وأحد قولي الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجب وهو أحد قولي الشافعي في الجديد
وبه قال ابن عمر وسعيد بن المسيب والنخعي والحسن البصري وعطا والثوري وأصحاب أبي حنيفة. لنا: ما رواه الجمهور أن النبي صلى الله عليه وآله رأى رجلا
يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره النبي صلى الله عليه وآله أن يعيد الوضوء والصلاة ولولا اشتراط الموالاة لأجزأ
غسل اللمعة وأيضا قال الله تعالى: (وأيديكم) و " الواو " للجمع والمراد به التتالي من غير تأخير إذ هو المقدر الممكن عادة في الجمع وأيضا ما رووه من
أنه عليه السلام والى بين الأعضاء وكان بيانا للجمل فيكون واجبا وقال أيضا هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة به فكان شرطا ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إذا توضأت بعض وضوءك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوءك فأعد وضوءك فإن الوضوء لا يتبعض
وفي طريقها سماعة وفيه قول وروي عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ربما توضأت ونفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء
فيجف وضوئي؟ فقال: أعد وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال سأل أحدهما عن رجل بدأ بيده قبل وجهه وبرجليه قبل يديه قال: يبدأ بما بدأ الله
به وليعد ما كان ولو لم يجب المولاة لما وجب إعادة الجميع بل ما عدا الوجه وروي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن نسيت فغسلت
ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه والإعادة يستلزم سبق الفعل أولا وروى محمد بن يعقوب في كتابه عن
حكم بن حكيم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بنى من الوضوء الذراع والرأس قال يعيد الوضوء ان الوضوء يتبع بعضه بعضا وفي طريقه
معلى بن محمد وهو ضعيف وروى الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: اتبع وضوءك بعضه بعضا والامر للوجوب والمتابعة
بين الموالاة وأيضا بما تقدم في حديث حكم وروى ابن يعقوب أيضا في كتابه في الحسن عن زرارة قال قال أبو جعفر (ع) تابع بالوضوء ولان
الوضوء عباد يجب مثل شرطها في حال العذر فيجب فيها الموالاة كالصلاة وأيضا فهي عبادة تراد للصلاة متقدمة عليها مؤلفة من أشياء
مختلفة فيبطلها التفريق كالأذان ويمكن أن يحتج ها هنا بما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال مسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن
والمقيم يوما وليلة ثم ليحدث بعد ذلك وضوءا فنقول التفريق لأمر من نزع خفيه بغسل رجليه والبناء على ما مضى ولم يأمره بإعادة
الجميع احتج المخالفون بأنه أتى بالمأمور به وهو مطلق الغسل الخالي عن قيدي الموالاة وعدمها فوجب الاجزاء ولان الآية مطلقة فزيادة الشرط نسخ
ولأنها إحدى الطهارتين فكيف ما غسل جاز سواء كان مع الموالاة أو لا معها كالغسل والجواب عن الأول: أن الآية دلت على وجوب الغسل والنبي صلى الله عليه وآله
بين كفيه وذلك المجمل فإنه لم يتوضأ إلا مواليا وأمر تارك الموالاة بإعادة الوضوء وعن الثاني: إنا قد بينا أن الزيادة ليست نسخا مطلقا على
أن هذا كيف يسمع من أبو حنيفة ومذهبه أن الامر يقتضي الفور فأي زيادة ها هنا حينئذ وهل معنى قولنا يجب الموالاة إلا وجوب الفور
وعن الثالث: أن الفرق واقع بين غسل الجنابة والوضوء لان الغسل كالوضوء (العضو) الواحد. برهان آخر: شئ من الوضوء واجب ولا شئ من
غير الموالى بواجب فتعين الموالى. فروع [الأول] الموالاة هي المتابعة وهو اختيار الشيخ في الخلاف والمبسوط وعلم الهدى في المصباح
وقال في الجمل وعلم الهدى في شرح الرسالة هي أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدمه. لنا: أن الامر في الآية يقتضي الفور
إجماعا ولما رواه الحلبي في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام (ع) قال اتبع وضوءك بعضه بعضا وقد تقدم احتج الشيخ برواية أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام وقد تقدمت علق فيها إعادة الوضوء باليمين وذلك يدل على العدم برواية معاوية بن عمار أيضا والجواب عنها مع سلامة السند
ان وجوب الإعادة مشروط باليبس وذلك غير ما نحن فيه. [الثاني] لو أخل بالمتابعة اختيارا فعل محرما وهل يبطل وضوئه أم لا؟ الوجه
اشتراط البطلان بالجفاف لأنه مع الاخلال بها يحصل الامتثال بالغسل والمسح ويجب الاجزاء إلا مع الجفاف فيعيد للروايتين المتقدمتين.
[الثالث] لو فرق لعذر لم يجب الإعادة إلا أن يجف جميع الأعضاء المتقدمة في الهوى المعتدل وقال علم الهدى: إلا أن يجف الوضوء
السابق على المفرق. لنا: حصول الاجماع على أن الناسي للمسح يأخذ من شعر لحيته إذا لم يبق في يديه نداوة وذلك يدل على ما قلناه.
[الرابع] لو جف ماء الوضوء لحرارة الهوى المفرطة جاز البناء دون استيناف ماء جديد للمسح فحصول الضرورة المبيحة للترخص. [الخامس] لو
جفت الأعضاء بواجب في الطهارة أو مسنون فإن كان فعل ذلك الواجب أو المسنون يحصل بدونه كان تفريقا وإلا فهو في محل التردد وأما
لو كان لوسوسة فالوجه انه تفريق لأنه حينئذ قد اشتغل بما ليس بواجب ولا مسنون. * مسألة: والفرض في غسل الأعضاء في الوضوء مرة
مرة وهو مذهب علماء الأمصار إلا ما نقل عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز فإنهما قالا: ثلاثا ثلاثا إلا الرجلين والثانية سنة في قول أكثر
أهل العلم خلافا لمالك فإنه لم يستحب على ما زاد على الفرض ولابن بابويه فإنه قال من توضأ اثنين لم يؤجر أما الثالثة فقال الشيخ إنها بدعة
70

وكذا قال ابن بابويه وقال المفيد الثالثة كلفة ولم يصرح بلفظ البدعة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد الثالثة سنة فإذن اتفق علماؤنا على أن
الثالثة ليست مستحبة. لنا: ما رواه البخاري عن ابن عباس قال توضى رسول الله صلى الله عليه وآله مرة مرة وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله
عليه وآله توضأ مرتين مرتين فيقول الرواية الأولى تدل على قدر الواجب والثانية تدل على استحباب التكرار ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله أنه توضى مرة مرة وما رواه في الحسن عن زرارة قال قال أبو جعفر
عليه السلام ان الله وتر يحب الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات واحدة للوجه واثنتان للذراعين ويمسح ببلة يمناك ناصيتك وما بقي
من بلة يمناك ظهر قدميك اليمنى ويمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى وروي عن يونس بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء للصلاة
فقال مرة مرة وعن عبد الكريم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء فقال ما كان وضوء علي عليه السلام إلا مرة مرة وفي طريقها سهل بن زياد
وهو ضعيف إلا أنهما تأيدا بما تقدم ويدل على استحباب الثانية رواية أبي هريرة وقد تقدمت ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن
معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الوضوء فقال مثنى مثنى وروي في الصحيح عن صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام قال الوضوء
مثنى مثنى والمراد هاهنا الاستحباب لا الوجوب لما تقدم من الاجتزاء بالواحدة ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة وبكير عن أبي جعفر
عليه السلام قال أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجزي للوجه وغرفة للذراع فقال نعم إذا بالغت فيها والثنيان يأتيان على ذلك كله ولان الأولى قد
يحصل معها نوع خلل فالثانية احتياط واستظهار واحتج ابن بابويه بما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الوضوء
واحدة فرض واثنتان لا يؤجر عليه والثالثة بدعة والجواب: أن الراوي عن محمد بن أبي عمير هو محمد بن بشير والنجاشي وإن قال إنه ثقة إلا أن
الشيخ قال محمد بن بشير غال ملعون فروايته إذا ساقطة على أنه يحتمل أن يكون المراد من اعتقد وجوبها لما رواه عن عبد الله بن بكير عن
أبي عبد الله عليه السلام قال من لم يستيقن ان واحدة من الوضوء يجزيه لم يؤجر على الثنتين وأما كون الثالثة بدعة فلانها غير مشروعة فكان اعتقاد
شرعيتها إدخالا لما ليس من الدين فيه وذلك هو معنى البدعة ولان القول بالثالثة مع القول بالمسح على الرجلين مما لا يحتمل والثاني ثابت
لما بيناه فينتفي الأول وبيان عدم الاجتماع الاجماع لا يقال قد روى الشيخ في الحسن عن داود بن زيد قال سألت أبا عبد الله عن الوضوء فقال لي
توضأ ثلاثا ثلاثا وذلك يدل على استحباب الثالثة إذ الوجوب منتف اتفاقا إلا من شذ لأنا نقول أنه (عليه السلام) إنما أمره بذلك إذا كان في حال التقية
ويدل عليه تتمة الحديث وهو أنه قال قال لي أليس تشهر بغداد وعساكرهم قلت بلى قال فكنت يوما أتوضأ في دار المهدي فرآني بعضهم وأنا لا أعلم فقال
كذب من زعم أنك فلأني وأنت تتوضأ هذا الوضوء قال فقلت لهذا والله أمرني واحتج المخالفون بما رواه عمر فقال توضأ رسول الله صلى الله عليه
وآله مرة وقال هذا وضوء لا تقبل الله الصلاة إلا به ثم توضأ مرتين وقال هذا وضوء من ضاعف الله لها الاجر ثم توضأ ثلاثة وقال هذا وضوئي
ووضوء الأنبياء عليهم السلام قبلي ووضوء خليلي إبراهيم عليه السلام والجواب: ان هذا الحديث مدني وقد رده مالك وذلك يدل على ضعفه وأيضا لا يلزم من استحبابه
في حقه استحبابه في حق أمته لاحتمال أن يكون من خصائصه وبالخصوص حيث خصص ولا يلزم وذلك في المرة الثالثة لأنه عليه السلام أخبر أنه وضوء
من يضاعف الله له الاجر فروع: [الأول] لو غسل بعض أعضائه مرة وبعضها مرتين جاز لأنه لما جاز في الكل جاز في كل واحد. [الثاني]
اتفق أهل الاسلام على عدم استحباب ما زاد على الثلاث وأما يجزيه فهو الوجه أما عندنا فظاهر وأما عند الجمهور فلما رووه عن النبي صلى الله
عليه وآله أنه جاء اعرابي فسأل عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد ظلم. [الثالث] لو زاد على الواحدة معتقدا
وجوبها لم يثبت لان استحقاق الثواب منوط بإيقاع العبادة على الوجه المطلوب شرعا ولم يحصل ولا يبطل وضوئه لأنه أتى بالمأمور والزيادة غير منافية
ولا يخرج ماؤها عن كونه ماء الوضوء ويجوز المسح به وفيه احتمال. [الرابع] لو غسل يده ثلاثا قيل تبطل الطهارة لأنه مسح بغير ماء الوضوء
وقبل لا تبطل لأنه لا ينفك من ماء الوضوء إلا صلى والأقرب الأول. * مسألة: لا تكرار في المسح وهو مذهب علمائنا أجمع وقول أبي
حنيفة ومالك وأحمد وثوري وهو مروي عن ابن عمر والحسن والنخعي ومجاهد وطلحة بن معروف والحكم وقال الشافعي يستحب أن يمسح برأسه ثلاثا وبه قال
عطا وقال ابن سيرين يمسح مرتين فريضة ومرة سنة. لنا: ان الامتثال يقع بواحدة والزيادة تكلف لم يثبت لها دليل وما رواه الجمهور عن
عبد الله بن زيد أنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله قال ومسح برأسه مرة واحدة ورووه عن علي عليه السلام وقال هذا وضوء النبي
صلى الله عليه وآله من أحب أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله عليه وآله فلينظر إلى هذا قال الترمذي هذا
حديث حسن صحيح وكذا وضوء
عبد الله بن أبي أوفى وابن عباس وسلمة بن الوزغ والربيع كلهم قالوا مسح مرة واحدة وذلك إخبار عن دوامه ولا يداوم إلا على الأفضل
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي عبد الله عليه السلام في مسح القدمين ومسح الرأس قال مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس ومؤخره
ومسح القدمين ظاهرهما وباطنهما أي مقبلا ومدبرا لان أبا جعفر عليه السلام وصف وضوء رسول الله صلى الله وآله ولم يذكر التكرار و
لأنه مسح في طهارة فلم يسن فيه التكرار وكالتيمم والجبيرة واحتجوا بما رواه شقيق بن سلمة قال رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثا ويمسح
71

برأسه ثلاثا ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله فعل مثل هذا وروى علي عليه السلام وابن عمر وأبو هريرة و عبد الله بن أبي أوفى وأبو مالك
وربيع وأبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وآله توضأ ثلاث ثلاثا ولان الرأس أصل في الطهارة فليس فيه التكرار كالوجه والجواب عن الأول: أن أصحاب
الحديث قال أحاديث عثمان الصحيحة كلها يدل على أن مسح الرأس مرة فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا ثلاثا وقالوا فيها ومسح رأسه ولم يذكروا عددا وما ذكروه من
الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله أنه توضأ ثلاثا ثلاثا أرادوا بها ما عدا المسح فإن روايتهما لما فصلوا قالوا ومسح برأسه مرة واحدة والتفصيل
يحمل عليه الاجمال ويكون تفسيرا لا معارضة وقياسهم منقوض بالتيمم. * مسألة: كل ما يمنع من وصول الماء إلى البشرة وجب تحريكه ليصل فإن لم
يكن فيه وجب نزعه لان الغسل تعلق بموضع الفرض لا بالحائل فمتى لم يكن إلا بالتحريك والإزالة وجب ولما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل عليه الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته أم لا كيف يصنع؟ قال: إن علم أن الماء لا يدخله
فليخرجه إذا توضأ وروي في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال سألته عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها لا
تدري هل تجري الماء تحته أم لا كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت قال تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه ويستحب مع عدم المنع التحرك طلبا للاستظهار.
* مسألة: والجبائر تنزع مع عدم المكنة وإلا مسح عليها وأجزأ عن الغسل وكذا العصايب التي تعصب بها الجرح والكسر وهو مذهب علمائنا
أجمع ومن رأى المسح على العصائب ابن عمرو عبيد بن عمر وعطا وأجاز المسح على الجبائر الحسن والنخعي ومالك وإسحاق والمزني وأبو ثور وأبو حنيفة و
قال الشافعي في أحد قوليه يعيد كل صلاة صلاة. لنا: ما رواه الجمهور عن علي عليه السلام قال انكسرت يدي فأمرني النبي صلى الله عليه وآله أن أمسح على الجبائر ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الكسير يكون عليه الجبائر أو يكون به الجراحة كيف
يصنع بالوضوء وعند غسل الجنابة وغسل الجمعة فقال يغسل ما وصل إليه الغسل مما طهر مما ليس عليه الجبائر ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله
ولا ينزع الجبائر ويعبث بجراحة وروي في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الرجل يكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك في موضع
الوضوء فيعصبها بالخرقة يتوضى ويمسح عليها إذا توضى فقال إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة
ثم ليغسلها قال وسألته عن الجرح كيف يصنع به في غسله قال اغسل ما حواه وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن
الجنب به الجرح فيتخوف الماء أن أصابه قال فلا يغسله إذا خشي على نفسه وروي في الصحيح عن الحسن بن علي الوشا قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الدواء
إذا كان على يدي الرجل أيجزيه أن يمسح على طلي الدواء فقال نعم يجزيه أن يمسح عليه ولان تكليف النزع وإصابة الموضع بالماء مع الضرر حرج فيكون
منفيا وقول الشافعي باطل لما بيناه ولأنه مسح على حائل أبيح له المسح عليه فلم يجب معه الإعادة كالمسح على الخف عنده ولأنها صلاة مأمور بها فيجب
الاجزاء. فروع: [الأول] لو كانت الجبيرة مستوعبة لمحل الفرض مسح عليها أجمع ولو خرجت عنه مسح ما حاذى محل الفرض. [الثاني]
الجبيرة إنما يوضع على طرفي الصحيح ليرجع الكسر فلو تجاوز الكسر لما لا بد منه جاز المسح أما لو تجاوز بما بد منه فالوجه عدم الجواز لأنه إذا شدها
على مكان يستغني عن شدها عليه كان تاركا لغسل ما يمكن غسله فلم يجز كما لو شدها على الصحيح. [الثالث] لا توقيت في المسح على الجبيرة وهو قول أهل العلم لان مسحها
للضرورة فيتقدر بقدرها والضرورة تدعو إلى مسحها إلى حلها فيتعذر بذلك دون غيره. [الرابع] لا فرق في المسح عليها بين الطهارة
الكبرى والصغرى وهو قول عامة العلماء لان الضرر يلحق نزعها فيهما. [الخامس] لا فرق بين أن يشدها على طهارة أو غير طهارة عملا بالعموم
المستفاد من ترك الاستفصال في المقال عند السؤال ولأنه مما لا ينضبط وفيه مشقة عظيمة وهذا قول لبعض الجمهور وقال آخرون
منهم يشترط الطهارة لأنه حائل يمسح عيه فكان من شرط المسح عليه تقدم الطهارة كسائر الممسوحات ونحن نمنع من ثبوت الحكم في الأصل.
[السادس] لو أمكنه وضع موضع الجبائر في الماء حتى يصل البشرة من غير ضرر وجب لان الغسل ممكن فلا يجري المسح على الحائل.
[السابع] إذا اختص الجبائر بعضو مسح عليه خاصة وغسل الباقي لان الضرورة مختصة بمعين فلا يتبع الترخص في غيره ولو كان على الجميع
جبائر أو دواء يتضرر بإزالته جاز المسح على الجميع ولو استضر بالمسح تيمم وفي رواية عمر بن يزيد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل تخضب
رأسه بالحنا ثم يبدو له في الوضوء قال يمسح فوق الحنا والرواية صحيحة رواها الشيخ وهي محمولة على الضرر بإزالة الحنا وكذا في رواية محمد بن مسلم عنه
عليه السلام وهي صحيحة أيضا والتأويل ما قلناه. [الثامن] قال بعض الأصحاب بإعادة الوضوء مع زوال الحائل لان الترخص منوط بالضرورة وقد
زالت ويشكل ذلك بأن حدثه قد ارتفع فلا يجب الوضوء ولمنازع ان ينزع في الصغرى فحينئذ ليس له أن ينوي رفع الحدث كالمستحاضة أما الصلاة
التي صلوها فلا يعيدها إجماعا منا وهو مذهب بعض الجمهور خلافا للشافعي. [التاسع] إذا غسل السليم ومسح على موضع الجبيرة كانت
طهارته كاملة بالنسبة إليه فلا يجوز له التيمم حينئذ سواء تجاوز بها موضع الحاجة أو لا لأنه ممسوح في طهارة فلا يجب التيمم كالخف عندهم.
[العاشر] إذا تجاوز بالشد عليها موضع الحاجة وخاف من نزعها جاز له المسح عملا بالأصل النافي للضرر ولا يجب معه التيمم خلافا
لبعض الجمهور لما قلناه. * مسألة: لا يجوز أن يوضيه غيره وهو مذهب علمائنا أجمع وخالف فيه الفقهاء. لنا: الامر بالغسل لمريدي الصلاة
72

وهو لا يتحقق مع فعل الغير والامر للوجوب وأيضا قوله تعالى: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) وأيضا ما رواه الجمهور عن غسل النبي صلى الله عليه وآله
ومسحه بيده رواه عثمان في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فكان هو الواجب ومن طريق الخاصة رواية زرارة في صفة وضوء
رسول الله صلى الله عليه وآله ويجوز مع الضرورة إجماعا لان في تكليفه بنفسه مشقة فيكون منفيا. * مسألة: إذا توضى لنافلة جاز
أن يصلي بها فريضة وكذا يصلى بوضوء واحد ما شاء من الصلاة وهو مذهب أهل العلم خلافا للظاهرية ولو جدد الطهارة كان أفضل
ويدل على الأول: ما رواه الشيخ في الموثق عن بكير قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوء
أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت وهذا عام في ذلك الوضوء السابق في غيره لا يقال المفهوم منه لان المتشكك في وضوء لا يعيده لا ما ذكرتم
ولأنكم لا تقولون بما يدل عليه لأنه عليه السلام حذره عن الوضوء وأنتم تقولون باستحبابه و (في) ذلك تناف لأنا نجيب عن الأول: أنه عام في ترك إعادة
وضوء وفي تجديد وضوء آخر قبل الحدث لأنه نهاه عن التجديد المؤبد وجعل الغاية فيه الاحداث أو الصلاة الأولى ليست بحدث فجاز الدخول به في
الثانية وعن الثاني ان المراد منه النهي عن التجديد مع اعتقاد الوجوب ونحن نقول بتحريمه لكونه بدعة وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام قال: وإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله
عليك فيه وضوء لا شئ عليك فيه وذلك يدل على جواز استعمال الوضوء في الصلاة المتعددة فإن قوله وقد صرت في حال الأخرى في الصلاة أو في غيرها
أي في غير الصلاة التي قد وقع فيها الشك هو عام في كل (ما ظ) غاير تلك الصلاة لا يقال يحتمل أن يعود الضمير إلى الحال وهي تؤنث تارة وتذكر أخرى
وحينئذ لا يدل على الاجتزاء بذلك الوضوء إلا في تلك الصلاة ولان الحكم معلق على الشك وهو خلاف قولكم لأنا نجيب عن الأول بأن الصلاة
أقرب فالعود إليه أولى فإن النحويين اتفقوا على أن قولنا ضرب زيد عمروا وأكرمته يعود الضمير فيه إلى عمرو لقربه ولان غير تلك الحال أيضا أعم
من كونها في تلك الصلاة أو غيرها لا يقال تقييد المعطوف عليه يستلزم تقييد العطف لوجوب الاشتراك لأنا نقول يمنع ذلك والاشتراك
إنما يجب في الحكم الثابت لهما وهو الاجتزاء بذاك الوضوء أما في التقييد فلا وعن الثاني: ان الاجزاء إذا وجد مع الشك فمع اليقين أولى وروي
في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل يشك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال يمضي على صلاته ولا يعيد والنهي
عن الإعادة عام في الصلاة والوضوء لا يقال بل هو في الصلاة أولى لوجهين. {أحدهما} قوله عليه السلام يمضي في صلاته فيقدم هذا يدل على
صرف عدم الإعادة إليها. {الثاني} إنا لو حملنا على الوضوء لزم التخصيص وهو خلاف الأصل بيانه انه من تجدد حدثه يعيد وضوءه أما لو حملناه
على الصلاة اندفع هذا المحذور فإن تلك الصلاة السابقة لا يعاد بوجه النية لأنا نجيب عن الأول بأن ما ذكرتموه دل على صرفه إلى الوضوء وإلا
لزم التكرار الخالي عن الفائدة لان معنى قوله يمضي في صلاته هو أنه لا يعيد وعن الثاني: ان التخصيص ثابت في البابين فإن من صلى وذكر
فوات بعض الأركان في الصلاة أو الوضوء أعاد على التخصيص (وظ) إنما يكون محذورا لو لم يدل دليل قاطع عليه أما إذا دل وهو الاجماع على إعادة
الوضوء للمحدث فلا على أنا نمنع أن يكون ذلك إعادة بل هو تجديد فواجب آخر فإن الوضوء الأول زال بزوال شرطه وهو الاستمرار على عدم الحدث
ونحن لا نسلم أن ذلك يسمى إعادة وأيضا الصلاة الفريضة والنافلة معا مقربان إلى رفع الحدث فتحقق شرط الصلاة وارتفع المانع وهو الحدث فأبيح له
ما زاد واما استحباب التجديد فهو متفق عليه إلا ما نقل عن سعيد عن أحمد لأنه لا فضل عليه وهي عندهم شاذة. لنا: ما رواه الجمهور عن
غطيف الهذلي قال رأيت يوما ابن عمر توضى عند كل صلاة فقلت أصلحك الله أفريضة أم سنة الوضوء عند كل صلاة فقال: لا لو توضأت
لصلاة الصبح لصليت به الصلاة كلها ما لم تحدث ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من توضى على طهر فله عشر حسنات
وإنما رغبت في الحسنات ومن طريق الخاصة ما رواه محمد بن يعقوب في كتابه عن سماعة قال كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) فصلى الظهر والعصر بين يدي وجلست
عنده حتى حضرت المغرب فدعا (بطست ظ) بوضوء فتوضأ للصلاة ثم قال لي توضأ فقلت جعلت فداك أنا على وضوء قال وإن كنت على وضوء ان من توضأ للمغرب وكان وضوء ذلك
كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلا الكبائر ومن توضأ للصبح كان وضوء ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليله إلا الكبائر وفي هذا دلالة
من حيث المفهوم على جواز الجمع بالوضوء الواحد لقوله (صلى الله عليه وآله) الظهر والعصر ثم دعى بطشت للمغرب ولقوله (عليه السلام) وإن كنت على وضوء حكم
بثبوت الوضوء حينئذ ولأنه لو كان التجديد واجبا لبينه وروي أيضا في كتابه عن سعدان بعض أصحابه (روى ظ) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الطهر على الطهر عشر
حسنات. * مسألة: من دام به السلس يتطهر لكل صلاة قال في الخلاف المستحاضة ومن به السلس يجب عليه تجديد الوضوء عند كل فريضة ولا
يجوز أن يجمعا بين صلاتي فرض وقال في المبسوط من دام به السلس يجوز أن يصلي بوضوء واحد صلاة كثيرة والحق عندي انه يجمع بين الظهر والعصر
بوضوء واحد وبين المغرب والعشاء بوضوء ويفرد الصبح بوضوء وإذا صلى غير هذه وجب تجديد الطهارة لكل صلاة. لنا: ما رواه أبو جعفر بن بابويه في الصحيح عن
حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتخذ
كيسا وجعل فيه قطنا ثم عافه عليه و
أدخل ذكره فيه ثم صلى يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر يؤخر الظهر ويعجل العصر بأذان وإقامتين ويؤخر المغرب ويعجل العشاء بأذان وإقامتين
73

ويعجل ذلك في الصبح ووجه ما قاله الشيخ في الخلاف أن البول حدث فيعفى عما وقع الاتفاق عليه وهو الصلاة الواحدة أما نحن فلما صرنا إلى الحديث
الصحيح لا جرم عملنا بما قاله الشيخ في غير ما دل النص لفوته قال في المبسوط لا دليل على وجوب تجديد الوضوء وحمله على المستحاضة قياس لا نقول به فإن
أراد الشيخ بالتجدد التجديد عند كل صلاة فالدليل ما ذكره في الخلاف وإن أراد التجديد بين كل صلاتين من الحواضر فالوجه ما رواه ابن بابويه وروى
ابن يعقوب في كتابه في الحسن عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يعتريه البول ولا يقدر عل يحبسه قال إذا لم يقدر على حبسه فالله
أولى بالعذر يجعل خريطة لا يقال هذا يدل على سقوط الوضوء عند كل صلاة لأنا نقول لا نسلم عنه دلالته على ذلك بل يحمل على سقوط الوضوء عقيب
الحدث المتجدد وأما الجمع فمستفاد من دليل آخر واعلم أن هذا الحديث والحديث الأول دالان على وجوب الاستظهار في منع التعدي بقدر الامكان واما المبطون
فإنه تجدد الوضوء لكل صلاة لا يجمع بين صلاتي فرض لان الغائط حدث فلا يستباح مع الصلاة إلا مع الضرورة وهي متحققة في الواحدة دون
غيرها ولو تلبس بالصلاة ثم فاجأه الحدث مستمرا تطهر وبنى ولما رواه ابن بابويه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال صاحب البطن الغالب يتوضى و
يبني على صلاته وروي عن الفضيل بن يسار أنه قال قلت أبي جعفر (ع) أكون في الصلوات فأجد غمزا في بطني أو ضربانا فقال انصرف ثم تؤخر وابن علي
ما مضى من صلاتك ما لم ينقض الصلاة بالكلام متعمدا فإن تكلمت ناسيا فلا شئ عليك وهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا قلت وإن قلب وجهه
عن القبلة وقال وإن قلب وجهه عن القبلة واعلم أن مجرد ما يحصل في البطن من ذلك غير موجب للطهارة بل مع خروج الحدث ويحل ذلك على من لم يملك نفسه من التحفظ وحكم من
يغلبه الحدث المستمر من الريح كالمبطون.
[البحث الخامس] في أحكامه وتوابعه. * مسألة: من تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى ما
على اليقين وألقى الشك وهو قول علمائنا أجمع وبه قال الثوري وأهل العراق والأوزاعي والشافعي وسائر أهل العلم فيما علمنا إلا الحسن
ومالكا فإن الحسن قال: إن شك في الحدث في الصلاة مضى فيها وإن كان قبل الدخول توضأ ومالك قال: الشك في الحدث إن كان يستنكحه كثيرا فهو على
وضوء وإن كان لا يستنكحه كثيرا توضأ. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن زيد قال شكى إلى النبي (صلى الله وآله) الرجل يخيل إليه في الصلاة
أنه يجد الشئ قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وما رواه مسلم عن النبي (صلى الله وآله) إذا وجد أحدكم في بطنه شئ فأشكل عليه أخرج
منه أم لم يخرج فلا يخرج عن المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن بكير قال قال لي أبو عبد الله (عليه السلام)
إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوء أبدا حتى تستيقن انك قد أحدثت وروي في الموثق عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: إذا شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشئ إنما الشك إذا كنت في شئ لم يجزه وروي في الصحيح عن زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) فلا ينقض الضوء بالشك وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) فإن حرك إلى جنبه شئ ولم يعلم به قال لا حتى يستيقن
انه قد نام حتى يجئ من ذلك أمر يقين وإلا فإنه على يقين من وضوءه ولا ينقض الوضوء أبدا الشك لكن اليقين ينقضه بيقين آخر ولان الشك يتطرق في أكثر
الأحوال لأغلب الناس وذلك يستلزم الحرج العظيم فيكون منفيا ولأنه إذا شك تعارض الأمران ولا أولوية لأحدهما فيجب سقوطهما والاخذ
بالمتيقن كالسلس عنده. فروع: لو ظن الحدث مع يقين الطهارة لا يلتفت لان الظن إنما يعتبر مع اعتبار الشارع له كالشهادة لا كما لو ظن
الحاكم ظنا غير منوط بسبب اعتبره الشارع لان في ذلك رجوعا عن المتيقن إلى المظنون وهو باطل. * مسألة: ولو تيقن الطهارة والحدث معا وشك
في المتقدم فالمشهور عند أصحابنا الإعادة وهو أحد قولي الشافعي وهو الأقوى عندي والقول الآخر للشافعي الرجوع إلى الزمان السابق على تصادم الاحتمالين
فإن كان حدثا بنى على الطهارة لأنه تيقن انتقاله عن تلك الحالة إلى الطهارة ولم يعلم مجرد الانتقاض فصار متيقنا للطهارة شاكا في رفعها فيبني على
اليقين وإن كان متطهرا بنا على الحدث لما قلناه ولنا: أنه حالة الدخول في الصلاة غير متيقن للطهارة ولا ظانا لها فلم يسع الدخول حينئذ وما ذكروه
ضعيف لأنه كما تيقن انتقاله إلى الطهارة فكذلك تيقن حصول حدث بعد ذلك الحدث فحينئذ تساوى احتمال الطهارة وعدمها فلا يكون كافيا. فروع:
لو تيقن أنه وقت الزوال نقض طهارة وتوضى عن حدث وشك في السابق فها هنا الوجه في استصحاب حال السابق على الزوال فإن كان في تلك متطهرا
فهو على طهارته لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضى إذ لا يمكن أن يتوضى عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ونقض هذه الطهارة الثانية مشكوك فلا يزول عن اليقين
بالشك وإن كان قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث لأنه تيقن أنه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها اخر ولو شك في يوم
فلا يدري تطهر فيه وأحدث أم لا نص الشيخ في النهاية على إعادة الطهارة لأنه غير متيقن لها تدخل في الصلاة يشك الطهارة والوجه عندي النظر
إلى ما قبل ذلك الزمان فإن كان متطهرا بنى عليه لتيقن الطهارة وشك الحدث وإن كان محدثا بنى على الحدث لذلك. * مسألة: ولو تيقن الحدث
وشك في الطهارة وجب عليه الطهارة وهو إجماع ولو شك في شئ من أفعالها كغسل الوجه أو اليد فإن كان على حال الطهارة لم يفرغ أعاد
على ما يشك فيه وعلى ما بعده وأما السابق فإن حصلت الموالاة صح وإلا فلا لان الأصل عدم فعله والحدث متيقن فيعمل على اليقين وما رواه
الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا كنت قاعدا على وضوءك فلم تدر أغسلت ذراعك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت
فيه أنك لم تغسله أو لم تمسحه مما سماه الله ما دمت في حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها
74

فشككت في بعض ما سماه الله ما أوجب الله عليك فيه وضوء لا شئ عليك فيه وروي في الموثق عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال إذا شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشئ إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه وإن كان قد فرغ وانصرف عن حاله لم يلتفت إلى الشك
وهو إجماع ويدل عليه أيضا رواية زرارة وابن أبي يعفور وروى الشيخ عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل شك في الوضوء
بعد ما فرغ من الصلاة قال يمضي على صلاته ولا يعيد ومروي عن بكير بن أعين قال قلت له الرجل يشك بعد ما يتوضى قال هو حين يتوضأ أذكر منه حين
يشك ولان الانفكاك من الشك نادر فيلزم وجوب الوضوء المتكرر في أغلب الأحوال وذلك عسر ومشقة أما لو تيقن ترك عضو أتى به وبما بعده
واما السابق فإن حصلت الموالاة صح وإلا فلا سواء انصرف أو لا صلى به أو لا ويعيد الصلاة ولا نعرف خلافا في وجوب الاتيان لان المقتضى
وهو الامر موجود فيوجد الأثر وهو الوجوب ويعضده ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا ذكرت وأنت في صلاتك
أنك قد تركت بشئ من وضوءك المفروض عليك فانصرف وأتم الذي نسيته من وضوئك وأعد صلاتك ويكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من
لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدم رأسك وأما إعادة ما بعده فليحصل الترتيب وروى الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه وإن كان إنما
نسي شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على ما كان توضأ وقال اتبع وضوءك بعضه بعضا وروي عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل ينسى
مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة قال إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل ذلك وليصل قال وإن نسي شئ من الوضوء المفروض فعليه
أن يبدء بما نسي ويعيد بما بقي لتمام الوضوء وروي في الصحيح عن منصور قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة
قال ينصرف ويمسح برأسه ورجليه (و) في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتوضى يبدأ بالشمال قبل اليمين قال يغسل اليمين
ويعيد اليسار وذلك عام في الناسي والعامد لان ترك الاستفصال يدل عليه وإعادة الصلاة مستفادة من رواية الحلبي وفي رواية زرارة في الصحيح
فإن دخله الشك وهو في صلاته فليمض في صلاته ولا شئ عليه وإن استيقن رجع فأعاد عليه الماء فإن رآه وبه بلة مسح عليه وأعاد الصلاة لا يقال
روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سألته عن رجل توضأ ونسي غسل يساره فقال يغسل يساره وحدها ولا يعيد
وضوء شئ غيرها من الأعضاء المغسولة جمعا بين الأدلة. فروع: لو صلى بطهارة ثم جدد مستحبا ثم صلى أخرى ثم ذكر أنه قد أخل بعضو من إحدى
الطهارتين قال الشيخ في المبسوط يعيد الأولى خاصة لان الاخلال إن كان من الأولى صحت الثانية بطهارتها وبطلت الأولى وإن كان من الثانية صحت
الصلاتان معا بالأولى وهو حق ان اكتفينا بنية القربة دون التعين للاستباحة أو رفع الحدث أما مع القول بعدم الاكتفاء فالطهارة الثانية وجودها
كعدمها وحينئذ قال القائلون به يجب عليه الصلاتان معا لعدم التيقن بالطهارة الأولى ولا بأس به إلا أن عندي فيه شكا وهو أنه قد تيقن الطهارة
وشك في بعض أعضائها بعد الانصراف ولان الشك في إلحاق الترك بالمعنى منهما هو الشك في ترك إحدى الأعضاء الواجبة فلا يلتفت وهو قوي.
[الثاني] لو تيقن الحدث عقيب إحدى الطهارتين الكاملتين مع تعدد الصلاة لها على التفريق قال الشيخ يعيد الصلاتين لأنه لم يؤد واحدة منهما
بيقين والأقرب عندي انه يعيد صلاة واحدة ان اتفقتا عددا ينوى بها ما فيه ذمته وإلا فالصلاتين معا لما قاله الشيخ لا يقال الإعادة لواحدة منهما
أما الأولى فإنه صلاها بطهارة أوفقها قطعا وشك فيها بعد الصلاة فلا يلتفت إلى الشك لرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) في رجل
شك في الوضوء بعد ما يفرغ من الصلاة قال: يمضي في صلاته ولا يعيد وهي صحيحة وأما الثانية: فلهذا المعنى أيضا لأن الشك في كون الحدث عقيب
الطهارة الأولى أو الثانية وهو بعينه شك في زوال الثانية بعد تيقنها بناء على الاكتفاء بنية القربة فلا يلتفت للخبر لأنا نقول إنا لا نعلم قطعا
بطلان إحدى الطهارتين وتخصيص الأولى به دون الثانية ترجيح من غير مرجح فوجب الحكم ببطلانها مع الاختلاف عددا وبطلان إحديهما مع
التساوي. فرع: لا يجوز بمثل هذا الشاك أن يصلي صلاته ثالثة إلا بطهارة مستأنفة ولا القضاء لاحديهما أيضا إلا بأخرى غير المشكوك
فيها لأنه قد تيقن الطهارة والحدث في المقدم فيعيد على قولنا وعلى أحد قولي الشافعي كذلك أيضا لأنه ينظر إلى السابق على الاحتمالين ويحكم بالاختلاف
والسابق ها هنا الطهارة. [الثالث] لو صلى بطهارة ثم أحدث فتوضى ثم صلى أخرى وذكر أنه قد أخل بعضو من إحديهما فالحكم فيه كما في الثاني
والشك والايراد فيه كما سبق. [الرابع] لو جدد مستحبا ثم صلى عقيبها وتيقن ترك عضو من إحديهما أعاد الصلاة لاحتمال أن يكون من الطهارة
الأولى تبطل والثانية غير صحيحة لان نية الاستباحة مفقودة وهذا مع الاشتراط أما مع عدمه فلا إعادة لان الترك في أيهما كان صحت الصلاة
بالآخر. [الخامس] لو صلى الخمس بوضوء متعدد بعددها وتيقن الحدث عقيب إحدى الطهارات قال في المبسوط يعيد الخمس ويمكن القول بإعادة ركعتين
وأربعا وثلاثا كالناسي لفريضة مجهولة من يوم ولو كان مسافرا كفاه اثنتان وثلاث وكذا لو تطهر للخمس عقيب حدث وتيقن الاخلال المجهول أما لو صلى
الخمس بطهارات متعددة متعاقبة وذكر الاخلال من واحدة أعاد الأولى لا غير لما قلناه وفيه الخلاف السابق ولو ذكر الترك من طهارتين أعاد الأولى
والثانية وهكذا. [السادس] لو شك في الطهارة فصلى حينئذ ثم ذكر في الأثناء وبعد الفراغ انه متطهر أعاد الصلاة لأنه دخل فيها مع الشك وهو قول
75

الشافعي. [السابع] لو تيقن ترك العضو من طهارتين وكان قد صلى الخمس بخمس طهارات عقيب الاحداث فالتقادير عشرة ويكتفي بصبح ومغرب وأربع
مرتين ينوي لكل واحدة إحدى الثلاث ولو نوى بواحدة منها الظهر أو العصر وبالأخرى العصر أو العشاء ولو
نوى بواحدة منهما الظهر
مثلا لم يكتف في الاطلاق الثاني بأخرى بل لا بد من أربع مرتين أما أن تعين كل واحدة من الباقين فتوزع المرتين عليهما أو يأتي بالاطلاق الثاني
فيهما ولو لم يعلم هل هما ليومه وأمسه وجب عن يومه أربع صلاة وعن أمسه ثلاث ولو لم يعلم هل هما ليومه أو لامسه وجب عليه أربع لا غير
ولو جهل الجمع والتفريق صلى عن كل يوم ثلاث صلوات وكذا البحث لو توضأ خمسا لكل صلاة طهارة من حدث ثم ذكر تخلل حدث من الطهارة و
الصلاة واشتبه لو صلى الخمس ثلاث طهارات فإن جمع بين رباعيتين بطهارة صلى أربعة صحيحا ومغربا وأربعا مرتين والاكتفاء بالثلاث.
* مسألة: لو ترك غسل أحد المخرجين وصلى أعاد الصلاة لا الوضوء سواء كان الترك عمدا أو سهوا وقال ابن بابويه يعيد الوضوء على إعادة
الصلاة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال توضأت يوما ولم اغسل ذكري ثم صليت فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال اغسل ذكرك وأعد
صلاتك وفي الصحيح عن ابن أذينة قال ذكر أبو مريم الأنصاري ان الحكم بن عتيبة بال يوما ولم يغسل ذكره فذكر ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال بئس ما صنع
عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوءه أو لان طهارة البدن شرط في الصلاة ولم يحصل لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أنه لم يستنج من الخلا قال: ينصرف ويستنجي من الخلا ويعيد الصلاة وإن ذكر وقد فرغ من صلاته
أجزأه ذلك ولا إعادة عليه وروي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتوضأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال فقال يغسل ذكره ولا يعيد
الصلاة لأنا نجيب عن الأولى: بأنها منافية للمذهب من وجهين، {أحدهما} ما دلت عليه ظاهرا من ترك الإعادة مع الاكمال. {الثاني} الفرق بين
الاكمال وعدمه وإذا كان كذلك وجب تأويلها بالمجمل وهو أمران أحدهما: أنه أراد الاستنجاء بالماء وإن كان قد استنجى بالحجر فيستحب له الانصراف ما دام
في مقدمات صلاته كالأذان والتكبيرات السبع. وثانيهما: يحمل على من لم يعلم بالحدث كالمغمى عليه جمعا بين الأدلة وأما الثانية: ففي طريقها أحمد بن
هلال وهو ضعيف وأما عدم إعادة الوضوء فقد تقدم. * مسألة: يجوز الطهارة في المسجد لكن يكره من الغائط والبول وهو مذهب علماء
الاسلام وروى ابن يعقوب في كتابه في الصحيح عن رفاعة بن موسى قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء في المسجد فكرهه من الغائط
والبول. * مسألة: اختلف الأصحاب في جواز مس كتابة المصحف للمحدث وقال الشيخ في المبسوط يكره وحرمه في التهذيب والخلاف وهو
الظاهر من كلام ابن بابويه وهو الأقوى عندي وهو مروي عن ابن عمر والحسن وعطا وطاوس والشعبي وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي إلا داود فإنه أجاز
مسه. لنا: قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) وما رواه الجمهور عن أبي عبيدة قال في كتاب النبي (صلى الله عليه وآله) لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء قال: لا بأس ولا يمس الكتاب وفي
الطريق الحسين بن المختار قال الشيخ أنه واقفي وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يحل له أن يكتب القرآن
في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء قال: لا، وروي عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان إسماعيل بن أبي عبد الله عنده فقال
يا بني اقرأ المصحف فقال إني لست على وضوء فقال لا تمس الكتاب ومس الورق واقرأه وروي عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: المصحف
لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خطه ولا تعلقه أن الله يقول: (لا يمسه إلا المطهرون) وفي الطريق علي بن فضال وهو فطحي احتج داود بأن النبي
(صلى الله عليه وآله) كتب إلى المشركين: (قل يا أهل الكتاب) وهذه قرآن وهم محدثون والجواب: أنه (عليه السلام) لا يقصد القرآن بل المراسلة. فروع:
[الأول] يجوز للمحدث مس ما عدا الكتابة كالهامش ويجوز حمله وتعليقه على كراهية وهو قول علمائنا أجمع وأبي حنيفة وحسن وعطا وطاوس و
الشعبي والقاسم وأبي وائل والحكم وحماد ومنع الأوزاعي والشافعي من مس هامشه وجلده وصندوقه إذا كان فيه وخريطته كذلك لو كان في صندوق
الأقمشة أو عدل معكم ففي جواز مسه للشافعي وجهان، وقال مالك أحسن ما سمعت أنه لا تحمل المصحف بعلاقته ولا في غلافه إلا وهو طاهر
وليس ذلك لأنه يدنسه ولكن تعظيما للقرآن. لنا: على جواز مس الهامش والورق ما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه كتب
كتابا فيه آية إلى قيصر وأباح الحكم وحماد مسه بظاهر الكف ومن طريق الخاصة رواية حريز قال لا يمس الكتاب ومس الورق ورواية إبراهيم بن
عبد الحميد ضعيفة السند فلا يعارض الأصل الذي هو الجواز. ولنا: على جواز حمله واخذه بغلافه انه غير مماس له فكان
كما لو حمله في رحله ولان النهي تناول المس والحمل مغاير احتج الشافعي بأنه مكلف محدث قاصد لحمل المصحف فلم يجز كما لو حمله مع مسه و
الجواب: هذا القياس فاسد لان العلة في الأصل هي المس وهي غير موجودة في الفرع والحمل لا أثر له في التقليل. [الثاني] اللمس قيل
يختص بالملاقاة بباطن الكف وقيل بل اسم هو للملاقاة مطلقا وهو الأقرب من حيث اللغة. [الثالث] يمنع الصبي من مس كتابة القرآن
لعدم الشرط في حقه ولا يتوجه النهي إليه لعدم قبوله للتكليف فكذا المجنون وهو أحد وجهي الشافعية وفي الآخر يجوز لحاجتهم إلى حفظه فلو لم يشرع إلا بطهارة
لزم التعسر ولو توضى الصبي جاز له المس لارتفاع حدثه على إشكال. [الرابع] لو حمله بحائل لا يتبعه في البيع جاز وهو عندنا ظاهر وهو اختيار أبي
76

حنيفة خلافا للشافعي ففي وجه القولين ما تقدم في الخلاف. [الخامس] قيل يكره المسافرة بالمصحف إلى أرض العدو لئلا يناله أيدي المشركين. [السادس]
يجوز تعليقه بعود ومسه به وكتب المصحف بيده من غير أن يمسه عملا بالأصل السالم عن معارضة تناول النهي له. [السابع] لو تصفحه بكمه لم يكن به بأس
عملا بالأصل السالم عن معارضة المس وفيه للجمهور خلاف. [الثامن] يجوز مس كتب التفسير وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وكتب الفقه وغيرها
والرسائل وإن كان فيها آيات من القرآن للمحدث والجنب عملا بالأصل ولأنه لا يقع عليها اسم المصحف عنه ولا يثبت لها حرمة أما الآيات الموجودة في الكتب إذا
لمسها ففي تناول التحريم له تردد وأقر به التحريم لان النهي معلق بكل آيات القرآن ضرورة عدم اللمس دفعة واحدة وبانضمام غيره إليها لا يخرج عن كونها
قرآنا وقالت الشافعية إن كانت الآيات مكتوبة بخط غليظ والتفسير بدقيق حرم مسحها كالمصحف وإلا فلا. [التاسع] الدراهم المكتوب عليها القرآن
يتناولها المنع من المس لما قلناه ولان القرآن مكتوب عليها فأشبهت الورقة وهو اختيار أبي حنيفة وقال بعض الجمهور بالجواز لأنه لا يقع عليها اسم
المصحف فأشبهت كتب الفقه والمشقة الحاصلة من الاحتراز وكذا البحث في الصبيان في الكتاتيب وللشافعية فيها وجهان. [العاشر] لو غسل المحدث بعض
أعضائه لم يخرج المنع لأنه غير متطهر إلا بغسل الجميع. [الحادي عشر] لا يحرم مس كتابة التوراة والإنجيل على الجنب والمحدث وبه قال الشافعي لأنها منسوخة.
[الثاني عشر] المنسوخ حكمه خاصة يحرم مسه لأنه حرمة القرآن والمنسوخ تلاوته لا يجوز مسه وإن بقي حكمه لخروجه عن كونه قرآنا.
* مسألة: يستحب الوضوء في أماكن الصلاة والطواف المندوبين لأنها شرط فيهما فلا يصحان بدونهما والأصل مندوب فالفرع أولى، ولطلب الحوائج
لما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول من طلب حاجة وهو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومن إلا نفسه، و
تجديده مع بقاء حكمه عند كل صلاة لما رواه سعدان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الطهر على الطهر عشر حسنات، ولحمل المصحف
لأنه مناسب للتعظيم، ولأفعال الحج عن الطواف الواجب وصلاته لوجوبه، والكون على الطهارة، ولدخول المساجد لما رواه ابن بابويه عن كليب
الصيداوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال مكتوب في التوراة أن بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لمن تطهر في بيته ثم زارني وحق المزور أن يكرم
الزائر ولأنه يستحب الصلاة تحية وهي مفتقرة إلى الطهارة مكروهة في المسجد فاستحب التقديم، وللنوم لما رواه ابن بابويه في ثواب الأعمال عن محمد بن
كردوس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من توضأ ثم أوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده، وللصلاة على الجنائز، ولزيارة قبور المؤمنين، ولقراءة
القرآن، ولنوم الجنب لما رواه الشيخ عن سماعة قال سألته عن الجنب يجنب ثم يريد النوم فقال إن أحب أن يتوضأ فلا يفعل والغسل أفضل من
ذلك وإن هو نام ولم يتوضأ ولم يغتسل فليس عليه شئ إن شاء الله تعالى، ولا كل الجنب لما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (عليه السلام)
قلت أيأكل الجنب قبل أن يتوضى قال إنا لنكسل ولكن ليغسل يده والوضوء أفضل، ولجماع المحتلم، والحامل، وجماع غاسل الميت ولم يغتسل، و
لمريد غسل الميت وهو جنب، وللحائض تجلس في مصلاها يذكر الله تعالى. وللتأهب لصلاة الفرض قبل وقته لاستحباب الصلاة في أول وقتها
وهو غير ممكن إلا بتقديم الوضوء على الوقت. خاتمة: متعلق بثواب الوضوء وعلته روى محمد بن يعقوب في كتابه عن محمد بن بشير قال
سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول وهو يحدث الناس بمكة قال صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الفجر ثم جلس مع أصحابه حتى طلعت الشمس فجعل
يقوم الرجل بعد الرجل حتى لم يبق معه إلا رجلان أنصاري وثقفي فقال لهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد علمت أن لكما حاجة تريدان أن تسألا
عنها فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألا وإن شئتما فاسألا عنها قالا تخبرنا قبل أن نسألك عنها فإن ذلك أجلى للعماء وأبعد من الارتياب
وأثبت للايمان قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أما أنت يا أخا ثقيف فإنك جئت تسألني عن وضوئك وصلاتك ما لك في ذلك من الخير أما وضوؤك
فإنك إذا وضعت يدك في إناء فقلت بسم الله تناثرت منها ما اكتسبت من الذنوب وإذا غسلت وجهك تناثرت الذنوب التي اكتسبت بها عيناك التي
تنظر بها وفوك، وإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب التي بطشت بها يدك، فإذا مسحت على رأسك وقدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على
قدميك فهذا لك في وضوئك وروي عن سماعة عن أبي الحسن (عليه اللام) قال من توضى للمغرب كان وضؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلا الكبائر
ومن توضى للصبح كان وضؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليله إلا الكبائر وروى ابن بابويه عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) لما وصف وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قال يا محمد من توضى مثل وضوئي وقال مثل قولي خلق الله عز وجل عن كل قطرة ملكا يسبحه و
يقدسه ويكبره ويكتب الله تعالى ثواب ذلك إلى يوم القيامة وروى ابن بابويه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من توضأ وذكر اسم الله طهر جميع
جسده فكان الوضوء إلى الوضوء كفارة لما بينهما من الذنوب ومن لم يسم لم يطهر جسده إلا ما أصابه الماء وروى ابن بابويه في الصحيح عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى (عليه السلام) عن أبيه جعفر بن محمد (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أسبغ وضؤه وأحسن صلاته وأدى زكاة ماله وكف
عصبيته وسجن لسانه واستغفر لذنوبه وأدى النصيحة لأهل بيت نبيه فقد استكمل حقائق الايمان وأبواب الجنة مفتحة له وروي عن السكوني
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (صلوات الله عليهم) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليبالغ أحدكم في المضمضة والاستنشاق فإنه غفران
لكم ومنفرة للشيطان وروى ابن بابويه انه جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسألوه عن مسائل فكان فيما سألوه أخبرنا
77

يا محمد لأي علة توضأ هذه الجوارح الأربعة وهي ألطف المواضع في الجسد قال النبي (صلى الله عليه وآله) لما ان وسوس الشيطان إلى آدم (عليه السلام) دنا
من الشجرة فنظر إليها فذهب ماء وجهه، ثم قام ومشى إليها وهي أول قدم مشت إلى الخطيئة ثم تناول يده منها ما عليها وأكل فطار الحلي والحلل عن جسده
فوضع آدم يده على أم رأسه وبكى فلما تاب الله عز وجل عليه فرض الله عليه وعلى ذريته تطهير هذه الجوارح الأربع فأمر الله تعالى لغسل الوجه
لما نظر إلى الشجرة، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول منها، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على أم رأسه، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة
وكتب أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان فيما كتب في جواب مسائله ان علة
الوضوء التي من أجلها صار على العبد غسل الوجه
والذراعين ومسح الرأس والقدمين فلقيامه بين يدي الله عز وجل واستقباله إياه بجوارحه الطاهرة وملاقاته بها الكرام الكاتبين فيغسل
الوجه للسجود والخضوع ويغسل اليدين لثقلها ويرغب بهما ويرهب ويتبتل ويمسح الرأس والقدمين لأنهما طاهران مكشوفان فاستقبل بهما كل حالاته
وليس فيهما من الخضوع والتبتيل ما في الوجه والذراعين.
[المقصد الثالث] في الغسل والنظر في أنواع وأحكام أنواعه، اعلم أن الغسل
على ضربين واجب وندب فالواجب ستة غسل الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ومس الميت بعد بردهم بالموت وقبل تطهيرهم بالغسل وغسل الموتى
فها هنا فصول الأول: في الجنابة وقد اتفق علماء الأمصار على أن الجنابة سبب موجب للغسل والقرآن دل عليه قال الله تعالى: (وإن كنتم جنبا
فاطهروا) والكلام ها هنا يقع على ثلاثة مباحث الموجب للجنابة وكيفية الغسل المزيل لها وأحكام الجنب [الأول] البحث في الموجب وهي تكون
تارة بسبب إنزال المني وهو الماء الغليظ الدافق غالبا يخرج عند اشتداد الشهوة يشبه رائحته رطبا رائحة الطلع ويابسا رائحة البيض وسمي منيا لأنه يمنى
أي يراق ولهذا سميت منيا لإراقة الدماء بها ومن المرأة رقيق أصغر وعليه إجماع أهل الاسلام وروى مسلم في صحيحه أن أم سليم حدثت أنها سألت
النبي (صلى الله عليه وآله) عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رأت ذلك المرأة فليغتسل فقالت أم سليم واستحييت من
ذلك وهل يكون هذا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) نعم فمن أن (أين) يكون الشبهة (الشبه) ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيها على أو سبق يكون
منه الشبه وروت أيضا عنه (عليه السلام) قال هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت فقال النبي (صلى الله عليه وآله) نعم إذا هي رأت الماء وقال (عليه السلام) إنما الماء
من الماء ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبلها فيخرج منه المني
فما عليه قال إذا جاءت الشهوة ولها دفع وفتر لخروجه فعليه الغسل وإن كان إنما هو شئ ولم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس معناه إذا لم يكن الخارج
هو الماء الأكبر لاستبعاد خروج الماء الأكبر بغير شهوة ولذة وفتور وأشار بذلك إلى من أشبه عليه اعتبره في الشهوة وروي في الصحيح عن عبد الله بن
سنان قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة ترى أن الرجل يجامعها في المنام في فرجها حتى تنزل قال تغسل وروي في الصحيح عن آدم بن الحر قال سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل عليها غسل؟ قال: نعم ولا تحدثونهن فيتخذنه علة وروي في الحسن عن محمد بن الفضيل
عن أبي الحسن (عليه السلام) قال قلت يلزمني المرأة والجارية من خلفي وأنا متكي على جنب فتحرك على ظهري فتأتيها الشهوة ونزل الماء فعليها غسل أم لا
فقال نعم إذا جاءت الشهوة وأنزل الماء وجب عليها الغسل وروى معاوية قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة جامعهما
الرجل أو لم يجامعهما في نوم كان أو يقظة فإن عليها الغسل وروي في الصحيح عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع قال سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يجامع المرأة فيما
دون الفرج فتنزل المرأة هل عليها غسل قال نعم وروى في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة ترى في منامها
فتنزيل عليها غسل قال نعم وروي في الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المفخذ أعليه غسل قال نعم إذا نزل فخرج والمني الدافق بشهوة يوجب الغسل
من الرجل والمرأة في يقظة أو نوم لا نعرف فيه خلافا لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يضع ذكره
على فرج فيمني عليها فقال إن أصابها من الماء شئ فليغسله وليس عليها شئ إلا أن يدخله قلت فإن أمنت هي ولم يدخله قال ليس عليها
الغسل وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) كيف جعل على المراة إذا رأت في النوم ان الرجل يجامعها في فرجها فوجب الغسل ولم يجعل عليها الغسل إذا جامعتها دون الفرج في اليقظة فأمنى قال لأنها رأت في منامها ان الرجل يجامعها في فرجها
عليها الغسل والآخر إنما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل لأنه لم يدخله ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل أمنت أو لم
تمن وروي في الصحيح عن عمر بن أذينة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المرأة تحتلم في المنام فيهرق الماء الأعظم قال ليس عليها الغسل لأنا نجيب
عن ذلك كله بأن هذه أخبار آحاد عارضت الاجماع فيكون مردودة بالاتفاق على أنه يحتمل أنه إنما قال فإن أخذت هي والسامع لم يفهم ذلك
وعمر بن يزيد هذا قدر روى بغير هذا اللفظ قال اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست ثيابي وتطيبت فمرت بي رضيعة فخذت لها فأمذيت أنا
وأمنت هي فدخلني في ذلك ضيق فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال: ليس عليك وضوء ولا عليها غسل فاختلاف روايته دال على عدم
الضبط فوجب اخراجها وأيضا يمكن أن يحمل المني على المذي الذي هو شبيه في بعض الأحوال بالمصاحب له بالمجاز قال الشيخ ويحتمل أنه (عليه السلام)
أجابه عما هو الثابت في نفس الامر لا على اعتقاد السائل فلعله يعتقد ما ليس بمني منيا وهذا هو الجواب عن الحديث الثاني وعن الثالث باحتمال أنها
رأت في النوم الانزال ولما استيقظت ظهر لها بطلانه لأنها وجدته في حال اليقظة. فروع [الأول] قال علماؤنا خروج المني مطلقا
78

موجب للغسل سواء قاربه الشهوة أو لا، به قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وأحمد ومالك: لا يجب إلا مع الشهوة والدفق. لنا: ما رواه الجمهور عنه (عليه السلام)
أنه قال: الماء من الماء، ورووا عنه (عليه السلام) أنه قال وفي المعنى الغسل وقوله (عليه السلام) لام سليم: إذا رأت المرأة ذلك فليغتسل ولم يعلق الحكم على
غير الرواية وقوله (عليه السلام) لها: نعم إذا هي رأت الماء ولم يعلق على الشهوة ومن طريق الخاصة ما تقدم من الأحاديث الدالة على إيجاب الغسل مطلقا
ولا ينافي ذلك الأحاديث الدالة على الايجاب مع قيد الشهوة لان دليل الخطاب وبالخصوص مع المنطوق الدال على الخلاف ولأنه مني خارج
فأوجب الغسل كما لو خرج حال الاغماء ولأنه شئ نجس خارج من إحدى السبيلين فلا يعتبر في إيجاب الشهوة كالحيض احتج أبو حنيفة بما روي عن أم
سليم أنها سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن المرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرجل فقال: أتجد لذة بذلك
فقالت نعم قال: فلتغتسل علق الاغتسال
باللذة ولأنه ليس بمني بل تشبه لان المني هو الماء الذي تدفعه الشهوة فإذا انعدمت الشهوة لا يكون منيا بل أشبه البول فيجب منه الوضوء و الجواب
عن الأول بأن تعليق الحكم على اللذة لا يدل على نفيه ما عداه إذ ذلك دليل خطاب لا يعمل به المحققون على أن السؤال ها هنا ليس لتعليق
الحكم عليه واعتبار اللذة بل هو استعلام بما يشتبه حاله لا ما يتيقن أنه مني على أن الشهوة لا يعتبر في النوم اتفاقا وعن الثاني: أن الاسم معلق
على الحقيقة المعينة باعتبار مقارنة الشهوة أو عدمها كما في حق النائم والمغمى عليه وغيرهما والعجب أن أبا حنيفة يذهب إلى أن الزيادة على النص
نسخ فتقييد الماء بالشهوة زيادة لم يتناوله النص مستفادة من مفهوم قوله (عليه السلام) أتجد لذة مع أن المفهوم اختلفوا في أنه هل هو حجة أم لا وعلى
القول بأنه حجة اختلفوا في أنه هل يجوز التخصيص به أم لا فكيف جوز النسخ به. برهان آخر: خروج المني موجب للغسل مطلقا عملا بالدوران في طرفي
الوجود والعدم، أما في الوجود: نفي حال الانزال مع الاغماء والنوم، وأما عدما: فظاهر والدوران يقتضي العلية، لان من رأى مدارا من المدارات
على ما ذكرنا من التعسر علة للدائر قطعا فنقول لو ثبت عدم علية غير هذا المدار من المدارات منضما إلى علية مدار ما وإلى عدم علية كل
ما ليس بعلة في نفس الامر يلزم عليه هذا المدار ويلزم من هذا أن يكون علة في نفس الامر، أما المقدمة الأولى: فلان كل ما ليس بعلة في نفس الامر فهو
ليس بعلة على هذا التقدير فينعكس بالنقيض إلى أن كل ما هو علة على هذا التقدير فهو علة في نفس الامر وأما المقدمة الثانية: فلان هذا المدار
علة غير هذا التقدير وكل ما هو علة غير هذا التقدير فهو علة في نفس الامر وإن قال عدم الانزال مع الشهوة موجب لعدم الغسل بالدوران
وجودا وعدما، أما وجودا: ففي صورة الانزال مطلقا وأما عدما: ففي صورة الانزال مع الشهوة وإذا كان الانزال مع الشهوة
مدارا لم يكن مطلق الانزال مدارا وإلا لزم وجود الحكم وعدمه في صورة النزع قلت هذا لا يتم بالتخلف وتقريره أن يقول لو كان
عدم الانزال مع الشهوة موجبا لعدم الغسل لزم أحد الامرين وهو أما عدم وجوب الغسل في صورة النزاع أو عدم إيجاب الانزال مطلقا للغسل
لدلالة الدليل على كل واحد منهما أما على الأول: فلان الأصل ترتب المسبب على سبب وأما الثاني: فلانه لو كان الانزال مطلقا حينئذ موجبا للغسل لزم التعارض
بين الموجب للوجوب والموجب لعدم الوجوب وهو على خلاف الأصل وثبت دلالة الدليل على كل واحد منهما فثبت أحدهما ويلزم من هذه الملازمة
وعدم موجبية الانزال مع الشهوة لعدم الغسل لأنه لو ثبت أحد الامرين وهو أما موجبه عدم الانزال مع الشهوة لعدم وجوب الغسل لعدم
وجوب الغسل في صورة النزاع لثبت عدم وجوب الغسل في فصل النائم والضمير عليه عملا بالعلة السالمة عن المعارض ودعواه واللازم
منتف فينتفي أحدهما وإنما كان يلزم انتفاء موجبية عدم الانزال مع الشهوة لعدم وجوب الغسل أما إذا كان الواقع انتفاء موجبيته لعدم وجوب
الغسل فظاهر وأما إذا كان الواقع انتفاء عدم وجوب الغسل في صورة النزاع فلان ما ذكرناه وهو الانزال مطلقا حينئذ يكون موجبا لوجوب
الغسل لما ذكرنا من الدوران السالم عن معارضة عدم وجوب الغسل في صورة النزاع فيظهر من هذا أن المدار إذا كان معيبا والمقابل له شئ
يتخلف عنه ضد المدعى ثم وإلا فلا. [الفرع الثاني] إذا تيقن الخارج مني وجب الغسل سواء خرج دافقا أو لا بشهوة أو لا في يقظة أو
نوم بعلة كالضرب أو لا لان السبب وهو الخروج موجود في الجميع ولو أشتبه أعتبره الصحيح باللذة والدفق وفتور الجسد لرواية علي بن جعفر عن أخيه
موسى (عليه السلام) وقد تقدمت ولان هذه الأمور مقارنة للمني في أغلب الأحوال فمع حصول الاشتباه يستند إليها أما المريض فلا يعتبر الدفق في حقه لضعف
قوته والدفق غير ملازم للمني في حقه فلا يستند إليه ولا بد من الأخيرين ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال قلت له الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ فلا يجد شيئا ثم يمكث الهوين بعد فخرج؟ قال: إن كان مريضا فليغتسل
وإن لم يكن مريضا فلا شئ عليه قال قلت له: فما الفرق بينهما؟ قال: لان الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة قوية وإن كان مريضا لم يجئ إلا بعد.
وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل احتلم فلما انتبه وجد بللا قليلا؟ قال: ليس بشئ إلا أن يكون
مريضا فإنه يضعف فعليه الغسل. [الثالث] لو أحس بانتقال المني عند الشهوة فأمسك ذكره فلم يخرج فلا غسل وهو قول أكثر الفقهاء
خلافا لأحمد فإنه أوجب الغسل وأنكر رجوع الماء. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) في خبر أم سليم قال إذا رأت المرأة ذلك
فليغتسل علق الرواية وما رواه أبو داود عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي (عليه السلام) أن فضحت الماء فاغتسل والفضح خروجه على وجه
79

الشدة وقيل خروجه بالعجلة وبالجملة فالحكم معلق على الجروح فينتفي عند انتفائه. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن أبي العلا قال
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرى في المنام حتى يجد الشهوة وهو يرى أنه قد احتلم فإذا استيقظ لم يرى ثوبه الماء ولا في جسده؟ قال: ليس عليه الغسل. احتج
أحمد بأن: الجنابة تباعد الماء عن محله لان الجنابة في اللغة البعد وقد وجد لان الغسل يراعى فيه الشهوة وقد حصلت بانتقاله فأشبه ما لو طهر والجواب عن الأول:
أنه لا يصح لجواز أن يسمى جنبا لمجانبة الماء وذلك لا يحصل إلا بخروجه منه ولمجانبته المساجد والصلاة والقرآن وغيرها. وعن الثاني: بالمنع من اعتبار
الشهوة وقد بينا فيما مضى سلمنا لكن مراعاتها لا يلزم منه استقلالها به فإن أحد وصفي العلة وشرط الحكم مراعاته ولا يستعمل الحكم ويبطل بما
إذا وجدت الشهوة من غير انتقال فإنها لا يستقل للحكم مع مراعاتها فيه. [الرابع] لو خرج المني بعد الانتقال والامساك لزمه الغسل سواء اغتسل أو لم
يغتسل لوجود السبب وهو الخروج وسواء قارنته الشهوة أو لا وسواء بال أو لا وقال بعض الجمهور في الذي أحس بانتقال المني فأمسك ذكره واغتسل
ثم خرج منه المني من غير مقارنة الشهوة بعد البول: لا غسل عليه، وهو قول أبي يوسف، وقال أبو حنيفة ومحمد: عليه الغسل، وهو قولنا لما قدمناه ولأمر
النبي (صلى الله عليه وآله) بالغسل عند رؤية الماء ونضمه وقد وجد في هذه الحالات وكذا لو خرج منه الماء فاغتسل ثم خرج أيضا شئ آخر منه
وجب أن يعيد الغسل ذهب إليه علماؤنا، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: إذا خرج قبل البول وجب أن يعيد الغسل لأنه بقية ما خرج بالدفق والشهوة،
وإن خرج بعد البول لم يجب به الغسل لأنه خرج بغير دفق ولا شهوة، وبه قال الأوزاعي، وقال مالك: لا غسل عليه سواء خرج بعد البول أو قبله، لأنه
اغتسل منه فلا يجب أن يغتسل منه مرة أخرى. وعنه في الوضوء روايتان وهو مذهب أبي يوسف ومحمد وإسحاق وهو غلط لأن الاعتبار بخروجه
كسائر الاحداث ولو يقطر من بوله نقطة بعد نقطة أعاد الوضوء واعتبار الشهوة قد بينا بطلانه. [الخامس] لو رأى أنه قد احتلم فاستيقظ فلم يجد
منيا لم يجب عليه الغسل وأجمع عليه كل من يحفظ عنه العلم لأنه لم يحصل السبب وهو الخروج ولا اعتبار برؤيا النائم في إيجاب الاحكام
على المكلف، ولما روى الشيخ في الحسن عن الحسين بن أبي العلا قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل كان يرى في المنام حتى يجد الشهوة وهو يرى
أنه قد احتلم فإذا استيقظ لم ير في ثوبه الماء ولا في جسده؟ قال: ليس عليه الغسل وقال كان علي (عليه السلام) يقول إنما الغسل من الماء الأكبر فإذا
رأى في منامه ولم ير الماء الأكبر فليس عليه غسل. وروي في الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة في المنام ما يرى الرجل؟ قال: إن أنزلت
فعليها الغسل وإن لم تنزل فليس عليها الغسل. [السادس] لو استيقظ الرائي فوجد المنى وجب الغسل لأنه منه ولا اعتبار بالعلم بالخروج
في وقته، لما رواه الجمهور عن عائشة قالت سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الرجل يجد البلل ولا يذكر اختلافا (احتلاما ظ) قال: يغتسل، وعن الرجل
أنه يرى قد احتلم ولا يجد الماء؟ قال: لا غسل عليه. وفي طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سماعة قول إلا أن رواية هذه متقبلة عند الأصحاب والنظر يؤيدها
فيجب المصير إليها. [السابع] لو استيقظ فرأى مذيا لم يجب عليه الغسل لان الحكم معلق على المني وقال أبو حنيفة ومحمد: يجب الغسل احتياطا تذكر
الاحتلام أو لم يتذكر وقال أبو يوسف: لا غسل عليه حتى يستيقن الاحتلام، وكلاهما ضعيفان. [الثامن] لو وجد بللا لا يتحقق أنه مني لم يجب عليه
شئ لان الطهارة متيقنة والحدث مشكوك فيه فلا اعتبار به وهو قول مجاهد وقتادة وقال أحمد في بعض الروايات إذا وجد بلة اغتسل لا أن يكون
قد لاعب أهله فربما خرج منه المذي فلا بأس به وكذلك إن كان أسر؟؟ من أول الليل يتذكر أورد به لا غسل عليه وهو قول الحسن وإن يكن وجد ذلك
فعليه الغسل والحق ما قلناه أولا وهذا التفصيل لا نعرفه لعدم الدلالة. [التاسع] الحكم إنما يتعلق بالبالغ أو ممن قاربه كابن ثلاث عشرة سنة
أو اثنتي عشر فإذا وجد مثل هؤلاء المني بعد الاستيقاظ نسبت إليهم لان الصبي ها هنا وجد دليل البلوغ وهو محتمل أما إذا كان أقل من ذلك بحيث
لا يحتمل أنه منه غالبا حمل على أنه من غيره فلا يلحقه الحكم. [العاشر] لو احتلم فاستيقظ فلم ير شيئا لكن خرج بعد استيقاظه أو مشي فخرج منه
المني وجب عليه الغسل لوجوب السبب. [الحادي عشر] لو رأى منيا في ثوبه فإن اختص به وجب عليه الغسل وذكر شارح الطحاوي خلافا بين أبي حنيفة
ومحمد وبين أبي يوسف فيمن وجد على فراغه منيا فقال أبو حنيفة ومحمد: عليه الغسل وخالف أبو يوسف. لنا: ما رواه الجمهور ان عمر وعثمان اغتسلا حين
رأياه في ثوبيهما. ورواية سماعة وقد تقدمت ولأنه لا يحتمل أن يكون من غيره أما لو شاركه في الثوب غيره فلا غسل عليه ولا على الآخر لان كل واحد منهما
بانفراده يحتمل ألا يكون منه فوجوب الغسل عليه مشكوك فيه نعم يستحب الغسل لهما احتياطا. وروى الشيخ عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يصيب ثوبه منيا ولم يعلم أنه احتلم قال يغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ. [الثاني عشر] قال الشيخ في المبسوط يعيد المنفرد بالثوب كل
صلاة من عند آخر غسل رفع به الحدث هذا بالنظر إلى كونه جنبا أما بالنظر إلى حكم الثوب فالواجب أن يعيد الصلاة التي صلاها من آخر نوم فإنها
فيه لأنه لا يقوم إلى الصلاة إلا مع غلبة الظن ان ثوبه طاهر قال ولو قلنا إنه لا يجب عليه إعادة شئ من الصلاة بالنظر إلى الثوب خاصة
كان قويا وهو الذي أعمل به لان إيجاب الإعادة يحتاج إلى دليل شرعي ولما ثبت من عدم الإعادة على المصلي في النجس إذا كان جاهلا إلا إذ كان
في وقته فيلخص من هذا أن الشيخ يذهب إلى وجوب الإعادة عليه من آخر غسل وليس بجيد والحق أنه يعيد الصلاة من آخر نومة لا أن يرى امارة
على تدل على الغسلة فيعيد من أدنى نومة يحتمل أنه منها لان الصلاة قبل ما وجدناه وقعت مشروعة فلا يبطلها التجويز المتجدد. [الثالث عشر]
80

هل يجوز لواجد المني في الثوب المشترك الايتمام لصاحبه في الصلاة قال بعض الجمهور لا لسلمنا بأن أحدهما جنب فلا يصح صلاتهما وعندي فيه إشكال فإن الشارع
أسقط نظره عن هذه الجنابة ولم يعتد بهما في أحكام الجنب فإن لكل واحد منهما الدخول في المساجد وقراءة العزائم وغير ذلك من المحرمات فلو كان حكم الجنابة
باقيا لما ساغ ذلك وعلى تقدير التسليم فصلاة الامام صحيحة قطعا كما لو لم يأتم والمأموم أتم بالصلاة يعلم صحتهما شرعا ساغ ذلك ومع التسليم
فالذي ذكروه يقتضي بطلان صلاة المأموم خاصة. [الرابع عشر] لو خرج منى الرجل من فرج المرأة بعد الاغتسال لم يجب عليه الغسل سواء جا
معها في فرجها أو في غيره فنزل فيه ثم خرج وهو مذهب قتادة والأوزاعي وإسحاق وقال الحسن يغتسل وقال الشافعي يتوضأ. لنا: أنه ليس منها فأشبه
غير المني وروى الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبي عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تغتسل عن الجنابة ثم ترى نطفة الرجل بعد ذلك
هل عليها غسل فقال لا. [الخامس عشر] لو أمذى لم يجب عليه شئ لان المذي عندنا طاهر بلا خلاف بين علمائنا أما الجمهور القائلون
بنجاسته فقد اختلفوا فيه فقال الشافعي يجب غسل موضع المني خاصة لأنه خارج لا يوجب غسل جميع البدن فلا يوجب غسل ما لم يصيبه وقال مالك
يجب عليه غسل الذكر وقال أحمد يجب عليه غسل الذكر والأنثيين لما رووه عن علي (عليه السلام) وقد سأله
المقداد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال
يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ والجواب: قد بينا في طرقنا أنه لا وضوء فيه. [السادس عشر] لو خرج المنى من ثقبه في الإحليل غير المعتاد أو في
خصيتيه أو صلبه فالأقرب وجوب الغسل لقوله (عليه السلام) إنما الماء من الماء ويحتمل إحالته على الخارج من السببين وهو قول الشافعية * مسألة:
والجماع في الفرج سبب موجب للجنابة عن الرجل والمرأة وحده التقاء الختانين والمراد به المحاذاة ويعلم بغيبوبة الحشفة سواء أنزل أو لم ينزل
وهو مذهب عامة العلماء إلا داود ونفرا يسيرا من الصحابة شرطوا الانزال. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إذا التقى الختانان وجب الغسل وعنها أنها قالت إذا التقى الختانان وجب الغسل فعلته أنا ورسول الله (صلى الله عليه وآله) فاغتسلنا وعنها أنها
قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان فقد وجب الغسل وفي حديث عمر أنه قال من خالف ذلك فقد جعلته
نكاره وروى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا قعد بين شعبها الأربع فقد وجب عليه الغسل وإن لم ينزل وهذا نص
قال الأزهري أراد بين شعبتي رجليها وشعبتي شفرتها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال سألت
متى يجب الغسل على الرجل والمرأة فقال إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم وروي في الصحيح عن محمد بن إسماعيل قال سألت الرضا (عليه السلام) عن
الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل فقال إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل قلت التقاء الختانين غيبوبة الحشفة قال نعم و
روي في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها أعليها غسل قال إذا وضع الختان
على الختان فقد وجب الغسل البكر وغير البكر وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) فقال ما تقولون
في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل فقالت الأنصار الماء من الماء وقال المهاجرون إذا التقتا الختانان فقد وجب الغسل فقال لعمر لعلي
(عليه السلام) ما تقول يا أبا الحسن فقال علي (عليه السلام) أتوجبون عليه الرجم والحد ولا توجبون عليه صاعا من ماء إذا التقتا الختانان فقد وجب عليه الغسل
فقال عمر القول ما قاله المهاجرون ودعوا ما قالت الأنصار. فروع: [الأول] لو جامع في دبر المرأة ولم ينزل قال السيد المرتضى يجب الغسل
وبه قال الشافعي وقال الشيخ في المبسوط لأصحابنا فيه روايتان الوجوب وعدمه وقال في النهاية فإن جامع فيما دون الفرج لم يجب الغسل إلا مع الانزال
قال ابن إدريس إن أراد بالفرج ما يعم القبل والدبر معا فصحيح وإلا فلا والأقرب ما ذهب إليه السيد المرتضى. لنا: قوله تعالى: (أو لامستم النساء فلم
تجدوا ماء فتيمموا) والتيمم بدل من الغسل فوجوبه تابع لوجوب الأصل والملامسة هي الجماع مطلقا خرج عنه ما ليس بمعتاد لعدم انصراف
اللفظ إليه فيبقى الباقي على حكمه وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة فقال
إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم أشار بذلك على الادخال في الفرج وهو موضع الحدث سواء كان قبلا أو دبرا وقول علي (عليه السلام) أتوجبون
عليه الجلد الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء وهذا يدل من حيث المفهوم على الوجوب بوطء الدبر احتج الشيخ بما رواه أحمد بن محمد عن البرقي رفعه
إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما وإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها وما رواه في الصحيح عن
الحلبي قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها غسل إن هو أنزل أو لم تنزل هي قال ليس عليها غسل وإن لم
ينزل هو فليس عليه غسل والجواب عن الأول: انها مرسلة فلا يعارض ما ذكرناه. وعن الثاني إنا نقول بموجبه ومنع (نمنع) من اختصاص اسم الفرج
بالقبل. [الثاني] لو وطئ الغلام في دبره قال السيد المرتضى يجب الغسل وقال الشيخ في المبسوط لأصحابنا فيه روايتان وعندي فيه تردد و
الأقرب ما قاله السيد وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأحمد واستدل السيد عليه بالاجماع قال كل من أوجب الغسل بوطئ دبر المرأة أوجبه بوطئ
دبر الغلام وقد بينا الحكم الأول فيثبت الثاني ويدل عليه أيضا قول علي (عليه السلام) أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء ولأنه
دبر آدمي فأشبه دبر المرأة والشيخ تمسك بالأصل وهو ضعيف مع وجود ما ينافيه. [الثالث] هل يجب على المرأة الموطوئة في الدبر الغسل مع عدم
81

الانزال فيه تردد يلوح من كلام ابن إدريس الوجوب ويدل عليه كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال الحد والرجم مشترك بينهما وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأحمد
وكذا الغلام الموطوء يجب عليه الغسل. [الرابع] لو وطئ بهيمة قال الشيخ في المبسوط والخلاف لا نص فيه فلا يتعلق به الحكم وهو قول أبي حنيفة خلافا
للشافعي وأحمد وكلام الشيخ قوي. [الخامس] لا فرق في الموطوء الآدمي بين أن يكون طايعا أو مكرها ونائما أو مستيقظا وكذا الواطي أو حيا أو ميتا
خلافا لأبي حنيفة فإنه لم يوجب الغسل بوطئ الميتة. لنا: أنه إيلاج فرج في فرج حصل معه البقاء (الالتقاء) فيجب الغسل عملا بالأحاديث السالفة ولأنه إيلاج
فرج آدمي فيجب الغسل كالحي احتج أبو حنيفة بأنه وطء غير مقصود فلا يتعلق الحكم به والجواب المنع من عدم القصد لضرورة توقف الفعل عليه إلا
أن يعني بالقصد ما يكون متعلق الشهوة غالبا فينتقض بالعجوز الشوهاء ولو كان جماعه للميتة بعد غسلها لم يعد وهو أحد وجهي الشافعي. [السادس]
لو غيب بعض الحشفة ولم ينزل لم يتعلق به حكم لأنه لم يوجد التقاء الختانين ولا ما هو في معناه لان غيبوبة الحشفة شرط للوجوب لرواية محمد بن
إسماعيل الصحيحة قلت التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة قال نعم ولم يوجد فينتفي الوجوب. [السابع] لو انقطعت الحشفة ولم يكن له
خلقة فأولج الباقي منه ذكره بقدر الحشفة وجب الغسل وتعلق به أحكام الوطي من المهر وغيره لرواية محمد بن مسلم الصحيحة عن أحدهما (عليه السلام)
قال إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم وإن كان أقل من ذلك لم يجب. [الثامن] لو أولج ذكره في قبل خنثى مشكل ذكره أو أولج الخنثى المشكل ذكره أو وطئ أحديهما الآخر
في قبله قال الشافعي لا يجب الغسل لاحتمال أن يكون زائدا ومع الانزال يختص الغسل بالمنزل ولو اشترك اشترك وفيه إشكال من حيث تعلق الحكم
بالتقاء الختانين من غير اعتبار الزيادة والأصالة أما لو أولج الرجل في دبر الخنثى فإنه يجب الغسل عند السيد وهو الحق وبه قال الشافعي. [التاسع] لو
وطئ الصبي أو وطئ الصبية ففي تعلق الحكم بهما نظر قال أبو حنيفة وأبو ثور يستحب لهما الغسل لعدم تعلق الاثم بهما فلا يتصور الوجوب في حقهما ولان
الصلاة التي لا يجب الطهارة لها غير واجبة عليها فأشبهت الحائض وقال أحمد بالوجوب عملا بقوله (عليه السلام) إذا التقيا الختانان وجب الغسل ولا
نعني بالوجوب التأثيم بتركه بل معناه انه شرط لصحة الصلاة والطواف وإباحة قراءة العزائم وإنما يأثم البالغ بتأخيره في موضع يتأخر الواجب بتركه
ولذلك لو أخره في غير وقت الصلاة لم يأثم والصبي لا صلاة عليه فلا يأثم بالتأخير وبقي في حقه شرطا كما في حق الكبير وإذا بلغ كان حكم الحدث في حقه
باقيا كالحدث الأصغر ينقض الطهارة في حق الكبير والصغير وهو الأقوى. أصل: الكفار مخاطبون بفروع العبادات في الأمر والنهي معا خلافا
للحنفية مطلقا ولبعض الناس في الأوامر. لنا: المقتضى وهو العموم موجود كقوله: (ولله على الناس حج البيت يا أيها الناس اعبدوا ربكم) والمانع وهو الكفر
لا يصلح مانعا لان الكافر متمكن من الاتيان بالايمان أو لا حتى يصير متمكنا من الفروع كما في حق المحدث ولقوله تعالى: (قالوا لم نك من المصلين) ولقوله
تعالى: (ومن يفعل ذلك يلق آثاما) وذلك عائد إلى كل ما تقدم وقوله تعالى: (فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى) ذمهم على الجميع وقوله: (ويل للمشركين
الذين لا يؤتون الزكاة) ولان النهي يتناوله فيحد على الزنى فيتناوله الامر لان التناول ثم إنما كان لتمكنه من استيفاء المصلحة الحاصلة بسبب الاحتراز
من المنهي عنه للمناسبة والاقران فوجب أن يكون متمكنا من استيفاء المصلحة الحاصلة بسبب الاقدام على المأمور به واحتجاجهم بأنه لو وجبت الصلاة
لكانت أما حال الكفر أو بعده والأول باطل لامتناعه والثاني باطل للاجماع على سقوط القضاء لما فات حالة الكفر ولأنه لو كان واجبا لوجب القضاء
كالمسلم والجامع تدارك المصلحة المتعلقة بتلك العبادات ضعيف أما الأول: فلانا فلا نعني بتكليفهم في الدنيا الاقدام على الصلاة مع الكفر
ولا وجوب القضاء بل يتناول العقاب لهم في الآخرة على ترك الفروع كما حصل لهم على ترك الايمان وحينئذ يندفع ما ذكروه. وعن الثاني: بالمنع
من الملازمة فإن القضاء يجب بأمر جديد وقياسهم منتقض بالجمعة وأيضا الفرق واقع لان في حق الكافر لو أمر بالقضاء حصل التنفر له عن
الاسلام. [العاشر] إذا حصل السبب للكافر لحقه الحكم يعني تناوله العقاب في الآخرة فإذا أسلم يسقط عنه ما كان واجبا عليه ها هنا سواء
اغتسل في حال كفر أو لم يغتسل وهو اختيار الشافعي وقال أبو حنيفة يسقط الغسل عنه لكن يستحب له. لنا: أنه جنب بعد الاسلام فيمنع من الصلاة
إلا بالغسل لقوله: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) وهو عام وأيضا قوله (عليه السلام) إذا التقى الختانان فوجب الغسل ولأنه لو كان محدثا حدثا أصغر لم يجز له
الدخول في الصلاة إلا بالطهارة فكذا في الغسل ولأنه على تقدير أن لا يكون مكلفا يلزم عدم الغسل لان عدم التكليف غير مانع من الوجوب
كالصبي والمجنون احتجوا بأنه لم ينقل عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أمر أحدا بالغسل مع كثرة من أسلم من البالغين وهم غالبا لا يكادون يسلمون
عن حدث الجنابة وبقوله (عليه السلام): الاسلام يجب ما قبله والجواب عن الأول: بالمنع من ترك الامر فإن قوله: إذا التقى الختانان وجب الغسل عام وقوله تعالى:
(وإن كنتم جنبا فاطهروا) عام أيضا ولو سلمنا ترك أمرهم به على التفصيل لكن لما علموا من دينه انهم بعد الاسلام مأمورون بأحكامه ومن جملة تلك الأحكام
الصلاة المشرطة بالطهارة لا جرم كان ذلك كافيا في الامر لهم على أنه قد نقل أنهم أمروا بذلك روى أبو داود عن قيس بن عاصم قال
أتيت النبي (صلى الله عليه وآله) أريد الاسلام فأمرني أن اغتسل وروي عن سعد بن معاذ وأسيد بن حسين أراد الاسلام انهما سألا مصعب بن عمر
وأسعد بن زرارة كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الامر قالا نغتسل ونشهد شهادة الحق وذلك يدل على استفاضة الامر بالغسل ولا موجب إلا ما ذكرناه.
[الحادي عشر] حكم المرتد حكم الكافر في وجوب الغسل عليه وهو مذهب علمائنا أجمع لوجود السبب في حقه. [الثاني عشر] لا يبطل الغسل بالارتداد.
82

لعدم الدليل عليه ولان حدث الجنابة قد زال بالغسل والتقدير أنه لم يتجدد موجب آخر ومع زوال الحدث لا يعود إلا مع إعادة السبب. [الثالث عشر] لا اعتبار
بغسل الكافر في حال كفره ويجب عليه تجديده بعد الاسلام وهو أحد قولي الشافعي وقال أبو حنيفة يرتفع حدثه وهو القول الآخر للشافعي. لنا: أنه
عبادة مفتقرة إلى نيه وهي غير صحيحة في حقه لعدم معرفته بالله تعالى ولان الجنابة إحدى الحدثين فلا يرتفع حال الكفر كالحدث الأصغر. [الرابع عشر]
لو استدخلت ذكر الرجل الغسل وإن كان نائما على إشكال ولو استدخلت ذكرا مقطوعا أو ذكر بهيم ففي الغسل إشكال وعند الشافعي وجهان و
لو استدخلت ماء الرجل لم يجب عليها الغسل وهو أظهر قولي الشافعي وله وجه انه يجب لان المقتضي للغسل في البقاء (الالتقاء ظ) أفضاه إلى الانزال غالبا.
[الخامس عشر] لو لف على ذكره خرقة وأولج فالأقرب وجوب الغسل وهو الأظهر من مذهب الشافعي لان التحاذي موجود وفي وجه آخر إن كان
الخرقة لينه وجب وإن كانت ضعيفة غليظة خشنة لم يجب لانتفاء الاستمتاع ولو استمتع بما دون الفرج كالسرة والفم وغيرهما لم يجب الغسل إلا بالانزال
لان الاستمتاع بما دون الفرج لم يجعل له حكم الايلاج في شئ من الأحكام المتعلقة بالوطء مثل الحد والتحليل والتحصين وتقرير المهر وتحريم المصاهرة
فلا يلحق به إيجاب الغسل.
[البحت الثاني] في كيفية الغسل، * مسألة: النية مشترطة في الغسل من الجنابة لما سبق في الوضوء ووقتها عند
غسل اليدين لأنه بداية أفعال الطهارة ويتضيق عند غسل الرأس لأنه لو جاز التأخير عنه لزم حصول بعض الغسل من غير نية فلا يكون مجزيا ويشترط
استدامتها حكما كما قلنا في الوضوء ويكفيه أن ينوي مع الوجوب والقربة رفع الحدث وإن لم يذكر السبب ولو اجتمعت الأسباب فالوجه انه كذلك أما لو
اجتمع غسل الجنابة والجمعة لم يكف النية للغسل للتقرب به مطلقا لان غسل الجمعة ليس برافع للحدث كذا ذكره الشيخ في المبسوط ولو اجتمع غسل
الحيض مثلا مع الجنابة هل يجب التعيين فيه إشكال والوجه أنه لا يجب وبعض الفروع المتقدمة في الوضوء آتية ها هنا: * مسألة: والواجب في الغسل
ما يسمى غسلا قاله الشيخ ولو كالدهن ونحن نشترط فيه جريان أجزاء الماء المحل لتحقق المسمى ويجب إيصال الماء إلى جميع البشرة ولو كان بعض
أجزاء البدن بحيث لا يصل الماء إليه إلا بالتخليل وجب لان الواجب الايصال فما يتوقف عليه يكون واجبا وروى الشيخ في الصحيح عن محمد عن أحدهما
(عليهما السلام) قال سألته عن غسل الجنابة فقال تبدأ بكفيك ثم تغسل فرجك ثم تصب على رأسك ثلاثا ثم تصب على سائر جسدك مرتين فما جرى الماء
عليه فقد طهرت وهذا يدل على بقاء ما لم يجر الماء عليه على النجاسة عملا بالاستصحاب السالم غير معارضة جريان الماء وفي هذا الحديث دلالة على
اشتراط الجريان في الغسل وذلك توضح ما ذكرناه أولا وروي أيضا في الحسن عن زرارة قال قال فما جرى عليه الماء فقد أجزأه وروى الشيخ في الحسن
عن حجر بن زائدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من ترك شعرة من الجنابة متعمدا (فهو) في النار فرع: يجب أن يتولى الغسل بنفسه لأنه مخاطب به إلا مع الضرورة
ويكره الاستعانة وقد تقدم في الوضوء. * مسألة: ويجب الترتيب في غسل الجنابة مبتدئا برأسه ثم بجانبه الأيمن ثم الأيسر وهو مذهب علمائنا
خاصة لنا: ما روته عائشة قالت كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخلل شعره فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده
وما روته ميمونة قالت وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضوء الجنابة فأفرغ على يديه فغسلها مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكره ثم ضرب بيده على الأرض والحائط مرتين أو ثلاثا ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه
وذراعيه ثم أفاض الماء على رأسه ثم غسل جسده فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيديه وهذان متفق عليهما وروى الجمهور عن أم سلمة
قال قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفيرتي أفأنقضه لغسل الجنابة فقال لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيض عليك الماء فتطهرين
رواه مسلم إذا ثبت هذا فنقول لما وجب تقديم غسل الرأس بفعله (عليه السلام) عقيب الاجمال وبقوله ثم تفيض وهي للترتيب وجب تقديم الجانب الأيمن
على الأيسر أما أولا: فلما روته عائشة قالت كان (عليه السلام) إذا اغتسل من الجنابة بدأ بشقه الأيمن ثم الأيسر وروت أنه (عليه السلام) كان تحت اليمين في طهوره
وأما ثانيا: فلان الاجماع واقع على إبطال الترتيب الرأس دون غيره وبطلانه لا يجوز أن يكون بسقوط الترتيب لما بيناه من وجوب تقديم الرأس
فوجب أن يكون بسقوط الترتيب بين الجانبين وأما ثالثا فلانه (عليه السلام) رتب لأفضليته ولما روته عائشة فيجب اتباعه فيه لان فعله
في معرض البيان ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة قال قلت له كيف يغتسل الجنب فقال إن لم يكن أصاب كفيه شئ
في الماء ثم بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثم صب على رأسه ثلاث أكف ثم صب على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين فما جرى عليه الماء فقد أجزأ
وحرف ثم يفيد الترتيب وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال سألته عن غسل الجنابة فقال ابتدء بكفيك ثم تغسل
فرجك ثم تصب على رأسك ثلاثا ثم تصب على سائر جسدك مرتين فما جرى الماء فقد طهر وروي في الحسن عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال من اغتسل من جنابة ولم يغسل رأسه لم تجد بدا من إعادة الغسل ولو لم يكن الترتيب واجبا لجاز غسل الرأس من غير إعادة لا يقال قد روى الشيخ
في الصحيح عن هشام قال كان أبو عبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة والمدينة ومعه أم إسماعيل فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها فتركت رأسها
فقال لها إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك ففعلت ذلك فعلمت بذلك أم إسماعيل فحلقت رأسها فلما كان من قابل انتهى أبو عبد الله (عليه
السلام) إلى ذلك المكان فقالت له أم إسماعيل أي موضع هذا فقال لها هذا الموضع الذي أحبط الله فيه حجك عام أول فأمره لها بغسل جسدها
ثم بغسل رأسها بعد الركوب يدل على سقوط الترتيب انا نقول الراوي قد وهم هاهنا فإنه لا امتناع أن يكون الراوي سمع اغسلي رأسك فإذا
83

أردت الركوب فاغسل جسدك فعكس الاشتباه ويدل عليه ما رواه هشام بن سالم أيضا في الصحيح عن محمد بن مسلم قال دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)
فسطاطه وهو يكلم امرأة فأبطأت عليه فقال ادنه هذه أم إسماعيل جاءت وأنا أزعم أن هذا المكان الذي أحبط الله فيحجها عام أول كنت أردت الاحرام
فقلت ضعوا إلى الماء في الجنا فذهبت الجارية فوضعته فاستخفها فأصبت منها فقالت اغسلي رأسك وامسحيه مسحا شديدا ألا تعلم به مولاتك
فإذا أردت الاحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فترتب مولاتك فدخلت فساط مولاتها فذهبت تتناول منه شيئا فمست مولاتها رأسها فإذا
الزوجة الماء فحلقت رأسها وضربتها فقلت لها هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجك ولأنها طهارة تراد لأجل الصلاة فيجب فيه الترتيب كالوضوء والقياسات
التي ذكرناها في الوضوء آتية هاهنا ولانا نقول شئ من الطهارة واجب وغير المرتب ليس بواجب فيجب المرتب وإلا لزم شمول عدم الوجوب المنفي
بالاتفاق وأيضا الطهارة واجبة بالاجماع وغير المترتب ليس طهارة (بواجب فغير المرتب) فروع: [الأول] لا ترتيب على المرتمس في الماء ولا على الواقف تحت
الميزاب والمطر والمجرى على قول الشيخ ونقل عن بعض الأصحاب الترتيب حكما وابن إدريس أسقط عن المرتمس خاصة. لنا: على السقوط الأصل ولأنه
امتثل الامر بالاغتسال وهو لا يستلزم الترتيب إلا في الموضع الذي ثبت فيه النص ولما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال ولو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده وروي في الحسن عن الحلبي قال سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول إذا ارتمس الجنب على الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله وروي في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن
الرجل الجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك قال إن كان يغسل اغتسالة في الماء
أجزأه ذلك. [الثاني] الجنب طاهر إذا خلا بدنه من النجاسة فلو لمس شيئا برطوبة لم يتعلق به حكم ولو غمس يده وهي طاهرة في الاناء لم يفسد الماء
وكذا باقي أعضائه وبه قال الشافعي وقال أبو يوسف إن أدخل يده لم يفسد الماء وإن أدخل رجليه فسد لان المعالجة باليد في محل الحاجة فعفي عنها
قال المفيد لا ينبغي للجنب أن يرتمس في الماء الراكد فإنه إن كان قليلا أفسده وإن كان كثيرا خالف السنة وفساده مع القلة إسناده إلى ما ذهب إليه من
عدم قوة التطهير عن القليل إذا ارتفع به حدث الجنابة ونحن لما كان هذا عندنا ضعيفا لا جرم سقط عنا هذا الفرع ويدل على ما قلناه أيضا
ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن ميسر قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه
وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان قال يضع يده ويتوضى ويغتسل هذا مما قال الله عز وجل: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وأما مخالفته
بالارتماس في الكثير للسنة فلما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجمع فيه ماء السماء ويستقى فيه
من بئر فيستنجي فيه الانسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ما حده الذي لا يجوز فكتب لا يتوضأ من مثل هذا الماء إلا من ضرورة إليه. [الثالث]
لو أخل بالترتيب وجب عليه إعادة ما أخل به وما بعده ليحصل الترتيب لأنه شرط ومع فقدانه لا اعتداد بالفعل ولرواية حريز الصحيحة وقد بيناها في الدلالة
على وجوب الترتيب. [الرابع] لو اغتسل المرتب وبقيت لمعة من جسده لم يصبها الماء أجزأه مسح تلك اللمعة بيده بالماء بحيث يحصل مسمى الغسل إذا
كانت في الجانب الأيسر وكذا إذا كانت في الجانب الأيمن لكن يجب عليه الإعادة على الأيسر أما الاجزاء فلما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال اغتسل من (رجل) الجنابة فقيل له قد بقيت لمعة من ظهرك لم يصبها الماء قال له ما كان عليك لو سكت ثم مسح تلك اللمعة بيده
واما الإعادة فليحصل الترتيب وعن أحمد رواية بوجوب استيناف ماء جديد وهو باطل عندنا لان المستعمل لا يخرج عن كونه طاهرا والحنفية و
إن قالوا بنجاسة المستعمل إلا أن البدن كالعضو الواحد فصار كما لو جرى الماء من أعلى العضو إلى أدناه ولنا: من طريق الجمهور ما رواه عن ابن
عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله) اغتسل فرأى لمعة لم يصبها الماء فدلكها بشعره ورووا عن علي (عليه السلام) انه جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
فقال إني اغتسلت من الجنابة وصليت ثم أصحبت فرأيت قدر موضع الظفر لم يصبه الماء فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) لو كنت مسحته
بيدك أجزأك. [الخامس] لو اغتسل غير المرتب كالمرتمس ثم وجد اللمعة ففي وجوب الإعادة نظر وكان والدي (ره) يذهب إلى الوجوب
لان المأخوذ عليه الارتماس دفعة واحدة بحيث يحصل الماء إلى سائر الجسد في تلك الدفعة لقول أبي عبد الله (عليه السلام) إذا ارتمس ارتماسة
واحدة أجزأه ومن المعلوم عدم الاجزاء مع عدم الوصول ويمكن أن يقال بالاجزاء مع غسل تلك اللمعة لان الترتيب يسقط في حقه وقد
غسل أكثر بدنه فأجزأه لقول أبي عبد الله (عليه السلام) فما جرى عليه الماء فقد أجزأ وفي الأول قوة. [السادس] المرأة كالرجل في الاغتسال لتساويهما
في تناول الامر ولو كان في رأسها حشو فإن كان دهنا أو حشوا رقيقا لا يمنع وصول الماء أجزأها صب الماء وإن كان ثخينا وجب إزالته.
* مسألة: وإذا وصل الماء إلى أصول الشعر أجزأ ولو لم يصل إلا بالتخليل وجب ولو لم يصل إلا بحله وجب في الرجل والمرأة معا ولا
يجب عليها الحل مع الوصول ولا نعرف خلافا في أن الماء إذا وصل لم يجب الحل إلا ما روي عن عبد الله بن عمر قال المفيد وإذا كان شعر المرأة مشدودا
حلته يزيل به إذا لم يصل الماء إليه إلا بعد حله كذا ذكره الشيخ. لنا: ما رواه الجمهور عن أم سلمة أنها قالت للنبي (صلى الله عليه وآله) إني امرأة أشد شعر رأسي أفأنقضه
للجنابة قال لا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد الحلبي عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من
84

الجنابة ورواه بإسناد آخر عن محمد الحلبي عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن علي (عليه السلام) وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال حدثني سلمان خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال كان أشعار نساء النبي (صلى الله وآله) قرون رؤوسهن مقدم رؤوسهن وكان يكفيني من الماء
شئ قليل فأما النساء الآن فقد ينبغي لهن ان يبالغن في الماء وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا مس الماء جلدك فحسبك
وأما وجوب الحل مع عدم الوصول فلان الايصال الواجب لا يتم إلا به وكذا لو كان في يده خاتم ضيق أو في يد المرأة سوار ودملج ضيق لا يصل
الماء إلا بتحريكه وجب وإلا استحب طلبا للاستقصاء. فروع: [الأول] غسل المسترسل من الشعر واللحية غير واجب بل الواجب غسل البشرة
المستورة سواء كان شعرا خفيفا أو كثيفا وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي يجب. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال يكفيك أن
تحثي على رأسك ثلث حثيات مع أن شعرها صفرة ومثل هذا لا يبل الشعر المشدود ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال: الجنب ما جرى الماء عليه من جسده قليلة وكثيرة فقد أجزأه وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته
عن غسل الجنابة كم يجزي من الماء قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغتسل بخمسة أمداد وبينه وبين صاحبته ويغتسلان جميعا من إناء
واحد لأنه لو وجب بله لوجب حفظه ليعلم أن الغسل أتى عليه ولأنه ليس جزءا من الحيوان لعدم حياته ونجاسته بالموت ولا؟ بأس؟ بالوضوء منه من المرأة
ولا يطلق بطلاقه وكان كالثوب احتجوا بقوله (عليه السلام) يلف الشعر والجواب ان راويه الحرث بن وجيه وهو (..) لرواية عن ملك بن دينار.
[الثاني] يجب غسل الحاجبين والأهداب لان الوصول إلى البشرة لا يتم إلا به وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وكذا كل شعر من ضرورة غسل بشرته غسل وجب
غسله. [الثالث] لو ترك غسل المسترسل من الشعر واللحية ثم قطعه أجزأ غسله إجماعا أما عندنا فظاهر وأما القائلون بالوجوب فلانه
لم يبق في بدنه شئ غير مغسول [الرابع] يستحب تخليل الاذن مع وصول الماء إلى ظاهرهما وباطنهما احتياطا
ولو لم يصل إلا به وجب لان
الوصول واجب لا يتم إلا بالتخليل فيجب. * مسألة: ويجب عليه إيصال الماء إلى جميع الظاهر عن بدنه دون البواطن منه بلا خلاف فلو أخل
بشئ منه لم يجز ولم يرتفع حدثه ولو كان في محل أعضاء الوضوء لم يكف الوضوء منه ولو كان على بدنه نجاسة عينية وجب إزالتها أولا فلو أجرى
ماء الغسل عليها فإن أزالها وجب عليه اجرا ما ظهر على المحل لأنهما فرضان مختلفان فلا يؤديان بغسل واحد ولان الماء الجاري على النجاسة منفعل
بالنجاسة فلا يطهر المحل ولا ما بعده نعم الماء المزيل للنجاسة لا يلحقه حكم الاستعمال فيندفع النجاسة العينية لأنه قائم على المحل فإنما يثبت له وصف
الاستعمال بعد انفصاله على أن الشيخ يسوغ رفع النجاسة بالمستعمل. * مسألة: قال علماؤنا لا يجب الموالاة في الغسل من الجنابة وهو قول أكثر
أهل العلم ونقل عن ربيعة قال من تعمد تفريق غسله أعاد وبه قال الليث واختلف فيه عن مالك وفيه الأصحاب الشافعي قول. لنا: انه تطهر فامتثل
الامر بالتطهير فوجب الاجزاء ولأنه غسل لا يجب فيه الترتيب عندهم فلا يجب فيه الموالاة كغسل النجاسة وروى الشيخ في الحسن عن إبراهيم بن عمر
اليماني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن عليا (عليه السلام) لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة وسائر جسده عند الصلاة. * مسألة: ويستحب للمغتسل
أمور، {أحدها} الاستبراء وقد مضى كيفيته وهو اختيار السيد المرتضى وقال الشيخ انه واجب على الرجال. لنا: عدم الوجوب للأصل وقوله
تعالى (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد عن أحدهما (عليه السلام) قال سألته عن غسل الجنابة فقال ابتدأ
بكفيك ثم تغسل فرجك ثم تصب على رأسك ثلاثا ثم تصب على سائر جسدك مرتين فما جرى الماء فقد طهر ولو كان الاستبراء واجبا لبينه
ولا ينافي ذلك وجوب إعادة الغسل مع تركه عند وجود البلل. {الثاني} غسل اليدين ثلاثا وقدم في باب الوضوء. {الثالث} المضمضة والاستنشاق
وهو مذهب علمائنا أجمع ومذهب الشافعي وأوجبهما أبو حنيفة وأحمد والبحث فيه تقدم. {الرابع} إمرار اليد ليس بواجب في الطهارتين لكنه مستحب
وهو مذهب أهل البيت (عليه السلام) واختاره النخعي والشعبي وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو حنيفة وقال مالك والمزني يجب
إمرار اليد حيث ينال في الطهارتين واختاره أبو العالية وقال عطا في الجنب يفيض عليه الماء قال لا بل يغتسل غسلا. لنا: ما رواه الجمهور
عن أم سلمة قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما يكفيك ان تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) ولو أن جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده وفي الحسن
عن الحلبي عنه (عليه السلام) لو ارتمس ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله وعن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما جرى عليه الماء من جسده
قليلة وكثيرة فقد أجزأه ولان الأصل عدم الوجوب ولأنه غسل واجب فلا يجب فيه إمرار اليد كغسل النجاسة ولان الماء مطهر بالنص فإذا صادف
محلا قابلا للطهارة أثر كالاحراق ومع حصول الطهارة يجوز الصلاة به احتج المالك بأن الواجب الاغتسال لقوله تعالى: (حتى يغتسلوا) ولا يقال
إلا لمن دلك نفسه ولان الغسل طهارة عن حدث فوجب إمرار اليد فيها كالمتيمم ولأنه فعل والفعل لا يتحقق إلا بالدلك فصار كغسل الثوب
والجواب عن الأول: بالمنع من اختصاص الغسل بما يشتمل على الدلك فإنه يقال غسل الاناء وإن لم يمر يده ويسمى السيل الكثر غاسولا
وعن الثاني: بالفرق فإنا أمرنا في التيمم بالمسح لأنه طهارة بالتراب ويتعذر غالبا إمرار التراب إلا باليد وعن الثالث: ان النجاسة في الثوب
85

حقيقة تخللت أجزاء الثوب فلا يزول إلا بالدلك والعصر بخلاف صورة النزاع قوله هو فعل قلنا مسلم لكنه غير مقصود لذاته بل المقصود الطهارة
وقد حصلت سلمنا لكن تمكين اليدين من الماء وتقريبه إليه فعل فخرج به عن العهدة بدون الدلك. [الخامس] الغسل بصاع فما زاد مستحب عند علمائنا
أجمع وهو اختيار الشافعي وأحمد وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة وفي الأخرى لا يجزي أقل من صاع وروي عن محمد أنه قال لا يمكن للمغتسل أن يعم جميع
بدنه بأقل من صاع ولا للمتوضى أن يسبغ أعضاء وضوئه بأقل من مد. لنا: قوله تعالى: (حتى يغتسلوا) وقد أتى به فثبت الاجزاء وما رواه الجمهور
عن عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي (صلى الله عليه وآله) من إناء واحد تسع ثلاثة أمداد وقريبا من ذلك ومن طريق الخاصة رواية زرارة عن الباقر (عليه السلام)
قال: الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيره فقد أجزأه وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال النبي (صلى الله عليه وآله) يغتسل
بخمسة أمداد بينه وبين مصاحبته ويغتسلان جميعا من إناء واحد احتج أبو حنيفة بما رواه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال يجزي من الوضوء
مد ومن الجنابة صاع والتقدير يدل على أنه لا يحصل الاجزاء بدونه والجواب: أنه إنما يدل بالمفهوم وأبو حنيفة لا يقول به ومع ذلك فإن المفهوم إنما يدل
إذا لم يخرج مخرج الغالب فإنه لا يكفي غالبا أقل منه ولان ما ذكرناه من الحديث في الجنابة منطوق وما ذكروه مفهوم والمنطوق مقدم
وأما الوضوء فقد روى عبد الله بن زيد أن النبي (صلى الله عليه وآله) توضى بثلثي مد وهو يعارض حديث الوضوء وأما استحباب الصاع فلان
فيه إسباغا ولما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضى بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف
والصاع ستة أرطال قال الشيخ أراد به أرطال المدينة فيكون تسعة أرطال بالعراقي. فروع: [الأول] لا نعرف خلافا بين علماء الاسلام في إجزاء
المد في الوضوء والصاع في الغسل وإنما الخلاف في قدرهما فالذي اختاره أصحابنا أن الصاع أربعة أمداد والمد رطلان وربع بوزن بغداد
وروى الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي عن أبي الحسن (عليه السلام) أن الصاع خمسة أمداد والمد وزن مأتين وثمانين درهما والدرهم وزن ستة
دوانيق والدانق ست حبات والحبة وزن حبتين من شعير من أوسط الحب لا من صغاره ولا كباره وروي عن سماعة قال كان الصاع على عهد
الرسول (صلى الله عليه وآله) خمسة أمداد والمد قدر رطل وثلاثة أواق وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ
بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال قال الشيخ أراد به أرطال المدينة فاستدل في الخلاف بإجماع الفرقة على كون الصاع
تسعة والمد رطلين وربعا وقال الشافعي ومالك وإسحاق وأبو يوسف الصاع خمسة أرطال بالعراقي والمد ربع ذلك وهو رطل وثلاث واختاره أحمد وقال أبو
حنيفة الصاع ثمانية أرطال والمد رطلان. [الثاني] لو زاد على المد في الوضوء والصاع في الغسل جاز ولا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم وروت
عائشة قال كنت اغتسل أنا والنبي (صلى الله عليه وآله) من إناء واحد من قدح يقال له الفرق والفرق ثلاثة إصبع ولان فيه احتياطا فكان سائغا. [الثالث]
المد الذي للوضوء غير الصاع بل الصاع الذي للغسل وحده أربعة أمداد وهو قول بعض الحنيفة وقال آخرون منهم معنى قوله كان يتوضى بالمد ويغتسل
بالصاع أي يتوضأ بمد في ذلك بالصاع فبقيت الصاع بثلاثة أمداد وليس بجيد لان اللفظ دال على الاغتسال بالصاع وإن ثلاثة أمداد بعض الصاع
لا نفسه ولأنه سيظهر إن شاء الله تعالى أن لا وضوء مع غسل الجنابة فسقط ما قالوه بالكلية. [الرابع] الصاع وحده كاف في الاستنجاء منه وغسل
الذراعين والغسل لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم وأبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) قالا توضأ رسول الله (صلى الله عليه وآله)
واغتسل بصاع ثم قال اغتسل هو وزوجته بخمسة أمداد من إناء واحد قال زرارة فقلت كيف صنع هو قال: بدأ هو فضرب بيده في الماء قبلها و
انقى فرجه ثم ضربت فأنقت فرجها ثم أفاض هو وأفاضت هي على نفسها حتى فرغا فكان الذي اغتسل به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثة
أمداد والذي اغتسلت به مدين وإنما أجزأ عنهما لأنهما افترقا جميعا ومن انفراد بالغسل وحده فلا بد له من صاع ولا شك أن التقدير لم يحصل بعد
الاغتسال بل قبله وذلك يستلزم إدخال المستعمل في غسل الفرجين في المقدار لا يقال هذا يدل على عدم إجزاء لما دون الصاع لأنا نقول ذلك من حيث
المفهوم فلا يعارض ما قدمناه من المنطوق ولأنه خرج مخرج الأغلب فلا يدل على النفي قال أبو حنيفة يستنجي برطل ويغسل وجهه وذراعيه برطل
ويصب الماء على رأسه وسائر جسده خمسة أرطال ويغسل قدميه برطل فذلك ثمانية أرطال وهي صاع وقال بعض أصحابه يتوضى بمد سوى الاستنجاء
ويغتسل بصاع غير الاستنجاء أيضا. [الخامس] يستحب الدعاء روى الشيخ عن عمار الساباطي قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا اغتسلت من جنابة فقل:
" اللهم طهر قلبي وتقبل سعيي واجعل ما عندك خيرا لي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين " فإذا اغتسلت من الجمعة فقل " اللهم طهر قلبي من كل
آفة يمحو ديني ويبطل عملي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. [البحث الثالث] في أحكام الجنب. * مسألة: يحرم عليه قراءة
العزائم الأربع وهي سورة لقمان وحم سجدة والنجم واقرأ باسم ربك وهو مذهب علمائنا أجمع وهو قول عمر والحسن والنخعي والزهري وقتادة والشافعي
وأصحاب الرأي خلافا لداود وسعيد بن المسيب فإنهما أجازا له قراءة ما شاء. لنا: على إبطال قول داود وسعيد ما رواه الجمهور عن علي (عليه السلام) قال إن النبي
(صلى الله عليه وآله) لم يكن يحجبه أو قال يحجزه عن قراءة القرآن شئ سوى الجنابة وعن ابن عمر ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال لا تقرأ الحائض ولا الجنب
شئ من القرآن وعلى تحريم السور الأربع ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم قال قال أبو جعفر (عليه السلام) الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرءان
86

من القرآن ما شاء إلا السجدة ولا يدخلان المسجد إلا مجتازين ولا يقعدان فيه ولا يقربان المسجدين الحرمين وما رواه عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الجنب والحائض
هل يقرآن شيئا من القرآن قال: نعم ما شاء إلا السجدة ويذكران الله على كل حال. فروع: [الأول] تناول التحريم السورة وأبعاضها حتى البسملة إذا نواها منها.
[الثاني] لا يحرم قراءة غير العزائم وهو مذهب علمائنا أجمع وقال الشافعي يحرم أن يقرأ الحائض والجنب شيئا منه وحكى ابن المنذر عن أبي ثور
ان الشافعي أجاز للحائض أن تقرأ وأنكر الشافعية ذلك وروى الجمهور كراهة القراءة للجنب عن علي (عليه السلام) وعمر والحسن والبصري والنخعي والزهري وقتادة وحكي
عن ابن عباس أنه قال يقرأ ورده وهو جنب وعن سعيد بن المسيب أنه قيل له يقرأ الجنب فقال نعم أليس هو في جوفه وبه قال داود وابن المنذر سواء بين الجنب
والحائض وقال الأوزاعي لا يقرأ الآية الركوب والنزول (سبحان الذي سخر لنا هذا) (وقل رب أنزلني منزلا مباركا) قال مالك للحائض القراءة دون
الجنب لان أيامها تطول فلو منعناها من القراءة نسيت وقال أبو حنيفة يجوز قراءة ما دون الآية وتحريم الآية وعن أحمد في بعض الآية يفصل قال إن
ذلك البعض مما لا يميز به القرآن عن غيره كالتسمية والحمد لله وسائر الذكر فإن لم يفصل القرآن فلا بأس به وإن قصد القرآن وكان ما قرأ تميز به
القرآن عن غيره من الكلام ففيه روايتان أحديهما المنع. والثانية: الجواز. لنا: قوله تعالى: (فاقرأوا ما تيسر منه) وقوله تعالى: (فاقرأوا ما تيسر من القرآن) وروى
الشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن وفي الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال سألته أتقرأ الحائض والنفساء والجنب والرجل يتغوط القرآن فقال يقرأون ما شاؤوا وروي في الصحيح عن عبد الغفار الحارثي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال الحائض تقرأ ما شاءت من القرآن ولان الأصل الإباحة احتج الشافعي وأبو حنيفة برواية ابن عمر عن
النبي (صلى اله عليه وآله) والجواب: ان راويها إسماعيل بن عباس عن نافع وضعف البخاري روايته عن أهل الحجاز وقال إنما روايته من أهل
الشام. [الثالث] يكره قراءة ما زاد على سبع آيات وقال في المبسوط الأحوط أن لا يزيد على سبع أو سبعين وقال بعض الأصحاب يحرم ما
زاد على سبعين روى الشيخ عن سماعة قال سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن قال ما بينه وبين سبع آيات وفي رواية زرعة عن سماعة سبعين آية
والروايتان ضعيفتان مع معارضتهما لعموم الاذن المستفاد من الروايات الصحيحة. * مسألة: يحرم على الجنب مس كتابة القرآن وهو مذهب علماء
الاسلام لقوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) وفي كتاب النبي (صلى الله عليه وآله) لعمرو بن حزم أن لا
يمس القرآن إلا طاهر ويحرم عليه مس اسم الله تعالى
سواء كان على درهم أو دينار أو غيرهما وروى الشيخ عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله تعالى والرواية
ضعيفة السند لكن عمل الأصحاب يعضدها ولان ذلك مناسب للتعظيم ولا يعارض ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام)
قال سألته عن الجنب والطامث يمسان أيديهما الدراهم البيض قال لا بأس لأنه يمكن أن لا يكون عليها اسم الله تعالى وإن كان لكن يمس الدراهم ولا الكتابة
قال الشيخ والمفيد ويلحق بالتحريم أسماء الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) ولم أجد فيه حديثا مرويا ولو قيل بالكراهية كان وجها. فروع: [الأول] يكره
للجنب مس المصحف وحمله وهو قول الشيخين وابن بابويه وقال المرتضى لا يجوز للجنب مس المصحف وبه قال الشافعي وأبو حنيفة. لنا: ما رواه الجمهور
انه كتب آية في كتابه إلى قيصر وهو كافر لا ينفك عن الجنابة ولا يرتفع منه الكفرة وهو لا يخلو من مس القرطاس ولان الأصل الجواز واحتج المخالف
بقوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) وبما رووه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه كتب في كتابه لعمرو بن حزم لا يمس ا لقرآن إلا طاهر واحتج السيد المرتضى
بما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال المصحف لا يمسه على غير طهر ولا جنبا ولا يمس خيطه ولا يغلقه ان الله تعالى يقول:
(لا يمسه إلا المطهرون) والجواب عن الأول: انه إنما يتناول القرآن العزيز ونحن نقول بموجبه ولا شك في أن الورق والجلد ليسا قرآنا فلا تتناولهما
النهي وعن رواية السيد بالمنع من صحة السند فإن في طريقها علي بن حسن بن فضال وهو فطحي ولامكان تناول النهي الكتابة ولا مكان عدم إرادة التحريم من النهي بل يكون
نهي كراهية لان السيد وافق على كراهة حمله للمحدث وجواز تعليقه. [الثاني] يجوز مس كتب التفسير عدا الآيات. [الثالث] يجوز حمله
بغلافه واختلفوا في تفسير الغلاف فقال بعض الحنفية المراد به الجلد الذي عليه وقال آخرون منهم لو مسه بالكم جاز وقال آخرون منهم الغلاف
شئ غير الجلد والكم كالخريطة وغيرها لان الجلد يقع المصحف والكم تبع للحامل والأصح الأول. [الرابع] يجوز مس كتابة التوراة والإنجيل وقرائتها
خلافا للحنفية. لنا: الأصل وأنهما منسوخان فأشبها غيرهما احتجوا بأنا نؤمن بجميع الكتب والجواب لا يستلزم تحريم المس وبالخصوص حيث وقع فيهما التحريف.
[الخامس] القرآن المنسوخ حكمه الباقية تلاوته لا يجوز مسه للجنب والمحدث لتناول اسم القرآن له أما المنسوخ حكمه وتلاوته والمنسوخ تلاوته
فالوجه انه يجوز لهما مسهما لان التحريم تابع للاسم قد خرجا بالنسخ عنه فيبقى على الأصل. [السادس] يجوز للجنب أن يذكر الله لما رواه الشيخ
في الموثق عن ابن بكير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ويذكر الله عز وجل ما شاء لما رواه ابن بابويه في مناجاة
موسى (عليه السلام) قال يا رب إني أكون في أحوال أجلك أن أذكرك على كل حال وقال محمد بن الحسن يكره للجنب أن يقول اللهم إنا نستعينك.
* مسألة: ولا يجوز له اللبث في المسجد ولا نعرف فيه خلافا إلا من سلار من أصحابنا فإنه كرهه. لنا: قوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا)
والمراد به موضع الصلاة ليتحقق معنى العبور فيه والقرب وما رواه الجمهور عن عائشة قالت جاء النبي (صلى الله عليه وآله) وبيوت أصحابه شارعة
87

في المسجد فقال وجهوا هذا البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن جميل قال سألت أبا عبد
(عليه السلام) عن الجنب يجلس في المساجد قال: لا ولكن يمر فيها كلها إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) وما رواه في الحسن عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر (عليه السلام) ويدخلان المسجد ولا يقعدان فيه أصل الاستثناء من النفي إثبات لان الاستثناء رفع ورفع النفي إثبات لعدم الواسطة ولأنه لولا
ذلك لم يكن قولنا لا إله إلا الله توحيدا وللنقل وقوله لا صلاة إلا بطهور وشبهه ليس مخرجا من المتقدم وإلا لكان منقطعا فالتقدير ألا صلاة
بطهور وهو مسلم. فروع: [الأول] يجوز الاجتياز في المسجد لا للاستيطان وهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال ابن مسعود وابن عباس و
ابن المسيب وابن جبير والحسن ومالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة لا يجوز العبور فيه وإن كان لغرض إلا مع الضرورة فيتيمم وبه قال الثوري و
إسحاق. لنا: قوله تعالى: (إلا عابري سبيل) والاستثناء من النهي إباحة وما رواه الجمهور عن عائشة ان رسول الله (صلى السلام عليه وآله) قال نهانا وان الخمرة
من المسجد قالت إني حائض قال إن حيضك ليست في يدك ولا فرق بين الجنب والحائض في ذلك إجماعا وعن جابر قال كنا نمر في المسجد ونحن جنب
وعن زيد بن أسلم قال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمشون في المسجد وهم جنب ومن طريق الخاصة رواية جميل عن الصادق (عليه السلام) عن الجنب يجلس
في المساجد قال لا ولكن يمر فيها كلها إلا المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وكذا في رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وقد
تقدمنا. [الثاني] لا يجوز له وللحائض الدخول في المسجدين ولم يفصل الجمهور. لنا: ما رواه من قوله (عليه السلام) لا أحل المسجد لحائض ولا جنب وأشار بذلك
إلى مسجده لان حكاية عائشة تدل عليه وذلك عام في الدخول والاستيطان ومن طريق الخاصة روايتا جميل ومحمد بن مسلم عنهما (عليهما السلام)
وقد تقدمنا. [الثالث] لو احتلم في أحد المسجدين تيمم للخروج وهو مذهب علمائنا. لنا: ان المرور فيهما محرم إلا بالطهارة والغسل غير ممكن
فوجب التيمم وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) فاحتلم فأصابته
جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما ولا بأس أن يمر في المساجد ولا يجلس في شئ من المساجد. تذنيب: الأجود أنه يجب عليه
قصد أقرب الأبواب إليه لاندفاع الضرورة بذلك. [الرابع] لا يجوز له وضع شئ في المساجد مطلقا ويجوز له أخذ ما يريد منها وهو مذهب علمائنا
إلا سلار فإنه كره الوضع. لنا: قوله تعالى: (إلا عابري سبيل) وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الجنب والحيض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه قال نعم ولكن لا يصنعان في المسجد شيئا. [الخامس] لو خاف الجنب على نفسه أو ماله أو لم يمكنه
الخروج من المسجد ولم يجد مكانا غيره ولم يمكنه الغسل تيمم وجلس فيه إلى أن يزول الضرورة وقال بعض الجمهور لا يتيمم. لنا: قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء
فتيمموا) وما رواه الجمهور عن علي (عليه السلام) وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن بن مسلم في تأويل قوله تعالى: (إلا عابري سبيل) يعنى
مسافرين لا تجدون ماء فتتيممون ولان الاستيطان مشروط بالطهارة فوجب له التيمم عند العجز كالصلاة وسائر ما شرط له الطهارة
احتج المانع بأنه لا يرتفع حدثه مع التيمم فلا فائدة والجواب سلمنا أنه لا يرتفع لكنه يقوم مقام ما يرفع الحدث في إباحة ما يستباح به أصل
إذا وجب الفعل أو حرمته إلى غاية معينة كان امتداد الحكم إلى غير تلك الغاية يخرجها عن كونه غاية وقد ثبتت الغاية بالشرع فيكون ذلك
الاخراج نسخا بخلاف ما لو قال صوموا النهار ثم دل الدليل على صوم شئ من الليل لم يكن نسخا آخر لا يجوز نسخ المقطوع به قرآنا كان أو سنة
متواترة بخبر الواحد لان المقطوع به أقوى فالعمل به متعين عند التعارض ولان عمر قال لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري
أصدقت أم كذبت وهو موجود في خبر الثقة فيتحقق المنع والفرق بين التخصيص والنسخ ظاهر لان الأول لا يرفع المدلول بالكلية بخلاف الثاني ورجوع
أهل قبا يحتمل أن يكون لا يتمم القرائن كالاعلان إلى خبر المنادى وانفاد الرسول الآحاد لتبليغ الاحكام المبتدأ والناسخة إنما يصح إذا لم يتضمن نسخ
المقطوع أما إذا تضمن فلا بد من القرآن وتحريم النبي (صلى الله عليه وآله) أكل كل ذي ناب من السباع ليس ناسخا قوله تعالى لا أجد لان الآية
إنما يتناول المومى إليه إلى تلك الغاية لا ما بعدها فالنهي الوارد بعدها لا يكون نسخا وقوله (عليه السلام) لا ينكح المرأة على عمتها وخالتها ليس ناسخا
لقوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) بل هو تخصيص على أن الأمة تلقيه بالقبول فيخرج عن كونه من الآحاد. السادس] لو توضى الجنب
لم يجز له الاستيطان في المسجد وهو مذهب علمائنا القائلين بالتحريم وهو قول أكثر أهل العلم خلافا لأحمد وإسحاق. لنا: قوله تعالى: (حتى تغتسلوا)
جعل الغاية في المنع الاغتسال فلو جوزنا له الاستيطان مع الوضوء خرجت الغاية عن كونها غاية وذلك نسخ لا يجوز بخبر الواحد ولان
الجنابة حدث أكبر فلا يجري في استباحة الدخول معها أي المسجد الوضوء كالحائض وقد وافقنا أحمد وإسحاق في حكم الأصل فتيمم القياس احتجوا بما
رواه زيد بن أسلم قال كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتحدثون في المسجد على غير وضوء وكان الرجل يكون جنبا فيتوضى ثم يدخل
فيتحدث ولأنه إذا توضى خلف حكم الحدث فأشبه التيمم عند عدم الماء والدليل على الخفة أمره بالوضوء عند النوم وعند الأكل ومعاودة الوطء
والجواب عن الأول بأنه غير محل النزاع لان الدخول غير الاستيطان فلما ذكرتموه لا ينهض في المطلوب والحدث لا يستلزمه أيضا لحصوله مع الامتياز
وعن الثاني: بالمنع من الخفة فإن الوضوء لا اعتبار له البتة في رفع شئ من أحكام الجنابة والنوم والأكل والوطء لا يشترط فيها الطهارة ثم
88

انه ينتقض بمس الكتابة وقراءة القرآن لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن القسم قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجنب ينام في المسجد فقال
يتوضى ولا بأس أن ينام في المسجد ويمر فيه لأنا نقول هذه الرواية منافية للمذهب وظاهر التنزيل فلا بد فيها من التأويل وذلك بأن يحمل الوضوء على التيمم
مجازا لاشتراكهما في اسم الطهارة أو في الاستباحة ويحمل ذلك على حالة الضرورة ومع عدم التأويل يمكن أن يكون هذه الرواية حجة لسلار. * مسألة:
يكره للجنب أشياء، أحدها: النوم قبل الوضوء وهو مذهب علمائنا أجمع وهو مروي عن علي (عليه السلام) و عبد الله بن عمر وقال ابن المسيب ينام ولا يمس ماء وهو قول
أصحاب الرأي. لنا: ما رواه الجمهور قال سأل عمر النبي (صلى الله عليه وآله) أيرقد أحدنا وهو جنب قال نعم إذا توضى وعن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان إذا أراد أن يأكل أو ينام يتوضى يعني وهو جنب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سماعة قال سألته عن الجنب يجنب ثم يريد النوم فقال: إذا أحب
أن يتوضى فليفعل والغسل أفضل من ذلك وإن هو نام ولم يتوضى ولم يغتسل فليس عليه شئ ويدل عليه أولوية الغسل ما رواه الشيخ عن عبد
الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك؟ قال إن الله تعالى يتوفى الأنفس في منامها ولا يدري
ما يطرقه من البلية إذا فرغ فليغسل وروى ابن بابويه في كتابه عن عبيد الله الحلبي في الصحيح قال سأل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينبغي له
أن ينام وهو جنب قال يكره ذلك حتى يتوضى وفي حديث آخر قال أنا أنام قال ذلك حتى أصبح وذلك إني أريد أن أعود احتج المخالف بما روى الأسود
عن عائشة قالت كان النبي (صلى الله عليه وآله) ينام وهو جنب لا يمس ماء ولأنه حدث يوجب الغسل فلا يستحب الوضوء مع بقائه كالحيض والجواب عن الأول:
ان الراوي أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة وقد روى جماعة كثيرة عن الأسود عن عائشة أنه (عليه السلام) كان يتوضى قبل أن ينام رواه شعبة والثوري
وقالوا انه غلط من أبي إسحاق قال أحمد روى أبو إسحاق الأسود حديثا خالف فيه الناس فلم يقل أحد عن الأسود مثل ما قد قال فلو أحاله عن غير
الأسود هذا ما قاله أحمد في هذه الرواية على أن هذه الأحاديث دالة على الجواز وما رويناه يدل على الاستحباب وكلاهما لا ينافيان الترك وعن الثاني:
ان حدث الحائض قائم فلا وضوء مع ما ينافيه. الثاني: يكره له الأكل والشرب قبل المضمضة والاستنشاق والوضوء وخص الشيخان والسيد المرتضى
بالمضمضة والاستنشاق وقال ابن المسيب إذا أراد أن يأكل يغسل كفيه ويتمضمض وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي وإحدى الروايتين عن أحمد وقال مجاهد
يغسل كفيه وقال مالك يغسل يديه إن كان أصابهما أذى. لنا: من طريق الجمهور ما تقدم من حديث عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا أراد
أن يأكل أو ينام وهو جنب توضى ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أياكل الجنب قبل
أن يتوضى قال إنا لنكسل ولكن ليغسل يده والوضوء أفضل وقال ابن بابويه إذا أراد أن يأكل أو يشرب قبل الغسل لم يجز له إلا أن يغسل يده أو يتمضمض
ويستنشق فإنه إن أكل أو شرب قبل ذلك خيف عليه البرص قال وروي أن الأكل على الجنابة يورث الفقر وروى
ابن يعقوب في الصحيح عن زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يديه وتمضمض وغسل وجهه وأكل وشرب وروى ابن بابويه عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام)
قال إذا كان الرجل جنبا ليأكل ولم يشرب حتى يتوضى. [الثالث] ذكر أصحابنا أنه يكره للمحتلم الجماع قبل الغسل أما تكرير الجماع من غير اغتسال
فلا يكره لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه كان يطوف على نسائه بغسل واحد. [الرابع] الخضاب مكروه وهو اختيار الشيخ والسيد المرتضى
والمفيد وقال ابن بابويه ولا بأس أن يختضب والجنب يجنب مخضبا ويحتجم ويتنور ويذبح وينام جنبا إلى آخر الليل ويلبس الخاتم وينام في المسجد ويمر
فيه. لنا: ما رواه كرد بن المسمعي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا يختضب الرجل وهو جنب وهذا يدل على الكراهية لا التحريم لما رواه
الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس أن يختضب الرجل الجنب ويجتنب وهو مختضب ولا بأس بأن يتنور الجنب ويحتجم ويذبح
ولا يذوق شيئا حتى يغتسل بدنه ويتمضمض فإنه يخاف منه الوضح وروي في الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا (عليه السلام) الرجل يجنب
فيصيب جسده ورأسه الخلوق والطيب والشئ الكبير مثل علك الروم والطراز وما أشبهه فيغتسل فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر
الخلوق والطيب وغيره قال لا بأس وروى ابن يعقوب في كتابه عن ابن جميلة عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال لا بأس بأن يختضب الجنب ويجنب المختضب
ويطلي بالنورة قال ابن يعقوب وروي أن المختضب لا يجنب حتى يأخذ الخضاب فاما أول الخضاب فلا وروى الشيخ عن أبي سعيد قال قلت لأبي إبراهيم
(عليه السلام) أيختضب الرجل وهو جنب قال لا قلت فيجنب وهو مختضب قال لا ثم مكث قليلا ثم قال يا أبا سعيد أفلا أدلك على شئ تفعله قلت
بلى قال إذا اختضبت بالحناء وأخذ الحنا فأخذه وبلغ فحينئذ فجامع وروى الشيخ عن جعفر بن محمد بن يونس أن أباه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام)
يسأله عن الجنب يختضب أو يجنب وهو مختضب فكتب لا أحب له وروى الشيخ عن عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول
لا يختضب الحائض ولا الجنب ولا تجنب وعليها خضاب ولا يجنب وهو عليه خضاب وروي عن أبي المعزا عن علي عن العبد الصالح (عليه السلام)
قال قلت الرجل يختضب وهو جنب قال لا بأس وعن المرأة تختضب وهي حائضة قال ليس به بأس فظهر من الأحاديث الدالة على النهي وعلى
الإباحة الكراهية ولان الحنا غير مانع عن وصول الماء الخفية وشدة سيلان الماء. [الخامس] الادهان مكروه للجنب لما رواه الشيخ في
الصحيح عن حريز بن عبد الله قال قيل لأبي عبد الله (عليه السلام) الجنب يدهن ثم يغتسل فقال لا ولان الدهن غالبا يمنع من التصاق جريان الماء
89

بالبدن إلتصاقا تاما فكره لذلك لا يقال الرواية دالة على المنع المقتضي للتحريم لأنا نقول لا نسلم دلالتها على التحريم لقول أبي عبد الله (عليه السلام) وكل شئ
أمسته بالماء فقد أنقيته. [السادس] نقل ابن بابويه عن الصادق (عليه السلام) عن الباقر (عليه السلام) قال إني أكره الجنابة حين تصفر الشمس وحين تطلع
وهي صفراء. * مسألة: ويكفي غسل الجناسة عن الوضوء سواء أحدث حدثا أصغرا أو لا وهو مذهب علمائنا أجمع وأحد قولي الشافعي وقال في
الآخر لا بد معه من الوضوء وهي رواية عن أحمد وحكي ذلك عن داود والثوري. لنا: ان الاغتسال غاية في المنع من القربان فإذا اغتسل وجب أن لا
يمنع وأيضا قوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) أي اغتسلوا باتفاق المفسرين وما رواه الجمهور عن عائشة قلت كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يتوضى
بعد الغسل من الجنابة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كل غسل قبله وضوء إلا
غسل الجنابة وفي الصحيح عن حكم بن حكيم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الجنابة ثم وصفه قال قلت إن الناس يقولون يتوضأ وضوء
الصلاة قبل الغسل فضحك وقال أي وضوء أنقا من الغسل وأبلغ وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الغسل يجزي في
الوضوء أي وضوء أطهر من الغسل روي عن محمد مسلم قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أن أهل الكوفة يروون عن علي (عليه السلام) أنه كان يأمر بالوضوء
قبل الغسل من الجنابة قال كذبوا على علي ما وجدوا ذلك في كتاب علي (عليه السلام) قال الله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) وروي عن عبد الله بن
سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول الوضوء بعد الغسل بدعة أقول يريد بذلك ان من يعتقد وجوب الوضوء عليه يكون مبدعا
وكذا روي عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الوضوء بعد الغسل بدعة وفي طريق هذه الرواية عثمان وهو واقفي وروى الشيخ في الصحيح عن
يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سألته عن غسل الجنابة فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل (عليه السلام) فقال الجنب يغتسل يبدأ
فيغسل يده إلى المرفقين قبل أن يغمسها في الماء ثم يغسل ما أصابه من أذى ثم يصيب على رأسه وعلى وجهه وعلى جسده كله ثم قد قضى الغسل ولا
وضوء عليه وروي في الحسن عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في كل غسلة وضوء إلا الجنابة ولأنهما عبادات من جنس واحد فيدخل
الصغرى في الكبرى كالعمرة والحج احتج الشافعي بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعل وإن الجنابة والحدث وجدا منه فوجب لهما الطهارتان
كما لو انفردا والجواب عن الأول: أنه معارض برواية عائشة وعن الثاني: ان التداخل ثابت مع ما يوجب الصغرى فمع ما يوجب الكبرى أولى.
فروع: [الأول] لا يستحب الوضوء عندنا خلافا للشيخ في التهذيب وأطبق الجمهور على استحبابه قبله. لنا: ان الاستحباب حكم شرعي فيقف
عليه ولا شرع واحتج الجمهور بما رووه عن فعل النبي (صلى الله عليه وآله) والجواب المعارضة بما روته عائشة. [الثاني] هل يكفي الغسل مطلقا
سواء كان من جنابة أو حيض أو غسل جمعة عن الوضوء أم لا الأقرب عدم الاكتفاء به وهو اختيار المفيد والشيخ وقال السيد المرتضى يكفي وإن
كان ندبا. لنا: قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) وذلك عام خرج منه غسل الجنابة للنص فيبقى الباقي على عمومه لرواية حماد بن عثمان
وابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقد تقدمنا وما رواه الشيخ عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال إذا أردت
أن تغتسل للجمعة فتوضى واغتسل ولأنها سيان الأثرين متغايرين لو انفرد كل واحد منها اقتضى أثره فمع الاجتماع يجب التأثير لكن العمل به
في الجنابة فيبقى معمولا به في البواقي احتج في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) الغسل يجزي عن الوضوء
وأي وضوء أطهر من الغسل وبما رواه عن إبراهيم بن محمد ان محمد بن عبد الرحمن الهمداني كتب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) سألته عن الوضوء للصلاة
وغسل الجمعة فكتب لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا غيره وروي عن عمار الساباطي قال سأل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل إذا
اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده فقال لا بأس عليه قبل ولا بعد قد أجزأه الغسل والمرأة مثل
ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد قد أجزأها الغسل وما رواه حماد بن عثمان عن رجل عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك أيجزيه من الوضوء فقال أبو عبد الله (عليه السلام) وأي وضوء أطهر من الغسل والجواب عن الأول:
أن " الألف " و " اللام " لا يدل على الاستغراق فلا احتجاج فيه إذ يصدق أحد جزئياته وقد ثبت هذا الحكم لبعض الاغتسال فيبقى الباقي على
الأصل وأيضا يحمل " الألف و " اللام " على العهد جمعا بين الأدلة وعن الاخبار الباقية بالمنع عن صحة سندها فإن الأول رواه الحسن بن
علي بن إبراهيم عن جده إبراهيم ولا يحضرني الآن حالهما ومحمد بن عبد الرحمن الهمداني لا أعرف حاله. والثاني: رواه عمار وهو فطحي أيضا. والثالث:
مرسل وفي طريقه ابن فضال وهو فطحي أيضا والثالث مرسل وفي طريقه الحسن بن حسين اللؤلؤي والنجاشي وإن كان قد وثقه إلا أن الشيخ حكى
في كتاب الرجال ان ابن بابويه ضعفه فلا يعارض ما ذكرناه من الأدلة على أنه يحتمل ما ذكره الشيخ في أن المقصود هو ما إذا اجتمعت هذه أو شئ منها
مع غسل الجنابة ويمكن أن يقال في الجواب عن الأحاديث كلها أنها تدل على كمالية الاغتسال والاكتفاء بهما فيما شرعت له ونحن نقول
به والوضوء لا نوجبه في غسل الحيض والجمعة مثلا ليكمل الغسل عنهما وإنما توجب الوضوء للصلاة فعند غسل الحيض يرتفع حدث الحيض وتبقى
90

المرأة كغيرها من المكلفين إذا أرادت الصلاة يجب عليها الوضوء وكذا باقي الأغسال. [الثالث] لو اجتمعت أغسال واجبة معه أجزء غسل واحد
وبه قال الشيخ وأكثر أهل العلم كعطاء وأبي الزياد وربيعة ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وروي عن الحسن والنخعي
في الحائض والجنب يغتسل غسلين لنا ما رواه الجمهور أن النبي (صلى السلام عليه وآله) لم يكن يغتسل من الجماع إلا غسلا واحدا وهو يتضمن شيئين
الا الالتقاء والانزال ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك
غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة فإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد قال ثم قال وكذلك
المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها ورواه ابن يعقوب في الصحيح عن زرارة أيضا وروى ابن
يعقوب عن جميل بن صالح عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) قال إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل
يلزمه في ذلك اليوم إذا تقرر هذا فنقول لو نوى بالاغتسال رفع الحدث أو غسل الجنابة أجزأ عن الوضوء أما لو نوى به غسلا آخر كالحيض
وغير فعلي ما اخترناه لا يجزي عن الوضوء وفي ارتفاع حدث الجنابة حينئذ إشكال ينشأ من تبعية الأفعال للمقصود والدواعي فإن قلنا بالاجزاء
فلا وضوء حينئذ وإن قلنا بعدمه فمع الوضوء هل يرتفع أم لا فيه نظر ينشأ من عموم الاذن في الدخول في الصلاة من الاغتسال من الحيض
والنفاس والوضوء وذلك يستلزم رفع كل حدث ومن كونه الغسل الأول لم يقع عن الجنابة والوضوء ليس بواقع لها فنحن في هذا من المتوقفين
وأيضا فإن غسل الجنابة قد اشتمل على نوع من التمام والكمال لم يشتمل عليه غيره بحيث صار متحملا لقوة رفع الحدث بإنفراده ولا يلزم
من نية الفعل الضعيف حصول القوي وعلى هذا البحث فلا بد من نية التعين أما لو نوى به غسلا مطلقا لم يجز عن واحد من الجنابة ولا من الجمعة
ولو اغتسل ونوى به غسل الجنابة دون غسل الجمعة أجزأ عن الجنابة خاصة وهو أحد قولي الشافعي وقال الشيخ يجزي عنهما وبه قال أبو حنيفة
وهو القول الآخر للشافعي. لنا: قوله تعالى: (وإن ليس للانسان إلا ما سعى) وهو لم يفعل إلا غسل الجنابة ضرورة تبعية الفعل للقصد لقوله (عليه السلام)
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ولو نوى غسل الجمعة دون الجنابة قال الشيخ لا يجزيه عن واحد منهما وقال الشافعي لا يجزيه عن الجنابة
قولا واحدا وفي إجزائه عن الجمعة قولان وقال أبو حنيفة يحرز عنهما بناء على عدم اشتراطنا النية احتج الشيخ بأن الجنابة لم يرفع لعدم النية
وغسل الجمعة يراد للتنظيف وزيادة التطهير وهو لا يصح إلا مع ارتفاع حدث الجنابة ويمكن أن يقال يجزيه عن غسل الجمعة وما ذكره الشيخ
منقوض بغسل الاحرام للحائض * مسألة: إذا جرى الماء تحت قدمي الجنب أجزاؤه وجب غسلهما (ولم يجب غسلهما). لنا: على الاجزاء مع الجريان قول أبي
عبد الله (عليه السلام) فما جرى عليه الماء فقد طهره وعلى عدمه مع العدم انه لم يحصل كمال الغسل فلا يحصل الطهارة وأيضا روى الشيخ عن بكير بن
كرب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل من الجنابة أيغسل رجليه بعد الغسل فقال إن كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه
فلا عليه أن لا يغسلهما وإن كان يغتسل في مكان يستنقع رجلاه في الماء فليغسلهما وروي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له
جعلت فداك اغتسلت في الكنيف الذي يبال فيه وعلي نعل سندية فقال إن كان الماء الذي يسيل من جسدك يصيب أسفل قدميك فلا
تغسل قدميك. فروع: [الأول] غسل الرجلين تابع للطرفين فاليمنى يجب تقديمهما على اليسرى مع الترتيب. [
الثاني] لا يجب عليه
تخليل الأصابع إلا مع عدم الظن بوصول الماء. [الثالث] لو خاض في النهر وأرضه وحله للاغتسال فإن كان مرتمسا أجزأه بماله؟ جنب؟
نوى وأنزل حصلت الطهارة لرجليه قبل ثبوتها في الوحل ومنعه من إيصال الماء إلى البشرة أما لو كان مرتبا وجب عليه نزع رجليه من الوحل
على الترتيب وغسل كل رجل مع جانبها. * مسألة: إذا اغتسل ثم رأى بللا فإن تيقنه منيا أعاد الغسل والموجب للغسل إنما هو الخروج
الانتقال عن مستقره سواء بال واجتهد أولم يبل وبه قال الشافعي وقال الأوزاعي وأبو حنيفة إن خرج بعد البول فلا غسل وإلا فعليه الغسل
وقال أحمد ومالك والليث والثوري وإسحاق عليه الوضوء خاصة لا الغسل. لنا: قوله (عليه السلام) إنما الماء من الماء ولأن الاعتبار بالخروج كسائر
الاحداث وقد تجدد الخروج فيجب ولا منافاة في سابقية الغسل والبول ولأنه بقية ما خرج بالدفق والشهوة فأوجب الغسل كالأول احتج المخالف
بأنه جنابة واحدة فلم يجب بها غسلان كما لو خرج دفعة واحدة ولان الشهوة غير حاصلة وهي معتبرة في الايجاب والجواب عن الأول: أنه
ينقض بما إذا جامع فلم ينزل فاغتسل ثم أنزل وعن الثاني: بالمنع من اعتبار الشهوة وقد تقدم أما إذا لم يعلم أنه مني ففيه ثلاث تقديرات
إحداها إذا لم يكن قد بال ولا استبرء أعاد الغسل لان الغالب عدم نفوذ أجزاء المني بأسرها وخروجها عن قصبة القضيب من غير بول
أو اجتهاد فيحال الخارج على المعتادة وروى الشيخ عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن رجل أجتنب فاغتسل قبل أن
يبول فخرج منه شئ قال يعيد الغسل قلت والمرأة يخرج منها بعد الغسل قال لا يعيد قلت فما الفرق فيما بينهما قال لان ما يخرج من المرأة
إنما هو من ماء الرجل وفي الطريق عثمان بن عيسى وهو واقفي ورواه عن الصحيح عن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام مثله وقال لان ما يخرج من
المرأة ماء الرجل وروي عن سماعة قال سألته عن الرجل يجنب ثم يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل قال يعيد الغسل فإن كان قبل
91

أن يغتسل فلا يعيد غسله ولكن يتوضى ويستنجي وسماعة واقفي والراوي عنه زرعة وهو واقفي أيضا وروي في الصحيح عن محمد قال سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شئ قال يغتسل ويعيد الصلاة إلا أن يكون بال قبل أن يغتسل فإنه لا يعيد وروي عن معاوية بن
ميسرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل رأى بعد الغسل شيئا قال إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضى وإن لم يبل حتى اغتسل ثم وجد
البلل فليعد الغسل وروي في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سأل عن الرجل يغتسل ثم يجد بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل قال إن كان قبل أن يغتسل فلا
يعد الغسل وهذا حكم معلق على الشرط فيكون عدما عند عدمه تحقيقا لمنع الشرط لا يقال قد روى الشيخ عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله
(عليه السلام) في الرجل يصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتى يغتسل ثم يرى بعد الغسل شيئا أيغتسل أيضا قال لا قد تعصرت ونزل من الحبائل وروي عن محمد بن
هلال قال سألته عن رجل إغتسل قبل أن يبول فكتب أن الغسل بعد البول إلا أن يكون ناسيا فلا يعيد منه الغسل. وروي عن عبد الله بن
هلال عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يجامع أهله ثم يغتسل قبل أن يبول ثم يخرج منه شئ بعد الغسل فقال لا شئ عليه إن ذلك مما وضعه الله
عنه وروي عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن رجل احتلم ثم اغتسل قبل أن يبول ثم رأى شيئا قال لا يعيد الغسل ليس ذلك
الذي رأى شيئا هذه الأخبار تدل على عدم وجوب الغسل مع عدم البول وذلك ينافي ما ذكرتموه لأنا نجيب عن الأول: باحتمال أن يكون الذي رآه
مذيا وعلم كذلك فلا إعادة لان الموجب خروج المني وفي طريقها علي بن السندي ولا أحقق الآن حاله على أنه يحتمل أنه اجتهد واخر * * * * * * *
البول ويحمل النسيان ها هنا على الترك المطلق وعن الخبر الثاني: بأن راويه أحمد بن هلال وهو ضعيف جدا قال الشيخ هو غال وقال النجاشي وفيه
ذموم من سيدنا العسكري (عليه السلام) فلا تعويل على روايته إذن على أنه لم يسندها إلى إمام فلعله أخبر عن من لا يقوم الحجة بقوله وأيضا فإنه لم
يذكر أنه قد خرج منه شئ بعد الغسل فقال لا يعيد الغسل لعدم الخروج لا لعدم وجوب الإعادة مع عدم البول وعن الثالث: باحتمال
أن يكون قد اجتهد ولم يتأت البول فلا شئ عليه حينئذ وانه جامع ولم ينزل على أن في طريقه عبد الله بن هلال ولا أعرفه وعن الرابع بما تأولنا
به ما تقدم وفي طريقه أبو جميلة وفيه ضعف. وثانيها: أن يكون قد بال ولم يجتهد ثم رأى بللا فعليه إعادة الوضوء لا الغسل أما الوضوء فلانه
لعدم الاستبراء ولم يخرج أجزاء البول بكمالها فالظاهر أن البلل من بقاياه وأما عدم الغسل فلان البول أزال المخلف عن اجزاء المني
ولما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) إلا أن يكون بال قبل أن يغتسل فإنه لا يعيد غسله قال محمد وقال
أبو جعفر (عليه السلام) ومن اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم يجد بللا فقد انتقض غسله وإن كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله ولكن
عليه الوضوء لان البول لم يدع شيئا ولرواية معاوية بن ميسرة فإنها تدل على عدم إيجاب الغسل وعلى ايجاب الوضوء ولرواية الحلبي هي تدل
على عدم إيجاب الغسل مع البول وثالثها: أن يكون قد بال واجتهد ثم اغتسل ثم رأى البلل فلا إعادة للغسل ولا للوضوء بالبول أزال أجزاء
المني المتوهمة والاستبراء أزال أجزاء البول المتوهمة فلا التفات إلى الخارج بعد ذلك ويدل عليه أيضا الأحاديث الدالة على أن بعد البول
لا إعادة للغسل وبعد الاستبراء لا اعتداد بالخارج. فروع: [الأول] لو صلى ثم رأى بعد ذلك منيا قطعا أعاد الغسل عندنا قولا
واحدا وهل يعيد الصلاة أم لا قال بعض علمائنا يعيد وليس بجيد لان الصلاة وقعت مشروعة فيثبت الاجزاء واحتج الآخرون أن هذا
المني من بقايا الأول فالجنابة واحدة لم تزل بالغسل الأول والجواب: أن الموجب للغسل الثاني هو الخروج الذي لم يكن لا انتقال عن المحل
فيكون غير الأول الثاني لو جامع ولم ينزل لم يجب عليه الاستبراء ولو رأى بللا يعلم أنه مني وجب عليه الإعادة أما المشتبه فلا لان حكمنا هناك
بكون البلل منيا بناء على الغالب من استخلاف الاجزاء بعد الانزال وهذا المعنى غير موجود مع الجماع الخالي عن الانزال. [الثالث]
هل تستبرئ المرأة أم لا فيه توقف منشأه أن مخرج البول غير مخرج المني فلا فائدة فيه. [الرابع] لو رأت بللا فلا إعادة لا الأظهر
أنه مني الرجل وذلك غير موجب موجب للغسل لما قدمناه من رواية بن خالد ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله وأوجب ابن إدريس
الإعادة بقوله (عليه السلام) الماء من الماء وليس بشئ. [الخامس] لو لم يتأت البول ففي إلحاقه بحدث البول إشكال فإن ألحقنا به كفى الاحتياط
والاجتهاد في اسقاط الغسل لو رأى البلل المشتبه بعد الانزال مع الاجتهاد وإلا فلا. * مسألة: إذا أحدث حدثا أصغر في أثناء الغسل
قال الشيخ في النهاية والمبسوط وابنا بابويه يعيد الغسل من أوله وهو قول الحسن البصري وقال ابن البراج يتم غسله ولا وضوء عليه واختاره ابن
إدريس وقال علم الهدى يتم غسله ويتوضى لحدثه وبه قال عطا وعمرو بن دينار والثوري والحق عندي الأول. لنا: أنه حدث ناقض للطهارة
الكبرى بكمالها فلبعضها أولى ومع النقض ينظر إلى حاله إن كان جنبا اغتسل ولا توضى وها هنا موجب قطعا ضرورة عدم ارتفاع
الجنابة من غير اكمال الغسل احتج ابن إدريس بأن الإعادة لا وجه لها إذ الاجماع على أن الحدث الأصغر موجب للصغرى لا الكبرى ولبطل القول
الثالث بأنه حالة الحدث جنب فلا حاجة إلى الوضوء مع الاغتسال لقوله: (إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) واحتج السيد المرتضى بأن الحدث الأصغر
موجب للوضوء وليس موجب للغسل ولا لبعضه فيسقط وجوب الإعادة ولا يسقط حكم الحدث بما بقي من الغسل ولزم الفريق الثاني
92

الشناعة بما لو بقي من الغسل بمقدار الدرهم من جانبه الأيسر ثم تغوط أن يكتفي عن الوضوء بغسل موضع الدرهم وهو باطل والجواب عن
الأول: الدليل على الإعادة قد ذكرناه وقوله الحدث الأصغر موجب للصغرى لا الكبرى مسلم ولكنه غير نافع لأنا نحن لم نقل إلا الموجب
الكبرى إنما هو الحدث الأصغر بل الموجب هو بقاء الجنابة فتوهم من إيجاب إعادة الغسل لأجل وجوب الجنابة استناد الإعادة إلى الحدث الأصغر
وليس كذلك وإبطاله للقول الثالث جيد وعن الثاني: بما ذكرناه أولا من أن الموجب ليس هو الحدث الأصغر بل الأكبر الباقي مع فعل البعض المنتقض
بالحدث الأصغر فغلط هؤلاء نشأ من أخذ ما مع العلة مكان للعلة قوله ولا يسقط حكم الحدث بما بقي من الغسل محل النزاع عند الفريق
الثاني فإنه يرتفع الحدث الأكبر فالأصغر أولى لشناعة التي ذكرها عليهم غير واردة لأنا نقول إذا عقل ارتفاع حدث الجنابة غسل
ذلك القدر اليسير فليعقل ارتفاع الأصغر أو على أنها معارضة بالمثل فإنه يلزم أن من غسل من رأسه جزءا لا يتجزى ثم أحدث الا يسوغ
له الصلاة إلا بعد الوضوء. خاتمة: تشتمل على فصول، فصل: أطنب المتأخرون في المنازعة بينهم في أن غسل الجنابة هل
هو واجب لنفسه أو لغيره فبعض قال بالأول وآخرون قالوا بالثاني والفائدة تظهر في الجنب إذا خلا من وجوب ما يشترط فيه الطهارة ثم
أراد الاغتسال هل يوقع منه الوجوب أو الندب فالقائلون بالأول قالوا بالأول والقائلون بالثاني قالوا بالثاني والأقرب عندي
{الأول} وهو مذهب والدي رحمه الله لوجوه. أحدها: قوله (عليه السلام) إذا التقى الختانان وجب الغسل وذلك عام فيمن تعلق به وجوب شئ
مشروط بالطهارة ومن لم يتعلق به. {الثاني} قوله (عله السلام) إنما الماء من الماء وهو يقتضي وجوب الغسل عند الانزال مطلقا. {الثالث}
قول أمير المؤمنين (عليه السلام) توجبون عليه الرجم والجلد ولا توجبون عليه صاعا من ماء وذلك إنكار فيه (عليه السلام) على الأنصار حيث أوجبوا
أصعب العقوبتين ولو توجبوا أدناهما ولما لم يكن وجوب الحد والجلد شرطا بوجوب شرط الطهارة فكذا هنا لأنه يدل على
تعميم الوجوب في كل وقت ثبت فيه وجوب العقوبتين. {الرابع} ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال إذا أدخله فقد
وجب الغسل والمهر والجلد وجه الاستدلال به أمران أحدهما: قدمناه في الأول. الثاني: أنه لو لم يكن وجوب المهر والرجم مشروطين
لم يكن وجوب الغسل مشروطا قضية العطف الموجب للتساوي بين المعطوف والمعطوف عليه. {الخامس} لو لم يجب إلا لما يشترط فيه
الطهارة لما وجب أول النهار للصوم والثاني باطل إجماعا فالمقدم مثله والشرطية ظاهرة واحتج ابن إدريس بوجوه، أحدها: إن الوجه
في الوجوب إنما هو كونه شرطا في صلاة واجبة على المكلف إجماعا ولا صلاة حينئذ لان التقدير أنه كذلك. الثاني: ما رواه الشيخ في الصحيح
عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل فيغتسل أم لا يغتسل
قال قد جاما يغسل الصلاة فلا يغتسل على الوجوب بالصلاة (الثالث) انه عليه السلام كان يطوف على نسائه بغسل واحد فلو كان واجبا
لما جاز تركه. الرابع: انعقد الاجماع على جواز النوم للجنب من غير اغتسال وإن للمكلف التأخير فلو كان واجبا لما جاز ذلك. الخامس:
يلزم أن من جامع يجب عليه الاغتسال في الحال حتى لو كان عنده ماء فآثر الخروج من منزله للاغتسال من نهر أو حمام كان معاقبا. السادس:
قوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) ولا شك أن ا لوضوء للصلاة فيكون الغسل لها أيضا قضية العطف الموجب للتسوية وأجاب عن الخامس بوجهين،
الأول الاجماع منعقدا ما على تعميم الوجوب في كل وقت أو على اختصاص الوجوب بحال الصلاة والطواف الواجبين فالقول بالوجوب
في حالة النوم أول الفجر مع عدمه في غير حالة الصلاة والوجوب قول ثالث. الثاني سلمنا أن من لا يتم الواجب وهو الصوم إلا به وهو الغسل
يكون واجبا إلا أن هذه المسألة ليست من هذه القبيل صوم الرمضان يتم من دون نية الوجوب للاغتسال وهو أن
يغتسل لرفع الحدث
مندوبا قربة وقد ارتفع حدثه وصح صومه فقد صح فعل الواجبين دون نية الوجوب والجواب عن الأول: بالمنع من كون الوجه في الوجوب
إنما هو الصلاة وهل محل النزاع إلا هو فكيف يدعي الاجماع فيه. وعن الثاني: ان الغسل إنما يجب إذا كان رافعا للحدث وهو مستحيل عند
تجدد الحيض الذي هو حدث ملازم على أن هذا من قبيل المفهوم فلا يعارض المنطوق. وعن الثالث بالمطالبة عن دليل الملازمة بين الوجوب
والعقاب بالتأخير فإن الامر لا يقتضي العود وهذا هو الجواب عن الرابع والخامس وعن السادس انا مع تسليم أن " الواو " للعطف لا الاستيناف فلزم بما
يدل عليه وهي الوجوب عند القيام للصلاة أما على عدم الوجوب عند غير تلك الحال فلا وأما جواباه عن الخامس فمشبهان لاستدلاله
والجواب عن الأول: منها انه شنع على المستدل بشئ ليس هو قائلا به لأنه ألزمه خرق الاجماع وهو لا يلزمه ذلك لأنه أبطل أحد القولين
بالتزام الخرق لاحد الاجماعين لان الغسل اما ان يجب عند الصبح في رمضان أولا وعلى الثاني يلزم خرق الاجماع وهو يختار صحة ابتداء الصوم من دون الطهارة على الأول أما ان يجب عاما وهو إبطال لما أدعى بطلانه أولا وهو خرق الاجماع الذي ادعاه فهو بالشناعة أولى وعن ثانيهما:
ان المستدل لم يوجب النية بناء على أن ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا بل أوجب الغسل وهذا قد سلمه ابن إدريس حيث سلم أن الصوم
الواجب لا يتم ابتداء إلا بالطهارة وأما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا ثم من أعجب العجائب حلية وإيجاب النية عليه إذ الفعل لا تبع
93

إلا مع النية وإلا ينوي نية الوجوب بل الندب فللمغتسل أن يقول إن كان الغسل ندبا فلي أن لا أفعله فإن سوغ له الصوم من دون الاغتسال
فهو خلاف الاجماع وإلا لزمه القول بالوجوب ما لا يتم الواجب إلا به وإن كان واجبا فكيف قوى الندب في فعل واجب وعندك
الفعل إنما يقع على حسب المقصود والدواعي فانظر إلى هذا الرجل كيف يخبط في كلامه ولا يحترز عن التناقض فيه وإنما أطنبنا القول في هذا الباب وإن
كان قليل الفائدة لكثرة تشنيعه فيه. فصل: لا بأس بالنكاح في الحمام والقراءة فيه لما روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن
أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يقرأ في الحمام وينكح قال لا بأس وروي في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) مثله.
فصل: وروى الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود قال سألت الرضا (عليه السلام) عن المرأة ولها قميصها وإزارها يصيبه من بلل الفرج وهي
جنب أتصلي فيه قال إذا اغتسلت صلت فيها وهذا يدل على طهارة الرطوبة. فصل: وروي عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه
عن آبائه (عليهم السلام) قال كن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) إذا اغتسلن من الجنابة تبقين صفرة الطيب على أجسادهن وذلك أن النبي (صلى
الله عليه وآله) أمرهن أن يصبن؟ صبا؟ على أجسادهن وهذا يدل على أمرين، أحدهما: عدم تأثير الخضاب في الغسل. والثاني: عدم وجوب الدلك
خلافا لمالك والرواية وإن كان في طريقها إسماعيل بن أبي زياد وفيه ضعف إلا أن الأصحاب تلقوها بالقبول. فصل: ولا بأس
بالجماع في الماء لما رواه الشيخ عن يزيد بن معاوية العجلي قال قلت لأبي عبد اله (عليه السلام) الرجل يأتي جاريته في الماء قال ليس به بأس.
فصل: روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان ونسي أن يغتسل حتى خرج
شهر رمضان قال عليه أن يقضي الصلاة والصيام وأقول أما الصلاة فاتفاق منها وأما الصيام ففيه بحث سيأتي. فصل: روى
ابن بابويه في الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل بغير إزار حيث لا يراه أحد قال لا بأس وهي موافقة
للمذهب. فصل: قال ابن بابويه ومن أجنب في أرض ولم يجد الماء إلا ماء جامدا أو لا يخلص الصعيد فليصل بالمسح ولا يعيد إلى
الأرض التي توثق دينه وهو محمول على أنه لا يتمكن من دلك جسده بالثلج بحيث يحصل مسمى الغسل وقد تقدم ذلك فيما مضى.
فصل: روى ابن بابويه قال جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسئل أعلمهم من مسائل وكان فيما سأله أن قال
لأي شئ أمر الله بالاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة ولم يأمر من الغائط والبول فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان آدم (عليه السلام)
لما أكل من الشجرة دب ذلك في عروقه وشعره وبشره فإذا جامع أهله خرج الماء من كل عرق وشعر في جسده فأوجب الله عز وجل على
ذريته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة والبول يخرج من فضلة الشراب الذي يشرب به الانسان والغائط يخرج من فضلة الطعام الذي
يأكله الانسان فعليه في ذلك الوضوء فقال اليهود صدقت يا محمد (صلى الله عليه وآله) وكتب الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان مما كتب من جواب مسائله علة غسل الجنابة
النظافة لتطهر الانسان مما أصابه من أذاها وتطهر سائر جسده لان الجنابة خارجة من كل جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده كله وعلة
التحقيق في البول والغائط أنه أكثر وأدوم من الجنابة ورضى منه بالوضوء لكثرته ومشقته ومجيئه بغير إرادة منه ولا شهوة والجنابة لا يكون إلا
بالاستلذاذ منهم والاكراه لأنفسهم. فصل: وإدخال الماء في العين ليس بشرط وهو مذهب أكثر أهل العلم وكان عبد الله بن عمر يدخل الماء
في عينيه من الجنابة ولنا: ما تقدم من الأحاديث الدالة على الاجتزاء بغسل الظاهر وبغسل الجسد لان فيه مشقة فيسقط. فصل: هل يجب
على الزوج ثمن الماء الذي يغتسل به المرأة للحنفية فيه تفصيل قال بعضهم لا يجب مع غناها ومع الفقر يجب على الزوج تخليتها لينقل إلى الماء
أو ينقل الماء إليها وقال آخرون يجب عليه كما يجب عليه ماء الشرب والجامع إن كل واحد منهما مما لا بد منه والأول عندي أقوى. فصل:
ولا يكره الوضوء ولا الغسل بماء زمزم لأنه ماء طور فأشبه سائر المياه ولان الكراهة حكم شرعي فيتوقف على الشرع وعن أحمد روايتان
أحديهما مثل ما قلناه، والثانية: الكراهة لقول العباس لا أحلها المغتسل لكن للمحرم حل بل ولأنه مزيل به مانع
من الصلاة فأشبه
إزالة النجاسة وهذان ضعيفان أما الأول: فإنه لا يوجد تصريحه في التحريم ففي غيره أولى. وأما الثاني: فإن الشرف لا يوجب الكراهية لاستعماله
كالماء الذي وضع فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفه إذا اغتسل منه. فصل: ويجوز الاغتسال بفضل غسل المرأة وبالعكس وكذا في
الوضوء وعن أحمد في وضوء الرجل بفضل طهور المرأة إذا خلت به روايتان أشهرهما عدم الجواز وهو قول عبد الله بن سرخيس والحسن وعشيم بن
قيس وهو قول ابن عمر في الحائض والجنب وما اخترناه قول أكثر أهل العلم. لنا: ما رواه مسلم في صحيحه قال كان النبي (صلى الله عليه وآله) يغتسل
بفضل ميمونة وقال ميمونة اغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي (صلى الله عليه وآله) يغتسل فقلت اني قد اغتسلت منه فقال
الماء ليس عليه جنابة وبما رويناه من الأحاديث المتقدمة من طريق الخاصة ولأنه ماء طهور جاز للمرأة الوضوء به والاغتسال منه فجاز
للرجل لفضل الرجل واحتجاج أحمد فقد تقدم في مباحث المقصد الأول مع الجواب عنه واختلفوا في المراد من الخلوة فقال قوم هي أن يحضرها
من لا يحصل الخلوة في النكاح بحضوره رجلا كان أو امرأة أو صبيا عاقلا لأنها إحدى الخلوتين أحد فنافاها حضور أحد هؤلاء كالأخرى
94

وقال آخرون منهم هي أن لا يشاهدها رجل مسلم فإن شاهدها صبي أو امرأة أو كافر لم يخرج عن الخلوة وقال آخرون منهم هي استعمالها
للماء من غير مشاركة الرجل وإن خلت به في بعض أعضائها أو في تجديد طهارة أو استنجاء أو غسل نجاسة فعندهم وجهان المنع لأنها طهارة شرعية
والجواز لان إطلاق الطهارة ينصرف إلى طهارة الحدث الكاملة ولو خلت به ذمية في اغتسالها فوجهان عندهم أيضا المنع لأنها أدنى حالا
من المسلمة وأبعد من الطهارة وقد تعلق بغسلها حكم شرعي وهو حل وطيها إذا اغتسلت من الحيض وأمرها به إن كان من جنابة والجواز أن
طهارتها لا تصح فهي كتبريدها أما لو خلت به المرأة في تبردها أو تنظفها وغسل ثوبها من الوسخ فلا يؤثر لأنه ليس بطهارة وإنما يؤثر الخلوة
في الماء القليل عندهم لان حقيقة النجاسة والحدث لا يمنع ولا يؤثر فتوهم ذلك أولى وإنما يمنع الرجل خاصة لا المرأة وهل يجوز للرجل غسل النجاسة
فيه وجهان عندهم المنع لأنه مائع لا يرفع حدثه فلا يزيل النجاسة كسائر المائعات والجواز لأنه ما يزيل النجاسة بمباشرة المرأة فيزيلها إذا فعله
الرجل كسائر المياه والمنع تعبدي لا يعقل معناه فلا يتعدى وهذه الفروع ساقطة عندنا لان الخلوة لا تصلح المنع من الاستعمال.
[الفصل الثاني]
في الحيض، وهو في اللغة السيل يقال حاض الوادي إذا سال وقال الشاعر أجالت حصاهن إلا هوية الروادي وحيضت عليهن حيضات السيول الطواخم و
هو في الشرع عبارة عن الدم الذي تعلق بانقضاء العدة اما بطهوره أو بانقطاعه أو يقال هو الدم الأسود الخارج بحرارة غالبا على وجه يتعلق
به أحكام مخصوصة ولقليله حد وأعلم ان الحيض دم يرخيه الرحم مع بلوغ المرأة ثم يصير لها عادة في أوقات متداولة معلومة لحكمة تربية الولد فإذا حملت
صرف الله تعالى بعنايته ذلك الدم إلى تغذيته وإذا وضعت أعدم الله عنه الصورة الدموية وكساه الصورة اللبنية فاغتذى به الطفل ولأجل ذلك
قل ما تحيض المرضع والحامل فإذا خلت المرأة من الحمل والرضاع بقي الدم لا مصرف له فيستقر في مكان ثم يخرج غالبا في كل شهر ستة أيام أو سبعة وقد
يزيل ويقل ويطول زمان حقانه ويقصر بحسب ما ركبه الله في الطبائع وقد رتب الشارع على الحيض أحكاما نحن نذكرها على الاستقصاء
بعون الله تعالى والنظر هنا يتعلق بماهيته ووقته وأحكامه فها هنا مباحث. [البحث الأول] قد عرفت أن الحيض هو الدم الأسود العبيط
الحار يخرج بقوة ودفع غالبا والعبيط هو الطري وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة ما عدا البياض الخالص حيض وهو حق إن كان في
زمن العادة. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال دم الحيض عبيط أسود ومحتدم والمحتدم الحار كأنه محرق يقال احتدم
النهار إذا أشتد حره. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن حفص بن البختري قال دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) امرأة سألته عن
المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره قال فقال لها: إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة ودم الاستحاضة أصفر بارد فإذا كان
للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة قال فخرجت وهي تقول والله لو كان امرأة ما زاد على هذا وروى في الصحيح عن معاوية بن عمار قال
قال أبو عبد الله (عليه السلام) ان دم الاستحاضة والحيض ليسا يخرجان من مكان واحد دم الاستحاضة بارد ودم الحيض حار وروي في الصحيح
عن إسحاق بن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ودم الاستحاضة دم فاسد بارد احتج
أبو حنيفة بما رووه عن عائشة أنها قالت لا تعجلن حتى ترين القطنة البيضاء وهذا ما لا نعرفه قياسا والظاهر أنها قالت سماعا والجواب:
يجوز أن يكون ذلك اجتهادا ويجوز أن يكون راجعا إلى أيام العادة ونحن نقول به. * مسألة: لو أشتبه بدم العذرة اعتبر فيه بانغماس القطنة فمعه
يكون حيضا ومع الطوق يكون دم عذرة لما رواه الشيخ عن زياد بن سوقة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: تمسك الكرسف فإن خرجت القطنة
مطوقة بالدم فإنه من العذرة يغتسل وتمسك معها قطنة وتصلي فإن خرج الكرسف منغمسا بالدم فهو من الطمث تقعد عن الصلاة
أيام الحيض وروي عن خلف بن حماد قال قلت لأبي الحسن الماضي (عليه السلام) وكيف لها أن تعلم من الحيض هو أو من العذرة قال تستدخل
قطنة ثم تخرجها فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو من العذرة وإن خرجت منتقعة بالدم فهو من الطمث ورواه أيضا ابن يعقوب في كتابه عن
خلف أيضا عن أبي الحسن (عليه السلام) ولو أشتبه دم الحيض بدم القرح فلتدخل إصبعها فإن كان خارجا من الجانب الأيسر فهو دم حيض وإن
كان خارجا من الأيمن فهو دم قرح ذكره الشيخ وابن بابويه ورواه في التهذيب عن محمد بن يحيى رفعه عن أبان
قال قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) فتاة منا بها قرحة في جوفها والدم سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة قال مرها فلتستلق على ظهرها وترفع رجليها و
تستدخل إصبعها الوسطى فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة وكذا ذكره ابن يعقوب في
كتابه عن محمد بن يحيى أيضا وهذه الرواية منافية لما ذكره الشيخ وابن بابويه وقال ابن الجنيد ان دم الحيض يخرج من الجانب الأيمن ودم الاستحاضة
يخرج من الجانب الأيسر. * مسألة: لا حيض مع صغر السن ولا مع كبره فحد الصغر ما نقص عن تسع سنين لان الصغيرة لا تحيض لقوله تعالى:
(واللائي لم يحضن) ولان المرجع فيه إلى الوجود ولم يوجد من النساء من تحيض فيما دون هذا السن ولأنه تعالى إنما خلق غذاء للولد رواه
ابن يعقوب في كتابه في الحسن عن سليمان بن خالد قال إن الولد في بطن أمه غذاؤه الدم فالحكمة في خلقه تربية الولد فمن لا يصلح للحمل لا يوجد فيها
لانتفاء الحكمة كالمني لتقاربهما معنى فإن أحدهما يخلق معه الولد والآخر يغذيه ويربيه وكل منهما لا يوجد مع الصغر ووجود كل واحد منهما دال على
95

البلوغ وأقل سن تبلغ له الجارية تسع سنين فكان ذلك أقل من الحيض له وللشافعي قولان أحدهما ان أول وقت إمكانه أول السنة التاسعة والثاني: ان
أوله إذا مضيت منها ستة أشهر وروي عنه قول آخر أن أول أوقات إمكانه أول العاشرة قال وقد رأيت جدة بنت إحدى وعشرين سنة فيكون قد حملت لدون
عشرين وقال بعض الحنفية باحتمال يكون بنت سبع حائضا لقوله (عليه السلام) مروهم بالصلاة إذا بلغوا سبعا وهو ضعيف لان الامر ها هنا للتمرين وروي
عن بعضهم أنه قال بنت ست سنين ترى دم الحيض رواه شارح الطحاوي وقال وحكي أن بنت لأبي مطيع البلخي صارت جدة وهي من بنات ثمان عشرة
سنة فقال أبو مطيع فضحتنا هذه الجارية نعم قد يصير جدة بنت تسع عن سنة لان أقل الحمل ستة أشهر فلو رأت بنت تسع سنين دما بالصفات المذكورة
فهو حيض مع الشروط الآتية لأنها رأت دما صالحا لان يكون حيضا في وقت إمكانه فيحكم بأنه حيض كغيرها وهو مذهب أهل العلم وروي عن
أحمد رواية أخرى في بنت عشر رأت الدم قال ليس بحيض رواها الميمون قال القاضي فعلى هذا يجب أن يقال أقل زمان يصح فيه وجود الحيض ثنتا عشر سنة
لأنه الزمان الذي يبلغ فيه الغلام وليست هذه الرواية بجيدة عندهم أيضا ولو رأت دما لدون تسع فهو دم فساد للعادة ولما رواه الجمهور عن
عائشة أما حد الكبرى الذي ينقطع معه الحيض ففيه روايتان عن أصحابنا روى الشيخ عن محمد بن أحمد بن أبي نصر عن بعض أصحابنا قال قال أبو عبد
الله (عليه السلام) المرأة التي تيئس من الحيض حدها خمسون سنة وفي طريقها سهل بن زياد وهو ضعيف مع إرسالها ورواها ابن يعقوب في كتابه بالسند
المذكور وقال وروي ستون سنة وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال حد التي يئست من الحيض خمسون سنة، الثانية: روى الشيخ في الصحيح
عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) فإذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش قال الشيخ في المبسوط وحد
اليأس خمسون وفي القريشية روي أنها ترى الدم إلى ستين والحق في غير النبطية بالقرشية في البلوغ إلى ستين وهذا قول أهل المدينة ولو قيل اليأس
يحصل ببلوغ ستين أمكن بناء على الموجود فإن الكلام مفروض فيما إذا وجد من المرأة دم في زمن عادتها على ما كانت تراه قبل ذلك فالوجود
ها هنا دليل الحيض كما كان قبل الخمسين دليلا ولو قيل ليس بحيض مع وجوده وكونه على صفة الحيض كان تحكما لا يقبل اما بعد الستين فالاشكال زائل
للعلم بأنه ليس بحيض لعدم الوجود ولما علم من أن للمرأة حالا يبلغها يحصل معها اليأس لقوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض) وقال بعض الحنفية
ان بنت سبعين ترى دم الحيض وبعضهم قال بأكثر من سبعين وقال محمد بن الحسن في نوادر الصلاة قلت أرأيت العجوز الكبيرة ترى الدم يكون حيضا
قال نعم. * مسألة: اختلف الأصحاب في الحبلى هل ترى دم الحيض أم لا فقال المفيد وابن الجنيد وابن إدريس انها لا تحيض وهو اختيار سعيد بن المسيب
وعطا والحسن وجابر بن يزيد وعكرمة ومحمد بن المنكدر والشعبي ومكحول وحماد والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وابن المنذر وأبي عبيدة وأبي ثور
والشافعي في القديم وقال السيد المرتضى وابنا بابويه انها تحيض وهو مذهب الشافعي في الجديد ومالك والليث وقتادة وإسحاق وقال الشيخ في النهاية
إن رأته في زمان عادتها فهو حيض وإن تأخر عنها بمقدار عشرين يوما فليس بحيض وقال في الخلاف إنما تحيض ما لم يستبين حملها فإذا استبان فلا
حيض والحق عندي مذهب السيد المرتضى. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة ان الحبلى إذا رأت الدم لا تصلي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن
عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كل شهر هل ترك الصلاة قال تترك إذا
دام وروي عن حريز عمن أخبره عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) في الحبلى قال تدع الصلاة فإنه ربما بقي في الرحم ولم يخرج وتلك الهراقة
وروي في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه سئل عن الحبلى ترى الدم قال نعم انه ربما قدمت المرأة وهي الحبلى وروي عن سماعة
قال سألته عن امرأة رأت الدم في الحبلى قال تقعد أيامها التي كانت تحيض فإذا زاد الدم على الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيام ثم هي
مستحاضة وروي في الصحيح عن أبي المعزا قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم قال تلك الهراقة إن كان
دما كثيرا فلا يصلين وإن كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين وروي في الصحيح عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الحبلى
تر الدم اليوم واليومين قال إن كان دما عبيطا فلا تصل ذلك اليومين وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين وروي في الصحيح عن
صفوان قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام تصلي قال غسل عن الصلاة وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته عن الحبلى ترى الدم كما ترى أيام حيضها مستقيما في كل شهر قال تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها
فإذا طهرت صلت وروى محمد بن يعقوب في كتابه عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته عن المرأة الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من
الدم قال تلك الهراقة من الدم إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصل وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء وروى ابن يعقوب في الحسن عن سليمان بن خالد
قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك الحبلى ربما طمثت فقال نعم وذلك أن الولد في بطن أمه غذاؤه الدم فربما كثيرا يفضل عنه فإذا وفضل
دفعته فإذا دفعه حرمت عليها الصلاة قال وفي رواية أخرى إذا كان كذلك تأخر الولادة ولأنه دم رحم خرج في وقت معتاد فكان حيضا
كالحايل احتج القائلون بأنها لا تحيض بما رواه الجمهور عن النبي (عليه السلام) أنه قال ألا لا توضى الحبالى حتى تضعن ولا الحبالى
حتى يستبرين بحيضة جعل الحيض علامة فراغ الرحم فيدل أنه لا يتصور مع الشغل وبما رواه سالم عن أبيه أنه طلق امرأته وهي حائض فسئل عمر
96

النبي (صلى الله عليه وآله) فقال مره ليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا فجعل الحمل علما على عدم الحيض كما جعل الطهر علما عليه ولأنه زمن لا يعتادها
الحيض فيه غالبا فلم يكن ما تراه فيه حيضا كالآيسة وبما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليه وآله) قال قال النبي (صلى الله عليه وآله) ما كان
الله ليجعل حيضا مع حبل يعني إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصلاة ألا ترى أن على رأس الولد إذا ضربها الطلق فرأت الدم تركت الصلاة
قال ابن إدريس أجمعنا على بطلان طلاق الحائض مع الدخول والحضور وعلى صحة طلاق الحامل مطلقا ولو كانت تحيض لحصل التناقض واحتج الشيخ
بما رواه في الصحيح عن الحسن بن نعيم الصحاف قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ان أم ولدي ترى الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة قال فقال لي إذا رأت الحامل
الدم بعد ما مضى عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضى
وتحتشي بكرسفة وتصلى فإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيض فلتمسك عن الصلاة
عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها فإن انقطع الدم عنها قبل ذلك فلتغتسل ولتصل وإن لم ينقطع الدم عنها إلا بعد ما مضى الأيام كانت
ترى الدم فيها يوم أو يومين فلتغتسل وتحتشي وتستذفر وتصلي الظهر والعصر ثم لينظر إلى آخر الحديث والجواب عن الأول: أنه لا شك في أن الغالب
ان الحامل لا ترى الدم ويدل عليه تعليل الامام أبي عبد الله (عليه السلام) بأنه غذاؤه وإنما يخرج الفضل منه فلا يلزم ما ذكرتموه وكذا
البحث عن الثاني: على أنه يمكن أن يكون حجة. لنا: أنه (عليه السلام) فصل بين الطهر والحمل والتفصيل قاطع للشركة فلا يصدق الطهر حينئذ مع الحبل وعن الثالث:
بالفرق بين الآية وبينهما لاعتيادها دون اعتياد الآية وقوله انه لا يعتاد غالبا قلنا الحبلى من حيث هي لا شك أنها لا ترى الدم غالبا أما
بالنظر إلى المرأة المعنية التي تعتادها الحيض في زمن حبلها على ما كانت عليه قبل الحبل فلا نسلم أنه مغلوب في حقها وعن الرابع: ان السكوني عامي فلا يعارض
روايته ما قدمناه من الروايات الصحيحة وعن الخامس: ان الحيض في ضمن الحبل سقط اعتباره في نظر الشرع فيما يرجع إلى منعه من الطلاق وعن السادس:
انه بنى على الغالب فإن أغلب أحوال المراة إذا خرجت عادتها ولم تر دما وبالخصوص إذا كانت حبلى أنه لا يكون دم حيض وادعى الشيخ في الخلاف الاجماع.
على أن المستبين حملها لا تحيض وإنما الخلاف وقع في غير المستبين ونحن لا نحقق هذا الاجماع مع أن رواية أبي المعزا تنافي ما ذكره الشيخ وكذا رواية
محمد بن مسلم وأيضا التعليلات التي ذكرها (عليه السلام) عامة والصيغ مطلقة فالأقرب ما ذهبنا نحن إليه. فرع: لو انقطع دمها ثم ولدت فإن كان
بين الانقطاع والولادة أقل الطهر فالمنقطع حيض وإن قصر ما بينهما عن أقل الطهر فليس بحيض لاشتماله قصور الطهر على أقله وهو أحد وجهي الشافعية
والثاني أنه يكون حيضا وإنما يعتبر الطهر الكامل بين دمي حيض لان الدم الثاني لا دلالة عليه إلا وجوده بعد الطهر الكامل وهنا دمان مختلفان
وعلى الثاني دلالة وهي خروج الولد ولو تقدمت الولادة وانقطع دمها على الأكثر ورأت دما بعد تخلل أقل الطهر كان حيضا وإن كان قبله لم يكن
حيضا وهو أحد وجهي الشافعية والثاني يكون حيضا لأنهما دمان مختلفان نفاس وحيض فلا يعتبر بينهما أقل الطهر. [البحث الثاني] في وقته،
* مسألة: ولأيام الحيض طرفا قلة وكثرة فأقل أيامه ثلاثة بلياليها وأكثره عشرة وهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال أبو حنيفة وسفيان
الثوري وأبو يوسف ومحمد ورواه الجمهور عن علي (عليه السلام) وعن علي (عليه السلام) وعمرو بن مسعود وابن عباس وعثمان بن أبي العاص الثقفي وأنس بن مالك وللشافعي
قولان أحدهما أن دم الحيض أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما وبه قال أبو ثور والثاني أن أقله يوم وأكثره خمسة عشر يوما وبه قال
داود وبالقولين روايتان عن أحمد وروي عنه ثالثة أن أكثره سبعة عشر يوما وقال سعيد بن جبير أكثره ثلاثة عشر يوما وقال مالك ليس لأقله
حد ولا كثره بل الحيض ما يوجد قل أو كثر والطهر كذلك وروي عن أبي يوسف رواية أخرى إن أقل الحيض يومان وأكثر الثالث. لنا: ما رواه
الجمهور عن واثلة بن الأسفع أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة ورووه عن أبي أمامة الباهلي عن النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه قال أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها وأكثره عشرة أيام وقال أنس قراة المرأة ثلاث أربع خمس ست سبع
ثمان تسع عشر ولا يقول ذلك إلا توقيفا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) قال أدنى الحيض
ثلاثة وأقصاه عشرة وروي في الصحيح عن صفوان بن يحيى قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن أدنى ما يكون من الحيض قال أدناه ثلاثة وأقصاه عشرة
وروي في الصحيح عن صفوان بن يحيى قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن أدنى ما يكون في الحيض قال أدناه ثلاثة وأبعده عشرة وروي عن الحسن بن علي بن زياد
الحزاز عن أبي الحسن (عليه السلام) قال أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة وروي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن أدنى ما يكون من الحيض
قال ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام وروي عن سماعة بن مهران قال قال فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى
الدم ما لم تجز العشر وروي
عن سماعة أيضا قال أكثر جلوسها عشرة أيام وأقله ثلاثة أيام لا يقال معارض ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
ان أكثر ما يكون الحيض ثمان وأدنى ما يكون منه ثلاثة لأنا نقول هذا خبر لم يذهب إليه أحد من المسلمين فيجب تأويله بالمحتمل وهو أمران أحدهما
أنه يكون المراد إذا كانت عادتها أن لا تحيض أكثر من ثمانية أيام ثم استحاضت حتى لا يتميز لها دم الحيض من الاستحاضة فإن أكثر ما تحتسب به من أيام
الحيض ثمانية أيام حسب ما جرت عادتها قبل استمرار الدم ذكره الشيخ في التهذيب الثاني يحتمل أنه أراد أكثر ما يكون الحيض ثمانية أيام فإن وقع العشرة
97

كما أن وقع الثلاثة كذلك بل الغالب وقوع الوسط وهو ثمانية أو سبعة أو ستة فيكون ذلك إشارة إلى بيان أكثر أيامه في الغالب لا مطلقا احتج الشافعي بأن النبي (عليه السلام)
قال دعى الصلاة يوم قرؤك من غير فصل بين عدد القليل والكثير وهذا يدل على أن أقل الحيض يوم واحد وعلى الكثرة بأنا لشهر في حق الآيسة و
الصغيرة أقيم مقام حيض وطهر فجعل العدة ثلاثة أشهر مكان ثلاثة قروء فينقسم عليها نصفين وأيضا فإنه غير محدود في الشريعة واللغة فيجب الرجوع
فيه إلى العرف والعادة وقد وجد حيضا معتادا يوما قال عطا رأيت من النساء من تحيض يوما وتحيض خمسة عشرة وقال أحمد بن حنبل حدثني
يحيى بن آدم قال سمعت شريكا يقول عندنا امرأة تحيض كل سنة خمسة عشر يوما وقال ابن المنذر قال الأوزاعي عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر
عشاء يرون انه حيض تدع له الصلاة وقال الشافعي رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه وأثبت لي عن نساء أنهن
لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام وذكر إسحاق بن راهويه عن بكير بن عبد الله المزني أنه قال تحيض امرأتي يومين وهذا يدل على أن أقل الحيض
يوم واحتجوا أيضا بما رووه عن علي (عليه السلام) أنه قال في صفة النساء أنهن ناقصات عقل ودين فقيل وما نقصان دينهن قال تلبث شر دهرها في بيتها لا تصلي وذلك يدل على
أن أكثر الحيض نصف الشهر واحتج مالك بأنه لو كان لأقله حد لكانت المرأة لا تدع الصلاة حتى يمضي ذلك الحد وأيضا قال الله تعالى فاعتزلوا
النساء في المحيض وذلك عام في الأقل والأكثر والجواب عن الأول: أنه ليس فيه تقدير بيوم بل فيه بيان بأنها لا تصلي في وقت الحيض ونحن
نقول به وعن الثاني: بالمنع من اعتداد الآيسة والصغيرة أو لا لما يأتي وثانيا لو سلم لم قلتم أنه لأجل قيام ثلاثة أشهر مقام ثلاثة أقراء بل
لعله أراد به الاستظهار فإن الاعتذار بالاقراء يحصل معه القطع بخلو الرحم أما بالأشهر فأوجب الأكثر من الأقراء للاستظهار وعن الثالث: إنما
قدمنا أنه محدود من حيث النقل عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث أبي أمامة وحديث واثلة وما رووه عن أكثر أصحاب كعلي (عليه السلام) وعمرو بن مسعود و
غيرهم ممن نقلن عنهم لهذا لا نعرف قياسا فالنقل عن واحد منهم كروايته عن النبي (صلى الله عليه وآله) وما رويناه عن أهل البيت (عليهم السلام) فكيف
يصح ادعاء عدم التقرير الشرعي وما نقلوه عن النساء فضعيف لا يعارض الأحاديث النبوية وآثار أهل البيت (عليهم السلام) وعن الرابع: أن الشطر لا يراد
به النصف ها هنا لعدم تطرق الحلف إلى كلامه (عليه السلام) فيحمل على ما يقارب النصف على أنهم أخذوا الشطر بالنسبة إلى الشهر فهو غير مذكور في كلامه (عليه السلام)
ولقائل أن يقول يجوز اعتباره بالنسبة إلى النسبة فإنها إذا لبثت عشرة حائضا وعشرة طهرا وهكذا حصل من ذلك مساواة ترك الصلاة لفعلها
في الأزمنة ويناسبه ان الدهر في اللغة الزمان الطويل وذلك لا يناسب الشهر وعن الخامس: بالمنع عن الملازمة في ذات العادة بناء على الغالب وبالتزامها و
بالمنع من إبطال الثاني في المبتدأ وسيأتي البيان وعن السادس: ان الآية مجملة من حيث المقدار وبيانه في حديث أبي أمامة وواثلة وأحاديث الأئمة (عليهم السلام) وقد تقدمت.
* مسألة: هل يشترط في ثلاثة أيام التوالي أم لا فيه للأصحاب قولان قال الشيخ في النهاية لا يشترط بمعنى أنها لو رأت الأول والثالث والخامس
مثلا لكان حيضا وقال في المبسوط والجمل يشترط التتابع وبه قال ابن بابويه والسيد المرتضى واتفق الفريقان على أنه يشترط كون الثلاثة
من جملة العشرة والقول الأول اختيار الحنفية احتج الشيخ على الأول بما رواه يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال فإذا رأت
المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت
وصلت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام فإن رأت في تلك العشرة أيام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى يتم له ثلاثة أيام فذلك
الذي رأته في أول الامر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة هو من الحيض وإن مر بها من يوم رأت الدم عشرة أيام ولم ترى الدم فذلك اليوم واليومان
الذي رأته لم يكن من الحيض إنما كان من علة وهذه الرواية مرسلة لا يعول عليها وروى الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أقل
ما يكون الحيض ثلاثة أيام وإذا رأت الدم قبل عشرة أيام فهي من الحيضة الأولى وإذا رأته بعد عشرة أيام فهي من حيضة أخرى مستقبلة وفي
طريقها ابن فضال وهو ضعيف مع عدم إفادتها المطلوب أو لا دلالة فيها على أن الحيضة الأولى أقل من ثلاثة أيام دلت على أن ما تراه في
العشرة فهو من الحيضة الأولى ونحن لا نسمي الدم حيضا إلا ما بلغ ثلاثة فصاعدا فمتى رأت الدم ثلاثا ثم انقطع ثم رأته في العشرة ولو تجاوز كان
الجميع حيضا وقد روى هذه الرواية أيضا من طريق حسن عن محمد بن مسلم ولم يظفر بحديث سوى ما ذكرناه فلنرجع إلى الأصل وهو شغل الذمة بالعبادة
المستفادة من الامر إلى أن يطهر المزيل. * مسألة: كل دم تراه المرأة ما بين الثلاثة إلى العشرة ثم ينقطع عليها فهو حيض ما لم يعلم
أنها لعذرة أو قرح ولا اعتبار باللون وهو مذهب علمائنا أجمع لا نعرف مخالفا لأنه في زمان يمكن أن يكون حيضا فيكون حيضا و
روى الجمهور عن عائشة أنها كانت تبعث إليها النساء بالدرجة فيها الكرسف فيها الصفرة والكدرة فتقول لا تعجلين حتى ترين القطنة البيضاء
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إذا رأت المرأة أقل من العشرة فهو من الحيضة الأولى
وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة وهو لفظ مطلق ليس فيه تخصيص بلون دون آخر وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال فإن خرج فيها شئ من الدم فلا تغتسل وروى عن سماعة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال قلت له المرأة ترى الطهر وترى
الصفرة والشئ لا تدري أطهرت أم لا قال فإن كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط وترفع رجلها على حائط كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد
98

أن يبول ثم تستدخل الكرسف فإذا كان به من الدم مثل رأس الذباب خرج دم فلم تطهر وإن لم يخرج فقد طهرت. * مسألة: أقل الطهر بين
الحيضتين عشرة أيام وهو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ولا حد لأكثره عند عامة علمائنا إلا من شذ كأبي الصلاح فإنه حده بثلاثة أشهر وقال مالك
والثوري والشافعي وأبو حنيفة أقل الطهر خمسة عشر قال أحمد أقله ثلاثة عشر يوما وقال أبو بكر أقل الطهر مبني على أكثر الحيض فإن قلنا أكثره
خمسة عشر فأقل الطهر خمسة عشر وإن قلنا أكثره سبعة عشر فأقل الطهر ثلاثة عشر وحكي عن يحيى بن أكثم ان أقل الطهر تسعة عشر يوما لان العادة
في المرأة في كل شهر حيضا وطهرا والشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوما وأكثر الحيض عشرة أيام فبقي أقل الطهر تسعة عشر يوما. لنا:
ما رواه الجمهور عن علي (عليه السلام) ان امرأة جاءته وقد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض طهرت عند كل قروء وصلت فقال علي
لشريح قل فيها فقال شريح إن جاءت بينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته فشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة فقال علي (عليه السلام) قالون و
معناه بالرواية جيد وهذا لا يقوله إلا توقيعا وهو قول أصحابي انتشر ولم يعلم خلافه فكان إجماعا؟ سكوتيا ولا يتقدر ذلك على تقدير أن
يكون أقل الطهر خمسة عشر يوما ثم يقول قد بينا أن أقل الحيض ثلاثة أيام فلا يتقدر ذلك أيضا إلا على تقدير أن يكون أقل الطهر عشرة أيام وأيضا
ما رواه من النبي (صلى الله عليه وآله) في بيان نقصان دين المرأة في الحديث الطويل يعقد أحديهن شطر دهرها لا تصوم ولا تصلي وقد بينا أن أكثر الحيض
عشرة أيام فأقل الطهر ما يساويه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لا يكون القروء في أقل من عشرة و
أراد أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم وروي عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أدنى الطهر عشرة أيام وما رواه
في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إذا رأت الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيض الأولى وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة
وما رواه الشيخ عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في امرأة ادعت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض فقال
كلفوا نسوة من بطانتها أن حيضها كان فيما مضى على ما ادعت فإن شهدت صدقت وإلا فهي كاذبة احتج الجمهور بما روي عن عطاء بن يسار وإبراهيم النخعي
أنهما قالا أقل الطهر خمسة عشر يوما وليس ذلك إلا عن توفيق والجواب يجوز أن يكون إنما صار إليه عن اجتهاد فإن الشهر عندهم ينقسم إلى
الطهر والحيض وقد أفتيا بأن أكثر الحيض خمسة عشر فلزم مساواة أقل الطهر ونحن لما بينا كمية أكثر الحيض بطل هذا التقدير على أن قولهما معارض
بقول علي (عليه السلام) وهو الحجة. * مسألة: ألوان الدماء ستة السواد الخالص والبياض الخالص والحمرة والصفرة والخضرة والكدرة، فالسواد دم حيض
إجماعا، واما البياض فليس بحيض إجماعا، اما الحمرة فقد روى أبو حنيفة انها في أيام الحيض حيض وهو مذهبنا أيضا. وأما الصفرة فكذلك على رأينا ورأى
أبي حنيفة وقال أبو يوسف الصفرة حيض والكدرة ليس بحيض إلا أن يتقدمها دم وقال داود ان الصفرة والكدرة ليسا حيضا وقال أبو بكر الإسكاف
إن كانت الصفرة على لون القز فهي حيض وإلا فلا وقال آخرون إن كانت الصفرة أقرب إلى البياض فليس بحيض وإن كانت أقرب إلى الحمرة فهي حيض
واما الكدرة فعلى قول أبي حنيفة ومحمد يكون حيضا في الأحوال كلها تقدم أو تأخر وقال أبو يوسف إن خرج عقيب الدم كان حيضا و
إن تقدم لم يكن حيضا واما الخضرة فالخلاف فيها كالكدرة وقد تلخص من هذا ان الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وهو قول يحيى الأنصاري
وربيعة ومالك والثوري والأوزاعي و عبد الرحمن بن مهدي والشافعي وإسحاق وقال أبو يوسف وأبو ثور لا يكون حيضا إلا أن يتقدمها
دم أسود لنا: قوله تعالى: (ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى) وهو يتناول الصفرة والكدرة وفي حديث عائشة لا تعجلين حتى ترين القطنة البيضاء
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كل ما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض
وكل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيامها فقال
لا تصل حتى ينقضي أيامها فإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت وروي في الحسن عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المرأة ترى الصفرة
قال إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض وإن كان بعد الحيض بيومين فليس منه وروي عن علي بن أبي حمزة قال سأل أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر عن المرأة ترى الصفرة فقال ما كان قبل
الحيض فهو من الحيض وما كان بعد الحيض فليس منه وفي طريقه علي بن أبي حمزة وفيه ضعف وروى ابن يعقوب في كتابه عن إسماعيل الجعفي عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيام عدتها لم تصل وإن كانت صفرة بعد انقضاء أيام قروءها صلت وفي الطريق علي بن
محمد وفيه ضعف وروي عن معاوية بن حكم قال قال المصفرة قبل الحيض بيومين من الحيض وبعد أيام الحيض ليس من الحيض وهي في أيام الحيض حيض
وروى ابن يعقوب عن داود مولى أبي المعزا عمن أخبرنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت المرأة يكون حيضها سبعة أيام وثمانية أيام حيضها دائم مستقيما (مستقيم)
ثم تحيض ثلاثة أيام ثم ينقطع عنها الدم فرأى البياض لا صفرة ولا دما قال تغتسل وتصلي وتصوم أحتج المخالف بحديث أم عطية قالت كنا لا نعتد
بالصفرة والكدرة بعد الغسل والجواب: أنه إنما يتناول ما بعد الظهر والعصر والاغتسال ونحن نقول به. * مسألة: قد ذكرنا أن طرف القلة حده
الثلاثة وحد الكثرة العشرة فما زاد على العشرة فليس بحيض كما أن ما نقص عن الثلاثة غير حيض واعلم أن
المرأة أما أن تكون ذات عادة أو مبتدأة
وذات العادة أما أن تكون مستقيمة أو مضطربة وأيضا فهي اما ذات تميز أولا فالأقسام الأول أربعة الجامعة لو صفى العادة والتميز والفاقدة
99

لهما وذات العادة الخالية عن التميز وبالعكس الأول إذا اتحد زمانا العادة والتميز فلا بحث فيه إذ قد اتفقت العادة والتميز على الدلالة فيعمل بهما ولا نعرف فيه مخالفا
من أهل القبلة وإن اختلف الزمان مثل إن رأت في أيام العادة صفرة وما قبلها أو بعدها أسود فإن لم يتجاوز المجموع العشرة فالجميع حيض وإن تجاوز قال
الشيخ في المبسوط والجمل ترجع إلى العادة واختاره السيد المرتضى والمفيد وأتباعهم هو إحدى الروايتين عن أحمد وبه قال أبو حنيفة والثوري وأبو علي بن
حسران عن الشافعية وأبو سعيد الإصطخري منهم وهو الصحيح عندي وقال في النهاية يرجع إلى التميز وهو ظاهر مذهب الشافعي والرواية الأخرى عن أحمد
وبه قال من الشافعية أبو العباس وأبو إسحاق وبه قال الأوزاعي ومالك. لنا: ما رواه الجمهور أن النبي (صلى الله عليه وآله) وأم حبيبة والمرأة التي استفتت لها
أم سلمة إلى العادة ولم يستفصل ولم يفرق بين كونها ذات تميز أو غيرها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال قلت له ان الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة قال تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين ولم يفرق
بين ذات التميز وغيرها وروي عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال وكل ما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو
من الحيض وكل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض وروي عن الحسين بن نعيم الصحاف عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال فإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أوفي الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة فلتمسك عن الصلاة
عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها وروى عباس عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال المستحاضة تقعد أيام قروئها ثم تحتاط بيوم
أو يومين فإن رأت طهرا اغتسلت وإن لم تر طهرا اغتسلت واحتشت ولا يزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر أعادت الغسل وروي في الصحيح عن
محمد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سألته عن الطامث كم حد جلوسها فقال ينتظر عدة ما كانت تحيض ثم تستظهر بثلاثة أيام
ثم هي مستحاضة ومثله رواه في الحسن وروي عن يونس عن غير واحد سألوا أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحيض والسنة في وقته فقال إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) سن في الحيض ثلاث سنين وذكر الحديث إلى أن قال فاطمة بنت أبي جيش استحاضت فأتت أم سلمة فسألت رسول الله
(صلى الله عليه وآله) في ذلك فقال تدع الصلاة قدر أقراءها وقدر حيضها قال أبو عبد الله (عليه السلام) بعد حديث طويل وهذه سنة التي تعرف أيام
أقراءها لا وقت لها إلا أيامها قلت أو كثرت ولان العادة أقوى في الدلالة لكونها لا تبطل دلالتها واللون يبطل مع زيادته على أكثر الحيض
وما لا تبطل دلالة أقوى احتج المخالف بما روته عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله (عليه السلام) فقالت يا رسول
الله أتى امرأة استحاضت فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وآله إنما ذلك عرق فإذا كان الدم دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فامسكي
عن الصلاة وإن كان الآخر فتوضأ فإنما عرق وقال ابن عباس أما ما رأت الدم البحراني فإنها دع الصلاة ولان صفة الدم امارة والعادة زمان منتقض
ولأنه خارج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالسن واحتج الشيخ على مذهبه في النهاية بما رواه في الحسن عن حفص بن البختري قال دخلت
على أبي عبد الله (عليه السلام) امرأة سألته عن المرأة تستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره قال فقال لها ان دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة
ودم الاستحاضة أصفر بارد فإذا كان للدم حرارة دافع وسواد فلتدع الصلاة والجواب عن الأول: أنه قد روي لغيره هذه الصورة وهو ردها فيه
إلى العادة فتعارض الروايتان فبقيت الأحاديث الباقية خالية عن المعارض على أنها قضية عين وحكاية حال لا عموم لها فيحتمل أنها أخبرته أنه
لا عادة لما أو علم ذلك من غيرها أو من قرينة حالها وعن الثاني: ان دلالة العادة أقوى لما بيناه فيجب الرجوع إليها وهو الجواب عن الثالث
وعن الرابع احتمال أن يكون المرأة لا عادة لها إذ ليست الصيغة للعموم فلا ترجيح حينئذ فلا معارضة. [القسم الثاني] وهو ما يكون المرأة
فيه فاقدة للوصفين وهي المبتدأة إذا استمر بها الدم على حال واحدة فإن انقطع العشرة فما دون فما فوق الثلاثة فهو حيض وإن تجاوزت
رجعت إلى عادة نسائها كالأم والأخت والعمة والخالة فإن لم يكن لها نساء أو كن مختلفات قال في المبسوط ترجع إلى أقرانها من بلدها فإن لم يكن
لها أقران أو اختلفن رجعت إلى الروايات الآتية قال في الخلاف ترجع بعد فقد نسائها إلى الروايات وأسقط اعتبار الاقران وبمثله قال السيد
المرتضى وابن بابويه وبانتقالها إلى عادة نسائها قال مالك في إحدى الروايات ترد إلى غالب عادة النساء ست أو سبع وهو أحد قولي الشافعي
وفي الآخر؟ تزده إلي قال الحيض؟ ويقضي صلاة الأكثر فإنها ترك الصلاة إلى أكثره وبه قال أحمد في إحدى الروايات وأبو ثور وزفر وقال مالك
تقعد عادة أقرانها وتستظهر بثلاثة أيام وقال أبو حنيفة تحيض أكثر الحيض وهو رواية عن مالك وعن أحمد قال أبو يوسف يأخذ في الصوم والصلاة
بالأقل وفي وطئ الزوج بالأكثر. لنا: أن الحيض دم حبله وخلصه وفي الغاب تساوي المرأة ولام باقية؟ فيعمل بالغالب لأنه كالامارة فصار
كالتميز وأيضا روى الشيخ عن أحمد بن محمد رفعه عن زراعة عن سماعة قال سألته عن جارية حاضت أول حيضها قدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف
أيام أقراؤها قال أقرؤها مثل أقراء نساءها وإن كن نسائها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام وأقله ثلاثة أيام وهذه الروايات مع قطع
سندها ضعيفة فإن زرعة وسماعة واقفيان وأيضا فإن سماعة لم يسندها عن إمام إلا أن الأصحاب تلقيها بالقبول وروى الشيخ عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال يجب استحاضة ينظر بعض نسائها فيقتدي بأقرانها ثم تستطهر على ذلك بيوم وفي طريقها علي بن فضال
100

وهو فطحي إلا أن الأصحاب شهدوا له بالثقة والصدق وأما الرجوع إلى الاقران فشئ ذكره الشيخ في بعض
كتبه ولم يقف منه على أثر ويمكن أن يقال أن
الغالب إلتحاق المرأة بأقرانها في الطبع ويدل عليه من حيث المفهوم ما رواه يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أدنى الطهر عشرة أيام
وذلك أن المرأة أول ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم فيكون حيضها عشرة أيام فلا يزال كلما كبرت نقصت حتى يرجع إلى ثلاثة أيام فإذا رجعت
إلى ثلاثة أيام ارتفع حيضها ولا يكون أقل من ثلاثة أيام فقوله (عليه السلام) كلما كبرت نقصت دال على توزيع الأيام على الأعمار غالبا وذلك
يؤيد ما ذكره الشيخ وأما السيد المرتضى وابن بابويه فقد استدلا على الرجوع إلى الروايات من دون توسط الاقران بما رواه الشيخ في الموثق
عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلى عشرين
يوما فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة وصلت سبعة وعشرين يوما وروي عن يونس عن غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن
امرأة يقال لها حمينة بنت جحش أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت إني استحضت حيضة شديدة فقال احتشي كرسفا فقالت إنه أشد من ذلك إني
أثجه ثجا فقال لها تلجمي وتحيض في كل شهر في علم الله تعالى ستة أيام أو سبعة أيام قال أبو عبد الله (عليه السلام) وهذه سنة التي استمر به الدم أما؟ تر؟
والأولى عندي ما ذكره السيد المرتضى. فروع: [الأول] المتبدأة إذا قعدت النساء المتفقات والمضطربة أعني التي لم يستقر لها عادة لا في
الوقت ولا في العدد وإذا استمر بها الدم ولا تميز تتركان الصوم والصلاة في كل شهر ستة أيام أو سبعة وتغتسل وهو اختيار الشافعي في أحد قوليه
وأحمد في إحدى الروايتين عنه وقال بعض أصحابنا تترك الصلاة والصوم في كل شهر أقل أيام الحيض وهو الرواية الأخرى لأحمد والقول الآخر للشافعي
وقال بعض أصحابنا تجلس أكثر أيام الحيض وهو مذهب أبي حنيفة وهو قول ثالث لأحمد وقال بعض أصحابنا تترك الصلاة في الشهر الأول أقل أيام الحيض
وفي الثاني أكثره وقال آخرون بالعكس ومنهم من يقول تترك الصلاة في كل شهر سبعة أيام ومنهم من يقول ستة أيام ومنهم من يقول تعد
عشرات عشرة حيضا وعشرة طهرا وهكذا إلى أن تستقر لها عادة. لنا: ما رواه الجمهور والأصحاب عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث خمينة
بنت جحش وقد تقدم ولان غالب النساء هكذا تحيض فيلحق هذه بالأعم الأغلب لأرجحيته كما رددناها إليهن في حصول كل حيضة
في كل شهر وأما القائلون بأنها تحيض بالأكثر فقال إنها زمان الحيض وقد رأت فيه الدم فيكون حيضا كالمعتادة والقائلون بأنها تجلس
في الشهرين الأكثر والأقل احتجوا بأنه المتوسط بين الأكثر والأقل وبما رواه الشيخ عن عبد الله بن بكير قال في الجارية أول ما تحيض يدفع
عليه الدم فتكون مستحاضة انها تنتظر الصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله
المستحاضة ثم
صلت فمكثت تصلي بقية شهرها ثم تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة وتجلس أقل ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيام
فإن دام عليها الحيض صلت في وقت الصلاة التي صلت وجعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر وتركها للصلاة أقل ما يكون من
الحيض وروي عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر الدم تترك الصلاة عشرة أيام ثم تصلي
عشرون يوما فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين يوما والقائلون بأنها تقعد الأقل قالوا ان الذمة مشغولة
بالصلاة فيعمل بالمتيقن في الحيض احتياطا للعبادة والجواب عن الأول بالمنع من كونه زمان الحيض مع الاستمرار وعن الثاني بأن روايته ضعيفة
فإن عبد الله بن بكير فطحي وفي الأول لم يسندها إلى الامام فكانت أضعف وعن الثالث بالمنع من شغل الذمة في الأصل إذ البراءة الأصلية
ثابتة ما لم يظهر الشاغل فكان الأصل معارضا للأصل الثاني قيل إن المراد بقوله (عليه السلام) ستة أو سبعة الرد إلى اجتهادها ورأيها فيما
تغلب على ظنها انه أقرب إلى عادتها أو عادة نسائها أو ما يكون أشبه بلونه وقيل المراد التخيير لان حرف أو موضوع له والأقرب الأول وإلا
لزم التخيير في اليوم السابع بين وجوب الصلاة وعدمها ولا تخير في الواجب لمنافاته له وقولهم أما موضوعة لتخيير معارض بأنها موضوعة للتفصيل
والشك والابهام والأخيران غير مرادين فيبقى أما التخيير أو التفصيل والأول لا يصح إرادته لما بيناه فتعين الثاني. [الثالث] حكم المتخيرة
حكم المبتدئة والمضطربة والمراد بها من كانت لها عادة إلا أنها نسيتها عدد ووقتا فإنها تجلس ستة أو سبعة وهو قول أحمد وقال أيضا تجلس
أقل الحيض وقال الشيخ تفعل ثلاثة أيام في أول الشهر ما تفعله المستحاضة وتغتسل فيما بعد لكل صلاة وصلت وصامت شهر رمضان وقد روى أنها
تترك الصلاة في كل شهر سبعة أيام وتصلي وتصوم وقال الشافعي لا حيض لها بيقين وجميع زمانها مشكوك فيه تغسل لكل صلاة وتصوم
وتصلي وهو يقارب قول الشيخ. لنا: ما رواه الجمهور والخاصة وحديث حمينة بنت جحش عن النبي (صلى الله عليه وآله) ولم تستفصلها هل
من مبتدئة أو ناسية ولأنها لا عادة لها ولا تميز فأشبهت المبتدأة احتج الشافعي بأن هذه لها أيام معروفة فلا يمكن ردها إلى غيرها
فجميع زمانها مشكوك فيه وبما روته عائشة عن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت النبي (صلى الله عليه وآله) فأمر أن تغتسل لكل صلاة
والجواب عن الأول: لا نسلم أنها كانت ذات أيام معروفة لكن تلك المعرفة قد زالت فصار وجودها كالعدم. وعن الثاني أن الامر يحتمل
101

الندبية على أنه إنما روي عن الزهري وأنكره الليث بن سعد فقال لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أم حبيبة أن تغتسل لكل صلاة
ولكنه شئ فعلته هي. [الرابع] هذه والمضطربة والمبتدئة التخير في الأيام أيها شاءت جعلتها أيام حيضها لان التخصيص بعد الأزمنة هنا
ترجيح من غير مرجح وقيل أنها تحيض في أول الشهر لقوله (ع) وتصلي عشرين يوم ثم قال وتصلي سبعة
وعشرين يوما ولا دلالة فيه إذ مع اختيارها
للثلاثة الأخيرة مثلا تصلي سبعة وعشرين يوما وكذا لو اختارت الوسطى. [الخامس] إذا رويناها إلى الثلاثة دائما أو في أحد الشهرين فالثلاثة
حيض بيقين والزائد عن العشرة طهر بيقين وما بين الثلاثة إلى العشرة هل هو طهر بيقين أو مشكوك فيه؟ فيه احتمال فعلى الأول لا تحتاط
في الأيام الزائدة على العادة وذات التميز بعد وجود اللون الضعف وعلى الثاني: تحتاط فلا يقربها زوجها وتصلي ولا تقضي صلاتها لأنها إن كانت
حائضا فلا قضاء وإن كانت طاهرا فقد صلت وتصوم وتقضي. [السادس] لو رويناها إلى الستة والسبعة فثلاثة حيض بيقين وما زاد على
العشرة طهر بيقين وما زاد على الثلاثة إلى الستة والسبعة هل هو حيض بيقين أو مشكوك فيه؟ يحتمل الأول كالمعتاد في أيام عادتها وذات
التميز في لون الدم القوي. والثاني: يستعمل فيه الاحتياط بأن يقضي صلاة تلك الأيام وما زاد على الستة والسبعة إلى العشرة هل هو طهر بيقين
أو مشكوك فيه؟ فيه الاحتمالان. [السابع] لو اتفق لها ذلك في رمضان قضت صوم عشرة احتياطا وكذا المبتدئة والمضطربة إذا فقدتا
التميز قاله علماؤنا والأقرب عندي انها تقضي أحد عشر يوما. [القسم الثالث] ذات العادة الفاقدة للتميز أي كون دمها على لون
واحد أو يكون مختلفا ولم يستجمع شرائط التميز الآتية قال أهل العلم أنها ترجع إلى العادة عدا مالكا فإنه لم يعتبر العادة بل التميز فإن فقد
استظهرت بعد زمان عادتها بثلاثة أيام. لنا: ما رواه الجمهور عن أم سلمة أنها كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال لتنظر الأيام والليالي التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا حصلت عند ذلك فلتغتسل
ثم لتستر بثوب ثم لتصلي وما روته أم حبيبة أنها سألت النبي صلى الله عليه وآله عن الدم فقال احتشي امسكي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي
وصلي وروى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتتوضى عند كل
صلاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن حريز عن أبي عبد الله (ع) قال فإن الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة
كيف تصنع بالصلاة قال تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين ما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال المستحاضة
تنظر أيامها ولا تصلي فيها ولا يقربها بعلها فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر وروي في الصحيح عن ابن
سنان عن أبي عبد الله (ع) عن المستحاضة قال فلا بأس أن يأتيها بعلها متى شاء إلا في أيام حيضها فيعزلها زوجها واحتج مالك بحديث فاطمة بنت
أبي حبيش عن النبي صلى الله عليه وآله أنه ردها إلى التميز وقد تقدم. الجواب عنه: مع أنه لا حجة فيه على ترك العادة فيمن لا تميز لها. * مسألة:
وتثبت العادة بأن يتوالى على المرأة شهران ترا فيهما الدم أياما سواء لا زيادة فيها ولا نقصان وذهب الشافعي وأبو العباس وأبو إسحاق من
الشافعية إلى أنها تثبت بمرة واحدة وذهب أبو حنيفة وبعض الشافعية إلى أنها تثبت بمرتين كما قلناه وهو اختيار أحمد في إحدى الروايتين
عنه وروي عنه أنها لا تثبت إلا بثلاثة مرات وقال بعض الشافعية تثبت في المبتدئة بمرة ولا تنتقل العادة بمرة ولو كانت عادتها عشرة ثم انها رأت
في شهر خمسة ثم استحيضت ردت إلى العشرة لتأكد حكم العشرة بالتكرار فلا يسقط حكمها إلا بما يساويها في القوة. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال دعي الصلاة أيام أقراءك ولا يصدق الجمع على الواحد إجماعا وعن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران
قال سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر اليومين وفي الشهر ثلاثة واختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء قال فلها
أن تجلس تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيامها والسماعة واقفي والراوي عنه عثمان بن عيسى وهو واقفي أيضا غير أن الأصحاب
تلقيها بالقبول وما رواه الشيخ عن يونس عن غير واحد سألوا أبا عبد الله (ع) فقال إن فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت فأتت أم سلمة فسألت
رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك فقال تدع الصلاة قدر أقرائها وقد قلنا إن الجمع لا يصدق على الواحد وروى الشيخ عن فضيل وزرارة عن أحدهما
(ع) قال المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها وما رواه الشيخ عن مالك بن أعين قال سألت أبا جعفر (ع) عن المستحاضة كيف يغشيها
زوجها قال ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها وحيضتها مستقيمة فلا يقربها في عدة تلك الأيام والاستقامة إنما يكون بمعاودة المرة الثانية على حد و
المرة الأولى ولان العادة مأخوذة من المعاودة والمعاودة لا تصدق بالمرة الواحدة وصدق المشتق يستدعي صدق المشتق منه قطعا ضرورة
توقف صدق الكل على صدق الجزء احتج الشافعي بأن النبي صلى الله عليه وآله قال للمرأة التي تهراق الدماء لتنظر عدة الأيام والليالي التي كانت
تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر ردت إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة ولان ذلك أقرب إليها فوجب
ردها إليه والجواب: أن الحديث حجة. لنا: لأنه قد ينظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر ولا يقال لمن فقد شيئا مرة واحدة
كان يفعل ولأنه ليس بصريح في الاقتصار على المرة فلا يعارض ما ذكرناه. فروع: [الأول] إذا عرقت المرأة شهرها صارت ذات عادة
102

وهو إجماع أهل العلم كافة والمراد بشهر المرأة المدة التي فيها حيض وطهر وأقله ثلاثة عشر يوما عندنا وهذا مبني على أقل الحيض وأكثر الطهر والقائلون
بأن أكثر الطهر خمسة عشر وأقل الحيض يوم فاقصر شهرها ستة عشر يوما ولو عرفت أيام حيضها ولم تعرف أيام طهرها أو بالعكس فليست معتادة
لكنها متى جهلت شهرها رددناها إلى الغالب فحيضتاها في كل شهر حيضة. [الثاني] لا يشترط في استقرار العادة استقرار عادة الطهر. لنا: قوله
(ع) تدع الصلاة أيام أقرائها فلو رأت في شهر خمسة ثم رأت طهرا بقية الشهر ثم رأت في الآخر مرتين بعدد تلك الأيام بينهما عشرون وفي الثالث
بالعدد بينهما أقل استقرت العادة. [الثالث] لا يشترط التساوي في الوقت فإن العادة تتقدم وتتأخر بالوجدان أو لان الحديث دال على ترك
الصلاة بقدر الأقراء. [الرابع] لا يشترط في العادة تكثر الأشهر فلو رأت خمسة في شهر ثم فيه خمسة أخرى صار ذلك عادة في الشهر الثاني
إذا استمرت تحيضت فيه بالخمستين ولو رأت خمسة وخمسين طهر ثم خمسة في أول الثالث ثم خمسة وخمسين طهرا استقرت
عادتها بخمسة حيضا وبخمسة وخمسين طهرا وذلك لان العادة مأخوذة من المعاودة. [الخامس] لو اتفق العدد والوقت في المرة الثانية
مع الأولى صار عادة أما العدد فظاهر وأما الوقت فلقول أبي عبد الله (ع) وهذه سنة التي تعرف أيام أقرائها لا وقت لها إلا أيامها قلت أو
كثرت. [السادس] العادة تثبت بالتميز فإذا رأت في الشهرين الأولين خمسة أيام دما أسود وباقيها أحمر ثم رأت في الثالث دما
منهما تحيضت بالخمسة. لنا: ان المبتدأة ترجع إلى التميز لما يأتي فتحيض به فإذا عاودها صار عادة فوجب الرجوع إليه في الثالث ولا يعرف
فيه خلافا. [السابع] لو رأت المبتدأة في الشهر الأول عشرة وفي الثاني خمسة صارت الخمسة عادة لتكررها فإنها موجودة في العشر ولو
انعكست فكذلك ويحتمل فيها أن لا يكون لها عادة لأنها لم تجد فيها أياما سواء. * مسألة: والعادة أما متفقة واما مختلفة فالمتفقة: أن يكون
أيامها متساوية كأربعة في كل شهر فإذا تجاوز الدم العشرة في شهر تحيضت بأربعة خاصة. وأما المختلفة: فأما أن تكون مترتبة أو لا فالمترتبة
كالمتفقة كما إذا رأت في الشهر الأول ثلاثة وفي الثاني أربعة وفي الثالث خمسة ثم عادت إلى ثلاثة ثم إلى أربعة ثم إلى خمسة وهكذا صار ذلك
عادة فإذا تجاوز الدم في شهر العشرة تحيضت بنوبة ذلك الشهر ثم على ثالثة على العادة ولو نسيت نوبته فالحق عندي أنها تجلس أقل
الحيضتين ولو شكت في أنه أحد الأخيرين حيضتاها بأربعة لأنها اليقين ثم تجلس في الأخيرين ثلاثة ثلاثة لاحتمال أن يكون ما حيضتاها
بالأربع فيه شهر الخمسة فالثاني له ثلاثة ويحتمل أن يكون شهرا لأربعة فالثاني لثلاثة شهر الثلاثة أما في الرابع فتحيض بأربع ثم يعود
إلى الثلاثة وهكذا إلى وقت الذكر وهل يجزيها غسل واحد عند انقضاء المدة التي حاسبها قيل نعم لأنها كالناسية إذا جلست أقل الحيض لان
ما زاد على اليقين مشكوك ولا وجوب مع الشك إذ الأصل براءة الذمة والوجه عندي وجوب الغسل يوم الرابع والخامس معا لان يقين الحدث
وهو الحيض قد حصل وارتفاعه بالغسل الأول مشكوك فيه فتعمل باليقين مع التعارض ولأنها في اليوم الخامس يعلم وجوب الغسل عليها
في إحدى الأيام الثلاثة وقد حصل الاشتباه وصحة الصلاة متوقفة على الغسل فيجب كالناسي لتعيين الصلاة الفائتة وبهذا ظهر الفرق بينهما
وبين الناسية إذ تلك لا يعلم لها حيضا زائدا على ما جلسته وهذه عالمة فوقف صحة صلاة هذه على الطهارة الثانية بخلاف الأولى وتتحيض
في رمضان بثلاثة وتقضي يومين وإن لم تكن مرتبة مثله إن رأت في الأول وفي الثاني خمسة وفي الثالث أربعة فإن أمكن ضبطه واعتباره
فهو كالمتفق وإلا جلست الأقل وقيل تجلس الأكثر كالناسية وهو خطأ إن هذه تعلم وجوب الصلاة في اليوم الرابع والخامس أو الرابع في أحد
الأشهر بخلاف تلك التي علم حيضها يقينا والأصل بقاؤه فار كالصلاة المنسي بعينها. فرع: لو رأت الدم في الشهر الأول سبعة ثم في
الثانية ستة ثم في الثالث خمسة كان الأقل حيضها لحصوله في الشهرين الأولين وما زاد عليه لا يكون حيضا في الرابع لعدم تكراره هذا عند
من يشترط في العادة التكرار ثلاثا أما نحن فنحن هذا البحث في شهرين أيضا وإن جاء في الشهر الرابع ستة صار ذلك عادة لثبوته. * مسألة: ذات
العادة ان انقطع دمها على عادتها فلا استظهار حينئذ وإن استمر زائدا على العادة وهي أقل من عشرة قال الشيخ في النهاية تستظهر بعد العادة
تترك العبادة بيوم أو يومين وبه قال ابن بابويه والمفيد وقال المرتضى تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام فإن استمر عملت ما تعمله
المستحاضة وقال في الجمل تدخل قطنة فإن خرجت ملوثة فهي بعده حائض تصبر حتى تنقى وقال مالك صاحبة العادة إذا استمر به الدم فثلاثة
أيام من الزيادة على العادة يلحق بأيامها استظهارا ثم ما بعده طهر * * * خالف باقي الجمهور في الاستظهار واقتصروا على العادة خاصة والأقرب
عندي الأول. لنا: على الاستظهار وقضاء العادة بزيادة الأيام ونقصانها يوما ويومين فنقول هذا دم في وقت يمكن أن يكون حيضا
وغلب على الظن ذلك فوجب الاستظهار وما يذكره من الروايات الدالة على الأول وأما ما يدل على قدر الاستظهار فما رواه الشيخ عن زرارة
عن أبي جعفر (ع) قال سألته عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع قال تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة فلتغتسل وفي الطريق
أبو بكر وفيه قول وما رواه عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) قال المستحاضة تقعد أيام قروئها ثم يحتاط بيوم أو يومين وما رواه
الشيخ في الصحيح عن ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (ع) فقال سألته عن الحائض كم تستظهر فقال تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة وروي
103

عن سعيد بن يسار قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة تحيض ثم تطهر وربما رأت بعد ذلك الشئ من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها
فقال تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة ثم تصلي ومن طريقها عثمان بن عيسى وهو واقفي وروي في الصحيح عن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا
(ع) قال سألته عن الطامث كم حد جلوسها فقال شطر عدة ما كانت تحيض ثم تستظهر بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة وروي عن المغربي عمن
أخبره عن أخيه وعن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن المرأة تحيض ثم يمضي وقت طهرها وهي ترى الدم قال فقال تستظهر بيوم إن كان حيضها
دون العشرة أيام فإن استمر الدم فهي مستحاضة وإن انقطع الدم اغتسلت وصلت وروي عن سماعة الاستظهار بثلاثة أيام وقد مضى في الحبلى و
روي عن فضيل وزرارة عن أحدهما (ع) قال المستحاضة تكف عن الصلاة أيام قرئها وتحتاط بيوم أو يومين
وروي عن زرارة عن أبي
جعفر (ع) قال المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين احتج السيد المرتضى بما رواه الشيخ عن عبد الله بن المغيرة عن رجل عن أبي عبد الله (ع)
في المرأة ترى الدم قال إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة وإن كانت أيامها عشرة لم تستظهر وبما رواه في الصحيح عن يونس بن يعقوب
قال قلت لأبي عبد الله (ع) امرأة رأت الدم في حيضها حتى جاوز دمها متى ينبغي لها أن تصلي قال تنتظر عدتها التي كانت تجلس ثم تستظهر
بعشرة أيام فإن رأت الدم صبيبا فتغتسل في كل صلاة والجواب عن الأول: بالطعن في السند فإن في الطريق أحمد بن هلال وهو ضعيف وبالتأويل
المحتمل وهو أن تكون عادتها ثمانية أيام أو تسعة جمعا بين الأدلة وهو الجواب الثاني على أن ما ذكرناه أحوط للعبادة فيكون أولى احتج
مالك بأن الحيض يزداد وينقص فإذا كثرت الزيادة لم يمكن جعله كله حيضا لعلمنا أنه عن آفة لكن لا بد من إلحاق زيادتها والثلاث عدد معتبر وهو
جمع صحيح فينبغي هذا أيامها ثم تحكم بطهرها وهذا الكلام ضعيف جدا ولا يخرج وجهه. فروع: [الأول] الاستظهار المذكور ليس على الوجوب لما
رواه الشيخ عن مالك بن أعين عن أبي جعفر (ع) قال: لا يقربها في عدة تلك الأيام من الشهر ويقربها فيما سوى ذلك من الأيام وما رواه عن ابن
أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال المستحاضة إذا مضت أيام حيضها اغتسلت واحتشت كرسفها وفي رواية إسحاق بن حريز الصحيحة تجلس
أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاة ويلوح من كلام الشيخ في بعض كتبه والسيد المرتضى الوجوب. [الثاني] لو استظهرت بيوم أو يومين وتجاوز
الدم العشرة كان ما أتت به من الأغسال والصلوات فيما بعد الاستظهار مجزيا للعلم بأنه دم فساد لو أنقطع على العشرة قضيت الصيام الماضي للقطع
بأنه دم حيض ثم اغتسلت للانقطاع. [الثالث] لو تجاوز مع الاستظهار وهل يجب قضاء الصلاة التي فاتت في وقت الاستظهار أم لا
الوجه القضاء لأنا علمنا بعد ذلك فساد ما رأته في زمن الاستظهار والاستظهار وإنما أمر به لتجويز أن يكون حيضا فمع العلم بعدمه كان الوجه
القضاء. [الرابع] قد ورد الاستظهار في الحديث الصحيح بثلاثة أيام وقد بيناه فيما مضى وورد بيوم أو يومين فهل المراد التخيير الوجه لا لعدم
جواز التخيير في الواجب بل التفصيل اعتمادا على اجتهاد المرأة في قوة المزاج وضعفه الموجبين لزيادة الحيض وقلته. [الخامس] لو انقطع
لدون العشرة فلا استظهار حينئذ إذ المقتضى للعمل بالعادة موجود وهو النص والموجب للاستظهار وهو سيلان الدم مفقود مع أن الاحتياط
يقتضي عدم الاستظهار ثم يستدخل قطنة فإن خرجت نقية فهي قاهرة وإلا صبرت حتى تنقى يومين أو ثلاثة على ما مر. [القسم الرابع] الفاقدة
للعادة ذات التميز كالمضطربة والمبتدئة والناسية فإنها ترجع إليه وهو مذهب علمائنا وبه قال الشافعي وأحمد ومالك وقال أبو حنيفة لا
اعتبار بالتميز. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة في حديث فاطمة بن أبي حبيش قالت يا رسول الله إني استحاض فلا أطهر فقال النبي صلى الله عليه وآله
إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغتسلي عنك الدم وصلي قال ابن عباس أما ما رأت الدم البحراني فإنها تدع الصلاة
وفي حديث آخر عن فاطمة بنت أبي حبيش فإذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فامسكي عن الصلاة وإن كان الآخر فتوضأي و
من طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع) فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة
في الصحيح عن إسحاق بن حريز عن أبي عبد الله (ع) دم الحيض ليس فيه خفاء هو دم حار تجد له حرقة ودم الاستحاضة دم فاسد بارد وما رواه يونس
عن غير واحد عن أبي عبد الله (ع) في حديث فاطمة بنت أبي حبيش قال أبو عبد الله (ع) فإذا جهلت الأيام وعددها فالنظر حينئذ إلى إقبال الدم وإدباره
وتغير لونه ثم تدع الصلاة قال وكذا أبي عبد الله (ع) أفتى في مثل هذا وذلك إن امرأة من أهلنا استحاضت فسألت أبي عبد الله (ع) عن ذلك فقال إذا رأيت
البحراني فدعي الصلاة ومعنى البحراني الشديدة الحمرة والسواد يقال بحراني وباحرى أو ليست " الياء " للنسبة كذا قاله ابن الأعرابي في نوادره احتج
أبو حنيفة بأن النبي صلى الله عليه وآله قال للمرأة التي استفتت لها أم سلمة لتنظر عدة الأيام والليالي التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي
أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر والجواب: أنه غير محل النزاع فإنا نقول الوجيه أن ذات العادة ترجع إليها ولا اعتبار بالتميز أما الفاقدة لها
فلا يدل الحديث عليها. فروع: [الأول] يشترط في التميز أمور ثلاثة: {أحدها} اختلاف اللونين. {الثاني} بأن يكون ما هو بصفة
دم الحيض يمكن أن يكون حيضا في العدة بأن لا يتجاوز الأكثر ولا يقصر عن الأقل. {الثالث} أن يتجاوز المجموع العشرة ومن يشترط التوالي بشرط
توالي ثلاثة أيام بصفة دم الحيض فما زاد. [الثاني] لا يشترط في التميز التكرار وبه قال الشافعي وأحمد واشترط بعضهم التكرار مرتين أو ثلاثا على الخلاف
104

في العادة. لنا: ما رواه الجمهور في حديث فاطمة إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة علق الترك على الاقبال من غير اعتبار أمر آخر ثم مده إلى حين إدباره
ومن طريق الخاصة حديث حفص وإسحاق ويونس وقد تقدم الجميع ولأنه امارة بمجردة فلم يفتقر إلى ضم غيره كالعادة وإن معنى التميز الفرق بين أحد الدمين
عن الآخر لونا ويكفي فيه أول مرة فعلى هذا لو رأت في شهر ثلاثة أسود وفي آخر أربعة وفي آخر خمسة فما هو بالصفة حيض والباقي طهر. [الثالث] لو رأت
أسود بين أحمرين فإن لم يتجاوز الأكثر فالجميع حيض لأنه دم يصلح أن يكون حيضا في وقته فكان حيضا أما لو تجاوز فإن كان الأسود صلحا للحيض
بمفرده كان حيضا سواء كان وسطا أو طرفا تقدم أو تأخر عملا بالتميز ولو رأت أحمر بين أسودين ووجدت شرائط التميز فيهما فإن تخلل بينهما عشرة أيام
كانا حيضتين وإلا فالأول حيض والباقي فساد أما لو لم يتجاوز المجموع العشة فالكل حسن ولو رأت يوما دما أسود وثانيا أحمر وثالثا أسود ورابعا
أحمر وخامسا أسود وتجاوز فعندنا لا حيض بالتميز والقائلون بالتلفيق يمكن أن تكون المرأة حائضا هنا ولو رأت أحمر وأصفر كان الأحمر
حيضا لأنه أشبه بالحيض من الأصفر أما لو رأت مع سوادا كان السواد هو الحيض لان الأحمر معه طهر. [الرابع] لو رأت اصفر تركت الصوم
والصلاة إلى العاشر فإن رأت بعد ذلك أسود تركت الصلاة أيضا إلى أن يمضي عشرة أسود فإن انقطع كان حيضا وقضت ما تركته أولا ولو تجاوز
لم يحصل التميز ويمكن أن يقال أنها تحتاط للعبادة بعد العشرة الأولى وأما عدم التميز فصحيح. [الخامس] لو رأت ثلاثة أيام أسود و
ثلاثة أصفر ثم عشرة أسود قال الشيخ (ره) تحيضت في العشرة الأخيرة وقضت ما تركته في الثلاثة الأول فكانت الستة استحاضة وصل لا
تميز لهذه. [السادس] لو رأت المبتدأة خمسة أيام دم الاستحاضة ثم الأسود بقية الشهر قال الشيخ يحكم في أول يوم ترى ما هو بصفة الحيض إلى
تمام العشرة بأنه حيض وما بعده استحاضة فإن استمر على هيئته جعلت بين الحيضة الأولى والثانية عشرة طهرا وما بعد ذلك من الحيضة
الثانية ثم على هذا التقدير والأقرب عندي الرجوع إلى الروايات قال ولو رأت ما هو بصفة الاستحاضة ثلاثة عشر يوما ثم رأت الأسود واستمر كان
ثلاثة أيام من أول الدم حيضا والعشرة طهرا وما رأته بعد ذلك من الحيضة الثانية. [السابع] لو رأت أول الشهر عشرة أسود ثم عشرة أحمر
ثم عشرة أسود وكان ما هو بصفة دم الحيض حيضا إذ هو في وقته مع إمكانه وقد حصل التميز فكان حيضا. [الثامن] لو رأت في شهر خمسة أسود
ثم استمر أحمر وفي الثاني كذلك وفي الثالث كله أحمر وفي الرابع كالأول وفي الخامس أحمر ثم صار أسود واتصل بحيضها الأسود من الأول والثاني و
الرابع أما الثالث والخامس فلا تميز لها فيهما فإن اعتبرنا المرتين في العادة وهو مذهبنا عملت في الأولين وإن اعتبرنا الثلث كما هو رأي
بعض الجمهور فكذلك لأنها قد رأت ذلك في ثلاثة أشهر وقيل لا يثبت لها عادة وليس بجيد. [التاسع] لو رأت ثلاثة أيام ثم انقطع ثم رأت يوم العاشر أو قبله
وانقطع كان الدمان وما بينهما حيضا لما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام وإذا رأت الدم قبل
عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى وإذا رأته بعد عشرة فهو من حيضة أخرى مستقبلة وفي طريقها ضعف ورواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم أيضا
وإذا كان من الحيضة الأولى كان الخالي من الدم حيضا لما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال لا يكون القراء في أقل من عشرة فما زاد و
روى يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (ع) قال أقل ما يكون الطهر عشرة أيام قال فإن حاضت المرأة خمسة أيام ثم انقطعت الدم اغتسلت
وصلت فإن رأت بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام وذلك من الحيض تدع الصلاة وكذا البحث لو يكثر الانقطاع ولم يتجاوز العشرة
أما لو لم تر دم إلا بعد العاشر فهو الاستحاضة إلا أن يكون ما بينهما عشرة أيام فيمكن أن يكون من الحيضة المستقبلة. [العاشر] روى الشيخ
في الصحيح عن يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد الله (ع) المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة قال تدع الصلاة قلت فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام
أو أربعة قال تصلي قلت فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة قال تدع الصلاة تصنع ذلك ما بينهما وبين شهر فإن انقطع عنها وإلا فهي بمنزلة المستحاضة
وروي في الصحيح عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة ترى الدم خمسة أيام والطهر خمسة أيام وترى الدم أربعة أيام والطهر ستة فقال إن
رأت الدم لم تصل وإن رأت الطهر صلت ما بينهما وبين ثلاثين يوما وإذا تمت ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت واستثفرت واحتشت بالكرسف
في وقت كل صلاة فإذا رأت صفرة توضأت قال في الاستبصار تحمل هاتين الروايتين على من اختلطت عادتها وأيام أقرائها ومستحاضة استمر بها الدم و
أشبهت عليها العادة ثم رأت ما يشبه دم الحيض ثلاثة أو أربعة وما يشبه دم الاستحاضة ثلاثة أو أربعة هكذا ففرضها أن تجعل ما يشبه دم الحيض
حيضا والآخر طهرا صفرة كانت أو نقاء ليستبين حاله وعندي في ذلك توقف. [البحث الثالث] في بقية الكلام في ذات العادة المختلفة والتفريع عليه
* مسألة: الانتقال على ضربين انتقال عدد وانتقال مكان وانتقال العدد: أن ترى زيادة على أيام عادتها المستقرة كما لو كانت عادتها ثلاثة
أيام في كل شهر فرأت في شهر زائدا على ذلك وإن لم يتجاوز فهو حيض بأجمعه وإن تجاوز الأكثر تحيضت بالعادة والحكمان ظاهران فإذا لم يتجاوز
بأن رأت خمسة مثلا هل انتقلت عادتها بذلك أم لا فالحق عندي أنها لم ينتقل بذلك إلا مع التكرار مع أخرى وبه قال أبو حنيفة ومحمد وقال
أبو يوسف أنها لا ينتقل عن العادة بالمرة الواحدة. لنا: ان العادة مشتقة من العود فما لم يعد لا يكون عادة وتحقيقه أن العادة المتقدمة دليل
على آياتها التي أعادت فلا يبطل حكم هذا الدليل إلا بدليل مثله وهي العادة بخلافه احتج أبو يوسف بأن عادة الطهر الأصلي كما في المبتدئة تنتقل
105

برؤية الدم ابتداء فكذا غيرها والجواب عن وجهين، الأول: المنع من ثبوت الحكم في الأصل إذ هو بناء على الاكتفاء بمرة واحدة في العادة وقد بينا بطلانه
وهذا إنما يلزم من يقول يكتفي بالمرة كأبي حنيفة والشافعي ومحمد. والثاني: الفرق فإنه معارض في حق المبتدأة فعلى هذا لو كان عادتها ثلاثة فرأت خمسة
في شهر وانقطع فهو حيض لو استمر في الرابع جعلت عادتها الثلاثة لا غير عندنا وعند أبي حنيفة وعند أبي يوسف تحيض خمسة أما لو رأته في الشهر
الرابع خمسة كالثالث واستمر في الخامس كان حيضها خمسة لتحقق العبادة الثانية هو اتفاق. فرع: لو رأت قبل العادة وفيها أو بعدها فالجميع
حيض إن لم يتجاوز وإلا فالعادة وكذا الوراثة فيها أو قبلها وبعدها واما انتقال المكان فتارة تكون بالتقدم وأخرى بالتأخر فلو كانت عادتها
خمسة في أول الشهر فلم تر فيها ورأت في الخمسة الثانية تحيضت بها وهو قول ممد وأبي يوسف وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة لأنه دم حيض في وقت يمكن
أن يكون حيضا فكان حيضا ولانا لو اعتبرنا التكرار كما قال أبو حنيفة لأدى إلى حلف جماعة من الحيض بالكلية مع رؤية ما يصلح أن يكون حيضا في وقته
لأن المرأة إذا رأت في غير عادتها وطهرت أيام عادتها لم تمسك عن الصلاة شهرين فإذا انتقلت في الثالث إلى أيام آخر تحيضها أيضا شهرين وهكذا
وأيضا فإن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله كانت معه في الجميلة فجاءها الدم فانسلت من الجميلة فقال لها
رسول الله صلى الله عليه وآله ما لك
أنفست قالت نعم فأمرها أن تأزر ولم يسألها هل وافق العادة أم جاء قبلها أو بعدها ولان عائشة حاضت في حجة الوداع فعملت برؤية الدم
ولم تذكر عادة ولا ذكر لها النبي صلى الله عليه وآله والظاهر أنه لم يأت في العادة لأنها استنكرته وقال وددت اني لم أكن حججت به وبكت لو علمت
أن لها عادة تجئ فيها لما استنكرت وكذا لو رأت آخر الخمسة يوما ويومين فيها فالجميع حيض وبه قال أبو يوسف ومحمد في رواية عن أبي حنيفة كما
قلناه لو رأت في عادتها ما لا يمكن أن يكون حيضا كيوم وأربعة بعدها فالخمسة حيض والخلاف كالخلاف فعلى هذا لو اشتغل المكان في شهر ثم
استمر في الثاني علمت عادتها القديمة خلافا لأبي يوسف ولو رأتها مرتين ثم استمر في الثالث ردت إلى ما رأته مرتين عندنا وعند الثلاثة أما في صورة التقديم فإذا رأت قبل عادتها الخمسة يوما أو يومين وخمستها أو
رأت يوما أو يومين قبل العادة وهو ثلاثة أيام من خمستها فالجميع حيض اتفاقا ولو رأت عادتها مقدمة أو أربعة أيام منها أو ثلاثة ولم
تر في عادتها شيئا كان ما رأته حيضا لأنه في زمان يمكن أن يكون حيضا بصفة الحيض فكان حيضا وهو اختيار محمد وأبي يوسف خلافا لأبي حنيفة
وكذا الخلاف لو رأت قبل العادة ثلاثة ويوما في العادة أو يومين أو رأت يوما أو يومين وفي العادة يوما أو يومين أما لو رأت
قبل العادة ما يمكن أن يكون حيضا وفيها ما يمكن أن يكون حيضا ولم يتجاوز الأكثر فعندنا أنه حيض بأسره وهو اختيار الشافعي وأحمد
ورواية أبي يوسف عن أبي حنيفة وفي رواية محمد عنه أنه يكون الحيض ما رأته في العادة وما قبله موقوف حتى ترى في الشهر الثاني.
* مسألة: ذات العادة إذا نسيتها لم تخل من ثلاثة أقسام أما أن تذكر العدد وتنسى الوقت أو بالعكس أو تنسيهما معا وهي المتحيرة وقد مضى
حكمها وأما حكم الناسية للعد خاصة كمن تعلم أنها في أول الوقت ولا تعلم عددا فإن ذكرت أول الوقت أكملته ثلاثة لأنه المتيقن والزائدة
مشكوك وإن ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة ولو قيل أنها تتخير كالمتحيرة كان وجها أما لو قالت كنت أعلم انني أحيض في العشر الأول ولا أعلم
الوقت ولا العدد تحيضت في أول الشهر بالثلاثة وقيل يجتهد في تعيين الثلاثة من العشرة وأما الناسية الوقت دون العدد فأما أن لا
تعلم وقتا أصلا وأما تعلم فالأول مثل أن تعلم حيضها خمسة أيام من الشهر قال الشيخ تعمل ما تعمله المستحاضة خمسة أيام تغتسل للانقطاع
عند كل صلاة إلى آخر الدم إلا أن تعرف وقتا لانقطاعه فتغتسل عهد تجدده دائما ولو قالت كنت أحيض في الشهر عشرة أيام وأنا أعلم موضعها
فعلت في العشرة الأول ما تفعله المستحاضة ثم اغتسلت عند وقت كل صلاة للانقطاع إلى آخر الشهر والثاني أن تعلم أن لها وقتا مثل أن تعلم أنها كانت
تحيض أياما معلومة من العشر الأول وهي على قسمين أما يتجاوز عدد أيامها نصف وقتها المعلوم أو لا يتجاوز بل يقصر أو يتساوى ففي الأولى يجعل
الزائد وضعفه حيضا بيقين مثاله إذا قالت كان حيض ستة أيام في العشر الأول كان لها يومان حيضا بيقين هما الخامس والسادس وتغتسل في
آخر العاشر للانقطاع وعملت في الأربعة الأولى والأخيرة ما تعمله المستحاضة ولو قالت سبعة دخل الرابع والسابع في الحيض بيقين وهكذا، وأما
في الثاني: فإن حكمها حكم غير العالم فيما وقع فيه الشك مثاله أن تقول أن حيضتين خمسة في العشرة الأولى ولا أعلم موضعها فإنها تعمل في العشرة
ما تعمله المستحاضة وتغتسل بعد الخمسة عند كل صلاة لاحتمال الانقطاع وكذا لو قالت أن حيضتين أربعة فيها فإنها تفعل ما تفعله المستحاضة
في العشرة ثم تغتسل بعد الأربعة عند كل صلاة ولو قالت إن حيضتي إحدى العشرات ولا أعلم بعينها عملت في العشرة الأولى ما تعمله المستحاضة ثم اغتسلت
عند انتهائها للانقطاع وكذا تغتسل في آخره العشرة الثانية والآخر الثالثة وبينهما وبين المسألة الثانية من قسم غير العاملة بالوقت فرق فيما
زاد على العشرة الأولى فإن تلك تغتسل بعد العشرة الأولى عند كل صلاة لاحتمال الانقطاع لاحتمال أن يكون أول حيضها اليوم الثاني والثالث
وهكذا إلى الحادي والعشرين وأما هذه فإن أول حيضها أما اليوم الأول والحادي والعشرين أما العشر الأول فإنهما متساويان فيه
فتعملان عمل المستحاضة فيه ولو قالت حيضتي عشرة واعلم الطهر في العشر الثالث عملت ما تعمله المستحاضة في العشرين الأولين ثم تغتسل بعد مضي
الأول عند كل صلاة للانقطاع أما لو قالت أحد العشرين اغتسلت غسلين وبمثله لو تيقنت الطهر في العشر الأول ولو تيقنت ذات الخمسة من
106

العشر الأول طهر أول يوم حصل لهما تيقن حيض السادس وحاصله الرجوع إلى تجاوز النصف ولو تيقنت طهر الخامس فالحيض الخمسة الثانية بيقين و
الأولى لو تيقنت طهر السادس ولو تيقنت طهر الثاني وحيض الخامس فالأولان والعاشر طهر قطعا والخامس والسابع حيض قطعا فتعمل ما تعمله المستحاضة
(إلى) في هذه ثم تغتسل في آخر السابع عندكل صلاة إلى آخر السابع للانقطاع ولو تيقنت ذات العشرة طهر السادس تضاف إليه في متيقن طهر الخمسة الأولى
ثم فعلت في اليوم السابع إلى آخر الشهر ما تعمله المستحاضة ثم اغتسلت آخر السادس عشر لانقطاع كل صلاة إلى آخر الشهر ولو تيقنت طهر العاشر
فمن أول الشهر إليه طهر متيقن ثم تعمل في الباقي ما تعمله المستحاضة إلى انقضاء العدة ثم تغتسل عند كل صلاة إلى آخر الشهر للانقطاع ولو تيقن الطهر
الحادي عشر اختص به ووقع الشك في العشرة الأولى وما بعده فتغتسل في آخر العشرة الأولى للانقطاع وفي آخر الحادي والعشرين إلى آخر الشهر ولو
تيقنت ذات العشرة حيض العاشر اختص به لاحتمال أن يكون ابتداء وانتهاء واغتسلت في آخره للانقطاع وفي آخر التاسع عشر وحصل لها تيقن طهر
أحد عشر آخر الشهر ولو تيقنت ذات الخمسة حيض الثاني عشر فمن أول آخر السادس عشر وتعمل ما تعمله المستحاضة في هذه الأيام إلا الثاني عشر ولو تيقنت
ذات العشرة حيض والثاني عشر فاليومان الأول والتسعة الأخيرة طهر بيقين فتعمل ما تعمله المستحاضة فيما بينهما إلا الثاني عشر ثم تغتسل في آخره
مستمرا عند كل صلاة إلى آخر الحادي والعشرين ولو تيقنت ذات الخمسة تعاقب الطهر والحيض في يومي السادس والسادس والعشرين وجعلت تغير أحد
اليومين لاحدى الصنفين فاليوم الأول من أول العشر الثاني إلى آخر الحادي والعشرين طهر قطعا ثم تغتسل في آخر السادس إلى آخر العاشر ومن آخر السادس
والعشرين إلى آخر الشهر عند كل صلاة للانقطاع إلا أن تعلم أن الانقطاع في وقته صلاة معينة فتغتسل عندها دائما قال الشيخ لا توطأ هذه المرأة
في كل ولا تطلق فيما يقع الشك فيه وتقضي صوم العدة التي تعلمها بعد الزمان الذي يفرض عادتها في حمله ولو قيل في هذه المواضع تعين ما تجعله حيضا
مما وقع الشك فيه اختيارا واجتهادا على ما سلف من القولين أمكن فعلى هذا القول لو ذكرت عادتها بعد جلوسها في غيره رجعت لان ترك الوجه حصل
للعارض النسيان ومع الذكر زال العارض فرجع إلى الأصل فلو ظهر لها أنها تركت الصلاة في غير عادتها فالوجه قضاءها وقضاء ما صامته من الفرض
في عادتها ولو قالت لي في كل شهر حيضتان كل واحدة ثمانية فمن الأول إلى آخر الرابع طهر مشكوك فيه وكذا من التاسع إلى آخر الثاني عشر ومن السابع
عشر إلى آخر الثاني والعشرين ومن السابع والعشرين إلى آخر الشهر ولها حيضتان بيقين من أول الخامس إلى آخر الثامن ومن الثالث والعشرين
إلى آخر السادس والعشرين ولها طهر بيقين من أول الثالث عشر إلى آخر الثامن عشر. فروع: في الامتزاج إذا تيقنت ذات العشرة مزج إحدى
العشرات بالأخرى بيوم فاليوم الأول والآخر قطعا فتعمل في الباقي ما تعمله المستحاضة ثم تغتسل في آخر الحادي عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين
والتاسع والعشرين للانقطاع لتيقن عدد أيامها وهي العشرة غير نصف الزمان وهو ما بين الأول والآخر ويجب عليها قضاء صوم عشرة أيام خاصة
خلافا للشافعي ولو مزجت بيومين فاليومان الأولان والأخيران طهر قطعا وتعمل في الباقي ما تعمله المستحاضة ثم تغتسل آخر الثاني عشر والثامن عشر
والثاني والعشرين والثامن والعشرين للانقطاع ولو خرجت ذات الخمسة إحدى العشرات بالأخرى بيوم فالستة الأول طهر قطعا وكذا الأواخر و
الخامس عشر والسادس عشر قطعا وتعمل فيما عداها كالمستحاضة وتغتسل آخر الحادي عشر والرابع عشر والحادي والعشرين والرابع والعشرين
للانقطاع ولو مزجت بيومين فالثمانية الأول والأواخر طهر قعطا والرابع عشر والسادس عشر والسابع عشر كذلك ثم تفعل في الباقي ما
تعمل المستحاضة وتغتسل في آخر الثاني عشر والثالث عشر والثاني والعشرين للانقطاع ولو تيقنت ذات العشرة مزج أحد النصفين بصاحبه
بيوم فالستة الأول من الشهر والاخر طهر قطعا والخامس والسادس عشر حيض قطعا لزيادة عدد أيامها وهي عشرة على نصف الزمان المشكوك فيه
وهو ما بين السادس والخامس والعشرين بيوم تعمل المستحاضة فيما عدا اليومين ثم تغتسل آخر السادس عشر والرابع والعشرين للانقطاع
قال الشيخ تعمل ما تعمله المستحاضة في يوم الخامس إلى آخر الرابع والعشرين وليس بجيد ولو مزجت أحدهما بالآخر بيومين فالثمانية الأولى والأواخر
طهر قطعا والرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر حيض قطعا والباقي مشكوك فيه ولو خرجت ذات تسعة أيام ونصف إحدى
العشرات الأخرى بيوم والكسر في الأول فالتسعة الأخيرة من الشهر طهر قطعا وكذا اليوم الأول ونصف الثاني ونصف الثاني عشر وتعمل
في الباقي ما تعمله المستحاضة ثم تغتسل آخر الحادي والعشرين للانقطاع ولو قالت الكسر في العشر الثاني فالتسعة الأول طهر قطعا
وكذا النصف الآخر من التاسع والعشرين واليوم الآخر والباقي مشكوك فيه تعمل ما تعمله المستحاضة وتغتسل آخر النصف الأول من التاسع عشر
وآخر النصف الأول من التاسع والعشرين ولو مزجت هذا أحد النصفين بالآخر فالكسر في الأول فستة أيام ونصف من أول الشهر طهر بيقين
ومن النصف الثاني من السابع إلى آخر السادس عشر حيض قطعا والباقي طهر قطعا وينعكس لو قالت الكسر في آخره ولو قالت ذات تسعة ونصف
ان المزج بيوم كامل والكسر في العشرين معا فهو خطأ لأنه إذا كان الكسر في العشرين لا يختلط بيوم كامل. فروع: في التلفيق وهو ضم
الدم إلى الدم يتخلل بينهما نقاء واعلم أن الأصل عندنا أن الطهر لا يكون أقل من عشرة فعلى هذا لو رأت بين ثلاثة أيام الحيض والعاشر
ونقاء ثم رأت العاشر دما كان الكل حيضا وقد تقدم الدليل على ذلك فإذا انقطع الدم بعد الثلاثة فأدخلت القطنة وخرجت نقية صلت وصامت
107

إجماعا لرواية عائشة لا تعجلين حتى ترين القطنة البيضاء بضم " القاف " والمراد به القطنة التي تحشى في القبل وقيل أنه شئ يتبع الحيض أبيض فإن عاودها الدم في العشرة وانقطع قضيت
ما فعلته من الصيام للعلم بوقوعه حال الحيض فإن النقاء المتخلل ليس له حكم الطهر وبه قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي لان الدم من شأنه أن
ينقطع تارة ويسيل أخرى والقول الأخرى للشافعي أن النقاء طهر كما أن الدم حيض وسواء غير العادة أو لم يغير إذا لم يتجاوز العشرة فإنه متى تجاوز العشرة
كان استحاضة إجماعا وإنما الخلاف في أمرين أحدهما إذا عاد في العادة فمذهبنا ما قلناه وبه قال الثوري وأصحاب الرأي والشافعي لأنه صادف زمن العادة
فأشبه ما لو لم ينقطع وقال عطا وأحمد ليس بحيض لأنه عاد بعد طهر صحيح ونحن لما كان الأصل عندنا أن الطهر عشرة أيام سقط هذا الكلام فلو جاوز
أكثر الحيض بعد المعاودة فعندنا تتحيض بالعادة خلافا لبعض الجمهور. لنا: أن المقتضى للرد إلى العادة موجود وهو سيلان الدم والمعارض وهو
تخلل النقاء لا يصلح للمانعية لما بينا أن أقل الطهر عشرة الثاني لو انقطع الأكثر فما دون بعد أن تجاوز العادة فمن قال إن المعاود في العادة
ليس بحيض فهذا أولى عنده أن لا يكون حيضا ومن قال أنه يكون حيضا ففيه على قوله ثلاثة أوجه، أحدها: أن الجميع حيض بناء أن الزائد على العادة حيض ما لم يتجاوز الأكثر
وهو مذهبنا. الثاني: ما وافق العادة حيض وما زاد عليها فليس بحيض لخروجه عنهما. الثالث: أن الجميع ليس بحيض لاختلاطه بما ليس بحيض
ولو رأت أقل من ثلاثة أيام ثم رأت النقاء كذلك ثم الدم وانقطع لما دون العشرة كان طهرا عند أكثر الأصحاب وعند بعضهم يضم الثاني إلى الأول فإن بلغ
ثلاثة فالجميع حيض وكذا لو تناوب الدم والنقاء في الساعات وإن كان عادتها عشرة فرأتها متفرقة وتجاوز تحيضت بعادتها واحتسب النقاء من
الحيض عند القائلين بالتلفيق مطلقا وعندنا يشترط أن يتقدمه حيض صحيح ولو رأت يوما دما وثمانية طهر أو
رأت يوم العاشر دما لم يكن حيضا
عند علمائنا أجمع إذا قل الحيض ثلاثة أيام وهو قول كل من اشترط هذا العدد في القلة إلا أبا يوسف فإنا بيناه على أصل له أن الطهر المتخلل بين
الدمين إذا انتقص عن أقله لم تفصل بينهما وكانا كالدم المتصل ثم ينظر أن كان ذلك كله لا يزيد على العشرة فلذلك حيض كله ما رأت فيه الدم وما لم
تر سواء كانت مبتدأة أو ذات عادة فإن زاد فالعشرة حيض إن كانت مبتدئة وما رأت فيه الدم وما لم تر وما عداه طهر أو دم لا استحاضة و
كذا عنده لو رأت ساعة دما ثم عشرة أيام إلا ساعتين طهرا ثم ساعة دما فالعشرة حيض ولو رأت ثلاثة أيام دما وستة طهرا ثم يوما دما
فالجميع عندنا حيض وهو قول أبي يوسف وزفر وقال محمد أن الثلاثة الأول حيض والآخر الاستحاضة وبناه على أصل له وهو أن الطهر إذا تخلل
بين الدمين إن كان الطهر أقل من ثلاثة أيام لم يفصل بحال وإن كان ثلاثة أيام فإن كان أقل من الدمين معا لم يفصل لأنه صار مغلوبا وكذا
ان ساواهما تغليبا للمحرم على المبيح وإن زاد عليهما فصل ثم يجعل الممكن من الدمين حيضا فإن أمكنا فأسبقها هو الحيض فعلى أصله لو رأت
يومين دما وسبعة طهرا ويوما دما فلا حيض لها لان الطهر أكثر من ثلاثة وهو أكثر من الدمين ففصل فليس في أحد الطرفين ما يمكن جعله
حيضا فكانا استحاضة ولو رأت أربعة دما وخمسة طهرا ثم يوما دما فالعشرة حيض لان الطهر ساوى الدمين فلم يفصل ولو رأت يوما دما ويومين
طهرا ويوما دما فالأربعة حيض عنده لان الطهر أقل من ثلاثة أيام ولو رأت ثلاثة دما وستة طهرا أو ثلاثة دما فعندنا ترجع إلى العادة وإن
كانت مبتدأة تحيضت بالروايات وعند أبي يوسف وأبي حنيفة وزفر تجلس عشرة وقال محمد الطهر يوجب الفصل فالثلاثة الأولى حيض و
الباقي استحاضة لان الطهر أكثر من الدمين الذين رأتهما في العشرة لان مجموعهما أربعة أيام والطهر ستة فأوجب الفصل ولو كانت عادتها
عشرة في أول الشهر فرأت قبل عادتها يوما دما وطهرت عادتها أجمع ثم رأت بعدها يوما دما وانقطع فلا حيض لها عندنا وهو قول محمد
خلافا لأبي يوسف فإنه جعل العشرة حيضا. لنا: أن هذين الدمين ليسا بحيض فلا يجوز جعل الطهر بما ليس بحيض حيضا قال أبو يوسف إن هذا طهر فاسد
إن كان دما حكما كالدم الفاسد طهر حكما وبناء على أصل له هو أن يبتدء الحيض بالطهر ويختم به بشرط أن يكون قبل ابتدائه وبعد انتهائه دم ولو ساعة
ويجعل الطهر حيضا بإحاطة الدمين ولو رأت قبل عشرتها يوما دما ورأت يوما طهرا في الأول عشرتها ثم رأت ثمانية أيام دما من عشرتها ورأت
العاشر طهرا ثم الحادي عشر دما فعشرتها حيض في قول أبي يوسف وإن حصل ختمها وابتدأها بالطهر لان قبلها وبعدها دم وعند محمد يكون حيضها ثمانية
أيام وهو الوجه عندي ولو لم تر الدم في اليوم الذي قبل عشرتها فعند أبي يوسف حيضها تسعة أيام لأنه رأت في عادتها واليوم الذي رأت قبل
أيامها حيض تبعا لأيامها فكان المجموع عشرة واليوم العاشر الذي رأت فيه الطهر ليس بحيض لأنه لا يختم الحيض بالطهر إذا لم يكن بعدده دم وعند محمد الحيض
ثمانية أيام ولو تر قبلها ولا بعدها فالحيض ثمانية عندهما معا. فروع: الأول: إذا قلنا بالتلفيق فكل قدر من الدم لا يجعل حيضا تاما
وكذا كل قدر من الطهر لكن جميع الدماء حيض واحد يفرق وجميع النقاء طهر كامل واحد حتى أن العدة لا ينقضي بعود الدم ثلاث مرات ولو كان كل قدر من
النقاء طهر كاملا خرجت العدة بعد ثلاثة. الثاني إذا رأت الدم يوما وانقطع لم يجب الغسل إلا إذا غمس القطنة لأنه إن لم يعد لم يكن له
حكم الحيض وإن عاد تبين ان الزمان زمان الحيض وليس للغسل في وقت الحيض حكم إن قلنا أن أيام النقاء حيض بل نأمرها بالوضوء والصلاة. الثالث
لو رأت يوما دما أسود ويوما أصفر وهكذا فعندنا تتحيض على التوالي ومن يعتبر التميز يلفق أيام الدماء السود. البحث الرابع في الاحكام:
مسألة: يحرم على الحائض الصلاة والصوم وهو مذهب عامة أهل الاسلام روى البخاري بإسناده قول النبي صلى الله عليه وآله أليست إحداكن
108

إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي وقالت حبيبة للنبي صلى الله عليه وآله إني استحاض حيضة شديدة منكرة قد منعتني الصلاة والصوم وقال النبي صلى
الله عليه وآله لفاطمة بن أبي حبيش إذ ابتليت الحيضة فاتركي الصلاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن جعفر بن البختري عن أبي
عبد الله (ع) إذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة وروي عن زياد بن سوقة عن أبي جعفر (ع) تقعد عن الصلاة أيام الحيضة وعن
عيسى بن القسم النحلي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن امرأة طمثت في رمضان قبل أن تغيب الشمس قال تفطر وعن علي بن عقبة عن أبيه عن
أبي عبد الله (ع) في امرأة حاضت في رمضان حتى إذا ارتفع النهار بأن الطهر قال تفطر ذلك اليوم كله تأكل وتشرب ثم تقضيه وعن المرأة
أصبحت في رمضان طاهرا حتى إذا ارتفع النهار رأت الدم قال تفطر ذلك اليوم كله وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في المرأة تطهر أول النهار
في رمضان أتفطر أو تصوم قال تفطر وفي المرأة ترى الدم في أول النهار في شهر رمضان أتفطر أو تصوم قال تفطر إنما فطرها من الدم قوله (ع)
إنما فطرها من الدم قاض بالافطار حالة الأكل والشرب وعدمهما وفي رواية يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (ع) فإن رأت بعد ذلك
الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: إذا كانت
المرأة طامثا فلا تحل لها الصلاة وفي رواية سماعة قال وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة. فروع: الأول: لا يحرم عليها
سجود الشكر ولا سجود التلاوة لعدم اشتراط الطهارة فيهما وعند الشافعي الطهارة شرط فلهذا حكم بتحريمها. الثاني لا فرق بين
صلاة الفريضة والنافلة في التحريم لاشتراطهما بالطهارة وكذا الصوم الواجب والندب. الثالث الحائض غير مخاطبة بالصوم وهو قول
بعض الشافعية وقال بعضهم انها مخاطبة به. لنا: أنها ممنوعة من الصوم فلا يصح أمرها به وإلا لزم التكليف بالنقيضين احتجوا بأن وجوب
القضاء يستلزم وجوب الأداء والجواب المنع من الاستلزام نعم يستلزم قيام سبب الوجوب أما نفس الوجوب فلا أو يقول القضاء بأمر متجدد
* مسألة: وتترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم في وقت عادتها وهو قول كل من يحفظ عنه العلم لان العادة كالمتيقن وروى
الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله دعي الصلاة أيام أقرائك وهو لا يتحقق إلا بالترك في أول الأيام ومن طريق الخاصة رواية زياد بن سوقة
عن الباقر (ع) تقعد عن الصلاة أيام الحيضة ورواية محمد بن مسلم الحسنة عن أبي عبد الله (ع) المرأة ترى الصفرة في أيامها قال فقال
لا تصلى حتى تقضي أيامها وفي رواية يونس عن رجاله عن الصادق (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر فاطمة بنت أبي حبيش أن تدع الصلاة
قدر أقرائها وقدر حيضها أما المبتدئة والمضطربة فقد اختلف الأصحاب في ابتداء وقت الترك لهما فقال الشيخ بتركهما بمجرد الرؤية فإن استمر
ثلاثة فهو حيض قطعا وإن انقطع عرفت أنه دم فساد وقضت ما تركته من الصلاة والصيام وقال السيد المرتضى لا تترك الصلاة حتى تمضي
ثلاثة أيام واختاره ابن إدريس والأقرب عندي الأول. لنا: ما رواه الشيخ في الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع) قال فإذا كان
للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة وهذا لا يصح أن يكون المرجع إلى ذات العادة لأنا قد بينا أن الاعتبار في ذات العادة إنما هو
بعادتها لا بالتميز وروى الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين قال إن كان دما
عبيطا فلا تصلي ذلك اليومين وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين وذلك مطلق فالتقييد بذات العادة غير مدلول من اللفظ
فلا يصار إليه إلا لدليل على أن الحكم معلق على الصفة وذلك لا يعتبر في ذات العادة وقد سلف ولأنها رأت دما يمكن أن يكون حيضا في
وقت يمكن للحيض فكان حيضا كذات العادة والمستمر بها الدم ثلاثة ولان الاحتياط للصلاة في حق الحائض غير معتبر شرعا فإن ذات العادة
إذا استمر لها الدم بعد عادتها تستطهر بيوم أو يومين في ترك العبادة لما بينا وذلك ينافي الاحتياط ولان الاحتياط لو اعتبر في المبتدئة كان
الموجب له إنما هو ثبوت الصلاة في الذمة مع عدم العلم بالمزيل وهذا المعنى متحقق في ذات العادة فإنها ربما يتغير عادتها وينقطع الدم
لدون الأقل فكان ينبغي الاحتياط بشغل الذمة المتيقن مع عدم العلم بالمزيل لا يقال هذا هو الأصل لان الظن حاصل ها هنا بأنه حيض بخلاف
صورة النزاع فإن الظن يكون الدم المرئي في العادة حيضا ليس كالظن بكون المرئي في الابتداء حيضا لأنا نقول إن اعتبرت مطلق الظن فهو
موجود ها هنا فإن العادة قاضية بأن المرأة في سن البلوغ ترى الحيض فإذا رأت في وقته ما هو بصفته غلب على ظنها انها حيض وإن
اعتبرت ظنا غالبا فلا بد من الإشارة إلى تلك المرتبة من الظن ثم من الدلالة على أن تلك المرتبة موجبة للحكم دون الأقل منها وهما ممتنعان ثم كيف
اعتبر السيد الاحتياط ها هنا ولم يلتفت إليه في المستمر دمها ان إذا كانت مبتدئة فإنه قال هناك تتحيض من ثلاثة إلى عشرة ولأنه لو لم يحكم عليها
بالحيض في الثلاثة إلا بعد انقضائها لما دام الحكم عليها به فيها والتالي باطل اتفاقا فالمقدم مثله بيان الملازمة أنها بعد مضي الثلاثة ربما
رأت دما أسودا ويتجاوز فيكون هو الحيض إلا الثلاثة لا يقال الفرق بأن اليوم واليومين ليس حيضا حتى يستكمل ثلاثة والأصل عدم التتمة حتى
يتحقق إذا استمر ثلاثا فقد كمل ما يصلح أن يكون حيضا ولا تبطل هذه إلا مع التجاوز والأصل عدمه حتى يتحقق لأنا نقول أما أن يعتبر
في صيرورة الدم حيضا صلاحيته له أو وجود ما يعلم معه أنه حيض والثاني يلزم منه وألا يحكم بالحيض إلا بعد الانقطاع على العشرة فإنه بدونه
109

لا يقطع على أن ما رأته حيض يجوز أن يكون الحيض ما يتلوه وإن اعتبرت الصلاحية فهي موجودة في البابين احتج بأن الأصل لزوم العبادة حتى يتيقن السقط
ولا يقين قبل الاستمرار ثلاثة والجواب لا نسلم أن الأصل لزوم العبادة بل الأصل البراءة فإن قلت أنها صارت أصلا بعد ثبوت الأوامر قلت فلم
قلت أن تلك الأوامر متوجهة ها هنا سلمنا لكن لا نسلم أنه لا يسقط إلا مع تيقن المسقط بل قد يسقط مع ظنه سلمنا لكن اليقين ها هنا حاصل
فإنا نقطع بأن الشرع أسقط عن المرأة مع غلبة ظنها بأن الدم حيض ما شغل منها عليها. مسألة: ويحرم اللبث في المساجد وهو مذهب
عامة أهل العلم روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (ع) ويدخلان المسجد مجتازين ولا يقعدان فيه ولان الحائض مشاركة للجنب في الحديث وممتازة عنه بزيادة حمل النجاسة
فحكم حدثها أغلظ فالمنع من الاستيطان في المسجد في حقها أقرب. فروع: الأول يجوز لها الاجتياز في المساجد إلا المسجدين والاستثناء
مختص بنا أما جواز الاجتياز فقد ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول ابن مسعود وابن عباس وابن جبير والحسن ومالك والشافعي وقال
أبو حنيفة والثوري وإسحاق لا تدخل المسجد فإن اضطرت تيممت. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعائشة ناوليني الخمرة
من المسجد قالت إني حائض قال إن حيضتك ليست في يدك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) ويدخلان
المسجد مجتازين ولا تقعدان فيه إشارة إلى الجنب والحائض وما رواه محمد بن يعقوب في كتابه عن محمد بن يحيى رفعه عن أبي حمزة عن الباقر (ع)
ولا بأس أن يمرا في المساجد ولا يجلسان فيها احتج أبو حنيفة بقوله (ع) لا أحل المسجد لحائض ولا جنب والجواب أنه مخصوص بمسجده وهو دليل لنا
على الاستثناء المذكور وأما تحريم الاجتياز في المسجدين فرواية الجمهور تدل عليه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم عن
الباقر (ع) ولا يقربان المسجدين الحرمين وما رواه ابن يعقوب عن محمد بن يحيى رفعه عن أبي حمزة عن الباقر (ع) إذا كان الرجل نائما في المسجد
الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما حتى يخرج منه
ويغتسل وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض
تفعل كذلك ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد لا يجلسان فيها. الثاني إذا اتفق لها الحيض في أحد المسجدين لم تقطعه خارجة إلا بالتيمم لرواية
أبي حمزة المذكورة وهي وإن كانت مقطوعة السند إلا أنها مناسبة للمذهب ولان الاجتياز فيهما حرام إلا مع الطهارة وهي متعذرة والتيمم
يقوم مقامها في جواز الصلاة فكان قائما مقامهما في قطع المسجد وإن لم يكن التيمم ها هنا طهارة. الثالث قال الشيخ في الخلاف يكره لها الاجتياز
في غير المسجدين ولم نقف على حجة وإباحة في غيره واختيار المفيد السيد المرتضى. لنا: ان الكراهة حكم شرعي فيقف عليه ويمكن أن يقال السبب
في الكراهة أما جعل المسجد طريقا واما الدخول بالنجاسة إليه وقال الشافعي أن لم يعصب فرجها لم يبح لها لأنه لا نؤمن أن يلوث المسجد وإن
عصيت فرجها فوجهان. الرابع قال أصحابنا يحرم على الحائض أن تضع شيئا في المسجد ويجوز لها أن تأخذ منه لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد
الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد للمتاع يكون فيه قال نعم ولكن لا يضعان في المسجد
شيئا لما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال سألته كيف صار الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه فقال إن الحائض تسع أن
تضع ما في يدها في غيره ولا تستطيع أن تأخذ فيه إلا منه. مسألة: ويحرم عليها الطواف وهو إجماع لأنه يفتقر إلى الدخول إلى المسجد الحرام
وهو حرام وإلى الطهارة ولا يصح منها فعلها لوجود الحدث الملازم الضد ولان النبي صلى الله عليه وآله قال لعائشة وقد حاضت افعلي
ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت فإن طافت لم تعتد به بلا خلاف. مسألة: ويحرم عليها قراءة العزائم وهو مذهب علمائنا
أجمع ونقل الجمهور عن علي (ع) وعمر وبه قال الحسن والنخعي والزهري وقتادة والشافعي وأصحاب الرأي والأوزاعي وزادوا تحريم غيره وقال
مالك لا يجوز للحائض أن يقرء القرآن مطلقا ولم يخصص ولا يجوز للجنب. لنا: على تحريم العزائم ما قدمناه في باب الجنب ولان الحائض آكد في الحدث
من الجنب. فروع الأول لا يحرم عليها قراءة غير العزائم عملا بالأصل وبما تقدم من الروايات في باب الجنب وهو أحد قولي الشافعي
وفي الآخر يحرم. الثاني يحرم عليها قراءة بعض السور حتى البسملة إذا نوت أنها من العزائم جزء منها. الثالث يكره لها قراءة
ما زاد على سبع آيات وقيل سبعين وقد تقدم الكلام في ذلك كله. مسألة: ويحرم عليها مس كتابة القرآن وهو إجماع ولقوله تعالى:
(لا يمسه إلا المطهرون) ولما رواه الشيخ عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (ع) قال يا بني اقرأ المصحف فقال إني لست على وضوء فقال لا تمس الكتاب
ومس الورق واقرأه والحائض ليست على وضوء وكانت داخلة تحت هذا المنع وروي عن أبي عبد الله (ع) عمن قرأ في المصحف
وهو على غير وضوء فقال لا بأس ولا يمس الكتاب والحائض داخلة وروي في الحسن عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) قال قال الجنب والحائض يفتحان
المصحف من وراء الثوب ويقرءان من القرآن ما شاء إلا السجدة وحكم الحائض في الفروع التي ذكرناها في باب الجنب في هذه المسألة حكم الجنب
أصل صيغة إفعل حقيقة في الوجوب لقوله تعالى: (وما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) ذمه على الترك عقيب الامر إذ ليس المقصود منه الاستفهام
ولا يتحقق إلا مع القول ما به الوجوب وكذا في قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) وأيضا قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره)
110

أمر المخالف للامر بالحذر فلا بد من السبب الموجب للحذر ولا سبب إلا وصف المخالفة فيكون علة للمناسبة والاقتران وأيضا تارك المأمور عاص لقوله ألا
أعصى لك أمر ألا يعصون الله ما أمرهم أفعصيت أمري والعاصي يستحق العقاب لقوله: (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدا فيها) وأنه
(ع) ذم أبا سعيد الخدري حيث لم يجبه وتمسك بقوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) ولأنه عليه السلام قال لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة لولا موضوعة للانتفاء عند الوجود لا شك في تحقيق الندبية فيكون غير مأمور به ولان الصحابة
تمسكوا بالأمر على الوجوب ولم يظهر إنكار فكان إجماعا فكان إجماعا وذلك كما في قوله (ع) سنوا بهم سنة أهل الكتاب وقوله (ع) فليغسله سبعا وقوله
(ع) فليقضها إذا ذكرها ولان العقلاء يذمون العبد إذا لم يفعل ما أمره السيد ويعللون حسن الظن بالترك ولان الامر دال على
إفضاء الفعل ووجوده فكان مانعا من النقيض كالخبر يجامع مع أن اللفظ وضع لإفادة معنى فلا بد وأن يكون مانعا من نقيضه تكميلا للمقصود
ويقويه بحصوله ولان المطلوب لا بد وأن يكون قد اشتمل على مصلحة ويكون خاليا عن المفسدة عند المعتزلة وراجحا في المصلحة عند غيرهم و
على كلا التقديرين فالأصل الاذن في تفويت المصلحة الخالصة أو الراجحة لاستلزامه الاذن في تفويت الخالصة وهو قبيح ولان
شرعية المنع من الترك أرجح في الظن من شرعية الاذن فيه لأنه أكثر افضاء إلى وجود الراجح الذي هو المطلوب في الأول ولا شك أن الذي يكون
اقصر أفضى إلى الشئ الراجح راجح في الظن على ما يكون أكثر إفضاء إلى المرجوح ولان الوجوب معنى يشتد الحاجة إليه فوجب أن يوضع له
لفظ يدل عليه كسائر المعاني لاستلزام القدرة والداعي الفعل ولا الفضاء إلا صيغة افعل ولان الحمل على الوجوب يقتضي القطع بعدم الاقدام
على المخالفة ومع الندب يحصل الشك فالأول أولى وقولهم العلم بإفادته الموجب ليس بعقلي قطعا ولا نقلي لفقدان التواتر وعدم إفادة الآحاد
وإن أهل اللغة قالوا لا فرق بين الامر والسؤال إلا الرتبة فلو كان للوجوب لم يكن الحصر صادقا ولأنه قد ورد للندب فلا يمكن جعله حقيقة فيهما
وإلا لزم الاشتراك ولا في أحدهما وإلا لزم المجاز فكان للقدر المشترك ليس كشئ أما الأول فيجوز تحصيله من المركب كما يقول تارك الأمور
عارض بالنقل والعاصي يستحق العقاب به فيحصل القطع بالعقل بأنه للوجوب ولأنه يجوز أن يثبت بالآحاد فإنها ليست مسألة عملية بل عقلية
وأما الثاني فإن السؤال يدل على الايجاب إذ السائل يطلب طلبا لا يسوغ فيه العمل بالنقيض أقصى ما في الباب أنه لا يلزم من
إيجابه الوجوب وأما الثالث إنما المجاز يصار إليه لما ذكرنا من الأدلة. مسألة: يحرم على الرجل وطئ الحائض قبلا وهو مذهب عامة
علماء الاسلام قال الله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض) وهذا أمر يدل على الوجوب ثم قال: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) وهذا نهي وهو يدل
على التحريم وأما غير القبل فما فوق السرة ودون الركبة يجوز الاستمتاع به بالنص والاجماع واختلف في الاستمتاع بينهما فقال أكثر علمائنا بالكراهية
دون التحريم فقال أحمد هو مباح وهو قول عكرمة وعطا والشعبي والثوري وإسحاق والأوزاعي وأبو ثور وداود ومحمد بن الحسن والنخعي وأبو
إسحاق المروزي وابن المنذر وقال السيد المرتضى بالتحريم وهو اختيار أبي حنيفة والشافعي وأبي يوسف. لنا: قوله تعالى: (واعتزلوا النساء
في المحيض) وهو اسم كالمعتل والميتة في التخصيص بالموضع والمعنى يدل على إباحة ما سواه أو نقول الأصل الإباحة والتحريم إنما
يتناول القبل فيبقى الباقي على الأصل لا يقال المحيض هو الحيض يقال حاضت المرأة حيضا ومحيضا ويدل عليه أول الآية وهو قوله: (ويسئلونك
عن المحيض قل هو أذى) والأذى هو المحيض لا موضعه وقال تعالى: (واللائي يئسن من المحيض) وإنما يريد به الدم لأنا نقول استعمال المحيض في
الحيض لا ينافي في مطلوبنا إذ الحيض ها هنا غير مراد لوجوه، أحدها أن ما ذكرناه قياس اللفظ فيحمل عليه. الثاني لو نزل على الحيض لوجب الاضمار
أو يستحيل حمل اللفظ على حقيقته سلمنا إضمار الموضوع أولى من إضمار الأزمنة لأنه يلزم من الثاني الامر باعتزال النساء في مدة الحيض
بالكلية وقد انعقد الاجماع على خلافه. الثالث إنما ذكرناه أولى لان نزول هذه الآية ان الله تعالى قصد مخالفة اليهود حيث كانوا
يعزلون النساء فلا يؤاكلوهن ولا يشاربوهن مدة الحيض ولا يجامعوهن في البيت فسئل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك فنزلت
هذه الآية فقال صلى الله عليه وآله ضعوا كل شئ غير النكاح وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إجتنب منها شعار الدم و
وروى مسلم عنه صلى الله عليه وآله قال ضعوا كل شئ غير النكاح ومن طريق الخاصة ما رواه عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا
عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم ورواه عن عبد الملك بن عمرو قال سألت أبا عبد
الله عليه السلام عما لصاحب المرأة الحائض منها قال كل شئ ما عدا القبل بعينه وما رواه عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يأتي
المرأة فيه دون الفرج وهي حائض قال لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع ولان المنع من الوطي لأجل الأذى فاختص بمحله كالدبر عندهم احتج السيد المرتضى
بما رواه الشيخ عن عبد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الحائض ما يحل لزوجها منها قال تزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها ثم له
ما فوق الإزار وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام عن الحائض والنفساء ما يحل لزوجها منها قال تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج
ساقها وله ما فوق الإزار وعن حجاج الخشاب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحائض والنفساء ما يحل لزوجها منها قال تلبس درعا
111

ثم تضطجع معه وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام ما يحل له من الطامث قال لا شئ حتى تطهر وهذا عام أو هو نكرة
في معرض المنع خرج ما فوق السرة وتحت الركبة بالاجماع فيبقى النهي متناولا للباقي احتج أبو حنيفة ومن وافقه بما رواه البخاري عن عائشة
قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأمرني فاتزر فيباشرني وأنا حائض وعن عمر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن ما يحل للرجل
من امرأته وهي حائض فقال فوق الإزار والجواب عن الرواية الأولى: أنها دالة على تحليل ما فوقه الإزار لا على تحريم ما عداه إلا من حيث المفهوم
بدليل الخطاب وليس حجة خصوصا مع معارضته للمنطوق له وكذا رواية أبي بصير ورواية حجاج على أن قوله عليه السلام تلبس درعا ثم تضطجع
معه ليس دالا على الوجوب بل على الاستحباب ثم إن هذه الروايات لا يخلو من ضعف في سندها وأيضا فهي معارضة لما رواه الشيخ عن عمر بن حنظلة
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما للرجل من الحائض قال ما بين الفخذين وما رواه في الصحيح عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما للرجل
من الحائض قال ما بين أليتيها ولا يوقب وأما رواية عبد الرحمن فإنها متروكة بالاجماع فإن خصصتموها بما تحت السرة وفوق الركبة خرج اللفظ
عن حقيقته وكان مجازا فنقول لم لا تحمل ففي الحمل على الكراهية مجازا سلمنا لكنا نقول نثبت التخصيص فيما ذكرتم فكذا في صورة النزاع القياس
والجامع ما اشتركا فيها من المصلحة للناشئة من دفع الضرر والحاصل بوجوب الاحتراز مع خلوص الداعي والجواب عن احتجاج الشافعي أنه
دال على حل ما فوق الإزار لا على تحريم غيره والنبي صلى الله عليه وآله قد ترك بعض المباح تحرزا ثم هو معارض بما رواه عكرمة عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوابا وأيضا ما ذكرناه منطوق وهذا دليل خطاب فلا يعارضه. مسألة: ويحرم طلاقها
وهو مذهب علماء الاسلام ويدل عليه قوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) قال ابن عباس هو أن يطلقها طاهرا من غير جماع وبه قال
مجاهد والحسن وابن سيرين وقتادة والضحاك والسندي وعامة المفسرين ولما طلق ابن عمر امرأته وهي حائض أمره النبي صلى الله عليه وآله برجعتها
وإمساكها حتى يطهر ولو تقع لم يقع عندنا خاصة وخالف باقي الفقهاء فيه وسيأتي البحث في باب الطلاق إن شاء الله تعالى. مسألة: ويحرم
عليه الاعتكاف وهو ظاهر لأنه عبادة من المبيت في المسجد وقد بينا تحريم اللبث عليها وروى الشيخ عن علي بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد الله
عليه السلام في امرأة اعتكفت ثم أنها طمثت قال ترجع ليس لها اعتكاف. مسألة: ويجب عليها الغسل عند انقطاع الدم وهو مذهب علماء
الأمة كافة ويدل عليه النص والاجماع قال الله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) بالتشديد أي يغتسلن وما
رواه الجمهور عن النبي صلى الله
عليه وآله امكثي قدر ما كان تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي وعن حمية (حمنة) بنت جحش قالت كنت استحاض حيضة كثيرة شديدة فجئت إلى النبي صلى
الله عليه وآله استفتيه فوجدته في بيت أختي زينب فقلت يا رسول الله ان لي إليك حاجة وأنه لحدث ما ليس منه بد واني لأستحي منه فقال
ما هو يا هنتاه قلت أني امرأة استحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها فقال ابعث لك الكرسف فقلت أشد من ذلك فقال تلجمي فقلت
أشد من ذلك فذكرت الخبر إلى أن قال بما ركضه من ركضات الشيطان يحتضي في علم الله ستا وسبعا ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت
فصلي أربعة وعشرين ليلة وأيامها وثلاثة وعشرين وأيامها وصومي فإنه يجزيك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن يونس عن بعض رجاله عن أبي
عبد الله عليه السلام فإن حاضت المرأة كان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت وما رواه عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال وغسل الحائض إذا طهرت واجب وما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألت عن الحائض أعليها غسل مثل غسل الجنب قال نعم وما
رواه عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال الطامث تغتسل لسبعة أرطال من ماء وما رواه يونس عن رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام
عن أبيه عليه السلام قال إذا رأت الدم البحراني فدعي الصلاة وإذا رأت الطهر ولو ساعة من نهار فاغتسلي وصلي وبهذا الاسناد عنه عليه السلام عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال لحمينة بنت جحش تحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي غسلا وصومي ثلاثا وعشرين وأربعا
وعشرين يوما وأمر فاطمة بنت جحش أن تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضى لكل صلاة. فروع: الأول المراد بوجوب
الغسل ها هنا وجوبه لا جعل الصلاة والطواف الواجبين أو غيرهما من الأفعال الواجبة المشروطة بالطهارة لأنه مستقر في ذمتها وإن كانت
للنظر فيه مجال إذ الامر ورد مطلقا بالوجوب. الثاني الغسل شرط في الصلاة وعليه علماء الاسلام وهو شرط في الطواف اتفق
علمائنا عليه خلافا لأبي حنيفة. لنا: ان الطواف منهي عنه لأجل الدخول في المسجد الحرام على الحائض وكان فاسدا وهل هو شرط في صحة الصوم
بحيث لو أخلت به ليلا حتى أصبحت بطل صلاتها فيه نظر ويدل على الاشتراط ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن طهرت
يميل من حيضها ثم نويت في رمضان حتى أصبحت كان عليها قضاء ذلك اليوم وفي طريقها علي بن فضال وهو فطحي وعلي بن أسباط وإن كان
فطحيا إلا أن الأصحاب شهدوا لهما بالثقة والصدق قال النجاشي علي بن الحسن بن فضال ففيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث
والمسموع قوله فيه سمع منه شئ كثير فلم تعزله على ذلة فيه وأقل ما يروى عن ضعف وكان فطحيا وقال علي بن أسباط ثقة وكان فطحيا جرى بينه
وبين علي بن مهزيار رسائل في ذلك رجعوا فيها إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام فرجع علي بن أسباط عن ذلك وتركه. الثالث يجب في الغسل
112

الترتيب وهو مذهب علمائنا أجمع ويدل عليه ما رواه الشيخ عن عبد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال غسل الجنابة والحيض واحد وروي
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام مثله وبمثله روي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ولا يتحقق الوحدة إلا مع اعتبار
الشرائط الموجودة هناك وأيضا إن صدق بعض غسل الحيض يجب فيه الترتيب المخصوص به صدق كل غسل حيض فيه الترتيب المذكور والتالي كالمقدم
حتى بيان الملازمة عدم القائل بالفصل وبيان صدق المقدم أنه لو لم يصدق الحكم الجزئي صدق نقيضه وينعكس لا شئ مما يجب فيه الترتيب المخصوص بغسل
الحيض وذلك باطل قطعا. الرابع يجب فيه النية لما ذكرناه في الترتيب ولدلالة العامة المذكورة في الجنابة واعلم أن جميع الأحكام
المذكورة في غسل الجنابة آتية ها هنا لتحقق الوحدة إلا شيئا واحدا وهو الاكتفاء به عن الوضوء فإن فيه خلافا ذكرناه فيما سلف. مسألة:
ويجب الاستبراء عند الانقطاع ان انقطع لدون عشرة وكيفيته أن تدخل قطنة فإن خرجت ملوثة صبرت حتى تنقى أو تبلغ العشرة فإن خرجت
نقية اغتسلت لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا رأت الحائض أن تغتسل فلتدخل قطنة فإن خرج فيها شئ من
الدم فلا تغتسل وإن رأت بعد ذلك صفرة فليتوضأ ولتصل ومثله روي عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال فإن خرج دم فلا تطهر وإن لم يخرج
فقد طهرت أما إذا كان الانقطاع لعشرة فلا استبراء لأنه إنما يراد به معرفة وجود دم الحيض من عدمه وذلك لا يتم مع التجاوز للعشرة. مسألة:
ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة وهو مذهب علماء الاسلام وقالت الخوارج يجب عليها قضاء الصلاة. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة
أنها قالت كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن علي بن عقبة
عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام في الحائض في رمضان تأكل وتشرب ثم تقضيه وما رواه عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام فإن
رأت الدم ثلاثة أيام فهو من الحيض ولم يجب عليها قضاء الصلاة وما رواه عن أبان عمن أخبره عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال الحائض
تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة وما رواه عن الحسين بن راشد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الحائض تقضي الصلاة قال لا قلت تقضي الصوم
قال نعم قلت من أين جاء هذا قال إن أول من قاس إبليس وما رواه في الحسن عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قضاء الحائض الصلاة
ثم تقضي الصيام فقال ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان ثم أقبل علي فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر بذلك
فاطمة عليها السلام وكان يأمر بذلك المؤمنات. أصل: ما يجوز تركه لا يكون فعله واجبا لان حد الواجب هو الذي يذم تاركه والجائز هو الذي لا
ضرر في تركه وبينهما منافاة. فروع: الأول صوم الحيض بواجب إلا أنه يجوز تركه فلا يكون واجبا وجوب القضاء لا يستلزم وجوب
الأداء لأنه بأمر متجدد نعم لا بد وأن يكون سبب الوجوب ثابتا. الثاني لو دخل الوقت وهي طاهر فلم تصل مع الامكان فحاضت قضت
وهو اختيار الشافعي خلافا لأبي حنيفة فإنه قال لو حاضت وقد بقي من الوقت شئ قليل لم يقض بناء على أن الوجوب يتعلق بالآخر. الثالث
يشترط إدراك الفريضة والطهارة وهو أحد أقوال الشافعي لان الصلاة لا تصح بدونها وفي القول الآخر لا يشترط لعدم اختصاص الطهارة
بوقت. الرابع لو مضى من الوقت أقل من أداء الفريضة ثم حاضت لم يجب القضاء وقال بعض الشافعية يجب القضاء كما لو أدركت من آخر الوقت.
لنا: ما رواه الشيخ عن الفضل بن يونس عن أبي الحسن الأول قال وإذا رأت المرأة الدم بعد ما مضى من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن
الصلاة فإذا طهرت من الدم فلتقض الظهر لان وقت الظهر داخل عليها وهي طاهرة وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهرة فضيعت صلاة الظهر
فوجب عليها قضاؤها والفضل وإن كان واقفيا إلا أن النجاشي حكم بتوثيقه وما رواه في الحسن عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال
وإذا طهرت في وقت فأخرت الصلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى ثم رأت دما كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها وروي عن أبي الورد
قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلت ركعتين ثم ترى الدم قال تقوم في مسجدها ولا تقضي ركعتين ثم ترى
الدم وقال تقوم في مسجدها ولا تقضي الركعتين وهذا يدل على عدم القضاء مع التضيق ولان وجوب القضاء تابع لوجود سبب وجود الأداء وهو
منتف فإن التكليف يستدعي وقتا وإلا لزم تكليف ما لا يطاق لا يقال الحديثين الأولين دلا على وجوب القضاء مع خروج الوقت بالكلية لا
مع خروج وقت إمكان الفعل وأنتم لا تقولون لأنا نقول إنهما من حيث المنطوق دلا على وجوب القضاء مع الخروج بالكلية ومن حيث المفهوم
على الوجوب مع خروج وقت الامكان لان الأول رتب الحكم فيه على الضياع والثاني رتب على التفريط وذلك متحقق في صورة النزاع وأيضا
روى الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال في امرأة إذا دخل وقت الصلاة وهي طاهر فأخر ت الصلاة حتى حاضت
فلا تقضي إذا طهرت علق الحكم على التأخير عن الوقت وذلك يتناول الخروج بالكلية وعدمه وما رواه عن عبد الرحمن بن الحجاج قال
سألت عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة قال نعم فالفرق بين أول الوقت وبين آخره ظاهر
وهو عدم التمكن من الاتيان بالفرض حال إدراك الثاني ولهذا لو أدركت ركعة من آخر الوقت ثم جنب
لم يجب القضاء إجماعا. الخامس لو عقب بالنفاس بأن شربت دواء فألقت الولد لم يجب قضاء أيام نفاسها بخلاف السكران. مسألة:
113

لو دخل الوقت وهي حائض فطهرت وجب عليها الصلاة فإن بقي من الوقت ما يقع للغسل وأداء ركعة فلو بقي للغروب مقدار ما توقع الغسل وتصلي ثمان
ركعات وجب عليها الصلاتان وكذا لو بقي مقدار ما تصلي فيه خمس ركعات وأما لو بقي مقدار ما تصلي فيه أربع ركعات لا غير وجب عليها العصر خاصة وكذا البحث لو تخلف من النصف الأول
من الليل مقدار خمس وجب الصلاتان ولو تخلف إلى الغروب ما لا يسع الغسل وأداء ركعة سقط عنها الفرضان ولو أهملت في الصور التي أوجبنا فيها
الصلاة وجب عليها القضاء ولا قضاء إلا مع اتساع الزمان فلا يجب في غيره وقال الشافعي ومالك وأحمد إذا طهرت قبل الغروب لزمها
الفريضتان ولو طهرت قبل الفجر لزمها المغرب والعشاء. لنا: ان التكليف يستدعي وقتا يقع فيه الفعل لا يقصر عنه فمع القصور يسقط التكليف
وإلا لزم التكليف بالمحال وإذا سقط القضاء لأنه تابع وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال أيما امرأة
رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل وقت صلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها
فإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء وتصلي الصلاة التي
دخل وقتها وروي في الحسن عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا رأت المرأة الطهر وهي في وقت صلاة ثم أخرت الغسل حتى يدخل وقت
صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك التي فرطت فيها والتفريط إنما يقع مع إمكان الفعل في وقته وروي في الموثق عن عبيد الله الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام في المرأة تقوم في وقت الصلاة فلا تقضي ظهرها حتى تفوتها الصلاة ويخرج الوقت أتقضي الصلاة التي فاتتها قال إن كانت
توانت قضتها وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي وفي طريقها علي بن فضال وقد شهد له بالثقة مع كونه فطحيا لا يقال يعارض هذا ما رواه أبو
همام عن أبي الحسن عليه السلام في الحائض إذا اغتسلت في وقت صلاة العصر تصلي العصر ثم تصلي الظهر وما رواه عن الفضل بن يونس قال سألت
أبا الحسن عليه السلام عن المرأة ترى الطهر قبل غرو ب الشمس كيف تصنع بالصلاة قال إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام
فلا تصلي إلا العصر لان وقت الظهر دخل عليه وهي في الدم وخرج عنها الوقت وهي في الدم فلم يجب عليها أن تصلي الظهر وما طرح الله عنها
من الصلاة وهي في الدم أكثر وما رواه عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا طهر ت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب
والعشاء وإن طهرت قبل أن تغيب صلت الظهر والعصر وما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا طهرت المرأة
قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وإن طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء وما رواه عن داود الدجاجي عن أبي جعفر عليه السلام
قال إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر وإن طهرت في الليل صلت المغرب والعشاء الآخرة وما رواه عن عمر بن
حنظلة عن الشيخ قال إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر والعصر لأنا نجيب
عن الرواية الأولى باحتمال أن يكون قد فرطت في وقت الظهر لان قوله عليه السلام إذا اغتسلت في وقت العصر يشعر بأن الطهر حصل في وقت الظهر
ويحتمل أن يكون الامر للاستحباب وعن الثانية: أنها مبنية على أن وقت الطهر أربعة أقدام ثم يصير قضاء وسيأتي البحث عنه على أن راويها
الفضل وهو ضعيف وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي (ره) والذي أعول عليه أن المرأة إذا طهرت بعد الزوال إلى أن يمضي أربعة أقدام يجب عليها
قضاء الصلاتين ولو طهرت بعد مضي أربعة أقدام وجب عليها قضاء العصر لا غير ويستحب لها قضاء الظهر إذا كان طهرها إلى مغيب الشمس أقول وسيأتي
تحقيق هذا في باب المواقيت إن شاء الله تعالى وعن الثالث أنه لا منافاة لأنها إذا طهرت قبل نصف الليل وقبل الغروب بمقدار
ما يسع الصلاتين والغسل يصدق أنها قد طهرت قبل الفجر والغروب فيحمل عليه جمعا بين الأدلة على أن في طريقها ابن فضال وهو فطحي وعن
الرابعة بما ذكرناه ها هنا وقوله عليه السلام وإن طهرت من آخر الليل يحمل على النصف مجازا لما ذكرناه أو يحمل الامر على الاستحباب وفي طريقها ضعف
أيضا وكذا الجواب عن الروايتين احتج الشافعي بما رواه الأثرم وابن المنذر باسنادهما عن عبد الله بن عباس و عبد الرحمن بن عوف أنهما قالا
في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة تصلي المغرب والعشاء إذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعا والجواب أنه يحتمل أنهما
قالا عن اجتهاد ولا نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فلا اعتداد به ويحتمل أنهما قالاه على جهة الاستحباب وأيضا فهو معارض بما ذكرناه
عن الأدلة وبما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال قلت المرأة ترى الطهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر قال تصلي
العصر وحدها وإن ضيقت فعليها صلاتان وروى الشيخ عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا طهرت الحائض قبل العصر صلت
الظهر والعصر فإن طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر. فروع الأول إذا طهرت قبل غروب الشمس بمقدار خمس فقد بينا
أنه يجب الفرضان وهذا الأربع للظهر أو العصر فيه احتمال وتظهر الفائدة لو أدركت قبل الانتصاف مقدار أربع ركعات فإن قلنا الأربعة
للظهر وجب هنا الفرضان وإن قلنا للعصر وجبت العشاء خاصة والروايات تدل على الثاني وسيأتي. الثاني لا يجب الصلاة إلا بإدراك
الطهارة وركعة وهو أحد قولي الشافعي لان الصلاة لا تصح بدونها وفي الآخر لا يشترط الطهارة لعدم اختصاصها بوقت. الثالث
لو أدركت الطهارة وأقل من ركعة لم يجب الصلاة عندنا بل يستحب وهو أحد قولي الشافعية وفي الآخر يجب وحينئذ هل يجب ما قبلها قالوا إن
114

كانت لا تجمع إليها كالعشاء والصبح أو الصبح والظهر لم يجب وإن كانت يجمع معها كالظهر والعصر والمغرب والعشاء فوجهان. الرابع إذا قلنا إن
الوقت مشترك بين الصلاتين في الزوال إلى الغروب ومن المغرب إلى نصف الليل حتى تطهر قبل الغروب بمقدار أربع ركعات وجب عليه العصر وقضى
الظهر وكذا في المغرب والعشاء وهو قول الشافعي ولو قلنا أن الوقت يختص لكل فريضة فأول الوقت يختص بالظهر وآخره يختص بالعصر حتى يطهر قبل
الغروب بأربع وجب عليه العصر لا غير وهو اختيار أبي حنيفة وهو الحق عندي لما يأتي في باب بعض (تبعض) الأوقات. مسألة: لو سمعت سجدة التلاوة
قال في النهاية لا يجوز لها أن تسجد وهو اختيار الشافعي وأبي حنيفة وأحمد وقال عثمان وسعيد بن المسيب في الحائض تسمع السجدة قال تومي برأسها و
تقول " اللهم لك سجدت " وقيل لا يمنع من السجود وهو الأقرب. لنا: ان الامر بالسجود ورد مطلقا فساغ مع عدم الطهارة احتجوا بقوله عليه السلام لا يقبل
الله صلاة بغير طهور والسجود جزؤ الصلاة فيدخل فيها ضمنا ولكنه سجود وقع على وجه الطاعة فيشترط فيه الطهارة كسجود الصلاة والسهو والجواب
عن الأول: أن السجود الذي معه جزء الصلاة ليس مطلق السجود بل سجود خاص وليس سجود التلاوة جزءا كما أن سجود الشكر ليس جزء أولا يشترط فيه
الطهارة وعن الثاني بالفرق فإن سجود السهو معرض لان يكون جزءا من الصلاة فاشترط فيه الطهارة بخلاف سجدة التلاوة على إنا نمنع كون سجود
السهو مفتقر إلى الطهارة ثم يعارض ما رواه محمد بن يعقوب والصحيح عن ابن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن الطامث
تسمع السجدة فقال إذا كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها ورواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام وروى أبو بصير قال قال
أبو عبد الله عليه السلام إذا قرأ شئ من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد إن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت المرأة لا تصلي وسائر القرآن أنت
فيه بالخيار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد هذا إذا سمعت أما إذا سمعت هي أو الجنب قال الشريح يمنعان من السجود لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال
سألته عن الحائض تقرأ القرآن وتسجد السجود إذا سمعت السجدة وقال يقرء ولا تسجد وقال في المبسوط يجوز لرواية علي بن حمزة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال إذا قرى شئ من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت المرأة لا تصلي وسائر القرآن أنت
فيه بالخيار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد. مسألة: ويستحب لها الوضوء عند كل صلاة وذكر الله تعالى في مصلاها بقدر زمان
الصلاة كذا قال الشيخ وقال المفيد تجلس ناحية من مصلاها وأطلق باقي الأصحاب وهو الأقوى لما رواه الشيخ عن الحسن عن زيد الشحام قال سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول ينبغي للحائض أن يتوضأ عند وقت كل صلاة ثم يستقبل القبلة فتذكر الله عز وجل مقدار ما كانت تصلي وما رواه في الحسن
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذ كانت المرأة طامثا فلا يحل لها الصلاة وعليها أن تتوضى وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة ثم تقعد
في موضع طاهر فتذكر الله عز وجل وتسبحه وتهلله وتحمده كمقدار صلاتها ثم تفرغ لحاجتها ولان فيه نوع تشبيه بالطهارة فكان مطلوبا
ولان فيه تمرينا على الطاعات إذا الترك في أكثر الأوقات قد يشق مع الفعل عند الوجوب فيكون سببا للاهمال. فروع: ا لأول
لا ينوي بهذا الوصف رفع الحدث ولا استباحة الصلاة لوجود الحدث وحصول التحريم للصلاة بل ينوي وضوءا متقربا به إلى الله تعالى. الثاني
لو توضأت بنية التقرب في وقت متوهم أنه حيض فبان طهرا لم يجز لها الدخول به في الصلاة لأنها لم تنو
طهارة فلم يقع والفرق بينهما وبين المجدد
حيث قلنا أنه يسوغ له الدخول به في الصلاة وإن بان محدثا لأنه ثم ينوي الفضيلة التي لا تحصل إلا مع الطهارة أما ها هنا فلما لم يتوقف
الفضيلة على الطهارة لم تكن الطهارة حاصلة. الثالث لو نوت بوضوئها رفع الحدث في وقت تتوهم فيه انها حائض فبانت طاهرا
فالوجه أنها لا يدخل به في الصلاة لأنها أقدمت على القبيح فلا يقع على وجه التقرب. الرابع لو اغتسلت عوض الوضوء لم تدرك فضيلة
الوضوء إذ النص تناول الوضوء. الخامس لو فقدت الماء هل تتيمم أم لا؟ الوجه لا لأنها طهارة اضطرارية ولا ضرورة هنا ولعدم تناول
النص له. مسألة: ويكره لها الخضاب وهو مذهب علمائنا أجمع لما رواه الشيخ عن عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تختضب
الحائض ولا الجنب وهذا النهي ليس للتحريم لما رواه ابن يعقوب عن سهل بن اليسع عن أبي الحسن عليه السلام قال لا بأس أن تختضب المرأة وهي طامث
وعن علي بن أبي حمزة قال قلت لأبي إبراهيم عليه السلام تختضب المرأة وهي طامث فقال نعم فظهر أن الرواية الأولى تدل على الكراهية وهاتان على
الإباحة ويكره لها حمل المصحف ولمس هامشه وقال المرتضى يحرم وقد تقدم البحث فيه في باب الجنابة ويكره الاستمتاع منها بما فوق الركبة
وتحت السرة إلا موضع الدم فإنه يحرم. مسألة: لا خلاف في تحريم وطي الحائض قبلا وقد تقدم واتفقوا على تعلق الكفارة بالوطي مع
العلم بالحيض وبالتحريم ووقع الخلاف في وجوبها قال الشيخ في الجمل والمبسوط يجب وهو قول المفيد والسيد المرتضى وابنا بابويه وهو إحدى الروايتين
عن أحمد وأحد قولي الشافعي وقال الشيخ في الخلاف إن كان جاهلا بالحيض أو التحريم لم يجب عليه ويجب على العالم بهما وقال في النهاية
بالاستحباب وهو قول مالك وأبي حنيفة وأكثر أهل العلم وهو الحق عندي. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله من أتى حائضا
فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله ولم يذكر كفارة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل وقع امرأته وهي طامث قال يلتمس فعل ذلك قد نهى الله أن يقربها قلت فإن فعل أعليه كفارة قال: لا أعلم فيه شيئا يستغفر الله
115

وما رواه عن ليث المرادي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن وقوع الرجل على امرأته وهي طامث خطأ قال ليس عليه شئ وقد عصى ربه لا يقال هذا
لا يدل على المطلوب إذ النفي مصروف إلى الخاطئ لا إلى العاصي لأنا نقول لو لم يكن الواطي ها هنا عامدا لما حكم عليه بالعصيان وما رواه عن زرارة
عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن الحائض يأتيها زوجها قال ليس عليه شئ يستغفر الله ولا يعود ولأنه وطي نهى عنه لأجل الأذى فأشبه الدبر
عندهم ولان الأصل براءة الذمة وعصمة المال فالقول بالايجاب مقدم لهما احتج الشيخ على الايجاب بما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألته
عمن أتى امرأته وهي طامث قال يتصدق بدينار ويستغفر الله وتأوله على أنه في أوله وما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال من أتى
حائضا فعليه نصف دينار يتصدق به وتأوله على الوسط وما رواه عن عبد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يقع على امرأته وهي
حائض ما عليه قال يتصدق على مسكين بقدر شبعه وتأوله إذا كان يبلغ المقدور وما رواه عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل أتى
جاريته وهي طامث قال يستغفر الله قال عبد الملك فإن الناس يقولون عليه نصف دينار أو دينار فقال أبو عبد الله عليه السلام فليتصدق على عشرة مساكين
وروي عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام في كفارة الطمث أنه يتصدق إذا كان في أوله بدينار وفي أوسطه بنصف دينار وفي آخره بربع دينار
قلت فإن لم يكن ما يكفر قال فليتصدق على مسكين واحد وإلا استغفر الله ولا يعود فإن الاستغفار توبة وكفارة لكل من يجد السبيل إلى شئ
من الكفارة واحتج في الخلاف على مذهبه فيه بالاجماع وبمثله استدل السيد (ره) واحتج أحمد بما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه
وآله قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار والجواب عن الرواية الأولى من وجهين، أحدهما: أن محمد بن مسلم لم يسند
إلى الامام، والثاني: محمولة على الاستحباب جمعا بين الروايات وعن الثانية بوجهين، أحدهما: الحمل على الاستحباب، والثاني: ضعف سندها فإن في
طريقها علي بن فضال وعن الثالثة بالوجهين المذكورين وأما الرابعة فإنها تدل على الاستحباب فإن القائل بالوجوب لم يوجب ما قدره وفي
طريقها أبان بن عثمان وفيه قول واما الخامسة فإنها مرسلة ومحمولة على الاستحباب ثم الذي يدل على الاستحباب اختلاف مقادير الكفارات و
ذلك بحسب ما تراه الأئمة عليهم السلام من العقوبات بالنظر إلى زيادة قبح الفعل ونقصانه لصدوره عن العارف والجاهل وأما الاجماع فلم نحققه و
كيف يدعي فيه ذلك وفيه ما فيه من الخلاف وعن حجة أحمد بضعف روايته فإن مدارها على عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وقد قيل لأحمد في
نفسك من هذا الحديث شئ قال نعم لأنه من حديث فلان وإشارته إلى عبد الحميد وقال أيضا لو صح ذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله كنا نرى
عليه الكفارة وهذا يدل على ضعفه عنده فلا احتجاج. فروع: الأول الكفارة في أوله دينار قيمته عشرة دراهم جيادا وفي أوسطه
نصف دينار وفي آخره ربع دينار وهو مذهب أكثر علمائنا القائلين بالوجوب والاستحباب وقول ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه وقال في
المقنع يتصدق على مسكين بقدر شبعه وجعل الذي قدرناه رواية وقال بعض الحنفية يتصدق بدينار أو نصف دينار وهو إحدى الروايتين
عن أحمد وأنها على التخيير وروي عن أبي يوسف أنه قال يتصدق بدينار وفي اليوم الأول وبنصف دينار في اليوم الثاني وعن أبي يوسف ومحمد
أنهما قالا إن كان في إقبال الدم فعليه دينار وإن كان في إدباره فعليه نصف دينار وهو قول النخعي وقول الشافعي وله قول آخر عتق رقبة و
في الرواية الأخرى عن أحمد إن كان الدم أحمر فدينار وإن كان أصفر فنصف دينار وهو قول إسحاق وقال الشافعي إن كان الدم عبيطا فدينار
وفي آخره نصف دينار وحكي عن الحسن البصري وعطاء الخراساني أنهما قالا يجب فيه كفارة الفطرة في رمضان. لنا: رواية داود بن فرق وقد تقدمت
ولا يمنع ضعف سندها العمل بها إذ الاتفاق وقع على صحتها فبعض استدل بها على الرجحان المانع من النقيض وبعض استدل بها على مطلق
الرجحان واحتج ابن بابويه برواية الحلبي وقد تقدم بيان ضعفها على أن القول بالاستحباب لا ينافي تلك إذ قد يؤمن بأدون الراجحين كما يؤمن بأعلاهما و
احتج الباقون برواية ابن عباس والجواب عنها مثل هذا الجواب. الثاني قال الشيخ وابن بابويه من جامع أمته وهي حائض تصدق بثلاثة أمداد
من طعام والأقرب الاستحباب حملا بالأصل ورواية عبد الملك تدل على إطعام عشرة مساكين وقد بينا ضعفها. الثالث الأول والأوسط
والآخر مختلف باختلاف النساء في عادتهن فلو كانت عادتها ستة فالأول اليومان الأولان والأوسط التاليان والآخر الأخيران ولو كانت
أربعة فاليوم الأول وثلث الثاني أول وثلثا الثالث أوسط وثلث الثالث والرابع بأسره آخر وهكذا كل عدد نفرضه فإنك تقسمه
أثلاثا. الرابع لو عجز عن الكفارة سقطت وجوبا واستحبابا ولو عجز عن بعضها قال بعض الجمهور تسقط ولو قيل يدفع ذلك البعض كان
قويا. الخامس الأجنبية حكم الزوجة لقول أبي عبد الله عليه السلام في رواية أبي بصير من أتى حائضا علق الحكم على المطلق من غير تقييد
فكان كالعام. السادس لو وطأ جاهلا أو ناسيا لوجه عدم تعلق الكفارة به وجوبا واستحبابا لقوله عليه السلام رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان ولأنهما إنما يجب لمحو الاثم ولا إثم مع النسيان كاليمين وبعض الجمهور القائل بالوجوب أوجبهما عملا بعموم الخبر والأول
أقوى. السابع لو وطأ طاهرة فحاضت في أثناء وطيه وجب عليه النزع مع العلم فإن لم ينزع تعلقت به الكفارة على أحد صفتي الوجوب و
الاستحباب وإن لم يعلم فالحكم فيه كما في الجاهل. الثامن لو وطأ الصبي لم يتعلق به إثم إجماعا لأنه فرع التكليف ولا تكليف مع عدم
116

البلوغ وقال ابن حامد يلزم الكفارة للعموم ولم يعلم أن العموم إنما يتناول المكلف. التاسع لو كرر الوطي قال الشيخ لا يتكرر عملا بالأصل
واختاره ابن إدريس والتفصيل بهذا الباب أولى وهو أن يقال إن الوطي قد تكرر في حال واحد كالأول ولم يكفر أولا فلا تكرر وإلا تكررت.
العاشر يجب على الواطي التعزير لأنه أقدم على فعل محرم هذا إن كان عالما بالحيض والتحريم ولو جهل أحدهما فالوجه عدم العقوبة. الحادي
عشر لو وطأ مستحلا وجب قبله لأنه ينكر ما علم ثبوته من الدين قطعا. الثاني عشر يجب عليه الامتناع من الوطي وقت الاشتباه كما في حالة
استمرار الدم لان الاجتناب حالة الحيض واجب والوطي ماله الطهر مباح فيحتاط بتغليب الحرام لان الباب باب الفروج. الثالث عشر لا يجب الكفارة
على المرأة ولو غرت لزوجها لعدم الدليل ولان الأصل براءة الذمة وعصمة المال ولانا نقلنا أن الزوج لا يجب عليه الكفارة فالمرأة أولى وقال أحمد
لو غرته وجب عليهما معا الكفارة قياسا على الاحرام والقياس عندنا باطل خصوصا في باب الكفارات أما لو كانت مكرهة أو جاهلة فلا كفارة
عليها إجماعا. الرابع عشر حكم النفساء في ذلك حكم الحائض لتساوي أحكامها على ما يأتي. الخامس عشر لا فرق في الاخراج
بين المضروب والنبر لتناول الاسم لهما ويشترط أن يكون صافيا من الغش وفي اخراج القيمة نظرا قربه عدم الاجزاء لأنه كفارة فاختص ببعض
أنواع المال كسائر الكفارات. السادس عشر مصرف هذه الكفارة مصرف سائر الكفارات لأنها كفارة ولأنها حق الله تعالى والمساكين
مصرف حقوق الله تعالى. السابع عشر وطي المستحاضة مباح عندنا على ما يأتي فلا يتعلق به كفارة والقائلون بالتحريم قالوا بعدم
الوجوب أيضا لان الوجوب من الشرع ولم يرد بإيجابها في حقها وهي ليست في معنى الحائض لما بينهما من الاختلاف. مسألة: ولو انقطع
دمها حل وطيها قبل الغسل وهو قول أكثر علمائنا خلافا لابن بابويه من أصحابنا فإنه حرمه قبل الغسل وبه قال الشافعي والزهري وربيعة
ومالك والليث والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وقال أبو حنيفة ان انقطع الدم لأكثر الحيض حد وطيها وإن انقطع لدون ذلك لم يبح حتى تغتسل
أو تيمم أو يمضي عليها وقت الصلاة. لنا: قوله تعالى: (فلا تقربوهن حتى يطهرن) بالتخفيف أي حتى يخرجن من الحيض فيجب القول بالإباحة بعد هذه
الغاية وأيضا قوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض) والمنع متعلق به فمع زواله ثبت الحل لان الأصل الإباحة ولان وجوب الغسل لا يمنع
الوطي كالجنابة وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها فقال إن أصاب زوجها شبق
فليغسل فرجها ثم مسها زوجها إن شاء قبل أن يغتسل وروي عن علي بن يقطين عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا انقطع الدم ولم يغتسل فليأتها
زوجها إن شاء وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها فقال: إن أصاب زوجها شبق فليغسل فرجها
ثم مسها زوجها إن شاء قبل أن تغتسل وروي عن عبد الله بن المغيرة عمن سمع عن العبد الصالح عليه السلام في المرأة إذا طهرت من الحيض ولم تمس
الماء فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل فإن فعل ذلك فلا بأس به وقال تمس الماء أحب إلي وعن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الحائض
ترى الطهر يقع بها زوجها قبل أن تغتسل قال لا بأس وبعد الغسل أحب إلي وهذه الأحاديث تدل على استحباب تقديم الغسل احتج المانعون بقوله
تعالى: (حتى يطهرن) بالتشديد أي يغتسلن ولأنها ممنوعة من الصلاة بحدث الحيض فلم يبح وطيها كما لو انقطع لأقل الحيض وبما رواه الشيخ عن أبي
بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن امرأة كانت طامثا فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل قال لا حتى تغتسل وعن امرأة
حاضت في السفر ثم طهرت فلم يجد ماء يوما واثنين أيحل لزوجها أن يجامعها قبل أن تغتسل قال لا يصلح حتى تغتسل وروي عن سعيد بن يسار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له المرأة تحرم عليها الصلاة ثم تطهر فتوضى من غير أن تغتسل فلزوجها
أن يأتيها قبل أن تغتسل قال لا حتى تغتسل والجواب
عن الأول: إنا قدمنا أن التخفيف قراءة فصارت القرأتان كائنتين فيجب العمل بهما فتحمل عند الاغتسال وعند الانقطاع أو نقول يحمل قراءة التشديد
على الاستحباب والأولى على الجواز صوتا للقرآن عن التنافي لا يقال قول فإذا تطهرن فاتوهن دال على اشتراط الغسل إذ المراد بالتطهير ها هنا
الغسل وكذا قوله ويحب المتطهرين اثنى عليهم فدل على أنه فعل منهم والفعل هو الاغتسال لا الانقطاع فشرط الإباحة الوطي بشرطين الانقطاع
والاغتسال فلا يباح إلا بهما لأنا نقول لم لا يجوز أن يكون قوله فإذا تطهرن يعني فإذا تطهرت كما يقال قطعت الحبل فينقطع وكسرت الكوز
فينكسر وحاصله أن يفعل قد جاء للمضي فقط كما يقال تطعمت الطعام وطعمته بمعنى واحد سلمنا لكن لم لا يجوز أن يكون كلاما مستأنفا لا مدخل
له في الشرط والغاية سلمنا لكن يحمل على غسل الفرج جمعا بين الأدلة وأما قوله ويحب المتطهرين فلا يدل على ما ذكرتم لاحتمال الاستيناف
أو يكون المراد منه التنزه من الذنوب فإن الطهارة في اللغة هي النزاهة فيحمل عليها ها هنا لمناسبة التوبة فإنه لا استبعاد أن يكون المراد أن الله
يحب التوابين أي عن الاقدام على الوطي بعد فعله فإن التوبة إنما يكون بعد الايقاع ويحب
المتطهرين أي المتنزهين عن إيقاع الوطي الذي
هو الذنب مطلقا وعن الثاني أنه غير وارد علينا وإنما هو وارد على مذهب أبي حنيفة وعن الثالث: أن النهي فيه يحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة
على أن الرواية في طريقها علي بن أسباط وفيه قول وكذا الجواب عن الرواية الثالثة. فروع: الأول لو كانت عادتها دون العشرة فانقطع عليها
جاز للزوج وطئها وقال أبو حنيفة لا توطأ حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت أداء الصلاة إليها مع القدرة على الغسل مثل أن يكون
117

الانقطاع في وقت صلاة فإن وجدت في الوقت مقدار ما تغتسل فتجد من الوقت ساعة فيصح فيها الصلاة فإنه يحكم بطهارتها بمضي ذلك الوقت
ويجوز وطئها بعد مضيه اغتسلت أولا وقال زفر لا يجوز أن يقربها حتى تغتسل ولو بقي من الوقت مقدار الاغتسال لا غير لم يحكم بطهارتها
حتى يمضي ذلك الوقت وتغتسل أو يمضي وقت صلاة أخرى منشأه على أصل هو أن المرأة إذا كانت أيامها دون العشرة في الحيض فإن مدة الاغتسال
من الحيض ولو كانت عشرة فمدته ليس من الحيض ولو فقدت الماء فتيممت حكم بطهارتها وجاز للزوج أن يقربها وهل تنقطع الرجعة بنفس التيمم
من غير صلاة به قال أبو حنيفة وأبو يوسف لا ينقطع خلافا لمحمد فلو رأت بعد ذلك لما حل للزوج وطيها ولا تقرأ القرآن لأنها بالتيمم خرجت
من الحيض فلما وجدت الماء وجب عليها الغسل فصارت كالجنب قال أبو حنيفة ولو انقطع في ليل رمضان ووجدت من الليل مقدار ما تغتسل وتجد ساعة
من الليل فإنه يجب عليها قضاء العشاء ويصح صومها في العدد لو بقي أقل من ذلك لم يجب القضاء ولم يصح صومها أما لو كانت عادتها عشرة
ووجدت بعد الانقطاع مقدار زمان الغسل وجب عليها قضاء العشاء ويصح صومها في الغد ولو بقي أقل من ذلك لم يجب القضاء ولم يصح صومها
أما لو كانت عادتها عشرة ووجدت بعد الانقطاع مقدار زمان الغسل وجب عليها قضاء صلاة العشاء وصح صومها وغسلها ونحن عندنا إن
الشرط الذي ذكره ليس بصحيح وقد تقدم بيانه. الثاني يكره للزوج وطئها قبل الغسل لما بيناه من الأحاديث الدالة على المنع ولوقوع الخلاف
في الجواب وعدمه وذلك متم كراهيته. الثالث لو غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها استحبابا ثم يطأها إن شاء لرواية محمد بن مسلم وقد تقدمت
لا يقال أنها تدل على الوجوب لأنه أمره أن لا تقربها إلا بعد غسل فرجها والامر للوجوب لأنا نقول هو الامر وإن كان في الأصل للوجوب لكن
قد ترك ذلك الأصل لوجود دليل وقد وجد ها هنا وهو رواية علي بن عبد الله بن المغيرة. مسألة: وعرق الحائض طاهر إذا لم يلاق
النجاسة لأنه الأصل فلا يزول اعتقاد ثبوته إلا بدليل ولما رواه محمد بن يعقوب في كتابه عن سورة بن كليب قال سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة
الحائض أتغتسل ثيابها التي لبسها في طمثها قال تغسل ما أصاب ثيابها من الدم وتدع ما سوى ذلك قلت وقد عرقت فيها قال إن العرق ليس
من الحيض وما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال الحائض تصلي في ثوبها ما لم يصبها دم جعل الغائط في عدم الإباحة أصابه الدم
والعرق ليس به فساغ الصلاة فيه فكان طاهرا وكذا لا ينجس ما يباشره من المائع لما رواه الشيخ ومحمد بن يعقوب في كتابيهما في الصحيح عن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الحائض تناول الرجل الماء فقال قد كان بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله تسكب عليه الماء وهي حائض
وتناوله الخمرة ولان الأصل عدم النجاسة. فصول في هذا الباب، مسألة: ولا ينبغي أن تشرب المرأة دواء إذا احتبس دمها لما رواه
محمد بن يعقوب في الصحيح وعن رفاعة النحاس عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له اشتري الجارية فربما احتبس طمثها من فساد دم أو ريح فتسعى
دواء لذلك فتطمث من يومها أفيجوز ذلك وانا لا أدري من حبل هو أو من غيره فقال لا تفعل ذلك فقلت له إنما ارتفع طمثها منها شهرا ولو كان
ذلك من حبل إنما كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل فقال إن النطفة إذا وقعت في الرحم يصير إلى علقة ثم إلى مضغة ثم إلى ما شاء الله وإن
النطفة إذا وقعت في غير الرحم لم يخلق فيها شئ فلا تسقها دواء إذا ارتفع طمثها شهرا وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيه وهذا النهي يدل على أن المنع
إنما كانت للحبل فعلى هذا لو كانت خالية منه لم أر به بأسا. فصل: وأغلب ما يجئ الحيض في كل شهر مرة روى ابن يعقوب عن أديم بن الحي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله تعالى حد للنساء في كل شهر مرة وروي في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن قوله تعالى:
(إن ارتبتم) فقال ما جاز الشهر فهو ريبة وروى ابن بابويه عن الباقر عليه السلام قال إن الحيض نجاسة للنساء رماهن الله تعالى به وقد كن
في زمن نوح عليه السلام إنما تحيض المرأة في كل سنة حيضة حتى خرج نسوة من محاريبهن وكن سبع مئة امرأة فانطلقن فلبسن المعصفرات من الثياب وتحلين و
تعطرن ثم خرجن فتفرقن في البلاد فجلسن مع الرجال وشهدن الأعياد معهم وجلسن في صفوفهم فرماهن الله تعالى بالحيض عند ذلك في كل شهر فسالت دماءهن
فاخرجن من بين الرجال فكن يحضن في كل شهر حيضة فشغلهن الله بالحيض وكسر شهوتهن وكان غيرهن من النساء اللواتي لم يفعلن مثل ما فعلن يحضن في كل
سنة حيضة قال فتزوج بنوا اللواتي يحضن في كل شهر حيضة بنات اللواتي يحضن في كل سنة حيضة فامتزج القوم فحضن بنات هؤلاء وهؤلاء في كل
شهر حيضة ويجوز أن يقع في الندرة خلاف ذلك روى ابن بابويه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال فاطمة عليها السلام يجاحدنكن (تخالفكن) أنها لا ترى دما في حيض
ولا نفاس. فصل: الناسية العدد والوقت ليس لها حيض وهكذا تفعل ما تفعله المستحاضة وتغتسل للانقطاع إلى آخر الشهر ويردها إلى آخر
الأحوال في أمور ثمانية. أحدها منعها من الاستمتاع فلا يحل على الزوج دائما. الثاني لا ينقي عدتها إلا بثلاثة أشهر. الثالث
إذا رأت قضاء صوم يوم صامت يومين أول وحادي عشر وعلى ما اخترناه يضف إليهما الثاني والثاني عشر للاحتمال أن يكون ابتداؤه من نصف
الأول إلى نصف الحادي عشر فيصح الثاني عشر ويحتمل أن يكون انقطاعه في نصف الثاني بأن يكون قد مزجت من الشهر الأول إلى نصف الثاني
ويبتدئ الحيض الثاني من نصف الثاني عشر فيصح الحادي عشر ويحتمل انقطاعه في نصف اليوم الأول ثم يبتدئ في النصف الحادي عشر
فيصح الثاني ويحتمل أن يكون الأول طهرا فيصح. الرابع إذا طلقت واحدة افتقر إلى انقطاعها في هذه الأيام الأربعة. الخامس تصوم
118

شهر رمضان بأجمعه ويقضي إحدى عشر على ما اخترناه ولو رأت القضاء في أيام الدم صامت شهرين لتحصل بها في كل شهر عشرة أيام. السادس
منعها من المساجد والطواف. السابع منعها من قراءة العزائم. الثامن أمرها بالصلاة والغسل عند كل صلاة. فصل: قال
ابن بابويه ولا يجوز للحائض أن تخضب لأنه يخاف عليها الشيطان. أقول: وليس مراده بذلك التحريم لما بيناه من الأحاديث الدالة على الجواز وكذا
قال والحائض تغتسل بتسعة أرطال من ماء بالرطل المدني وليس المراد بذلك الامر الوجوب لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام قال الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها وهذا يشعر على أن وصول الماء إلى الجسد مع حصول مسمى الغسل مجز ورواية
الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال الطامث تغتسل بتسعة أرطال من الماء لا يعارض هذا إذ الامر هنا للاستحباب لا يقال وقد روى
الشيخ في الصحيح عن محمد بن فضيل عن أبي الحسن عليه السلام كم يكفيها من الماء فقال فرق أبو عبيدة ولا اختلاف بين الناس فيما أعلمه أن الفرق ثلاثة
أصوع لأنا نقول إنه على الاستحباب فإن أحدا لا يوجب الاغتسال بفرق. فصل: ولو شكت المرأة في حال الصلاة هل حاضت أم لا دخلت
يدها فتمس الموضع فإن رأت شيئا انصرفت وإن لم تر شيئا أتمت صلاتها رواه الشيخ وابن يعقوب وفي الطريق ضعف إلا أن فيها احتياطا
فلا بأس بالعمل بمضمونها. فصل: فإذا كان على الحائض جنابة فليس عليها أن تغتسل حتى ينقطع حيضها وبه قال أحمد وإسحاق لان الغسل
لا يفيد شيئا من الاحكام وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن المرأة تحيض وهي جنب هل عليها
غسل للجنابة قال غسل الجنابة والحيض واحد وروي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل
واحد. تذنيب: لو اغتسلت للجنابة في زمن حيضها لم يرتفع جنابتها ولم يصح غسلها خلافا لأكثر الجمهور. لنا: أن الحدث ملازم
ولان الحيض أكبر من الغسل ولأنه لو توضى ليزيل الحدث الأصغر لم يعتد به مع الجنابة فكذا ها هنا ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن
يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن المرأة يجامعها زوجها فتحيض وهي في المغتسل تغتسل أو لا تغتسل قال لا تغتسل قد جاء
ما يفسد الصلاة وروي في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سأل عن رجل أصاب من امرأته ثم حاضت قبل أن تغتسل قال تجعله
غسلا واحدا والامر ظاهر للوجوب وروي في الموثق عن الحجاج الخشاب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع امرأته فطمثت بعد ما
فرغ أتجعله غسلا واحدا أو تغتسل مرتين قال تجعله غسلا واحدا عند طهرها لا يقال يعارض هذا ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران عن
أبي الحسن عليه السلام قالا في الرجل مع امرأته فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة قال غسل الجنابة عليها واجب لأنا نقول سماعة واقفي والراوي عنه
عثمان بن عيسى وهو واقفي أيضا فلا تعويل على هذه الرواية على أنا نقول نحن نسلم هذه الرواية فإن الحيض لا يسقط وجوب غسل الجنابة وليس فيها
دلالة على وجوب فعل غسل الجنابة حالة الحيض احتج المخالف بأن أحد الحدثين لا يمنع ارتفاع الآخر كما لو اغتسل الجنب الحدث الأصغر والجواب المنع
من بقاء الحدث الأصغر مع غسل الجنابة سلمنا لكنا نقول إن الحدث الأصغر لا يرتفع إلا بمجموع الطهارتين وكان كل واحد منهما كخبر وطهارة
وفعل الجزء لا يمنع من فعل الجزء الآخر بخلاف طهارتي الجنابة والحيض على أن الشيخ يلوح من كلامه في التهذيب جواز الاغتسال لرواية
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن المرأة يواقعها زوجها لم تحض قبل أن تغتسل قال إن شاءت أن تغتسل فعلت وإن لم تفعل فليس
عليها شئ فإذا طهرت اغتسلت واحدا للحيض والجنابة وفي طريقها ابن فضال وعمار الساباطي وكلاهما ضعيفان. فصل: قد بينا
الاختلاف في الاكتفاء بغسل الحيض عن الطهارة الصغرى وعدمه فعلى القول بالعدم يجوز تقديم الوضوء وتأخيره وأيهما قدم جاز أن ينوي
به استباحة الصلاة وهو ينوي بالمتقدم رفع الحدث أم بالمتأخر لا غير فيه نظر من حيث أن الحدث لا يرتفع إلا بهما فكان الأول غير رافع فلا
تنوي به الرفع وأنه مع المتأخر كالجزء فجازت نية رفع الحدث وكان أبي (ره) يذهب إلى الأول وعندي فيه توقف. فصل: ويستحب
لها الغسل للآخر والجمعة ودخول الحرم وغيرها من الأغسال المستحبة عملا بالعموم وليس شئ منها رافعا
للحدث فلا يصح الحيض
للمانعية. فصل: وروى ابن بابويه عن النبي صلى الله عليه وآله قال من جامع امرأته فهي حائض فخرج الولد مجذوما أو أبرص فلا
يلومن إلا نفسه وسئل الصادق عليه السلام عن المشوهين في خلقهم فقال هم الذين يأتي آبائهم نسائهم في الطمث قال ابن بابويه ولا يجوز
للنساء أن ينظرن إلى أنفسهن في المحيض لأنهن قد نهى عن ذلك. فصل: ولا بأس أن تغتسل المرأة وعليها الزعفران لرواية عمار الساباطي
عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الحائض تغتسل وعى جسدها الزعفران لم يذهب به الماء قال لا بأس به. فصل: بدن الحائض
والجنب والنفساء ليس بنجس ولو أصاب أحدهم بيده ثوبا رطبا لم ينجس وحكى عن أبي يوسف أنه قال بدن الحائض والجنب نجس حتى لو أدخل
الجنب رجله في ماء قليل صار نجسا وليس بشئ لقوله عليه السلام لعائشة ليست حيضتك في يدك.
الفصل الثالث في الاستحاضة،
وهو في الأغلب دم أصفر بارد رقيق لما رواه الشيخ في الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال ودم الاستحاضة
أصفر بارد وروي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال دم الاستحاضة بارد وروي في الصحيح عن إسحاق بن حريز عن
119

أبي عبد الله عليه السلام قال دم الاستحاضة دم فاسد بارد وقد يفضي بهذه الصفات حيضا إذا كان في العادة وإن يكون استحاضة وإن لم يكن بهذه
الصفات إذا تجاوز العادة أو كان بعد أكثر أيام النفاس أو كان أقل من ثلاثة وقد سلف بيان ذلك كله. مسألة: ويجب على المستحاضة
أن تعتبر الدم في قلته وكثرته وتوسطه لتغير أحكامها في أحوال الثلاث وذلك بأن تدخل قطنة في فرجها فإن لطخ الدم باطنها ولم يظهر عليها
لزمها إبدالها عند كل صلاة والوضوء لكل صلاة ولا خلاف عندنا في وجوب الابدال وأما الوضوء فهو قول أكثر الأصحاب خلافا لابن أبي عقيل
ومالك وقال أبو حنيفة تتوضى لوقت كل صلاة وقد تقدم البحث في ذلك ولو غمس الدم القطنة ولم يسل لزمها مع الوضوء والابدال تغير الخرقة
والغسل لصلاة الغداة والوضوء لكل صلاة وقال ابن أبي عقيل يجب عليها ثلاثة أغسال. لنا: ما رواه الشيخ عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال فإن لم
يجز الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة والوضوء لكل يوم مرة والوضوء لكل صلاة وروى الشيخ عن الحسن بن نعيم الصحاف عن أبي عبد الله عليه السلام قال فإن لم ينقطع عنها
الدم إلا بعد أن يمضي الأيام التي كانت ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغسل ولتحتشي ولتستثفر وتصلي الظهر والعصر ثم لتنظر فإن كان الدم
فيما بينهما وبين المغرب لا يسيل عن خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصلي عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها فإن طرحت الكرسف
عنها وسال الدم وجب عليه الغسل وروي في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: فإذا نفد اغتسلت وصلت وفي رواية إسماعيل الجعفي عن
أبي جعفر عليه السلام قال: المستحاضة تقعد أيام قروئها ثم تحتاط بيوم أو يومين فإن هي رأت طهرا اغتسلت وصلت وإن هي لم تر طهرا اغتسلت
واحتشت ولا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم للكرسف فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف وروى الشيخ في الصحيح عن
زرارة قال قلت للنفساء متى تصلي قال تقعد قدر حيضها وتستظهر بيومين فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت
فإن جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل وإن لم يجز الدم الكرسف صلت
بغسل واحد قلت والحائض قال مثل ذلك سواء فإن انقطع الدم وإلا فهي تصنع مثل النفساء سواء واعلم أن هذه الروايات كلها
لا تخلو عن ضعف أما الأول فراويها سماعة والراوي عنه عثمان بن عيسى وهما واقفيان وأما الثانية فإن الحكم فيها معلق على السيلان ومع ذلك
وفي طريقها من لا يحضرني الآن حال عدالته وجرحه وأما الثلاثة فإن في طريقها ابن بكير وفيه قول ورواية إسماعيل وفي طريقها القاسم وهو
واقفي وأبان بن عثمان وهو ضعيف ذكره الكشي وأما رواية زرارة فإنه لم يسندها إلى إمام وإن كان ثقة تدل على أنه لم يسندها
إلا إلى إمام إلا أن ذلك لا يخلو من احتمال فإنه من الممكن أن يخبر عن غير إمام وقد روى ابن يعقوب في كتابه في الصحيح عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن
شاذان عن حماد بن عيسى وابن أبي عمير عن معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام قال المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها
بعلها فإذا جازت أيامها رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر تؤخر هذه وتعجل هذه وللمغرب والعشاء غسلا تؤخر هذه
وتعجل هذه وتغتسل للصبح وتحتشي وتستثفر ولا تحتي (تحيى) وتضم فخذيها في المسجد وسائر جسدها خارجا ولا يأتيها بعلها أيام قرؤها وإن
كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء وهذه يأتيها بعلها في حيضها وهذه رواية صحيحة و
عليها أعمل ما لو سال دمها فعليها ثلاثة أغسال غسل للصبح وإن كان تصلي صلاة الليل أخرتها إلى قرب الصبح ثم اغتسلت لها
وللصبح وغسل للظهر والعصر وغسل للمغرب والعشاء وهو مذهب علمائنا أجمع خلافا لأكثر الجمهور فإن بعضهم لم يوجب الغسل أصلا ومالك
لم يجعله ناقصا. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أمر حبيبة وسهلة بنت سهل بالغسل ومن طريق الخاصة ما تقدم من الروايات
وما رواه الشيخ عن الحسين بن نعيم الصحاف قال قال أبو عبد الله عليه السلام وإن كانت الدم إذا أمسكت الكرسف صبيبا لا يرقى فإن عليها أن تغتسل
في كل يوم وليلة ثلاث مرات وتحشي وتصلي وتغتسل للظهر والعصر وتغتسل للمغرب والعشاء الآخرة وروي في الصحيح عن ابن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال المستحاضة تغتسل عند كل صلاة وتصلي الظهر والعصر ثم تغتسل عند المغرب وتصلي المغرب والعشاء
ثم تغتسل عند الصبح وتصلي الفجر ولا بأس أن يأتيها بعلها متى تشاء إلا في أيام حيضها ويعتزلها زوجها وما رواه عن يونس عن رجاله
عن أبي عبد الله عليه السلام قال أمر رسول الله صلى الله عليه وآله حمنة بنت جحش قالت إني أثجه ثجا فقال تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله سبعة
أيام أو ستة أيام ثم اغتسلي غسلا وصومي ثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين واغتسلي للفجر غسلا وأخرى الظهر وعجلي العصر واغتسلي غسلا و
أخري للمغرب وعجلي العشاء واغتسلي غسلا وروي في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال وإن كان صفرة فلتغتسل عند
كل صلاتين وقد مضى البحث مع المخالف. فروع: الأول قال المفيد (ره) إذا كان الدم كثيرا صلت بوضوئها وغسلها الظهر و
العصر معا على الاجماع وتفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء وتفعل مثل ذلك لصلاة الليل والغداة وقال السيد المرتضى وابنا بابويه تكتفي
بالاغتسال عن الوضوء وهو الظاهر من كلام الشيخ ره والحق عندي أنها تتوضأ لكل صلاة مع هذه الاغتسال. لنا: قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة
فاغسلوا) وذلك عام لا يقال يعارض هذا ما رواه الشيخ عن الحسن بن نعيم الصحاف قال وإن طرحت الكرسف عنها ولم
120

يسل الدم فلتتوضأ ولتصل ولا غسل عليها قال فإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فإن عليها أن تغتسل في
كل يوم وليلة ثلاث مرات وتحتشي وتصلي وتغتسل للفجر وتغتسل للظهر والعصر وتغتسل للمغرب والعشاء الآخرة وبما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع قال تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة فلتغتسل ولتستوثق من نفسها وتصلي كل صلاة بوضوء
ما لم ينفد الدم فإذا نفد اغتسلت وصلت وهذا التفصيل قاطع للشركة وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
وقد تقدمت لأنا نقول أن إيجاب الغسل لا يمنع إيجاب الوضوء مع كل غسل ولا مع كل صلاة لما تقدم من قوله عليه السلام كل غسل لا بد معه من الوضوء
إلا غسل الجنابة وقوله التفصيل قاطع للشركة مسلم فإن ذات دم القليل يقدم على الصلاة في الوضوء لا غير وذات الكثير به وبالغسل معا
فانقطعت الشركة لا يقال ان رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام تنافي هذه الآية قال تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر
ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء ثم تغتسل عند الفجر وهذا يدل على تعقيب الفعل للغسل فلا يجب الوضوء لأنا نقول
أنه من حيث المفهوم دال على ما ذكرتم وما قدمناه من احتياج كل غسل (للوضوء) لا وضوء منطوق فكان العمل به أولى على أنه يمكن حمل الصلاة على
المعنى الشرعي وحر (هو) مفهومها حينئذ الوضوء وفي طريق الرواية علي بن فضال وفيه قول. الثاني حكم النية ها هنا حكم نية الحيض في الوضوء
والغسل معا. الثالث إذا فعلت هذه الأغسال صارت طاهرا لان الاستحاضة حدث يبطل الطهارة بوجوده فمع الاتيان بما ذكر من
الوضوء حالة القلة والأغسال حالة الكثرة يخرج عن حكم الحدث ويجوز لها استباحة كلما يشترط فيه الطهارة كالصلاة والطواف ودخول
المساجد وقراءة العزائم وإباحة الوطي ولو لم يفعل ذلك كان حدثها باقيا وهل يصح صومها حينئذ قال أصحابنا يجب عليه القضاء كذا قال الشيخ في
المبسوط. الرابع قد بينا أن المستحاضة لا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد على الأشهر عندنا وقال الشافعي لا تجمع بين فريضتين وتجمع بين
الفريضة وما شاءت من النوافل وقال أبو حنيفة وأحمد تجمع بين فريضتين في وقت واحد وتبطل طهارتها بخروج وقت الصلاة وقال ربيعة
ومالك وداود لا وضوء على المستحاضة وقال الأوزاعي والليث تجمع بطهارتها من الظهر والعصر. الخامس انقطاع دم الاستحاضة ليس
بموجب للغسل فلو اغتسلت ذات الدم الكثير وقت الصبح ثم انقطع الدم وقت الظهر لم يجب الغسل واكتفت بالوضوء ولو كان الدم الكثير سائلا
مفرطا في غسل الصبح اجتزأت بغسل واحد للظهر والعصر مع الوضوئين ولو أرادت قضاء الصبح حينئذ كفاها الوضوء اما لو أرادت قضاؤه قبل الظهر
وجب أن تغتسل ولا يكفيها غسل صلاة الظهر وإن أوقعته قبل الزوال بشئ يناسب تقديم غسل الصبح لصلاة الليل وكذا ليس لها ان تقدم
غسل الزوال عليه ولا غسل الغروب عليه. مسألة: المستحاضة مع الأفعال يجوز وطئها ذهب إليه علماؤنا وبه قال أكثر الفقهاء وقال أحمد
يحرم وطئها إلا أن يخاف على نفسه الوقوع في محذور وهو اختيار ابن سيرين والشعبي والنخعي والحكم أما مع عدم الأفعال فالذي يعطيه عبارة
أصحابنا التحريم لنا على الإباحة قوله تعالى تطهرن فآتوهن وذلك عام وما رواه الجمهور عن حمنة بنت جحش انها كانت مستحاضة وكان
زوجها طلحة يجامعها وكانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها عبد الرحمن بن عوف يجامعها وقد سألت النبي صلى الله عليه وآله من أحكام المستحاضة
فلو كان حراما لبينه لهما ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال وهذه يأتيها بعلها إلا في أيام حيضها
عن المستحاضة وما رواه في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال ولا بأس أن يأتيها بعلها متى شاء إلا في أيام حيضها وأما ما يدل
على اشتراط الأفعال فما رواه الشيخ في الموثق عن فضيل وزرارة عن أحدهما عليهما السلام في المستحاضة فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها أن يغشاها
ولا ريب أن الصلاة لا تحل إلا مع الأفعال فكذا المعلق معه بحرف الشرط وما رواه عن مالك بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام في المستحاضة
ولا يغشها حتى يأمرها فتغتسل ثم يغشاها إن أراد وما رواه سماعة قال وإذا أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل واحتج أحمد بما روي عن عائشة
أنها قالت المستحاضة لا يغشاها زوجها ولان لها أذى فيحرم وطئها كالحائض الممنوع وفيها بالأذى لترتب الحكم عليه بقاء التعقيب المشعر بالعلية
والجواب عن الأول باحتمال أن يكون ذلك باجتهاد منها لا نقلا عن الرسول صلى الله عليه وآله فلا يكون حجة وأيضا يمكن أن يكون المراد لا
يغشاها زوجها في أيام أقرائها أو مع الاشتباه فإن الصيغة ليست للعموم وعن الثاني ان ما ذكرتموه مفهوم فلا تعارض للمنطوق سلمنا
لكن يمكن ترتيب الحكم على أذى الحيض لا على كل أذى خصوصا مع قوله: (فإذا تطهرن فآتوهن) وهذا يدل
بمنطوقه على تحليل الوطي لا
يقال يمنع اشتراط الأفعال فإن الله تعالى قال: (فإذا تطهرن فأتوهن) وقال: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم) ذلك يدل على عموم
التحليل ولان رواية ابن سنان تدل على الإباحة مطلقا ولان الوطي لا يشترط فيه خلو الموطوء من الحدث كالحائض إذا انقطع دمها والجنب
ولان الأصل الحل وقد سلم عن المعارض فيعلم به وأيضا فإن رواية زرارة غير دالة على مطلوبكم لان الظاهر أن المنع لما كان من الحيض كان
الحل بالخروج منه كما يقال لا يحصل الصلاة في المغصوب فإذا خرج حلت أي زال الغصب وإن افتقر إلى الطهارة ورواية ابن أعين تحمل
إنه أداء غسل الحيض لأنا نقول ما ذكرتم من الآيات لا يدل من حيث المنطوق على العموم إذ ليست هذه الصيغ موضوعة له ولو سلمناه لكن
121

ما ذكرناه خاص فيكون مقدما وهو الجواب عن رواية ابن سنان على أنها إنما رأت عقيب أمرها بالاغتسال والوضوء وأما ما ذكرتموه من القياس على الحائض
فهو ينقلب عليكم لأنا نقول فيشترط فيه انقطاع الدم كالحائض وأما التمسك بالأصل فضعيف مع ما ذكرناه من الأدلة واما ما ذكره من تأويل
رواية زرارة فضعيف إذ المنطوق تعليق الحل بالحل والاحتمال الذي ذكروه في رواية ابن أعين لم يدل عليه اللفظ فلا يكون مقبولا. مسألة:
ويجب عليه التحفظ بمنع الدم من التعدي على قدر الامكان بأن تختشي وتستثفر وتحتاط بحشو القطن أو ما يشبهه لرد الدم لما رواه يونس عن
رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام قال أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر حمنة لما شكت إليه كثرة الدم احتشي كرسفا فقالت إنه أشد من ذلك
إني أثجه ثجا فقال لها تلجمي وفي رواية فضيل وزرارة عن أحدهما عليه السلام وتحتشي وفي رواية ابن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام واحتشت كرسفا
وتنظر فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها في رواية ابن أبي نعيم عن أبي عبد الله عليه السلام ولتحتشي بالكرسف ولتستثفر وفي رواية زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام ويستوثق من نفسها وفي رواية معاوية بن عمار وتحتشي وتستثفر وتضم فخذيها في المسجد وفي رواية صفوان عن أبي الحسن عليه السلام
وتستدخل قطنة والأحاديث في ذلك كثيرة وروى محمد بن يعقوب في كتابه في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبي جعفر عليه السلام قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله تستدخل قطنة وتستثفر بثوب ولان طهارة البدن من النجاسة شرط في الاذن في الدخول في الصلاة فيجب تحصيله بقدر
الامكان وكذا البحث في صاحب السلس والمبطون وصاحب الجرح وقد تقدم إلا أن الاستحاضة تفارقهم لوجوب تغيير السداد للنص
وليس ذلك بواجب في حقهم لعدم الدلالة. مسألة: قد ذكرنا أن المستحاضة إذا انقطع دمها انتقض وضوئها وهو قول الشيخ في
المبسوط وقد أطلق الشيخ هذا والذي يقتضيه النظر التفصيل فإن الانقطاع إن كان للبئر ثبت ما قاله الشيخ أما لو انقطع ثم عاد فالوجه أنه لا
عبرة بهذا الانقطاع لأن اعتباره مما يشق والعادة في المستحاضة وأصحاب الاعذار كالسلس والمبطون ان الخارج تجري تارة وتنقطع أخرى
واعتبار مقدار الانقطاع بما يمكن فعل العبادة فيه يشق جدا وإيجاب الوضوء عند كل انقطاع غير مستقر خرج لم يثبت بدليل شرعي اعتباره
ولم يسأل النبي صلى الله عليه وآله عنه المستحاضة التي استفتته فلم يكن مستبرأ. فروع: الأول لو انقطع دمها في أثناء الصلاة للبئر
احتمل وجوب الاتمام والإعادة حينئذ لأنها دخلت في الصلاة دخولا مشروعا فليس لها إبطاله كالمتيمم يجد الماء بعد الدخول والابطال
لان حدثها لم يترفع وإنما دخلت مع الحدث للضرورة وقد زالت والحمل على التيمم قياس والأول أقوى. الثاني لو كان
دمها يجرى تارة وينقطع أخرى فإن اتسع وقت الانقطاع للطهارة والصلاة انتظر به ما لم يخرج الوقت وإن لم يتسع جاز لها الوضوء
والصلاة مع جريان الدم ولو توضأت حال جريانه وانقطع فدخلت في الصلاة جاز ولو استمر الانقطاع بطلت صلاتها لظهور أن هذا
الانقطاع قد أبطل طهارتها قبل الشروع في الصلاة. الثالث لو توضأت حال الجريان ثم صلت بعد الانقطاع فإن علمت أنه تعاود
صحت صلاتها وإن شك لم يصح سواء عاد إليها الدم وهي في الصلاة أولا أما مع عدمه فظاهر أما مع عوده فلانها دخلت بطهارة مشكوك
فيها فلم يصح وإن ثبت صحتها كما لو دخل الشاك في الطهارة في الصلاة ثم تبين أنه متطهر فإنه يعيد. مسألة: وغسلها كغسل الحائض
سواء في اعتبار النية والترتيب ومقارنة الوضوء وغيره من الاحكام لا نعرف فيه خلافا بين علمائنا ولو كانت جنبا لو لم تغتسل للحيض كفا لها
غسل واحد والبيان كما تقدم. مسألة: ولو اغتسلت لكل صلاة وتوضأت فهو أبلغ للتطهير وكان مستحبا وليس بواجب أما استحبابه
فلانه طهر فيسن فيه التكرار لقوله عليه السلام الطهر على التطهر عشر حسنات وأما عدم الوجوب فلما روي من قولهم عليهم السلام تغتسل لكل صلاتين
ولا نعرف في ذلك خلافا بين علمائنا وذهب بعض الجمهور إلى أنه يجب عليه الغسل لكل صلاة ورووه عن علي وابن عمر وابن عباس وابن الزبير
وهو أحد قولي الشافعي في المتحيرة ونحن نذهب إلى ما قاله الشافعي في المتحيرة لما تقدم من الأحاديث وقال بعضهم تغتسل كل يوم غسلا احتج
القائلون بوجوب التكرار عند كل صلاة قال (إن) النبي صلى الله عليه وآله أمر أم حبيبة لما استخلصت (استحاضت) بالغسل لكل صلاة والجواب انه معارض
لما تقدم من الأحاديث ولان الراوي عائشة فتحمل أنها توهمت الامر فيما ليس أمرا ولو سلم عن ذلك يحمل على الاستحباب.
الفصل الرابع
في النفاس، وهو دم يقذفه الرحم عقيب الولادة يقال نفست المرأة ونفست بضم " النون " وفتحها وفي الحيض بالفتح لا غير وهو مأخوذ من النص
وهي الدم لغة أو من تنفس الرحم بالدم. مسألة: ولا يكون نفاس إلا مع الدم سواء ولدته تاما أو ناقصا وهو قول أحمد في إحدى
الروايتين وأحد قولي الشافعي وفي القول الآخر يجب عليها الغسل وهو قول أحمد في إحدى الروايتين وذكر
الاختلاف بين زفر وأبي يوسف في وجوب الاغتسال عليها فأوجبه أحدهما دون الآخر. لنا: ان النفاس هو الدم المخصوص
ولم يوجد ولان الأصل براءة الذمة من وجوب الغسل واستباحة الأفعال الممنوعة منها النفساء فالقول بوجوب الغسل إبطال للأصل
من غير دليل ولان الوجوب حكم شرعي ولم يرد بالغسل ها هنا النص ولا معناه فإنه ليس بدم ولا مني وإنما ورد الشرع بالايجاب بهذين الشيئين
احتجوا بأن الولادة مظنة النفاس الموجب فقامت مقامه في الايجاب كالتقاء الختانين ولان استبراء الرحم يحصل بها كالحيض فيثبت فيها
حكمه ولان الولد خلق من المني وخروج المني يوجب الغسل والجواب عن الأول: أن المظنة إنما يعتبر بالنص أو الاجماع ولم يوجد ها هنا
122

وعن الثاني: أنه قياس طردي لا معنى تحته ثم إن النفاس والحيض اختلفا في كثير من الاحكام
وليس يشبهه في أن المخالفة في هذا الحكم أولى من مخالفته في سائر الأحكام ويؤيد ما ذكرناه ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن علي بن يقطين
عن أبي الحسن الماضي عليه السلام عن النفساء قال تدع ما دامت ترى الدم العبيط وهذا دل على المنع من الترك وقت عدم الرؤية للدم وعن الثالث أن
الموجب خروج المني تكون منه. مسألة: ولو خرج الدم قبل الولادة لم يكن نفاسا إجماعا كما أنه لو خرج بعد الولادة كان نفاسا إجماعا أما ما يخرج مع الولادة فقد صرح الشيخ في
الخلاف والمبسوط انه نفاس وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي العباس بن العاص من أصحابي الشافعي وقال السيد المرتضى النفاس هو الدم الذي يراه
المرأة عقيب الولادة وهو اختيار بعض الشافعية ومذهب أبي حنيفة واستدل الشيخ في الخلاف بأن اللفظ يتناول فتحمل على عموم ما ورد في
هذا الباب أما ما تراه مع الطلق قبل الولادة فليس بنفاس لما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام في المرأة يصيبها الطلق
أياما أو يوما أو يومين وترى الصفرة أو دما قال تصلي ما لم تلد فإن عليها الوجع ففاتها صلاة لم تقدر أن تصليها فعليها قضاء تلك الصلاة
ويؤيدها الأصل من شغل الذمة بالعبادة بعد التكليف وروى الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال قال النبي صلى الله عليه وآله
ما كان الله ليجعل حيضا مع حبل يعني إذا رأت المرأة الدم وهي حامل لا تدع الصلاة إلا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق ورأت
الدم تركت الصلاة. فروع: الأول لو وضعت شيئا تبين فيه خلق الانسان فرأت الدم فهو نفاس إجماعا ولو كان مضغة
فهو كالولد لأنه دم جاء عقيب حمل لأنه بدؤ خلق آدمي وكان نفاسا كم لو تبين فيها خلق آدمي وهو أحد الوجهين عند أحمد وفي الوجه
الآخر ليس بنفاس وهو اختيار الحنفية لأنه لم يتبين فيها خلق آدمي فأشبهت النطفة ولعل بين الامرين فرقا أما الخلقة والنطفة فلا
يتعين معهما الحمل فيكون حكم الدم الحاصل بعدها حكم الدم الحاصل أما حيض أو استحاضة. الثاني لو خرج
بعض الولد كانت نفاسا عندنا خلافا لبعض الحنيفة والوجه فيه ما تقدم. الثالث الدم الخارج قبل الولادة قال الشيخ في الخلاف
ليس بحيض معولا على الاجماع على أن الحامل المستبين حملها لا تحيض ونحن لما نازعنا في ذلك سقط هذا الكلام عندنا وللشافعي قولان
أحدهما أنه حيض والثاني انه استحاضة لاستحالة تعاقب النفاس والحيض من غير طهر صحيح بينهما ونحن ننازع في هذا. الرابع الدم
المتخلل بين الولدين التوأمين نفاس وهو قول مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف وأصح وجهي الشافعي وقال أبو إسحاق المروزي من أصحابه وإحدى
الروايتين عن أحمد وقال بعض الشافعية ومحمد وزفر انه ليس بنفاس وهو الوجه الضعيف للشافعي والرواية الأخرى لأحمد. لنا: ان
النفاس أما أن يكون مشتقا من تنفس الرحم أو من خروج النفس الذي هو الدم أو من النفس الذي هو الاسم للدم وعلى كل تقدير فالدم الحاصل
عقيب الولد الأول يصدق عليه المعنى للمشتق منه فيصدق عليه اسم المشتق لوجوب الاطراد في الاشتقاق احتج محمد بأن المرأة حامل ما دام في
بطنها ولد آخر ودم الحامل ليس بحيض فلا يكون نفاسا في الحكم سواء لان العدة تنقضي بالولد الآخر فكذلك النفاس لأنها حكمان متعلقان بالولادة
والجواب عن الأول: بالمنع من كون الحامل لا تحيض وقد سلف سلمنا لكن الحامل إنما لم تحض لانسداد دم الرحم وكان الخارج غير دم الرحم
أما ها هنا فبالولد الأول انفتح فم الرحم فكان الخارج دمه وعن الثاني: بالفرق فإن العدة تنقضي بوضع الحمل والحمل اسم لجميع ما في البطن
على أنا نمنع توقف الانقضاء على الولد الثاني وسيأتي البحث فيه إن شاء الله وقد ظهر ما تقدم ان ابتداء النفاس من الأول وعدد أيامه من
الثاني وهو أحد وجوه الشافعي والوجه الثاني له أن المعتبر بأول النفاس وآخره بالأول وبه قال أبو يوسف وأبو حنيفة أيضا حتى قالوا لو كان
بين الولدين أكثر مدة النفاس وهي أربعون أو ستون على الخلاف لم يكن ما يوجد من الدم بعد الثاني نفاسا والوجه الثالث لأنه يعتبر ذلك بالثاني
وبه قال محمد والزفر والحق ما قلناه من أنه يعتبر أوله بالأول وآخره بالثاني. مسألة: ولا حد لأقل النفاس وهو مذهب علمائنا أجمع
وبه قال الشافعي والأوزاعي ومالك وأبو حنيفة والثوري وقال محمد بن الحسن وأبو ثور أقله ساعة وقال أبو عبيدة أقله خمسة وعشرون
يوما وقال أبو يوسف فيما روي عنه أقله أحد عشر يوما وروي عن أحمد أقله يوم وحكي عن الثوري أن أقله ثلاثة أيام لأنها أقل الحيض
وقال المزني أربعة أيام بناء على أصول منها ان أقل الحيض يوم وليلة وإن أكثره خمسة عشر يوما وإن أكثر النفاس أربعة أضعاف أكثر الحيض فيكون أقله أربعة أضعاف أقل
الحيض. لنا: ما رواه الجمهور عن علي عليه السلام أنه قال لا يحل للنفساء إذا رأت الطهر إلا أن تصلي وما رواه ان امرأة ولدت على عهد رسول
الله صلى الله عليه وآله فلم تر دما فسميت ذات العفوف ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسن بن علي بن يقطين عن أبي الحسن
الماضي عليه السلام في النفساء كم يجب عليها الصلاة قال تدع ما دامت ترى الدم العبيط وهذا يدل على الانقطاع وإن أقل عدد أوقات
الدم قبله فوجب الصلاة ولان اليسير دم وجد عقيب سببه وهو الولادة فيكون نفاسا كالكثير فعلى هذا لو رأته
لحظة ثم انقطع حكم لها
بالنفاس تلك اللحظة. مسألة: وفي حد كثرته خلاف بين علمائنا قال الشيخ وعلي بن بابويه انه لا يزيد عن أكثر من الحيض وهو أحد قولي
المفيد والقول الآخر أكثره ثمانية عشر يوما وهو اختيار السيد المرتضى وابن الجنيد وأبي جعفر محمد بن بابويه وسلار وقال ابن أبي عقيل أيامها
123

أيام حيضها وأكثره أحد وعشرون يوما فإن انقطع دمها في أيام حيضها صلت وصامت وإن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوما ثم استظهرت بيوم
أو يومين فإن كانت كثيرة الدم صبرت ثم اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت وقال الشافعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين
عنه أكثره ستون يوما وبه قال عطا والشعبي وأبو ثور وداود وحكي عن عبد الله بن الحسن العنبري والحجاج بن أرطأة وقال أبو حنيفة وأحمد
في الرواية الأخرى والثوري وإسحاق وأبو عبيدة أكثره أربعون يوما ونقل عن مالك أيضا أن أكثره سبعون يوما وحكى ابن المنذر عن الحسن
البصري أنه قال خمسون يوما والحق عندي الأول. لنا: ان النفاس دم الحيض في الحقيقة وقد بينا أن أكثره عشرة وكذا النفاس فلان العبادة
شاغلة في الذمة ترك العمل بها في العشرة للاجماع فيبقى الباقي على ذلك الأصل ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أحدهما
عليهما السلام قال النفساء تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل كما تغتسل المستحاضة وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قلت له
النفساء تصلي قال تقعد قدر حيضها وتستظهر بيومين فإن انقطعت الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت وما رواه في الحسن
عن الفضيل بن يسار وزرارة عن أحدهما عليهما السلام قال النفساء تكف عن الصلاة أيام أقراءها التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل وتعمل كما تعمل
المستحاضة وما رواه في الصحيح عن يونس بن يعقوب قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام قال النفساء تجلس أيام حيضها التي كانت تحيض ثم تستظهر
وتغسل وتصلي وما رواه في الموثق عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال تقعد النفساء أيامها التي كانت تقعد في الحيض وما رواه في
الحسن عن يونس قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت ترى قال فلتقعد أيام قروئها التي كانت تجلس ثم
تستظهر بعشرة أيام قال الشيخ أراد به إلى عشرة أيام لان حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن
موسى عليه السلام في امرأة تنفست وبقيت ثلاثين ليلة أو أكثر ثم طهرت وصلت ثم رأت دما أو صفرة فقال إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصل ولا تمسك
عن الصلاة وإن كان دما ليست بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيام قروئها ثم تغتسل ولتصل وروي في الموثق عن مالك بن أعين قال سألت
أبا جعفر عليه السلام عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم قال نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام حيضها ثم يغشاها إن
أحب وحل الوطي يستلزم الخروج عن حد النفاس احتج السيد المرتضى بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
كم تقعد النفساء حتى تصلي قال ثمان عشر سبع عشرة ثم تغتسل وتحتشي وتصلي وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال: سألت عن النفساء كم تقعد فقال إن أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تغتسل الثمان عشرة ولا بأس أن تستظهر بيومين
والجواب عن الأول: إن ما رويناه أكثر والكثرة دالة على الرجحان ولان الأصل لزوم العبادة فكان الحديث مرجوحا فلا يعتمد عليه و
بما يأتي بعد وعن الثاني: ان أسماء إنما سألته عليه السلام بعد مضي ثمانية عشر يوما ولا شك أنه حينئذ يجب عليها الاغتسال وليس فيه دلالة على
تجديد مدة النفاس ذلك العدة ويدل على وقوع السؤال بعد الانقضاء ما رواه الشيخ عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه قال سألت امرأة
أبا عبد الله عليه السلام قالت إني كنت أقعد في نفاسي عشرين يوما حتى أفتوني بثمانية عشر يوما فقال أبو عبد الله ولم أفتك بثمانية عشر
يوما فقالت المرأة للحديث الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر فقال أبو عبد
الله عليه السلام ان أسماء سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أتاها ثمانية عشر يوما ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل كما تفعل
المستحاضة وما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمرها رسول الله حين أراد الاحرام بذي الحليفة أن
تحتشي بالكرسف والخرق وتهل بالحج فلما قدموا ونسكوا المناسك فأتت لها ثمان عشرة يوما فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تطوف
بالبيت وتصلي ولم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك وما رواه عن فضيل وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن
أبي بكر فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله حين أرادت الاحرام من ذي الحليفة أن تغتسل وتحتشي بالكرسف وتهل بالحج فلما قدموا ونسكوا المناسك سألت
النبي صلى الله عليه وآله عن الطواف بالبيت والصلاة فقال لها منذ كم ولدت فقالت منذ ثمانية عشرة ليلة فأمرها رسول
الله صلى الله عليه وآله أن تغتسل وتطوف بالبيت وتصلي ولم ينقطع عنها الدم ففعلت مثل ذلك فسقط الاحتجاج بذلك احتج أبو حنيفة بما روته
أم سلمة قالت كان النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أربعين يوما وأربعين ليلة وان النفاس دم الحيض ومدة احتباسه
ستة أشهر والغالب أن الحيض ستة أو سبعة فإذا جعل في الشهرين ستة وفي الأربعة سبعة كا الجميع أربعين والجواب عن الأول إن هذا
الحديث لم يعرف إلا من أبي سهل كثير بن زياد كذا قال الترمذي وذلك مما يوجب تطرق التهمة إليه لان الانفراد مع اشتداد الحاجة إلى
الاشتراك يوجب تطرق التهمة على أن مالكا أنكره وأيضا فإن أم سلمة لم تروه عن رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يكون حجة وعن الثاني:
أن الحيض في حال الحمل ينصرف غذاء للولد فلا تحبس وعند الولادة يندفع ما كان للتغذية فيكون حيضة واحدة لا يقال قد روى هذا
المقدار الشيخ عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال النفساء تقعد أربعين يوما فإن طهرت وإلا اغتسلت وصلت ويأتيها
124

زوجها وكانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلي وعن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال النفساء تقعد ما بين الأربعين إلى الخمسين
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال تقعد النفساء إذا لم ينقطع عنها الدم أربعين يوما إلى الخمسين لأنا نجيب عن
الأولين بالمنع من صحة سندها وأيضا فإنهما معارضان بما قدمناه من الأحاديث الدالة الصحيحة قال أبو جعفر ابن بابويه الأحاديث التي وردت
في قعودها أربعين يوما وما زاد إلى أن تطهر معلولة كلها لا يفتي بها إلا أهل الخلاف وهذا هو الجواب عن الأخير واحتج الشافعي بما روي عن
الأوزاعي أنه قال عندنا امرأة ترى النفاس بشهرين وروي أن مثل ذلك عن عطا أنه وجده والمرجع في ذلك إلى الوجود ولان أكثر النفاس
أربعة أمثال أكثر الحيض إجماعا وقد ذكرنا أن أكثره خمسة عشر يوما فيكون النفاس شهرين والجواب عن الأول: باحتمال الزيادة كانت
حيضا أو استحاضة كما لو زاد دمها على الستين أو كما زاد دم الحيض خمسة عشر يوما عنده وعن الثاني: أنه لا يعرف بالقياس فاتبعنا النص فيهما
جميعا على أنا نمنع الاجماع على أن أكثره أربعة أمثال أكثر الحيض وكيف يحكم بالاجماع على ذلك ومالك وأحمد وغيرهما من
الفقهاء ومن الصحابة وابن عباس وغيرهما نازعوا في ذلك على أنه قال في أحد وجهيه أكثر الحيض ثلاثة عشر يوما احتج مالك بأنه قد
روى في بعض الاخبار أنه سبعون والجواب انه غريب والمشهور ما قلناه واحتج ابن أبي عقيل بما رواه البزنطي في جامعه في الصحيح عن جميل عن زرارة
ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام وبما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام وبما رواه الشيخ في الصحيح
عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال تقعد النفساء تسع عشر ليلة فإن رأت دما صنعت كما تصنع المستحاضة والجواب أنه مع شذوذه مناف
للأصل المقتضي لشغل الذمة بالعبادة مع أن ابن سنان الراوي المذكور روي أن أكثره مقدار الحيض لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن ابن يقطين عن أبي
الحسن الماضي عليه السلام إن أكثره ثلاثون يوما لأنا نقول هذه رواية شاذة لم يعمل بها أحد فلا تكون معارضة للروايات المقدمة ومع ذلك
فهي محتملة للتأويل. مسألة: لو انقطع الدم لدون العشرة أدخلت قطنة فإن خرجت نقية اغتسلت وصلت وجاز لزوجها أن
يقربها وحل عليها جميع ما يحل على الطاهرات وإن خرجت ملوثة صبرت إلى النقاء ويمضي مدة الأكثر وهي عشر أيام إن كانت عادتها وإلا صبرت عادتها خاصة
واستظهرت بيوم أو يومين وكذا البحث لو استمر بها الدم وبعض المتأخرين غلط ها هنا فتوهم أن مع الاستمرار تصبر عشرة ولا نعرف عليه دليلا
سوى ما رواه يونس عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تستظهر بعشرة أيام وذلك غير دال على محل النزاع إذ من المحتمل أن يكون عادتها ثمانية
أيام وتسعة أيام ويدل على ما اخترناه الأحاديث التي قدمناها فإنها دالة على حوالة النفساء عن الحائض في الأيام والاستظهار بيوم
أو يومين. فروع: الأول لا يرجع إذا تجاوز دمها إلى عادتها في النفاس لما رويناه من الأحاديث الدالة على الحوالة على
أيام الحيض وما رواه الشيخ عن محمد بن يحيى عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن النفساء فقال كما كانت تكون مع ما مضي من أولادها قلت
فلم تلد فيما مضى قال بين الأربعين إلى الخمسين ليست مشهورة مع ضعف سندها ولم يعمل على مضمونها أحد من الأصحاب وهي معارضة للروايات
الصحيحة فكانت مدفوعة بالكلية على أنه يحتمل أنه أراد إذا تطابقت أيامها في النفاس المقدم مع أيامها في الحيض. الثاني هل يرجع
إلى عادة أمها وأختها في النفاس لا يعرف فتوى لاحد ممن تقدمنا في ذلك وقد روى الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال
النفساء إذا ابتليت بأيام كثيرة مكثت مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك واستظهرت بمثل ثلثين أيامها ثم تغتسل وتحتشي وتصنع كما
تصنع المستحاضة وإن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك ثم صنعت كما تصنع
المستحاضة تحتشي وتغتسل والرواية شاذة وفي سندها ضعف والأقوى الرجوع إلى أيام الحيض. الثالث لو كانت مبتدئة أو مضطربة
أو ذات عادة منسية فإن انقطع الدم لعشرة فما دون فهو نفاس قطعا ولو تجاوز ففي قدر أيامها حينئذ نظر فإنه يمكن أن يقال أنها تجلس ستة
أيام أو سبعة لان الحائض تقعد ذلك فكذلك النفساء لأنه حيض في الحقيقة ولان قوله عليه السلام تجلس أيام حيضها التي كانت تحيض كما يتناول
الماضي يتناول المستقبل وفيه ضعف ويمكن أن يقال أنها تجلس عشرة أيام لأنه حيض في الحقيقة فلا يزيد على أيامه ولرواية يونس ولان
العشرة أيام الحيض فتنفست بها ولان النفاس قد ثبت بيقين فلا يزول إلا بيقين وهو بلوغ العشرة بخلاف الحيض لأنه لم يثبت من الابتداء
بيقين ويمكن أن يقال تجلس ثمانية عشر لرواية محمد بن مسلم الصحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام قال كم تقعد النفساء حتى تصلي؟ قال: ثمان عشرة سبع
عشرة والرواية الصحيحة عن أبي جعفر عليه السلام بمثله وتحمل هذه النفساء على المبتدئة جمعا بين الاخبار فإن هذه مطلقة والأحاديث المتقدمة دالة
على سبق عادة للمرأة فتعمل بتلك في موضعها وتحمل هذه الرواية المطلقة على المبتدأة وهذا الأخير كأنه أقرب إلى الصواب وللشافعي قولان في أحدهما ترد
إلى الخطة وفي الآخر إلى أربعين. الرابع الأقرب أن الاستظهار بيوم أو يومين لذات العادة ليس بواجب لما رواه الشيخ عن زرارة وفضيل
في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام قال: تكف عن الصلاة أيامها ثم تغتسل فترك الاستظهار بتر ك العبادة عقيب السؤال دال على عدم الوجوب. الخامس
إذا تجاوز الدم أكثر أيام النفاس فهو استحاضة سواء صادف أيام العادة في الحيض أو لم يصادف وخلافا لأحمد فإنه قال: إن صادف أيام العادة فهو حيض
125

وإلا فهو استحاضة. لنا: انه دم حيض قد احتبس فلا يتعقب حيض ما لم يفصل الطهر بينهما وبين هذا الدم
والموجود قبل الوضع فروقا. السادس
لو تخلل النفساء بين الدمين ولم يتجاوز أكثر النفاس فالجميع نفاس تقضي الصوم الذي فعله عند الانقطاع وهو قول أبي حنيفة وللشافعي فيما إذا
رأت الدم العائد يوما وليلة بعد طهر خمسة عشر يوما قولان، أحدهما: انه حيض وهو قول أبو يوسف ومحمد لان الدم فصل بينهما طهر صحيح فلم
يضم أحدهما إلى الآخر والثاني هو نفاس وبه قال أبو حنيفة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وهو قول عطاء والشعبي لأنهما دمان في زمان أيام
النفاس فكانا نفاسا كما لو تخلل بينهما أقل من خمسة عشر وفي الرواية الأخرى عن أحمد أنه مشكوك فيه فتصوم فيه وتصلي وتقضي الصوم
أما ما صامته في زمن الطهر فقد نص أحمد على أنه صحيح لا قضاء فيه. لنا: انه دم في زمن النفاس فكان نفاسا كالأول وكما لو اتصل ومع
ثبوت أنه نفاس كانت أيام النقاء كذلك لأنها لا يفصل ما لم يكمل أقل الطهر وهو عشرة. السابع لو لم يعد إلا بعد العاشر أختص النفاس
بأيام الدم وكانت أيام النفساء طهرا لان النفاس هو الدم ولم يوجد صورة ولا حكما أما القائلون من أصحابنا بأن أكثر النفاس ثمانية
عشر لو رأت ساعة بعد الولادة ثم انقطع عشرة أيام ثم رأته ثلاثة أيام فإنه يحتمل أن يكون حيضا لأنه بعدد أيامه بعد طهر كامل و
أن يكون نفاسا لأنه في وقت إمكانه فعلى الأول لو رأته أقل من ثلاثة كان دم فساد لأنه أقل من عدد الحيض بعد طهر كامل فكان
فسادا وعلى الثاني يكون نفاسا ولم يقف لهم على نص في ذلك. الثامن لو ولدت ولم تر دما إلا يوم العاشر فهو النفاس خاصة
ومما قبله طهر وما بعده استحاضة لما قلناه من أن النفاس هو الدم وإن حده عشرة أيام ولو لم تر في العشرة دما ثم رأت بعدها فإن
استمر ثلاثة فهو حيض ولا نفاس لها ان أيامه قد أنقضت بغير دم وإن كان أقل فهو استحاضة إلا أن يعيد قبل انقضاء العشرة الثانية
ويكمل ثلاثة فإنه يكون حيضا عند القائلين بالتلفيق. التاسع المعتادة في الحيض لو كانت ذات جفاف ثم ولدت واستحيضت جرت على
عادتها في الحيض خمسة من كل شهر ونفست عشرا ثم طهرت شهرا مرتين أو مرات ثم استحيضت رجعت إلى عادتها في الحيض ولم ينتقل بتغير الطهر.
العاشر لو ولدت ولم تر الدم إلى خمسة عشر يوما ثم رأته فعندنا ليس بنفاس إذ النفاس قد خرج وعند القائلين بأن أكثره ثمانية عشر
يوما يكون نفاسا وللشافعي فيه وجهان. الحادي عشر لا اعتبار بعبادتها في النفاس عندنا لما بيناه خلافا لأكثر الجمهور فعلى قولهم لو كانت
عادتها في النفاس ثلاثين فولدت فرأت الدم عشرين ورأت الطهر عشرة أيام من عادتها ثم رأت الدم حتى تجاوز الأربعين في قول من يجعل
الأربعين حد الأكثر قال أبو يوسف يكون نفاسها ثلاثون وقال محمد نفاسها عشرون وأبو يوسف تختم النفاس بالطهر خلافا لمحمد. الثاني
عشر القائلون باعتبار العادة فيه اختلفوا فيما يزيد عليها فعند الشافعي إن كانت معتادة يرد إليها ثم يحكم بالطهر بعد العادة
وعلى قدر عبادتها ثم يبتدي حيضها قال ولو ولدت مرارا وهي ذات جفاف ثم ولدت واستحيضت فهي كالمبتدأة وعدم النفاس لا يثبت
لها عادة كما أنها لو حاضت خمسا وطهرت ستة وهكذا مراد ثم استحيضت فلا نقول الدور ستة بل أقصى ما يرتقي إليه الدور تسعون
يوما وهو ما ينقضي به عدة الأول وما فوقه لا يؤثر فيه العادة وفي المبتدأة قولان تقدما والمميز حكمها حكم الحائض في شروط التميز
إلا أن الستين ها هنا بمنزلة خمسة عشر وفي المتحيرة قولان أحدهما ترد إلى الاحتياط وفي الآخر إلى المبتدأة. الثالث عشر لو ولدت
توأمين فما بعد الثاني نفاس قطعا ولكنهم اختلفوا فذهب علمائنا إلى أن أوله من الأول وآخره من الثاني وبه قال أبو إسحاق المروزي من
أصحاب الشافعي وأبو طيب الطبري وبعض الحنابلة فعلى هذا لو رأت الدم بعد الأول عشرة كان نفاسا وولدت بعد العشرة بلا فصل
حتى جاوز دمها إلى العشرة كان نفاسها عشرون وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين ان النفاس كله من الأول اوله وآخره
فعلى هذا لو ولدت الثاني عقيب مضي أكثر النفاس لم يكن نفاسا وقال زفر ان ابتدائها وانتهائها من الثاني فلم تجعل ما قبل الولادة الثانية
نفاسا لنا: ان الثاني دم يعقب ولادة فلا ينتهي قبل انتهاء مدة النفاس كالمنفرد احتج أبو حنيفة بأن أوله من الولد الأول لما بيناه فيما سلف فأخره
منه كالمنفرد والجواب الفرق ظاهر لتكثر الولادة الموجبة لتعدد أيام النفاس في الصلاة الثانية دون الأولى واحتجاج زفر والجواب
عنه قد مضى. مسألة: وحكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها ويكره ويباح ويسقط عنها من الواجبات ويستحب تحريم
وطيها وجواز الاستمتاع بما دون الفرج لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم وإنما يتفارقان في أقل أيامه فلا حد له ها هنا وفي أكثره
على رأي بإنقضاء العدة فإن الحيض علة بخلاف النفاس إذ المقتضي للخروج من العدة إنما هو الوضع وبالدلالة على البلوغ فإنه يحصل
بالحيض دونه لحصوله بالحمل قبله وخالف الحنفية في انقضاء العدة به فجعلوه علة فعلى هذا إذا طلقها بعد الولادة ثم قالت بعد ذلك
انقضت عدتي وقال أبو حنيفة لا تصدق في أقل من خمسة وثمانين يوما وفي رواية عنه لا تصدق في أقل من مئة يوم وفي أخرى لا
تصدق في أقل من مئة وخمسة عشر يوما وقال أبو يوسف لا تصدق في أقل من خمسة وستين وفي قول محمد لا تصدق في أقل من أربعة وخمسين
يوما وساعة وهذه المسألة تبنى عندهم على أن الدمين إذا امتدا وفي الأربعين كان ذلك كله نفاسا في قول أبي حنيفة وفي قول صاحبه
126

إذا كان الطهر أقل من خمسة عشر يوما لم يفصل وإلا فصل أيضا المعتدة لا تصدق في الاخبار عن انقضاء العدة في أقل من شهر في قول أبي
حنيفة وعندهما لا يصدق وفي أقل من تسعة وثلاثين يوما واختلف الروايات عنه في تخريج قوله فروى محمد أنه يبدء بالطهر خمسة عشر ثم
الحيض خمسة ثلاثة أدوار فيكون ستين وروي عنه الحسن بن زياد أنه يبدء بالحيض عشرة ثم الطهر خمسة عشر ثلاثة أدوار فطهران وثلث حيض
فيكون المجموع ستين يوما إذا عرفت هذا فنقول: طهر على قول أبي حنيفة على الرواية الأولى لأنه يجعل النفاس خمسة وعشرين يوما و
خمسة عشر طهرا لتأمن عليها الانتقاض ثم تضم خمسة وعشرين النفاس إلى شهرين فتصير خمسة وثمانين يوما الحيض خمسة ثم الطهر خمسة
عشر يوما ثم الحيض خمسة وفي الرواية الثانية أنه يجعل الحيض عشرة ومحمد يجعل الحيض خمسة فإن زاد ثلاث مرات خمسة فعلى هذا صارت
مائة وفي الرواية التي يجعل مائة وخمسة عشر تجعل النفاس أربعين وتضم خمسة عشر إلى مئة وأما أبو يوسف فإنه يجعل النفاس أحد
عشر والطهر بعده خمسة عشر ثم تضم إلى ذلك تسعة وثلاثين على مذهبه في المعتدة فتصير خمسة وستين يوما وإنما جعل النفاس أحد عشر
لان النفاس غالبا تزيد عن أكثر الحيض والساعات لا تنضبط فانتقل عنها إلى الأيام وأقل الأيام يوم فاقتصر عليه وأما محمد فإنه
يصدقها في أقل النفاس وهو ساعة كما في أقل الحيض ثم بعدها طهر خمسة عشر ثم تضم ذلك إلى تسعة وثلاثين فتصير أربعة وخمسين
يوما وساعة وهذا الفرع ساقط عندنا لأنه مبني على أصول ذهب فساد بعضها وسيأتي إبطال الباقي إن شاء الله. مسألة: وغسلها
واجب لا نعرف فيه مخالفا من أهل القبلة وكيفيته كغسل الحيض ولا بد معه من الوضوء على الخلاف ويجوز تقديم الوضوء وتأخيره وتقديمه
أفضل نص عليه الشيخ في المبسوط وقال في الجمل بوجوب تقديم الوضوء عليها وعلى الحائض والأقرب عدم الوجوب إذ الأصل عدمه وروى الشيخ
في الحسن عن أبي عبد الله (ع) قال: في كل غسل وضوء إلا الجنابة والمعية الحقيقية غير مراد ها هنا لتعذره فيحمل على المقارنة الممكنة بالتقدم
اليسير أو التأخر لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله (ع) قال كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة
لأنا نقول هذه صيغة أخبار وهو غير مراد فلا بد من إضمار شئ أو صرفه إلى الامر فيخرج عن الدلالة الظاهرة فلا يبقى حجة نعم الأولوية ثابتة
لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول ليس على النفساء غسل سفر لأنا نقول هذا الحديث
متروك الظاهر بالاجماع فلا بد من تأويله بالمحتمل وهو ما إذا تعذر استعمال الماء للحاجة إليه أو لتعذره أو لغيرهما من الموانع بقرينة السفر
الذي هو مظنة الاعذار. تذنيب: لو طهرت ثم ولدت ولم ترد ما لم ينتقض طهارتها لان الولادة بمجردها ليس ناقضة.
الفصل الخامس
في غسل الأموات، مسألة: ويجب الغسل على من مس ميتا من الناس بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل وهو قول أكثر علمائنا
ورواه الجمهور عن علي (ع) وأبي هريرة وسعيد بن المسيب وابن سيرين والزهري وأبي سعيد الجورجاني والشافعي والبزنطي وبه قال أحمد
في الكافية خاصة وقال السيد المرتضى هو مستحب وليس بواجب وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأبي ثور ونقل ابن عباس وابن عمر وعائشة
والحسن والنخعي وإسحاق. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال من غسل ميتا فليغتسل قال الترمذي وهذا حديث
حسن وما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أمر عليا (ع) أن يغتسل لما غسل أباه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سماعة عن
أبي عبد الله (ع) قال: وغسل من غسل ميتا واجب وما رواه عن يونس عن رجاله عن أبي عبد الله (ع) قال: وغسل من غسل ميتا وعده
في الفروض وما رواه في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: اغتسل إذا اغتسلت ميتا وما رواه في الحسن عن حريز عن أبي عبد
الله (ع) قال: من غسل ميتا فليغتسل وما رواه عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: يغتسل الذي غسل الميت وما رواه في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال الغسل في سبعة عشر موطنا وقال إذا غسلت ميتا وكفنته أو مسسته بعد ما يبرد احتج المخالف
بما رووه عن صفوان بن غسال قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا نضع خفافنا ثلاثة أيام إلا من جنابة ولأنه غسل آدمي
فلم يوجب غسل الحي والجواب عن الأول من وجوه، أحدها الطعن في الحديث فإن مالك بن أنس لم يعمل به ولو كان صحيحا لما رده.
الثاني ان قوله أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله ليس نصا في الباب لجواز أن يكون توهم ما ليس بأمر أمرا. الثالث انهم تارة
ينقلون عن صفوان والأخرى عن عرف بن مالك الأشجعي وذلك دليل الاضطراب وتطرق التهمة. الرابع انهم نقلوه عن النبي صلى
الله عليه وآله في غزاة تبوك ولو قلنا بموجبه لما كان نقصا لان الغالب في أحوال الحرب استناد الموت إلى القتل ونحن نقول إنه لا يجب على
من مسه الغسل حينئذ. الخامس أنه (ع) إنما أمرهم بذلك بناء على الغالب فلا يكون وإلا على النفي عن غيره وعن الثاني بالفرق فإن الميت نجس
عندنا لما يأتي بخلاف الحي. فروع: الأول يجب الغسل على الغاسل ومن مسه يعني الغسل لرواية محمد بن مسلم وقد تقدمت. الثاني
لا فرق في المس بين أن يكون أحدهما رطبا أو كلاهما يابسين عملا بالعموم. الثالث لو مسه رطبا ينجس نجاسة عينية لما يأتي من
أن الميت نجس ولو مسه يابسا فالوجه ان النجاسة حكمية فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته للميت رطبا لم يؤثر في تنجسه لعدم التنجيس و
127

ثبوت الأصل الدال على الطهارة. مسألة: ولا يجب الغسل لو مسه بعد تطهيره بالغسل ولا قبل برده بالموت وهو مذهب علماء الأمصار
لأنه بعد التطهير طاهر فلا تؤثر في التنجيس العيني والحكمي وقبل البرد طاهر لعدم انتقال الروح بالكلية فلا يؤثر في التنجيس ويؤيده ما رواه
الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ولا تغتسل من مسه إذا أدخلته القبر ولا إذا حملته وروي في الحسن عن حريز عن أبي عبد الله
(ع) قال فإن مسه ما دام حارا فلا غسل عليه وعن ابن سنان عنه (ع) وإن قبل الميت بعد موته وهو جائز فليس عليه غسل ولكن إذا مسه
وقبله وقد برد فعليه الغسل ولا بأس بمسه بعد الغسل وتغسيله. فروع: الأول قال الشيخ في المبسوط لو مسه قبل برده لم يجب الغسل
ويغسل يده وفى وجوب غسل اليد عندي نظر. الثاني الأقرب في الشهيد أنه لا يجب الغسل بمسه لان الرواية يدل بمفهومها على أن الغسل
إنما يجب في الصورة التي يجب فيها تغسيل الميت قبل غسله. الثالث المقتول قودا أو مرجوما أو حدا إذا فعل ما أمر به من الغسل
هل يجب الغسل بمسه بعد برده بالموت فيه نظر من حيث أنه قد أمر بالتطهير أولا وأوجب ابن إدريس الغسل به ولو مات حتف أنفه بعد
الغسل قبل القتل وجب إعادة الغسل عليه ويجب على من مسه الغسل. الرابع السقط الذي لدون أربعة أشهر لا يجب بمسه الغسل قاله
المفيد (ره) وهو قوي لما ذكرناه في المقتول ولأنه لا يسمى ميتا إذ الموت إنما يكون بعد حياة سابقة وهو إنما يتم في أربعة أشهر نعم يجب غسل
اليد. الخامس الأقرب أن الغسل يجب بمس الكافر لان في حياته نجس وبالموت لا يزول عنه ذلك الحكم ويحتمل العدم لان قولهم قبل تطهره بالغسل
إنما يتحقق في ميت يقبل التطهير. السادس لو تعذر الماء فتيمموا الميت وجب على من مسه بعده الغسل لان النص قيد فيه التطهير بالغسل.
مسألة: ويجب الغسل بمس قطعة من الميت ذات عظم لأنها بعضه فيجب فيها ما يجب فيه ولان المس المعلق عليه الوجوب يصدق بمس الجزء
وليس الكل مقصودا والانفصال لا يعين حكما أما لو كانت خالية من العظم لم يجب الغسل بمسها بل يجب غسل ما مسها به خاصة نص عليه الأصحاب
وكذا الحكم لو قطعت من حي يجب بمسها الغسل إن كانت ذات عظم وإلا فلا. مسألة: ولو مس ميتا من غير الناس لم يجب الغسل وإنما
يجب غسل ما مس به ولا أعرف في عدم وجوب الغسل خلافا ويؤيده ما رواه الشيخ عن يونس بن عبد الرحمن عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله
(ع) قال سألته هل يجوز أن تمس الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا قال لا يضره ولكن يغسل يده. فروع: الأول
لو كانت الميتة غير ذات نفس سائلة لم ينجس بالموت لما يأتي فلا يؤثر في التنجيس. الثاني لا فرق بين أن يمس الميتة برطوبة أو لا
في إيجاب غسل اليد خاصة ولا فرق بين كون الميتة مأكولة اللحم أو لا. الثالث لو مس الصوف المتصل بها والشعر أو الوبر ففي
إيجاب غسل اليد نظر ينشأ من صدق اسم الميتة ومن كون الممسوس لو جز طاهرا فلا يؤثر اتصاله نجاسة المماس. الرابع هل تنجس
اليد لو كانت الميتة يابسة فيه نظر ينشأ من كون النجاسات العينية اليابسة غير مؤثرة في الملاقي ومن عموم وجوب الغسل وإنما يكون مع التنجيس
وحينئذ يكون نجاستها عينية أو حكمية الأقرب الثاني فلولا مس رطبا قبل غسل يده لم يحكم بنجاسته على إشكال وينجس لولا مس الرطبة من الميتة
نجاسة عينية. مسألة: قال بعض الجمهور يجب الغسل على من غسل الكافر الحي ولا نعلم له حجة بوجه أصلا مع أن أهل العلم كافة على
خلافه وأما كيفية غسل الأموات فتأتي في باب الجنائز إن شاء الله تعالى.
الفصل السادس في الأغسال المندوبة، وهي أما أن يستحب
للوقت أو للمكان أو للفعل والأول أقسام، منها: غسل الجمعة وهي مستحب عند أكثر علمائنا وأكثر أهل العلم وهو قول الأوزاعي والثوري
ومالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وروي عن مالك أنه واجب وكذا روي عن أحمد أيضا وعن أبي هريرة وهو قول علي بن بابويه من أصحابنا
وولده أبي جعفر. لنا: ما رواه الجمهور عن حمزة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من توضى يوم الجمعة فيها وتعرب ومن اغتسل
فالغسل أفضل وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاسمع وأنصت غفر له ما بينه و
بين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ولو كان واجبا لبينه. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع)
عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر قال: سنة ليس بفريضة. وما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن غسل
الجمعة فقال: سنة في السفر والحضر إلا أن يخاف المسافر على نفسه البرد. وما رواه عن أحمد بن محمد عن القسم عن علي قال سألت أبا عبد الله
(ع) عن غسل العيدين أواجب؟ قال: هو سنة قلت فالجمعة قال: هو سنة ولان الأصل براءة الذمة فشغلها يحتاج إلى دليل وقد وقع
الاجماع على الترجيح فنفى الزائد منفيا بالأصل احتج المخالف بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال غسل الجمعة واجب عل كل محتلم
وقوله (ع) من أتى منكم الجمعة فليغتسل فالامر للوجوب وعن أبي هريرة عنه (ع) قال: حقا على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة
أيام يوما ويغسل رأسه وجسده واحتج ابنا بابويه بما رواه الشيخ عن سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال: غسل الجمعة واجب في السفر والحضر
إلا أنه رخص للنساء في السفر لقلة ا لماء وما رواه في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: اغتسل يوم الفطر والأضحى والجمعة
وإذا اغتسلت ميتا والامر للوجوب وما رواه في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال الغسل من الجنابة ويوم الجمعة ولا ريب أن
128

الأول واجب وكذا الثاني لان حرف الصلة لا بد له من متعلق عامل فيه ولا يصح تعلقه يعني الوجوب والعطف يقتضي التشريك وما رواه
في الحسن عن عبد الله بن المغيرة عن الرضا (ع) قال سألته عن الغسل الجمعة قال: واجب على كل ذكر وأنثى من عبد أو حر وما رواه في الصحيح عن
محمد بن عبد الله قال سألت الرضا (ع) عن غسل يوم الجمعة فقال واجب على كل ذكر وأنثى من عبد أو حر والجواب عن الأول: أنها داله على تأكد
الاستحباب والايجاب لما بيناه جمعا بين الأدلة ولأنه ذكر في سياقه والسواك وإن مس طيبا كذا رواه مسلم والسواك ومس الطيب ليسا بواجبين
فكذا الغسل وعن الرواية الأولى من أحاديثنا ابني بابويه أنها ضعيفة السند فإن سماعة وعثمان بن عيسى الراوي
عنه واقفيان فلا تعويل
على هذه الرواية ويحتمل أنه أراد بالوجوب شدة الاستحباب لما بيناه من الأحاديث وهو الجواب عن باقي الروايات وقوله ان الامر للوجوب مسلم
إلا أنه غير مراد ها هنا لما بيناه من الدليل ولأنه لو كان للوجوب لكانت الأغسال التي عددها واجبة وليس كذلك وقوله حرف الصلة لا بد
من عامل يتعلق به ولا يصح تعلقه يعني الوجوب ممنوع بل يتعلق بما يدل عليه قرينة الحال وهو عموم الثبوت والاستقرار وهذا لا ينافي
في الوجوب لدليل زائد. فروع: الأول وقته للمختار من طلوع الفجر إلى الزوال وهو قول مجاهد والحسن والنخعي والثوري والشافعي
وإسحاق وقال الأوزاعي يجزيه قبل الفجر وعن مالك أنه لا يجزيه الغسل إلا أن يتعقبه الرواح. لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله قال من اغتسل
يوم الجمعة واليوم من طلوع الفجر وكذا من طريق الخاصة قول أبي عبد الله (ع) اغتسل يوم الجمعة وأما ان انتهى وقته الزوال
فإن الغسلة إنما هي لحضور المسجد للصلة لما رواه الجمهور عن عائشة قالت كانت الناس يروحون إلى الجمعة بهيئتهم فتظهر لهم رائحة
فقيل لهم لو اغتسلتم رواه مسلم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال كانت الأنصار تعمل
في نواضحها وأموالها فإذا كان يوم الجمعة جاؤوا فتأذى الناس بأرواح آباطهم وأجسادهم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالغسل
يوم الجمعة فجرت بذلك السنة وروي عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (ع) في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار وقال يقضيه
في آخر النهار فإن لم تجد فيقضيه يوم السبت والقضاء إنما يكون بعد فوات الوقت. الثاني والغسل مستحب لليوم خلافا لأبي يوسف فلو أحدث
بعد الغسل لم يبطل غسله وكفاه الوضوء وهو قول المجاهد والحسن ومالك والأوزاعي والشافعي واستحب طاوس والثوري وقتادة ويحيى بن
أبي كثير إعادة الغسل. لنا: انه اغتسل يوم الجمعة فأتي بالمجزي والامر لا يقتضي التكرار ولان الغسل للتنظيف وقد حصل والحدث لا يضاده
ولأنه غسل فلا يؤثر الحدث في إبطاله كالجنابة ويؤيده ما رواه الشيخ عن بكير بن أعين قال سألت أبا عبد الله (ع) في أي الليالي أغتسل
في شهر رمضان قال في تسع عشرة وفي إحدى وعشرين وفي ثلاث وعشرين والغسل أول الليل فإن نام يعيد الغسل قال هو مثل غسل الجمعة
إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك. الثالث لو فاته يوم الجمعة قبل الزوال قضاه بعده ولو فاته يوم الجمعة أصلا قضاه يوم السبت. لنا: أنه عبادة
مؤقتة فات وقتها واستحب قضاؤها كغيرها من مؤقتات العبادات ويؤيده رواية سماعة بن مهران وقد تقدمت وما رواه الشيخ في الموثق
عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة قال يغتسل ما بينه وبين الليل فإن فاته اغتسل يوم
السبت ولو فاته يوم السبت لم يستحب قضاؤه لان الأصل عدمه وقد سلم عن معارضة النص الدال على خلافه بخلاف السبت. الرابع
لو غلب على ظنه يوم الخميس فقدان الماء في الجمعة استحب له تقديم يوم الخميس لأنه طاعة في نفسه فلا يؤثر فيها الوقت ولما رواه الشيخ
عن محمد بن الحسن عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال قال لأصحابه أنكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء فاغتسلوا اليوم لغد فاغتسلنا
يوم الخميس للجمعة وما رواه عن أحمد بن محمد عن الحسين بن موسى بن جعفر عن أمه وعن أم أحمد ابني موسى بن جعفر (ع) قالتا كنا مع أبي الحسن
(ع) بالبادية ونحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس اغتسلوا لغد يوم الجمعة. تذنيب: لو اغتسل يوم الخميس ثم وجد الماء
يوم الجمعة استحب له الإعادة لان البدل إنما يجزي تعذر المبدل وغسل الخميس هنا بدل أما لو وجد بعد الزوال فإن الأقرب عدم الإعادة
لفوات الوقت والقضاء كالتقديم في البدلية أجزء لو خاف الفوات يوم الجمعة دون السبب أحتمل استحباب التقديم للعموم ولان فيه منازعة
إلى فعل الطاعة وعدمه لان القضاء ولى من التقديم كما في صلاة الليل للشاب والمسافر. الخامس لا بد فيه من النية لأنه عبادة محضة
فافتقرت إلى النية كتجديد الوضوء والأقرب أنه لا بد من ذكر السبب ونية الندب والتقرب. السادس يستحب فيه الدعاء لما
رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال وإذا اغتسلت للجمعة فقل: " اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق ديني وتبطل به عملي اللهم
اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ". السابع هو مستحب للرجال والنساء الحاضرين والمسافرين العبيد والأحرار سواء
في ذلك وقال أحمد لا يستحب لمن لا يأتي الجمعة فليس على النساء غسل وعلى قياسهن الصبيان والمسافر والمريض وكان ابن عمر وعلقمة لا
يغتسلان للسفر وكان طلحة يغتسل وبالاغتسال في السفر قال مجاهد وطاوس. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال غسل
الجمعة واجب على كل محتلم وقد بينا أن الوجوب المعني به ها هنا الاستحباب المؤكد وهو عام في الذكور والإناث العبيد والأحرار المسافرين
129

والحضار ومن طريق الخاصة ما تقدم من الأحاديث الدالة على العموم سفرا وحضرا للنساء والرجال عبيدا أو أحرارا وروى الشيخ في الحسن عن
علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع) عن النساء أعليهن غسل الجمعة قال نعم احتجوا بقوله (ع) من أتى الجمعة فليغتسل ولان المقصود
التنظيف وقطع الرائحة وهذا يختص بالآتي إلى المسجد والجواب عن الأول: أنه يدل على استحبابه للآتي لا على نفيه عن غيره دليل الخطاب
ليس بحجة وعن الثاني أن المقصود وإن كان ذلك لكن التعليل به غير جائز إذ الأمور الخفية غير صالحة للتعليل بل إنما معه مظانها كالسفر
للمشقة. الثامن لو حضر الجمعة من لا يجب عليه استحب الغسل له إجماعا أما عندنا فلما بيناه واما عند المخصص بالحاضر فلوجود المعنى
الموجب للاستحباب والغسل لم يستحب للصلة الواجبة للحضور والصلاة مطلقا وهما حاصلان في حق الخاصة على جهة الاستحباب.
التاسع كلما قرب فعله من الزوال كان أفضل أنه خاليا إنما يستحب للحضور فالمقاربة أولى ويتفاوت الاستحباب بتفاوت القرب و
البعد منها. مسألة: ويستحب الغسل في يومين الفطر والأضحى وبه قال علي (ع) وذهب إليه علقمة وعروة وعطا والنخعي
والشعبي وقتادة وأبو الزياد ومالك والشافعي لما رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يغتسل يوم الفطر والأضحى وروي
عنه (ع) أنه قال في جمعة من الجميع هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه
عليكم بالسواك على هذه الأشياء يكون الجمعة عيدا فيثبت الحكم في الأصل قطعا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سماعة
عن أبي عبد الله (ع) قال وغسل يوم الفطر وغسل يوم الأضحى سنة لا أحب تركها وما رواه عن مسلم عن أبي جعفر (ع)
قال: الغسل في الجنابة وغسل الجمعة والعيدين. وما رواه في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: اغتسل يوم الأضحى والفطر
وليس الامر ها هنا للإيجاب فينبغي الرجحان المطلق مرادا وهو دال على الندبية وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع)
قال الغسل في سبعة عشر موطنا وعد منها يوم العيدين. فروع: الأول وقت الغسل بعد طلوع الفجر خلافا لأحمد في أحد
قوليه. لنا: ان اليوم إنما ينطلق على ما بعد الفجر فلم يجز قبله كغسل الجمعة ولأنه أبلغ في التنظيف. الثاني هذا يمتد وقته بامتداد
اليوم والأقرب أنه تنظيف مصدق عند الصلاة لان المقصود منه التنظيف للاجماع في الصلاة وإن كان لفظة " الواو " دالا على امتداد
وقته. الثالث لو فات لم يستحب قضاؤه لان الامر تعلق بنفس اليوم فلا يتعدى إلى غيره ولان المقصود الاجتماع وهو قد فات.
الرابع الأقرب استحبابه على النساء ومن لا يحضر العيد كالجمعة وإن كان اللفظ لم يدل بالنص على ذلك إلا في رواية زرارة عن أحدهما (ع)
قال المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها وهل يستحبان للصبيان قال الشافعية لان المراد ها هنا
التنظيف للتجمل والزينة بخلاف الجمعة لان القصد فيه زوال الرائحة وعندي في ذلك نظر. الخامس لا بد فيه من النية لما قلناه في الجمعة
ولو أحدث بعد الغسل أجزأه لما بيناه. مسألة: ويستحب الغسل ليلة الفطر وأول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف منه وسبع عشرة
وتسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وليلة النصف من رجب ويوم السابع والعشرين منه وليلة النصف من شعبان ويوم الغدير ويوم
المباهلة ويوم عرفة ويوم التروية ويوم النيروز للفرس. لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال الغسل في سبعة
عشر موطنا ليلة سبع عشرة من رمضان وهي ليلة التقى الجمعان وليلة تسع عشرة وفيها يكتب الوفد وفد السنة وليلة إحدى وعشرين وهي
التي أصيب فيها أوصياء الأنبياء وفيها رفع عيسى بن مريم وقبض موسى (ع) وليلة ثلاثة وعشرين يرجى فيها ليلة القدر ويوم العيدين وإذا
دخلت الحرمين ويوم تحرم ويوم الزيارة ويوم تدخل البيت ويوم التروية ويوم عرفة وإذا غسلت ميتا وكفنته أو مسسته بعد ما يبرد ويوم
الجمعة وغسل الجنابة فريضة وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاغتسل وما رواه عن الحسن بن راشد عن أبي عبد الله (ع) قال:
ما ينبغي لنا أن نعمل فيها يعني ليلة الفطر فقال: إذا غربت الشمس فاغتسل وما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: صوموا
شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه ذلك تخفيف من ربكم وما رواه سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال: وغسل المباهلة واجب أراد
به شدة الاستحباب وعنه (ع) وغسل أول ليلة من شهر رمضان يستحب ويأتي الأوقات ويستحب فيها الزيادة لما يأتي ويستحب
فيه الغسل. الثاني ما يستحب للمكان وهو أقسام: غسل دخول الحرم والمسجد الحرام والكعبة ومسجد النبي صلى الله عليه وآله ومشاهد
الأئمة (ع) وإذا دخلت الحرمين ويوم تحرم ويوم الزيارة ويوم تدخل البيت وفي حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع)
وحين تدخل الحرم وإذا أردت دخول البيت الحرام وإذا أردت دخول مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وفي رواية ابن سنان الصحيحة
عن أبي عبد الله (ع) ودخول مكة والمدينة ودخول الكعبة. الثالث ما يستحب للفعل وهي أمور، غسل الاحرام والطواف وزيارة النبي
صلى الله عليه وآله والأئمة (عل) لما رواه سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال: وغسل الزيارة واجب إلا من غسله وغسل المحرم واجب والمراد
الاستحباب وما رواه الشيخ عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (ع) قال الفرض من الغسل ثلاث وغسل منها غسل الاحرام وفي رواية
130

ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) وحين تحرم وغسل الزيارة. فروع: الأول الاحرام يعم إحرام الحج والعمرة فيعمهما الحكم باستحباب
الغسل. الثاني الزيارة يعم النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (ع). الثالث هذا الحكم عام في الرجال والنساء لرواية زرارة
عن أحدهما (ع) وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وغسلها من حيضها وعيدها. مسألة: والغسل من توبة الفسق مستحب
سواء كان الفسق مشتملا على كبيرة أو صغيرة وهو مذهب علمائنا أجمع لما رواه الشيخ وابن بابويه في كتابيهما عن أبي عبد الله (ع) أنه جاء إليه رجل
فقال له ان لي جيرانا ولهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا مني لهن فقال له (ع) لا تفعل فقال
والله ما هو شئ آتيه برجلي إنما هو سماع أسمعه باذني فقال الصادق (ع): بالله أنت ما سمعت الله يقول: (ان السمع والبصر والفؤاد كل
أولئك كان عنه مسؤولا) فقال الرجل كأني لم أسمع بهذه الآية في كتاب الله عز وجل من عربي ولا عجمي لا جرم أني قد تركتها وإني استغفر الله
فقال الصادق (ع): قم فاغتسل وصل ما بدا لك فلقد كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوء حالك لو مت على
ذلك استغفر الله واسأله
التوبة من كل ما يكره فإنه لا يكره إلا القبيح دعه لأهله فإنه لكل أهلا ولان الغسل طاعة في نفسه فكان مستحبا عقيب التوبة
ليظهر العمل الصالح. مسألة: ويستحب من توبة الكفر سواء كان ارتدادا أو أصليا اغتسل قبل إسلامه أو لم يغتسل إلا أن يوجد
منه في حالة الكفر ما يوجب سبب الوجوب فيجب وهو مذهب علمائنا أجمع واختاره أبو بكر القاضي وهو مذهب الشافعي ولم يوجب أبو حنيفة
الغسل عليه بحال وأوجبه أحمد مطلقا وهو مذهب مالك وأبو ثور. لنا: على الرجحان ان الكفر أعظم من الفسق وقد ثبت في الحديث الأول
استحباب الغسل للفاسق فالكافر أولى ولان تعليله (ع) أمره بالاغتسال يدل عليه من حديث المفهوم ولان النبي صلى الله عليه وآله أمر
قيس بن عاصم لما أسلم بالاغتسال بماء وسدر وأما على عدم الوجوب فما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لما بعث معاذ إلى اليمن فقال
ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فإن هم أطاعوك بذلك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد
في فقرائهم ولو كان الغسل واجبا لأمرهم به لأنه أمر أول واجبات الاسلام ولأنه نقل نقلا متواترا أن العدد الكثير أسلموا على عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله فلو أمر كل من أسلم بالغسل لنقل متواترا وظاهرا ولان الأصل عدم الوجوب احتج أحمد برواية قيس والجواب أنه لو كان الامر
للوجوب عليه الغسل بالماء والسدر لأنه المأمور به وقد وافقنا على عدم ذلك وأما الوجوب عند حصول السبب فقد بينا بيانه. مسألة:
ويستحب الغسل لصلاة الاستسقاء لما رواه ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله للاستسقاء متواضعا متخشعا متضرعا حتى
أتى المصلى فلم يخطب كخطبتكم هذه لكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد قال الترمذي هذا حديث
حسن صحيح وقد بينا استحباب الغسل لصلاة العيد فيثبت فيما ماثلها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سماعة عن أبي عبد الله
(ع) قال وغسل الاستسقاء واجب أراد به شدة الاستحباب ولان المقتضي لاستحباب الغسل أما التنظيف للاجماع أو زيادة التطهير
للصلاة والمعنيان موجودان في الاستسقاء فاستحب. مسألة: ويستحب عند صلاة الاستخارة وصلاة الحاجة لما رواه الشيخ عن عبد
الرحيم القصير عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له إني اخترعت دعاء فقال أعني من اختراعك إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله وصل ركعتين
تهديهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قلت كيف أصنع قال تغتسل وتصل ركعتين ثم ذكر الحديث قال أبو عبد الله (ع) الضامن
على الله أن لا يرجع حتى يقضي حاجته وما رواه عن مقاتل بن مقاتل قال قلت للرضا (ع) جعلت فداك علمني دعاء لقضاء الحوائج
قال فقال إذا كنت لك حاجة إلى الله مهمة فاغتسل والبس أنظف ثيابك وذكر الحديث وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (ع)
والامر يطلبه الطالب من ربه قال يتصدق في يومه على ستين مسكينا على كل مسكين صاع بصاع النبي صلى الله عليه وآله فإذا كان الليل
فاغتسل ثلاث الليالي الثاني وتلبس أدنى ما يلبس وذكر الحديث إلى أن قال فإذا رفع رأسه في السجدة الثانية استخار الله مائة مرة.
مسألة: ويستحب غسل المولود عند ولادته لما رواه الشيخ عن سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال وغسل المولود واجب والمراد
به الاستحباب المؤكد ولأنه خرج من محل الخبث فاستحب غسله قال بعض أصحابنا بوجوبه وهو متروك. مسألة: ويستحب الغسل لقضاء
صلاة الكسوف إذا تركها متعمدا مع الاستيعاب الاحتراق وهو مذهب أكثر الأصحاب وقال بعضهم هو واجب والأصل الرجحان مطلقا
لما رواه الشيخ عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (ع) قال إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فليغسل من غد وليقض الصلاة وإن لم
يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل وهذه الرواية وإن دلت على الوجوب ظاهرا لكنها مقطوعة
السند وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاغتسل وهذه الرواية ظاهرة
في الوجوب فلو قلنا به بهذه الرواية والاحتياط كان قويا. مسألة: قال ابن بابويه روي أن من قتل وزغا فعليها الغسل قال وقال
بعض مشايخنا أن العلة في ذلك أنه يخرج من ذنوبه فيغتسل منها قال وروي أن من قصد إلى مصلوب فينظر إليه وجب عليه غسل عقوبة و
131

والوجه الاستحباب. فروع: الأول لو اجتمعت أسباب الاستحباب فالأقرب الاكتفاء بغسل واحد عنها. الثاني لا يرفع هذه الأغسال
الحدث خلافا للسيد المرتضى وقد تقدم. الثالث ما يستحب للمكان والفعل تقدم غسليهما وما يستحب للوقت يغتسل بعد دخوله. الرابع
ما كان للفعل يستحب أن يوقع الفعل عليه فلو أحدث استحب إعادته وما كان للوقت كفاه وإن أحدث. الخامس لو نوى بالغسل الواحد الواجب
والمندوب فالوجه عدم إجزائه عنهما معا لاستحالة وقوعه على معنى ما نواه والترجيح من غير مرجح وهو مذهب أبي سهل الصعلوك من الشافعية وقال
الشيخ وابن أبي عقيل بالاجزاء وهو أصح وجهي الشافعية. السادس لا عوض لهذه الأغسال المندوبة فلا يجزي الوضوء ولا التيمم وإن
كان الماء متعذرا بل يسقط الفعل لان المأمور به الغسل وشئ منهما لا يصدق عليه اسم الغسل فلا يتحقق الاجزاء وقال الشيخ ان التيمم قد يكون بدلا
من غسل الاحرام عند فقد الماء. السابع كيفية هذه الأغسال مثل غسل الجنابة فلو نذر غسل الجمعة وجب فيه الترتيب. الثامن
لو نوى غسل الجنابة خاصة في يوم الجمعة لم يحصل له فضل غسل الجمعة إن لم نقل بالتداخل ولو نوى غسل الجمعة خاصة لم يحصل
غسل الجنابة قطعا وهل يصح غسل الجمعة الأقوى ذلك وللشافعية قولان هذا أحدهما لأنه نوى نية الغسلة فصح له والثاني لا يصح
لأنه نوى التنظيف ومع الجنابة لا نظافة. مسألة: وليس على المجنون والمغمى عليه إذا أفاق الغسل لا وجوبا ولا استحبابا خلافا للحنابلة
في الاستحباب. لنا: الاجماع على أنه لا يجب ولان زوال العقل في نفسه ليس بموجب للغسل والانزال مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك
والاستحباب حكم شرعي ويفتقر إلى دليل ولم يقم ولو وجد منهما الانزال وجب الغسل بعد الإفاقة لوجود السبب. مسألة: قال بعض
الحنفية يستحب للصبي إذا أدرك الغسل ولا يعرف نصا ولا شك ان الاستحباب حكم شرعي فيقف على الدليل. - - - - - الفصل الرابع في التيمم،
وهو في اللغة القصد قال الله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وفعل في الشرع إلى مسح الوجه واليدين بالتراب على وجه التقرب وحده
أنه طهارة ترابية مقرونة بالنية وهو جائز بالنص والاجماع والنظر فيه يتعلق بشروطه وما به يكون التيمم وكيفيته وأحكامه فها هنا
أربعة مباحث، الأول في الشروط، مسألة: إنما يبيح التيمم عن العجز عن استعمال الماء فللعجز أسباب أحدها فقد الماء سفرا طويلا كان
أو قصيرا وهو مذهب علمائنا أجمع وهو قول أكثر أهل العلم خلافا للشافعي في أحد الموقفين فإنه اشترط سفر الطويل في إباحة التيمم. لنا:
قوله تعالى: (فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا) أدل بمطلقه على إباحة التيمم في كل سفر وما رواه الجمهور عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وآله
قال إن الصعيد الطيب طهور للمسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليس يشربه فإن ذلك خير قال الترمذي وهو حديث حسن صحيح
وذلك عام في قصير السفر وطويله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إذا لم
يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح الأرض وليصل إذا وجد الماء فليغتسل وقد أجزاءه صلاته التي صلاها وذلك عام في كل فاقد و
لان السفر القصير يكثر فيكثر عدم الماء فيه فيحتاج معه إلى التيمم فسقط به الأرض كالسفر الطويل. فرعان، الأول لا فرق بين السفر
إذا كان طاعة أو معصية لان التيمم واجب على الفاقد مطلقا فلا يجوز تركه ولأنه رخصة لا يخص بالسفر فساغ في سفر المعصية
ولا إعادة عليه لأنها وقعت مأمورا بها فوجب الآخر. الثاني لو خرج من بلده إلى الأرض من ضياعه لحاجة كالزرع والحصاد
والاحتطاب وأشباهها ولم يستصحب الماء للوضوء فحضرت الصلاة ولا ماء معه ولم يمكنه الرجوع إلا مع فوات حاجته الضرورية
يساغ له التيمم لأنه في محل الضرورة. مسألة: لو فقد الماء حضر أبان انقطع الماء عنه أو حبس وجب عليه التيمم والصلاة وهو
مذهب علمائنا أجمع وبه قال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحكاه الطحاوي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة
أولا لا يصلي وهو قول أحمد في رواية وقال زفر لا يصلي أصلا قولا واحدا. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله
أنه قال: الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين وهي عامة وما روي عنه (ع) أنه قال: جعلت لي الأرض مسجدا وترابها
طهورا أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت وذلك عام في السفر والحضر ومن طريق الخاصة ما تقدم في حديث ابن سنان فإنه عام في
الفاقد سفرا وحضرا وما رواه في الصحيح عن محمد بن عمران وجميل عن أبي عبد الله (ع) قال إن الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل
الماء طهورا والمشابهة يستلزم التساوي في كل الاحكام وخرجت عنه صورة وجود الماء فيبقى الباقي على العموم وطهوريته الماء غير مشروطة
بالسفر فكذا التراب احتج أبو حنيفة بأن الله تعالى شرط السفر لجواز التيمم فلا يجوز لغيره تحقيقا بالمعنى الشرط والجواب المنع من اشتراط
السفر والآية لا تدل عليه لأنه تعالى ذكر أمورا في الأغلب هي أعذار كالمرض والسفر إذا خرج الوصف فخرج الأغلب لا يدل على نفي
الحكم عما عداه إجماعا ولو سلمنا لكنه إنما يدل من حيث دليل الخطاب وأبو حنيفة لا يقول به فكيف استجاز ها هنا وان يعمل به هل ذلك
إلا مناقضة. فروع: الأول لو صلى بهذا التيمم لا يجب عليه الإعادة وبه قال مالك والمزني وقال الشافعي يعيد لان الإقامة
إذا قارنت ابتداء الصلاة منعت من الاحتساب بالصلاة في حق المتيمم فكذا إذا طرأت لان الصلاة لا ينتقض حكمها الثالث مسافر
132

دخل في طريقه إلى بعض البلاد فعدم الماء فإنه يصلي بالتيمم وهل يلزمه الإعادة؟ أما عندنا فلا يلزم إجماعا وأما الشافعي فوجهان هذا
أحدهما لأنه مسافر فلهذا يباح له الفطر والقصر، والثاني: يعيد لان عدم الماء في دار الإقامة نادر ولا يدوم فيجب الإعادة كما وجب على الحائض
قضاء الصوم لندوره وعدم دوامه. مسألة: لو وجد الماء بثمن مثله في موضعه وهو يقدر عليها مع استغنائه عنه وجب عليه شراؤه
ولا نعرف فيه خلافا لأنه واجد لان القدرة على ثمن العين الكاملة كالقدرة على عينها في المنع من الانتقال إلى العين الناقصة كالرقبة أما
لو وجد بزيادة عن ثمن مثله فإن كانت الزيادة يسيرة وجب عليه شراؤه وهو مذهب علمائنا وبه قال أحمد وأبو حنيفة ومالك وقال الشافعي
لا يجب. لنا: انه قادر على ثمن العين فكان قادرا على العين فإن القدرة على الثمن كالقدرة على العين في المنع من الانتقال إلى البلد
بدليل ما لو بيعت بثمن مثلها وكالرقبة في باب الظهار ولو وجدت بثمن زائد عن ثمن المثل زيادة كثيرة قال الشيخ يجب عليه مع المكنة
ودفع الضرر وهو مذهب المرتضى واختاره مالك وقال ابن الجنيد لا يجب وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي ولأحمد وجهان والحق الأول.
لنا: قوله تعالى: (فلم تجدوا) وهذا واجد لما بينا أن وجدان الثمن كوجدان العين وما رواه الجمهور عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله
فإذا وجد الماء فليمسه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ ابن يعقوب في الصحيح عن صفوان قال سألت أبا الحسن (ع) عن رجل احتاج
إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها
يشتري ويتوضأ أو يتيمم قال
لا بل يشتري قد أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضأت وما نشتري بذلك مال كثير وأيضا عندهم أن المريض يلزمه الغسل وضرر الشمس أعظم من ضرر المال فلما أسقطوا
اعتبار الضرر ثم وجب سقوطه هنا احتج المخالف بقوله (ع) لا ضرر ولا إضرارا وزيادة الثمن ضرر ولأنه لو خاف لصا على ماله لو فارقه
إلى الوضوء لساغ له التيمم فلا يجب صرفه هنا والجواب عن الأول: أنه ليس محل النزاع إذ البحث فيما لا ضرر به وأيضا فهو مخصوص
بالثمن المساوي فإنه نوع ضرر ومع ذلك لم يلتفت إليه فكذا هنا يجامع ما يشتركان فيه من المصلحة الناشئة من تحصيل ثواب الطهارة
وعن الثاني: بالفرق أما أولا فلوجود النص الدال على إباحة التيمم مع الخوف على المال ووجود النص الدال على وجود الشرى بالثمن الكثير وأما ثانيا:
فلانتقاضه بصورة المساوي وأما ثالثا: فللفرق بينهما فإن في صورة الخوف يسوغ له التيمم لان عوض المال هناك على اللص فلا يزيد عليه
وفي صورة الشرى العوض فيه على الله تعالى فيجعل الثواب وهو زائد على المال فافترقا. فروع: الأول لا فرق بين أن تكون الزيادة
مما يتغابن الناس بها أو لا عندنا وقالت الحنفية إن كانت الزيادة يتغابن الناس في مثلها لزمه شراؤها كالوكيل في الشراء يجوز أن يشتري بأزيد
من ثمن المثل مما يتغابن الناس به وإن كانت مما يتغابن الناس بما لم يجز الشراء والحق عندنا وجوب الشراء مطلقا. الثاني لو بدل
له ماء الطهارة وجب عليه قبوله لأنه قادر على استعماله ولا منة عليه في قبوله فكان الشرط مفقودا. الثالث لو وجد بثمن لا يقدر عليه
فبذل له الثمن وجب عليه قبوله وهو اختيار الشيخ خلافا للشافعي. لنا: انه واجد فلا يجوز له التيمم احتجوا بأن المنة يلحقه بذلك فلا يلزمه
القبول والجواب ان المنة غير معتبرة في نظر الشرع ولهذا أوجبوا قبول الماء قيمة مساو له في عدم المنة وثبوتها. الرابع لو كانت الزائدة كثيرة
يجحف بماله سقط عنه وجوب الشراء ولا نعرف فيه مخالفا. الخامس إذا لم يكن معه الثمن فبذله بثمن في ذمته يقدر على أدائه في بلده وجب
عليه قبوله خلافا لبعض الجمهور. لنا: انه قادر على أخذه لما لا ضرر عليه فيه فكان واجبا كما اشتراه بثمن مثله وكان واجدا احتج المخالف
بأن بقاء الدين في ذمته ضرر لجواز تلف ماله قبل أدائه والجواب لا اعتبار بهذا التجويز مع غلبة الظن بإمكان الأداء. السادس ولو لم
يبذل له وكان فاضلا عن حاجته لم يجز له المكابرة لعدم الضرورة إلى ذلك بوجود البدل وهو التيمم بخلاف الطعام في المجاعة. السابع
لو كان عليه دين مستغرق وجب عليه الشراء في الذمة إن وجد البائع لأنه ممكن خلافا للشافعي. الثامن لو احتاج إلى الثمن للنفقة
لم يجب عليه الشراء قولا واحدا. التاسع لو علم مع قومه ماء فعليه أن يطلبه منهم لأنه إذا بذلوه لزمه قبوله منهم وقد يبذلوه عند طلبه
فلزمه ذلك فيحتمل عدم الوجوب وكذا لا يجب أن يستوهب الماء نعم لو وهب وجب القبول ويحتمل وجوب الاستيهاب لأنه مشروع في التحصيل فوجب
كالطلب. العاشر لو امتنع من إيهاب الماء لم يصح صلاته بالتيمم ما دام الماء باقيا في يد الواهب المقيم على الهبة وللشافعية وجه
آخر هو عدم الوجوب فيصح الصلاة به. الحادي عشر فلو فقد الثمن لكنه يمكنه الدين والتكسب والشراء وجب عليه ذلك خلافا للشافعية. لنا:
انه ممكن فيجب. الثاني عشر لو وجد ماء موجودا في الفلاة في حب أو كوز أو نحو ذلك للسابلة جاز له الوضوء منه ولم يسغ له التيمم
خلافا لبعض الجمهور. لنا: انه واجد فلم يسغ له التيمم قالوا انه وضع للشرب لا غير ظنا فلا تباح الطهارة به قلنا إن غلب على ظنه
وجب التيمم أما لو كان كثيرا فالكثرة إمارة على جواز الإباحة في الشرب والوضوء فلا خلاف في الجواز. مسألة: ولو وجد من الماء
ما لا يكفيه لطهارته وجب عليه التيمم سواء كان جنبا أو محدثا حدثا أصغر وهو مذهب علمائنا ولا يجب عليه استعمال الماء في الوضوء
إذا كان جنبا ولا في غسل بعض أعضائه فيه وفي الحدث الأصغر وهو أحد قولي الشافعي والأوزاعي والزهري وحماد ومالك و
133

أصحاب الرأي وقال أحمد يتوضأ إن كان جنبا ويتيمم وإن كان محدثا تيمم وقال الشافعي يستعمل الجنب والمحدث الماء ثم تيمم وبه قال عطا والحسن بن
صالح وحكي عن الحسن البصري أنه قال يغسل الجنب وجهه ويديه وبه قال عطا وزاد عليه إذا وجد من الماء يغسل به وجهه غسله ومسح كفيه
بالتراب. لنا: قوله تعالى: (فلم تجدوا ماءا فتيمموا) وأراد به ما هو مطهر كلم حتى يحصل المعاندة بين الأول والثاني ولا شك أن هذا لا يطهره فلا يلزمه
استعماله ولان الآية إنما سبقت له وإنما الماء المحلل للصلاة ماء مقدور وحديث أبي ذر دال عليه أيضا لان قوله (ع) الصعيد الطيب
طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين إنما أراد به وإن لم يجد الماء الطهور أي الذي تحصل به الطهارة ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في رجل جنب في سفر ومعه ما قدره ما يتوضأ به قال تيمم ولا يتوضأ وما رواه في الصحيح عن
الحلبي عن أبي عبد الله (ع) مثله وما رواه عن الحسين بن أبي العلا قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجنب ومعه من الماء بقدرها
يكفيه لوضوء الصلاة يتوضأ بالماء أو يتيمم قال يتيمم وما رواه ابن يعقوب في الحسن عن الحلبي قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إذا لم يجد
الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض ويصلي فلانه ما لا يطهر فلا يلزمه استعماله كالمستعمل ولأنه عدم الماء المفيد للطهارة المحللة
للصلاة فساغ التيمم كما لو كان عنده ماء نجس أو ما يحتاج إليه للعطش وهذا لان الغسل بالماء إنما وجب لأداء الصلاة لإزالته فإذا
لم يعده صار كالعدم احتجوا بقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولان النبي صلى الله عليه وآله قال إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم ولأنه
وجد ما يمكنه استعماله في بعض جسده فلزمه كما لو كان أكثر بدنه صحيحا وبعضه جريحا لأنه قدر على بعض الشرط لزمه كالسترة وإزالة النجاسة
ولأنه يكفيه مسح بعض وجهه يديه بالتراب فغسل جميعها أولى والجواب عن الأول: ما بينا من دلالة الآية لنا وعن الثاني: أنه (ع) إنما
أشار بذلك إلى فعل يقبل الشدة والزيادة والنقصان والطهارة ليست كذلك نعم عدد مراتبها قابل بخلاف ذاتها على أنه ليس ها هنا ما يدل
على العموم في هذه الصيغة وعن الثالث بالفرق بين الأكثر وصورة النزاع على أنا نمنع الحكم في الأصل وسيأتي وعن الرابع: ان ستر كل واحد
من العورتين وإزالة النجاسة عن كل جزء شرط بخلاف الطهارة التي إنما هي شرع لمجموع أجزائها وفيه بحث فأن القائل أن يقول إن غسل
كل عضو أيضا شرط لاشتراطه في تحقق المجموع ويمكن الجواب بأن الغسل مطلقا ليس بشرط بل الغسل بصفة الطهورية وهو إنما يحل مع انضمام
العضو الآخر إليه على تلك الصفة ولا يدور لأنه ينتقض بالطهارة الصغرى مع أنه أظهر أقوالهم فيها التيمم من غير طهارة البعض. فروع:
الأول قالوا وإذا قلنا بصرف استعماله في بعض أعضاء الطهارتين وجب استعماله في بعض أعضاء الطهارتين وجب استعماله قبل التيمم لتحقق الاعواز
المشرطة. الثاني لو تيمم فاقد الماء ثم وجد من الماء ما لا يكفيه لطهارته لم ينتقض تيممه عندنا وهو أحد قولي الشافعي والآخر ينتقض
فيستعمل الماء في بعض أعضاء الطهارة ثم يتيمم. الثالث لو وجد من الماء ما لا يكفيه للطهارة فقد التراب فكالفاقد للمطهرين ولو
فقد الماء ووجد التراب ما يكفيه لمسح وجهه فكذلك. السبب الثاني: أن يخاف على نفسه أو ماله لصا أو سبعا أو عدوا أو حربيا أو التخلف عن
الرفقة وما أشبهه فهو كالعادم لا نفرق فيه خلافا لأنه غير واجد إذ المراد بالوجدان ما يمكن الاستعمال لاستحالة الامر بما لا يطاق ويؤيده ما رواه
الشيخ عن يعقوب بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو
نحو ذلك قال لا أمره أن يضر نفسه فتعرض له اللص أو السبع وما رواه في الصحيح عن داود البرقي قال قلت لأبي عبد الله (ع) أكون في السفر و
يحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال ان الماء قريب منا فاطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا قال لا تطلب الماء ولكن تيمم فإني أخاف عليك
التخلف عن أصحابك فتصلي فيأكلك السبع. فروع: الأول لو كان الماء بمجمع الفساق فخافت المرأة على نفسها منهم كانت بمنزلة العادم
لما في الامر بالمضي إلى الماء من التعرض للزنا وهتك عرضها وربما أفضى ذلك إلى قتلها مع أنه قد أبيح لها التيمم عند الخوف على قليل الماء فعند
الخوف على النفس الأولى. الثاني لو خاف على ماله ساغ له التيمم فكان عذرا لأنه في محل الضرورة وذلك أيضا مفهوم من قوله (ع)
فيبرز له لص أو سبع. الثالث لو خاف على أهله ان مضى إلى الماء وتركهم من لص أو سبع أو خوف شديد فهو كالعادم للضرورة. الرابع
لو كان يخاف جنبا لا من سبب موجب للخوف فهل يعذر أم لا؟ فيه نظر ينشأ انه بمنزلة الخائف بسبب. السبب الثالث: ان يحتاج إلى الماء
لعطشه في الحال أو لتوقعه في ثاني الحال وقد أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن المسافر إذا كان معه ماء فخشي العطش حفظ ماء للشرب و
يتمم، منهم علي (ع) وابن عباس والحسن وعطا ومجاهد وطاوس وقتادة والضحاك والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وعلمائنا
أجمع لا نعرف فيه خلافا لأنه خائف على نفسه من استعمال الماء فأبيح له التيمم كالمريض ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن
أبي عبد الله (ع) قال في رجل أصابته جنابة في السفر وليس معه إلا ماء قليل يخاف إن هو اغتسل أن يعطش قال إن خاف عطشا فلا يهرق
منه قطرة وليتيمم بالصعيد فإن الصعيد أحب إلي وما رواه في الموثق عن سماعة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يكون معه الماء في
السفر فيخاف قلته قال يتيمم بالصعيد ويستغني فإن الله عز وجل جعلهما طهورا الماء والصعيد وما رواه عن الحلبي قال قلت لأبي عبد الله
134

(ع) الجنب يكون معه الماء القليل فإن هو اغتسل به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمم؟ فقال: بل يتيمم وكذلك إذا أراد الوضوء. فروع:
الأول لو خاف على رفيقه أو حيوان محترم أو بهايمه ساغ له التيمم لان المعنى المقتضي لإباحة التيمم وهو الضرورة الناشئة من
خوف هلاك النفس موجود في ذلك كله وحرمة الرفيق والعبيد والإماء كحرمة نفسه، وحرمة بهائمه كحرمة ماله. الثاني لو وجد خائف
العطش ماء طاهرا وماء نجسا يكفيه أحدهما لشربه يحفظ بالطاهر للشرب خلافا لبعض الجمهور فإنه أوجب التوضي بالطاهر واستيفاء النجس للشرب. لنا: ان
رخصة التيمم أوسع من رخصة استعمال الماء النجس وأيضا فهو غير قادر على ما يجوز الوضوء به وعلى ما لا يجوز شربه سوى هذا الظاهر فجاز حبسه
للشرب كما لو لم يكن معه سواه احتج المخالف بأنه وجد ماء طاهرا يستغني عن شربه فأشبه ما لو كان ماء كثير طاهر والجواب المنع متجه على الاستغناء
عن الشرب إذ النجس لا يجوز شربه مع وجود الطاهر فأشبه ما لو لم يكن موجودا. الثالث لو وجدهما وهو عطشان شرب الطاهر
وأراق النجس مع الاستغناء سواء كان في الوقت أو قبله خلافا لبعض الشافعية فإنه أوجب التطهر في الوقت وشرب النجس مع وجود الطاهر
حرام فتعين الطاهر احتج بأن الطاهر مستحق للطهارة فهو كالمعدوم الجواب إنما يصير مستحقا لو لم يتعلق به وجوب الشرب لدفع
الضرر وها هنا هو كذلك إذ شرب النجس حرام. الرابع لو وجد عطشانا يخاف تلفه وجب أن يسقيه الماء ويتيمم خلافا لبعض
الجمهور. لنا: ان يسقيه يصدق عليه إحياء النفس فيدخل تحت قوله تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) ولان حرمة الآدمي
يقدم على الصلاة كما لو شاهد في الصلاة غريقا لزمه تركها وإنقاذه فلان تقدمها على الطهارة بالماء أولى ولان حفظ نفس الغير واجب
لا عوض له الوضوء إن كان واجبا إلا أن التيمم يقوم مقامه. الخامس لو مات صاحب الماء ورفقاؤه عطاش تيمموه وشربوا
الماء وغرموا ثمن المال لأجل الضرورة. السادس لو احتاج إلى ثمن ما معه من الماء جاز له بيعه والتيمم لان
ما استقر فيه حاجة
الانسان يجعل كالمعدوم شرعا. السابع لو لم يحتج إليه في يومه لكن في غيره فإن ظن فقدانه في الغد تيمم وحفظه وإن علم وجوده في
الغد توضى له وإن ظن احتمل إلحاقه بالعالم وبالأول لان الأصل العدم. الثامن لو خاف على حيوان الغير التلف ففي وجوب سقيه إشكال
فإن أوجبناها فالأقرب رجوعه على المالك بالثمن. السبب الرابع: المرض والجرح وما أشبهها وقد ذهب علماؤنا أجمع إلى أنه
إذا خاف على نفسه من استعمال الماء فله التيمم وهو قول أكثر أهل العلم منهم ابن عباس ومجاهد وعكرمة وطاوس والنخعي وقتادة
ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ولم يرخص عطا في التيمم إلا عند عدم الماء ونحوه عن الحسن في المجدور والمجنب قال لا بد من الغسلة.
لنا: قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقوله: (ولا تقتلوا أنفسكم) وما رواه الجمهور في حديث ابن عباس وجابر في الذي أصابته الشجر
وحديث عمرو بن العاص حين تيمم من خوف البرد ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم وغيره عن أبي عبد الله
(ع) قال قيل له ان فلانا أصابه جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات فقال قتلوه ألا يسألوا الا تيمموه فإن شفاء العي السؤال قال الشيخ وابن يعقوب
معا عقيب هذا الحديث وروي ذلك في الكسير والمبطون يتيمم ولا يغتسل وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (ع) عن
الجنب يكون به القرح قال لا بأس بأن لا يغتسل وتيمم وما رواه في الحسن عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يصيبه
الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد قال لا يغتسل وتيمم وما رواه في الموثق عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع)
في الرجل يكون به القروح في جسده فيصيبه الجنابة قال تيمم وما رواه في الصحيح عن أبي عمير عن بعض أصحابه قال يؤمم المجدور و
الكسير بالتراب إذا أصابتهما الجنابة ولأنه يسوغ التيمم عند خوف العطش والسبع فكذا هنا إذ الخوف واحد واختلاف جهاته لا يوجب تغايره
واحتج المخالف بأنه تعالى شرط في التيمم عدم الماء فلم يجز معه مطلقا والجواب أن المراد من الوجدان التمكن من الاستعمال لما قلناه.
مسألة: لا فرق في الخوف بين خوف التلف أو زيادة المرض أو تباطوا (تواطؤ) البرد والشين الفاحش أو الألم الذي لا يحتمله وهو على الاطلاق
مذهب أكثر علمائنا وقال الشيخ (ره) إن كان الخائف قد تعمد الجنابة وجب عليه الغسل وإن لحقه يرد إلا أن يبلغ حدا يخاف على نفسه
التلف وقال الشافعي في الامام لا يباح التيمم للخائف مطلقا إلا مع خوف التلف وهو إحدى الروايتين عن أحمد وحكاه ابن المنذر
عن عطا والحسن البصري وله قول آخر أنه يجوز له التيمم وإن خاف ما ذكرناه وهو قول أصحاب الرأي والرواية الأخرى لأحمد. لنا: قوله تعالى:
(وإن كنتم مرضى) وذلك عام ولأنه يجوز له التيمم إذا خاف ذهاب شئ من ماله أو ضررا في نفسه أو سبعا أو لصا أو لم يجد الماء إلا بالكثرة
الضارة فلان يجوز ها هنا أولى ولان ترك القيام في الصلاة وتأخر الصيام وترك الاستقبال لا ينحصر في خوف التلف فكذا ها هنا وما رواه
الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الرجل يصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه البرد قال لا يغتسل يتيمم
ورواه في الحسن عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) احتج الشيخ بما رواه علي بن أحمد رفعه أبي عبد الله (ع) قال سألته
عن المجدور أصابته جنابة قال إن كان أجنب فهو فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم وما رواه في الصحيح عن سليمان بن خالد وأبي بصير و
135

عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله (ع) انه سئل عن رجل كان في أرض يتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع؟ قال:
يغتسل وإن أصابه ما أصابه قال وذكر أنه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد وكانت ليلة شديدة الريح باردة
فدعوت الغلمة فقلت له احملوني فاغسلوني فقالوا إنا نخاف عليك فقلت ليس بد فحملوني ووضعوني على خشبات ثم صبوا علي الماء فغسلوني
وما رواه في الصحيح محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل تصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وخشي أن يكون الماء
جامدا فقال يغتسل على ما كان حدثه رجل أنه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد فقال اغتسل على ما كان فإنه لا بد من الغسل وذكر أبو عبد
الله (ع) انه اضطر إليه وهو مريض فأتوه به مسخنا فاغتسل وقال لا بد من الغسل وهذه الروايات وإن كانت صحيحة السند إلا أن مضمونها
مشكل إذ هو معارض لعموم قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله لا ضرر ولا ضرار ومعارض أيضا بقول أبي عبد الله (ع)
لا آمره أن يضر بنفسه وهو يدل بمفهومه على صورة النزاع. فروع: الأول المريض والجريح الذي لا يخاف الضرر باستعمال الماء
كالصداع والحمى الحار لا يجوز له التيمم نص عليه الشيخ وهو مذهب أكثر الجمهور وخلافا لمالك وداود فإنهما أباحا التيمم للمريض مطلقا.
لنا: انه واجد لا يستضر فوجب عليه الاستعمال كالصحيح احتجا بقوله تعالى: (وإن كنتم مرضى) وذلك مطلق والجواب انها مشروطة بعدم الماء فلا يتناول
صورة النزاع وأيضا فلا بد من إضمار الضرورة وهي إنما تحصل عند الضرر. الثاني لو خاف من شدة البرد وأمكنه أن يسخن
الماء أو يستعمله على وجه ما من الضرر مثل أن يغسل عضوا شيئا ستره وجب عليه ذلك وإن لم يقدر تيمم وصلى وهو قول
أكثر أهل العلم وقال الحسن وعطا يغتسل وإن مات وهو قول ابن مسعود. لنا: في المسألة الأولى من الاستدلال وما رواه
الجمهور عن عمرو بن العاص قال احتلمت ليلة باردة في غزوة وذات السلاسل فأشفقت إذا اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي
الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني عن الاغتسال وقلت
إني سمعت الله عز وجل يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يقل شيئا فسكوته
صلى الله عليه وآله يدل على الرضى وأما وجوب التسخين فلان الواجب استعمال الماء مع التمكن وهو حاصل مع التسخين وما لا يتم
الواجب إلا به مقدورا وكان مقدورا واجب. الثالث لو خاف الشين باستعمال الماء جاز له التيمم قال علماؤنا وقال الشافعي ليس له
التيمم. لنا: قوله (ع): لا ضرر ولا ضرار وقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). مسألة: لو أمكن الجريح غسل بعض
جسده أو بعض أعضائه في الوضوء جاز له التيمم قال الشيخ في الخلاف ولا يغسل الأعضاء الصحيحة أصلا فإن غسلها ثم يتيمم أحوط وقال أبو
حنيفة ومالك ان أكثر بدنه أو أكثر أعضائه صحيحا غسله ولا يتيمم عليه وإن كان أكثره جريحا تيمم ولا غسل عليه وقال الشافعي وأحمد يجب عليه غسل
ما أمكنه وتيمم الباقي. لنا: إن كمال الطهارة متعذرة للضرر وبالبعض لا تحصل الاجزاء والجميع بين البدل والمبدل منه غير واجب كالصيام والاطعام
في الكفارة وما تقدم من الأحاديث الدالة على جواز استعمال التيمم للجروح احتج الموجب بما رواه جابر قال خرجنا في سفر فأصاب رجلا
منا شجة في وجهه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم قالوا ما يجد لك رخصة وأنت قادر على الماء فاغتسل
فمات فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وآله أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله ألا يسألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما
كان يكفيه يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ثم يغسل سائر جسده ومثله عن ابن عباس ولان كل جزء من الجسد يجب تطهيره
بشئ مع استواء الاجزاء في الصحة والمرض فكذا مع الاختلاف والجواب عن الأول: يحتمل أن يكون قوله ويعصب عطف على أن
يتيمم ونحن نقول بموجبه لأنه يجوز أن يعصب على الجراح خرقة ويغسل جسده ويمسح على تلك الخرقة وحاصله حصول الاكتفاء
بالتيمم والتعصب والمسح وغسل سائر الجسد على معنى إن كل واحد منهما كان ويحتمل أن يكون عطفا على لفظ يتيمم ويكون " الواو " بمعنى
" أو " ولا استبعاد في ذلك وعن الثاني: ان الطهارة إنما تجب على كل جزء مع حصول طهارة بقية الاجزاء إذ الطهارة إنما تحصل بالمجموع
ولا اعتبار لكل واحد من الأعضاء بإنفراده قال الشيخ وإنما قلنا باستحباب الجمع بنودي الصلاة بالاجماع علمه في ذلك ضرر.
فروع: الأول لو كان الجرح مما يتمكن من شده وغسل باقي العضو ومسح الخرقة التي عليه الماء وجب ولا يتيمم وإن
لم يتمكن من ذلك تيمم. الثاني ان علم أن الماء يضره وظن ذلك وجب التيمم وإن لم يظن ذلك وجب الرجوع فيه
إلى القول العارف المسلم ولا يكفيه قول الذمي وإن كان عارفا ويكفيه قول العارف الفاسق والمراهق لحصول الظن بالضرر.
الثالث لو كان الجرح في غير الأعضاء وخاف من استعمال الماء في الأعضاء سقط الوضوء ووجب التيمم كالمريض. الرابع
إذا كان الصحيح لا يمكن غسله لا بالوصول إلى الجريح كان حكمه حكمه في جواز المسح عليه. الخامس لا فرق بين تقديم التيمم على استعمال
الماء في العضو الصحيح وبين تأخيره عنه إجماعا لان التيمم للعجز وهو موجود في كل حال بخلاف التيمم إذا كان لقلة الماء مع وجود بعض الماء
136

عند من يقول بوجوب صرفه إلى بعض الأعضاء لان الوجوب ثم الاعواز إنما يتحقق بالاستعمال. السادس إذا قلنا بالجمع في الجريح لم يجز
التبعيض بأن يغسل السليم ويتيمم باقي أعضاء الطهارة تيمما لان كل واحد منهما ليس بطهارة فالمجموع كذلك لتوقف حصول الزائد على المجموعة
على دليل وخالف به بعض الجمهور. السابع يجوز تقديم الغسل للصحيح على التيمم وبالعكس مع القول بالجمع وقال بعض الجمهور يجب
الترتيب فيجعل التيمم في مكان الغسل الذي يتيمم بدلا عنه فإن كان الجرح في وجهه بحيث لا يمكنه غسل شئ منه لزمه التيمم أولا ثم يتيمم
للوضوء وإن كان في بعض وجهه يتخير بين غسل صحيح وجهه ثم التيمم ثم يتيمم للوضوء وبين أن يتمم أو لا ثم يغسل صحيح وجهه ويتيمم للوضوء فإن كان
الجرح في بعض الأعضاء غسل ما قبله ولو كان في سائر أعضائه احتاج في كل عضو إلى تيمم في محله ليحصل الترتيب. لنا: ان الجمع
ليس بواجب لما قلناه فيكفيه (فالكيفية) أولى لعدم الوجوب ولان الترتيب إنما يجب في نوع كل طهارة أما مع الاختلاف فلا دليل عليه والأصل
عدمه ولان التيمم طهارة منفردة فلا يجب الترتيب بينهما وبين أخرى كما لو كان الجريح جنبا ولان فيه جرحا وأنه يتيمم عن الحدث
الأصغر فلم يجب أن يتيمم عن كل عضو في موضع غسله كما لو يتيمم عن جملة الوضوء احتجوا بأنه على تقدير أن يكون الجرح في وجهه و
يديه ولو تيمم لها (لهما) تيمما واحدا أدى إلى سقوط الفرض عن جزء من الوجه واليدين في حالة واحدة والجواب أنه ينتقض بما إذا كان التيمم
بدلا عن جملة الطهارة حيث يسقط الفرض عن جميع الأعضاء دفعة واحدة. السبب الخامس: فقد الآلة التي يتوصل بها إلى
الماء كما لو كان على شفر نيل أو نهر ولم يتمكن من الوصول إلى الماء إلا بمشقة أو تعزير بالنفس أو الآلة معه تغرق الماء أبيح له التيمم وهو
قول علمائنا أجمع وذهب إليه الشافعي والثوري وأحمد لأنه فاقد للماء معنى فجاز التيمم ولما رواه الشيخ في الحسن بن أبي العلا
قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يمر بالركبة وليس معه دلو قال ليس عليه أن ينزل الركبة ان رب الماء هو رب الأرض فليتيمم
وما رواه في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور وعتبة بن مصعب عن أبي عبد الله (ع) قال إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا
شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد الطيب فإن رب الماء ورب الصعيد (واحد) ولا يقع في البئر ولا تفسد على القوم ماؤهم أما لو قدر على النزول من غير ضرر
أو على آلة كالدلو والثوب يبل ثم يعصره وجب عليه ذلك لزوال العذر الموجب للرخصة ولو وجد ثمن الآلة وجب عليه الشراء ولأنه بالشراء يكون
واجدا وتحصيل الطهارة واجب فيجب ما يتوقف عليه وكذا لو أعير الآلة أما لو وهب له ثمنها أو وهبت هي فالحق الوجوب لما قدمناه أولا
خلافا للشافعي. فروع: الأول لو انسدهم؟؟ الواردون على الماء وعلم أن النوبة لا تنتهي إليه إلا بعد الوقت صبر إلى أن يتمكن
من الاخذ فلعل علم الأول يصير ظنا ببطلانه في ثاني الحال فإن يضيق الوقت ولم يتمكن فهو كالعدم وكذا راكب السفينة إذا لم يتمكن
من اغتراف الماء ولا آلة له تصعد الماء ساغ له التيمم. الثاني لو وجد الآلة بأكثر من ثمن المثل وجب الشراء مع المكنة على ما تقدم
بيانه في الماء وكذا البحث في مال الإجارة أو أجرة من مستأجر لنقل الماء أو للاستسقاء. الثالث لو غصب آلة الاستسقاء فعل حراما
وصحت صلاته وطهارته بخلاف ما لو غصب الماء. الرابع لو كان معه ثياب يمكنه أن يوصل بعضها في بعض إلى أن يصل الماء ويعصره ويتطهر
في التساقط منه وجب مع تعذر الماء إلا به سواء كان ذلك ينقص فيه الثوب أكثر من الحبل والدلو أو لا وكذا لو اقتصر إلى شق الثوب الذي
معه بنصفين ويوصل أحدهما في الآخر سواء غلا ثمنه أو لا. السبب السادس: الضعف عن الحركة فلو كان يحتاج إلى حركة عنيفة ليتوصل
بها إلى الماء وعجز عنها أما لمرض أو ضعف قوة فهو كالعادم لأنه لا سبيل له إلى الماء فكان كالواقف على شفر البئر وفقد الآلة. فروع: الأول لو وجد من يناوله الماء قبل خروج الوقت فهو كالواجد. الثاني لو لم يجد من يناوله الماء إلا بالأجرة وجب عليه
مع المكنة وعدم الضرر كثرت الأجرة أو قلت. الثالث لو خاف خروج الوقت قبل مجيئه لم يجز له التيمم إلا في آخر الوقت خلافا
لبعض الجمهور. السبب السابع: ضيق الوقت فلو كان الماء موجودا إلا أنه إن اشتغل لتحصيله فاته الوقت جاز التيمم وهو قول الأوزاعي
والثوري خلافا للشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي فإنهم منعوا من جواز التيمم فأوجبوا عليه التحصيل وإن خرج الوقت. لنا: ان الصلاة
قد تعين عليه فعلها وتحصيل الطهارة المائية متعذر فجاز ا لتيمم القائم مقامها ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي عبد
الله (ع) قال سألته عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة فقال لا هو بمنزلة الماء وإنما يكون بمنزلته لو ساواه في أحكامه ولا ريب أنه
لو وجد الماء وتمكن من استعماله وجب عليه فكذا لو وجد ما سواه وما رواه في الصحيح عن محمد بن حمران عن أبي عبد الله (ع)
فإن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا والتشبيه يقتضي المساواة في الاحكام إلا ما أخرجه الدليل احتجوا بقوله تعالى: (ولم
تجدوا..) جعل الشرط الفقدان وهو منتف ها هنا ولأنه قادر على الماء فلم يجز له التيمم كما لو لم يخف فوت الوقت ولان الطهارة شرط
فلم يبح تركها خيفة فوت وقتها كسائر شرائطها والجواب عن الأول: لا نسلم أنه واجد إذ المراد به التمكن من الاستعمال وهذا غير متمكن
منه مع تعين الصلاة عليه وعن الثاني: بذلك أيضا فإنكم إن عنيتم بقدرة تحصيل الطهارة القدرة على تحصيل طهارة هذه الصلاة فهو
137

ممنوع إذا لبحث فيما إذا خاف فوت الوقت وإن عنيتم القدرة على تحصيل الطهارة للصلاة الآتية غير هذه فذلك غير محل النزاع وعن الثالث:
بالمنع من ثبوت الحكم في الأصل. فروع: الأول لو خاف فوت العيد جاز له التيمم لان المقتضي للجواز موجود وهو تعذر استعمال
الماء ولأنه يخاف فوتها بالكلية فأشبه العادم وهذا اختيار الأوزاعي وأصحاب الرأي وخالف فيه بعض الجمهور. الثاني الجنازة
لا يشترط فيها الطهارة لما يأتي لكن يستحب فلو خاف فوتها جاز له التيمم وهو قول الخثعمي والزهري والحسن ويحيى الأنصاري وسعد بن إبراهيم و
ليث بن سعد والثوري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي وإن كانوا يقولون باشتراط الطهارة وخالف فيه أحمد في إحدى الروايتين. لنا:
أنها لا ركوع فيها ولا سجود وإنما هي دعاء فأسمت الدعاء في غير الصلاة احتج المخالف بقوله (ع) لا يقبل الله الصلاة إلا بطهور والجواب
لا نسلم أنها صلاة سلمنا لكن التيمم إحدى الطهورين فلم قلتم باشتراط الوضوء. الثالث لو صلى بالتيمم ثم ظهر فساد خياله لم يجز بتلك الصلاة لظهور
فساد باطنه فلم يكن معتبرا. السبب الثامن: خوف الزحام يوم الجمعة أو عرفة فلو كان في الجامع يوم الجمعة فأحدث ولم يقدر على الخروج للطهارة
لأجل الزحام قال الشيخ يتيمم ويصلي ويعيد وفي الإعادة بحث سيأتي والتعويل في ذلك على رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (ع)
انه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس قال يتيمم ويصلي معهم ويعيد
إذا انصرف ولأنه غير متمكن من استعمال الماء. مسألة: وهذه الأسباب المبيحة للتيمم مشتركة بين المحدث والجنب حتى أن الجنب لو حصل له
أحد هذه الأسباب ساغ له التيمم وهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال جمهور العلماء كعلي (ع) وابن عباس وعمار وبه قال عمرو بن العاص و
أبو موسى والثوري ومالك والشافعي وأبو ثور وإسحاق وأصحاب الرأي وكان ابن مسعود لا يرى التيمم للجنب ورواه ابن المنذر عن النخعي وهو
قول عمر وروي عن ابن مسعود انه رجع عن قوله. لنا: قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فيتمموا) وذلك ثابت في حق كل فاقد وما رواه الجمهور عن
النبي صلى الله عليه وآله في حديث أبي ذر وعمرو بن العاص وجابر وابن عباس في الذي أصابته الشجة وما رواه عمران بن حصين ان رسول
الله صلى الله عليه وآله رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم فقال أصابتني جنابة ولا ماء قال عليك بالصعيد
فإنه يكفيك وإن عمار قال أجنبت فتمعكت في التراب فقال النبي صلى الله عليه وآله إنما يكفيك هكذا وضرب بيديه على الأرض ومسح وجهه
وكفيه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح في حديث ابن سنان في قول أبي عبد الله (ع) وكان جنبا وكذا في رواية ابن يعقوب
عن الحلبي وفي رواية محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (ع) في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضأ به قال يتيمم والأحاديث في
ذلك كثيرة تقدمت قطعة منها ولأنه حدث فيجوز التيمم منه عند عدم الماء كالأصغر قال سقيف بن سلمة ان أبا موسى ناظر ابن مسعود
فاحتج عليه بحديث عمار وبالآية التي في المائدة فما درى عبد الله ما يقول فقال انا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على إحداهم الماء ان
يدعه ويتيمم احتجوا بأن الله تعالى ذكر التيمم للاحداث دون الجنابة وهو غلط لان قوله: (فلم تجدوا ماءا) راجع إلى الكل. مسألة:
ولا نعرف خلافا بين أهل العلم في أن الاعواز شرط في جواز التيمم لان الله تعالى شرطه فقال لم تجدوا وقال من التراب كافيك ما لم تجد الماء
فاشترطه. مسألة: ويجب الطلب عند إعواز الماء ولو أخل به مع التمكن لم يعتد بتيممه وهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال الشافعي وهو أظهر
الروايتين عن أحمد وقال أبو حنيفة لا يشترط الطلب وهو الرواية الأخرى لأحمد. لنا: قوله تعالى: (فلم تجدوا) ولا يتحقق هذا الوصف إلا بعد الطلب
لامكان قرب الماء منه ولا يعلمه ولهذا لما أمر بالاعتاق في كفارة الظهار وثم بصيام الشهرين إن لم يجد كان الطلب واجبا ثم حتى أنه قبل الطلب
لا يعد أنه غير واجد فكذا ها هنا ولأنه سبب للطهارة فيلزمه الاجتهاد في تحصيله بالطلب والبحث عند الاعواز كالقبلة ويؤيده ما رواه
الشيخ في الحسن عن زرارة عن أحدهما (ع) قال إذا لم يجد المسافر الماء فيطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل
في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل وما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (ع) أنه قال
يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغلوة وإن كانت سهولة فغلوتين لا تطلب أكثر من ذلك لا يقال يعارضه ما رواه الشيخ عن علي بن
سالم عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له أتيمم وأصلي ثم أجد الماء وقد بقي علي وقت فقال لا تعد الصلاة فإن رب الماء هو رب الصعيد فقال
له داود بن كثير الرقي أفأطلب الماء يمينا وشمالا فقال لا تطلب الماء يمينا ولا شمالا وما رواه عن يعقوب بن سالم قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن الرجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك قال لا أمره أن يضر بنفسه فتعرض له لص أو سبع وما رواه
عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أبي ذر أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله هلكت جامعت على غير ماء قال
فأمر النبي صلى الله عليه وآله بمحمل فاستترت به وبماء فاغتسلت أنا وهي ثم قال يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين ولم يشترط الطلب
فزيادته يكون نسخا لأنا نقول الأحاديث التي ذكرتموها ليس شئ منها يسلم عن الطعن في سنده فلا تعويل عليها مع الرواية الصحيحة
وأيضا فيحمل النهي في الأول أنه إنما كان لأجل الضرورة ويدل عليه الحديث الثاني وهو قوله فتعرض له لص أو سبع فإن إدخال " الفاء " على
138

الوصف الصالح للعلية يشعر بها خصوصا إذا لم يكن لذكره فائدة إلا لتعليل والحديث الأخير ليس فيه دلالة على الاكتفاء لأنه نكرة
إذ الجمل نكرات ولو كان للعموم في كل وقت لم يكن فقدان الماء شرطا وهو منفي بالاجماع احتج أبو حنيفة بقوله تعالى: (فلم تجدوا ماءا فتيمموا) وهو قبل
الطلب غير واجد فساغ له التيمم وبقوله (ع) التراب كافيك ما لم تجد الماء ولأنه غير عالم بوجود الماء قريبا منه فأشبه ما لو طلب فلم يجد والجواب
عن الأول: ان عدم الوجدان إنما يكون بعد الطلب وقد سبق تقريره وهو الجواب عن الحديث وعن القياس بالفرق فإن مع الطلب يتحقق فقدان الماء
الذي هو شرط في الترخص بخلاف ما إذا لم يطلب فإنه غير عالم ولا ظان بوجود الشرط ومع الشك في وجود الشرط لا يتحقق جواز الشرائط. مسألة:
اختلف عبارة الأصحاب في الطلب وحده فقال الشيخ في المبسوط الطلب واجب قبل تضييق الوقت في رحله وعن يمينه وعن يساره وسائر جوانبه رمية
سهم أو سهمين إذا لم يكن هناك خوف وقال في النهاية ولا يجوز له في آخر الوقت إلا بعد طلب الماء في رحله وعن يمينه ويساره مقدار رمية أو
رميتين إذا لم يكن هناك خوف وأسقط لفظة سائر جوانبه وقال المفيد في المقنعة: ومن فقد الماء فلا يتيمم حتى يدخل وقت الصلاة ثم يطلبه
أمامه وعن يمينه وعن شماله مقدار رمية سهمين من كل جهة إن كان الأرض سهلة وإن كانت حزنة طلبه من كل جهة مقدار رمية سهم
واحد فزاد ذكر الامام والتفصيل وكلامي الشيخ وإن احتملته إلا أنه ليس بنص فيه وقال أبو الصلاح مثل قول المفيد وقال صاحب الوسيلة
فيها وإنما يصح التيمم بعد طلبه قبل التنصيف عن اليمين واليسار مقدار رمية في حزن الأرض ورميتين في سهلها وقال ابن إدريس وجد ما وردت
به الروايات وتواتر به النقل في طلبه إذا كانت الأرض سهلة غلوة سهمين وإذا كانت حزنة فغلوة سهم ولم يقدره السيد المرتضى
في الجمل ولا الشيخ في الخلاف والجمل بقدر ولم يقف في ذلك إلا على حديث واحد وفي سنده قول ويمكن العمل به لاعتضاده بالشهرة إلا أنه إنما يدل
على الطلب غلوة سهمين في السهلة وغلوة في الحزنة وليس فيه تعميم التقدير بالجهات فعلى هذه الرواية يغلب على ظنه جهة الماء ثم يطلبه في
تلك الجهة ولو قبل التحري باطل والتخصيص بالبعض ترجيح من غير مرجح ولا بد من الطلب في الجميع ولان كل جهة يجوز أن يكون الماء موجودا
فيها فيجب الطلب عندها إذ الموجب للتجويز كان قويا ولان الطلب واجب والأكثر من القدر ضرورية يحصل عليه الظن بالفقد فساغ التيمم معه.
فروع: الأول لو خاف على نفسه أو ماله لو فارق مكانه لم يجب الطلب لان الخوف مسقط للمشروط فالشرط أولى ويؤيده رواية
يعقوب بن سالم. الثاني ينبغي له أن يطلب الماء في رحله ثم إن رأى ما يقتضي العادة لوجود الماء عنده كالخضرة قصده وطلب الماء عنده
وإن زاد عن المقدر ولو كان بقربه قرية طلبها ولو كان هناك ربوة أتاها والحاصل وجوب الطلب عندما يغلب على الظن وجود الماء معه.
الثالث لو تيقن عدم الماء في الجوانب بأسرها سقط عنه الطلب لان الفائدة تحصيل الماء ومع التيقن بعدمه يجب السقوط وهو أحد وجهي
الشافعية وفي الثاني يجب لعموم الآية ولو غلب على ظنه ذلك لم يسقط لجواز كذبه. الرابع لو طلبه حواليه أولا
فلم يجده وصلى متيمما ثم حضرت
الصلاة الثانية ففي وجوب إعادة الطلب نظرا أقربه الوجوب وللشافعي فيه وجهان وعلتهما ظاهرة. الخامس لو تيقن وجود الماء لزمه السعي
إليه ما دام الوقت باقيا والمكنة حاضرة سواء كان قريبا أو بعيدا يمكنه الوصول إليه من غير مشقة وحده الشافعي بما تردد إليه المسافر للرعي
والاحتطاب وهو فوق حد يلحقه غوث الرفاق. لنا: ان الطلب واجب ولا سبب لوجوبه إلا تحصيل الماء وهما فمع التيقن يكون أولى. السادس
لو توهم قرب الماء منه وجب عليه الطلب ما دام الوقت باقيا لما قلناه. السابع لو كان البعد قد انتهى إلى حيث لا يجد الماء في الوقت لم يجب عليه
الطلب حينئذ لعدم فائدته ولو كان بين مرتبتي البعد المذكور والقرب الذي حد الغوث وجب الطلب لما قلناه واختاره الشافعي فيما إذا كان عن يمين
المنزل ويساره دون المقصد لان جوانب المنزل منسوبة إليه دون صوب الطريق وهو ضعيف. الثامن لو كان يطلب الماء فظهرت قافلة كثيرة
لزمه طلب الماء من جميعهم ما لم يخف فوت الصلاة فيطلبه حينئذ إلى أن يبقى من الوقت قدر الفعل فيتيمم ويصلي وقال بعض الشافعية يطلبه إلى
أن يبقى قدر ركعة لادراك الصلاة بإدراكها ولا إثم في التأخير من مصلحة الصلاة. التاسع لو أمر غيره فطلب الماء فلم يجده لم يكتف به
لان الخطاب بالطلب للمتيمم فلا يجوز أن يتولى غيره كما لا يجوز له أن يؤممه وللشافعية وجهان. العاشر لو طلب قبل الوقت لم يعتد به وأوجب إعادته
لأنه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه كالشفيع لو طلب قبل البيع ولما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أحدهما (ع) قال فليطلب
ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم لا يقال إذا كان قد طلب قبل الوقت ودخل الوقت ولم يتجدد حدوث ما كان طلبه عبثا لأنا
نقول إنما يتحقق أنه لم يحدث ما إذا كان ناظرا إلى مواضع الطلب ولم يتجدد فيها بشئ وهذا يجزيه بعد دخول الوقت لان هذا هو الطلب
وأما إذا غاب عنه جاز أن يتجدد فيها حدوث الماء فاحتاج إلى الطلب مسألة ويشترط في التيمم دخول الوقت وهو مذهب علمائنا
أجمع وبه قال مالك والشافعي وأحمد وداود وقال أبو حنيفة: يصح التيمم قبل وقت الصلاة لنا: قوله تعالى: (فإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) عقب
إرادة القيام بالغسل ثم عطف عليه التيمم ولا يصح القيام إلى الصلاة إلا بعد الوقت خرج عنه موضع الاجماع وهو الوضوء فيبقى الباقي
على الأصل وما رواه الجمهور عن أبي سعيد ان رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصلينا ثم وجدا الماء
139

في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله فذكرا له ذلك فقال للذي لم يعد أصيبت السنة
وإصابته السنة إنما هو بفعله كله فدل على أن من تيمم قبل الوقت لم يصب السنة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن
أحدهما (ع) قال فليطلب ما دام في الوقت ولأنها طهارة ضرورية فلم يجز قبل الوقت كطهارة المستحاضة وأيضا هو قبل الوقت مستغن عن
التيمم للفرض فأشبه ما لو تيمم عند وجود الماء فاحتج أبو حنيفة بأنها طهارة يبيح الصلاة فأبيح تقديمها على وقت الصلاة كسائر الطهارات
والجواب الفرق بأن سائر الطهارات ليست ضرورية بخلافه والنقض بطهارة المستحاضة. * مسألة: ذهب أكثر علمائنا إلى أنه لا يجوز التيمم إلا
في آخر الوقت واشترطوا التضييق ذهب إليه الشيخ في كتبه والسيد المرتضى والمفيد وأبو الصلاح وصاحب الوسيلة وابن إدريس ونقل عن ابن بابويه
أنه يجوز التيمم في أول الوقت وروى الجمهور عن علي (ع) استحباب التأخير وهو قول عطا والحسن وابن سيرين والزهري والثوري و
أصحاب الرأي وقال الشافعي في أحد قوليه التقديم أفضل إلا أن يكون واثقا بوجود الماء في الوقت وقال بعض الجمهور يستحب التأخير إن رجا
وجود الماء وإلا استحب تقدمه وهو قول مالك ونقل عن أبي حنيفة هذا التفصيل ونقل عن مالك استحباب التيمم وسط الوقت مطلقا. لنا:
ما رواه الجمهور عن علي (ع) في الجنب ما يتلو بينه وبين آخر الوقت فإن وجد الماء وإلا تيمم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة
عن أحدهما (ع) قال إذا لم يجد المسافر ماء فيطلب ما دام في الوقت فإذا أخاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت وما رواه عن
زرارة عن أحدهما (ع) بهذه العبارة إلا أنه قال فليمسك عوض قوله فليطلب وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سمعته يقول
إذا لم تجد الماء وأردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت فإن فاتك الماء لم يفتك الأرض ولأنها طهارة ضرورية فيتقدر بقدر
الضرورة ولا ضرورة قبل التضييق ولأنه يمكن وصول الماء إليه فكان التأخير أولى فإنه قد استحب تأخيرها لادراك الجماعة فتأخرها
لادراك الشرط أولى واحتج ابن بابويه بقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) ثم قال: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولا شك أن الأول
خطاب في أول الوقت فكذا الثاني لوجوب الاشتراك بالعطف وبما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) فإن أصاب
الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت قال: تمت صلاته والإعادة عليه ولو كان التضييق شرطا لوجبت عليه الإعادة ولأنه (ع) قال إنما هو بمنزلة
الماء فيثبت له جميع أحكامه إلا ما خرج بالدليل وقال (ع) ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا وقول ابن بابويه في غاية
القوة فالأقرب عندي أن التأخير مستحب والتقديم جائز ولأنه لو وجب التأخير لرجاء حصول الطهارة لوجب على أصحاب الاعذار ذلك كالمستحاضة
وصاحب السلس لوجود المقتضي والثاني باطل احتج الشافعي بأن الصلاة في أول الوقت مستحب فلا يترك مع تحققه لأمر مظنون والجواب ان انتظار أكمل
الطهارتين مستحب فكان متحققا. [البحث الثاني] فيما به يكون التيمم، أصل: إنما يفيد الحصر بالنقل حكاه أبو علي الفارسي
في السراريات؟؟ والاستعمال كما في قول الفرزدق فإنما يدافع عن أحزابهم أنا ومثلي وفي قول الأعشى وإنما العبرة للتكاثر وبأن لفظه " ان " للاثبات
وما للنفي فمع التركيب يبقى الدلالتين وإلا لكان التركيب يخرج الشئ عن حقيقته وذلك باطل وإذا ثبت هذا فنقول ان كان للاثبات للمذكور
والنفي لما عداه فهو المطلوب وإن توارد ألزم المحال وإن كان بالعكس فهو خرق الاجماع وقوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله
وجلت قلوبهم) محمول على المبالغة. * مسألة: قال علماؤنا لا يجوز التيمم إلا بالتراب والأرض وهو مذهب الشافعي وإسحاق وأبي يوسف
وداود وأحمد وقال مالك وأبو حنيفة ويجوز بكل ما كان من جنس الأرض كالرماد والزرنيخ والجص والنورة والكحل وقال مالك يجوز بالثلج
والملح. لنا: قوله تعالى: (تيمموا صعيدا طيبا) قال ابن دريد الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخالطه سنج ولا رمل ونقله في كتاب الخمرة عن
أبي عبيدة معمر بن المثنى وقال ابن فارس والصعيد التراب قال وفي كتاب الحليل تيمم بالصعيد أي خذ من غباره والصعيد الأرض المستوية
قال ابن عباس الصعيد التراب والطيب الطاهر وما رواه الجمهور عن علي (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أعطيت ما لم يعط نبيا
من أنبياء الله جعل لي التراب طهورا وذكر الحديث رواه الشافعي في مسنده وروى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وآله قال جعلت لي الأرض
مسجدا وترابها طهورا ولو كان غير التراب طهورا لذكره فيما من الله تعالى عليه ولم يكن للتخصيص معنى ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) عن الرجل يكون معه اللبن أيتوضأ معه للصلاة قال لا إنما هو الماء والصعيد أتى و " إنما " للدلالة على الحصر
وما رواه السكوني عن جعفر (ع) عن أبيه عن علي (ع) قال أتيمم بالرماد فقال لا لأنه ليس يخرج من الأرض وإنما يخرج من الشجر
وذكر أن الدالة على التعليل يوجب التعميم في الطرفين احتج أبو حنيفة بأن ما شابه من الأرض في النعومة والانسخاف يشبه التراب فيجوز
التيمم والجواب ليس المقتضي لجواز التيمم هو الاسخاف مطلقا بل الأرض لا غير وأيضا فالطهارة اختصت بأعم المائعات وجودا وهو الماء فيخص
بأعم الجامدات وجودا وهو التراب وأيضا لو جاز التيمم الشرعي بغير التراب وما يشبهه كالأرض لجاز أما مع الوجوب أو مع عدمه والأول
منتف إجماعا والثاني: أيضا منتف لأنه لو كان كذلك لكان أعم منه ضرورة ثبوته مع الواجب ويلزم من عدم الأعم الأخص فثبت الوجوب
140

عند عدم الجواز هذا خلف وفيه بحث وأيضا روى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) وقد سئل عن كيفية التيمم فوضع كفيه في الأرض
ثم وجهه وكفيه والتخصيص في معرض البيان يدل على النفي إجماعا. * مسألة: ويجوز التيمم في الأرض وإن لم يكن عليها تراب ذكره الأصحاب خلافا لبعض
الجمهور. لنا: قوله تعالى: (فتيمموا صعيدا طيبا) قال أهل اللغة والصعيد وجه الأرض وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال جعلت الأرض لي مسجدا و
طهورا ومن طريق الخاصة ما تقدم وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة قال سألت أبا جعفر (ع) عن التيمم فضرب بيده الأرض وذكر الحديث
وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سمعته يقول إذا لم تجد الماء وأردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض
وإنما يكون وجدان الأرض نافعا لو جاز الطهور بها ولان الأرض تراب اكتسب رطوبة إفادته استمساكا فهي تراب في الحقيقة فجاز التيمم. فروع: [الأول] هل يجوز التيمم بالحجر فعن الشيخ على جوازه وكذا الحصا وهو اختيار المفيد وابن إدريس وابن حمزة وهو قول مالك وأبي حنيفة وقال الشافعي
لا يجوز إلا أن يعلق على يديه شئ من الغبار واختلف الأصحاب في الترتيب فقال الشيخ في النهاية ولا بأس بالتيمم بالأحجار وأرض النورة وأرض الجص
إذا لم يقدر على التراب وقال المفيد في المقنعة بعد أن ذكر ان الصعيد هو التراب سمى بذلك لصعوده على وجه الأرض فإن كان في أرض صخر أو أحجار
ليس عليه التراب وضع يديه أيضا عليها ومسح بهما وجهه وكفيه وليس عليه حرج في الصلاة بذلك لموضع الاضرار وقال ابن إدريس ولا يعدل إلى
الحجر إلا إذا فقد التراب وبمثله قال ابن حمزة في الوسيلة وأطلق الشيخ في المبسوط والخلاف الجواز وتجويز البحث ان اسم الصعيد ان تناول الحجر
جاز التيمم به وإلا فلا ما لم يحصل عليه ترابا فيجري مجرى الثوب وشبهه والأقرب الأول لتناول اسم الأرض به. [الثاني] يجوز التيمم
بالرمل لكنه مكروه نص عليه الأصحاب وهو قول أبي حنيفة ومالك والأوزاعي والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر لا يجوز. لنا: قوله تعالى:
(فتيمموا صعيدا طيبا) واسم الصعيد يتناول الرمل إذ هو أجزأ أرضيته في الحقيقة اكتسب حرارة شديدة أوجبت لها التشتت وتغير أما في كيفيتها
لا يخرج به عن حقيقة الأرض إلى المعدنية وما رواه الجمهور عن أبي هريرة قال إن رجلا أتي النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول
الله انا نكون بالرمل فتصيبنا الجنابة والحيض والنفاس ولا نجد الماء أربعة أشهر فقال النبي صلى الله عليه وآله عليكم بالأرض وإنما
أشار (ع) بذلك إلى أرضهم ليقع الجواب مطابقا للسؤال ولان " الألف واللام " ههنا توهم انها للعهد فلو لم يكن له لزم التلبث
على أنه قد روي بصيغة أخرى وهي التنصيص فقال عليكم السلام بأرضكم رواها صاحب يختلف الرواية. [الثالث] يجوز التيمم بالأرض
السبخة سواء كان عليها غبار أو لم يكن خلافا لبعض الجمهور لتناول اسم الأرض لها ولم يخرج بالحرارة المكتسبة المفيدة تغيرا ما في كيفيتها
عن حقيقتها. [الرابع] حكم الرخام حكم الحجر ولم ينكر أصحابنا بالتنصيص. [الخامس] الحجر أعم من أن يكون مطبوخا بالنار وإن لا يكون والقول
بجواب الحكم للعام يستلزم ذلك وكذا الخرق ولو دقهما جاز التيمم بهما لأنا قلنا أن الطبخ لم يخرجهما عن حقيقة الأرضية وعندي فيه إشكال
وقال الشافعي لا يجوز أما الطين الصلب كالأرض فإنه يجوز التيمم به وإن لم يكن مدقوقا خلافا لبعض الجمهور. [السادس] يجوز التيمم
تراب القبر سواء كان منبوشا أو غير منبوش إلا أن يعلم مخالطته شئ من النجاسة لتناول اسم الصعيد له والشك فيه لا يمنع من استعماله
كالماء وقال الشافعي المقبرة إذا تكرر نبشها لا يجوز التيمم بترابها لاختلاطه بصديد الموتى وإن لم يتكرر جاز وإن جهل فوجهان المنع
لان الظاهر نبشها والجواز للأصل. [السابع] يجوز التيمم بالتراب المستعمل وهو المجتمع من التراب المتناثر من أعضاء المتيمم وبه قالت
الحنيفة خلافا لأكثر أصحاب الشافعي وقد سبق البحث في المستعمل من الماء وحكم التراب حكمه. [الثامن] البطحاء هو من مسيل السيول للمكان السهل
الذي لا جص فيه ولا حجر وكذا لا بطح ولا يجوز التيمم به وقال الشافعي في الأم لا يقع اسم الصعيد على البطحاء الغليظة والرقيقة. * مسألة:
ويستحب أن يكون التراب من ربا الأرض وعواليها دون الهابط وإن استعمل جاز ولم يفرق الجمهور بينها في الأولوية. لنا: ان ملاقاتها للنجاسة أقل
وجودا من ملاقاة المهابط لها لانحدار الماء والبول إلى المهابط ولان وصول الماء من السماء المطر إلى العوالي أكثر من المهابط ويؤيده ما رواه
الشيخ عن النوفلي عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) قال قال أمير المؤمنين (ع) لا وضوء من موطأ قال النوفلي يعني ما تطأ عليه
برجلك وروي عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) قال نهى أمير المؤمنين (ع) أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق قال الشيخ و
هذان الجواز (الحديثان) يدلان على الكراهية وهو حق لسبق دلالة الآية على جواز التيمم من الصعيد مطلقا. * مسألة: لا يجوز التيمم بما ليس بأرض
على الاطلاق كالمعادن والنبات المنسحق والأشجار وغيرهما سواء كان متصلا بالأرض أو لم يكن وسواء كان من جنسها أو لم يكن وهو مذهب
علمائنا أجمع وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة كل ما كان من جنس الأرض أو متصلا بها على الثلج والشجر جاز التيمم وبه قال مالك إلا أنه
اعتبر أن يكون من جنس الأرض ما يتصل بها وقال الثوري والأوزاعي يجوز التيمم بالأرض وبكل ما عليها سواء كان متصلا بها أو غير
متصل. لنا: انه تعالى قال " صعيدا " وقد بينا أن الصعيد هو التراب والأرض لا غير والأحاديث من طرق الجمهور وطرقنا قد سلفت أيضا لا يقال
قد روى الشيخ عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الدقيق يتوضأ به فقال لا بأس بأن يتوضأ وينتفع به لأنا نقول إن هذه الرواية
141

ضعيفة السند إذ في طريقه ابن بكير وهو فطحي وأيضا يحتمل أن يكون المراد بالتوضى ههنا المفهوم اللغوي بل هو الواجب إذ مع تعذر حمل اللفظ
على المعنى الشرعي يحمل على اللغوي ولا ريب أن الوضوء لا يصح استعماله إلا في غسل الأعضاء بالماء شرعا وذلك غير متحقق ها هنا ولو حمل على التيمم
لكان حمل اللفظ على مجازه بالنظر إلى الاستعمالين ولا يصح مع إمكان حمله على حقيقته اللغوية ويؤيد هذا الاحتمال ما رواه الشيخ في الصحيح عن
عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يطلي بالنورة فيجعل الدقيق بالزيت ثم يلثه به يتمسح به بعد النورة ليقطع ريحها
قال لا بأس. فروع: [الأول] لا يجوز التيمم بالرماد وهو مذهب علمائنا أجمع وقد تقدمت الرواية الدالة عليه وكذا لا يجوز بالأشنان
والدقيق ولا ما أشبهه في نعومته وانسخافه لعدم تناول اسم الأرض لهذه الأشياء. [الثاني] نص الأصحاب على أنه لا يجوز التيمم بالزرنيخ لأنه معدن
واختلفوا في النورة فقال المرتضى يجوز التيمم بها وقال الشيخان يجوز التيمم بأرض النورة وأرض الجص وجوز المرتضى التيمم بالجص أيضا ومنع
ابن إدريس من التيمم بالنورة وهو الأقرب لأنها معدن فخرجت عن اسم الأرض ولا تعويل على ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر (ع) عن أبيه
عن علي (ع) انه سئل عن التيمم بالجص فقال نعم فقيل بالنورة فقال نعم فقيل بالرماد فقال لا لان رواتها ضعيفة والأولى اعتبار
الاسم. [الثالث] لو اختلط التراب بغيره مما لا يجوز التيمم به كالمعادن قال في الخلاف لا يجوز التيمم به سواء غلب عليه أو لم يغلب وقال في
المبسوط يجوز إذا كان مستهلكا وبالأول قال الشافعي وبالثاني قال بعض الشافعية واعتبر الغلبة وهو الأقوى عندي لبقاء الاسم معه
ولأنه يتعذر في بعض المواضع. [الرابع] لو اختلط التراب بما لا يتعلق باليد كالشعر جاز التيمم منه لان التراب موجود فيه والحائل لا
يمنع من إلتصاق اليد به فكان سائغا. [الخامس] يجوز التيمم بالتراب وإن اختلفت ألوانه كالأسود والأصفر والأبيض والأخضر لتناول الاسم له.
* مسألة: لو فقد التراب نفض ثوبه أو لبد سرج دابته أو عرقها ويتيمم بغباره وقال مالك لا يجوز التيمم بغبار اللبد والثوب مع
قوله بأنه يجوز التيمم بكل ما يصاعد على وجه الأرض كالثلج والحشيش وغيرهما. لنا: قوله تعالى: (فتيمموا صعيدا) وهو التراب فأين وجد
كان مجزيا عملا بالأصل احتج مالك بأن النبي صلى الله عليه وآله لما ضرب بيده يفتحهما وذلك يدل على أنه لا يجوز بالغبار والجواب ان الفتح عندنا مستحب
ولا يزيل الغبار الملاصق وذلك يكفي إذ لفظه من في الآية للتبعيض ويؤيد ما ذكرناه ما رواه الجمهور عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وآله ضرب
بيده على الحائط ومسح بهما وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه وليس؟ فيه؟ إلا الغبار فكما ساغ في الحائط ساغ في غيره وعن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال إذا كنت في حال لا يقعد إلا على الطين فتيمم به فإن الله أولى بالعذر إذا
لم يكن معك ثوب جاف ولا لبد تقدر على أن تنفضه وتيمم به وما رواه في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) أرأيت المواقف إن لم
تكن على وضوء كيف تصنع ولا تقدر على النزول قال تيمم من لبده أو سرجه والعرقة دابته فإن فيها غبار وتصلي وما رواه في الموثق عن
زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: إن أصابك الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو من شئ معه وإن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا
بأس أن يتيمم منه وما رواه في الصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله (ع) قال إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع
تجده فتيمم منه قال ذلك توسيع من الله عز وجل قال فإن كان في ثلج فلينظر في لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شئ مغبر وإن كان في موضع
لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه. فروع: [الأول] هل يشترط بغبار هذه وما شابهها فقد التراب أم لا عبارة الشيخ والأصحاب
يقتضي الاشتراط ونص ابن إدريس في كتابه عليه والسيد المرتضى في كتاب الجمل أطلق القول بالجواز وهو
اختيار أبي حنيفة ومحمد والوجه الاشتراط
على ما ذكره أكثر الأصحاب واختاره أبو يوسف. لنا: ان النص تناول الصعيد وهو التراب الساكن الثابت قال أبو يوسف وغبار الثوب واللبد
ليس بتراب من كل وجه بل هو ثوب ولبد من وجه بخروجه منها فلا يجوز إلا عند الضرورة ويؤيدها ما اخترناه ما تقدم من الروايات فإنها دالة
على الاشتراط احتج أبو حنيفة ومحمد أن الصعيد وجه الأرض والغبار تراب حقيقة وإن استخرج من غير الأرض لأنه كان مجاورا له فإذا
نفض عاد إلى أصله فصار ترابا مطلقا وفيه قوته (قوة). [الثاني] اشترط السيد المرتضى في الجمل أن يكون الغبار الذي على الثوب أو ما يجري
مجراه مما يجوز أن يتيمم بمثله كالتراب لا كالأشنان والزرنيخ وتبعه ابن إدريس في ذلك وهو جيد. [الثالث] قال الشيخ في النهاية
ولو كان في أرض وحلة لا تراب فيها ولا صخر وكانت معه دابة فلينفض عرقها أو لبد سرجها ويتيمم بغبرته وإن لم يكن معه دابة وكان معه
ثوب تيمم منه وهذا يعطي الترتيب والوجه عدمه ولقد رتب ذلك لكثرة وجود أجزاء التراب في دابته وقلته في الثوب. * مسألة: ولو
لم يجد إلا الوحل تيمم منه وهو مذهب علمائنا إلا أنه إذا يمكن من أحد شئ من الوحل يلطخ به جسده حتى يجف وجب عليه ذلك ليتيمم بتراب
وإن لم يتمكن لتضييق الوقت أو لغيره وجب عليه التيمم وقال أبو حنيفة إذا لم يتمكن لم يصل وبه قال الشافعي وقال أبو يوسف ويصلي
بالايماء ثم يعيد واختاره محمد في إحدى الروايات عنه. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس أنه قال يأخذ الطين فيطلي عليه جسده فإذا جف يتيمم
به وهذا يبطل قول أبي يوسف ويدل على إبطال قول أبي حنيفة انه مأمور بالصلاة فلا يجوز تركها لفقد صفة الشرط كغيره من الشروط
142

ولأنه بممازجته للماء لم يخرج عن حقيقة الأرضية فجاز التيمم به خصوصا ومن مذهبه جواز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض ولأنه
مركب من العنصرين المطهرين فكان مطهرا كأحدهما ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي بصير في الحسن وما رواه في الموثق عن زرارة وما رواه في
الصحيح عن رفاعة وقد تقدمت وما رواه علي بن مطر عن بعض أصحابنا قال سألت الرضا (ع) عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب ليتيمم بالطين
فقال نعم صعيد طيب وماء طهور احتج أبو حنيفة بأن الطهارة شرط ولا يصح إلا بالماء أو التراب والوحل ليس واحدا منهما والجواب قد بينا
أنه لا يخرج بالمزج عن الحقيقة. فروع: [الأول] الطين مرتبة ثالثة بعد غبار الثوب واللبد ويشبهها بمعنى أنه لا يعدل إليه إلا
مع فقده وهو قول علمائنا لان التراب الخالص موجود في الغبار وليس موجودا في الطين إلا مع المزج فكان الأول أولى ويؤيده الروايات المتقدمة
لا يقال معارض هذا ما رواه الشيخ عن زرارة عن أحدهما (ع) قال قلت رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع قال يتيمم فإنه
الصعيد قلت فإنه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء قال إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمم بضرب
يده على اللبد والبردعة ويتيمم ويصلي لأنا نقول هذه الرواية ضعيفة السند ومع ذلك فهي غير منافية لما قلناه لأنه لم يتعرض لنفي التراب بل لنفي
الماء وهو لا يستلزم ذلك ولا قوله وفيها طين أيضا. [الثاني] ان تمكن من جفاف أجزاء الطين بحيث يصير ترابا ويتيمم به تعين ذلك
وكان أولى من التيمم لغبار الثوب واللبد لأنه في هذه الصورة تيمم بتراب حقيقة ولانا قد بينا تأخر مرتبة اللبد وشبهه عن التراب والأرض.
[الثالث] يشترط في الوحل أن يكون أرضه مما يجوز التيمم منها وإلا كان حكمها حكم ما لو لم يجد ما يتطهر وسيأتي. * مسألة: ولو لم
يجد إلا الثلج قال الشيخ يصنع يديه على الثلج باعتماد حتى ينتديا ثم يمسح وجهه من قصاص شعر رأسه إلى محاذي شعر ذقنه مثل الدهن ثم يضع يده
اليسرى على الثلج كما وصفناه يمسح يده اليمنى بها من المرفق إلى أطراف الأصابع ثم يضع يده اليمنى على الثلج كذلك ويمسح يده اليسرى من المرفق
إلى أطراف الأصابع ويمسح بباقي نداوة يديه رأسه وقدميه وإن كان قد وجب عليه الغسل فغسل بجميع بدنه مثل ذلك فإن خاف على نفسه من
البرد أخر الصلاة إلى أن يجد الماء فيغتسل أو التراب فيتيمم وهو اختيار المفيد (ره) وابن حمزة وقال السيد المرتضى يضرب يديه عليه و
يتيمم بنداوته وابن إدريس منع منهما وأوجب التأخير إلى أن يجد الماء أو التراب وجوز المالك التيمم بالثلج في حال وجود التراب قال الشيخ
وإن لم يحصل نداوة لم يجزيه مطلقا سواء حصل على بدنه نداوة أو لم يحصل وقال الأوزاعي يجزيه مطلقا سواء حصل أو لم يحصل والذي
أذهب إليه أنه إن بلغت النداوة حدا يجري على العضو المغسول بحيث يسمى غسلا فليغتسل الجزء من الماء على جزء من البدن إلى آخر وما وجب عليه فعل (فعلى)
ما ذكره الشيخ وكان مقدما على التراب وإن لم يكن كذلك فالأقرب ما قاله الشيخ في استعمال الثلج لما رواه ابن يعقوب في كتابه في الصحيح عن زرارة
ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: إنما الوضوء من حدود الله ليعلم الله من يطيعه وإن المؤمن لا ينجسه شئ إنما يكفيه مثل الدهن وما رواه ابن
يعقوب عن هارون بن حمزة عن أبي عبد الله (ع) قال يجزيك من الغسل والاستنجاء ما بلت يمينك وما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر
(ع) في الوضوء قال إذا مس جلدك الماء فحسبك وما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح قال سأل رجل أبا عبد الله (ع) وأنا عنده
فقال يصبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ فلا نجد إلا ماء جامدا فكيف أتوضأ أدلك به جلدي قال: نعم ولأنه في محل الضرورة فسقط عنه
المقدار المجزي كستر العورة فإنه يكتفي فيها مع الضرورة بالأقل ولان الواجب عليه أمران امساس جسده بالماء وإجراؤه عليه فلا يسقط
أحدهما بتعذر الآخر احتج السيد المرتضى بما رواه ابن يعقوب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل يجنب في السفر فلا
يجد إلا الثلج أو ماء جامدا قال هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أدري أن يعود إلى هذه الأرض التي يوبق دينه قال الشيخ فالوجه في هذا الخبر أنه إذا لم يتمكن
من استعماله من برد أو غيره واستدل على هذا التأويل بما رواه علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الرجل الجنب أو على
غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا أيهما أفضل التيمم أو يتمسح بالثلج ووجهه فإن الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل فإن لم يقدر
على أن يغتسل به فليتيمم وهذا التأويل من الشيخ والاستدلال عليه يشعر بتقدم استعماله على التراب وهو يؤيد ما ذكرناه من أنه متى حصل
مسمى الغسل وجب وإلا فالتراب أولى ويحتمل الحديث وجهين آخرين أحدهما التجوز بالتيمم عن المسح بالثلج للاشتراك في المسح والثاني تخصيص عدم
الوجدان بالماء ويكون التراب حاصلا احتج ابن إدريس بانعقاد الاجماع على أن التيمم إنما يكون بالأرض أو ما أطلق عليه اسمها والثلج ليس أحدهما
فلا يجوز التيمم ولا المسح أيضا لان المأخوذ إنما هو الغسل وحده ما جرى على العضو المغسول ثم اخذ بالثنا على نفسه وليس ذلك موجبا له أما
الاجماع فإنما انعقد على المتمكن من استعمال الأرض أما على المضطر فلا نسلم تحققه سلمناه لكن لا يجوز استعماله على سبيل الدهن والامر وإن
توجه بالغسل لكن مع الاختيار أما مع الضرورة فلا. * مسألة: إذا فقد جميع هذه الأشياء قال بعض الأصحاب سقط الصلاة وبه قال
الشيخ وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية ليس لأصحابنا في هذه المسألة نص صريح ويقوى في نفسي أن الصلاة لا تجب عليه وإذا تمكن من
الماء والتراب الطاهر قضى الصلاة وإن خرج الوقت الذي قوى في نفس السيد هو الأقوى عندي وبه قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وقال
143

الشافعي والليث بن سعيد وأحمد وأبي يوسف ومحمد يصلي على حسب حاله ويعيد وقال مالك يسقط الصلاة أداء وقضاء وهو قول لبعض أصحابنا وقول داود
وأنكر ابن عبد البر هذه الرواية عن مالك. لنا: على السقوط قوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) نهى عن القرب للصلاة قبل
الاغتسال ومع الفقد التيمم وأيضا فإنه شرط وقد فقد ففقد المشروط ولأنها عبادة لا تسقط القضاء فلم تكن واجبة كصيام الحائض وعلى
وجوب القضاء ما يأتي من وجوب قضاء الغائب احتج الشافعي بما رواه مسلم ان النبي صلى الله عليه وآله بعث أناسا لطلب قلادة أصلها عائشة فحضرت
الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا النبي صلى الله عليه وآله فذكروا له فنزلت آية التيمم ولم ينكر النبي صلى الله عليه وآله ذلك ولا أمرهم بإعادة
ولان الطهارة شرط فلم تؤخر الصلاة عند عدمه كالاستقبال احتج أبو حنيفة ومحمد بأنه قد عجز عن الصلاة فتشبه بالمصلين كالعاجز عن الصوم
متشبه الصائمين والجواب عن الأول: بأن ذلك قد كان تاما قبل شروع التيمم على تقدير تسليمه ولا يمكن بقاء ذلك التقدير بعد نزول الآية
فلم يكن فيها حجة وعن الثاني: بأن الشرط من حقيقة استلزام عدمه عدم المشروط الاستقبال بما سقط بوجود البدل وهو الاستقبال إلى غير القبلة
وعن الثالث: بأن التشبه إنما يجوز بما هو مشروع في نفسه وصوم بعض اليوم مشروع في الجملة كالامساك في الحائض إذا طهرت قبل الافطار
بخلاف الصلاة بغير طهارة فإنها غير مشروعة احتج مالك بأنه عجز عن الطهارة فلم يجب عليه الصلاة كالحائض وإذا سقطت قضى إذ هو تابع
والجواب القضاء إنما يجب بأمر جديد. * مسألة: ولا يجوز التيمم بالتراب المغصوب وكذا الماء المغصوب لا يجوز التطهير به غسلا ووضوءا وهو مذهب
علمائنا أجمع خلافا للجمهور. لنا: ان التصرف في مال الغير قبيح عقلا وشرعا والقبيح لا يكون مأمورا به فيبقى في عهدة الامر احتجوا بأنه قد أتى
بالغسل والتيمم فكان مجزيا والجواب المأمور به إنما هو الفعل الحسن الخالي عن جهات القبح وذلك غير حاصل في صورة النزاع ولأنه منهي عنه
فليستحيل أن يكون مأمورا به وإلا لزم تكليف المحال. أصل: النهي عن الشئ يقتضي الفساد في العبادات خاصة أما الأول فلانه بعد
الاثبات بالمنهي عنه يصدق عليه انه غير آت بالمأمور به لان النهي يستحيل أن يكون غير المأمور به لان أقل مراتب الامر رفع الحرج عن الفعل المأمور
به قطعا والمنهي عنه هو الذي لم يرفع الحرج عن فعله فالجمع بينهما ممتنع وإن لم يكن آتيا وجب القول بشغل الذمة والبقاء في عهدة الامر
وقولهم لو اقتضاه لفظا لاستلزم الوضع أو معنى لاستلزم الالزام وهما منفيان مدفوع بحصول اللزوم إذا النهي دل على مغايرة المأمور به
للنهي عنه والنص دل على أن الخروج عن العهدة إنما يحصل بالاثبات بالمأمور به فيحصل من ذلك أن الاتيان بالمنهي عنه لا يقتضي
الخروج عن العهدة وقولهم أن النهي قد تعلق بالصلاة في الأماكن المكروهة مع الصحة مدفوع بالمنع من اتحاد متعلقي الصحة والنهي وأما الثاني:
فلانتفاء الدالة اللفظية فيه إذ لفظ النهي إنما يدل على الرجل والعقوبة إذ لا استبعاد في أن يقال نهيتك عن البيع وإن رتبت به حصل الملك
فإن عارضوا بالنهي في العبادات قلنا المراد من الفساد ثم عدم الاجزاء ها هنا عند إفادة الاحكام المترتبة على العقد واحدهما غير الآخر قالوا
أجمعت الصحابة على فساد الربا بالنهي عنه ولان النهي يقتضي الامر الدال على الاجزاء فيكون دالا على الفساد. قلنا يمنع إسناد الاجماع
إلى النهي وكيف يكون كذلك مع أنهم قد حكموا بصحة كثير من المنهيات وعن الثاني: بان المختلفات قد يتساوى في الاحكام سلمنا لكن الامر لما دل على
الاجزاء وجب أن يكون نقيضه لا يدل عليه لا أنه يدل على الفساد. فروع: [الأول] لو استعمل المغصوب ماء كان أو ترابا في الطهارة لم يجزيه
ووجب عليه الاستيناف ولم يرتفع حدثه لأنه عبادة فالنهي عنها يقتضي الفساد. [الثاني] لو كانت الآنية مغصوبة دون الماء
صحت الطهارة لوجود المقتضي وهو الغسل أو التيمم السليم عن معارضة الفساد الناسي بغصبيته ما يتطهر به لا يقال ما ذكرتموه ثم عائد هنا لان
استعمال الماء إنما يكون بأخذه من الآنية فهو لا ينفك عن الغصبية فكان منهيا عنه فلم يكن مجزيا لأنا نقول ها هنا تصرفان أحدهما أخذ الماء
من الآنية وذلك منهي عنه ولا يتوجه إليه فساد إذ ليس عبادة والثاني: صرف الماء من الأعضاء وذلك غير منهي عنه فكان مجزيا ولقائل
أن يقول أنهما وإن تغايرا لكن الثاني ملزوم الأول وفيه بحث. [الثالث] لو اشترى الماء بثمن مغصوب فإن
اشتراه بالعين لم يصح
الوضوء وإن اشتراه بالذمة صح. * مسألة: ويشترط في التراب أن يكون طاهرا كالماء ولا نعرف فيه مخالفا ويدل عليه قوله تعالى: (صعيدا
طيبا) والطيب هو الطاهر. فروع: [الأول] لو أصاب التراب بول أو ماء نجس لم يجز التيمم به وقال داود ان غير رائحته لم يجز وإن لم
يغير جاز واعتبره بالماء وهو غلط لقوله تعالى: (صعيدا طيبا) ولان الجامد لا يعتبر فيه التغير كالثوب يصيبه الماء النجس وللفرق بأن للماء قوة
الغلبة بخلاف التراب ولأنه لا نقول بالقياس. [الثاني] لو جف هذا التراب بعد ملاقاة البول له فإن كان بالشمس طهر وجاز التيمم منه
وإن كان بغيرها لم يطهر وقال الشافعي يجوز أن يصلي عليه ولا يتيمم منه. [الثالث] لا فرق بين قلة النجاسة وكثرتها ولا بين كثرة
التراب وقلته بخلاف الماء الكثير ولأنه يستهلك النجاسة. [البحث الثاني] في كيفيته، * مسألة: ويجب فيه النية ولا نعلم فيه خلافا
بين علمائنا وممن قال بذلك ربيعة ومالك والليث والشافعي وأبو عبيدة وأبو ثور وأصحاب الرأي وعامة أهل العلم غير ما حكي عن الأوزاعي
والحسن بن صالح بن حي أنه يصح بغير نية اعتبارا بإزالة النجاسة والحجة فيه ما تقدم في باب الوضوء وزيادة قوله تعالى: (فتيمموا صعيدا)
144

التيمم القصد فتجب النية وينوي استباحة الصلاة ولا يجوز أن ينوي رفع الحدث لأنه غير رافع وهو مذهب علمائنا أجمع ومالك والشافعي وأكثر
أهل العلم ونقل عن أبي حنيفة أنه يرفع الحدث ونقل الشيخ في الخلاف عن داود وبعض أصحاب مالك كمذهب أبي حنيفة. لنا: أنه لو وجد الماء لزمه
استعماله لرفع الحدث السابق جنابة كان أو حدثا أصغر أو حيضا ولو كان التيمم مزيلا للحدث لما وجب عليه الغسل لان رؤية الماء لا توجب الغسل
وكان يلزم استواء الجميع لاستوائهم في الوجدان ولأنها طهارة ضرورية فلم ترفع الحدث كطهارة المستحاضة ويؤيده رواية عمرو بن العاص فإنه لما
حكى النبي صلى الله عليه وآله ما فعل قال له يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فذكر العذر فضحك صلى الله عليه وآله وتسميته جنبا يدل على بقاء
الحدث. فروع: [الأول] لو نوى تيمم فريضة فله أن يصلي بها ما شاء من الفرض والنفل سواء نوى فريضة مطلقة فكذلك عنده إلا
ما حكى بعض أصحابه عنه أنه لا يجوز أن يستبيح به أكثر من فريضة واحدة ويجوز عنده أن يتيمم بفريضة ويصلي غيرها. [الثاني]
لو نوى للفرض جاز أن يتطوع به قبل الفريضة وهذا إنما يصح على رأي من يجوز التيمم قبل التضييق وهو الذي اخترناه في كتابنا
هذا وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي ومالك وإن جوز التقديم قبل التضييق إلا أنه قال لا يتطوع قبل الفريضة لصلاة غير راتبة
ومثله حكي عن أحمد والشافعي. لنا: أنه تطوع فأبيح له فعله إذا نوى الفرض كالسنن المرتبة ولأنه يصح التطوع بعد الفرض فيصح قبله احتج
مالك بأن التطوع تبع للفرض فلا يتقدم متبوعه والجواب أن النية إنما هي في الاستباحة لا في الفعل كالمرتبات من السنن وقراءة القرآن
وغيرهما. [الثالث] لو نوى نفلا أو صلاة مطلقة جاز الدخول بها في الفرائض وهو مذهب علمائنا وبه قال أبو حنيفة خلافا للشافعي
ومالك وأحمد. لنا: أنه نوى الطهارة فيجب حصولها مع الفعل عملا بقوله (ع) إنما الأعمال بالنيات وبقوله إنما لامرئ ما نوى ولأنها طهارة
يصح بها النفل فيصح بها الفرض كالطهارة المائية احتج الشافعي بقوله (ع) الأعمال بالنيات وهو لم ينو الفرض الجواب انه نوى الطهارة
فيجب حصولها ولا يشترط جزئيات ما يتوقف عليه الطهارة وإلا لما صح النفل لو نوى الفرض ولما صح قراءة القرآن واللبث في المساجد
إلا بطهارات متعددة وهو باطل بالاتفاق. [الرابع] لو نوى استباحة المساجد وكان جنبا أو قراءة العزائم أو مس الكتابة
أو الطواف فالأقرب أنه يصح له الدخول في الصلاة لأنه نوى الطهارة لتوقف هذه الأفعال عليها فيجب حصولها فساغت له الصلاة
وكذا لو نوى نفلا لطواف استباح فرضه وبالعكس وقال الشافعي وإن نوى النافلة جاز له الدخول في المساجد وقراءة العزائم ووطي
الحائض لان الطهارة في النافلة آكد ولو نوى أحد هذه لم تستبح الفريضة وفي استباحة النافلة وجهان. [الخامس] لا يصح تيمم
الكافر لأنه لا يصح منه النية. [السادس] يجب نية التقرب لأنه عبادة فشرط فيها الاخلاص ولأنه بدل من الغسل أو الوضوء لاختلافه
فيهما فلا يتخصص لأحدهما إلا بنية. [السابع] لو بلغ الصبي المتيمم نفلا لاحدى الصلاة الخمس جاز له الدخول في الصلاة الواجبة لأنه متطهر
كما لو كان متطهرا بالماء. [الثامن] يجب استدامتها حكما وتقديمها بأن يأتي بها عند الضرب. [التاسع] لو تيمم لقضاء فريضة فلم
يصلها حتى دخل وقت أخرى جاز له أن يصليها به وهو قول أكثر الشافعية وقال بعضهم لا يجوز وإلا لزم أن يتيمم للفريضة قبل دخول وقتها
وليس بجيد لأنه إنما يتيمم للغائط (للقضاء) لا بما يدخل وقتها. * مسألة: ويجب مسح الوجه في التيمم بالنص والاجماع وإنما الخلاف في تقديره
فأكثر علمائنا على أن حد الوجه هنا من قصاص الشعر إلى طرف الانف اختاره الشيخ في كتبه والمفيد والمرتضى في انتصاره وابن إدريس
وأبو الصلاح وقال علي بن بابويه بالاستيعاب كالغسل في الوضوء وهو يلوح من كلام ابن أبي عقيل فإنه قال ولو مسح لبعض وجهه أجزأه بمثله
قال سليمان بن داود والجمهور أو حبوا الاستيعاب. لنا: قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم) و " الباء " للتبعيض وقد تقدم ولأنها طهارة ضرورية
فلا يجب فيها الاستيعاب ولان استيعاب اليدين عند بعضهم على ما يأتي غير واجب وكذا الوجه لأنه لم يستوعب ثم للتخفيف ويؤيده ما رواه
الشيخ في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن التيمم فضرب بيده على الأرض ثم رفعها فنفضهما ثم مسح بها جبينيه وكفيه
مرة واحدة وروى عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد الله (ع) انه وصف التيمم فضرب بيده على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح على
جبينيه وكفيه مرة واحدة ورواه ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) ألا تخبرني
من أين علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين فضحك فقال يا زرارة قاله رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل به الكتاب من
الله عز وجل قال: (اغسلوا وجوهكم) فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال: (وأيديكم إلى المرافق) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا
أنهما ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ثم فصل بين الكلام فقال: (وامسحوا برؤسكم) فعرفنا حين قال برؤسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان
" الباء " ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: (وأرجلكم إلى الكعبين) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضها
ثم فسر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله للناس فيضعوه ثم قال: (فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا وامسحوا بوجوهكم) فلما ان وضع
عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم ثم وصل بها (وأيديكم) منه أي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجز
145

على الوجه لأنه تعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا تعلق ببعضها ثم قال: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) والحرج الضيق وروي في الصحيح
أيضا عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم لعمار في؟ حفر؟ يا عمار بلغنا أنك أجنبت وكيف صنعت
وقال تمرغت يا رسول الله في التراب قال فقال له كذلك يتمرغ الحمار أفلا صنعت كذا ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد ثم
مسح جبينيه بأصابعه وكفيه أحديهما بالأخرى ثم لم يعد ذلك واحتج ابن بابويه بأنه تعالى قال: (فامسحوا بوجوهكم) والحال بذلك على ما ثبت
في الغسل والاستيعاب ثابت في الوضوء فكذا في التيمم ولان " الباء " زائدة للالصاق فيجب التعميم وبما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع)
قال: ثم مسح وجهه وما رواه عن داود بن النعمان عن أبي عبد الله (ع) ثم رفعهما فمسح وجهه وما رواه عن سماعة قال سألته كيف التيمم
فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه وذراعيه إلى المرفقين وبمثله روى عن ليث المرادي عن أبي عبد الله (ع) واحتج الجمهور بالآية وقد
بينا كيفية استدلالهم فيها. والجواب عن الأول: لا نسلم أنه أراد بلفظ الوجه في التيمم جميع ما قصده في الوضوء وكيف وقد أتى فيه ب‍ " الباء " الدالة على التبعيض
وعن الثاني: بمنع زيادة " الباء " فإنه متى أمكن حمل كلام الله تعالى على معنى وجب أن لا يحمل على الزيادة التي لا يفيد معنى النية وقد بينا
أن " الباء " إذا دخلت على المتعدي أفادت التبعيض فيحمل عليه وعن الثالث: بأن الوجه كما يصدق على الجميع يصدق على بعض نظرا إلى الاشتقاق
لا على المجاز بل على الحقيقة فإذا دل دليل على صرفه إلى أحد المعنيين وجب حمله عليه وهو الجواب عن الخبرين الأخيرين على أن الخبر الثالث
ضعيف السند ومع ذلك فإن سماعة لم يسنده عن إمام فلا تعول عليه حينئذ قال الشيخ يحتمل أنه إنما أراد به الحكم لا الفعل بمعنى أنه إذا مسح
ظاهر الكف فكأنه غسل ذراعيه في الوضوء هذا هو الجواب عن الرواية الرابعة وأيضا في طريقها محمد بن سنان وهو ضعيف. فروع:
[الأول] قال الشيخ في كتبه المسح على الوجه ثم يمسح بهما وجهه من قصاص شعر الرأس إلى طرف أنفه وكذا عبارة المفيد وسيد المرتضى وابن حمزة وأبي
الصلاح والمراد هو الطرف الأعلى والأسفل إذ العبارة المقصودة في الأحاديث بأربع صيغ. {أحدها} مسح جبينيه. {ثانيها} مسح جبهته. {ثالثها} مسح وجهته.
{ورابعها} ضربه لوجهه لكن في العبارتين الأوليين دلالة على التغيير الأول فالعمل عليه ولان الأصل براءة الذمة وفي كتاب المقنع لابن بابويه
ويمسح بها بين عينيك إلى أسفل حاجبيك. [الثاني] ظاهر عبارة الشيخ تقتضي وجوب الابتداء من القصاص والانتهاء إلى الطرف فلو نكس أعاد
كالوضوء. [الثالث] لا يجب مسح ما تحت شعر الحاجبين بل ظاهره كالماء لما بيناه أولا. * مسألة: ويجب مسح اليدين بالنص والاجماع و
اختلفوا في قدر ما يمسح منهما فقال أكثر علمائنا بوجوب المسح من الرسغ إلى أطراف الأصابع وبه قال علي (ع) وعمار وابن عباس وعطا والشعبي و
مكحول والأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق والشافعي قديما وقال علي بن بابويه من أصحابنا باستيعاب المسح إلى المرفقين كالغسل وبه قال الشافعي ثانيا
وأبو حنيفة وهو مروي عن ابن عمير وأبيه وسالم والحسن والثوري وقال بعض أصحابنا أن المسح من أصول الأصابع إلى رؤسها نقله ابن إدريس وقال
مالك أيضا أن التيمم على الكف ونصف الذراع وقال الزهري يمسح بديه إلى المنكب. لنا: قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) واليد مطلقا إنما
يتناول ما ذكرناه وما رواه الجمهور عن عمار قال بعثني النبي صلى الله عليه وآله فأجنبت فلم أجد ماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله
عليه وآله فذكرت ذلك له فقال إنما يكفيك أن تعول بيديك ثم ضرب بيديه في الأرض ضربة واحد ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه وجهه
ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه في الصحيح في حكاية عمار وقد تقدم وما رواه الشيخ في الصحيح عن الكاهلي قال سألته عن التيمم
فضرب بيديه على البساط فمسح بهما وجهه ثم مسح كفيه أحديهما على ظهر الأخرى وما رواه في الموثق عن زرارة قال سألت أبا جعفر (ع)
عن التيمم فضرب بيديه الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح بها جبينيه وكفيه مرة واحدة وما رواه في الصحيح عن زرارة قال سمعت أبا جعفر
(ع) وذكر التيمم وما صنع عمار فوضع أبو جعفر (ع) كفيه في الأرض ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشئ وما تقدم من الأحاديث
الدالة على أن المسح على الكفين وما يأتي ولأنه حكم مطلق على مطلق اليدين فلم يدخل فيه الذراع كالقطع ومس الفرج وهذه حجة ابن عباس احتج ابن
بابويه بقوله تعالى: (وأيديكم منه) وأحال بالأيدي على ما ذكر في الغسل إن الكلام كالجملة الواحدة فيجب التناسب فيها ولان لما بين في الأول لم يحتج
في الثاني إلى بيان وما رواه الشيخ عن سماعة وليث المرادي وقد تقدمتا وبما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن
التيمم فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة
على ظهرها وواحدة على بطنها
ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه ثم قال هذا التيمم على ما كان فيه الغسل وفي (الوضوء) الوجه واليدين إلى المرفقين وألقى ما كان مسح
عليه الرأس والقدمين فلا يؤمم بالصعيد احتج أو حنيفة بما رواه ابن الصمة أن النبي صلى الله عليه وآله تيمم فمسح بوجهه وذراعيه وروى ابن عمر
وجابر وأبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وآله قال التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وبما رواه عمار عن النبي صلى الله عليه وآله
يكفيك أن تضع كفيك على الأرض ويمسح بهما وجهك ثم يعيدهما فتمسح بهما يديك إلى المرفقين ولأنه بدل يؤتى به في محل مبدله فكان
حده فيهما واحد كالوجه واحتج المالك بأن العلماء اختلفوا فيه فمنهم من أوجبه إلى الرسغ ولا نص في مقداره فقلنا قولا بينهما وقد ورد
146

ذلك في أخبارنا وروى الشيخ عن داود بن النعمان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن التيمم فحكى واقعة عمار ثم قال فوضع يديه على الأرض
ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكفين قليلا واحتج من قال بوجوب المسح من أصول الأصابع بما رواه الشيخ عن حماد بن عيسى عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) انه سئل عن التيمم فتلا هذه الآية: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقال: (اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق) وقال: امسح كفيك من حيث موضع القطع وقال: (وما كان ربك نسيا) ولان القطع يثبت من هذا الموضع فيثبت المسح لتناول اسم
اليد لهما واحتج القائلون بوجوب المسح من الكفين بأن الآية وردت بمسح اليد والمفهوم منها عند الاطلاق ذلك ولهذا مسح الصحابة من المنكب
والجواب عن الأول: بالمنع من الإحالة على اليد السابقة وتقييد المعطوف عليه لا يوجب تقييد المعطوف إجماعا إنما الخلاف في العكس سلمنا
ذلك لكن لا خلاف في أن العطف يقتضي تكرر العامل والقراءة ها هنا بالجر لا غير فيجب تقدير الباقي في الأيدي فيلزم البعضية وذلك إنما
يكون بالمسح من الزند ورواية سماعة وليث تقدم الجواب عنهما وهو بعينه الجواب عن رواية محمد بن مسلم ولو حمل على الاستحباب كان وجها وعن
أحاديث أبي حنيفة بضعفها فإن أكثر العلماء أنكرها قال الحلال الأحاديث في ذلك ضعيف جدا ولم يرو منها أصحاب السنن إلا حديث ابن عمر
وقال أحمد أنه ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله إنما هو عن ابن عمر وهو عندهم منكر وقال الخطائي يرويه محمد بن ثابت وهو ضعيف وقال
ابن عبد البر لم يروه غير محمد بن ثابت وبه يعرف ومن أجله يضعف وهو عندهم حديث منكر وحديث ابن الصمة محرف لأنه إنما جاء في المتفق عليه فمسح
وجهه ويديه وذلك لا ينفعهم بل هو حجة. لنا: لان ما علق على مطلق اليد لا يتناول الذراعين وحديث عمار إلى المرفقين لا يعول عليه إنه انما رواه
هذا القيد سلمة وشك فيه وقال له منصور ما يقول فيه فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك فشك وقال لا أدري ذكر الذراعين أم لا ذكر ذلك
ومع الشك كيف يصح التعويل عليه مع أنه لو تيقن لم يعمل على حديثه مع معارضة لما قدمناه من الأدلة قالوا يحتمل أنه أراد بالكفين
اليدين إلى المرفقين وهذا تأويل ضعيف جدا أما أولا فلان عمار الراوي له الحاكي بفعل الرسول صلى الله عليه وآله أفتى بعد النبي صلى الله عليه وآله
في التيمم للوجه والكفين وقد شاهد فعل النبي صلى الله عليه وآله والفعل لا احتمال فيه وأما ثانيا: فإنه تأويل غير معروف بين أهل
اللغة فلا يكون مسموعا إذ اليقين في اللغة بالكفين عن الذراعين وعن قياسهم بالنقض في الغسل إذ لا يستوعب المسح أجزاء البدن وباقي الأعضاء
الوضوء من المسح وغسل الرجلين والمضمضة والاستنشاق وكذا القول في الوجه فإنه لا يجب فيه الاستيعاب وقد سبق عن قول مالك
انه خرج عن قول العلماء والجواب عن الأخير بالمنع من فهم ذلك ولو سلم ف‍ " الباء " مقدرة وهو يفيد التبعيض وعمل الصحابة مدفوع إذا
النبي صلى الله عليه وآله بين لهم أن المسح من الزند. * مسألة: يجب استيعاب المسح ذهب إليه علماؤنا والشافعي وأحمد والكرخي وقال
أبو حنيفة لو مسح الأكثر أجزأه وهو قول أبي يوسف وزفر. لنا: أن الواجب المسح على المقدر وترك البعض لا يحصل الامتثال ولان الغسل لا
يجزي فيه بالأكثر فكذا في بدله ولأنه شرط في الوضوء فكذا هو شرط بالتيمم والجامع ان الحديث لا يجزي وقليله بمنع فكذا كثيره احتج أبو حنيفة
بإن اشتراط الاستيعاب في التيمم خرج لان التراب لا يصل إلى كل موضع فيه إلا بتكليف والحرج مدفوع شرعا بخلاف الوضوء لوصول الماء
إلى كل موضع والجواب نحن لا نشترط وصول التراب إلى جميع الاجزاء فسقط ما ذكره وقوله انه حرج مبني عليه وأيضا فالحرج غير ملتفت إليه
مع ورود التكليف وقد بينا وجود التكليف فلو أخل بشئ منه وجب عليه الإعادة من أوله. * مسألة: وكيفية أن يضرب بيديه على
الأرض ثم ينفضها مسحا ثم يمسح وجهه ثم يمسح ظهر يده اليمنى ببطن يده اليسرى ثم ظهر يده اليسرى ببطن يده اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع
أما استحباب النفوض (النفض) هو مذهب علمائنا خلافا للجمهور. لنا: ما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه ضرب بيديه على الأرض ثم نفضهما و
مسح بهما وجهه وكفيه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر (ع) ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح وما رواه
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) ثم ينفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين وما رواه عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد الله (ع)
ثم رفعهما فنفضهما واما وجوب الترتيب فهو مذهب علمائنا أجمع وقال الشافعي بين الوجه واليدين بأن يقدم الوجه ولا ترتيب في
اليدين وقال أبو حنيفة لا يجب الترتيب مطلقا. لنا: قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وقد بينا أن " الواو " للترتيب وما رواه
الجمهور عن عمار قال قال النبي صلى الله عليه وآله يكفيك أن تضع يديك على الأرض فتمسح بهما وجهك ثم تعيد بهما فتمسح بهما يديك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الصحيح عن الكاهلي فمسح بهما وجهه ثم يمسح كفيه وثم للترتيب باجماع أهل اللغة وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم ثم مسح بهما وجهه ضرب
بشماله الأرض فمسح بهما مرفقه إلى أطراف الأصابع ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه ويحمل المرفق على الرسغ مجازا وما قلناه
في باب الوضوء ها هنا. * مسألة: ولا يجب استعمال التراب في الأعضاء الممسوحة ذكره علماؤنا وهو اختيار أبي حنيفة وقال الشافعي و
محمد يجب المسح بالتراب فلو لم يلتصق باليد ولم علق عليها بحيث ينتقل إلى الأعضاء الممسوحة لم يجز. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله
عليه وآله أنه نفض يديه ثم مسح بهما ومع النفض يزول الاجزاء الترابية ولأنه تعالى أمر بالضرب على الصعيد والمسح ولم يشترط بقاء التراب وإذا
147

ضرب بيديه امتثل فتحصل الاجزاء ومن طريق الخاصة ما روي من استحباب النفض وقد تقدم وأيضا فليس يجوز اشتراط تعلق التراب باليد عن القا؟؟
بالضربة الواحدة لان مسح الوجه يستوعب التراب ولا يبقي على اليد منه شئ احتج الشافعي بأن المأمور به المسح بالتراب فيشترط فيه الالصاق
وبقوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) أي من التراب والجواب عن الأول: المنع من تعلق الامر بالمسح بالتراب فإنه نفس النزاع. وعن الثاني: بأن
لفظة من مشترك فلا أولوية في الاحتجاج لها لكم دوننا. فروع: [الأول] لو كان مقطوع اليدين من فوق الزند يسقط المسح عليهما
لتعلق المسح بمحل مفقود فكان ساقطا فلاستحالة التكليف بما لا يطاق وبراءة الذمة من الانتقال عن محل الفرض إلى غيره قال في المبسوط ولو
كان مقطوع اليدين من المرفق استحب له مسح ما بقي. [الثاني] لو كان مقطوعا من تحت الزند وجب مسح ما تخلف منه لان الواجب مسح
الجميع وبفوات بعض أجزاءه لا يجب سقوط الباقي فكان المقتضي ثابتا والمانع زائلا. [الثالث] لو كان مقطوعا من الزند هل يجب
مسح موضع القطع قال بعض الجمهور بوجوبه لان الرسغين في التيمم كالمرفقين في الوضوء وثم تعلق الوجوب بالمرفقين فكذا هنا وعندي
منه تردد منشأه أن الغاية هل يدخل أم لا والأقرب السقوط لان الفرض تعلق بالكف وقد زال فيزول المتعلق والعظم الباقي مع بقاء الكف
إنما وجب مسحه لضرورة توقف الواجب وهو مسح اليد عليه فلما زال الأصل سقط ما وجب بضرورته كمن سقط القرحة عنه لا يجب عليه صوم
جزء من الليل. [الرابع] لا يستحب مسح إحدى الراحتين بالأخرى خلافا لبعض الجمهور ولا تخليل الأصابع لان الاستحباب يتوقف على الدليل
الشرعي ولم يقف عليه ولان فرض الراحتين قد سقط بإمرار كل واحدة على ظهر الكف. [الخامس] لو كان له لحم زائد وإصبع زائدة
وجب عليه مسحه كما قلناه في الوضوء. * مسألة: ويجب ان يتوالى المسح بنفسه لتعلق الامر به فلا يجزيه لو فعله غيره فيه ولا خلاف
فيه عندنا وقال الشافعي يجوز. فروع: [الأول] لو لم يتمكن من استعمال التراب بنفسه وجب أن يستعين بغيره كما قلناه في الوضوء. [الثاني]
لو أوصل التراب إلى محل الفرض بخرقة أو خشبة أو غيرهما من الآلات لم يجز خلافا للشافعي. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي في
حديث عمار يكفيك على تضع كفيك على الأرض فتمسح بهما وجهك ثم تعيدهما فتمسح بهما بذلك وذلك نص في الباب ومن طريق الخاصة
ما تقدم من الأحاديث الدالة على وجوب استعمال اليدين في المسح وكان ذلك في معرض السؤال فكان بيانا فكان واجبا. [الثالث]
لو وضع جبهته على الأرض فمسحها بها ثم فعل بكفيه ذلك لم يجزيه لما قلناه. [الرابع] لو تعرض لمهب الهواء لم يكف نقل التراب إلى أعضائه به لما
قلناه وبه قال الشافعي وقال بعض أصحابه يجوز كما لو جلس المغتسل تحت الميزاب والجواب الفرق فإنه في التيمم مأمور بالمسح ولم يتحقق وفي الغسل
بالتطهير وقد حصل بالجلوس تحت الميزاب. [الخامس] لو نقل الهواء التراب على وجهه فرده بيده لم يجزيه سواء قصد أو لم يقصد نوى
أو لم ينو خلافا لبعض الجمهور. لنا: ما رواه الجمهور في حديث عمار يكفيك ان تضع كفيك على الأرض وذلك في معرض البيان فكان هو الواجب
ومن طريق الخاصة ما تقدم من وجوب الضرب على الأرض. [السادس] لو أخذ ما على بعض أعضائه من التراب فمسح به فالوجه الجواز
بخلاف ما لو أمر بأعلى وجهه منه على وجهه لأنه لم يأخذ التراب لوجهه وفيه احتمال. [السابع] لو كان على محل الفرض جبائر لا يتمكن من نزعها
مسح بالتراب على الجبائر وصلى وإذا أزالهما لم يجب عليه إعادة الصلاة لأنها وقعت على الوجه المأمور به شرعا فيكون مجزية
وقال الشافعي يعيد الصلاة أما التيمم فإنه إذا نزع الجبيرة وجب عليه الإعادة إذا أوجبنا إعادة الوضوء لو مسح على الجبيرة وإلا فلا. * مسألة:
واختلف الأصحاب في عدد الضربات فالمشهور عندنا أنه يكفيه في الوضوء ضربة واحدة للوجه واليدين معا ولما هو بدل من الغسل ضربتان واحدة
للوجه واليدين معا ولما هو بدل من الغسل ضربتان واحدة للوجه والأخرى لليدين ذهب الشيخ وأبو جعفر بن بابويه والمفيد وسلار وأبو الصلاح
وابن حمزة وابن إدريس وبه قال السيد المرتضى في المصباح وقال في شرح الرسالة بالضربة الواحدة في الغسل والوضوء معا ولم يفصل بينهما
وهو اختيار ابن أبي عقيل من أصحابنا ونقله الجمهور عن علي (ع) وعمار وابن عباس وعطا والشعبي ومكحول والأوزاعي ومالك وإسحاق وأحمد
وقال علي بن بابويه ضرب بيديه على الأرض مرة وينفضهما ويمسح لهما وجهه ثم يضرب يساره ويمسح بهما يمينه من المرفق ثم يضرب بيمينه ويمسح بها يساره
فأوجب الضربين في الكل ولم يفصل وهو مذهب ابن عمر وابنه سالم والحسن والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن سيرين يضرب ثلاث ضربات
ضربة للوجه وضربة للكفين وضربة للذراعين. لنا: على الاكتفاء بالضربة في الوضوء قوله تعالى: (فامسحوا) ولم يوجب التعدد وكان الأصل
عدمه وحصول الاجزاء مع ما أمر به وما رواه الجمهور في حديث عمار إنما يكفيك ان تعول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح
الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه وهكذا الحديث ذكرناه في معرض الالزام لا الاستدلال ومن طريق الخاصة رواية داود بن النعمان و
الكاهلي وزرارة وقد تقدمت ورواية زرارة الموثقة صريحة في الدلالة وروايته الصحيحة والباقيتان ظاهر في
ذلك وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة
عن أبي جعفر (ع) قال قلت كيف التيمم فقال هو ضرب واحد للوضوء وللغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه وضربة
لليدين ومتى تصيب الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا والوضوء إن لم تكن جنبا وروي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) ان التيمم
148

من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مرتان وفي خبر عمرو بن أبي المقدام دلالة على الاكتفاء بالمرة الواحدة في الوضوء على الضربتين في الغسل رواية
زرارة ومحمد بن مسلم احتج القائلون بالاكتفاء بالمرة مطلقا من أصحابنا لقوله فيتمموا ذكره عقيب الحديث والمراد منه شئ واحد والأصل
براءة الذمة من الضربتين فوجب أن يكون التساوي باعتبار دلالته على الوحدة وبما رواه الشيخ في واقعة عمار لما قال فكيف التيمم فوضع بيديه على
الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا ولم يذكر تعددا للضرب والواقعة في حديث الجنابة وفي رواية زرارة عن أبي جعفر (ع)
سألته عن التيمم فضرب بيديه الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح بهما جبهته وكفيه مرة واحدة والسؤال وقع عن الماهية أو عن العام إذ " الألف
واللام " أما أن يدل على الأول أو الثاني لانتفاء دلالتهما على العهد إذ لا معهود هنا وعلى التقديرين يثبت المطلوب وإلا لزم التأخير في البيان وزيادة
الاجمال إذ ترك التفصيل فيما هو ثابت فيه مشعر بعدمه وبما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن التيمم من الوضوء
والجنابة ومن الحيض للنساء سواء قال نعم والتفصيل ينافي التسوية واحتج مالك بما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله في واقعته من أنه ضرب
بيده فمسح يديه ووجهه واحتج القائلون بالمرتين من أصحابنا بما رواه الشيخ في الحسن عن إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا (ع) قال التيمم
ضربة للوجه وضربة للكفين وذلك مطلق وبما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن التيمم فقال مرتين مرتين
للوجه واليدين وبما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن التيمم فضرب بكفيه الأرض فمسح بهما وجهه ثم ضرب
بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه
واحتج الشافعي بما رواه أبو أمامة ان النبي صلى الله عليه وآله قال ضربة للوجه وضربة لليدين أو المرفقين والجواب عن الأول: أن الآية تدل على
وجوب التيمم مطلقا والكيفية مستفادة من السنة ولا دلالة فيها على الوحدة وإلا لتعذر قوله المراد منه شئ واحد قلنا مسلم وهو التيمم
المطلق كما لو ذكر الحديثين ثم قال عقيبها وأظهروا مع أنه لا يقتضي اتحادهما فكذا هنا والحاصل أن التيمم معول بالتواطئ بين البدلين لا بالاشتراك
اللفظي وعن الثاني: أن عدم الذكر لا يدل على العدم إذ قد استفيد من دليل آخر وهو ما ذكرناه من الأحاديث الدالة على التعدد وهو الجواب عن
الثالث مع أنه جاز أن يكون السؤال عن بدل الوضوء وإن لم ينقل ذكره أو لم يذكره لكنه (ع) فهم من قصده ذلك أو لأنه أجاب على الغالب
وآخر ما يقع نادرا ليبنيه في وقت آخر ورواية عمار ضعيفة السند وهي محتملة للتأويل وغير دالة على العموم أو صدق التسوية المقيدة يستلزم
صدق مطلق التسوية وعن حجة مالك أن الحديث رواه الجمهور فكذا يكفيك أن تضع يديك على الأرض فتمسح بها وجهك ثم تعيدها فتمسح
بهما يديك وذلك يدل على التعدد وعن الروايات التي احتج بها الأصحاب أنها مطلقة وما ذكرناه من الأحاديث مفصلة فيحمل عليها
جمعا بين الأدلة والرواية الأخيرة من تيممها قال هذا التيمم على ما كان فيه الغسل ونحن نقول به وعن احتجاج الشافعي بأنه يحمل على التفصيل
الذي ذكرناه جمعا بين الأدلة. فروع: [الأول] لو ضرب فيما هو بدل من الوضوء مرتين ففي جوازه إشكال ينشأ من وجوب الموالاة في
التيمم وكأن الثانية ليس منه. [الثاني] لو ضرب مرة واحدة فيما هو بدل من الغسل لم يجزيه لأنه فعل البعض لم يكن مجزيا. [الثالث] التيمم في جميع
الأغسال واحد ويدل عليه رواية عمار وهي ضعيفة السند وفي رواية محمد بن مسلم ذكر الجنابة وفي رواية زرارة يقيد الغسل الجنابة فلا دلالة فيهما وحمل
أصحابنا الأحاديث الموجبة للتعدد على ما هو يدل من الغسل لا يصلح أن يكون حجة هنا ولا شك في مساواته الجميع في تكرار الضرب إنما الشك في الاكتفاء
به وعدمه فإن الغسل من الحيض وشبهه غير كاف بل لا بد من انضمام الوضوء إليه فهل الحكم كذلك في البدل فيه إشكال والوجه إن ما عدا غسل الجنابة من
الأغسال يجب فيه التيمم مرتين مرة بدل من الغسل يشتمل على ضربين ومرة بدل من الوضوء يشتمل على ضربة واحدة والفرعان الأولان نازع
فيهما بعض الجمهور أصل " الفاء " يفيد التعقيب وأجمع عليه أهل العربية ولأنه يدخل على الحرام وإن لم يكن بلفظ الماضي المستقبل كقوله من دخل داري
فله درهم دخولا واجبا ولما كان داخلا على الجزاء ولا ريب في أن الجزاء لا بد وان يحصل عقيب الشرط وجب اقتضاء " الفاء " للتعقيب ولا يعارض بقوله
من يفعل الحسنات الله يشكرها لان المبرد أنكره وروي من يفعل الحسنات فالرحمن يشكره ولا بقوله تعالى: (فليسحتكم) ولا بقوله: (فرهان مقبوضة) ولا بدخول " الفاء "
على التعقيب لأنه في مقابلة النص فلا يعارضه بل ينزل على التأويل المحتمل وهو تنزيل اللفظ في الأول على المجاز بقرينة ذكر العذاب الصادف عن زرارة
التعقيب وفي الثانية على التأكيد. * مسألة: قال علماؤنا الموالاة واجبة في التيمم خلافا للجمهور. لنا: قوله تعالى: (فتيمموا) أوجب علينا التيمم
عقيب إرادة القيام إلى الصلاة ولا يتحقق إلا بمجموع اجزائه المسح على الوجه والكفين فيجب فعلهما عقيب الإرادة على حسب الامكان بأن يأتي بأحديهما
ثم تعقيبه بالباقي من غير فصل وأيضا عند القائلين بوجوب التيمم في آخر الوقت يكون وجوب الموالاة ظاهرا ولأنها عبادة يفسدها الحدث
فاشتراطها الموالاة كالصلاة احتجوا بأنه أمر بالمسح مطلقا وقد فصل والجواب لا نسلم الاطلاق وقد بيناه. [البحث الرابع] في الاحكام،
* مسألة: قال علماؤنا يجوز للمتيمم أن يصلي بتيممه الواحد ما شاء من الصلاة فرائضها ونوافلها حواضر وفوائت أو هما ما لم يحدث أو يجد الماء
وهو مذهب سعيد بن المسيب والحسن والزهري والثوري وداود وابن المنذر والمزني وأصحاب الرأي وهو مروي عن ابن عباس وقال الشافعي لا يجمع
149

المتيمم بين فريضتين ويصلي الفرائض والنافلة وصلاة الجنازة بتيمم واحد ونقله الجمهور عن علي (ع) وابن عباس و عبد الله بن عمرو بن العاص و
النخعي وقتادة وربيعة والليث بن سعيد وإسحاق وقال مالك لا يصلي المتيمم بتيمم واحد صلاتي فرض ولا يصلي فرضا ونافلة إلا بأن يكون الفرض قبل
النافلة وقال شريك يتيمم لكل صلاة وروي عن أحمد أنه قال يجمع بين فوائت ولا يجمع بين راتبتين وكان يتيمم وقت الفريضة وبه قال أبو ثور
لنا: قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) أوجب علينا الغسل عند القيام إلى جنس الصلاة المتناول للقلة والكثرة ثم عقب بالتيمم بقوله: (فلم تجدوا
ماء فتيمموا) فكأنه تعالى قال الطهارة بالماء إذا وجدتموه يجزيكم بجنس الصلاة وإذا فقدتموه أجزأكم التيمم للجنس وما رواه الجمهور عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه قال لأبي ذر (رض) يا أبا ذر الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك وما
رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يحدث أو يجد الماء وهذا نص في الباب ومن طريق الخاصة ما
رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) في رجل يتيمم قال يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء وما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر
(ع) قال: قلت له يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها فقال نعم ما لم يحدث أو يصيب الماء الحديث وما رواه في الصحيح عن حماد بن
عثمان قال سألت أبا عبد الله عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة فقال لا هو بمنزلة الماء وما رواه عن السكوني عن جعفر عن آبائه (عل)
قال لا بأس بأن يصلي الصلاة الليل والنهار بتيمم واحد ما لم يحدث أو يصيب الماء وما رواه عن السكوني عنه (ع) عن أبيه عن أبي ذر أتى النبي
صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله هلكت جامعت على غير ماء قال فأمره النبي صلى الله عليه وآله بمحمل فاستترت به ودعا بماء فاغتسلت أنا وهي
ثم قال يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين ولأنها طهارة تبيح الصلاة فلم يتقدر بالوقت كطهارة الماء يقال تعارض هذا ما رواه الشيخ
عن أبي همام عن الرضا (ع) قال يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء وما رواه عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عل) قال لا يتمتع
بالتيمم إلا صلاة واحدة وبنافلتها لأنا نقول يحمل ذلك على الاستحباب كما في تجديد الوضوء قال الشيخ إن أبا همام رواه تارة عن الرضا وتارة عن محمد بن
سعيد بن عمران والحكم واحد وهذا يوجب الضعف احتج الشافعي بما رواه الحرث عن علي (ع) أنه قال التيمم لكل صلاة ولأنها طهارة ضرورية
فتقيدت بالوقت كطهارة المستحاضة والجواب عن الأول: بأن لفظه يتناول تارة كل واحد وتارة للكل المجموع والاحتجاج بها إلا على تقدير
الأول أيضا فقوله التيمم لكل صلاة لا دلالة فيه على المطلوب إذ لو أريد منه ان التيمم الواحد لكل صلاة لم يكن بعيدا بل هو الأقرب ولا حجة فيه
إذن على مطلوبهم وأيضا يحتمل أن يقال إنه صالح لكل صلاة من فريضة ونافلة وصلاة جنازة وغيرها على معنى أنه لا يتخصص بصلاة دون صلاة
وعن الثاني بوجهين أحدهما الفرق فإن المستحاضة حدثها مع بقائه متجدد بخلاف المحدث فجاز استناد الفرق إلى هذا الوصف الثاني إن ما
ذكرتموه قياس في مقابلة النص فلا يكون مقبولا ومعارضة فقياسات منها أنها طهارة صحيحة إباحة فرضا فإباحة ما عداه كالماء منها أنه يعيد
الفرض الأول بتيمم صحيح يبيح للتطوع نوى به المكتوبة فكان لان يصلي ما شاء كحال الابتداء ومنها أن الطهارة في الأصل إنما يتقيد بالوقت
دون الفعل كطهارة الماسح على الحق وهذا مبطل قوله في أنه لا يجوز الجمع بين الفرضين وإن كان غير دال على جواز الفرض مع اختلاف
الوقتين ومنها ان كل تيمم أباح ما هو من نوعها بدليل صلاة النوافل واحتج الشافعي أيضا بما رواه ابن عباس أنه قال من السنة أن لا يصلي بالتيمم
إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للأخرى وهذا يقتضي سنة النبي صلى الله عليه وآله والجواب من وجهين. أحدهما: ان لفظة السنة قد يعني به عن ذلك و
قد يعني به الندب على المساوي فصرفه إلى أحد المعنيين يحتاج إلى دليل. الثاني: ضعف السند فإن راويه حسن بن عمار وهو ضعيف ثم وهو معارض بالنوافل
واحتج مالك بمثل ما احتج به الشافعي والجواب ما تقدم واحتج شريك برواية ابن عباس والجواب قد سلف. فروع: [الأول] يجوز الجمع بين
فوائت الصلاة وحواضرها فرضا ونفلا للعموم. [الثاني] يجوز أن يجمع بين صلاة واجبة وصلاة مندوبة للعموم وقال الشافعي إن سلكنا
بالمنذورة مسك جائز الشرع جاز وإن سلكنا بها واجبة لم يجز. [الثالث] يجوز الجمع بين الصلاة والطواف وصلاته أيضا وقال
الشافعي لا يجوز أن يجمع بين مكتوبتين ولا بين طوافين ولا بين فريضة وطواف وكذا يجمع بين فريضة وصلاة جنازة سواء تعينت عليه أولا
في أحد القولين وفي الآخر بالتفصيل. [الرابع] لو نسي تعيين صلاة فائتة فوجب عليه صلاة خمس أجزأه تيمم واحد أما عندنا فظاهر وأما
عند الشافعي فلان الواجب في الأصل واحدة حتى أنه لو ذكرها لسقط عنه الباقي فلم يكن للحكم الواجب وكذا لو نسي صلاتين عندنا وقال
الشافعي إن شاء أدى الخمس كل واحدة بتيمم وإن شاء اقتصر على تيممين ودل بالأول الأربعة الأول من الخمسة والواجب وبالثاني الأربعة الأخيرة
ويصلي بالأول الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء ولا يكفيه أن يصلي الخمس بتيممين لأنه لا بد وأن يجمع بين صلاتين بتيمم واحد فربما كانت
المتروكتان. [الخامس] يتيمم لصلاة الخسوف بالخسوف ولصلاة الاستسقاء وباجتماع الناس في الصحراء وللفائتة بتذكرها وللنوافل الرواتب
بدخول وقتها ولو لم يتيمم للفائتة صحوة النهار فلم يؤديها إلا ظهرا بعد الزوال فهو جائز وهو أصح الوجهين للشافعي ويتيمم للنافلة صحوة مما يستحب
فعلها فيه فإذا بها الظهر جاز وللشافعي قولان. [السادس] إذا كان التيمم لنافلة لم يجز التيمم لها في وقت نهى عن فضلها فيه لأنه ليس بوقت لها
150

وإن كانت فائتة فريضة جاز التيمم مطلقا وإن كانت نافلة يتيمم إذا أراد فضلها في غير الوقت المنهي عنه. [
السابع] قد بينا أنه يجوز الجمع بين
فريضتين بتيمم واحد خلافا للشافعي واختلف أصحابه فيما لو أراد ألا يجمع بين الصلاة الجمع بالتيمم فقال بعضهم لا يجوز لأنه يحتاج أن يطلب للثانية و
يجد التيمم وذلك يقطع الجميع كما إذا انتقل بينهما وقال بعضهم يجوز لأنهما فريضتان صلاهما بتيممين والتفريق هنا من مصلحة الصلاة فلا يزيد على
قدر الإقامة في العادة (العبادة) بخلاف النافلة لأنه لا حاجة به إليها وهذا عندنا ساقط. [الثامن] لو تعين لصلاة الجنازة بأن لا يكون غيره جاز
له أن يصلى بغير طهارة عندنا وقال الشافعي لا يجوز وهل يكون أن يصلي بتيمم صلى به فريضة فيه وجهان أقواهما عندنا الجواز لأنهما من فروض
الكفايات فليس لها مزية على فرائض الأعيان ولو حضرت جنازتان وتعينت الصلاة عليه لم يجز له أن يصلي عليهما بتيمم واحد على أحد الوجهين
ولان يصلي عليهما صلاة واحدة بتيمم لأنه يزيد اسقاط فرضين عنه بتيمم واحد. أصل: الاتيان بالمأمور به يقتضي الاجزاء بمعنى أنه كاف في
سقوط الامر لان الامر لو توجه عليه بعد الاتيان لكان أما بذلك الفعل بعينه وهو تكليف بما لا يطاق لاستحالة إعادة المعدوم وأما بغيره وذلك
يستلزم كون الامر قد تناوله وحينئذ لا يكون الآتي آتيا بتمام المأمور به وهو خلاف التقدير ولأنه لوجب فعله ثانيا وثالثا وهكذا دائما
لزم إفادة الامر للتكرار وهو باطل فلم ينو إلا الخروج عن العهدة بما يطلق عليه الاسم وقولهم قد أمر بإتمام الحج الفاسد مع عدم الاجزاء
ضعيف لأنه مجزيا بالنسبة إلى الامر الوارد بإتمامه وغير مجز بالنسبة إلى الامر الأول لان الامر الأول اقتضى إيقاع المأمور به لا على هذا الوجه
قالوا الامر بشئ يفيد كونه مأمورا به فأما كون الاتيان سببا في سقوط التكليف فلا يدل عليه قلنا الاتيان بتمام المأمور به يوجب أن لا يقع
الامر مقتضيا بعد ذلك وهذا هو المراد بالاجزاء. * مسألة: قال علماؤنا إذا تيمم وصلى ثم خرج الوقت لم يجب عليه الإعادة وعليه إجماع
أهل العلم وحكي عن طاوس أنه يعيد ما صلى بالتيمم لان التيمم بدل فإذا وجد الأصل نقض حكم البدل كالحاكم إذا حكم بالقياس ثم وجد النص
على خلافه. ولنا: أن الامر تناول الصلاة بالتيمم وقد فعل فتجزي ويدل عليه أيضا ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال التراب طهور المؤمن
عشر سنين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أحدهما (ع) قال فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل وما
رواه في الصحيح عن ابن سنان قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إذا لم يجد طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصل فإذا وجد ماء فليغتسل
وقد أجزأته صلاة التي صلى أما لو وجد الماء والوقت باق فمن ذهب من أصحابنا إلى أن التيمم يجب في آخر الوقت يجب عليه عنده الإعادة هنا
لوقوع الصلاة على غير الوجه المشروع واما نحن فلا نوجب الإعادة لما بينا من جواز فعل التيمم في أول الوقت وأما الجمهور فاختلفوا
ها هنا فقال أبو سلمة والشعبي والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي لا يجب الإعادة وقال عطا وطاوس
والقسم بن محمد ومكحول وابن سيرين والزهري وربيعة يعيد الصلاة مع اتفاقهم على الجواز في أول الوقت. لنا: على عدم وجوب الإعادة ما تقدم
والتضييق ليس بشرط على ما بينا فوجد المقتضي ويبقى المانع فيثبت الحكم وما رواه الجمهور عن أبي داود عن أبي سعيد أن رجلين خرجا في سفر
فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا فصليا ثم وجد الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى
الله عليه وآله فذكرا له ذلك فقال للذي لم يعد أصيب السنة وأجزأ لك صلاتك وقال للذي أعادك الاجر مرتين ونقل أحمد عن ابن عمر أنه تيمم
وهو يرى بيوت مكة فصل العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قلت
لأبي جعفر (ع) فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم هو في وقت قال تمت صلاته ولا إعادة عليه وما رواه في الموثق عن يعقوب بن سالم عن أبي
عبد الله (ع) في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء وهو في وقت قد مضت صلاته ولتطهر وما رواه معاوية بن ميسرة قال سألت أبا عبد الله
(ع) عن الرجل في السفر لا يجد الماء ثم صلى ثم أمر بالماء وعليه شئ من الوقت أيمضي على صلاته لم (و) يتوضى ويعيد الصلاة قال يمضي على
صلاته فإن رب الماء رب التراب وما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج
الوقت فقال ليس عليه إعادة الصلاة ما رواه في الصحيح عن العيص قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل يأتي الماء وهو جنب وقد صلى
قال يغتسل ولا يعيد الصلاة والاستدلال من وجهين، أحدهما: من حيث الاطلاق ولو كان فيه تفصيل لوجب عليه أن يبينه. الثاني: ان الإعادة
إنما يطلق غالبا في الاتيان بالفعل في وقته مرة ثانية وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل
أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء قال لا يعيد فإن رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين وفيه إشارة إلى العلة وما رواه
في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال هو بمنزلة الماء ولأنه أدى فريضته كما مر فلا تجب الإعادة كما لو فعله بعد الوقت ولان
عدم الماء عذر معتاد فيسقط مع التيمم به القضاء كالمرض ولأنه أسقط فرض الصلاة فلم يعيد إلى ذمته كما لو وجده بعد الوقت واحتج الشيخ بأن
التيمم آخر الوقت شرط فتبطل بدونه فلا يعتد بالصلاة الواقعة به وبما رواه في الصحيح عن يعقوب بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع) عن رجل
تيمم فصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته قال إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد فإن مضى الوقت
151

فلا إعادة عليه والجواب عن الأول بالمنع من الشرطية وقد سلف وعن الرواية ما يحمل على الاستحباب جمعا بين الاخبار. فروع: [الأول]
لو كان محبوسا فصلى بتيممه لم يعد بعد الوقت ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول مالك وإحدى الروايتين عن أحمد وفي رواية عن أبي يوسف وقال
الشافعي يعيد وهو إحدى الروايتين عن أحمد وقول أبي حنيفة ومحمد. لنا: ما تقدم عن الأدلة على عدم الإعادة ولأنه أتى بالتيمم المشروع على الوجه المشروع
فأشبه المريض والمسافر ولأنه عادم للماء بعذر متطاول معتاد فهو كالمسافر ولان عدم هذا للماء أكثر من عدم المسافر له فالنص على التيمم للمسافر
تنبيه على التيمم هنا احتج المخالف بأن هذا عذر نادر فلا يسقط به القضاء كالحيض في الصوم ولان العجز ثبت بفعل العباد فلا يجعل عذرا أما
لأنه يمكن إزالته في الجملة غالبا وأما لأنه منع لا من قبل من له الحق فلا يوجب سقوط حق صاحب الحق وصار كما إذا كان معه ماء ومنعه
منه غيره عن استعماله والجواب عن الأول: بالمنع من الندرة ولو سلم فلا يجوز التعليل بها لعدم ضبطها ولوقوعها في حق بعض المسافرين و
المرضى والفرق بينهما وبين الحائض أن الفعل وقع ها هنا بخلاف الحائض ثم الحق في الجواب ان القضاء إنما يجب بأمر جديد وقد ثبت
في الحائض ولم يثبت هنا بل ثبت نقيضه وعن الثاني: بأنه لو لم يكن عذر لكان معاقبا بتأخير الصلاة عن طهارة مائية وليس كذلك اتفاقا
والمقيس عنه ممنوع عندنا. [الثاني] لو كان محبوسا بدين يقدر على قضائه لم يكن عذرا وصار كما لو كان الماء قريبا منه ويمكن من استعماله
ولم يستعمل حتى ضاق الوقت بحيث لا يمكن عن المضي إليه واستعماله. [الثالث] لو تيمم بسبب الخوف من عدو أو لص أو سبع وصلى فلا
إعادة عليه للعموم فلو بان فساد وهمه فكذلك لأنه صلى صلاة مشروعة فلم يجب إعادتها كما لو كان السبب محققا وهو قول بعض الجمهور وقال
بعضهم بالإعادة لأنه تيمم من غير سبب يبيح التيمم والجواب المنع من عدم السبب إذ السبب والخوف فلا وجود المخوف تحقيقا. [الرابع] لو كان معه ماء فأراقه
قبل الوقت أو مر بماء قبل الوقت فتجاوزه وعدم الماء في الوقت صلى بتيممه المجدد إجماعا ولا يعيد وبه قال الشافعي وأحمد وقال الأوزاعي إن ظن أنه
أدرك الماء في الوقت فكقولنا والأصلي بالتيمم وعليه الإعادة. لنا: أنه في تلك الحال لم يجب عليه استعمال الماء فأشبه ما لو ظن أنه يدرك
الماء في الوقت. [الخامس] لو أراقه في الوقت ولم يستعمله ثم عدم الماء ثم تيمم وصلى ففي الإعادة وجهان، أحدهما: الوجوب حيث وجبت
عليه الصلاة بوضوء وتمكن وفوت الواجب ولم يكن عذرا. الثاني: السقوط حيث إنه صلى بتيمم مشروع وتحققت شرائطه فأشبه ما لو
أراقه قبل الوقت وكذا لو كان بقرب الماء وتمكن من استعماله وأهمل حتى ضاق الوقت فصار بحيث لو مشى إليه خرج الوقت فإنه يتيمم وفي الإعادة
وجهان أقربه الوجوب. [السادس] لو وهبه بعد دخول الوقت لم ينتقل عن ملكه لتعلق الوجوب بالوضوء به فلو تيمم مع بقائه لم يصح
ولو تصرف الموهوب فيه فهو كالإراقة. [السابع] قال الشيخ لو تيمم يوم الجمعة لأجل الزحام وصلى ثم خرج وتوضأ وأعاد تعويلا على رواية السكوني
وفيه ضعف والأقرب الصحة. [الثامن] لو كان المتطهر محبوسا في موضع نجس ولا ثوب معه صلى قائما ويركع ويسجد ولا يضع جبهته على النجاسة
بل يؤمي قاعدا ولا إعادة عليه وخالف الشافعي في موضعين أحدهما أنه يصلي قائما ولا يقعد للسجدة بل يؤمي بأنه يدني رأسه من الأرض ولا
يدع جبهته ولا أنفه ولا يديه ولا ركبتيه وعندنا كما قال في الجبهة دون اليدين والركبتين. الثاني: الإعادة والحق عندنا انه لا يعيد وهو أحد
قولي الشافعي وقال في القديم انه يعيد لأنه عذر نادر فأوجب الإعادة كعدم الماء في الحر والجواب المنع من ثبوت الحكم في الأصل وله أربعة
أقوال: {أحدها} أنه لا اعتداد بالأولى وإن وجبت عليه للوقت. {الثاني} كلاهما فرض. {الثالث} الأولى فرض والثانية استحباب.
{الرابع} يحتسب له تعالى أيهما شاء. * مسألة: لو نسي الماء في رحله أو موضع يمكنه استعماله وتيمم وصلى وإن كان قد طلب واجتهد
ولم يظفر به بحفائه أو لظنه أنه ليس معه ماء صحت صلاته وإن كان قد فرط في الطلب إعادة قال علمائنا وقال الشافعي وأبو يوسف تجب عليه
الإعادة مطلقا وهو أحد قولي أحمد وأحد قولي مالك والقول الآخر لهما عدم الإعادة وهو مذهب أبي حنيفة وأبي ثور ومحمد. لنا: أن الطلب واجب
فمع الاخلال به لم يقع الفعل على الوجه المطلوب فلا يكون مجزيا فقد تقدم تمامه ومع الطلب يكون قد صلى صلاة مشروعة فثبت الاجزاء
ولأنه مع النسيان عن قادر على استعمال الماء فهو كالعادم احتجوا بأنها طهارة يجب مع الذكر فلم تسقط بالنسيان كما لو صلى ناسيا ثم ذكر والجواب
أن الفرق ثابت أن (إذ) البدل موجود في صورة النزاع بخلاف المقيس عليه. فروع: [الأول] لو صلى عن رحله وكان يعرف بئر
فضاعت بحدثه عنه فتيمم وصلى ثم وجدها فالصحيح أن الإعادة لأنه عادم وقيل هو كالناسي وليس بشئ وبالأول قال الشافعي والفرق
بين وبين الناسي ظاهر فإن الناسي مفرط بخلاف هذا. [الثاني] لو كان الماء مع عبد ولم يعلم به فصلى بالتيمم فالوجه الصحة لان التفريط
من غيره. [الثالث] لو صلى فبان الماء بقربه أما في بئر أو مصنع أو غيرهما فإن كان خفيا وطلب فلم يظفر فلا إعادة لأنه فعل المأمور
به وإن لم يطلب أعاد. [الرابع] لو وضع غيره الماء في رحله ولما يعلم فالوجه الإعادة أيضا لان المقتضي للإعادة هناك ليس
النسيان بل ترك الطلب. * مسألة: الجنب إذا فقد الماء تيمم وصلى ولا إعادة عليه مطلقا عند علمائنا. لنا: قوله تعالى: (أو لامستم النساء
فلم تجدوا ماء فتيمموا) فمع الفعل يقع الامتثال فيحصل الاجزاء وما رواه الجمهور عن أبي ذر قال للنبي صلى الله عليه وآله إني أغرب عن الماء ومعي
152

أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور فقال النبي صلى الله عليه وآله الصعيد الطيب طهور وأصاب ابن عباس جاريه له رومية وهو عادم
للماء وصلى بأصحابه وفيهم عمار ولم ينكروه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن الصادق (ع) إذا لم يجد الرجل طهورا وكان
جنبا فليمسح الأرض وليصل فإذا وجد الماء فليغتسل وقد أجزأته الصلاة التي (الحديث) وما روي عن السكوني في حديث أبي ذر وما رواه عن العيص في الصحيح
عن أبي عبد الله (ع) وفي حديث محمد بن مسلم المشار فيه إلى العلة وقد تقدم. فروع: [الأول] لو أجنب
مختارا أو خشي البرد تيمم عندنا
وقد مضى البحث فيه واختلف في لزومه الإعادة قال الشيخ نعم وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد والحق أنه لا إعادة عليه
وهو مذهب جماعة من أصحابنا وقول الثوري ومالك وأبي حنيفة وأبي بكر بن المنذر والرواية الأخرى عن أحمد لكن الشيخ فرق بين المختار و
غيره والباقي لم يفرقوا وأبو يوسف فرق بين الحاضر والمسافر فأوجب الإعادة على الحاضر خاصة والباقون لم يفرقوا. لنا: ما رواه الجمهور
عن حديث عمرو بن العاص لما حكى النبي صلى الله عليه وآله ولم يأمره بالإعادة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسكين وغيره
عن أبي عبد الله (ع) قال قيل له ان فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات فقال قتلوه الا يسألوا أن ألا ييمموه وإن شفاء العي السؤال
وغيره من الأحاديث المتقدمة كحديث داود بن سرحان عن الحسن عن أبي عبد الله (ع) في الرجل تصيبه الجنابة وبه جرح أو قرح أو يخاف على
نفسه من البرد فقال يغتسل ويتيمم وإذا فعل ما أمر به مع أنه هو الواجب عليه وإلا لما حصل الاكتفاء به ثبت الاجزاء ولأنه خائف على
نفسه فأشبه المريض ولأنه أتى بالمأمور به فأشبه به غيره احتج الشيخ بما رواه عن جعفر بن بشير عمن رواه عن أبي عبد الله (ع) قال سألته
عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف ان اغتسل قال يتيمم فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة وبما رواه عن جعفر بن
بشير أيضا عن عبد الله بن سنان أو غيره عن أبي عبد الله (ع) مثله واحتج أبو يوسف ومحمد بأنه عذر نادر غير متصل فلم يمنع الإعادة كنسيان
الطهارة والجواب عن الأول: أن الرواية الأولى مقطوعة السند فلا تعويل عليها أيضا مع أن الراوي واحد وذلك يوجب الضعف وعن الثاني: بالفرق
إذ الناسي غير آت بالشرط وها هنا قول آخر لبعض الجمهور وهو أنه إن كان مسافرا فلا إعادة عليه وإن كان حاضرا ففيه وجهان وقال
الشافعي إن كان حاضرا أعاد وإن كان مسافرا فعلى قولين. [الثاني] يجوز للعادم الجماع إن كان معه ما يكفيه للوضوء قبل الوقت عملا
بالمقتضى وهو قوله تعالى: (فأتوا حرثكم أنى شئتم) السالم عن المعارض وهو وجوب الصلاة بالطهارة لكن هل يكره أم لا قال جابر بن زيد والحسن
وقتادة والثوري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي أنه لا يكره وقال أحمد في إحدى الروايتين هو مكروه وقال الأوزاعي إن كان بينه وبين
أهله أربع ليال فليصب أهله وإن كان ثلاثا فما دونها فلا يصيبها والوجه عندي الأول. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله
في قوله لأبي ذر حين سأله عن الجماع مع فقد التراب طهور المسلم ومن طريق الخاصة منه ما رواه الشيخ عن السكوني في هذه القضية
بعينها لا يقال هذه الرواية ضعيفة ومع ذلك فهي معارضة بما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا إبراهيم (ع) عن رجل يكون
معه أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله فقال ما أحب أن يفعل ذلك إلا أن يكون شبعا أو يخاف على نفسه لأنا نقول لنا: روايتنا (ان الرواية) وإن كانت
ضعيفة إلا أن الجماعة قد شهدوا لرواتها بالثقة وأما رواية إسحاق فإن في طريقها علي بن السندي ولا يحضرني الآن حاله فإن كان ثقة فالعمل
عليها أما لو دخل الوقت ومعه ما يكفيه للوضوء فالوجه تحريم الجماع حينئذ لأنه يفوت الواجب وهو الصلاة بالمائية ولو لم يكن معه ماء
أصلا فالأقرب جواز فعله لعدم وجوب الطهارة المائية عليه حينئذ والتراب كما قام مقام الماء في الصغرى فكذا في الكبرى وكما جاز فعل الناقض
للصغرى وكذا الكبرى ولو كان على الطهارة فدخل لوقت ثم فقد الماء وعلم استمراره وجب عليه فعل الصلاة بتلك الطهارة وحرم عليه
نقضها قبل الفعل مع التمكن. [الثالث] لو جامعها ومعه من الماء ما لا يكفيه للغسل غسل به فرجه وفرجها ثم تيمما وصليا ولا نعرف
فيه خلافا لان طهارة البدن تشترط وقد أمكنت والطهارة الشرعية شرط أيضا لكنها غير ممكنة فلا يلزم من سقوطها سقوط تلك على أن هذه
ذات بدل بخلاف تلك. * مسألة: ولو كان التيمم من حدث الغائط وجب عليه الاستنجاء قبل الصلاة ويجوز قبل التيمم وبعده لان إزالة النجاسة
واجب وهو ممكن ها هنا بالأحجار فكان واجبا ولو كان معه ما يكفيه للطهارة استنجى بالأحجار وصرف الماء إلى الوضوء لان الجمع بين إزالة النجاسة
والوضوء واجب وقد أمكن أما لو تعدى المخرج أو كان بولا وجب عليه إزالته بالماء وإن قل من الطهارة وتيمم للطهارة. * مسألة: ولو كان
على يديه نجاسة ومعه من الماء ما يكفي أحدهما صرفه إلى الإزالة لان الطهارة واجب لها بدل بخلاف النجاسة ولا
نعرف فيه خلافا وكذا لو كانت النجاسة على ثوبه وقال أحمد أنه يتوضأ ويدع الثوب لأنه واجد للماء وهو ضعيف إذ المراد بالوجدان
التمكن من الاستعمال وهذا غير متمكن منه شرعا فكان كالنجاسة على البدن ولو نجسا معا فالأقرب غسل البدن دون الثوب وقال بعض الجمهور
يغسل الثوب ويتيمم والأقرب الأول. فرع: لو كان على قرحة في محل الوضوء دم يخاف إن صلى جرحه تيمم وصلى ولا إعادة عليه وبه قال
أبو حنيفة والمزني وقال الشافعي يعيد. لنا: انه عاجز عن استعمال الماء فوجب عليه التيمم وإذا امتثل لم يعد لان الامر يقتضي الاجزاء احتج بأنه عذر
153

نادر فيعيد والجواب المنع من المقدمتين. * مسألة: ولو كان الثوب نجسا ولا ماء معه نزعه وصلى عاريا يتيمم ولا إعادة عليه أما لو لم يتمكن
من نزعه صلى فيه بتيمم وهل يجب الإعادة أم لا قال الشيخ يجب تعويلا على رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال إنه سأل عن رجل
ليس عليه إلا ثوب ولا تحل الصلاة فيه وليس يجد ما يغسله كيف يصنع قال يتيمم ويصلي فإذا أصاب ماء غسله وأعاده الصلاة وحملها الشيخ
على حال الضرورة التي لا يمكن نزعه معها والرواية ضعيفة السند مع منافاتها للأصل الدال على الاجزاء مع الامتثال والأقرب عندي عدم
وجوب الإعادة. * مسألة: قال الشيخ ولو كان على البدن نجاسة أو جامع زوجته ولم يجد ماء لغسل الفرجين تيمما وصليا ولا إعادة عليهما
عملا بقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولم يفصل والأحوط أن نقول عليهما الإعادة وكذلك صاحب النجاسة هذا قوله (ره) والوجه عندي
عدم الإعادة لما قدمناه من الاستدلال. تذنيب: على قول الشيخ هل يتعلق الإعادة به عند غسل النجاسة أو عند وجود الماء الكافي
للطهارتين ظاهر كلامه الأول فإنه قال ثم يعيد إذا غسل الموضع ولان المؤثر هو وجود النجاسة وقد زالت. * مسألة: لو نسي الجنابة
ويتمم للحدث قال الشيخ في الخلاف الذي يقتضيه المذهب أنه لا يجوز له الدخول به في الصلاة وقال أحمد ومالك وأبو ثور وقال أبو حنيفة
والشافعي يجزيه وهو رواية مالك أيضا. لنا: افتقار التيمم إلى نية أنه بدل عن الوضوء أو الغسل وإذا لم ينو لم يصح لقوله (ع) الأعمال
بالنيات ولأنهما سببان مختلفان فلم يجزيه أحدهما عن الآخر كالحج والعمرة ولأنهما طهارتان فلا يحصل أحديهما بنية الأخرى كطهارة الماء ولأنهما
بدل فلهما حكم المبدل احتج المخالف بأن طهارتهما واحدة فسقط أحديهما بفعل الأخرى كالبول والغائط والجواب المنع من التساوي وقد بيناه
وبالفرق بأن الأصل حكمها واحد وهو الحدث الأصغر ولهذا يجزي أحدهما عن نية الآخر في طهارة الماء والأجود على رأي من سوي بين الأصغر و
الأكبر الاجزاء لأنه لا ينوي رفع الحدث بل الاستباحة وقد وجدت ولأنه لو أعاده لم يجب زيادة على فعله. فروع: [الأول] لو نوى
بتيممه استباحة الصلاة من حدث جاز له الدخول في الصلاة وقواه الشيخ في الخلاف قال والأحوط التغيير. [الثاني] لو نوى الجنابة
أجزى عن الحدث الأصغر والخلاف فيه كالأول. [الثالث] لو نوى مجموع الحدثين أجزأه قولا واحدا. [الرابع] لو تيمم للجنابة دون
الحدث استباح ما يستبيح الطاهر منهما خلافا لبعض الجمهور فلو أحدث انتقض تيممه وصار جنبا وحرم عليه ما يحرم على الجنب خلافا لبعضهم.
* مسألة: وإنما يجب التيمم من الاحداث الموجبة للطهارتين لا غير وهو مذهب علمائنا أجمع فلو كان على يديه نجاسة ولم يتمكن
من الماء مسحها بالتراب وصلى إن كان على طهارة من غير تيمم وهو قول أكثر أهل العلم وقال أحمد إذا عجز من غسلها لعدم الماء أو لخوف الضرر
باستعماله لها وصلى. لنا: ان الشرع إنما ورد بالتيمم للحدث وليس إزالة النجاسة منه ولا في معناه لأنها انما نوى في محل النجاسة ولان المقصود
من غسل النجاسة إزالتها وذلك لا يحصل بالتيمم احتجوا بقوله (ع) الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد إلى عشر سنين ولأنها طهارة
مراده للصلاة فجاز لها التيمم عند عدم الماء كالحدث والجواب عنهما أن الطهارة من المشتركات اللفظية لم يلتفت الشارع إلى الاشتراك
المعنوي بينها وأيضا فالحديث إنما ورد في واقعة أبي ذر وذلك يدل على أن المراد الطهارة من الحدث والمشترك في القياس ليس بعلة وإلا لاشترطت
النية أما لو كانت النجاسة على ثوبه فإنه لا يجب لها التيمم إجماعا. * مسألة: التيمم مشروع لكل ما يشترط فيه الطهارة ولصلاة الجنازة
استحبابا لأنها غير مشروطة لها ولا تشترط فيه هنا عدم الماء وبه قال الشعبي وابن حريز وقال الشافعي لا يجوز لها التيمم مع وجود الماء بل
يجب المائية وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور سواء خاف فوتها مع الامام أو لا وقال أبو حنيفة إن خاف فوتها إن توضى تيمم وصلاها وبه قال
الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وإسحاق. لنا: انها دعاء للميت وصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فلا يفتقر إلى الطهارة كسائر الأدعية احتج
الشافعي بقوله (ع) لا صلاة إلا بطهور وهي صلاة لقوله تعالى: (وصل عليهم) والجواب المنع من كون اسم الصلاة عليها حقيقة شرعية بل لغوية.
* مسألة: لو وجد الماء قبل الدخول في الصلاة ينقض تيممه وهو قول أهل العلم كافة لأنها طهارة ضرورية وقد زالت الضرورة فتزول
الرخصة ولو وجده بعد الصلاة فقد بينا أنه لا تبطل صلاته لكن ينتقض تيممه ولما يأتي ولو وجده في أثناء الصلاة ذهب بعض أصحابنا إلى وجوب الانصراف
ما لم يركع اختاره الشيخ في النهاية والمرتضى في المصباح والجمل وابن أبي عقيل في المتمسك وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط يرجع ما لم يكبر واختاره السيد
المرتضى في شرح الرسالة وعلي بن بابويه في الرسالة والمفيد في المقنعة وابن إدريس وهو الحق عندي وقال سلار يرجع ما لم يكبر وقال ابن الجنيد
ما لم يركع في الثانية واما الجمهور فقال الثوري وأبو حنيفة وأحمد في رواية يرجع مطلقا ويتوضى ويصلي وقال مالك والشافعي وداود وأحمد
في رواية وأبو ثور وابن المنذر بتيمم صلاته مطلقا وهو الذي قلناه نحن إلا أن الشافعي ومن وافقه جوز له الخروج منها للوضوء وهو قوي
عندي وقال الأوزاعي يصير نفلا. لنا: على الأول أنه قد دخل دخولا مشروعا فلا يجوز له إبطاله لقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) وما رواه الجمهور
عن النبي صلى الله عليه وآله قال الصعيد والطيب وضوء للمسلم وأن (لم) يجد الماء عشر سنين أخرجه أبو داود والنسائي أي بمنزل الوضوء فيجب مشاركته في كل الاحكام
إلا ما أخرجه الدليل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن معاوية بن ميسرة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل في السفر لا يجد الماء ثم يصلي
154

ثم أتى بالماء وعليه شئ من الوقت أيمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد الصلاة قال: يمضي على صلاته فإن رب الماء رب التراب وهو مطلق في حق من
دخل بركوع أو بغيره ونحوه وروي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) في رجل أجنب
فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء فقال لا يعيد ان رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين وهذا التعليل يدل على المنع من الإعادة
مطلقا وما رواه في الحسن عن زرارة عن أحدهما (ع) قال إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام
في الوقت فإذا خاف أن يفوته فليتيمم
وليصلي في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل وهو مطلق فلا يتقيد بالركوع وما رواه عن محمد بن حمران عن أبي
عبد الله (ع) قال قلت له رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال: يمضي
في الصلاة ولان حرمة الصلاة مانعة من التوضي فصار عادما للماء كما لو وجد الماء بزيادة يسيرة في الثمن
عندهم لان حرمة الصلاة فوق حرمة
الزيادة ولأنه وجد المبدل بعد التلبس بمقصود البدل فلم يلزمه الخروج كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصيام احتج الشيخ بما رواه في الصحيح عن
زرارة عن أبي جعفر (ع) قلت فإن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة قال فلينصرف ويتوضى ما لم يركع فإن كان قد ركع فليمض في
صلاته فإن التيمم أحد الطهورين وبما رواه عن عبد الله بن عاصم عن أبي عبد الله (ع) في الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقيم في الصلاة
في الغلام فقال: هو والماء فقال إن كان لم يركع انصرف وليتوضأ وإن كان قد ركع فليمض في صلاته وبما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله
(ع) في رجل تيمم قال يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء وهذا يدل بمفهومه على بطلان الصلاة مطلقا خرج ما لو ركع فيبقى الباقي على العموم
واحتج أبو حنيفة بأنه فقد شرط الصلاة ان الطهارة شرط وقد فقدت إذ حصولها مشروط بالعجز لقوله (ع) التراب طهور للمسلم ولو إلى عشر
سنين وفي حديث آخر الصعيد الطيب وضوء المسلم ما لم يجد الماء ولو عشر حجج فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك وقد انتفى العجز ولان الحديث دل
بمفهومه على أنه لا يكون طهورا عند وجود الماء بمنطوقه على وجوب الامساس عند الوجوب ولأنه قادر على الاستعمال فبطل تيممه كالخارج من
الصلاة والجواب عن الأول: بالحمل على الاستحباب لا الوجوب وقد ذكره الشيخ في المبسوط ويدل عليه مفهوم قوله (ع) فإن التيمم أحد الطهورين وهذا
التعليل ثابت قبل الفعل ويمكن أن يحمل قوله (ع) وقد دخل في الصلاة قارب الدخول فيها أو دخل في مقدماتها من التوجه بالأذان والتكبيرات وقوله
فلينصرف ويتوضى ما لم يركع أي ما لم يدخل في الصلاة ذات الركوع وأطلق على الصلاة اسم الركوع مجازا من باب إطلاق اسم الجزء على الكل وهذان
المجازان وإن فقدا الآن إلا أن المصير إليهما للجمع أولى وهذا هو الجواب عن الثاني، وعن الثالث أنه يدل من حيث المفهوم فلا يعارض المنطوق وأيضا
يمنع بأنه واجد إذ المراد به التمكن ومع دخوله في الصلاة فهو غير متمكن كما لو وجده بعد الركوع وعن الرابع: بالمنع من فقد الشرط وتحققه قوله
(ع) التراب طهور المسلم قوله دوام العجز شرط لبقائهما قلنا ممنوع عندنا وهو ظاهر وعندكم لان مقتضاه بطلان الصلاة من حينه كما
لو سبقه الحدث في أثناء الصلاة فإن الصلاة تبطل من حينه ويبني وأنت قصدتم ها هنا بالاستيناف سلمنا لكن دوام العجز موجود ها هنا إذ
العجز قد يطلق بحسب الحقيقة وهو ظاهر وبحسب العرف الشرعي كخائف العطش والعجز الشرعي موجود هنا لتحريم قطع الصلاة بالآية فحينئذ لا يمكنكم
الاستدلال على قطع الصلاة إلا بعد بيان كونه قادرا وذلك لا يتم إلا بعد بيان جواز القطع وهو ورود الحديثان دالان الآن على كونه طهورا عند
عدم الماء لا على نفي الطهورية عند وجود الماء وكيف يمكن ذلك وقد يكون طهورا عند وجوده كما في المريض والعطشان ولو دل قائما يدل
بمفهوم دليل الخطاب وهو ضعيف وأبو حنيفة لا يقول به ودلالته على إمساس الماء عند الوجود غير نافع للزوم الدور المتقدم بيانه وهذا ما يبطل
قياسهم إذ القدرة ممنوعة ويمنع المساواة بين الأصل والفرع. فروع: [الأول] لو قلنا بجواز الخروج قبل الركوع توضأ واستأنف
لان الطهارة شرط وقد فاتت ببطلان التيمم فلا يبقى الصلاة مع فوات شرطها وخالف فيه بعض الجمهور فإنه جوز البناء كما سبقه الحدث.
[الثاني] لو قلنا أن فاقد الماء والتراب يصلي كما ذهب بعض علمائنا وبعض الجمهور لو وجد الماء في أثناء الصلاة خرج منها بكل حال
لأنها صلاة بغير طهارة ثبت الترخص فيها لمحل الضرورة وقد زالت. [الثالث] لو تيمم الميت ثم وجد الماء في أثناء الصلاة عليه وجب
تغسيله لان غسله ممكن خلافا لبعض الجمهور. [الرابع] هل يجوز له الخروج إذا وجد الماء إن لم يجب عليه كما ذهبنا إليه أما إذا وجده
بعد الركوع فلا عملا بالآية والأحاديث وأما إذا وجد قبل الركوع فالآية وإن دلت على المنع والخروج إلا أنه يمكن أن يقال بجواز الخروج
عملا بحديث زرارة ولأنه شرع في مقصود البدل مخير بين الرجوع إلى البدل وبين إتمام ما شرع فيه كما في صوم الكفارة لو وجد الرقبة وخالف
بعض الجمهور لأنها لا يوجب الخروج والصلاة لا يتجه كسائر الأشياء. [الخامس] لو وجد الماء بعد الركوع استمر ما فعله ولم ينتقض تيممه في
تلك الصلاة فإذا فرغ بعد فقده قال الشيخ يبطل تيممه في حق ما يستقبل من الصلاة وهو عندي مشكل إذ المبطل وجود الماء مع التمكن من استعماله
وهذا غير متمكن تبرعا فجرى مجرى غير المتمكن حقيقة وكلام الشيخ (ره) لا يخلو عن قوة أما لو وجده قبل الركوع فإن أوجبنا عليه الانصراف كما هو
مذهب بعض علمائنا انتقض تيممه قولا واحدا في حق هذه الصلاة وغيرها ووجب عليه الوضوء من الاستيناف وإن لم يوجب عليها الانصراف فإن قلنا بتحريمه
155

فهو كما لو وجده بعد الركوع وإن قلنا بجوازه فالأقرب حينئذ البطلان لأنه غير واجد غير ممنوع شرعا من استعماله. [السادس] لو تلبس بنافلة فالأقرب
مساواتها للفريضة وإن كان فيه بحث. [السابع] الطهارة شرط في صلاة العيدين دون صلاة الجنازة ويجوز أن يتيمم للجنازة
مع وجود الماء والجمهور شرطوا الطهارة فيها إذا عرفت هذا (فلا) فرق بين صلاة العيد والفرائض اليومية لأنها فرائض أما الجنازة فإن تيممها ليس شرطا
فلا ينتقض بوجود الماء لأنه يجوز مع وجود الماء أما أبو حنيفة فإنه قال لا يبطل التيمم لوجوده في أثناء صلاة الجنازة والعيدين خلافا للشافعي.
[الثامن] سؤر الحمار والبغل عندنا طاهر فإذا وجد الماء من سؤرهما في الأثناء لم يبطل تيممه وأبو حنيفة وإن أبطلها مع وجود الماء
في الأثناء فإنه هنا لا يبطلها. * مسألة: ويبطل التيمم كل نواقض الطهارة المائية ويزيد عليه رؤية الماء المقدور استعماله ولا يعرف فيه خلافا
إلا ما نقله الشيخ عن أبي سلمة عن أبي عبد الرحمن فإنه قال: لا تبطل لأنه بدل فلا يزيد على حكم مبدله في انتقاضه بما ينتقض به أصله ولأنه تعالى يسوغ التيمم
عند عدم الوجدان فمعه تزول الرخصة ويؤيده ما رواه الجمهور من قوله (ع) فإذا أصيب الماء فأمسه جسدك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها فقال: نعم ما لم يحدث أو يصيب ماء، قلت فإن أصاب
الماء ورجى أن يقدر على ماء آخر وظن أنه يقدر عليه فلما أن أراد تعسر عليه؟ قال: ينقض ذلك التيمم وعليه أن يعيد التيمم وما رواه عن السكوني
عن أبي جعفر (ع) عن أبيه عن آبائه قال: لا بأس بأن يصلي صلاة الليل والنهار بتيمم واحد ما لم يحدث أو يصيب الماء. فروع: [الأول] لا ينقض
التيمم بتوهم وجود الماء فلو رأى ركبا توهم الماء معه أو رأى حفرة أو شيئا يدل على الماء وجب عليه الطلب لما تقدم وإن وجد انتقض التيمم
وإلا فلا خلافا للشافعي لأنه على يقين من الطهارة فلا ينقضها بالشك ووجوب الطلب ليس بناقض لعدم النص ومعناه أما لو طلع الركب وهو في
الصلاة فإنه لا تبطل صلاته ولا ينقض بتيممه لأنه دخل في الصلاة دخولا مشروعا فلا يبطل بالوهم قال الشافعي: إذا تيمم ولم يدخل في
الصلاة حتى طلع عليه ركب بماء فامتنع أن يعطيه أو وجد ماء فحيل بينه وبينه لم يجز التيمم الأول وليس بجيد لان الناقض إنما هو التمكن من
استعمال الماء لا مطلق وجود الماء قال ولو طلع عليه راكب وهو لا يعلم أمعه ماء أم لا لزمه السؤال فإن لم يكن شئ لزم هذا السائل إعادة التيمم و
ليس بشئ. [الثاني] هل يجب عليه إذا طلع الركب بعد التيمم أن يسألهم عن الماء قال الشيخ في الخلاف لا يجب خلافا للشافعي فاستدل بأن هذه
الحال حال وجوب الصلاة ويضيق وقتها والخوف من فوتها وقد مضى وقت الطلب فلا يجب عليه وهذا جيد على أصله. [الثالث] خروج
وقت الصلاة لا ينقض التيمم ولا دخول وقت الصلاة خلافا لبعض الجمهور. لنا: قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) عقيب الامر بالوضوء
عند القيام إلى جنس الصلاة الشامل للقيل والكثير وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الصعيد طهور المسلم وإن لم
يجد الماء عشر سنين ومن طريق الخاصة رواية زرارة وغيرها وقد تقدم قالوا طهارة ضرورية فيتقدر بالوقت كالمستحاضة قلنا
فيتقدر لكل صلاة كالمستحاضة وبعضهم لا يقول بالتعدد وبالفرق وقد تقدم. [الرابع] يبطل التيمم بنزع العمامة والخف وهذا عندنا
ظاهر لان المسح على الخفين والعمامة في الوضوء باطل عندنا أما الجمهور فقد اختلفوا فقال أحمد أنه يبطل التيمم كما أبطل الوضوء وخالفه الباقي
في ذلك لان التيمم طاهر لم يمسح فيها عليه فلا يبطل نزعه وقياسه باطل لان الوضوء يبطل ونزع ما هو ممسوح عليه فيه. [الخامس] لو أحدث المتيمم من
جنابة حدث أصغر ومعه الماء ما يكفيه للوضوء قال السيد المرتضى يتوضأ به لان حدث الجنابة ارتفع بالتيمم وتجدد حدث آخر ومعه من الماء
ما يزيله فيجب استعماله وخالف فيه الشيخ والحق معه لان التيمم عندنا غير رافع للحدث بل مبيح للصلاة فمع الحدث زالت تلك الرخصة فيعود إلى ما كان.
[السادس] لو رعف المتيمم ثم وجد ماء يكفيه لاحدى الامرين أما الوضوء وغسل الدم لم ينتقض تيممه لأنه لم يجد ما يتمكن من الوضوء به وقال
الشافعي: ينتقض لان وجود الطلب انما ينقض التيمم. * مسألة: ويجوز التيمم لكل ما يتطهر له من فريضة ونافلة ومس مصحف وقراءة عزائم
ودخول مساجد وغيرها وبه قال عطا ومكحول والزهري وربيعة ويحيى الأنصاري ومالك والشافعي والثوري وأصحاب الرأي وقال أبو مخرمة
لا يتيمم إلا بمكتوبة ذكره الأوزاعي أن يمس المتيمم المصحف. لنا: قوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل) حتى تغتسل ثم قال: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وما
رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال الصعيد الطيب طهور المسلم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن حمران
وجميل عن أبي عبد الله (ع) فإن الله جعل التراب طهورا كما لو جعل الماء طهورا ولأنه يستباح بطهارة الماء هذه الأشياء فيستباح
بالتيمم كالمكتوبة. فروع: [الأول] الميت إذا لم يجد الماء لغسله وجب أن يؤمم كما يؤمم الحي ويتيمم من يؤممه ثم يدفن فإذا وجد
الماء اغتسل. [الثاني] لو وجد الماء بالثمن وجب أن يشتري من تركة الميت لأنه كالكفن. [الثالث] لو خاف الغاسل على نفسه
من البرد وأمكن تسخين الماء وجب وإن لم يمكن انتقل الفرض إلى التيمم لأنه حرج. [الرابع] يجوز أن يتيمم لصلاة الجنازة مع وجود
الماء لأنها غير مشروطة بالطهارة على ما يأتي ولا يدخل به في غيرها من الصلاة ويجوز أن يصلي عليها من غير تيمم. [الخامس] يستباح
بالتيمم ما يستباح بالآية وهل يجب للجنب إذا تعذر عليه الغسل قبل الفجر أقربه عدم الوجوب وكذا الحائض والمستحاضة فيصح صومهم
156

وإن كانوا محدثين من غير تيمم إذا لم يجدوا الماء. [السادس] إذا انقطع دم الحيض جاز الوطي وإن لم يغتسل على ما بيناه ولا يشترط التيمم خلافا
للشافعي وهو مبني على اشتراط فعل الطهارة وعدمه وقد سبق لكنه مستحب ورى الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله
(ع) قال سألته عن المرأة إذا تيممت من الحيض هل يحل لزوجها قال: نعم، وأوجب بعض الجمهور التيمم حتى أن بعضهم قال إن قلنا إن كل صلاة
يحتاج إلى تيمم احتاج كل وطي إلى تيمم ليس بشئ وعلى القول باشتراط الطهارة في الوطي يحتمل وجوب التيمم له ويستباح الوطي به حينئذ
وقال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يستبيح الوطي بمجرد التيمم حتى يصلي به فلو أحدث لم يحرم على الزوج وطؤها على ما اخترناه وعند المشروطين
من أصحابنا يحتمل التحريم لبقاء الحدث الأكبر. * مسألة: الكافر لا يصح تيممه وقد تقدم سواء كان بنية الاسلام أو لا وبه قال أبو حنيفة ومحمد
وقال أبو يوسف: لو تيمم بنية الاسلام وأسلم له أن يصلي بذلك التيمم. لنا: ان الشرط النية ولا يصح من الكافر احتج بأن الاسلام عبادة وقد
نواه بتيممه وشرط صحة التيمم أن ينوي به عبادة وقد وجد والجواب: الشرط نية عبادة لا يصح بدون الطهارة والإسلام يصح بدونها. فرعان،
[الأول] لو ارتد المتيمم المسلم لم يبطل تيممه وقد تقدم. [الثاني] لو تيمم مرتدا لم يعتد به ووجب عليه استينافه لأنه عبادة مشروطة فيها
الاسلام. * مسألة: ولو وجد المتيمم بعد دخوله في الصلاة نبيذ التمر لم يقطع صلاته عند علمائنا أجمع وهو
قول أبي يوسف ومن
لم يجوز التوضي به وقال أبو حنيفة: يقطعها وقال محمد: يمضي فيها ثم يتوضى بنبيذ التمر ويعيده. لنا: أنه غير طهور وقد سلف فلا يجوز قطع
الصلاة به ولا التوضي به ابتداء احتج أبو حنيفة بحديث ابن مسعود في ليلة الحسن وأنه (ع) قال تمرة طيبة وماء طهور والجواب ما تقدم قال
محمد التوضي بالنبيذ عرف ليلة الحسن والتيمم عرف بالآية ولا نعرف التأخر فكان مشكلا فجمعنا بينهما احتياطا والجواب: المنع من العرفان في النبيذ
وقد سلف ولو وجد سؤر الحمار قبل الدخول استعمله لأنه طاهر ولا يتيمم عندنا لأنه طهور وقد سلف والحنفية لما شكوا فيه جمعوا بينه وبين التيمم
ثم اختلفوا فقال زفر لو تيمم أولا لم يصح لأنه تيمم وعندنا مأمور بالتوضي به فلم يكن سائغا وقال أبو حنيفة وصاحباه: لو قدمه وأخره أجزأ لان النص الطهارة
المتيقنة فإن كان السؤر طهورا فالتيمم ضائع في الحالين وإلا فهو المعتبر فيهما فعلى كلا التقديرين تحصل الطهارة المتيقنة. * مسألة: ولو
أحدث المتيمم في صلاته حدثا يوجب الوضوء ناسيا ووجد الماء توضأ وبنى على ما مضى من صلاته ذكره الشيخان ما لم يتكلم أو يستدبر القبلة ومنعه
ابن إدريس منه لان الطهارة انقضت بالحدث فتبطل الصلاة معها كما في الطهارة المائية واحتج الشيخان بما رواه زرارة ومحمد بن مسلم في الصحيح عن
أحدهما (ع) قال قلت له رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء قال: يخرج ويتوضأ ثم يبني على ما مضى من صلاته التي
صلى بالتيمم وما رواه زرارة ومحمد بن مسلم في الصحيح قال قلت في رجل لم يصيب الماء فحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء انتقض الركعتين
أو يقطعهما ويتوضى ثم يصلي قال: ولكنه يمضي في صلاته ولا ينقضهما لمكان أنه دخلها وهو على طهور تيمم قال زرارة قلت له دخلها وهو متيمم
فصلى ركعة وأحدث فأصاب ماء قال يخرج ويتوضى ويبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم قال الشيخ ولا يلزم مثل ذلك في المتوضئ لان
الشريعة منعت من ذلك في حقه أما لو كان متعمدا فإنه يبطل الصلاة إجماعا. * مسألة: قال علمائنا يكره أن يؤم المتيمم المتوضئ وقال الجمهور
انه جائز غير مكروه وقال محمد بن الحسن لا يجوز ونقله ابن إدريس عن بعض أصحابنا كقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) يسوغ الدخول في الصلاة مع
التيمم على الاطلاق إماما كان أو مأموما كالطهارة وما رواه الجمهور في حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال التراب عشر سنين طهور
المسلم. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل ومحمد بن حمران عن أبي عبد الله (ع) جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا احتج
محمد بأن هذا اقتداء كامل الحال بناقض الحال فلا يجوز كاقتداء اللابس بالعاري والجواب: ينتقض بإيتمام القائم بالقاعد وهو جائز عندهم لما
رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه صلى آخر صلاته قاعدا وأصحابه خلفه قيام ولان التيمم خلف عن الوضوء والخلف يقوم مقام الأصل كالغاسل
بالماسح على الخفين عندهم وبالماسح على الجبائر بخلاف ما ذكره لان الأصل فات فلا خلف له. * مسألة: إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب والماء
يكفي أحدهم خص به الجنب وتيمم المحدث وتيمم الميت ذكره الشيخ ورواه ابن بابويه في كتاب ما لا يحضره الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي نجران
قال سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (ع) عن ثلاثة نفر كان في سفر أحدهم جنب والثاني ميت والثالث على غير وضوء وحضرت الصلاة ومعهم من الماء
قدر ما يكفي أحدهم من يأخذ الماء وكيف يصنعون قال: يغتسل الجنب ويدفن الميت ويتيمم الذي هو على غير وضوء لان الغسل من الجنابة فريضة وغسل
الميت سنة والتيمم للآخر جائز والبحث في الأولوية ها هنا إنما هو إذا لم يكن الماء ملكا لأحدهم بل وجده في المباح أو يبيح المالك لبدله ولو كان
ملكا لأحدهم اختص به لأنه يحتاج إليه لنفسه فلا يجوز بدله لغيره سواء كان المالك هو الميت أو الاحياء. فروع: [الأول] لو اجتمع ميت
أو جنب وحائض قال الشيخ إذا لم يكن الماء ملكا لأحدهم كانوا مخيرين في أن يستعمله واحد منهم وإن كان ملكا لأحدهم فهو أولى به وقال الشافعي
الميت أحق به وهو أحد قولي أحمد والقول الآخر: يختص به على أحد الجنبين أما الجنب على أحد الوجهين أو الحائض على الآخر احتج الشيخ بأن هذه فروض
قد اجتمعت ولا أولوية لأحدها ولا دليل يوجوب التخصيص فوجب التخيير ولان الروايات اختلف في الترجيح ففي رواية التفليسي عن الرضا (ع)
157

في القوم يكونون في السفر فيموت منهم ميت ومعهم جنب ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهما أيهما يبدأ به قال: يغتسل الجنب ويترك الميت وروى محمد بن علي عن بعض
أصحابنا قال قلت الجنب والميت متفقان في مكان ولا يكون الماء إلا بقدر ما يكفي أحدهما أيهما أولى أن يغتسل بالماء؟ قال: يتيمم الجنب ويغسل
الميت ووجد هذه الرواية أن غسله خاتمة طهارته فيستحب إكمالها والحي قد يجد الماء فيغتسل وأيضا القصد في غسل الميت التنظيف ولا يحصل بالتيمم
وفي الحي الدخول في الصلاة وهو حاصل به ووجه الأولى أنه سعيد بالغسل مع وجود الماء والميت قد سقط عنه الفرض بالموت ولان الطهارة
في حق الحي يعيد (متعين فيفعل) فغسل الطاعات على الوجه الأكمل بخلاف الميت. [الثاني] لو اجتمع محدث وجنب قال الشيخ بالتخيير وهو أحد قولي الشافعي وقال
أيضا يخص به الجنب وفي رواية أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (ع) عن قوم كانوا في سفر فأصاب بعضهم جنابة وليس معهم من الماء إلا ما يكفي
الجنب لغسله بتوضئهم هو الأفضل أو يعطون الجنب فيغتسل وهم لا يتوضون؟ فقال: هم يتوضون ويتيمم الجنب وفي الطريق وهب بن حفص وفيه قول.
[الثالث] لو اجتمع ميت وهو جنب فعلى قول الشيخ ينبغي التخيير ولو قيل يخص به الحي والميت عملا بأقوى الدليلين السابقين كان وجها.
[الرابع] لو وجده في مكان مباح وهو للاحياء لان الميت غير واجد. [الخامس] لو كان للميت ماء ففضل منه فضله فهو لوارثه فإن لم يكن حاضرا
جاز للحي أن يقومه ويستعمله لان في تركه إتلافا له وقال بعض الجمهور وليس له أخذه لان مالكه لم يأذن فيه إلا أن يخاف العطش فيأخذه بشرط
الضمان. [السادس] لو تغلب المرجوح على غيره أساء وأجزأه لان الآخر ليس بمالك وإنما الترجيح لشدة حاجته. [السابع] لو اجتمع ميت ومن
على جسده نجاسة احتمل تقديم الميت لما تقدم والآخر لوجود البدل في طهارة الميت بخلاف غسل الجناسة ولو اجتمع من على يديه نجاسة مع جنب
أو محدث أو حائض فهو أولى لعدم البدل بخلافهم ولو اجتمع حائض وجنب احتمل تقديم الحائض لغلظ الحيض والتساوي وكذا الحائض والمحدث.
* مسألة: ول شاهد المأموم المتوضئ الماء في أثناء الصلاة ولم يشاهده إمامه المتيمم لا يفسد صلاته وهو قول زفر خلافا لأبي
حنيفة وصاحبيه فإنهم قالوا يفسد صلاته أما صلاة الامام فتصح على القولين. لنا: انه لو شاهد الامام لم تبطل صلاته لما بيناه فالأولى في
المتوضئ ذلك ولو قلنا بمذهب الشيخ من إبطال الصلاة بالمشاهدة قبل الركوع فالوجه أيضا ذلك لان التيمم إنما يبطل برؤية المتيمم الماء
لا برؤية غيره والامام لم ير الماء والمأموم الذي رآه ليس بمتيمم احتجوا بأن الامام صار واجدا للماء فيما يرجع إلى المقتدي فيبطل تيمم الامام
فيما يرجع إليه ففسدت صلاته فيما يرجع إليه فيفسد صلاته لأنها بناء على صلاته والجواب: المنع عن كونه واجدا وقوله انه واجد بالنسبة إلى المأموم ضعيف لأنه ليس من المضاف
حتى يكون ثابتا بالنسبة إلى شخص دون غيره. * مسألة: ولو ظن فناء مائة فتيمم وصلى فلم يجزيه إن أخل بالطلب وإلا أجزأه ولو كان الماء معلقا
في عنقه وعلى ظهره فنسيه فإن طلب أجزأه وإلا فلا ولو كان معلقا على رحله فإن طلب ولم يجد لخفائه سقط عنه الإعادة وإلا فلا وقالت الخفية
إن كان راكبا والماء مقدم الرحل جاز وإن كان مؤخره لم يجز وإن كان سابقا فبالعكس والوجه تعلق الحكم بالطلب. * مسألة: ولو وجد خمسة متيممون
ماء يكفي أحدهم في المباح انتقض تيممهم جميعا لوجود الدليل الدال على انتقاض التيمم بوجود الماء وهو صادق في حق كل واحد منهم ولو كان ملكا لواحد فقال
لهم ليستعمله من شاء منكم فكذلك أيضا أما لو وهبهم أو أباحهم على الجميع لم ينتقض تيمم واحد منهم ولو أذن الواحد منهم انتقض تيممه خاصة
ولو مر المتيمم على الماء ولم يعلم به لم ينتقض تيممه. * مسألة: ولو اغتسل الجنب فبقي على جسده لمعة لم يصبها الماء ولم يعلم ثم أراق ماؤه
وفقد تيمم لبقاء الجنابة فلو أحدث بعد التيمم ثم وجد الماء وكان يكفيه للمعة فعلى قولنا من أن المحدث في أثناء الغسل يعيد وإن المحدث عقيب تيمم الجنابة
يعيد التيمم ولا يتوضأ ولا اعتبار بذلك إلا أن يكون الماء كافيا للفعل وإنما يتفرع هذا على قول السيد المرتضى المخالف في الأصلين فإنه
على قوله يمكن أن يقال لا اعتداد به أيضا لان الواجب عليه الوضوء في الأصلين ولو وجد ماء يكفيهما غسل اللمعة وتوضأ ولو كان يكفي الوضوء خاصة
توضأ به بدلا عن التيمم لا من حيث تجدد الحدث لأنه لا يكون حكمه حكم الجنب إذا تيمم ثم أحدث ووجد ما يكفيه لوضوئه ولو وجد ما يكفي أحدهما
فالأقرب على قوله صرفه للوضوء لأنه غير متمكن من الدخول في الصلاة بغسله لوجود الحدث الأصغر أما لو وجد ماء للمعة ولم يحدث صرفه إليها قولا
واحدا ولو وجد من الماء ما يكفي وضؤه أو غسل ثوبه على البدل صرفه في غسل الثوب لما قلنا ولا نعرف بين تقديم التيمم وتأخيره إلا عند من
يقول بالتضييق من أصحابنا ولو رأى شرابا فظنه ماء فانصرف ليتوضأ به ثم ظهر فساد ظنه لم يبطل تيممه. * مسألة: ولو لم يجد الماء إلا في المسجد
وكان جنبا فالأقرب أنه يجوز له الدخول ولا حد من الماء والاغتسال خارجا ولو لم يكن معه ما يغرف به فالأقرب جواز اغتساله فيه ولم أقف
فيه على نص الأصحاب ولو نسي الماء في رحله فإن كان قد أخل بالطلب وجب عليه الإعادة لأنه أخل بشرط وإن لم يكن أخل بالطلب صحت
صلاته وحكى أبو ثور عن الشافعي أنه لا إعادة عليه والصحيح عنه وجوب الإعادة وبه قال أحمد وأبو يوسف وقال أبو حنيفة: لا إعادة عليه و
عن مالك روايتان لأنه مع النسيان غير قادر على استعماله لان النسيان حال بينه وبين الماء فكان فرضه التيمم كالعادم والمعتمد التفصيل. * مسألة:
روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) أنه سئل عن الرجل هل يقيم بالبلاد وبه الأشهر ليس فيها ماء من أجل المراعي وصلاح الإبل قال
لا وفي التحريم إشكال فالأقرب الحمل على الكراهية. [المقصد الخامس]، في الطهارة من النجاسات وأحكامها و
158

الكلام في الأواني والجلود وفيه مباحث، [الأول]، في أصناف النجاسات. * مسألة:
قال علماؤنا: بول الآدمي نجس وهو قول علماء الاسلام روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله في الذي مر به وهو يعذب في قبره أنه كان لا يستبرء عن
بوله فهو متفق عليه ورووا عنه (ع) نزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر من البول ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت
أبا عبد الله (ع) عن الثوب يصيب البول؟ قال: اغسله في المركن مرتين فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة وما رواه في الحسن عن الحسين بن أبي العلا
قال سألت أبا عبد الله (ع) عن البول يصيب الجسد؟ قال: غسله مرتين فإنما هو ماء وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع)
قال سألته عن البول يصيب الثوب قال: اغسله مرتين وما رواه في الصحيح عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله (ع) عن البول يصيب الثوب
قال: اغسله مرتين ولأنه مستحب فيدخل تحت قوله تعالى: (ويحرم عليهم الخبائث) والتحريم يتناول جميع أنواع التصرف. فروع: [الأول]
يجب إزالة قليل البول وكثيره عن الثوب والبدن لأجل الصلاة وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد وقال أبو حنيفة يعفى عن الدرهم فما دون.
لنا: قوله تعالى: (وثيابك فطهر) وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: تنزهوا من البول. ومن طريق الخاصة ما تقدم فإنهما غير دالة على
التقييد بل علق الحكم فيهما على إصابة البول المطلق فيعم بعموم صور وجوده ولأنها نجاسة الا يشق إزالتها فيجب كالكثير فلان مبنى الصلاة على التعظيم
وكمال التعظيم بالطهارة من كل وجه وذلك بإزالة قليل النجاسة وكثيرها إلا ما يخرج بالدليل ولان القليل من النجاسة الحكمية وهو الحدث يمنع فالحقيقة
أولى لأنها أقوى احتج أبو حنيفة بقول عمر إذا كانت النجاسة مثل ظفري هذا لم يمنع جواز الصلاة وظفره كان قريبا من كف أحدنا ولان في التحرز
عن القليل حرج والحرج منفي ولأنها يجتزي فيها بالمحل في محل الاستنجاء ولو لم يعف عنها لم يكن فيها المسح كالكثير ولأنه يشق التحرز عنه فعفي
عن قليله كالدم والجواب عن الأول: أنه ليس بحجة إذا لم يرووه عن رسول الله صلى الله عليه وآله ولان ما ذكره من الفتوى عام في النجاسة وما
ذكرناه من الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله خاص في البول والخاص مقدم على العام ولأنه يمكن أن يكون المراد بالنجاسة الدم. وعن الثاني:
بالمنع من ثبوت الحرج إذ ملاقاة البول غير دائمة، وعن الثالث: بالمنع من الاجتزاء بالمسح فيها وقد سلف، وعن الرابع: أنه لا مشقة لندوره
بخلاف الدم فإن الانسان لا يكاد يخلو من بثرة أو حكمة أو دمل ويخرج من أنفه وفيه وغيرهما فيشق التحرز منه فعفى عن يسيره. [الثاني]
لا فرق بين بول المرأة والرجل في التنجيس بلا خلاف. [الثالث] لا فرق بين بول المسلم والكافر بلا خلاف. * مسألة: وبول ما لا يؤكل
لحمه مما له نفس سائلة نجس وهو قول علمائنا أجمع وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وأكثر أهل العلم وقال النخعي أبوال
البهائم كلها طاهرة أكل لحمها أم لم يؤكل. لنا: قوله تعالى: (ويحرم عليهم الخبائث) وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله في قوله تنزهوا من البول فهو
مطلق ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ مما تقدم من الأحاديث الدالة على الامر بالغسل من الثوب مطلقا وما رواه في الحسن عن عبد الله بن سنان قال قال أبو
عبد الله (ع): اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه وما رواه عن داود البرقي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن بول الخشاشيف يصيب
ثوبي فاطلبه ولا أجده قال: اغسل ثوبك وما رواه في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال: إن أصاب الثوب شئ من بول السنور فلا تصلح الصلاة
فيه ولأنه بول ما لا يؤكل لحمه فكان نجسا كالآدمي ولا نعرف للنخعي دليلا على ما قال. فروع: [الأول] حكم هذا البول حكم بول الانسان
في إزالة قليله وكثيره خلافا لأبي حنيفة وقد سبق. [الثاني] لو كان المأكول قد عرض له التحريم أما بالجلل أو بوطي الانسان له كان بوله
نجسا لعموم قول أبي عبد الله (ع): اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه. [الثالث] لو كان ما لا يؤكل لحمه غير ذي نفس سائلة كان بوله
طاهرا وقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف انه نجس. لنا: الأصل الطهارة ولان التحرز عنه متعذر وحرج فيكون منفيا وحكم روثه حكم بوله
أصل: إذا تعارض خبران بينهما عموم من وجه وكانا معلومين أو مظنونين أو المتأخر معلوما والمتقدم مظنونا كان المتأخر ناسخا للمتقدم
عند قوم والأقرب أنه ليس كذلك بل يرجع إلى الترجيح وإن جهل التاريخ وكانا معلومين وجب الترجيح لا في الطريق بل في الحكم فإن فقد فالتخيير
وإن كانا مظنونين جاز الترجيح أيضا بقوة الاسناد ومع الفقد الترجيح وإن كان أحدهما معلوما والآخر مظنونا جاز ترجيح المعلوم على
المظنون فإن ترجيح المظنون بما يتضمنه الحكم حتى حصل التعارض كان الحكم ما قدمناه آخر إذا كان أحد الخبرين أعلى إسنادا من الآخر كان العمل
به أولى لان الرواة كلما كانوا أقل كان احتمال الغلط والكذب أقل فكان احتمال الصحة أظهر من آخر إذا كان أحدهما مقدر الحكم الأصل والآخر
ناقلا فقد قيل أن المبقي أولى لان حمل الحديث على ما لا يستفاد إلا من الشرع أولى من حمله على ما يستقل العقل بمعرفته فلو جعلنا المبقي متقدما
على الناقل لكان واردا حيث لا يحتاج إليه بمعرفتنا بذلك الحكم بالعقل ولو قلنا أن المبقي ورد بعد الناقل لكان واردا حيث يحتاج إليه
وكان الحكم بتأخره عن الناقل أولى من الحكم بتقدمه وقيل الناقل أولى لأنه يستفاد منه ما لا يعلم إلا منه وأما المبقي فإن حكمه معلوم
بالعقل فكان الناقل أولى ولان القول بتقديم الناقل يستلزم كثرة النسخ لأنه أزال حكم العقل ثم المبقي إزالة بخلاف العكس وهذا إنما يصح في
أخبار الرسول صلى الله عليه وآله أما في الاخبار الأئمة (عل) فلا. [الرابع] قال الشيخ في المبسوط بول الطيور كلها طاهرة سواء أكل لحمها
159

أو لم يؤكل وذرقها إلا الخشاف وحجته ما رواه في الحسن عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: كل شئ يطير فلا بأس بخرئه وبوله والرواية مشكلة
وهي معارضة لرواية ابن سنان وتلك أقل رجالا من هذه وهي متضمنة للناقل إلا أن لقائل أن يقول: أنها غير مصرحة بالتنجيس أقصى ما في الباب
أنه أمر بالغسل منه وهذا غير دال على النجاسة إلا من حيث المفهوم ودلالة المنطوق أقوى وروى ذلك غياث عن جعفر عن أبيه قال: لا بأس بدم البراغيث
والبق وبول الخشاشيف وفي الطريق نظر فإن الراوي إن كان غياث بن إبراهيم فهو بتري قال الشيخ هذه رواية شاذة ويجوز أن يكون قد وردت للتقية. * مسألة:
وبول ما يؤكل لحمه طاهر ذهب إليه علماؤنا وهو قول عطا والنخعي ومالك والزهري وأحمد ومحمد وزفر والليث بن سعد وقال مالك لا ترى أهل العلم أبوال
ما أكل لحمه وشرب لبنه نجسا وقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف وأبو ثور أنه نجس وهو مروي عن ابن عمر ونحوه عن الحسن البصري. لنا: ما رواه الجمهور ان النبي صلى الله عليه وآله
أمر المؤمنين أن يشربوا من أبوال الإبل والنجس لا يؤمر بشربه لا يقال أنه أمرهم للضرورة إذ شرب البول حرام في نفسه لاستخباثه وإن كان طاهرا
لأنا نقول كان يجب أن يأمرهم بغسل أثره منهم إذا أرادوا الصلاة وما رواه الجمهور عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: مالا يؤكل لحمه
فلا بأس ببوله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة أنهما قال: لا تغسل ثوبك من بول شئ يؤكل لحمه وما رواه في الحسن عن محمد بن
مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن ألبان الإبل والبقر والغنم وأبوالها ولحومها فقال: لا تتوضأ منه إن أصابك منه شئ أو ثوبا لك فلا
تغسله إلا أن اتنظف. وما رواه في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال: كلما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه وما رواه عن عبد الرحمن بن
أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل يمسه بعض أبوال البهائم أيغسل أم لا قال: يغسل بول الفرس والحمار والبغل فأما الشاة وكل
ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله ولأنه متحلل معتاد من حيوان يؤكل لحمه فكان طاهرا كاللبن ولأنه كان يلزم تنجيس الحبوب التي بدونها البقر إذ لا ينفك
عن أبوالها ويختلط الطاهر بالنجس فيصير حكم الجميع حكم النجس احتجوا بقوله (ع) تنزهوا عن البول وهو عام والجواب: المنع من العموم للدليل.
* مسألة: وفي أبوال الخيل والبغال والحمير للأصحاب قولان أصحهما الطهارة. لنا: ان (كل واحد منهما)
حيوان مأكول اللحم فكان بوله طاهرا لما تقدم
ويؤيد ما قلناه ما رواه الشيخ عن زرارة عن أحدهما في أبوال الدواب يصيب الثوب فكرهه فقلت أليس لحومها حلالا فقال: بلى ولكن ليس مما
جعله الله للأكل وهذا يدل على الكراهية احتج المانعون من أصحابنا بما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع)
قال سألته عن أبوال الدواب والبغال والحمير فقال: اغسله فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله فإن شككت فانضحه وما رواه في الصحيح عن
الحلبي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن أبوال الخيل والبغال فقال: اغسل ما أصابك منه. والجواب: هذه الأحاديث تدل على الاستحباب
جمعا بين الأدلة ويؤيده ما رواه ابن يعقوب في كتابه عن أبي الأغر النحاس قال قلت لأبي عبد الله (ع) أعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد
بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه فقال: ليس عليك شئ وروي عن المعلى بن خنيس و عبد الله بن أبي يعفور
قالا كنا في جنازة وقربنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتى صكت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبد الله (ع) فأخبرناه فقال: ليس عليكم بأس نعم
هو مكروه وكذا كل ما كان مكروه اللحم. * مسألة: وروث ما لا يؤكل لحمه كالآدمي وغيره مما له نفس سائلة نجس في قول علماء الاسلام أما روث
ما يؤكل لحمه فمذهب علمائنا أنه طاهر وهو قول عطا والنخعي والثوري ومالك والزهري وأحمد وزفر وقال الليث بن سعد ومحمد بن الحسن أبوال
ما لا يؤكل لحمه طاهرة وأرواثها نجسة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف أنها نجسة. لنا: ما رواه الجمهور عن البراء بن عازب عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه قال ما أكل لحمه فلا بأس ببوله وسلخه وما رووه عن عمار عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إنما يغسل الثوب من البول والدم
والمني ولفظة " إنما " للحصر وذلك يفيد التعميم في النفي إلا لما يخرجه الدليل ومن طريق الخاصة ما رواه ابن يعقوب عن أبي الأغر النحاس وقد
تقدم وما رواه الشيخ عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس برؤس الحمير واغسل أبوالها ومما يدل على ذلك ما رواه الجمهور أن النبي
صلى الله عليه وآله كان يصلي في مرابض الغنم متفق عليه وقال: صلوا في مرابض الغنم وقال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه العلم على إباحة
الصلاة في مرابض الغنم ولم يكن للنبي صلى الله عليه وآله ولا لأصحاب ما يصلون عليه من الأوطئة والمصليات إنما كانوا يصلون على الأرض ولا
ريب أن المرابض لا تنفك عن البعرة البول فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم وذلك يدل على طهارتها ولأنه متحلل معتاد من حيوان
يؤكل لحمه فكان طاهرا كاللبن وذرق الطائر عند أبي حنيفة احتجوا بأنه رجيع فكان نجسا كرجيع الآدمي وبقوله تعالى: (نسقيكم مما في بطونه
من بين فرث ودم لبنا) فامتن علينا بأن سقانا طاهرين بين نجسين والجواب عن الأول: الفرق بين مأكول اللحم وغير مأكوله ثابت ولهذا
قالوا ان مأكول اللحم نجاسة حقيقة ومع الفرق لا يتم القياس، وعن الثاني: ان الامتنان يجوز أن يكون بمطلق السقي والتخصيص للفرث
والدم بالذكر إظهار للقدرة فإن اخراج الأبيض من بين دم أمر وفرث أصفر في غاية من القدرة. فروع: [الأول] أرواث
البغال والحمير والدواب طاهرة لكنها مكروهة وقد تقدم البحث فيها في باب البول ورواية أبي الأغر والحلبي يدلان عليه لا يقال قد روى الشيخ
عن أبي مريم قال قلت لأبي عبد الله (ع) ما تقول في أبوال الدواب وأرواثها قال: أما أبوالها فاغسل إن أصابك وأما أرواثها فهي
160

أكثر من ذلك وعن عبد الأعلى بن أعين قال سألت أبا عبد الله (ع) عن أبوال الحمير والبغال قال: اغسل ثوبك قال قلت فأرواثهما قال: هو
أكثر من ذلك لأنا نقول أنهما محمولتان على الاستحباب على أن سندها لا يخلو من قول. [الثاني] خرؤ ما لا يؤكل لحمه من سباع الطير كالبازي
والصقر نجس وكذلك غير سباعه فقال الشيخ انه طاهر وكذا قال ابن بابويه واحتجا برواية أبي بصير وهي حسنة وقال أبو حنيفة انه نجس نجاسة
حقيقية وقال أبو يوسف ومحمد نجاسة غليظة قال أبو حنيفة فيه ضرورة لأنها تذرق من الهواء فلا يمكن التجافي عنه فيخفف حكمه وقال أبو يوسف
ومحمد أنه لا يعم به البلوى لأنه لا يكثر أصابته ونقل الكرخي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه طاهر وعن محمد أنه نجس نجاسة غليظة. [الثالث]
خرؤ ما يؤكل لحمه من الطيور طاهر عندنا واستثنى بعض علمائنا الدجاج وهو مذهب الحنفية واستثنوا مع الدجاج الإوزة والبط وقال الشافعي أنه
نجس سواء كان من الحمام والعصافير أو غيرهما. لنا: ما رواه الجمهور في حديث عمار إنما يغسل الثوب من المني والدم والبول وما رواه عن البراء بن
عازب عن النبي صلى الله عليه وآله: ما أكل لحمه فلا بأس ببوله وسلخه وذلك عام في الطيور وغيرها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال: كلما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه ولان الناس أجمعوا على إمساك الحمام في
المساجد مع وجوب تطهير المساجد احتج الشافعي بأنه يستحيل إلى نتن وفساد فأشبه غير مأكول اللحم. والجواب: الأنتن فيه وفساده بمنزلة فساد النخامة
وخبثها وذلك غير دال على النجاسة وأما استثناء الدجاج فشئ ذهب إليه الشيخ في بعض كتبه والمفيد وقال ابن بابويه: ولا بأس بخرؤ الدجاجة
والحمامة تصيب الثوب واحتج الشيخ بما رواه عن فارس قال كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج يجوز الصلاة فيه فكتب: لا وفارس لم يسندها
إلى الامام فلا تعويل عليها والحق عندي ما ذكر ابن بابويه وقد ذهب إليه الشيخ أيضا في الاستبصار واستدل عليه فيه بما رواه عن وهب عن جعفر
عن أبيه (ع) أنه قال: لا بأس بخرؤ الدجاج والحمام يصيب الثوب وما دل الرواية الأولى يحملها على الجلال منه أو على الاستحباب أو على التقية
احتج أبو حنيفة على التنجيس مطلقا بأن فيه نتنا وفسادا فأشبه رجيع الآدمي. والجواب: العلة مكسورة لان كل واحد من الوصفين قد وجد
بدون الحكم. [الرابع] لو كان الدجاج والحمام جلالا كان ذرقهما نجسا لأنه حينئذ غير مأكول اللحم ولو كان الحيوان غير ذي نفس سائلة كان
رجيعه طاهر. [الخامس] لو تناول ما لا يؤكل لحمه الحب وخرج من بطنه صحيحا فإن كانت الصلابة باقية بحيث لو ذرع نبت لم يكن نجسا
بل يجب غسل ظاهره لعدم تغيره إلى فساد فصار كما لو ابتلع نواه وإن كانت قد زالت صلابته فهو نجس. [السادس] الحب إذا نبت في النجاسة كان
طاهرا لأنه فرع الحب لكن يجب غسل ما لاقيه النجاسة رطبا منه وكذا الشجرة إذا سقيت ماء نجسا فالثمرة والأغصان والأوراق طاهرة ولا نعلم
فيه خلافا. [السابع] روث السمك عندنا طاهر لأنه مأكول اللحم ولأنه لا نفس سائلة ولو كان في البحر حيوان له نفس سائلة كان حراما
وكان روثه نجسا وعند الشافعي ان روث السمك نجس لأنه غذا مستحيل إلى فساد وفيه وجه آخر أنه طاهر وكذا حكم الجراد وأما سائر الحشرات
فإنها تبني على نجاسة ميتها عنده فإن قال بنجاستها فكذا رجيعهما وإلا فلا. * مسألة: قال علماؤنا المني نجس وهو قول مالك والأوزاعي
وأصحاب الرأي وإحدى الروايتين عن أحمد وبه قال الشافعي في القديم وقال في الجديد هو طاهر وهو الرواية الشهيرة عن أحمد
وهو قول سعد بن أبي وقاص وابن عمر وقال ابن عباس امسحه عنك بإذخرة أو خرقه ولا تغسله إن شئت وقال ابن المسيب إذا صلى فيه لم يعد
وهو قول أبي ثور وحكى الطحاوي عن الحسن بن صالح بن حي أنه قال: يعيد الصلاة من المني في البدن وإن قل ولا يعيدهما من المني في الثوب. لنا:
قوله تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عليكم رجز الشيطان) قال أهل التفسير المراد بذلك أثر الاحتلام واستدل المرتضى
بهذه الآية في المسائل الناصرية لوجه آخر وهو أن الرجز والرجس والنجس بمعنى واحد لقوله تعالى: (والرجز فاهجر) وأراد به عبادة الأوثان فعبر
عنها تارة بالرجز وآخر بالرجس فاتحد معناهما وإذا سمى الله تعالى المني رجسا ثبت نجاسته ولأنه تعالى أطلق اسم التطهير ولا يراد شرعا إلا في إزالة
النجاسة أو غسل الأعضاء الأربعة وما رواه الجمهور عن عمار بن ياسر (ره) أن النبي صلى الله عليه وآله قال له حين رآه يغسل ثوبه من النجاسة:
ما نخامتك ودموع عينيك والماء الذي في ركوتك الا سواء وإنما يغسل الثوب من خمس البول، والغائط، والدم، والقئ، والمني وما رواه عن ابن
عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: سبعة يغسل الثوب منها: البول، والمني وما رووه عن عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول
الله صلى الله عليه وآله قالت: ثم رأى فيه بقعة أو بقعا وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله في المني يصيب الثوب إن كان رطبا فاغسله
وإن كان يابسا فافركيه والامر للوجوب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن المني
يصيب الثوب قال: إن عرفت مكانه فاغسله فإن خفي عليك مكانه فاغسله كله وما رواه عن ميسر قال قلت لأبي عبد الله (ع) أمر الجارية
فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله وأصلي فيه فإذا هو يابس قال: أعد صلاتك أما لو كنت غسلت لم يكن عليك شئ وما رواه عن سماعة
قال سألته عن المني يصيب الثوب قال اغسل الثوب كله إذا خفي عليك مكانه قليلا كان أو كثيرا وما رواه في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
(ع) قال: إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه منيا فليغسل الذي أصابه فإن ظن أنه أصابه مني ولم يستيقن ولم ير مكانه فليغسل ثوبه كله فإنه أحسن وما رواه
161

عن عنبسة بن مصعب قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المني يصيب الثوب فلا يدري أين مكانه قال: يغسل كله فإن علم مكانه فليغسله وروي في الصحيح
عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال: ذكر المني فشدده وجعله أشد من البول ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما يدخل في الصلاة فعليك
إعادة الصلاة وإن أنت نظرت في ثوبك فلم يصيبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك وكذلك البول ولان الواجب بخروجه أكبر
الطهارتين وهو الغسل فدل ذلك على أن إيجاب الطهارة لا يعمل إلا في محل النجاسة ولان خارج معتاد من السبيل فأشبه البول ولأنه
خارج يوجب الطهارة فأشبه البول ولأنه خارج ينتقض الطهارة فأشبه البول والغائط احتج المخالف بقول عائشة كنت أفرك المني
من ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي فيه ولو كان نجسا لمنع الشروع فيها ولأنه أحد أصلي الآدمي فيكون طاهرا كالتراب الذي هو الأصل
الآخر ولان ابن عباس أمر بمسحه بأذخرة أو خرقة لا يغسله فكان طاهرا ولأنه لا يجب غسله إذا جف فلم يكن نجسا كالبصاق. والجواب عن الأول: باحتمال
أنه كان يصلي به بعد الفرك لا في تلك الحال كما يقال كنت أخبر الخبر وهو يأكل وكنت أخيط الثوب تلبس والفرك وإن كان عندنا غير؟ مجز؟ لأنه يحتمل
أن يكون بعده الغسل فإن الفرك مستحب. وعن الثاني: أنه لا اعتبار به لانتقاضه بالدم والعلقة وعن الثالث: بالمنع عن النقل عن ابن عباس و
لو سلم فيحمل أنه قال من اجتهاده إذا لم يسنده إلى امام فلا يكون حجة. وعن الرابع: بالمنع في العلة وسيأتي. فروع: [الأول] مني الحيوان ذي النفس
السائلة نجس كمني الآدمي سواء كان مأكولا أو لم يكن للشافعية ثلاثة أقوال، {أحدها} أنه طاهر إلا ما كان نجس العين كالكلب والخنزير وما
تولد منهما. {والثاني} أنه بأجمعه نجس. {والثالث} اعتباره باللبن فإن كان لحمه مأكولا فهو طاهر كاللبن وإلا فهو كالنجس. لنا: العموم الدال على
نجاسة المني ولأنه حيوان إذا مات صار نجسا فقبل حصول الحياة فيه ينبغي أن يكون نجسا. [الثاني] ما لا نفس له سائلة الأقرب طهارته.
[الثالث] مني المرأة كمني الرجل لتناول الأدلة والشافعي وإن قال بطهارة مني الرجل إلا أنه قال إن في منيها وجهين. أحدهما:
الطهارة كالرجل. والثاني: النجاسة لأنه لا ينفك من رطوبة فرجها وعنده في رطوبة فرجها وجهان. [الرابع] لو يكون المني في الرحم
فصار علقة وهو نجس وبه قال أبو حنيفة وأبو إسحاق المروزي من أصحاب الشافعي وهو أشهر الروايتين عن أحمد وقال الصيرفي من أصحاب الشافعي
انها طاهرة وهو الرواية الضعيفة عن أحمد. لنا: أنه مني استحال دما فكان نجسا قالوا هو مبدأ خلق آدمي فكان طاهرا قلنا قد بينا ضعف هذا
الكلام ولو سلم لكن المني جاز أن يخرج إلى النجاسة بالاستحالة كالعصير ولأنه دم خارج من الفرج فأشبه
الحيض وكذا البحث في المنفحة و
البيضة إذا صارت دما. [الخامس] المشيمة التي يكون فيها الولد نجسة لانفصالها عن الحي وقال صلى الله عليه وآله ما أبين من حي فهو ميت.
* مسألة: والمذي والوذي عندنا طاهران والمذي ماء لزج رقيق يخرج عقيب الشهوة على طرف الذكر والوذي ماء البيض يخرج
عقيب البول خاثر وقال أكثر الجمهور عن ابن عباس أنه قال إن المني بمنزلة البصاق والمخاط ولا نقوله إلا بالتوقيت وما رواه عن سهل بن
حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة وعناء فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يجزيك منه الوضوء قلت وكيف بما أصاب
ثوبي منه قال: يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فينضح به حيث ترى أنه ولو كان نجسا لوجب غسله بحيث لا يتخلف في المحل منه شئ ولم أجزى
فيه النضح للزوجية وشدة ملازمته لما يلاصقه وما رواه عن حديث عمار ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن أبي العلا
قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المذي يصيب الثوب قال: لا بأس فلما رددناه عليه قال: ينضحه بالماء وما رواه في الصحيح عن ابن أبي عمير عن غير واحد
عن أبي عبد الله (ع) قال: ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من القبلة ولا من مس الفرج ولا من المضاجعة وضوء ولا يغسل
منه الثوب ولا الجسد وما رواه عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (ع) قال: الوذي لا ينقض الوضوء إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق وإنما يكون
بمنزلتها لو ساواهما في الطهارة وغيرها وما رواه في الصحيح عن زيد الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: إن سال
ذكرك شئ من مذي أو وذي فلا تغسل ولا يقطع له الصلاة ولا ينقض له الوضوء إنما ذلك بمنزلة النخامة وكل شئ خرج منك بعد الوضوء فإنه
من الحبائل والأحاديث كثيرة ولان الأصل الطهارة فيستصحب لي أن يقوم دليل المنافي ولأنه مما يعم به البلوى ويكثر ويردد فلو كان
نجسا لوجب لقلة أما متواترا أو مشهورا كما في البول والغائط لا يقال يعارض بما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله
(ع) قال سألته عن المذي يصيب الثوب قال: إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي مكانه عليك فاغسل الثوب كله وعنه قال سألت من
المذي الذي يصيب الثوب فيلزق به قال: يغسله ولا يتوضأ لأنا نقول أنهما محمولان على الاستحباب ويؤيده أن الراوي بعينه روى عدم وجوب الغسل
احتج المخالف بأن النبي صلى الله عليه وآله أمر عليا (ع) بغسل ذكره منه ولأنه خارج من السبيل فكان نجسا كالبول والجواب عن الأول:
بالمنع من الرواية فإن الرواية المشهورة عند أهل البيت (عل) أن المقداد سأله لاستحياء أمير المؤمنين (ع) من ذلك فقال: ليس بشئ
وهو لا أعرف من غيرهم فالحجة في قولهم ولو سلم فالامر ها هنا يحمل على الاستحباب جمعا بين الروايتين ولأنهما تعارضتا فيصار إلى الأصل
وعن الثاني: بالفرق فإن البول مما يمكن التحفظ منه والاحتراز منه بخلاف المذي على أنا نمنع كون ما ذكروه من (المشترك علة) المشترك عليه. تذنيب:
162

الأصل في رطوبة فرج المرأة الطهارة لأنه ليس بمني وعن الجمهور قولان، أحدهما: أنه نجس لأنه في الفرج لا يخلق منه الولد فأشبه المذي. والثاني:
الطهارة لان عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول الله (ص) وهو من جماع فإنه ما احتلم نبي قط وهو يلاقى رطوبة الفرج
وقال بعضهم ما أصاب منه في حال الجماع (فهو) وهو نجس لأنه لا يسلم من المذي وهو نجس. * مسألة قال علماؤنا: الدم المسفوح من كل حيوان
ذي نفس سائلة أي يكون خارجا يدفع من عرق نجس وهو مذهب علماء الاسلام لقوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن
يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس) وروى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال لعمار بن ياسر (ره): إنما تغسل ثوبك من
الغائط والبول والدم والمني. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من مني فعلمت
أثره إن أصبت له الماء وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي منيا وصليت ثم ذكرت بعد ذلك قال: تعيد الصلاة وتغسله. وما رواه في
الموثق عن عمار الساباطي قال سأل أبو عبد الله (ع) عن رجل يسيل من أنفه الدم فهل عليه أن يغسل باطنه حتى جوف الانف فقال: إنما
عليه أن يغسل ما ظهر منه وما رواه في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قلت فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم
لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى أيعيد صلاته قال: يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا
فيغسله ويعيد الصلاة. فروع: [الأول] دم ما لا نفس له سائلة كالبق والبراغيث والذباب ونحوه طاهر هو مذهب علمائنا
وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل ورخص في دم البراغيث عطا وطاوس والحسن والشعبي والحكم وحبيب بن أبي ثابت وحماد وإسحاق
وقال مالك: في دم البراغيث إذا تفاحش غسل وإن لم يتفاحش لا بأس به وروي عن أبي حنيفة: أن دم ما لا نفس له سائلة إن كثر غسل و
هو قول أبي سعيد الإصطخري من الشافعية وقال الشافعي: ان دم ما لا نفس له سائلة نجس. لنا: قوله تعالى: (أو دما مسفوحا) وهذا ليس بمسفوح
فلا يكون نجسا وقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وهذا حرج ولأنه ليس بأكثر من الميتة وميتته طاهرة ولأنه ليس بمسفوح فلا يكون
نجسا كالدم في العروق بعد الذكوة ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له ما تقول في دم
البراغيث فقال: ليس به بأس قال قلت إن يكثر قال: وإن كثر. وما رواه في الحلبي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل
يمنعه من ذلك في الصلاة فقال: لا وإن كثر وما رواه عن محمد بن زياد قال كتبت إلى الرجل (ع) هل يجري دم البق مجرى دم البراغيث؟
وهل يجوز لاحد أن يقيس بدم البق على البراغيث فيصلي فيه وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقع (ع): يجوز الصلاة والطهر منه أفضل
ويلحق بذلك الدم المتخلف في اللحم المذكى إذا لم يعلفه الحيوان لأنه ليس بمسفوح. [الثاني] دم السمك طاهر وهو مذهب علمائنا لأنه
ليس له نفس سائلة وبه قال أبو حنيفة وللشافعي وأحمد قولان، أحدهما: التنجيس وهو قول أبي ثور. لنا: قوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه) والتحليل
يقتضي الإباحة من جميع الوجوه وذلك يستلزم الطهارة وقوله تعالى: (دما مسفوحا) ودم السمك ليس بمسفوح فلا يكون محرما فلا يكون نجسا
ولأنه لو كان نجسا لتوقعت إباحته على سفحه كالحيوان البري ولأنه لو ترك صار ماء احتجوا بقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم) ولأنه مسفوح
فدخل تحت قوله تعالى: (أو دما مسفوحا) والجواب عن الآية الأولى المراد إنما هو المسفوح ويدل عليه التقييد في الآية الأخرى
ولان الميتة مقيدة به أيضا ولأنه ليس من ألفاظ العموم فيحمل على المسفوح توفيقا بين الأدلة. وعن الثاني: بالمنع من كونه مسفوحا إذ
المراد منه عرق يخرج الدم منه بقوة لا رسخا كالسمك ويدل على ما ذكرناه أيضا ما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله (ع)
ان عليا (ع) كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل يعني دم السمك. [الثالث] قال الشيخ الصديد و
القيح طاهران خلافا للجمهور فإنهم قالوا بنجاستهما وقال بعضهم بطهارتهما والحق ما قاله الشيخ في القيح. لنا: ليس بدم قال صاحب الصحاح القيح
المدة لا يخالطها دم الأصل الطهارة فثبت المقتضي وانتفى المانع فثبت الحكم ويؤيده ما رواه الجمهور من حديث عمار رواه الصديد فهو
ماء الجرح المختلط بالدم قبل أن يغلظ المدة ذكر صاحب الصحاح قال بعض الجمهور أنه طاهر أيضا قال إسماعيل السراج رأيت إزار مجاهد
قد يبست من الصديد والدم من قروح كانت بساقيه واعتبر بعضهم النتن فقال إن كانت له رائحة فهو نجس وإلا فلا. لنا: انه ليس بدم فلا يجب
غسله بحديث عمار ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن الجرح يخرج به القروح
فلا يزال تدمي كيف يصلي فقال: يصلي وإن كانت الدماء تسيل وعن ليث المرادي قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل يكون به الدماميل والقروح
فجلده وثيابه مملوة دما وقيحا فقال: يصلي في ثيابه ولا يغسلها ولا شئ عليه وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قلت
له الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي؟ فقال: دعه فلا يضرك إلا بغسله ولان الأصل الطهارة
والاستدلال بالأحاديث المذكورة ضعيف إذ ليس محل النزاع وعندي فيه تردد لما ذكره صاحب الصحاح احتجوا بأنه مستحيل من الدم فكان
نجسا والجواب ينتقض لما ذكره بالمني فإنه طاهر عندهم وباللحم والعظم وما أشبه ذلك مما أصله الدم. [الرابع] لو أشتبه الدم المرئي في الثوب
163

هل هو دم طاهر أو نجس فالأصل الطهارة. [الخامس] في نجاسة دم رسول الله صلى الله عليه وآله إشكال ينشأ من أنه دم مسفوح ومن أن أبا
طبيبة الحجام شربه ولم ينكر عليه وكذا في بوله (ع) من حيث أنه بول ومن أن أم أيمن شربته. * مسألة: الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة نجس
سواء كان آدميا أو غير آدمي وهو مذهب علمائنا أجمع وقد أجمع كل من يحفظ عنه العلم على نجاسة لحم غير الآدمي منه لان تحريم ما ليس بمحرم
ولا فيه ضرر كالسم يدل على نجاسته أما جلده فكذلك عندنا وهو قول عامة العلماء وحكي عن الزهري أنه قال جلد الميتة لا ينجس وهو أحد وجهي الشافعية
حكاه ابن القطان منهم وإنما الزهومة التي في الجلد تصير نجسة فيؤمر بالدبغ لازالتها. لنا: انه تحله الحيوان فكان ميتة فكانت نجسة كاللحم وأما
الآدمي فللشافعي في تنجيسه بالموت قولان، أحدهما: التنجيس، والثاني: عدمه. لنا: انه حيوان فارقته الحياة فينجس كغيره من الحيوانات احتج بأنه
يغسل فلا يكون نجسا لانتفاء الفائدة. والجواب: المنع من الملازمة ولا استبعاد في طهارة الآدمي بالغسل دون غيره من النجاسات لاختصاصه
بالتكريم ولأنه معارض بأنه لو كان طاهرا لما أمر بغسله كالأعيان الطاهرة وأما غير ذي النفس السائلة فلا ينجس بالموت خلافا للشافعي في أحد
قوليه وقد تقدم البحث في هذه المسألة فلا حاجة إلى إعادته وحكم أبعاض الميتة حكمها أما الصوف والشعر والوبر والعظم وما لا تحله الحياة فهي
طاهرة إلا أن يكون من حيوان نجس العين كالكلب والخنزير والكافر وأطلق أبو حنيفة التطهير والشافعي التنجيس ونقل صاحب المهذب عن الشافعي
رواية أنه رجع عن تنجيس الآدمي قال فاختلف أصحابنا في هذه الرواية ومنهم من لم يثبتها ومنهم من قال بتنجيس الشعر بالموت قولا واحدا
لأنه متصل بالحيوان اتصال خلقه فينجس كالأعضاء منهم من جعل الرجوع عن تنجيس شعر الآدمي رجوعا عن تنجيس جميع الشعور ومنه
قال بأن الشعر فيه حياة تنجس بموت الحيوان وحكي عن حماد بن أبي سلمان أنه ينجس بموت الحيوان أو يطهر بالغسل. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه ناول شعره أبا طلحة الأنصاري يقسمه من الناس وكل جزء من الحيوان ينجس بالموت فإنه ينجس بالانفصال وما رووه عنه (ع)
أنه قال: لا بأس بشعر الميتة وصوفها إذا غسل ولأنه ليس الموت منجسا باعتبار ذاته بل المنجس الرطوبات السيالة والدماء ولا رطوبة في
هذه الأشياء ولأنه تعالى قال: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة) وما لا تحله الحياة لا تسمى ميتا إذ الموت
فقد الحياة عما من شأنه أن يكون حيا ولان الأصل الطهارة والمعارض وهو الموت ليس بثابت فثبت التطهير احتجوا بقوله تعالى: (حرمت
عليكم الميتة) وبقوله (ع): ولا تنتفعوا من الميتة بشئ ولان الشعر والصوف والقرن وما عددناه حرام لحياة الأصل فتنجس بالموت كاللحم والجواب
المنع من تسمية ما ذكرناه ميتة وقد بينا وجهه مع أن التحريم المضاف إلى الأعيان إنما يتناول ما يقصد به عرفا فالمقصود هنا الأكل وإلا لزم
الاجمال وقد روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله إنما حرم من الميتة أكلها مخرج قوله لا تنتفعوا من الميتة بشئ والفرق بين اللحم وما ذكرناه
ظاهر لوجوب الحياة في اللحم دونه ويؤيد ما ذكرناه من طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الحسين بن زرارة قال
قال أبو عبد الله (ع): العظم والشعر و
الصوف والريش كل ذلك نابت لا يكون ميتا وما رواه عن يونس عنهم (ع) قال: خمسة أشياء ذكية مما فيها منافع الخلق الأنفحة والبيضة والصوف
والشعر والوبر وما رواه عن علي بن الحسين بن رباط وعلي بن عقبة قال والشعر والصوف كله ذكي وما رواه في الصحيح عن حريز قال قال أبو عبد
الله (ع) لزرارة ومحمد بن مسلم اللبن واللبا والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شئ يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي وإن أخذ به
منه بعد أن يموت فاغسله وصل فيه والأقرب أنه لا يشرط الخبر نعم لو قلع وجب أن يغسل موضع الاتصال وأما العظم فقال علماؤنا أنه طاهر إلا أن
يكون من غير نجسه كما قلناه لأنه لا يجد الحياة وهو قول محمد بن سيرين وغيره وعطا وطاوس والحسن وعمر بن عبد العزيز وأصحاب الرأي وقال مالك و
الشافعي وأحمد وإسحاق أنه نجس وسئل فقيه العرب عن الوضوء من أبا معوج فقال: إن كان الماء يصيب تعويجه لم يجز وإن كان لا يصيب تعويجه
جاز وإلا فالمعوج الذي جعل فيه المعاج. لنا: ما رواه الجمهور عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال اشتر لفاطمة قلادة من عصيب
وسوارين من عاج ومن طريق الخاصة رواية الحسن بن زرارة وقد تقدمت ولأنه لا يحله الحياة فلا يحلها الموت فلا ينجس كالشعر ولان المتنجس
أمثال الدماء والرطوبات بالشئ والعظم لا يوجد له ذلك احتجوا بقوله تعالى: (قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحيها الذي أنشأها أول مرة) فكانت
قابلة للموت والجواب الاحياء إنما يتوجه إلى المكلف صاحب العظام. فروع: [الأول] الظفر والقرن والحافر والسن كالعظم طاهر لأنه
لا يحله الحياة والقائلون بنجاسة العظم قالوا بنجاسته وفيما ساقط من قرون الوعول عند القائلين بنجاسته وقت الموت قولان أحدهما:
الطهارة وهو الصحيح لان حال الاتصال مع عدم الحياة فيه فلم ينجس بالفصل من الحيوان ولا بموت الحيوان كالشعر والآخر: النجاسة لقوله (ع)
ما يقطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة قال الترمذي هو حديث حسن والجواب: المراد ما يقطع مما فيه حياة لأنه يفصله بموت ويفارقه الحياة بخلاف
ما لا تحله الحياة. [الثاني] ما لا ينجس بالموت كالسمك لا بأس بعظامه وهو وفاق. [الثالث] الريش كالشعر لأنه في معناه وأما أصولهما إذا كانت
رطبة ونتف من الميتة غسل فصار طاهرا لأنه ليس بميتة وقد لاقاها برطوبة وكان طاهرا في أصله نجسا باعتبار الملاقاة وقال بعض الجمهور
وهو نجس وإن غسله لأنه جزء من اللحم لم يستكمل شعرا ولا ريشا والجواب التقدير صيرورته كذلك. [الرابع] شعر الآدمي إذا انفصل في حياته
164

فهو طاهر على قول علمائنا وأكثر الجمهور خلافا للشافعي. لنا: ما رواه مسلم وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله فرق شعره بين أصحابه قال أنس
لما رمى النبي صلى الله عليه وآله ونجر نسكه ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر قال احلق
فحلقه وأعطاه أبا طلحة فقال اقسمه بين الناس ولو كان نجسا لما ساغ هذا مع علمه بأنهم يأخذونه للبركة ويحملونه معهم وما كان طاهرا من النبي صلى
الله عليه وآله كان طاهرا من غيره كسائره ولأنه متصله طاهر فمنفصله كذلك كشعر الحيوانات كلها احتج الشافعي بأنه جزء من الآدمي انفصل في حياته
فكان نجسا كعضوه. والجواب: الفرق بحلول الحياة وعدمها وللشافعي في شعر النبي صلى الله عليه وآله وجهان واما شعر غيره مما هو غير نجس العين
فإنه طاهر عندنا وقال الشافعي إن كان الحيوان غير مأكول كان نجسا وإن كان مأكولا وجز كان طاهرا لان الجز كالذكاة ولو نتف فوجهان أحدهما:
التنجيس لأنه ترك طريق تطهيره وهو الجز وكان كما لو خنق الشاة. [الخامس] حكم أجزاء الميتة مما تحله الحياة حكمها لوجود معنى الموت فيها سوى
أخذت من حي أو ميت لوجود المعنى في الحالين. [السادس] الوزغ لا ينجس بالموت لأنه لا نفس له سائلة وخالف فيه بعض الجمهور واحتج
عليه بما روي عن علي (ع) أنه كان يقول: إذا ماتت الوزغة أو الفأرة في الحب فصب ما فيه وإذا ماتت في بئر فانزعها حتى تغلبك والجواب: أنه مع
صحة هذه الرواية إنما أمر بذلك من حيث الصب ويدل عليه ما رواه الخاصة في أخبارهم روى الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع)
سئل عن العصابة يقع في اللبن قال: يحرم اللبن وقال إن فيها السم فالتعليل يشعر بما قلناه. [السابع] اختلف علماؤنا في شعر الكلب والخنزير
فقال الأكثر أنه نجس وهو قول أكثر الجمهور وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية أنه طاهر سواء كانا حيين أو ميتين. لنا: قوله تعالى:
(أو لحم خنزير فإنه نجس) والضمير عائد إلى أقرب المذكورين والرجس هو النجس والشعر كالجزء منه وما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضل بن أبي العباس
قال سألت أبا عبد الله (ع) عن فضل الهر والشاة إلى أن قال حتى انتهيت إلى الكلب فقال: رجس واحتج السيد المرتضى بأنه لا تحله
الحياة فلا يكون نجسا لأنه إنما يكون من جملة الكلب والخنزير إذا كانت محللا لها. والجواب: المنع من ذلك قال الشيخ في النهاية لا يجوز أن
يستعمل بشعر الخنزير مع الاختيار فإن اضطر فليستعمل منه ما لم يكن بقي فيه رسم ويغسل يده عند حضور الصلاة وروى الشيخ عن الحسين بن زرارة
عن أبي عبد الله (ع) قال قلت فشعر الخنزير يعمل حبلا يستقى من البئر الذي يشرب منها ويتوضأ منها فقال لا بأس وفي الطريق ابن فضال
وفيه ضعف ولأنه لا يلزم من ذلك ملامسته بالرطوبة وإن كان الأغلب ذلك فيحمل على النادر جمعا بين الأدلة. [الثامن] روى الشيخ عن
إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن مس عظم الميت قال إذا جرى سنة ليس به بأس وفي التقييد بالسنة نظر ويمكن أن
يقال العظم لا ينفك من بقايا الاجزاء وملاقاة الاجزاء الميتة بنجسة وإن لم يكن رطبة أما إذا جرت عليه سنة فإن الاجزاء الميتة تزول
عنه ويبقى العظم خاصة وهو ليس بنجس إلا من نجس العين. [التاسع] المشهور عند علمائنا أن اللبن من الميتة المأكولة اللحم بالذكاة نجس وقال
بعضهم هو طاهر والأول قول مالك والشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد والثاني مذهب أبي حنيفة والرواية الضعيفة عن أحمد وهو قول داود.
لنا: على التنجيس أنه مائع في وعاء نجس فكان نجسا كما لو احتلب في وعاء نجس ولأنه لو أصاب الميتة بعد حلبه نجس وكذا لو انفصل قبله لان الملاقاة
ثابتة في الثانية احتج أبو حنيفة بما روي أن الصحابة أكلوا الجبن إلى دخل المدائن وهو إنما يعمل في الأنفحة وهو بمنزلة اللبن وذبائحهم ميتة
واحتج الأصحاب بما رواه الشيخ في حديث محمد بن مسلم وقد سبق وبما رووه عن يونس عنهم (عل) قال ولا بأس بأكل الجبن كله ما عمله المسلم أو غيره وما
رواه عن الحسين من زرارة قال كنت عند أبي عبد الله (ع) وأبي يسأله عن الشئ من الميتة والأنفحة من الميتة واللبن من الميتة والبيضة
من الميتة فقال: كل هذا ذكر وما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الأنفحة تخرج من الجدي الميت قال لا بأس به
قلت اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت قال: لا بأس به. والجواب عن الأول: بالفرق بين الأنفحة واللبن بالحاجة وأما الأحاديث التي
رواها الأصحاب فهي معارضة بما ذكرناه وما رواه الشيخ عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (ع) قال كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة
فكتب لا ينفع من الميتة باهاب ولا عصب وكل ما كان السخال من الصوف وإن جز الشعر والوبر والأنفحة والقرن ولا يتعدى إلى غيرها إن شاء الله ولم
يذكر اللبن وبما رواه عن وهب عن جعفر عن أبيه (ع) ان عليا (ع) سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال علي (ع): ذلك الحرام محضا
قال الشيخ هذه رواية شاذة ولم يروها غير وهب بن وهب وهو ضعيف جدا بين أصحاب الحديث وإن كان صحيحا حمل على التقية لأنه موافق لمذهب العامة
أنهم يحرمون كل شئ من الميتة أما لبن الحي فإن كان الحيوان طاهرا كان لبنه طاهرا وإلا فلا ثم إن كان مأكولا كان شرب لبنه جائزا وإلا
فلا. وقال الشافعي ان لبن غير المأكول نجس كلي والجواب: المنع من نجاسة لحمه بعد التذكية وعلى تقدير طهارته عنده هل يحل شربه وجهان.
[العاشر] الأنفحة من الميتة طاهرة وهو قول علمائنا وأبي حنيفة وداود خلافا للشافعي وأحمد. لنا: ما تقدم من الأحاديث ومن طريق
الجمهور والأصحاب احتج المخالف بأنها جزء الميتة وكانت نجسة والجواب: أنها مخصوصة بالأحاديث لمكان الضرورة ولان الحاجة ما يشتبه إلى
استعمالها فكان القول بطهارتها مناسبا للحكم بخلاف أجزاء الميتة. [الحادي عشر] البيضة من الدجاج الميتة طاهرة إن أكسيت الجلد الصلب
165

وهو قول علمائنا أجمع وبه قال أبو حنيفة وأحمد وابن المنذر وابن القطان من الشافعية وقال الشافعي أنها نجسة ونقله الجمهور عن علي
(ع) وعن ابن مسعود. لنا: انها صلبة القشر لاقت نجاسة بعد تمام خلقها فلم يكن نجسة في نفسها بل بالملاقاة كما لو لاقت النجاسة الطارئة
ولأنه خارجة من حيوان يخلق منها مثل أصلها فكانت طاهرة كالولد الحي ولان بماءها (نماء دار في بطنها لا ينقطع بموت حاملها فصار كالجني وما
رواه الشيخ في الموثق عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) في بيضة خرجت من انسب دجاجة ميتة فقال: إن كانت قد اكتست الجلد الغليظ فلا بأس
بها وما تقدم من الأحاديث أيضا احتج بأن عليا (ع) وابن عمر وربيعة كرهوا ذلك ولأنها جزء من الميتة والجواب عن الأول: بأن الكراهية لا يستلزم
التحريم. وعن الثاني: بالمنع من كونها جزء بل هي مسألة بها اتصال المحوي القاوي ولو لم يكس القشر الأعلى فهي نجسة لان الصادق (ع) علق الحكم
بالشهادة عليه فينتفي مع انتفائه ولأنه ليس عليها حائل حصين يمنع من ملاقاة النجاسة وقال بعض الجمهور هي طاهرة لان عليها غاشية رقيقة
يحول بينها وبين النجاسة وأما بيض الدجاجة الميتة الجلالة أو بيض ما لا يؤكل لحمه مما له نفس سائلة فالأقوى النجاسة ولو جعلت تحت
طائر فخرجت فرخا فهو طاهر في قول أهل العلم كافة. [الثاني عشر] فار المسك إذا انفصلت عن الطيبة في حياتها أو بعد التذكية طاهرة
وإن انفصلت بعد موتها فالأقرب النجاسة. [الثالث عشر] ما لا يؤكل لحمه مما يقع عليه الذكاة إذا ذبح كان جلده طاهرا وكذا لحمه
وقال الشافعي أنهما نجسان وقال أبو حنيفة الجلد طاهر وفي اللحم روايتان الأصل احتج الشافعي بأن ذبحه لا يفيد طهارة الجلد كذكاة المجوس
والجواب الفرق بأن تذكية المجوس غير معتد بها فكان ميتة. [الرابع عشر] الميتة التي فيها الولد نجسة لأنه جزء حيوان أبين منه فكان ميتة.
[الخامس عشر] الوسخ الذي ينفصل عن بدن الآدمي في الحمام وغيره طاهر لأنه ليس جزءا من الآدمي وعند الشافعي أنه نجس لان الوسخ يتولد من البشرة
وكذا الوسخ المنفصل من سائر الحيوانات حكمه حكم الميتة عنده وليس بجيد لأنه من الفصلات فأشبه البصاق. [السادس عشر] الأقرب طهارة ما
ينفصل من بدن الانسان من الاجزاء الصغيرة مثل البثور والثالول وغيرهما لعدم إمكان التحرز عنها فكان عفوا دفعا للمشقة. [السابع عشر]
الدود المتولد من الميتة طاهر خلافا لبعض الشافعية لعدم اطلاق اسم الميتة عليه وكذا بثور له خلا ماله ولا خلاف في طهارة دود القز.
[الثامن عشر] المسك طاهر بالاجماع وإن قيل أنه دم لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يستعمله وكان أحب الطيب إليه وكذا قارنه
عندنا وللشافعية وجهان. * مسألة: الكلب والخنزير نجسان عينا قال علماؤنا أجمع وبه قال في الصحابة ابن عباس وأبو هريرة
وعروة بن الزبير وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور وأحمد وذهب الزهري وداود ومالك إلى أن الكلب طاهر وان الامر
بالغسل من ولوغه بعيد وكذا الخنزير عند الزهري ومالك وداود طاهر. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه دعا إلى
دار فأجاب وإلى أخرى فامتنع فطلب العلة منه فقال: إن في دار فلان كلبا فقيل وفي دار فلان هرة فقال: الهرة ليست نجسة وذلك يدل على
نجاسة الكلب وقوله تعالى: (أو لحم خنزير فإنه رجس) ولأنه أشد حالا للتنجيس من الكلب ولهذا مستحب قتله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل قال يغسل المكان الذي أصابه وما رواه في الصحيح
عن الفضل أبي العباس قال قال أبو عبد الله (ع): إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وإن أصابه جافا
فأصيب عليه الماء قلت ولم صار
بهذه المنزلة قال لان النبي صلى الله عليه وآله أمر بقتلها وما رواه معاوية بن شريح عن أبي عبد الله (ع) قلت أليس هو سبع يعني الكلب قال: لا،
والله انه نجس ومثله روى معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله (ع) قلت ليس هو سبع وروي في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال:
سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير تذكر وهو في صلاته كيف يصنع به قال إن كان دخل في صلاته فليمض وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما
أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله وهذا يدل على أن في الصورة الأولى لم يكن المماسة برطوبة أما مع وجود الأثر فالامر بالغسل مطلق
احتج المخالف بقوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم) ولم يأمر بغسله وبما رواه أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن الحياض
التي من مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والخمر ومن الطهارة بها فقال: لها ما حملت في بطونها ولنا ما أبقيت شراب وطهور ولأنه حيوان
فكان طاهر كالمأكول والجواب عن الأول: أنه تعالى أمر بالأكل والنبي صلى الله عليه وآله أمر بالغسل ولأنه في محل الضرورية وعن الثاني: أنه
قضية عين فيحتمل أن الحياض كانت كثيرة الماء وعن الثالث: الفرق فإن كونه مأكولا يناسب طهوريته وكونه غير مأكول يناسب نجاسته فيضاف
الحكم إليه عملا بالمناسبة والاعتبار. فروع: [الأول] الحيوان المتولد من الكلب والخنزير نجس وإن لم يقع عليه اسم أحدهما على إشكال
واما المتولد من أحدهما ومن الطاهر فالأقرب عندي فيه اعتبار الاسم. [الثاني] ولعاب الكلب وسائر رطوباته والخنزير نجس لأنه ملاق
له لأنه جزء منه منفصل عنه فلم يكن طاهرا بالانفصال وكذا سائر أجزائهما رطبة كانت أو يابسة. [الثالث]
الأقرب أن كلب الماء لا يتناوله هذا الحكم لان اللفظ معول عليه وعلى المعهود بالاشتراك اللفظي. * مسألة: الخمر نجس وهو قول أكثر أهل العلم
قال ابن بابويه من أصحابنا ولا بأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر وقال داود طاهر وروى الطحاوي عن الليث بن سعد عن ربيعة قال أنه هو طاهرها
166

قوله تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس) والرجس في اللغة النجس قال صاحب الصحاح والمجمل معنى الرجس بالكسر القذر وانما حرم
على الاطلاق كان نجسا كالدم والبول ولأنه تعالى قال: (فاجتنبوا) وهذا أمر يقتضى الوجوب فيحمل على جميع معاني الاجتناب من عدم أكله وملاقاته و
تطهير المحل بإزالته عنه وإلا لما كان مجتنبا ولا معنى النجس إلا ذلك وما رواه الشيخ في الموثق عن مصدق بن صدقة عن عمار عن أبي عبد الله
(ع) قال: ولا يصل في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل وما رواه عن يونس عن بعض من رواه عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا أصاب ثوبك خمر
أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم تعرفه موضعه فاغسله كله فإن صليت فيه فأعد صلاتك وما رواه عن خبران الخادم قال كتبت
إلى الرجل (ع) أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير يصلى فيه أم لا فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه فكتب: لا تصل فيه فإنه نجس وما رواه عن
زكريا ابن آدم قال سألت أبا الحسن عن قطرة خمر ونبيذ مسكران قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير قال يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو
الكلب واللحم اغسله كله وقلت فإنه قطر فيه الدم قال: الدم يأكله النار إن شاء الله قلت فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم قال فقال فسد قلت أبيعه من
اليهودي والنصراني وأبين لهم قال: نعم فإنهم يستحلون شربه قلت والفقاع هو بتلك المنزلة إذا قطر في شئ من ذلك قال فقال: أكره أن أكله إذا
قطر في شئ من طعامي وما رواه في الحسن عن علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن (ع) جعلت فداك روى زرارة
عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) في الخمر يصيب ثوب الرجل أيهما قالا لا بأس أن يصلي فيه إنما حرم شربها وعن زرارة عن أبي عبد الله
(ع) أنه قال: إذا أصاب ثوبك خمرا ونبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم تعرف موضعه فاغسله وإن صليت فيه فأعد
صلاتك فاعلمني ما أخذ به فوقع بخطه (ع) وقرأته خذ بقول أبي عبد الله (ع) بالأخذ بقول أبي عبد الله (ع) بإنفراده فدل
على أن الرواية عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) لم تصح عنده وإلا لكان امتثال أمرهما أولى احتج المخالف بالاستصحاب فإن كان عصيرا طاهرا
وبما رواه الشيخ عن أبي بكر الحضرمي قال قلت لأبي عبد الله (ع) أصاب ثوبي نبيذا صلى فيه قال نعم قلت قطرة من نبيذ في حب أشرب منه
قال: نعم ان أصل النبيذ حلال وإن أصل الخمر حرام وما رواه عن الحسن بن أبي سارة قال قلت لأبي عبد الله (ع) إن أصاب ثوبي شئ من الخمر أصلي
فيه قبل أن أغسله قال لا بأس أن الثوب لا مسكر وما رواه عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) قال سأل وأنا عنده عن المسكر والنبيذ
يصيب الثوب قال: لا بأس وما رواه حسن بن أبي سارة قال قلت لأبي عبد الله (ع) إنا نخالط اليهود والنصارى والمجوس وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون
فيمر ساقيهم فيصيب على ثيابي الخمر فقال: لا بأس به إلا أن تشتهي أن تغسله لاثره وعن الحسين بن موسى الخياط قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن الرجل يشرب الخمر ثم؟ يتجه؟ من فيه فيصيب ثوبي فقال لا بأس والجواب عن الأول: بان الاستصحاب إنما يكون دليلا ما لم يظهر مناف والأدلة التي
ذكرناها تزيل حكم الاستصحاب وعن الاخبار الطعن في سندها وباحتمال إرادة المجاز فإن العصير قد يسمى خمرا لأنه يؤل إليه فيحمل عليه جمعا بين الأدلة
ويحتمل إن رفع البأس إنما هو عن اللبس لا عن الصلاة فيه والأخير لا احتجاج به لان البصاق عندنا طاهر. فروع: [الأول] أجمع
علمائنا على أن حكم الفقاع حكم الخمر ويؤيده ما تقدم من الأحاديث وما رواه الشيخ عن أبي جميلة البصري قال كنت مع يونس ببغداد وأنا
أمشي معه في السوق ففتح صاحب الفقاع فقاعه فعصر فأصاب ثوب يونس فرأيته قد اغتم انه لك حتى زالت الشمس فقلت له يا أبا محمد ألا تصلي
فقال لي ليس أريد أصلي ارجع إلى البيت واغسل هذا الخمر من ثوبي فقلت له هذا رأي رأيته أو شئ ترويه فقال أخبرني هشام بن الحكم أنه سأل
أبا عبد الله (ع) عن الفقاع فقال (لا تشربه) فإنه خمر مجهول فإذا أصاب ثوبك فاغسله. [الثاني] بصاق
شارب الخمر طاهر ما لم يكن متلوثا بالنجاسة
لرواية الحسين بن موسى الخياط وما رواه الشيخ عن عبد الحميد بن أبي الديلم قال قلت لأبي عبد الله (ع) رجل شرب الخمر فبصق فأصاب ثوبي من بصاقه فقال
ليس بشئ ولأنه ليس بخمر وإنما هو رطوبة منفصلة من الانسان والبواطن لا تقبل النجاسة. [الثالث] كل مسكر حكمه حكم الخمر وبه قال الشافعي
وقال أبو حنيفة كل المسكرات طاهرة إلا الخمر. لنا: ما رواه الجمهور عن عمرو بن أبي جعفر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل مسكر حرام وكل
مسكر خمر وما رواه عن عمر بن حنظلة قال قلت لأبي عبد الله (ع) ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره؟ فقال:
لا والله ولا قطرة قطرت في حب إلا أهريق ذلك الحب. وما رواه في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (ع) قال: إن الله لم يحرم الخمر لاسمها
ولكن حرمها لعاقبتها فما فعل فعل الخمر فهو خمر ولأنه مسكر فأشبه الخمر بالنجاسة. [الرابع] حكم العصير إذا غلى واشتد حكم الخمر ما لم يذهب ثلثاه.
[الخامس] الخمر إذا انقلب بنفسه طهر وهو قول علماء الاسلام لان المقتضي للتحريم والنجاسة صفة الخمرية فقد زالت وأما إذا طرح أيما شئ طاهر
فانقلب خلا طهر عند علمائنا خلافا للشافعي. لنا: حصول المقتضي وهو الأصل في زوال المائع فيحصل الحكم وهو الطهارة وما رواه الشيخ في الموثق
عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال في الرجل إذا باع عصير فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا فقال إذا تحول عن اسم
الخمر فلا بأس به وما رواه في الصحيح عن جميل قال قلت لأبي عبد الله (ع) يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا فقال: خذها ثم أفسدها، قال على
واجعلها خلا وما رواه في الصحيح عن عبد العزيز بن مهتدي قال كتبت إلى الرضا (ع) جعلت فداك فذاك العصير يصير خمرا فيصب عليه الخل وشئ يغيره
167

حتى يصير خلا قال: لا بأس به لكن يستحب تركه لينقلب من نفسه لما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) سئل عن الخمر يجعل
فيها الخل فقال: لا إلا ما جاء من قبل نفسه احتج المخالف بما رووه عن أبي طلحة قال سألت رسول الله (ع) عن أيتام ورثوا خمرا فقال: اهرقها فقال
أولا أخللها فقال: لا فنهى عن التخلل فدل على أنه لا يجوز وما رواه عن عمر أنه خطب فقال لا يحل خل من خمر أفسدت حتى يبدل الله إفسادها فيعيد ذلك
فيطيب الخل ولأنه إذا طرح فيها الخل نجس الخل بالخمر فإذا زالت الشدة بقيت نجاسة الخل فلم يطهر. والجواب عن الأول: بأن النهي يدل على الكراهية لما
قلناه. وعن الثاني: بأن عمر لم ينقله عن النبي صلى الله عليه وآله بل قاله من نفسه فاحتمل أن يكون عن اجتهاد فلا يكون حجة. وعن الثالث: بأن النجاسة
في الخل إنما هي مستفادة من النجاسة الخمرية فإذا انقلبت طهرا أما لو طرح فيها شئ نجس أو كان المعتصر مشركا فالوجه أنها لا تطهر لان الانقلاب
يزيل نجاسة الخمر لا غير فإن قالوا النجاسة لا يقبل التفاوت منعنا ذلك ولو نقلنا من الشمس إلى الظل أو بالعكس حتى يخلل طهر عندنا
قولا واحدا وللشافعي وجهان أحدهما: الطهارة للانقلاب. والثاني: النجاسة لأنه فعل محذور ويتوصل به إلى الاستعجال ما يحل في الثاني فلا يحل
كما لو نفر صيدا حتى خرج من الحرم إلى الحل. والجواب: المنع من تحريم التوصل وقد سلف. [السادس] لم أقف على قول لعلمائنا في الحشيشة المتخذة
من ورق العنب والوجه أنها إن أسكرت فحكمها حكم الخمر في التحريم أما النجاسة فلا وكذا حكم ما عداه من الجامدات إذا أسكرت فإنها تكون محرمة لا نجسة
أما لو جمد الخمر فإنه لا يخرج عن النجاسة إلا أن يزول عنه صفة الاسكار. [السابع] الخمر المستحيل في بواطن حبات العنب نجس لوجود المقتضي خلافا
لبعض الشافعية حيث قاسوه على ما في بطن الحيوان والأصل ممنوع. * مسألة: الكفار أنجاس وهو مذهب علماؤنا أجمع سواء كانوا أهل الكتاب
أو حربيين أو مرتدين وعلى أي صنف كانوا خلافا للجمهور. لنا: قوله تعالى: (إنما المشركون نجس) لا يقال إنه مصدر فلا يصح وصف الجز به إلا مع حرف
التشبيه ولا دلالة فيه حينئذ لأنا نقول أنه يصح الوصف بالمصادر إذا كثرت معانيها في الذات كما يقال رجل عدل وذلك يؤيد ما قلناه وما رواه
الجمهور عن أبي تغلبة قال قلت يا رسول الله إنا بأرض أهل كتاب أفنأكل في إناء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها فإن
لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها متفق عليه وما رواه عنهم صلى الله عليه وآله قال: المؤمن ليس بنجس وتعليق الحكم على الوصف يدل على سلبه
عما عداه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن فراش اليهودي والنصراني ينام عليه
قال: لا بأس ولا تصل في ثيابهما ولا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة ولا يقعد على فراشه ولا مسجده ولا يصافحه قال وسألته عن رجل اشترى
ثوبا من السوق لللبس لا يدري لمن كان هل يصح للصلاة فيه قال: إن اشتراه عن مسلم فليصل فيه وإن اشتراه من نصراني فلا يصلي فيه حتى يغسله وفي
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن رجل صافح مجوسيا قال: يغسل يده ولا يتوضى وما رواه عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع)
أنه قال في مصافحة المسلم لليهودي والنصراني قال: من وراء الثياب فإن صافحك بيده فاغسل يدك وإن أسئارهم نجسة ولا موجب إلا نجاستهم و
لأنهم لا ينفكون عن النجاسات فكان الكفر مظنة النجاسة فتعلق تحريم الملاقاة بهم ولان فيه إذلالهم فكان الحكم بنجاستهم مناسبا فيكون
علة إذ المناسبة والاقران يوجبان التعليل احتجوا بقوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) قال صاحب المجمل قال بعض أهل اللغة الطعام
البر خاصة وذكر حديث أبي سعد كما يخرج صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله صاعا من طعام أو صاعا من كذا وقال صاحب
الصحاح وربما خص اسم الطعام بالبر ولأجل ذلك ذكروا المحامل وإلا قطع في كتابيهما الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة في الوكيل لشراء
الطعام هل يختص بالحنطة أو بها أو بالدقيق وعن الثاني: لعلة كان من خبر المسلمين فلا احتاج لأنه واقعة في قضية فلا يعم. فروع:
[الأول] حكم الناصب حكم الكافر لأنه ينكر ما يعلم من الدين ثبوته بالضرورة والغلاة أيضا كذلك وهل المجسمة والمشبهة كذلك الأقرب المساواة
لاعتقادهم أنه تعالى جسم وقد ثبت أن كل جسم محدث. [الثاني] لو أسلم طهر إجماعا لان المقتضي للطهارة وهو الأصل موجود والمانع وهو
الكفر مفقود فيثبت الحكم. [الثالث] لو باشر شيئا في حال كفره برطوبة نجسه فإذا أسلم وجب غسله. [الرابع] ثوب الكافر طاهر ما لم
يعلم مباشرته له برطوبة والأفضل اجتنابه لان الأصل طهارة الثوب ولم يحصل علم المباشرة برطوبته. * مسألة: السباع كلها
طاهرة وكذا غيرها من الحيوانات عدا الكلب والخنزير والكافر والناصب وهو قول أكثر علمائنا وكذا لعابها وعرقها ودمعها وسائر
رطوباتها عدا ما استثنى وقد خالف جماعة من علمائنا وجماعة من الجمهور في أشياء نحن نعدها عدا ونذكر ما احتجوا به ونفسخ به احتجاجاتهم
ونذكر الحق عندنا في ذلك. {الأول} الهرة طاهرة وهو مذهب علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين إلا أن أبا حنيفة قال
العباس يقتضي أنها نجسة وكره الوضوء بسؤرها فإن فعل أجزأه وهو مروي عن ابن عمر ويحيى الأنصاري وأبي ليلى وقال أبو هريرة
يغسل مرة أو مرتين وقال ابن المسيب وقال الحسن وابن سيرين يغسل مرة أو مرتين وقال طاوس يغسل سبعا كالكلب واعلم أن أبا حنيفة قسم الأسارى
أربعة ضرب، هو نجس وهو: سؤر الكلب والخنزير والسباع كلها، وضرب هو مكروه وهو: حشرات الأرض وجوارح الطير والهر، وضرب مشكوك
فيه وهو: سؤر الحمار والبغل، وضرب طاهر غير مكروه وهو: كل حيوان يؤكل لحمه. لنا: ما رواه الجمهور عن كسبة بنت كعب بن مالك وكانت تحت
168

ابن أبي قتادة أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا قال فجاءت هرة فأصغى لها الاناء حتى شربت قالت كسبة فرآني أنظر إليه فقال أتعجبين يا ابنتي (ابن) أخي
فقلت نعم فقال أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنها ليست بنجس أنها من الطوافين عليكم والطوافات قال الترمذي وهو حديث صحيح وهو أحسن
شئ في هذا الباب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي الصباح عن أبي عبد الله (ع) قال كان عليا (ع) يقول: لا تدع فضل
السنور أن يتوضأ منه إنما هي سبع وفي الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) أن الهر سبع ولا بأس بسؤره وإني لأستحي من الله أن ادع طعاما
لان الهر أكل منه ولان التنجيس حرج عظيم إذ لا يمكن التحرز منهما فكان منفيا واحتجوا بما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
إذا ولغت فيه الهر غسل مرة والجواب: أنه معارض بما روته عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله أنها ليست بنجس أنها من الطوافين
عليكم وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ بفضلها رواه أبو داود فيبقى الأول سالما على أنه يحتمل أن يكون من الامر للندب
أو أن يكون على فم الهرة نجاسة. فروع: [الأول] لو أكلت الهرة فأرة ثم ولغت في ماء قليل قال الشيخ لا بأس باستعماله سواء غابت من
العين أو لا لعموم الخبر ولقوله (ع) أنها من الطوافين عليكم والطوافات أراد أنه لا يمكن الاحتراز منها وهو أحد وجهي الشافعية والثانية
أنه نجس إن لم تغب عن العين وطاهر إن غابت. [الثاني] حمر الأهلية والبغال طاهرة عندنا وهو قول أكثر الجمهور خلافا لأحمد في إحدى
الروايتين. لنا: ما ثبت بالتواتر أن النبي صلى الله عليه وآله كان يركب الحمار وكذا الصحابة ولو كان نجسا لنقل احترازهم عنه لعموم البلوى
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) في سؤر الدواب والغنم والبقر أيتوضأ منه وتشرب
فقال: لا بأس ولو كانت نجسة لكان الماء الباقي نجسا ولأنها (لأنهما) مما لا يمكن التحرز منهما لأربابهما فأشبها السنور احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وآله
قال يوم حنين في الحمر أنها رجس ولأنه حيوان حرم أكله لا لحرمته يمكن التحرز منه غالبا فأشبه الكلب والجواب عن الأول: أنه أراد أنها
رجال محرمة ويحتمل أنه أراد لحمها الذي في قدورهم أو تذكية الكفار ميتة. وعن الثاني: بالمنع من كونه حراما ومن إمكان التحرز منه. [الثالث]
الفيل طاهر وهو قول بعض الجمهور خلافا لمحمد. لنا: الأصل الطهارة ولأنه منتفع به حقيقة فكان منتفعا به شرعا اعتبارا بسائر السباع و
هذا هو الأصل إلا ما أخرج بالدليل كالخنزير احتج بأنه بمنزلة الخنزير في تناول اللحم فكان نجس العين كالخنزير والجواب: لا يلزم من تحريم لحمه
نجاسته. فرع: لا بأس باتخاذ الأمشاط منها واستعمال الأواني وغيرها المصنوعة من عظامها وبه قال أبو حنيفة خلافا للشافعي.
لنا: ما رواه ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اشتر لفاطمة قلادة من عصيب وسوارا من عاج ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
عن عاصم عن أبيه أنه قال دخلت على أبي إبراهيم (ع) وفي يده مشط عاج متمشط به فقلت له جعلت فداك إن عندنا بالعراق من يزعم أنه
لا يحل التمشط بالعاج قال: العاج يذهب بالوبا وعن القسم بن الوليد قال سألت أبا عبد الله (ع) عن عظام الفيل مداهنها وأمشاطها
فقال: لا بأس ولأنه عظم فلا تحله الحياة فكان طاهرا احتجوا بأنه ميتة فيكون نجسا والجواب: المنع من المقدمة الأولى. [الرابع] السباع طاهرة خلافا
لأحمد في إحدى الروايتين. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل أيتوضأ بما أفضلت الحمير؟ فقال: نعم وبما أفضلت السباع
كلما رواه الشافعي في مسنده ولو كانت نجسة لكان الفضل نجسا وما رووه عن علي (ع) في الحياض التي تردها السباع فقال لها ما حملت
في بطونها ولنا ما أبقت ولأنه حيوان يجوز الانتفاع به من غير ضرورة فكان طاهرا كالشاة ومن طريق الخاصة ما تقدم الروايات في
الهر احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وآله سئل الماء وما ينويه من السباع فقال: إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس ولو كانت طاهرة لم يكن للتحديد
معنى. والجواب: من جملة السباع الخنزير وهو نجس فصح التحديد وأيضا فإنهم سألوه عن الماء متى ينجس فحد لهم بذلك ووقع ذكر السباع حشوا
ليس بمقصود. [الخامس] الأظهر بين علمائنا طهارة الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة وسائر الحشرات وقال الشيخ في النهاية ومتى أصاب الثوب
أو البدن الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة وجب الغسل مع الرطوبة. لنا: الأصل الطهارة ولان الاحتراز عن
الفأرة والوزغة مما يشق جدا
والثعلب والأرنب من السباع فيدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية عن أبي عبد الله (ع) في الهرة أنها من أهل البيت
وهذا يدل من حيث المفهوم على طهارة سائر الحشرات وكذا قوله من الطوافين عليكم والطوافات احتج الشيخ بما رواه في الصحيح عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الفأرة الرطبة وقعت في الماء تمشي على الثياب أتصلي فيها قال: اغسل ما رأيت من أثرها وما لم
تره فانضحه بالماء وما رواه عن يونس بن عبد الرحمن عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال سألت هل يجوز أن تمشي الثعلب والأرنب
أو شئ من السباع حيا أو ميتا؟ قال: لا يضره ذلك يغسل يده. والجواب عنهما: بأن الامر للاستحباب على أن الرواية الثانية مرسلة ومع ذلك فإنها
غير دالة على المطلوب لان قوله لا يضره ذلك ينافي التنجيس وقوله ولكن يغسل يده يحمل على ما إذا كان ميتا كما في الرواية. [السادس] لعاب
البغل والحمار لا يمنع الصلاة وإن كثر لأنه طاهر وكذا ما يخرج من غيره خلافا لأبي يوسف ويؤيده ما ذكرناه ما رواه الشيخ عن مالك الجهني
قال سألت أبا عبد الله (ع) عما يخرج من منخر الدابة فيصيبني قال: لا بأس بأن لحمه نجس واللعاب متولد منه والجواب المنع من النجاسة وقد
169

تقدم. [السابع] عرق الجنب طاهر وإن كانت من حرام وعرق الإبل طاهرة وإن كانت من الجلال وكذا غيرهما كالحائض وقال الشيخ بنجاسة العرق
في بعض كتبه في المبسوط قال: يجب غسل ما عرق فيه الجنب من الحرام على روايته بعض أصحابنا وسلار استحب الإزالة. لنا: ان الأصل الطهارة فيستصحب
وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أسامة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الجنب يعرق في ثوبه أو يغتسل فيعانق امرأته ويضاجعها وهي حائض أو جنب فيصيب
جسده من عرقها قال: هذا كله ليس بشئ وما رواه في الصحيح عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (ع) من القميص يعرق فيه الرجل وهو جنب حتى يبتل القميص
فقال: لا بأس وإن أحب أن يرشه بالماء فليفعل وما رواه عن حمزة بن حمران عن أبي عبد الله (ع) قال: لا يجنب الثوب الرجل ولا يجنب الرجل الثوب وعن
زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (ع) قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتى تلصق عليهما فقال: إن
الحيض والجنابة حيث جعلهما الله عز وجل ليس في العرق فلا يغسلان ثوبهما وفي الصحيح عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (ع) عن
الحائض يعرق في ثيابها أتصلي فيها قبل أن يغسلها فقال: نعم لا بأس احتج الشيخ بما رواه في الحسن عن الحلبي قال قلت لأبي عبد الله (ع) رجل
أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره قال: يصلي فيه وإذا وجد الماء غسله قال وجه الدلالة ان المراد بهذا الخبر من عرق في الثوب من جنابة إذا كان من حرام
لان الجنابة لا يتعدى إلى الثوب وعندنا أن عرق الجنب لا ينجس الثوب فلم يبقى معنى يحمل عليه الخبر إلا عرق الجنابة من حرام وهذا الاستدلال ضعيف
جدا كما ترى والأولى حمله على المعنى الظاهر منه وهو أن يكون الثوب قد أصابته النجاسة فيصلى فيه لمكان الضرورة لقوله وليس معه غيره
يفهم منه حاجة إليه واحتج على نجاسة عرق الإبل الجلالة بما رواه في الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع) قال: لا يشرب من ألبان
الإبل الجلالة وإن أصابك شئ من عرقها فاغسله وما رواه في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: لا تأكل اللحوم الجلالة
وإن أصابك من عرقها فاغسله و؟ للجنب؟ أنه محمول على الاستحباب أو التعبد والحديثان قويان ولأجل ذلك حرم الشيخ في المبسوط فوجب إزالة عرقها
وجعل إزالة عرق الجنب رواية وعليه أعمل. فروع: [الأول] لا فرق بين أن يكون الجنب رجلا أو امرأة ولا بين أن تكون الجنابة من زنا
أو لواط أو وطي بهيمة أو وطي ميتة وإن كانت زوجته أو وطي محرما وسواء كان مع الجماع إنزالا أو لا والاستمناء باليد كالزنا أما الوطي في الحيض
أو الصوم فإن الأقرب طهارة العرق فيه وفي المظاهرة إشكال. [الثاني] لو وطي الصغير أجنبيته وألحقنا به حكم الجنابة بالوطي ففي نجاسة عرقه
إشكال ينشأ من عدم التحريم في حقه. [الثالث] الأقرب اختصاص الحكم في الجلال بالإبل اقتصارا على مورد النص وتمسكا بالأصل. [الرابع]
بدن الجنب من الحرام والإبل الجلالة طاهر فلو مسا ببدنهما الخالي من عرق رطبا فالأقرب أنه طاهر. [الخامس] لم يثبت عندي نجاسة المسوخ ولا
لعابها وقد نجسه الشيخ والأصل الطهارة إلا الخنزير وقد روى الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: إن الضب والفأرة والقردة و
الخنازير مسوخ وروي في الضعيف عن أبي سهل عن أبي عبد الله (ع) قال: الكلب مسخ وروي عن الحسين بن خالد قال قلت لأبي الحسن (ع)
قال الفيل مثله وقد حرم الله الأمساخ ولحم ما مثل بها في صورها وروي عن أحمد بن محمد بن الحسن الأشعري عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: الفيل
مسخ كان ملكا زناء والذئب كان أعرابيا ديوثا والأرنب كانت امرأة تخون زوجها ولا تغسل من حيضها والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس
والقرد والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت والحريث والضب فرقة من بني إسرائيل حين نزلت المائدة على عيسى بن مريم لم يؤمنوا فتاهوا
فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البر والفأرة هي الفويسقة والعقرب كان نماما والدب والوزغ والزنبور بالأرض كان لحاما يسرق في الميزان وروي
عن سليمان الجعفي عن أبي الحسن (ع) قال: الطاوس مسخ وفي الطريق ضعف وروي عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد ان الغراب فاسق وغياث
ضعيف وهذا شئ ذكرناه ها هنا. * مسألة: القي ليس ينجس وهو مذهب علمائنا إلا من شذ منهم نقله الشيخ وابن إدريس وخالف فيه
أكثر الجمهور. لنا: ما رواه الجمهور عن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إنما يغسل الثياب من البول والدم والمني وذلك يقتضي تعميم
المنع عما عدا الثلاثة إلا ما خرج بالدليل ولأنه طاهر قبل الاستحالة فيستصحب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي قال
سألته عن القئ يصيب الثوب فلا يغسل قال: لا بأس احتجوا بما رواه عمار أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إنما تغسل الثياب من البول والمني و
القئ والدم. قلنا: قد روي عن عمار ما قدمناه ورويتم هذه الزيادة وذلك ما يقتضي بطرق التهمة فسقط ويبقى الحكم على الأصل وأيضا فإن
الغسل لا يستلزم التنجيس وتعديده مع غيره لا يقتضي إتحاده في العلة فجاز أن يكون العلة فيه بعود النفس وفي غيره النجاسة. فروع: [الأول]
النخامة طاهرة وهو قول أكثر أهل العلم لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله في يوم الحديبية ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها
وجه رواه البخاري ولو كانت نجسة لم يفعلوا ذلك وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال ما بال
أحدكم يقوم مستقبل ربه فينتخع أمامه أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه فإذا ينتخع أحدكم فلينتخع عن يساره وتحت قدمه فإن لم تجد فليقل
هكذا ووصف القسم فتغسل في ثوبه ثم مسح بعضه ببعض أخرجه البخاري. [الثاني] لا فرق في القئ بين خروجه قبل الاستحالة أو بعدها إلا أن
يستحيل ما بطأ فيكون نجسا وفي بعضه قولان سلفا. [الثالث] لا فرق بين ما نزل من الرأس وما يخرج من الصدر من البلغم في الطهارة وبه
170

قال أبو حنيفة والشافعي وقال أبو الخطاب والمزني البلغم نجس. لنا: انه دخل في عموم الخبرين ولأنه أحد نوعي النخامة فكان طاهرا كالآخر احتج بأنه لعام
استحال في المعدة فأشبه القئ والجواب: المنع من استحالته وإنما هو شئ يكون من الأبخرة فهو كالناول؟؟ من الرأس ولو سلم في المنع فالأصل قائم. [الرابع]
المرة الصفرة طاهرة وقال الشافعية أنها نجسة. لنا: الأصل الطهارة. * مسألة: وروى الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) ان
الحديد نجس وهي رواية منافية للأصل ولعمل الأصحاب فلا اعتداد بها وروي في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الجراد
يصيب الثوب قال: لا بأس به وروى عن محمد بن الحسين عن أبي الخطاب عن وهب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) مثل ذلك وزاد ولا بأس
بالسمن والزيت إذا أصابا الثوب أن يصلى فيه هاتان مناسبتان للمذهب وروى عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الكنيف يكون خارجا
فيمطر السماء ويقطر علي القطرة قال: ليس به بأسا والأصحاب عملوا بهذه الرواية لكن يشترط أن لا يتلون المائلون النجاسة فإنه حينئذ يكون
معهودا وروى عن السكوني عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه عن علي (ع) قال قال: لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن يطعم
ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين وفي طريقهما ضعف والصحيح عندي أن
اللبن طاهر سواء كان لأنثى أو لذكر. * مسألة: والطين الطريق طاهر ما لم يعلم فيه نجاسة عملا بالأصل فإن علمت فيه نجاسة فهو نجس
وإذا وقع المطر بطينه طاهر أيضا ويستحب إزالته إذا مضى عليه ثلاثة أيام لغلبة الظن بعدم سلامته من النجاسة ولا يجب لعدم العلم بها فلا يترك
تعيين الطهارة بشك المتجدد ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن (ع) قال في طين المطر أنه لا بأس
به انه يصيبه الثوب ثلاثة أيام إلا أن يعلم أنه قدر نجسه شئ بعد المطر فإن أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله فإن كان الطريق نظيفا لم
يغسله. فرع: لو سقط عليه ما من طريق لا يعلم ما هو فالأصل الطهارة ولا يجب عليه السؤال عنه وقول قول أهل العلم بما رواه الجمهور
ان عمر مر هو وعمرو بن العاص على حوض فقال عمر يا صاحب الحوض ترد السباع على حوضك فقال عمر يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد عليها وترد
علينا رواه مالك في المواطاة وهذا مع دلالته على المطلوب يدل على طهارة سؤر السباع ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن حفص بن
غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (ع) قال ما أبالي بول أصابني أو ماء إذا لم أعلم ولان الأصل الطهارة ولو سئل لم يجب على المسؤول رد
الجواب: خلافا لبعض الجمهور. لنا: حديث عمر فإنه نهاه عن الجواب وحديث علي (ع) مطلق في عدم الممالاة مع عدم العلم احتجوا بأنه سئل عن شرط
الصلاة فلزمه الجواب إذا علم كما لو سأله عن القبلة والجواب: الفرق حاصل مع عدم الجواب في صورة النزاع إذ هو عدم العلم بالنجاسة لا العلم
بعدمها بخلاف القبلة. [البحث الثاني] في الاحكام، * مسألة: يجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة
والطواف ودخول المساجد وهو قول أكثر أهل العلم كابن عباس وسعيد بن المسيب وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس أنه
قال ليس على ثوب جنابة ومثله عن النخعي وسئل سعيد بن جبير عن الرجل يرى في ثوبه الأذى وقد صلى فقال اقرأ علي الآية التي فيها غسل الثياب. لنا:
قوله تعالى: (وثيابك فطهر) قال المفسرون هو الغسل بالماء وما رواه الجمهور عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وآله
كيف تصنع أحدنا بثوبها إذا أرادت الطهر أتصلي فيه قال ينظر فيه فإن رأت دما فليفرضه بشئ من ماء ولينضح فإن لم تره وليصل فيه ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه فليغسل الذي أصابه فإن ظن أنه أصابه
مني ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء وإن استيقن أنه قد أصابه ولم ير مكان فليغسل ثوبه كله فإنه أحسن والأحاديث كثيرة تأتي في
موضع الحاجة إليها ولأنها إحدى الطهارتين فكانت شرطا للصلاة كالطهارة من الحدث ولان النجاسة التقديرية يجب إزالتها بالوضوء فالعينية
أولى. فروع: [الأول] يجب إزالة العين واستحب ستر ذلك اللون بشئ من الأصباغ. [الثاني] إذا تعذر إزالة اللون طهر المحل
بإزالة العين وهو أحد وجهي الشافعية والآخر أنه يكون عفوا لا طاهرا. [الثالث] لو صبغ الثوب بصبغ نجس وغسله أو خضب يده بالحنا
النجس طهر المحل بالغسل وإن بقي اللون لان نجاسته عارضة وقال أبو إسحاق الاسفراني لا يطهر لان بقاء اللون دليل بقاء العين (كالدم) وهو خطأ فإن
اللون هنا طاهر وإنما عرض له التنجيس بخلاف الدم. * مسألة: ولا فرق بين قليل النجاسة وكثيرها في وجوب الإزالة إلا الدم وسيأتي بيانه
وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وقال أبو حنيفة تراعى في النجاسات كلها قدر الدرهم البغلي فإن زاد وجبت إزالته وإلا فلا إلا بول ما
يؤكل لحمه فإنه نجس ولا يجب إزالته بالماء إلا أن يتفاحش واختلف أصحابه في التفاحش فقال الطحاوي: أن يكون ربع الثوب ومنهم من قال: ذراع وقال أبو بكر الرازي: أن يكون
شبرا في شبر. لنا: قوله تعالى: (وثيابك فطهر) وذلك عام وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: تنزهوا من البول فإن عامة عذاب
القبر منه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن البول يصيب الثوب فقال اغسله
مرتين وغيره من الأحاديث الآتية ولأنها نجاسة لا تشق إزالتها فيجب كالكثير ولأنها إحدى الطهارتين فلا يتعذر سببها بعذر كالأخرى
ولان قليل الحكمية مانع (فالحقيقة) فالخفيفة أولى ولان مبنى الصلاة على التعظيم وكماله بالطهارة من كل وجه وذلك بإزالة قليل النجاسة وكثيرها
171

احتج أبو حنيفة بقول عمر إذا كانت النجاسة مثل ظفري هذا لم يمنع جواز الصلاة وظفره كان قريبا من كف أحدنا ولان التحرز عن القليل
حرجا فيكون مدفوعا كالدم ولأنه تجزي منها بالمسح في محل الاستنجاء ولو لم يعف عنها لم يكف فيها المسح كالكثير والجواب عن الأول باحتمال أن
يكون ذلك قاله عن اجتهاد إذ لم يسنده فلا يكون حجة ولو سلم فيحتمل أن يكون المراد بالنجاسة الدم وعن الثاني: بالمنع من مشقة الاحتراز بخلاف
الدم الذي لا ينفك الانسان منه إذ لا يخلو من حكة وبثرة أو دمل أو جرح أو رعاف أو غير ذلك فكانت المشقة فيه أبلغ على أن التعليل بالحرج تعليل
لوصف غير منضبط فلا يكون مقبولا ولان غيره من النجاسات أغلظ فيه ولهذا أوجب البول والغائط الوضوء والمني الغسل بخلاف الدم ومن الثالث
بأن الاستنجاء مزيل للنجاسة فكان كالماء في حصول الطهارة فلا يجوز قياس بثوب النجاسة على زوالها. * مسألة: الدم النجس قسمان، أحدهما:
يجب إزالته مطلقا أقل أو أكثر وهو دم الحيض والاستحاضة والنفاس أما دم الحيض فشئ ذكره الشيخان والسيد المرتضى وابن بابويه وأتباعهم و
أما الآخران فقد ذكره الشيخ ومن تبعه والجمهور لم تفرقوا بين الدماء. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأسماء لما سأله عن دم الحيض يكون
في الثوب اقرصيه ثم اغسليه بالماء وذلك عام في القليل والكثير ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير قال: لا تعاد الصلاة
من دم لم تبصره إلا دم الحيض فإن قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أنها من المساهر والمشاهد ولان الأصل
وجوب الإزالة لما بيناه ولقوله تعالى: (وثيابك فطهر) وأما الدمان الآخران فتدل عليهما الآية والأصل ولان دم النفاس دم الحيض في
الحقيقة. الثاني: ما لا يجب ازالته في حال قلته وهو أما أن لا يجب إزالته في حال قلته وأما أن لا يجب إزالته وإن كثير وأما أن لا يجب إزالته إن قل فالأول دم الجروح
السائلة والقروح الدامية التي يشق إزالتها ولا تقف جريانها لما رواه الجمهور عن ابن عمر أنه كان يسجد فيخرج يديه فيضعهما بالأرض وهما
يقطران دما من شقاق كان في يده وعصره شبره فخرج منها شئ من دم وقيح فمسحه بيديه وصلى ولم ينكر عليها حد وإلا لنقل ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا يزال يدمى كيف يصلي فقال: يصلي وإن كانت
الدم يسيل وما رواه في الصحيح عن أبي بصير قال دخلت على أبي جعفر (ع) وهو يصلي قال لي قايدي أن في ثوبه دما فلما انصرف قلت له ان قائدي أخبرني
ان في ثوبك دما فقال: إن لي دماميل ولست اغسل ثوبي حتى تبرء وما رواه عن ليث المرادي قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل يكون به الدماميل
والقروح فجلده وثيابه مملو دما وقيحا فقال يصلي في ثيابه ولا يغسلها ولا شئ عليه وما رواه عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال قلت لأبي عبد
الله (ع) الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي فقال: دعه ولا يضرك الا تغسله وما رواه في الموثق
عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (ع) قال إذا كان بالإنسان جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسل حتى يبرء وينقطع الدم ولأنه يشق
التحرز منه وكان الترخص واجبا. فروع: [الأول] يستحب لصاحب هذا العذر أن يغسل ثوبه في كل يوم مرة لان فيه تطهير غير مشق فكان
مطلوبا ولما رواه الشيخ عن سماعة قال سألته عن الرجل به القرح أو الجرح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه قال: يصلي ولا يغسل ثوبه كل
يوم إلا مرة فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة. [الثاني] لو تمكن من إبدال الثوب فالأقرب الوجوب لانتفاء المعلول فقد انتفى (العلة). [الثالث]
لا فرق بين الثوب والبدن في هذا الحكم لوجود المشقة فيها. [الرابع] لو تعدى الدم عن محل الضرورة في الثواب أو البدن بأن لمس بالسليم من يديه دم الجرح
أو بالظاهر من ثوبه فالأقرب عدم الترخص فيه ويجب إزالته لعدم المشقة وكذا لو ترشش عليه دم غيره. [الخامس] لا يخرج هذا النوع من
الدم عن مقتضاه وهو النجاسة باعتبار العفو عنه لا في محل المشقة ولا غيره وهل يرى العفو عنه إلى ما لاقاه الوجه المنع فلو لاقاه جسم رطب نجس
أيضا. [القسم الثاني] ما عدا ما ذكرناه من الدماء فإن كان مجتمعا وجب إزالة ما زاد على الدرهم البغلي سعة منه إجماعا منا وهو قول قتادة
والنخعي وسعيد بن جبير وحماد بن سليمان والأوزاعي وأصحاب الرأي والشافعي وقال أحمد لا يجب إزالته ما لم يتفاحش ونكثر وهو قول مالك واختلفا
في التفاحش فقال أحمد في رواية: أنه شبر في شبر وقال في أخرى: قدر الكف وقال مالك: التفاحش نصف الثوب. لنا: ان الأصل وجوب إزالة النجاسة
والاحتياط يقتضيه وقوله تعالى: (وثيابك فطهر) وما روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم فالزائد
أولى ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه وهو لا يعلم
فلا إعادة عليه وإن هو علم قبل أن يصلي فنسى وصلى فعليه الإعادة وما رواه عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) وإن كان أكثر من قدر الدرهم
وكان يراه فلم يغسله حتى يصلي فليعد صلاته وإن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة احتجوا بأن الشارع لم يقدره فوجب صرفه إلى المعتاد
والجواب: المنع من عدم التقدير الشرعي لان الحديث الذي ذكرناه يدل عليه وقد عفى عما نقص عن الدرهم
إجماعا منا وهو قول أكثر أهل العلم إلا
الشافعي. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم وذلك يدل على أن الأقل لا يعاد الصلاة منه
وإلا لم يكن التكليف بذلك المقدار فائدة وما رواه عن عمر أنه قال إذا كانت النجاسة مثل ظفري هذا لم يمنع جواز الصلاة ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) قال في الدم يكون في الثوب: إن كان أقل من الدرهم فلا تعيد الصلاة وإن كان أكثر الحديث
172

ولأنه لا ينفك الانسان عن ملاقاته أما من بثر أو جرح أو رعاف أو غيرها فالاحتراز عن القليل مشقة عظيمة كانت منفية أما لو بلغ درهما من الدراهم
البغلية مضروبة من درهم وثلث فلم يزد فقد احتمل علماؤنا على قولين فبعض أوجب إزالته وهو قول النخعي والأوزاعي وبعض لم يوجبه وهو مذهب
أبو حنيفة فالطائفة الأولى جعلوا الدرهم في حد الكثرة والأخرى جعلوه في حد القلة والأقرب الأولى. لنا: ما رواه الجمهور في قوله (ع): تعاد
الصلاة من قدر الدرهم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أنهما قالا:
لا بأس بأن يصلي الرجل في ثوب فيه الدم متفرقا شبه النصح وإن كان قدر رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم وما رواه
في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قلت ما لرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فنسى أن يغسله فيصلي ثم
يذكر بعد ما صلى أيعيد صلاته قال يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة ولان الأصل وجوب الإزالة
بقوله تعالى: (وثيابك فطهر) إلا ما خرج بالدليل ولأنه نجس فوجب إزالته كما لو زاد احتج المخالف من الأصحاب بما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن
مسلم قال قلت له الدم يكون في الثوب علي وأنا في الصلاة قال إن رأيت وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل فإن لم يكن عليك غيره فامض في
صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ممن ذلك فليس شئ رأيته أو لم تراه فإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم
فضيعت عليك غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه وبرواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) إن كان أقل من الدرهم فلا
تعيد الصلاة وإن كان أكثر من قدر الدرهم فليعد إذا رآه فلم يغسله ولان في إزالته المشقة كما لو كان أقل والجواب عن الأول: بأن الرواية مرسلة
فلعل محمد بن مسلم أسند الحديث إلى غير إمام فلا يكون حجة. وعن الثاني: انه لا دلالة على مطلوبكم فيه إذ دلالته على حكم الزائد والناقص والمساوي
لم يتعرض له فيحمل على الأصل. فروع: [الأول] لو كان الدم متفرقا في كل موضع أقل من الدرهم قال الشيخ في النهاية لا يجب إزالته ما لم
يتفاحش ويكثر وقال في المبسوط إذا كان الدم متفرقا لا يجب إزالته ولو قلنا إذا كان جميعه لو جمع كان مقدار الدرهم وجب إزالته كان أحوط للعبادة
وابن حمزة اعتبر الدرهم لو جمع وابن إدريس أطلق القول بعدم وجوب الإزالة والأقرب عندي اعتبار الدرهم لو جمع. لنا: ان الحكم معلق
على قدر الدرهم وهو أعم من أن يكون مجتمعا ومتفرقا ولان الأصل وجوب الإزالة للآية عفى عما نقص عن قدر الدرهم لكثرة وقوعه فلا يتعدى
الرخصة إلى المتفرق النادر لعدم المشقة فيه ولأنه يلزم أنه لو كان الثوب قد استولت النجاسة عليه صحت الصلاة فيه ومع عدم الاستيلاء لا يلزم
مع التساوي في إمكان الإزالة واللازم باطل قطعا فالملزم مثله بيان الملازمة أنه لو كان بين موضعين من الثوب حصل فيهما أقل من سبعة الدرهم
بجزء لا يتجزى ما هو خال عن الدم وهو قليل جدا كجزء لا يتجزى صدق أنه لم يجتمع فيه قدر الدرهم احتج المخالف برواية جميل بن دراج عن أبي جعفر
(ع) وقد تقدمت. والجواب: انها مرسلة ومع ذلك فهي غير ناصة على المطلوب فإنه يحتمل أن يكون المراد الدم القليل من الدم المتفرق ويدل عليه
قوله أشبه النصح ويحتمل أيضا أن يكون اسم يكون في قوله ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم هو الدم المتفرق وذلك هو ما قلناه ويكون معناه ما لم
يكن الدم المتفرق لو اجتمع قدر الدرهم ويكون قوله مجتمعا حالا والخبر قوله قدر الدرهم. [الثاني] ولو كان الدم متفرقا ولو جمع لزاد على الدرهم
فعلى أحد قولي الشيخ لا يجب أما على قوله المختار من اعتبار الدرهم فالمصلي بالخيار أن (شاء ان) يزيل الجميع فعل وهو الأولى وإن شاء أزال ما ينفي
منه حد الغسلة لأنه حينئذ يصدق عليه أن في ثوبه أقل من درهم فساغ له الدخول في الصلاة به. [الثالث] الدماء بأسرها متساوية في اعتبار
الدرهم إلا ما استثناه واستثنى قطب الدين الراوندي دم الكلب والخنزير فألحقهما بدم الحيض في وجوب إزالة ما قل أو كثر وكذا ابن حمزة وأوجب
أحمد إزالة قليل دم الكلب والخنزير دون قليل دم الحيض والمشهور مساواة غيرهما من الحيوانات لما تقدم من الأحاديث الدالة على الاطلاق
احتج قطب الدين بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي الفضل العباس قال قال أبو عبد الله (ع) إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وإن مسحه
جافا فأصب عليه الماء قلت لم صار بهذه المنزلة قال لان النبي صلى الله عليه وآله امر بقتلها وإذا كان حال رطوبته كذلك فحال دمه أبلغ في الاحتراز
وإن المشقة إنما تحصل بدم الانسان نفسه لعدم انفكاكه منه غالبا أما دم الكلب فنادر فلا حرج في إزالته والجواب عن الأول: بالفرق بين
الرطوبة والدم إذ قد ثبت في الدم العفو عما نص عن الدرهم ولم يثبت فيما هو أخف نجاسة منه كبول الصبي وعن الثاني: بأن المشقة غير مضبوط
فلا يعتبر في التعليل بل المظنة التي هي الدم الموجودة من دم الكلب ولو سلم ذلك لزم عدم اعتبار الدرهم في جميع الدماء إلا دم الانسان
نفسه وذلك باطل بالاجماع والأقرب عندي قول قطب الدين لان نجس العين يحصل دمه بملاقاته نجاسة غير معفو عنها وهكذا حكم
دم الكافر. [الرابع] لو أصاب الدم نجاسة لم يعف عنها قليلا وكثيرا لان المعفو عنه إنما هو النجاسة الدموية لا غير. [الخامس] روى
الشيخ عن مثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله (ع) قلت له إني حككت جلدي فخرج منه دم فقال: إن اجتمع قدر حمصة فاغسله وإلا فلا
وهذه الرواية تحمل على الاستحباب أو على أن القدر ليس في السعة بل في الوزن فإنه تقريبا يساوي سعة الدرهم. [السادس] حكم البدن حكم
الثوب في هذا الباب ذكره أصحابنا ويؤيده رواية مثنى بن عبد السلام لان المشقة في البدن موجود كالثوب بل أبلغ لكثرة وقوعها أن يتعدى
173

إلى الثوب غالبا إلا منه وهل يساوي الثوب الملبوس والمصحوب فيه إشكال فلو لم يكن على بدنه ولا على ثوبه الذي يلبسه دم وكان في كمه ثوب فيه دم يسير نفى العفو
عنه إشكال ينشأ من عموم الترخص ومن كونه مشروعا لأجل المشقة. [السابع] الرطب الطاهر لم ينجس بالدم ثم أصاب الثوب لم يعتبر الدرهم فيه
بل وجب إزالة قليله لأنه نجس ليس بدم فوجب إزالته بالأصل السالم عن المعارض لا يقال ان النجاسة مستفادة من الدم فكان الحكم له لأنا نقول
قد لا يثبت في الفرع ما يثبت في الأصل خصوصا في هذا الباب إذ الرخصة لا يتعدى ولأن الاعتبار بالمشقة المستندة إلى كثرة الوقوع وذلك
غير مؤثر في صورة النزاع لندوره أما لو زالت عين الدم بما لا يطهر ففي جواز الصلاة نظر أقربه الجواز لأنه مع العينية يجوز وبزوال العين تجف
النجاسة فكان الدخول سابق وفارق خفة النجاسة في البول للصبي لان شدة النجاسة وخفتها هاهنا؟ مصير؟ ان بالقياس إلى الدم نفسه لا إليه وإلى غيره.
[الثامن] يجب غسل الدم في كل موضع يجب غسله بالماء وذكر لما سبق من أن المزيل للنجاسة إنما هو الماء لا غير وفي دم الحيض إذا لم يزل أثره
بالغسل يستحب صبغه بالمشقة " بكسر الميم " وهو المغيرة قاله صاحب الصحاح لما رواه الشيخ عن أبي بصير وسألته امرأة أن بثوبي دم الحيض وغسلته ولم
يذهب أثره فقال اصبغيه بمشق وقد روى الشيخ في الموثق عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: فلا بأس أيضا بشبهه من الرعاف ينضحه ولا يغسله
وفي طريقها تردد الحق عندي أنه يجب غسله سواء كان دم رعاف أو غيره لما مر من الأحاديث الدالة على وجوب غسل ويحمل قوله ينضحه على صب الماء عليه
بحيث يزول أثره وحينئذ يطهر ويؤيد ما ذكرنا ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي قال سأل أبو عبد الله (ع) عن رجل يسال من أنفه الدم فهل
عليه أن يغسل باطنه بغير جوف الانف فقال: إنما عليه أن يغسل ما ظهر منه وروى الشيخ أيضا عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع)
عن أبيه عن علي (ع) قال: لا بأس أن تغسل الدم بالبصاق وروى عن غياث أيضا عن أبي عبد الله (ع) قال: لا يغسل بالبصاق
شئ غير الدم والروايتان ضعيفتان فلا تعويل عليهما بل المتعين هوا إلى ويحتمل أنهما يغسلان بالبصاق ثم يغسلان بالماء لأنه لا تنافي بينهما.
[التاسع] لو كان الثوب ضعيفا فأصاب الدم أحد الجانبين واتصل بالجانب الآخر فهما نجاسة واحدة معتبرة في قدر الدرهم أما لو لم
يفصلا بل مال بينهما شئ لم يصبه الدم تعددتا فإن بلغ مجموعهما الدرهم لم يعف عنه كما لو كان في موضعين من جهة واحدة. * مسألة:
وقد عفي عن النجاسة مطلقا وما كانت أو غيره عما لا يتم الصلاة فيه منفردا قال ابن بابويه ومن أصاب قلنسوته أو تكته أو عمامته أو جوربه أو خفه
مني أو بول أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه وذلك أن الصلاة لا يتم في شئ من هذا وحده وقال الشيخ في المبسوط والنهاية وإذا أصاب خفه أو جوربه
أو قلنسوته أو تكته أو ما لا يتم الصلاة فيه منفردا بشئ من النجاسة لم يكن بالصلاة فيه بأس وإزالته أفضل وقال في الجمل ويشترط الخلو من النجاسة إلا ما لا
يتم الصلاة فيه منفردا مثل التكة والجورب والخف والقلنسوة والنعل والتنزه عنه أفضل وقال في الخلاف كما لا يتم الصلاة فيه منفردا لا بأس بالصلاة
فيه وإن كان فيه نجاسة مثل الخف إلى آخر ما ذكر في الجمل وقال المفيد ولا بأس بالصلاة في الخف وإن كانت فيه نجاسة وكذلك النعل والتنزه أفضل
وإذا أصاب تكته أو جوربه نجاسة لم يخرج بالصلاة فيهما لأنهما مما لا تتم الصلاة بها دون ما سواها من اللباس وقال السيد المرتضى وانفردت
الامامية بجواز صلاة من في قلنسوته نجاسة أو نكتة أو ما جرى مجراهما مما لا يتم الصلاة به على الانفراد وقال أبو الصلاح ومعفو عن الصلاة
في القلنسوة والتكة والجورب والنعلين والخفين وإن كان نجسا وقال سلار وما يلبس ضربان أحدهما لا يتم الصلاة به منفردا وهو القلنسوة والجورب
والتكة والخف والنعل فكل ذلك إذا كان فيه نجاسة جاز الصلاة فيه وما عدا ذلك من اللباس إن كان فيه نجاسة فلا يجوز الصلاة فيه و
هذه العبارات مختلفة ففي بعضها تصريح التعميم في كل ما لا يتم الصلاة فيه بإنفراده كالخاتم والسوار وما يشبههما وفي البعض التخصيص بما ذكر وقد
ادعى ابن إدريس التعميم وخالف الجمهور في ذلك كله والأقرب عندي التعميم احتج الآخرون بإن إباحة الصلاة في التكة والجورب والقلنسوة و
النعل والخف خاصة مما اتفق عليه الأصحاب أما ما عدا ذلك فلا وإدخال العمامة وكلام ابن بابويه ضعيف إذ قد يتم الصلاة بها. لنا: في مطلق
العفو ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إذا وطي أحدكم بخفه قذرا فطهوره التراب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن حماد
عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يصلي في الخف قد أصابه القذر فقال: إذا كان مما لا يتم الصلاة فيه فلا بأس وما رواه عن حفص بن عيسى قال
قلت لأبي عبد الله (ع) إني وطئت عذرة بخفي ومسحته حتى لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة فيه فقال: لا بأس وعلى التعميم ما رواه عبد الله بن سنان
عمن أخبره عن أبي عبد الله (ع) أنه قال كلما كان على الانسان أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلي فيه وإن كان فيه قذر
مثل القلنسوة والتكة والكرة والنعل والخفي وما أشبه ذلك ولان التكة وشبهها لا حظ لها في اجزاء الصورة ولا تصح الصلاة فيها على الانفراد فكان وجودا
كالعدم. فروع: الأول] هذا الحكم إنما يتعلق بما لا يتم الصلاة فيه منفردا من الملابس أما غيرها فلا فلو كان معه دراهم نجس أو غيرها
لم تصح صلاته. [الثاني] إنما يعفى عن نجاسة هذه الأشياء إذا كانت في محالها فلو وضع التكة على رأسه والخف في يده كانا نجسين لم تصح
صلاته وإلا لم يبق فرق بين الملبوس وغيره. [الثالث] لا فرق بين أن يكون النجس واحدا من هذه الأشياء أو أكثر والجميع عملا بعموم العفو
عما لا تتم الصلاة فيه منفردا. * مسألة: لا يجزي في المني الفرك بل لا بد من غسله بالماء رطبا كان أو يابسا
مني انسان كان أو غيره ذكر
174

أو أنثى وهو قول مالك والأوزاعي والثوري وقال أبو حنيفة يغسل رطبا ويفرك يابسا وقال أحمد بالفرك إذا كان يابسا تفريعا على التنجيس إذ له فيه روايتان
وذلك في مني الرجل أما مني المرأة فلا يجزي فيه إلا الغسل تفريعا على التنجيس. لنا: قوله تعالى: (وننزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم
رجس الشيطان) قال المفسرون أراد به أثر الاحتلام أمتن الله تعالى علينا بجعل الماء مطهرا منه فلا يجزي فيه غيره وما رواه الجمهور عن ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وآله قال سبعة يغسل منها الثوب البول والمني وفي حديث عمار إنما تغسل ثوبك من الغائط والبول والمني ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الحسن عن أبي عبد الله (ع) قال إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه وعن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن المني يصيب الثوب قال: إن عرفت مكانه فاغسله فإن خفي عليك مكانه فاغسله كله ولأنه نجس فيجب إزالته بالعين ولا يتعين بالفرك لاستبعاد
زوال أجزائه احتجوا بما روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله قال في المني يصيب الثوب إن كان رطبا فاغسليه وإن كان يابسا فافركيه
وردت أنها كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله فيصلي فيه والجواب عنهما: أنها قضية في عين فلعلها بعد الفرك تغسله و
ذلك للفرق بين الرطب واليابس فإن الأول يمكن زواله بسرعة بخلاف الثاني فاستحب الفرك للاستطهار. * مسألة: ويستحب قرص الثوب
وحته ثم غسله بالماء من دم الحيض وهو مذهب علمائنا وبه قال أكثر أهل العلم وذهب قوم من أهل الظاهر إلى أنه يجب القرص والحت به. لنا: قوله
تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء ليطهركم به) فلو لم يكن كافيا لم تحصل المشربة ولم يجعله الله تعالى مطهرا وما رواه الجمهور عن خولة بنت بشار
قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله أرأيت لو بقي أثره فقال الماء يكفيك ولا يضرك أثره فأجزأ عنه بالاكتفاء بالماء فالزائد عنه واجب ولان الأصل عدم
الوجوب. تذنيب: الحت بالظفر ليذهب خشونته ثم يقرصه ليلين للغسل لان النبي صلى الله عليه وآله قال: لا سيما في دم الحيض حتيه ثم اقرصيه
ثم اغسليه بالماء. * مسألة: ويجب غسل الثوب من البول مرتين لما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن أبي العلا قال سألت أبا عبد الله
(ع) عن البول يصيب الجسد قال اغسله مرتين وما رواه في الصحيح عن محمد عن أحدهما (ع) قال سألته عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين
وما رواه عن ابن أبي إسحاق الخدري عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن البول يصيب الثوب قال اغسله مرتين وفي الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور
عن أبي عبد الله (ع) عن البول يصيب الثوب قال اغسله مرتين وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن
الثوب يصيب البول قال: اغسله في المركن مرتين فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة والأقرب عندي وجوب الإزالة فإن حصل بالمرة الواحدة كفا.
فروع: [الأول] النجاسات التي لها قوام وثخن كالمني وشبهه أولى بالتعدد في الغسلات ويؤيده قول أبي عبد الله (ع) من البول فإنما
هو ما يدل بمفهومه على أنه غير الماء أكثر عددا وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال ذكر المني فشده وجعله أشد
من البول ويستحب فركه إن كان يابسا وقد تقدم وغير المني من النجاسات المتحدة كالمني في استحباب الفرك مقدما على الغسل لان فيه استظهارا.
[الثاني] النجاسة إذا لم تكن مرئية طهرت بالغسل مرة واحدة وبه قال الشافعي وقال أصحاب الرأي لا يطهر إلا بالغسل ثلاثا. لنا: ان المطلوب
من الغسل إنما هو إزالة العين والأثر وغير المرئية لا عين لها فكان الاكتفاء فيها بالمرة ثابتا ولان الماء غير مطهر عقلا لأنه إذا استعمل في
المحل جاورته النجاسة فينجس وهكذا دائما وإنما عرفت طهارته بالشرع بتسميته طهورا بالنص فإذا وجد استعمال الطهور مرة عمل عمله من الطهارة
وصار كالنجاسة الحكمية احتجوا بقوله (ع) إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت
يده ولان طهورية الماء مستندة إلى كونه مزيلا ولا يحصل ذلك بالمرة الواحدة والكثرة مؤثرة فقدرناها بالثلاث لأنه أدنى الكثير والجواب عن الأول:
ان غسل اليد ليس للنجاسة وإنما هو تعبد شرعي لا معنى له فلا يصح القياس عليه على أن ابن عباس وعائشة أنكرا هذا الحديث ولذلك
قالا فكيف يصنع بالمهر أمس وعن الثاني: بأن الإزالة إنما يكون لعين ثابتة والتقدير أنها غير مرئية وإن المرة مزيلة. [الثالث] لا يكفي صب الماء
في النجاسة بل لا بد من عصر الثوب ودلك الجسد لان فيه استظهار ولأنه الاجزاء من النجاسة دخلت أجزاء الثوب وبالملاقاة لاجزاء الماء
ينجس الماء فيجب زواله عن الثوب بقدر الامكان ولان الغسل إنما يفهم منه في الثوب صب الماء مع العصر ويدل عليه رواية أبي الفضل العباس
الصحيحة عن أبي عبد الله (ع) إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وإن مسحه جافا فأصب عليه الماء وما رواه الشيخ في الحسن عن
الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله (ع) وسألته عن الصبي يبول على الثوب قال: يصيب عليه الماء ثم يعصره وما رواه في الموثق عن عمار بن
موسى عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن قدح أو إناء يشرب منه الخمر قال يغسله ثلاث مرات سئل أيجزيه أن يصيب فيه الماء قال لا يجزيه حتى
يدلك بيده ويغسله ثلاث مرات وجه الاستدلال منه من وجهين، أحدهما: أنه أمر بدلك الاناء لأجل ملاقاته للنجاسة وهذا المعنى موجود
في البدن وغيره الثاني: أنه أجاب بالغسل فلو لم يتضمن الدلك ثم أوجبه بعد ذلك لكان تأخيرا للبيان عند وقت الحاجة وذلك غير جائز
لا يقال أنه عطف الغسل على الدلك وذلك يقتضي المغايرة لأنا نقول لا شك في المغايرة ان جزء الماهية مغايرة لها ولا استحالة في عطف الكل
على الجزء لا يقال قدر روى الشيخ في الحسن عن الحسين بن العلا قال سألت أبا عبد الله (ع) عن البول يصيب الجسد قال الصب عليه الماء مرتين
175

لأنا نقول لا منافاة لما ذكرناه إذ وجوب الصب لا ينافي وجوب الدلك مع أن هذا الراوي روى عن أبي عبد الله (ع) عن البول يصيب الجسد قال
اغسله مرتين وقد بينا أن الغسل يشتمل على الدلك والأقرب عندي أن الدلك في الجسد مستحب مع تيقن زوال النجاسة. [الرابع] ولو كان النجس
بساطا أو فراشا يعسر عصره غسل ما ظهر في وجهه وإن سرت النجاسة في أجزائه غسل الجميع واكتفى بالتقليب والدق عن العصر للضرورة روى الشيخ في
الحسن عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا (ع) الطنفسة والفراش يصيبهما البول كيف يصنع به فهو كثير الحشو قال يغسل ما ظهر منه في وجهه
وهذا يحمل ما فرضناه من التقدير لما رواه ابن يعقوب عن إبراهيم بن عبد الحميد قال سألت أبا الحسن (ع) عن الثوب يصيبه البول فينفذ إلى الجانب الآخر وعن
القرو وما فيه من الحشو قال اغسل ما أصاب منه ومس الجانب الآخر فإن أحببت مس شئ منه فاغسله أولا ثم فانضحه بالماء. [الخامس] لو أخل بالعصر
في الثوب لم يطهر خلافا لابن سيرين فإنه قال بطهارته وطهارة الماء المنفصل. لنا: انه أخل بشرط التطهير وهو العصر فلا يحصل المشروط والمنفصل
قليل لاقى النجاسة فيحكم بنجاسته وقياسه على ما في المحل ضعيف للفرق بالجرح وهو أحد وجهي الشافعية والثاني: أنه يطهر ومني الخلاف على طهارة
الغسالة ونجاستها فإن قالوا بالطهارة فالثوب طاهر وان قالوا بالنجاسة فهو نجس وكذا لو لم يرش الماء عن الاناء. [السادس] لو غسل بعض
ثوب النجس طهر المغسول دون غيره وهو قول أكثر أهل العلم وقال بعض الشافعية لا يطهر. لنا: ان الماء مطهر وقد لاقى محلا قابلا فيطهره أثره
احتج المخالف بأن المغسول يجاور النجس فينجس كل جزء منه بالمجاورة. والجواب: إن هذا خيال ضعيف إنه يلزم نجاسة العالم بالملاقاة ولان
طهارة كل جزء لو كان شرطا لطهارة الآخر لزم الدور. [السابع] إذا أراد غسل الثوب بالماء القليل ينبغي أن يورد الماء عليه ولو صبه في الاناء
ثم غمسه فيه لم يطهر قاله السيد وهو جيد وفرق بين ورود النجاسة على الماء وورود الماء عليها وهو أحد وجهي الشافعية والاجزاء به يطهر لان
غمسه يزيل نجاسته وإذا قصد ذلك كان بمنزلة إيراد الماء عليه وليس بجيد لان القصد لا يؤثر لهذا لو غسل الصبي أو المجنون طهر المحل. * مسألة:
في بول الصبي روايتان روى الشيخ في الحسن عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله (ع) وسألته عن الصبي يبول على الثوب قال يصيب عليه الماء قليلا
ثم يعصره والأخرى: رواها في الحسن عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن بول الصبي قال يصيب عليه الماء فإن كان قد أكل فاغسله غسلا
والغلام والجارية شرع سواء المشهورة بين علمائنا الأخيرة وهي صب الماء على بول الصبي أما الصبية فلا بد من غسله وهو قول علي (ع)
وعطا والحسن والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيدة وقال الثوري وأبو حنيفة ومالك يغسل ثوب بول الغلام كما يغسل بول الجارية
ولا خلاف بين أهل العلم في نجاسة البولين إلا داود فإنه قال بول الصبي طاهر ويستحب الرش. لنا: على الاجزاء بالصب ما رواه الجمهور عن أم قيس
بنت محسن أنها أتت بابن صغير لها لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وآله في حجره فبال على ثوبه فدعا
بماء فانضحه ولم يغسله وعن عائشة أتي رسول الله صلى الله عليه وآله بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فاتبعه ولم يغسله ينتفق عليه ورووا عن
لبابة بنت الحرث قالت كان الحسين بن علي (ع) في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله فبال عليه فقلت البس ثوبا آخر وأعطني إزارك حتى اغسله
قال: إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر رواه أبو داود ورووا عن علي (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله بول الغلام
ينضح وبول الجارية ومن طريق الخاصة رواية الحلبي وقد تقدمت وما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه (ع) أن عليا (ع)
قال إن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن يطعم ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين
والمنكبين احتج أبو حنيفة بأنه بول نجس يوجب غسله كغيره من النجاسات ولأنه حكم يتعلق بالنجاسة فاستوى فيه الذكر والأنثى والجواب ما
ذكرناه من الأحاديث نصوص وما ذكره قياس والنص أولى وأيضا فالنجاسات قابلة للشدة والضعف وحينئذ يبطل القياس لا يقال قد روى الشيخ
عن سماعة وقال سألته عن بول الصبي يصيب الثوب فقال اغسله قلت فإن لم أجد مكانه قال اغسل الثوب كله لأنا نقول هذه الرواية
ضعيفة ومع ذلك فيمكن أن يتناول من أكل الطعام ومن لم يأكل والجمع يقتضي حملها على الأول ولو حملت على الثاني كان ترجيحا من غير
مرجح وإبطالا لما ذكرناه من الأحاديث فكان قولنا أولى. تذنيب: هذا التحقيق متعلق بمن لم يأكل وحده ابن إدريس بالحولين
وليس شيئا إذ روايتا الحلبي والسكوني دالتان عن الأكل والطعم سواء بلغ الحولين أو لم يبلغ ولا أعلم علته في ذلك بل الأقرب تعلق الحكم
بطعمه مستندا إلى إرادته وشهوته وإلا لتعلق الغسل بساعة الولادة إذ يستحب تحنيكه بالتمر. * مسألة: ويكفي في المربية للصبي إذا
لم تجد إلا ثوبا واحدا بالمرة في اليوم ذكره الشيخ لأنه منكر رقيق (متكر وفين) إزالته جرى مجرى دم القروح السائلة ويؤيده ما رواه الشيخ عن حفص
عن أبي عبد الله (ع) قال سأل عن امرأة ليس لها إلا قميص ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع قال تغسل القميص في اليوم مرة
فروع: [الأول] اسم اليوم يطلق على النهار والليل فتكفي فيها بالمرة. [الثاني] لو قيل باستحباب جعل الغسلة أخر
النهار لتوقع الصلاة الأربع في الطهارة كان حسنا. [الثالث] روى عبد الرحيم القضير؟؟ قال كتبت إلى أبي الحسن (ع) عن خصي
يبول فيلقي من ذلك شدة ويرى البلل (بعد البلل) فقال: يتوضى وينضح ثوبه في النهار مرة واحدة وفي الطريق كلام لكن العمل بمضمونها أولى لما فيه
176

من الرخصة عند المشقة. * مسألة: كل النجاسة لاقت البدن والثوب أو الثوب رطبا وجب غسل موضع الملاقاة وإن كان يابسا استحب رش
الثوب بالماء ومسح البدن بالتراب إن كانت النجسة كلبا أو خنزير أما وجوب الغسل لهما مع ملاقاة الرطب منهما لكل نجاسة فاتفاق النجاسة
يؤثر بالملاقاة ويدل عليه ما رواه الجمهور عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله إذا وطي أحدكم الأذى
بخفيه فطهورهما التراب رواه أبو داود وما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله قال: طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعا أخرجه أبو داود ولا طهور إلا مع
التنجيس ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال: يغسل ما
أصاب الثوب أما استحباب النضح مع اليبوسة فلما رواه الشيخ عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا مس ثوبك كلب فإن كان
يابسا فانضحه وإن كان رطبا فاغسله وفي الصحيح عن الفضل أبي العباس قال قال أبو عبد الله (ع) إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله
وإن مسحه جافا فأصب عليه الماء وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) في الخنزير يمس الثوب وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح
ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله وأما مسح الجسد فشئ ذكره بعض الأصحاب ولم يثبت. * مسألة: والبول إذا لاقى
الأرض والبواري والحصر وجففته الشمس كانت المحال طاهرة في قول الشيخين وابن إدريس وقال ابن الجنيد الأحوط تجنبها (تجنيبها) إلا أن يكون
ما يلاقيها من الأعضاء يابسا وقال قطب الدين الراوندي وابن حمزة يجوز الصلاة عليها وإن كانت نجسة وقال الشافعي في القديم أنها تطهر
مع الجفاف وهو قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد أنها تطهر بالجفاف وإن كان يغير الشمس وقال مالك وأحمد وأبو ثور وزفر والشافعي
في القول الآخر انها لا تطهر إلا بالماء. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ذكاة الأرض يبسها وعن ابن عمر قال كانت الكلاب
تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون من ذلك شيئا أخرجه أبو داود ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي
عبد الله (ع) قال سئل عن الشمس هل تطهر الأرض قال: إن كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة
على الموضع جائزة وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا فلا يجوز الصلاة عليه حتى ييبس وإن كانت رجلك أو جهتك رطبة أو
غير ذلك (منك) ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى ييبس وإن كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك وما رواه عن
علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن يغسل
قال: نعم لا بأس وما رواه عن أبي بكر عن أبي جعفر (ع) قال: يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر وقال ابن إدريس هذه رواية شاذة ونحن
نقول انها لا تحمل على إطلاقها بل على الأرض والبواري وشبههما توفيقا بين الأدلة وروى ابن بابويه في الصحيح عن زرارة قال سألت أبا
جعفر (ع) عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه فقال إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر ولان حرارة الشمس يفيد تسخينا
وهو يوجب تبخير الاجزاء الرطبة وتصعيدها والباقي تشربه الأرض فيكون الظاهر طاهرا قال الشيخ ويمكن أن يستدل بقوله (ع): جعلت
لي الأرض مسجدا وطهورا أيما أدركتني الصلاة صليت واعلم أن الشيخ لما استدل بخبري عمار وعلي بن جعفر نظر بعض المتأخرين فيه فوجد
الحديث الثاني غير دال على الطهارة بل على جواز الصلاة التزم بذلك وقال أنها غير دالة على جواز السجود عليها وعلى طهارتها واختار مذهب
الراوندي وليس ما ذكره بجيد ولان رواية عمار فرقت بين اليبوسة بالشمس وغيرها فجوز الصلاة في الأول دون الثاني ولو كان كما ذكره لم
يبق فرق بينهما أن المذهب جواز الصلاة على الأرض النجسة إذا لم تتعدى النجاسة وكان موضع السجود طاهرا ولان الاذن في الصلاة مطلقا
في الروايتين دليل على جواز السجود عليها إذ هو أحد أجزائها ومن شرط السجود طهارة المحل هذا بالنظر إلى هاتين الروايتين وأما رواية ابن بابويه
فهي صريحة بالطهارة وهي صحيحة ورواية أبي بكر الحضرمي أيضا تدل على الطهارة لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع
قال سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه هل يطهرها الشمس من غير ماء قال كيف تطهر من غير ماء والجواب من وجهين، أحدهما: أنها
مرسلة فلعل محمد اسأل من ليس بإمام فلا حجة فيها. والثاني: يحتمل أنها جفت بغير الشمس ويؤيد هذا التأويل رواية عمار احتج المخالف بقوله (ع):
أهريقوا على بوله سجلا من ماء والامر للوجوب ولأنه محل نجس ولا يطهر بغير الماء كالثياب والجواب عن الأول انه وافقه في غير جزئته؟؟ فلعلة كانت
فيها لا تصل الشمس إليه وأيضا الواجب تطهير ذلك الموضع والماء أسرع في ذلك من الشمس فالنبي صلى الله عليه وآله أمر بما هو أسرع أيضا إلى المقصود لحكمه التطهير
عن النجاسة الثانية في المسجد ولئلا يتأذى بها من يدخل جاهلا وعن الثاني: بالفرق إذ الأرض يعسر غسلها بخلاف الثوب ولا يلزم من اشتراط
الغسل في الأسهل اشتراطه في الأصعب ولا فرق بين بول الصحيح والمرطوب والمحرور وغيرهم للعموم. فروع: [الأول] لو جف بغير
الشمس لم يطهر عندنا قولا واحدا خلافا للحنفية. لنا: الأصل بعد ملاقاة النجاسة ثبوتها واستصحابها وما رويناه من حديث عمار وغيره
لا يقال قد روى ابن بابويه في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن البيت والدار لا يصيبها الشمس وتصيبها البول
ويغتسل فيها من الجنابة أيصلى فيهما إذا جفا قال: نعم وسأل عمار الساباطي أبا عبد الله (ع) عن البادية تبل فصبها بماء قذر هل
177

تجوز الصلاة عليها فقال إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها وذلك مطلق ولان الجفاف ثابت في الموضعين وذلك يقضي بزوال عين النجاسة
فلا وجه للتخصيص. والجواب عن الأول: بأنا نحملها على الصلاة عليها مع نجاستها إذا سجد على طاهر جمعا بين الاخبار، وعن الثاني: أنها مطلقة
فيقيد بما رواه عمار أيضا، وعن الثالث: بالفرق إذ مفارقة أجزاء النجاسة بالتسخين ليس مساويا لمفارقتها بالنشف. [الثاني] قال الشيخ
في الخلاف أن الأرض لو جفت بغير الشمس لم يطهر وقال في موضع آخر لو طلعت عليه الشمس أو هبت عليه الريح حتى زالت عن النجاسة فإنها
تطهر ويجوز السجود عليها والتيمم ترابها وإن لم يطرح عليها الماء فأخذ ابن إدريس عليه ذلك وهو جيد لأنه إن
اشترط مجموع الامرين نازعناه
ولا دليل عليه وإن جعل المطهر أحدهما لا بعينه فهو أشكل ويناقض لما ذكره أولا ويمكن الاعتذار بان الريح المزيلة لعين النجاسة هاهنا
المراد بها إذا زالت الاجزاء لان صبه الملاقية أيضا جمعا بين الكلامين. [الثالث] قال في المبسوط لو وقع الخمر لم تطهره الشمس لان حمله على
البول قياسا وقال في موضع منه آخر إن كانت النجاسة مائعة طهرت بالتجفيف من الشمس قال في الخلاف الأرض إذا أصابتها نجاسة
مثل البول وما أشبهه وطلعت عليه الشمس أو هبت عليها الريح حتى زالت عين النجاسة طهرت وما ذكره في المبسوط جيد لان الروايات الصحيحة
إنما تضمنت البول فالتعدية بغير دليل لا يجوز ورواية عمار وإن دلت على التعميم إلا أنها لضعف سندها لم يعول عليها. [الرابع] لا تطهر
غير الأرض والبادية والحصر وما يشبههما من المعمول من نبات الأرض غير القطن والكتان بالشمس من الثياب والأواني بغيرها مما ينقل ويحول أما ما لا
ينقل مما ليس بأرض كالنباتات وغيرها فالوجه الطهارة دفعا للمشقة. [الخامس] لا تطهر الكنيف وشبهه بالشمس قال ابن الجنيد لاختصاص إزالة
الشمس بالاجزاء الرطبة أما الاجزاء الترابية النجسة فلا وكذا لو اختلط التراب بعظم الكلب والخنزير وانسحقا وكذا ما أشبهها. [السادس]
يجوز التيمم بالأرض اليابسة بالشمس لأنها طاهرة وكذا السجود عليها. * مسألة: وتطهر الأرض من البول إذا وقع عليها ذنوب من ماء
بحيث يقهره وتزيل لونه ورائحته ويبقى الماء على الطهارة ذكره الشيخ وابن إدريس وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة لا تطهر الأرض حتى ينفصل
الماء فيكون المنفصل نجسا والأقرب عندي أنها لا تطهر بذلك. لنا: الأصل النجاسة فلا يزول إلا مع اليقين والماء الملاقي ماء قليل فينجس بالملاقاة
احتج الشيخ بما رواه أنس قال جاء اعرابي فبال في طايفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله فلما قضا بوله أمر بذنوب من ماء فاهريق
عليه والنبي صلى الله عليه وآله إنما يأمر بالطهارة بالمؤثر لا بما يزيد التنجيس فيلزم طهارة الماء أيضا. والجواب: ان هذه الرواية عندنا ضعيفة فيكيف يعول
عليها مع أنها معارضة بالأصل وبما رواه ابن معقل ان النبي صلى الله عليه وآله قال: جدوا ما بال عليه من التراب وأهريقوا على مكانه ماء
وما رواه أبو بكر بن عباس عن أبي وائل عن عبد الله ان النبي صلى الله عليه وآله قالم به فأمر فحفر وحديث ابن معقل مرسل قلنا هذا لا يتأتى منى
أبي حنيفة فإنه يعمل بالمرسل وأيضا فهي مؤثرة بالظن ومع ظن وجود المعارض لا يبقى حديثهم سليما وأيضا فيحتمل أنه إنما أمر بذلك بعد يبوسة
الأرض بالشمس كما ذكره بعض الجمهور. فروع: [الأول] لا تطهر الأرض من نجاسة البول وشبهه إلا بإجراء الماء الكثير عليه أو وقوع
المطر أو السيل بحيث يذهب أثرها أو بوقوع الشمس حتى يجف به بول قال الشيخ ويطهر أيضا بزوال الاجزاء النجسة أو بتطين الأرض بطين طاهر
وفي الحقيقة هذان غير مطهرين ما كان نجسا. [الثاني] لا فرق بين قليل المطر إذا وقع وكثيره إذا زال العين والأثر واعتبر أحمد وقوع
ما كان يقدر للذنوب عليه وليس عندنا هذا شئ لما رواه الجمهور بأن الصحابة والتابعين كانوا يخوضون المطر في الطرقات فلا يغسلن أرجلهم من
القذر ولان ماء المطر مطهر لكل ما يلاقيه على ما بان. [الثالث] لا تطهر الأرض مع وجود الرائحة واللون لان وجودها دليل على بقائها إلا
أن يعلم أن الرائحة لأجل المجاورة. [الرابع] لو كانت النجاسة جامدة ان بلت عينها ولو خالطت أجزاء التراب لم يطهر إلا بإزالة الجميع. * مسألة:
وتطهير الأرض أسفل الخف والنعل والقدم مع زوال النجاسة قال المفيد وإذا مس خف الانسان أو نعله نجاسة ثم مسحها بالتراب طهر بذلك
وقال ابن الجنيد لو وطي برجله أو ما هو وقا؟؟ لها نجاسة ثم وطي بعده على الأرض طاهرة يابسة طهر ما مس الأرض من رجله والوقاء ولو
مسحها حتى يذهب عين النجاسة وأثرها بغيرها أجزأه مع طهارة الممسوح به وهو اختيار الأوزاعي وإسحاق وإحدى الروايات عن أحمد والرواية الثانية
انه يجب غسله كسائر النجاسات والثالثة يجب غسله من البول والعذرة خاصة وقال أبو حنيفة النجاسة الجرمية إذا أصابت الخف ونحوه وجفت
ودلكها بالأرض طهرت وإن كانت رطبة لم تطهر بالغسل وقال أبو يوسف كما قلناه فقال محمد والشافعي في الجديد بالرواية الثانية عن أحمد. لنا:
ما رواه الجمهور عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا وطي أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب وفي لفظ آخر إذا وطي أحدكم
بنعليه الأذى فإن التراب له طهور وروت عائشة عنه صلى الله عليه وآله مثله وعن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا جاء
أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو اذى فليمسحه وليصل فيها وعن ابن مسعود قال كنا لا نتوضى من موطئ واخرج ذلك ابن داود
لان النبي صلى الله عليه وآله والصحابة كانوا يصلون في نعالهم مع أنه لا ينفك غالبا عن ملاقاة نجاسة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
عن جعفر بن أبي عيسى قال قلت لأبي عبد الله (ع) إني وطئت عذرة بخفي ومسحته حتى لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة فيه فقال: لا بأس وما
178

رواه في الصحيح عن زرارة بن أعين قال قلت لأبي جعفر رجل وطأ على عذرة فساحت رجله فيها انتقض ذلك وضوءه وهل يجب عليه غسلها فقال:
لا يغسلها إلا أن يقذرها ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي وما رواه ابن يعقوب في كتابه في الصحيح عن الأحول عن أبي عبد الله (ع)
في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا قال: لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك وما رواه ابن يعقوب
في الحسن عن محمد بن مسلم قال كنت مع أبي جعفر (ع) إذ مر على عذرة يابسة فوطأ عليها فأصابت ثوبه فقلت جعلت فداك قد وطيت على
عذرة فأصابت ثوبك فقال: أليس هي يابسة؟ فقلت بلى، فقال: لا بأس ان الأرض يطهر بعضها بعضا وما رواه ابن يعقوب في الصحيح عن الحلبي قال نزلنا
في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر فدخلت على أبي عبد الله (ع) فقال أين نزلتم فقلت نزلنا في دار فلان فقال إن بينكم وبين المسجد زقاقا قذرا
أو قلنا له أن بيننا وبين المسجد زقاقا قذرا فقال لا بأس أن الأرض يطهر بعضها بعضا فقلت السرقين الرطب أطأ عليه قال: لا يضرك مثله ولان
الخف والنعل لا ينفكان عن ملاقاة النجاسة فلو افتقر باقي إزالتهما عنهما على الماء كان حرجا والتراب من طبعه إحالة ما يلاقيه فإذا زالت
العين أزالت النجاسة احتج الشافعي ومحمد بأن النبي صلى الله عليه وآله قال في نعليه أن فيها قذر وبان مدة عين تنجست بإصابة النجاسة فلا يطهر
بغير الغسل كغيرها من الأعيان والدلك لا يذهب جميع أجزاء النجاسة واحتج أبو حنيفة على الفرق بأن الجلد صلب لا من شرب كثير النجاسة فيبقى الرطوبة
على ظاهره فإذا جفت النجاسة عادت الرطوبة إلى جرمها ويزول لزواله ولا كذلك الرطب والجواب عن الأول: أنه (ع) لم يعلم بقدرهما فلم يدلكها
حتى أخبره جبرئيل (ع) بأنها قذرة فنزعهما. وعن الثاني: أنه قياس في معرض النص فلا يكون مقبلا وأيضا فالفرق ظاهر بلزوم المشقة إذ الغالب
ملاقاة النجاسة وكان الانسان دائما لا ينفك عن الغسل وعن الثالث: ان فعل التراب في الإزالة واحد في البابين ولان الروايات ظاهر العموم
والعمل بها. فروع: [الأول] قال بعض أصحابنا ان أسفل القدم حكمه حكم الخف والنعل ويدل عليه رواية زرارة وعندي فيه توقف.
[الثاني] لو دلكهما قبل جفاف النجاسة أو بعدها استويا إذ زالت العين عملا بمطلق الروايات خلافا لبعض الجمهور. [الثالث]
الدلك مطهر خلافا لبعض الجمهور لرواية أبي هريرة ومن طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم والحلبي. * مسألة: الجسم الصيقل كالسيف و
المرآة وشبههما إذا لاقته نجاسة قال السيد المرتضى تطهر بالمسح المزيل للعين وبه قال أبو حنيفة قال الشيخ ولست أعرف به أثرا والظاهر أنه
لا يطهر إلا بالغسل بالماء وبه قال الشافعي والأقرب عندي ما قاله الشيخ لقوله تعالى: (فأنزل من السماء ماء ليطهركم به) فلو كان غيره مطهرا لكان
التخصيص في معرض الامتنان منافيا للغرض ولان حصول النجاسة معلوم فيفتقر في زوال حكمها إلى دليل احتج السيد المرتضى بإن المسح يزيل
عين النجاسة والحكم بالتنجيس تابع ويرتفع بارتفاع المتبوع. والجواب: ان المسح إنما يزيل عين النجاسة الطاهرة أما الاجزاء الملاصقة فلا ولان
النجاسة الرطبة يتعدى حكمها إلى الملاقي ولا تطهر بزوالها. * مسألة: الأعيان النجسة إذا استحالت فقد تطهر في مواضع قد وقع الاتفاق
على بعضها ونحن نعدها ها هنا. {الأول} الخمر إذا انقلب طهر إجماعا وقد تقدم البحث فيه. {الثاني} جلود الميتة إذا دبغت قال بعض الجمهور
انها تطهر واتفق علمائنا إلا ابن الجنيد على خلافه وسيأتي. {الثالث} النطفة والعلقة إذا تكونتا إنسانا طهرتا إجماعا من القائلين بالتنجيس
وكذا الدم إذا صار قيحا أو صديدا عند علمائنا. {الرابع} إذ وقع الخنزير وشبهه في ملاحة فاستحال ملحا والعذرة في البئر فاستحالت حماة لم تطهر
وهو قول أكثر أهل العلم خلافا لأبي حنيفة. لنا: ان النجاسة قائمة بالاجزاء بالصفات والاجزاء باقية ومغايرة لا يخرجها عن الذاتية
ولان نجاستها لم تحصل بالاستحالة فلا تزول بها واحتج بالقياس على الخمر والجواب الفرق بينهما بما ذكرناه من حصول نجاستها بالاستحالة دون
ما نحن فيه. [الخامس] الأعيان النجسة إذا أحرقت بالنار وصارت رمادا طهرت قاله الشيخ وهو مذهب أبي حنيفة وخالف فيه الشافعي وأحمد. لنا:
على الطهارة ما رواه حسن بن محبوب قال سألته أبا الحسن (ع) عن الجص يوقد عليه عذرة وعظام الموتى ويجصص المسجد ويسجد عليه فكتب إلي
بخطه ان الماء والنار قد طهراه وفي الاستدلال بهذه إشكال من وجهين، أحدهما: ان الماء الممازج هو الذي يحل به وغير ذلك غير مطهر إجماعا.
الثاني: انه حكم بنجاسة الجص ثم بتطهيره وفي نجاسته بدخان الأعيان النجسة إشكال والأقرب أن يقال النار أقوى إحالة من الماء فلكما أنه
مطهر فالنار أولى لان الناس بأسرهم لم يحكموا بنجاسة الرماد إذ لا يتوقعون منه ولو كان نجسا لتوقوا منه قطعا. [السادس] قال
الشيخ اللبن المضروب من الطين النجس إذا طبخ آجرا وعمل خزفا طهرته النار واستدل بالحديث الأول وفيه إشكال وقال الشافعي لا تطهره بذلك
[السابع] لو استحال دبس النجس إلى الخل لم يطهر لاختصاص التطهير بالاستحالة بنجاسة الخمرية. [الثامن] لو صارت الأعيان النجسة
ترابا فالأقرب الطهارة لان الحكم معلق على الاسم ويزول بزواله ولقوله (ع) التراب طهور المسلم جعلت لي الأرض مسجدا و
ترابها طهورا. [التاسع] العجين إذا كان ماؤه نجسا لم تطهر النار إلا بصيرورته رمادا ولا يجوز أكله وقال الشيخ في موضع من النهاية
ان النار قد طهرته وفي موضع آخر انها لا تطهره. لنا: ما رواه الشيخ عن زكريا ابن آدم قال قلت لأبي الحسن (ع) فخمر أو نبيذ قطر في عجين
أو دم قال فقال فسد قلت أبيعه من اليهود من اليهود والنصارى وأبين لهم قال نعم فإنه يستحلون شربه فلو كانت النار تطهره لبينه له وما رواه
179

في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال: يدفن ولا يباع احتج المخالف بما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن عبد الله بن الزبير
عن جده قال سألت أبا عبد الله (ع) عن البئر يقع فيها الفأرة وغيرها من الدواب فيموت فيفجر من مائها أيؤكل ذلك الخبز قال إذا أصابه النار
فلا بأس أكله وعن ابن أبي عمير عمن رواه عن أبي عبد الله (ع) في عجين عجن وخبز ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة قال: لا بأس أكلت النار ما فيه.
والجواب عن الرواية الأولى: بضعف سندها فإن في طريقها أحمد بن الحسين الميثمي وهو واقفي والرواية الثانية: مرسلة، وإن كانت مراسيل بن
أبي عمير معمولة بها إلا أنها معارضة بالأصل فلا يكون مقبولة ولان النار لم تحله بل خففه وزالت عنه بعض الرطوبة فالنجاسة موجودة
أما ما تضمنه للرواية من البيع ففيه نظر والأقرب أنه لا يباع لرواية ابن أبي عمير فإن استدل بما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا وما
أحسبه الا حفص بن البختري قال قيل لأبي عبد الله (ع) عن العجين يعجن في الماء النجس كيف يصنع به قال قال: يباع ممن يستحيل أكل الميتة
والجواب: انها معارضة لما قدمناه ويمكن أن يحمل على البيع على غير أهل الذمة وإن لم يكن نتفا في الحقيقة
ويجوز إطعامه الحيوان
المأكول اللحم خلافا لأحمد لان النبي صلى الله عليه وآله قال للقوم الذين اختبروا من آبار الذين مسخوا علقوا النواضح وقال مالك والشافعي
يطعم البهائم وقال ابن المنذر لا تطعم شيئا لان النبي صلى الله عليه وآله سئل عن لحوم الميتة يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستنضح به الناس
فقال: لا هو حرام. والجواب: النهي وقع عن الميتة وليس محل النزاع ولا شبهه. [العاشر] الصابون إذا انتقع في الماء النجس والسمسم والحنطة
إذا انتقعا كان حكمها حكم العجين وقال أبو يوسف: الحنطة والسمسم والخشبة إذا تنجست بالماء واللحم إذا كان مرقه نجسا يطهر بأن يغسل ثلثا
ويترك حتى يجف في كل مرة فيكون ذلك كالعصر وهو الأقوى عندي لأنه قد ثبت ذلك في اللحم مع جريان أجزاء الماء النجسة فيه فكذا ما ذكرناه.
فرع: لا بأس أن يطعم العجين النجس الدواب إذ لا تحريم في حقها والمحرم عن المكلف يناولها ولم يحصل ولان فيه نفعا فكان سائغا وخالف
فيه بعض الجمهور وهو باطل لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: للقوم الذين اختبروا من آبار الذين مسخوا علقوا النواضح و
يجوز أن يطعم لما يؤكل في الحال خلافا لأحمد وكذا ما يجلب لبنه وقت أكله عملا بالاطلاق. [الحادي عشر] الدهن النجس لا يطهر بالغسل
نعم لو صب في كر ماء ومازجت أجزاء الماء أجزاء واستظهر على ذلك بالبصر بل بحيث يعلم وصول أجزاء الماء إلى جميع أجزائه طهر. [الثاني عشر]
طين الطريق ما لم يعلم فيه نجاسة بناء على الأصل نعم يستحب إزالته بعد ثلاثة أيام وللشافعي قولان، أحدهما: وجوب الإزالة لعدم انفكاكه
من النجاسة. والثاني: الاستحباب وكذا البحث في الميازيب الجارية من المطر وغيره الأصل فيه الطهارة ما لم يعلم نجاسته وللشافعي قولان، أحدهما:
الوجوب لعدم انفكاك السطوح من النجاسات. [الثالث عشر] دخان الأعيان النجسة طاهر عندنا لخروجها عن المسمى خلافا لأحمد أما
البخار المتصاعد من الماء النجس إذا اجتمعت منه نداوة على جسم صيقل ويقاطر فإنه نجس إلا أن يعلم بكونه من الهوى كالقطرات الموجودة
على طرف إناء في أسفله جمد نجس فإنها طاهرة. * مسألة: وإذا كان حصول النجاسة في الثوب أو البدن معلوما وجب غسل ما أصابه وإن
كان مشكوكا يستحب نضحه بالماء لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا إبراهيم (ع) في رجل يبول بالليل
فيحسب أن البول أصابه ولا يستيقن فهل يجزيه أن يصب على ذكره إذا بال ولا يتنشف قال يغسل ما استبان أنه أصابه وينضح ما يشك فيه
من جسده وثيابه ويتنشف قبل أن يتوضأ فروي في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) فإنه ظن أنه أصابه مني ولم يستيقن ولم ير مكانه
فلينضحه بالماء وإن كان استقين أنه فقد أصابه ولم ير مكانه فليغسل ثوبه كله فإنه أحسن. * مسألة: وروي استحباب النضح في مواضع آخر
منها: في المذي رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله (ع) وفي الصحيح عن محمد عن أحدهما (ع). ومنها: في الكلب
إذا أصاب الثوب يابسين وقد تقدم. ومنها: في الخنزير إذا أصاب الثوب كذلك. ومنها: في الفأرة إذا لاقت الثوب وهي رطبة ولم تر الموضع
رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع). ومنها: في بول الدواب والبغال والحمير إذا شك في إصابتها الثوب رواه الشيخ
في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع). ومنها: في الثوب يصيبه عرق الجنب رواه الشيخ علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع).
ومنها: في بول البعير والشاة رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) وروى الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد
الله (ع) سألته عن الرجل إذا قص أظفاره بالحديد وأخذ من شعره أو حلق قفاه فعليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلي والأقرب أنه على الاستحباب
* مسألة: وإذا علم بموضع النجاسة وجب غسله وإذا أشتبه وجب غسل كل ما يحتمل أصابه النجاسة له فإذا لم يعلم جهتها من الثوب أو البدن وجب غسل الجميع منهما وإن
علمها في إحدى جهتها وجب غسل تلك الجهة كلها وهو قول علمائنا أجمع وبه قال النخعي والشافعي ومالك وأحمد وقال عطا والحكم والحماد إذا
خفيت النجاسة في الثوب نضحه كله وقال ابن سيرين يتحرى مكان النجاسة فيغسله. لنا: قوله تعالى: (وثيابك فطهر) ومع تطهير أحد المواضع
المشكوك فيها لا يحصل الامتثال ولأنه متيقن للمانع بين الدخول في الصلاة فلم يبيح إلا بيقين الزوال كالمتيقن للحدث إذا شك في الطهارة
وإما النضح فلا يزيل النجاسة فلا يكون مجزيا ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد عن أحدهما (ع) وقال في المني الذي يصيب الثوب قال
180

إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي عليك مكانه فاغسله كله وعن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن المني يصيب
الثوب فقال: إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي عليك مكانه فاغسله كله وعن سماعة قال سألته عن بول الصبي يصيب الثوب قال: فاغسله
قلت فإن لم أجد مكانه قال فاغسل الثوب كله وفي الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) واستيقن أنه قد أصابه مني ولم ير مكانه فليغسل
الثوب كله فإنه أحسن وعن يونس عمن رواه عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا أصاب ثوبك خمرا أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت فإن لم
تعرف موضعه فاغسله كله فإن صليت فيه فأعد صلاتك احتج المخالف بما رواه سهل بن أبي حنيف عن النبي صلى الله عليه وآله في المذي
قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله فكيف بما أصاب ثوبي منه قال: يجزيك أن تأخذ كفا من ماء فينضح به حيث ترى أنه أصاب منه فأمر
بالتحري والنضح. والجواب: أن المذي عندنا طاهر ويستحب نضحه فلا احتجاج به ولأنه حكم في نجاسة عينية عند القائلين بنجاسته والنجاسات قد تختلف
في الاحكام فلا يتعدى إلى غيرها لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قلت فإني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله قال يغسل
من ثوبك الناحية التي يرى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك وهذا دليل التحري لأنا نقول أما أولا: فزرارة لم يسندها إلى
إمام فلا احتجاج بها. وأما ثانيا: فإن الرواية ها هنا بمعنى العلم ويكون الواجب عليه غسل الناحية التي يعلم وصول النجاسة إليها بأجمعها
وإن كانت النجاسة حصلت في جزؤ منها فيكون على يقين من الطهارة وهذا التعليل في الرواية يدل على ما ذكرناه. فروع: [الأول]
لو تيقن حصول النجاسة غير المعفو عنها في أحد الثوبين وجهل اليقين وجب عليه غسلهما معا وهو قول علمائنا أجمع وقول أحمد وأبي ثور والمزني
وابن الماجشون وجوب غسل واحد متيقن لقوله تعالى: (وثيابك فطهر) والنجاسة متيقنة ولا وجه للتخصيص إذ كل ثوب يحتمل أن يكون هو النجس
فأما أن لا يجب غسل شئ منهما وهو باطل إجماعا أو يجب غسل الجميع وهو المطلوب. [الثاني] لا يجوز لها التحري فيهما بل يصلي في كل واحد منهما
الصلاة المعينة لو لم يتمكن من غسلهما وهو قول أكثر علمائنا وذهب إليه أحمد وأبي الماجشون وحكى الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا طرحها
وان يصلى عريانا واختاره ابن دريس وبه قال أبو ثور والمزني وقال الشافعي وأبو حنيفة يتحرى فيهما فإن غلب ظنه على طهارة أحدهما صلى فيه
وإلا نزعهما وصلى عريانا وأعاد. لنا: أنه أمكنه إذ الصلاة بيقين الطهارة من غير مشقة فيجب عليه كما اشتبه بتعيين الصلاة المنسية ويؤيده
ما رواه الشيخ في الحسن عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (ع) قال كتبت إليه أسأله عن رجل كان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم
يدر أيهما هو وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع قال: يصلي فيها احتج ابن إدريس بأن الواجب عليه عند افتتاح كل صلاة القطع
بطهارة الثوب ولا يجوز الدخول مع الشك وهذا الشرط غير حاصل منها ولا يجوز أن تكون صلاته موقوفة على تطهر بعد فإن كون الصلاة واجبة
وجهة يقع عليه الصلاة فلا يؤثر فيه ما بعده واحتج أبو ثور والمزني بالقياس على الأواني واحتج الشافعي وأبو حنيفة بالقياس عليهما أيضا
وعلى القبلة. والجواب عن الأول: بالمنع من اشتراط القطع فإنه نفس النزاع إذ هو شرط مع القدرة لا قدرة مع الاشتباه قوله وجوب الصلاة
وجه يقع عليه الصلاة فلا يؤثر فيه ما بعده وهو اليقين بالبراءة عقيب الصلاتين قلنا هذا بناء على اعتقادنا أنك تقول إحدى الصلاتين
واجبة والأخرى غير واجبة فإذا فعلها حصل له التيقن بفعل الواجب ونحن لا نقول به بل الصلوتان معا واجبتان لكن أحدهما بالذات والأخرى
لأجل الاشتباه كما في القبلة في الصلاة المنسية ثم يقول إن اشترطت القطع لعدم النجاسة فهو غير محقق وتكليف ما لا يطاق وإن اشترطت
عدم الغسل بالنجاسة فهو ثابت عند الصلاة لكل واحد من الثوبين. وعن الثاني بالفرق بين الأواني والثياب آدب استعمال النجس ينجز وذلك
يمنعه من صحة صلاته في الحال وفيما بعد ولان الثوب النجس قد يجوز الصلاة فيه بخلاف الماء النجس. وعن الثالث: بالمنع عن ثبوت الحكم في
الأصل أما الأواني فقد بينا أنه لا يجوز التحري فيها وأما القبلة فكذلك لما يأتي وأيضا فالفرق قد يظهر بين الأواني وبين الثوبين
وأما بين القبلة وبينهما فإن القبلة تكسر الاشتباه فيها بخلاف الثوبين فسقط اليقين فيها لمشقة ولان الاشتباه في الثوبين حصل بتفريطه
إذا كان ينبغي له غسل النجس قبل الاشتباه أو تعليمه ولا يمكن ذلك في القبلة ولان الأدلة قائمة في القبلة كالنجوم والشمس والمغرب والمشرق
فيصح الاجتهاد فيها ويقوى دليل الإصابة بحيث يضعف وهما الخط جدا بخلاف ثوبين وأيضا ينقص ما ذكروه بإجزاء الثوب الواحد
قد بطل فيه حكم الأصل فلم يجز التحري. والجواب: أن البحث في الثوب كله حتى يبطل فيه حكم الأصل بل في أجزائه. [الثالث] لو تعدد
الثياب النجسة صلى بعددها وزاد صلاة على ذلك العدد ولم يجز له التحري كالثوبين خلافا لبعض الحنابلة حيث فرق بينهما وهو غلط
لأنه إذا صلى في عدد النجس بأجمعه فإن حصل له صلاة في طاهر برئت ذمته وإلا وجب عليه أن يصلي في آخر فيحصل له اليقين ولأنه إذا
جاز له التحري بين متيقن النجاسة والطاهر كان جواز التحري بين مشتبه النجس والطاهر أولى. [الرابع] لو صلى الظهر في أحدهما ثم كررها
في الآخر صحت له الظهر ولو صلى الظهر في ثوب ثم العصر في آخر ثم الظهر فيه ثم العصر في الأول صحت الظهر لا غير ووجب عليه إعادة العصر في الثاني.
[الخامس] لو نجس أحد الكمين واشتبها لم يجز له التحري وغسلهما معا لما سبق أو نزعه وصلى عريانا إن لم يجد ماء وثوبا آخر وبه قال أبو إسحاق
181

من الشافعية وقال أبو العباس عنهم يجوز له التحري ولو فصل أحد الكمين من الآخر اتفقوا على جواز التحري والاجتهاد لان الطاهر قد تميز
من النجس بخلاف الصورة الأولى لأنها في ثوب واحد ولو شق الثوب بنصفين والنجاسة فيه مشتبهة لم يجز له أن يتحرى فيها إجماعا منا و
منهم لجواز ينقسم النجاسة فيهما فلم يبطل ما حكموا به من الانتقال من حكم الأصل فيه مع هذا الجواز ولو كان الثوب واحد أو نجس
موضع منه ولم يعرف موضعه لم يجز له التحري عند الشافعي أيضا قولا واحدا بخلاف الكمين فإن فيه وجهين ولو تيقن نجاسة أحد البيتين
لم يجز التحري عندنا وصلى في غيرهما وقال الشافعي يجوز ولو أصاب موضعا من بيت كالثوب. [السادس] لو غسل النجس بالاشتباه صحت
الصلاة فيه قطعا لطهارته أما الآخر فإنه باق على المنع إذ احتمال النجاسة موجود فيه لجواز أن يكون المغسول هو الطاهر. [السابع] لو جمعهما
وصلى فيهما لم تصح صلاته سواء غسل أحدهما أو لم يغسل وسواء غسل مع عدم الاجتهاد أو معه أو مع عدم الغسل فلانه صلى في ثوب نجس
متيقن النجاسة وأما إذا غسل أحدهما فلانه جمع بين الثوبين فقد صار في حكم الثوب وقد تقدم حصول النجاسة ولم يتيقن زوالها لجواز أن
يكون المغسول هو الطاهر فكان حكمه حكم الثوب الواحد إذا أصاب بعضه نجاسة وهذا اختيار أبي إسحاق من الشافعية وذهب أبو العباس من
شريح منهم إلى صحة صلاته لان أحد الثوبين طاهر قطعا وهو المغسول والآخر طاهر بالاجتهاد وذلك يجري مجرى اليقين ولهذا يجوز الصلاة
فيه فإذا جمعها جاز الصلاة فيها بخلاف الثوب الواحد الذي لا يجوز الاجتهاد فيه فلا يحصل الحكم بطهارة
جميعه وها هنا قد صح الاجتهاد
فثبت حكمه وهذا إنما يتأتى على قولهم في جواز التحري في الثوبين أما عندنا فلا. [الثامن] لو كان معه ثوب متيقن الطهارة تعين الصلاة
ولم يجز له أن يصلي في الثوبين لا متعددة ولا منفردة ولو كان أحدهما طاهرا والآخر نجسا معفو عنها تخير في الصلاة في أيهما كان
والأولى له الصلاة في الطاهر وكذا لو كانت إحدى النجاستين المعفو عنها في الثوب أقل من الأخرى كان الأولى الصلاة في الأقل. * مسألة:
لو لم يكن معه إلا ثوب نجس ولم يتمكن من تطهيره قال الشيخ في المبسوط والنهاية والخلاف بنزعه ويصلي عريانا بالايماء ولا إعادة عليه واختاره
ابن البراج في الكامل وابن إدريس وهو قول الشافعي قال في البزنطي وقد قيل أنه يصلي ويعيد قال أصحابه وليس هذا مذهبه بل حكاية عن غيره
وقال مالك يصلي فيه ولا إعادة عليه وبه قال محمد بن الحسن والمزني وقال أبو حنيفة إن كان أكثره طاهر ألزمه الصلاة فيه ولا إعادة وإن كان أكثره
نجسا تخير في صلاة غيره وعريانا ولا إعادة في الموضعين احتج الشيخ بما رواه زرعة عن سماعة قال سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض
ليس عليه إلا ثوب واحد وأجنب وليس عنده ماء كيف يصنع قال يتيمم ويصلي عريانا قاعدا ويؤمي وروي عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله
(ع) في رجل أصابته نجاسة وهو بالفلاة وليس عليه إلا ثوب واحد وأصاب ثوبه مني قال: يتيمم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعا فيصلي ويؤمي
إيماء ولان الصلاة مع العري يسقط بها الفرض ومع النجاسة لا يسقط لأنه يجب إعادتها وقد روى أصحابه أنه يصلي فيه روى ذلك
الشيخ عن محمد الحلبي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس سمه ثوب غيره قال يصلي فيه إذا اضطر
إليه وروي عن أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن رجل يجنب في ثوب وليس معه غيره ولا يقدر على غسله قال: يصلي فيه
وجمع الشيخ بين هذه الأخبار في الخلاف بجواز الصلاة فيه مع الاضطرار من برد وغيره وبوجوب النزع مع عدمه لرواية الحلبي وجمع في التهذيب
بأنه يجوز الصلاة فيه إلا أنه يجب عليه عند وجود الماء غسله وإعادة الصلاة واحتج بما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع)
أنه سئل عن رجل ليس معه إلا ثوب ولا تحل الصلاة فيه وليس يجد ما يغسله كيف يصنع قال: يتيمم ويصلي فإن أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة
والأقرب عندي ان المصلي مخير بين الصلاة عاريا وبين الصلاة فيه لان ستر العورة شرط وطهارة الثوب شرط فلا أولوية لاعتبار أحدهما
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب صوب نصفه دم أو
كله يصلي فيه أو يصلي عريانا فقال: إن وجد ماء غسله وإن لم يجد ماء صلى فيه ولم يصل عريانا وهذه الرواية وإن دلت على أنه لا يصلي عريانا
لان الروايات المتقدمة قد دلت على الصلاة عاريا فقلت بالتخيير بينهما وأما الجمع الأول للشيخ لرواية الحلبي غير سليمة عن الطعن ومع ذلك
فإن الاضطرار يكفي فيه عدم التمكن من غيره والجمع الثاني ضعيف ورواية عمار لا تعويل عليها. فرع: لو صلى عاريا لم يعد الصلاة قولا
واحدا ولو صلى في الثوب فالأقرب أنه لا يعيد أيضا وإن كان الشيخ قد أوجب عليه الإعادة مع التمكن من غسل الثوب معولا على رواية عمار وهي
عندنا ضعيفة والأصل صحة الصلاة إذ الامر يقتضي الاجزاء. * مسألة: من صلى في ثوب نجس نجاسة مغلظة عالما بنجاسته متمكنا
من غيره أو غسله لم تصح صلاته ووجب عليه إعادة الصلاة في الوقت وخارجه وهو قول علمائنا أجمع وذهب إليه أكثر أهل العلم ونقل عن
مالك أنه قال: إذا صلى بالنجاسة أعاد في الوقت وهذا يفهم منه أنه لا يوجب الإعادة خارجا وعن ابن مسعود أنه نحر جزورا فأصابه من فرثه
ودمه فصلى ولم يغسله. لنا: قوله تعالى: (وثيابك فطهر) وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله كيف يصنع إحدانا بثوبها إذا رأت
الطهر أتصلي فيه قال: ينظر فيه فإن رأت فيه دما فليقرضه بشئ من الماء ولينضح ما لم تر ولتصل فيه جعل الطهارة شرطا ومع الاخلال به تبطل
182

الصلاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك
إعادة الصلاة لأنه أخل بالشرط فيبطل المشروط تحقيقا لمعنى الشرط. * مسألة: ولو صلى في ثوب نجس جاهلا فله حالتان الأولى: سبق
العلم ولنا فيه روايتان، إحديهما: وجوب الإعادة في الوقت والقضاء خارجه روى الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قلت أصاب ثوبي دم رعاف
أو غيره أو شئ من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء فأصيبت وحضرت الصلاة فنسيت أن بثوبي شيئا وصليت ثم إني ذكرت بعد ذلك قال:
تعيد الصلاة وتغسله وعن منصور عن أبي عبد الله (ع) قلت له رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل وصلى فلما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة
فقال: الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلا وقد جعل له حد إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه وإن كان حين قام ولم ينظر فعليه الإعادة وعن مسير قال قلت لأبي عبد الله (ع) أمر الجارية فتغسل ثوبي
من المني فلا تبالغ في غسله فأصلي فيه ما دام هو يابس قال: أعد صلاتك اما أنك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شئ وروى في الحسن عن محمد بن
مسلم قال فإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدراهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت منه وما روى في الموثق عن أبي بصير
عن أبي عبد الله (ع) قال: أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه وإن هو علم قبل أن يصلي فنسي وصلى فعليه الإعادة
وعن سماعة عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يرى في ثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلي قال: يعيد صلاته كي يهتم بالشئ إن كان في ثوبه عقوبة
لنسيانه وبمثله روى في الصحيح عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) وفي الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) وروى في الحسن عن
عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم قال: إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلي ثم صلى فيه
ولم يغسله فعليه أن يغتسل ما صلى وإن كان يرى أنه أصاب شئ فنظر فلم ير شيئا أجزأه ان ينضحه بالماء وبهذه الروايات أفتى الشيخ في النهاية في باب
الجنابة وأطلق في غيرها وقال في المبسوط والخلاف بمثل ما قاله في النهاية من وجوبه الإعادة مطلقا وادعى ابن إدريس الاجماع فيه وهو اختيار المرتضى في
المصباح وابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه وهو إحدى الروايتين عن أحمد ومذهب الشافعي لأنه أخل بالشرط مع تمكنه وتحصيله فلزمه القضاء الرواية الثانية
أنه لا يعيد وهو الرواية الأخرى عن أحمد لان النسيان معفو عنه لقوله (ع) عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وهو رواية الشيخ في الصحيح عن العلا عن أبي عبد
الله (ع) قال سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشئ ينجسه فينسى أن يغسل فيصلي فيه ثم ذكر أنه لم يكن غسله أيعيد الصلاة قال: لا يعيد قد مضت
الصلاة وكتبت له قال الشيخ في الاستبصار الوجه في هذا الخبر أنه يحمل على أنه يكون قد مضى الوقت لأنه متى نسي غسل الجنابة عن الثوب إنما يلزمه إعادتها
ما دام في الوقت فإذا مضى الوقت فلا إعادة عليه وهو ينافي ما ذكره في كتبه واستدل على التأويل بما رواه علي بن مهزيار قال كتب إليه سليمان بن
رشيد يخبره أنه بال في ظلمة الليل وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه ولم يره وأنه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله ويمسح بدهن فمسح به
كفيه ووجهه ورأسه ثم توضى وضوء الصلاة فصلى فأجاب بجواب قرأته بخطه: أما ما توهمت مما أصاب يديك فليس بشئ إلا ما تحقق فإن تحققت ذلك
كنت حقيقا أن تعيد الصلاة اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها وما فات وقتها فلا إعادة عليك (لها) من قبل أن الرجل
إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت وإن كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتيته لان الثوب
خلاف الجسد فاعمل على ذلك إن شاء الله وهذا التأويل لا بأس به. الحالة الثانية: لو لم يسبقه العلم لم يعلم حتى فرغ من الصلاة فيه روايتان
لعلمائنا وقولان بحسبهما، إحديهما: لا يعيد مطلقا وأفتى الشيخ به في موضع من كتاب النهاية والاستبصار واختار المفيد والسيد المرتضى وابن
إدريس وهو قول ابن عمر وعطا وسعيد بن المسيب وسالم ومجاهد والشعبي والنخعي والزهري ويحيى الأنصاري وإسحاق وابن المنذر وهو الأقوى
عندي. الثانية: يعيد في الوقت لا خارجه اختاره الشيخ في باب المياه من كتاب النهاية وفي المبسوط وبه قال ربيعة ومالك وأكثر علمائنا على أنه
لا يعيد خارج الوقت وهو قول أكثر أهل العلم خلافا لأبي قلابة والشافعي. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي سعيد قال بينا رسول الله صلى الله عليه
وآله يصلي بأصحابه إذ خلعا نعليه فوضعهما عن يساره فخلع الناس نعالهم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله صلاته قال: ما حملكم على إلقائكم
نعالكم قالوا أريناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، قال: إن جبرئيل (ع) أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا رواه أبو داود ولو اشترطت الطهارة مع عدم العلم
لا يستأنف ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة انسان
أو سنور أو كلب أيعيد صلاته قال إن كان لا يعلم فلا يعيد وما رواه في الصحيح عن العيص بن القسم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل صلى في
ثوب رجل أياما ثم إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلي فيه قال لا يعيد شيئا من صلاته وعن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (ع)
قال: ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم وفي الصحيح عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال وسألته عن رجل صلى وفي ثوبه
بول أو جنابة أو دم حتى فرغ عن صلاته ثم علم قال: مضت صلاته ولا شئ عليه وانه حينئذ مأمور بالصلاة فمع الامتثال يحصل الاجزاء وقد روى
الشيخ في الصحيح عن وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الجنابة يصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم بعد قال: (لا) يعيد
إذا لم يكن علم وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن رجل صلى وفي ثوبه بول أو جنابة فقال علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم والوجه في
183

هاتين الروايتين سبق العلم وعدمه حال الصلاة احتج الشيخ بأنه يجب عليه لو علم في الصلاة الإعادة فكذا إذا علم في الوقت بعد الفراغ واحتج الشافعي
بأنها طهارة مشترطة للصلاة فلم يسقط بجهلها كطهارة الحدث. والجواب عن الأول: بالمنع من الإعادة وسيأتي البحث فيه ولو سلم فالفرق حاصل إذ
الدخول ليس كالفراغ، وعن الثاني: بالفرق بين الطهارتين فإن طهارة الحدث أكد إذ لا يعفى عن سرها بخلاف هذه. فروع: [الأول] لو دخل
في الصلاة ولم يعلم ثم تجدد له بسبق النجاسة على الصلاة في أثنائها فيه روايتان، إحديهما: يعيد الصلاة من رأس وهي رواية زرارة
في الصحيح قلت إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة قال: تنقض الصلاة وتعيد وفي هذه الرواية نظر ان زرارة لم يسندها إلى إمام وإن كان
الغالب على الظن ذلك وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما يدخل الصلاة
فعليك إعادة الصلاة ثم قال يعيد كلام وكذلك البول وهذه الرواية مناسبة للقائلين بوجوب الإعادة بعد الفراغ في الوقت. الثانية:
الاتمام روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته
كيف يصنع قال: إن كان دخل في صلاته فليمض وفي الاستدلال بهذه الرواية نظر إذ يمكن أن يكون الإصابة مع يبوستها وهو الأظهر
إذ الأصل عدم الرطوبة ويؤيده تتمة الحديث وهو قوله وإن لم يكن دخل صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله وروى
الشيخ عن الحسن عن محمد بن مسلم قال قلت الدم يكون في الثوب علي وأنا في الصلاة قال: إن رأيت وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل فإن لم يكن
عليك غيره فامض في صلاتك وإلا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشئ رأيته أو لم يره. الحديث وفيه نظر إذ محمد بن
مسلم لم يسندها إلى إمام وبنحو هذه الرواية أفتى الشيخ في النهاية والمبسوط فإنه قال: إن كان عليه غيره طرحه وأتم وإلا طرحه وأخذ ما يستر عورته
إن كان بالقرب منه بشئ ويتم إن لم يكن بالقرب شئ ولا عنده غيره تناوله قطع الصلاة وأخذ ما يستر به عورته
واستأنف الصلاة قاله في
المبسوط ولو لم يملك ظاهرا أصلا تتم صلاته من قعود إيماء وهو الحق عندي إذا عرفت هذا فكل موضع يجب إعادة الصلاة إنما يجب إعادة
صلاة واحدة سواء كانت النجاسة رطبة أو يابسة وسواء كانت في الصيف أو الشتاء وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن كانت رطبة أعاد
صلاة واحدة وكذا إن كانت يابسة في الصيف وإن كانت يابسة في الشتاء أعاد خمس صلاة. [الثاني] لو صلى ثم رأى النجاسة وشك
هل كانت عليه في الصلاة أم لا فالصلاة صحيحة لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم عملا بالأصلين الصحة وعدم النجاسة. [الثالث] لو سقطت
عليه نجاسة ثم زالت عنه وهو لا يعلم ثم علم استمر على صلاته على ما اخترناه وعلى القولين الآخر ينبغي القول بالاستيناف ولو رأيها قبل زوالها
ويمكن من إزالتها أزالها إن لم يحتج إلى فعل كثير. [الرابع] لو حمل حيوانا طاهرا مأكول اللحم صحت صلاته وكذا غير المأكول لان النبي
صلى الله عليه وآله حمل أمامة بنت أبي العاص وركب الحسن والحسين (ع) ظهره صلى الله عليه وآله وهو ساجد نقله الجمهور كافة ولان
النجاسة في المحمول في معدنه كالحامل أما لو حمل قارورة مشدودة الرأس فيها نجاسة فقال الشيخ في المبسوط انه تبطل صلاته واختار ابن إدريس
وهو قول أكثر الجمهور وقواه في الخلاف وقال فيه وليس لأصحابنا نص معين والذي يقتضيه المذهب أنه لا تبطل الصلاة قال ابن أبي هريرة من الشافعية
قياسا على الحيوان الطاهر ثم استدل بأن قواطع الصلاة معلومة بالشرع ولا شرع يدل عليه ثم قال ولو قلنا بالبطلان كان قويا للاحتياط
والاجماع فإن خلاف أبي هريرة لا اعتداد به وفي ادعاء الاجماع نظر إلا أن يكون المراد به إجماع الجمهور إذ قد ذكر أنه ليس لأصحابنا فيه نص و
ذلك غير حجة عندنا وعندهم ولو قبل بالصحة من حيث أن الصلاة لا تتم فيه منفردا كان وجها هذا ان قلنا بتعميم جواز الدخول مع نجاسة ما لا يتم
الصلاة فيها منفردا وإلا فالأقوى ما ذكره الشيخ في المبسوط وإن كان لم يعمه عليه عند دليل وقول الجمهور انه حامل نجاسة فتبطل صلاته كما لو كانت
على ثوبه ضعيف إذ الثوب شرط الدخول به طهارته فإن احتج في هذا المقام برواية محمد بن مسلم في الثوبين إذا كان أحدهما نجس يطرحه فالجواب:
أنها مرسلة والفرق بين الثوب وصورة النزاع ظاهر. [الخامس] لو جبر عظمه بعظم حيوان طاهر فقد أجمع أهل العلم على جوازه أما عظم الميتة
فعندنا أنه كذلك بناء على طهارته وقد سلف أما عظم الكلب والخنزير فيجب عليه نقله ما لم يحصل له ضربه فيسقط عنه وجوب الإزالة وتصح
صلاته فيه وهو قول أكثر أهل العلم وقيل يجب قلعه ما لم يخف التلف. لنا: قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ولأنها نجاسة باطنة
يستضر بإزالتها فأشبهت الدم المبثوث في الجسد ولو انقلعت منه فأنبتها الحرارة الدم لم يلزمه قلعها سواء استضر أو لم يستضر لأنها طاهرة عندنا
أما الشافعي فقال إن لم يستضر وجبت الإزالة وإن استضر ضررا لا يخاف معه تلفه ولا تلف بعض أعضائه فكذلك فإن لم يفعل جبره السلطان
على قلعه فإن مات ولم يقلع لم يقلع بعد موته لأنه صار ميتا كله وقال أبو بكر الصيرفي الأولى قلعه لئلا يلقى الله بمعصية وهو ضعيف لان المعصية
لو تثبت لم تزل بالنزع ولا معصية في بقائه والمعنى الموجب للنزع ما عليه من التكليف وقد زال بالموت أما لو خاف التلف أو تلف عضو فقال
أبو إسحاق لا يجب قلعه وقيل يجب وأبو حنيفة قال: لا يجب قلعه في المسألتين الاخرتين وهذا كله بناء على الطهارة والنجاسة وقد مضى.
[السادس] يكره للمرأة أن تصل شعرها شعر غيرها رجلا كان أو امرأة ولا بأس أن تصل شعر حيوان طاهر ولا يجوز أن تصل شعر نجس
184

العين وقال الشافعي إن كان الشعر نجسا منع من صحة الصلاة وإن كان طاهرا فإن كان لها زوج أو مولى كره ذلك وإلا فلا وقال أحمد يكره مطلقا
ولا بأس بالقرامل وهو اختيار أحمد وابن جبير ونقل عن الشافعي أن الرجل متى وصل شعره بشعر ما لا يؤكل لحمه بطلت صلاته. لنا: أن الشعر غير
قابل للنجاسة إن لم يكن من حيوان نجس العين فكان حكمه حكم غيره واما كراهية ذلك فبالاتفاق ومن طريق الجمهور ان رسول الله صلى الله عليه
وآله لعن الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة فالواصلة: هي التي تصل شعرها بغيره أو شعر غيرها، والمستوصلة:
الموصول شعرها بأمرها. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن القسم بن محمد بن علي قال سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس ليس لها معيشة
غير ذلك وقد دخلها ضيق قال: لا بأس ولكن لا تصل الشعر وما رواه عن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله (ع) قال دخلت ماشطة على
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها بعد كلام طويل: لا تصل الشعر بالشعر وهذا النهي ليس للتحريم وإن كان بعض الجمهور قد ذهب إليه
عملا بالحديث المتضمن للعن الواصلة والمستوصلة ولنا ظن براءة الذمة والحديث لم يثبت عندنا ولو ثبت فقد روى الشيخ ما يمكن حمله
عليه وهو ما رواه سعد الإسكاف قال سئل أبو جعفر (ع) عن القرامل التي يضعها النساء في رؤوسهن تصله بشعورهن فقال: لا بأس به
على المرأة ما تزينت به لزوجها قال قلت بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الواصلة والموصلة فقال: ليس هناك إنما لعن رسول الله
عليه وآله الواصلة التي ترى في شبابها فلما كبرت قادت النساء إلى الرجال فتلك الواصلة والموصلة ومع تطرق هذا الاحتمال لا يبقى
للحديث دلالة على المطلوب. [السابع] لو شرب خمرا أو أكل ميتة ففي قيئه نظر أقربه الوجوب وهو أصح قولي الشافعية وقال بعضهم لا
يجب. لنا: ان شربه محرم فاستدامته كذلك لان التعدية موجودة والظاهر أن المنع من الشرب والأكل إنما هو لذلك ولو أدخل وما تحت جلده فثبت
عليه اللحم فإن أمكنه نوعه من غير مشقة وجب وإلا فلا والشافعي أطلق وجوب اخراجه وأوجب إعادة كل صلاة صلاها مع ذلك الدم.
[الثامن] لو كان وسطه مشدودا بطرف حبل وطرفه الآخر مشدودا في نجاسة وصلى لم تبطل صلاته لأنه ليس بحامل للنجاسة وسواء كان الحبل
مشدودا في كلب أو سفينة فيها نجاسة صغيرين أو كبيرين وسواء كان الطرف الطاهر من الحبل مشدودا في المصلى أو تحت قدميه لا خلاف بين
علمائنا فيه وقال أصحاب الشافعي إن كان واقفا على الحبل صحت صلاته وإن كان حاملا له بطلت وقال بعضهم إن كان الكلب كبيرا لا يتحرك
بحركته صحت صلاته وإن كان صغيرا يتحرك لو تحرك المصلي بطلب وكذا القول في السفينة وقال آخرون في السفينة إن كان مشدودا في موضع
طاهر صحت وإن كان أشد في موضع نجس فسدت والكل باطل إذ بطلان الصلاة يتوقف على الشرع ولا شرع إذ المبطلات مضبوطة. [التاسع]
يجوز أن يصلي على فراش قد أصابته نجاسة إذا لم يتعد إليه وكان موضع السجود طاهرا وبعض أصحابنا اشترط طهارة المساجد والبحث فيه سيأتي
ويدل عليه ما رواه الشيخ عن محمد بن أبي عمير قال قلت لأبي عبد الله (ع) أصلي على الشاذ كونه وقد أصابها الجنابة قال: لا بأس. * مسألة:
روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الرجل يصلح له أن يصيب (حصر) الماء من فيه يغسل به الشئ يكون في ثوبه قال: لا بأس.
وهذه الرواية موافقة للمذهب إذ المطلوب الإزالة ولا فائدة في الوعاء الحاوي للمزيل. * مسألة: ولا بأس بالصلاة في ثياب الصبيان وهو قول أكثر أهل العلم
لان النبي صلى الله عليه وآله حمل أمامة بنت أبي العاص من الربيع وهو في الصلاة وكان يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين (ع) على ظهره نعم يكره لعدم
تحفظهم من النجاسات وكذا لا بأس بالصلاة في ثوب الحائض لما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الحائض
تعرق في ثيابها أتصلي فيها قبل أن تغسلها فقال: نعم لا بأس ويكره إذا لم يكن مأمونة لما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله
(ع) المرأة الحائض تعرق في ثوبها قال: تغسله قلت فإن كان دون الدرع إزار فإنما يصيب العرق دون الإزار قال: لا تغسله وليس المراد
ان العرق موجب للغسل إذ هو طاهر إلى (و) ما قدمناه في الحديث الأول والآخر بالغسل إنما هو مع ملاقاة النجاسة جمعا بين الأدلة ويؤيده ما رواه الشيخ
في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي قال سئل أبو عبد الله (ع) عن الحائض تعرق في ثوب تلبسه قال: ليس عليها شئ إلا أن يصيب شئ من ثيابها
أو غير ذلك من القذر فهل ذلك الموضع الذي أصابه ذلك بعينه وقد روى الجمهور عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يصلي
في شعرنا ولحفنا وهذا محمول على الكراهية أيضا بما رووه عنه (ع) أنه قال إن حيضتك ليست في يدك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن
سورة بن كليب عن أبي عبد الله (ع) قال: إن العرق ليس في الحيضة وكذا ثوب الجنب عرق فيه أو لا ويدل عليه ما تقدم ولعاب الصبيان ظاهر
وهو مذهب كافة أهل العلم لا يغسل من الثوب ويجوز الصلاة فيه روى الجمهور عن أبي هريرة قال رأيت النبي صلى الله عليه وآله حامل الحسين بن
علي (ع) قال: عاتقه ولعابه يسيل عليه وحمل أبو بكر الحسن بن علي (ع) على عاتقه ولعابه يسيل عليه وعلي (ع) على جانبه ولم ينكر عليه.
* مسألة: والثوب إذا كان على كافر لم يجز الصلاة فيه فإنه نجس بملاقاته وقد سلف بيان نجاسة الكافر فينجس ما يلاقونه برطوبة وكذا لو
قصره أو صبغه أو غسله غزله أو سدره أو بله عند العلم فإنه لا تجوز الصلاة فيه عندنا ويكره الصلاة في ثياب شارب الخمر وغيره من
المحرمات ما لم يعلم أنه قد أصاب الثوب شئ من النجاسات.
[البحث الثالث] في الأواني والجلود، * مسألة: أجمع كل من
185

يحفظ عنه العلم على تحريم الأكل والشرب في الآنية المتخذة من الذهب والفضة إلا ما نقل عن داود أنه يحرم الشرب خاصة وعن الشافعي في القديم ان النهي
به. لنا: ما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة
ونهى (ع) عن الشرب في آنية الفضة قال (ع): من يشرب في آنية الفضة في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة وقال الذي يشرب في آنية الفضة
إنما يجرجر في بطنه نار جهنم معناه يلقى في جوفها نار جهنم يقال جرجر فلان الماء في حلقه إذا حر جرعا متتابعا يسمع له صوت والجرجرة حكاية ذلك الصوت
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: لا تأكل من آنية من فضة ولا في آنية مفضضة وما رواه
عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) قال: لا تأكل في آنية الذهب والفضة وما رواه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) أنه نهى عن آنية
الذهب والفضة وما رواه عن ابن فضال عن زيد عن أبي عبد الله (ع) انه كره الشرب في الفضة وفي القداح المفضضة وكذلك أن يدهن في
مدهن مفضض والمشط كذلك وما رواه عن موسى بن بكر عن أبي الحسن موسى (ع) قال: آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون وما رواه
في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن آنية الذهب والفضة فكرهها فقلت له قد روى بعض أصحابنا أنه كان لأبي
الحسن (ع) مرآة ملبسة فضة فقال: لا والله إنما كانت من فضة وهي عندي ثم قال إن العباس حين؟ عذر؟ حمل له قضيب تلبس من فضة من نحو
ما يعمل للصبيان تكون فضة نحوا من عشر دراهم ومر به أبو الحسن (ع) فكسر ولان إزالة الفخر والخيلاء وكسر قلب الفقراء أمر مطلوب والتحريم
طريق صالح فيضاف إليه عملا بالمناسبة. فروع: [الأول] يحرم استعمالها مطلقا في غير الأكل والشرب قال به علمائنا وبه قال الشافعي
ومالك وحرم أبو حنيفة التطيب مع الأكل والشرب وأباح الدواء ما عدا الشرب. لنا: ما تضمنه حديث الجمهور عنه (ع) في قوله فإنها لهم في
الدنيا ولكم في الآخرة وهذا يقضي تحريم أنواع الاستعمال ومن طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم فإن النهي عن الآنية إنما يتناول النهي
عن استعمالها ان النهي عن الأعيان يتناول المعنى المطلوب منها عرفا ولرواية موسى بن بكر ومحمد بن بزيع ولان فيه كسر قلب الفقراء و
نوعا من الخيلاء ولان تحريم استعماله في غير الطهارة فالتحريم فيها من حيث أنها عبادة أولى. احتج داود بأن النبي صلى الله عليه وآله نص على
تحريم الشرب والجواب: قد بينا تحريم غيره. [الثاني] لو توضأ من الآنية أو اغتسل صحت طهارته وبه قال
الشافعي وإسحاق وابن المنذر
وأصحاب الرأي خلافا لبعض الحنابلة. لنا: ان فعل الطهارة وماؤها لا يتعلق بشئ من ذلك ولان النزع ليس جزء من الطهارة بل الطهارة
تحصل بعده فلا يكون مؤثرا في بطلانها احتج المخالف بأنه استعمل المحرم في العبادة فكان مبطلا كالصلاة في المكان المغصوب والجواب: الفرق
فإن الكون في المكان أحد أجزاء الصلاة وهو منهي عنه فكان مؤثرا في البطلان بخلاف صورة النزاع ولو قبل أن الطهارة لا تتم إلا بانتزاع
الماء المنهي عنه يستحيل الامر بها لاشتمالها على المفسدة وجها وقد سلف نظيره. [الثالث] لو جعلت معينا لماء الوضوء يفصل
الماء عن أعضائه إليه صحت طهارته لان رفع الحدث قد حصل قبل الاستعمال فلم يؤثر في البطلان وخالف فيه بعض الجمهور من حيث أن الاستعمال
المحرم قد حصل إلا أنه قد تأخر في الوجود عن الوضوء وفي الصلاة المتقدمة قد تقدم فهما متساويان معنى وإن اختلفا صورة والحق بطلانه
فإن الفرق راجع بين التقدم الذي هو شرط في الطهارة والمتأخر المستغني عنه على أن المنع ثابت في الصورة المتقدمة وقد مضى. [الرابع]
قال الشيخ تحرم اتخاذ أواني الذهب والفضة وهو مذهب أحمد بن حنبل وأصح قولي الشافعي وحكي عنه عدم التحريم. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى
الله عليه وآله في قولهم في الدنيا ولكم في الآخرة دل بمفهومه على التحريم الاتخاذ مطلقا ومن طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم فإن
النهي عن الآنية يتناول نهي اتخاذ داود فإنه موسى بن بكر يدل عليه أيضا ولان تحريم استعمالها مطلقا يستلزم تحريم اتخاذها على هيئة
الاستعمال كالطنبور ولان فيه تعطيلا؟ الممال؟ فيكون سرفا لعده الانتفاع به ولان التعطيل مناسب للاتلاف المنهي عنه ممنوع احتج
الشافعي وإن الخبر إنما دل بمنطوقه على تحريم الاستعمال فلا يحرم الاتخاذ كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير. والجواب: إنا قد بينا استلزام تحريم
الاستعمال لتحريم الاتخاذ فنحن نسلم أن الخبر المأول بمنطوقه على تحريم الاستعمال والفرق بين الثياب وبين صورة النزاع ظاهر إذ اتخاذ
الثياب مباح للنساء والمجازة فلم يحرم استعماله مطلقا. [الخامس] تحريم الاستعمال مشترك بين الرجال والنساء لعموم الأدلة وإباحة
التحلي للنساء بالذهب لا يقتضي إباحة استعمالهن الآنية منه إذا الحاجة وهي التزيين ماسة في التحلي وهو مختص به فيختص به الإباحة. [السادس]
لو اتحد إناء من ذهب أو فضة وهو فيه بنحاس أو رصاص حرم استعماله لوجود المنهي عنه وهو أحد قولي الشافعي وفي الآخر لا تحريم ولأنه لا يظهر
للناس السرف فيه فلا يخشى منه فتنة الفقراء ولا إظهار التكبر والجواب: السرف موجود فيه وإن لم يظهر. * مسألة: وفي المفضض قولان ففي
الخلاف يشترك بينهما في الحكم وقال في المبسوط يجوز استعماله وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي إن كان الذهب أو الفضة كثيرا حرم وإلا كان مباحا
والأقرب عندي الكراهية. لنا: على الإباحة ما رواه الجمهور عن أنس قال إن قدح رسول الله صلى الله عليه وآله انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة
من فضة رواه البخاري ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس أن يشرب الرجل
186

من قدح المفضض واعزل فيك عن موضع الفضة احتج الشيخ على القول الثاني له برواية الحلبي قال: لا تأكلوا في آنية من فضة ولا في آنية مفضضة
والعطف يقتضي التساوي في الحكم وقد ثبت التحريم في آنية الفضة فثبت في المعطوف وبرواية زيد عن الصادق (ع) انه كره الشرب في الفضة وفي
القداح المفضضة والمراد بالكراهية في الأول التحريم فيكون في الثاني كذلك تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه ولان لولا ذلك لزم استعمال
اللفظ المشترك في كلا معنييه أو اللفظ الواحد في معنى الحقيقة والمجاز وذلك باطل وبما رواه عن عمرو بن أبي المقدام قال رأيت أبا عبد
الله (ع) قد أتى بقدح من ماء فيه ضبة من فضة فرأيته ينزعها بأسنانه احتج الشافعي بأن في الضب بالكسر سرفا وخيلاء فأشتبه الخالص و
الجواب عن الحديث الأول: لان المعطوف والمعطوف عليه قد اشتركا في مطلق النهي وذلك يكفي في المساواة ويجوز الافتراق بعد ذلك يكون
أحدهما نهي تحريم والآخر نهي كراهية وكذا الجواب عن الرواية الثانية: مع سلامتها من الطعن واستعمال اللفظ المشترك في كلا معنييه
أو في الحقيقة والمجاز غير لازم إذ المراد بالكراهة مطلق رجحان العدم غير مقيد بالمنع من النقيض وعدمه وكان من قبيل المتواطي وعن الثالثة:
ان ما فعله أبو عبد الله لا يدل على التحريم فلعله فعل ذلك للتنزيه ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال سئل أبو عبد الله
(ع) عن الشرب في القدح فيه ضبة من فضة فقال: لا بأس إلا أن يكره الفضة فينزعها وعن كلام الشافعي المنع من المساواة في البابين ومن
كون العلة ما ذكره نعم يجوز أن يكون علة أما التعليل بما ذكره قطعا فلا يجوز اتخاذ الأواني من غير الذهب والفضة واستعمالها في الأكل وغيره
وإن كثرت أثمانها ثم يعارضه بأنه تابع للمباح فكان مباحا كالمصيب باليسير. فروع: [الأول] قال الشيخ يجب عزل الفم عن موضع
الفضة وهو جيد لرواية عبد الله بن سنان الصحيح واعزل فاك عن موضع الفضة والامر للوجوب ولا احتجاج في رواية معاوية بن وهب على الضد
كما صار إليه بعض الأصحاب. [الثاني] الأحاديث ورد في المفضض وهو مشتق من الفضة ففي دخول الآنية المضيئة بالذهب نظر ولم
أقف للأصحاب فيه على قول والأقوى عندي جاز الفضة اليسيرة كالحلية للنف (للسيف) والقصعة والسلسلة التي يشعب بها لاناء انف؟؟ الذهب وما
يربط به أسنانه لما رواه الجمهور في قدح رسول الله صلى الله عليه وآله والخاصة في مرآة موسى (ع) وروى الجمهور عن فحة بن أسعد أصيب أنفه
يوم الكلاب فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وآله أن يتخذ أنفا من ذهب وللحاجة أن ذلك واتخاذ ذلك جائز مع الحاجة
وبدونها خلافا لبعض الجمهور أما ما ليس بإناء فالوجه الكراهية فيه وذلك كالصفائح في قائم السيف والميل لما فيه من النفع ولما رواه أنس قال:
إن كان نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وآله من فضة وتبيعه سيفه فضة وما بين ذلك حلق الفضة ورواية محمد بن إسماعيل لما أمر موسى
(ع) بكسر قضيب العباس الملبس بالفضة قد يحمل على الكراهية. [الرابع] يجوز اتخاذ العواني (الأواني) من كل ما عدا الذهب والفضة مرتفعا من
الثمن كان أو لا عملا بالأصل ولا يكره استعمال شئ منها في قول أكثر أهل العلم إلا أنه قد روي عن ابن عمر أنه كره الوضوء في الصفر والنحاس
والرصاص وشبهه واختار أبو الفرج المقدمين لتغير الماء منه وللشافعي في الثمن قولان، أحدهما: التحريم وقال بعض الجمهور يكره الشرب في الصفر.
لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن زيد قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله فأخرجنا ما في تور من صفر فتوضى رواه البخاري وروى أبو داود
عن عائشة قال كنت اغسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله في تور من شبه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن يوسف بن يعقوب قال كنت مع أبي عبد
الله (ع) في الحجر فاستسقى ماء فأتي بقدح من صفر فيه ماء فقال له بعض جلسائه ان عباد البصري يكره الشرب في الصفر فقال: لا بأس وقال (ع) للرجل ألا سألته أذهب هو أم
فضة احتج الشافعي بأن تحريم إتخاذ الأثمان بينة على تحريم ما هو أعلا ولان فيه سرفا وكسرا والجواب أن كسر القلب لا يحصل به للفقراء لعدم معرفتهم
الجواهر المثمنة غالبا ولأنها لعلتها لا يحصل لاتخاذ الآنية منها إلا نادرا فلا يقضي إباحتها إلى اتخاذها واستعمالها بخلاف الأثمان الكثيرة
منها كما أنه يحرم اتخاذ خاتم الذهب لا الخاتم من الجواهر المثمنة. [الخامس] لو أكل من آنية الذهب أو من الفضة على القول بالتحريم أو شرب يكون
قد فعل محرما أما المأكول والمشروب فلا يكون محرما ان النهي عن الاستعمال لا يتناول المستعمل فيكون مباحا بالأصل السالم عن المعارض.
* مسألة: إذا ولغ الكلب في الاناء نجس الماء ووجب غسله وهو قول أكثر أهل العلم إلا من شذ وبه قال في الصحابة علي (ع) وابن عباس
وأبو هريرة وروى ذلك عن عروة بن الزبير وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور وأبي عبيد وأحمد وذهب الزهري ومالك وداود
إلى أنه طاهر يجوز التطهر به واختاره ابن المنذر. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن
يغسله سبع مرات ومن طريق الخاصة ما رواه البقباق عنه (ع) انه سئل عن الكلب فقال: رجس نجس لا يتوضى بفضله الحديث واعلم أن
مالكا احتج بما رواه جابر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الحياض بين المكة والمدينة يردها السباع والكلاب قال: لها ما شربت
في بطونها ولنا ما أبقت شرابا وطهورا. والجواب: أنه محمول على الماء الكثير إذا ثبت هذا فاعلم أن الولوغ عبارة عن شرب الكلب مما فيه بطرف
لسانه ذكره صاحب الصحاح واختلف العلماء في العدد فقال علماؤنا أجمع إلا ابن الجنيد انه يجب غسله ثلاث مرات إحديهن بالتراب واختلف الشيخان
هنا فقال المفيد أن التراب في وسطى الثلاث وقال أبو جعفر الطوسي أنه يكون في الأولى وهو الحق عندي وبه قال سلار وابن البراج وابن حمزة وابن
187

إدريس وقال السيد المرتضى في الانتصار والجمل يغسل ثلاث مرات إحداهن بالتراب وبمثله قال الشيخ في الخلاف وقال علي بن بابويه يغسل مرة بالتراب
ومرتين بالماء وبمثله قال ولده أبو جعفر فيمن لا يحضره الفقيه وقال الشافعي يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب وهو قول ابن الجنيد وإحدى الروايتين
عن أحمد وفي الرواية الأخرى عنه أنه يغسل ثماني مرات الثامنة بالتراب وهو مذهب الحسن البصري وقال الأوزاعي مثل قول السيد المرتضى وقال
أبو حنيفة لا يجب العدد في النجاسات بل الواجب الغسل حتى يغلب الظن زوال النجاسة ونقل عن داود ومالك أنه مما لا يجب الغسل تعبدا ولا يعتبر
العدد ونقل عنهما استحباب الغسل سبعا. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات رواه أبو
هريرة وما رواه أبو هريرة أيضا عنه (ع): إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا وجه الاستدلال أنه (ع) أوجب الثلاث
ولم يجوز الاقتصار على أقل منها بالأمر وقوله أو خمسا أو سبعا للتخيير والتخيير يسقط وجوب الزيادة لا يقال أنه خيره بين الثلاث والخمس والسبع ولا
يجوز التخيير بين الواجب والندب فتعين وجوب كل واحد من هذه لأنا نقول هذا خلاف الاجماع إذ لم يقل أحد بوجوب كل واحد من هذه الثلاث
كوجوب الآخر فإن القائلين بوجوب السبع يجعلون الثلاث والخمس واجبان ويجوزون بينها وبين الثلاث لأنهم يرجعون السبع دون ما عداها
وما ذكره غير لازم إذ الثلاث داخلة في الخمس وفي السبع وإنما رفع التخيير بين الاقتصار على الواجب وهو الثلاث وبين فعله مع الزيادة ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي العباس الفضل قال سألته عن الكلب فقال رجس نجس لا يتوضى بفضله واغسله بالتراب أول مرة
ثم بالماء مرتين احتج ابن الجنيد بما رواه عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: يغسل الخمر سبعا وكذلك الكلب وفي عمار قول واحتج أحمد بما رواه
عبد الله المعقل أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا ولغ في الاناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب واحتج الشافعي بما
رواه أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا ولغ إناء أحد فليغسله سبعا أولهن بالتراب واحتج أبو حنيفة بما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله قال في الكلب بلغ في الاناء مغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا وذلك نص في عدم تعيين العدد ولأنها نجاسة فلا يجب العدد فيها
كما لو كانت على الأرض والجواب عن الحديث الأول: أن الامر فيهما للاستحباب لرواية أبي حنيفة فإنه لو كان للوجوب. لنا في التخيير فيسقط الحديث بالكلية
بخلاف ما لو علمنا بها فإنه أولى وعن احتجاج أبي حنيفة إنا قد بينا أنه حجة لنا وقياسه باطل لحصول المشقة في غسل الأرض ولكثرة ملاقاته لها
فلم يعتبر فيها ما يعتبر في الأسهل. فروع: [الأول] قال المفيد يغسل ثلاث مرات منها بالماء ومرة بالتراب ويكون في أوسط
الغسلات لم يخفف ويستعمل وعندي ليس التحقيق شرطا في الاستعمال إذ الماء المتخلف في المغسول طاهر وإلا لم يطهره التخفيف. [الثاني] لو لم
يوجد التراب قال الشيخ جاز الاقتصار على الماء ذلك يعطي أحد معنيين أما استعمال الماء ثلاث مرات أو
استعمال الماء مرتين ووجه الاحتمال الأول
أنه قد أمر بالغسل وقد فات ما يغسل به فينتقل إلى ما هو أبلغ وهو الماء ووجه الثاني أنه قد أمر بالغسل بالتراب ولم يوجد فالتعدية خروج عن
المأمورية وتنجيس الاناء دائما تكليف بالمشقة فوجب القول بطهارته بالغسل مرتين وهو قوي. [الثالث] قال لو لم يوجد التراب ووجد
ما يشبهه كالأشنان والصابون والجص ونظائرها أجزأ وهو قول ابن الجنيد وللشافعي وجهان، أحدهما: الاجزاء والثاني: عدمه وكذا عند أحمد الوجهان
معا، أما الأول: فلان هذه الأشياء أبلغ من التراب في الإزالة فالنقض لما يتناول الأدون كان دالا بالتنبيه على الأعلى ولأنه جامد أمر به في إزالة
النجاسة فالحق ما يماثله كالحجر والاستجمار وأما الثاني: فلان التعبد في هذه الطهارة وقع بالتراب فلم يجز بغيره كالمتيمم ولأنه غير معقول المعنى فلا يجوز
فيه القياس والأخير عندي أقوى فإن المصلحة الناشئة من التعبد باستعمال التراب لو حصلت بالأشنان وشبهه يصح استعماله مع وجود التراب
وتردد أصحاب الشافعي في القول الأول فقال بعضهم أن القولين في حال عدم التراب فأما مع وجوده فلا يجوز بغيره قولا واحدا وقال آخرون
ان القول في الأحوال كلها لأنه في أحد القولين جعله كالتيمم وفي الآخر كالاستنجاء وفي الأصلين لا فرق بين وجود المنصوص عليه
وبين عدمه. [الرابع] لو خيف فساد المحل باستعمال التراب فهو كما لو فقد التراب. [الخامس] لو غسله بالماء بدل التراب مع وجوده
لم يجزيه لان التعبد وقع بالتراب فلا يكون غيره مجزيا كالماء في طهارة الحدث وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: قلناه، والثاني: الاجزاء لان الماء
أبلغ من التراب والجواب عنه قد تقدم. [السادس] قال ابن إدريس الغسل بالتراب غسل بمجموع الامرين منه ومن الماء لا يفرد
أحدهما عن الآخر إذ الغسل بالتراب لا يسمى غسلا إذ جريان المانع على الجسم المغسول والتراب وحده غير جار وفي اشتراط الماء نظر
وإن كان ما قاله قويا. [السابع] لو تكرر الولوغ كفت الثلاث أتحد الكلب أو تعدد لان النجاسة واحدة فلا فرق بين القليل منها و
الكثير وللشافعي في تكرار الغسل مع تعدد الكلب وجهان. [الثامن] لا يغسل بالتراب إلا مع الولوغ خاصة فلو أدخل الكلب يده أو رجله
أو غيرهما كان كغيره من النجاسات ذكره الشيخ في الخلاف وابن إدريس وقال علي بن بابويه وولده بالتسوية بين الولوغ والوقوع
قال الشافعي وأحمد لا فرق بين الولوغ والملاقاة بكل واحد من أجزائه وقال مالك وداود لا يجب غسل الاناء وبيناه على أصلهما
من طهارة الكلب وإنما يغسل من ولوغه تعبدا. لنا: انه تكليف غير معقول المعنى فيقف على النص وهو إنما دل على الولوغ احتج المخالف بأن
188

كل جزء من الحيوان تساوى بقية الاجزاء في الحكم والجواب: التساوي ممنوع والفرق واقع إذ في الولوغ يحصل ملاقاة الرطوبة اللزجة للاناء المفتقرة
إلى زيادة في التطهير. [التاسع] المتولد من الكلب وغيره يعتبر في إلحاق حكمه به حصول الاسم. [العاشر] قال الشيخ في المبسوط والخلاف حكم
الخنزير في الولوغ حكم الكلب وهو مذهب الجمهور ونقل ابن العباس عن الشافعي في القديم يغسل مرة واحدة وحكاه سائر أصحابه قالوا لأنه في القديم قال
يغسل بقول مطلق وإنما أراد به السبع وقال ابن إدريس: حكم الخنزير حكم غيره من النجاسات في أنه لا يعتبر فيه التراب وهو الحق. لنا: اختصاص الحكم بالكلب و
هو غير معقول فلا يتعدى إلى غيره احتج الشيخ بوجهين أنه يسمى كلبا في اللغة فيتناوله الحكم المعلق على الاسم الثاني ان الاناء يغسل من جميع النجاسات
ثلاث مرات والخنزير نجس بلا خلاف واحتج الجمهور بأنه أسوء حالا من الكلب للاجماع على نجاسته وتحريم ميتته فيعتبر فيه ما يعتبر في الأخف والجواب عن
الأول: بالمنع من التسمية لغة ولم سلم كان مجازا والأصل عدمه في الخبر الدال على تعليق الحكم عن الاسم وعن الثاني: بالمنع من وجوب الغسل ثلاثا ولو سلم
فأين الدليل على وجوب استعمال التراب وعن الثالث: بالمنع من كونه أسوء من الكلب ولو سلم لم يدل على المطلوب ولو قيل بوجوب غسل الاناء منه سبع
مرات كان قويا لما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال وسألته عن خنزير يشرب في إناء كيف يصنع به قال: يغسل سبع مرات وحمله على الاستحباب ضعيف إذ لا دليل عليه مع ثبوت أن الامر للوجوب. [الحادي عشر] لو وقع فيه نجاسة بعد غسله بعض العدد فإن
كانت ذات عدد مساو للباقي كان كافيا وإلا حصلت المداخلة في الباقي وأتى بالزائد وهكذا لو وقع فيه نجاسة قبل الغسل إلا أن التراب لا بد
من الولوغ ثم إن كانت النجاسة يفتقر إلى الغسل ثالثا وجب الثلاث غير التراب وبالجملة إذا تعددت النجاسة فإن تساوت في الحكم تداخلت وإلا فلا
فإذا اختلفت فالحكم لأغلظها. [الثاني عشر] لو غسله بالتراب ثم بالماء مرة واحدة فولغ مرة ثانية وجب الاستيناف ولا يجب الاكمال ثم الاستيناف.
[الثالث عشر] لو وقع إناء الولوغ في ماء قليل نجس الماء ولم يحتسب بغسله ولو وقع في كثير لم ينجس وهل يصلح له غسله أم لا الأقرب أنه لا يحصل
لوجوب تقديم التراب هذا على قولنا أما على قول المفيد والجمهور فإن الوجه الاحتساب بغسله ولو وقع في ماء جار ومرت عليه جريات متعددة احتسب
كل جرية بغسله خلافا للشيخ إذ القصد غير معتبر فجرى مجرى ما لو وضعه تحت المطر ولو حضحضه في الماء حركة بحيث يخرج تلك الأجزاء الملاقية
عن حكم الملاقاة وملاقيه غيرهما احتسب بذلك غسلة ثانية كالجريات ولو طرح فيه ما لم يجب عليه حتى يفرغ منه سواء كان كثيرا بحيث يسع الكر
أو لم يكن خلافا لبعض الجمهور فإنه قال في الكثير إذا وسع قلتين أو طرح فيه ماء وحضحض احتسب به غسلة ثانية والوجه أنه لا يكون غسله إلا بتفريقه
فيه مراعاة للعرف ولو كان المغسول مما يفتقر إلى العصر لم يحتسب له غسلة إلا بعد عصره والأقرب عندي بعد ذلك كله لان العدد إنما يعتبر لو صب الماء
فيه أما لو وقع الاناء في كثير أو ماء جار وزالت النجاسة طهر. [الرابع عشر] ليس حكم الذي يغسل به إناء الولوغ حكم الولوغ
في أنه متى لاقى جسما يجب غلسه بالتراب لأنها نجاسة فلا يعتبر فيها حكم المحل الذي انفصلت عنه وقال الشافعي وبعض الحنابلة يجب غسله
بالتراب وإن كان المحل الأول قد غسل بالتراب وقال بعضهم يجب غسله من الغسلة الأولى ستا ومن الثانية
خمسا ومن الثالثة أربعا وهكذا
فإنه بكل غسلة ارتفع سبع النجاسة عنده وإن الأولى بغير تراب غسلت يده بالتراب وهذا كله ضعيف وإنه بكل غسل ارتفع سبع النجاسات
عنده فيلزم غسل ما أصاب والوجه انه يساوي غيره من النجاسات لاختصاص النص بالولوغ. [الخامس عشر] الأقرب اشتراط طهارة التراب
سواء أضفناه أولا لان المطلوب من التطهير وهو غير مناسب بالنجس. [السادس عشر] لو ولغ الكلب في إناء فيه طعام جامد ألقي ما
أصابه فيه وانتفع بالباقي كما لو مات الفأرة في سمن جامد. [السابع عشر] لو اجتمع ماء الغسلات كان نجسا على ما اخترناه وعلى ما
قاله الشيخ والشافعي في بعض أقوالهما من اعتبار البعير (التعدد) والانفصال عن محل طاهر يحتمل ذلك أيضا لان الغسلين انفصلتا عن محل نجس
والثالثة لا تطهرها إلا أن يصير كرا ويحتمل الطهارة لأنه ماء غير متغير انفصل عن محل الطهارة فكان طاهرا. [الثامن عشر] لا يجب التراب
من غير النجاسة الكلب وهو أحد الروايتين عن أحمد للأصل ولقول النبي صلى الله عليه وآله إذا أصاب أحدكن الدم من الحيضة فلتقرصه
ثم ليتنضحه بماء ثم لتصل فيه والثانية أنه يجب لوجوب السبع فأشبه الكلب والمقدمتان ممنوعتان. * مسألة: وهل يعتبر العدد في غير الولوغ
أم لا قال الشيخ نعم، إلا أنه لا يعتبر التراب والنظر هنا يتعلق بأمور. الأول قال الشيخان يغسل الاناء من الخمر سبعا وللشيخ قول آخر: أنه يغسل
ثلاثا وكذا غيره من المسكرات والأقرب عندي عدم اعتبار العدد بل الواجب الانقاء. لنا: محل نجس فوجب تطهيره بصيرورته إلى الحال الأول وذلك
إنما يحصل بالنقاء فيجب الانقاء لكن الغالب أنه لا يحصل مع الثلاث فيجب لا باعتبار أنه مقدر احتج الشيخ على الأول بما رواه عمار عن أبي عبد الله (ع)
في الاناء يشرب فيه النبيذ قال: يغسله سبع مرات وعلى الثاني: بما رواه عمار أيضا عن أبي عبد الله (ع) في الاناء يشرب فيها الخمر بل يجزيه أن تصب فيه الماء قال: لا يجزيه
حتى يدلك بيده ويغسله ثلاث مرات ووجه الجمع بينهما حمل الأولى على الاستحباب والثانية: على الاجزاء لا يقال إذا كانت الثانية دالة على حد الاجزاء
تعينت الثلاث لأنا نقول لما كان الانقاء إنما يحصل غالبا بالثلاث لا جزم على الحكم عليه والتعليق إذا جرى مجرى الغالب لا يدل على نفي الحكم عما
عداه إجماعا وقد روى الشيخ عن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل
أو ماء أو زيتون قال: إذا غسل فلا بأس وعن الإبريق وغيره يكون فيه خمرا يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال: إذا غسل فلا بأس ولم يعتبر هنا العدد
189

فعلم أن الواجب هو مطلق الغسل المشتمل على إزالة المانع الثاني يستحب غسل الاناء لموت الجرد سبعا وأقله ثلاث مرات وكذا الفأرة وقال الشيخ في النهاية
يغسل لموت الفأرة سبعا وجعله في المبسوط والجمل رواية واحتج على ما ذكر في النهاية بما رواه عن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: اغسل الاناء الذي
يصيب فيه الجرد ميتا سبع مرات والرواية ضعيفة السند فالأولى الاستحباب عملا بالاحتياط. الثالث: يغسل من باقي النجاسات مره واحدة
وجوبا ويستحب الثلاث للاحتياط وقال الشيخ في الخلاف يغسل الاناء من سائر النجاسات سوى الولوغ ثلاث مرات قال في المبسوط وجعل
المرة رواية واختاره ابن الجنيد وقال أبو حنيفة الواجب ما يغلب على الظن معه حصول الطهارة ولأحمد قولان، أحدهما: مثل ما قلنا وهو قول الشافعي
والثاني: سبع مرات أو ثمان مرات وبه قال ابن عمر كالولوغ. لنا: ثبت وجوب إزالة النجاسة بالغسل ولم يثبت العدد فالأصل عدمه واستحباب الثلاث
الاحتياط أيضا وروى الجمهور عن ابن عمر قال كانت الصلاة خمس والغسل من الجنابة سبع مرات والغسل من البول سبع مرات فلم يزل النبي صلى الله عليه
وآله يسأل حتى جعلت الصلاة خمسا والغسل من البول مرة والغسل من الجنابة مرة رواه أحمد وأبو داود وما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله
قال إذا أصاب أحديكن الدم من الحيضة فليقرصه ثم لتنضحه ثم ليصل فيه ولم يقدر عدد وما رواه أبو داود ان امرأة ركبت ردف النبي
صلى الله عليه وآله على ناقته فلما نزلت إذا على حقينيه؟؟ شئ من دمها فأمرها النبي صلى الله عليه وآله أن يجعل في الماء ملحا ثم يغسل به الدم ولم
يأمرها بعدد ومن طريق الخاصة رواية عمار في إطلاق الغسل وقد تقدمت ولان الأصل براءة الذمة احتج الشيخ بالاحتياط فإنه مع الغسل ثلاث
مرات يعلم الطهارة إجماعا منا ومن الشافعي وما زاد عليه يحتاج إلى دليل وبرواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال سئل عن الكوز
والاناء يكون قذرا كيف يغسل وكم يغسل قال: يغسل ثلاث مرات تصيب فيه ماء آخر فتحرك فيه ثم يفرغ ثم تصيب فيه ماء آخر ثم يفرغ وقد طهر وقال في قدح وإناء
يشرب فيه الخمر قال: تغسله ثلاث مرات وسئل أيجزيه أن يصب فيه الماء قال: لا يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات واحتج أحمد بالقياس على نجاسة الولوغ وبما روي عن ابن عمر
أنه قال أمرنا بغسل الأنجاس سبعا فينصرف إلى أمر النبي صلى الله عليه وآله والجواب عن الأول: أن الاحتياط لا يقتضي الايجاب وهو معارض ببراءة
الذمة وكان الاستحباب أشبه وقد توهم بعض الناس أن الشيخ استدل هنا بالاجماع واستبعده من روايته للمرة والشيخ لم يستدل بالاجماع هنا
كما يرى بالاحتياط ولا ريب فيه وعن الثاني ان رواية عمار لا يعول عليها ومع كونها منافية للأصل غير سليمة عن الطعن وعن الثالث: ببطلان
القياس هنا إذ القياس لا يجري في المقدرات لكونها غير معقولة المعنى والقياس فرع يعقل (ما) المعنى وهو معارض للنص فلا يكون مقبولا ومعارض
أيضا بقياس مثله فإنا نقول أنها نجاسة غير الكلب فلا يجب فيها العدد كنجاسة الأرض ومما يدل على بطلان قول أحمد خاصة ما رواه مسلم عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا قام أحدكم من تور فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يداه أمر بغسلها ثلاثا ليرتفع
وهم النجاسة وذلك إنما يكون فما ترفع حقيقتها والبخاري روى هذا الحديث أيضا إلا قوله ثلاثا فكان الاطلاق يجري فيه بالمرة الواحدة ويسوق
البحث. * مسألة: أواني المشركين طاهرة ما لم يعلم ملاقاتهم بها برطوبة أو ملاقاة نجاسة عملا بالأصل فلا يزول إلا مع تيقن السبب
سواء كانوا أهل الكتاب أو لا خلافا للجمهور. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن تغلبة قلت يا رسول الله إنا بأرض أهل الكتاب أفنأكل من آنيتهم فقال: إن
وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها فلو كان ما يباشرونه طاهرا لما جاز التأخير عن وقت
الحاجة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (ع) عن آنية أهل الذمة والمجوس فقال: لا تأكلوا في آنيتهم
ولا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم يشربون عليها ولأنهم أنجاس لما سبق فينجس ما يباشرونه احتجوا بأنه (ع) توضأ من مزادة مشركة
وتوضأ عمر من حرة نصرانية والجواب: أنه ليس في الخبرين دلالة على مباشرتهم ولو سلم منعنا صحة السند ولم سلم عارضناه برواية أبي تغلبة وأيضا فما
نقلنا قول وما نقلوه فعل فقولنا أولى وحديث عمر لا حجة فيه إذ يجوز أن يكون رأيا له. فرع: لو جهل مباشرتهم لها كان استعمالها
مكروها لاحتمال النجاسة ولان الاحتياط مطلوبان في باب الطهارة. * مسألة: ويطهر بالغسل من الخمر ما كان متخذا من الجواهر الصلبة التي
لا تشرب أجزاء الخمر كالرصاص والصفر والحجر والخزف المطلي إجماعا أما ما كان من الخشب والخزف غير المفضور (المطلى) والقرع فالأقرب أنه مكروه و
هو اختيار الشيخ وقال ابن الجنيد: لا يطهر بالغسل وهو قول أحمد. لنا: ان الواجب إزالة النجاسات والاستطهار بالغسل وقد حصل فلا يجب
طلب غير المعلوم احتج ابن الجنيد بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن الظروف فقال نهى رسول الله
صلى الله عليه وآله عن الدبا والمزفت والختم والنقير قلت وما ذاك قال: الدبا القرع، والمزفت الدنان، والختم الجرار الزرق، (الخضر) والنقير خشب كان أهل
الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها أجواف ينبذون فيها ولان الآنية تشرب أجزاء الخمر فلا تطهر البتة. والجواب: أن النهي يحتمل أن يكون نهي تنزيه عملا
بإطلاق الامر بغسل الآنية وقد حصل وما ذكره من شرب الآنية الاجزاء فضعيف لوصول الماء إلى ما وصلت إليه أجزاء الخمر. فروع:
[الأول] لا يجب إزالة الرائحة مع زوال العين وذهب الشافعية إلى الوجوب. لنا: الأصل عدم التكليف احتجوا بأن بقاء الرائحة يدل على بقاء
العين لاستحالة انتقال الأغراض والجواب: المنع والغرض لم ينتقل بل انفعل الاناء لمجاورة الملاقي. [الثاني] لو كان في إناء بول
190

أو ماء نجس وقلب منه وغسل الاناء طهر ولو قذف فيه الاناء قبل قلبه لم يطهر وهو أحد قولي الشافعي وفي الآخر: أنه يطهر لأنه لو كانت الاناء
بالماء لطهره فكذا ما فيه من النجاسة لو كانت لطهر والفرق ظاهر لانتقال الماء بالنجاسة الموجودة بخلاف الاناء النجس للضرورة هنا المنتفية
هناك. [الثالث] غسل الجنابة يختلف باختلاف محلها فإن كان جسما لا تتشرب النجاسة كالآنية فغسله بإمرار الماء عليه كل مرة
غسله سواء كان بفعل آدمي أو غيره لانتفاء اعتبار القصد فإن وقع في ماء قليل نجسه ولم يطهر وإن كان كثيرا راكدا احتسب بوضعه فيه ومرور
الماء على أجزائه غسله وإن حضحضه فيه وحركه بحيث يمر عليه أجزأ غير الذي كانت ملاقيه له احتسب بذلك غسلة ثانية كما لو مرت عليه جريات من الماء
الجاري وإن كان المغسول إناء وطرح فيه الماء لم يحتسب به غسلة حتى يفرغه منه لأنه العادة في غسله إلا أن يسع كرا فصاعدا فإن أداره
الماء فيه يجري مجرى الغسلات بمرور جريات من الماء غير الأولى على أجزائه ولو كان المغسول حينما يدخل فيه أجزاء النجاسة لم يحتسب برفعه
من الماء غسله إلا بعد عشر ولو تعذر كالبساط المغسل دق وقلب.
* مسألة: اتفق علماؤنا على أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ إلا ابن
الجنيد سواء كان طاهرا في حال الحياة أو لم يكن وبه قال علي (ع) وهو المشهور عن أحمد وإحدى الروايتين عن مالك وبه قال عمر وأبيه عبد
الله وعمران بن حصين وعائشة وقال الشافعي كل حيوان طاهر في الحياة يطهر جلده بعد الموت بالدباغ وما رواه الجمهور عن علي (ع)
وهو مروي عن عطا والحسن البصري والشعبي والنخعي وقتادة ويحيى الأنصاري وسعيد بن جبير والأوزاعي والمسيب والثوري وابن المبارك وإسحاق
وروي أيضا عن عمرو بن عباس وابن مسعود وعائشة وإن اختلفوا فيما هو طاهر في الحياة فعند الشافعي طهارة الحيوانات كلها إلا
الكلب والخنزير فيطهر عنده كل جلد إلا جلدهما وفي الآدمي عنده وجهان وقال أبو حنيفة يطهر كل جلد بالدباغ إلا الخنزير والانسان وحكى
أبو يوسف طهارة كل جلد حتى الخنزير وهو رواية عن مالك وبه قال داود ونقل الحنيفة عن الشافعي أنه لا طهر بالدباغ وقال الأوزاعي
يطهر جلد ما يؤكل لحمه دون ما لا يؤكل وهو مذهب أبي ثور وإسحاق ونقل الشيخ عن مالك أنه قال: يطهر الظاهر منه دون الباطن فيصلي عليه ولا
يصلي فيه ويستعمل في الأشياء اليابسة دون الرطبة ولا نعرف خلافا بين العلماء في نجاسته قبل الدباغ إلا ما نقله الشيخ عن الزهري أنه
يجوز الانتفاع بجلد الميتة قبل الدباغ وبعده. لنا: قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) والجلد مما تحله الحياة فيدخل تحت المحرم ولم نجص التحريم بشئ
معنى فينصرف إلى الانتفاع مطلقا وما رواه الجمهور عن عبد الله بن حكيم ان النبي صلى الله عليه وآله كتب إلى جهنية أني كنت رخصت لكم في جلود
الميتة فإذا أتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب ورواه أبو داود وأحمد قال اسناد جيد وفي لفظ آخر أتانا كتاب رسول
الله صلى الله عليه وآله قبل وفاته بشهر أو شهرين وأبو بكر الشافعي بإسناده عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تنتفعوا من الميتة بشئ
وإسناده حسن ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله (ع) جعلت فداك الميتة ينتفع بشئ منها قال: لا قلت بلغنا
ان رسول الله صلى الله عليه وآله مر بشاة ميتة فقال ما كان على أهل هذه الشاة إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا باهابها قال: تلك شاة لسودة
بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه وآله كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان على أهلها
إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا باهابها أي بذكاتها وما رواه في الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن غير واحد
عن أبي عبد الله (ع) في الميتة قال: لا تصل
في شئ منه ولا تبع وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألته عن الجلد الميت أتلبس في الصلاة فقال: لا ولو دبغ سبعين مرة وما رواه عن
أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) عن علي بن الحسن (صل) عليه في حديث أن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون ان دباغه
ذكاته أجاب به عنه سؤال نزع الفراء عنه (ع) وقت الصلاة وعن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) قال سألته أدخل سوق المسلمين
فاشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها أليس هي ذكية فيقول بلى فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية فقال: لا ولكن لا بأس أن يبيعها ويقول قد شرط
الذي اشتريتها منه أنها ذكية، قلت وما أفسد ذلك قال: استحلال أهل العراق للميتة وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكوته ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك
إلا على رسول الله صلى الله عليه وآله وما روي عن موسى (ع) أنه كتب لا ينتفع من الميتة باهاب ولا عصب ولان الموت ينجس لذاته كاللحم فكان كجلد
الخنزير ولأنه جرأ لميتة فلا يطهر بالدباغ كاللحم ولأنه نجس قبل الدباغ فكذا بعده عملا بالاستصحاب ولأنه حرم بالموت وكان نجسا كما قبل الدبغ ولان
الموت سبب للتنجيس بالمناسبة التفريضة الجثة للنتن والتغيرات التي نجس معها المجانبة ولأنه علة للنجاسة بالدوران وجودا وعدما فكان
نجسا دائما لوجود السبب احتج ابن الجنيد بما رواه الشيخ عن الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) في جلد شاة ميتة يدبغ ويصب فيه
اللبن ويشرب منه وأتوضأ قال: نعم، يدبغ وينتفع به ولا يصل فيه واحتج الجمهور بما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا دبغ الإهاب
فقد طهر ولان رسول الله صلى الله عليه وآله وجد شاة ميتة أعطيها مولاه بميمونة من الصدقة قال رسول الله صلى الله عليه وآله بلا (هلا) انتفعتم
بجلدها قالوا انها ميتة، قال: إنما حرم أكلها ولأنه إنما كان نجسا بالدماء والرطوبات به (بالموت) والدبغ يزيل ذلك فيرجع الجلد إلى أصله في حال الحياة
والجواب من حديث ابن الجنيد انه معارض بما ذكرناه فيرجع إلى أصل النجاسة وأيضا فالانتفاع لا يستلزم الطهارة لأنه لو كان طاهرا لم يكن
191

المنهي عن الصلاة فيه معنى وعن حديثهم من (وجهين) أحدهما معارضة بحديثنا ومع التعارض يرجع إلى أصل النجاسة الحاصل بالموت ولان حديثنا
متأخر أو لفظه دال على سبق الترخص وآخر الأحاديث أولى من السابق ولأنه قد نقل عن جماعة من أصحابه نجاسة الجلد بعد الدباغ كعائشة وعمر وأبيه ولو كان
طاهرا لما خفي عنهم لكثرة وقوع الموت في دوابهم ودعوا لحاجة إلى ما ينتفع منها وأيضا فقوله (ع): إذا دبغ الإهاب فقد طهر ليس عاما فيحمل على المذكى
ويكون الدباغ شرطا في جواز الاستعمال كما هو مذهب بعضهم وبهذا خرج الجواب عن الحديث الثاني على أن القصة قد رويت على غير هذه الصفة
وقد تقدمت في حديث ابن المغيرة وأيضا فالانتفاع بالجلد لا يستلزم الطهارة وتعليل النجاسة بإيصال الرطوبات باطل وإلا لاختص التنجيس
بالباطل وهو باطل إجماعا ومع ذلك فهو غير مسموع من الشافعي وهو يحكم بنجاسة الشعر والصوف والعظم ولا من أبي حنيفة القائل بطهارة جلد
الكلب مع نجاسته عنده حيا. فروع: [الأول] في جواز الانتفاع به في اليابسات نظر أقربه عدم الجواز عملا بعموم النهي الدال عليه ورواية ابن المغيرة
ومن طريق الجمهور رواية عبد الله بن حكيم ولأحمد روايتان، إحداهما كما قلناه والثانية الجواز لقوله (ع): ألا أخذوها بها قد بعره فانتفعوا به ولان
الصحابة لما فتحوا فارس انتفعوا بسروجهم وأسلحتهم وذبائحهم ميتة ولأنه انتفاع من غير ضرر وكان كالاصطياد بالكلب والأقرب ما ذكرناه أولا لعموم النص وحديثهم
قد بينا ضعفه والقياس لا يعارض النص. [الثاني] قال أبو إسحاق من الشافعية الدباغ لا يطهر بل لا بد من الغسل بالماء لان ما لاقاه نجس به وقال ابن العاص منهم
انه طاهر وهذا الفرع ساقط عنا لأنه عندنا نجس وإنما يتأتى على رأي ابن الجنيد. [الثالث] قال الشافعي: إنما يطهر بالدباغ الجلد خاصة أما الشعر والصوف
والوبر والريش فإن فيه روحا يموت مع الحيوان وينجس بالموت وعندنا ان هذه الأشياء لا يحلها الحياة وهي طاهرة من الميت إلا الكلب والخنزير. * مسألة: اتفق
علماؤنا على أن الكلب والخنزير لا يقع عليهما الذكوة وجلدهما لا يطهر بالدباغ وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة وداود يطهر جلد الكلب الدباغ. لنا: ان
الدباغ كالحياة والحياة لا توقع النجاسة عن الكلب والخنزير وكذا الدباغ احتجوا بقوله (ع) أيما إهاب دبغ فقد طهر والجواب: ان الدبغ إنما يؤثر في دفع نجاسة حادثة
بالموت ما عداه على قضية العموم على أن هذا الحديث ورد في شاة ميمونة فلا يتعداها على رأي قوم واما الانسان فكذلك لا يقع على الذكوة فلا يطهر جلده
بالدباغ وقال بعضهم لا يتأتى فيه الدباغ وأما الحيوان الطاهر حال الحياة ما لا يؤكل لحمه كالسباع فإنه يقع عليه الذكاة ويطهر الجلد بها وهو قول مالك وأبي حنيفة
وقال الشيخ والسيد المرتضى لا يطهر إلا بالدباغ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا يجوز الانتفاع بجلود السباع قبل الدباغ ولا بعده
وبه قال الأوزاعي ويزيد بن هارون وابن المبارك وإسحاق وأبو ثور ومنع علي (ع) من الصلاة في جلود الثعالب وكرهه سعيد بن جبير والحكم ومكحول وإسحاق وكره الانتفاع
بجلود الشاة عطا وطاوس ومجاهد وعبيدة السلماني ورخص في جلود السباع جابر وأباح الحسن البصري والشعبي وأصحاب الرأي الصلاة في جلود الثعالب لأنها
تعدى في الاحرام فكانت مباحة والملازمة ممنوعة وقال أحمد والشافعي إذا ذبح ما لا يؤكل لحمه كان جلده نجسا ووافقنا مالك وأبو حنيفة على طهارته. لنا: قوله تعالى:
(إلا ما ذكيتم) وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: دباغ الأديم ذكوته وفي حديث آخر: ذكاة الأديم دباغه أقام كل واحد منهما مقام الآخر ولما كان الدباغ مطهرا فكذا
الذكاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع) لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود فقال: لا بأس بذلك
وما رواه في الموثق عن ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) قال: الصلاة في كل شئ نهي عن أكله وحرم عليك أكله فاسدة ذكوة الذبح أو لم يذكه وهذا دال على كون الذبح
مطهرا والحديث الأول أعم لجواز لبس الجلود فلو اشترط الدباغ لوجب التقييد احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن افراش جلود السباع وركوب السمور وذلك عام في المذكى
وغيره والجواب: المنع من العموم أيضا فلعل الراوي توهم ما ليس بنهي نهيا وأيضا فهو معارض بما قدمناه وأيضا فالذكاة يقع عليه وإلا لكان ميتة والميتة لا تطهر بالدباغ
ويكره استعماله قبل الدباغ عملا بالاحتياط. فروع: [الأول] قد بينا أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ سواء كان مأكولا أو لم يكن وأكثر الجمهور على طهارة
ما يؤكل لحمه بعد الدباغ واختلفوا في جواز أكل حينئذ فذهب أكثر أهل العلم إلى تحريمه وقال بعض أصحاب الشافعي يحل أكله واختاره في الجديد ولو كان غير مأكول قال
أكثر أهل العلم أنه لا يؤكل لأنه الدباغ كالذكاة وهي لا تحله وعن بعض الشافعية جوازه والحق أنه لا يحل لأنه عندنا لا يطهر وأما عند القائلين بالطهارة فلقوله تعالى:
(حرمت عليكم الميتة) والجلد منها وقال النبي صلى الله عليه وآله إنما حرم من الميتة أكلها ولأنه جزء من ميتة فلا يحل كغيره منها ولقوله (ع): دباغ الأديم ذكاته والجواب: لا يلزم من الطهارة إباحة الأكل
كالخبائث غير المحرمة وقالوا الدباغ معنى يفيد الطهارة في الجلد فيبيح الأكل كالذبح قلنا: هذا قياس لا يعارض النص. [الثاني] يجوز استعمال الطاهر في الدباغ كالشب والفرط
والعفص وقشور الرمان وغيرها والقائلون وبتوقيف الطهارة على الدباغ من أصحابنا والجمهور اتفقوا على حصول الطهارة بهذه الأشياء أما الأشياء النجسة فلا يجوز
استعمالها في الدباغ وهل يطهر أم لا وأما عندنا فإن الطهارة حصلت بالتذكية فكان ملاقاة النجس موجبة لتنجيس المحل ويطهر بالغسل وأما القائلون بتوقيف الطهارة على الدباغ
فقد ذهب بعضهم إلى عدم الطهارة ذكره ابن الجنيد وبعض الجمهور لأنها طهارة من نجاسة فلا يحصل بالنجس كالاستجمار والغسل وينبغي أن يكون ما يدبغ به منشفا للرطوبة
مزيلا للخبث وقد روي عن الرضا (ع) عدم جواز الصلاة في الجلود المدبوغة بخرء الكلاب والرواية ضعيفة ومع تسليمها تحمل على المنع من الصلاة قبل الغسل. [الثالث] لا يفتقر بعد الدبغ إلى
الغسل وهو قول بعض الجمهور خلافا لبعضهم ولا يحضرني الآن قول لعلمائنا في ذلك. لنا: قوله (ع) ذكاة الأديم دباغة وقوله: أيما إهاب دبغ فقد طهر احتجوا بأن ما يدفع به ينجس بملاقاة الجلد
ومع الدباغ تبقى الآلة نجسة فتبقى نجاسة الجلد بملاقاتها له فافتقر إلى الغسل والجواب: المنع من نجاسة الجلد. [الرابع] لا يفتقر الدبغ إلى فعل فلو وقع المدبوغ في مدبغة فأدبغ
طهر كالآنية الواقعة تحت المطر. [الخامس] القائلون بجواز الانتفاع بجلد الميتة بعد الدباغ اختلفوا في جواز بيعها واتفقوا على المنع قبل الدبغ لأنه نجس واختلفوا فيما بعده قال
الشافعي في القديم: لا يجوز وبه قال مالك لثبوت التحريم بالموت ورخص في الانتفاع به فيبقى ما عداه على المنع فقال في الحديد بالجواز وهو مذهب أبي حنيفة لأنه منع من البيع
لنجاسته وقد زالت بالدباغ فهذا؟ الشرع؟ ساقط عنا إذ النجاسة ثابتة في الحالين إلا عند ابن الجنيد منا. [السادس] إن قلنا بجواز البيع جاز انتفاع به في كل ما يمكن الانتفاع به من
الإجارة والعارية وغيرهما.
192

[كتاب الصلاة]
في بيان معنى الصلاة
ووجوبها و
فضلها
بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب الثاني، في الصلاة وفيه مقدمة ومقاصد، أما المقدمة ففيها فصول
{الأول} الصلاة اللغة الدعاء، قال الله تعالى: (وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) وقال الله تعالى: (ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر
ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول) يعني دعاه وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا دعى أحدكم فليجب فإن كان مفطرا
فليطعم وإن كان صائما فليصل. وقال الأعشى تقول نبي وقد قريب مرتحلا يا رب حبب إلي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي صليت فأعد حتى
يوما فإن نجيت المر مضطجعا وقال: وصل على ربها وأديم إلى دعائها وقيل إن؟ الميابغة؟ ولهذا سمي المصلي مصليا لأنه ينبغي السابق وأما في الشرع فإنها
عبارة عن أفعال المخصوصة المقترنة بالأذكار المعينة وقد تجرد الأفعال عن الاذكار كصلاة الأخرس وبالعكس كالصلاة بالتسبيح والأقرب إطلاق اللفظ
الشرعي حقيقة في الأول ومجاز في الآخرين فإذا علق حكم على الصلاة انصرف باطلاقه إلى ذات الركوع والسجود صرفا اللفظ عند إطلاقه إلى الحقيقة.
{الفصل الثاني} في وجوبها وهي واجبة بالكتاب والسنة والاجماع قال الله تعالى: (وأقيموا الصلاة) وقال: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله
مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة) وقال: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) وقال: (واركعوا واسجدوا) وقال: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
وقوموا لله قانتين) وقال: (ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) والآيات كثيرة وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال أنه بني الاسلام عن خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وإن محمدا رسول الله وأقاموا الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت
من استطاع إليه سبيلا وروى ابن بابويه في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) أخبرني عما فرض الله تعالى من الصلوات فقال: خمس
صلوات في الليل والنهار ولا خلاف بين المسلمين في وجوب خمس صلوات متكررة في اليوم والليلة. {الفصل الثالث} في بيان
فضلها وهي أفضل من العبادات وأهمها في نظر الشرع روى ابن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما من صلاة يحضر وقتها إلا نادى ملك
بين يدي الناس أيها الناس قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفؤوها بصلاتكم ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد وفيه
ناس من أصحابه فقال: تدرون ما قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم، فقال: ان ربكم يقول هذه الصلوات الخمس المفروضات من صلاهن لوقتهن
وحافظ عليهن لقين يوم القيامة وله عندي عهد أدخله به الجنة ومن لم يصلهن لوقتهن ولم يحافظ عليهن فذلك إلي إن شئت عذبته وإن
شئت غفرت له وقال الصادق (ع): أول ما يحاسب العبد الصلاة فإذا قبلت قبلت سائر عمله وإذا ردت عليه رد عليه سائر عمله وقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: إذا زالت الشمس فتحت أبواب الجنان ويستحب الدعاء فطوبى لمن رفع له عند ذلك عمل صلاح وقال الرضا
(ع): الصلاة قربان كل تقي وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما مثل الصلاة فيكم كمثل السرى وهو البحر على باب أحدكم يخرج إليه في اليوم
والليلة يغتسل فيه خمس مرات فكم يبقى الدرن على المغسل خمس مرات وكم يبقى الذنوب على الصلاة خمس مرات وقال (ع): ليس مني من
استخف بصلاته لا يرد على الحوض لا والله ليس مني من شرب مسكرا لا يرد على الحوض ولا والله وقال الصادق (ع): ان شفاعتنا لا تنال مستخفا
193

بالصلاة وروى ابن يعقوب في الصحيح عن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله (ع) عن أفضل ما يقرب به العباد إلى ربهم أحب ذلك إلى الله
عز وجل ما هو فقال: اعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة الا ترى أن العبد الصالح عيسى بن مريم قال (وأوصاني بالصلاة والزكاة
ما دمت حيا) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يزال الشيطان زعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله
في العظائم وروى ابن يعقوب في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس في المسجد إذا دخل رجل فقام
يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني. [
المقصد الأول] في مقدمات الصلاة وفيه فصول،
{الفصل الأول} في أعدادها فهي واجبة ومندوبة والواجبات
تسعة الصلاة الخمس اليومية، وصلاة الجمعة، والعيدين، والكسوف، والآيات، وصلاة الطواف الواجب، وما يوجبه الانسان على نفسه بنذر
أو عهد أو يمين وما عدا ذلك مسنون. * مسألة: ولا يجب الصلاة إلا على البالغ العاقل في قول أهل العلم كافة إذ التكليف منوط بالوصفين
بلا خلاف وهل التمكن من الطهور شرط في الوجوب أم لا مضى البحث فيه وليس الاسلام شرطا في الوجوب عندنا وعن أكثر أهل العلم خلافا لأصحاب
الرأي وقد تقدم البحث في ذلك حيث بينا ان الكفار مخاطبون بالفروع. * مسألة: وعدد الفرائض في الحضر سبع عشر ركعة بلا خلاف بين أهل الاسلام
الظهر أربع ركعات بتشهدين وتسليم، العصر كذلك، والمغرب ثلاث بتشهدين وتسليم، والعشاء كالظهر، والصبح ركعتان بتشهد وتسليم، ويسقط في السفر
من كل رباعية ركعتان وما عدا ما ذكرنا من الصلوات غير واجب وهو قول علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة: الوتر واجب وهو
عنده ثلاث ركعات بتسليم واحد لا يزاد عليها ولا ينقص وأول وقته بعد المغرب والعشاء مقدمة وآخره الفجر. لنا: التمسك بالأصل وما رواه الجمهور
عن طلحة بن عبد الله ان أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ماذا فرض الله علي من الصلوات قال: خمس صلوات، فقال
هل علي غيرها قال: لا إلا أن يتطوع شيئا، فقال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
أفلح الرجل أي صدق وما رووه عن علي (ع): أن الوتر ليس بحتم ولا بصلواتكم المكتوبة ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله أوتر ثم قال
يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله فرض الله على أمتي خمسين صلاة وذكر الحديث إلى أن قال
فرجعت فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول الذي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبان بن تغلب قال صليت خلف أبي عبد الله
(ع) بالمزدلفة فلما انصرف ألتفت إلي فقال: يا أبان الصلاة الخمس المفروضات من أقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن لقى الله يوم القيامة وله
عنده عهد يدخله به الجنة ومتى لم يقم حدوده ولم يحافظ على مواقيتهن لقى الله تعالى ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وفي الصحيح عن زرارة
عن أبي جعفر (ع) قال: سأل عما فرض الله من الصلاة فقال: خمس صلوات في الليل والنهار الحديث وعن أبي أسامة عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل
عن الوتر فقال: سنة ليس بفريضة. وعن الحلبي قال أبو عبد الله (ع) في الوتر إنما كتب الله الخمس وليس الوتر مكتوبة إن شئت صليتها وتركها قبيح
ولأنها صلاة يجوز فعلها على الراحلة مع القدرة فكانت نفلا كالسنن ولان وجوب سادسة يستلزم نسخ قوله تعالى: (والصلاة الوسطى) وذلك لا يجوز بخبر الواحد
احتج أبو حنيفة بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر ولما روي عنه (ع) أنه قال: الوتر حق فمن أحب أن يوتر
بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحد فليفعل والجواب: ان الزيادة لا يستلزم الوجوب وقوله الوتر حق لا يدل على الوجوب إذ الحق نقيض الباطل و
ذلك لا يستلزم الوجوب وأيضا فلو كان واجبا لما تطرقت إليه الزيادة ولا النقصان كغيره من الواجبات وما ذكره من الحديث يدل على الزيادة وعلى النقصان
إذ مذهبه أن الوتر ثلاث ومن العجب أن أبا حنيفة لا يعمل بخبر الواحد فيما يعم به البلوى وأوجب الوتر على كل مكلف بخبر الواحد المعارض لما ذكرناه من
الأدلة قال حماد بن زيد: قلت لأبي حنيفة كم الصلاة قال: خمس قلت فالوتر قال فرض قلت لا أدري تغلط في الجملة وفي التفصيل وهذه * مسألة:
وينقسم النوافل إلى راتبة وغير راتبة والراتبة إلى تابعة للفرائض وإلى غير تابعة لها، فالتابعة للفرائض: ثلاث وعشرون ركعة ركعتان قبل الفجر، وثمان
قبل الظهر، وثمان قبل العصر، وأربع بعد المغرب، وركعتان من جلوس بعد العشاء تحسبان بركعة وقال الشافعي في أحد الوجهين أنها أحد عشر ركعة ركعتا
الفجر وأربع مع الظهر قبلها ركعتان وبعدها ركعتان وبعد المغرب ركعتان وبعد العشاء ركعتان والوتر ركعة وبه قال أحمد وفي الوجه الثاني
أنها ثلاث عشر وزاد ركعتين قبل الظهر وقال أبو حنيفة: ركعتان قبل الفجر وأربع قبل الظهر وقبل العصر أربع في إحدى الروايتين وفي الأخرى:
ركعتان وركعتان بعد المغرب وأربع قبل العشاء أو بعدها أيهما أحب فعل. لنا: أنها عبادة متلقاة من الشرع غير معقولة المعنى بل المأخوذ فيها
اتباع ما وظفه الشارع والمنقول عن أهل البيت (عل) يجب الاخذ به لأنهم أعرف بمظان الشرع وقد روى الشيخ في الصحيح عن فضل بن يسار عن
أبي عبد الله (ع) قال: الفريضة والنافلة أحد وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدان بركعة والنافلة أربع وثلاثون ركعة وفي الصحيح عن
الفضل بن يسار والمفضل بن عبد الملك وبكير قالوا: سمعنا أبا عبد الله (ع) يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي من التطوع
مثلي الفريضة ويصوم من التطوع مثل الفريضة وعن حنان قال سأل عمرو بن حريث أبا عبد الله (ع) وأنا جالس عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: كان النبي صلى الله عليه وآله
194

يصلي ثمان ركعات الزوال وأربعا الأولى وثماني بعدها وأربعا العصر وثلاث المغرب وأربعا بعد المغرب والعشاء الآخرة أربعا
وثماني صلاة الليل وثلاثا الوتر وركعتي الفجر وصلاة الغداة ركعتين وعن الحرث بن المغيرة النصري قال
سمعت أبا عبد الله (ع) يقول:
صلاة النهار ست عشر ركعة ثمان إذا زالت الشمس، وثمان بعد الظهر، وأربع ركعات بعد المغرب بأحاديث لا يدعهن في سفر ولا حضر وركعتان بعد
عشاء الآخر كان أبي يصليهما وهو قاعد وأنا أصليهما وأنا قائم وكان يصلي رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث عشر ركعة من الليل احتج الشافعي
بما روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: رحم الله امرء صلى قبل العصر أربعا وعن عائشة لما سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله
عليه وآله فقالت كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي ركعتين وكان يصلي المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين ثم يصلي بالناس
العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين احتج أحمد بما رواه ابن عمر قال حفظت عن النبي صلى الله عليه وآله عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها
وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتي قبل الصبح ومثله روت عائشة والجواب: أن هذه الأحاديث متعارضة إذ ابن
عمر قد روى حديثين غير متفقين وكذا عائشة وإذا اختلف نقل الراوي وجب إطراحه خصوصا مع معارضة نقل أهل البيت (عل) وهم أعرف
بذلك مع أن أحاديثهم لا ينافي ما قلناه أي ليس فيها نهي عن الزائد ولعله (ع) كان يفعل البعض ظاهرا والباقي في منزله فيخفى عن الراوي
ولأنه مندوب قد يتركه في بعض الأوقات لعذر. * مسألة: وغير التابعة للفرائض صلاة الليل وفيها فضل كثير وثواب جزيل روى ابن بابويه
قال نزل جبرئيل (ع) على النبي صلى الله عليه وآله فقال له: يا جبرئيل عظني قال: يا محمد عشق ما شئت فإنك ميت واجب من شئت فإنك مفارقه
واعمل ما شئت فإنك ملاقيه شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه كفى الأذى عن الناس وعن الصادق (ع) قال: إن من روح الله عز وجل ثلاثة
التهجد بالليل وإفطار الصائم ولقي الاخوان وقال الصادق (ع): عليكم بصلاة الليل فإنها سنة نبيكم ودأب الصالحين قبلكم ومطردة
الداء عن أجسادكم ومدح الله أمير المؤمنين (ع) في كتابه بقيام الليل فقال عز وجل: (أمن هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو
رحمة ربي) وآناء الليل ساعاته وقال أمير المؤمنين (ع): ان الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يصيب أهل الأرض بعذاب قال لولا الذين يتحابون
بحلال ويعمرون مساجدي ويستغفرون بالأسحار لولاهم لأنزلت عذابي وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي ذر (ره): يا أبا ذر احفظ
وصية نبيك من ختم له بقيام ليلة ثم مات فله الجنة. وعن الصادق (ع) أن الرجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل فإذا حرم صلاة الليل حرم
الرزق وعنه (ع): صلاة الليل يحسن الوجه ويحسن الخلق ويطيب الريح ويدر الرزق ويقضي الدين ويذهب بالهم ويجلو البصر وروى الشيخ
عن النوفلي قال سمعته يقول: ان العبد ليقوم في الليل فيميل به النعاس يمينا وشمالا وقد وقع وفيه على صدرة فيأمر الله تعالى أبواب السماء
فيفتح ثم يقول للملائكة انظروا إلى عبدي ما يصيبه في التقرب إلي ألم أفترض عليه زاجيا؟؟ من ثلاث خصال ذنبا أغفره له أو توبة أجددها له
أو رزقا أزيده فيه اشهدوا ملائكتي أني قد جمعتهن له والاخبار في ذلك كثيرة. * مسألة: وعددها في المشهور إحدى عشر ركعة ثمان
منها صلاة الليل واثنتان للشفع يسلم فيها ثم يوتر بواحدة ذهب إليه علمائنا وممن قال إن الوتر واحدة عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص و
زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو موسى وعائشة وسعيد بن المسيب وعطا ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأحمد وأبو ثور
وقال أصحاب الرأي أنه ثلاث ركعات أضافوا إليه ركعتي الشفع فسلم في الصلاة واحدة ورواه الجمهور عن علي (ع) وأبي وأنس وابن مسعود وابن
عباس وقال الثوري الوتر ثلاث وخمس وسبع وتسع إحدى عشرة. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الوتر
ركعة من آخر الليل وعن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي بالليل إحدى عشر ركعة يوتر منها بواحدة وعن النبي صلى الله
عليه وآله فيما رواه مسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة
قال قلت لأبي عبد الله (ع) ما جرت به السنة في الصلاة فقال: ثمان ركعات بعد الزوال إلى قوله وثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها واحدة
الوتر وركعتا الفجر وما رواه ابن يعقوب في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا صلى
العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه فوضع عند رأسه مخمرا فيرقد ما شاء الله ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات ثم يرقد ثم يقوم
فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات ثم يرقد حتى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثم صلى الركعتين الحديث وفي الصحيح عن أبي بصير عن أبي
عبد الله (ع) وفي السحر ثمان ركعات والوتر ثلاث ركعات مفصولة وسأل سعد بن سعد الأشعري الرضا (ع) الوتر فصل أو وصل قال: فصل
والنوافل غير الرواتب يأتي في أماكنها إن شاء الله تعالى. * مسألة: ويسقط في السفر من النوافل الراتبة نافلتا الظهر والعصر و
الركعتان من جلوس وهو مذهب علمائنا لان وجوب القصر في الفرض يدل ظاهرا على السقوط في النافلة ولما رواه الشيخ أبي يحيى الحناط
قال سألت أبا عبد الله (ع) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال: يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة وعن صفوان بن يحيى
قال سألت الرضا (ع) عن التطوع بالنهار وأنا في سفر قال: لا، أما صلاة العشاء فإنا نسقط نافلتها فلا ينقص ما ذكرناه بها والأربع السابقة عليها
195

نافلة المغرب وهي لا يقصر فكذا نافلتها وفي الصحيح عن سيف الثمار عن أبي عبد الله (ع) إنما فرض الله على المسافر ركعتين لا قبلهما ولا بعدهما
شئ إلا صلاة الليل على بعيرك حيث توجه بك وهذه الرواية يدل على صلاة الليل خاصة وأما نافلة المغرب ويدل عليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن
الحرث بن المغيرة قال لي أبو عبد الله (ع): لا تدع أربع ركعات المغرب في السفر ولا في الحضر وكان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر
ولا حضر وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: صل صلاة الليل والوتر والركعتين في المحمل وأما ركعتا الفجر فيدل عليها مع ما مضى
ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان عن أبي الحسن (ع) قال: صل ركعتي الفجر في المحمل. فرع: قال الشيخ في بعض كتبه ويجوز أن يصلي
الركعتين من جلوس بعد العشاء في السفر وعول في ذلك على رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) إنما صارت العتمة مقصورة وليس ترك
ركعتاها لان الركعتين ليستا من الخمسين وإنما هي زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع والأولى السقوط لما رواه في الصحيح عن أبي
بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب فإن بعدها أربع ركعات لا يدعهن في
حضر ولا سفر. * مسألة: ركعتا الفجر أفضل من الوتر وهو أحد قولي الشافعي وعكس في الآخر. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي هريرة عن
رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: صلوهما ولو طردتكم الخيل وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن على شئ
من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح ومن طريق الخاصة ما روي عن علي (ع) في قوله: (إن قرآن الفجر كان مشهودا) قال: ركعتا
الفجر شهدهما ملائكة الليل والنهار واحتج الشافعي بأن الوتر قد فعل بوجوبه ولان النبي صلى الله عليه وآله توعد عليه فقال من لم يوتر فليس
منا. والجواب: أن القول بوجوبه خطأ عندنا وعنده فلا يجوز أن يكون حجة والتوعد منصرف إلى من لم يعتقد استحبابه قال ابن بابويه ثم
يتلوهما في الفضل ركعة الوتر وذلك لما روي عن الصادق (ع) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يتبين إلا بوتر قال وبعدهما ركعتا
الزوال وبعدهما نوافل المغرب وبعدهما تمام صلاة الليل وبعدهما تمام نوافل النهار. * مسألة: سجود الشكر في المغرب ينبغي أن
يكون بعد نافلتها لما رواه الشيخ عن حفظ الجوهري قال صلى بنا أبو الحسن علي بن محمد (ع) صلاة المغرب فسجد سجدة الشكر بعد السابعة
فقلت له كان آباؤك يسجدون بعد الثلاثة فقال: ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد السبعة وقد روى جواز التعفير في سجدة الشكر بعد المغرب
جهيم بن جهيمة قال رأيت أبا الحسن موسى بن جعفر (ع) وقد سجد بعد الثلاث ركعات من المغرب فقلت له جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث
فقال: ورأيتني فقلت نعم، قال: فلا تدعها فإن الدعاء فيها مستجاب ويكره الكلام بين المغرب ونوافلها لما رواه أبو الفوارس قال نهاني أبو عبد
الله (ع) أن أتكلم بين الأربع التي بعد المغرب. * مسألة: الأفضل في النوافل أن يصلى كل ركعتين بتشهد واحد ويسلم بعده
ليلا كان أو نهارا إلا في الوتر وصلاة الأعرابي وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجوز أن يتطوع ليلا بركعتين وبأربع وبست وبثمان
ويتشهد في الآخر من ذلك ويسلم مرة واحدة أما في النهار فإنه يجوز أن يتطوع بركعتين وبأربع خاصة. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة قال
قال النبي صلى الله عليه وآله مفتاح الصلاة الطهور بين كل ركعتين تسليمة وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: صلاة الليل والنهار
مثنى مثنى رواه البارقي ولأنه (ع) هكذا فعل روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء الآخرة
إلى أن يتصدع الصبح أحد عشر ركعة يسلم في كل ثنتين ويوتر بواحدة ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه سئل الصادق (ع) ثم صارت المغرب ثلاث
ركعات وأربعها بعدها ليس فيها تقصير في حضر ولا سفر فقال إن الله تبارك وتعالى أنزل على نبيه صلى الله عليه وآله كل صلاة ركعتين الحديث.
فروع: [الأول] لو تطوع بثلاث من غير أن يفصل بينهن بتسليم أو ما زاد على ذلك قال في المبسوط لا يجوز وقال في الخلاف يكون قد خالف
السنة وقال أبو حنيفة يكره ما زاد على الأربع وقال الشافعي يجوز ما أراد لكن لا يزيد في التشهد على تشهدين ويكون بين التشهدين ركعتان
حتى لو أراد ثمان ركعات ويتشهد بعد الرابعة والثامنة لم يجز بل اما بتشهد واحد في الأخير أو يتشهد عقيب السادسة والثامنة ولو قيل عشرا
بتشهدين تشهد الأول والآخر بعد العاشرة وسلم وهكذا لأنها عبادة شرعية متلقاة عن الشرع والذي ثبت فعله من النبي صلى الله عليه وآله
أنه كان يصلي مثنى مثنى فيجب اتباعه فيه. [الثاني] هل يجوز أن يقصر على الواحدة فيما عدا الوتر قال في الخلاف بعدمه، وبه قال أحمد في
إحدى الروايتين وبه قال أبو حنيفة وفي الأخرى يجوزونه قال الشافعي. لنا: أن التقدير الشرعي ورد بالاثنين فيمن نقص يكون مخالفا وما رواه
الجمهور عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن التبرا بمعنى الركعة الواحدة احتج أحمد بأن عمر صلى ركعة ثم خرج من المسجد فقيل له إنما
صليت ركعة فقال هو تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص والجواب: أنه قال عن رأي فلا يكون حجة. [الثالث] لو جوزنا الزيادة على
اثنين فقام إلى الثالثة سهوا قعد كما في الفرائض وإن تعمد فإن قصد أن يفعل ثلاثا صح كالمسافر إذا نوى التقصير في إحدى الأربعة ثم نوى
الاتمام في الأثناء وإن لم يقصد صلاة ثلاث أو ما زاد بطلت صلاته كما لو زاد في الفريضة. * مسألة: صلاة الضحى بدعة عند علمائنا
خلافا للجمهور فإنهم أطبقوا على استحبابها. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الضحى قط وسألها عبد الله بن
196

شفيق قال قلت لعائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الضحى قالت لا إلا أن يجئ من مغيبك وعن عبد الرحمن بن أبي ليلا قال ما حدثين
أحد أنه رأي النبي صلى الله عليه وآله يصلي الضحى إلا أم هاني حدثت أن النبي صلى الله عليه وآله دخل بيتها يوم فتح مكة فصلى ثمان ركعات ما رأيت
قط صلى صلاة اخر منها. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة بن مسلم والفضل قالوا سألناهما (ع) عن الصلاة في
رمضان نافلة بالليل جماعة فقال: ان النبي صلى الله عليه وآله قام على منبره فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس ان الصلاة بالليل في شهر رمضان
النافلة في جماعة بدعة وصلاة الضحى بدعة الا فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل ولا تصلوا صلاة
الضحى فإن ذلك معصية
ألا وأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار ثم نزل وهو يقول قليل في سنة خير من كثير في بدعة ولأنها لو كانت مستحبة لدلوم؟؟ عليها
النبي صلى الله عليه وآله وكان لا يخفى ذلك عن أصحابه ونسائه وقد نفت عائشة ذلك و عبد الرحمن وغيرهما احتج المخالف بما رواه أبو
هريرة قال أوصاني خليلي بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتين الضحى وإن أوتر قبل أن أرقد ومثله رواه أبو الدرداء عنه (ع) والجواب:
أن هاتين الروايتين معارضتان بما ذكرناه من الأحاديث مع أنه (ع) في أغلب أحواله في منزل عائشة فكيف يخفى عنها ذلك ويعارض أيضا
بما رواه أحمد في مسنده قال رأى أبو بكر ناسا يصلون الضحى فقال أنهم ليصلون صلاة ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله ولا عامة
أصحابه وروى الأصحاب عن علي (ع) إنكار هذه الصلاة بالكلية وعن أولاده (عل) لا يقال الصلاة مستحبة في نفسها فكيف حكمتم
ها هنا بكونها غير مستحبة لأنا نقول إذا أتى بالصلاة من حيث أنها نافلة مشروعة في هذا الوقت كان بدعة أما ان وقعها على أنها نافلة مبتدئة
فلا يمنع منه وهي عندهم ركعتان وأكثرها ثمان وقعها وقت اشتداد الحر. * مسألة: والتطوع قائما أفضل منه جالسا ويجوز أن يتطوع
جالسا ولا نعرف في الحكمين مخالفا قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم لكنه يحتسب كل
ركعتين من جلوس بركعة من قيام ويسلم عقيب كل ركعتين من جلوس وإن احتسب كل ركعة من جلوس بركعة من قيام جاز روى الجمهور عن النبي صلى
الله عليه وآله قال: صلاة الرجل قاعدا بنصف الصلاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل
يكسل أو يضعف فيصلي التطوع جالسا قال: يضعف ركعتين بركعة وفي الصحيح عن الحسن بن زياد الصيقل قال قال لي أبو عبد الله (ع): إذا صلى
الرجل جالسا وهو يستطيع القيام فليضعف وعن سرير بن حكيم قال قلت لأبي جعفر (ع) أتصلي النوافل وأنت قاعد فقال: ما أصليها إلا وأنا قاعد
منذ حملت هذا اللحم وبلغت هذا السن. فرع: يستحب له إذا صلى جالسا أن يربع فإذا أراد الركوع قام وركع روى الجمهور عن عائشة
ان النبي صلى الله عليه وآله ما كان يصلي في الليل قاعدا حتى أسن فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين ثم
ركع. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت له الرجل يصلي وهو قاعد فيقرأ السورة فإذا أراد أن يختمها قام
وركع بآخرها فقال: صلاته صلاة القائم وفي الصحيح عن حماد بن عيسى عن أبي الحسن (ع) قال سألته عن الرجل يصلي وهو جالس فقال:
إذا أردت أن تصلي وأنت جالس وتكتب لك بصلاة القائم فاقرأ وأنت جالس فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمها واركع فتلك يحسب لك بصلاة
القائم ولان فيه تشبيها بالقائم في أهم الأفعال وهو الركوع فكان مستحبا وأما استحباب التربيع في حال الجلوس فهو قول علمائنا والشافعي
ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وروى عن ابن عمر وابن سيرين ومجاهد وسعيد بن جبير خلافا لأبي حنيفة. لنا: ما رواه الجمهور عن أنس أنه صلى مربعا
فلما ركع ثنى رجليه. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن حمير ابن أعين عن أحدهما (ع) قال كان أبي إذا صلى جالسا تربع فإذا ركع ثنى رجليه
ولان القيام يخالف القعود فينبغي أن يخالف هيئته في بدل هيئة غيره بمخالفة القيام غيره احتج أبو حنيفة بأن القيام قد سقط فيسقط هيأته و
الجواب: أن السقوط في الأول للمشقة فلا يستلزم سقوط ما لا مشقة فيه ولو صلى كيف ما أراد جاز لما رواه الشيخ عن معاوية بن مغيرة أنه سمع
أبا عبد الله (ع) وقد سئل أيصلي الرجل وهو جالس مربعا أو مبسوطة الرجلين فقال: لا بأس واما استحباب يثني الرجلين في الركوع فهو قول علمائنا
وبه قال الثوري وقال أبو يوسف ومحمد وأحمد إنما يثني في حال السجود خاصة. لنا: ما تقدم من حديث أنس وحمران. الفصل الثاني، في المواقيت
وفيه مباحث {الأول} في مواقيت الفرائض. أصل: لا يمكن أن يكلف الله تعالى بفعل في وقت قاصر عن الفعل لأنه يكون
تكليف ما لا يطاق إلا أن يكون الفرض منه وجوب القضاء وأما جواز التكليف في وقت موافق فمتفق عليه بين أهل العلم كصوم يوم وفي جواز
زيادة الوقت على التكليف خلاف الأصح فيه الجواز والوقوع لان الامر تعلق بجميع أجزاء الوقت والوجوب مستفاد منه ويكون في الحقيقة
المرجع بهذا الوجوب إلى المخير ولا حاجة إلى البدل على المذهب الحق خلافا للسيد المرتضى لان العزم إن كان متساويا للفعل في جميع
المصالح المطلوبة منه كان الاتيان به سببا لسقوط التكليف بالفعل لان الامر وقع بالفعل مرة واحدة والتقدير مساواة بدله
له في كل وجه قد أتى به وإن لم يكن متساويا لم يكن بدلا إذ بدل الشئ ما يقوم مقامه في جميع الأمور المطلوبة منه لا يقال لا يلزم من البدل المساواة كما
في التيمم والكفارات المرتبة لأنا نقول البدل يفهم من (منه) معنيان، أحدهما: ما يقوم مقام الشئ ويساويه ويسد مسده في كل وقت وحال، والثاني:
197

ما يكون بدلا منه بمعنى أنه يحصل بعض المصالح المتعلقة بذلك الشئ ويقوم مقامه لا في كل وقت بل في وقت تعذر الاتيان بالمبدل منه فالعموم لا يمكن
أن يقال أنه بدل على الوجه الثاني إذ ترك المبدل منه جائز في أول الوقت إجماعا فبقي أن يكون بالمعنى الأول ويلزم ما ذكرناه ولان الموجود هو
الامر بالفعل ولا دلالة على إيجاب بدله فلا دليل عليه ولأنه إذا أتى بالعزم في أول الوقت ففي ثانيه إن وجب العزم لزم تكرار بدل ما لا تكرار فيه وشأن البدل المساواة وإن لم يجب
جاز ترك الفعل فيه لزم المطلوب وفي هذين نظر فالأولى الاعتماد على الأول وقولهم لو كان واجبا في أول الوقت لما جاز تركه فيه مدفوع
بما حققناه في الأول من كون هذا الواجب كالواجب المخير.
* مسألة: أجمع المسلمون على أن كل صلاة من الصلوات الخمس مؤقتة بوقت معين
مضبوطة وقد ورد في ذلك أحاديث صحاح أنا أتلوها عليك بعون الله تعالى واعلم أن لكل صلاة وقتين أول وآخر فالوقت الأول وقت الفضيلة
والآخر وقت الاجزاء اختاره السيد المرتضى وابن الجنيد وأتباعهما وقال الشيخان الوقت الأول وقت من لا عذر له والثاني وقت من له عذر.
لنا: ما رواه الشيخ عن زرارة قال قال أبو جعفر (ع): أحب الوقت إلى الله عز وجل أوله حين يدخل وقت الصلاة فصل الفريضة فإن لم تفعل
فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس احتج الشيخ بما رواه عن إبراهيم الكرخي قال سألت أبا الحسن موسى (ع) متى يدخل وقت الظهر قال إذا زالت الشمس
فقلت متى يخرج وقتها فقال: من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام إن وقت الظهر ضيق ليس كغيره قلت فمتى يدخل وقت العصر فقال: إن آخر وقت الظهر هو
أول وقت العصر، فقلت فمتى يخرج وقت العصر فقال: وقت العصر إلى أن تغرب الشمس وذلك من علة وهو تضييع فقلت له لو أن رجلا صلى الظهر
بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد لها فقال: إن كان تعمد ذلك ليخالف السنة والوقت لم يقبل منه كما لو أن رجلا
أخر العصر إلى أن تغرب الشمس متعمدا من غير علة لم يقبل منه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد وقت للصلاة المفروضات أوقاتا وحد لها
حدودا في سنة للناس فمن رغب عن سنة من سنة الموجبات كان مثل من رغب عن فرائض الله والجواب: ان الحديث دال على أن الترك رغبة عن
السنة ونحن نقول بتحريم ذلك وليس البحث فيه. * مسألة: أول وقت الظهر زوال الشمس بلا خلاف بين أهل العلم قال الله تعالى:
(أقم الصلاة لدلوك الشمس) والدلوك هنا الزوال قال صاحب الصحاح وقال ابن مسعود والدلوك الغروب ونقله الجمهور عن علي (ع) والمشهور
بين أهل العلم هو الأول ونقل ذلك في أحاديث أهل البيت (عل) روى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عما فرض
من الصلاة فقال: خمس صلوات في الليل والنهار فقلت هل سماهن الله في كتابه وبينهن فقال: نعم قال الله عز وجل: (أقم الصلاة لدلوك الشمس
إلى غسق الليل) ودلوكها زوال الحديث وروى الجمهور عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وآله أن رجلا سأله عن وقت الصلاة فقال: صل معنا
هذين اليومين فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن ثم أمره فأقام الصلاة ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة مصا (مما) بقية لم يخالطها صفرة ثم أمره فأقام
المغرب حتى غابت الشمس ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر الحديث ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سعيد بن الحسن قال قال أبو جعفر (ع):
أول وقت زوال الشمس وهو وقت الله الأول وهو أفضلها وعن عيسى بن أبي منصور قال قال أبو عبد الله (ع): إذا زالت الشمس فصل سبحتك
فقد دخل الوقت الظهر وروى ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه قال إذا زالت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء
الآخر. * مسألة: ويستحب تأخيرها من أول الوقت بمقدار ما يصلى فيه النافلة على ما يأتي بيان وقتها ومن لم يصل لا يستحب له
التأخير بل التقديم خلافا لمالك فإنه قال أحب تأخير الظهر حتى يصير الظل ذراعا. لنا: قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) وظاهر الامر الوجوب وما رواه الجمهور في حديث بريدة ومن طريق الخاصة ما تقدم ولأنه محافظة على الصلاة فكان أولى خرج عن هذا الوقت الذي
يفعل فيه النافلة لمعنى فعل الطاعة وهو غير موجود في صورة الترك احتج مالك بما روي أن حائط رسول الله صلى الله عليه وآله كان قامته فإذا صار الفئ ذراعا
صلى الظهر والجواب: أنه محمول على أنه (ع) كان يفعل النافلة بل ذلك متعين لمحافظته على الطاعات واجبة أو مندوبة وقد ورد عن هذا التأويل
في أحاديث أهل البيت (عل) روى الشيخ في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: كان حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قامة فإذا مضى من
فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان قلت لا، قال: من أجل الفريضة إذا دخل وقت
الذراع والذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة ورواه ابن بابويه في الصحيح إلا أنه قال سئل أبو جعفر (ع) أتدري لم جعل الذراع والذراعان
قلت لم جعل ذلك قال: لمكان النافلة لك أن يتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع الحديث ومع ذلك وهو معارض بما تقدم من الاخبار و
بما نقل عن أهل البيت (عل) روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار وابن وهب قال قال أبو عبد الله (ع) لكل صلاة وقتان وأول
الوقت أفضله وفي الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) أصلحك الله وقت كل صلاة أول الوقت أفضل أو وسطه أو آخره فقال:
أوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله أن الله يحب من الخير ما يعجل. * مسألة: زوال الشمس ميلها عن وسط السماء وانحرافها عن
دائرة نصف النهار ويعرف بزيادة الظل بعد نقصانه بأن ينصب مقياس ويقدر ظله ثم يصير قليلا ثم يقدر ثانيا فإن كان دون الأول
لم يزل وإن زاد ولم ينقص فقد زالت والضابطة في معرفة ذلك الدائرة الهندية وصفتها أن تسوى موضعا من الأرض خاليا من ارتفاع
198

وانخفاض وتدير عليه دائرة بأي بعد شيئا شئت وتنصب على ما ذكرنا مقياس مخروط محدد الرأس يكون نصف قطر الدائرة بقدر ضعف المقياس على زاوية
قائمة ويعرف ذلك بأن يقدر ما بين الرأس المقياس ومحيط الدائرة من ثلاث مواضع فإن تساوت الابعاد فهو عمود ثم يرصد ظل المقياس قبل الزوال
حين يكون خارجا من محيط الدائرة نحو المغرب فإذا انتهى رأس الظل إلى محيط الدائرة يريد الدخول فيه يعلم عليه علامة ثم يرصده بعد الزوال
قبل خروج الظل من الدائرة فإذا أراد الخروج عنه علم عليه علامة ويصل ما بين العلامتين بخط مستقيم وينصف ذلك الخط ويصل بين
مركز الدائرة ومنتصف الخط فهو خط نصف النهار فإذا ألقى المقياس ظله على هذا الخط الذي قلنا أنه خط نصف النهار كانت الشمس في وسط
السماء لم يزل فإذا ابتداء وليس الظل يخرج عنه فقد زالت الشمس وبذلك يعرف أيضا القبلة وقد يزيد الظل وينقص ويختلف باختلاف الأزمان
والبلدان ففي الشتاء يكثر الفئ عند الزوال وعند الصيف يقل وقد يعدم بالكلية وذلك بمكة مثلا قبل أن ينتهي طول النهار بستة وعشرين يوما
وكذا بعد انتهائه بستة وعشرين يوما وقد روي في أحاديث أهل البيت (عل) هذا الاختلاف روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال:
يزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم وفي النصف من تموز على قدم ونصف وفي النصف من آب على قدمين ونصف وفي النصف من
أيلول على ثلاثة ونصف وفى النصف من تشرين الأول على خمسة ونصف وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة ونصف وفي النصف من كانون
الأول على تسعة ونصف وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف وفي النصف من شباط على خمسة ونصف وفي النصف من آذر على ثلاثة
ونصف وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف وفي النصف من أيار على قدم ونصف والظاهر أن هذه الرواية مختصة بالعراق والشام وما
قاربهما واعلم أن المقياس قد يقسم مرة باثني عشر قسما ومرة بسبعة أقسام أو ستة ونصف ومرة بستين قسما فان قسم بأثني عشر قسما سمي الأقسام
أصابع فظله ظل الأصابع وإن قسم سبعة أقسام أو ستة ونصف سميت إقداما وإن قسم بستين قسما سميت أجزاء قيل في الهيئة أطول ما يكون
الظل المنبسط في ناحية الشمال ظل أوال الجدي وأقصره أول السرطان وهو يناسب رواية عبد الله بن سنان عن الصادق (ع) ولو كان في موضع
لا يكون للشخص فيه ظل اعتبر الزوال بظهور الفئ وقد يعرف الزوال بالتوجه إلى الركن العراقي لمن كان بمكة فإذا وجد الشمس على حاجب الأيمن علم
أنها قد زالت. * مسألة: آخر وقت الظهر للفضيلة إذا صار ظل كل شئ مثله بمعنى أن الفئ إذا زاد على ما زالت عليه الشمس قدر ظل الشخص
فهو آخر وقت الظهر ومعرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشمس وهو الظل الذي بقي بعده تناهى النقصان وهذا الظل قد يكون في الشتاء
أكثر من الشخص ونقل في الصيف ثم ينظر قدر الزمان عليه فإن كانت قد بلغت قدر الشخص فقد انتهى وقت الظهر والانسان طوله سبعة أقدام ونصف
بقدمه فإذا أردت أن تعتبر المثل فقدر الزمان من الفئ بقدمك وذلك بان تقف في موضع مستو من الأرض وتعلم على الموضع الذي انتهى إليه فيه
وتعرف قدر ما زالت عليه الشمس وتقدر فيه بالاقدام فتضع قدمه اليمنى بين يدي قدمه اليسرى والصق مقبة؟؟ بإبهامه اليسرى فإذا مسحه بالاقدام أسقط
منه القدر الذي زالت عليه الشمس إذا بلغ الباقي ستة أقدام ونصف فقد بلغ المثل فإذا بلغ ذلك فقد خرج وقت الفضيلة وبه قال علم الهدى وابن الجنيد
واختاره مالك وعطا وطاوس ولا خلاف في أن وقت الظهر ممتد إلى هذه الغاية للمختار وإنما الخلاف في أن الوقت هل تمتد للمختار إلى قبل الغروب
بمقدار العصر أم لا فالذي ذهب إليه علم الهدى وابن الجنيد أنه ممتد إلى تلك الغاية وهو الذي يختاره نحن وبه قال مالك وعطا وطاوس وقال
الشيخ آخر وقت المختار إذا صار ظل كل شئ مثله فإذا صار ذلك خروج وقت الظهر وبه قال الثوري والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي
وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل وقال أبو حنيفة وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شئ مثله. لنا: قوله تعالى: (وأقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق
الليل) قال صاحب الصحاح والغسق أول ظلمة الليل والظاهر أن الغاية والبداية لصلاة واحدة ولا ينافي ذلك فعل القصر في ذلك الوقت لان
المقصود من ذلك صحة الظهر فيما عدا الوقت المختص بالعصر ولأنه غاية أما للظهر والعصر معا أو للعصر على كلا التقديرين يثبت
مطلوبنا إذ لا قائل بأن أخر وقت العصر الغروب وآخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شئ مثله وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله انه جمع
بين الظهر والعصر في وقت العصر في الحضر وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وآله أمر المؤذن بالأذان حين رأينا في الطول وهذا إنما يكون بعد
مجاوز المثل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن وقت الظهر والعصر فقال: إذا زالت الشمس دخل
وقت الظهر والعصر جميعا إلا أن هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس وعن زرارة قال قال أبو جعفر (ع): أحب الوقت إلى الله
عز وجل أوله يدخل وقت الصلاة فصل الفريضة فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع)
منهم صلاتان من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه احتج الشيخ بما رواه الكرخي عن أبي الحسن (ع) فقلت لو أن
رجلا صلى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام لكان عندك غير مؤد لها؟ فقال: إن كان تعمد ذلك ليخالف السنة والوقت ولم يقبل
منه وبما رواه في الموثق عن زرارة قال قال أبو عبد الله (ع) لعمرو بن سعيد بن بلال إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر وإذا كان ظلك مثليك
فصل العصر وما رواه عن محمد بن حكيم عن العبد الصالح (ع) وهو يقول أن أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال
199

وأول وقت العصر قامة وآخر وقتها قامتان قلت في الشتاء والصيف قال نعم وعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) قال أتى جبرئيل (ع)
رسول الله صلى الله عليه وآله بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد من الظل قامة فأمره فصلى العصر
ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح ثم أتاه
من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى
المغرب ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح ثم قال ما بينهما وقت وعن الفضل بن يونس
الشيباني عن أبي عبد الله (ع) في الحائض تطهر بعد مضي أربعة أقدام قال: لا يجب عليها قضاء الظهر لان الوقت دخل وهي حائض وخرج وهي حائض احتج
الشافعي بما روي أن جبرئيل (ع) صلى بالنبي صلى الله عليه وآله حين كان الفئ مثل الشراك في اليوم الأول وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شئ مثله
ثم قال يا محمد صلى الله عليه وآله هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين احتج أبو حنيفة بأن النبي صلى الله عليه وآله قال: إنما مثلكم ومثل أهل الكتابين
كرجل استأجر أجيرا فقال من يعمل لي من غدوه إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط
فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين فأنتم هم فغضبت اليهود
والنصارى وقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء
قال هل نقصتكم من حقكم قالوا لا قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء وهذا يدل على أن من الظهر إلى العصر أكثر من العصر إلى المغرب والجواب
عن الأول: قد تقدم. وعن الثاني: أنه دال على الامر بالصلاة في الوقتين وليس فيه بيان أنه آخر الوقت لا يقال الامر في ذلك الوقت للوجوب بناء على
الأصل لأنا نقول نعم انه للوجوب إذا أخر الزمان في الواجب الموسع متساوية في صدق الوجوب فيها. وعن الثالث: أنه دال على أن آخر الوقت ما ذكر
لكنه مطلق يتناول المختار والمضطر وذلك غير مراد قطعا فلا بد من حمله على ما هو المراد فليبق (فليس) بحمله على ما ذكروه أولى من حمله على بيان وقت الفضيلة
بل ما ذكرناه أولى لتصريحهم (عل) بأن الوقت الأول أفضل وقد نص الباقر (ع) على أبلغ من ذلك فقال: فإن لم تفعل فإنك في وقت
بينهما حتى تغيب الشمس وعن الرابع: أنه ليس فيه دلالة على المطلوب إذ موضع ما يتوهم فيه الدلالة شيئان، أحدهما: فعل الصلاة في هذه الأوقات
وذلك لا يدل على المطلوب قطعا. والثاني: قوله وما بينهما وقت وهذا أيضا غير دال من حيث مفهوم الخطاب مع حصول المعارض ثم نقول أنه دل
على نفي الوقت مطلقا عن غير المحدود فهو غير مراد بالاجماع وإن دل على نفي الوقت المعين فنحن نحمله على الوقت المشتمل على الفضيلة
لا على وقت الاختيار وعن الخامس: ان الفضل بن يونس قال الشيخ انه واقفي فلا تعويل إذن على روايته مع أنها منفية بالاجماع إذ لا خلاف
بيننا آخر الوقت الظهر للمعذور يمتد إلى قبل الغروب بمقدار العصر ولأنه علق الحكم عن الطهارة بعد أربعة الاقدام فيحتمل أنه أراد
بذلك ما إذا تخلص الوقت للعصر وعن السادس: أنه دال على وقت الفضيلة ولهذا أنه قال وقت الأنبياء قبلك ومن المعلوم شدة
اهتمام الأنبياء (عل) بفعل العبادات في أوائل أوقاتها وقوله والوقت فيما بين هذين قد بينا عدم دلالته لا يقال " الألف واللام " فيه مستوعبة
لأنا نقول يحتمل العهد به خصوصا مع تقدم الذكر وعن السابع: أنه غير دال على المطلوب لاحتمال أن يكون آخر وقت الظهر قبل الغروب بأربع
وهو الظاهر ليحصل المطلوب وهو الزيادة المناسبة للوقت الأول والنقيصة المطلوبة لاظهار شرف أتباعه (عل) ويقول أيضا قد ثبت
أن النبي صلى الله عليه وآله أبرد بالصلاة رواه الجمهور ورواه الخاصة روى ابن بابويه في كتاب مدينة العلم في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع)
قال: كان المؤذن يأتي النبي صلى الله عليه وآله في الحر في صلاة الظهر فيقول له (ع) أبرد أبرد وذلك يكون بعد تجاوز المثل فلو كان هو الوقت
المضروب لزم تأخير الصلاة عن وقتها وأيضا روى ابن بابويه في كتاب مدينة العلم في الصحيح عن الحسن بن علي الوشا قال سمعت الرضا (ع) يقول:
كان أبي ربما صلى الظهر على خمسة أقدام. تنبيه: قد اختلف الروايات عن الأئمة (عل) من اعتبار الاقدام والأذرع والقامات
روى الشيخ في الصحيح عن الفضيل وزرارة وبكير ومحمد بن مسلم ويزيد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) قالا: وقت الظهر بعد
الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك بقدمان وهذا أول وقت إذا أن يمضي أربعة أقدام للعصر والقامات وردت في رواية محمد بن حكيم
وقد سلفت والأذرع رواها الشيخ عن إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي جعفر قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان الفئ في الجدار
ذراعا صلى الظهر وإذا كان ذراعين صلى العصر، قلت الجدران يختلف منها قصير ومنها طويل، قال: إن جدار مسجد رسول الله صلى الله عليه
وآله كان يومئذ قامة وإنما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون تطوع في وقت فريضة وعن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع)
قال سألته عن صلاة الظهر، فقال: إذا كان الفئ ذراعا، قلت ذراعا من أي شئ قال: ذراعا من فيئك، قلت فالعصر قال: الشطر من ذلك، قلت
هذا شبر، قال: أو ليس شبر كثيرا قال الشيخ والمراد من الجميع شئ واحد لما رواه علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: القامة هي الذراع
قال ويحتمل أن يكون ذلك باعتبار تفاوت فعل النافلة في الزيادة والنقصان ويؤيده ما رواه في الصحيح عن منصور بن حازم قال كنا نقيس الشمس بالمدينة
بالذراع فقال لنا أبو عبد الله (ع) ألا أنبئكم بابين من هذا قال قلنا: بلى جعلنا الله فداك، قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر
200

إلا أن بين يديها سبحة وذلك إليك فإن أنت خففت فحين تفرغ من سبحتك وإن أنت طولت فحين تفرغ من سبحتك قال ويحتمل عدد
الاختلاف إلى اختلاف ظل المنصوب بحسب الأوقات فتارة ينتهي الظل منه في القصور حتى لا يبقى بينه وبين أصل المنصوب أكثر من قدم، وتارة ينتهي
إلى قدر يكون بينه وبين ذراع، وتارة تكون مقداره مقدار الخشب المنصوب فإذا رجع الظل إلى الزيادة وزاد مثل ما كان قد انتهى إليه من الحد فقد
دخل الوقت سواء كان قدما أو ذراعا أو مثل الجسم المنصوب ويؤيده ما رواه يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عما جاء في
الحديث ان صلي الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين وذراعا وذراعين وقدما وقدمين فكيف هذا وقد يكون الظل في بعض الأوقات نصف
قدم قال إنما قال ظل القامة ولم يقل قامة الظل وذلك أن ظل القامة يختلف مرة ويكثر مرة ويقل والقامة قامة أبدا لا يختلف ثم قال ذراعا
وذراعين وقدم وقدمين فصار ذراع وذراعان تفسير القامة والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظل القامة ذراعا وظل القامتين
ذراعين فيكون ظل القامة والقامتين والذراع والذراعان متفقين في كل زمان معروفين مفسرا أحدهما بالآخر مسدودا به فإذا
كان الزمان يكون منه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظل القامة وكانت القامة ذراعا من الظل وإذا كان ظل القامة أقل أو
أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين فهذا تفسير القامة والقامتين والذراع والذراعين أقول: والاحتمال الثاني يدل على أن
التوقيت لفضيلة لا للوجوب. فائدة: قال الشيخ المعتبر في زيادة الظل قدر الظل الأول لا قدر الشخص المنصوب وقال الأكثر المعتبر قدر الشخص
احتج الشيخ برواية يونس وقد تقدمت وهي مرسلة وفي طريقها صالح بن سعيد وهو مجهول احتج غيره بقول أبي عبد الله (ع): إذا صار ظلك
مثلك فصل الظهر وإذا صار ظلك مثليك فصل العصر ولما رواه يزيد بن خليفة عن الصادق (ع) قال قلت لأبي عبد الله ان عمر بن حنظلة أتانا عنك
بوقت فقال (ع): إذن لا يكذب علينا قلت ذكر أنك قلت إن أول صلاة أفترضها الله على نبيه الظهر وهو قول الله عز وجل: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ثم لا يزال في وقت الظهر إلى أن يصير الظل قامة وهو
آخر الوقت فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم تزال في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء قال: صدق. فائدة أخرى: ظهر من ذلك أن الوقت المختص بالظهر من
الزوال إلى أن يمضي مقدار أربع ركعات حضرا وركعتين سفرا ثم يشترك الوقت مع العصر إلى أن يبقى من النهار مقدار أداء العصر فيختص بالعصر
وقد نبه على هذه الفائدة الصادق (ع) روى الشيخ عن داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا زالت الشمس فقد دخل
وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى لا يبقى من الشمس مقدار ما
يصلى أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس وأيضا لا يمكن وجوب فعل الصلاتين في أول الوقت
دفعة ولا تقديم العصر فتعين اختصاص ذلك الوقت بالظهر ثم قد ثبت الاشتراك بقولهم (عل) وقد دخل الزمان إلا أن هذه
قبل هذه فإذا كان من الوقت مقدار أربع ركعات خرج وقت الظهر إذ لا يمكن فعلهما فيه ولا جعل الظهر لان قوله (ع) إلا أن هذه قبل هذه يشعر باختصاص
آخر الوقت بالمتأخر ومع هذا التحقيق ظهر أن الاطلاق بدخول وقت الصلاتين الموجود في كلام الأئمة (عل) وعبارات علمائنا محمول على
ما قلنا وليس كما ظنه بعض المتوهمين حتى أنه لعدم تحمله على تخطئة هذا القول فله نظر فيه وتأمل لما ارتضى ذلك نفسه فإنهم لم يطلقوا ذلك بل قيدوا
بقولهم إلا أن هذه قبل هذه وهذا يدل على الاشتراك فيما عدا وقت الاختصاص وأيضا فإنه لما لم يكن للظهر وقت مضبوط بل أي وقت أمكن
أنواعها فيه كان هو المختص ولو قصر جدا كما في حالة شدة الخوف بحيث يصير الوقت مقدار تسبيحة أو ظن الزوال فصلى ثم دخل الوقت قبل
إكمالها بأقل زمان أمكن أن يصلي القصر في ذلك الوقت إلا ذلك المقدار كان لقلته وعدم ضبطه ما عريه في الرواية حسنا وهكذا البحث
في المغرب والعشاء على ما تأتي. * مسألة: أول وقت العصر عند الفراغ من فريضة الظهر ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال مالك وربيعة و
إسحاق وقال باقي الجمهور أنه لا يدخل وقت العصر حتى يخرج وقت الظهر أما إذا صار ظل كل شئ مثله أو مثليه على الخلاف إلا أبا حنيفة فإنه
قال: لا بد من الزيادة على المثلين. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أتاني جبرئيل (ع) عند البيت مرتين
وصلى بي الظهر وقت العصر بالأمس ولأنه (ع) جمع بين الصلاتين في الحضر رواه مالك لا يقال أنه قد كان صلى الظهر في آخر وقتها
والعصر في أول وقتها لأنا نقول إن ذلك ليس بجمع إذ كل من الصلاتين قد وقع في وقته وما رواه عن ابن أبي أسامة قال صلينا مع عمر بن
عبد العزيز الظهر ثم دخلنا على أنس وهو يصلي العصر فقلنا يا عمر ما هذه الصلاة فقال العصر وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقال
لعلها وقعت بعد صيرورة الظل مثل الشخص لأنا نقول لو كان كذلك لم يكن للتعجب معنى ولا الانكار. فائدة: وما رووه عن ابن عباس
قال أخبركم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله في السفر كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في الزوال ولو لم يكن للوقت
مشتركا لم يجز الجمع كما لا يجوز الجمع بين العصر والمغرب في وقت أحدهما وعن أحمد عن ابن عباس بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله جمع بين
الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر قيل لم يفعل ذل كقال لئلا يخرج الله ومن طريق الخاصة ما نقل عنهم (عل)
من قولهم: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وقد تقدم وما رواه الشيخ عن ابن ميسرة قال قلت لأبي عبد الله (ع) إذا زالت
201

الشمس في طول النهار للرجل أن يصلي الظهر والعصر قال: نعم وما أحب أن يفعل ذلك في كل يوم وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال قلت
له يكون أصحابنا في المكان مجتمعين فيقوم بعضهم يصلي الظهر وبعضهم يصلي العصر قال: كل واسع وعن زرارة بن أعين قال قلت لأبي عبد الله (ع)
الرجلان يصليان في وقت واحد هما يعجل العصر والآخر يؤخر الظهر قال: لا بأس ونحن رواه ذلك في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع)
وفي الصحيح عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (ع) قال سأل انسان وأنا حاضر فقال ربما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلي العصر وبعضهم يصلي
الظهر فقال: انا أمرتهم بهذا لو صلوا على وقت واحد لعرفوا فأخذوا برقابهم وعن ذريح عن أبي عبد الله (ع) عن رسول الله صلى الله عليه وآله
أنه صلى الأول إذا زالت الشمس وصلى العصر بعدها احتج المخالف بما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال أول وقت الظهر زوال الشمس واخر
وقتها حتى يدخل وقت العصر ولما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال أتى جبرئيل (ع) فصلى في الظهر في الأول منهما
حين كان الفئ مثل الشراك ثم صلى العصر حين صار ظل كل شئ مثله احتج أبو حنيفة لقوله تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار) ولو لم يكن كما قلناه
من الزيادة على المثلين لكان وسط النهار. والجواب عن الأول: أنه غير دال على مطلوبهم إذ أخر وقت الظهر المختص هو أول وقت العصر المشترك
عندنا أو نقول المراد أخر وقتها المشترك أول الوقت العصر المختص أو نقول إن ذلك محمول على الفضيلة وبهذا الأخير نجب عما رواه الشيخ عن يزيد بن
خليفة عن أبي عبد الله (ع) ثم لا يزال في وقت الظهر إلى أن يصير الظل قامة وهو آخر الوقت فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر وعن
الثاني: أنه دل على جواز الصلاة في ذلك الوقت لأنه أول الوقت لأنه لو كان كذلك لما صح قوله في تتمة الحديث وصل بي في المرة الثانية الظهر حتى
صار ظل كل شئ مثله لوقت العصر بالأمس وعن احتجاج أبي حنيفة بأن الصلاة لم يعين فيحتمل أن يكون المراد غير العصر وأيضا فإنا نقول بموجب
إذ طرف النهار ما بعدي الوسط وبعد خروج الوقت المختص بالظهر يصدق على ما بقي أنه طرف لا يقال العصر هو الفئ وبه سميت صلاة العصر
فلا يفعل قبله لأنا نقول العشى من الزوال إلى الليل قاله الهروي قال الجوهري في الصحاح قال قوم العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر
* مسألة: وآخر وقتها للفضيلة إذا صار ظل كل شئ مثله وإلاجزاء غروب الشمس وبه قال السيد المرتضى وابن الجنيد وأبو حنيفة وذهب
الشيخ إلى أن وقت المختار ينتهي إذا صار كل شئ مثليه والمعذور ينتهي بالغروب وبه قال مالك والشافعي وأحمد والثوري وقال أبو يوسف و
محمد وأبو ثور والأوزاعي اخر المختار بغير الشمس واصفرارها. لنا: قوله تعالى: (أقم الصلاة طرفي النهار) وكما أن أحد طرفيه أول جزئه فكذا طرفه
الآخر ولا يمكن عن ذلك إلى شئ من الصلاة إلا العصر وقوله تعالى: (إلى غسل الليل) قال في الصحاح والغسق أول ظلمة الليل لا يقال
تحمل على المعذور أو على المقارنة لأنا نجيب عن الأول: بأن هذه الآيات وردت في أول التشريع للصلاة فلا يحمل على النادر وعلى الثاني
أنه خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا الدليل وما رواه الجمهور عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أدرك ركعة من العصر قبل
أن يغرب الشمس فقد أدرك العصر وهذا يتناول المعذور وغيره وهو متفق عليه فلو لم يكن ما زاد على المقدور وقتا لما أدرك الصلاة بإدراك
ركعة فيه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمرو بن عثمان قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول وقت العصر إلى غروب الشمس وما
تقدم من الأحاديث الدالة على أن آخر وقت الصلاتين غروب الشمس احتج الشيخ بما تقدم من اعتبار الاقدام وغيرها والجواب: قد تقدم
إذ المراد بذلك الاستحباب فإن احتج بما رواه ربعي عن أبي عبد الله (ع) قال انا لنقدم ونؤخر وليس كما يقال من أخطأ وقت الصلاة فقد
هلك وإنما الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم وتأخيرهما فالجواب: أن ذلك دل على مطلوبنا لان قوله: " أنا لنقدم ونؤخر "
ولا يزيد مع العذر لان ذلك لم يقل بالهلاك معه أحد لا يبقى المراد غير الرخصة فيما ذكر إلا ترك الأفضل إذ لا ريب في شدة تأكيد استحباب
فعل الصلاة في أول الوقت بحيث سمي التأخير رخصة لا يقال قد روى الشيخ عن سليمان بن جعفر عن الفقيه (ع) قال آخر وقت العصر ستة
أقدام ونصف لأنا نقول المراد بذلك الفضيلة ان هو إلا خبر واحد لواحد على عمومه. لنا: في القرآن والاجماع ولو خصص بالاختيار منعنا
ذلك لعدم اعتضاده بدليل آخر وحملناه على الفضيلة إذ مع هذا التأويل لا استبعاد في اختلاف التقديرات بالنظر إلى كثرة فعل النوافل
وقلتها وكذا البحث في رواية محمد بن حكيم عن العبد الصالح (ع) من آخر وقت العصر قامتان وكذا ما رواه سليمان بن خالد عن أبي
عبد الله (ع) قال: العصر على ذراعين فمن تركها حتى يصير على ستة أقدام فذلك المضيع بفضيلة أول الوقت. * مسألة:
أول وقت المغرب غروب الشمس وهو قول كل من يحفظ عنه العلم لا يعرف فيه خلاف وقد دلت الاخبار عليه روى الجمهور عن أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أول وقت المغرب حين يغرب الشمس وفي حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتى جبرئيل
مرتين صلى المغرب حين وحبت الشمس قال صاحب الصحاح وحبت أي غابت ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة عن أبي
عبد الله (ع) قال: إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إن هذه قبل هذه وعن عمرو بن أبي نصر قال سمعت
أبا عبد الله (ع) يقول في المغرب: إذا توارى القرص كان وقت الصلاة وأفطر وروى ابن بابويه في كتاب مدينة العلم في الصحيح عن عبد الله بن
202

مسكان قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها ورواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله (ع) ويعرف الغروب بذهاب الشفق المشرقي ذهب إليه أكثر علمائنا وهو قول الشيخ في النهاية وقال في المبسوط باستتار القرص و
غيبوبته عن العين وهو قول الجمهور قال ومن أصحابنا من يراعي زوال الحمرة من المشرق وهو أحوط. لنا: ما رواه الشيخ عن علي بن أحمد بن
أثيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق وعن يزيد بن معاوية عن أبي
جعفر (ع) قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من ناحية المشرق فقد غاب الشمس من شرق الأرض ومن غربها وعن محمد بن علي قال
صحبت الرضا (ع) في السفر فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الناحية من المشرق يعني السواد وعن محمد بن شريح عن أبي عبد الله (ع)
قال سألته عن وقت المغرب فقال إذا تغيرت الحمرة في الأفق وذهبت الصفرة وقبل أن يشتبك النجوم وعن عمار الساباطي عن أبي عبد الله
(ع) قال: إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب وكان يصلي حين يغيب الشفق فإن
احتج الشيخ بما رواه عن سماعة بن مهران قال قلت لأبي عبد الله (ع) في المغرب انا ربما صلينا ونحن نخاف أن يكون الشمس خلف
الجبل أو قد سترنا منها الجبل قال فقال: ليس عليك صعود الجبل وبما رواه في الحسن عن زرارة قال قال أبو جعفر (ع) وقت
المغرب إذا غاب القرص فان رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك ويكف عن الطعام إن كنت أخلت منه شيئا ولما رواه
عمر بن أبي نصر قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول في المغرب فقال: إذا غاب كرسيها قلت وما كرسيها قال: قرصها فقلت متى يغيب قرصها قال: إذا نظرت
إليه فلم تره ولما رواه حريز عن أبي أسامة أو غيره قال صعدت مرة جبل أبي قبيس والناس يصلون المغرب فرأيت الشمس لم تغب إنما توارت
خلف الجبل عن الناس فلقيت أبا عبد الله (ع) فأخبرته بذلك فقال لي: ولم فعلت ذلك بئس ما صنعت إنما
تصليها إذا لم تراها
خلف جبل غابت أو عادت ما لم يتخللها سحابة أو ظلمة يظلها دائما عليك مشرقك ومغربك وليس على الناس أن يبحثوا. فالجواب عن
الأول: أن سماعة واقفي وفي الطريق أيضا أحمد بن هلال وهو ضعيف جدا ولأنها غير دالة على المطلوب إذا قضى ما يدل عليه جواز فعل
الصلاة من غير متتبع للشمس بالصعود إلى الجبل والنظر إليها هل غابت أم لا ولا شك أن هذا الاعتبار غير واجد، وعن الثاني: أن الحكم تعلق
على غيبوبة القرص ونحن نقول بموجبه إلا أن العلامة عندنا غيبوبة الحمرة ولأنه لو كان الوقت قد دخل بالاستتار لما أمر بالإعادة عند
الظهور إذ هي صلاة قد فعلت في وقتها فلا يستتبع وجوب الإعادة، وعن الثالث: بالأول من جواب الثاني، وعن الرابع: أنه مرسل وما ذكرناه
قبل، وعن الخامس: بأنه مرسل أيضا إذ الشك في المروي عنه يستلزم عدم الاستناد إلى شخص معنى ولما قلناه أولا ويعارض أيضا هذه الأحاديث
لما رواه الشيخ عن عبد الله بن صباح قال كتبت إلى العبد الصالح (ع) يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا و (تسر)
عن الشمس ويرتفع فوق الليل حمرة ويؤذن عندنا المؤذن فأصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائما حتى يذهب الحمرة التي فوق الليل
فكتب إلي: أرى لك أن تنظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك. * مسألة: وآخر وقت المغرب للفضيلة غيبوبة الشفق
من ناحية المغرب ويمتد وقتها للاجزاء إلى انتصاف الليل مقدار أربع ركعات حضرا وركعتين سفرا وبه قال السيد المرتضى في الجمل قال
بعض علمائنا: يمتد وقت المضطر حتى يبقى للفجر وقت العشاء وقال الشيخ آخره للمختار ذهاب الشفق وللمضطر إلى قبل نصف الليل بأربع
وبه قال السيد المرتضى في المصباح وقال في النهاية آخر وقتها غيبوبة الشفق وقد رخص للمسافر التأخير إلى ربع الليل ويطلق في الجمل
ان أخر الوقت غيبوبة الشفق وكذا ابن أبي عقيل في كتابه وقال سلار: اخر الوقت غيبوبة الشفق وقد روى أن تأخير المغرب للمسافر إذا جدد
اليسر إلى ربع الليل وقال أبو الصلاح: آخر وقت الاجزاء ذهاب الحمرة من المغرب وآخر وقت المضطر ربع الليل وقال الشافعي والأوزاعي
ومالك: ليس لها إلا وقت واحد عند مغيب الشمس، وقال الثوري وأحمد: اخره مغيب الشمس وبه قال إسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. لنا: أن المغرب والعشاء صلاة جمع فيشترك وقتهما كالظهر
والعصر وما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن
هذه قبل هذه وما رواه داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار
ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل بقدر ما يصلي المصلي أربع ركعات
فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل احتج من قال من أصحابنا بامتداد الوقت إلى الفجر
بما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال: لا يفوت الصلاة من أراد الصلاة لا يفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ولا صلاة الليل
حتى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ومن الجمهور بما رواه ابن المنذر عن عبد الرحمن بن عوف و عبد الله بن عباس أنهما قالا في الحائض
تطهر قبل طلوع الفجر تصلي المغرب والعشاء ولولا امتداد الوقت إلى تلك الغاية لما وجب لاستيعاب عذرها الوقت كما لا يجب لو تطهرت بعد الفجر
واحتج من قال من أصحابنا بغيبوبة الشفق بما رواه الشيخ في الموثق عن جميل بن دراج قال قلت لأبي عبد الله (ع) ما تقول في الرجل يصلي المغرب
203

بعد ما يسقط الشفق فقال: لعله لا بأس وما رواه سعيد بن جناح عن بعض أصحابنا عن الرضا (ع) قال: إن الخطاب كان أفسد عامة أهل الكوفة وكانوا
لا يصلون المغرب حتى تغيب الشمس وإنما ذلك للمسافر والخائف ولصاحب الحاجة فلو كان ما بعد الشفق وقتا للمختار لم يعلق المتأخر في الأول بالعلة
ولم يحضره في الثاني بما عدده وما رواه في الموثق عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن يشتبك
النجوم واشتباك النجوم في الغالب إنما يكون بعد غيبوبة الشفق من الجانب الغربي وفي الموثق عن إسماعيل بن أبي عبد الله (ع) قال سألت
عن وقت المغرب قال: ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق وفي الصحيح عن بكر بن محمد عن أبي عبد الله (ع) قال سأله سائل عن وقت المغرب، قال: إن
الله يقول في كتابه لإبراهيم (ع): (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) فهذا أول الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة و
آخر وقتها إلى غسق الليل نصف الليل وعن علي بن يقطين قال سألت عن الرجل مدرك صلاة المغرب في الطريق أيؤخرها إلى أن يغيب الشفق
قال: لا بأس بذلك في السفر فأما في الحضر فدون ذلك شيئا واحتج القائلون بالتأخير إلى ربع الليل بما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد قال سألت أبا
عبد الله (ع) عن وقت المغرب، فقال: إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل، قال
قال لي هذا وهو شاهد في بلده ولأنه ورد استحباب تأخير المغرب للمفيض من عرفات إلى المزدلفة وإن صار ربع الليل ولو لم يكن ذلك وقتا لها
لما ساغ ذلك واحتج الشافعي بأن جبرئيل صلى بالنبي صلى الله عليه وآله في اليومين الوقت واحد في بيان مواقيت الصلاة ولو كان لها وقتان
كغيرها لصلاها به في أحدهما مرة وفي الآخر أخرى ليحصل البيان كما فعل في غيرها ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يزال أمتي يؤخر ما لم
يؤخر المغرب إلى أن تشتبك النجوم ولان المسلمين مجتمعون على فعلها في وقت واحد في أول الوقت واحتج أصحاب الرأي بالنبي صلى الله
عليه وآله المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق وبما رواه عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: وقت المغرب ما لم يغب الشفق
وبما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن للصلاة أولا وآخرا وأن أول وقت المغرب حين يغرب الشمس وإن آخر وقتها حين
يغيب الأفق والجواب عن الأول: ان في طريقها أحمد بن فضال وفيه ضعف وأيضا يحتمل أنه أراد بصلاة الليل النوافل أو يحتمل على صاحب
الضرورة إذا دامت إلى ذلك الوقت ذكرهما الشيخ في الاستبصار، وعن الثاني: باحتمال أن تكون ذلك رأيا لهما لأنهما نقلا عن الرسول
صلى الله عليه وآله فلا حجة فيه، وعن الثالث: بأن في طريقه الحسن بن سماعة وهو واقفي ولأنه دال على جواز فعل المغرب بعد سقوط
الشفق ولو لم يكن الوقت ممتد لما ساغ ذلك وبقي الحكم عن فاقد العلة من باب دليل الخطاب وهو ضعيف، وعن الرابع: انه إنكار على ابن الخطاب
إذ توهم أن أول وقت المغرب سقوط الشفق ولا شك في أن أول الوقت أفضل وإنما يسقط اعتبار الأولية في حق هؤلاء المعدودين ومن شابههم
فصح الحصر، وعن الخامس: أنه بيان لوقت الأفضلية إذ لا اشتباك يحصل قبل غيبوبة الشفق في كثير من الأحوال، وعن السادس: أن ذلك بيان لوقت
الفضيلة وأيضا في الطريق الحسن بن سماعة وقد تقدم ضعفه، وعن السابع: أنه بيان لوقت الفضيلة أيضا وعن الثامن: أن تعليق الحكم على ما ذكر لا
يدل على عدمه عن غيره وإن دل فمن حيث مفهوم الخطاب وهو غير قطعي فلا يعارض ما تقدم وأيضا يحمل على الاستحباب لما رواه الشيخ عن داود
الصيرفي قال كنت عند أبي الحسن الثالث يوما فجلس يحدث حتى غاب الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدث لما خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق
قبل أن يصلي المغرب ثم دعا بالماء فتوضأ وصلى ولا يحمل على ذلك الضرورة إذ ليس هناك اضطرار. وعن التاسع: ان التأخير إلى ربع الليل
لا يدل على نفي التأخير عن الزائد وكذا الجواب عن العاشر، وعن الحادي عشر: لما رواه بريدة أن النبي صلى الله عليه وآله صلى المغرب في اليوم
الثاني حين غاب الشفق وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وآله أخر المغرب في اليوم الثاني حتى كان عند سقوط الشفق رواه مسلم وأبو داود
ولأنها إحدى الصلاة فكان لها وقت متسع كغيرها من الصلوات ولان ما قبل مغيب الشفق وقت لاستدامتها فكان وقتا لابتدائها كأول وقتها
لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن أديم بن الحر قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ان جبرئيل (ع) أمر رسول الله صلى الله عليه وآله الصلاة
كلها فجعل لكل صلاة وقتين إلا المغرب فقال إن جبرئيل (ع) (فإنه) جعل لها وقتا واحدا وفي الصحيح عن زيد الشحام قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن الوقت المغرب فقال: ان جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله لكل صلاة بوقتين غير صلاة المغرب فإن وقتها واحد ووقتها وجوبها
لأنا نقول أن ذلك محمول على الفضيلة لما رواه ذريح عن أبي عبد الله (ع) في صفة صلاة جبرئيل (ع) وصلى المغرب في الغد قبل سقوط الشفق
وبما رواه عن يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله (ع) الا ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا جدد السير أخر المغرب ويجمع بينها وبين
العشاء ومثله رواه عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه (عل) وعن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله (ع) أكون مع هؤلاء وانصرف
من عندهم عند المغرب فأمر بالمساجد فأقمت الصلاة فإن أنا نزلت أصلي معهم لم استمكن من الأذان ولا من الإقامة وافتتاح الصلاة فقال:
ائت منزلك وانزع ثيابك وإن أردت أن تتوضأ فتوضأ وصل فإنك في وقت إلى ربع الليل ولا ريب أن هذا السائل سئل عن حال اختيار إذا
ترك الأذان والإقامة وغيرهما من المستحبات كالافتتاح ليس عذرا يجوز معه تأخير الصلاة عن وقتها وعن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع)
204

قال سألته عن صلاة المغرب إذا حضرت هل يجوز أن تؤخر ساعة قال: لا بأس إن كان صائما أفطر وإن كانت له حاجة قضاها ثم صلى ولو كان وقتها واحد
لما ساغ ذلك قوله الاجماع على فعل الصلاة في وقت الغروب قلنا لا نزاع في جواز ذلك فإنه الأفضل إنما البحث في أنه هل هو كل الوقت والاجماع لا يدل
عليه فادعاؤه فيه مغالطة. وعن الثاني: أن فعل رسول الله صلى الله عليه وآله في الوقت المذكور لا يدل على أنه كمال الوقت وآخره. وعن الحديثين الآخرين
بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة. * مسألة: أول وقت العشاء بعد غروب الشمس بمضي مقدار ثلاث ركعات والضابط قدمناه
وإن المغرب لها وقت مختص من أول الغروب إلى أن يمضي مقدار ثلاث ركعات ثم يشترك الوقت بينهما وبين العشاء إلى أن يبقى لاتصاف الليل مقدار
أداء أربع ركعات فيختص بالعشاء وهو أحد قولي السيد المرتضى وبه قال ابن الجنيد والشيخ في الجمل قال وروي أن أول الوقت غيبوبة الشفق والظاهر
من كلام ابن أبي عقيل ان أول وقتها ما قلناه وبه قال أبو الصلاح أيضا وابن إدريس وقال الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف والمصباح: أول
وقتها غيبوبة الشفق وبه قال سلار والسيد المرتضى أيضا وهو مذهب الجمهور كافة. لنا: أنهما صلاة جمع فيشترك وقتها كاشتراك صلاتين الظهر
والعصر وما رواه الجمهور عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله جمع بين المغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر وعنه أيضا من غير خوف ولا
مطر، ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة قال سألت أبا جعفر (ع) وأبا عبد الله (ع) (عل) عن الرجل يصلي العشاء الآخرة
قبل سقوط الشفق فقال: لا بأس به وفي الموثق عن عبد الله وعمران ابني الحلبي قالا كنا نختصم في الطريق في الصلاة العشاء الآخرة
قبل سقوط الشفق وكان منا من يضيق بذلك صدره فدخلنا على أبي عبد الله (ع) فسألنا عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق
فقال: لا بأس بذلك قلنا وأي شئ الشفق فقال: الحمرة وما تقدم من حديث داود بن فرقد وما رواه عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع)
قال: إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه وما رواه عن الحسن بن علي بن إسحاق قال رأيت أبا
عبد الله (ع) يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ثم ارتحل وفي الصحيح عن أبي عبيدة قال سمعت أبا جعفر (ع) كان رسول
الله صلى الله عليه وآله إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلى المغرب ثم مكث قدر ما ينتفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء الآخرة ثم انصرفوا
وفي الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس بأن يعجل عشاء الآخرة في السفر قبل مغيب الشفق
وفي الصحيح عن عبد الله الحلبي عن أبي
عبد الله (ع) قال: لا بأس أن يؤخر المغرب في السفر حتى تغيب الشمس ولا بأس بأن يعجل العتمة في السفر قبل مغيب الشفق ولو لم يكن ما قبل
غيبوبة الشفق وقتا لما جازت الصلاة فيه سواء كان هناك عذر أولم يكن كما لا يجوز تقديم المغرب على الغروب مطلقا احتج الشيخ بما رواه
في الصحيح عن عمران بن علي الحلبي قال سألت أبا عبد الله (ع) متى يجب العتمة قال إذا غاب الشفق والشفق الحمرة فقال عبد الله أصلحك الله أنه
يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معرض فقال أبو عبد الله (ع) ان الشفق إنما هو الحمرة وليس للضوء من الشفق واحتج الجمهور بما رواه ابن
عمران أن النبي (ص) قال: الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت العشاء ولأنه (ع) كان يصلي العشاء لسقوط العمر لثالثة وعن أبي مسعود
قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي هذه الصلاة حين تسود الأفق والجواب أن ما ذكرتموه من الأحاديث دالة على الفضيلة لما ثبت من
أن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عل) قد كانت يصلون قبل ذلك. * مسألة: وآخر وقتها للفضيلة إلى ثلث الليل والاجزاء إلى نصف
الليل وبه قال السيد المرتضى في المصباح وابن الجنيد وسلار وابن بابويه وابن إدريس وبه قال الشيخ في المبسوط وقال في الجمل والخلاف والمصباح
والنهاية آخره ثلاث الليل وجعل النصف رواية وهو اختيار المفيد وابن البراج وقال ابن أبي عقيل آخره ربع الليل للمختار فإن تجاوز ذلك دخل
في الوقت الأخير وقال أبو الصلاح آخر وقت الاجزاء ربع الليل وآخر وقت المضطر نصف الليل وقال ابن حمزة آخره للمختار الثلث وللمضطر
النصف وقال أبو حنيفة آخره طلوع الفجر الثاني وللشافعي قولان، أحدهما: ان آخره ثلث الليل قاله في الحديث وبه قال عمر بن الخطاب وأبو هريرة
وعمر بن عبد العزيز ومالك وأحمد في إحدى الروايتين والثاني نصف الليل ذكره في القديم والاملاء وهو الرواية الثانية لأحمد وبه قال الهروي
وأبو ثور وقال اصغي آخره ربع الليل. لنا: ما رواه الجمهور عن أنس قال أخر رسول الله صلى الله عليه وآله وقت العشاء إلى نصف الليل وعن عبد الله بن
عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وقت العشاء إلى نصف الليل وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لولا ضعف الضعيف
وسقم السقيم لأمرت هذه الصلاة أن تؤخر إلى شطر الليل والشطر النصف ولو لم يكن وقتا لما ساغ الامر بالتأخير على تقدير عدم ضعف
الضعيف وسقم السقيم ومن طريق الخاصة ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) ان الله فرض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس
إلى انتصاف الليل وعنه عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه وما تقدم
من حديث داود بن فرقد وفي الصحيح عن بكر بن محمد عن أبي عبد الله (ع) وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها إلى غسق الليل نصف
الليل وفي الموثق عن هارون بن خارجة عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لولا أن أخاف أن أشق على أمتي
أخرت العتمة إلى ثلث الليل وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف
205

الليل فلا رقدت عيناه وعن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله (ع) قال: آخر وقت العتمة نصف الليل وفي الموثق عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع)
قال: العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل وذلك التضييع قوله (ع): " وذلك التضييع " أي الفضيلة لأنه إذا كان الوقت ممتدا إلى تلك الغاية
لم يكن التأخير تضييعا للواجب عن وقته احتج الشيخ بما رواه يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله (ع) قال: وقت العشاء حين مغيب الشفق إلى
ثلث الليل وما رواه زرارة عن أبي جعفر (ع): وآخر وقت العشاء ثلث الليل وعن ذريح عن أبي عبد الله (ع) قال: أتى جبرئيل (ع)
رسول الله صلى الله عليه وآله وساق الحديث إلى قوله وصلى العتمة حين ذهب ثلث الليل وكذا رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع)
ولان الثلث مجمع عليه فيقتصر على توقيته أخذا بالمتيقن واحتج أبو حنيفة بما روي عنه (ع) أنه قال: " لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت
أخرى " وبما روي عنه (ع): قال " ليس التفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة " وهو أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى وهو يدل على
أنه لا تفريط بتأخيرها إلى قبل طلوع الفجر. والجواب عن الأول: أنه يدل على الفضيلة جمعا بين الأدلة ولأنه جعل أول الوقت غيبوبة الشفق وذلك
ابتداء وقت الفضيلة على ما تأتي ومضى فيكون المنهي كذلك أيضا ولان الراوي وهو يزيد بن خليفة لا يحضرني الآن حاله، وعن الثاني: ما تقدم
في وقت الظهر والعصر، وعن الثالث: أن الثلث إن عينت أنه مجمع على كونه غاية فهو نفس المتنازع وإن عينت أنه يجوز الصلاة فيه فهو
مسلم لكن ذلك لا يدل على كونه غاية ولا يجوز التمسك في مثل هذا بالاجماع وقد سلف بيان ذلك في الأصول، وعن الرابع: بعد تسليم النفل غير
عام إذ لفظه صلاة يكره ليست للعموم في موضع الاثبات ولو سلم فالدخول موجود إذ صلاة الليل يدخل بالانتصاف لا يقال أنه عين بذلك الصلاة
الواجبة لأنا نقول أنه ليس في الخبر ما يدل عليه، وعن الخامس: بمثل ما مضى في الرابع قد روى الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله
(ع) قال: إن نام أو نسي المغرب أو العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كليهما فليصلهما وإن خاف أن يفوته إحداهما فليبدأ
بالعشاء وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس وفي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال: إن
قام رجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء الآخرة أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كليهما فليصليهما وإن خشي أن تفوته إحداهما
فليبدأ بالعشاء الآخرة حتى تطلع الشمس وتذهب شعاعها ثم يصليها وعن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) إذا طهرت المرأة آخر الليل فليصل
المغرب والعشاء وهذه الأخبار يدل على امتداد الوقت إلى طلوع الفجر لأنا نقول لا نسلم دلالتها على ذلك قطعا إذ قوله (ع):
" فإن استيقظ قبل نصف الليل " أيضا إذ الحوالة فيه على ما يثبت من أن وقت العشاء الآخرة نصف الليل فقال " قدر ما يصليهما كلاهما "
يعني في وقتهما ورواية ابن سنان دالة على الاستحباب كالوجوب جمعا بين الأدلة. * مسألة: أول وقت صلاة الغداة طلوع الفجر الثاني
بلا خلاف بين علماء الاسلام واعلم أن ضوء النهار من ضياء الشمس وإنما يستضئ بها ما كان كملا في نفسه كثيفا في جوهره كالأرض والقمر
وأجزاء الأرض المتصلة والمنفصلة وكل ما يستضئ من جهة الشمس فإنه يقع له ظل من ورائه وقد قدر الله تعالى بلطيف حكمته دوران الشمس حول
الأرض فإذا كانت تحتها وقع ظلها فوق الأرض على مشكل مخروط ويكون الهوى المستضئ بضياء الشمس محيطا بجوانب ذلك المخروط فليستضئ
نهايات الظل بذلك الهواء المضئ لكن ضوء الهواء ضعيف إذ هو مستعار فلا ينفض كثيرا في أجزاء المخروط بل كلما ازداد بعد ازدادا ضعفا فإنه
متى يكون في وسط المخروط يكون في أشد الظلام وإذا قربت الشمس من الأفق الشرقي مال مخروط الظل عن سمت الرأس وقريب الاجزاء المستضيئة
من حواشي الظل بضياء الهواء من البصر وفيه أدنى قوة فيدركه البصر عند قرب الصباح وعلى هذا كلما ازدادت الشمس قربا عن الأفق ازداد مخروط
الضوء فيزداد الضوء من نهايات الظل إلى أن تطلع الشمس وأول ما يظهر الضوء عند قريب الصباح يظهر مستدقا مستطيلا كالعمود ويسمى الصبح الكاذب
والأول ويشبه ذنب السرحان لدقته واستطالته ويسمى الأول لسبقه على الثاني والكاذب يكون الأفق مظلما أي لو كان يصدق أنه نور
الشمس لكان المنير ما يلي الشمس دون ما يبعد منه ويكون ضعيفا دقيقا ويبقى وجه الأرض على ظلامه بظل الأرض ثم يزداد هذا الضوء إلى
أن يأخذ طولا وعرضا فيبسط في عرض الأفق كنصف دائرة وهو الفجر الثاني الصادق لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك والصبح ما جمع بياضا
وحمرة ومنه سمي الرجل الذي في كونه بياض وحمرة أصبح ويزداد الضوء إلى أن يحمر الأفق ثم تطلع الشمس وبالفجر الثاني يتعلق الحكم من وجوب الصلاة و
أحكام الصوم الآنية لا الفجر الأول وعليه إجماع أهل العلم وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يصلي ركعتي الصبح إذا عوض الفجر وأضاء حسنا وعن حصين بن أبي الحصين عن أبي جعفر (ع) قال: الفجر هو الخيط الأبيض المعترض وليس هو الأبيض صعلاء ولا
تصل في سفر أو حضر حتى؟ تعيينه؟ مسألة: وآخر وقتها للفضيلة أسفار الصبح للاجزاء طلوع الشمس ذهب إليه المفيد والسيد المرتضى
وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس وبه قال أبو حنيفة وقال الشيخ في الخلاف وقت المختار إلى أن يسفر الصبح ووقت المضطر إلى طلوع
الشمس وبه قال الشافعي وأحمد وقال ابن أبي عقيل آخره أن يبدو الحمرة فإن تجاوز ودخل في الوقت الأخير. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن
عمر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: وقت الفجر ما لو تطلع الشمس وعن أبي هريرة عنه (ع): أول وقت الفجر حين تطلع الفجر وآخر وقتها
206

حين تطلع الشمس وما رواه أبو هريرة و عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وآله أن للصلاة وقتين أولا وآخرا وإن أول
وقت الفجر حين تطلع الفجر وآخره حين تطلع الشمس ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: وقت صلاة الغداة
ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس احتج الشيخ بما رواه في الحسن عن الحسين عن أبي عبد الله (ع) قال: وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل
الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ولكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام وما رواه في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: لكل صلاة وقتان
وأول الوقتين أفضلهما ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام ووقت
المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم وليس لاحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر أو من علة واحتج الشافعي بما رواه بريد عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه صلى الفجر حين طلع الفجر وفي اليوم الثاني أسفر بها ثم قال وقت صلاتكم بين ما رأيتم. والجواب عن الأول: انه محمول على
الفضيلة ويدل عليه أنه أتى بلفظة لا ينبغي وهي غالبا إنما يستعمل في ذلك. وعن الثاني: انه غير دال بصريحه على أن ما عدا ذلك ليس بوقت فلا
يعارض النص القطعي في ذلك وروى أبو داود عن أبي موسى أنه (ع) صلى الفجر في اليوم الثاني وانصرف فقلنا طلعت الشمس ولا ريب
في انتفاء الضرورة هناك. [البحث الثاني] في أوقات النوافل الرواتب، * مسألة: وقت نافلة الظهر
من الزوال إلى أن يبلغ زيادة ظل قدمين اختاره الشيخ في النهاية وقال في المبسوط إلى أن يصير ظل كل شئ والاخبار في ذلك مختلفة روى
الشيخ في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: أتدري لم جعل الذراع والذراعان قلت لم، قال: لمكان الفريضة لك أن تنتفل من زوال
الشمس إلى أن يبلغ ذراعان فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة وعن سماعة قال قال أبو عبد الله (ع): إذا زالت الشمس فصل ركعات
ثم صل الفريضة أربعا فإذا فرغت من سبحتك قصرت أو طلوت فصل العصر. وعن ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (ع) قال سأل أناس وأنا
حاضر قال: إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه إلا سبحتك تطيلها أو تقصرها فقال بعض القوم إنا نصلي الأولى إذا كانت على قدمين
والعصر على أربعة أقدام فقال أبو عبد الله (ع) النصف من ذلك أحب إلي وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال الصلاة في الحضر
ثماني ركعات إذا زالت الشمس ما بينك وبين أن يذهب ثلثا القامة فإذا ذهب ثلثا القامة بذات بالفريضة وفي الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى قال
كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (ع) روي عن آبائك القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتان وظل مثلك والذراع والذراعان فكتب
(ع) القدم ولا القدمين إذا زالت الشمس فقد دخل ووقت الصلاتين وبين يديها سبحة وهي ثماني ركعات فإن شئت طولت وإن شئت قصرت ثم صل الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان ركعات إن شئت طولت وإن شئت قصرت
ثم صل العصر وعن محمد بن الفرج قال كنت أسأل عن أوقات فأجاب إذا زالت الشمس فصل سبحتك وأحب أن
يكون فراغك من الفريضة والشمس على
قدمين وهذه أخبار وإن اختلفت إلا أنها قريبة من الاتفاق في المعنى وذلك لما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة قال سمعت أبا جعفر (ع)
يقول كان حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قامة وإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ثم قال أتدري
لم جعل الذراع والذراعان قلت لا قال من أجل الفريضة إذا دخل وقت الذراع والذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة وروي عن علي بن
حنظلة قال قال أبو عبد الله (ع) في كتاب على القامة ذراع والقامتان ذراعان وهذا الحديثان يدلان على اعتبار المثل والمثلين
في نوافل الظهر والعصر لان التقدير أن الحائط ذراع لأنه قامة وما تقدم من الأخبار الدالة على إرادة التطويل والتقصير فمحمول على
عدم تجاوز المثل والمثلين والأخبار الدالة على ثلثي القامة دالة على الأفضلية أما على عدم جواز فعلها فيما تجاوز فلا. * مسألة:
ووقت نافلة العصر من حين الفراغ من صلاة الظهر إلى أن تصير الظل إلى أربعة أقدام ذكره الشيخ في النهاية واعتبر في المبسوط المثلين يدل
عليه ما رواه الشيخ في الموثق عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلى الظهر على ذراع والعصر على نحو ذلك وهذا
يدل على اعتبار ذراع آخر وهو مثل الثاني وعن محمد بن الفرج قال كنت اسأل عن أوقات فأجاب إذا زالت الشمس فصل سبحتك وأحب أن
يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ثم صلى سبحتك وأحب أن يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام فإن عجل بك
أمر فأبدا بالفريضة واقض بعدهما وعن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان الفئ في الجدار ذراعا
صلى الظهر وإذا كان ذراعين صلى العصر قلت الجدران تختلف منها قصير ومنها طويل قال: إن جدار مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كان
يومئذ قامة وإنما جعل الذراع والذراعان لئلا تكون تطوع في وقت فريضة. * مسألة: وقت نافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة
المغربية وعليه اتفاق علمائنا لان العشاء يستحب تأخيرها إلى هذه الغاية فكان الاشتغال بالنافلة حينئذ مطلوبا أما عند ذهاب الحمرة فإنه يقع الاشتغال
بالفريضة فيكره النافلة حينئذ ولما رواه الشيخ عن عمرو بن حريث عن أبي عبد الله (ع) قال كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي ثلاثا المغرب وأربعا
بعدها وروى ابن بابويه عن أبي جعفر (ع) في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا أتت الشمس وهو أن يغيب صلى المغرب ثلاثا و
بعد المغرب أربعا ثم لا يصلى شيئا حتى يسقط الشفق فإذا سقط صلى العشاء وهذا يدل على أن آخر وقتها غيبوبة الحمرة كما قلنا لان اشتغال الرسول
207

(ع) بالعشاء في ذلك الوقت إنما يكون بعد دخول وقت العشاء وحينئذ لا تطوع لما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: إذا
دخل وقت الفريضة فلا تطوع. * مسألة: وقت ركعتي الوترة بعد العشاء ويمتد بامتداد وقتها ذهب إليه علماؤنا أجمع لأنها نافلة الصلاة
يفعل بعدها فتقدر بوقتها ضرورة قال الشيخ ويستحب أن يجعلها بعد كل صلاة يريد أن يصليها. * مسألة: وقت صلاة الليل بعد انتصافه
وكلما قرب من الفجر كان أفضل ذهب إليه علماؤنا أجمع وقال مالك الثلاث الأخير وقال الشافعي ان آخر الليل نصفان كان النصف الآخر أفضل وإن
أجزأه ثلثا كان الثلث الأوسط أفضل. لنا: قوله تعالى: (والمستغفرين بالأسحار) مدح الله تعالى المستغفرين في وقت السحر وهو قبل الصبح على ما
قاله أصحاب اللغة فدل على أفضلية الدعاء فيه والإنابة علم غيره والصلاة فيها الدعاء والاستغفار وما رواه الجمهور عن عائشة قالت كان رسول
الله صلى الله عليه وآله ينام أول الليل ويحيى آخره وعن النبي صلى الله عليه وآله أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلاثة وينام
سدسه وعن عمرو بن عتبة قال قلت يا رسول الله أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير فصل ما شئت ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن فضالة
عن أحدهما (ع) قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة وفي الصحيح عن عمر بن يزيد أنه سمع أبا عبد
الله (ع): أن في الليل لساعة لا يواقعها عبد مسلم ويدعو الله فيهما إلا استجاب له في كل ليلة قلت أصلحك الله فأية ساعة من الليل؟ قال: إذا
مضى نصف الليل إلى الثلث الباقي وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى العشاء الآخرة
أوى إلى فراشه لا يصلي شيئا إلا بعد انتصاف الليل إلا في شهر رمضان ولا في غيره وعن محمد بن عمر عمن حدثه عن أبي عبد الله (ع) قال: إن
الثمانية ركعات يصليها العبد آخر الليل زينة الآخرة وفي الصحيح عن إسماعيل بن سعد الأشعري قال سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن ساعات
الوتر فقال: أقربها إلى الفجر الأول وسألته عن أفضل ساعات الليل قال: الثلث الثاني وعن مرازم عن أبي عبد الله (ع) قلت متى أصلي
صلاة الليل قال صلها آخر الليل وفي الصحيح عن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله (ع) عن أفضل ساعات الوتر فقال: الفجر أفضل
ذلك. * مسألة: وركعتا الفجر بعد الفراغ من صلاة الليل وتأخيرها إلى طلوع الفجر الأول أفضل ويمتد الوقت إلى طلوع الحمرة
فيشتغل بالفريضة حينئذ فها هنا أحكام. {الأول} أنهما بعد صلاة الليل وهو مذهب أهل العلم وروى الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر
قال سألت الرضا (ع) عن ركعتي الفجر فقال: احشوا بهما صلاة الليل وفي الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت ركعتي الفجر من صلاة
الليل هي قال: نعم وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر فقال: قبل الفجر أنهما من صلاة الليل ثلاث
عشرة ركعة صلاة الليل أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة وفي هذا
الحديث فوائد أحدها: الحكم بأنهما قبل الفجر، وثانيها: أنهما وإن كان قبل الفجر فإنهما تسميان بركعتي الفجر وذلك من باب التجوز تسميته للشئ باسم
ما يقاربه، وثالثها: الحكم بأنها من صلاة الليل، ورابعها: تعليل أنهما من قبل الفجر بأنهما من صلاة الليل وذلك يدل على أن ما بعد الفجر ليس من الليل
خلافا للأعمش وغيره ولحديثه إلى ما روي عنه ذهبوا إلى أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من الليل وإن صلاة الصبح من صلاة الليل وأنه
يباح للصائم الأكل والشرب إلى طلوع الشمس ويؤيده قوله تعالى: (أقم الصلاة طرفي النهار) واتفق المفسرون على أن المراد بذلك صلاة
الصبح والعصر، وخامسها: ان صلاة الليل أحد عشر ركعة ومع ركعتي الفجر ثلاث عشرة خلافا لأكثر الجمهور على ما تقدم، وسادسها: أن قوله أتريد
أن تقايس فيه أو كان (اتكاد) للعمل بالقياس وتعرض بالمنع كما ذهب إليه أكثر علمائنا وطائفة من الجمهور خلافا لابن الجنيد منا ولأكثر الجمهور، وسابعها:
ان قوله لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تطوع يدل على المنع من صوم النافلة لمن عليه صوم واجب لأنه (ع) جعله أصلا فلا بد وإن يكون
الحكم فيه ثابتا لنقيس عليه المنع من فعل النافلة في وقت الفريضة يجامع شغل الذمة الواجب، وثامنها: الامر بفعل الفريضة عند دخول وقتها
وترك التعرض بالنافلة إلا ما استثناه بذكره خاصة، وتاسعها: أن المراد بقوله الفجر هو الفجر الثاني لدلالة سياقه الحديث عليه فحينئذ يجوز فعلهما بعد
طلوع الفجر الأول ان الحكم. {الثاني} آخرهما إلى طلوع الفجر الأول وفيه قولان، أحدهما: للشيخين قالا إنهما يعقبان صلاة الليل وإن لم
يطلع الفجر الأول والثاني للسيد المرتضى ان وقتهما من طلوع الفجر الأول أما الأول فيدل عليه ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر
(ع) عن أول وقت ركعتي الفجر قال: سدس الليل الباقي وما تقدم من حديث ابن أبي بصير وحديث زرارة وأما الثاني فيدل عليه ما رواه الشيخ
في الصحيح عن يعقوب بن سالم قال قال أبو عبد الله (ع): جعلهما بعد الفجر واقرأ فيهما في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو
الله أحد وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قال أبو عبد الله (ع) جعلهما بعد ما تطلع الفجر وفى الصحيح عن حماد بن عثمان قال قال
أبو عبد الله (ع) ربما صليتهما وعلى ليل فإن قمت ولم تطلع الفجر أعدتهما وما رواه في الموثق عن زرارة قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول:
اني لأصلي صلاة الليل وافرغ من صلاتي وأصلي الركعتين فأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر فإن اسيقظت عند الفجر أعدتهما والقول
الأول أشهر بين الأصحاب ويحمل الأحاديث التي استدل بها السيد المرتضى على الاستحباب ولان الأولى تأخيرهما إلى طلوع الفجر. الحكم
208

{الثالث} جواز فعلهما إلى طلوع الفجر ويدل عليه ما رواه الجمهور عن حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا أذن المؤذن و
طلع الفجر يصلي ركعتين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول: صلي ركعتين الفجر قبل الفجر وبعده
وعنده ومثله رواه في الصحيح عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) وعن الحسين بن أبي العلا قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل يقوم وقد
نور بالغداة قال: فليصل السجدتين اللتين قبل الغداة ثم ليصلي الغداة ولأنها نافلة مرتبة على الفريضة وتساويها في الوقت كالنوافل المقدمة.
الحكم الرابع آخر وقتها طلوع الحمرة لأنه وقت يتضيق فيه الفريضة للتأيد في صلاته فيمتنع النافلة ولما رواه الشيخ عن إسحاق بن
عمار عمن أخبره عنه (ع) قال: صلى الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء وأمسك فإذا كان بعد ذلك فابدء بالفجر وعن علي بن يقطين
قال سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر ويظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر يركعهما أو يؤخرهما قال: يؤخرهما.
[البحث الثالث] في الاحكام، * مسألة: قد بينا فيما مضى جواز التكليف بالواجب الموسع ووقوعه وإنما البحث ها هنا
في شئ واحد وهو أو الوجوب هل ثبت بأول الوقت أم لا فالذي نختاره أنه يجب الصلاة مثلا بأول الوقت وجوبا موسعا وهو اختيار
الشيخ وابن أبي عقيل وجماعة من أصحابنا وذهب إليه الشافعي وأحمد وقال المفيد (ره) ان آخرها ثم أحرم في الوقت قبل أن يؤديها كان مضيعا لها
وإن بقي حين يؤدها في آخر الوقت أو فيما بين الأول والآخر عفي عن ذنبه وفيه تعريض بالتضييق وقال أيضا في بعض المواضع ان آخرها
لغير عذر كان عاصيا ويسقط عقابه لو فعلها في بقية الوقت وقال أبو حنيفة يجب بآخر الوقت إذا بقي منه ما لا يتسع لأكثر منها. لنا:
قوله تعالى: (وأقم الصلاة لدلوك الشمس) والامر يقتضي الوجوب وما تقدم من الأحاديث الدالة على الوجوب مقدار المواقيت ولان دخول الوقت
سبب للوجوب فيرتب عليه مسببه حين الوجود ولأنه يشترط فيها بنية الوجوب ولو لم يكن واجبة وإلا لما صحت نيته كما في النافلة احتج أبو حنيفة
بأنه يتخير في فعلها وتركها أول الوقت فلا يكون واجبة كالنافلة والجواب: أن التأخير ينافي الوجوب المعين أما المخير فلا ونحن فقد بينا
فيما سلف رجوع هذا الواجب إلى الواجب المخير والفرق بينه وبين النافلة يجوز تركها من غير عدم على الانسان بها بخلاف هذا لا يقال هذا
لا ينافي ما ذكرتم أولا من عدم وجوب العزم لأنا نقول العزم إنما يجب لا بالأمر من حيث أنه من أحكام الواجبة بأمر متأثر. * مسألة: ويستقر
الوجوب أن يمضي من الوقت قدر الطهارة وفعل الصلاة فلو تجدد عذر مسقط كجنون أو حيض أو إغماء قبل مضي هذه المدة وإن كان
الوقت قد دخل حتى استوجب الوقت لم يجب القضاء ذهب إليه الشيخ (ره) وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو عبد الله بن بط وقال أحمد يستقر الوجوب
بإدراك جزء من الوقت ويلوح من كلام السيد المرتضى استقرار الوجوب بإدراك الصلاة في الوقت أو أكثرها. لنا: إن وجوب الأداء
ساقط لاستحالة تكليف ما لا يطاق والقضاء تابع لوجوب الأداء فيسقط لسقوط متبوعه ولأنه وقت لا يمكنه أن يصلي فيه فلا يمكنه القضاء كما لو طرء العذر
قبل دخول الوقت احتج المخالف بأنها صلاة وجبت عليه فوجب قضاؤها لما فاته كما لو أمكنه الأداء والجواب: المنع من الوجوب لتوقفه على الوقت المتسع.
فروع: [الأول] الواجب الموسع قد يتضيق وذلك إذا غلب على ظن المكلف الهلاك قبل آخر الوقت فتعين فعله
حينئذ ويقضي
بتأخيره إجماعا فلو أخره ثم ظهر له فساد ظنه ولا يخرج الوقت فهو أداء لأنه ظن ظهر بطلانه فلا حكم في قوله صفة العبادة وقال بعض الجمهور أنه يكون
قضاء وهو بعيد ولو لم يغلب على ظنه ذلك جاز له تركه إلى آخر الوقت فلو مات حينئذ لم يقض على أحسن الوجهين وإلا لنافى جواز التأخير فظهر أن هذا
الواجب منوط بالظن وهذا حكم الواجب الموسع الذي وقته العمر كقضاء الواجبات فإنه متى غلب على ظنه التلف تعين عليه تنقله (يغسله) ويضيق وقته.
[الثاني] لو أدرك من أول الوقت مقدار أداء الصلاة وجب القضاء مع عدم الفعل فلو أدرك من الزوال مقدار ثماني ركعات لصلاتين
لاشتراك الوقتين وكذا البحث في المغرب والعشاء فلو أدرك من آخر الوقت مقدار ركعة وجبت أداء فلو أخل حينئذ وجب القضاء أما إدراك
الصلاة بإدراك ركعة فلا خلاف فيه بين أهل العلم بما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أدرك ركعة من الصلاة فقد
أدرك الصلاة وفي رواية من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الأصبغ
بن نباته قال قال أمير المؤمنين (ع): من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة وعن عمار بن موسى الساباطي عن أبي
عبد الله (ع) فإن صلى ركعة من الغدوة ثم طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته وإن طلعت الشمس قبل أن يصلي ركعة فليقطع الصلاة
ولا يصلي حتى يطلع الشمس ويذهب شعاعها وأما كونها أداء فقد اختلف علماؤنا فيه فقال بعضهم أنه يكون مؤديا بجميعها بفعل ركعة في الوقت
واختاره الشيخ وقال آخرون يكون قاضيا وقال الثاني يكون قاضيا للمفعول في خارج الوقت والأول أشبه عندي الصواب لقوله (ع) من
أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفي لفظ آخر من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت ومع القضاء لا يكون إدراكا ولان
الجمعة يدرك بركعة فهكذا ها هنا. [الثالث] لو أدرك أقل من ركعة لم يكن مدركا ذهب إليه علماؤنا وهو أحد قولي الشافعي ومذهب مالك
وإحدى الروايتين عن أحمد وقال أبو حنيفة لو أدرك تكبيرة الاحرام كان مدركا وهو قول الآخر للشافعي. لنا: انه (ع) خصص بالركعة في قوله
209

من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة والتقييد دليل على الاقتصار ومن طريق الخاصة رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع)
في قوله وإن طلعت الشمس قبل أن تصلى ركعة فليقطع الصلاة ولأنه إدراك للصلاة فلا يحصل بأقل من ركعة كالجمعة احتج أبو حنيفة بما رواه أبو
هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح
قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ولان الادراك إذا تعلق به حكم بالصلاة استوى فيه الركعة وما دونها بالاجماع. والجواب عن الأول:
وجهين، أحدهما: ان أبا هريرة روى من أدرك ركعة من صلاة العصر وإذا اختلفت رواية الراوي طرحت لتطرق التهمة إليها. الثاني: أنا نقول
بموجبه إذ من أدرك سجدة يحصل إدراك الركعة وذلك دليل لنا. وعن الثاني: بالمنع من ثبوت الحكم في الأصل على ما يأتي. [الرابع]
قال الشيخ: إذا أدرك من آخر وقت الظهرين أربعا فاتت الظهر واختص بالعصر ولو أدرك خمسا فقد أدرك الصلاتين وهو حسن بناء على ما حققناه عن أن
الوقت يشترك بعد أربع إلى أن يبقى الغروب مقدار أربع أما على قول بعض أصحابنا من اشتراك الوقتين من الزوال إلى الغروب فإنه يكون مدركا
للصلاتين لو أدرك أربعا وهو قول الشافعي. [الخامس] الحائض والنفساء والصبي إذا بلغ والمغمى عليه إذا فاق والمجنون إذا برئ والكافر
إذا أسلم وقد بقي للغروب مقدار ركعة (سوى) الطهارة تعينت العصر عليهم وسقط الظهر وذهب إليه أكثر علمائنا وكذا البحث في المغرب والعشاء وقال أكثر الجمهور
يصلون الصلاتين معا وهو رواية لنا وقال الحسن البصري: لا يجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وهو قول الثوري وأصحاب الرأي. لنا: ان وقت
الأول خرج وهو معذور فلا يجب كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئا وما رواه الجمهور عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أدرك ركعة من الأصل
قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ولو كان مدركا للصلاتين لم يكن لتخصيص العصر. فائدة: بل كان ينبغي ذكر الصلاتين معلوم من طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معمر بن يحيى قال سألت أبا جعفر (ع) عن الحائض تطهر عند العصر تصلى الأولى قال: إنما يصلي الصلاة التي
تطهر عندها وفي الموثق عن الفضيل بن يونس عن أبي الحسن الكاظم (ع) قال قلت المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة
قال: إذا رأت الطهر بعد ما يمضي منه زوال الشمس أربعة أقدام فلا يصلي إلا العصر لان وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج عليها الوقت
وهي في الدم فلم يجب عليها أن تصلي الظهر وما طرح الله عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر وعن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال قلت
المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر قال: تصلي العصر وحدها فإن ضيقت فعليه صلاتان واحتج الجمهور
بما رواه الأثرم وابن المنذر وبإسنادهما عن عبد الرحمن بن عوف و عبد الله بن عباس أنهما قالا في الحائض: تطهر قبل طلوع الفجر بركعة
تصلي المغرب والعشاء فإذا طهرت قبل أن يغسل الشمس صلت الظهر والعصر جميعا ولان وقت الثانية وقت الأولى حالة العذر فإذا أدرك
المعذور ولزمه فرضها كما يلزمه فرض الثانية. والجواب عن الأول: بأن عبد الرحمن وابن عباس لم يسندا قولهما إلى الرسول صلى الله عليه وآله فجاز
أن يكون فتوى عن اجتهاد فلا يكون مسموعا ولأنه يحمل على الاستحباب وبهذا الثاني نجيب عن الأخبار الواردة عندنا بانقضاء إذا طهرت
الحائض قبل الغروب جمعا بين الأحاديث وعن الثاني: بالمنع من اشتراك الوقت ومن اتباع الأولى في وقت الثانية على ما تقدم.
[السادس] لو أدرك المكلف من وقت صلاتي الأولى قدرا يجب به ثم جن أو كانت امرأة فحاضت أو نفست ثم زال العذر بعد وقتها
لم يجب الثانية ولا قضاؤها لأنه لم يدرك جزأ من وقتها يسعها فلا يجب كما لو لم يدرك من وقت الأول شيئا. [السابع] لو أفاق
المجنون والمغمى عليه قبل أن يمضي الوقت بمقدار ركعة ثم عاد إليه الجنون قبل انقضاء الوقت أو عند انقضائه لم يلزمه قضائها لأنه لم يلحق جميع
الوقت الذي يمكنه إيقاع الفعل فيه. [الثامن] قال الشيخ في المبسوط إذا بلغ الصبي في أثناء الصلاة بما لا يفسدها أتم وقال في الخلاف
يستأنف إن كانت الوقت باقيا فما ذكره في الخلاف أشبه عندي بالصواب أما لو بلغ بما ينافيها فإنه يستأنف من رأس. [التاسع] لو بلغ
في الوقت بعد فراغه من الصلاة وأمكنه الطهارة وأداء ركعة فيه وجب عليه ولم يجزيه ما فعله أولا وبه قال أبو حنيفة وأحمد لأنه صلى قبل
وجوبها عليه وقبل حصول سبب الوجوب فلم يجزيه عن صلاة وقيل سبب وجوبها كما لو صلى قبل الوقت ولأنه إنما أوقعه على جهة النفل
فلا يكون مجزيا عن الفرض كما لو نوى بالفريضة النافلة فكأنه بلغ قبل العبادة وقبل فعلها فيجب إعادتها كالحج وقال الشافعي يجزيه
ولا يجب عليه الإعادة لأنه أدى وظيفة الوقت فلم يلزمه إعادتها كالبالغ والجواب وظيفة البالغ صلاة واجبة ولم يأت بها. * مسألة:
الصلاة في أول الوقت أفضل إلا العشاء والمغرب للمفيض من عرفات والظهر بالحر الشديد للجمع روى الجمهور عن جابر قال كان النبي صلى الله
عليه وآله يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس بقية والمغرب إذا وجبت والعشاء أحيانا وأحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤوا أخر
والصبح كان النبي صلى الله عليه وآله يصليها بغلس ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله
(ع) وأول الوقت أفضله وعن بكر بن محمد قال قال أبو عبد الله (ع): فضل الوقت الأول على الأخير خير للمؤمن من ولده وماله وفي
الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) أصلحك الله وقت كل صلاة أول الوقت أفضل أو وسطه وآخره فقال: أوله قال رسول الله صلى الله
210

عليه وآله: ان الله يحب من الخير ما يعجل وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: اعلم أن الوقت الأول أبدا أفضل فتعجل الخير ما استطعت وأحب
الأعمال إلى الله عز وجل ما دام العبد عليه وإن قل وفي الصحيح عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله (ع) إذا دخل وقت صلاة فتحت أبواب
السماء لصعود الأعمال فما أحب أن يصعد عمل أول من عملي ولا يكتب في الصحيفة أحد أول مني ولأنها طاعة يستحب تعجيلها كغيرها ولا نعرف في ذلك
خلاف. فروع: [الأول] لا يعلم خلاف بين أهل العلم في استحباب تعجيل الظهر في غير الحر قالت عائشة ما رأيت أحدا أشد تعجيلا
للظهر من رسول الله صلى الله عليه وآله وأما في الحر فيستحب الابراد بها إن كانت البلاد حارة وصليت في المسجد جماعة وبه قال الشافعي لقوله (ع)
إذا أشد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من قيح جهنم ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن معاوية بن وهب عن الصادق (ع)
قال: كان المؤذن يأتي النبي صلى الله عليه وآله في الحر في صلاة الظهر فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله أبرد أبرد ولأنه موضع ضرورة
فاستحب التأخير لزوالها أما لو لم يكن الحر شديدا وكانت البلاد باردة أو صلى في بيته فالمستحب فيه التعجيل وهو مذهب الشافعي خلافا لأصحاب
الرأي وأحمد. لنا: المقتضي لاستحباب التعجيل موجود والمانع مفقود فيوجه الأثر ولقوله (ع): الوقت الأول من الصلاة رضوان الله والوقت
الأخير عفو الله أما الجمعة فلا يستحب تأخيرها وهو قول أكثر أهل العلم كافة لضيق وقتها ولأنه نقل التعجيل دائما عن النبي صلى الله عليه وآله ولو
كان التأخير مستحبا لما دام على خلافه. [الثاني] لا يستحب تأخير العصر لما قدمناه وهو قول عمرو بن مسعود وعائشة وابن المبارك وأهل المدينة
والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأحمد وروي عن ابن أبي شرمة وأبي قلامة أن تأخيرها أفضل وهو قول أصحاب الرأي. لنا: ما تقدم وما رواه الجمهور عن أبي أمامة
قال صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلنا يا أبا عمر ما هذه الصلاة التي صليت
قال العصر وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله التي كنا نصليها معه. رواه البخاري ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة
عن أبي عبد الله (ع) قال صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر والعصر حتى زالت الشمس في جماعة غير (من) علة وفي الموثق عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد
الله (ع) قال قلت له يكون أصحابنا في مكان يجتمعون فيقوم بعضهم يصلي الظهر وبعضهم يصلي العصر قال: كل واسع وفي الصحيح عن زرارة قال قلت
لأبي جعفر (ع) بين الظهر والعصر حد معروف فقال: لا، وإذا لم يكن بينهما حد معين كان وقت العصر حين الفراغ من الظهر فيكون فعلها فيه أولى
وعن أبي بصير قال قال أبو عبد الله (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر قيل وما الموتور أهله وماله
قال: لا يكون له أهل ولا مال في الجنة قيل وما يضيعها قال: يدعها حتى يصفر أو يغيب احتج المخالف بما رواه رافع بن خديج ان النبي صلى الله عليه وآله
كان يأمر بتأخير العصر ولأنها أخر في جمع فاستحب كصلاة العشاء. والجواب عن الأول: ان ترمدي طعن في الحديث وقال الدارقطني يرويه عبد
الواحد بن نافع وليس بالقوي، وعن الثاني: انه قياس في باب الأوقات فيكون باطلا لأنه من باب التقديرات. [الثالث] لو قيل باستحباب
تأخير الظهر والمغرب في الغيم كان وجها ليحصل اليقين بدخول الوقتين وقد ذهب إليه بعض الجمهور. [الرابع] لا يستحب تأخير المغرب عن الغروب في
قول أهل العلم كافة روى جابر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يصليهما إذا وجبت الشمس وعن رافع بن خديج كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله
عليه وآله فينصرف أحدنا وأنه لينصر مواقع نيله وقال (ع): لا يزال أمتي بحر أو قال على الفطرة حتى تؤخروا المغرب إلى أن يشتبك النجوم رواه أبو داود
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن زيد الشحام قال قال رجل لأبي عبد الله (ع) أؤخر المغرب حتى تستبين النجوم فقال: الخطابية ان جبرئيل (ع)
نزل بها على محمد صلى الله عليه وآله حين سقط القرص وعن سعد بن جناح عن بعض أصحابنا عن الرضا (
ع) قال: إن أبا الخطاب قد كان أفسد عامة
أهل الكوفة كانوا لا يصلون المغرب حتى تغيب الشفق وإنما ذلك للمسافر والخائف ولصاحب الحاجة وعن محمد بن أبي حمزة عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع)
قال قال: ملعون من أخر المغرب طلب فضلها. وعن ذريح قال قلت لأبي عبد الله (ع) إن ناسا من أصحاب أبي الخطاب يمشون بالمغرب حتى يشتبك
النجوم قال: أترى إلى الله ممن فعل ذلك متعمدا وما ورد في ذلك من الأحاديث الدالة على التأخير فبعضها محمول على العذر وبعضها مكذوب
بشهادة الصادق (ع) بكذبها ونسبته إلى أبي الخطاب. [الخامس] يستحب تأخير العشاء إلى أن يغيب الشفق المغربي وأكثر أهل العلم على استحباب
التأخير خلافا للشافعي. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يستحب أن يؤخر من العشاء التي يدعونها العتمة ومن
النبي صلى الله عليه وآله: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل ونصفه قال الترمذي وهو حديث حسن صحيح وروى البخاري عن
عائشة قالت اغتم رسول الله صلى الله عليه وآله بالعشاء حتى ناداه عمر بالصلاة نام النساء والصبيان فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
ما ينتظرها أحد غيركم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله (ع) قال: وقت العشاء حين تغيب الشفق إلى
ثلث الليل وفي الموثق عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) قلت فالرجل يصلي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق فقال: لعله لا بأس و
في الصحيح عن الحلبي قال سألت أبي عبد الله (ع) متى يجب العتمة قال: إذا غاب الشفق والشفق الحمرة فقال عبيد الله أصلحك الله أنه يبقى بعد
ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض فقال أبو عبد الله (ع): إن الشفق إنما هو الحمرة وليس الضوء الشفق ولا يزيد بذلك هذا الوجوب لما بيناه
211

من أنه بعد الغروب بثلاث ركعات ولما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة قال سألت أبا جعفر وأبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي العشاء الآخرة
قبل سقوط الشفق قلنا: لا بأس به وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: أخر رسول الله صلى الله عليه وآله
ليلة من الليالي العشاء ما شاء الله فجاء عمر فدق الباب فقال يا رسول الله نام الصبيان فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ليس لكم
أن تؤذوني ولا تأمروني إنما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لولا أني
أخاف ان أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكا من رقد عن صلاة
المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه. [السادس] الشفق هو الحمرة من ناحية المغرب والحال فيه كالحال في الفجر إلا أنه على العكس
لان الشمس متى غربت آخر الأفق من ناحية المغرب ويكون الهواء مضيا كما كان قبل الطلوع ثم يأخذ في الضعف إلى أن يغيب الحمرة و
البياض يبقى لبياض الصبح الصادق ثم يتبعه شيئا فشيئا إلى أن يغيب ثم يتبعه خيط البياض المستطيل وممن قال أن الشفق هو الحمرة ابن عباس وأبو عمرو
وعطا ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي هريرة وثوري وأحمد بن أبي ليلا وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة الشفق هو البياض
وبه قال أنس وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والمزني وابن أبي المنذر. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله
قال: الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجب العشاء رواه الدارقطني ومن طريق الخاصة رواية الحلبي الصحيحة عن أبي عبد الله (ع) وقد تقدمت
وما رواه الشيخ في الموثق عن عبيد الله وعمران ابني علي الحلبي عن أبي عبد الله (ع) بينا وأي شئ الشفق فقال: الحمرة احتج المخالف بما رواه
ابن مسعود قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي العشاء حين تسود الأفق ولا ريب أن وقت العشاء بعد غيبوبة الشفق فلما كان الشفق
هو الحمرة لصلاها (ع) قبل ذلك والجواب: لا دلالة فيما ذكرتم لوجهين، الأول: أن اسوداد الأفق قد يكون مع غيبوبة الحمرة ووجود البياض لخفائه
وقلة ظهوره. الثاني: ان تأخرها عن أول الوقت أولى لتحصيل الجماعة ويكثر ولهذا قول (ع) لبلال أجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل
من أكله والمتوضي من وضوئه والمتوضئ إذا دخل لقضاء حاجة. [السابع] الأفضل في صلاة الصبح التعجيل وبه قال مالك والشافعي وأحمد
وإسحاق وهو مروي عن ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وقال أصحاب الرأي الأفضل فيها الاسفار. لنا: ما روى الجمهور عن عائشة قالت كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الصبح فينصرف السماء متلفقات لمروطهن ما يعرفن من الغلس وعن ابن مسعود الأنصاري ان النبي صلى الله عليه وآله
غلس بالصبح ثم أسفر مرة ثم لم يعد إلى الاسفار حتى قبضه الله رواه أبو داود ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إسحاق بن
عمار قال قلت لأبي عبد الله (ع) أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر فقال: مع طلوع الفجر أن الله تعالى يقول: (إن قرآن الفجر كان مشهودا)
يعني صلاة الفجر يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار وفي الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل
الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام ولأنها عبادة فاستحب المبادرة إليها لما فيه من المحافظة على الطاعات. [الثامن]
لا أثم في تعجيل الصلاة التي يستحب تأخيرها ولا في تأخير الصلاة التي يستحب تقديمها إذا عزم على فعلها ما لم يخرج الوقت أو يتضيق عن جميعها
لان جبرئيل (ع) صلاها في الوقتين بالنبي صلى الله عليه وآله وقال ما بين هذين وقت. * مسألة: لا يجوز الصلاة قبل دخول
وقتها وهو قول أهل العلم كافة إلا ما روي عن ابن عباس في مسافر صلى الظهر قبل الزوال يجزيه وبمثله قال الحسن والشعبي. لنا: الاجماع على
ذلك خلاف هؤلاء لا اعتداد به وقد انقرض أيضا فلا تعويل عليه ولان المكلف مخاطب بالفعل عند دخول الوقت ولم يوجد بعد ذلك
ما تزيله فيبقى في عهدة التكليف ولما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: من صلى في غير الوقت فلا صلاة له وعن محمد بن الحسن
العطار عن أبي عبد الله (ع) قال: إن أصلي الظهر في وقت العصر أحب إلي من أن أصلي قبل أن تزول الشمس فإني إذا صليت قبل أن تزول الشمس
لم يحتسب لي وإذا صليت في وقت العصر حسبت لي ومثله رواه عبد الله بن سليمان عنه (ع) وعن زرارة عن أبي جعفر (ع) في رجل
صلى الغداة بليل غرة من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر أنه صلى بليل قال يعيد صلاته لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن عبيد الله
الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا صليت في السفر شيئا في غير وقتها فلا يضر وهذا يدل على جواز التقديم في السفر لأنا نقول إنه محمول على
التأخير لعذر وجواز القضاء أو أنه محمول على النوافل إذ لا عموم هنا أو أنه محمول على غير وقت الفضيلة.
فروع: [الأول] لا بأس تقديم نافلة الليل على الانتصاف لمسافر أو شاب يمنعه النوم من الاستيقاظ والأفضل قضاؤها
من الغد ذهب إليه أكثر علماؤنا قال زرارة بن أعين من قدمائنا كيف يقضي صلاة قبل وقتها ان وقتها بعد انتصاف الليل واختاره ابن إدريس
ما رواه الشيخ عن ليث المرادي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أول الليل فقال نعم
نعم ما رأيت ونعم ما صنعت وفي الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) قلت فإن من نسائنا أبكار الجارية تحب الخير وأهله وتحرص
على الصلاة فيغلبها النوم حتى ربما قضت وربما ضعفت عن قضائه وهي تقوى عليه أول الليل فرخص لهن في الصلاة أول الليل إذا ضعفن
212

وضيعن القضاء ويدل من حيث المفهوم على مساواة حكم الرجال لهن ليعلهن الحكم على الضعف وفي الموثق عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله
(ع) عن الصلاة بالليل والوتر في أول الليل في السفر إذا تخوفت البرد أو كانت عليه فقال: لا بأس انا أفعل ذلك إذا تخوفت وعن علي بن
السعيد قال سألت أبا عبد الله (ع) عن صلاة الليل والوتر في السفر في أول الليل إذا لم يستطع أن يصلي في آخره قال: نعم واما ان القضاء
أفضل فلما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له ان رجلا من مواليك من صلحائهم شكا إلي ما يلقى من النوم فقال:
إني أريد القيام للصلاة بالليل فيغلبني النوم حتى أصبح فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين أيعتبر على ما ثقله فقال: قرة عين والله ولم يرخص
له في الصلاة في أول الليل وقال: القضاء بالنهار أفضل ولأنها عبادة مؤقتة وكان الأصل عدم جواز فعلها قبل وقتها كغيرها إلا أنا صرنا
إلى التقديم في مواضع بقدر القضاء محافظة على فعل السنن فيسقط في غيرها. [الثاني] لو ظن دخول الوقت فصلى ثم ظهر له فساد
ظنه لعاد إلا أن يكون الوقت قد دخل قبل الفراغ ولو بالتسليم اختاره الشيخ في المبسوط والنهاية إلا في عبارته في النهاية تسامحا واختاره
المفيد أيضا وسلار وابن البراج وأبو الصلاح وابن إدريس وقال علم الهدى وابن الجنيد يعيد وهو مذهب الجمهور كافة. لنا: انه مأمور
باتباع ظنه وقد فعل فيكون خارجا عن العهدة ولا يلزم على ذلك ما لو دخل الوقت بعد الفراغ إذا لم يقع في الوقت شئ من الصلاة
فيبقى الامر متوجها عليه ويؤيده ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن رماح عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم
يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزئت عنك والمراد بالرؤية ها هنا الظن لاستحالة حملها على العلم والنظر بالعين احتج
المرتضى بأنه رأى ما لم يؤمر به فلا يكون مجزيا عنه وبما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) من صلى في غير وقت فلا صلاة له. والجواب عن الأول:
ان النزاع واقع في المقدمة الأولى فإنا نقول مأمور باتباع ظنه. وعن الثاني: بالحمل على ما إذا وقعت الصلاة بأجمعها خارج الوقت وهو
الذي يدل عليه حقيقة اما لو دخل في الصلاة قبل الوقت من غير استناد إلى ظن فإنه لا يعيد (يفيد) بها سواء صلاها بأجمعها خارج الوقت أو بعضها
فيه. [الثالث] لو شك في دخول الوقت لم يصل حتى يتيقن دخولا ويغلب على ظنه مع عدم طريق له إلى العلم. [الرابع] لو كان له طريق إلى
العلم لم يجز له التعويل على الظن لأنه لا يؤمن معه الخطأ وترك ما يؤمن معه الخطأ به قبيح عقلا. [الخامس] لو أخبره عدل بدخول
الوقت فإن كان الاخبار عن علم ولم يكن للمخبر طريق سواه بنى على خبره لأنه يثمر ظنا فيصار إليه مع عدم طريق إلى غيره ولو كان له طريق علمي لم يعمل
بقوله لأنه لا يعيده قطعا وإن كان الاخبار عن اجتهاد لم يقلده في ذلك واجتهد هو حتى يغلب على ظنه لأنه يقدر على الصلاة باجتهاد نفسه ولا
يقبل باجتهاد غيره كما في القبلة. [السادس] لو سمع الأذان من ثقة عارف بالوقت فإن كان متمكنا من العلم بالوقت لم يعول
عليه لما تقدم وإن لم يكن جاز له التعويل على قوله لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: المؤذن مؤتمن ولولا جواز تقليده لم يكن
مؤتمنا وعنه (ع) خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين صلاتهم وصيامهم. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن ذريح
المحاربي قال قال أبو عبد الله (ع) صل الجمعة بأذان هؤلاء فإنهم أشد شئ مواظبة على الوقت وفي الصحيح عن محمد بن خالد قال قلت لأبي عبد الله
(ع) أخاف أن أصلي يوم الجمعة قبل أن يزول الشمس فقال إنما ذاك على المؤذنين ولأنه مشروع للاعلام بدخول الوقت فلو لم يجز تقليد
المؤذن لم يحصل الحكمة التي شرع الأذان لها خرج من ذلك ما لو تمكن من العلم بمعنى لم يوجد في الظن فيبقى صورة النزاع على الأصل
تحصيلا للحكمة المطلوبة. [السابع] قال الشيخ معرفة الوقت واجبة وهو حسن لئلا يقع الصلاة في غير الوقت. [الثامن] فإذا استر الشمس
غيم وتحقق الزوال بإدراك الصلاة ليدرك فضيلة الوقت ولو غلبت على ظنه مضى وقت النافلة اشتغل بالفريضة وقضاء النافلة. [التاسع]
قال الأعمى يقلد غيره في دخول الوقت فلو ظهر له أن صلى قبله أعاد ولو تبين أنها وقعت بعده كان جائزا واما مع سلامة الحاسة فلا يجوز
تقليد الغير ويستظهر إذا لم يكن له معرفة حتى يغلب على ظنه دخول الوقت. [العاشر] لو دخل في الصلاة مع الشك بدخول وقتها
لم يجزيه وإن كان الفعل وقع في الوقت لأنه صلى مع الشك في شرطها من غير دليل ولا يصح كما لو صلى إلى القبلة مع الشك من غير اجتهاد
وكما لو صلى مع الشك في الطهارة. [الحادي عشر] روى الشيخ في الحسن عن محمد بن عذافر عن أبي عبد الله (ع) قال صلاة التطوع بمنزلة الهدية
متى ما أتى بها قبلت تقدم فيها ما شئت وأخر منها ما شئت وعن القسم بن الوليد الغساني عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له جعلت
فداك صلاة النهار وصلاة النوافل في كم هي قال ست عشرة ركعة في أي ساعات النهار شئت أن تصليها صليتها إلا أنك إذا صليتها في مواقيتها أفضل وفي
الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (ع) قلت له إني اشتغل قال فاصنع كما اصنع صل ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها
من صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر واعتد بها من الزوال قال الشيخ وبهذه الروايات رخصة كذا لو علم من حاله انه إن لم يقدمها اشتغل عنها
ولم يتمكن من القضاء لما رواه محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجل من أول النهار فقال: نعم إذا
علم أنه يشتغل فيعجلها في صدر النهار كلها. * مسألة: إذا صلى نوافل الظهر فخرج وقتها قبل إكمالها وزاحم بها الفريضة وان كان
213

قد تلبس بركعة (أتمها) لما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال: للرجل أن يصلي الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي قدمان
وإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتم الصلاة حتى يصلي تمام الركعات فإن مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة واحدة بدأ
بالأولى ولم يصل الزوال إلا بعد ذلك ولأنها صلاة نافلة تلبس بها ولم يتضيق وقت فريضتها فليتمها كالفريضة ولأنه محافظة على فعل السنن
التي لم يتضيق وقت فرائضها وكذا البحث في نوافل العصر ما بين الأولى إلى أن يمضي أربعة أقدام فإن مضت أربعة أقدام ولم يصل من النوافل
شيئا فلا يصل النوافل وإن كان قد صلى ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر وقال للرجل أن يصلي إن بقي عليه شئ من صلاة الزوال
إلى أن تمضي بعد حضور الأولى نصف قدم وللرجل إذا كان قد صلى من نوافل الأولى شيئا قبل أن يحضر العصر فله أن يتم نوافل الأولى إلى أن يمضي
بعد حضور العصر قدم وقال القدم بعد حضور العصر مثل نصف قدم بعد حضور الأولى في الوقت سواء. * مسألة: ولو ذهبت
الحمرة المغربية ولم تكمل نوافل المغرب ابتداء بالعشاء ولا يزاحم بما بقي بل يقضيه لان النافلة لا تزاحم غير فريضتها لما رواه الشيخ عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: إذا دخلت الفريضة فلا تطوع وعن نجيه قال قلت لأبي جعفر (ع) تدركني الصلاة ويدخل وقتها فابدأ بالنافلة قال فقال أبو جعفر (ع):
لا ولكن أبدأ بالفريضة واقض النافلة. * مسألة: ولو صلى من صلاة الليل أربع ركعات ثم طلع الفجر صلاها مخففة ثم صلى الفريضة
في إحدى الروايتين روى الشيخ عن محمد بن النعمان قال قال أبو عبد الله (ع): إذا كنت صليت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر
فأتم صلاة طلع أم لم يطلع وأما الرواية الأخرى فقد رواها الشيخ عن يعقوب البزاز قال قلت له أقوم قبل الفجر بقليل فأصلي أربع
ركعات ثم أتخوف أن ينفجر الفجر ابدأ بالوقت أم أتم الركعات قال: لا بل أوتر وأخر الركعات حتى يقضيها في صدر النهار والرواية الأولى
أشبه لأنها مناسبة للحكمة من حيث المحافظة على السنن ولان الثانية غير مسندة إلى إمام فلا تعويل عليها وعمل الأصحاب على الأولى
فقد اعتضدت ما لم يحصل للثانية أما لو خشى ضيق وقت الفريضة فإنه يتركها ويشتغل بالفريضة قطعا ولو لم يصل أربعا وطلع الفجر
اشتغل بالفريضة بحصول المنافي وهو فعل النافلة في غير وقت فريضتها السالم عن معارضة فعل النصف المناسب للاكمال من حيث
عدم التضيق ولو خرج الوقت وطلع الفجر ولم يصل شيئا أصلا ففيه روايتان أشهرهما: الاشتغال بالفريضة لأنه يضيق للفريضة بفعل
غير نافلتها في وقتها روى الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد الله (ع) أوتر بعد ما يطلع الفجر قال: لا وأما الرواية الأخرى:
فقد رواها الشيخ عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (ع) أقوم وقد طلع الفجر ولم أصل صلاة الليل فقال: صل صلاة الليل وأوتر
وصل ركعتي الفجر ويحتمل أن يكون الوجه في هذه الرواية ان المراد بالفجر الفجر الأول وإن ذلك يقع ليلة لا انه مستمر كما رواه عمر بن يزيد عن
أبي عبد الله (ع) قال سألته عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر فقال صلهما بعد الفجر حتى تكون في وقت تصلي الغداة في آخر وقتها ولا
تعمد ذلك كل ليلة وقال أوتر أيضا بعد فراغك منها نعم يستحب له أن يصلي ركعتي الفجر لأنها نافلة للصبح لم تزاحم بها في وقتها لغيرها من
النوافل السابقة للفرائض. * مسألة: ويصلي الفرائض أداء وقضاء ما لم يتضيق الحاضر وهو إجماع قال (ع) من فاتته فريضة
فليقضها إذا ذكرها ما لم يتضيق وقت حاضرة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه سئل عن رجل
صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها؟ فقال: يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار فإذا دخل وقت الصلاة
ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت وهذه أحق فليقضها فإذا قضاها فليصل ما فاته مما
قد مضى ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها أما النافلة فإنها تصلى في كل وقت فريضة لما تقدم أو يكون من الأوقات المستثناة الآتية.
* مسألة: يكره ابتداء النوافل في خمسة أوقات ثلاثة للوقت عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها نصف النهار إلى يوم الجمعة
واثنان للفعل بعد الصبح وبعد العصر إلا النوافل المرتبة وما له سبب كصلاة الزيارة وتحية المسجد والاحرام ذهب إليه أكثر أهل العلم
ونقل الجمهور عن علي (ع) أنه صلى بعد العصر ركعتين وهو مروي عن الزبير وابنيه النعمان بن بشير وأبي أيوب وعائشة وتميم الداري وقال
ابن المنذر: لا يكره بعد الصلاة حتى تغرب الشمس وقال داود يجوز فعل النافلة بعد العصر حتى تغرب الشمس
. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس
قال شهد عندي رجال مرضيون ان النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس. لنا:
ما رواه الجمهور عن ابن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب
الشمس وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا بدأ حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى زالت وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة
حتى تغيب وعن عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وآله ينهانا أن تصلي فيهن أو نصلي فيهن موتانا أو نصلى فيهن حين يطلع الشمس بازغة
حتى ترتفع وإذا تضيفت للغروب ونصف النهار ومعنى قوله تضيفت مالت يقال تضيفت فلانا إذا ملت إليه ونزلت به ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال
214

ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان وقال: لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد
الله (ع) قال: لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وعن أبي الحسن علي بن بلال قال كتبت إليه في قضاء النافلة
من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس فكتب لا يجوز ذلك إلا للمقتضي فأما لغيره فلا وقال الشيخ قد رويت رخصة
في الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها روى أبو جعفر محمد بن علي قال روى لي جماعة من مشايخنا عن أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي
(رض) أنه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله من محمد بن عثمان العمري (قد) واما ما سئلت عنه من الصلاة عند طلوع
الشمس وعند غروبها فليس كما يقول الناس ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان فما أرغم أنف الشيطان بشئ أفضل من الصلاة فصلها وأرغم أنف
الشيطان احتج داود بما روته أم سلمة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله بعد العصر فصلى ركعتين وعن عائشة قالت والله
ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتين عندي بعد العصر قط واحتج ابن المنذر بما رواه بإسناده عن علي (ع) أنه دخل فسطاطه فصلى
ركعتين بعد العصر وروى ابن المنذر أيضا عن علي (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس
مرتفعة. والجواب عن الأول: أنها صلاة كان لها سبب لأنها فاتت ركعتين الظهر شغله عنها وقد بنى تميم نقضها ودام عليها لأنه كان ملزما
بالمداومة لما يفعله من الطاعات، وعن الثاني: انه احتجاج بفعل ولا عموم له فربما كان ما فعله من النوافل التي لها سبب أو قضى لنافلة سابقة
على ما اختاره بعض فضلائنا وأما حديث ابن المنذر فإن الرواية الشهيرة في هذا الباب النهي. فروع: [الأول] قال المفيد (ره)
يكره قضاء النوافل عند طلوع الشمس وغروبها وأجازها قضاء بعد صلاة الغداة إلى أن تطلع الشمس وبعد صلاة الغداة إلى أن تطلع الشمس وبعد صلاة العصر إلى أن تصفر الشمس
وأجاز الشيخ القضاء أيضا فله في كل وقت خلافا لبعض الجمهور وهو الأقوى. لنا: ما رواه جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
يا بني عبد المطلب من ولي منكم شيئا من أمور الناس فلا يمنع أحدا طاف بالبيت وصلى أي وقت شاء من ليل أو نهار وعن عائشة قالت ما كان
رسول الله صلى الله عليه وآله في شئ في يوم العصر إلا صلى ركعتين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سليمان بن هارون عن أبي عبد الله (ع)
قال سألته عن قضاء الصلاة بعد العصر قال: نعم إنما هي النوافل فاقضها متى شئت وفي الحسن عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله (ع) قال:
اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء وعن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) في قضاء صلاة الليل والوتر
يفوت الرجل أيقضيها بعد صلاة الفجر وبعد العصر قال: لا بأس بذلك ومثله رواه محمد بن أبي الفرج عن العبد الصالح (ع). [الثاني]
النهي الوارد ها هنا للكراهية لان أخبارنا ناطقة بذلك خلافا لبعض الجمهور. [الثالث] هذا النهي لا يتناول الفرائض ذهب إليه علماؤنا
أجمع وبه قال علي (ع) وأبو العالية والنخعي والشعبي والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر
وقال أصحاب الرأي لا يقضي فوائت الفرائض في الأوقات الثلاثة المنهي عنها للوقت إلا عصر يومه يصليها قبل غروب الشمس. لنا: ما رواه
الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن
الباقر (ع) وقد تقدم ولأنها صلاة فريضة فات وقتها فأشبهت عصر اليوم ولأنه غير واحد من الصحابة مع عدم إنكار من أحد منهم
فكان إجماعا واحتج أبو حنيفة بأخبار النهي وهي عامة يتناول الفرائض والنوافل ولان النبي صلى الله عليه وآله لما نام عن صلاة الفجر حتى
طلعت الشمس أخرها حتى انتصب الشمس رواه مسلم ولأنها صلاة فلم يجز في هذه الأوقات كالنوافل. والجواب عن الأول: أنها مختصة بالقضاء
في الوقتين الأخيرين وبعصر يومه فيقيس محل النزاع عليه وحديثهم باطل لاستحالة صدور ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وقياسهم ينتقض
بهذه أيضا. [الرابع] لو طلعت الشمس وقد صلى من الصبح ركعة أتمها واجبا وبه قال أكثر أهل العلم خلافا لأصحاب الرأي فإنهم قالوا
يفسد صلاته. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أدرك ركعة من الصبح قبل أن يطلع الشمس فقد أدرك الصبح وفي لفظ
آخر: من صلى ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليتم صلاته ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الأصبغ بن نباته قال قال أمير المؤمنين (ع):
من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة احتج أبو حنيفة بأن الصلاة في هذا الوقت منهي عنها والنهي يدل على الفساد
والجواب: ما ذكرناه خاص فيصرف العام عن ظاهر ولان ما ذكره ينتقض بمن صلى بعض صلاة العصر ثم أصفرت الشمس فإنه يسلم ان صلاته لا يبطل.
[الخامس] يصلي المنذورة في وقت النهي سواء أطلق النذر أو قيده خلافا لأبي حنيفة. لنا: أنها صلاة واجبة فأشبهت فوائت الفرائض والجنازة
وصلاة عصر اليوم احتج أبو حنيفة بأنه وجوب تعلق بفعله وهو النذر فجرى مجرى وجوب النافلة بالدخول فيها ومع ذلك يكره فيها. والجواب:
ينتقض ما ذكره بسجود التلاوة فإنه يتعلق بفعله وهو التلاوة والفرق بين المنذورة والنافلة ظاهر لان النافلة لا يجب عنده بالدخول وهو مكروه
والنذر هنا غير مكروه في الجملة. [السادس] يصلي صلاة الطواف في أوقات النهي وإن كانت نفلا ذهب إليه علماؤنا ونقله الحسن والحسين (عل)
وابن عمر وابن الزبير وعطا وطاوس وابن عباس ومجاهد والقسم بن محمد بعد الصبح والعصر وفعله عروة بعد الصبح وذهب إليه الشافعي وأحمد
215

وأبو ثور وأنكر ذلك أبو حنيفة ومالك. لنا: ما رواه الجمهور عن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف
بهذا البيت وصلى في أي ساعة شيئا من ليل أو نهار رواه الترمذي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سمعت
أبا عبد الله (ع) يقول: خمس صلاة لا يترك على كل حال إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم وصلاة الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت و
الجنازة وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: خمس صلوات يصليهن في كل وقت صلاة الكسوف والصلاة على الميت وصلاة الاحرام و
الصلاة التي تفوت وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل ولان ركعتي الطواف تابعة له فإذا أبيح المتبرع أبيح التابع احتجا بعموم النهي
والجواب: حديثنا أخص فيعمل به ولان حديثهم مخصوص بالفوائت وحديثنا غير مخصوص فيكون أولى. [السابع] يصلي على الجنازة بعد الصبح إلى
أن يطلع الشمس وبعد العصر إلى الغروب وهو مذهب علماء الاسلام وأما الصلاة عليها في الأوقات الثلاثة الباقية فإنه يجوز عند علمائنا
أجمع وهو مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا يجوز وهو قول أصحاب الرأي. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
اني لأرى ظلمة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن يحبس بين ظهراني أهله وتأخير الصلاة عن هذه الأوقات ينافي
التعجيل ومن طريق الخاصة رواية معاوية بن عمار وأبي بصير عن أبي عبد الله (ع) وقد تقدمتا ولأنها صلاة يباح بعد الصبح والعصر
فأبيحت في سائر الأوقات كالفرائض ولأنها صلاة يصلى في وقتين من أوقات النهي فصلي في الباقي ولأنها صلاة فريضة فأشبهت الفوائت
احتج المخالف بقول عقبة ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وآله ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا. والجواب: أنه مخصوص
بالنوافل على ما بينا. [الثامن] يصلي الكسوف وصلاة الاحرام في الأوقات المذكورة لروايتي أبي بصير ومعاوية بن عمار بلا خلاف بين علمائنا.
[التاسع] يستحب إعادة الصلاة الواجبة جماعة لمن صلى منفردا لما يأتي وإن كان في أوقات النهي وهو قول أكثر الجمهور وقال أبو حنيفة
لا يعاد الفجر ولا العصر ولا المغرب وسيأتي البحث في ذلك. [العاشر] أكثر أهل العلم على أن الأوقات المكروهة هي الخمسة التي عددناها
أولا وقال ابن المنذر: إنما يكره في ثلاثة أوقات لحديث عقبة بن عامر خصص الأوقات بالكراهية فيها ويبقى الباقي على الأصل. والجواب:
ان الأحاديث التي ذكرناها من طرقهم وطرقنا دالة على كراهية الصلاة في الوقتين الأخيرين والتخصيص بالذكر لا يدل على نفي الحكم
عما عداه. [الحادي عشر] لا بأس بصلاة ركعتي الفجر بعد الفجر قضاء عند السيد المرتضى وأكثر الجمهور وأداء عندنا على ما بينا الخلاف
في ذلك وقال مالك وأصحاب الرأي لا يجوز لأنه قضاء لنافلة في وقت النهي. لنا: ما تقدم وما رواه الجمهور عن قيس بن فهد قال رآني رسول الله
صلى الله عليه وآله وأنا أصلي ركعتين الفجر بعد صلاة الفجر فقال: هاتان الركعتان يا قيس قلت يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر
فهما هاتان الركعتان رواها أحمد وأبو داود والترمدي والسكوت دال على الجواز ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي الحسن علي بن هلال
قال كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس فكيف لا يجوز ذلك إلا للمقتضي فأما لغيره فلا
ولأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ركعتي الطواف واحتجاجهم قد بينا تخصيصه بالابتداء. [الثاني عشر] لا بأس بقضاء السنن الراتبة بعد
العصر ذهب إليه علمائنا أجمع وبه قال الشافعي وأحمد ومنعه أصحاب الرأي. لنا: ما رواه الجمهور عن أم سلمة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
ينهي عن الركعتين بعد العصر ثم رأيته يصليهما فقال يا بنت أبي أمية أنه أتاني ناس من عبد القيس بالاسلام من قولهم فشغلوني عن
الركعتين بعد الظهر فهما هاتان رواه مسلم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله (ع) قال: اقض
صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء. [الثالث عشر] يصلى تحية المسجد في الأوقات المذكورة خلافا لأحمد
وأصحاب الرأي وكذا كل ما له سبب لقوله (ع) إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين وهذا أخص من الأخبار الدالة على
النهي فيكون مقدما عليها ولأنها ذات سبب وأشبهت ما يثبت جوازه. [الرابع عشر] لا فرق بين مكة وغيرها في تناول النهي وبه قال أبو حنيفة
وأحمد وفرق الشافعي واختار التنفل بمكة في كل وقت. لنا: عموم النهي وهو معنى يقتضي المنع من الصلاة فيستوي فيه مكة وغيرها كالحيض احتج
الشافعي بما رواه أبو ذر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا يصلين أحد بعد طلوع الصبح إلى طلوع الشمس ولا بعد العصر
إلى أن تغرب الشمس إلا بمكة قاله ثلاثا وقال (ع) لا يمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شيئا من ليلا أو نهار. والجواب عن الأول:
ان في الرواية عبد الله بن مؤمل وهو ضعيف ذكره يحيى بن معين، وعن الثاني: المراد به ركعتا الطواف وهو مسلم لأنها ذات سبب. [الخامس
عشر] لا فرق في تناول النهي بين الشتاء والصيف وهو قول أهل العلم وقال عطا يباح الصلاة في وقت قيام
الشمس في الشتاء دون الصيف.
لنا: ما رواه الجمهور ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الشمس يطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استقرت قارنها وإذا
زالت فارقها وإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الصلاة في تلك الساعات احتج عطا
بأن الشدة الحر من قيح جهنم وذلك الوقت حين تسجر جهنم ولا شك في ضعفه. [السادس عشر] قال علماؤنا لا بأس بالتنفل عند قيام
216

الشمس يوم الجمعة وهو قول الحسن البصري وطاوس والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي وإسحاق وأبي قتادة وعطا خلافا لأبي حنيفة وأحمد. لنا: ما رواه
الجمهور عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة ومثله رواه أبو قتادة ورواه أبو داود ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وفي الصحيح عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده قال قبل الأذان ولان الناس في هذا الوقت ينتظرون الجمعة
يشق عليهم مراعاة الشمس وفي ذلك قطع للنوافل ويحتاجون إلى الاشتغال بالصلاة عن النوم أيضا احتجوا بعموم النهي والجواب: أحاديثنا خاصة
فتقدم. [السابع عشر] قال بعض الشافعية جمع يوم الجمعة مستثنى لأنه قد ورد في بعض الاخبار أن جهنم تجسر في الأوقات الثلاثة وفي سائر الأيام
إلا في يوم الجمعة وهذا ليس بصحيح لعموم النهي إلا ما ورد فيه الاستثناء. * مسألة: اختلف علماؤنا في صلاة الوسطى فقال الشيخ في الخلاف
انها الظهر وتبعه جماعة من أصحابنا وبه قال زيد بن ثابت وعائشة و عبد الله بن شداد وقال علم الهدى أنها العصر وتبعه جماعة وقال أبو هريرة و
أبو أيوب وأبو سعيد وعبيدة السلماني والحسن والضحاك وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد ونقله الجمهور عن علي (ع) قال طاوس وعطا وعكرمة ومجاهد
والشافعي هي الصبح وقيل أنها المغرب وقيل هي العشاء والأقرب الأول. لنا: ما رواه الجمهور عن زيد بن ثابت قال كان رسول الله صلى الله عليه و
اله يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله منها فزلت: (حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى) رواه أبو داود وروى الترمذي وأبو داود عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قرأ حافظوا على الصلاة والصلاة
الوسطى وصلاة العصر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى هي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وهي وسط النهار ووسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة
وصلاة العصر وفي بعض القراءة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين أقول: والعطف يقتضي المغايرة
وقد ورد في روايتي عائشة والباقر (ع) لا يقال " الواو " زائدة كما في قوله تعالى: (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) لأنا نقول الزيادة منافية للأصل
فلا يصار إليها إلا لوجب والمثال الذي ذكروه يمنع زيادة " الواو " فيه بل هي للعطف على بابها ولأنها أشق الصلوات فعلا لا يقال سلمنا في الهاجرة
وقت شدة ينازع الانسان إلى النوم والراحة فيكون الامر بالمحافظة عليها أولى احتج السيد المرتضى بإجماع الشيعة على ذلك واحتج
أبو حنيفة بما روي عن علي (ع) عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال يوم الأحزاب شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملا
الله بيوتهم وقبورهم نارا وعن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة العصر واحتج الشافعي بقوله: قوموا لله قانتين والقنوت
طول القيام وهو مختص بالصبح ولأنها من أثقل الصلاة على المنافقين ولهذا اختصت بالوصية بالمحافظة عليها قال الله تعالى: (فسبح بحمد
ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) يعني صلاة الفجر والعصر واحتج القائلون بالعشاء بما رواه ابن عمر قال مكثنا ليلة ينتظر رسول الله
صلى الله عليه وآله لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا حين ذهب ثلاث الليل أو بعده فقال أيكم لينتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم و
لولا أن أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة وقال إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الغداة والعشاء ولو يعلمون ما فيها لاتوهما
ولو حرا. والجواب عن الأول: بمنع الاجماع فإنا لا نتحققه مع وجود الخلاف، وعن الثاني والثالث: بمنع الروايتين فإن مالكا أخرجهما مع
قرب عهده وهما معارضتان بما ذكرناه من الأحاديث وعن الرابع: ان القنوت هو الطاعة فلا يختص الدعاء ولو سلمنا ذلك اختصاص
الصبح بذلك ممنوع لما يأتي من استحباب القنوت في الصلوات كلها ولو سلم اختصاص القنوت بالصبح لكن لا نسلم أن الامر بالقيام يستلزم
عود ذلك إلى الوسطى وقوله أنها أشد على المنافقين وما بعد ذلك من حججهم ضعيف لأنه لا يعارض ما أوردنا من النصوص هذه الأوهام.
* مسألة: قال الشيخ يكره تسمية العشاء بالعتمة وكأنه نظر إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يغلبنكم الاعراب على اسم
صلواتكم فإنها العشاء وأنهم يقيمون بالإبل ولكن هذا الحديث لم يرد من طرق الأصحاب قال وكذا مكروه تسمية الصبح بالفجر وقال أيضا قضاء نافلة
الليل بالنهار أفضل وقضاء نافلة النهار بالليل أفضل وهو حسن لما فيه من المسارعة.
[الفصل الثالث] في القبلة وهو مباحث،
{الأول} القبلة هي الكعبة مع الامكان وإلا فجهتها ذهب إليه السيد المرتضى واختاره الجمهور كافة وقال الشيخ الكعبة قبلة أهل المسجد والمسجد
قبلة أهل الحرم والحرم قبلة من خرج عنه وقال بعض الشافعية القبلة عين الكعبة للبعيد والقريب. لنا: قوله تعالى: (جعل الله الكعبة
البيت الحرام قياما للناس) وما رواه الجمهور عن البراء قال قدم رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا
ثم إنه وجه إلى الكعبة فمر رجل كان صلى مع النبي صلى الله عليه وآله على قوم من الأنصار فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد وجه
إلى الكعبة فانحرفوا إلى الكعبة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أحدهما (ع) قال: إن بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصلاة قد صلوا
ركعتين إلى البيت المقدس فقيل لهم أن نبيكم قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى
217

الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين وأما أن المأخوذ على البعيد الاستقبال إلى الجهة فلقوله:
(وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) والشطر النحو ولان تكليف الاستقبال إلى غير الكعبة يستلزم إبطال صلاة بعض الصف المتطاول في سمت
مستقيم وإبطال صلاة أهل العراق أو خراسان لبعد ما بينهما مع أن قبلتهما واحدة إذ من المستحيل محاذاة كل واحد منهما عين الكعبة احتج
الشيخ بالاجماع وبأنه يلزم اما إبطال بعض صلاة الصف المتطاول أو إلزام المأمومين الصلاة خلف الامام كما لو صلى في المسجد
واللازم بقسميه باطل بالاجماع وبما رواه عبد الله بن محمد الحجال عن بعض رجال عن أبي عبد الله (ع) ان الله تعالى جعل الكعبة
قبلة لأهل المسجد وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا وعن بشير بن جعفر الجعفي قال سمعت جعفر بن
محمد الصادق (عل) يقول: البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة للناس جميعا، والجواب عن الأول: بمنع الاجماع
مع ثبوت الخلاف، وعن الثاني: أن الملازمة إنما يتم لو قلنا أن المصلي خارج الحرم يتوجه إلى نفس الكعبة وبنيتها ونحن لا نقول ذلك
بل الواجب التوجه إلى جهة الكعبة أي السمت الذي فيه الكعبة وذلك متسع يمكن أن يواري جهة كل مقبل وأيضا والالزام يتجه عليه في
الحرم لأنه لم يبلغ في الطول إلى حد يتوجه إليه أهل العراق وخراسان وعن الحديثين بضعف سندهما أما الأول فإنه مرسل، وأما الثاني: فإن
راويه كان ابن عقدة وهو زيدي وفي رجاله من لا نعرفه فلا احتجاج. * مسألة: لو صلى المكتوبة في الكعبة تخير في استقبال أي جدرانها
وقد اختلف قول الشيخ ها هنا فقال في النهاية والمبسوط والجمل والاستبصار بالكراهية وقال في الخلاف: لا يجوز اختيارا وحكاه عن مالك
والأول أقوى. لنا: انه استقبل الجهة وهو المطلوب فيخرج عن العهدة احتج الشيخ بالاجماع وبأن القبلة هي الكعبة للمشاهد فيكون جملتها القبلة
لا بعضها والمصلي في جوفها إنما يستقبل بعضها وبما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: لا يصلي المكتوبة في الكعبة. والجواب
عن الأول: يمنع الاجماع وكيف يصح ادعاء ذلك منه مع مخالفته فيما ذكرناه من كتبه إلا أن يكون المراد بقوله لا يجوز الكراهية فإنه كثيرا ما
يستعمل هذا اللفظ في هذا المعنى، وعن الثاني: بالمنع من كون جملة الكعبة هي القبلة بالنسبة إلى المصلى واحد في وقت واحد بأن استقبال
الواحد جملة القبلة البقية محال بل إن يحاذيه ما يساوي بدنه والثاني خارج عن مقابلة وعن الحديث بالمنع من إرادة التحريم فيه بل يحمل
على الكراهية. فروع: [الأول] لا بأس بالنوافل جوف الكعبة وهو إجماع بل هي مستحبة لا يفرق فيه مخالفا إلا ما نقل عن محمد بن
حريز الطبري. [الثاني] لو كانت الحال حال ضرورة جازت الصلاة جوف الكعبة من غير كراهية وهو إجماع أهل العلم كافة. [الثالث]
إذا صلى جوفها اضطرارا أو اختيارا على ما ذهبنا نحن إليه استقبل أي جدرانها شاء وهو قول كل أهل العلم. [الرابع] لو استهدم البيت
والعياذ بالله صلى إلى موضعه لأن الاعتبار بالجهة لا بالبينة فإنا لو وضعنا الحيطان في موضع آخر لم يجز الاستقبال إليها إجماعا. [الخامس]
لو صلى جوفها وهي مستهدمة أبرز بين يديه بعضها وصلى ولو صلى على طرفها ولم يبرز شيئا لم يصح صلاته وقال الشافعي لا يصح في الموضعين.
لنا: ان المأخوذ عليه الاستقبال إلى جزء الناحية فقد امتثل فيخرج عن العهدة. [السادس] لو صلى جوفها والباب مفتوحة ولا عتبة
مرتفعة صحت صلاته أيضا بناء على ما ذكرنا والخلاف مع الشافعي كما ثم. [السابع] لو صلى في المسجد استقبل أي جدران الكعبة شاء ولو صلى في المسجد
جماعة فاستطال صف المأمومين حتى خرج بعضهم عن سمت الكعبة فصلاة من خرج عن السمت باطلة. * مسألة: ولو صلى على سطحها
أبرز بين يديه منها ولو قليلا وصلى قائما وبه قال أبو حنيفة وقال الشيخ في النهاية والخلاف يصلي مستلقيا متوجها إلى البيت المعهود بالايماء
وقال في المبسوط وإن صلى كما يصلى جوفها كانت صلاته ماضية سواء كانت للسطح سترة من نفس البناء أو معرورا فيه وسواء وقف على سطح
البيت أو على حائطه إلا أن يقف على طرف الحائطة بحيث لا يبقى بين يديه جزء من البيت لأنه حينئذ يكون مستدبرا لا مستقبلا وهو يوافق في
الحقيقة ما ذكرناه نحن لأن جواز القيام يستلزم وجوبه لأنه شرط في الامكان. لنا: ان المأخوذ عليه الصلاة أي الجهة وهو يحصله مع
القيام وإبراز البعض فيحصل الامتثال فلا معنى للصلاة بالاستلقاء احتج الشيخ بالاجماع وبما رواه عبد السلام عن الرضا (ع) قال في الذي
يدرك الصلاة وهو فوق الكعبة فقال: إن قام لم يكن له قبلة ولكن يستلقي على قفاء ويفتح عينيه إلى السماء ويعقد بقلبه القبلة التي في
السماء البيت المعمور ويقرأ فإذا أراد أن يركع غمض عينيه فإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه والسجود على نحو ذلك والجواب على
أن الاجماع ممنوع ها هنا خصوصا مع ذكره في المبسوط وأما الرواية فضعيفة رواها إسحاق بن محمد وقد قال النجاشي إسحاق بن محمد معدن
التخليط فإن يكون الراوي هو هذا فقد ظهر ضعفه وإلا فهو ضعيف لالتباسه بالمضعف فلا يطرح عموم الامر بالقيام وعموم قوله تعالى: (وحيث
ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) وعموم الامر بالركوع والسجود على وجهها بمثل هذا الحديث الضعيف. فرع: لو صلى على موضع مرتفع
أرفع بناء من الكعبة كجبل أبي قبيس إلى جهة القبلة قائما صح قلنا في السطح لان المأخوذ عليه التوجه إلى
الجهة بقوله وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ولما رواه الشيخ في الصحيح عن خالد بن أبي إسماعيل قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل
218

يصلي إلى أبي قبيس مستقبل القبلة فقال: لا بأس وكذا لو صلى في موضع منخفض عن الكعبة فإنه يستقبل الجهة وتصح صلاته ولا نعرف فيه خلافا بين
أهل العلم. * مسألة: أجمع كل أهل الاسلام على أن استقبال القبلة واجب في الفرائض وشرط فيها قال الله تعالى: (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم
شطره) وقال: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) وروى البراء قال قدم رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا
ثم إنه وجه إلى الكعبة فمر رجل كان صلى مع النبي صلى الله عليه وآله على قوم من الأنصار فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد وجه إلى الكعبة
فانحرفوا إلى الكعبة ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بيت المقدس بعد النبوة ثلاث عشر سنة بمكة
وتسعة عشر شهرا بالمدينة ثم عيرته اليهود فقالوا له انك تابع لقبلتنا فاغتم لذلك غما شديدا فلما كان في بعض الليل خرج (ع) يقلب وجهه
في آفاق السماء فلما أصبح صلى الغداة فلما صلى من الظهر ركعتين جاء جبرئيل (ع) فقال له: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك
قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) الآية ثم أخذ بيد النبي صلى الله عليه وآله فحول وجهه إلى الكعبة وحول من خلفه وجوههم حتى قام الرجال مقام
النساء والنساء مقام الرجال فكان أول صلاته إلى بيت المقدس وآخره إلى الكعبة وبلغ ذلك الخبر مسجدا بالمدينة وقد صلى أهله من العصر ركعتين
فحولوا نحو الكعبة فكانت أول صلاتهم إلى بيت المقدس وآخرها الكعبة فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين فقال المسلمون صلواتنا إلى بيت المقدس يضع
يا رسول الله فأنزل الله عز وجل: (وما كان الله ليضيع أيمانكم) يعني صلواتكم إلى بيت المقدس وفي هذا الحديث فوائد فقهية وأصولية ذكرناها في كتاب الانتصار
الاعتبار. * مسألة: وجوب الاستقبال يستدعي وجوب معرفة القبلة وإلا لزم التكليف بالمحال ومعرفة القبلة قد يحصل بالمشاهدة وهذا
يخص الحاضرين في المسجد الحرام وقد يحصل بالدلائل والعلامات وذلك حكم (القائلين) الغائبين في الأمصار والبحث ها هنا في الدلالة وأوثق أدلتها النجوم قال
الله تعالى: (وبالنجم هم يهتدون) وكل أقليم يتوجهون سمت الركن الذي يليهم فأهل الشرق يتوجهون إلى الركن العراقي وأهل العرب إلى المغرب وأهل
الشام إلى الشامي وأهل اليمن إلى اليمني ولنبدأ بالعراقي واستقبال أهله إليه وعلامتهم وضع الجدي خلف المنكب الأيمن روى الشيخ عن محمد بن
مسلم عن أحدهما (ع) قال سألت القبلة قال ضع الجدي في قفاك وصل ولهم علامة أخرى بأن يجعل المشرق محاذيا للمنكب الأيسر و
المغرب مقابله أو يجعل الشمس عند الزوال على طرف الحاجب الأيمن مما يلي الانف والقمر يبد وأول ليلة من الشهر هلالا في المغرب عن يمن المصلي
ثم متأخر كل ليلة نحو المشرق منزلا حتى يكون ليلة السابع وقت المغرب في قبلة المصلي أو مائلا عنها قليلا ثم يطلع ليلة الرابع عشر من المشرق قبل
غروب الشمس بدو أو ليلة إحدى وعشرين يكون في قبلة المصلي أو قريبا منها وقت الفجر أما الاستدلال بالأنهار فلا اعتداد به لاختلافه وعدم
ضبطه، واما علامات أهل الشام فست بنات نعش والجدي وموضع مغيب سهيل وطلوعه والصبا والشمال فإذا كانت بنات نعش حال غيبوبتها
خلف الاذن اليمنى والجدي خلف الكتف الأيسر إذا طلع وموضع مغيب سهل على العين اليمين وبين طلوع العينين والصبا على الخد الأيسر
والشمال على الكتف الأيمن كان مستقبلا للقبلة، وعلامات أهل المغرب ثلاث الثريا والعيوق والجدي فإذا كان الثريا على يمينه والعيوق على
شماله والجدي على صفحة خده الأيسر فقد استقبل القبلة، وعلامات أهل اليمن ثلاث الجدي والسهيل والجنوب فإذا كان الجدي وقت طلوعه على
عينه (عينيه) وسهيل حين يغيب بين كتفه والجنوب على مرجع كتفه اليمين فقد توجه إلى القبلة ذكر علامات هذا الأركان الثلاثة ابن حمزة من علمائنا
رحمهم الله. * مسألة: وقد ورد في أخبارنا التياسر قليلا لأهل العراق وأفتى به الشيخ وظاهر كلامه يعطي الوجوب والأشبه الاستحباب وذلك
إنما يكون على تقدير أن يكون التوجه إلى الحرم أما إذا قلنا بأن التوجه إلى الكعبة على ما اخترناه فلا يتمشى فيه ذلك روى الشيخ عن المفضل بن عمر
انه سأل أبا عبد الله (ع) عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه فقال: ان الحجر الأسود لما نزل به من الجنة ووضع
في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور الحجر الأسود فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال كله اثنى عشر ميلا
فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب الحرم وإذا انحرف الانسان ذات اليسار لم يكن خارجا من حد القبلة وروى محمد بن
يعقوب عن علي بن محمد رفعه قال قيل لأبي عبد الله (ع) لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار فقال: لان الكعبة ستة حدود أربعة
منها على يسارك واثنان منها على يمينك فمن أخل ذلك وقع التحريف على اليسار والمفضل بن عمر ضعيف والثانية مرسلة فلا تعويل عليهما. * مسألة:
ولو فقد العلم اجتهد فإن غلب على ظنه جهة القبلة لامارة من الامارات عول عليه وهو قول أهل العلم روى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر
(ع) قال: يجري المجرى أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة وعن سماعة عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس ولا القمر ولا النجوم
قال اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك ولم لو يغلب على ظنه وفقدت الامارة وجعل الاشتباه صلى الصلاة الواحدة إلى أربع جهات دفعات
ذهب إليه علماؤنا قال داود: ويصلي إلى أي جهة شاء وقال الشافعي: يقلد غيره وقال أبو حنيفة وأحمد: يصلي ما بين المشرق والمغرب ويتحرى الوسط.
لنا: الاستقبال واجب ولا يتم إلا بما قلناه فيكون واجبا لان ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا وإلا لزم التكليف بالمحال أو خروج الواجب المطلق
عن الوجوب وما رواه الشيخ عن فراش عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال قلت جعلت فداك إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا
219

أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد فقال ليس كما يقولون إذا كان كذلك فليصل الأربع وجوه وقول الشافعي جيد إذا اثم
التقليد الظن وقول أبي حنيفة جيد وليس البحث على تقدير العلم بجهة المشرق والمغرب فإنه متى حصل العلم
لهما أمكن العلم بالقبلة لما بينا في الدلائل
روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال قلت الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ أنه قد انحرف عن القبلة
يمينا وشمالا قال: قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة. فروع: [الأول] لو لم يتسع الوقت الأربع صلى ما يتسع له الوقت ثلاثا
أو اثنين أو واحدة بحسب ضيق الوقت وسعته وكذا لو منع بقدر الوسع ويتخير في الواحدة الواجبة أو الساقطة لان التقدير عدم الترجح فلا اختصاص
للبعض بالوجوب إلا بحسب الخيرة. [الثاني] لا يجوز الاجتهاد مع إمكان العلم لان الاستقبال مع اليقين ممكن فيسقط حكم الظن. [الثالث]
لو صلى عن اجتهاد إلى جهة ثم أراد أن يصلي أخرى قال الشيخ في المبسوط يعيد اجتهاده ليرى أن يعلم أن الامارات لم يتغير وهو قول الشافعي
وأحمد فلو تغير اجتهاده في الصلاة الثانية لم يعد الصلاة الأولى بغير خلاف فيما نعلمه ولو تغير اجتهاده في الصلاة فإن كان منحرفا يسيرا استدار
إلى القبلة وأتم ولا أعاد وإن كان مشرقا أو مغربا أو مستديرا أعاد وقال بعض الجمهور يعيد مطلقا وليس بجيد وقال آخرون: لا يرجع ويمضي
على الاجتهاد الأول وهو عن التحقيق بمعزل وكذا لو تجدد يعني الجهة المخالفة في أثناء الصلاة استدار إليها كأهل قبا لما استداروا إلى القبلة
ولا نعرف فيه خلافا. [الرابع] العالم بجهة القبلة لا يقلد غيره بلا خلاف لان التقليد إنما يثمر الظن ولا حكم له مع العلم وكذا المجتهد
أما فاقد الاجتهاد ومن لا يعرفه كالعامي هل يجوز له الرجوع إلى قول العدل أم لا نص في المبسوط على أنه يرجع إلى قول العدل وبه قال الشافعي
وظاهر كلام الشيخ في الخلاف أنه يصلي إلى أربع جهات مع السعة وإلى واحدة يتخيرهما مع الضيق والأقرب عندي الأول لان قول العدل أحد الامارات
المفيدة للظن فيلزم العلم به مع فقد أقوي ومعارض لا يقال أنه له عن التقليد مندوحة فلا يجوز له فعله لان الوقت إن كان واسعا
صلى إلى أربع جهات وإن كان ضيقا تحير في الجهات لأنا نقول القول بالتخيير مع حصول الظن باطل لأنه ترك للراجح وعمل بالمرجوح. [الخامس]
لو اجتهد وصلى ثم شك في اجتهاده بعد الصلاة أعاد الاجتهاد أما لو كان في الأثناء فإنه لا يلتفت إلى الشك ولا يقطع الصلاة للاجتهاد ثانيا
لأنه دخل في الصلاة دخولا مشروعا بدليل ظاهر وهو الاجتهاد فلا يزول عنه بالشك. [السادس] لو بان له الخطأ في أثناء الصلاة ولم يعرف
جهة القبلة كرجل صلى إلى جهة ثم رأى بعض منازل القمر في قبلته ولم يدر أهو في المشرق أو المغرب واحتاج إلى الاجتهاد أبطل صلاته لأنه لا يمكنه
استدامتها إلى غير القبلة ولا جهة يتوجه إليها فيعذر إتمامها. [السابع] الأعمى يقلد غيره وإن كان ذلك الغير صبيا أو امرأة ذكره الشيخ في المبسوط
وظاهر كلامه في الخلاف أنه يصلى إلى أربع جهات مع السعة ومع الضيق إلى جهة يتخيرها والأول أقرب لأنه لا طريق له إلى الاجتهاد فلم يكن واجبا
عليه كالعامي في الاحكام. [الثامن] لو صلي من غير تقليد بل برأيه ولم يستند إلى امارة يعلمها فإن أخطأ عاد وإن أصاب قال الشيخ لا يعيد وقال
الشافعي: يعيد احتج الشيخ بأنه امتثل ما أمر به من التوجه نحو المسجد الحرام فيكون مجزيا ولان بطلان الصلاة حكم شرعي فيقف على الدلالة وهي مفقودة
احتج الشافعي بأنه لم يفعل ما أمر به وهو الرجوع إلى قول الغير فجرى مجرى عدم الإصابة وكلاهما قويان قال الشيخ ولو كان مع ضيق الوقت كانت
صلاته ماضية وفي إطلاقه نظر. [التاسع] لو صلى الأعمى بقول واحد وأخبره آخر بخلافه مضى في صلاته مع التساوي في العدالة. [العاشر] لو صلى
بقول بصير ثم أبصر عمل على اجتهاده فإن وافق قول البصير استمر بلا خلاف لان الاجتهادين قد اتفقا وإن خالف عدل إلى ما أداه إليه اجتهاده
ولم يستأنف لأنه دخل دخولا مشروعا ولم يتبين له الصواب من الخطأ واحتاج إلى تأمل كثير واجتهاد متطاول ففي الابطال نظر قال بعض الجمهور
لان فرضه الاجتهاد فلا يجوز العدول عنه إلى التقليد كما لو كان بصيرا في الابتداء ويعارضه أنه دخل دخولا مشروعا فيستمر عملا بالاستصحاب
فنحن في هذا من المتوقفين أما لو كان مقلدا ثم أبصر مضى في صلاته قولا واحدا لأنه لا يتمكن إلا من الدليل الذي استدل به أولا وهو الغير.
[الحادي عشر] لو شرع مجتهدا في الصلاة باجتهاده وهو بصير فعمى مضى في صلاته لأنه لا يمكنه إلا الرجوع إلى الغير فإلى إجتهاده أولى
ولو استدار عن القبلة فإن أمكن الرجوع على اليقين رجع وأتم وإن أشتبه ووجد المرشد أتم وإن تطول استأنف مع توقع المرشد وإن لم
يتفق صلى إلى الأربع مع السعة وإلى الواحدة مع الضيق. [الثاني عشر] من وجب عليه الأربع أو غلب على ظنه الجهة فإن كان ما عليه الفعل
استمر قطعا وإلا مال إلى الجهة المظنونة واستمر قال في المبسوط ما لم يكن مستدبرا والأقرب عندي الاستيناف ما لم يكن بين المشرق والمغرب.
[الثالث عشر] لو قلد مجتهدا فأخبره بالخطأ فتيقن استأنف ما لم يكن عن المشرق والمغرب. * مسألة: وإذا اختلف اجتهاد رجلين
عول كل منهما على اجتهاد نفسه ولا يتبع أحدهما صاحبه ونعني بالمجتهد في القبلة العالم بأدلتها وإن كان جاهلا بأحكام الشرع والمقلد
من لا يتمكن باجتهاد أما لعدم بصره كالأعمى أو لعدم علمه كالعامي من الصلاة الذي لا يمكنه التعلم والصلاة باجتهاد قبل خروج الوقت اما
من يتمكن فإنه يلزم التعلم لان كل واحد منهما يحكم بخطأ صاحبه فلا يجوز التعويل عليه فيه. فروع: [الأول] لا فرق بين أن يتساويا
في العلم أو يتفاوتا فيه مع تساويهما في شرائط الاجتهاد في هذه المسألة كالعالمين في الحاوية (الواقعة) فإنه لا يرجع غير الأعلم إلى الأعلم منها. [الثاني]
220

لو اجتهد أحدهما وأراد الآخر تقليد من غير اجتهاد لم يجز ذلك لأنه يتمكن من الاجتهاد فلا يعول على غيره هذا إذا كان الوقت واسعا أما مع ضيق
الوقت عن الاجتهاد ففي جواز الرجوع إلى التقليد نظر أقربه الجواز كمن دخل إلى مدينه فإنه يعول على قبلة أهلها. [الثالث] قال الشيخ إذا
اختلف الاجتهاد لم يأتم أحدهما بالآخر وبه قال الشافعي خلافا لأبي ثور. لنا: إن كل واحد منهما يعتقد خطأ صاحبه فلا يجوز له أن يأتم به
كما لو خرجت من أحدهما ريح واعتقد كل منهما أنها من صاحبه احتج أبو ثور بأن كل واحد منهما يعتقد صحة صلاة صاحبه وإن فرضه التوجه إلى ما يوجه
إليه والجواب: ان وجبت المتابعة لزم ضرورة (صرورة) التابع إلى خلاف اجتهاده لأجل الغير وذلك باطل وإن لم يجب لم يبق قوله (ع) إنما جعل الامام
إماما ليؤتم به مطلقا مع أصالته. [الرابع] لو اتفق الامام والمأمومون في الجهة بالاجتهاد ثم عرض له في أثناء الصلاة ظن الفساد
استدار فإن غلب على ظن المأمومين ذلك تابعوه وإلا ثبتوا على حالهم وأتموا منفردين ولو اختلف المأمومون صلى كل منهم إلى جهة ظنه
وفارقوا الامام. [الخامس] يرجع الأعمى والمقلد إلى أوثق المجتهدين عدالة ومعرفة في نفسه لان الصواب إليه أقرب ولو قلد المفضول لم يصح
صلاته خلافا للشافعي. لنا: انه ترك المأمور به فلا يجزي ما فعله كالمجتهد إذا ترك اجتهاده احتج الشافعي بأنه رجع إلى من له الرجوع إليه لو انفرد
وكذا مع الاجتماع كما لو استويا والجواب الفرق ظاهر. [السادس] لا عبرة بظن المقلد هنا فإنه لو غلب على ظنه إصابة المفضول لم يمنعه ذلك
من تقليد الأفضل ولو تساويا يجز في تقليده من شاء منهما كالعامي مع المجتهدين. [السابع] حكم المجتهد إذا حضره مانع كرمد العين أو عارض يمنعه
من الاجتهاد كالجلس حكم الأعمى والمقلد سواء لأنه كالأعمى في عدم التمكن من الاجتهاد فيساويه في الحكم. [الثامن] لو شرع في الصلاة بتقليد مجتهد
فقال له آخر قد أخطأ فإن استند المخبر بالخطأ إلى التقصير رجع إلى قوله مع عدالته لان الظن الحاصل من قوله أقوى وإن استند إلى الاجتهاد استمر
على حاله ان تساويا في العادلة وإلا رجع إلى قوله. [البحث الثاني] فيما يستقبل له، * مسألة: لا نعرف خلافا بين أهل
العلم في كون الاستقبال شرطا في الفرائض أداء وقضاء مع التمكن وزوال العذر فأما النوافل فالأقرب أنها كذلك نص عليه الشيخ لأنه شرط للصلاة
فاستوى الفرض والنفل فيه كالطهارة والاستتار إلا في حال السفر وهو قول أكثر أهل العلم. * مسألة: ويجب الاستقبال إلى القبلة
للذبيحة واحتضار الأموات وغسلهم والصلاة عليهم ودفنهم وذهب إليه علمائنا وهذه الأحكام بعضها قد مضى والباقي سيأتي. * مسألة:
ويسقط فرض الاستقبال مع شدة الخوف بحيث لا يتمكن من استيفاء واجبات الصلاة قال الله تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) وروى
الجمهور عن نافع عن ابن عمر قال فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبل القبلة وغير مستقبلها قال
نافع لا أرى ابن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قال أبو جعفر (ع)
الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقعة إيماء على دابته قال قلت أرأيت إن لم يكن المواقف على وضوء ولا يقدر على النزول كيف
يصنع قال: تيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته فإن فيها غبارا أو يصلي ويجعل السجود أخفض من الركوع ولا يدور إلى الكعبة و
لكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه ولأنه حال ضرورة فيسقط فرض الاستقبال تحقيقا كغيره. * مسألة:
ويستقبل بأول تكبيرة القبلة وهي تكبيرة الافتتاح واجبا ذهب إليه علماؤنا وهذا مع التمكن أما بدونه فلا وبه قال أحمد في إحدى الروايتين
وعنه لا يجب. لنا: ما رواه الجمهور عن أنس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان في السفر فأراد أن يصلي على راحلته استقبل
القبلة ثم كبر ثم صلى حيث توجهت. ومن طريق الخاصة رواية زرارة عن الباقر (ع) غير أنه يستقبل بأول تكبيرة حيت يتوجه ولأنه جزء
من الصلاة التي يجب فيه الاستقبال مع الامكان فيكون حكمه حكمها في وجوب الاستقبال مع الامكان ضرورة توقف الاستقبال في الكل عليه وما
يتوقف عليه الواجب فهو واجب احتج المخالف بأنه جزء من أجزاء الصلاة فلم يجب الاستقبال فيه كيفية الاجزاء والجواب الفرق ظاهر
لوجود المكنة فيه دون بقية الاجزاء وقياس ما فيه معنى المقتضي للوجوب على الخالي عنه في انتفاء الوجوب باطل. * مسألة: والطالب
للعدو الذي يخاف فواته يصلي مستقبلا وهو قول أكثر أهل العلم وقال الأوزاعي وأحمد في إحدى الروايتين أنه يصلي صلاة خائف.
لنا: قوله تعالى: (فإن خفتم فرجالا وركبانا) شرط الخوف ولأنه أمن فليزمه صلاة الامن كما لو لم يجب الفوات احتج أحمد بما رواه عبد الله بن أنس
قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى خالد بن سفير الهزلي وكان نحو عرفة أو عرفات قال اذهب فاقبله فرأيته وحضرت صلاة العصر فقلت إني لأخاف
أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت أمشي وانا أصلي أومى أي ما نحوه فلما دنوت منه قال لي من أنت قلت رجل من العرب بلغني أنك
مجمع لهذا الرجل فجئتك لذلك قال إني لعلى ذلك فمشيت معه ساعة حتى إذا أمكنني علوته لسيفي حتى يرد ولان إحدى حالتي الحرب فأشتبه
حالتي الهرب. والجواب عن الأول: انه لا احتجاج به أما أولا فلان فعله ليس حجة وأما ثانيا فإنه لا استبعاد في أن يكون خائفا من فواته الضرر
عليه بالرجوع إليه وأما ثالثا: فإنه ربما كان في تلك الحال مستقبلا للقبلة وعن الثاني: بالفرق فإن المقتضي للتخفيف حالة الهرب هو الخوف
وهو مفقود حالة الطلب. فرع: هذا الخلاف إنما هو في الطالب الذي يأمن عود العدو عليه أن يشاغل بالصلاة ويأمن على أصحابه أما الخائف
221

من ذلك فحكمه حكم المطلوب. * مسألة: ولا يصلي الفريضة على الراحلة اختيارا ذهب إليه كل من يحفظ عنه العلم روى الشيخ في الصحيح عن عبد
الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال: لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل القبلة ويجزيه فاتحة الكتاب ويضع بوجهه
في الفريضة على ما أمكنه من شئ ويومئ من النافلة إيماء وعن منصور بن حازم قال سأله أحمد بن النعمان فقال أصلي في محملي وأنا مريض قال
فقال أما النافلة فنعم وأما الفريضة فلا وعن عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله (ع) أيصلي الرجل شيئا من المفروض راكبا فقال
لا إلا من ضرورة. فرع: لو اضطر إلى الصلاة الفريضة على الراحلة صلى عليها واستقبل القبلة على ما
يمكنه وذهب إليه علماؤنا أجمع
خلافا للباقي. لنا: قوله تعالى: (وإن خفتم فرجالا أو ركبانا) دل بفحواه على باقي الضرورات وما رواه الجمهور عن أنس بن مالك ان رسول
الله صلى الله عليه وآله إذا كان في السفر فأراد أن يصلي على راحلته استقبل القبلة ثم صلى حيث توجهت به ومن طريق الخاصة رواية
عبد الرحمن بن أبي عبد الله وما رواه الشيخ في الموثق عن مندل بن علي قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله
الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر. * مسألة: ولا بأس بالتنفل على الراحلة سفرا مع الاختيار وقد أجمع أهل العلم كافة على ذلك في
السفر الطويل الذي يباح فيه القصر وعلماؤنا أجمع على أن السفر القصير كذلك وبه قال الشافعي والليث والحسن بن حي وأصحاب أبي أمي وأحمد
وقال مالك لا يباح التنفل على الراحلة جوازا في السفر القصير. لنا: قوله تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) قال ابن عمر
نزلت هذه الآية في التطوع خاصة حيث توجه بك بعيرك وهو مطلق يتناول محل النزاع وما رواه الجمهور عن ابن عمران عن رسول
الله صلى الله عليه وآله كان يوتر على بعيره وفي رواية كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومى برأسه إلا الفرائض رواه البخاري
وهو يدل بفحواه على غير الوتر من النوافل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن صلاة
النافلة على البعير والدابة فقال نعم حيث كان متوجها وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وفي الصحيح عن محمد بن مسلم قال قال لي أبو جعفر
(ع): صل صلاة الليل والوتر والركعتين في المحمل وروى نحوه في الصحيح عن علي بن مهزيار عن أبي الحسن (ع) وفي الصحيح عن عبد الله بن
المغيرة وصفوان بن يحيى ومحمد بن أبي عمير عن أصحابهم عن أبي عبد الله (ع) في الصلاة في المحمل فقال: صل مربعا وممدود الرجلين
وكيف أمكنك ولأنه مما يشق النزول فيه فأبيح التنفل في تلك الحال كالسفر القلائل احتج مالك بأنه رخصة سفر فاشترط الطول فيه كالقصر و
الجواب: المنع من اختصاص الجامع بالعلة لما يأتي وبالفرق لان إباحة الصلاة على الراحلة تخفيف في التطوع لئلا يؤدي إلى قطعها ونفلها وهو
يستوي فيه القصير والطويل والقصير يراعى فيه المشقة وهي إنما يوجد غالبا في الطويل. فروع: [الأول] قال الشيخ في الخلاف
ويتوجه إلى القبلة بتكبيرة الاحرام لا غير وقال الشافعي يلزمه حال الركوع والسجود أيضا. لنا: قوله تعالى: (فإينما تولوا فثم وجه الله) وقد قال
الصادق (ع) أنها مختصة بالنوافل ونقلناه أولا عن ابن عمر وهو مطلق في أحوال الصلاة وما رواه الجمهور عن ابن عمر فإن كان خوفا
أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا مستقبل القبلة وغير مستقبلها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله
(ع) قال قلت له اني أقدر على أن أتوجه إلى القبلة في المحمل فقال: ما هذا الضيق أما لكم في رسول الله صلى الله عليه وآله أسوة ولأنه نوع رخصة
فيباح في النافلة كغيرها من الرخص واما استقبال القبلة بالتكبير فلما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال سألت أبا الحسن
(ع) عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل قال: إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر وصل حيث ذهب بك بعيرك قلت جعلت
فداك في أول الليل فقال: إذا خفت الموت في آخره. [الثاني] قال الشيخ لا بأس بالتنفل على الراحلة في غير السفر وبه قال أبو سعيد الإصطخري
وأبو يوسف وقال ابن أبي عقيل لما ينتفل في الحضر على الراحلة وبه قال أكثر أصحاب الشافعي. لنا: قوله تعالى: (فإينما تولوا فثم وجه الله) وما
رواه الجمهور عن أبي عمر وقد تقدم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي الحسن الأول (ع) في الرجل
يصلي النافلة وهو على دابته في الأمصار قال: لا بأس وفي الحسن عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (ع) في الرجل يصلي النوافل في
الأمصار وهو على دابته حيث توجهت به فقال: نعم لا بأس. [الثالث] التنفل على الراحلة وإن كان جائزا في الحضر إلا أن الأفضل النزول
لأنه نوع رخصة فالأولى تركه ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (ع) قال سألته عن صلاة النافلة
في الحضر على ظهر الدابة إذا (خرجت) قريبا من أبيات الكوفة إذ كنت مستعجلا بالكوفة فقال إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول وتخوفت فوت
ان تركته وأنت راكب فنعم وإلا فإن صلاتك على الأرض أحب إلى الراكب. [الرابع] حكم الصلاة على الراحلة حكم صلاة الخوف
في أنه يومي للركوع والسجود ويجعل السجود أخفض على حسب مكنته لا نعرف يه خلافا روى الجمهور عن جابر قال بعثني رسول الله صلى الله عليه
وآله في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع رواه أبو داود ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح
عن محمد بن أبي عمير عن أصحابه عن أبي عبد الله (ع) في الصلاة في المحمل فقال: صل متربعا وممدود الرجلين وكيف أمكنك. [الخامس]
222

لا فرق بين الصلاة على البعير والحمار وغيرهما في قول أهل العلم روى الجمهور عن ابن أبي عمير قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي على حمار وهو متوجه إلى
خيبر رواه أبو داود ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن صلاة النافلة على البعير والدابة فقال: نعم، حيث
كان متوجها وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وفي الصحيح عن محمد بن مسلم قال قال أبو جعفر (ع): صل صلاة الليل والوتر والركعتين في المحمل
وهو مطلق. [السادس] لو كان الحيوان نجسا نجاسة يتعدى إليه افتقر إلى حائل طاهر وإلا فلا. [السابع] ولو لم يمكن من الاستقبال في الابتداء
ويمكن منه في الأثناء فالوجه أنه مأمور بالاستقبال في الجميع أنه مأمور بالاستقبال في الجميع المستلزم للاستقبال في كل جزء احتج المخالف بأنه قد سقط عنه فرض الاستقبال
في الابتداء فكذا في الأثناء والجواب السقوط ثم لمعنى مفقودا منها فيبطل الالحاق. [الثامن] قبلة هذا المصلي حيث توجهت به راحلته فلو عدل
عنها فإن كان عدوله إلى الكعبة فلا نعلم خلافا في جوازه لأنه الأصل وإنما عدل عنه الضرورة وعليه أهل العلم كافة وإن عدل إلى غير الكعبة
فالوجه عندي الجواز خلافا لبعض الجمهور. لنا: قوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله) وقد قال الصادق (ع) أنها في النوافل خاصة نقله الشيخ
ونقلت عن ابن عمر ذلك أيضا وهو يدل بعمومه على جواز الاستقبال إلى أي جهة شاء. [التاسع] لا فرق بين كل التطوعات في ذلك سواء فيه النوافل
المرتبة والسنن المطلقة والوتر لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم. [العاشر] قد بينا جواز التنفل على الراحلة في الأمصار ولا فرق في ذلك
بين مصره وغير مصره وسواء دخل غير بلده ناويا للإقامة القاطعة للسفر أو غير ناو لها وسواء نزل فيه غير مستوطن أو لم ينزل والمشترطون
للسفر قد يفرقون لما هو ظاهر. [الحادي عشر] لو كان على الراحلة مصليا فاحتاج إلى النزول قبل الاتمام نزل وأتم على الأرض كالخائف صلى
صلاة الامن مع زوال خوفه في أثناء صلاته ولو كان ينتفل على الأرض فاحتاج إلى الركوب في الأثناء فهل يتم صلاته أو يبتدئ من رأس الأقرب الأول
كالآمن يخاف فيتم صلاة خائف. * مسألة: ولا يجوز أن يصلي الفريضة ماشيا مع الاختيار والأمن وهو قول أهل العلم كافة لأنه كيفية
مشروعة فيقف على النقل ولم يثبت هؤلاء ما هو في معناه لأنه يحتاج إلى علم كثير ومانع شئ يقطع الصلاة ويوجب بطلانها لا نعرف فيه خلافا
أما المضطر فإنه يصلي على حسب حاله ماشيا يستقبل القبلة ما أمكنه ويؤمي بالركوع والسجود ويجعل السجود أخفض من الركوع ذهب إليه علماؤنا
أجمع وجماعة من الجمهور لقوله تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) ولما رواه الشيخ عن إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله (ع) قال إن صليت
وأنت تمشي كبرت ثم مشيت فقرأت فإذا أردت أن تركع (أومأت) ثم أومأت بالسجود فليس في السفر تطوع وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد الله
(ع) عن الصلاة في السفر وأنا أمشي قال: أؤم إيماء واجعل السجود أخفض من الركوع ولأنها حالة ضرورة فأشبهت حالة الخوف فقد ذهب أبو
حنيفة إلى جواز الصلاة ماشيا وهو حق إن لم يتمكن قائما وأما مع التمكن فلا. * مسألة: ولا بأس بالتنفل ماشيا حالة
الاختيار ذهب إليه علماؤنا وبه قال عطا والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا يباح له ذلك وهو قول أبي حنيفة. لنا: ان التنفل محل
الرخص فأبيحت هذه كغيرها طلبا للمداومة على فعل النافلة وكثرة التشاغل بالعبادة ولان حالة المشي إحدى حالتي مسير المسافر فأبيحت الصلاة
فيها كالراكب ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس بأن يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي
ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي يتوجه إلى القبلة ثم يمشي ويقرأ فإذا أراد أن يركع حول وجهه إلى القبلة وركع
ويسجد ثم يمشي. فروع: [الأول] لا فرق بين النوافل في ذلك سواء كانت راتبة أو غير راتبة قضاء أو أداء لعموم الاخبار في ذلك.
[الثاني] حكم الماشي حكم الراكب على الراحلة في سقوط استقبال القبلة إلا مع المكنة بل يستقبل الجهة التي يتحرك إليها. [الثالث] لا يشترط
السفر في إباحة الصلاة ماشيا لعموم الأدلة. [الرابع] روى الشيخ عن حريز عمن ذكره عن أبي جعفر (ع) أنه لم يكن يرى بأسا أن يصلى الماشي
وهو يمشي ولكن لا يسوق الإبل والرواية مرسلة. [الخامس] حكم المنذورات وصلاة الجنازة حكم الفرائض اليومية في جميع ما سلف لوجوبها.
[السادس] البعير المعقول والأرجوحة المعلقة بالحبال لا يصح الفريضة فيهما مع الاختيار لأنهما لم يوضعا للغرار بخلاف السفينة الجارية والواقعة
لأنها كالسرير والماء كالأرض. [السابع] لو مشى في نجاسة قصدا فإن كانت متعدية فالوجوب (فالوجه) بطلان الصلاة وإلا فلا. [الثامن] لا يلزمه
المبالغة في الحفظ عند كثيرة النجاسة في الطرق لأنه ضرر فينا في الرخص بالصلاة ماشيا. [البحث الثاني] في أحكام الخلل، من ترك الاستقبال
متعمدا أعاد واجبا في الوقت وخارجه في الفرائض بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك ولو صلى ظانا انه مستقبل ثم بين الخطأ وهو في الأثناء
فإن كان بين المشرق والمغرب استدار لأنه متمكن من الاتيان بشرط الصلاة فيجب ويؤيده ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع)
في رجل صلى غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرق من صلاته قال: إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة حين
يعلم وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع صلاته ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة وروى عن القاسم بن الوليد قال سأله عن رجل تبين
له وهو في الصلاة أنه على غير القبلة قال: يستقبلها إذا ثبت ذلك فإن كان فرغ منها فلا يعيدها. * مسألة: ولو صلى ظانا ثم تبين له الخطأ
بعد فراغه فإن كان بين المشرق والمغرب لم يعد صلاته وهو قول أكثر أهل العلم لقوله (ع) ما بين المشرق والمغرب قبلة رواه الشيخ في الصحيح
223

عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) أما لو صلى إلى المشرق أو المغرب فإنه يعيد في الوقت خاصة ولا يعيد خارج الوقت ذهب إليه علماؤنا وقال مالك
وأحمد والشافعي في أحد القولين وأبو حنيفة لا يعيد مطلقا وقال الشافعي في الآخر يلزمه الإعادة مطلقا. لنا: على الإعادة في الوقت أنه قد أخل بشرط
الواجب مع بقاء وقته والتمكن من الاتيان به بشرطه فلا يكون مجزيا كما لو أخل بالطهارة لا يقال إنه يرد مع خروج الوقت لأنا نقول القضاء تكليف متجدد
يقف على الدلالة المستفادة من دليل خارج عما دل عليه الامر الأول بخلاف الصورة الأولى إذ الامر دل على وجوب الاتيان بالفعل بشروطه فلا يسقط
إلا معه ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك
صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وإن فاتك الوقت فلا تعد وفي الصحيح عن سليمان بن خالد قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل يكون
في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثم يضحي فيعلم أنه صلى لغير القبلة كيف يصنع قال: إن كان في وقت فليعد صلاته وإن كان مضى الوقت
فحسبه اجتهاده ومثله رواه عن زرارة عن أبي جعفر (ع) ويعقوب بن يقطين عن العبد الصالح موسى (ع) لا
يقال هذه الأحاديث تتناول
أيضا ما لو صلى إلى ما بين المشرق والمغرب وأنتم لا تقولون به لأنا نقول إنا خصصنا تلك النصوص بحديث معاوية بن عمار وقد تقدم لا يقال ليس تخصيص
هذه الأحاديث بخبر معاوية بن عمار أولى من تخصيص خبر معاوية بأن يقول إن قوله (ع) وما بين المشرق والمغرب قبلة أي لمن خرج الوقت بعد
صلاته إلى غير القبلة لأنا نقول ما ذكرناه أولى لوجهين، أحدهما: موافقة للأصل وهو إبراء الذمة إذ لو حملنا حديث معاوية على ما ذكرتم لزمت
الإعادة لمن صلى بين المشرق والمغرب والأصل عدمه، الثاني: إنا نمنع تخصيص ما ذكرتم من الأحاديث أصلا لان قوله (ع) ما بين المشرق والمغرب قبله
ليس مخصصا للحديث الدال على وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه لمن صلى إلى غير القبلة إذ أقصى ما يدل عليه أن ما بين المشرق والمغرب قبلة
بل لقائل أن يقول إن قوله إذا صليت وأنت على غير القبلة يتناول لفظ القبلة فيه ما بين المشرق والمغرب أيضا ولنا: على عدم الإرادة مع
خروج الوقت ما رواه الجمهور عن ربيعة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أي القبلة فصلى كل
رجل حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فنزل فأينما تولوا فثم وجه الله رواه الترمذي وعن جابر قال كنا مع رسول الله صلى
الله عليه وآله في مسير فأصابنا غيم فيحزننا فاختلفنا في القبلة فصلى كل رجل منا على حدة وجعل أحدنا يخط بين يديه ليعلم ان أمكننا فذكرنا ذلك للنبي
صلى الله عليه وآله فلم يأمرنا بالإعادة وقال قد أجزأتكم صلاتكم رواه الدارقطني ومن طريق الخاصة ما تقدم من الأحاديث ولأنه أتى بما أمر به
فيخرج عن العهدة كما لو أصاب ولأنه صلى إلى غير الكعبة للعذر فلا يعيد كالخائف ولأنه شرط عجز عنه وأشبه سائر الشروط احتج القائلون بعدم
الإعادة مطلقا بحديث ربيعة وجابر واحتج الشافعي على الإعادة مطلقا بأنه قد بان له الخطأ في شرط من شروط الصلاة فيلزمه الإعادة كما لو بان
له أنه صلى قبل الوقت أو على غير طهارة والجواب عن الأول: ان الحديثين غير عامين لأنهما وقائع وحكاية الحال لا يوجب عموما وأيضا فإن
فحواهما يدلان على خروج الوقت لأنه في الرواية الأولى قال فلما أصبحنا وذلك يدل على خروج الوقت وعن الثاني: بالفرق فإن المصلي قبل الوقت
غير مأمور بالصلاة وإنما أمر بعد دخول الوقت ولم يأت بما أومر به أما صورة النزاع فإنه مأمور بالصلاة بغير شك ولم يؤمر إلا بهذه الصلاة
وأما الطهارة فإنه إنما يجب عليه الإعادة مع ظهور الخطأ فيها لأنها ليست في محل الاجتهاد لا يقال قد روى الشيخ عن معمر بن يحيى بطريق متعددة عن
أبي عبد الله (ع) قال سألته عن رجل صلى إلى غير القبلة ثم تبين له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى قال يصليها قبل أن يصلي هذه التي دخل
وقتها إلا أن يخاف فوت التي دخل وقتها لأنا نقول الراوي بهذه الرواية بالطرق المتعددة الطاطري وهو ضعيف فلا تعويل عليها وأيضا
يحمل (على) أنه صلى مع عدم الاجتهاد وسعة الوقت فأمره بالإعادة لان فرضه أربع صلوات. فرع: هل يكون حكم الناسي والمصلي بشبهه حكم الظان
قال في النهاية به حتى أنه إن كان الوقت باقيا أعاد وإن خرج لم يعد وفيه تردد. * مسألة: ولو صلى ظانا لو مع ضيق الوقت ثم تبين
له أن يستدبر القبلة قال الشيخان يعيد لمن كان الوقت باقيا ويقضي إن كان خارجا وقال السيد المرتضى يعيد في الوقت خاصة أو جعل حكمه
حكم المشرق والمغرب وهو الأقرب عندي. لنا: انه أتى بالمأمور به إذ المأمور به اتباع الظن فيخرج عن العهدة والقضاء إنما يجب بأمر جديد ومقتضى ما ذكرناه
عدم الإعادة في الوقت لكن أوجبنا الأدلة تقدمت ولان ما ذكرناه من الأحاديث دالة على عدم القضاء ومع خروج الوقت على الاطلاق
وهو يتناول صورة الاستدبار كما يتناول صورة التشريق والتغريب احتج الشيخ في الخلاف ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع)
في رجل صلى إلى غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال: إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة
حين يعلم وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة والجواب: أن هذه الرواية ضعيفة السند ومع ذلك
فهي غير دالة على صورة النزاع إذ هي إنما يدل على وجوب الإعادة في الوقت ونحن نقول بموجبه وليس فيها دلالة على الإعادة بعد خروج الوقت.
فرع: ولا فرق بين أن يكون الأدلة مكشوفة واشتبهت عليه أو مستورة بغيم أو غيره لعموم الأحاديث الدالة على الإعادة في الوقت دون خارجه
ولا نعرف فيها خلافا. * مسألة: والبصير في الحضر يتبع قبلة أهل البلد إذا لم يكن متمكنا من العلم فلو صلى من غير دليل أعاد إذ أخطأ لأنه
224

متمكن من استعلام القبلة بالاستخبار من أهل البلد ونصب محاريبهم فلا يكون له أن يجتهد اجتهادا يفيد الظن وكذا الأعمى وأما المحبوس فإنه
ينزل منزلة المسافر في أن له أن يجتهد في تحصيل القبلة ولا يجوز أن يتبع دلالة المشرك لأنه ركون إليه وقد نهى الله تعالى عنه في قوله: (ولا تركنوا إلى
الذين ظلموا). فروع: [الأول] لا يقبل قول الفاسق لأنه ظالم. [الثاني] لو أفاد قول الكافر أو الفاسق الظن للمتحير نفي المصير إلى
قولهما نظر أقربه اتباع ظنه وكذا لو وجد قبلة للمشركين كالنصارى إذا وجد في كناستهم محاريب إلى المشرق هل يستدل به على المشرق فيه التوقف
أما لو وجد محرابا لا يعلم هل هو للمسلمين أو للكفار لم يعول عليه واجتهد لنفسه. [الثالث] لو أخبره مسلم لا يعلم عدالته وجرحه ولم يتمكن من
الاجتهاد فالأقرب قبوله لأنه اخبار مسلم أصله العدالة ولا غرض في الكذب فيوجب الظن. [الرابع] يقبل خبر كل مسلم بالغ عاقل سواء كان رجلا
أو امرأة لأنه خبر من أخبار الدين فأشبه الرواية ويقبل من الواحد لما قلناه. [الخامس] لا يقبل خبر الصبي لتطرق التهمة إليه ولأنه غير مقبول الشهادة
والرواية وما نحن فيه لا يخلو عنهما ولأنه إن لم يكن مميزا فلا وثوق بخبره وإن كان مميزا عرف أنه لا أثم عليه في الكذب فاستوى الكذب عنه
والصدق فلا وثوق بقوله أيضا. [السادس] ولو لم يعلم حال المخبر وشك في إسلامه وكفره لم يقبل قوله إلا إذا أفاد الظن بخلاف ما إذا
لم يعلم عدالة المسلم وفسقه لان حالة المسلم يبني على العدالة. * مسألة: لو استقبل ببعضه الكعبة وخرج الباقي من بدنه عن المحاذاة
لم يصح صلاته لأنه مأمور بالاستقبال والإشارة ليست متوجهة إلى بعضه. * مسألة: وللمصلي في السفينة يستقبل القبلة ما أمكنه فإن لم
يتمكن استقبل بتكبيرة الافتتاح القبلة ثم استقبله صدر السفينة وسيأتي تمام البحث إن شاء الله تعالى. * مسألة: ولو اشتبهت عليه القبلة
وبحضرته من يسأله ولم يسأله ولم يتمكن من الأربع فتحرى جهة وصلى إليها ثم ظهر له الصواب فالأقرب الاجزاء ولو لم يصب فالأقرب عدمه لان الواجب
السؤال ولو سألهم فلم يجزوه يتحرى وصلى ثم ظهر الصواب أجزأه قطعا ولو تبين الخطأ أعاد في الوقت إن كان مستدبرا أو مشرقا أو مغربا وإلا فلا.
[الفصل الثالث] في اللباس وفيه مباحث الأول، فيما يحرم الصلاة فيه، * مسألة:
لا يجوز الصلاة في جلد الميتة ذهب إليه علماؤنا أجمع وكل من قال بنجاسته وقد تقدم البحث فيه. لنا: انه نجس وطهارة الثوب شرط في الصلاة وقد
مضى بيان ذلك كله وما رواه الجمهور عن عبد الله بن الحكيم أن النبي صلى الله عليه وآله كتب إلى جهينة أني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا
أتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب قال أحمد: وهو إسناد جيد وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تنتفعوا من
الميتة بشئ وهو عام ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله (ع) في الميتة قال: لا
تصل في شئ منه ولا في شسع وفي الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألته عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ فقال: لا، ولو دبغ سبعين مرة وفي الصحيح عن علي بن
المغيرة قال قلت لأبي عبد الله (ع) جعلت فداك الميتة ينتفع بشئ منها قال: لا، قلت بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه وآله مر بشاة ميتة فقال ما كان
على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا باهابها فقال: تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها
فتركوها حتى ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا باهابها إن تذكا. فروع:
[الأول] لا فرق في التحريم بين المدبوغ وغيره لأنا قد بينا فيما مضى أن الدباغ لا يطهر الميتة وهو مذهب علمائنا أجمع وما رواه الجمهور في
حديث جابر و عبد الله بن حكيم ومن طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم عن الصادق (ع) وما رواه الشيخ عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن الصلاة في الفراء فقال: كان علي بن الحسين (ع) رجلا صردا مبردا فلا بد فيه فرو الحجاز لان دباغها بالقرض فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم
بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فيقول ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون
ان دباغه ذكوته. [الثاني] لا فرق في الصلاة كلها فرضها ونفلها في ذلك ولا نعرف فيه خلافا. [الثالث] يكتفي في العلم بالتذكية وجوده
في يد مسلم أو في سوق المسلمين أو في بلد الغالب فيه الاسلام وعدم العلم بالمعرب لان الأصل في المسلم العدالة وهي يمنع من الاقدام على المحرمات ويؤيده
ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن العبد الصالح (ع) أنه قال: لا بأس بالصلاة في الفرو اليماني وفيما صنع في أرض الاسلام، قلت فإن
كان فيها غير أهل الاسلام قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس وفي الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي بصير قال سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري
جبة فرو لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أتصلي فيها فقال: نعم، ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر (ع) كان يقول إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم
ان الدين أوسع من ذلك وعن علي بن أبي حمزة أن رجلا سأل أبا عبد الله (ع) وأنا عنده عن الرجل يتقلد السيف ويصلي فيه قال: نعم، فقال الرجل
ان فيه الكيمخت، فقال: وما الكيمخت قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة، فقال: ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه وهو يدل مفهومه جواز الصلاة فيما لا يعلم أنه ميتة. [الرابع]
تذكية الكفار بمنزلة الموت فلا تصح الصلاة في جلود ما ذكاه. [الخامس] لا يكتفى بعدم العلم بالموت خاصة فلو وجد جلدا مطروحا لا يعلم أذكي
هو أم ميت لم يصل فيه لان الأصل عدم التذكية ولان طهارة الثوب شرط ولا يكتفي بعدم العلم بانتفائه كغيره من الشروط. [السادس]
التحريم كما يتناول الثوب فكذا يتناول غيره فلا تصح الصلاة ومع المصلي سيف تقليده من الميت وشبهه لأنه نجس فلا يجوز استصحابه في الصلاة
225

ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن تقليد السيف في الصلاة فيه الفراء والكيمخت فقال: لا بأس، ما لم يعلم أنه ميتة و
في الصحيح عن أبي عبد الله (ع): لا تصل في شئ منه ولا في شسع وقد تقدم. [السابع] لا فرق بين ميت الطاهر في حياته والنجس وميت مالا يؤكل لحمه وما
يؤكل عملا بالعمومات والأحاديث الدالة على عدم التفضيل كما في الشاة وقد تقدمت. [الثامن] لا فرق بين أن يكون على جسده ثوب طاهر مما تصح
الصلاة فيه غير الجلد وبين أن يكون في البطلان. [التاسع] لو وجد الجلد مع من يستحل الميتة لم يحكم بتذكيته وإن أخبرت لأنه غير موثق به ولا تصح
فيه الصلاة لان الشرط وهو التذكية غير معلوم لا يقال ينتقص ما ذكرتموه بالثوب إذا وجد مطروحا أو مع المستحل للنجاسة فإن الشرط وهو
الطهارة غير معلوم مع صحة الصلاة فيه إجماعا لأنا نقول الأصل في الثوب الطهارة والأصل في الجلد عدم التذكية وكذا لو وجد الجلد مع
من يتهم في استعمال الميتة. * مسألة: ولا يجوز الصلاة في جلد الخنزير دبغ أم لم يدبغ وهو مذهب علماء الاسلام وكذا الكلب عند علمائنا
أجمع خلافا لأكثر الجمهور. لنا: أنه نجس العين فلا يطهره الذكوة ولا الدباغ لأنه لا يخرج به عن كونه كلبا ميتا والكلب نجس العين والميتة كذلك والنجاسة من
لوازم الذات فلا يخرج عنها بالعارض ويؤيده ما رواه أبو سهل قال قال سئل أبا عبد الله (ع) عن لحم الكلب حرام هو قال: نجس أعيدها ثلاث مرات
كل ذلك يقول هو نجس وقد تقدم البحث فيه. * مسألة: ولا يجوز الصلاة في جلود السباع وهو ما لا يكتفي في الاغتذاء غير اللحم كالأسد
والنمر سواء دبغت أو لم تدبغ ذهب إليه علمائنا أجمع خلافا للجمهور. لنا: ما رواه الجمهور عن القدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن
جلود السباع والركوب عليها والنهي لا يتناول الأعيان فينصرف إلى المنافع المطلوبة ترك العمل به في الاستعمال في غير الصلاة فيعمل به في الصلاة
وإلا لزم تركه مطلقا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن سعد بن الأحوص قال سألت الرضا (ع) عن الصلاة في جلود السباع فقال:
لا تصل فيها وفي الموثق عن سماعة قال: أما جلود السباع فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه وفي الموثق عن أبي بكر قال سألت زرارة
عن أبي عبد الله (ع) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله
ان الصلاة في كل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد لا يقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل
الله أكله ثم قال يا زرارة هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فاحفظ ذلك يا زرارة فإن كان يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وشعره وبوله وروثه
وألبانه وكل شئ منه جائزة إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله أو حرم عليك فالصلاة في كل شئ منه فاسد
ذكية الذبح أم لم يذكه وما رواه ابن بابويه عن هاشم بن الخياط أنه قال سمعت موسى بن جعفر (ع) يقول ما أكل الورق والشجر فلا بأس بأن
يصلي فيه وما أكل الميتة فلا تصل فيه ولان خروج الروح سبب للموت ويقتضي الموت من الاستعمال ما بيناه والذباحة بمجردها لا يقتضي
الإباحة ما لم يكن المحل قابلا وإلا لكانت ذباحة الآدمي مطهرة لجلده والاعتذار بأن الحكم يخلف هنا للنهي من الذباحة باطل يذبح الشاة المغصوبة
وبالآلة المغصوبة وقبول السباع لاحكام الذباحة ممنوع ولا ينتقض بجواز الاستعمال في غير الصلاة لأنه علم ذلك بدليل ليس موجودا في الصلاة
فلا يلزم النقض. * مسألة: وجلد كل ما لا يؤكل لحمه لا يصح الصلاة فيه كالمقنغس واليربوع والحشرات ذهب إليه علمائنا أجمع إلا ما يستثنيه
لان وقوع الذكوة عليها مسلوب بل الأقرب عدم وقوع الذكوة عليها لان ازهاق الروح سبب للموت المقتضي للمنع والطهارة بالذبح مستفاد
من الشرع فيقف عليه مع أن الأصل يحرم الذبح فلا يكون مطهر أو الدباغ غير مطهر لما مضى فالمنع فيها ثابت مطلقا ويؤيده ما رواه الشيخ في حديث
زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال: اخرج لنا كتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله أن الصلاة في كل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره
وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد لا يقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره ولأنه حيوان غير مأكول فأشبه السبع. * مسألة:
أما المسوخ فقد أطلق الشيخ في الخلاف أنها نجسة روى محمد بن الحسن الأشعري عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: الفيل مسخ كان ملكا زنا، والذئب مسخ
كان أعرابيا ديوثا، والأرنب (مسخ) كان المرة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها، والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس، والقردة والخنازير قوم من بني
إسرائيل اعتدوا في السبت والجريث والضب فرقة من بني إسرائيل لم يؤمنوا حين نزلت المائدة على عيسى بن مريم فتاهوا فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البر،
والفأرة هي الفويسقة، والعقرب كان نماما، والدب والوزغ والزنبور كان لحاما يسرق في الميزان وقال المفيد في المقنعة والسيد المرتضى في المصباح
مثل قول الشيخ والأقرب عندي الطهارة أما الصلاة في جلودها فلا يصح قولا واحدا لما تلوناه من الأحاديث وقد تقدم ما يدل على طهارة
سؤرها لرواية البقباق وطهارة السؤر يستلزم طهارتها وقد روى أيضا أنه لا بأس بأمشاط العاج وهو يدل على طهارة عظم الفيل
وفي وقوع الذكاة عليها إشكال أقربه أنه لا يقع عليه لما تقدم. * مسألة: ولا يصح الصلاة في شعر كل ما يحرم أكله وصوفه ووبره إلا ما
يستثنيه وهو إجماع علمائنا خلافا للجمهور. لنا: أن القول بجواز الصلاة في شئ من ذلك مع المنع من جواز الصلاة في جلده مما لا يجتمعان والثاني: ثابت
والأول منتف أما عدم الاجتماع فبالاجماع أما عندنا فللمنع من الامرين وأما عند أبي حنيفة لجواز الامرين إلا الآدمي والخنزير وأما عند
الشافعي فلجواز الصلاة في الجلد بعد دباغه دون شعره وأما ثبوت الثاني فلما تقدم من الدلالة على المنع من الصلاة في الجلد ويؤيده رواية زرارة
226

وقد تقدمت وما رواه عن إبراهيم محمد الهمداني قال كتبت إليه سقط على يدي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة فكتب: لا يجوز الصلاة
فيه وعن الحسن بن علي الوشا قال كان أبو عبد الله (ع) يكره الصلاة في وبر كل شئ لا يؤكل لحمه. * مسألة: واختلف الرواية في الثعالب والأرانب
فروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن جلود الثعالب أيصلى فيها فقال: ما أحب أن أصلي فيها وعن أحمد بن إسحاق الأبهري قال كتبت إليه جعلت فداك عندنا
جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة من وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية فكتب: لا تجوز الصلاة فيها ومثله رواه علي بن مهزيار
وعن محمد بن أبي زيد قال سئل الرضا (ع) عن جلود الثعالب الذكية فقال: لا يصلى فيها وعن علي بن مهزيار عن رجل سئل الماضي (ع) عن الصلاة في الثعالب فنهى عن الصلاة
فيها وفي الثوب الذي يليه فلم يدر أي الثوبين الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد فوقع بخطه الذي يلصق بالجلد وذكر أبو الحسن أنه سأل عن
هذه المسألة فقال: لا تصل في الذي فوقه ولا في الذي تحته وعن الوليد بن أبان قال قلت للرضا (ع) أصلي في الفنك والسنجاب قال: نعم، فقلت
نصلي في الثعالب إن كانت ذكيت قال: لا تصل فيها فهذه الأخبار تدل على المنع وأيضا رواية زرارة الموثقة يدل عليه وقد تقدمت عن مقاتل بن مقاتل
قال سألت أبا الحسن (ع) عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب فقال: لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم وعن علي بن راشد قال قلت لأبي
جعفر (ع) فالثعالب يصلي فيها قال: لا ولكن تلبس بعد الصلاة قلت أيصلى في الثوب الذي يليه قال: لا وعن داود الصيرفي عن بشير بن بشار قال قال
ولا تصل في الثعالب ولا السمور وأما الرواية الدالة على الجواز فقد رواها الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن لباس الفراء
والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه قال: لا بأس بالصلاة فيه وعن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع) عن لباس الفراء والسمور والفنك
والثعالب وجميع الجلود قال: لا بأس بذلك والروايات الأولى أكثر وهي أيضا أشهر بين الأصحاب والعمل
بمضمونها أولى ولان فيها احتياط للعبادة. * مسألة:
وفي التكة والقلنسوة من جلد ما لا يؤكل لحمه إشكال الأحوط المنع عملا بعموم الأحاديث الدالة على النهي عن الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه ودليل
الاحتياط للعبادة لكن الشيخ قال في التهذيب عقيب ما رواه في الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الصلاة في جلود الثعالب فقال إذا
كانت ذكية فلا بأس أنه يحتمل أن يكون المراد به إذا كان عمل مثل القلنسوة وما أشبهها مما لا تتم الصلاة فيها واستدل على تأويله بما رواه في
الصحيح عن محمد بن عبد الجبار قال كتبت إلى أبي محمد (ع) أسأله هل أصلي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب
فكتب: لا يحل الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكيا خلت الصلاة فيه وهذا الحديث كما يدل على جواز الصلاة في القلنسوة يدل على الأرنب
مما يقبل الذكاة. فرع: لو عمل القلنسوة من وبر ما لا يؤكل لحمه أو التكة منه أو من حرير ففيه قولان للشيخ، أحدهما: المنع ذكره في النهاية والثاني:
الكراهية ذكره في المبسوط حجته على المنع ما تقدم من الأحاديث الدالة على عموم المنع وعلى الجواز ما تقدم ومن حديث محمد بن عبد الجبار عن أبي
محمد (ع) فإن رجح الأول بكونه من باب القول والثاني من باب الكتابة والقول أرجح عورض برجحان الثاني بالأصل وبأنه أخص وإن رجح
برواية أحمد بن إسحاق وبرواية علي بن مهزيار أنه كتب إليه إبراهيم بن عقبة عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل يجوز الصلاة في وبر
الأرانب من غير ضرورة ولا تقية فكتب لا يجوز الصلاة فيها عورض برواية الحلبي الصحيحة وعلي بن يقطين الدالة على جواز الصلاة في الجلود كلها
وبأن أحمد بن إسحاق وعلي بن مهزيار كلاهما أسندا الحديث إلى الكتابة وفيه ضعف وإلى غير معين فيحتمل أن يكون المكتوب إليه غير الإمام (ع) فالأقرب
عندي في هذا الباب الكراهية. * مسألة: وفي السمور والفنك والسنجاب روايتان روى الشيخان عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع)
قال: لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم وليس هو بما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عنه إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب وروي عن الوليد بن
أبان قال قلت للرضا (ع) أصلي في الفنك والسنجاب قال: نعم، فقلت يصلى في الثعالب إن كان ذكية قال: لا تصل فيها وعن مقاتل بن مقاتل قال
سألت أبا الحسن (ع) عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب فقال: لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم وعن علي بن راشد قال قلت لأبي
جعفر (ع) ما تقول في الفراء أي شئ يصلى فيه قال: أي الفراء، قلت الفنك والسنجاب والسمور قال: فصل في الفنك والسنجاب وأما السمور فلا تصل فيه
وعن بشير بن بشار قال سألت عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والنمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك وببلاد الاسلام أن أصلي فيه
لغير تقية قال: صلى في السنجاب والحواصل الخوارزمية ولا تصل في الثعالب ولا السمور وفي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن
الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه قال: لا بأس بالصلاة فيه وعن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع) عن لباس الفراء والسمور و
الفنك والثعالب وجميع الجلود قال: لا بأس وفي الصحيح عن الزياد بن الصلت قال سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن لبس فراء السمور والسنجاب والحواصل
وما أشبهها والمناطق والكيمخت والمحشو بالقز والخفاف من أصناف الجلود فقال: لا بأس بهذا كله إلا الثعالب أما الرواية الأخرى: فقد روى الشيخ
في الموثق عن زرارة أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول
الله صلى الله عليه وآله أن الصلاة في كل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد لا يقبل بذلك الصلاة
حتى يصلي في غيره الحديث وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن الرضا (ع) قال سألته عن جلود السمور فقال: تصيد، فقلت: نعم نأخذ الدجاج
227

والحمام قال: لا والذي يختاره عن جواز الصلاة في السنجاب خاصة لاشتهار الأحاديث الدالة عليه وعمل الأصحاب أكثرهم بها أما الفنك والسمور فلا، وادعى
الشيخ في المبسوط الاجماع على جواز الصلاة في السنجاب والحواصل وهذا يدل على جواز ذلك عند أكثر الأصحاب وفتوى الشيخ في الجزء الثاني من النهاية
بالمنع من الصلاة فيه مستندة إلى ما ذكرناه من الأحاديث الدالة على المنع وهي معارضة بما ذكرناه من الأحاديث الدالة على الجواز. * مسألة:
ويحرم في الحرير المحض للرجال ذهب إليه علماء الاسلام روى الجمهور عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: حرم لباس الحرير والذهب على
ذكر أمتي وأحل لإناثهم رواه أبو داود والترمدي وعن رسول الله صلى الله عليه وآله لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وعن حذيفة
قال نهانا صلى الله عليه وآله أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن يأكل منها وإن نلبس الحرير والديباج وإن نجلس عليه رواهما البخاري ومن
طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي (ع) إني أحب لك ما أحب لنفسي وأكره
لك ما أكره لنفسي فلا تتختم بخاتم ذهب فإنه زينتان في الآخرة، فلا تلبس القرمز فإنه من أردية إبليس، ولا تركب بميثرة حمراء فإنها من مراكب إبليس، ولا
تلبس الحرير فيحرق الله جلدك يوم تلقاه ولم يطلق النبي صلى الله عليه وآله لبس الحرير لاحد من الرجال إلا لعبد الرحمن بن عوف وذلك أنه كان رجلا
قملا وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن سعد بن الأحوص عن الرضا (ع) وسألته هل يصلي الرجل في ثوب ابريشم قال: لا وفي الصحيح عن
محمد بن عبد الجبار عن أبي محمد (ع) أنه كتب إليه لا يحل الصلاة في الحرير المحض وعن أبي الحرث قال سألت الرضا (ع) هل يصلي الرجل في ثوب
ابريشم قال: لا. فروع: [الأول] ذهب علماؤنا أجمع في بطلان الصلاة في الحرير المحض للرجال إلا مع الضرورة وفي الحرب وهو اختيار
أحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى: أنه يصح وإن كانت حراما وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي. لنا: ان ستر العورة عبادة متلقاة من الشرع
وقد نهى عن هذا المخصوص والنهي في العبادات يدل على الفساد ومع فساد الشرط وعدم التفات نظر الشرع إليه يفسد المشروط قطعا احتج
المخالف بأن التحريم لا يختص الصلاة والنهي يعود إليها فلا يمنع الصحة ولان الشرط الستر وهو متحقق لا يرتفع بالنهي والجواب عن الأول: ان تحريم
الشرط يستلزم فساد المشروط فيعود النهي في الحقيقة إلى الصلاة وعن الثاني: بالمنع من كون الستر مطلقا شرطا وإلا لكان هذا الستر المخصوص منهيا
عنه مأمورا به وذلك محال. [الثاني] قال الشيخان والمرتضى وأتباعهم لا فرق بين أن يكون المعمول من حرير محض ساتر أو بين أن يكون
غير ساتر بأن يكون العورة مستورة بغيره وخالف فيه فقهاء الجمهور عدا أحمد فإنه روى عنه البطلان كقول علمائنا. لنا: ان الصلاة فيه محرمة
بما تقدم من الأحاديث فتكون باطلة لان النهي يدل على الفساد في باب العبادات. [الثالث] لا بأس بلبس الحرير لأجل الضرورة وهو فتوى علمائنا
وقول أحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى: لا يباح وهو قول مالك. لنا: ما رواه الجمهور عن أنس قال أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى النبي صلى الله عليه وآله
القمل فرخص لهما لبس الحرير في غزاة لهما ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن أبي الجارود عن الباقر (ع) قال: ولم يطلق النبي صلى الله
عليه وآله لبس الحرير لاحد من الرجال إلا لعبد الرحمن بن عوف وذلك أنه كان رجلا قملا وذكر العلة يوذن بالتعميم وما ثبت في حق صحابي ثبت في حق
غيره لقوله (ع) حكمي على الواحد حكمي على الجماعة ولأنه منهي عنه فيخصص بحال الاختيار كغيره من المنهيات ولان التكليف يسقط مع الضرورة
احتج مالك بعموم لفظ التحريم والرخصة يحتمل أن يكون خاصة بعبد الرحمن والزبير والجواب تخصيص الرخصة لهما على خلاف الأصل.
[الرابع] ويجوز لبسه للرجال في حال الحرب من غير ضرورة وهو قول عروة وعطا وأحمد في أحد الوجهين وفي الوجه الآخر لا يجوز. لنا: ما رواه
الجمهور عن عروة أنه كان له يلمق من ديباج بطانته من سندس محشو قزا وكان يلبسه في الحرب وقد شهد جماعة من التابعين ولم ينكروه مع سماع
النهي العام فلو لم ينقلوا الرخص في هذه الحالة وإلا لأنكروا عليه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد الله
(ع) عن لباس الحرير والديباج فقال: أما في الحرب فلا بأس ما رواه الشيخ في الصحيح عن عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سألت أبا الحسن (ع) عن الصلاة
في ثوب ديباج؟ فقال: ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس قال الشيخ والمقصود بذلك جواز لبسه حالة الحرب وهو حسن ولأنه يحصل مع قوة القلب وهي أمر
مطلوب للحرب فأشبه الضرورة ولان المنع من لبسه لأجل ما فيه من الخيلاء وهو غير مذموم في الحرب قال رسول الله صلى الله عليه وآله حين رأى بعض
أصحابه يمشي بين الصفين يختار (يختال) في مشيه أنها لمشية يبغضها الله إلا في الحرب احتج أحمد بعموم النهي. والجواب: انه مخصوص بالضرورة فكذا هنا
لاشتراكهما في المقتضي المبيح. [الخامس] لا بأس بلبسه للنساء ذهب إليه كل من يحفظ عنه العلم وفي لبسه لهن في الصلاة خلاف بين علماؤنا والذي
ذهب إليه الشيخان والسيد المرتضى وأتباعهم الجواز والذي ارتضاه أبو جعفر بن بابويه التحريم احتج الأولون بأن الامر بالصلاة مطلق
فالتقييد مناف لترك العمل به في حق الرجل لوجود الدليل فبقي الباقي على الاطلاق احتج ابن بابويه بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عبد
الجبار انه كتب إليه أبو محمد (ع): لا يحل الصلاة في الحرير المحض وهو عام في حق الرجال والنساء ولما رواه زرارة قال سمعت أبا جعفر (ع)
ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن وإنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء والأقرب
أن النهي في حق الرجال للتحريم وكذا في النساء قضية العطف وكذا لفظة يكره المراد بها التحريم في حق الرجال فكذا في النساء للعطف والقولان
228

قويان فنحن في هذا من المتوقفين. [السادس] هل يجوز الصلاة للرجال في التكة والقلنسوة إذا عملا من حرير محض فيه إشكال والأقرب المنع
قال ابن بابويه لا يجوز الصلاة في تكة رأسها من ابريشم وأفتى الشيخ لجواز في النهاية والمبسوط. لنا: ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الجبار قال
قال كتبت إلى أبي محمد (ع) أسأله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج فكتب: لا يحل الصلاة في حرير محض والعبرة وإن كانت بعموم اللفظ على
الخلاف لكن بالاتفاق يتناول صورة السبب ولأنه منهي عنه فلا يجوز الصلاة في شئ منه كالجلد الميت احتج الشيخ بما رواه الحلبي عن أبي عبد الله (ع)
قال: كل ما لا يتم الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الابريشم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل ويصلى فيه. والجواب: ان في طريقهما
أحمد بن هلال وهو ضعيف جدا. [السابع] لا بأس بالوقوف على الثوب المعمول من الابريشم المحض والديباج وافتراشه روى الشيخ في الصحيح عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) وسألته عن فراش حرير ومثله من الديباج ومصلى حرير ومثله من الديباج هل يصلح للرجل النوم عليه والتكاء والصلاة قال: يفرشه ويقوم
عليه ولا يسجد عليه. [الثامن] الحشو بالابريشم لا يرفع التحريم خلافا للشافعي. لنا: عموم النهي احتج الشافعي بأنه لا خيلاء فيه فلا بأس به والجواب:
بمنع تعليل التحريم بالخيلاء بل لعله الشرف والتضييع للمال أو لمنع النفس عن المبالغة في اللباس ولأنه ينتقض بما لو جعل بطانة الجبة حريرا
فإنه لا خيلاء هناك مع ثبوت التحريم وأما ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد قال قرأت كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن الرضا (ع)
سأله عن الصلاة في ثوب حشو قز فكتب إليه لا بأس بالصلاة فيه فإن ابن بابويه قال المراد به قز الماعز دون قز الابريشم. [التاسع] لا بأس
للرجل بالصلاة في الحرير إذا لم يكن محضا كالممزوج بالقطن أو الكتان والخز أو كثر الابريشم ما لم يستهلكه بحيث يصدق على الثوب أنه ابريشم
وهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال ابن عباس وجماعة من أهل العلم وقال أبو حنيفة والشافعي يحرم إذا غلب الحرير وإن غلب غيره جاز والمتساوي
وجهان للشافعي. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس قال: إنما نهى النبي صلى الله عليه وآله عن الثوب المصمت من الحرير وأما العلم وسل الثوب فليس
به بأس رواه أبو داود ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزره
وعلمه حريرا وإنما كره الحرير المبهم للرجال وعن زرارة قال سمعت أبا جعفر (ع) ينهى عن لباس الحرير
للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط
بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن وإنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء ولأنه يخرج بالمزج عن اسم الحرير فيبقى على الأصل وهو الحل.
[العاشر] لا بأس بثوب مكفوف بالحرير المحض على كراهية ذكره الشيخ وأتباعه والمراد بالكف ما توضع في رؤس الأكمام وأطراف الذيل وحول
الزيق ولا بأس بالعلم أيضا روى الجمهور أن النبي صلى الله عليه وآله نهانا عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثا أو أربعا رواه مسلم وأبو داود ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن جراح المدائني عن أبي عبد الله (ع) أنه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج. [الحادي عشر]
لو خيط الحرير بالقطن والكتان لم يزل التحريم عنه وكذا لو بطن به أو جعل ظهاره لعموم المنع. [الثاني عشر] هل يحرم على الولي تمكين الطفل من
لبس الحرير فيه نظر أقربه أنه لا يحرم وهو قول بعض الجمهور. لنا: أنه غير مكلف فلا يحرم في حقه ولان التحريم مستند إلى الخيلاء ولا اعتبار به في
حقهم وقال بعض الجمهور يحرم لقوله (ع) حرام على ذكور أمتي وعن جابر كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري. والجواب عن الأول بما مضى
من أن التحريم يتناول المكلف لخاصة خاصة وعن الثاني: باحتمال أن قد فعل بالمراهقين ومن قارب البلوغ زيادة في التورع. * مسألة:
ويحرم الصلاة في الثوب المغصوب إذا كان عالما بالغصب وهو إجماع أهل العلم كافة لما ثبت من تحريم التصرف في ملك الغير بغير أذنه تواترا عن رسول الله
صلى الله عليه وآله واختلف العلماء في بطلان الصلاة فيه فالذي عليه علماؤنا بطلان الصلاة فيه واختاره أبو علي الجبالي (ئى) وابنه أبو هاشم
وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين إذا كان هو الساتر وشرطه أحمد خاصة. لنا: ان الصلاة طاعة وقيامه وقعوده في هذا الثوب منهي عنهما فيكون
مأمورا بما هو منهي عنه وذلك تكليف ما لا يطاق ولان الواجب عليه صلاة مأمور بها ولم يثبت من الشرع الامر بهذه الصلاة فيبقى في عهدة التكليف
إذ المخرج عن العهدة بالأمر النطقي الفعل المطلوب قطعا احتج المخالف بأنه أتى بالصلاة المأمور بها والتحريم لا يختص بالصلاة ولا النهي يعود إليها فلا
يمنع الصحة كما لو غسل ثوبه من النجاسة بالماء المغصوب والجواب بالمنع في المقدمتين إذ قد بينا أن الصلاة المأمور بها شئ يخرج به عن عهدة التكليف
ولم يثبت ذلك في حق هذه الصلاة وقوله النهي لا يعود إليها ممنوع إذ التحرك في هذا الثوب منهي عنها وهي جزء من الصلاة والنهي عن الجزء مستحيل
فجامعيته مع الامر بالكل وبهذا وقع الفرق بين صورة النزاع وبين المقيس عليه لان الماء المغصوب ليس جزءا من إزالة النجاسة وأيضا فما نحن
فيه عبادة وقد بينا أن النهي فيها يستلزم الفساد بخلاف المقيس عليه. فروع: [الأول] لا فرق بين أن يكون الثوب المغصوب ساتر أو غير ساتر
بأن يكون فوق الساتر أو تحته على إشكال. [الثاني] هل يبطل الصلاة في الخاتم المغصوب وشبهه كالسوار والقلنسوة والعمامة فيه تردد أقربها البطلان.
[الثالث] لو جهل الغصب لم يكن قد فعل محرما وصحت صلاته لارتفاع النهي. [الرابع] لو علم الغصب وجهل التحريم لم يكن معذورا لان التكليف
لا يتوقف على العلم بالتكليف وإلا لزم الدور المحال. [الخامس] لو علم بالغصب في أثناء الصلاة نزعه ثم إن كان عليه غيره أتم الصلاة لأنه دخل
دخولا مشروعا ولو لم يكن عليه غيره أبطل الصلاة وستر عورته ثم استأنف. [السادس] الصلاة في الثوب المغصوب على الغاصب وغيره ممن علم في الغصب ما لم
229

يأذن له المالك فلو اذن للغاصب أو لغيره صحت صلاته ولو أذن في الصلاة فيه مطلقا صحت صلاة
غير الغاصب أما الغاصب فلا عملا بشاهد الحال. [السابع] لو تقدم علمه بالغصبية ثم نسي حال الصلاة وصلى فيه صحت صلاته لقوله (ع): رفع
عن أمتي الخطأ والنسيان والقياس على النجاسة باطل. * مسألة: وفي بطلان الصلاة لمن لبس خاتم ذهب تردد أقربه البطلان خلافا لبعض الجمهور.
لنا: ان الصلاة فيه استعمال له وهو محرم بالاجماع وقد عرفت أن النهي في العبادات تدل على الفساد يؤيدها ما رواه الشيخ عن موسى بن أكيل النميري
عن أبي عبد الله (ع) في الحديد أنه حلية أهل النار والذهب حلية أهل الجنة وجعل الذهب في الدنيا زينة للنساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة
فيه وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في حال الصلاة إلا أن يكون قبال عدو فلا بأس به قال قلت فالرجل
يكون في السفر يكون معه السكين في خفه لا يستغني عنه أو في سراويله مشدودا ومفتاح يخشى أن وضعه ضاع أو يكون في وسطه المنطقة
من حديد؟ قال: لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في حال الضرورة وكذلك المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان ولا بأس بالسيف وكل آله السلاح في
الحرب وفي غير ذلك لا يجوز الصلاة في شئ من الحديد فإنه نجس ممسوخ وتحريم الصلاة فيه يستلزم البطلان لما مر. فروع: [الأول]
حكم المنطقة حكم الخاتم في البطلان على التردد. [الثاني] الثوب المنسوج بالذهب والمموه يحرم الصلاة فيه مطلقا على التردد في غير الساتر.
[الثالث] هل يجوز افتراش الثوب المنسوج بالذهب أو المموه به فيه تردد أقربه الجواز. [الرابع] يكره الصلاة في خاتم حديد ذكره الشيخ و
قال المفيد في المقنعة ولو صلى وفي إصبعه خاتم حديد لم يضره ذلك وقال بعض أصحاب الحديث منا بالمنع احتجاجا بما رواه الشيخ عن موسى بن أكيل و
قد تقدم وبما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يصلي الرجل وفي يده خاتم حديد والحق
الجواز ولو قيل بالكراهية كان قويا اما المنع فلا ورواية موسى بن أكيل ضعيفة لان الشيخ رواها مرسلة مع اشتمالها على تنجيس الحديد ولم يقل
به أحد فهي ضعيفة لا يعول عليها ويحتمل أنه أراد بالتحريم شدة الكراهية مجازا استعمالا ورواية السكوني ضعيفة السند مع احتمال النهي للكراهية.
* مسألة: ولا يجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالنعل السندي والشمشك ذكره الشيخ وقال في المبسوط أنه مكروه وهو الوجه عندي. لنا: الأصل
الجواز والكراهية إنما صرنا إليها لوجود الخلاف احتج الشيخ بأن النبي صلى الله عليه وآله لم ينقل عنه ذلك. والجواب: أنه لا يستلزم التحريم. فروع:
[الأول] لا بأس بما له ساق كالخف والجرموق " بضم الجيم " وهو خف واسع قصير يلبس فوق الخف لان
النبي صلى الله عليه وآله والصحابة فعلوا
ذلك ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه قذر فقال:
إذا كان مما لا يتم الصلاة فيه فلا بأس وفي الصحيح عن زرارة عن أحدهما (ع) قال: كل ما كان لا يجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس أن
يكون عليه شئ مثل القلنسوة والتكة والجورب وإذا جازت الصلاة فيها في حال نجاستها فمع الطهارة أولى وفي الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر
قال سألت الرضا (ع) عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لأرى أيصلى؟ قال: نعم انا اشتري
الخف من السوق ويصنع لي فأصلي فيه وليس عليكم المسألة وفي الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال:
اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميت بعينه. [الثاني] لا فرق بين الطاهر والنجس في الجواز وقد دلت عليه الأحاديث المذكورة وقد سلف
البحث فيه نعم يشترط أن يكون من جلد ما يصح الصلاة فيه. [الثالث] يستحب الصلاة في النعل العربية ذهب إلى علماؤنا روى الشيح في الصحيح عن
محمد بن إسماعيل قال رأيته يصلي في نعليه لم يخلعهما واحببه؟؟ قال ركعتي الطواف وفي الصحيح عن معاوية بن عمار قال رأيت أبا عبد الله (ع) يصلي
في نعليه غير مرة ولم أره ينزعهما قط وفي الحديث عن عبد الله بن المغيرة قال إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة فإن ذلك من السنة و
عبد الله ثقة فإخباره بأنه من السنة يدل على الثبوت وعن علي بن مهزيار في الصحيح قال رأيت أبا جعفر (ع) صلى حين زالت الشمس يوم التروية
ست ركعات خلف المقام وعليه نعلاه لم ينزعهما وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (ع) قال: إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت
طاهرة فإن ذلك من السنة. * مسألة: وتحرم الصلاة في الثوب النجس عدا ما عفى عنه من النجاسات وقد تقدم بلا خلاف بين أكثر
علماء الاسلام. [البحث الثاني] فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس، * مسألة: يجوز الصلاة
في جلد ما يؤكل لحمه إذا ذكي ذهب إليه العلماء أجمع ولا نعرف فيه خلافا وفي اشتراط الذبائح خلاف فالذي ذهب إليه أكثر علمائنا عدم الاشتراط
وقد تقدم البحث في ذلك. * مسألة: والصوف والشعر والوبر مما يؤكل لحمه طاهر يجوز الصلاة فيه إذا جز منه في حياته أو بعد التذكية بلا
خلاف بين العلماء فيه أما إذا جز جزء من الميت فقد اختلف فيه فالذي إليه علماؤنا أجمع طهارته وصحت الصلاة فيه وبه قال الحسن
وابن سيرين ومالك والليث بن سعد والأوزاعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى أنه نجس لا يصح فيه الصلاة
وهو قول الشافعي. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا بأس بصوف الميتة وشعرها إذا غسل رواه الدارقطني ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة إن الصوف ليس فيه روح ولأنه
230

طاهر قبل الموت فيكون كذلك بعده عملا بالأصحاب ولان طهارته غير موقوفة على الذكاة فلا ينجس بالموت كما لو جز من حي ولأنه لا تحله الحياة فلا
يتنجس بالموت كالبيضة احتج الشافعي بأنه ينمى من الحيوان فينجس بموته كأعضائه والجواب: النمو لا يستلزم الحياة وكل ما لا يحله الحياة لا يقبل الموت لاشتراط
اتحاد الموضوع في مثلهما. فروع: [الأول] لو قلعه من الميت قال الشيخ لا يجوز استعماله والأقرب جوازه مع الغسل لموضع الاتصال
وربما عول الشيخ على أنه بالحديث (بالقلع) نزع شيئا من مادة الميت فيكون نجسا ونحن لما اشترطنا الغسل زال هذا المحذور. [الثاني] لو جز من
حي كان طاهرا قولا واحدا ولو قلع فكذلك والوجه وجوب غسل موضع الاتصال أيضا لأنه بالحديث (بالقلع) لا بد من استصحاب شئ من مادته معه وهي بعد
الانفصال ميتة لقوله (ع) ما أبين من حي فهو ميت. [الثالث] لو شك في الشعر أو الصوف أو الوبر أنه هل هو مما يؤكل لحمه أو لا لم يجز الصلاة
فيه لأنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه وهو غير محقق والشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط. * مسألة: ولا بأس بالصلاة
في الخز الخالص بمعنى أن لا يكون مغشوشا بوبر الأرانب والثعالب ذهب إليه علمائنا والخز دابة ذات أربع يصاد في الماء فإذا فقدته ماتت
روى ذلك عن الصادق (ع) ويدل على جواز الصلاة في الخالص منها ما رواه الجمهور عن عبد الله بن سعيد عن أبيه قال رأيت رجلا اجتاز على
نعله بيضا عليه عمامة خز فقال: كسا منها رسول الله صلى الله عليه وآله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن خلاد قال سألت
أبا الحسن الرضا (ع) عن الصلاة في الخز فقال صل فيه وعن أحمد بن محمد رفعه عن أبي عبد الله (ع) في الخز الخالص أنه لا بأس به وفي الصحيح عن
سليمان بن جعفر الجعفري قال رأيت أبا الحسن الرضا (ع)؟ عن؟ يصلي في جبة خز وفي الصحيح عن الحلبي قال سألته عن لبس الخز فقال لا بأس به
ان علي بن الحسين (عل) كان يلبس الكسا الخز في الشتاء فإذا جاء السيف باعه وتصدق بثمنه وكان يقول إني لأستحي من ربي أن أكل ثمن ثوب قد عبدت الله
فيه. فروع: [الأول] لا يجوز الصلاة في الخز المغشوش بوبر الأرانب والثعالب وعليه فتوى علمائنا لما رواه الشيخ في الموثق قال سأل
زرارة أبا عبد الله (ع) إلى أن قال عن رسول الله صلى الله عليه وآله ان الصلاة في وبر كل شئ حرام أكله فالصلاة في شعره ووبره وجلده
وروثه وكل شئ منه فاسد لا يقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله فالصلاة في شعره وهو عام خرج منه الخالص للروايات المختصة
فيبقى الباقي على العموم وما رواه أيوب بن نوح رفعه قال قال أبو عبد الله (ع) الصلاة في الخز الخالص لا بأس فأما الذي يخلط فيه الأرانب أو غير
ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه وما رواه عن أحمد بن محمد رفعه عن أبي عبد الله (ع) في الخز الخالص أنه لا بأس به فأما الذي يخلط فيه
وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه لا يقال هاتان الروايتان مرسلتان فلا يعتمد عليهما ولأنه قد روى الشيخ عن داود
الصيرفي قال سألته عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب كيف يجوز ذلك لأنا نجيب عن الأول: بأنهما وإن
كانتا مرسلتين إلا أن راويهما
ثقتان فالظاهر أنهما لم يرسلا إلا مع علمهما (العلم لا) بعدالتهما وأيضا فقد اعتضدت بعمل الأصحاب فإن كثيرا من أصحابنا ادعوا الاجماع ها هنا وأيضا
فالرواية الأولى دالة بعمومها على صورة النزاع. وعن الثاني: بأن السؤال عنه غير معين فربما لم يكن إماما وأيضا فقد اشتملت على المكاتبة و
أيضا قال الشيخ قد روى عن داود الصيرفي المذكور قال سأل رجل أبا الحسن الثالث (ع) عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب فكتب يجوز ذلك وهذا
يدل على اضطراب الراوي في الرواية لأنه تارة أضاف السؤال إلى رجل وتارة إلى نفسه وقال الشيخ وهذا مناف. [الثاني] المعمول من الإبريسم
والخز لا بأس بالصلاة فيهما لان الخز يجوز الصلاة في خالصه والإبريسم يجوز الصلاة في مغشوشه ويؤيده ما رواه الشيخ عن زرارة قال سمعت
أبا جعفر (ع) نهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمله وسداه أو خز قطن أو كتان وإنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء.
[الثالث] وفي المغشوش بصوف ما لا يؤكل لحمه أو شعره تردد والأحوط فيه المنع لان الرخصة وردت في الخالص ولان العموم الوارد في المنع من الصلاة
في شعر ما لا يؤكل لحمه وصوفه يتناول المغشوش بالخز وغيره. [الرابع] الرخصة في وبر الخز لا في جلده فيبقى على المنع المستفاد من العموم.
* مسألة: ولا يجوز الصلاة في ثوب واحد للرجال إذا كان صفيقا ويكره إذا كان شافا رقيقا وكره الشيخ في المبسوط وبه قال علم الهدى
وبه قال أحمد. لنا: ما رواه الجمهور عن جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي في ثوب واحد متوشحا به رواه البخاري ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال صلى بنا أبو جعفر (ع) في ثوب واحد وفي الحسن عن رفاعة بن موسى قال حدثني من سأل أبا
عبد الله (ع) عن الرجل يصلي في ثوب واحد مئتزرا به قال: لا بأس به إذا رفعه إلى اليدين وما رواه عن زياد بن سوقة عن أبي جعفر (ع) قال: لا بأس
أن يصلي أحدكم في الثوب الواحد وإزاره مملولة ان دين محمد حنيف وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل
يصلي في قميص واحد أو قباء طاق أو قباء محشو ليس عليه إزار فقال: إذا كان عليه قميص صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس والثوب الواحد إذا
كان يتوشح به والسراويل بتلك المنزلة كل ذلك لا بأس به ولكن إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا احتج أحمد بما رواها ابن عمر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أو قال عمر إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن إلا ثوب واحد فليتزر به ولا يشمل اشتمال اليهود
والجواب: ان ابن عمر قد شك في المروي عنه هل هو رسول الله صلى الله عليه وآله أو أبوه فعلى تقدير أن يكون أباه لم يكن حجة واما كراهيته إذا
231

كان شافا فلما رواه الشيخ عن أحمد بن حماد رفعه إلى أبي عبد الله (ع) قال: لا تصل فيما شف أو وصف يعني الثوب الصيقل وعن محمد بن يحيى رفعه إلى أبي عبد الله (ع)
مثله. فرع: لو حكى ما تحته لم يجز الصلاة فيه لأنه غير ساتر والشرط الستر هذا إذا حكى خلفه لم يكن به بأس لأنه قد يحصل في الثوب الصفيق ذلك.
* مسألة: ويكره الصلاة في الثوب الذي تحت وبر الأرانب والثعالب والذي فوقه ومنع منه الشيخ في النهاية. لنا: انه ثوب يصح في جنسه الصلاة
والمانع وهو نجاسة الوبرين مفقود لما بينا من طهارتهما فيصح فيهما الصلاة احتج الشيخ بما رواه علي بن مهزيار وعن رجل سأل الماضي (ع) عن
الصلاة في الثعالب فنهى عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليه فلم أدر أي الثوبين الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد فوقع بخطه الذي
يلصق بالجلد وذكر أبو الحسن أنه سئل عن هذه المسألة فقال: لا يصلي في الذي فوقه ولا في الذي تحته والجواب: أن هذه الرواية مقطوعة السند فلا يكون
حجة وأيضا يحمل ان يكون النهى للكراهية وأيضا فهي مشتملة على المكاتبة لا السماع وأيضا فإنه لم ينقل الصيغة بل قال نهى ولعله توهم ما ليس
بنهي نهيا وكل هذه مضعفة للرواية فالعمل على ما قلناه وإنما صرنا إلى الكراهية لوجود الخلاف ولو قلنا بتنجيس الوبرين لم يجز الصلاة في الثوب اللاصق
إذا وجدت الرطوبة في أحدهما أما مع عدمها فلا. * مسألة: ويكره الصلاة في الثياب السود ما عدا العمامة والخف ذكره علماؤنا خلافا لبعض
الجمهور. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم وتعليق الحكم بالوصف
يشعر بنفسه عن غيره وأيضا فإن اختصاص البياض بذلك لمصلحة راجحة موجودة فيه فيكون ما يضاده غير مشارك له في المصلحة وأشد الألوان
مضاده له السواد ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد رفعه عن أبي عبد الله (ع) قال: يكره السواد إلا في ثلاثة الخف، والعمامة، والكساء
وعن محسن بن أحمد عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له أصلي في القلنسوة السوداء فقال: لا تصل فيها إنها لباس أهل النار. وروى
ابن بابويه عن أمير المؤمنين (ع) قال فيما علم أصحابه: لا تلبس السواد فإنه من لباس فرعون وعن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكره السواد
إلا في ثلاثة العمامة والخف والكسا قال وروى أنه هبط جبرئيل (ع) على رسول الله صلى الله عليه وآله وعليه قباء أسود ومنطقة فيها خنجر فقال له: يا
جبرئيل ما هذا الذي فقال: هذا ذي ولد عمك العباس يا محمد ويل لولدك من ولد عمك العباس فخرج النبي صلى الله عليه وآله إلى العباس فقال: يا عم ويل لولدي
من ولدك فقال يا رسول الله أفأحب نفسي قال جف القلم بما فيه وعن حذيفة بن منصور أنه قال كنت عند أبي عبد الله (ع) بالحيرة فأتاه رسول أبي
العباس الخليفة يدعوه فدعا بممطر أحد وجهيه أسود والآخر أبيض فلبسه ثم قال (ع): أما أني ألبسه وأنا أعلم أنه من لباس أهل النار وقال ابن بابويه
فأما لبس السواد للتقية فلا أثم فيه واستدل بهذا الحديث احتج المخالف بما روي عنه (ع) أنه دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء والجواب ليس هذا
محل النزاع إذ قد بعثنا (قلنا) بالكراهية غير العمامة. * مسألة: ويكره المزعفر والمعصفر للرجال روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى الرجال
عن المزعفر وعن علي (ع) نهانا النبي صلى الله عليه وآله عن لباس المعصفر وعن عبد الله بن عمر قال وأتي النبي صلى الله عليه وآله على ثوبين معصفرين
فقال إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال: يكره
الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المعدم وعن يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله (ع) أنه كره الصلاة في المصبغ بالمعصفر المضرج بالزعفران.
* مسألة: ويكره بالأحمر خلافا لبعض الجمهور. لنا: ما روى الجمهور عن الرسول صلى الله عليه وآله أنه مر عليه رجل عليه بردان حمروان
فسلم عليه فلم يرد النبي صلى الله عليه وآله وعن رافع بن خديج قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فرأ رسول الله
صلى الله عليه وآله رواحلنا أكسية فيها خيوط يمني أحمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم فقمنا سراعا لقول رسول
الله صلى الله عليه وآله حتى نفر بعض إبلنا وأخذنا الأكسية فنزعناها عنها رواه أبو داود ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن جراح المدائني
عن أبي عبد الله (ع) أنه كان يكره المثيرة الحمراء فإنها مثيرة إبليس وعن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال: يكره الصلاة في الثوب
المصبوغ المشبع المفدم والمفدم " بسكون الفاء " المصبوغ المشبع بالحمراء احتج المخالف بما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله قال بينا هو يخطب إذ رأي
الحسن والحسين (عل) و (ع) قميصان أحمران يمشيان ويفتران فنزل النبي صلى الله عليه وآله ولم ينكر بهاسهما (بلبابتهما) ذلك. والجواب أنهما (ع) كانا
صغيرين فهما في محل الزينة فلا يتعدى الحكم إلى غيرهما. * مسألة: ويكره أن يأتزر فوق القميص ذكره الشيخان والسيد المرتضى و
متابعوهم خلافا لبعض الجمهور. لنا: أنه نوع يشبه باليهود وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال: لا تشتملوا اشتمال اليهود رواه الجمهور
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا عن أحدهم قال قال: الارتداء فوق الترشح في الصلاة مكروه والتوشح
فوق القميص مكروه وفي الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: لا ينبغي أن يتوشح بإزار فوق القميص إذا أنت صليت فإنه من
ذي الجاهلية والذي ذهب إليه كراهية التوشح فوق القميص للحديثين أما شد الميزر فوقه فلا لما رواه الشيخ في الصحيح عن موسى بن عمر بزيع قال
قلت للرضا (ع) أشد الإزار أو المنديل فوق قميص في الصلاة؟ فقال: لا بأس وفي الصحيح عن موسى بن القاسم البجلي قال رأيت أبا جعفر الثاني
(ع) يصلي في قميص قد اتزر فوقه بمنديل وهو يصلي ولأنه زيادة في الستر فكان سائغا كما لو كان تحت القميص أما شد الوسط بما يشبه
232

الزنا فمكروه لما فيه من الشبه بأهل الكتاب. فروع: [الأول] لا يكره شد الوسط بمئزر وتحت القميص ولا أعرف فيه خلافا. [الثاني]
لو كان القميص رقيقا حكى ما تحته لا لونه جاز ان يأتزر بإزار ويزول الكراهية حينئذ. [الثالث] مكروه اشتمال الصما وهو قول أهل العلم كافة
روى الجمهور عن أبي هريرة وأبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن لبستين اشتمال الصما وأن يحتشي الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين
السماء شئ رواه البخاري ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: إياك والتحاف الصما واختلفوا
في تفسيره فالذي ذكره الشيخ هو أن يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه تحت يديه ويجمعهما على منكب واحد وقال بعض الجمهور هو أن يضطجع الرجل بثوب ليس
عليه غيره ومعنى الاضطجاع أن يضع وسط الرداء تحت عانقه الأيمن ويجعل طرفيه على منكبه الأيسر فيبقى منكبه الأيمن مكشوفة فكره لذلك وقال
بعض الشافعية هو أن يلتحف بالثوب ثم يخرج يديه من قبل صدره وقال أبو عبيد اشتمال الصماء عند العرب أن يشمل الرجل بثوب تخلل به جسده
كله ولا يرفع منه جانبا يخرج منه يده كأنه مذهب إلى أنه لعله تصيبه شئ يريد الاحتراس منه فلا يقدر عليه وتفسير الفقهاء أولى لأنهم
أعرف وما ذكره الشيخ أصح الأقوال لما رواه الشيخ في الحسن عن الباقر (ع) أنه قال: إياك والتحاف الصماء، قلت وما التحاف الصماء؟ قال: إن يدخل
الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد. [الرابع] اشتمال الصما مكروه فإن كان على الرجل ثوب غيره لعموم النهي. [الخامس] قال ابن
إدريس يكره التسدل في الصلاة كما يفعل اليهود وهو أن يتلبسه بالإزار ولا يرفعه على كتفيه وهذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء وهو اختيار
السيد المرتضى ويدل عليه كراهية السدل ما رواه ان بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: خرج أمير المؤمنين (ع) على قوم
فرآهم يصلون في المسجد قد سدلوا رويتهم فقال: ما لكم قد سدلتم ثيابكم كأنكم يهود قد خرجوا من قهرهم يعني بيعتهم إياكم وسدل ثيابكم. [السادس]
لا بأس أن يصلي الرجل في ثوب واحد يأتزر ببعضه ويرتدي بالبعض الآخر. * مسألة: ويكره في عمامة لا حنك لها ذهب إليه علمائنا أجمع. لنا:
ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن الاقعاط وأمرنا بالتلحي قال صاحب الصحاح والاقعاط لوث العمامة على الرأس من غير
إدارة تحت الحنك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن أبي عمير عمن ذكر عن أبي عبد الله (ع) قال: من تعمم ولم يتحنك
فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه وعن عيسى بن حمزة عن أبي عبد الله (ع) قال: من اعتم فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء
فلا يلومن إلا نفسه وروى ابن بابويه عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: من خرج في سفر ولم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم
لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه وقال الصادق (ع): ضمنت لمن خرج من بيته معتما أن يرجع إليهم سالما وقال (ع) أني لأعجب ممن يأخذ في حاجة
وهو على وضوء كيف لا يقضي حاجته وأني لأعجب ممن يأخذ في حاجة وهو معتم كيف لا تقضى حاجته. فرع: ظهر بهذه الأحاديث استحباب الحنك مطلقا
سواء كان في الصلاة أو في غيرها. * مسألة: ويكره للرجل أن يأم بغير رداء والرداء الثوب الذي يجعل على الكتفين لما رواه الشيخ
في الحسن عن سليم بن خالد قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء؟ فقال: لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة
يرتدي بها ولأنه مميز عنهم بفضيلة الإمامة فينبغي أن يمتاز عنهم في الرأي (في الرداء أو العمامة) الغير. *
مسألة: ويكره ان يصحب معه حديد بارز ذكره الشيخ في المبسوط
وروى في التهذيب عن موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله (ع) وقد تقدم البحث فيه والرواية إن اشتملت على تنجيس الحديد إلا أن المراد
بالتنجيس هناك شدة استحباب الاجتناب منه إذ التنجيس مخالف للاجماع فيحمل على المحتمل قال الشيخ في التهذيب عقيب هذه الرواية وقد قدمناه
في رواية عمار أن الحديد متى كان في غلاف لا بأس بالصلاة فيه. * مسألة: ويكره الصلاة في ثوب يتهم صاحبه بعدم توقيه من النجاسة
لان فيه احتياطا للعبادة روى الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي في ثوب المرأة وفي إزارها
ويعتم بخمارها قال: نعم إذا كانت مأمونة وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) أن علي بن الحسين (ع) كان يبعث إلى العراق فيؤتى بالفرو
فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يلبسه وكان يسأل عن ذلك فيقول ان أهل العراق يشتغلون بالجلود الميتة ويزعمون
ان دباغه ذكاته وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سئل عن أبي عبد الله (ع) عن الذي يعير ثوبه لمن لم يعلم أنه يأكل الخنزير ويشرب الخمر
فيرده ما يصلي فيه قيل أن يغسله قال لا يصلي فيها حتى يغسله وهذه الأخبار وإن دلت على المنع لكن لا منع تحريم لما رواه الشيخ في الصحيح
عن عبد الله بن سنان قال سأل أبي من أبي عبد الله (ع) وأنا حضر أني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرد علي
فاغسله قبل أن أصلي؟ فقال أبو عبد الله (ع): صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجس فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجس
وما رواه في الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميت بعينه. * مسألة:
ولا بأس بالصلاة في الثوب إذا كان عمل أهل الذمة لما رواه الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن أبي البلاد عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (ع) عن
الثياب الساترية يعملها المجوس وهن أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا أغسلها وأصلي فيها؟ قال: نعم قال معاوية فقطعت له
قميصا وخطيه وقبلت له إزارا ورداء من الساتري ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة وعن المعلى بن
233

خيس قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس والنصارى واليهود ولان الأصل الطهارة والنجاسة أمر طارئ
يحصل بمباشرتهم مع الرطوبة وذلك غير متيقن فيعمل بالأصل. فروع: [الأول] لو علم أنهم في حال عملهم باشروها برطوبة لم يحل له استعمالها
في الصلاة وغيرها إلا بعد غسلها لوجود المقتضي للتنجيس. [الثاني] لو لم يعلم للمباشرة بالرطوبة استحب غسلها لان فيه احتياطا ولما رواه
الشيخ عن عبد الله بن جميل بن عباس بن علي البزاز قال أخبرني إلى أن قال سألت جعفر بن محمد (ع) عن الثوب يعمل أهل الكتاب أصلي فيه قبل أن
يغسله؟ قال: لا بأس وإن يغسل أحب إلي وروى الشيخ عن عبد الله بن علي الحلبي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في ثوب المجوسي؟ فقال: يرش بالماء.
[الثالث] هل هذا الحكم ثابت في حق جميع الكفار وإن كانوا حربيين؟ الأقرب نعم، لان المقتضى لجواز الصلاة وهو الطهارة الأصلية
السالم عن المعارضة العلم بالنجاسة الحاصلة بالمباشرة سار فيهم فيثبت الحكم. [الرابع] لو استعار ثوبا من غيره فصلى فيه أياما ثم أخبره صاحبه أنه
كان نجسا لم يعد شيئا من صلاته لأنها وقعت على الوجه المشروع فلا يستعقب القضاء ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم
قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل صلى في ثوب رجل أياما ثم إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلى فيه؟ قال: لا يعيد شيئا من صلاته.
* مسألة: ويكره الصلاة في ثوب فيه تماثيل وقال الشيخ في المبسوط لا يجوز ويمكن أن يكون المراد بتلك الكراهية فإنه كثيرا ما
يستعمل هذه الصيغة في هذا المعنى لما رواه عمر بن خالد عن أبي جعفر الباقر (ع) ومحمد بن مروان عن أبي عبد الله (ع) قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله ان جبرئيل أتاني فقال: إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب ولا تمثال جسد ونفور الملائكة يؤذن بالكراهية
وما رواه ابن بابويه عن محمد بن إسماعيل بن بزيع أنه سأل أبا الحسن الرضا (ع) عن الصلاة في الثوب المعلم فكره ما فيه التماثيل وعن عمار بن موسى
أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في الثوب يكون في علمه مثال طير أو غير ذلك أيصلى فيه؟ قال: لا. فروع: [الأول] لو غير الصورة من الثوب
زالت الكراهية لعدم المقتضى لها وأما ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: لا بأس أن يكون التماثيل في الثوب إذا غيرت
الصورة فيه. [الثاني] لو صلى إلى القبلة وفيه وسادة ذات تمثال كره وينبغي أن يضعها في أحد جانبيه أو خلفه أو يغطيها عن نظره لأنه
يكره الصلاة إلى الانسان المواجهة فكذا إلى ما شابهه صورة ويؤيده ما رواه الشيخ عن ليث المرادي قال قلت لأبي عبد الله (ع) الوسائد
يكون في البيت فيها التماثيل عن يمين أو شمال؟ فقال: لا بأس ما لم يكن في تجاه القبلة فإن كان شئ منها بين يديك مما يلي القبلة فغطه وصل ولأنه
ربما يقع الاشتغال بالنظر إليها عن العبادة. [الثالث] لو صلى على بساط فيه تماثيل لم يكن فيه بأس لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أبي جعفر (ع) قال: لا بأس أن يصلي على كل التماثيل إذا جعلتها تحتك وقد روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن أبي عمير بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع)
قال سألته عن التماثيل يكون في البساط لها عينان وأنت تصلي؟ فقال: إن كان لها عين واحدة فلا بأس وإن كان لها عينان فلا. [الرابع] لو كانت الحال
حال ضرورة زالت الكراهية لأنها مزيلة للتحريم فالكراهية أولى ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد الله
(ع) عن لباس الحرير والديباج فقال: اما في الحرب فلا بأس وإن كان فيه تماثيل. [الخامس] لو كانت معه دراهم فيه تماثيل استحب له أن يوارها
عن نظره لما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الدراهم السود فيها التماثيل أيصلي الرجل وهي معه؟ قال: لا بأس
بذلك إذا كانت مواراة وعن ليث المرادي عن أبي عبد الله (ع) وإذا كانت معك دراهم سود فيها تماثيل فلا تجعلها بين يديك واجعلها
من خلفك وروى ابن بابويه عن عبد الرحمن بن الحجاج انه سئل أبا عبد الله (ع) عن الدراهم السود يكون مع الرجل وهو يصلي مربوطة
أو غير مربوطة؟ فقال: ما اشتهر أن يصلي ومعه هذه الدراهم التي فيها التماثيل ثم قال (ع): ما للناس بد من حفظ بضاعتهم فإن صلى وهي معه
فليكن من خلفه واجعل شيئا فيها بينه وبين القبلة. [السادس] يكره الصلاة في الخاتم الذي فيه الصورة لما رواه الشيخ عن عمار بن موسى
قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك؟ قال: لا يجوز الصلاة فيه ولا يعتمد على هذه الرواية
في الدلالة على التحريم لقصور اللفظ عنه ولضعف السند فالأولى الكراهية. [السابع] يكره الصلاة للمرأة في خلخال له صوت وإن كان أصم
لم يكن به بأس لأنه ربما اشتغلت به ويؤيده ما رواه ابن بابويه عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر (ع) عن الخلاخيل هل يصح
لبسها للنساء والصبيان؟ قال: إن كن صماء فلا بأس وإن كان لها صوت فلا يصلح. * مسألة: ويكره اللثام للرجل إذا لم يمنع من سماع القراءة
فإن منع لم يجز أما الكراهية فلما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال قلت له يصلي الرجل وهو متلثم؟ فقال: أما
على الأرض فلا وأما على الدابة فلا بأس والمنع للكراهية لما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل
يصلي ويقرأ القرآن وهو متلثم؟ فقال: لا بأس وعن حسن بن علي عمن ذكره من أصحابنا عن أحدهما (ع) أنه قال: لا بأس بأن يقرأ الرجل في الصلاة
وثوبه على فيه ويدل على ما ذكرناه من الشرط ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله (ع) هل يقرء الرجل في صلاته وثوبه
على فيه فقال: لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة وهو يدل بمفهومه على ثبوت البأس مع فقد السماع قضية للشرط. فروع: [الأول]
234

لو كان اللثام على جبهته وجب عليه كشفه ليسجد على ما يصح السجود عليه لما رواه الشيخ علي بن النعمان عمن رواه عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يصلي
وهو يومى على دابته متعمما قال: يكشف موضع السجود وسيأتي تمام البحث فيه. [الثاني] الشرط سماع قراءة نفسه لرواية الحلبي. [الثالث] يكره للمرأة
النقاب في الصلاة مع الاختيار لما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال سألته عن المرأة تصلي متنقبة؟ قال: إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به فإن أسفرت
فهو أفضل. [الرابع] قال الشيخان والسيد المرتضى يكره للرجل أن يصلي وعليه قباء مشدود إلا أن يكون في حال الحرب فلا يتمكن أن يحله فيجوز
ذلك للاضطرار قال الشيخ في التهذيب ذكر هذا علي بن الحسين بن بابويه وسمعناها من الشيوخ هذا كثير أو لم أجد به خبرا مسندا. * مسألة: ولا بأس
أن يصلي الانسان ومعه فأرة المسك لأنها طاهرة روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن فأرة المسك يكون
مع الرجل يصلي وهي في جيبه أو ثيابه؟ فقال: لا بأس بذلك وفي الصحيح عن عبد الله بن جعفر قال كتبت إليه يعني أبا محمد (ع) يجوز للرجل أن يصلي ومعه
فأرة مسك فكتب لا بأس به إذا كان ذكيا. * مسألة: ولا بأس أن يصلي الرجل وعليه البرطلة لما رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب قال
سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل ويصلي وعليه البرطلة؟ فقال: لا يضره. * مسألة: ولا بأس للرجل والمرأة أن يصليا وهما مختضبان أو عليهما
خرقة الخضاب إذا كانت طاهرة عملا بالأصل ولما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة قال سألت أبا الحسن (ع) عن المختضب إذا تمكن من السجود
والقراءة أيضا أيصلي في حنائه؟ قال: نعم، إذا كانت خرقته طاهرة وكان متوضيا وعن سهل بن اليسع عن أبي الحسن (ع) قال سألته أيصلي الرجل في خضابه
إذا كان على طهر؟ فقال: نعم. فروع: [الأول] هذا وإن كان جائز إلا أن الأولى نزع الخرقة وأن يصلي ويده بارزة لما رواه الشيخ
عن أبي بكر الحضرمي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي وعليه خضابه؟ فقال: لا يصلي وهو عليه ولكن ينزعه إذا أراد أن يصلي
قلت إن حناه وخرقته نظيفة؟ فقال: لا يصلي وهو عليه والمرأة لا تصلي وعليها خضابها. [الثاني] لا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك عملا بالأصل
المقتضي للجواز فيهما وبما رواه الشيخ عن عمار الساباطي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة تصلي ويداها مربوطتان بالحناء؟ فقال:
إن كانت توضأت قبل ذلك فلا بأس بالصلاة وهي مختضبة ويداها مربوطتان وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال
سألته عن الرجل والمرأة مختضبان يصليان وهما بالحناء والوسمة؟ فقال: إذا أبرز الفم والمنخر فلا بأس. [الثالث] يجوز للرجل أن يصلي ويداه
تحت ثوبه وإن أخرجهما كان أولى لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن الرجل يصلي ولا يخرج يديه من
ثوبه فقال: إن أخرج يديه فحسن وإن لم يخرج فلا بأس ولا يعارض هذا ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته
عن الرجل يصلي ويدخل يده في ثوبه؟ قال: إن كان عليه ثوب أو إزار وسراويل فلا بأس وإن لم يكن فلا يجوز له ذلك وإن أدخل يدا واحدة
ولم يدخل الأخرى فلا بأس أما أولا فلان رواتها ضعيفة وأما ثانيا: فلانها معارضة للأصل المقتضي للجواز وأما ثالثا فلان قوله لا يجوز
يحمل على الكراهية لاحتماله ذلك. * مسألة: ويجوز الصلاة في الثياب القطن أو الكتان وفي كل ما ينبت من الأرض من أنواع الحشيش إذا كان
مملوكا أو في حكمه وكان خاليا من النجاسة بغير خلاف بين أهل العلم. * مسألة: ولا بأس أن يصلي وفي كمه طائر إذا خاف فوته لما رواه ابن
بابويه عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر (ع) عن الرجل يصلي وفي كمه طير؟ فقال: إن خاف عليه ذهابا فلا بأس ويجوز أن يصلي
وفي فيه الخرز واللؤلؤ إذا لم يمنعه من القراءة ويحرم لو منع عملا بالأصل وقضية للشرط وهو القراءة في الثاني ولما رواه ابن بابويه عن
علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى (ع) عن الرجل هل يصلح له ان يصلي وفي فيه الخرز واللؤلؤ قال: إن
كان يمنعه من قراءته فلا وإن كان
لا يمنعه فلا بأس. * مسألة: ويكره الصلاة للرجل أن يصلى وهو معقص الشعر ولا بأس به للمرأة وقال الشيخ يبطل به الصلاة. لنا:
الأصل الجواز وعلى الكراهية ما ظهر مزيله الخلاف فالاحتراز عنه تحفظا من الوقوع في المحرم أولا احتج الشيخ بما رواه عن مصادف عن أبي عبد الله
(ع) في رجل صلى صلاة فريضة وهو معقص الشعر؟ قال: يعيد صلاته، والجواب بعد تسليم صحة السند أنه محمول على الاستحباب والعقص الضفر قال في
الصحاح عقص الشعر ضفره وليه على الرأس كالكمه وقد قيل أن المراد بذلك ضفر الشعر وجعله كالكنة في مقدم الرأس على الجبهة فعلى هذا
يكون ما ذكره الشيخ حقا لأنه يمنع من السجود. * مسألة: ولا بأس أن يصلي الانسان وعلى ثوبه شئ من شعره أو أظفاره وإن لم ينفضه لأنهما
طاهران لا مانع من استصحابهما ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن ريان قال كتبت إلى أبي الحسن (ع) هل يجوز الصلاة في ثوب يكون
فيه شعر من شعر الانسان وأظفاره من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه فوقع يجوز.
[البحث الثالث] في ستر العورة، والنظر في
الساتر والعورة وأحكام الخلل والساتر قد تقدم فها هنا مطلبان. {الأول} في العورة، * مسألة: اجمع علماء الاسلام على أن
ستر العورة واجب في الصلاة واختلفوا في فصلين، أحدهما: هل هو شرط أم لا؟ والثاني: أن العورة ما هي؟ أما الأول: فقد أجمع علماؤنا على أنه شرط في
الصلاة كما أنه واجب وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وقال بعض أصحاب مالك أنه شرط مع الذكر دون النسيان وقال باقي أصحابه أنه واجب فليس
شرطا. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار رواه أبو داود والترمدي ومن طريق الخاصة ما رواه
235

الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (ع) قال كتبت إليه أسأله عن رجل كان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم يدر أيهما هو وحضرت
الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يصلي فيهما جميعا والامر للوجوب فلو لم يكن ستر العورة شرطا وإلا لما أوجب عليه الصلاة الأخرى
وفي الاستدلال به نظر والأقوى في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن قوم صلوا جماعة
وهم عراة؟ قال: يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس وجه الاستدلال به أن القيام واجب وشرط في الصلاة على ما يأتي وقد جاز
تركه مع عدم اللباس فمع وجوده يكون واجبا فالستر شرط في القيام الذي هو شرط في الصلاة وفي الحسن عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) رجل خرج من سفينته
عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه؟ فقال: يصلي إيماء وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وإن كان رجلا وضع يده على سوئته ثم
يجلسان فيوميان إيماء ولا يركعان ولا يسجدان فيبدوا ما خلفهما يكون من صلاتهما إيماء برؤسهما واحتج المخالف بأن وجوب الشرعية مختص بالصلاة
فلم يشترط لها كقضاء الدين عند الطلب. والجواب: ألا قياس مع وجود النص على أنا نمنع من ثبوت الحكم في الأصل فإن الصلاة إذا فعلت في أول وقتها
مع المطالبة للقادر بطلت. وأما الثاني: فالذي عليه أكثر علمائنا أن عورة الرجل قبله ودبره وذكره الشيخان والسيد المرتضى وأتباعهم وبه
قال أحمد في إحدى الروايتين وداود بن أبي ذنب وقال ابن البراج من علمائنا العورة ما بين السرة والركبة وجعل المرتضى رواية وبه قال مالك
والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى وأصحاب الرأي وأكثر الفقهاء. لنا: ما رواه الجمهور عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله يوم خيبر جر الإزار
عن فخذه حتى كأني أنظر إلى بياض محمد النبي صلى الله عليه وآله رواه البخاري وعن عائشة قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته كاشفا
فخذيه فاستأذن أبو بكر فإذن له وهو على ذلك ثم استأذن عمر وهو يدل على أنه ليس بعورة ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه
عن الصادق (ع) قال الفخذ ليس من العورة وما رواه الشيخ عن محمد بن حكم قال الميثمي لا أعلمه إلا قال رأيت أبا عبد الله (ع) أو من رآه
متجردا وعلى عورته ثوب فقال إن الفخذ ليست من العورة وعن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الماضي (ع) قال: العورة
عورتان القبل والدبر مستورة بالأليتين فإذا ستره القضيب والبيضتين فقد سترت العورة ولان ما عداهما ليس محل الحدث فلا يكون
عورة كالساق احتج المخالف بما رواه أحمد عن حين (جرهد) أن رسول الله صلى الله عليه وآله رآه قد كشف عن فخذه فقال غط فخذك فإن الفخذ
من العورة ولما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي (ع) لا تكشف فخذك فلا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت وعن أبي أيوب الأنصاري
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة. والجواب: يحمل ما ذكرتموه على الاستحباب جمعا بين الاخبار.
فروع: [الأول] الحر والعبد في ذلك سواء لعموم الأحاديث فيهما. [الثاني] الركبة ليست من العورة ذهب إليه علماؤنا وهو
قول مالك وأحمد والشافعي وقال أبو حنيفة أنها من العورة وهو قول بعض الشافعية. لنا: ما رواه أبو أيوب في قول النبي صلى الله عليه وآله فوق
الركبة من العورة وذلك يدل على أنها ليست من العورة ولان الركبة حد العورة عندهم فلا يكون منها كالسرة احتج أبو حنيفة لما روي
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الركبة من العورة. والجواب: أن رواية أبو الجنوب وفي أهل النقل لا يثبتونه (يوثقونه). [الثالث] السرة ليست
من العورة وبه قال أحمد ومالك وأبو حنيفة وقال الشافعي أنها من العورة. لنا: رواية أبي أيوب من قوله (ع): أسفل السرة من العورة وهو يدل
على أنها عورة وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله كان يقبل سرة الحسين (ع) وقبل أبو هريرة سرة الحسن (ع)
ولو كان من العورة لما وقع ذلك. * مسألة: وجسد المرأة البالغة الحرة عورة بلا خلاف بين كل من يحفظ عنه العلم لقول
النبي صلى الله عليه وآله المرأة عورة رواه الجمهور وقال الترمذي أنه حديث حسن ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة
قال سألت أبا جعفر (ع) عن أدنى ما يصلي فيه المرأة قال درع وملحفة فتسترها على رأسها ويحال بها ولان النظر إلى كل جزء منها متعلق
الشهوة فأشبه العورة. فروع: [الأول] لا يجب ستر الوجه في الصلاة وهو قول كل من يحفظ عنه العلم حرة كانت المرأة أو أمة
بالغة أو صغيرة ولقوله تعالى: (ولا تبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال ابن عباس الوجه والكفين ولأنه يجب بدله في الاحرام فلم يكن
من العورة. [الثاني] قال علماؤنا الكفان بمنزلة الوجه وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى
أنهما عورة يجب سترهما. لنا: قوله تعالى: (إلا ما ظهر منها) وهو يتناول الكفين في قول ابن عباس ولأنها تشد الحاجة إليها وفي الاخذ والعطاء
كالوجه في البيع والشراء فلا يحرم كشفهما في الصلاة كالوجه ولأنه يحرم سترهما بالعقارين في حال الاحرام كما يحرم ستر الوجه بالنقاب احتج المخالف بقوله (ع) المرأة عورة والجواب أنه
خرج عنه الكفان كما خرج عنه الوجه للاشتراك في الحاجة. [الثالث] قال الشيخ لا يجب عليهما ستر ظهر القدمين وبه قال أبو حنيفة وقال
الشافعي ومالك واحمد يجب سترهما لنا انما يظهر ان غالبا فأشبها الكفين والوجه ولان ظهورهما ليس بفاحش وكانا أولى بالخص من
الوجه ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: قلته أما ترى للرجل يصلي في قميص واحد؟ فقال: إذا
كان كثيفا فلا بأس والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا يعني إذا كان سترا، وجه الاستدلال لأنه (ع) اجتزأ في
236

حق المرأة بالدرع والمقنعة والدرع القميص قاله صاحب الصحاح وليس القميص غالبا ساترا لظهر القدمين احتجوا بقوله (ع): المرأة
عورة. والجواب: التخصيص كما تقدم. [الرابع] يستحب لها أن يستر سائر جسدها بثلاثة أثواب درع وقناع وإزار ذهب إليه العلماء كافة
لأنه زيادة في الستر ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة تصلي في درع وخمار؟
فقال: يكون عليها ملحفة يضمها عليها وعن ابن أبي يعفور قال قال أبو عبد الله (ع): تصلي المرأة في ثلاثة أثواب إزار ودرع وخمار.
[الخامس] لا نعرف خلافا في استحباب الإزار وأنه ليس بواجب روى الجمهور عن أم سلمة أنها قالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله (يصلى) في
درع وخمار وليس عليها إزار؟ فقال: نعم، إذا كان سائغا تغطي ظهور قدميها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر (ع) قال: والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة وما رواه ابن بابويه عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (ع) قال: صلت فاطمة
(صل) في درع وخمارها على رأسها ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها. [السادس] روى الشيخ في الموثق عن غياث بن
إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (عل) قال: لا تصلي المرأة. * مسألة: ويجزي للأمة والصبية بستر الجسد ولا يجب عليهما ستر الرأس
وأجمع علماء الأمصار على ذلك إلا الحسن البصري فإنه أوجب الخمار للأمة إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه. لنا: الاجماع وخلافه لا اعتداد به وما رواه الجمهور
أن عمر كان ينهى الإماء عن التقنع روى أبو قلامة أن عمر بن الخطاب كان لا يدع أمة تتقنع في خلافته وضرب أمة لآل أنس رآها مقنعة وقال اكشفي رأسك ولا تشبهي
بالحرائر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (ع) قال ليس على الإماء أن تتقنعن في الصلاة ولا
ينبغي للمرأة أن تصلى إلا في ثوبين وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قلت رحمك الله الأمة تغطى رأسها إذا صلت؟ فقال: ليس على الأمة
قناع وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قلت الأمة تغطي رأسها؟ فقال: لا ولأنها أمة فلا يجب عليها ستر رأسها كغير المزوجة و
المتسرى بها وأما الصبية فعدم الوجوب في حقها ظاهر لسقوط التكليف عنها ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله
(ع) قال: لا بأس بالمرأة المسلمة أن تصلي وهي مكشوفة الرأس وعن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس أن تصلي المرأة المسلمة وليس
على رأسها قناع وهذا يتناول للصغيرة قطعا والكبيرة الحرة غير مرادة منه لما تقدم من الاخبار. فروع: [الأول] هل يستحب للأمة القناع
الأولى ذلك ولم أقف فيه على نص وبه قال عطا خلافا لباقي الجمهور فإنهم لم يستحبوه. لنا: أنه زيادة ستر فكان مطلوبا لأنه أنسب بالجعر والحياء
وهو مطلوب من الحرائر وأما ما احتج الباقون بأن عمر نهى عن ذلك والجواب: ان فعل عمر ليس حجة لجواز أن يكون من رأيه. [الثاني] أم الولد
كالأمة سواء كان ولدها حيا أو لا وبه قال النخعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى: يجب عليها ستر رأسها.
لنا: أنها لم يخرج بذلك عن حكم الإماء ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له الأمة تغطي
رأسها؟ فقال: لا ولا على أم الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد لا يقال الرخصة في أم الولد مشروطة بعدمه في الحديث وأنتم اخترتم الاطلاق
لأنا نقول أنه استدلال بالمفهوم وهو ضعيف على أنه يحمل على شدة استحباب ستر الرأس مع وجود الولد فلم يكن مساوية للأمة في ذلك لان المراد
الوجوب احتج المخالف بأنها لا تباع فأشبهت الحرة ولأنه قد انعقد سبب حريتها انعقادا متأكدا لا يمكن إبطاله فيحكم فيها بحكم الحرة والجواب
عن الأول: أن عدم البيع لا يقتضي زوال الملك كالموقوفة، وعن الثاني: بأن انعقاد سبب الحكم لا يثبته كالتدبير والكتابة ولأنه لا يثبت في
تحريم الوطي. [الثالث] المدبرة والمكاتبة المشروطة والمطلقة التي لم يؤد من مكاتبتها شيئا حكمها حكم الأمة لثبوت وصف الرقية
فيهن أما المكاتبة المطلقة إذا تحرر بعضها فإنها بحكم الحرة لان فيها حرمة يقتصر الستر فوجب الستر. [الرابع] الخنثى المشكل يجب عليه ستر
فرجيه إجماعا وإن كان أحدهما زائدا وهل يجب عليه ستر جميع جسده كالمرأة فيه تردد ينشأ من أصالة براءة الذمة فيصار إليها ومن العمل
بالاحتياط في وجوب ستر الجميع والأقرب الثاني لان الشرط بدون ستر الجميع لا يتعين حصوله. [الخامس]
لو صلت مكشوفة الرأس و
أعتقت في أثناء الصلاة قال الشيخ في المبسوط ان قدرت على ثوب تغطي رأسها وجب عليها أخذه وتغطية الرأس وإن لم يتم لها ذلك إلا بأن
تمشي خطأ قليلا من غير أن تستدبر القبلة كان مثل ذلك وإن كان بالبعد منها وخافت فوات الصلاة واحتاجت إلى استدبار القبلة
صلت كما هي وليس عليها شئ ولا تبطل صلاتها وقال في الخلاف: تستمر على صلاتها وأطلق وقال الشافعي: ان كان بقربها ثوب أخذته وسترت
به رأسها وكذا لو كان بعيدا وحصل (المتأول) المطلوب ولو تطاولت المدة ففيه وجهان أحدهما: تبطل صلاتها، والآخر: لا تبطل وإن احتاجت
أن يمشي إليه مشت وقال أبو حنيفة: تبطل صلاتها وما ذكره في المبسوط هو الأقرب عندي أما لو لم تخف فوت الصلاة ولم تتمكن من الستر
إلا بفعل كثير فعلى قوله في الخلاف يستمر على الصلاة لأنها دخلت دخولا مشروعا وعندي فيه تردد. [السادس] لو لم تعلم بالعتق حتى
أتمت صلاتها مكشوفة الرأس صحت لأنها فعلت المأمور فأجزأها خلافا لبعض الجمهور. [السابع] لو علمت بالعتق ولم تعلم لوجوب الستر لم
تكن معذورة في ذلك. [الثامن] لو أعتقت في أثناء الصلاة ولم تقدر على ستر الرأس مضت في صلاتها بإجماع علماء الأمصار
237

لان الستر عليها حينئذ غير واجب للعجز فأشبهت الحرة الأصلية العاجزة. [التاسع] لو بلغت الصبية في أثناء الصلاة فإن كان بما يبطلها كالحيض
أفسدت الصلاة وإن كان بالزمان فهي كالأمة. [العاشر] لا يجوز للأمة كشف ما عدا الوجه والكفين والقدمين والرأس ذهب إليه علماؤنا
وقال الشافعي: ان حكمها حكم الرجل. لنا: ان الرخصة وردت في الرأس فيبقى الباقي على الأصل ولان ما عدا ما ذكرناه لا تظهر عادة ولا يدعو
الحاجة إلى كشفه فأشبه ما بين السرة والركبة احتج الشافعي بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا زوج أحدكم عبده أمة أو أجيرة فلا ينظر
أي شئ من عورته فإنه ما تحت السرة إلى الركبة من العورة يريد به الأمة فإن الأجير والعبد لا يختلف بالتزويج وعدمه. والجواب: أن استدلاله
بالمفهوم وهو ضعيف. [المطلب الثاني] في أحكام الخلل، * مسألة: الفاقد للساتر لا يسقط عنه فرض الصلاة وهو
مذهب علماء الاسلام لأنه شرط للصلاة حال المكنة فلا يسقط المشروط مع العجز كالاستقبال ولو وجد جلدا طاهرا أو حشيشا يمكنه أن
يستر به وجب لأنه قادر على الساتر ولو وجد طينا وجب عليه أن يستر به بأن يطلي عورته وهو قول بعض الشافعية خلافا لبعض الجمهور. لنا: أنه
متمكن من الساتر بقدر الامكان فيكون واجبا ويؤيده ما رواه الخاصة عن الصادق (ع) أنه قال: النورة ستر احتج المخالف بأنه متناثر و
عنه إذا جف وفيه مضرة ولا يستر الخلقة. والجواب: التناثر بعد الستر غير مسقط للوجوب كما لو وجد ثوبا يستر به ويعلم ذهابه في أثناء الصلاة
فإنه يجب عليه الاستتار به ولأنه نوع استتار فيجب في بعض الصلاة كما يجب مع الجميع والمشفقة ببقية ولم يعتبرها الشارع في كثير من المواضع وستر
الخلقة مع العجز غير واجب. * مسألة: ومع عدم الساتر قال علم الهدى (ره): يصلي قاعدا بالايماء وبه قال ابن عمر وعطا وعكرمة وقتادة
والأوزاعي وأصحاب الرأي وأحمد وقال الشيخان: يصلي جالسا إن كان بحيث يراه أحد وإلا قائما ويومي لركوعه وسجوده وقال مالك والشافعي:
يصلي قائما بركوع وسجود والأقرب ما قاله الشيخان. لنا: أنه مع حاله إلا من الرأي متمكن من القيام فيجب عليه والمانع وهو كشف العورة لا يظهر أثره مع
الامن فلا يعتد به أما مع الخوف من المطلع فإنه يجب عليه الاستتار ولا يتمكن إلا الجلوس والايماء فيكون واجبا ويؤيده ما رواه الشيخ عن ابن
مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يخرج عريانا فيدركه الصلاة قال يصلي عريانا إن لم يره أحد فإن رآه أحد صلى
جالسا وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فيبقى عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال: إن
أصاب حشيشا ستر به عورته أتم صلاته في الركوع والسجود وإن لم يصب شيئا ستر به عورته أومى وهو قائم احتج السيد المرتضى بما رواه الشيخ
في الحسن عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه؟ فقال: يصلي إيماء وإن كانت امرأة
جعلت يدها على فرجها وإن كان رجلا وضع يده على سؤته ثم يجلسان فيوميان إيماء ولا يركعان ولا يسجدان فتبدوا ما خلفهما يكون من صلاتهما
إيماء برؤسهما وعن سماعة قال سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض ليس عليه إلا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: تيمم
ويصلي عريانا قاعدا ويومي ومثله رواه عن محمد بن علي الحلبي واحتج من وافقه من الجمهور بما روي عن ابن عمر في قوم انكسرت مراكبهم فخرجوا
عراة؟ قال: يصلون جلوسا يؤمون إيماء برؤوسهم ولان الستر أكد من القيام لأنه لا يسقط مع القدرة بخلاف القيام الساقط في النافلة
ولعدم اختصاص الستر بالصلاة واختصاص القيام بها فترك القيام الأخف أولى واحتج الشافعي بما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال صل قائما فإن لم تستطع فجالسا ولأنه مستطيع للقيام فلم يجز له تركه كالقادر على الساتر. والجواب عن الأول: أنه محمول على حالة خوف
المطلع لأنه مطلق وحديثنا مفصل فيحمل عليه وهو الجواب عن الحديث الثاني على أن في طريقه قول وهو غير مستند إلى إمام، وعن الثالث:
بأن قول ابن عمر ليس حجة إذ لم يسند إلى النبي صلى الله عليه وآله ولانا نقول بموجبه إذ مع الجماعة يصلي العاري جالسا، وعن الرابع بالمنع
من أولوية الستر فإن القيام جزء من الصلاة والاستتار شرط والجزء من العبادة أولى بالتحصيل من شرطها ولو سلم لكن مع ترك القيام
لا يحصل الستر كله لان العورة عندهم من السرة إلى الركبة فلا نفي الحاصل من الستر ترك الفتنة، وعن الخامس إنا نقول بموجبه لأنه حالة
الامن متمكن من القيام فيجب عليه في حالة الخوف (خوف) المطلع يجب عليه ستر عورته وهو غير ممكن إلا بالجلوس فيجب فيسقط القيام للعجز الشرعي
وهو الجواب عن السادس. فروع: [الأول] لو صلى العاري على ما أمر به لم يجب عليه الإعادة عند وجود الساتر ولا نعلم فيه خلافا
لأنه أتى بالمأمور به والامر لا يقتضي التكرار ويقتضي الاجزاء. [الثاني] لو صلى على غير ما أمر به بأن يصلي في حالة الخوف قائما بركوع
وسجود فالوجه الإعادة وإن لم ير أحدا لأنه لم يأت بالمأمور به خلافا لأصحاب الرأي. [الثالث] لو انكشفت عورته في أثناء الصلاة
ولم يعلم صحت صلاة لأنه مع عدم العلم غير مكلف ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألت عن
الرجل يصلي وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه الإعادة؟ قال: لا إعادة عليه وقد تقدمت صلاته. [الرابع] لو علم بانكشاف عورته في أثناء
الصلاة سترها ولم تبطل صلاته تطاولت المدة قبل علمه أو لم تطل كثيرا كان الكشف أو قليلا وسوى أدى ركنا من الصلاة حالة الكشف
أو لم يؤد وقالت الحنفية ان أدى ركنا مع الانكشاف ثم ستر فسدت صلاته ولو لم يؤد شيئا لكنه مكث مقدار ما يمكنه أداء ركن ثم
238

ستر فعند أبي يوسف يعيد صلاته خلافا لمحمد. لنا: ان التكليف منوط بالعلم ولم يحصل فلا تكليف ولما رواه علي بن جعفر وقد سلف احتج أبو يوسف
بأنه كشف العورة مع المكنة فلا يصح صلاته. والجواب: المكنة ممنوعة. [الخامس] لو انكشف ربع عورته أو أقل أو أزيد وتمكن من الساتر ولم
يفعل بطلت صلاته وقال أبو يوسف انكشاف ربع العورة لا يمنع جواز الصلاة وفي النصف روايتان. لنا: أن الواجب ستر الجميع ولا يحصل إلا
ستر أبعاضه. [السادس] لو صلى قائما أو جالسا على ما قلناه من التفصيل ينبغي له أن يتضام ويستر مهما أمكن ولا يربع في حالة جلوسه
لأنه إظهار للعورة. [السابع] لو وجد حفيرة دخلها وصلى قائما بركوع وسجود خلافا لبعض الجمهور. لنا: ان الستر عن المشاهد يحصل وهو واجب
ويؤيده ما رواه الشيخ عن أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: العاري الذي ليس له ثوب إذا وجب حفرة
دخلها فيسجد فيها ويركع احتج المخالف بأنها لا يلتصق بجلده فهي كالجدار والجواب: المساواة بين المقيس والمقيس عليه عندنا. [الثامن]
لو وجد وحلا أو ماء كدرا لو نزله يستره لم يجب عليه ذلك لان فيه مشقة وضررا ولو اعتبرت المشقة فيجب النزول مع عدمها وعدم النزول مع
وجودها كان حسنا. [التاسع] لو وجد سترة يستتر بها كالبارية ونحوها لم يلزمه الاستتار بها لان الضرر قد يحصل بدخول القصيب في جلده
ولأنه لا يحصله مع كمال الركوع والسجود. [العاشر] لو وجد ما يستر به إحدى العورتين وجب سترها وصلى كما يصلي العاري لان ستر العورتين
واجب فلا يسقط وجوب إحديهما بفوات الأخرى لا يقال الواجب ستر المجموع والبحث ليس فيه بل في إفراده لأنا نقول أن وجوب ستره يستلزم
وجوب ستر كل واحد من اجزائه لأنه لا يتم المجموع إلا به وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولان وجوب ستر كل واحد من العورتين ليس مشروطا
بوجوب ستر الأخرى لأنه إن عكس فدورا وإلا فترجيح من غير مرجح ولا بحصوله لا على تعب الوجوب وإلا لجاز ترك كل واحد منهما لاشتراطها بشرط
غير واجب التحصيل إذ ثبت هذا فنقول هل يتخير في ستر أيهما شاء أم لا؟ قال قوم يتخير لعدم الأولوية وقال آخرون الأولى له ستر الدبر
لأنه أفحش ويتفرج في الركوع والسجود وقال آخرون القبل أولى لأنه يستقبل به القبلة والدبر مستور بالأليتين والأخير عندي أقرب لان
ركوعه وسجوده بالايماء. [الحادي عشر] قال الشيخ في المبسوط لا بأس أن يصلي الرجل في ثوب وإن لم يبرز جيبه فإن كان في الثوب خرق لائحا
ذي العورة لا بأس به وإن حاذى العورة لم يجز قال ولا بأس أن يصلي الرجل في قميص واحد وأزراره محلولة
واسع الجيب كان أو ضيقه دقيق الرقبة كان أو غليظها كان تحته مئزر أو لم يكن وقد روى حل الإزار عن زياد بن سوقة قال قال أبو جعفر
(ع): لا بأس أن يصلي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محللة ان دين محمد صلى الله عليه وآله حنيف وروى ابن بابويه قال قال أبو بصير
لأبي عبد الله (ع) ما يجزي الرجل من الثياب أن يصلي فيه فقال صلى الحسين بن علي (صل) في ثوب قد قلص عن نصف ساقه
وقارب ركبتيه ليس على منكبه منه إلا قدر جناحي الخطاف وكان إذا ركع سقط عن منكبيه وكلما سجد؟ بدا؟ له عنقه فرده على منكبيه بيده
فلم يزل ذلك دأبه مشتغلا حتى انصرف وذلك أوسع من الجيب ولو كان الجيب واسعا تظهر له عورته لو ركع لم يجب ستر ذلك عن نفسه وكانت صلاته
ماضية لان المقصود تحريم نظر غيره ويؤيده ما رواه الشيخ عن رجل عن أبي عبد الله (ع) قلت يقولون الرجل إذا صلى و
أزراره محلولة ويداه داخلة القميص إنما يصلي عريانا؟ قال: لا بأس. * مسألة: ولا يجب على العاري تأخير الصلاة إلى آخر الوقت ذهب
إليه الشيخ وأكثر علمائنا وقال السيد المرتضى وسلار أنه يجب عليه تأخير الصلاة إلى آخر الوقت. لنا: أنه مأمور بالصلاة في أول وقتها
لقوله تعالى: (وأقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) وهو مطلق يتناول العاري كما يتناول غيره ولان الاخبار دالة على أن العاري
إذا لم يجد ما يستر به العورة يصلي بالايماء فلو كان التضييق في الوقت واجبا لما أهمل احتج السيد المرتضى بأن الشرط ستر العورة وهو غير حاصل
ويمكن حصوله فيجب التأخير رجاء حصوله كالتيمم. والجواب: ان ستر العورة شرط مع التمكن أما مع عدمه فلا ولا يجوز تعلق الذمة
بالوجوب لامكان الحصول لمنافاته للأصل من غير دليل والقياس على التيمم باطل والحكم في الأصل ممنوع. فروع: [الأول]
لو غلب على ظنه وجود الساتر في أثناء الوقت فالوجه وجوب التأخير لأنه يمكنه تحصيل الصلاة بشروطها فيجب. [الثاني] لو وجد
من يعيره ثوبا يستر به عورته وجب عليه قبوله لأنه متمكن من الستر فيجب أما المعير فلا يجب عليه الإعادة لأنه لا دليل على ذلك مع أنه قد يتضرر
بالإعادة أما لو وجد من يهبه الثوب قال الشيخ يجب عليه القبول خلافا لبعض الجمهور وقول الشيخ جيد لأنه متمكن فيجب كما يجب عليه قبول العارية
احتج المخالف بأنه يلحقه المنة وجوابه العار الذي يلحقه بسبب انكشاف عورته أعظم من المنة التي يلحقه بقبول الهبة. [الثالث] لو وجد من
يبيعه ثوبا ومعه الثمن وجب عليه الشراء إذا لم يستضر ببذل الثمن في الحال لأنه متمكن هذا إذا باع بثمن مثله أما لو باعه بأزيد من
ثمن المثل فالوجه إن كانت الزيادة يجحف به لم يجب عليه الشراء والا وجب كالماء في الوضوء والأصل في ذلك كله مراعاة الضرر فمعه
لا وجوب إجماعا. [الرابع] لو لم يجد إلا ثوبا نجسا تخير في الصلاة فيه وعريانا وهو اختيار أبي حنيفة وقد سلف البحث في ذلك.
[الخامس] لو لم يجد إلا ثوبا مغصوبا صلى عريانا لان الحق هذا الآدمي فأشبه الماء المغصوب فإنه يتركه المصلي ويتيمم. [السادس]
239

لو لم يجد إلا ثوب حرير أو جلد ما لا يؤكل لحمه وجلد ميتة لم يصل فيها وصلى عاريا وقال الشيخ في المبسوط فإن لم يجد ثوبا يستر العورة ووجد جلدا
طاهرا أو ورقا أو قرطاسا يمكنه أن يستر به عورته وجب وهذا يدل على أن مقصوده بالجلد المذكور جلد ما لا يؤكل لحمه لان جلد ما يؤكل لحمه لا
يشترط في لبسه فقدان الثوب ويمكن أن يكون حجته أنه متمكن من الستر وهو شرط فيجب. ولنا: أنه منهي عن الصلاة في هذه الأشياء على
الاطلاق فأشبه جلد الميتة عنده أما مع الضرورة إلى لبسه لخوف البرد مثلا فإنه يصلي فيه ولا إعادة عليه. * مسألة: ولو وجد العاري
ما يستر به عورته كالوزرة والستر وإلى صلى فيه ولا يجب عليه أن يطرح على عاتقه شيئا ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي ومالك
وأصحاب الرأي وقال أحمد يجب أن يطرح المصلي على عاتقه شيئا من اللباس. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا كان
الثوب صفيقا فاشدده على حقويك ولان ستر العورة قد حصل فلا يجب عليه الزائد ولأنهما ليسا من العورة فأشبها بقية البدن احتج أحمد
بما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس لها عاتقه شئ منه وعن بريدة قال: نهى النبي
صلى الله عليه وآله أن يصلي في لحاف ولا يتوشح به وأن يصلي في سراويل ما ليس عليه داء والجواب: أنه محمول
على الاستحباب على أنهما يدلان على ما لا يذهب إليه أحمد لان الأول دل على أن الساتر من الثوب ولم يشترط أحمد والثاني دل التوشيح بالساتر أيضا ولا يشترط
أحمد على الرد ولا يشرط جماعة من أصحابه. فروع: [الأول] ستر المنكبين وإن لم يكن واجبا لكنه مستحب أن النبي صلى الله عليه وآله
صلى كذلك دائما ويؤيده ما رواه الشيخ عن علي بن حديد عن جميل قال سئل مرازم أبا عبد الله (ع) وأنا حاضر معه عن الرجل الحاضر يصلي
في إزار مؤتزرا به قال: يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يعودى؟؟ به. [الثاني] لو لم يجد ثوبا يطرحه على عاتقه طرح عليه مهما كان ولو حبلا
استحبابا لما رواه الجمهور عن إبراهيم قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا لم يجد أحدهم ثوبا ألقى على عاتقه عقالا وصلى
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سأل أبو عبد الله (ع) عن رجل ليس معه إلا سراويل؟ قال: يحل
التكة منه فيطرحها على عاتقه ويصلي، قال: فإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائما وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد
الله (ع) قال: إذا لبس السراويل جعل على عاتقه شيئا ولو حبلا. [الثالث] لا يجب ستر المنكبين إجماعا بل يكتفي في الاستحباب عندنا وفي الوجوب
عند المخالف لوضع ثوب على أحد عاتقيه وإن حكى ما تحته. [الرابع] الأقرب الاكتفاء في الاستحباب أو الوجوب عند المخالف مهما أمكن
كالحبل وشبهه لما رواه الجمهور عن جابر أنه صلى في ثوب واحد موشحا قال الراوي كأني أنظر إليه كان على عاتقه ذنب فأرة ومن طريق الخاصة
رواية ابن بابويه عن الحسين (صل) أنه صلى في ثوب واحد ليس على منكبه منه إلا قدر جناحي الخطاف. [الخامس] لا فرق بين
فرائض الصلوات ونوافلها في ذلك لعموم الأخبار الدالة على الاستحباب. * مسألة: قد ذكرنا أن مع انكشاف العورة أو بعضها والتمكن
من الاحتراز عنه لو صلى بطلت صلاته لأنه أخل بشرط وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأحمد لو انكشف من العورة شئ الستر لم تبطل صلاته
لما روى عن عمر بن سلمة الحرمي قال انطلق بي واحدا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر من قومه فعلمهم الصلاة فقالوا يا مسلم أقرؤكم وكنت
أقرأهم فقدموني فكتب لأمهم وعلي برده إلى صغير أصغر فكتب إذا سجدت فيها خرجت اسي فقال امرأة من النساء وأورعنا عورة فأريكم فاشتروا
في قميصا علمائنا فها فرجت شئ بعد الاسلام فرجى به والجواب أنه عمل بعض الصحابة وقد بينا أنه ليس حجة ولأنه يدل على ظهور عورته المغلظة وأبو
حنيفة لا يجوز هذا بل يعتبر فيها ظهور قدر الدرهم فيبطل الصلاة بظهور ما زاد ويعتبر في الحقيقة الربع فما يذهب إليه ليستدل عليه لا يقول به فكيف
يصلح له الاستدلال به. * مسألة: يستحب الجماعة للعراة ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال قتادة وأحمد وقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي يصلون
فرادى وبه قال الشافعي في القديم وقال أيضا الجماعة والانفراد سواء وقال مالك ويتباعد بعضهم من بعض وإن كانوا في ظلمة صلوا جماعة و
تقدمهم إمامهم. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: صلاة الرجل في الجمع يفضل صلاته وحده سبع وعشرين درجة ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: الصلاة في جماعة يفضل على صلاة الفرد بأربعة وعشرين
درجة يكون خمسة وعشرين صلاة وذلك مطلق في حق العاري والمكتسي؟ فيهما؟ أولهما بمفهومه ولأنه قدر على الصلاة جماعة من غير ضرر فأشبه
المستترين. فروع: [الأول] اختلف علماؤنا في كيفية صلاتهم جماعة مع اتفاقهم على أنهم يصلون جلوسا فالذي اختاره الشيخ
ان الامام يتقدمهم ركبتيه ويركع ويسجد بالايماء والمأمومون يركعون ويسجدون كالمستترين والذي ارتضاه المفيد والسيد المرتضى أن صلاة
المأمومين كصلاة الامام بالايماء في الركوع والسجود احتج بما رواه عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله
(ع) قوم قطعت عليهم
الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال: يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيومي الايماء بالركوع
والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم وادعى ابن إدريس الاجماع على ما ذهب إليه السيد المرتضى وهو جهل ومسخف والأولى
العمل على الرواية لا يقال أنه قد ثبت أن العاري مع جود غيره يصلي بالايماء لأنا نقول إنما يثبت ذلك فيما إذا جاز من المطلع وهو مفقود
240

هنا إذ كل واحد منهم مع سمت صاحبه لا يمكنه أن ينظر إلى عورته حالتي بالركوع والسجود. [الثاني] لو كان العراة نساء استحب لهم الجماعة وفعلوا كما
يفعل الرجال عملا بالعموم وهو اختيار علمائنا أجمع ومذهب الشافعي وأحمد خلافا لمالك وأصحاب الرأي. [الثالث] لو تكثرت الجماعة
بحيث لا يسعهم الصف الواحد فالوجه أنهم يصلون صفوفا ولكن يركعون ويسجدون بالايماء خوفا من الاطلاع. [الرابع] إذا اجتمع الرجال
والنساء فإن قلنا بتحريم المحاذاة لم يجمعوا جميعا بل تصلي الرجال أولا ثم النساء ولو قيل بجواز ذلك ويكون النساء خلف الرجال كما قلنا في
الجماعة الكثيرة كان وجها وإن قلنا بالكراهية جاز أن يقف صفا واحدا. [الخامس] لو كان معهم من له ثوب صلى فيه قائما بركوع وسجود واجبا
لأنه قادر على السترة فإن أعاره وصلى عريانا لم يصح صلاته وإذا صلى فيه استحب له أن يعيره لأنه مساعدة على الطاعة فيدخل تحت قوله: (وتعاونوا
على البر والتقوى) ولا يجب إعارته لأنه يعود بالضرورة عليه من غير حاجة شديدة بخلاف الانعام الفاضل عن شبعه فإنه يجب بذله لمن يخاف تلفه ويجب
على المبذول له القبول لامكان الشرط فيصلي فيه واحدا بعد واحد ولا يجوز لهم الصلاة عراة ولا الصلاة جماعة مع سعة الوقت ويجوز مع الضيق يؤم
صاحب الثوب ومن يعيره إياه بالعراة ولا يأتم هو بهم. [السادس] قال الشيخ لو بذل لهم صاحب الثوب ثوبه وخافوا فوات الوقت صلوا عراة ولا
يجوز لهم الانتظار وقال الشافعي يتوقفون وإن خرج الوقت. لنا: انه مخاطب بالصلاة في هذا الوقت فلا يجوز له إخلاؤه عنها والشرط يسقط
اعتباره بأخذ التمكن من تحصيله في الوقت احتج المخالف بأنه قادر على تحصيل الشرط فلا يصح الصلاة بدونه كواجد الماء لا يتيمم وإن خاف فوت
الثوب والجواب: الفرق فإذا تيمم مع وجود الماء ليس بطهارة. [السابع] لو كان صاحب الثوب أميا مع عراة قرأ وامتنع من الإعارة لم يؤمهم لأنه
أمي ولم يأتم بهم لأنه قائم وهم قعود. [الثامن] لو ضاق الوقت وأراد إعارته استحب له أن يعير القارئ ليأتم به الأمي العاري ويجوز له أن يعير غيره
ويكون حكمه ما تقدم. [التاسع] لو استوى استحب له أن يعيره بالقرعة فمن خرجت له فهو أولى بالتخصيص وكذا لو لم يكن الثوب لواحد منهم.
[العاشر] لو كان معهم نساء عراة فلصاحب الثوب أن يخصص من شاء ويستحب له أن يخصص النساء بذلك لان عورتهن أفحش وأكد في
الستر وإذا صلين أخذه الرجال.
[الفصل الخامس] في المكان وفيه مباحث {الأول}، فيما يحرم الصلاة فيه * مسألة:
أجمع كل من يحفظ عنه العلم على تحريم الصلاة في المكان المغصوب مع العلم بالغصبية وقال أحمد يجوز صلاة الجمعة خاصة في الموضع المغصوب.
لنا: انه تصرف في ملك الغير وهو قبيح عقلا احتج أحمد بأن الجمعة يؤدي في موضع معين فإذا صلاه الامام في الموضع المغصوب فإن امتنع الناس
من الصلاة فيه فاتتهم الجمعة والجواب: ان الامام عندنا يستحيل منه وقوع الجمعة في المكان المغصوب لأنه عدل لا يفعل القبيح. * مسألة:
وذهب علماؤنا إلى بطلان الصلاة فيه وهو مذهب أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم وأحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وقال الشافعي
في موضع آخر أنها يصح فيه وإن كانت محرمة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك. لنا: أنها صلاة منهي عنها والنهي يدل على الفساد في العبادات
احتج المخالف بأن النهي لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها كما لو صلى وهو يرى غريقا يمكن إبقاؤه فلم ينقذه أو حريقا يقدر على إطفائه فلم يطفه
أو مطل غريمه الذي يقدر على إيفائه وصلى ولان النهي لا يدل على الفساد كالنهي عن الوضوء في المكان المغصوب وعن إزالة النجاسة بالماء المغصوب
والجواب عن الأول: أن الصلاة مركبة من الأشياء من جملتها القيام والقعود وهو منهي عنها فكان النهي متناولا للصلاة بخلاف الحريق لأنه
ليس بمنهي عن الصلاة بل هو مأمور بإطفائه وإنقاذ الغريق وإيفاء الدين وبالصلاة إلا أن أحدهما أكد من الآخر وفي صورة النزاع
أفعال الصلاة منهي عنها فالفرق بين، وعن الثاني: بالفرق بين الوضوء في المكان المغصوب والصلاة فيه فإن الكون ليس جزء من الوضوء
ولا شرطا وهو جزء من الصلاة وإزالة عين النجاسة ليس عبادة في نفسه ما لم تقرن بالنية وإذا صح وقوعها غير عبادة أمكن مع العصيان
بها كما يزيل الكافر والصبي بخلاف الصلاة التي لا يقع إلا عبادة فلا يصح مع النهي عنها. فروع: [الأول] لو كان جاهلا
بالغصبية صحت صلاته إجماعا أما لو كان عالما بالغصبية وجاهلا بالتحريم فإنه لا يكون معذورا ولا يصح صلاته عندنا لما مر. [الثاني] لو كان مضطرا إلى الصلاة في المكان المغصوب بأن يكون محبوسا أو شبهه من المضطرين صلى في المكان
المغصوب لان التحريم يزول مع الكراهية وهل يجب عليه التأخير إلى آخر الوقت فيه خلاف بين علمائنا. [الثالث] قال الشيخ في المبسوط
لا فرق بين أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن أذن له في الصلاة فيه وهو حق إذ تصرف الغاصب لا يصح فيه مباشرة فلا يصح إذنه وقد حمل
بعض المتأخرين الاذن ههنا على أنه من المالك فاستضعف لذلك قول الشيخ وليس جيدا. [الرابع] لا فرق بين أن يغصب رقبة
الأرض بأن يأخذها أو يدعي ملكيتها أو بين أن يغصب منافعها بأن يدعي إجارتها وهو ظالم أو يضع يده عليها إلى لكن مدة (بان يملكها) وكذا
لو أخرج روشنا أو ساباطا فيه موضع لا يحل له أو يغصب سفينة ويصلي فيها أو راحلة أو يخرج أو حبا مغصوبا من سفينة ويصلي عليه
أو يصلي على بساط مغصوبة وإن كانت الأرض مملوكة الحكم في ذلك كله واحد. * مسألة: ولو أذن المالك
صحت صلاته سواء كان
المأذون له الغاصب وغيره بغير خلاف بين أهل العلم لان التحريم منوط بعدم الاذن وقد فقد. فروع: [الأول] لا اعتبار بإذن
241

غير المالك بلا خلاف. [الثاني] لو أذن المالك على الاطلاق صح لغير الغاصب الصلاة قطعا وفي الغاصب تردد أقربه عدم انصراف الاذن
إليه عملا بشاهد الحال. [الثالث] لو أذن له في الصلاة فيه صح قطعا وكذا لو أذن له الكون فيه إذ الظاهر أنه حينئذ لا يكره الصلاة فيه وكذا لو
أذن في التصرف فيه لان الصلاة نوع تصرف. [الرابع] لو دخل ملك غيره بغير إذنه وعلم بشاهد الحال أن المالك لا يكره الصلاة فيه جاز له
أن يصلى لأنه مأذون فيه عادة وعلى هذا تجوز الصلاة في البساتين والصحارى وإن لم يعرف أربابها لان الاذن معلوم بالعادة إلا أن يعرف
كراهية المالك. [الخامس] لو دخل في ملك غيره فأمره بالخروج عنه وجب ثم إذا كان الوقت واسعا لم يصل فيه لأنه يكون غاصبا وإذا ضاق صلى
وهو خارج لأنه يكون جامعا بين الواجبين وهو أولى ولا اعتبار في ذلك في القبلة ويؤمي في الركوع والسجود وهو آخذ في الخروج. [السادس]
قال أبو هاشم لو توسط أرضا مغصوبة وهو آخذ في الخروج كان غاصبا بالكون المطلق فيقضي حينئذ بالخروج لأنه متصرف بالكون فيه وباللبث
لأنه تصرف أيضا فعلى هذا القول لا يجوز له الصلاة وهو آخذ في الخروج سواء تضيق الوقت أو لا لكن هذا القول عندنا باطل لأنه يلزم فيه
التكليف بالجمع بين الضدين وأبو هاشم في هذا المقام عن التحقيق بمعزل. * مسألة: ويشترط في المكان أن يكون خاليا من نجاسة متعدية
إلى ثوب المصلي أو بدنه ذهب إليه علماؤنا أجمع لان طهارة الثوب والبدن شرط في الصلاة ومع النجاسة المتعدية يفقد الشرط أما إذا لم يتعد النجاسة
فإنه لا يشترط طهارته إلا في موضع معين من الأعضاء وهو موضع السجود على ما يأتي فيه إن شاء الله تعالى. قال الشافعي: يجب أن يكون جميع
مصلاه طاهرا حتى أنه إذا صلى لم يقع ثوبه على شئ منها رطبة كان أو يابسة فإن وقعت ثيابه على شئ منها بطلت صلاته وقال أبو حنيفة الاعتبار
بموضع قدميه فإن كان موضعهما نجسا لم يصح صلاته وإن كان ما عداه طاهرا وأما موضع السجود ففيه روايتان روى محمد: أنه يجب أن يكون موضع
السجود طاهرا وروى أبو يوسف: أنه لا يحتاج إليه لأنه إنما يسجد على قدر الدرهم من النجاسة وقدر الدرهم من النجاسة لا يمنع صحة الصلاة.
لنا: أصل الجواز وعدم التكليف ويؤيده ما رواه الجمهور عن أبي سعيد قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه
فوضعهما عن يساره فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله صلاته قال ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالينا، قال: إن
جبرئيل (ع) أتاني فأخبرني أنهما كانتا قذرين ولو كانت طهارة موضع القدمين شرطا مع عدمه كالطهارة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال سألته عن الشاذكونة يكون عليها الجنابة أصلي عليها في المحمل؟ قال: لا بأس وعن محمد بن أبي عمير قال قلت لأبي عبد
الله (ع) أصلي على الشاذكونة وقد أصابها الجنابة؟ فقال: لا بأس لا يقال يعارض هذا ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير قال سألت أبا عبد
الله (ع) عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام أيصلى عليها؟ فقال: لا لأنا نقول أن عبد الله بن بكير فطحي فلا تعويل على ما ينفرد به وأيضا يحمل
على الاستحباب احتج المخالف بما رواه عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: سبعة مواطن لا يجوز فيها الصلاة المجزرة والمزبلة والمقبرة ومعاطن الإبل
والحمام وقارعة الطريق وفوق بيت الله العتيق فذكر المجزرة والمزبلة يدل على أن المنع فيهما لأجل النجاسة فكانت الطهارة مشترطة والجواب: بعد سلامة النقل
عن الظن أن المراد ها هنا الكراهية إذ هي مرادة في حق الحمام ومعاطن الإبل وقارعة الطريق على ما ذهبوا إليه فيكون كذلك في الباقي ويستحيل إرادة
الحقيقة والمجاز من لفظ واحد والمعان المتكثرة من المشترك. فروع: [الأول] البساط كالأرض في أنه متى كان نجسا نجاسة لا تتعدى
إليه صحت الصلاة عليه خلافا للجمهور وسواء كان ما يلاقى يديه طاهرا أو نجسا وقال الشافعي إن كان الملاقي له طاهرا صحت صلاته إذا لم
تلاق ثيابه شيئا من مواضع النجاسة وإلا فسدت. لنا: ما تقدم ولا فرق بين أن يتحرك أو لا لأنه بالتحرك لا يصير حاملا فلا يبطل صلاته عندهم. [الثاني]
لو كان الموضع نجسا فبسط عليه شيئا طاهرا وصلى صحت صلاته عندنا وهو طاهر وعندهم لأنه غير مباشر للنجاسة ولا حامل لما هو متصل بها
[الثالث] لو صلى على مصلى مبطن على بطانته نجاسة فقام على ظاهره الطاهر صحت صلاته عندنا، وعند محمد خلافا لأبي يوسف. لنا: ما تقدم
ولأنه لم يستعمل النجاسة لأنها على البطانة لا على الطهارة احتج أبو يوسف بأنه ثوب واحد معنى وعرفا فصار مستعملا لكله والجواب: المنع من
الوحدة ومعها يمنع استعماله بأسره (بالمباشرة) ومعه فمنع البطلان بما بيناه أولا. [الرابع] لو صلى وقدمه فوق حبل مشدود في رقبة كلب صحت صلاته لأنه
ليس حاملا للكلب وكذا لو شد طرف الحبل في وسطه أو أمسك بيده خلافا للشافعي فإنه قال يبطل صلاته إن كان الكلب ميتا وإن كان حيا تبطل
أيضا وفيه وجه آخر عنده وهو الصحة لان له اختيارا فليس بحامل له وهذا كله عندنا ضعيف لان الحمل للملاصق ليس حملا للنجاسة وكذا لو كان الحبل
مشدودا في زورق فيها نجاسة سواء كان الحبل تحت قدمه أو مشدودا في وسطه أو كان في يده وسواء كان طرفه الآخر مشدودا في موضع نجس
من السفينة أو طاهر لا فرق بين ذلك كله عندنا. [الخامس] البارية والحصير والأرض إذا أصابها نجاسة مثل البول وجففه الشمس جازت
الصلاة عليه إجماعا ويكون طاهرا خلافا لبعض المتأخرين من أصحابنا. لنا: ان جواز الصلاة عليه يستلزم تطهيره وما رواه ابن بابويه في
الصحيح عن زرارة أنه سئل أبا جعفر (ع) عن البول ويكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه فقال: إذا جففته الشمس فصل عليه
فهو طاهر. * مسألة: وفي تحريم الصلاة الفريضة في جوف الكعبة خلاف بين علمائنا ذكرناه في باب القبلة. * مسألة: وفي تحريم الصلاة
242

إلى جانب المرأة المصلية أو خلفها قولان، أحدهما: الثبوت ذكره الشيخان والآخر: الكراهية واختاره السيد المرتضى (ره) وهو قول الشافعي وأحمد وقال
أبو حنيفة إن اشتركا في الصلاة بطلت صلاة من إلى جانبها والاشتراك عنده ان ينوي الامام إمامتها قال فإن وقفت بين رجلين حينئذ وليس الامام أحدهما
بطلت صلاة من إلى جانبيها خاصة ولا تبطل صلاة من إلى جانب من إلى جانبها لأنهما حجباهما عنها وإن صلت إلى جانب الامام بطلت صلاة
الجميع لان بطلان صلاة الامام عنده يستلزم بطلان صلاة المأمومين. لنا: عدم التحريم أن الامر مطلق بالصلاة فالتقييد ينافيه والأصل عدمه
وعلى الكراهية ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذائه في
الزاوية الأخرى قال: لا ينبغي ذلك وإن كان بينهما شبرا أجزأه يعني إذا كان الرجل متقدما للمرأة بشبر وفي الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)
قال سألته عن الرجل والمرأة يصليان جميعا في بيت واحد المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال: لا حتى يكون بينهما شبر أو ذراع أو نحوه وعن جميل بن دراج عن
أبي عبد الله (ع) في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذاه؟ قال: لا بأس ولأنها لو وقعت في غير صلاة لم تبطل صلاة الرجل وكذا لو وقعت في الصلاة
ولان المحاذاة لا يوجب فساد صلاة المراة فلا يوجب فساد صلاة الرجل وهذا يختص أبا حنيفة ولان فساد الصلاة بترك أركانها أو لوجود ما يناقضها
ولم يوجد من الرجل شئ من ذلك ولأنه كان يلزم أنه كلما أرادت المرأة إفساد صلاة الرجل وقعت إلى جانبه أو بين يديه وصلت وذلك ضرر عظيم
وحرج كثير ولان ذلك لا تبطل صلاة الجنازة فكذا غيرها احتج الشيخ بإجماع الفرقة على البطلان وبأن شغل الذمة بالصلاة متيقن ومع الصلاة
إلى جانب المرأة لا يحصل يقين البراءة وبرواية أبي بصير وقد تقدمت وبما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن الرجل له أن يصلي
وبين يديه امرأة تصلي؟ قال: لا تصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع وإن كانت عن يمينه أو يساره جعلت بينهما وبينه مثل ذلك فإن كانت
تصلي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو نائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت وبما رواه الجمهور عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال: أخروهن الله فأمر بتأخيرهن فمن خالف ذلك وجب أن يبطل صلاته وبهذا احتج أبو حنيفة وبأنه أخطأ الموقف إذ موقفه
متقدم على موقفها فتبطل صلاته كما لو أخطأ الموقف في الإمامة فيصلى قدام إمامه. والجواب عن الأول: منع الاجماع مع وجود الخلاف، وعن الثاني:
ان البراءة المتيقنة إنما يكون بفعل ما أمر به قطعا من الأركان والأفعال الواجبة ونحن نقول بحصولها منه، وعن الثالث: أن رواية أبي بصير
مع سلامة سندها لا يدل على التحريم وأيضا فإنه قدر فيها البعد بينهما شبرا أو ذراع والشيخ لا يقول به، وعن الرابع: بضعف سندها فإن رواتها
فطحية وأيضا نحملها على الكراهية جمعا بين الأدلة، وعن الخامس: انه غير منقول من طرقنا فلا تعويل عليه ولا يصح احتجاج أبي حنيفة به لأنه إذا وجب
عليه أن يؤخرها وجب عليها أن يتأخر ولا فرق بينهما بل الأولى أن يقول إن المنهي إنما هو المرأة عن التقدم فإذا لم تبطل صلاتها بفعل ما نهيت
عنه فالأولى أن لا تبطل صلاة من يليها وقياس أبي حنيفة باطل لان المأموم إذا تقدم الامام كان واقفا في غير موقف المأموم بمحال وها هنا
وقف موقف المأموم بمحال فلم يبطل الصلاة وأيضا عدم التقدم هناك لمعنى مفقود هنا وهو التطلع على أحوال الامام المتتابع. فروع:
[الأول] لو كانت قدامه قائمة أو نائمة أو جالسة أو على أي حال كان وهي غير مصلية لم تبطل الصلاة إجماعا. [الثاني] لو صلت قدامه
أو إلى أحد جانبيه وبينهما حائل أو بعد عشرة أذرع فما زاد لم تبطل صلاة واحد منهما إجماعا وكذا لو صلت متأخرة عنه ولو شبرا وتعذر سقط الحد.
[الثالث] لو كان في موضع لا يمكن التباعد صلى الرجل أولا ثم المرأة استحبابا عندنا وعند الشيخ وجوبا روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أحدهما (ع) قال سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا؟ فقال: لا ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة ولو عكس ذلك فصلت
المرأة أولا ثم الرجل صحت صلاتهما إجماعا. [الرابع] قال الشيخ في المبسوط لو صلت خلف الامام بطلت صلاة من إلى جانبها ومن يحاذيها ومن إلى
خلفها دون غيرهم ولو صلت جنبه بطلت صلاتها وصلاة الامام ولا تبطل صلاة المأمومين ويلزم على مذهبه بطلان صلاة من يحاذيها من
ورائها. [الخامس] روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بجهالة تصلي معه
وهي تحسب أنها العصر هل يفسد على ذلك على القوم وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال: لا يفسد ذلك على القوم ويعيد
المرأة الصلاة ووجه هذه الرواية أن المرأة منهية عن هذا الموقف فيختص بالفساد بها لكنها لما بينا أن ذلك مكروه حملنا ذلك الامر على الاستحباب
[البحث الثاني] فيما يجوز الصلاة من المكان، * مسألة: الأمكنة على أربع (خمس) أضرب منها: ما يحرم الصلاة فيه وقد تقدم
ومنها: ما يجب (يكره) الصلاة فيه وقد تقدم. ومنها: ما يجب الصلاة فيه وهو موضع واحد لصلاة واحدة وهي ركعتا الطواف في مقامه على ما يأتي و
يلحق به الصلاة المنذورة في المواضع المعينة بالنذر. ومنها: ما يستحب الصلاة فيه وهو المساجد ومواطن العبادات. ومنها: ما يجوز الصلاة فيه
وهو ما عدا ما ذكرناه قال رسول الله (ص): أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب، وأحل
إلي المغنم، وأعطيت جوامع الكلم، وأعطيت الشفاعة فيجوز الصلاة في المواضع كلها إلا في المواضع التي خصت بالنهي عن الصلاة فيها. * مسألة:
ولا خلاف بين أهل العلم في أن المكتوبة في المسجد أفضل إلا في الكعبة لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله من المواصلة عن ذلك وحثه على
243

الصلاة في مسجد مع الجماعة روى الشيخ عن ابن أبي يعقوب عن أبي عبد الله (ع) قال هم رسول الله صلى الله عليه وآله بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلون
في منازلهم ولا يصلون جماعة فأتا رجل أعمى فقال يا رسول الله أنا ضرير البصر وربما أسمع النداء ولا أجد
من يقودني إلى الجماعة والصلاة معك؟
فقال النبي صلى الله عليه وآله: شد من منزلك إلى المسجد حبلا واحضر الجماعة ولأنه موضع العبادة فكان إيقاعها فيه أولى وقد ورى في ذلك
شئ كثير يأتي بعضه إن شاء الله أما النافلة فذهب علمائنا إلى أن إيقاعها في المنزل لان إيقاعها في حال الاستتار يكون أبلغ في الاخلاص كما في
قوله تعالى: (ان تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) وروى زيد بن ثابت قال جاء رجال يصلون بصلاة رسول الله صلى الله
عليه وآله فخرج مغضبا وأمرهم أن يصلوا النوافل في بيوتهم وروى زيد بن ثابت عنه (ع) أنه قال: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة
ولان المقتضي للاستحباب فعل الفريضة في المسجد وهو الجماعة مفقود في النوافل فلا يكون فعلها فيه مستحبا وخصوصا نافلة الليل قاله الشيخ. * مسألة:
يكره الصلاة في الحمام ذهب إليه أكثر علمائنا وهو مذهب الشافعي وقال أبو الصلاح من علمائنا لا يجوز الصلاة فيه وهو مذهب أحمد. لنا: ما رواه الجمهور
والخاصة قوله (ع): جعلت لي الأرض مسجدا وهو يدل بإطلاقه على صورة النزاع وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي قال سألت
أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في بيت الحمام قال: إذا كان موضعا نظيفا فلا بأس ولأنه محل طاهر فصحت الصلاة فيه كغيره وما رواه ابن بابويه
عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) عن الصلاة في بيت الحمام؟ فقال: إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس احتج أبو الصلاح بما رواه عبد الله بن الفضل
عمن حدثه عن أبي عبد الله (ع) قال: عشرة مواضع لا يصلي فيها الطين والماء والحمام والقبور ومسان الطرق وقرى النمل ومعاطن الإبل و
مجرى الماء والمسخ والثلج والنهي يدل على التحريم واحتج أحمد بما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وآله بإسناده قال الأرض كلها مسجد إلا
الحمام والمقبرة. والجواب عن الأول: أن المراد من نهي الكراهية على أن سنده ضعيف، وعن الثاني بعد تسليم النقل أنه يحتمل الاستثناء مثلها
من الجائز لزيادتها في المعنى عليه. فروع: [الأول] لو صلى في الحمام صحت صلاته وهو ظاهر على قولنا قال أبو الصلاح وفي صحة
الصلاة نظر ووجهه أنه قد نهى عن الصلاة فيه والنهي يدل على الفساد وجوابه: أنه إنما يدل على الفساد لو كان النهي نهي تحريم أما نهي الكراهية
فلا وها هنا سؤال صعب وهو أن يقال ان الصلاة في مثل هذا المكان وإن كانت مكروهة لو أجزأت لزم اجتماع الضدين أعني الكراهية
والوجوب في الفعل الواحد كما قلنا في الصلاة في المكان المغصوب ولا يلتفت إلى من يعتذر بأن النهي في المكان المغصوب للتحريم وها هنا الكراهية
لأنه لا فرق بينهما في مضادة الوجوب بل الجواب: ان يقال قد وقع الاتفاق على صحة هذه الصلاة فيجب صرف النهي لما وصف منفك عنها ككونه
محلا للنجاسات والأوساخ غالبا أو كونه مأوى الشيطان على ما قيل وهو منفك عن الصلاة بخلاف الصلاة في المكان المغصوب فإنه نهى عنه
لكونه تصرفا وهو جزء من الصلاة. [الثاني] لا بأس بالصلاة في المسلخ وليس مكروها وقال بعض الجمهور أن عللت الكراهية في الحمام
بالنجاسة خرج المسلخ وإن عللت بكونه مأوى الشيطان لكشف عورات الناس فيه فالمسلخ داخل في الكراهية لان العورات يكشف من المسلخ.
ولنا: ان النهي اختص بالحمام فيتبع الاشتقاق. [الثالث] لا بأس بالصلاة على سطح الحمام لان النهي يتناول الحمام فيقصر عليه وأيضا إن
كان النهي تعبدا قصر على موضعه وإن كان لمعنى فليس إلا ما ذكرنا من الامرين وهما منتفيان على السطح وقال أحمد لا يجوز الصلاة عليه وكذا قال من
المسلخ لان الهواء تابع للقرار فثبت فيه حكمه فإنه لو حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث والجواب: المنع من ذلك وسيأتي عدم الحنث. [الرابع]
لو كان الموضع الذي يصلي فيه من الحمام نجسا وعلمه لم يصح صلاته فيه قولا واحدا ولو كان طاهرا صحت صلاته على القول الأكثر ولو شك
في طهارته ونجاسته على الأصل. * مسألة: ويكره الصلاة في المقابر ذهب إليه علماؤنا وبه قال علي (ع) وابن عباس وابن عمر وعطا
والنخعي وابن المنذر وقال الشافعي إن علم أنه قد تكرر الدفن في القبر ونبش لم يجز الصلاة عليه ولو صلى بطلت وإن كان جديدا لم يبين
كراهة الصلاة عليه وإن لم يعلم هل يكون الدفن فيه أم لا ففي صحة الصلاة عليه أو إلى جنبيه قولان قال في الأم: لا يجوز وقال أحمد: لا يجوز
الصلاة مطلقا. لنا: على الجواز قوله (ع): جعلت لي الأرض مسجدا وهو يدل بمفهوم إطلاقه على صورة النزاع وما رواه الشيخ في الصحيح
عن عمر بن خلاد عن الرضا (ع) قال: لا بأس بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة وما رواه في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن الماضي
(ع) عن الصلاة بين القبور هل يصلح؟ قال: لا بأس ولأنها أرض طاهرة فصحت الصلاة فيها كغيرها وعلى الكراهية حديث عبد الله بن الفضل
وقد تقدم ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال سألت عن الرجل يصلي بين القبور؟ قال: لا يجوز ذلك إلا أن
يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه وعشرة أذرع من خلفه وعشرة أذرع عن يمينه وعشرة أذرع عن يساره ثم
يصلي إن شاء. احتج الشافعي بأنها مع تطاول المدة يكره الدفن فيها فلا ينفك عن صديد الميت وأجزائه وهي نجسة واحتج أحمد بما رواه أبو سعيد
الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام والجواب عن الأول: انا نقطع بالطهارة بالأصل فلا يزول بتوهم
مخالطة أجزاء الميت للتراب ولو سلم لكنا قد بينا أن طهارة الموضع ليس شرطها وعن الثاني: انه محمول على الكراهية. فروع: [الأول]
244

لا فرق بين مقبرة الجديدة والعتيقة في كراهية الصلاة وأجزائها وقد فرق الشافعي بينهما وقد ذكرناه وأحمد لم يفرق بينهما في البطلان ونقل الشيخ عن
بعض علمائنا مثل مذهب أحمد لرواية عمار ودليلنا ما تقدم. [الثاني] لو كان في الموضع قبر أو قبران لم يكن الصلاة فيها بأس إذا تباعد عن القبر
بنحو من عشرة أذرع أو جعل بينه وبين القبر حائلا بلا خلاف أما عندنا فظاهر وأما عند أهل الظاهر فلانها بالواحد والاثنين لا يسمى مقبرة فلا يتناولها
النهي. [الثالث] لو نقلت القبور إلى موضع آخر جازت الصلاة فيها وهو عندنا ظاهر وعند أهل الظاهر لأنها خرجت عن اسم المقبرة ولان مسجد
رسول الله صلى الله عليه وآله كان فيه قبور المشركين فيثبت (فنبشت) رواه الجمهور. [الرابع] لو بنى مسجدا في المقبرة لم يزل الكراهية لأنها لم يخرج بذلك
عن الاسم. [الخامس] يكره الصلاة في القبور وإن يتخذ القبر مسجدا يسجد عليه وقال ابن بابويه لا يجوز فيها وهو قول بعض الجمهور. لنا: على
الجواز الأصل وما رواه الجمهور عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال: المسجد الحرام، قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى،
قلت كم بينهما: قال: أربعون سنة وقال وحيثما أدركت فصل وفي حديث حذيفة عنه (ع): جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ولم يستثن وعلى
الكراهية ما رواه الجمهور عن أبي مرثد العنوي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا تصلوا في القبور ولا تجلسوا إليها وعن علي
(ع) قال: نهاني حبيبي أن أصلي في مقبرة أو في أرض بابل فإنها أرض ملعونة وعن عائشة و عبد الله بن عباس قالا: لما حضر رسول الله صلى
الله عليه وآله الوفاة كشف وجهه وقال: لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وعنه (ع) أنه قال: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون
قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك واحتج المانع بهذه الأحاديث وبحديث عمار ومعمر بن حماد وقد تقدما
والجواب: ان ذلك محمول على الكراهية إذ القصد بذلك النهي عن التشبيه بمن تقدمنا في تعظيم القبور بحيث يتخذ مساجد ومن صلى لا لذلك
لم يكن قد فعل محرما إذ لا يلزم من المساواة التحريم كالسجود لله تعالى المساوي للسجود للصنم في الصورة. [السادس] قال الشيخ قد رويت رواية بجواز
النوافل إلى قبور الأئمة (عل) والأصل الكراهية والرواية رواها الشيخ عن محمد بن عبد الله الحميري قال كتبت إلى الفقيه (ع) أسأله عن الرجل
يزور قبور الأئمة هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبور ويجعل القبر قبلة؟ ويقوم عند رأسه و
رجليه وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلى ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع: أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة
بل يضع خده الأيمن على القبر وأما الصلاة فإنها خلفه ويجعله الامام ولا يجوز أن يصلي بين يديه لان الامام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله
واعلم أن المراد بقوله لا يجوز أن يجعله خلفه الكراهية لا التحريم وفهم من ذلك كراهية الاستدبار في غير الصلاة. [السابع] لو كان بينه و
بين القبر حائل أو بعد عشرة أذرع لم يكن بالصلاة إليه بأس أما مع الحائل فلان القبر يخرج عن كونه قبلة ولأنه كان يلزم الكراهية ولو كان
بينهما جدران متعددة وأما البعد فلرواية عمار. * مسألة: ويكره الصلاة في معاطن الإبل ذهب إليه علمائنا وبه قال الشافعي وأبو حنيفة
ومالك وقال أبو الصلاح من علمائنا لا يجوز الصلاة فيها وهو مذهب أهل الظاهر. لنا: على الجواز ما تقدم من الأحاديث الدالة على كون الأرض
مسجدا الا ما أخرجناه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال سألته عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم؟ فقال:
ان نضحته بالماء وقد كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها فأما مرابض الخيل والبغال فلا ولأنها أرض طاهرة لا يتنجس بأبوال الإبل وأرواثها لما
بينا من طهارتها فصحت الصلاة فيها كغيرها وعلى الكراهية ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في أعطان
الإبل؟ فقال: إن تخوفت الضيعة على متاعك فاكنسه وانضحه وصل ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم فاشتراط الخوف في الصلاة فيها دل على استحباب اجتنابها
احتج أبو الصلاح برواية عبد الله بن الفضل وقد تقدمت واحتج أحمد بما رواه عبد الله بن معقل عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أدركتم الصلاة
وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة وإذا أدركتم الصلاة وأنت في أعطان الإبل فاخرجوا منها فصلوا فإنها جز من جز ملقت ألا
ترونها إذا انفردت كيف تسبح بأنفسها وعن جابر بن شمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله أيصلى في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال أيصلى في مبارك
الإبل؟ قال: لا وعن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين والمعنى يقتضي التحريم والجواب عن ذلك كله:
ان النهي للكراهية جمعا بين الأدلة. فروع: [الأول] معاطن الإبل هي مباركها حول الماء ليشرب عللا بعد نهل قال صاحب الصحاح
والعلل الشرب الثاني والنهل الشرب الأول والفقهاء جعلوه أعم من ذلك وهي مبارك الإبل مطلقا التي يأوي إليها ويدل عليه ما فهم من التعليل
بكونها من الشياطين. [الثاني] لو صلى فيها صحت صلاته عندنا وهو ظاهر وبه قال أبو الصلاح. لنا: في إفساد الصلاة نظر وجهه ما بيناه و
أخبرنا عنه وعند أحمد يبطل الصلاة لأنه صلى في مكان منهي عنه. والجواب أن النهي للتنزيه والكراهة لا للتحريم. [الثالث] المواضع التي
يبيت فيها الإبل في سيرها أو يناخ فيها بعلفها أو وردها الوجه أنها لا بأس بالصلاة فيها لأنها لا تسمى معاطن. [الرابع] لو صلى إلى هذه
المواضع لم يكن به بأس وليس مكروها خلافا لبعض الجمهور. لنا: قوله (ع): جعلت لي الأرض مسجدا وهو يتناول الموضع الذي يصلي فيه
من هي في قبلته احتج المانع بالقياس على الصلاة إلى القبور والجواب أن النهي في القبور إن كان بعيدا فهو غير معقول المعنى فلا يصح فيه القياس
245

وإن كان لمعنى التشريق لأرباب القبور فذلك غير موجود في صور النزاع فلا يصح أيضا. [الخامس] لو صلى على مكان مرتفع وتحته معطن لم يكن بالصلاة
فيه بأس خلافا لبعض الجمهور. لنا: أن النهي يتناول المعاطن وهو إنما يتناول مواضع البروك احتج المخالف بأن الهواء تابع للقرار والجواب: قد سلف أما لو عمل مسجد
ثم حدث عطن تحته فإنه لا بأس بالصلاة فيه إجماعا لان الهواء مما لا يتبع ما حدث بعده. [السادس] لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم وليس مكروه
ذهب إليه أكثر علمائنا وهو قول ابن عمر وجابر بن سمرة والحسن ومالك وأبي ثور والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وقال أبو الصلاح لا يجوز الصلاة فيها.
لنا: ما رواه الجمهور عن أسيد بن حصين ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: صلوا في مرابض الغنم ولا
تصلوا
في مبارك الإبل ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال سألت عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال:
صل فيها وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم احتج أبو الصلاح بما رواه
الشيخ في الموثق عن سماعة قال سألته عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم؟ فقال: إن نضحته بالماء وقد كان يابسا فلا بأس
بالصلاة فيها فأما مرابض الخيل والبغال فلا وهذا يدل على اشتراك مرابض الغنم وأعطان الإبل في الحكم وقد بينا تحريم الصلاة في الأعطان
فكذا في المرابض، والجواب: أما أولا: فالرواية ضعيفة السند فإن سماعة واقفي ورواه عنه زرعة وهو واقفي، وأما ثانيا: فلان سماعة لم يسندها
إلى إمام، وأما ثالثا: فلانا نمنع تحريم الصلاة في المعاطن وقد سلف، وأما رابعا: فلا نسلم الاشتراك لو ثبت التحريم هنا. [السابع] يكره
الصلاة في مرابض الخيل والبغال والحمير سواء كانت وحشية أو أنسية وقال أبو الصلاح لا يجوز والشيخ في بعض كتبه يذهب إلى وجوب الاحتراز
عن أبوالها وأرواثها فيلزم المنع من الصلاة فيها. لنا: ما تقدم من بيان طهارة أبوالها وأرواثها فيبقى المقتضي سالما عن المعارض احتج أبو
الصلاح برواية سماعة. والجواب قد تقدم. [الثامن] يكره الصلاة في بيت فيه كلب لما رواه ابن بابويه عن الصادق (ع) قال: لا تصل في
دار فيها كلب إلا أن يكون كلب الصيد وعلقت دونه بابا فلا بأس فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا بيتا فيه تماثيل ولا بيتا فيه بول مجموع
في آنية وروى الشيخ عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أن جبرئيل أتاني فقال: إنا معاشر الملائكة لا ندخل
بيتا فيه كلب ولا بيتا فيه تمثال ولا أناء يبال فيه ونفور الملائكة يؤذن كونه ليس موضع رحمة الله ولا يصلح أن يتخذ للصلاة. [التاسع] يكره الصلاة
في معاطن الإبل وإن لم يكن فيها إبل في حال الصلاة لأنها بانتقالها عنها لا يخرج عن اسم المعطن إذا كانت يأوي إليها. * مسألة: يكره الصلاة
في بيوت الغائط لأنها لا تنفك عن النجاسة ولان الصلاة في الحمام إنما كرهت عند بعضهم لتوهم النجاسة فمع تيقنها يكون الحكم أولى ولأنه قد
منع من ذكر الله تعالى فيها فالصلاة أولى ويؤيده ما رواه الشيخ عن الفضيل بن يسار قال قلت لأبي عبد الله (ع) أقوم في الصلاة فأرى
قدامي في القبلة القذرة؟ فقال: تنح عنها ما استطعت ولا تصل على الجواد ولما تقدم من الأحاديث الدال على نفور الملائكة عن بيت يبال فيه.
فروع: [الأول] يكره الصلاة في المزبلة وهي الموضع الذي يجمع فيه الزبل لعدم انفكاكه عن النجاسة وروى الجمهور عن رسول الله
صلى الله عليه وآله أنه قال سبعة مواطن لا يجوز فيها الصلاة ظهر بيت الله تعالى والمقبرة والمزبلة والمجزرة والحمام وعطن الإبل ومهجة الطريقة
رواه ابن عمر. [الثاني] لا بأس بالصلاة على سطح الحش خلافا لبعض الجمهور. لنا: ان المقتضي إنما هو الخبث وهو غير موجود في السطح احتج بأن
الهوا تابع وقد تقدم جوابه. [الثالث] يكره أن يصلي إلى الحش لما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن أبي بصير عمن سأله أبا عبد الله (ع) عن
المسجد بين حائط قبلته من بالوعة يبال فيها؟ فقال: إن كان نزه من البالوعة فلا تصل فيه وإن كان نزه من غير ذلك فلا بأس وهذا يدل بمفهومه
على المطلوب. [الرابع] يكره الصلاة في بيت يبال فيه لان الصادق (ع) على (علل) النهي عن الصلاة فيه وفيه كلب بنفور الملائكة وحكم (ع)
بنفورهم عنه وفيه بول. * مسألة: يكره الصلاة في بيوت المجوس لأنها لا ينفك عن النجاسات ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي جميلة عن أبي عبد
الله (ع) قال: لا تصل في بيت فيه مجوسي ولا بأس أن يصلي في بيت فيه يهودي أو نصراني. فروع: [الأول] لا بأس بالصلاة في البيت
إذا كان فيه يهودي أو نصراني لأنهم أهل الكتاب ففارقوا المجوس ويؤيده رواية أبي جميلة. [الثاني] لو اضطر إلى الصلاة في بيت المجوس
فقال رش وصل. [الثالث] لا بأس بالصلاة في البيع والكنائس ذهب إليه علماؤنا وهو قول الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والنعمان و
الأوزاعي وكره مالك ذلك. لنا: قوله (ع): جعلت لي الأرض مسجدا وهو يدل على صورة النزاع ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن البيع والكنائس تصلى فيها؟ فقال: نعم وسألته هل يصلح بعضها مسجدا قال: نعم وعن
حكم بن الحكم قال سمعت أبا عبد الله (ع) عن البيع والكنائس يقول وسئل عن الصلاة في البيع والكنائس؟ فقال صل فيها قد رأيتها ما أنظفها قلت
أيصلى فيها وإن كانوا يصلون فيها؟ فقال: نعم احتج مالك بأن فيها صورا والجواب: انا نسلم كراهية الصلاة حينئذ لوجود الصور فيها لا لكونها كنيسة.
[الرابع] الأقرب أنه يستحب رش الموضع الذي يصلى فيه من البيع والكنائس لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع)
قال سألته عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس؟ فقال: رش وصل والعطف يقتضي التشريك في الحكم. [الخامس] يكره الصلاة في بيت فيه
246

خمرا ومسكرا لأنه ليس محل إجابة ويؤيده ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال: لا تصلي في بيت فيه خمر أو مسكر. [السادس] يكره
الصلاة في بيوت النيران ذكره أكثر الأصحاب لئلا يحصل التشبه بعبادة النيران وقال أبو الصلاح بالتحريم. * مسألة: ويكره الصلاة في جواد
الطريق ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول أكثر أهل العلم وقال أحمد: لا يجوز الصلاة فيها. لنا: ما رواه الجمهور من قوله (ع): جعلت لي
الأرض مسجدا ورواه الخاصة أيضا وعلى الكراهية ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس بأن تصلي بين
الظواهر وهي الجواد جواد الطريق ويكره أن يصلى في الجواد وفي الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الصلاة في ظهر الطريق فقال:
لا بأس أن يصلى في الظواهر التي بين الجواد فأما على الجواد فلا تصل فيها، وفي الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الصلاة
في السفر؟ فقال: لا تصل على الجادة واعتزل على جانبها احتج أحمد بما رواه ابن عمر عن الرسول صلى الله عليه وآله لا يجوز الصلاة في سبع مواطن
وكرهتها محجة الطريق وفي لفظ آخر قارعة الطريق ومحجة الطريق هي الجادة المسلوك وقارعة الطريق هي التي يقرعها الاقدام وفاعل ها هنا
بمعنى مفعول كالشارع والجواب: المراد الكراهية على أن رواية العمري وزيد بن صبر فيهما طعن عند أرباب الحديث. فروع: [الأول]
لا بأس بالصلاة في الظواهر التي بين الجواد للأحاديث ولان النهي لم يتناولها. [الثاني] يكره الصلاة فيها وإن لم يكثر استطراقها لتناول
اسم قارعة الطريق لها ويؤيده ما رواه الشيخ وابن بابويه عن الرضا (ع) قال: كل طريق بوطأ ويتطرق كانت فيه جادة أم لم تكن لا ينبغي
الصلاة فيه، قلت فأين أصلي؟ قال: يمنة ويسرة. [الثالث] لا فرق في الكراهية بين أن يكون في الطريق سالك وقت الصلاة أو لم يكن لعموم
النهي. [الرابع] لو بنى ساباط على طريق جازت الصلاة فيه خلافا لبعض الجمهور لان النهي مختص بالطريق فلا يتعداه. * مسألة:
ويستحب له أن يجعل بينه وبين ممر الطريق ساترا ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول عامة أهل العلم روى الجمهور عن أبي جحيفة أن النبي صلى الله
عليه وآله تركزت له العنزة فتقدم وصلى الظهر ركعتين تمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع وعن طلحة بن عبيد الله قال قال رسول الله صلى الله
عليه وآله إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرجل فليصل ولا يبال من وراء ذلك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي
عبد الله (ع) قال: كان طول رجل رسول الله صلى الله عليه وآله ذراعا فكان يضعه بين يديه إذ صلى لتيسره ممن يمر بين يديه وعن معاوية بن وهب
عن أبي عبد الله (ع) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجعل العنزة بنى يديه إذا صلى و؟ العنزة؟ هي العصا التي في أسفلها حديدة. فروع:
[الأول] قدر سترة ذراع تقريبا وبه قال الثوري وأصحاب الرأي وقال أحمد: أنها قدر عظم ذراع وهو قول مالك والشافعي. لنا: أن النبي صلى
الله عليه وآله قدرها مثل مؤخرة الرجل وقال أبو عبد الله (ع) أنها كانت ذراعا أما الغلظ والدقة قدر لهما والأقرب الاستتار
بما هو أعرض لان قول النبي صلى الله عليه وآله: استروا في الصلاة ولو بسهم يوزن أن غزة أولى منه. [الثاني] لو لم يجد المقدار الذي ذكرناه
استحب له الاستتار بالحجر والسهم وغيرهما روى الجمهور عن أبي سعيد قال كنا نستتر بالسهم والحجر في الصلاة وروى مرة أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: استتروا في الصلاة ولو بسهم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عل) قال قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرجل فإن لم يجد فحجر فإن لم يجد فليخط في الأرض بين
يديه وفي الموثق عن غياث عن أبي عبد الله (ع) ان النبي صلى الله عليه وآله وضع قلنسوة وصلى إليها. [الثالث] لو لم يجد شيئا فليجعل
بين يديه كومة من تراب أو يخطه بين يديه خطا وبه قال الأوزاعي وسعيد بن جبير والشافعي في القديم وأحمد وقال مالك والليث بن سعد وأبو
حنيفة يكره الخط وقال الشافعي في الجديد يخط بالعراق ولا يخط بمصر إلا أن يكون فيه سنة يتبع. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي هريرة ان رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد لينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره من مر أمامه
ومن طريق الخاصة ما رواه السكوني وقد تقدمت وما رواه الشيخ عن محمد بن إسماعيل عن الرضا (ع) في الرجل يصلي؟ قال: يكون بين يديه
كومة من تراب أو يخط بين يديه بخط. [الرابع] لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله ولا عن الأئمة (عل) صفة الخط فعلى أي كيفية فعله المصلي
أحباب السنة سواء وضعه على الاستقامة أو على الاستدارة وقال أحمد: يوضع مستديرا كالهلال عرضا والحق ما قلناه لاطلاق الأحاديث
في ذلك. [الخامس] لو كان معه عصا لا يمكنه من نصبها فليلقها بين يديه ويستر بها ويستحب له أن يلقيها عرضا وبه قال سعيد بن جبير والأوزاعي
والأحمد وكره النخعي. لنا: في معنى الخط فيقوم مقامه والوضع على ما قلناه أولى من الطول لان الاستتار فيما قلنا أكثر. [السادس]
لا بأس أن يستتر بعير أو حيوان وهو قول أبي عمر وأنس وأحمد وقال الشافعي لا يستتر بداية. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله
صلى إلى بعير ورووا عنه (ع) أنه كان يعرض راحلته ويصلي إليها قال قلت فإذا ذهب الركاب قال كان يعرض الرجل ويصلي إلى آخريه وكذا لا بأس أن يستتر بالإنسان إذا جعل ظهره إليه. [السابع] لا فرق بين مكة وغيرها في استحباب السترة خلافا لأهل الظاهر. لنا: ان المقتضي للاستحباب
موضع العبور الموجب للمشاغلة عن العبادة وهو في مكة أولى لكثرة الناس فيها من الحاج احتج أحمد بأن النبي صلى الله عليه وآله صلى ثم ليس
247

بينه وبين الطواف سترة ولان الناس يكثرون بها لقضاء النسك فلو منعوا عن العبور على المصلي لضاق بالناس والجواب: المعارضة باستحباب
السترة مطلقا وذلك لا ينافي ما ذكرتم من فعله (ع). [الثامن] يستحب للمصلي أن يدنو من سترته روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله: إذا صلى أحدكم
إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع)
قال: أقل ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز وأكثر ما يكون مربط فرس ولان قربه من السترة أصون بصلاته وأبعد من أن تمر بينه وبينها شئ يتشاغل
به عن العبادة. [التاسع] السترة ليست واجبة بغير خلاف بين علماء الاسلام روى ابن عباس قال أقبلت راكبا على حمار أتان والنبي صلى الله عليه وآله
يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار وعنه قال صلى الله عليه وآله في قضاء ليس بين يديه شئ وروى الفضل بن العباس قال كنا ببادية فأتانا رسول الله
صلى الله عليه وآله ومعه العباس فصلى في صحراء وليس بين يديه سترة وكلبة وحمار لنا تعبثان بين يديه ما يأبى ذلك ومن طريق الخاصة ما
رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: لا يقطع الصلاة شئ مما تمر بالرجل ولكن استتروا ما استطعتم فإن كان بين يديك قدر
ذراع رافع من الأرض فقد استترت. [العاشر] ستر الامام ستر لمن خلفه في قول أهل العلم لأنه يصدق على المأمومين أنه نصبوا بين أيديهم
شيئا إذ لا يشترط المحاذاة وفيه بحث. * مسألة: ولا يقطع الصلاة ما يمر بين يدي المصلي ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول أكثر أهل العلم
وقال أحمد في أحد الروايتين أنه يقطعها الكلب الأسود وفي رواية أخرى والمرأة والحمار أيضا. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: لا يقطع الصلاة شئ وادرأوا ما استطعتم فإنما هو شيطان وعن الفضل بن العباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله
صلى ببادية ليس بين يديه سترة وكلبة وحمار لنا تعبثان بين يديه ما يأبى ذلك وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي صلاته من الليل
كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة وعن زينب بنت أم سلمة مررت بين يدي الرحمة النبي صلى الله عليه وآله فلم يقطع صلاته ومن طريق الخاصة
رواية أبي بصير قد تقدمت ولأنها صلاة شرعية يتوقف إبطالها على الشرع ولم يثبت احتج أحمد بما رواه أبو هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وآله بقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب وبقي ذلك مثل مؤخرة الرجل والجواب: انه منسوخ بما ذكرناه من الأحاديث وأيضا
لا بد من إضمار شئ فيما ذكرتموه إذ الكلب نفسه لا يقطع الصلاة فإن ادعيتم إضمار المرور من غير دليل فهو باطل ولا دليل فيبقى مجازا. فروع: [الأول]
لا خلاف بين العلماء في أن غير ما ذكرناه لا يقطع مروره الصلاة وكذا الكلب الأسود إذا لم يكن بهما أي لا يخالط سواده شئ. [الثاني] لو مره
الكلب الأسود من رواء سترة المصلي لم يقطع الصلاة عندنا وهو ظاهر ولا عند غيرنا لان فائدة السترة عنده ذلك. [الثالث] لو صلى إلى سترة
مغصوبة صحت صلاته ولم يكن قد فعل المأمور به من الاستتار إذ هو مبني عنه بهذه الأدلة فلو اجتاز ورداها الكلب أسود لم ينقطع
صلاته عندنا وهو ظاهر وعند أحمد في أحد الوجهين لان النبي صلى الله عليه وآله قال: بقي ذلك من مؤخرة الرجل وقد وجد في الآخر انه يبطل
صلاته لأنه ممنوع من نصبها والصلاة إليها فوجودها كعدمها. [الرابع] لو مر انسان بين يدي المصلي فالذي يقتضيه المذهب أنه إن كان يصلي
في طريق مسلوك فليس فله أن يرده لان المكروه يكون صد قدر عنه لا من المار وإن لم يكن كذلك بأن يكون في فلاة يمكنه السلوك بغير ذلك الطريق فهل
يستحب له أن يرده أم لا؟ فيه احتمال أقربه الاستحباب لأنه يكون أمرا بمعروف مندوب وهو قول الجمهور لما رواه أبو سعيد قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله
يقول: إذا كان أحدكم يصلي إلى شئ يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان والمراد
بالمقاتلة هنا المبالغة في الرد ما لم يحوجه إلى فعل كثير فليتركه وليس المراد بذلك ما هو ظاهر لأنه إنما أمر بالرد حفظا للصلاة عما ينقصها فيعلم
أنه لم يرد ما يفسدها الكلب وقد ردت أم سلمة قالت كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي في حجرة أم سلمة فمر بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة
فقال بيده فرجع فمرت زينب بنت أم سلمة فقال بيده هكذا فمضت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من أغلب وفي هذا دلالة على فساد
قول أحمد ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل هل يقطع صلاته شئ مما يمر به؟ قال:
لا يقطع صلاة المسلم شئ ولكن ادرؤوا ما استطعتم. [الخامس] لو مر بين يديه انسان فعبر لم يستحب رده من حيث جاء لفوات المعنى المقتضي وهو عدم
المرور وبه قال الشعبي وإسحاق وروى عن ابن مسعود أنه يرده من حيث جاء لان النبي صلى الله عليه وآله أمر برده وهو يتناول العابر وهو ضعيف لأنه
مروران فلا يفعله كالأول والحديث لم يتناول العابر لان الخبر هكذا فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه وبعد العبور فليس مزيد الاجتياز.
[السادس] قال أبو الصلاح من علمائنا يكره الصلاة إلى انسان مواجه وهو حسسن لان فيه تشبها للساجد ذلك الشخص وفي حديث عائشة
ان النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي حد أوسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة يكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فاستقبله فانسل انسلالا.
* مسألة: ويكره أن يصلي إلى نار مظلمة ذهب إليه أكثر علمائنا وقال أبو الصلاح لا يجوز وتردد في إفساد الصلاة لو توجه إليها. لنا: على
الجواز الأصل وما رواه الشيخ عن الحسين بن علي الكوفي عن الحسين بن عمر وعن أبيه عن عمرو بن إبراهيم الهمداني رفع الحديث قال قالت أبو عبد الله
(ع) لا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه إن الذي يصلي أقرب من الذي بين يديه وعلى الكراهية ما رواه
248

الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الرجل يصلي والسراج موضوع بين يديه في القبلة؟ فقال: لا يصلح له أن يستقبل
النار قال ابن بابويه هذا هو الأصل الذي يجب أن يعمل به فأما الحديث المروي عن أبي عبد الله (ع) فهو حديث منقطع السند يرويه ثلاثة من المجهول
الحسن بن عمرو عن أبيه عمرو بن إبراهيم الهمداني وهم مجهولون ولكنها رخصة اقترنت بها علة صدرت عن ثقات ثم اتصلت بالمجهولين فلا انقطاع
فمن أخذ بها لم يكن مخطأ بعد أن يعلم أن الأصل هو النهي وإن الاطلاق رخصة احتج أبو الصلاح بأنها صلاة منهي عنها ولان فيه تشبها
بعبادة النيران لأنها تعبد من دون الله. والجواب عن الأول: أن النهي للكراهية، وعن الثاني: أن يقتضي الكراهية لا التحريم. * مسألة: ويكره الصلاة
إلى الصور والتماثيل ذهب إليه علمائنا وأكثر الجمهور لان الصور تعيد من دون الله فكره التشبه بفاعله ولأنه يشغل بالنظر إليها وروى الجمهور
عن عائشة قالت كان لنا ثوب فيه تصاوير فجعلته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي فنهاني عن ذلك ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر (ع) أصلي والتماثيل قدامي وأنا أنظر إليها قال: لا اطرح عليها ثوبا ولا بأس بها
إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك فإن كانت في القبلة فاطرح عليها ثوبا وصل. * مسألة:
ويكره إلى المصحف المفتوح والباب المفتوح وقال أبو الصلاح لا يجوز إلى المصحف المفتوح وتردد في الفساد
. لنا: الأصل الجواز وأما الكراهية
فلان فيه تشاغلا عن العبادة احتج أبو الصلاح بما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يصلي وبين يديه مصحف مفتوح
في قبلة قال لا وجوابه النهي عن الكراهية على أن في السند قولا أما لو كان المصحف في غلاف فإنه لا يكره الصلاة إليه لعدم التشاغل حينئذ ويؤيده
رواية عمار قال قلت لأبي عبد الله (ع) فإن كان في غلاف؟ قال: نعم. فروع: [الأول] يكره أن يكتب في القبلة شئ لان التشاغل
يحصل معه. [الثاني] لا فرق في النهي بين حافظ القرآن وجاهله ولا بين القارئ ومن لا يحسن الكتابة لان التشاغل يحصل للجميع. [الثالث]
يكره تزويق القبلة ونقشها لان فيه تشاغلا عن العبادة. [الرابع] روى ابن بابويه عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الرجل يصلي
وأمامه شئ من الطير؟ قال: لا بأس وعن الرجل يصلي وأمامه النخلة وفيها حملها؟ قال: لا بأس وعن الرجل يصلي في الكرم وفيه حمله؟ قال: لا بأس وعن الرجل يصلي وأمامه حمار واقف؟ قال: يصنع بينه وبينه
قصبة أو عودا أو شيئا يقيمه بينهما ثم يصلي فلا بأس. [الخامس] يكره أن يصلى إلى حائط ينز من بالوعة يبال فيها روى ذلك عن أبي عبد الله
(ع) وقد تقدم. [السادس] يكره أن يصلى إلى سيف مشهر أو غيره من السلاح وقال أبو الصلاح: لا يجوز وتردد في الافساد. لنا: الأصل
الجواز حتى يظهر مناف بدليل شرعي ولم يوجد احتج أبو الصلاح بما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال: لا يصلي الرجل
وفي قبلته نار أو حديد قلت أله أن يصلي وبين يديه مجمرة شبه؟ قال: نعم فإن كان فيها نار فلا يصلي حتى ينحها عن قبلته وجوابه: أنه يدل
على الكراهية على أن السند ضعيف. [السابع] قال أبو الصلاح يكره إلى السلاح المتواري ومقابلة وجه الانسان والمرأة نائمة أشد كراهية
والأقرب عندي لا يكره إلى المرأة النائمة وهو قول بعض الجمهور وقال آخرون منهم بالكراهية. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة قالت
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي في الليل وعائشة معرضة بين يديه كاعتراض الجنازة والنبي صلى الله عليه وآله لا يفعل مكروها
مع إمكان التحرز منه ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن جميل عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: لا بأس أن تصلي المراة بحذاء الرجل
وهو يصلي فإن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلى وعائشة مضطجعه بين يديه وهي حائض فكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها
حتى يسجد احتج المخالف بما روي أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الصلاة إلى النائمة والمحدث والجواب حديثنا أقوى دلالة لأنه حكاية
فعله (ع) وحديثكم تضمن الاخبار بالنهي فلعل الراوي توهم ما ليس بنهي نهيا. فرع: لو خاف من العدو جاز أن يصلي إلى السيف
المشتهر للضرورة ولم يكن مكروها. * مسألة: ويكره الصلاة في المجزر وهي مذابح الانعام المعدة لذلك وقال أبو الصلاح:
لا يجوز. لنا: قوله (ع): جعلت لي الأرض مسجدا وهو بمفهومه يدل على صورة النزاع وأما الكراهية فإنها لا ينفك من النجاسات وقد بينا
كراهية الصلاة في مثلها ويكره الصلاة في قرى النمل لحديث عبد الله بن الفضيل عمن حدثه عن أبي عبد الله (ع) ولأنه قد يتأذى بها
فيشتغل عن العبادة ويكره في بطون الأودية لأنها مسيل المياه وسيأتي كراهية الصلاة فيه ويكره في أرض السبخة ذهب إليه علماؤنا
لان الجبهة لا يقع جيدا على الأرض ويؤيده ما رواه عبد الله بن الفضل وقد تقدم ولا يعارض ذلك بما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق قال
سألته عن الصلاة في السباخ؟ فقال لا بأس لان الرواة ضعفاء ولم يسندها سماعة إلى إمام وليس ببعيد من الصواب أن يحمل هذه الرواية على حالة
التمكن من وضع الجبهة على الأرض ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الصلاة في السبخة؟
لم يكره؟ قال: لان الجبهة لا تقع مستوية، فقلت: إن كان فيها أرض مستوية؟ فقال: لا بأس ويكره في أرض الثلج لرواية عبد الله بن الفضل.
* مسألة: ويكره الصلاة في مجرى الماء ذهب إليه علماؤنا لرواية عبد الله بن الفضل ولأنه يشبه الطريق وقد مضى بيان الكراهية هناك.
فروع: [الأول] يكره الصلاة في السفينة لأنه يكون قد صلى في مجرى الماء وكذا لو صلى على ساباط تحته نهر يجري أو ساقية.
249

[الثاني] هل يشترط في الكراهية جريان الماء؟ عندي فيه توقف أقربه عدم الاشتراط. [الثالث] لا فرق بين الماء الطاهر والنجس في ذلك.
[الرابع] هل يكره الصلاة على الماء الواقف فيه تردد أقربه الكراهية. * مسألة: ويكره الصلاة في ثلاثة مواطن بطريق المكة البيداء
وذات الصلاصل وضجنان ويكره الصلاة في وادي الشقرة لما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: الصلاة
يكره في ثلاثة مواطن من الطريق البيداء وهي ذات الجيش وذات الصلاصل وضجنان وفي الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال قلت لأبي الحسن (ع)
إنا كنا في البيداء في آخر الليل فتوضأت واستكت وأن أهم بالصلاة ثم كان دخل قلبي شئ فهل يصلى في البيداء في المحمل؟ فقال: لا تصل في
البيداء، وفي الصحيح عن أيوب بن نوح عن أبي الحسن الأخير (ع) قال قلت له: تحضر الصلاة والرجل بالبيداء؟ قال: يتنحى عن الجواد يمنة ويسرة
ويصلي وروى الشيخ عن أحمد بن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: لا تصلي في وادى الشقرة. فروع: [الأول]
البيداء في اللغة المغارة وليس ذلك على عمومه ها هنا بل المراد موضع معين روى الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن (ع)
قلت وأين حد البيداء؟ فقال: كان أبو جعفر (ع) إذا بلغ ذات الجيش جد في اليسر ولا يصلي حتى يأتي معرس النبي صلى الله عليه وآله، قلت فأين
ذات الجيش؟ قال: دون الحفيرة بثلاثة أميال وقد ورد أنها أرض خسف روي أن جيش السفياني يأتي إليها قاصدا مدينة الرسول صلى الله عليه وآله
فيخسف الله تعالى بتلك الأرض وبينها وبين ميقات أهل المدينة الذي هو ذو الحليفة ميل واحد وهو نصف فرسخ فحسب. [الثاني]
يكره الصلاة في أرض الخسف لأنها مسخوط عليها فليست محلا للإجابة والعبادة وقد روي أن أمير المؤمنين (ع) كره الصلاة في أرض
بابل فلا عبر الفرات إلى الجانب الغربي وفاته لأجل ذلك أول الوقت وردت له الشمس إلى موضعها في أول الوقت وصلى بأصحابه العصر ولا
نعتقد أن الشمس غابت بالكلية لأنه يحرم تلك الصلاة لأجل كراهية المحل. [الثالث] لو ضاق الوقت وهو في تلك الأرض
صلى فيها لأنه محل ضرورة ويؤيده ما رواه ابن بابويه عن علي بن مهزيار قال سألت من أبي الحسن الثالث (ع) عن الرجل يصير بالبيداء فتدركه
صلاة فريضة فلا يخرج من البيداء حتى يخرج وقتها كيف يصنع وقد نهي أن يصلي بالبيداء؟ فقال: يصلي فيها ويتجنب قارعة الطريق.
[الرابع] ضجنان جبل بمكة ذكره صاحب الصحاح والصلاصل جمع صلصال وهي الأرض التي لها صوت ودوي الشقرة " بفتح الشين " و " كسر
القاف " واحدة الشقرة وهو شقائق النعمان وكل موضع فيه ذلك يكره فيه الصلاة وقيل وادي الشقرة موضع مخصوص بطريق مكة ذكره
ابن إدريس والأقرب الأول لما فيه من اشتغال القلب بالنظر إليه وقيل هذه مواضع خسف فيكره الصلاة فيها لذلك. [الخامس] يكره الصلاة
في أرض الرمل النهال لأنه لا يتمكن السجود عليه فليتناوله العلة التي أشار إليها الصادق (ع) في الأرض السبخة وهكذا يكره في أرض الوحل و
حوض الماء إذا تمكن من استيفاء الواجب أما لو أخل ببعضها فإنه لا يجوز إلا مع الضرورة.
[البحث الثالث] فيما يسجد عليه. * مسألة:
قال علماؤنا لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا ينبت منها كالجلود والصوف والشعر وأشباهها خلافا للجمهور. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس
ان النبي صلى الله عليه وآله قال أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين قال صاحب الصحاح السجود وضع
الجبهة على الأرض وعن عكرمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبهة وهو يدل
على وجوب إصابة الجبهة الأرض وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا سجدت فتمكن جبهتك من الأرض وعن حباب قال شكونا إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكا وذلك يدل على أن السجود لا يجوز على الفرش وإلا لما افتقر إلى الشكوى وكان يشكهم
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي العباس الفضل عن عبد الملك قال قال أبو عبد الله (ع): لا يسجد إلا على الأرض وما أنبته
الأرض إلا القطن والكتان وفي الحسن عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) أسجد على الزفت يعني القير؟ فقال: لا ولا على الثوب الكرسف
ولا على الصوف ولا على شئ من الحيوان أولا على طعام ولا علي شئ من ثمار الأرض ولا على شئ من الرياش وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (ع)
قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يسجد وعليه عمامة لا يصيب جبهته الأرض؟ قال: لا يجزيه ذلك حتى يصل جبهته إلى الأرض وما رواه
الشيخ في الصحيح وابن بابويه جميعا عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال: السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس وعن علي بن
يقطين انه سأل أبا الحسن الأول (ع) عن الرجل يسجد على المسح والبساط؟ فقال: لا بأس به إذا كان في حال تقية ولا بأس بالسجود على الثياب في حال التقية وعن هشام بن الحكم قال قلت
لأبي عبد الله (ع) أخبرني عما يجوز الصلاة عليه وعما لا يجوز؟ قال: السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو
لبس ولان النبي صلى الله عليه وآله سجد على الأرض وكان ذلك بيانا للواجب فيكون واجبا ولأنه قال: صلوا كما رأيتموني أصلي وهو يتناول
جميع الأحوال ولان السجود عبادة شرعية يتوقف في ايضاحها على الشرع وقد وقع الاتفاق على الأرض وما أنبتته فيقتصر عليه ولان
السجود أبلغ شئ في التذلل فيكون على أبلغ الأحوال وأتمها في الخضوع. * مسألة: ولا يسجد على ما استحال من الأرض وخرج عن
استحالة عن اسمها كالمعادن سواء كان منطبقة كالقير والنفط والزرنيخ أو غير منطبقة كالعقيق وشبهه لان النبي صلى الله عليه وآله واظب على
250

السجود على الأرض وذلك الاقتصار يقتضي أن يكون من كيفيات السجود فينبغي لقوله صلوا كما رأيتموني أصلي ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن عمر وسعيد
عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: لا تسجد على القير ولا على القفر ولا على الساروج وفي القير والقفر رواية أخرى رواها الشيخ عن معاوية بن عمار
قال سأل المعلى بن خنيس أبا عبد الله (ع) وأنا عنده عن السجود على القفر وعلى القير؟ فقال: لا بأس وحمل الأصحاب هذه الرواية على التقية وعلى
حال الضرورة توفيقا بين الاخبار وهو حسن ولا يسجد على شئ من الثمار ولا يسجد على المطعومات وإن كانت من نبات الأرض لان النبي صلى الله
عليه وآله لم يسجد عليه ولا ريب أن السجود عبادة شرعية فيلقي عن صاحب الشرع ويؤيده قولهم (عل) لا يجوز السجود إلا على الأرض وما أنبتته الأرض
إلا ما أكل أو لبس. فرع: ولا يسجد على الحمار لأنه مأكول ولا على الغلاة كالحنطة والشعير على إشكال والوجه الجواز لأنها في تلك الحال
غير مأكولة عادة وكذا لا يجوز السجود على البقول المأكولة كالهندبا والرشاد وما أشبهها. * مسألة: وفي القطن والكتان روايتان أظهرهما
بين الأصحاب المنع وهو فتوى الشيخين ومن تابعهما والسيد المرتضى (ره) في المصباح وقال في المسائل الموصلية يكره في الثوب المنسوج
من قطن أو كتان كراهيته تنزه وطلب فضل لا لأنه محظور ومحرم. لنا: ما تقدم في رواية الفضل عن الصادق (ع) ورواية زرارة عن الباقر
(ع) ورواية عمار بن عثمان وقد تقدم ذلك احتج السيد المرتضى بما رواه الشيخ عن داود الصيرمي قال سألت أبا الحسن الثالث (ع) هل يجوز
السجود على الكتان والقطن من غير تقية؟ فقال: جائز وعن الحسين بن علي بن كيسان الصنعاني قال كتبت إلى أبي الحسن الثالث (ع) أسأله عن
السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة؟ فكتب إلي ذلك جائز وعن ياسر الخادم قال مربي أبي الحسن (ع) وأنا أصلي على الطبري
وقد ألقيت عليه شيئا أسجد عليه؟ فقال لي: ما لك لا تسجد عليه أليس هو من نبات الأرض وتأول الشيخ
الحديث الأول بالجواز في حال الضرورة
لما رواه منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال قلت لأبي جعفر (ع) إنا نكون بأرض باردة يكون فيه الثلج أسجد عليه؟ قال: لا ولكن
ليصل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا وكذا تأول الرواية الثانية وقوله من غير ضرورة يوجب الهلاك وهذا وإن كان بعيدا إلا أنه محتمل
وتأول الرواية الثالثة بالتقية ما رواه في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يسجد على المسح والبساط؟ فقال: لا بأس إذا
كان في حال تقية فقلنا ثبوت الرخصة في هذين الشيئين لأجل التقية فكذا في صورة النزاع. فرع: وكذا كل ثوب يعمل من غير القطن
والكتان كالثياب المعمول من القنب والصوف والشعر وغيرها لأنها ملبوسة لمجرى العادة وهل يصح السجود على ما يكون من نبات الأرض إذا عمل ثوبا
وإن لم يكن بمجرى العادة ملبوسا فيه تردد أقربها الجواز. * مسألة: ولا يجوز السجود على كور العمامة ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول
الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وقال في الرواية الأخرى يجوز السجود عليه وهو قول مالك وأبي حنيفة. لنا: قوله تعالى: (واركعوا واسجدوا) وهو
وضع الجبهة على الأرض ذكره الجوهري وما رواه الجمهور في حديث الضباب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (ع)
قال قلت له الرجل يسجد وعليه القلنسوة أو عمامة؟ فقال: إذا مس جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه وعن أبان عن عبد الرحمان بن
أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يسجد وعليه العمامة لا يصيب جبهته الأرض؟ قال: لا يجزيه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض و
عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (ع) أنه كان يسجد على الكمين ولا العمامة ولا أنه يسجد على ما هو حائل له فلم يجز كما لو سجد على؟ قدمه؟
احتج المخالف بما رواه أنس قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وآله فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود وعن ثابت بن صامت أن
رسول الله صلى الله عليه وآله صلى في بني عبد الأشهل وعليه كيسا (كبس) ملصق به يضع يديه عليه برد الحصار وفي رواية فرأيته واضعا يديه على قربه
إذا سجد ولأنه عضو من أعضاء السجود على حائله كالقدمين والجواب عن الحديث الأول: أنه غير محل النزاع إذ يجوز السجود على الحائل مع الضرورة
وعن الثاني: إنا نقول بموجبه إذا أصابت اليدين الأرض غير واجب عندنا. وعن الثالث: أن السجود عبادة شرعية يتبع فيها النقل وقد يثبت
عن الرسول صلى الله عليه وآله المداومة على وضع الجبهة على الأرض ويكون واجبا بالنص فيبطل القياس مع قيام الفرق إذا وضع الجبهة على الأرض
أبلغ أنواع الخضوع وهي أمر مطلوب وهي مع الحائل تفوت بخلاف القدمين. فرع: المنع عندنا من السجود على كور العمامة لا من حيث
هو حائل له وإن لاح من كلام الشيخ التعليل بذلك فعلى هذا لو كان المحمول مما يصح السجود عليه كالخوص والنبات مثلا صح السجود عليه سواء كان
عمامة أو طرف رداء أو غيرهما والشيخ إن علل ذلك بكونه حائلا له كما هو مذهب الشافعي طساه (منعناه) بالدلالة عليه فإن احتج برواية عبد الرحمن بن أبي
عبد الله منعنا صرف النهي إلى محل النزاع إذ المفهوم من العمامة في غالب الاستعمال ما يجد من الملبوس عادة وكذا لو وضع بين جبهته وكور
العمامة ما يصح السجود كقطعة من خشب يستصحبها في قيامه وركوعه فإذا سجد كانت جبهته موضعة عليها صحت صلاته. * مسألة: ولا يجوز
السجود على بعض أعضائه اختيارا لأنه مأمور بالسجود على الأرض على ما مر ولم يأت به وما تقدم من الأحاديث ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن
عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل ثم سجد فبسط كفيه مضمومة الأصابع بين ركبتيه حيال وجهه والبيان للمجمل الواجب
واجب إلا ما يخرج بالدليل ولان النبي صلى الله عليه وآله لم يفعله والدوام على الترك يدل على المنع ولحديث زرارة وقد تقدم ولأنه يؤدي إلى تداخل السجود
251

* مسألة: ولا يجوز السجود على القير والنفط وشبهها ولا على الساروج لأنها خرجت بالاستحالة عن اسم الأرض ويؤيده ما رواه الشيخ عن
محمد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: لا تسجد على القفر ولا على القير ولا على الساروج وعن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (ع)
قال: لا تسجد على الذهب ولا على الفضة وفي الصحيح عن محمد بن الحسين ان بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي (ع) يسأله عن الصلاة على الزجاج
قال فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت هو ما أنبتت الأرض وما كان لي أن أسال عنه قال فكتب إلي لا تصل على الزجاج وإن حدثتك نفسك
أنه مما أنبتت الأرض ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان ولا يجوز السجود على الثلج لأنه عنصر مغاير الأرض فيدخل تحت المنع ويؤيده ما رواه
الشيخ عن معمر بن خلاد قال سألت أبا الحسن (ع) عن السجود على الثلج؟ فقال: لا تسجد في السبخة ولا على الثلج. * مسألة: ويجوز السجود على كل ما ينبت
من الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس من سائر أنواع الحشيش والنبات والخشب وغيرهما لما تقدم من الأحاديث ولان النبي صلى الله عليه وآله سجد على الخمرة
وهو معمولة من سعف النخل ويؤيده ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا (ع) الرجل يصلي على سرير من ساج فيسجد على الساج؟
قال: نعم، وفي الحسن عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله (ع) قال ذكر أن رجلا أتى أبا جعفر (ع) وسأله عن السجود على البوريا و
الحصير والنباتات؟ قال: نعم وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: لا بأس بالصلاة على البوريا والحصير وكل نبات إلا التمر ولان الأصل الأرض فجاز
السجود عليه كأصله. فروع: [الأول] السجود على الأرض أفضل من السجود على النبات لان الخضوع هناك أتم ويؤيده ما رواه الشيخ عن
إسماعيل بن الفضل أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن السجود عن الحصير والبواري؟ فقال: لا بأس وأن يسجد على الأرض أحب إلي فإن رسول الله
صلى الله عليه وآله كان يحب أن يمكن جبهته من الأرض فأنا أحب لك ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبه. [الثاني] لا بأس في السجود
على القرطاس ويكره إذا كان مكتوبا أما الأول: فللأصل ولأنه من الأرض ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار قال سأل داود بن
فرقد أبا الحسن (ع) عن القراطيس والكواغيذ المكتوبة هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب: يجوز وأما الثاني: فلانه ربما اشتغل بنظره في
الكتابة عن الصلاة ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) أنه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتاب لا
يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن صفوان الجمال رأيت أبا عبد الله (ع) في المحمل يسجد على قرطاس وأكثر ذلك يومى إيماء ولو كان السجود
عليه سائغا لما أومر بأنا نقول ليس في هذا الحديث دلالة على المنع بل هو يدل على الجواز لأنه (ع) كان يسجد عليه ولو لم يكن سائغا لما فعله
والايماء يحتمل أن يكون لعدم تمكنه من السجود لكونه في المحمل ويكون ذلك في النافلة أو الفريضة مع الضرورة. [الثالث] روى الشيخ عن عمر بن
حنظلة قال قلت لأبي عبد الله (ع) يكون الكدس في الطعام مطينا مثل السطح؟ قال: صل عليه وهذه الرواية مناسبة للمذهب ولا ينافيها ما
رواه الشيخ عن محمد بن مضارب عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن كدس حنطة مطين أصلي فوقه؟ فقال: لا تصلي فوقه قلت لأنه مثل السطح مستو، فقال:
لا تصل عليه لان هذه الرواية محمول على الكراهية قال الشيخ ولا بأس به. [الرابع] لا بأس بالسجود على الخمرة إذا كانت معمولة بالخيوط قال الشيخ ولا يجوز
إذا كانت معمولة بالسيور إن كانت طاهره يشتمل الجبهة روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يصلي الخمرة ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ عن حمران عن أحدهما (ع) قال قال أبي صلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة ويسجد عليها فإذا لم يكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد
وفي الموثق عن الحلبي قال قال أبو عبد الله (ع) دعا أبي بالخمرة فأبطلت عليه فأخذ كفا من حصى فجعله على البساط ثم سجدوا أما ما ذكره الشيخ
من الاشتراط فتدل عليه ما رواه علي بن الريان قال كتب بعض أصحابنا بيد إبراهيم بن عقبة الربعي أبا جعفر (ع) يسأله عن الصلاة على
الخمرة المدنية فكتب صل فيها ما كان بخيوطه ولا تصلي على ما كان معمولا بسيوره. [الخامس] يجوز الوقوف على ما لا يجوز السجود عليه كالصوف
والشعر والثياب كلها إذا كان موضع الجبهة مما يجوز الصلاة عليه عملا بالأصل ولان النبي صلى الله عليه وآله يسجد على الخمرة ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الحسن عن الفضيل بن يسار ويزيد بن معاوية عن أحدهما (ع) قال: لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد
على الأرض وإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه لا يقال يعارض ذلك ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه
عن علي (ع) أنه قال: لا يسجد الرجل على شئ ليس عليه سائر جسده لأنا نقول أن هذه الرواية ضعيفة السند فلا يعارض روايتنا مع اعتضادها بالأصل
وفعل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عل). * مسألة: وتخصيص ما ذكرناه بجواز السجود عليه إنما هو في حال الاختيار أما في حال الضرورة
فلا ذهب إليه علماؤنا أجمع أن مع حصول الضرورة لا تكليف ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال قلت له أكون في
السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضا على وجهي كيف أصنع؟ قال: تسجد على بعض ثوبك قلت ليس علي ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله؟ قال: اسجد
على ظهر كفك فإنها أحد المساجد وعن القاسم بن الفضيل قال قلت للرضا (ع) جعلت فداك الرجل يسجد على كمه من أذى الحر والبرد؟ قال:
لا بأس به وعن أحمد بن عمر قال سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يسجد على كم قميصه من أذى الحر والبرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما
لا يسجد عليه؟ فقال: لا بأس به وسجوده (بنحوه) روى ابن يسار عن أبي الحسن (ع) وعن منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال قلت لأبي جعفر (ع)
252

إنا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ فقال: لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا. فروع: [الأول] حال التقية بعض أحوال
الضرورة فيثبت فيها الترخص كغيرها ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يسجد على المسح؟ فقال: إذا كان في
تقية فلا بأس وفي الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن الماضي (ع) عن الرجل يسجد على المسح والبساط؟ فقال: لا بأس إذا كان في حال
تقية. [الثاني] السجود على القطن والكتان أولى من السجود على الثلج لأنه نبات الأرض بخلاف الثلج الذي ليس بأرض ولا منها ويؤيده
حديث منصور بن حازم. [الثالث] روى الشيخ عن داود الصيرمي قال سألت أبا الحسن (ع) قلت له إني أخرج في هذا الوجه وربما لم يكن موضع
أصلي فيه من الثلج فكيف أصنع؟ قال: إن أمكنك ألا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه وإن لم يمكنك فسوه واسجد عليه. [الرابع] فعل هذه الصلاة على ما
ذكرناه لا يسمع القضاء لأنه مأمور بها فكانت مجزية كغيرها. [الخامس] روى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال سألته عن المريض
فقال: يسجد على الأرض أو المروحة أو على سواك يرفعه هو الأفضل من الايماء إنما كره من كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد
من دون الله وإنما لم يعبد غير الله قط فاسجد على المروحة أو على عود أو على سواك. [السادس] لا يجوز السجود على الوحل لعدم استقرار الجبهة
عليه ويؤيده ما رواه الشيخ عن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن حد الطين الذي يسجد فيه ما هو؟ قال: أغرقت الجبهة ولم يثبت على
الأرض ولو اضطر أومأ لما رواه عمار عن أبي عبد الله (ع) فإذا رفع رأسه من الركوع فليوم بالسجود إيماء. [السابع] يكره السجود على
الأرض السبخة فقد تقدم. * مسألة: ويشترط لموضع السجود أمران، الملك أو ما في حكمه وقد مضى البحث فيه والطهارة فلو سجد على شئ نجس لم يصح
صلاته إجماعا منا وهو قول أهل العلم كافة إلا في رواية عن أبي يوسف أنها يفسد سجدته دون صلاته وليست شيئا لان فساد جزء الصلاة
مستلزم فساد ما فيها كما في الركوع احتج بأنه سجد على النجاسة فلا يعتبر فيصير كالعدم وجوابه المنع من عدم اعتبارها في البطلان. فرعان: [الأول]
هل يشترط طهارة مواضع الأعضاء السبعة التي يسجد عليها أم لا؟ فاختلف علماؤنا فالأكثر اشترطوا طهارة موضع الجبهة لا غير واستحبوا طهارة
الباقي وأبو الصلاح اشترط طهارة الجميع والأقرب عندي ما ذهب إليه الأكثر وهو اختيار أبي حنيفة وأصحابه
إلا أن أبا حنيفة اعتبر الموقف فإن
كان موضع القدمين نجسا لم يصح صلاته وقال الشافعي بمثل قول أبي الصلاح. لنا: الأصل عدم الاشتراط ولان موضع اليدين والركبتين
على الأرض عنده ليس بشرط للجواز فطهارة موضعها أولى بعدم الاشتراط ويؤيده ما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال سألته
عن الشاذكونة يكون عليه (عليها) الجنابة أيصلى عليها في المحمل؟ قال: لا بأس وعن محمد بن أبي عمر وقال قلت لأبي عبد الله (ع) إذا صلى على الشاذكونة و
قد أصابها الجنابة؟ فقال: لا بأس احتج المخالف بأنه استعمل النجاسة في الصلاة فصار كحاملها والجواب المنع من المقدمتين. [الثاني] إذا تيقن
حصول النجاسة في مكان وجهل تعينها فإن كان الموضع محصورا كالبيت وشبهه لم يسجد عليه شئ منه وإن كان متسعا كالصحراء جاز دفعا للمشقة.
[الفصل السادس] في الأذان والإقامة وفيه مباحث {الأول}، الأذان لغة الاعلام قال الله تعالى: (وأذن
في الناس بالحج) وقال: (وأذان من الله ورسوله) وقال الشاعر أذاننا ينسها اسما وفي الشرع عبارة عن أركان مخصوصة موضوعة للاعلام بأوقات الصلاة
وهو من السنن المؤكدة إجماعا روى الجمهور عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة وقال صلى الله عليه وآله
ثلاث على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأولون والآخرون رجل نادى بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة ورجل يؤم قوما وهم به راضون وعبد أدى
حق الله وحق مواليه ورواه الأصحاب أيضا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن يحيى الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا أذنت في أرض
فلاة وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة وإن أقمت ولم تؤذن صلى خلفك صف واحد ونحوه روي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
(ع) وروى ابن بابويه عن عبد الله بن علي قال حملت متاعي من البصرة إلى مصر فقدمتها فبيننا أنا في بعض الطريق إذ انا بشيخ طوال شديد
الأدمة أبيض الرأس واللحية عليه طهران أحدهما أسود والآخر أبيض قلت من هذا قالوا هذا بلال مولى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذتك من
الواحي فأتيته فسلمت عليه فقلت السلام عليك أيها الشيخ فقال وعليك السلام قلت يرحمك الله حدثني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله
وما يدريك من أنا فقلت أنت بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله قال فبكى وبكيت حتى أجمع الناس علينا ونحن نبكي قال ثم
قال يا غلام من أي البلاد أنت قلت من أهل العراق قال بخ بخ فمكث ساعة ثم قال أكتب يا أخا أهل العراق بسم الله الرحمن الرحيم سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم لا يسألون الله شيئا إلا أعطاهم ولا
يشفعون في شئ إلا شفعوا قلت زدني رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من أذن أربعين
عاما محتسبا بعثه الله يوم القيامة أمنه (امنا) وله عمل أربعين صديقا عملا مبرورا متقبلا قلت زدني رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من أذن عشرين عاما بعثه الله يوم القيامة وله من النور مثل نور السماء قلت زدني رحمك الله قال اكتب
بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من أذن عشر سنين أسكنه الله عز وجل مع إبراهيم في قبته أو في درجته قلت زدني
253

رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من أذن سنة واحدة بعثه الله يوم القيامة و
قد غفر ذنوبه كلها بالغا ما بلغت ولو كانت مثل زنة جبل أحد قلت زدني رحمك الله قال: نعم فاحفظ واعلم واحتسب سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول: من أذن في سبيل الله صلاة واحدة إيمانا واحتسابا وتقربا إلى الله عز وجل غفر الله له ما سلف من ذنوبه ومن عليه بالعصمة
فيما بقي من عمره وجمع بينه وبين الشهداء في الجنة قلت زدني يرحمك الله بأحسن ما سمعت قال ويحك يا غلام قطعت أنياط قلبي وبكى وبكيت
حتى اني والله لرحمته ثم قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إذا كان الناس يوم القيامة وجمع الله عز وجل
الناس في صعيد واحد بعث الله عز وجل إلى المؤذنين ملائكة من نور معه الولاية وأعلام من نور يقودون خبائب أزمتها زبرجد أخضر وخفائفها
المسك الأذفر يركبها المؤذنون فيقومون عليها قياما تقودهم الملائكة ينادون بأعلا صوتهم بالأذان بم بكى بكاء شديدا حتى انتحت
وبكيت فلما مسكت قلت مم بكاؤك قال ويحك ذكرتني أشياء سمعت حبيبي وصيفي (ع) يقول: والذي بعثني بالحق نبيا أنهم يمرون على الحق قياما
على المحاريب فيقولون الله أكبر الله أكبر فإذا قالوا ذلك سمعت لامتي ضجيجا فسأله أسامة بن زيد عن ذلك الضجيج ما هو قال الضجيج التسبيح والتحميد
والتهليل فإذا قالوا اشهد أن لا إله إلا الله قلت أمتي إياك كنا نعبد في الدنيا فيقال لهم صدقتم فإذا قالوا اشهد أن محمدا رسول الله قالت أمتي
هذا الذي أتانا برسالة ربنا جل جلاله وأمنا به ولم نره فيقال لهم صدقتم هذا الذي أدى إليكم الرسالة من ربكم وكنتم به مؤمنين فحقيق على
الله أن يجمع بينكم وبين نبيكم فيهن بهم إلى منازلهم وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم نظر إلي فقال إن استطعت ولا
قوة إلا بالله أن لا تموت إلا مؤذنا فافعل الحديث والاخبار في ذلك كثيرة. * مسألة: وفصول الأذان والإقامة خمسة وثلاثون الأذان ثمانية
عشر والإقامة سبعة عشر الأذان الله أكبر الله أكبر الله أكبر اشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمدا
رسول الله اشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله والإقامة مثل ذلك إلا أن يسقط فيه التكبير مرتين من أولها ومرة واحدة لا إله إلا الله في آخرها ويزاد
فيها بعد حي على خير العمل قد قامت الصلاة مرتين هذا الذي عليه فتوى أكثر علمائنا وإن اختلفت أخبارهم وخالفنا الجمهور في مواضع يشتمل عليها
مسائل المسألة الأولى: التكبير في أول الأذان أربع مرات ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال أبو حنيفة والثوري
والشافعي وإسحاق وأحمد وقال مالك
التكبير في أول الأذان مرتان وهو قول أبي يوسف. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن زيد قال علم رسول الله صلى الله عليه وآله بلالا
الأذان والتكبير في أوله أربع مرات ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قال أبو جعفر (ع) يا زرارة تفتح
الأذان بأربع تكبيرات وتختمه تكبيرتين وتهليلتين وعن إسماعيل بن جعفر قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول الأذان والإقامة خمسة
وثلاثون حرفا وعن أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي جميعا عن أبي عبد الله (ع) أنه حكى لهما الأذان يقال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر
إلى آخره ولأنه بعده منقول فاستحب فعله كغيره من الاذكار احتج مالك بأن أبا محذورة كان يؤذن ويجعل التكبير في أوله مرتين ولان
الأذان ذكر واحد فيتساوى أجزأوه والجواب عن الأول: أنه معارض بحديث بلالا والاخذ به أولى لأنه أكثر ملازمة لرسول الله صلى
الله عليه وآله ولان رواية مالك حكاية لفعل بعض الصحابة، وعن الثاني أنها وظيفة شرعية فيقف عليه ولأنها تنتقض بالتهليل في آخره عندهم
لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) عن زرارة والفضل بن يسار عن أبي جعفر (ع) حكاية الأذان
وجعل التكبير في أوله مرتين لأنا نقول أن القصد كان تفهيم السائل كيفية التلفظ لا تعريف العدد لما قد بينا من الروايات. المسألة الثانية:
الترجيع مكروه ذهب إليه علماؤنا وهو تكرار الشهادتين مرتين وقال الشيخ في المبسوط الترجيع غير مسنون في الأذان وهو تكرار التكبير والشهادتين
في أول الأذان فإن أراد تنبيه غيره جاز تكرير الشهادتين ومن كره الترجيع الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وقال الشافعي
الترجيع مستحب وهو أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين يخفض بذلك صوته ثم يعيدهما رافعا صوته. لنا: ما رواه الجمهور في حديث عبد الله بن
زيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم بلالا الأذان كما وصفناه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن مهران الجمال
قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول الأذان مثنى مثنى ومثله روى أبو همام عن أبي الحسن (ع) احتج الشافعي بما رواه أبو محذورة أن النبي صلى
الله عليه وآله لقنه الأذان فقال له تقول اشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمدا رسول الله اشهد أن محمدا رسول الله ثم
ذكر الأذان والجواب: أن أبا محذورة لا تعويل على روايته وأن أصحاب الحديث قالوا إنما خص النبي صلى الله عليه وآله أبا محذورة بذلك ليحصل
له الاخلاص بالشهادتين لأنه لم يكن معتقدا بهما حينئذ لأنه كان مستهزئا يحكي أذان مؤذن النبي صلى الله عليه وآله على سبيل الاستهزاء فسمع
رسول الله صلى الله عليه وآله صوته فدعاه فأمره بالأذان قال أبو محذورة ولا شئ عندي أبغض من النبي صلى الله عليه وآله ولا مما يأمرني به
فقصد النبي صلى الله عليه وآله نطقه بالشهادتين سر التسليم بذلك ومع هذا كيف يجوز ترك الروايات
254

الشهيرة لهذه الرواية الضعيفة. فرع: لو أراد المؤذن إشعار قوم بذلك ساغ له تكرير الشهادتين مرتين على ما قاله الشيخ لأنه ذكر الله يحصل
منه فائدة لا يحصل بدونه فكان مشروعا ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة وفي حي على
الصلاة أو حي على الفلاح مرتين والثلاث أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس. المسألة الثالثة:
قوله حلي على خير العمل الأذان والإقامة سنة يبطل الأذان بتركه ذهب إليه علماؤنا أجمع وأنكره الجمهور كافة. لنا: ما رواه الجمهور أنه قد كان في زمن
النبي صلى الله عليه وآله يفعل ذلك وادعاؤهم التسبيح لم يثبت ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (ع) ورواه
في الصحيح عن زرارة والفضيل بن يسار عن الباقر (ع) في حديث الأسرى. المسألة الرابعة: التهليل في آخر الأذان مرتان ذهب إليه
علماؤنا أجمع وأطبق الجمهور على المرة. لنا: ما رواه عن أنس قال أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وعن سويد بن غفلة قال سمعت بلالا
يؤذن مثنى مثنى ويقيم مثنى وعن سويد قال أذن بلال صوتي صوتي (مثنى مثنى) وأقام مثل ذلك ومن طريق الخاصة رواية زرارة والفضيل عن
الباقر (ع) ورواية أبى بكر الحضرمي وكليب الأسدي عن أبي عبد الله (ع). المسألة الخامسة: روي في بعض أخبارنا أن التكبير في آخر الأذان
أربع مرات والتعويل على ما تقدم في الأحاديث ويحمل هذه الرواية على إرادة الاشعار وأما ما روي في الشاذ من قوله أن عليا ولي الله وأن
محمدا خير البرية فمما لا يعول عليه قال الشيخ في المبسوط فإن فعله لم يكن آثما وقال في النهاية كان مخطئا. المسألة السادسة: التثويب في
الأذان الغداة أو غيرها غير مشروع وهو قول الصلاة خير من النوم ذهب إليه أكثر علمائنا وهو قول الشافعي وأطبق أكثر الجمهور على استحبابه في الغداة لكن
عن أبي حنيفة روايتان في كيفيته فرواية كما قلناه والأخرى أن التثويب عبارة عن قول المؤذن بين أذان الفجر وإقامته حي على الصلاة مرتين حي على
الفلاح مرتين. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن زيد فإنه لم يدرك في أذانه الذي نقله عن رسول الله صلى الله عليه وآله ومن طريق الخاصة
رواية زرارة والفضيل عن الباقر (ع) في حكاية أذان الملك وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله (ع) عن
التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة؟ فقال: ما نعرفه ولأنه مكروه في غيرها من الصلوات فيلحق بغيرها احتج المخالف بما رواه أبو محذورة قلت
يا رسول الله علمني سنة الأذان؟ فقال: بعد قوله حي على الفلاح فإن كان في صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم والجواب أن هذه الرواية ضعيفة كما
بيناه من حال أبي محذورة عند أهل الحديث منهم. وأيضا فإن الشافعي على كراهية التثويب أن أبا محذورة لم يذكره وقد أنكر هذه الرواية جماعة منهم
كأبي عيسى فإنه قال: هذا التثويب الذي أنكره أهل العلم وكرهوه وهو الذي خرج منه ابن عمر عن المسجد لما سمعه وقال إسحاق: هذا شئ أحدثه الناس
والعجب أن أبا حنيفة لا يعمل بخبر الواحد فيما يعم به البلوى وعمل ها هنا برواية أبي محذورة مع ما فيها من
المطاعن ومعارضتها الروايات حجاج لا
يقال قد روى الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: النداء والتثويب في الإقامة من السنة وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال:
كان أبي ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم ولو رددت ذلك لم يكن به بأس لأنا نقول بعد تسليم صحة السند أنهما حديثان ضعيفان لعدم اعتضادهما
بغيرهما وبعمل الأصحاب ومنافاة في الروايات لهما فيحملان على التقية ذكره الشيخ وروي عن بلال أنه أذان ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
يؤذن بالصلاة فقيل له بأن رسول الله صلى الله عليه وآله نائم فقال بلال الصلاة خير من النوم مرتين فيحتمل أن يكون مستند فتوى
القائلين به إلى هذه الرواية. المسألة السابعة: يكره أن يقول بين الأذان والإقامة حي على الصلاة حي على الفلاح وبه قال الشافعي
وقال محمد بن الحسن: فإن التثويب الأول الصلاة خير من النوم مرتين بين الأذان والإقامة ثم أحدث الناس بالكوفة حي على الصلاة حي على الفلاح
مرتين بينهما وهو حسن وقال بعض أصحاب أبي حنيفة بقوله بعد الأذان حي على الصلاة حي على الفلاح بقدر ما يقرأ عشر آيات. لنا: ما رواه الجمهور
أن عمر أنكر على أبي محذورة لما أذن بالصلاة فقال حي على الصلاة حي على الفلاح قال ويحك أمجنون أنت ما كان في دعائك الذي دعوتنا ما
نأتيك حتى تأتينا بهذا قول على أنه مكروه لأنه لو لم يكن كذلك لما أنكره وأحاديث أهل البيت (عل) يدل عليه. المسألة الثامنة:
فصول الإقامة مثنى عدا التهليل في آخرها فإنه مرة واحدة ذهب إليه علماؤنا وقال أبو حنيفة: الإقامة مثنى كما قلنا إلا أنه يجعل بدل حي على خير العمل
التكبير في أولها كالأذان وللشافعي قولان، أحدهما: انها مرة مرة، والثاني: ان التكبير مرتان في أولهما والباقي مرة مرة إلا قد قامت الصلاة فإنها مرتان
وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وعروة بن الزبير والحسن البصري. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الإقامة
سبع عشر كلمة قال الترمذي وهو حديث حسن صحيح ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن مهران الجمال قال سمعت أبا عبد الله (ع)
يقول: الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى وحكاه الباقر (ع) في أذان الكل وإقامته احتج المخالف بما رواه عبد الله بن عمر أنه قال كان الأذان على عهد رسول
الله صلى الله عليه وآله مرتين مرتين والإقامة مرة مرة إلا أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة والجواب المعارضة بما تقدم من الأحاديث
وما ذكرناه أحوط فكان العمل به أولى. فرع: يجوز في السفر وعند العذر إفراد فصول الأذان والإقامة للحاجة إلى ذلك ويؤيده ما رواه
الشيخ في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) عن أبي عبيدة الحذاء قال رأيت أبا جعفر (ع) يكبر واحدة واحدة في الأذان فقلت له لم تكبر واحدة؟ فقال: لا
255

بأس به إذا كنت مستعجلا وعن يزيد بن معاوية عن أبي جعفر (ع) قال: الأذان يقصر في السفر كما يقصر الصلاة الأذان واحدا واحدا أو الإقامة
واحدة واحدة وروى الشيخ عن يزيد مولى الحكم عمن حدثه عن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول لان أقيم مثنى مثنى أحب إلي من أن ائذن وأقيم
واحدا واحدا. المسألة التاسعة: قال الشيخ في النهاية والذي ذكرناه من فصول الأذان هو المختار المعمول عليه وقد روى سبعة وثلاثون
فصلا في بعض الروايات يضيف إلى ما ذكرناه التكبير مرتين في أول الإقامة وقد روى ثمانية وثلاثون فصلا يضيف إلى ذلك أيضا لا إله إلا الله
مرة أخرى في آخر الإقامة وقد روى اثنان وأربعون فصلا يضيف إلى ذلك أيضا التكبير في آخر الأذان مرتين وفي آخر الإقامة مرتين فمن عمل على أحد
هذه الروايات لم يكن مأثوما. المسألة العاشرة: آخر فصول الأذان لا إله إلا الله وهو قول أهل العلم ونقل شارح الطحاوي
عن أهل المدينة ان آخره لا إله إلا الله والله أكبر وهو غير معتمد. * مسألة: ويشترط في الأذان والإقامة الترتيب بمعنى أن المخل به لا
يكون آتيا بالأذان ولا يعتد به في الجماعة ولأمر به لو حلف أن يؤذن لأنها عبادة شرعية لا مجال للعقل فيها فيقف على صاحب الشرع و
يؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال: من سهى في الأذان فقدم أو أخر عاد على الأول الذي آخره حتى يمضي
إلى آخره وعن عمار الساباطي قال سألت أبا عبد الله (ع) وسمعته يقول فإن نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه ثم يقول
من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة. * مسألة: ويستحب الوقوف في فصولها لا يظهر في أواخرها الاعراب وعليه فتوى علمائنا وبه قال
أحمد خلافا للباقين. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر حكى ابن الأنباري عن أهل اللغة
أنه قال ترسله ودرجة بحيث لا يصلى الكلام بعضه ببعض بل حرفا وقال إبراهيم النخعي شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما الأذان والإقامة والظاهر
أنه أشار بذلك إلى الصحابة كافة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة قال قال أبو جعفر (ع) الأذان جزم بإفصاح " الألف
والهاء " والإقامة حدر ومثله روي عن خالد بن نجيح عن الصادق (ع). * مسألة: ويستحب ترسل الأذان واحدا والإقامة والترسل
هو التأني والتمهل والحدر الاسراع ولا نعرف فيه خلافا روى الجمهور عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا أذنت فترسل وإذا أقمت
فاحدر وقال عمر لمؤذن بيت المقدس إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر قال الأصمعي الحدر في المشي هو الاسراع ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الحسن بن السري عن أبي عبد الله (ع) قال: الأذان ترسل والإقامة حدر ولان الأذان إعلام البعد واستحب فيه التمهل والإقامة
إعلام الحاضرين فاكتفى فيها بالادراج. * مسألة: ويستحب الفصل بين الأذان والإقامة بركعتين أو سجدة أو جلسة أو خطوة إلا
المغرب فإنه يفصل فيهما بخطوة أو سكتة أو تسبيحة ذهب إليه علماؤنا وبه قال أحمد خلافا للشافعي وأبي حنيفة. لنا: ما رواه الجمهور عن جابر عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لبلال أجعل بين أذانك وإقامتك بقدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتقر إذا دخل القضاء
حاجة والمعتقر هو الذي يعقب من الشرب ويأخذ منه وعن أبي هريرة قال جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة سنة وعن أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله كانوا إذا أذن المؤذن ابتدروا السواري فصلوا ركعتين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الحسن بن شهاب
عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بد من قعود بين الأذان والإقامة وفي الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري قال سمعته يقول الفرق بين الأذان والإقامة
بجلوس أو ركعتين وعن سعيد بن عميرة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: بين كل أذانين قعدة إلا المغرب فإن بينهما
نفسا ون أبي علي صاحب الأنماط عن أبي عبد الله (ع) وأبي الحسن (ع) كان يؤذن للظهر على ست ركعات ويؤذن للعصر ست ركعات بعد الظهر. فروع:
[الأول] قد روي الجلوس بين أذان المغرب وإقامتها روى الشيخ عن إسحاق الحريري عن أبي عبد الله (ع) قال: من جلس فيما بين أذان المغرب
والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله. [الثاني] روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن مسكان قال رأيت أبا عبد الله (ع)
أذن وأقام من غير أن يفصل بينهما الجلوس. [الثالث] روى الشيخ عن جعفر بن محمد بن يقطين رفعه إليهم قال: يقول الرجل إذا فرغ من الأذان
وجلس (يقول) " اللهم اجعل قلبي بارا ورزقي دارا واجعل لي قبر رسول الله صلى الله عليه وآله قرارا ومستقرا " وعن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه
السلام سئل ما الذي يجزي من التسبيح بين الأذان والإقامة قال يقول " الحمد لله ". * مسألة: ولا يستحب الكلام في أثناء الأذان فإن تكلم
لم يعد عامدا كان أو ساهيا إلا أن يتطاول بحيث يخرج عن الموالاة وكذا لو سكت طويلا يخرج به في العادة عن نظام الموالاة ويكره
الكلام في الإقامة بغير خلاف بين أهل العلم روى الشيخ عن عمر بن أبي نصير قال قلت لأبي عبد الله (ع) أيتكلم الرجل في الأذان؟ فقال:
لا بأس قلت في الإقامة؟ قال: لا وعن سماعة قال سألته عن المؤذن يتكلم وهو يؤذن؟ قال: لا بأس حتى يفرغ من أذانه وعن أبي هارون
المكفوف قال قال أبو عبد الله (ع) يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ولا توم بيدك ولأنه يستحب حدرها وإن لا
يفرق بينهما (بينها). فروع: [الأول] الكراهية تتأكد بعد قوله قد قامت الصلاة وقال الشيخان والسيد المرتضى تحرم الكلام حينئذ. لنا:
الأصل براءة الذمة وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال:
256

نعم وعن الحسن بن شهاب قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لا بأس بأن يتكلم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما يقيم إن شاء احتج الشيخ
بما رواه ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا أن يكونوا قد
اجتمعوا من شئ فليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال: لا تكلم
إذا قمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة وعن سماعة قال قال أبو عبد الله (ع): إذا قام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلا أن
يكون القوم ليس يعرف لهم إمام. والجواب: أن ذلك محمول على شدة الكراهية جمعا بين الروايات. [الثاني] لا خلاف تسويغ الكلام بعد
قد قامت الصلاة إذا كان مما يتعلق بالصلاة كتقديم إمام أو تسوية صف. [الثالث] لو تكلم خلال الإقامة استحب له إعادتها لرواية محمد بن
مسلم. [الرابع] لو جن أو أغمي عليه أو نام خلال الأذان ثم زالت الأوصاف فإن حصل الموالاة عادة أتم وإلا أعاد وكذا لو ارتد في أثنائه
أو بعد الأذان قبل الإقامة ثم عاد ولو تكلم في خلال الأذان يسيرا محرما كان أو نحوه لم تبطل أذانه لأنه لا يخل بالمقصود فكان كالمباح
خلافا لقوم. [البحث الثاني] في المؤذن، * مسألة: يعتبر في المؤذن العقل والإسلام إجماعا لعدم الاعتداد بعبادة المجنون
وسقوط التكليف عنه والكافر ليس أهلا للإمامة والمؤذن بقول النبي صلى الله عليه وآله: الامام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم
أرشد الأئمة واغفر المؤذنين وفيه دلالة على كونه أهلا للاستغفار ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن
جده عن علي (ع) قال: المؤذن مؤتمن والامام ضامن وعن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال سأل هل يجوز أن يكون الأذان
عن غير عارف؟ قال: لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فإن علم الأذان وأذن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه
ولا إقامته ولا يقتدى به وهذا حكم متفق عليه بين أهل العلم. * مسألة: ولا يعتبر فيه البلوغ ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال عطا
والشعبي وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وقال أبو حنيفة: يعتبر فيه البلوغ إذا أذن للرجال. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد
الله بن أبي بكر بن أنس قال: إن عمر منه كانوا يأمرونه بالأذان لهم وهو غلام لم يحتلم وأنس بن مالك حاضر لا ينكر ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
(ع) عن أبيه عن عليا (ع) كان يقول: لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم ولأنه ذكر يصح صلاته فاعتد بأذانه كالبالغ احتج
المخالف بأنه لا يقبل خبره ولا روايته فلا يعتد بأذانه وبقوله (ع): ليؤذن لكم خياركم. والجواب عن الأول: بمنع صحة القياس لعدم الجامع فيه و
الفرق ظاهر لان أخباره يحتمل الكذب بخلاف إيقاعه للأذان، وعن الثاني: أنه يدل على الامر بالخيار ولا يدل على المنع من أذان الصبي. * مسألة:
ويستحب أن يكون عدلا وإن لم يكن العدالة شرطا ذهب إليه علماؤنا وأحمد في إحدى الروايتين. لنا: أنه يصح أذانه الشرعي لنفسه لكونه عاقلا
فتعين أذانه في حق غيره كالعدل ولان الامر بالأذان ورد مطلقا احتج أحمد بأنه لا يقبل خبره ولا روايته فلا يعتد بأذانه والجواب: الفرق ما
بينا في الصبي وأما استحباب العدالة فلا خلاف فيه لأنه مؤتمن وهو وصف منوط بالعدالة ولأنه لا يؤمن من
يطلع على العورات حال أذانه
على مرتفع ولأنه لا يؤمن أن يضر غيره في الأوقات. * مسألة: ويعتد بأذان العبد وهو قول كل من يحفظ عنه العلم لعموم الامر
بالأذان المساوي للحر والعبد على حد واحد ولأنه يصح أن يؤتم به فيصح أن يعتد بأذانه لان تسويغ متابعته في أعلى المرتبتين يقتضي تسويغ متابعته في أذناهما. * مسألة: وليس
على النساء أذان ولا إقامة ولا نعرف فيه خلاف لأنهما عبادة شرعية يتوقف توجه التكليف بهما على الشرع ولم يرد ويؤيده ما رواه الشيخ
في الصحيح عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المراة عليها أذان وإقامة؟ فقال: لا. فروع: [الأول] يجوز أن تؤذن
المرأة للنساء ويعتدون به ذهب إليه علماؤنا وقال الشافعي: إن أذن وأقمن فلا بأس وقال عطا ومجاهد والأوزاعي: أنها يقمن. لنا: ما رواه الجمهور
عن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وعن أم ورقة أن النبي صلى الله عليه وآله أذن لها أن يؤذن ويقام وقام نساء أهل دارها ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة تؤذن للصلاة؟ فقال: حسن إن فعلت وإن لم تفعل
أجزئها أن تكبر وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولأنها تصح إمامتها لهن فيجوز أذانها لان منصب الإمامة أعظم. [الثاني]
قال علماؤنا: إذا أذنت المرأة أسرت بصوتها لئلا يسمعه الرجال وهو عورة. [الثالث] قال الشيخ أنه يعتد بأذانهن للرجال وهو ضعيف
لأنها إن جهرت ارتكبت معصية والنهي يدل على الفساد وإلا فلا اجتزاء به لعدم السماع. [الرابع] روى الشيخ في الصحيح عن زرارة قال
قلت لأبي جعفر (ع) النساء عليهن أذان؟ فقال: إذا شهدت الشهادتين فحسبها. [الخامس] الخنثى لا يؤذن للرجال لاحتمال أن يكون امرأة
ولا تؤذن المرأة لها (له) لاحتمال أن يكون رجلا. * مسألة: ويستحب أن يكون متطهرا من الحدثين وعليه إجماع العلماء وروى الجمهور عن وائل بن
حجر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: حق وسنة أن لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يؤذن إلا
متوضئ. فروع: [الأول] ليست الطهارة شرطا في الأذان ذهب إليه علماؤنا وأكثر أهل العلم وقال في إحدى الروايتين: إن أذن
257

جنبا لم يعتد به وهو قول إسحاق بن راهويه. لنا: أن الجنابة أحد الحدثين فلا يشترط فقده كالآخر ولأنه لا يزيد على قراءة القرآن والطهارة غير
شرط فيه ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس أن يؤذن وأنت على غير طهور ولا تقيم إلا
وأنت على وضوء وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس أن يؤذن المؤذن وهو جنب ولا يقيم حتى يغتسل احتج المخالف بحديث
وائل وأبي هريرة والجواب أنه محمول على الاستحباب لان عمل المسلمين على خلاف ذلك. [الثاني] الطهارة في الإقامة أشد استحبابا منها
في الأذان لحديث ابن سنان وابن عمار والأقرب اشتراط الطهارة وفيها للحديثين. [الثالث] لو أحدث في خلال الأذان تطهر و
بنى لان الحدث لا يمنع منه ابتداء وكذا استدامة ولو كان في الإقامة استأنف. [الرابع] لو أحدث في أثناء الصلاة أعادها ولم يعد الإقامة
ذكره الشيخ لان فائدة الإقامة وهي الدخول بها في الصلاة قد حصل أما لو تكلم أعادها مع الصلاة لما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي
عبد الله (ع): لا تكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة. * مسألة: ويستحب أن يكون صيتا لان القصد به الاعلام و
النفع بالصيت فيه أبلغ ولا نعرف فيه خلافا روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعبد الله بن زيد القه على بلال فإنه أندى
صوتا منك واختار (ع) أبا محذورة للأذان لكونه صيتا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مروان قال سمعت أبا عبد الله
(ع) يقول: المؤذن يغفر له مد صوته بشهادة كل شئ سمعه وعن سعد بن ظريف عن أبي جعفر (ع) قال: من أذن عشر سنين محتسبا يغفر
له مد بصره وصوته في السماء ويصدقه كل رطب ويابس سمعه وله من كل من يصلي معه في مسجده سهم وله من كل من يصلي بصوته حسنة
وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا أذنت فلا تخفض صوتك فإن الله يأجرك مد صوتك. * مسألة: ويستحب أن يؤذن
على مرتفع لأنه أبلغ في رفع الصوت فيكون النفع به أتم وقال الشيخ في المبسوط يكره الأذان في الصومعة قال ولا فرق بين أن يكون الأذان
في المنارة أو على الأرض والأولى ما اخترناه من استحباب العلو ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: كان
طول حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قامة وكان (ع) يقول لبلال: إذا دخل الوقت اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان فإن الله عز وجل قد وكل بالأذان
ريحا يرفعه إلى السماء وقد روى الشيخ عن علي بن جعفر قال سألت أبا الحسن (ع) عن الأذان في المنارة أسنة هو؟ فقال: إنما كان يؤذن
النبي صلى الله عليه وآله في الأرض ولم يكن يومئذ منارة وهذا لا ينافي ما ذكرناه من استحباب العلو. * مسألة: ويستحب أن يؤذن قائما
ويتأكد في الإقامة وهو قول أهل العلم كافة لان النبي صلى الله عليه وآله قال لبلال قم فأذن وكان مؤذنوه (ع) يؤذنون قياما ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن حمران قال سألت أبا جعفر (ع) عن الأذان جالسا؟ فقال: لا يؤذن جالسا إلا راكب أو مريض ولان رفع
الصوت مع القيام يكون أبلغ. فروع: [الأول] القيام في الإقامة آكد روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت يؤذن الرجل
وهو قاعد؟ قال: نعم ولا يقيم إلا وهو قائم وفي الصحيح عن أحمد بن محمد عن العبد الصالح (ع) قال: يؤذن الرجل وهو جالس ولا يقيم إلا وهو
قائم. [الثاني] يجوز له أن يؤذن راكبا وعلى الأرض أفضل ويتأكد في الإقامة بما رواه الشيخ في الصحيح عن العبد الصالح (ع)
قال: تؤذن وأنت راكب ولا تقيم إلا وأنت على الأرض. [الثالث] يجوز أن يؤذن وهو ماش والوقوف أفضل ويتأكد في الإقامة
روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن الرجل يؤذن وهو يمشي أو على ظهر دابته أو على غير طهور؟ فقال:
نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس وعن سليمان بن صالح عن أبي عبد الله (ع) قال: لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش
ولا راكب ولا مضطجع إلا أن يكون مريضا وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة ويجوز الإقامة ماشيا روى ذلك يونس بن الشيباني
عن أبي عبد الله (ع) قلت له أؤذن وأنا راكب؟ فقال: نعم، قلت فأقيم وأنا راكب؟ قال: لا، قلت فأقيم ورجلي في الركاب؟ قال: لا، قلت فأقيم وأنا قاعد، قال: لا، قلت فأقيم وأنا ماش؟ قال: نعم، ماش إلى الصلاة.
* مسألة: ويستحب أن يؤذن مستقبل القبلة ويتأكد في الإقامة وقال السيد المرتضى يجوز الأذان بغير وضوء من غير استقبال القبلة
إلا في الشهادتين والإقامة لا يجوز إلا على وضوء واستقبال القبلة أما استحباب الاستقبال فلما تقدم من الأحاديث كحديث محمد بن مسلم عن
أحدهما (ع) وأما عدم الوجوب فلانه كيفية لمندوب فلا يزيد حكمه على حكم أصله. فرع: المستحب ثبات المؤمن على الاستقبال في أثناء الأذان والإقامة
ويكره الالتفات يمينا وشمالا وقال أبو حنيفة: يستحب له أن يدور بالأذان في المدمى وقال الشافعي: يستحب له أن يلتفت عن يمينه عند
قوله حي على الصلاة وعن يساره عند قوله حي على الفلاح. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أن مؤذنيه كانوا يؤذنون مستقبل
القبلة ولان الاستقبال فيه مستحب إجماعا فيستحب في أبعاضه احتجوا بأن بلالا أذن والتفت يمينا وشمالا عند الحيعلتين. والجواب: أنه معارض بما
ذكرناه ولأنه يحتمل أن يكون فعل ذلك لا لكونه مستحبا بل لاعتقاد كونه كذلك أو لأمور أخر. * مسألة: ويستحب له أن يرفع صوته بالأذان
لأنه أنفع فالثواب به أكثر ولما تقدم من الأحاديث الدالة على تقدير الثواب بمقادير بعد الأصوات ولا يجهد نفسه في رفع صوته بحصول الضرر
بذلك والمستحب له أن يرفع صوته في جميع فصوله ولو كان الأذان للحاضرين جاز له إخفائه بحيث لا يتجاوزهم الصوت ويستحب أن يكون حسن الصوت
258

ليكون إقبال الناس عليه أبلغ. * مسألة: ويجوز أن يكون أعمى بلا خلاف ويستحب أن يكون مبصرا ليأمن الغلط فإن أذن الأعمى استحب أن يكون
معه من يسدده ويعرفه دخول الوقت قال ابن مكتوم كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وآله وكان أعمى لا ينادى حتى يقال له أصبحت أصبحت وكان
يؤذن بعد أذان بلال ويستحب أن يكون المؤذن بصيرا بالأوقات ليجتنب الغلط فإنه إذا لم يكن عالما ربما أذن في غير وقت الصلاة وقلده غيره ولو
أذن الجاهل جاز بلا خلاف لان الأعمى يؤذن فالجاهل أولى. * مسألة: ويستحب أن يجعل المؤذن أصبعه في أذنيه حال الأذان وهو
قول الجمهور إلا أحمد فإنه قال: يستحب أن يجعل أصابعه مضمومة على أذنيه. لنا: ما رواه الجمهور عن بلال أنه أذن ووضع أصبعه في أذنيه ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الحسن بن السري عن أبي عبد الله (ع) قال: السنة أن تضع إصبعيك في أذنيك في الأذان احتج أحمد ابن عمر كان
إذا بعث مؤذنا يقول له اضمم أصابعك مع كفيك واجعلهما مضمومة على أذنيك والجواب: أمر ابن عمر لا يعارض أقوال النبي صلى الله عليه وآله
وأهل البيت (عل) ولو ترك ذلك جاز ولا يستحب ذلك في الإقامة لعدم النقل. * مسألة: ولا يختص الأذان بقوم دون قوم ذهب إليه علماؤنا
وقال الشافعي: أحب أن يكون ممن جعل النبي صلى الله عليه وآله فيتم الأذان كان محذورة أسعد. لنا: الأحاديث الدالة على استحباب الأذان فإنها
مطلقة والتقييد محتاج إلى دليل ولم يثبت. فروع: [الأول] لو تشاح المؤذنون فيقيم من اجتمع فيه الصفات المرجحة فإن اتفقت في
الجميع أقرع بينهم لعدم الأولوية ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وآله: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأولى ثم لم يجدوا إلا أن تسهوا عليه
لا تسهوا عليه. [الثاني] قال الشيخ يجوز أن يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذنوا أذانا واحدا ولو أخذ واحد بعد آخر بمعنى أن يبني كل
واحد على فصول الآخر لم يكن مستحبا لان كل واحد منهما لم يؤذن ويجوز أن يؤذن جماعة في وقت واحد كل واحد في زاوية من المسجد وأن يؤذن
واحد بعد واحد ولو احتج في الاعلام إلى زيادة على اثنين استحبت. [الثالث] يجوز أن يتولى الأذان واحد والإقامة آخر فقد روي أن أبا عبد الله (ع)
كان يقيم بعد أذان غيره ويؤذن ويقيم غيره وان يفارق موضعه ثم يقيم. [الرابع] قيل لا يقيم حتى يأذن له الامام روى الجمهور عن علي (ع)
أنه قال: المؤذن أملك بالإقامة. * مسألة: ويكره أن يكون المؤذن لحانا لأنه قد يخل بالمعنى فينصب لفظ رسول الله صلى الله عليه وآله مثلا
فيخرج عن كونه خبرا ويخل به المقصود وقد يمد لفظ أكبر فتصير على صيغة إكبار وهو جمع كبر وهو الطبل ويستحب له أن يظهر " الهاء " في لفظي
الله والصلاة و " الحاء " من الفلاح لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يؤذن لكم من يدغم الهاء قلنا وكيف يقول؟ قال: اشهد أن لا إله
إلا الله اشهد أن محمدا رسول الله ويستحب أن يكون فصيحا ويكره ان يكون الشبع فإن لم يضر به المعنى فلا بأس فقد قيل أن بلالا كان يجعل " الشين " سينا.
[البحث الثالث] فيما يؤذن له، * مسألة: الأذان ليس بواجب في شئ من الصلوات ذهب إليه أكثر علماؤنا وبه قال أبو حنيفة
والشافعي ونقل السيد المرتضى في مسائل الطرابلسية عن بعض علماؤنا أن الأذان والإقامة واجبان على الرجال خالصة دون النساء في كل
صلاة جماعة في سفر أو حضر ويختار عليهم جماعة وفرادى في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة ويجب عليهم الإقامة دون الأذان في باقي الصلوات
المكتوبات وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنهما من فروض الكفاية وبه قال مالك إلا أن مالكا أوجبه في مساجد الجماعة التي يجمع فيها
صلاة واحد أوجبه على أهل المصر ولا يجب على المسافرين وقال عطا ومجاهد أنهما واجبان على الأعيان. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله
عليه وآله أنه قال للذي عليه الصلاة: إذا أردت الصلاة فأحسن الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ولم يأمره بالأذان ولو كان واجبا لما أخل به
لأنه تأخير للبيان عن وقت الحاجة وهو غير جائز وما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء والأمانة غير واجبة
على المؤتمن وما رووه عن علقمة والأسود أنهما قالا دخلنا على عبد الله فصلى بنا بلا أذان ولا إقامة رواه الابرم ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال سألته عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال: فليمض في صلاته فإنما الأذان
سنة ولان الأصل عدم الوجوب فيقف ثبوته على الشرع ولأنه مما يعم به البلوى فلو كان واجبا لاشتهر وجوبه ولوقوع الانكار بتركه في بعض
الأمصار ولأنه دعا إلى الصلاة فأشبه قول المؤذن الصلاة ثلاثا في غير الخمس وقوله الصلاة جماعة عندهم احتج الموجبون له بما رواه مالك بن
الحويرث قال أتيت النبي صلى الله عليه وآله انا ورجل نورعه فقال: إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما والامر للوجوب ولأنه من
شعائر الاسلام فأشبه الجهاد واحتج من أوجبه على الكفاية بذلك وعلى الوصف بأن بلالا كان يؤذن النبي صلى الله عليه وآله فيكتفي به قال
مالك إنما شرع الأذان في الاسلام لتجتمع الناس إلى الصلاة فيحصل لهم فضيلة الجماعة. والجواب عن الأول: أن الامر هنا للاستحباب لما قلناه ويؤيده
الامر بالإمامة وهي غير واجبة، وعن الثاني: بالفرق بين الأصل والفرع لان الأصل وضع للدخول في الدين وهو من أعظم الواجبات فكان
الطريق إليه واجبا والأذان وضع للدخول في الجماعة وهي غير واجبة فالأولى بالوسيلة أن لا يكون واجبة. فروع: [الأول] قال الشيخ
في المبسوط والسيد المرتضى في بعض كتبه أنهما واجبان في الجماعة وهو قول المفيد (ره) وقول الشيخ في الخلاف أنهما سنتان مؤكدتان
على الرجال وهو الأقوى عندي لما تقدم من الأدلة احتج الموجبون بما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أحدهما (ع) قال سألته أيجزي أذان واحد
259

فقال: إن صليت جماعة لم يجز إلا أذان وإقامة وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك يجزيك إقامة إلا الفجر والمغرب فإنه ينبغي أن تؤذن
فيهما وتقيم من أجل أنه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات ولان تكبير الجماعة بالأذان أمر مطلوب والوجوب طريق صالح. والجواب عن الأول:
أن في السند علي بن حمزة وهو واقفي فلا تعويل على ما ينفرد به مع منافاته للأصل ولأنه يحتمل الاستحباب ويدل عليه إلزامه بالإقامة حالة الانفراد
وقد وافقنا الشيخان والسيد رحمهم الله على وجوبها وربما احتج القائلون بوجوب الإقامة بمثل هذه الرواية وهي ضعيفة. [الثاني] قال
الشيخ في المبسوط لو صلى جماعة بغير أذان وإقامة لم يحصل فضيلة الجماعة والصلاة ماضية وقال السيد في بعض كتبه بالوجوب وفيه ضعف لما
بيناه أولا. [الثالث] قال فيه لو قضى جماعة فريضة فإنه وجب الأذان والإقامة وهو بناء على مذاهبه. * مسألة: ولا يؤذن لغير الصلوات
الخمس وهو قول علماء الاسلام ويستحب للصلاة الخمس أداء وقضاء للمنفرد والجامع على خلاف معنى ويتأكد استحبابهما فيما يجهر فيه بالقراءة
وآكد ذلك الغداة والمغرب ذكره الشيخ لان في الجهر دلالة على اعتناء الشارع بالتنبيه عليها وفي الأذان زيادة تنبيه فيتأكد فيه وأما التأكيد
في المغرب والغداة فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: يجزيك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة والمغرب وعن
سماعة قال قال أبو عبد الله (ع): لا تصلي الغداة والمغرب إلا بأذان وإقامة وخص في سائر الصلوات بالإقامة والأذان أفضل لا يقال أن
هذه الأحاديث تدل على الوجوب لأنا نمنع ذلك بما تقدم وبما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الإقامة بغير أذان
في المغرب؟ فقال: ليس به بأس وما أحب أن يعتاد وكذا يتأكد الاستحباب في صلاة الجماعة لما مضى ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن علي
الحلبي عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه أنه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذن وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع)
قال: يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة من غير أذان وهذا يدل على الاجتزاء بالإقامة بالمنفرد لان الاعلام غير محقق في حقه فلا يتأكد استحباب
الأذان هنا. * مسألة: لو صلى في مسجد جماعة وجاء آخرون اجتزأوا بالأذان الأول ما دامت الصفوف باقية فإن تفرقت أذن الآخرون وأقاموا
قاله الشيخ (ره) وهو قول الحسن البصري والشعبي والنخعي وعروة ووجهه أن الفضل من الأذان الاعلام وقد حصل فلا وجه لإعادته أما مع التفرق فإن صلاته
بعد ذلك كالصلاة المستأنفة فيستحب له الأذان كغيره ويدل عليه ما رواه الشيخ عن أبي بصير قال سألته عن الرجل ينتهي إلى الامام حين سلم؟ فقال: ليس
عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان وعن زيد بن علي عن؟ أيار؟ عن علي (ع) قال دخل رجلان المسجد
وقد صلى الناس فقال لهما علي (ع): إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم. * مسألة: ولو سمع أذان غيره جاز أن يجزي به في
الجماعة وإن لم يكن منهم لان القصد الاعلام وقد حصل ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي مريم الأنصاري قال صلى بنا أبو جعفر (ع) في قميص بلا إزار
ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فلما انصرف قلت له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة؟ فقال: ان قميصي كثيف فهو يجزي
أن لا يكون علي إزار ولا رداء وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فأجزأني ذلك وعن عمرو بن خالد قال كنا مع أبي جعفر (ع) فسمع إقامة رجاله في الصلاة
فقال: قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة قال: ويجزيكم أذان جاركم قال الشيخ لو أذن بنية الافراد ثم أراد أن يصلي جماعة استحب له الاستيناف
تعويلا على رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال سئل رجل يؤذن ويقيم ويصلي وحده فيجئ رجل آخر فيقول له نصلي جماعة هل يجوز
أن يصليه بذلك الأذان والإقامة؟ قال: لا ولكن يؤذن ويقيم والطريق ضعيف إلا أنها تدل على إعادة ذكر الله تعالى وهو حسن وليس النزاع فيه في
استحباب إعادة الأذان من حيث هو أذان لا من حيث ذكر الله تعالى فالأولى الاعتماد على ما تقدم من الاخبار فإنها تدل على الاجتزاء بأذان غيره
وإذا كان منفردا فبأذانه أولى. * مسألة: والقاضي للفرائض الخمس يؤذن لأول صلاة من ورده ثم يقيم لكل
واحدة إقامة وإن أقتصر على
الإقامة في الكل جاز وإن جمع بين الأذان والإقامة لكل فريضة كان أفضل وهو قول الشيخين وأحمد وأحد أقوال الشافعي والثاني: أنه يقيم
ولا يؤذن وهو قول مالك والثالث: أن رجا اجتماع الناس أذن وإلا فلا وقال أبو حنيفة: يؤذن لكل صلاة ويقيم واما استحباب إعادة الأذان والإقامة
معها فلقوله (ع): من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته وقد كان من حكم الفائتة استحباب تقديم الأذان عليها وكذا قضاؤها
وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال سئل عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال: نعم
ولأنها مسنونان في الأداء وكذا في القضاء كسائر المسنونات وأما الاجتزاء بالأذان الأول وتعدد الإقامة فيدل عليه ما رواه الجمهور عن أبي عبيدة بن
عبد الله عن أبيه أن المشركين سئلوا النبي صلى الله عليه وآله عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله قال: فأمر بلالا فأذن
وأقام وصلى الظهر ثم أمر فأقام وصلى العصر ثم أمر فأقام وصلى المغرب ثم أمر فأقام فصلى العشاء ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة
عن أبي جعفر (ع) قال: إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير ووضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها
بإقامة إقامة لكل صلاة ولان القصد بالأذان الاعلام وهو تحصيل (تحصل) بالأول وأما جواز الاقتصار على إقامة إقامة بغير أذان مبتدأ فيدل عليه ما رواه
الجمهور عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بلالا بالإقامة في كل صلاة يأمره بالأذان ومن طريق الخاصة ما رواه موسى بن عيسى قال كتبت
260

إليه رجل تجب إليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان وإقامة فكتب (ع) يعيدها بإقامة ولان الأذان وضع للاعلام بأوقات الصلاة وهو مفقود مع الفوات
والإقامة لاستفتاح الصلاة وهو موجود وما ذكرناه من الأدلة على التفصيل فهو دليل للمخالف على الاطلاق ولا منافاة إلا في الفتيا. * مسألة:
ولو جمع بين صلاتين أذن وأقام للأولى منهما فيقيم للأخرى سواء كان في الوقت الأولى أو وقت الثانية قاله الشيخ وهو قول أحمد وقال أبو حنيفة
لا يقيم للثانية وقال الشافعي إن جمع بينهما في وقت الأولى أذن وأقام للأولى وأقام للثانية وإن كان في وقت الثانية فكالفوائت وقال مالك
يؤذن ويقيم لكل واحد منهما. لنا: ما رواه الجمهور عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان
وإقامتين رواه مسلم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن النقل وزرارة وغيرهما عن أبي جعفر (ع) ان رسول الله صلى الله عليه
وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ولان الأذان إعلام بدخول الوقت فإذا صلى في
وقت الأولى أذن لوقتها ثم أقام للأخرى لأنه لم يدخل وقت يحتاج فيه إلى الاعلام وإن جمع بينهما في وقت الثانية أذن بوقت الثانية ثم صلى
الأولى لأنها مرتبة عليها ولا يعاد الأذان للثانية احتج أبو حنيفة بأن ابن عمر روى أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وآله المغرب والعشاء بمزدلفة
بإقامة واحدة وقال الشافعي: إذا جمع في وقت الأولى أذن لها وإن كان في وقت الثانية وفقد فات وقت الأولى فيكون حكمها حكم الفوائت
واحتج مالك بأن الثانية صلاة شرع لها الأذان وهي مفعولة في وقتها فيؤذن لها كالأولى والجواب عن ذلك كله: بما قدمناه من الأحاديث فلا مشاحة
في ذلك. فروع: [الأول] قال علماؤنا: يجمع بين الظهرين يوم الجمعة بأذان واحد وإقامتين لان يوم الجمعة يجمع بين الصلاتين ويسقط
ما بينهما من النوافل فيكتفي فيهما بأذان واحد. [الثاني] يجمع بين الظهرين بعرفة بأذان واحد وإقامتين وكذا بين المغرب والعشاء بمزدلفة وقد
تقدم في حديث الجمهور ذلك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: السنة في الأذان يوم عرفة أن
يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ثم يقوم فيقيم العصر بغير أذان وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة. [الثالث] هل الأذان الثاني بدعة أما في
يوم الجمعة فبلى وأما في الموضعين فالأظهر أنه كذلك لرواية ابن سنان. * مسألة: لو ترك الأذان والإقامة متعمدا ودخل في الصلاة مضى فيها ولا
يرجع فإن كان ناسيا تدارك ما لم يركع ويستقبل صلاته استحبابا وبه قال السيد المرتضى (ره) وقال الشيخ في النهاية إن تركها متعمدا انصرف
من الصلاة وتداركهما ثم استأنف صلاته ما لم يركع وإن كان ناسيا استمر على حالته ولم يفصل في المبسوط بل أطلق القول بالاستيناف ما لم يركع
وقال ابن أبي عقيل إن ترك الأذان متعمدا مستخفا فعليه الإعادة. لنا: أنه مع النسيان مقدور بالترك فكان له تداركه قبل الركوع لا بعده لأنه ركن فلا
يبطل الصلاة معه إلا مع العمد فلا يسوغ له إبطال الصلاة الواجبة لقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) والتدارك لا معنى له ها هنا لأنه تركه ذاكرا
وليس الأذان من الواجبات بحيث يحل تركه بالصلاة ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا افتتحت الصلاة فنسيت
أن تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذن وأقم واستفتح الصلاة وإن كنت ركعت فأتم على صلواتك وليس الامر هنا للوجوب لان الأذان
في نفسه مستحب وكيف يجب إبطال الواجب له مع عدم وجوبه ابتداء ويؤيده ما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له رجل نسي
الأذان والإقامة حتى يكبر؟ قال: يمضي على صلاته ولا يعيد وعن نعمان الرازي قال سمعت أبا عبد الله (ع) وسأله ابن عبيدة الحذاء عن حديث
رجل نسي أن يؤذن ويقيم حتى كبر ودخل في الصلاة قال إن كان دخل المسجد ومن نيته أن يؤذن ويقيم فليمض في صلته ولا ينصرف وقد روى جواز الانصراف
ما لم يقرأ ومع التلبس بها يتم رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة
قال: إن كان ذكر قبل أن يقرء فليصل على النبي صلى الله عليه وآله وليقم وإن كان قد قرأ فليتم صلاته وفي الصحيح عن حسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله
(ع) قال سألته عن الرجل يستفتح الصلاة المكتوبة ثم يذكر أنه لم يقم؟ قال: فإن ذكر أنه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلم على النبي صلى الله عليه وآله
ثم يقم ويصل وإن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتم على صلاته وهذا يدل على أن الإقامة كالأذان في الحكم وقد روي عن زكريا ابن آدم
قال قلت لأبي الحسن الرضا (ع) جعلت فداك كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة أني لم أقم فكيف أصنع؟ فقال: اسكت مع موضع
قراءتك وقل قد قامت الصلاة ثم امض في قرائتك وصلاتك وقد تمت صلاتك وهذا يؤذن بما رويناه أولا من أن الإقامة تنزل منزل الجزء
من الصلاة أما لو ذكر بعد الصلاة أنه لم يؤذن ولم يقم لم يعد صلاته إجماعا أنها وقعت مشروعة فلا يستعقب القضاء ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي
الصلاح عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل يسنى الأذان حتى صلى؟ قال: لا يعيد وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سألته
عن رجل نسي أن يقيم الصلاة حتى انصرف يعيد صلاته؟ قال: لا يعيدها ولا يعود لمثلها وقد روى الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت
أبا الحسن (ع) عن الرجل ينسى أن يقيم الصلاة وقد افتتح الصلاة؟ قال: إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته وإن لم يكن فرغ من صلاته
فليعد وحمله الشيخ على الاستحباب وهو جيد لكن مع شرط أجود وهو عدم الدخول في الركوع لما تقدم من الأحاديث ولم نقف للشيخ وابن أبي
عقيل على دلالة جيدة يما ذكراه. * مسألة: فلا يجوز الأذان قبل دخول الوقت في غير الصبح وعليه علماء الاسلام لأنه وضع للاعلام
261

بدخول الوقت فلا يجزي قبله لأنه يخل بمقصوده أما الفجر فلا بأس بالأذان قبله وعليه فتوى علمائنا وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق
ومنع منه أبو حنيفة والثوري ومحمد بن الحسن. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن بلالا يؤذن بالليل لينبه نائمكم وهو دليل
الجواز لما فيه من المداومة وترك النهي عنه وعن زياد بن الحارث الصيداني قال أمرني النبي صلى الله عليه وآله فجعلت فأذنت أقول أقيم يا رسول الله وهو
ينظر ناحية المشرق ويقول لا حتى يطلع الفجر ينزل مرر تمم انصرف إلى قد تلاحق أصحابه فتوضأ فأراد بلال أن يقيم فقال النبي صلى الله عليه وآله
ان أخا الصيداني قد أذن ومن أذن فهو يقيم قال فأقمت وهذا الحديث كما هو دال على المقصود فهو دال على إبطال من قال إنما يجوز ذلك إذا كان له
مؤذنان فإن زيادا أذن وحده ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمران بن علي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الأذان قبل الفجر؟
فقال: إذا كان في جماعة فلا وإذا كان وحده فلا بأس والشرط في الرواية حسن لان القصد به الاعلام الاجماع ومع الجماعة لا يحتاج إلى الاعلام
للتأهب بخلاف المنفرد لأنه وقت النوم فتقديم الأذان يفيد التنبه والتأهب للصلاة بخلاف غيرها من الصلوات احتج المانع لما رواه بلال أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد بيد عرضا ولان الأذان قبل الفجر يفوت الاعلام الدخول فلم يجز
كغيرها من الصلوات والجواب عن الأول: أنه حديث ضعيف منقطع قال ابن عبد البر وعن الثاني: بالفرق الذي ذكرناه. فروع: [الأول] يستحب لمن
أذن قبل الفجر أن يعيد مع طلوعه وبه قال الشيخ ليحصل فائدة العلم بالقرب من الأول وبالدخول من الثاني ويؤيده ما رواه الشيخ
في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له أن لنا مؤذنا يؤذن بليل فقال: ان ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة واما السنة
فإنه ينادي من طلوع الفجر ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان. [الثاني] شرط بعض أهل الظاهر أن يكون مؤذنان كبلال وابن أم مكتوم
وليس صحيحا لما تقدم في زياد بن الحارث ولان الظاهر (ان) في التقديم ثابت في الصورتين. [الثالث] قال بعضهم يكره الأذان قبل الفجر
في رمضان لئلا يترك سحورهم وليس شيئا لقول النبي صلى الله عليه وآله: لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال فإنه يؤذن بالليل لينبه نائمكم. [الرابع]
ينبغي لمن يؤذن للفجر قبل الوقت أن يجعل لنفسه ضابطا فيؤذن في الليالي كلها في وقت واحد ولا يؤذن في الوقت تارة وقبله أخرى لعدم الفائدتين فإنه
يحصل اللبس من قرب الوقت ودخوله وربما امتنع المتحسر من سحوره والمتنفل من عبادته وكذا لا يقدم الأذان كثيرا في بعض الليالي وقليلا في
الأخرى فلا يعلم الوقت بأذانه فقد ثبت (فلا يثبت فائدته. * مسألة: ويستحب الأذان في كل موطن سفرا وحضرا ورخص للمسافر في ترك الأذان
والاجتزاء بالإقامة لأنه مظنة المشقة وبه قال أكثر أهل العلم وكان ابن عمر يقيم لكل صلاة إقامة إلا الصبح فإنه يؤذن لها ويقيم وكان
يقول إنما الأذان على الأمير والامام الذي يجمع الناس لا على الداعي وأشباهه أنه كان لا يقيم للصلاة في أرض يعلم فيها الصلاة. لنا: ما رواه
الجمهور أن النبي صلى الله عليه وآله كان يؤذن له في السفر والحضر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن يحيى الحلبي عن أبي عبد الله (ع)
قال: إذا أذنت في أرض فلاة وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة وإن أقمت إقامة بغير أذان صلى خلفك صف واحد أما الرخصة في السفر بترك الأذان فلانه
مظنة المشقة وخفف عنه بعض الواجب فبعض النفل أولى ويؤيده ما رواه رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال:
سمعته يقول يقصر الأذان في السفر كما يقصر الصلاة يجزي إقامة واحدة وكلام ابن عمر باطل بما قلناه وبما رواه عقبة بن عامر قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله تعجب (يقول) ربك من راعي غنم في رأس الشظية للجبل يؤذن للصلاة ويصلي ويقول الله عز وجل انظروا إلى عبدي هذا يؤذن و
يقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة وقال سلمان الفارسي (ره) إذا كان الرجل بأرض في فأقام الصلاة صلى خلفه ملكان
فإن أذن وأقام صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى قطرا يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه. فرع: يكتفي بأذان واحد في المصر
إذا كان بحيث يسمعونه ويؤيده ما تقدم في الأحاديث الدالة عليه وبه قال مجاهد والشعبي والنخعي وعكرمة وأصحاب الرأي ولو أذن كل واحد كان
أفضل. * مسألة: وينبغي أن يؤذن في أول الوقت وهو قول أهل العلم روى أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يا بلال اجعل
بين أذانك وإقامتك ما يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضي حاجته في مهل ولا ريب في استحباب الصلاة في
أول الوقت ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في حديث ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) وأما السنة فإنه ينادى من من طلوع الفجر ولأنه وضع للاعلام الدخول الوقت ومع التأخير
عنه يذهب فضيلة أول الوقت. * مسألة: إذا دخل المسجد وكان الامام ممن لا يقتدى به لم يعتد بأذانه بل يؤذن لنفسه ويقيم وإن صلى
خلفه لأنه غير عدل فلا يوثق بأذانه ويؤيده ما رواه عن أبي عبد الله (ع) قال: وإن علم الأذان وأذن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه
ولا إقامته ولا يقتدى به فإن خشي فوات الصلاة أقتصر على تكبيرتين وعلى قوله قد قامت الصلاة لان ذلك أهم فصول الإقامة روى معاذ بن كثير
عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الامام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل
قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وليدخل في الصلاة قال الشيخ وروي أنه يقول حي على خير العمل مرتين إلا أنه لم يقل
ذلك. فصول في هذا الكتاب: لان حدثنا أهل البيت (عل) وحي على لسان جبرئيل (ع) على رسول الله صلى الله عليه وآله
262

وعليا (ع) وأطلق الجمهور على خلاف ذلك. لنا: قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى) ولان مبنى الأمور الشرعية على رعاية
المصالح وهي أمور خفية لا يمكن الاطلاع عليها ولا يعلم تفصيلها إلا الله تعالى فلا يكون النبي صلى الله عليه وآله فيها خيرة ولان ما هو أقل
ثوابا من الأمور المشروعة المستفاد من الوحي فكيف المهم منها ويؤيد ما رواه الشيخ في الحسن عن منصور عن أبي عبد الله (ع) قال لما هبط
جبرئيل (ع) بالأذان على رسول الله صلى الله عليه وآله كان رأسه في حجر علي (ع) فأذن جبرئيل (ع) وأقام فلما انتبه رسول الله صلى الله عليه
وآله قال: يا علي سمعت قال نعم، قال: حفظت، قال نعم، قال: ادع بلالا فعلمه وفي الصحيح عن زرارة والفضل بن يسار عن أبي
جعفر (ع) قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة فأذن جبرئيل (ع) وأقام فتقدم رسول الله صلى الله
عليه وآله وصف الملائكة والنبيون خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وحكى الأذان الذي قدمناه ثم قال فأمر بها رسول الله صلى الله عليه
وآله بلالا فلم يزل يؤذن بها حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله احتج بما رواه عبد الله بن زيد قال لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالناقوس
ليجتمع به الناس طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده قلت يا عبد الله أتتبع الناقوس فقال وما تصنع به قلت ليدعو به إلى الصلاة فقال ألا
أدلك على ما هو خير من ذلك قلت بلى قال: ما تقول الله أكبر إلى آخر الأذان ثم استأخر غير بعيد ثم قال تقول إذا قمت إلى الصلاة الله أكبر إلى آخر
الإقامة فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بما رأيت فقال إنها من رؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن
به فإنه أندى صوتا منك فقمت مع بلال فجعلته القى عليه ويؤذن فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج بحذواه فقال يا رسول الله
والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فلله الحمد والذي نقله أهل البيت (عل) أصح لأنهم أعرف بمأخذ
الشريعة وأنسب بحال النبي صلى الله عليه وآله إذ من المستبعد أن يكون مستند النبي صلى الله عليه وآله في مثل هذا إلى منام عبد الله بن زيد. فصل:
والإقامة أفضل من الأذان لكثرة الحث عليها واعتناء الشارع بها والاكتفاء بها في أكثر المواضع وإسقاط الأذان والجمع بين الأذان والإقامة
أفضل والجمع بينهما وبين الإمامة أفضل قال الشيخ في المبسوط والإمامة بإنفرادها أفضل من الأذان والإقامة منفردين عنها لان النبي
صلى الله عليه وآله تولى الإقامة بنفسه وولى الأذان والإقامة غيره وكذلك الأئمة (عل) ولا يختارون إلا الأفضل ولان الإقامة يختار لها
الأكمل بخلاف الأذان وقال الشافعي الأذان أفضل من الإقامة بقول النبي صلى الله عليه وآله الامام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة
واغفر للمؤذنين والأمانة أعلى من الضمان والمغفرة أعلى من الارشاد والأصل ما قلناه. فصل: قال الشيخ في المبسوط يجوز أن يعطى المؤذن
من بيت المال ومن خاص الامام وقال في الخلاف لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان وفي النهاية قال وأخذ الأجرة على الأذان والصلاة بالناس
حرام وقال الشريف المرتضى يكره أخذ الأجرة على الأذان وهو قول أبي حنيفة لان النبي صلى الله عليه وآله قال لعثمان بن أبي العاص واتخذ
مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (ع) قال آخر ما فارقت عينه
حبيب قلبي ان قال: يا علي إن صليت فصل صلاة أضعف من خلفك ولا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا والأقرب أن أخذ الرزق عليه من بيت المال سائغ
وفي الأجرة نظر. فصل: يستحب حكاية قول المؤذن وهو وفاق بين العلماء روى الجمهور عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا
سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن أبي جعفر (ع) أنه قال لمحمد بن مسلم: يا محمد بن
مسلم لا تدعن ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادى ينادي بالأذان وأنت على الخلا فاذكر الله عز وجل وقل كما يقول قال ابن بابويه: وروى أن من
سمع الأذان فقال كما يقول المؤذن زيد في رزقه وقال الشيخ في المبسوط: وكل من كان خارج الصلاة ويسمع صوت المؤذن فينبغي أن يقطع كلامه إن
كان متكلما وإن كان يقرء القرآن فالأصل له أن يقطع القرآن ويقول كما يقول المؤذن عملا بعموم الخبر ولو دخل المسجد والمؤذن يؤذن ترك
صلاة التحية إلى فراغ المؤذن استحبابا للجمع بين المندوبين. فصل: قال الشيخ في المبسوط ولو قال في الصلاة لم تبطل صلاته إلا في قوله حي
على الصلاة فإنه متى قال ذلك مع العلم بأنه لا يجوز فسدت صلاته لأنه ليس بتمجيد ولا تكبير بل هو كلام الآدميين فإن قال بدلا من ذلك لا حول
ولا قوة إلا بالله لم تبطل صلاته. فصل: قال أيضا روي أنه إذا قال " أشهد أن لا إله إلا الله يستحب أن يقول وانا اشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وبالأئمة الطاهرين أئمة " ثم يقول " اللهم رب هذه
الدعوة التامة والصلاة القائمة ائت محمدا لوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته وارزقني شفاعته يوم القيامة " ويقول عند أذان المغرب
" اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعائك فاغفر لي " قال ابن بابويه وقال الصادق (ع) من قال حين يسمع أذان الصبح " اللهم إني
أسألك بإقبال نهارك وإدبار ليلك وحضور صلواتك وأصوات دعائك أن تتوب علي أنك أنت التواب الرحيم " وقال مثل ذلك حين يسمع أذان
المغرب ثم مات من يومه أو من ليلته مات تائبا وعن الحرث بن المغيرة البصري عن أبي عبد الله (ع) أنه قال من سمع المؤذن يقول أشهد أن لا
إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال مصدقا محتسبا " وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " كفى بهما عن كل
263

من أبي وجحد وأعين بهما من أقر وشهد كان له من الاجر عدد من أنكر وجحد وعدد من أقر وشهد وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال:
لا يجزيك من الأذان إلا ما أسمعت أو فهمته وأفصح " بالألف والهاء " وصل على النبي صلى الله عليه وآله كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره.
فصل: وإذا نقص المؤذن من أذانه شيئا أتممته أنت مع نفسك تحصل الكمال للسنة ويؤيده ما رواه ابن سنان عن أبي عبد الله (ع): إذا
نقص المؤذن الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقص من أذانه. فصل: ويقوم الإمام والمأموم إذا قال المؤذن قد قامت
الصلاة وبه قال أحمد ومالك وقال الشافعي إذا فرغ من الإقامة وقال أبو حنيفة إذا قال حي على الصلاة فإذا قال قد قامت الصلاة كبر. لنا: ان
قوله قد قامت الصلاة صورة إخبار ماض يظهر أثره مع الفعل وقول أبي حنيفة باطل لتفويت بعض أجزاء الإقامة ويؤيده ما رواه الشيخ
عن جعفر بن سالم قال سألت أبا عبد الله (ع) إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة أيقوم القوم على أرجلهم أو يجلسون حتى يجئ إمامهم؟ قال: لا
بل يقومون على أرجلهم فإن جاء إمامهم وإلا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم. فصل: روى الشيخ وابن بابويه عن علي بن مهزيار عن محمد بن
راشد قال حدثني هشام بن إبراهيم أنه شكى إلى أبي الحسن الرضا (ع) سقمه وأنه لا يولد له ولد فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله قال ففعلت فأذهب الله
عني سقمي وكثر ولدي وقال محمد بن راشد وكنت دائم العلة ما أنفك منها في نفسي وجماعة خدمي سمعت ذلك من هشام عملت به فأذهب الله عني وعن
عيالي العلل. فصل: وروى ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه قال: أدنى ما يجزي من الأذان أن يفتتح الليل بأذان
وإقامة ويفتتح النهار بأذان وإقامة ويجزيك في سائر الصلاة إقامة بغير أذان وروى الشيخ عن عمار الساباطي قال سمعت أبا عبد الله
(ع) يقول: لابد للمريض أن يؤذن ويقيم إذا أراد الصلاة ولو في نفسه إن لم يقدر على أن يتكلم به وسأل فإن كان شديد الوجع؟ قال: لا بد أن
يؤذن ويقيم لأنه لا صلاة إلا بأذان وإقامة وهذا دليل على شدة اعتناء الشارع بهما لأنهما واجبان لما قدمناه أولا. فصل: روى ابن بابويه
قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله امتنع بلال من الأذان وقال لا أذن لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وإن فاطمة (ع) قالت ذات
يوم: إني أشتهي اسمع صوت مؤذن أبي (ع) بالأذان فبلغ ذلك بلالا فأخذ في الأذان فلما قال الله أكبر الله أكبر ذكرت أباها وأيامه فلم تتمالك من البكاء فلما بلغ
إلى قوله أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله سمعت فاطمة شهقة وسقطت بوجهها وغشي عليها فقال الناس لبلال أمسك يا بلال فقد فارقت ابنة
رسول الله صلى الله عليه وآله الدنيا وحلفوا أنها قد ماتت فقطع أذانه ولم يتمه فأفاقت فاطمة (ع) وسألته أن يتم الأذان فلم يفعله وقال لها يا سيدة
النساء إني أخشى عليك مما نزلته بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان فأعفته من ذلك وروى أيضا ان رسول الله صلى الله عليه وآله أذن فكان يقول
أشهد أني رسول الله وكان يقول تارة أشهد أن محمدا رسول الله. فصل: وذكر فضل بن شاذان في العلل عن الرضا (ع) أنه قال إنما
أمر الناس بالأذان لعلل كثيرة منها أن فيه تذكيرا للساهي وتنبيها للغافل وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عنه ويكون المؤذن بذلك داعيا
إلى عبادة الخالق ومرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا بالايمان معلنا بالاسلام مؤذنا لمن ينسها وإنما يقال له مؤذن لأنه (بالأذان) يؤذن بالصلاة
وإنما بدأ فيه بالتكبير وختم بالتهليل لان الله عز وجل أراد أن يكون الابتداء بذكره واسمه واسم الله في أول التكبير في أول الحرف وفي التهليل في آخره
وإنما جعل مثنى مثنى ليكون مكررا في آذان المستمعين مؤكدا عليهم أن سهى أحدهم عن الأول لم ينسه عن الثاني ولان الصلاة ركعتان
ركعتان فكذلك مثنى مثنى وجعل التكبير في أول الأذان أربعا لان أول الأذان إنما يبدو غفلة وليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل
الأولان تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان وجعل بعد التكبير الشهادتان لان أول الايمان هو التوحيد والاقرار لله تعالى بالوحدانية
والثاني الاقرار للرسول صلى الله عليه وآله بالرسالة لان أصل الايمان إنما هو الاقرار بالله وبرسوله فإذا أقر العبد لله عز وجل بالوحدانية وأقر للرسول صلى الله عليه وآله بالرسالة فقد أقر
بجملة الايمان وإن طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ولان أصل الايمان إنما هو الشهادتان فجعل شهادتين شهادتين كما جعل في سائر الحقوق شهادتان وجعل الشهادتين الدعاء إلى الصلاة لان الأذان إنما وضع له (الموضع الصلاة) وإنما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان ودعا إلى الفلاح
وإلى خير العمل وجعل ختم الكلام باسمه كما فتح باسمه. فصل: روى الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عل) أن النبي
صلى الله عليه وآله كان إذا دخل المسجد وبلال يقيم الصلاة جلس وعن عثمان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الأذان في الفجر قبل الركعتين
أو بعدهما قال إذا كانت إماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما وإن كنت وحدك فلا يرك قبلهما أذنت أو بعدهما. [الفصل الثالث] في أفعال
الصلاة وتروكها وفيه فصول الأول في أفعاله الواجبة العلم بالصلاة الواجبة واجب لتوجه الامر بها للتوقف
على معرفتها وهو متوقف على العلم بأجزائها إذ معرفة المركب مسبوقة بمعرفة أجزائه وأجزاء الصلاة تنقسم
إلى قسمين واجب وندب وكذا كيفياتها
وتروك الصلاة ولا بد من معرفة الواجب ليؤديه على وجهه فإنه لو فعل الواجب بنية الندب بطلت صلاته ولو فعل الندب بنية الواجب دخل تحت
حكم من فعل فعلا للصلاة فيبطل مع الكثرة واعلم أن الواجب منه ركن ومنه غير ركن ونعني بالركن هنا ما لو أخل به المصلي عامدا وساهيا
ثم ذكر بطلت صلاته وإنا أسوق إليك الأفعال الواجبة أولا وكيفيتها الواجبة والمندوبة وما يليق بفعل فعل ثم أتلو عليك الأفعال المندوبة
وكيفياتها وأختم ذلك بالتروك بعون الله تعالى في مباحث.
[البحث الأول] في القيام، * مسألة: القيام واجب وركن
264

مع القدرة عليه ذهب إليه كل علماء الاسلام قال الله تعالى: (وقوموا لله قانتين) وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لرافع بن خديج: صل قائما فإن لم
تستطع فقاعدا، ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (ع) في صفة الصلاة فقام أبو عبد الله (ع)
مستقبل القبلة منتصبا وهو في بيان الواجب فيكون ما أتى به واجبا إلا ما خرجه الدليل وعن حريز عن رجل عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له
فصل لربك وانحر قال: النحر الاعتدال في القيام وفي الحسن عن جميل بن دراج انه سئل أبا عبد الله (ع) عن المريض الذي يصلي قائما
فقال: ان الرجل ليوغل ويخرج ولكنه أعلم بنفسه ولكن إذا قوى فليقم وفي الحسن عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) في قوله الله عز وجل: (الذين يذكرون
الله قياما) قال الصحيح يصلي قائما وقعود المريض يصلي جالسا وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا وقد ثبت بالتوتر مداومة النبي
صلى الله عليه وآله وبين به الواجب. * مسألة: ولو تعذر عليه القيام وأمكنه مع الاعتماد وجب فإن لم يتمكن صلى جالسا وعليه إجماع العلماء
روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ومن طريق الخاصة روايتا جميل وأبي حمزة.
فروع: [الأول] لو أمكنه القيام إلا أنه خشي زيادة مرضه أو بطؤ برأه أو شق عليه مشقة شديدة صلى جالسا خلافا لأحمد. لنا: أنه حرج
وهو منفي بقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج). [الثاني] لو أمكنه القيام وعجز عن الركوع قائما أو السجود لم يسقط عنه فرض
القيام بل يصلي قائما ويومي للركوع ثم يجلس ويومي للسجود وعليه علماؤنا وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة يسقط عنه القيام. لنا: قوله
(ع) لعمران بن حصين صل قائما فإن لم تستطع فجالسا جعل مرتبة الجلوس مشروطة بعدم الاستطاعة على القيام فلا يجوز بدونه ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد بن إبراهيم عمن حدثه عن أبي عبد الله (ع) قال: يصلي المريض قائما فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا
ولان القيام ركن قدر عليه فيلزم الاتيان به كالقراءة والعجز من غيره لا يقتضي سقوطه إذا عجز عنها احتج أبو حنيفة بأنها
صلاة لا ركوع فيها ولا سجود فيسقط فيها القيام كالنافلة على الراحلة والجواب أن قياسهم فاسد أما أولا: فلان الصلاة على الراحلة لا
يسقط فيها الركوع. وأما ثانيا: فلان القيام غير واجب فيها فلا يسقط في الراحلة بسقوط في الراحلة بسقوط الركوع والسجود بل لعدم وجوبه لهذا له أن
يصلي جالسا على الأرض مع التمكين. [الثالث] لو عجز صلى قاعدا بلا خلاف لو وجد في أثناء الصلاة خفا قام وأتم صلاته ذهب
إليه علماؤنا وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وقال محمد بن الحسن يبطل صلاته كالعاري إذا وجد الساتر في أثناء الصلاة. لنا:
أنه أتى بالمأمور به فيكون مجزيا وقياسه فاسد لمنع حكم الأصل. [الرابع] لو عجز عن القعود صلى مضطجعا على جانبه الأيمن بالايماء مستقبلا
للقبلة وجهه ذهب إليه علماؤنا وبه قال مالك والشافعي وأحمد وقال سعيد بن المسيب: يصلي مستلقيا ووجه ورجلاه إلى القبلة وهو قول أبي
ثور وأصحاب الرأي. لنا: قول النبي صلى الله عليه وآله لعمران: فإن لم تستطع فعلى جنب وقوله تعالى: (وعلى جنوبهم) قال المفسرون أراد به الصلاة
في حال المرض وهو قول أبي جعفر (ع) في تفسير هذه الآية احتجوا بأنه إذا صلى على جنبه كان وجهه في الايماء إلى غير القبلة وإذا صلى على ما ذكرناه
كان إيماؤه إليها والجواب انه غير مستلق إلى القبلة بل إلى السماء ولهذا يوضع الميت في قبره على ما ذكرناه والايماء إلى القبلة حالة الركوع والسجود
غير مطلوب في الصحيح بل يومي إلى الأرض فكيف بطلت من المريض. [الخامس] إذا عجز عن الاضطجاع صلى مستلقيا موميا برأسه فإن لم
يستطع برأسه فبعينه وقال أبو حنيفة يؤخر الصلاة. لنا: قوله (ع) فعلى جنبك يؤمي وقول أبي عبد الله (ع) فإن لم يقدر أن ينام
على جنب الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز ويستقبل بوجهه القبلة ثم يومي بالصلاة إيماء والايماء يقع على الايماء بالعين والرأس وكذا في رواية
محمد بن إبراهيم. [السادس] لو عجز عن السجود رفع ما يسجد عليه ولم يجز الايماء حينئذ إلا مع عدمه أو عدم التمكن خلافا للشافعي وأبي حنيفة.
لنا: ما رواه الجمهور عن أم سلمة أنها سجدت على المرافقة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي بصير قال سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا
يسجد عليه؟ فقال: لا إلا أن يكون مضطرا ليس عنده غيرها وليس شئ ما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه ولان ذلك أشبه بالسجود من الايماء
ولان تكليفه بالسجود الجرح وتكليفه الايماء يستلزم ترك السجود مع القدرة احتج المخالف بما روى عن ابن مسعود أنه دخل على مريض
يعوده فرآه يسجد على عود فانزعه ورمى به وقال هذا مما عرض به لكم الشيطان والجواب: لا حجة فيما يفعل ابن مسعود لأنه توهم التشبه بعبادة الأوثان
ويدل عليه ما رواه زرارة عن أبي جعفر (ع) في الصحيح قال سألته عن المريض هل يسجد على الأرض أو على مروحة أو سواك يرفعه فقال هو أفضل
من الايماء وإنما كره من كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد من دون الله وانا لم نعبد غير الله قط فاسجد على المروجة أو على
سواك أو عود. [السابع] كل معذور بما يمنعه عن القيام يصلي مستلقيا لا تفاوت بين الاعذار دفعا للحرج خلافا لمالك و
يؤيد ما ذكرناه قول أبي عبد الله (ع) وليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه. [الثامن] لو وجد المضطجع أو المستلقي خفا
قام وأتم خلافا لأبي حنيفة. لنا: أنه أتى بالمأمور به فيكون مجزيا احتج بأن إقتداء الراكع الساجد بالمومي غير جائز فلا يبنى أحد الصلاتين على
الأخرى. والجواب: لا جامع والفرق ثابت لان الإمامة ممنوع ولا شخص للراكع الساجد المومي. [التاسع] قال الشيخ في النهاية إذا صلى قاعدا تربع حال
265

القراءة وتثني رجليه حال الركوع قال في المبسوط ويتورك في التشهد وهو قول أبي عمر وأنس وابن سيرين ومجاهد وسعيد بن جبير ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وقال
أبو حنيفة يجلس كيف شاء. لنا: ما رواه الجمهور عن أنس أنه صلى مربعا فلما ركع ثنى رجليه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن حمران بن أعين عن أحدهما
(ع) قال كان أبي عبد الله (ع) إذا صلى جالسا تربع فإذا ركع ثنى رجليه ولان القيام يخالف القعود فينبغي أن يخالف هيئته في بدله هيئة غيره كمخالفة القيام
غيره احتج بأن القيام سقط عنه سقطت عنه هيئته والجواب السقوط هناك للمشقة والهيئة لا مشقة فيها وليس هذا على الوجوب بالاجماع لعدم الدليل
على وجوبه وروى معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل أيصلي الرجل وهو جالس مربعا ومبسوط الرجلين فقال: لا بأس بذلك وروى ابن بابويه
في كتابه عن الصادق (ع) قال في الصلاة في المحمل: صل مربعا وممدود الرجلين وكيف ما أمكنك. [العاشر] لو كان قيامه كهيئة الركوع فإن
كان لحدث أو كبر وجب أن يقوم بلا خلاف لأنه قيام مثله وإن كان بغير ذلك كقصر السقف ومن كان في سفينة مظللة لا يتمكن من استيفاء القيام
فيها أو كان خائفا وجب عليه القيام بما يتمكن منه كالواجد خلافا لبعضهم. [الحادي عشر] لو تمكن المريض من القيام منفردا وعجز عنه مأموما لزمه
القيام ويصلي منفردا لأنه لا يترك الفرض للنفل خلافا لأحمد واحتج بأنه لو كان إمام الحي عاجزا أبحنا له ترك القيام وإن كان قادرا للمتابعة مراعاة
الجماعة وهاهنا أولى وهو ضعيف لما يأتي في فساد الأصل واختاره الشافعي واحتج بأن الاجر يتضاعف بالجماعة أكثر من تضاعفه بالقيام فإن صلاة
القاعدة بنصف صلاة القائم وصلاة الجماعة يفضل المنفرد بخمس وعشرين والجواب إنما يفضل صلاة الجماعة مع استيفاء أركانها أما مع اختلالها
فلا. [الثاني عشر] لو كان المرض في عينه فقال أهل الطب إن صلى بالاستلقاء أمكن المداواة جاز ذلك وبه قال الثوري وأبو حنيفة خلافا لمالك
والأوزاعي. لنا: أنه يلحقه بتركه ضرر وحرج فيكون منفيا احتج المخالف بما روي عن ابن عباس أنه لما كف بصره أتاه رجل فقال إن صبرت على سبعة
أيام لا تصل إلا مستلقيا داويت عينك ورجوت أن تبرء فأرسل في ذلك إلى عائشة وأبي هريرة وغيرهما من الصحابة فقالوا إذا مت في هذه الأيام
ما الذي تصنع بالصلاة فترك المعالجة والجواب يحتمل أن لا يكون الخبر قد استند إلى التعين أو أنهم لم يقبلوا خيره. * مسألة: ويستحب للمصلي
أن يفرق بين قدميه قائما من ثلاثة أصابع إلى شبر لأنه أمكن في الصلاة ولما رواه الشيخ في الحسن عن حماد عن أبي عبد الله (ع) أنه قام
مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد صم أصابعه وقرب بين قدميه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات واستقبل بأصابع
رجليه جميعا القبلة لم يجز فيهما عن القبلة وفي الصحيح عن أبي جعفر (ع) قال: إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى ودع بينهما
فصلا أصبعا (أقل ذلك) إلى شبر ويستحب أن يستقبل بأصابع رجليه القبلة ليحصل كمال التوجه إليها بقدر الامكان ولرواية حماد.
[البحث الثاني] في
النية، وهي واجبة في الصلاة بلا خلاف بين علماء الاسلام وركن فيها في قول العلماء كافة قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين
له الدين) والاخلاص لا يتحقق إلا بالنية وقال (ع): إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى وقال الرضا (ع): لا عمل إلا بالنية ولان الامتثال
تقع على وجوه مختلفة بعضها غير مراد الله تعالى فلا يختص المراد إلا بالنية وهي عرض محلها القلب ولا اعتبار بالنطق فيها ولا يفتقر إليه لان
الأفعال المختلفة يفتقر في وقوعها على وجوبها إلى الإرادة وهي من أفعال القلب ولا أثر للمنطق (للنطق) في اختصاص الأفعال بوجه دون آخر فيسقط
اعتباره عملا بالأصل وقال بعض الشافعية يستحب أن يضاف إلى الاعتبار القلبي النطق اللساني وآخرون منهم قالوا: بالوجوب وليس شيئا.
* مسألة: وهل هي شرط في الصلاة أو جزء منها؟ الأقرب الأول لان الشرط هو ما يقف عليه تأثير المؤثر أو ما يقف عليه صحة الفعل وهذا
متحقق فيها ولان النية تقارن (مقارنة) لأول جزء من الصلاة أعني التكبير أو سابقة عليه فلا يكون جزءا. * مسألة: ولا بد في الصلاة المكتوبة
من نية اليقين والفعل بلا خلاف لان مجرد ذكر الفعل وهو الصلاة مثلا لا يتخصص بمعينة دون أخرى إلا بالنية فيجب اعتبارها ولا بد
من نية القربة بلا خلاف لان الاخلاص هو التقرب ويشترط أيضا نية الوجوب أو الندب ذهب إليه الشيخ رحمه الله وهو جيد خلافا لبعض
الشافعية ولبعض الحنابلة. لنا: القصد من النية تخصيص بعض الأفعال التي يمكن وقوعه بأعلى الوجوه المختلفة ونية التعين غير كافية
إذا الظهر مثلا يقع على النافلة كظهر الصبي والمعيد لها جماعة احتج المخالف بأن التعين يغني عنها ان الظهر لا يكون إلا فرضا والجواب: قد
بينا وقوع الظهر على أشياء مختلفة وكل ما أمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد فيعين اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية. * مسألة: ولا بد
من أن ينوي الأداء أو القضاء لاشتراك المعينة بينهما فلا بد من التخصيص خلافا لبعض الناس احتجوا بأن نية الفرض انصرف إلى الحاضرة وليس
بشئ لان الحضور لا يكفي عنه النية كما لم يكف عن نية الوجوب. فروع: [الأول] لو نوى الأداء فبان أن وقت الصلاة كان قد خرج، فعلى
ما اخترناه يلزمه الإعادة لان الواجب عليه القضاء ولم ينوه فلا يقع فعله. [الثاني] لو نوى القضاء لظنه خروج الوقت ثم بان الكذب
فعلى ما اخترناه يلزمه الإعادة أيضا لما قلناه. [الثالث] يسقط نية التعين في صورة واحدة عند بعض أصحابنا وهو ما إذا نسي تعين الفائتة.
[الرابع] لو كان عليه ظهر وعصر فنوى بالصلاة أدائهما لم يجز عن واحدة منهما لأنهما لا يتداخلان ولم ينو واحدة بعينها. * مسألة:
ولا يشترط نية القصر والتمام أما في مواضع لزوم أحدهما فلا يفتقر إلى نية لان الفرض متعين له وأما في مواضع التخيير كالمسافر في إحدى المواطن
266

الأربعة فلا يتعين أحدهما بالنية بل جائز له أن يقصر على الركعتين وجائز أن يتم فلا يحتاج أحدهما إلى التعين والنافلة المعينة كالاستسقاء
تفتقر إلى التعيين والراتبة كالنوافل الظهر وغيرها لا تفتقر إلى التعين ولا بد من نية التقرب والندب في الجميع. * مسألة: ويشترط في النية مقارنتها
لتكبير الافتتاح ذهب إليه علماؤنا وبه قال الشافعي وابن المنذر وقال أبو حنيفة يجوز أن يتقدم على التكبير بالزمان اليسير. لنا: قوله تعالى: (وما أمروا إلا
ليعبدوا الله مخلصين له الدين) والحال هيئة (لبيان) الفاعل وقت الفعل وقلنا الاخلاص هو النية ولان النية شرط فلا يجوز خلوا العبادة عنها كغيرها
من الشرائط احتج بأنها عبادة فجاز أن يتقدم نيتها كالصوم والجواب: العمل بالآية أولى أو يجب استدامة حكمها ليقع الأفعال منوية ولا يشترط استدامتها
حقيقة لما في ذلك من المشقة والحرج إن الانسان قد يعرض ما يشغله عن استحضارها فلو أوجبنا الاستدامة حقيقة لما انفك الانسان من الصلاة
وذلك ضرر عظيم ونعني باستدامة حكمها أن لا ينوي قطع الصلاة ولو ذهل عنها أو زالت عن خاطره في أثناء الصلاة لم تؤثر ذلك في صحتها.
فروع: [الأول] لو دخل في الصلاة بنية مترددة بين إتمامها وقطعها لا يصح صلاته لعدم النية إذ لا جزم مع التردد. [الثاني]
لو دخل في الصلاة بنية صحيحة ثم نوى قطعها والخروج منها أو أنه ليستخرج منها أو يتردد هل يخرج أم لا؟ قال الشيخ: ويقوى في نفسي أنها تبطل لأنه
عمل بغير نية ولأنه قطع بحكم النية قبل إتمام صلاته ففسدت كما لو سلم للخروج وكذا مع التردد ولان استدامة النية شرط ومع التردد لا استدامة. والآخر عندي أقرب. [الثالث]
لو عزم على فعل ما ينافي الصلاة من حدث أو كلام أو ما أشبهها ثم لم يفعل لم تبطل صلاته لأنه بمجرد النية لا يكون فاعلا ولا يكون رافعا لنية
الأولى. [الرابع] قال الشيخ في المبسوط لو نوى بالقيام أو بالقراءة أو الركوع أو السجود غير الصلاة بطلت صلاته لأنه لا عمل إلا بنية يطابقها.
[الخامس] لو نوى ببعض أفعال الصلاة الرياء بطلت صلاته لأنه فعل منهي عنه والنهي يقتضي الفساد. [السادس] يجوز نقل النية
في مواضع كمن صلى وذكر أن عليه فائتة فإنه يعدل نيته إلى الفائتة وكذا لو نقل الفرض إلى النفل في صورة الجماعة إذا طلب فضلها أو سبق إلى
غير صورة الجمعة لورود النص في مثل هذه ولا يجوز التعدي لأنه خارج عن الأصل فيقتصر فيه على مورد النقل. [السابع] لو شك هل نوى
أو لا في الحال استأنف لان الأصل العدم فإن النفل أو ذكر للنية استمر لعدم المبطل وغلبة الظن بأن الانتقال بعد الاكمال ولو عمل عملا مع
الشك الموجوب للاستيناف لم يصح لأنه عزيز (عرى) عن النية وحكمها فإن استصحاب حكمها مع الشك لا يوجد ولو شك هل نوى فرضا أو نفلا وهو في الحال
استأنف أيضا في رواية عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة وهو ينوي أنها
نافلة فقال (ع) على الذي قمت له وإن كنت دخلت فيها وأنت تنوى نافلة ثم انك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة إذا قمت الفريضة (وأنت تنوى) فدخلك
الشك بعد فأنت في الفريضة هي التي قمت فيها ولها وقال (ع) إنما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته والمراد بهذه الرواية
الاستمرار بعد الانتقال ولو شك هل أحرم بظهر أو عصر في الحال استأنفت أيضا لان التعيين شرط وقد زال بالشك. [الثامن] لو تأخرت
النية عن التكبير لم يصح لأنه يقتضي وقوع بعض الأفعال غير منوي وقال بعض الحنفية إن كان بحال لو سئل عن صلاته أي صلاة يصلي
وأجاب بغير تكلف جاز وليس شيئا وقال آخرون منهم لو تعرض لنية الصلاة ولم يشتغل فيما بين ذلك شئ من أعمال الدنيا كفته تلك النية
وجازت صلاته وقد بينا فساده. [التاسع] لا بد من نية الايتمام للمأموم ولا يفتقر الامام إلى ذلك وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى.
[البحث الثالث] في تكبيرة الاحرام، وإنما أخرناه عن النية لتقدمها عليه أما حكما أو وجودا وأخرناهما عن القيام
لأنه شرط في صحتهما وقد أجمع المسلمون على أن التكبير واجب في الصلاة وهو ركن عندهم عدا الزهري والأوزاعي فإنهما قالا: لو أخل به المصلي
عامدا بطلت صلاته ولو أخل به ناسيا أجزأته تكبيرة الركوع وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وقتادة والحكم. لنا: قوله (ع): تحريمها التكبير دل
على أن الدخول في الصلاة متوقف عليه وهو شامل للعمد والسهو وأما ما رواه الرفاعة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يقبل الله صلاة أمرء حتى
يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال سألت أبا جعفر (ع)
عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح؟ قال: يعيد وفي الصحيح عن محمد عن أحدهما (ع) في الذي يذكر أنه لم يكبر في أول صلاته، فقال: إذا استيقن
أنه لم يكبر فليعد ولكن كيف يستيقن وعن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتى يركع؟ قال: يعيد الصلاة
وعن ذريح المحاربي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل ينسى أن يكبر حتى قرأ؟ قال: يكبر وإعادة التكبير تستلزم إعادة النية لما بينا من وجوب
المقارنة لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي بصير عن أبي الحسن الرضا (ع) قال قلت له رجل نسي أن يكبر تكبيرة الافتتاح حتى
كبر للركوع؟ فقال: أجزأ وفي الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن رجل نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة؟
قال: أليس كان من نيته ان يكبر؟ قلت نعم، قال: فليمض في صلاته لأنا نقول أنهما محمولان على من نسي ولم يتيقن الترك بل شك فيه عملا بالجمع بين
الأحاديث ويؤيده ما رواه فضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال في الرجل يصلي ولم يفتتح بالتكبير هل تجزيه
تكبيرة الركوع؟ قال: لا بل يعيد صلاته إذا حفظ أنه لم يكبر وكذا قوله (ع) ولكن كيف يستيقن وكذا ما ورد
في هذا الباب. * مسألة:
وتكبيرة الاحرام جزء من الصلاة لا يكون المصلي داخلا في الصلاة إلا بإكمالها قال الشيخ في الخلاف خلاف لأصحاب أبي حنيفة. لنا: قوله (ع):
267

في الصلاة إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن احتج المخالف بقوله (ع): تحريمها التكبير أضاف التكبير إلى الصلاة والشئ لا يضاف إلى نفسه وهو خطأ
لان الإضافة يقتضي المغايرة ولا ريب في مغايرة الشئ لجزئه فما ذكروه لا يدل على مطلوبهم. * مسألة: والصيغة التي ينعقد بها الصلاة الله أكبر وعليه
علماؤنا وهو قول أحمد وللجمهور خلاف في مواضع: {الأول} قال أبو حنيفة ينعقد الصلاة بكل اسم الله تعالى على وجه التعظيم كقوله الله أعظم أو عظيم أو جليل أو
سبحان الله ونحوه والباقي ذهبوا إلى تعيين التكبير كما اخترناه لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: تحريمها التكبير وفي حديث رفاعة عنه صلى الله
عليه وآله ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر ومن طريق الخاصة ما تقدم من الأحاديث احتج بأنه ذكر الله تعالى على وجه التعظيم فأشبه قوله الله أكبر
وبالقياس على الخطبة حيث لم يتعين لفظها. والجواب عن الأول: أنه قياس في معارضة النص فلا يكون مقبولا وينتقض بقوله: اللهم اغفر لي والفرق بينه و
بين الخطبة ظاهر إذ لم يرد عن النبي (ص) فيها لفظ معين والمقصود الاتعاظ. {الثاني} الذي نذهب إليه الاتيان بلفظ الله أكبر لأنه لا تعقد الصلاة بمعناها
ولا بغير العربية مع القدرة وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة يجزيه. لنا: ما تقدم وما ثبت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
كان يداوم على هذه الصيغة وكان ذلك بيان للواجب فيكون واجبا لقوله (ع) صلوا كما رأيتموني أصلي احتج أبو حنيفة بقوله تعالى: (وذكر اسم ربه
فصلى) وهذا قد ذكر. والجواب: أنه اخبار عن ذكر الله تعالى وهو غير مبين وفعل النبي صلى الله عليه وآله مبين له فيقصر عليه. فرع: لو لم يحسن
العربية وجب عليه التعليم فإن خشي الفوات كبر بلغته وبه قال الشيخ في المبسوط وهو اختيار الشافعي وقال قوم من الجمهور يكون كالأخرس. لنا: أن
التكبير ذكر فإذا تعذر اللفظ أتى بمعناه تحصيلا لفائدة المعنى. {الثالث} لو أتى بلفظ أكبر معرفا فقال الله أكبر لا لم يصح وبه قال الشيخ في
المبسوط وأكثر أهل العلم قالوا به وقال الشافعي ينعقد بها واختاره ابن الجنيد منا. لنا: ما رواه الجمهور في حديث رفاعة عن النبي صلى الله
عليه وآله أنه قال: ويقول الله أكبر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد عن أبي عبد الله (ع) وقد وصف له الصلاة وقال
بخشوع الله أكبر وبيان واجب ولان النبي صلى الله عليه وآله كان يداوم على هذه الصيغة ولو لم تكن متعينة لعدل عنها في بعض الأوقات
قال الشافعي لم يغير النية ولا المعنى وهو ضعيف لأنه قبل التعريف كان متضمنا لاضمار أو تقدير فزال فإنه قول الله أكبر معناه من كل شئ.
{الرابع} الترتيب شرط فيها فلو عكس فقال الأكبر الله أو أكبر الله لم ينعقد صلاته وهو قول أحمد خلافا لبعض الشافعية ولأبي حنيفة. لنا: ما تقدم ولأنه
لا يسمى حينئذ تكبيرا قال في المبسوط يجب أن يأتي بأكبر على وزن أفعل فلو مد خرج عن المقصد لأنه حينئذ يصير جمع كبر وهو الطبل وهو جيد مع القصد أما مع عدمه
فإنه بمنزلة مد " الألف " ولأنه قد ورد الاشباع في الحركات إلى حيث ينتهي إلى الحروف في لغة العرب ولم يخرج بذلك عن الوضع وكذا لا ينبغي له أن يمد الهمزة
الأولى من لفظ الله لأنه يبقى (يصير) مستفهما فإن قصده بطلت. * مسألة: الأخرس يتنطق بالممكن فإن تعذر النطق أصلا قال الشيخ يكبر بالإشارة بإصبعه
ويومي وقال بعض الجمهور ويسقط فرضه عنه. لنا: الصحيح يجب عليه النطق بتحريك لسانه والعجز عن أحدهما لا يسقط الآخر قالوا الإشارة وحركة اللسان يتبع
اللفظ فإذا سقط فرضه سقطت توابعه وهو باطل لان اسقاط أحد الواجبين لا يستلزم اسقاط الآخر وعندي فيه نظر. * مسألة: ويجب على المصلي
أن يسمع نفسه بالتكبير إن كان صحيح السمع وإلا أتى بما لو كان صحيحا سمعه لأنه ذكر محله اللسان ولا يحصل إلا بالصوت والصوت ما يمكن سماعه و
أقرب السامعين نفسه فمتى لم يسمعه لم يعلم إتيانه بالقول والرجل والمرأة في ذلك سواء. * مسألة: ويجب أن يكبر قائما لأنه جزء من الصلاة المشترط به
مع القدرة فلو اشتغل بالتكبير وهو آخذ في القيام لم يتمه أو انحنى إلى الركوع مثلا بأن كان مأموما قبل إكماله بطلت صلاته وقال الشافعي
إن انحنى قبل إكماله وكانت فرضا بطلت ولو انعقدت نافلة وهو باطل لأنها إذا بطلت لم ينعقد نافلة لأنه لم يبق النافلة. * مسألة: ولو أخل
بحرف منها لم ينعقد بصلاته لان الاخلال بالجزء يستلزم الاخلال بالجميع وكذا لو قال الله أكبر بالتقطيع لان التعظيم إنما يحصل بالاخبار ومع التقطيع
يكون بمنزلة الأصوات التي ينفق (ينطلق) بها ولا يكون تركيبها دالا على شئ وفيه إخلال بالجزء الصوري. * مسألة: وروى علماؤنا استحباب التوجه
بسبع تكبيرات إحديهما تكبيرة الاحرام وهي واجبة وروى الشيخ في الصحيح عن ابن عمير عن زيد الشحام قال قلت لأبي عبد الله (ع) الافتتاح فقال:
تكبيرة تجزيك، قلت أسبع؟ قال: ذلك الفضل وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزي والثلث أفضل
والسبع أفضل كله وفي الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم قل " اللهم أنت الملك الحق
المبين لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت " ثم كبر تكبيرتين ثم قل " لبيك وسعديك والخير في يديك و
الشر ليس إليك والمهدي من هديت لا منجا منك إلا إليك سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت " ثم تكبر تكبيرتين ثم تقول " وجهت
وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين " ثم تعوذ من الشيطان ثم اقرأ فاتحة الكتاب وعن
أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا كل ذلك مجز عنك
غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة واحدة قال أصحابنا والمصلي بالخيار إن شاء جعلها تكبيرة الاحرام وإن نوى بها أول التكبيرات وقعت البواقي في
الصلاة وله أن ينوي الأخيرة والوسطى وأيهما شاء. فروع: [الأول] لا خلاف بين علمائنا في استحباب
التوجه بسبع تكبيرات بالأدعية
268

المأثورة واحدة منها تكبيرة الاحرام في أول كل فريضة وقال بعض الجمهور ليس قبل تكبيرة الاحرام دعا منقول. لنا: ما تقدم من الأحاديث احتج المخالف
بقوله تعالى: (فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب) وليس فيه حجة لان الرغبة إليه بالدعاء أتم من التكبير والقراءة. [الثاني] قال الشيخ في النهاية و
المبسوط والمفيد في المقنعة يستحب التوجه بسبع تكبيرات بينهن ثلاثة أدعية في سبعة مواضع في أول كل فريضة وأول صلاة الليل والوتر أول نافلة
الزوال وأول نافلة المغرب وأول ركعتي الاحرام وفي الوترة وقال في الخلاف يستحب في مواضع مخصوصة من النوافل وقال في التهذيب ذكر ذلك
علي بن الحسين بن بابويه في رسالته ولم أجد له خبرا مسندا ولو قيل باستحباب ذلك في كل صلاة كان حسنا عملا بالاطلاق ولما فيه من الذكر.
[الثالث] روى الشيخ في الموثق عن زرارة قال رأيت أبا جعفر (ع) وقال سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء وفي الصحيح عن الحلبي قال
سألت أبا عبد الله (ع) عن أخف ما يكون من التكبير في الصلاة؟ قال: ثلاث تكبيرات فإذا كنت إماما فإنه يجزيك أن تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا.
[الرابع] التوجه بالأدعية مستحب لما تقدم وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: يجزيك في الصلاة من الكلام في
التوجه إلى الله تبارك وتعالى أن تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ويجزيك تكبيرة واحدة وهذا الدعاء يكون بعد التكبيرة الافتتاح ثم يتعوذ بالله من الشيطان
الرجيم ثم يقرأ الحمد قال الشيخ في النهاية وإن قال في التوجه " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم ودين محمد ومنهاج علي حنيفا
" إلى آخر الكلام كان أفضل وقاله ابن بابويه في كتابه. * مسألة: ويستحب رفع اليدين بالتكبير بلا خلاف بين أهل العلم في فرائض الصلوات ونوافلها
روى الجمهور عن ابن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحادي بهما منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد ما
يرفع رأسه من الركوع ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال رأيت أبا عبد الله (ع) حين افتتح الصلاة يرفع يديه
أسفل من وجهه قليلا وفي الصحيح عن صفوان بن مهران قال رأيت أبا عبد الله (ع) إذا كبر في الصلاة رفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه وفي
الصحيح عن ابن سنان قال رأيت أبا عبد الله (ع) يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح واختلف في حده فقال الشيخ يحاذي بهما شحمتي أذنيه وهو اختيار
أبي حنيفة وقال الشافعي يرفعهما إلى حد المنكبين. لنا: ما رواه الجمهور عن وائل بن حجر ومالك بن حريث عن الرسول صلى الله عليه وآله أنه كان يرفع
يديه إذا كبر حتى يحاذي بهما أذنيه ومن طريق الخاصة ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا افتتحت الصلاة وكبرت فلا تجاوز أذنيك
وفي رواية عمار رأيت أبا عبد الله (ع) رفعهما حيال وجهه احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وآله رفع يديه إلى المنكبين والجواب ما ذكرناه أولى لأنه
أحوط ولو فعل أيهما شاء كان جائزا. فروع: [الأول] لو نسيه وذكر قبل انتهاء التكبير رفع يديه مستحبا ولو انتهى لم يرفع سواء ترك عمدا
أو سهوا لفوات محله. [الثاني] يستحب مد الأصابع وضمها والاستقبال بباطنها القبلة عند التكبير وقال السيد المرتضى وابن الجنيد يجمع بين
الأربع ويفرق الابهام وقال الشافعي يفرق الأصابع. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا دخل في الصلاة رفع
يديه مدا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع): ولا تشبك أصابعك وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك وفي الحسن عن حماد
عن أبي عبد الله (ع) وقد وصف الصلاة فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه احتج الشافعي بما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان ينشر
أصابعه ولا حجة فيه لان النشر يحصل ببسط الكف وإن كانت الأصابع مضمومة كما يقال نشرت الثوب وهو لا يقتضي التفريق وفي رواية منصور بن حازم قال
رأيت أبا عبد الله (ع) افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه واستقبل القبلة ببطن كفه. [الثالث] لو كانت يده تحت ثيابه استحب له أن يرفعهما عملا
بعموم الامر وروى وائل بن حجر قال أتيت النبي صلى الله عليه وآله فرأيت أصحابه يرفعون أيدهم في ثيابهم في الصلاة. [الرابع] الإمام والمأموم والمنفرد
والمتنفل والمفترض والرجل والمرأة في استحباب ذلك على السواء عملا بالعموم. [الخامس] يكره أن يتجاوز لهما رأسه لقول أبي عبد الله (ع)
إذا افتتحت وكبرت فلا تجاوز أذنيك ولا ترفع يدك فتجاوز بهما رأسك وعن علي (ع) أن النبي صلى الله عليه وآله مر برجل يصلي وقد رفع يديه فوق رأسه
فقال ما لي أرى قوما يرفعون أيدهم فوق رؤوسهم كأنها أذان؟ خبل؟ شمس. * مسألة: ويستحب الامام ان يسمع من خلفه التكبير ولا نعرف فيه خلافا ليحصل
لهم المتابعة فإنهم لا يجوز لهم أن يكبر وقيل تكبيرة وفي رواية الحلبي عن أبي عبد الله (ع) فإن كنت إماما أجزاك إن تكبروا واحدة تجهر وتسر ستا.
فروع: [الأول] لا يشترط العلو المفرط في ذلك بل يسمعه المجاورون له. [الثاني] إذا لم يمكنه إسماعهم لكثرتهم اسمع من يليه ويسمع المأموم
غيره. [الثالث] لا يستحب للامام أن يجهر بغير تكبيرة الاحرام من السبع لقول أبي عبد الله (ع) وتسر ستا وفي رواية أبي بصير عنه (ع) فإن كنت
إماما لم تجهر إلا بتكبيرة الاحرام ولأنه ربما التبس على المأمومين فدخلوا معه في الصلاة وإن لم يتلبس (لم يلتبس) بها. [الرابع] لا يجب للمأموم أن
يسمع الامام ذلك لعدم الفائدة وفقد النص الدال عليه. [الخامس] ويستحب التعوذ أمام القراءة بعد التوجه وهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال
الحسن وابن سيرين أنه كان يتعوذ بعد القراءة. لنا: قوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) والأصل الاجزاء على العموم إلا إذا
يظهر المخصص وما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان إذا إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان
269

الرجيم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ثم تعوذ من الشيطان ثم اقرأ فاتحة الكتاب ولان وسوسة
الشيطان إنما تعرض عند اشتغال العبد بالطاعات فيستحب التعوذ منه دفعا لمفسدته احتج مالك بما رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يفتتح الصلاة
بالحمد لله رب العالمين والجواب: المراد بالصلاة هنا القراءة كما روى أبو هريرة أن الله تعالى قال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين وفسر ذلك بالفاتحة
وكلام ابن سيرين ضعيف. فروع: [الأول] صورة التعوذ أن يقول " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وهو قول أبو حنيفة والشافعي لأنه لفظ القرآن
المجيد ولو قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قال الشيخ كان جائزا لقوله تعالى: (فاستعذ بالله أنه هو السميع العليم). [الثاني] قال الشيخ
يستحب الاسرار به ولو جهر لم يكن به بأس وفي رواية حنان بن سدير قال صليت خلف أبي عبد الله (ع) فتعوذ بإجهار ثم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم. [الثالث]
يستحب التعوذ في أول ركعة من الصلاة خاصة ثم لا يستحب في باقي الركعات وهو مذهب علماؤنا وقول عطا والحسن والنخعي والثوري وقال الشافعي وابن
سيرين يتعوذ في كل ركعة. لنا: القصد هو التعوذ من الوسوسة وهو حاصل في أول ركعة فيكتفى به في الباقي وما رواه الجمهور عن أبي هريرة قال كان النبي
صلى الله عليه وآله إذا نهض من الركعة الثانية استفتح بقراءة الحمد رواه مسلم. [الرابع] لو تركها عمدا أو نسيانا حتى قرأ مضى في قرائته ولا يعيدها
ولا في الركعة الثانية خلافا لبعض الجمهور. لنا: فعل فات محله فيفوت بفواته كالاستفتاح. [الخامس] المأموم إذا أدرك الامام بعد قراءة الأول
لم يستفتح ولا يتعوذ ولا إذا فرغ الامام وقال لتمام صلاته وقال أحمد يستفتح ويتعوذ إذ فارق الامام منامه على أن ما يدركه المأموم آخر صلاته
ويقضي الأول بعد فراغ الامام وعندنا أن ما يدركه المأموم هو أول صلاته وسيأتي. فروع من كتاب المبسوط
[الأول] قال (ره) فيه إذا كبر ونوى الافتتاح ثم كبر أخرى ونوى بها الافتتاح بطلت صلاته فإن كبر ثالثة ونوى بها الافتتاح انعقدت
صلاته وعلى هذا بدأ وإن لم ينو بما بعد تكبيرة الاحرام الافتتاح صحت صلاته بل هو مستحب على ما قلناه من الاستفتاح بسبع تكبيرات. [الثاني]
قال ومن كان في لسانه آفة من بهمة أو عنة أو لثغة وغير ذلك جاز له أن يكبر كما يأتي ان يقدر عليه ولا يجب عليه غير ذلك والوجه أنه إن كانت الآفة
لوجوب تغيرا في الحروف وجب عليه التعلم بقدر الامكان فإن لم يمكنه كان الواجب عليه ما يقدر عليه وإن لم يكن مغيرا لم يكن به بأس. [الثالث]
قال ومن كان أدرك الامام وقد ركع وجب عليه أن يكبر تكبيرة الافتتاح ثم تكبر تكبيرة الركوع فإن خاف الفوت اقتصر على تكبيرة الاحرام وأجزأ به عنهما
وليس قوله (ره) ثم تكبر تكبيرة الركوع عطفا على يكبر تكبيرة الافتتاح لأنه يقتضي وجوب تكبيرة الركوع وهو مناف للمذهب وإن كان كلامه مشعرا به
بذلك وكذا لوح في النهاية بوجوبها وليس بشئ قال ولو نوى بها تكبيرة الركوع لم يصح صلاته وهو جيد لأنه لم يكبر للاحرام قال وأما الصلاة
النافلة فلا يتقدر فيها لان عندنا صلاة النافلة لا تصلى جماعة إلا أن تفرض في صلاة الاستسقاء فإن فرض فيها كان حكمها حكم الفريضة سواء في وجوب
الاتيان بها مع الاختيار وفي جواز الاقتصار على تكبيرة الاحرام عند التعذر وهذا تصريح بوجوب تكبيرة الركوع وليس مقصودا لان النافلة مستحبة فكيف
يجب فيها تكبيرة الركوع. [الرابع] قال ينبغي أن يقول في توجهه وأنا من المسلمين ولا يقول وأنا أول المسلمين وما رواه علي (ع) عن النبي صلى الله
عليه وآله قال: أنا أول المسلمين فإنما جاز لأنه كان أول المسلمين من هذه الأمة. [الخامس] قال ينبغي أن يكون تكبيرة المأموم بعد تكبيرة الامام وفراغه
منه فإن كبر معه كان جائزا إلا أن الأفضل ما قدمناه وإن كبر قبله لم يصح ووجب عليه أن يقطعها بتسليمة ويستأنف بعده أو معه تكبيرة الاحرام و
كذلك إن كان قد صلى شيئا من الصلاة وأراد أن يدخل في صلاة الامام قطعها واستأنف معه وقال في الخلاف لا ينبغي أن يكون المأموم إلا بعد فراغ
الامام من التكبير وهو قول مالك والشافعي وأبو يوسف وقال أبو حنيفة وسفيان ومحمد ويجوز إن يكبر معه قال دليلنا أنه لا خلاف في جواز الصلاة
مع التكبير بعده واختلفوا فيه إذا كبر معه فينبغي الاخذ بالاحتياط وأيضا فالامام إنما قل (قيل إنه) إمام ليقتدى به وبالتكبير معه لا يحصل الاقتداء به لأنه
يحتاج إلى أن يفعل الفعل على الوجه الذي فعله وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إنما الامام مؤتم به وإذا كبر فكبر وهذا نص.
[البحث الرابع] في القراءة، * مسألة: إذا فرغ من التعوذ قرء ولا نعلم فيه خلافا في وجوب القراءة وكونها شرطا في الصلاة
بين العلماء إلا ما حكاه الشيخ عن الحسين بن صالح بن حي من أنه قال ليست القراءة شرطا منها وكذا حكي عن الأصم. لنا: قوله تعالى: (فاقرأوا ما تيسر
من القرآن) وقوله تعالى: فاقرأوا ما تيسر منه) وما رواه الجمهور عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب. ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) فيمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر الباقر (ع) قال سألته عن الذي لا يقرء فاتحة الكتاب في صلاته؟ قال: لا صلاة له إلا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات وخلاف المذكورين
متعرض (مغترض) لا اعتبار له. * مسألة: ويتعين الحمد في كل ثنائية وفي أوليين من الثلاثية والرباعية ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال
مالك والثوري والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى يجزي مقدار آية واحدة وهو منقول عن أبي حنيفة ونقل عنه أنه يجزي
مقدار ثلاث آيات من أي آيات القرآن شاء. لنا: قوله (ع): " لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب " رواه عبادة ولان النبي صلى الله عليه وآله داوم عليها ومواظبته
تدل على تعيينها ولقوله (ع): " صلوا كما رأيتموني أصلي " ومن طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم عن الباقر (ع) احتج المخالف بقوله (ع) لاعرابي
270

ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ولقوله تعالى: (فاقرأوا ما تيسر منه) ولان الفاتحة متساوية لآيات القرآن في الاحكام وكذا في الصلاة والجواب عن
الأول: أن الشافعي رواه بإسناده عن رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وآله قال للأعرابي ثم أقر بأم القران وما شاء الله أن يقرأ ثم يحمله على الفاتحة
وما تيسر معها مما زاد عليها ويحتمل أنه لم يكن يحسن الفاتحة وكذا الجواب عن الآية فإنه يحتمل أنه أراد الفاتحة وما تيسر معها ويحتمل أنها نزلت قبل الفاتحة
لأنها مكية وقولهما الفاتحة متساوية لغيرها ممنوعة في كل شئ ولهذا أجمعنا على أن من تركها شئ بخلاف غيرها. * مسألة: بسم الله الرحمن الرحيم
آية من أول الحمد ومن كل سورة الا البراءة وهي بعض آية في سورة النمل يجب قرائتها في الصلاة مبتدئا بها في أول الفاتحة وهو مذهب فقهاء أهل
البيت (عل) وقال الشافعي: أنها آية من أول الحمد بلا خلاف وفي كونها آية من كل سورة قولان، أحدهما: أنها آية من كل أول سورة والآخر: أنها (يعني) ليس
من أول كل سورة ويتم بما بعدها أنه وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيدة وعطا والزهري و عبد الله بن المبارك أنها آية من كل سوره وقال
أبو حنيفة ومالك والأوزاعي وداود وليست آية من فاتحة الكتاب ولا من سائر السور ثم قال مالك والأوزاعي وداود يكره أن يقرأها
في الصلاة. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي هريرة أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في صلاته ثم قرأ الحمد لله رب العالمين إلى آخر الفاتحة ثم قال والذي نفسي
بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وآله رواه النسائي وروى من أبي المنذر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قرأ في الصلاة بسم الله
الرحمن الرحيم وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وعدها (وبعدها اية) أنه الحمد لله رب العالمين آمين إلى آخر وعن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا قرأ أتم الحمد فأقروا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم الكتاب والسبع المثاني بسم الله الرحمن الرحيم أنه (اية) فيها
وعن ابن عباس أنه قال مرق الشيطان من الناس مائه وثلاث وعشرة آية حتى ترك بعضهم قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في أوائل السورة ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان قال: صليت خلف أبي عبد الله (ع) أياما فكان يقرأ فاتحة الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم فإذا
كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر به ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى ما سوى ذلك وفي الصحيح عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (ع) إذا قمت للصلاة
اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن قال: نعم، قلت فإذا قرأت فاتحة القرآن اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال: نعم وفي الصحيح عن محمد بن عمران
الهمداني قال كتبت إلى أبي جعفر (ع) جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب
من السورة تركها؟ فقال: العباسي ليس بذلك بأس وكتب (ع) بخطه يعيدها مرتين على رغم أنفه يعني العباس وفي الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا
عبد الله (ع) عن السبع المثاني والقرآن العظيم أهي الفاتحة؟ قال: قلت نعم بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال (من السبع المثاني) نعم هي أفضلهن ولان الله تعالى قال: (ولقد آتيناك
سبعا من المثاني) قال المفسرون أنها الفاتحة مثنى في كل صلاة مرتين وإنما يكون سبعا بالتسمية ولأنها ثابتة في المصاحف بخط القرآن وقد كانت الصحابة تشيد
(التشديدات) في التعثيراث؟؟ والنقط وأسماء السور فكيف يجوز لهم إثبات ما ليس من القرآن فيه ولان القرآن يقرؤها (القراء يقرؤنها) في أول السورة كغيرها من الآيات أحتج أبو حنيفة بما رواه
أبو هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال الحمد لله رب العالمين
قال الله تعالى حمد عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى: أثنى علي عبدي فإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى: مجدني عبدي فإذا قال إياك نعبد و
إياك نستعين قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فلو كانت البسملة آية لعدها وبدا بها ولم يتحقق التنصيف ولأنها لو كانت آية من كل سورة لتواترت كغيرها والجواب
عن الأول: أن قسمة الصلاة ليست قسمة السورة لأنه أراد ذكر التساوي في قسمة الصلاة لا قسمة السورة ويؤيده اختصاص الله تعالى بثلاث
آيات أولا ثم مشاركته مع العبد في الرابعة وحينئذ لا ينبغي التنصيف في السورة ثابتا قوله لو كانت آية لبدأ بها وعدها قلنا قد روى ذلك عبد الله بن
زياد بن سمعان عن الرسول صلى الله عليه وآله قال يقول عبدي إذا أصبح الصلاة فقال بسم الله الرحمن الرحيم فيذكرني عبدي وساق الحديث وهذا نص في الباب وعن الثاني: انا نقول
بموجبه وندعي التواتر في نقلها وقوة الشبهة فيها منبعث من تكفير المخالف لا يقال قد روي الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن الرجل يكون إماما فيستفتح الحمد ولا يقرء بسم الله الرحمن الرحيم فقال: لا يضره به ولا بأس وفي الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي ومحمد بن علي الحلبي
عن أبي عبد الله (ع) أنهما يسألاه عمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب؟ قال: نعم إن شاء سرا وإن شاء جهرا فقالا
فيقرأها مع السورة الأخرى؟ فقال: لا لأنا نقول أما بحمل الرواية الأولى على إمام اتقى فجائز له أن يتركها أو تخافت بها لما رواه الشيخ عن أبي حسن حريز بن
زكريا بن إدريس القمي قال سألت أبا الحسن الأول (ع) عن الرجل يصلي بقوم يكرهون أن يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قال: لا يجهر أو يكون محمولا
على الناسي وعن الثانية أنها محمولة على النافلة وكذلك جميع ما أورده في هذا الباب. * مسألة: فإذا فرغ من الحمد في كل ثنائية وفي أولى كل
ثلاثية ورباعية من الفرائض قرأ سورة أخرى تامة وجوبا حال الاختيار وذهب إليه أكثر علمائنا وقال في النهاية لا يجب السورة الأخرى وبه قال
الشافعي وغيره من الجمهور قال الشيخ في الخلاف والمبسوط الظاهر من روايات أصحابنا ومذهبهم أن قراءة سورة أخرى مع الحمد واجب في الفرائض
ولا يجزي الاقتصار على أقل منها وبه قال بعض الشافعية إلا أنه جوز بدل ذلك ما يكون قد رأيها من القرآن. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي
271

قتادة ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقرأ في الركعتين الأولتين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأول من الظهر في الثاني وكذا
في العصر والصبح يطول في الأولى من كل منهما ويقصر في الثانية وأمر معاذا فقال اقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى وقد تواتر
النقل عنه صلى الله عليه وآله أنه صلى بالسورة بعد الحمد وداوم عليها وذلك يدل على الوجوب وأيضا قوله (ع): " صلوا كما رأيتموني أصلي " وروى الجمهور
أيضا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ومعها غيرها " ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن يحيى بن عمران الهمداني قال كتبت
إلى أبي جعفر (ع) جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب
فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها
فقال العباس ليس بذلك بأس وكتب (ع) بخطه يعيدها مرتين على رغم أنفه يعني العباسي وترك الجميع يستلزم ترك البسملة فكان أولى بوجوب الإعادة وعن منصور بن حازم
قال قال أبو عبد الله (ع) لا يقرأ في المكتوبة أقل من سورة ولا بأكثر وفي رواية عمار عن أبي عبد الله (ع) في تعليم صفة الصلاة ثم قرأ الحمد وسورة
وكان ذلك في معرض البيان وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة؟ فقال: ألا لكل سورة
ركعة ولان الاحتياط يقتضي ذلك والبراءة يحصل باليقين مع قرائتها إلا مع تركها احتج الشيخ بما رواه عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (ع)
ان فاتحة الكتاب وحدها تجزي في الفريضة واحتج الجمهور لقوله تعالى: (فاقرأوا ما تيسر منه) وبما رواه أبو داود قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
اخرج فناد في المدينة أنه لا صلاة إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب وهذا يدل على أنه لا يتعين الزيادة على الحمد والجواب عن الأول: أنه محمول على
الضرورة أو حالة الاستعجال ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن حسين الصيقل قال قلت لأبي عبد الله (ع) أيجزي عني أن أقول في الفريضة
فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا وأعجلني شئ؟ فقال: لا بأس وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: يجوز للمريض أن
يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها ويجوز في الصحيح في قضاء الصلاة التطوع بالليل والنهار وفي الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله
(ع) قال: لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا هذا نص في جواز
الاقتصار مع العذر فيحمل الاطلاق عليه جمعا بين الأدلة. فروع: [الأول] لا خلاف بين أهل العلم في جواز الاقتصار على الحمد لصاحب
الضرورة دفعا للحرج ويؤيده رواية عبد الله بن سنان وحسين الصيقل. [الثاني] لو لم يحسن إلا الحمد وأمكنه التعلم وكان الوقت واسعا وجب عليه
التعلم لأنها كالحمد في الوجوب أما لو لم يمكنه التعلم أو ضاق الوقت صلى بالحمد وحدها للضرورة ولا خلاف في جواز الاقتصار على الحمد في هذه المواضع
وفي النوافل للعارف المختار. [الثالث] البسملة آية من السورة كما هي آية من الحمد فلا يجوز تركها لأنه يكون قد قرأ بعض السورة ولم يأت بالواجب
ويؤيده رواية يحيى بن عمران الهمداني عن أبي جعفر (ع) أما لو كانت سورة براءة لم تجب البسملة فيها لأنها ليست آية منها بدليل حذفها في المصاحف.
[الرابع] لا يجوز الاقتصار على بعض السورة ذهب إليه أكثر علمائنا خلافا للشيخ في النهاية وللجمهور. لنا: ما تقدم من الأحاديث وفي رواية منصور بن
حازم عن الصادق (ع) لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر ويجوز مع الضرورة وللنافلة ولغير العارف إذا لم يمكنه التعلم أو ضاق عليه الوقت
الاقتصار على ما يحسنه بلا خلاف قال الشيخ في المبسوط قراءة سورة الحمد واجب غير أنه قرأ بعض سورة لا يحكم ببطلان الصلاة وقال ابن
الجنيد ولو قرأ بأم الكتاب وبعض السورة في الفرائض أجزأه واحتجوا بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله (ع) أيقرأ
الرجل السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة؟ فقال: لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع)
قال سألته عن الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين من الفريضة وهو يحسن غيرها فإن فعل فما عليه قال إذا أحسن غيرها فلا يفعل وإن لم يحسن
غيرها فلا بأس وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) أنه سأل عن السورة يصلي الرجل بها في الركعتين من الفريضة؟ فقال: نعم إذا كانت ست آيات
قرأ بالنصف منهما في الركعة الأولى والنصف الآخر في الركعة الثانية وعن إسماعيل بن الفضل قال صلى بنا أبو عبد الله (ع) أو أبو جعفر (ع) فقرأ بفاتحة
الكتاب وآخر سورة المائدة فلما سلم التفت إلينا فقال: أما اني أردت أن أعلمكم وفي الصحيح عن سعيد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (ع) قال سألته
عن رجل قرأ في ركعة الحمد ونصف سورة هل يجزيه في الثانية أن لا يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السورة فقال يقرأ الحمد ثم يقرأ ما بقي من السورة وتأول
الشيخ الحديث الأول بأن حملت على أنه يجوز له إعادة السورة في الركعة الثانية دون أن ينقصها وذلك إذا لم يحسن غيرها فأما إذا أحسن غيرها فإنه
يكره ذلك واستدل على هذا التأويل بالرواية الثانية وتأول الرواية الثالثة بأنها محمولة على حالة التقية دون الاختيار واستدل عليه بالرواية
الرابعة وحمل الرواية الخامسة على النافلة واستدل عليه بما رواه في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع) عن تبعيض السورة
قال: أكره ولا بأس في النافلة وهذه التأويلات وإن كانت ممكنة إلا أن فيها ما لا يخلو عن بعد ولو قيل فيه روايتان إحديهما جواز الاقتصار
على البعض والأخرى المنع كان وجها ويحمل المنع على كمال الفضيلة. [الخامس] لا يجزي عن السورة تكرار الحمد لان المفهوم من فحاوي الأحاديث
وفتاوي الأصحاب أن السورة غير الحمد. [السادس] يجب أن يقرأ الحمد أولا ثم يقرأ السورة فلو عكس لم يصح ووجب عليه استيناف الصلاة إن تعمد واستيناف
القراءة إن كان ساهيا لان المنقول عن النبي صلى الله عليه وآله وأفعال الأئمة (عل) الترتيب وهذه الأمور إنما ثبت توقيفا. [السابع] يجوز
272

أن يقرأ السورة الواحدة في الركعتين مكررا لها فيهما وأن يقرأ سورتين متساويتين فيهما وقال بعض الجمهور يستحب أن تغاير بينهما قال ابن الجنيد والأفضل
أن يقرأ أطولهما في الأولى وأقصرهما في الثانية وقال الشيخ في الخلاف يجوز أن يسوي بين الركعتين في مقدار السورتين اللتين يقرأ فيهما بعد الحمد
وليس لأحدهما ترجيح على الآخر ولا ريب أن في الترجيح حكم شرعي إن ثبت عمل به وإلا فلا وقد روى الجمهور عن رجل من جهنية أنه سمع النبي صلى الله عليه
وآله يقرأ في الصبح إذا زلزلت في الركعتين كلتيهما فلا أدري النبي صلى الله عليه وآله أم قرأ ذلك عمدا رواه أبو داود والنسائي وعندنا لا يقع عن النبي صلى الله عليه
وآله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قلت له أصلي بقل هو الله أحد؟ قال: نعم قد صلى رسول الله صلى
الله عليه وآله في كلتي الركعتين بقل هو الله أحد لم يصل قبلها ولا بعدها بقل هو الله أحد أتم منها. [الثامن] يجوز أن يقرأ في الثانية بالسورة التي
قرأها في الركعة الأولى وبغيرها من المتقدمات عليها والمتأخرات عنها من غير ترجيح خلافا لبعض الجمهور فإنهم يستحبون أن يقرأ في الثانية بما بعد الأولى في النظم.
لنا: ما رواه البخاري عن الأخيف أنه قرأ بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف وذكر أنه صلى مع عمرو الصبح بهما ولان الأصل عدم الترجيح ولم ينقل إلينا
عن الأئمة (عل) في هذا شئ. [التاسع] إذا قلنا بجواز الاقتصار على بعض السورة فلا فرق بين أولها وآخرها وأوسطها خلافا لأحمد في إحدى
الروايتين فإنه كره أواخر السور. لنا: أن المأخوذ عليه هو قراءة ما زاد على الحمد وقد حصل وما رواه الجمهور عن ابن مسعود أنه كان يقرأ في الآخرة
من صلاة الصبح آخر آل عمران وآخر الفرقان رواه الخلال ومن طريق الخاصة رواية أبي بصير وإسماعيل بن الفضل وقد تقدمتا. [العاشر] لا يعرف
خلافا في استحباب قراءة السورة بعد الحمد في النوافل. * مسألة: وتبطل الصلاة لو أخل بحرف واحد من الحمد أو من السورة إن قلنا بوجوبها
أجمع عمدا بلا خلاف في الحمد لان الاتيان بها واجب لقوله (ع) لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ووجودها أجمع يتوقف على وجود أجزائها فمع الاخلال بحرف
منها يقع الاخلال بها وكذا الاعراب لو أخل به عامدا بطلت صلاته سواء أتى بحركات مضادة لحركات الاعراب أو حرف الاعراب وسكن الحرف وسواء
اختل المعنى باللحن كما لو كسر " كاف " إياك أو ضم " تاء " أنعمت أو لم يغير كما لو ضم " هاء " الله خلافا لبعض الجمهور. لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله صلى بالاعراب
المتلقى عنه (ع) وقال صلوا كما رأيتموني أصلي ولأنه يقال وصف القرآن بكونه عربيا فما ليس بعربي فليس بقرآن. فروع: [الأول]
لو لم يحسن الاعراب وجب عليه التعلم بقدر الامكان ولو عجز وضاق الوقت صلى على ما يحسنه ولو لم يمكنه التعلم على الاستقامة هل يجب عليه ترك الاعراب
(لاحتمال) الخطأ والتسكين أولا فيه تردد ينشأ من كون حذف الحركات يبطل الجزء الصوري من الكلام ومن كون الواجب عليه الاتيان بالصحيح وترك الخطأ
وقد فات الأول فيجب الثاني والأخير أقرب. [الثاني] الأقرب أنه يجب على الجاهل العاجز الايتمام بغيره من العارفين وكذا لو لم يعرف القراءة.
[الثالث] ترتيب آيات القرآن واجب فلو أخل به عامدا بطلت صلاته ولو أخل به ناسيا استأنف القراءة ما دام في حالها إلا أن مع الاخلال
بالترتيب لا يتحقق الاتيان بها. [الرابع] قال الشيخ في المبسوط التشديد في مواضعه واجب وهو حق لأنه حرف مغاير للمنطوق به بدليل أن شدة " راء "
الرحمان أقيمت مقام " اللام " وشدة " ذال " الذين أقيمت مقام " اللام " فالاخلال به إخلال بحرف من الحمد وذلك مبطل وهو مذهب الشافعي خلافا لبعض
الجمهور حيث جوز ترك التشديد لأنه غير ثابت في المحقق وإنما هو صفة للحرف ويسمى تاركه قارئا وليس بشئ وفي سورة الحمد عشرة تشديدة بلا
خلاف وينبغي المبالغة في التشديدة لأنه في كل موضع أقيم مقامه حرف ساكن فإذا زاد على ذلك يكون بمنزلة من زاد على الحرف الأصلي. [الخامس]
يقرأ بما نقل متواترا في المصحف الذي يقرأ به الناس أجمع ولا يقول على ما يوجد في مصحف ابن مسعود لان القرآن ثبت بالتواتر ومصحف ابن مسعود
لم يثبت بتواتر ولو قرأ به بطلت صلاته خلافا لبعض الجمهور. لنا: أنه قراءة بغير القرآن فلا يكون مجزيا. [السادس] يجوز أن يقرأ بأي قراءة
شاء من السبعة لتواترها أجمع ولا يجوز أن يقرأ بالشاذ وإن اتصلت روايته لعدم تواترها وأحب القرآن إلى ما قرأه عاصم من طريق أبي بكر بن
عياش وقراءة أبي عمرو بن أبي العلا فإنهما أولى من قراءة حمزة والكسائي لما فيهما من الادغام والإمالة وزيادة المد وذلك كله تكلف ولو قرأ به صحت
صلاته بلا خلاف. [السابع] يجب أن يأتي بالحروف من مخارجها لئلا يبدل حرفا بحرف فلو أخرج الضاد في قوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين
من مخرج " الظاء " لاختل المعنى وبطلت صلاته إن فعله متعمدا وإن كان جاهلا وجب عليه التعليم. [الثامن] قال الشيخ في المبسوط لو قرأ في خلالها
من غيرها سهو اثم عاد إلى موضع (موضح) آخر (لا) ولو تعمد استأنف لأنه أخل بالترتيب قال ولو نوى قطعها وقطع القراءة استأنف صلاته وإن لم يقطع
القراءة استمر لأنه مع القطع ليظهر أثر النية فيفسد صلاته لأنه نوى إفسادها وفعل ما نوى بخلاف ما لو لم يقطع قال ولو أخل بإصلاح
لسانه في القراءة مع القدرة أبطل صلاته ولو كان ناسيا لم تبطل. * مسألة: ولا يجزي بالترجمة ولا بمرادفها من العربية وهو مذهب أهل
البيت (عل) وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة يجوز ذلك. لنا: أنه بغير العربية ليس بقرآن لقوله تعالى: (بلسان عربي مبين) أخبر أنه
أنزل القرآن بالعربي فما ليس بعربي لم يكن قرآنا وكذا قوله تعالى: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) ولان القرآن ما ثبت نقله بالتواتر والترجمة أو المرادف
ليس كذلك ولأنه معجز بالاجماع أما بفصاحته أو نظمه أو بهما أو بالصرفة فلو كان معناه قرآنا لما تحقق الاعجاز ولما حصل التحدي به ولكانت
التفاسير قرآنا ويلزم أن من أتى بمعنى شعرا امرء القيس نظما أن يكون هو بعينه شعر أمرء القيس وذلك جهالة وأيضا قوله تعالى: (ولقد نعلم أنهم يقولون
273

إنما يعلم بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) فالنبي صلى الله عليه وآله اتاهم بالقرآن بلغة العرب فادعوا أن رجلا من العجم تعلمه
فأكذبهم الله تعالى وقال هذا ظاهر الذين يضيفون إليه المتعلم أعجمي والذي آتاكم به لسان عربي فلو استويا في كونهما قرآنا لم ينكر عليهم ما ادعوه و
إذا لم يكن قرآنا لم يكن مجزيا لقوله (ع) لا صلاة إلا بقرآن وقوله (ع) لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وأيضا روى عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا
سأل النبي صلى الله عليه وآله فقال إني لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فماذا أصنع فقال له سبحان الله والحمد لله فلو كان معنى القرآن مجزيا
لأوجب (ع) القراءة بأي لسان كان أو الاتيان بمعناه وإن أخل بلفظه ولأنه ثبت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يصلي بالعربية وقال
صلوا كما رأيتموني أصلي وفعل ذلك بيانا للواجب فكان واجبا احتج المخالف بقوله تعالى: (لأنذركم به ومن بلغ وإنما ينذر كل قوم بلسانهم)
ولقوله تعالى: (إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى) وقوله: (انه لفي زبر الأولين) وتلك لم يكن بالعربية ولأنه تعالى حكى عن نوح
قوله: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) ولم يقولوا ذلك بالعربية إلا أنهم لما حكى المعنى عنهم
أضاف القول إليهم وذلك يقتضي أن من
غير عن القرآن بالفارسية يكون عبارته قرآنا والجواب عن الأول: أنه إذا فسره لهم كان الانذار بالمفسر دون التفسير ولان الانذار بالقرآن لا
يستلزم نقل اللفظ بعينه فإنه لو أوضح لهم المعنى قيل أنه أنذرتهم به بخلاف صورة النزاع وعن الثاني: إنا نعلم أن القرآن بعينه لم يكن في تلك
اللغة بل معناه والمجاز قد يصار إليه لقرينة وقيل أنه أراد صفة محمد صلى الله عليه وآله وذكر شريعته في الصحف الأولى وهو الجواب عن الثالث. * مسألة:
ولو لم يحسن القراءة وجب عليه التعلم بالعربية وهو قول كل من أوجب القراءة بها لان القراءة واجبة وهي متوقفة على التعلم فيكون واجبا ولو أخذ به
مع المكنة بطلت صلاته لأنه غير قارئ مع إمكانه ولو ضاق الوقت قرأ ما يحسن وتعلم لما يستأنف بلا خلاف لأنه حال لا يتسع للزيادة على
ما يعمله فيقتصر عليه وجوب التعلم في المستقبل لامكانه. فروع: [الأول] لو لم يحسن القراءة وعجز عن التعلم أو ضاق الوقت قرأ من غيرها
ما تيسر لقول النبي صلى الله عليه وآله فإن كان معك قرآن فاقرأ به وهل يجب أن يأتي سورة كاملة الحق عندنا نعم إنها واجبة مع الحمد فلا يسقط
بقرائتها لعذر وهل يجب أن يأتي بسورة أخرى عوض الحمد الأقرب لا ولو لم يحسن سورة كاملة قرأ ما يحسنه وهل يجب عليه أن يقرأ بعدد أيها الأقرب
أنه لا يجب خلافا لبعض الشافعية لأنها بدل عندهم. [الثاني] لو لم يحسن إلا آية واحدة منها قرأها واجتزأ بها لان الآية منها أقرب إليها من
غيرها وهل يكررها سبعا الأقرب عندنا أنه لا يجب خلافا لأحمد والقولان للشافعي. لنا: ما رواه الجمهور عن رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه
وآله قال: إذا قمت إلى الصلاة فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وهلله وكبره فلم يأمر بالتكرار بل اقتصر على ما معه. [الثالث]
لو لم يحسن إلا بعض آية منها هل يجب قرائتها أم لا؟ فيه تردد ينشأ من أمر النبي صلى الله عليه وآله للأعرابي أن يحمد الله ويكبره ويهلله وقوله الحمد الله
بعض آية ولم يأمر بها ولا اقتصر عليها ومن قوله (ع) فإن كان معك قرآنا فاقرأ به والأقرب اعتبار الاسم إن كان ذلك البعض يسمى قرآنا
قرأ به وإلا فلا. [الرابع] لو لم يحسن شيئا من القرآن أصلا كبر الله وهلله وسبحه ولا يقرأ بالمعنى لأنه غير قرآن فيدخل تحت قوله (ع)
فإن كان معك قرآنا فأقرأ به وإلا فاحمد الله وهلله وكبره والمعنى ليس بقرآن. [الخامس] قال الشيخ في الخلاف إذا لم يحسن شيئا من القرآن
ذكر الله وكبره ولا يقرأ معنى القرآن ولم نجد ذلك وقال بعض الجمهور يجزي ما علمه النبي صلى الله عليه وآله رجلا قال يا رسول الله إني
لا أستطيع أن أخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزيني؟ فقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قال هذا لله فما لي قال تقول اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني وقال بعض الشافعية لا بد مع الكلمات المقدمة من كلمتين ليقوم
العدد سبقا مقام الحمد وليس بجيد لان النبي صلى الله عليه وآله اقتصر عليه في معرض السؤال عن الاجزاء والجواب يتضمن إعادة السؤال أما لو قيل
بالاستحباب تحصيلا للمشابهة كان وجها. [السادس] يجوز إن لم يحفظ أن يقرأ في المصحف وهو قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة
تبطل الصلاة به إذا لم يكن حافظا. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة أنه كان يؤمها عبد لها يقرأ في المصحف رواه الأثرم وأبو داود وعن الزهري
كان خيارنا يفعلونه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الحسين بن زياد الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قلت له ما تقول في الرجل يصلي و
هو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه؟ قال: لا بأس ولان القدر الواجب هو القراءة محفوظة كانت أو لم تكن احتج أبو حنيفة بأنه
عمل كثير فيكون مبطلا وبما رواه ابن عباس قال نهانا أمير المؤمنين علي (ع) أن نؤم الناس في المصاحف وإن يؤمنا إلا محتلم والجواب
عن الأول: أنه من أعمال الصلاة فلا يكون مبطلا ولأنه نظر إلى موضع معين فلم تبطل الصلاة به كما لو كان حافظا وعن الثاني أن النهي
لتقديم المفضول فلا يتناول صورة النزاع. * مسألة: الأخرس يحرك لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه لان القراءة معتبرة وقد تعذرت
فتأتي ببدلها وهو حركة اللسان ولا يكون بدلا إلا مع النية واكتفى في أحد القولين فإنه قال فيه ليس أن يقرأ سورة مع الفاتحة في
الأخيرين. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقرأ في الركعتين الأولتين من الظهر بأم الكتاب وسورتين وفي
الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) ويقرأ الرجل في الأخيرتين
274

إذا صلى وحده الفاتحة الكتاب وروى في الصحيح عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال تسبح وتحمد الله
وتستغفر لذنبك وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء احتج الشافعي بما رواه عن أبي بكر أنه صلى المغرب وقرأ في الأخيرة بأم الكتاب وهذه
الآية: (ربنا لا تزغ قلوبنا..) والجواب فعله ليس بحجة مع معارضة لفعل النبي صلى الله عليه وآله واتباع النبي صلى الله عليه وآله أولى مع أنه يجوز أن يكون
قد طلب بهذا الدعاء لا القرآن. * مسألة: ولا يتعين الحمد في الثالثة والرابعة من الفرائض بل يتخير المصلي فيها وفي التسبيح أيهما فعل أجزأ
ذهب إليه علماؤنا وبه قال أبو حنيفة والنخعي وقال الشافعي وأحمد يجب الحمد في كل ركعة وقال مالك يجب في معظم الصلاة فإن كانت ثلاثية
وجبت في الأولتين وإن كانت رباعية ففي ثلاث وقال أحمد يجب في ركعة واحدة. لنا: ما رواه الجمهور عن علي (ع) أنه قرأ في الأولتين وسبح في
الأخيرتين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال كان أمير المؤمنين علي (ع) إذا صلى يقرأ في الأولتين
من صلاته الظهر سرا أو يسبح في الأخيرتين من صلاته الظهر على نحو من صلاته العشاء وكان يقرأ في الأولتين من صلاة العصر سرا ويسبح في
الأخيرتين على نحو من صلاته العشاء وكان يقول أول صلاة أحدكم الركوع وما تقدم من حديث عبيد بن زرارة ولان القراءة لو تعينت في
الأخيرتين ليس فيها الجهر كالأولتين احتج الشافعي بما رواه أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقرأ في أولتين الظهر بأم الكتاب وسورتين
ويقرأ في الاخرتين بأم الكتاب والجواب: لا منافاة بين فعل النبي صلى الله عليه وآله وما اخترناه لان التخيير لا يقتضي سقوط القراءة لان
للمصلي أن يقرأ وأن يسبح أيهما شاء فعل وطعن الحنابلة في حديث علي بأن الرواية لحرث بن الأعور وقد قال الشعبي أنه كان كذابا باطل لان
المشهور من حال الحرث الصلاح وملازمته لعلي (ع) ورواية الشعبي فالمعلوم منه الانحراف عنه (ع) وملازمته لبني أمية ومباحثته
لهم حتى عد في شيعتهم وأيضا فقد تواتر النقل عن أهل البيت (عل) بما ذكرناه فلا عبرة بمخالفته ولأنهما محل التخفيف ولهذا سقط أصلا
في بعض الفرائض كالصبح وفي السفر وسقطت السورة فيهما فكان التخيير مناسبها. فروع: [الأول] لا فرق بين القراءة والتسبيح في الفضل للمنفرد
لثبوت التخيير بينهما والحكم (بالفرق) ينافي التخيير بين الراجح والمرجوح ويؤيده ما رواه الشيخ عن علي بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) قال سألته
عن الركعتين ما أصنع فيهما؟ فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهو سواء قال قلت فأي ذلك أفضل؟ قال: هما والله
سواء إن شئت سبحت وإن شئت قرأت. [الثاني] الأفضل للامام القراءة وللمأموم التسبيح لأنه ربما يأتي مسبوق فلو لم يقرأ الإمام فخلت
صلاة المسبوق من قراءة لجواز أن يسبح هو والأولى للمأموم التسبيح وقت قراءة الإمام ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن
أبي عبد الله (ع) قال إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل وروى محمد بن حكيم قال سألت
أبا الحسن (ع) أيما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال: القراءة أفضل وحمله الشيخ على الامام جمعا بين هذه الرواية ابن حنظلة
وعن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (ع) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين؟ قال: الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح فإذا كنت
وحدك فاقرأ فيهما وإن شئت فسبح. [الثالث] اختلف أصحابنا في المجزي من التسبيح فقال المفيد (ره): يجزي أربع تسبيحات أن يقول سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر واختاره الشيخ في الاستبصار وقال في المبسوط والجمل هو مخير بين القراءة وعشر تسبيحات صورتها سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات ويقول عقيب الثالثة والله أكبر وبه قال ابن أبي عقيل والسيد المرتضى في المصباح وابن إدريس وقال في النهاية اثني عشر تسبيحة
يضف قوله والله أكبر إلى الثلاث وقال أبو الصلاح يتخير بين الحمد وثلاث تسبيحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وقال حريز بن عبد الله السجستاني
في كتابه تسع تسبيحات أسقط التكبير وكرر التسبيح والتحميد والتهليل ثلاثا وبه قال أبو جعفر بن بابويه والأقرب الأول. لنا: ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة
قال قلت لأبي جعفر (ع) ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ويكبر ويركع وهذا
نص في الباب وفي الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (ع) إذا قمت في الركعتين لا تقرأ فيهما فقل الحمد لله وسبحان الله والله أكبر و
هذا يدل على الاجتزاء بذلك الكتاب أوجبنا التهليل لرواية زرارة فيبقى سقوط ما زاد مستفادا منهما وقوله (ع): لا تقرأ ليس نهيا له عن القراءة
بل نهى بمعنى غير كأنه قال غير قارئ فيكون حالا ولان الأصل براءة الذمة وقول حريز رواية في كتابه عن أبي جعفر (ع) قال: لا تقرأ في الركعتين
الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام، قال وقلت فما أقول فيهما؟ قال: إن كنت إماما فقل سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله
والله أكبر ثلاث مرات ثم تكبر وتركع وإن كنت خلف إمام فلا تقرأ شيئا من الأولتين وأنصت لقرائته ولا يقولن شيئا في الاخرتين فإن الله عز وجل
يقول للمؤمنين: (وإذا قرئ القرآن) يعني في الفريضة خلف الامام (فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) والأخيرتان تابع الأولتين والنهي ها هنا متوجه
على من يعتقد وجوب القراءة فقال (ع): لا تقرا يعني معتقدا وجوب القراءة على التعيين وهذه الرواية محمولة على الفضيلة لما قدمناه من
الرواية وقد روى الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر؟ قال: تسبح وتحمد الله وتستغفر
لذنبك وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء فما تضمنه هذه الرواية من الاستغفار الأقرب أنه ليس بواجب لرواية زرارة. [الرابع] الأقرب أن
275

ترتيب هذه الاذكار واجب عملا بالاحتياط وبرواية زرارة وفي رواية الحلبي تقديم الحمد على التسبيح وهو محمول على بيان التسبيح لا على ترتيبه.
* مسألة: القراءة ليست بركن وإن كانت واجبة فتبطل الصلاة بالاخلال بها عمدا لا سهوا وهو مذهب أكثر علمائنا وحكى الشيخ في المبسوط عن بعض
أصحابنا أن القراءة ركن تبطل الصلاة بتركها عمدا أو سهوا. لنا: قوله (ع): رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وارتفاع عينه محال فلا يكون مرادا فيحمل
على ارتفاع حكمه لأنه أقرب مجازا إلى الحقيقة إذ نفى الماهية يستلزم نفي جميع صفاتها وأعمها ما ذكرناه وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أحدهما (ع) قال: إن الله عز وجل فرض الركوع والسجود والقراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته
ولا شئ عليه وعن منصور بن حازم في الموثق قال قلت لأبي عبد الله (ع) إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها؟ فقال: أليس قد أتممت
الركوع والسجود؟ قلت بلى، قال: فقد تمت صلاتك إذا كنت ناسيا احتج المخالف بقوله (ع): " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " والجواب أنه مع الذكر لما بيناه.
فرع: لو أخل بالقراءة في الأولتين ناسيا لم يتعين في الأخيرتين على إحدى الروايتين بل يبقى على التخيير وهو الأقوى عملا بعموم
الأخبار الدالة على التخيير وما ورآه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال واختاره الشيخ في الخلاف أنه يقرأ في الاخرتين
قال وروي أن التخيير قائم واحتج بأن الصلاة يخلو من قراءة وقال (ع): " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " والجواب ما تقدم. * مسألة: وفي جواز
القرآن بين سورتين مع الحمد في كل ركعة من الفرائض قولان، أحدهما: المنع اختاره الشيخ في النهاية
والمبسوط وقواه في الخلاف واختاره السيد المرتضى
وأومأ الشيخ في الاستبصار إلى الكراهية وقال في المبسوط قراءة سورة بعد الحمد واجب غير أنه إن قرأ بعض سورة أو قرأ بين سورتين بعد الحمد لا يحكم ببطلان
الصلاة. لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي في كل ركعة سورة واحدة بعد الحمد ومتابعته واجبة وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أحدهما (ع) قال سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة؟ فقال: لا لكل سورة ركعة وما رواه عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله (ع)
اقرأ سورتين في ركعة؟ قال: نعم، قلت أليس يقال اعط كل سورة حقها من الركوع والسجود؟ فقل: ذلك في الفريضة فأما النافلة فليس به بأس وما رواه
عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع) عن القرآن بين السورتين في المكتوبة والنافلة؟ قال: لا بأس ولان الأصل الجواز فيصار إليه والجواب عن
الأول: أن حديثنا أصح طريقا وكان العمل به أولى ولان الكراهية يشتمل التحريم ويدل على إرادته قوله (ع) فأما النافلة فليس به بأس وعن
الثاني أنه معارض بما تلوناه من الأحاديث وعن الثالث: أنه معارض بالاحتياط وبالجملة متحقق في هذه المسألة من المترددين. فروع: [الأول]
لا خلاف بين أهل العلم في جواز القرآن بين السورتين وأكثر في النافلة فإن النبي صلى الله عليه وآله قرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء في ركعة
وما تقدم من الأحاديث يدل عليه. [الثاني] هل القرآن مبطل عند القائلين بتحريمه؟ قال في النهاية تبطل وقال في المبسوط لا تبطل وإن كان غير جائز وفيه
تردد ينشأ من كونه فعلا كثيرا منهيا عنه. [الثالث] قال الشيخان وابن بابويه وعلم الهدى الضحى وألم نشرح سورة واحدة لا يفرد إحديهما عن الأخرى
وكذا الفيل ولإيلاف واحتجوا على ذلك بما رواه الشيخ في الصحيح عن زيد الشحام قال صلى بنا أبو عبد الله (ع) الفجر فقرأ الضحى وألم نشرح
في ركعة واحدة وذكر أحمد بن محمد عن أبي بصير في كتابه عن المفضل قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لا تجمع بين صلاتين في ركعة واحدة
إلا الضحى وألم نشرح وسورة الفيل ولإيلاف قريش وهاتان الروايتان غير دالتين على مطلوبهم إذ الأقصى ما يدل على الجواز أما الوجوب فلا.
[الرابع] هل يعاد البسملة بين الضحى وألم نشرح وبين الفيل ولإيلاف قال الشيخ في الطبيان لا يعاد وقال في الاستبصار الضحى وألم نشرح عند آل محمد عليه
وعليهم السلام سورة واحدة وينبغي أن يقرأهما موضعا واحدا ولا يفصل بينهما بسم الله الرحمن الرحيم في الفرائض وقال ابن إدريس: يجب قراءة بسم الله
الرحمن الرحيم في الأولى والثانية وهو الوجه عندي أنها (لأنها) ثانية في المصحف فيكون آية منها واحتج الشيخ بأنهما سورة واحدة فلا يعاد بينهما البسملة والجواب
المنع من وحدتهما وما ذكرتموه لا يدل على وجوب قراءتهما أما على وحدتهما فلا يدل رواية المفضل يدل على تسميتها سورتين لان الاستثناء
متصل. * مسألة: وفي جواز قراءة سورة من العزائم الأربع في الفرائض قولان أكثر علمائنا على المنع وقال ابن الجنيد منا: لو قرأ سورة
من العزائم في النافلة سجد وإن كان في فريضة أومأ فإذا فرغ قرأها وسجد وهذا يدل على التسويغ وأطلق الجمهور على الجواز. لنا: أنه لو جاز ذلك
لزم أحد المحظورين أما زيادة السجود في الصلاة وهو مبطل لها وأما ترك السجود مع توجه الامر به وكلاهما منفيان ويؤيده ما رواه الشيخ
عن زرارة عن أحدهما (ع) قال: لا يقرأ في المكتوبة شئ من العزائم فإن السجود زيادة في المكتوبة وما رواه عن عثمان بن عيسى عن سماعة
قال: من قرأ اقرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع قال وإن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فأجزأك الايماء والركوع
ولا يقرء في الفريضة وأقرا (يقرأ) في التطوع والحديثان وإن كانا لا يخلوان من ضعف أما الأول: فلان في طريقها ابن بكير وهو فطحي والقاسم بن عروة
ولا يحضرني حاله وأما الثاني: فلان في طريقها عثمان بن عيسى وسماعة وهما واقفيان وهي موقوفة لم يسندها سماعة إلى إمام فإن فتوى
أكثر الأصحاب على المنع والاحتياط دالة عليه ويمكن أن يجوز على قول الشيخ من جواز الاقتصار على بعض السورة فيقرأ حتى يبلغ السجدة ويترك
أو نقول يجوز على قول من يجوز الزيادة على السورة فيترك إذا بلغ السجدة ويقرأ من غيرها وقد رواها الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق عن
276

أبي عبد الله (ع) في الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم؟ فقال: إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها وإن أحب أن يرجع فيقرأ سورة غيرها
ويدع التي فيها السجدة ويرجع إلى غيرها. * مسألة: ويحرم أن يقرأ ما يفوت الوقت بقراءته كما لو ضاق الوقت فقرأ بالبقرة وأشباهها بحيث
يعلم خروج الوقت قبل الاتمام ذكره الشيخ في المبسوط وهو الاختيار لأنه يلزم منه الاخلال بالصلاة أو بعضها حتى يخرج الوقت عمدا وذلك غير جائز. * مسألة:
ويجب على المصلي الجهر في الصبح وأولي المغرب وأولي العشاء والاخفات في ثالثة المغرب والظهرين معا والأخيرتين من العشاء ذهب إليه أكثر علمائنا
وهو قول ابن أبي ليلا من الجمهور وقال علم الهدى في المصباح هو من وكيد السنن حتى روى أن من تركها عامدا لأعاد قال ابن الجنيد هو مستحب وهو مذهب
الجمهور كافة. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يجهر فيما قلناه ويسر فيما عداه وقال صلى الله عليه وآله: " صلوا كما رأيتموني
أصلي " ولأنه مستحب عندهم فنقول أنه (ع) لما بين الصلاة إن كان قد فعل ما فصلناه وجب اتباعه لأنه بيان للواجب وإن كان قد خالف وجب
اتباعه ولم يقل به أحد ولأنه يلزم منه عدول النبي صلى الله عليه وآله من المسنون إلى المكروه وهو قبيح ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح
عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت له رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه وأخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه؟ فقال: أي فعل ذلك متعمدا
فقد نقض صلاته وعليه الإعادة فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته وروى ابن بابويه في كتاب عن محمد بن حمران
عن أبي عبد الله (ع) الجهر في صلاة الجمعة والمغرب والعشاء الآخرة والغداة والاخفات في الظهر والعصر وروى نحوه عن الفضل عن الرضا (ع)
احتج ابن الجنيد بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الرجل يصلي الفريضة مما يجهر فيه هل له
أن لا يجهر؟ قال: إن شاء جهر وإن شاء لم يفعل قال الشيخ في الاستبصار هذا الخبر موافق للعامة ولسنا نعمل به والعمل على الخبر الأول وهو جيد لجواز أن يكون
قد خرج مخرج التقية فلا تعويل عليه حينئذ. فروع: [الأول] أقل الجهر الواجب أن يسمع غيره القريب أو يكون يجب يسمع لو كان سامعا
بلا خلاف بين العلماء والاخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سامعا وهو وفاق لان الجهر هو الاعلان والاظهار وهو يتحقق
بسماع الغير القريب فيكتفي به والاخفات السر وإنما حددنا بما قلناه لان ما دونه لا يسمى كلاما ولا قرآنا وما زاد عليه يسمى جهرا ويؤيده ما
رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن الباقر (ع) قال: لا يكتب من القراءة والدعاء إلا ما أسمع نفسه وفي الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد
الله (ع) هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقال: لا بأس بذلك إذا سمع أذنيه الهمهمة وعن سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال سألته
عن قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال: المخالفة دون سمعك والجهر أن ترفع صوتك شديدا وقد صرح بهذا الجواب بيان فساد
من استدل بهذه الآية على التخيير بين الجهر والاخفات لان ظاهرها غير مراد قطعا إذ نفى الجهر والاخفات مع القراءة غير ممكن فلا بد من
صرفها إلى ما قاله (ع) لا يقل قد روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الرجل يصلح له أن يقرأ في صلاته
ويحرك لسانه في لهواته (بالقراءة) من غير أن يسمع نفسه؟ قال: لا بأس إلا أن يحرك لسانه يتوهم توهما لان الشيخ حمل هذه الرواية على من كان مع قوم لا يعتدى
بصلاتهم ويخاف من إسماعه نفسه بالقراءة واستدل عليه بما رواه محمد بن أبي حمزة عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) قال: يجزيك من القراءة
معهم مثل حديث النفس. [الثاني] ليس على المرأة جهر في شئ من الصلوات كافة وهو قول كل من يحفظ عنه العلم لان صوتها عورة ولا يجوز
لها إبرازه إلى الرجال، نعم لا تقصر في الاخفات عن إسماع نفسها لو كانت تسمع. [الثالث] حكم القضاء حكم الأداء في الجهر والاخفات بلا
خلاف عندنا سواء كان القضاء مفعولا في نهار أو ليل وقد أجمع أهل العلم على الاسرار في صلاة النهار إذا قضيت في نهار أو ليل وكذا صلاة
الليل إذا قضيت في الليل جهر بها وإن قضاها بالنهار جهر بها عندنا وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر وقال الشافعي يسر بها
وهو قول الأوزاعي وأحمد. لنا: قوله (ع): " من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته " ولا يتحقق المشابهة إلا بما قلناه احتجوا بأنها صلاة نهار
فيدخل تحت قوله (ع): " إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النهار فارجموه بالبعر " رواه أبو حفص والجواب المنع من كونها صلاة نهار وإن فعلت
فيه ولهذا ينوى قضاء صلاة العشاء مثلا. [الرابع] الجهر على الامام واجب عندنا في الموضع المذكورة وعند الجمهور مستحب أما المأموم
فلا خلاف في أنه لا تسن له الجهر أما عندنا فلانه يجب عليه الانصات أو يستحب له وأما عندهم فلانه يستحب له الانصات وأما المنفرد فإنه يجب عليه
الجهر عندنا في المواضع المذكورة وعند الشافعي يستحب لأنه غير مأمور بالانصات فكان كالامام وقال أحمد لا يستحب له الجهر لأنه غير مأمور بإسماع
غيره فلا يستحب له والأول أصح. [الخامس] لو ترك الجهر والاخفات في موضعه ناسيا أو جاهلا بوجوبه فلا إعادة عليه لرواية زرارة
عن الباقر (ع) وقد تقدمت ولو ذكر في أثناء القراءة الترك انتقل إلى ما يجب عليه من الجهر والاخفات ولا يستأنف القراءة لأنه لو ذكر
بعد فواتها لم يستأنف فكذا حكم أبعاضها. [السادس] يستحب للامام أن يجهر بقرائته بحيث يسمعه المأمومون ما لم تبلغ صوته حد
العلو المفرط وهو إجماع العلماء كافة ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال: ينبغي للامام أن يسمع من خلفه كلما
تقول ولا ينبغي لمن خلف الامام أن يسمعه شيئا مما يقول. [السابع] الجهر إنما يجب في القراءة خاصة ولا يجب في شئ من أذكار الصلاة لان
277

الأصل عدمه ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (ع) قال سألته عن التشهد والقول في الركوع والسجود
والقنوت للرجل أن يجهر به؟ قال: إن شاء لم يجهر نعم يستحب للامام الجهر به لرواية أبي بصير ولما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي
عبد الله (ع) قال: ينبغي للامام أن يسمع من خلفه التشهد ولا يسمعونه شيئا. [الثامن] لا خلاف بين علمائنا القائلين بوجوب الجهر أنه يجب الجهر
ببسم الله الرحمن الرحيم في موضع التي تجهر فيها بالقراءة لأنها آية من الحمد والسورة فيجب الجهر بها والجمهور اختلفوا فقال الشافعي ومن تبعه يجهر بها مطلقا
وأبو حنيفة ومن تبعه قالوا: يسر بها مطلقا. لنا: ما رواه الجمهور عن ما رواه الجمهور عن أبي هريرة أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم وقال انا أشبهكم بصلاة رسول الله
صلى الله عليه وآله وعن أم سلمة أن (اتيت) رسول الله صلى الله عليه وآله فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ومثله رواه ابن المنذر والاخبار بالقراءة يستلزم
السماع وهو معنى الجهر وروي أبو هريرة أنه قال سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله أسمعناكم وما أخفى علينا أخفينا عليكم ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان قال صليت خلف أبي عبد الله (ع) أياما فكان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم فإذا كانت صلاة فيها
لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى ما سوى ذلك وعن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال صلى بنا أبو عبد الله (ع) في مسجد
بني كاهل فجهر مرتين ببسم الله الرحمن الرحيم وقنت في الفجر وسلم واحدة مما يلي القبلة وفي الموثق عن مسمع البصري قال صليت مع أبي عبد الله (ع)
فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم قرأ السورة ولأنها آية من الحمد وغيرها فكان لها حكم باقي الآيات احتج المخالف بأن رسول
الله صلى الله عليه وآله قرأ الفاتحة ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم روت عائشة فدل على عدم الجهر فيها والجواب لعلها لم تسمعه لبعدها
عنه وقد ثبت أنه (ع) قرأها لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي ومحمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنهما سألا عمن يقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب؟ قال: نعم إن شاء سر وإن شاء جهر لأنا نحمل هذه الرواية على الصلاة
الإخفاتية جمعا بين الأدلة. [التاسع]
قال أكثر علمائنا يستحب الجهر في موضع الاخفات قال علم الهدى ومن أصحابنا من يرى الجهر بها في كل صلاة للامام أما المنفرد فيجهر بها في صلاة الجهر ويخفف بها في
الاخفات وقال ابن إدريس إنما يستحب الجهر بها في أولتي الظهر والعصر دون أواخرهما وثالثة المغرب وأخرى العشاء. لنا: ما تقدم من حديث صفوان
وما رواه الشيخ عن أبي حمزة الثمالي قال قال علي بن الحسين (ع) يا ثمالي أن الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان إلى قرني الامام فيقول هل ذكر ربه
فإن قال نعم ذهب وإن قال لا ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتى ينصرفوا قال فقلت جعلت فداك ليس يقرؤن القرآن؟ قال: بلى ليس حيث تذهب يا
ثمالي إنما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وذلك مطلق فيجري على إطلاقه أي يظهر المقيد ويخصص ابن إدريس استحباب الجهر بما يتعين فيه القراءة
مما لا يوجه له وتمسكه بالاحتياط غير دال عليه واحتجاجه بقول الشيخ في الحمد ويستحب الجهر بها في الموضعين فاسد لاحتمال أن يكون مراده أول
الحمد وأول السورة لا الظهر والعصر كما فهمه هو. [العاشر] يجوز الاسرار بها حالة التقية وإن وجب الحمد بها للضرورة ويؤيده ما رواه الشيخ
عن أبي حريز زكريا بن إدريس القمي قال سألت أبا الحسن الأول (ع) عن الرجل يصلي بقوم يكرهون أن يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقال: لا تجهر.
[الحادي عشر] المستحب في نوافل النهار المخافة (التخافت) وفي نوافل الليل الجهر بالقراءة وهو مذهب علمائنا أجمع لما رواه أبو هريرة عن النبي
صلى الله عليه وآله قال: " إذا رأيتم من تجهر بالقراءة في صلاة النهار فارجموه بالبعر " ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الحسن بن فضال عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: السنة في صلاة النهار بالاخفات والسنة في صلاة الليل بالاجهار ولان فيه تنبيها للنائم بخلاف النهار
لأنه ربما تشوبه رياء. * مسألة: ويستحب للمصلي أن يسكت بعد قراءة الحمد وبعد السورة وبه قال أحمد والأوزاعي والشافعي وكرهه مالك
وأصحاب الرأي وقال بعضهم يسكت عقيب الافتتاح وبعد الحمد خاصة. لنا: ما رواه الجمهور عن الأثرم عن عروة من الزبير قال أما أنا فاغتم من
الامام آيتين إذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فاقرأ عندها وحين تختم السورة كان فاقرأ قبل أن يركع وهذا يدل على اشتهار ذلك
فيما بينهم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (ع) أن رجلين من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله اختلفا في صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله كم كان له من سكتة فكتبا إلى أبي بن كعب فقال كان له سكتتان إذا
فرغ من أم القرآن وإذا فرغ من السورة ولان المقتضي لسكوته بعد الحمد موجود بعد السورة ولا يعارض ذلك بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة بفاتحة لكتاب وسورة أخرى في النفس الواحد؟ قال: إن شاء قرأ في نفس وإن شاء
غيره لان الندب لا ينافي التخيير. * مسألة: المعوذتان من القرآن يجوز أن يقرأ بهما في الفرائض بلا خلاف بين أهل العلم كافة وخلاف
الآحاد انقرض روى الشيخ عن منصور بن حازم قال أمرني أبو عبد الله (ع) أن أقرأ المعوذتين في المكتوبة وعن داود بن فرقد عن مولى
بسطام قال أمنا أبو عبد الله (ع) في صلاة المغرب فقرأ المعوذتين ثم قال هما من القرآن ولا نعرف الآن فيه خلافا. * مسألة: ويستحب للمصلي أن يرتل
قرائته بأن بينها من غير مبالغة ويجب عليه النطق بالحروف من مخارجها بحيث لا يخفى بعضها في بعض لقوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا) وسئلت
عائشة عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت لا كردكم هذا لو أراد السامع أن يعد حروفه بعدها وسئلت أم سلمة عن قراءة رسول الله
278

صلى الله عليه وآله فقالت كان يقطع قرائته آية آية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك
نستعين رواه أحمد وهذا يدل على أن بسم الله الرحمن الرحيم آية من الحمد وروى البخاري بإسناده عن أنس قال كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله مدا ثم
قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ويمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم ومن طريق الخاصة ما رواه بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: ينبغي للعبد إذا صلى أن يرتل قرائته وإذا مر
بأية منها ذكر الجنة والنار سأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار وإذا مر ب‍ (يا أيها الناس) و (يا أيها الذين أمنوا) قال لبيك ربنا ويكره المضبط وهو المد المفرط لأنه
يخرج الحركات إلى الحروف. فرع: يجوز له أن يقطع القراءة بسكون ودعاء وثناء بحيث لا يخرج به عن اسم القارئ ولا نعرف فيه خلافا بين علمائنا.
* مسألة: ويستحب أن يقرأ في الظهر والعصر والمغرب بقصار الفصل كالقدر والجحد والتوحيد وألهاكم وما شابهها وفي العشاء بمتوسطاته
كالانفطار والطارق والأعلى وشبهها وفي الصبح بمطولاته كالمدثر والمزمل وهل أتى وشبهها ذكره الشيخ (ره) وأوما المفيد وعلم الهدى
إلى بعضه روى الجمهور عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد رواه مسلم وروي عن ابن عمر كان رسول
الله صلى الله عليه وآله يقرأ في المغرب قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد أخرجه ابن ماجة وروى أبو حفص بإسناده قال كتب عمر إلى أبي موسى
ان اقرأ في الصبح بطوال الفصل واقرأ في الظهر بأوساط الفصل وأقرا في المغرب بقصار الفصل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن
مسلم قال قلت لأبي عبد الله (ع) أيقرأ في الصلاة فيها شئ موقت؟ قال: لا إلا الجمعة يقرأ بالجمعة والمنافقين قلت فأي السور يقرأ في الصلاة؟
قال: أما الظهر والعشاء الآخرة يقرأ فيهما سواء والعصر والمغرب سواء وأما الغداة فأطول فأما الظهر والعشاء الآخرة فسبح اسم ربك الأعلى والشمس
وضحاها ونحوها وأما العصر والمغرب فإذا جاء نصر الله وألهاكم التكاثر ونحوها وأما الغداة فعم يتسائلون وهل أتاك حديث الغاشية ولا أقسم
بيوم القيامة وهل أتى على الانسان حين من الدهر وعن عيسى بن عبد الله القمي عن أبي عبد الله (ع) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يصلي الغداة بعم يتسائلون وهل أتاك حديث الغاشية ولا أقسم بيوم القيامة وشبهها وكان يصلي الظهر بسبح اسم والشمس وضحاها وهل أتاك
حديث الغاشية وشبهها وكان يصلي المغرب بقل هو الله أحد وإذا جاء نصر الله والفتح وإذا زلزلت وكان يصلي العشاء الآخرة بنحو مما يصلي
في الظهر والعصر بنحو من المغرب وعن أبي جعفر محمد بن أبي طلحة خال سهل بن عبد ربه عن أبي عبد الله (ع) قال قرأت في صلاة الفجر
بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وعن ابن راشد قال قلت لأبي الحسن (ع) جعلت فداك
انك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلمه أن أفضل ما يقرأ في الفرائض إنا أنزلناه وقل هو الله أحد وإن صدري لتضيق بقراءتهما في الفجر فقال: (ع)
لا يضيقن صدرك بهما فإن الفضل والله فيهما وهذه الأخبار تدل على عدم تعيين شئ واجب في هذا الباب بل أي سورة قرأها جاز عدا ما استثناه.
فروع: [الأول] يستحب أن يقرأ في ظهري الجمعة بالجمعة والمنافقين وكذا في الجمعة وسيأتي البحث فيه. [الثاني] قال الشيخ يستحب
أن يقرأ ليلة الجمعة في المغرب والعشاء الآخرة الجمعة والأعلى وفي غداة يوم الجمعة الجمعة وقل هو الله قال في المبسوط وروى المنافقين وروى حريز وربعي
رفعا إلى أبي جعفر (ع) قال: يستحب أن يقرأ في عتمة الجمعة بسور الجمعة والمنافقين وفي الصبح مثل ذلك وفي صلاة العصر مثل ذلك وفي رواية
أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة وقل هو الله أحد وفي العشاء الآخرة بالجمعة
وسبح اسم ربك الأعلى وفي غداة الجمعة بالجمعة وقل هو الله أحد وصلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وفي عصر الجمعة بسورة الجمعة وقل هو الله أحد
[الثالث] قال الشيخ يستحب أن يقرأ غداة الاثنين والخميس سورة هل أتى قال ابن بابويه وكذا في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس
في الركعة الأولى: الحمد وهل أتى وفي الثانية الحمد وهل أتاك حديث الغاشية فإن قرأتهما في الاثنين والخميس وقاه الله شر اليوم قال وحكى من صحب
الرضا (ع) أن خراسان لما أشخص إليها أنه كان يقرأ ما ذكرناه. [الرابع] روى الشيخ عن عبد الله بن المغيرة عن معاذ بن مسلم عن أبي عبد الله
(ع) قال: لا تدع أن تقرأ قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون في سبع مواطن في الركعتين قبل الفجر وركعتي الزوال والركعتين بعد المغرب وركعتين
من أول صلاة الليل وركعتي الاحرام والفجر إذا أصبحت بها وركعتي الطواف قال في التهذيب وفي رواية أخرى أنه يبدء في هذا كله بقل هو الله أحد
وفي الثانية: بقل يا أيها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو الله أحد وروي عن محسن
الميثمي عن أبي عبد الله (ع) قال: يقرأ في صلاة الزوال في الركعة الأولى الحمد وقل هو الله أحد وفي الركعة الثانية الحمد وقل يا أيها
الكافرون وفي الركعة الثالثة: الحمد وقل هو الله أحد وآية الكرسي وفي الركعة الرابعة: الحمد وقل هو الله أحد وآخر البقرة من آمن الرسول إلى
آخرها وفي الركعة الخامسة: الحمد وقل هو الله أحد وخمس آيات من آل عمران ان في خلق السماوات والأرض إلى قوله إنك لا تخلف الميعاد وفي الركعة
السادسة: الحمد وقل هو الله أحد وثلاث آيات السخرة ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض إلى قوله ان رحمة الله قريب من المحسنين وفي
الركعة السابعة: الحمد وقل هو الله أحد وآيات من سورة الأنعام وجعلوا لله شركاء الجن إلى قوله وهو اللطيف الخبير وفي الركعة الثامنة:
الحمد وقل هو الله أحد وآخر سورة الحشر من قوله لو أنزلنا هذا القرآن على جبل إلى آخرها فإذا فرغت فقل " اللهم مقلب القلوب والابصار
279

ثبت قلبي على دينك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " سبع مرات ثم تقول " استجير بالله من النار " سبع مرات
وعن محمد بن أبي طلحة عن عبد الخالق عن أبي عبد الله (ع) أنه كان يقرأ في الركعتين بعد العتمة بالواقعة وقل هو الله أحد وعن محمد بن أبي
حمزة عن أبي عبد الله (ع) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقرأ كل ركعة من صلاة الليل خمس عشر آية ويكون ركوعه مثل قيامه
وسجوده مثل ركوعه ورفع رأسه من الركوع والسجود سواء وعن أبي مسعود الطاير عن أبي عبد الله (ع) أن رسول الله صلى الله عليه وآله
كان يقرأ في آخر صلاة الليل هل أتى على الانسان قال علي بن النعمان وقال الحرب وسمعته يقول قل هو الله أحد ثلث القرآن وقل يا أيها
الكافرون تعدل ربعه وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يجمع (يقول من) قل هو الله أحد في الوتر يكن يجمع القرآن كله قال الشيخ وروى أن من قرأ في الركعتين
الأولتين من صلاة الليل في كل ركعة منهما الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاثين مرة انفتل وليس بينه وبين الله عز وجل ذنبا إلا غفر له. * مسألة:
إذا قرء سورة من العزائم في النافلة سجد عند السجدة ثم قام فأتم ما بقي عليه من القراءة ثم ركع لان الامر بالسجود واجب فلا يترك لأجل النفل
وجاز في النافلة لأنه عبادة لا ينافيها ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال قال أبو عبد الله (ع) إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبر حتى
ترفع رأسك. فروع: [الأول] لو كانت السجدة في آخر السورة مثل القلم والنجم سجد فإذا قام قرأ الحمد مستحبا ثم ركع ليكون ركوعه عقيب قراءة
ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن الرجل يقرأ السجدة في آخر السورة؟ قال: يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب
ثم يركع ويسجد وروى الشيخ عن وهب بن وهب عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه عن علي (ع) قال: إذا كان آخر السورة أجزأك أن تركع بها، قال
الشيخ لا تنافي بينهما لان هذا محمول على من صلى مع قوم لا يمكنه أن يسجد ويقوم يقرأ الحمد فإنه لا بأس أن يركع معهم وبالجملة فإن وهب بن
وهب ضعيف لا يعول على روايته. [الثاني] لو نسي السجدة حتى ركع سجدها إذا ذكر لأنه واجب فسقوطه يحتاج إلى دليل ويؤيده ما رواه
الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال يسجد إذا ذكر إذ كانت
من العزائم. [الثالث] يستحب له إذا رفع رأسه من السجود أن يكبر رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا
قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك والعزائم أربعة حم
السجدة وتنزيل والنجم واقرأ باسم ربك.
[الرابع] لو كان مع إمام لم يسجد ولم يتمكن من السجود فليوم إيماء لان السجود واجب بمطلق الامر وقد تعذر فعله فيأتي ببدله وهو الايماء
ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: إن صليت مع قوم فقرأ الامام اقرا باسم ربك الذي خلق أو
شيئا من العزائم وفرغ من قراءته ولم يسجد فأوم إيماء. * مسألة: يجوز للمصلي أن يعدل من سورة إلى أخرى ما لم يتجاوز نصفها إلا
سورة الكافرون والاخلاص فإنه لا ينتقل عنهما إلا في صلاة الظهر يوم الجمعة فإنه لا بأس به أن ينتقل عنهما إلى سورة الجمعة والمنافقين
ذكر الشيخ (ره) لقوله تعالى: (فاقرأوا ما تيسر منه) وذلك مطلق ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع)
في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها؟ فقال له: ان يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها وروى عن عمرو بن أبي نصر قال قلت لأبي عبد الله
(ع) الرجل يقوم في الصلاة فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون؟ فقال: يرجع من كل سورة إلا من قل هو
الله أحد وقل يا أيها الكافرون ونحوه روى في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع). فروع: [الأول] هل يحرم الرجوع من
قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون؟ قال السيد المرتضى يحرم عملا بهذه الرواية وفي الاستدلال على التحريم نظر. [الثاني] لو قرأ سورة
فغلط جاز له العدول إلى غيرها لأنه يجوز مع عدم الغلط فمعه أولى ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع)
رجل قرأ سورة في ركعة فغلط يدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في قرائته ويدع تلك السورة ويتحول منها إلى غيرها؟ فقال: كل ذلك لا بأس
به وإن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع وحملها الشيخ على النافلة وروي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: من
غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد ثم يركع. [الثالث] إذا غلط الامام في القراءة جاز له أن يعدل كغيره ويجوز للمأموم أن يريد
عليه وبينه موضع الغلط بلا خلاف. * مسألة: إذا مر المصلي بآية رحمة استحب له أن يسأل الله تعالى إيصالها إليه وبآية نقمة تعوذ بالله
منها رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال قال أبو عبد الله (ع) ينبغي لمن يقرأ القرآن إذا مر بآية من القرآن فيها مسألة أو تخويف
أن يسأل عند ذلك خير ما يرجو ويسأل العافية من النار ومن العذاب وفي الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (ع) قال: الرجل
إذا قرأ والشمس وضحاها فيختمها أن يقول صدق الله وصدق رسوله والرجل إذا قرأ لله خيرا ما يشركون أن يقول الله خير الله خير الله أكبر وإذا قرأ
ثم الذين كفروا بربهم يعدلون أن يقول كذب العادلون بالله والرجل إذا قرأ الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن
له ولي من الذل وكبره تكبيرا أن يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر قلت فإن لم يقل الرجل شيئا من هذا إذا قرأ؟ قال: ليس عليه شئ. * مسألة:
وإذا أراد الرجل أن يتقدم في صلاته سكت عن القراءة ثم تقدم لأنه في تلك الحال غير واقف وهذه ما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله
280

(ع) أنه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم قال يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ. * مسألة:
قال علماؤنا يحرم قول آمين ويبطل به الصلاة وقال الشيخ: سواء كان ذلك سرا أو جهرا في آخر الحمد أو قبلها لامام والمأموم وعلى كل حال وادعى
الشيخان والسيد المرتضى رحمهما الله تعالى إجماع الإمامية عليه وقال الشافعي يستحب للامام والمأموم وهو مروي عن ابن عمر وابن زبير
وبه قال عطا وأحمد وأصحاب الرأي وقال مالك لا بأس للامام. لنا: ما رواه الجمهور والأصحاب عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال هذه الصلاة
لا يصلح فيها شئ من كلام الآدميين والتأمين من كلامهم وعنه (ع) أنه قال إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ولفظة " إنما " للحصر و
آمين ليس واحد منها وما رواه أبو حميد الساعدي في جماعة من الصحابة أنه قال: إني أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا أعرض
علينا قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال (إذا أراد) إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقرأ كل عضو في موضعه معتدلا ثم يقرأ
ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي منكبيه ثم يركع ولو كان التأمين مسنونا لذكره والزيادة على فعله (ع) بدعة ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الحسن عن جميل عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قرأتها فقل أنت " الحمد لله رب العالمين " ولا تقل آمين
وفي الموثق عن الحلبي قال سألت أبي عبد الله (ع) أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب آمين؟ قال: لا ولا يعارض ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن
جميل قال سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين؟ فقال: ما أحسنها واخفض الصوت بها لان هذا الراوي
قد روى ضد ذلك فيحمل هذه الرواية على التقية لأنه في موضعها ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله (ع)
أقول آمين إذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟ قال: هم اليهود والنصارى ولم يجب عليه السلام عن هذا فعدوله عن الجواب دليل على كراهية
هذه اللفظة ولم يتمكن من التصريح للتقية فعدل عن الجواب مطلقا ولان التأمين يستدعي سبق الدعاء وهو لا يتحقق إلا مع القصد فعلى تقدير
عدم القصد إليه يكون التأمين لغوا أو لأنه لو كان النطق بها تأمينا لم يجز إلا لمن قصد الدعاء ولكن ذلك ليس شرطا بالاجماع أما عندنا فللمنع
مطلقا وأما عندهم فللاستحباب مطلقا لا يقال ان الدعاء في الصلاة جائز عندكم فجاز التأمين لأنه دعاء لأنا نقول لا نسلم أنه دعاء أما
أولا: فلانه اسم الدعاء والفرق بين الاسم والمسمى ظاهر ولا يستلزم الاذن في أمر الاذن في ما غايره وأما ثانيا: فلان بعض الجمهور ذهب إلى أن آمين
اسم من أسماء الله تعالى فكيف يتحقق الدعاء فيها سلمنا لكن الدعاء يستدعي القصد وهو غير شرط عندكم فلم يمكن المسوغ بها كونها دعاء احتج المخالف
بما رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق قول الملائكة
غفر الله له وعن أبي هريرة إذا أمن الامام فآمنوا وعن وائل بن حجر قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قال ولا الضالين قال آمين و
رفع صوته والجواب عن الحديثين الأولين: بالمنع من صحة سندهما فإن أبا هريرة اتفق له عمر بن الخطاب واقعة يشهد فيها عليه بأنه عدو الله
وعدو المسلمين وحكم عليه بالخيانة وأوجب عليه عشرة ألف دينار وألزمه بها وبعد ولاية البحرين وإذا كانت هذه حالة فكيف يركن إليه
ويوثق بروايته ونقل عن ابن حنيفة أنه لم يعمل برواية أبي هريرة وعن الثالث: أن مالكا أنكر هذه الرواية فلو كانت حقة (صحيحة) عندهم
لما خفي عنه.
[البحث الخامس] في الركوع، وهو في اللغة الانحناء في الركوع قال صاحب الصحاح قال الشاعر: لا تهين الكريم علك إن
تركع يوما والدهر قد رفعه وهو في الشرع أيضا الانحناء وهو واجب في كل ركعة مرة إلا في الكسوف وأخواته ووجوبه ثابت بالنص و
الاجماع قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) ولا خلاف بين علماء الاسلام في وجوبه مرة واحدة في كل ركعة وفعل النبي
صلى الله عليه وآله يدل عليه. * مسألة: وهو ركن في الصلاة بلا خلاف لان الصلاة مجموع ركعات والمجموع لا يتحقق بدون أجزائه
ويؤيده ما رويناه عن علي (ع) أنه قال: أول الصلاة الركوع وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا أيقن
الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة وفي الصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله (ع)
قال سألته عن رجل ينسى أن يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال: يستقبل قال الشيخ هو ركن في الصبح والمغرب وصلاة السفر وأولى الرباعيات وسيأتي
البحث إن شاء الله تعالى. * مسألة: ويجب فيه الانحناء بلا خلاف لأنه حقيقة (معناه) وقدره أن يكون بحيث يبلغ يده إلى ركبتيه وهو قول أهل
العلم كافة إلا أبا حنيفة فإنه أوجب مطلق الانحناء. لنا: ما رواه الجمهور عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا ركعت فضع
كفيك على ركبتيك وهو يستلزم التحديد المذكور وعن أبي جميلة في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله قال رأيته إذا ركع أمكن
يديه من ركبتيه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: وتمكن راحتيك من ركبتيك وفي
الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (ع) لما علمه الصلاة ثم ركع وملا كفيه من ركبتيه وكان ذلك بيانا للواجب فيكون واجبا و
في الصحيح عن معاوية بن عمار وابن مسلم والحلبي قالوا وبلغ بأطراف أصابعك عين الركبة فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى
ركبتيك أجزأك ذلك وأحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع): وتمكن راحتيك من ركبتيك والوضع
281

غير واجب على ما يأتي فيتعين في وجوب الانحناء. فروع: [الأول] لو لم يتمكن من الركوع أصلا أومأ لأنه؟ القدر المتمكن يقين؟
ويؤيده ما رواه الشيخ عن إبراهيم الكرخي قال قلت لأبي عبد الله (ع) رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلا ولا يمكنه الركوع والسجود؟
فقال: ليؤم برأسه إيماء وإن كان له من يوقع الخمرة عليه وليسجد فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة إيماء. [الثاني] قال الشيخ في المبسوط من كان بصورة
الراكع لكبر أو زمن يقوم على حسب حاله ثم ينحني للركوع قليلا ليكون فارقا بين القيام والركوع وإن لم يلزمه وهو جيد لأنه حد الركوع
فلا يجب الزيادة عليه. * مسألة: ويجب فيه الطمأنينة بقدر الذكر الواجب والطمأنينة هي السكون حتى يرجع كل عضو مستقره وإن قل وهو قول
علمائنا أجمع قال الشيخ في الخلاف هو ركن وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة لا يجب الطمأنينة. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله
عليه وآله أنه قال للأعرابي المثنى في صلاته ثم اركع حتى تطمئن راكعا والامر للوجوب ولأنه بيان الواجب وعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه
وآله قال: أسوء الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قيل وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها وقال: لا يجزي صلاة لا يقيم الرجل
ظهره فيها في الركوع والسجود ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع): فإذا ركعت نصف قدميك واجعل بينهما
شبرا وأقم صلبك ومد عنقك وإنما قيدناه بقدر الذكر الواجب لان الذكر فيه واجب على ما يأتي فلا بد من الطمأنينة بقدر أدائه ويدل عليه ما
رواه الجمهور عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا ركع أحدكم وقال سبحان ربي العظيم وبحمده فقد تم ركوعه وذلك أدناه ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي بكر الحضرمي قال قلت لأبي جعفر (ع) أي شئ حد الركوع والسجود؟ قال: يقول سبحان ربي العظيم وبحمده
ثلاثا في الركوع وسبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا في السجود ومن بعض واحدة نقص ثلث صلاته ومن نقص اثنين نقص ثلثي صلاته ومن لم
يسبح فلا صلاة له وهذا يدل على التحديد الذي ذكرناه احتج أبو حنيفة بقوله تعالى: (اركعوا واسجدوا) وغير المطهرات (فتعلق الامر) بمطلق المأمور فيكون
مجزيا والجواب: ان فعل النبي صلى الله عليه وآله مبين له فلم يكن المطلق مجزيا وقول الشيخ انه ركن إن عنى بالركن ما بيناه فهو في موضع المنع على ما يأتي
من عدم إفساد الصلاة بتركه سهوا وإن أطلق عليه اسم الركن بمعنى أنه واجب إطلاقا لاسم الكل على الجزء فهو مسلم. * مسألة: ويجب فيه
الذكر ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال أحمد وباقي أهل الظاهر كداود وإسحاق بن راهويه وقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة: لا يجب. لنا: ما رواه
الجمهور عن عقبة بن عامر قال لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال النبي صلى الله عليه وآله: اجعلوها في ركوعكم وعن ابن مسعود أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات سبحان ربي العظيم وبحمده وذلك أدناه أخرجهما أبو داود وابن ماجة وروى الأثرم عن
حذيفة بإسناده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا ركع يقول سبحان ربي العظيم وبحمده فقد وجد الامر القولي والفعلي بالذكر فيكون واجبا
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن هشام بن سالم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن التسبيح في الركوع والسجود؟ قال: يقول في الركوع
سبحان ربي العظيم وفي السجود سبحان ربي الأعلى الفريضة من ذلك واحدة
والسنة ثلاثة والفضل في السبع احتج المخالف بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال للمثنى في صلاته ثم اركع حتى تظهر راكعا ثم ارفع حتى
تعتدل قائما ولم يأمره بالتكبير ولا بالتسبيح والجواب أنه قد أمره أولا بما ثبت من الأحاديث وتعلم النبي صلى الله عليه وآله إنما كان لهيئات
الأفعال لا للأفعال لان الأعرابي كان يفعل الأفعال لا على الهيئات المطلقة للشارع. فروع: [الأول] هل يجب التسبيح أو يجزي
مطلق الذكر؟ الأقرب عندي الثاني وهو اختيار الشيخ في النهاية والمبسوط والجمل وابن إدريس وأوجب الشيخ في الخلاف التسبيح وهو قول ابن أبي
عقيل وابن بابويه والمفيد والسيد المرتضى وأبي الصلاح. لنا: ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له
يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ فقال: نعم كل هذا ذكر الله ومثله روى في الصحيح عن هشام بن
سالم عن أبي عبد الله (ع) وفيه إشارة إلى العلة وذلك يقتضي الاجزاء بمطلق الذكر وفي الصحيح عن مسمع عن أبي عبد الله (ع)
قال: يجزيك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا وليس له ولا كرامة أن يقول سبح سبح سبح وليس المراد من القدر
التسبيح أيضا وإلا لزم التخيير بين الشئ ونفسه وهو باطل ولان الأصل براءة الذمة فيعمل به إلى أن يظهر المنافي احتج الموجبون للتسبيح برواية
هشام بن سالم وقد تقدمت بما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت له ما يجزي بين القول في الركوع و
السجود؟ فقال ثلاث تسبيحات في ترسل وواحدة تامة يجزي وفي الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول (ع) قال سألته عن الرجل
يسجد كم يجزيه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال: ثلاث ويجزيه واحدة ولان الاحتياط يقتضي وجوب التسبيح على التعيين والجواب عن الأحاديث
أنها دلالة على وجوب التسبيح ونحن نقول به لكن على وجه التخيير بينه وبين الذكر والتخيير لا ينافي الوجوب كخصال الكفارة ودليل الاحتياط
معارض بالبراءة الأصلية. [الثاني] اتفق الموجبون للتسبيح من علمائنا على أن الواجب من ذلك تسبيحة واحدة تامة كبرى صورتها سبحان
282

ربي العظيم أو ثلاث صغريات صورتها سبحان الله ثلاثا مع الاحتياط ومع الضرورة يجزي الواحدة مع الصغرى لرواية زرارة والاجتزاء بالواحدة الكبرى
دل عليه قول أبي عبد الله (ع) في حديث هشام بن سالم يقول في الركوع سبحان ربي العظيم الفريضة من ذلك تسبيحة والسنة ثلاث والفضل
سبع وعلى قيام ثلاث صغريات مقامها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (ع) ما يكون من التسبيح؟ قال: ثلاث
تسبيحات مترسلا يقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله والاجتزاء بواحدة صغرى في حال الضرورة مستفاد من الاجماع. [الثالث] يستحب أن
يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وبحمده وفي السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده ذهب إليه علماؤنا أجمع وتوقف أحمد في زيادة وبحمده وأنكرها
الشافعي وأبو حنيفة. لنا: ما رواه الجمهور عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم وبحمده وفي سجوده
سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات ومثله روى أبو بكر الحضرمي عنه (ع) ولأنه زيادة حمد احتج المخالف بأنها زيادة لم تحفظه عن النبي صلى الله عليه وآله
والجواب روايتنا أصح لأنها مشتملة على الاثبات. [الرابع] يجب أن يأتي بالتسبيح الواجب حال الركوع ولو اشتغل فيه وهو آخذ في الركوع
أو اشتغل بالرفع وهو مسبح لم يجز لان الواجب التسبيح فيه ولا يتحقق إلا بما قلنا. [الخامس] أكمل التسبيح سبع وأول (أقل) منه خمس وأقل منه ثلاث
وقال الشافعي أكمله خمس وبعض أصحابه. لنا: انه زيادة في التسبيح ويؤيده ما تقدم في حديث هشام بن سالم ويجوز الزيادة عليها روى الشيخ
عن حمزة بن حمران والحسن بن زياد قالا دخلنا على أبي عبد الله (ع) وعندهم قوم يصلي بهم العصر وقد كنا صلينا فعددنا له في ركوعه
سبحان ربي العظيم أربعا أو ثلاثا وثلاثين مرة وقال أحدهما في حديثه وبحمده في الركوع والسجود عن أبان بن تغلب قال دخلت على أبي عبد الله
(ع) وهو يصلي فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة ولأنه زيادة في التسبيح. [السادس] يستحب للامام التخفيف في التسبيح فيأتي
بثلاث تسبيحات وقال الثوري ينبغي للامام أن يقول سبحان ربي العظيم خمسا ليدرك المأموم ثلاثا. لنا: ما رواه الجمهور عن عتبة بن عمار
قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ركع قال سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فإذا سجد قال سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ عن سماعة قال قال: يجزيك في الركوع ثلاث تسبيحات يقول سبحان الله ثلاثا ومن كان يقوى على أن يطول الركوع و
السجود فليطول ما استطاع فيكون ذلك في تسبيح الله وتحميده والدعاء والتضرع فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد فأما الامام
فإنه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطول بهم فإن في الناس الضعيف ومن له الحاجة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا صلى بالناس
خفف بهم ولأنه ربما يشق على المأموم التطويل وقول الثوري باطل لان المأموم يركع مع الامام فيدرك ما يدركه ولا ينافي هذا
ما رويناه عن أبي عبد الله (ع) أنه صلى بقوم فسبح أربعا وثلاثين لأنه محمول على من كان يقدر ذلك. [السابع] يجب أن يدعو في
ركوعه لأنه موضع إجابة لكثرة الخضوع فيه ويؤيده ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أما الركوع فعظموا الرب فيه وأما
السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: إذا أردت أن
تركع فقل وأنت منتصب الله أكبر ثم اركع وقل " اللهم رب لك ركعت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك قلبي وسمعي وبصري
وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي و؟ صدي؟ وعظامي وما أقلته؟ قدماي؟ غير مستنكف ولا مستحسر ولا مستجير سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات في ترتيل وروى الشافعي
ما يقاربه عن علي (ع) إلا أنه قدم التسبيح فيه. [الثامن] لا يستحب القراءة في الركوع والسجود وهو وفاق لما رواه علي (ع) أن النبي صلى
الله عليه وآله نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود ورواه الجمهور ولأنها عبادة فيستفاد لنفسها من صاحب الشرع (ع) وقد ثبت
أنه لم يقرأ فيهما فلو كان مستحبا لنقل فعله. * مسألة: ويجب رفع الرأس من الركوع والطمأنينة فيه ذهب إليه علماؤنا أجمع وقال الشيخ
في الخلاف: هو ركن وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة: لا يجب. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال للمثنى في صلاته: ثم
ارفع حتى تعتدل قائما ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن حماد عن أبي عبد الله (ع) لما علمه الصلاة: ثم استو قائما وعن أبي بصير
عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه ولان الركوع ركن وهو خفض
فالرفع منه واجب كالسجود احتجوا بأنه يقال لو أمر به ولأنه لو كان واجبا لتضمن ذكرا واجبا كالقيام الأول والجواب عن الأول: بالمنع
من عدم الامر مع قوله: (وقوموا لله) وما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وداوم على فعله وقال: " صلوا كما رأيتموني أصلي " وما ذكروه منقوض
بالركوع والسجود فإنهما ركنان ولا يجب فيهما ذكر عندهم وبالرفع من السجود وبالإجماع لا يجب فيه ذكر. فروع: [الأول] لو عرض
له مانع يمنعه عن القيام بعد الركوع سقط عنه وسجد لأجل العذر ولو زال العارض بعد السجود لم يقم للركوع لأنه فات محله ولا يجب
تداركه عملا بالأصل ولأنه يستلزم أحد محذورين أما زيادة السجود إن أعاده معه أو تقديم السجود على الركوع وهما منفيان. [الثاني]
لو زال المانع قبل السجود قال الشيخ في المبسوط مضى في صلاته وهو مشكل لان الانتصاب والطمأنينة فيه واجبان لم يفت محلهما ولم يحصل
المنافي فيجب فعلهما. [الثالث] لو سجد ثم زال المانع فقام للانتصاب فإن كان عالما بأنه لا يجوز له ذلك ففي إبطال الصلاة نظر أما
لو كان ساهيا فإنه لا يبطل صلاته وعليه سجدتا السهو بل يقعد ويأتي بالسجدة الثانية. [الرابع] لو ركع فاطمأن فسقط إلى الأرض قبل القيام
283

قيل سجد ولا يحتاج إلى القيام لفوات محله لعذر فلم يجب الاتيان به وعندي فيه نظر. [الخامس] لو سقط قبل ركوعه فإنه يرجع ويأتي بالركوع
لأنه ركن لم يفت محله فيجب عليه فعله ولو سقط بعد الركوع قبل الطمأنينة فيه ففي إعادة الركوع إشكال أقربه عدم الإعادة لأنه أتى بالركوع
المشروع فلو أعاده زاد ركنا. [السادس] قال الشيخ في الخلاف إذا خر ساجدا فشك في الركوع مضى في صلاته واستدل بإجماع الفرقة
على أن من شك في شئ وقد انتقل عنه إلى حالة أخرى لا يلتفت وقال الشافعي: ينتصب قائما ثم يسجد عن قيام وهو ضعيف. [السابع] لا يرفع
يديه وقت قيامه من الركوع ذكره ابن أبي عقيل لأنه غير منقول. * مسألة: ويستحب له إذا أراد الركوع أن يكبر قبله قائما يقول الله أكبر
ثم يركع وهو قول أكثر أهل العلم قال الشيخ في؟ المبسوط؟ تكبير الركوع مع باقي التكبيرات سنة مؤكدة على الظاهر من المذهب ولا تبطل الصلاة
بتركها عمدا ولا نسيانا وإن ترك الأفضل وقال سلار ومن أصحابنا من الحق بالجواب تكبير الركوع والسجود وبه قال إسحاق وداود وقد قام
بإزاء هؤلاء طائفة أخرى لم يجعلوا التكبير مشروعا وهو قول عمر بن عبد العزيز وسالم والقاسم وسعيد بن جبير. لنا: ما رواه الجمهور
عن ابن مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود رواه الترمذي وما رواه أبو هريرة قال كان
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يركع وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي جعفر (ع) لما علمه الركوع
قال له: فقل وأنت منتصب الله أكبر واركع وفي الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (ع) لما علمه الصلاة: ثم صبر هنيئة تنفس بعد
قراءة قل هو الله أحد بقدر ما يتنفس وهو قائم ثم رفع يديه حيال وجهه وقال الله أكبر وهو قائم ثم يركع ولأنه شروع في ركن فشرع فيه
التكبير كحالة ابتداء الصلاة ولأنه انتقال من ركن إلى ركن فشرع فيه ذكر يعلم به المأموم الانتقال ليقتدي به لحال الرفع من الركوع
فبهذا يدل على المشروعية وأما ما يدل على عدم الوجوب الأصل مع عدم المعارض وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال للأعرابي: ثم اقرأ ما تيسر من القرآن ثم اركع ولو كان التكبير واجبا لما أخل به ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن
أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن أدنى ما يجزي من التكبير في الصلاة؟ قال: تكبيرة واحدة احتج الموجبون بما رواه الجمهور
عن النبي صلى الله عليه وآله لا يتم صلاة أحد من الناس حكم تكبير (حتى يكبر) ثم يركع حتى يطمئن ومن طريق الخاصة بحديث زرارة فإنه (ع) أمره بالتكبير
والامر للوجوب وفعله الصادق (ع) لما علم حمادا وقال له هكذا صل احتج الآخرون بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يعلمه المثنى في صلاته ولو
كان مشروعا لعلمه. والجواب عن الأول: المراد به الاستحباب لان نفي التمام يفهم منه ذلك ويحمل الأحاديث الدالة على الامر به على الاستحباب جمعا
بين الأدلة وعن الأخير أنه (ع) علمه الواجب ولأنه (ع) علمه الهيئات دون الأفعال لأنه كان يعرفها. فروع: [الأول] يستحب أن
يكبر قائما فإذا فرغ من القيام ركع وبه قال أبو حنيفة وقال الشيخ في الخلاف يجوز أن يهوي بالتكبير فإن أراد به المساواة فهو ممنوع وبه قال
الشافعي. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يقرأ ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه
ثم يركع ومن طريق الخاصة رواية حماد وغيرها. [الثاني] رفع اليدين مستحب عند التكبير كما هو في تكبير
الافتتاح ذهب إليه أكثر علمائنا
وكذا يستحب رفع اليدين عند كل تكبير وقال السيد المرتضى في الانتصار يجب رفع اليدين في تكبيرات الصلاة كلها وذهب أكثر أهل العلم إلى
استحباب الرفع وقال الثوري وأبو حنيفة وإبراهيم النخعي لا يرفع يديه إلا عند الافتتاح. لنا: ما رواه الجمهور عن الزهري عن سالم عن أبيه
قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله إذا استصلح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه إذا أراد أن يركع وعن أبي حميد الساعدي عن النبي
صلى الله عليه وآله ثم يكبر فيرفع يديه بحذاء منكبيه ثم يرفع رأسه وقد رواه جماعة من الصحابة كعلي (ع) ووائل بن حجر وعمر بن
الخطاب ومالك بن الحوريث أنس وأبو هريرة وجابر بن عمر وغيرهم فصار كالمتواتر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن حماد بن
عيسى عن أبي عبد الله (ع) لما علمه الصلاة ثم رفع يديه حيال وجهه وقال الله أكبر وهو قائم ثم يركع وما رواه في الصحيح عن معاوية بن
عمار قال رأيت أبا عبد الله (ع) يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود وإذا أراد أن يسجد الثانية
وفي الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) كان في الرجل رفع يده كلما أهوى إلى الركوع والسجود وكلما رفع رأسه من ركوعه أو
سجوده قال هي العبودية وعن زرارة قال قال أبو عبد الله (ع) يرفعك يديك في الصلاة وبينها ولأنه تكبير شرع للانتقال إلى ركن
فاستحب فيه الرفع كالاستفتاح أحج السيد المرتضى بالاجماع وبالاحتياط. والجواب عن الأول: بالمنع منه نعم المعلوم الاستحباب فإن
كان مراد السيد بالواجب هنا الاستحباب المؤكد صح التمسك بالاجماع وإلا فلا وعن الثاني: بمعارضة الأصل ولأنه لا احتياط ما ليس بواجب ولا
في الاتيان بما ليس بواجب على جهة الوجوب لا مكان المؤاخذة بالجهل واحتج أبو حنيفة بما رواه ابن مسعود أنه قال ألا أصلي لكم صلاة رسول
الله صلى الله عليه وآله فلم يرفع يده إلا في أول مرة وعن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة
ثم لا يعود ولأنه يسبح. والجواب عن الحديثين: أنهما معارضان لأحاديث المتقدمة مع كثرة رواياتها وزيادة عدالتهم على رواتها بين الروايتين و
284

عمل الصحابة بما قلناه وعمل أهل البيت (عل) مع أنه الحجر وهم أعرف بمظان الأمور الشرعية وأيضا رواياتنا دالة على الاثبات وروايتهم
دالة على النفي والاثبات مقدم ولأنه فعل مندوب جاز الاخلال به في وقت والراوي روى ما رأى فلا ينتفي ما لم يره وعن النسخ بالمنع منه فإن
الصحابة كافة رفعوا أيديهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل البيت (عل) أفتوا به بعده مع أن الأصل عدم الفسخ. [الثالث] يستحب
رفع اليدين إلى حذاء وجهه وفي رواية إلى أذنيه وبها قال الشيخ وقال الشافعي: إلى منكبيه وهو رواية لنا عن أهل البيت (عل). لنا:
ما رواه الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (ع) لما علمه الصلاة لم يرفع يديه حال وجهه وقال الله أكبر وهو قائم ثم
يركع وفي الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) في قوله الله عز وجل فصل لربك وانحر قال هو رفع يديك حيال وجهك احتج الشيخ
بما رواه في الصحيح عن صفوان بن مهران الجمال قال رأيت أبا عبد الله (ع) إذا كبر في الصلاة رفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه وهذه كيفية مستحبة
يجوز فعل القليلة منها والبالغ في الفصل. [الرابع] المستحب أن يبدأ برفع يديه ابتدائه بالتكبير وينتهي إلى الرفع عند انتهائه ويرسلهما بعد ذلك
ولا نعرف فيه خلافا لان المشروع رفع اليدين بالتكبير وهو لا يتحقق إلا بما قلناه. * مسألة: ويستحب للمصلى وضع الكفين على عيني
الركبتين مفرجات الأصابع عند الركوع وهو مذهب العلماء كافة إلا ما روي عن ابن مسعود أنه كان إذا ركع طبق يديه وجعلهما بين ركبتيه.
لنا: ما رواه الجمهور عن أبي حميد الساعدي أنه وصف ركوع رسول الله صلى الله عليه وآله كما قلناه. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن زرارة عن الباقر (ع) لما علمه الركوع وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتيك اليمنى قبل اليسرى وتلقم
بأطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك وما رواه في الحسن عن حماد بن عيسى عن الصادق (ع) لما علمه
الصلاة ثم ركع وملا كفيه من ركبتيه مفرجات فرد ركبتيه إلى خلفه وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) وتمكن من ركبتيك
تضع يدك اليمنى على ركبتيك اليمنى قبل اليسرى وبلغ بأطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك فإن وصلت
أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك وأحب إلي إن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينها
احتج ابن مسعود بأنه رواه عن النبي صلى الله عليه وآله والجواب ما قلناه أكثر رواة فالعمل عليه متعين ولو صح فهو منسوخ وروى
مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال صليت إلى جنب أبي فطبقت يدي وجعلتهما بين الركبتين فضرب أبي في يدي فلما انصرف قال يا بني إنا كنا نفعل ذلك
فأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب. فروع: [الأول] لو كانت يداه عليلتين بلغ من الركوع ما لو كانت يداه صحيحين لوضعهما على
ركبتيه وسقط عنه استحباب الوضع للعذر. [الثاني] لو كانت إحدى يديه عليلة وضع الأخرى مستحبا لأنه فعل تعلق بهما فلا يسقط
عن أحدهما بحصول العذر في الأخرى كما في الوضوء. [الثالث] لو ترك وضع يديه فرفع رأسه وشك هل بلغ بالركوع قدر الاجزاء ففي
إعادة الركوع تردد ينشأ من كون الشك جعل في هيئته بعد فوات محله فلا التفات ومن كونه قد شك في الركوع المعتد به وهو
قائم فيركع. * مسألة: ويستحب له أن يرد ركبتيه إلى خلفه وإن يسوي ظهره ويمد عنقه محاذيا لظهره وهو مذهب العلماء كافة روى
الجمهور عن أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك كله وعن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ركع ثم
يرفع رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان إذا ركع لو كان على ظهره قدح ماء لم يتحرك عنه لاستواء
ظهره ومن طريق الخاصة رواية زرارة عن الباقر (ع) وأقم صلبك ومد عنقك ورواه حماد عن الصادق (ع) ورد ركبتيه
إلى خلفه ثم سوى ظهره ومد عنقه ويستحب أن يصف في ركوعه بين قدميه لا يقدم إحديهما على الأخرى ويجعل بينهما قدر شبر. * مسألة:
ويستحب له أن يقول بعد انتصابه من الركوع سمع الله لمن حمده ذهب إليه علمائنا أجمع وبه قال الشافعي وقال إسحاق هذا القول واجب و
هو أحد قولي أحمد. لنا: على عدم الوجوب ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لم يعلمه المشي في صلاته وتأخير البيان عن وقت الحاجة
غير جائز ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي جعفر (ع) لما علمه الصلاة لم يذكر له وذلك استحباب اتفاق العلماء وما رواه
الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يتم صلاة أحدكم وساق الحديث إلى قوله ثم يقول سمع الله لمن حمده ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (ع) لما علمه الصلاة فلما تمكن من القيام قال سمع الله لمن حمده وفي الصحيح عن زرارة عن
الباقر (ع) لما علمه الركوع ثم قل سمع الله لمن حمده وأنت منتصب قائم احتج الموجب بقوله (ع) لأنهم صلاة أحدكم إلى قوله ثم يقول سمع الله
لمن حمده والجواب أن المراد بذلك لا يتم صلاته بأجمعها الشاملة للواجب والندب ولان الأصل عدم الوجوب وقد ظهر المنافي فيحمل ذلك على الاستحباب.
فروع: [الأول] هذا القول مستحب للامام والمأموم والمنفرد ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال ابن سيرين وأبو بردة وأبو يوسف
ومحمد والشافعي وإسحاق وقال ابن مسعود وابن عمر ومالك والشعبي وأبو حنيفة وأحمد لا يسوغ للمأموم ذلك. لنا: قوله (ع): لا يتم صلاة
أحدكم إلى قوله ثم يقول سمع الله لمن حمده وقول الباقر (ع) قل سمع الله لمن حمده وأنت منتصب وذلك عام ولأنه انتقال من ركن إلى
285

آخر فرع الذكر على العموم كالتكبير ولأنه ذكر مشروع للامام فشرع وللمأموم كغيره من الاذكار. [الثاني] يستحب أن يجهر به كالتكبير لأنه ذكر
شرع للانتقال من ركن إلى آخر ومع الجهل يحصل الاعلام ولا نعرف فيه خلافا. [الثالث] يستحب الدعاء بعد التسميع بأن يقول
" الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء، والعظمة لله رب العالمين " سواء كان إماما أو مأموما وهو فتوى علمائنا وقال الشافعي
يقول بعد التسميع ربنا لك الحمد إماما كان أو مأموما وقال أبو حنيفة ومالك يقولها المأموم خاصة دون الامام والمنفرد و (قال) لأحمد كالقولين
وفي وجوبها عنده قولان. لنا: أن قوله سمع الله لمن حمده إذا كان بالحمد وترغيب فيه فيستحب للامام والمأموم والمنفرد وأولى ما أتى به ما
ذكرناه نحن لأنه لفظ القرآن ولما رواه الجمهور عن حذيفة بن اليماني قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله فكان إذا رفع رأسه
من الركوع قال سمع الله لمن حمده ثم قال الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة رواه أحمد في مسنده ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) ثم قل وأنت منتصب قائم سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت و
الكبرياء والعظمة لله رب العالمين يجهر بها صلاتك. [الرابع] قال الشيخ في المبسوط وإن قال ربنا ولك الحمد لم يفسد صلاة واختلفوا في " الواو "
فأسقطها الشافعي لأنها للعطف ولا شئ يعطف عليه هنا وأثبتها باقي الجمهور ولان المعطوف عليه هنا مقدر إذا لو أو يدل عليه وتقديره
ربنا حمدناك ولك الحمد فيكون ذلك أبلغ في الحمد والأولى عندنا ترك الجميع وقول ما نقل عن أهل البيت (عل). [الخامس] لو عكس
فقال من حمد الله سمع له لم يأت بالمستحب خلافا للشافعية. لنا: أنه خلاف المنقول وتمكن المشروع فلا يكون مجزيا كما لو قال في التكبير الأكبر
الله احتجوا بأنه أتى باللفظ والمعنى والجواب المنع فإن قوله سمع الله لمن حمده صيغة خبر قد يراد للدعاء ويصلح له وعكسه شرط وجزاء لا يصلح لذلك.
[السادس] لو عطس عند الرفع قال الحمد لله رب العالمين ونوى بذلك التحميد للعطسة والمستحب بعد الرفع جاز خلافا لأحمد. لنا:
ان انضمام هذه النية لم يغير شيئا من مقاصد الكلام فلم يكن مؤثرة في المنع ولأنها عبادة ذات السببين فلم يصر جمعهما في نية واحدة كما لو نوى
بالطهارة رفع حدثين. * مسألة: قال الشيخ في المبسوط يكره أن يركع ويداه تحت ثيابه ويستحب أن يكون بارزة أو في كم ولو خالف لم يبطل صلاته
قال ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع صلى قائما فإن أمكنه أن يعتمد ليركع اعتمد واجبا وإن لم يمكنه الركوع الأعلى جانب لزمه ذلك
فإن لم يمكنه على ذلك رأسه وظهره فإن لم يقدر أومأ برأسه. * مسألة: ويستحب في حال ركوعه أن يتجافى فلا يضع شيئا من أعضائه
على شئ إلا اليدين بلا خلاف ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (ع) لما علمه الصلاة ولم يضع شيئا
من بدنه على شئ منه في ركوع ولا سجود وكان محتجا.
[البحث السادس] في السجود، وهو في اللغة الخضوع والانحناء وفي
الشرع عبارة عن وضع الجبهة على الأرض وهو خضوع خاص وانحناء خاص فيكون مجازا لغويا وحقيقة شرعية والسجدة بالفتح
الواحدة وبالكسر الاسم والمسجد حد المساجد. * مسألة: وهو واجب في الصلاة بالنص والاجماع قال الله تعالى: (واركعوا واسجدوا) وقد ثبت
بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة عليهم السلام السجود في الصلاة ويجب في كل ركعة سجدتان بلا خلاف بين علماء الاسلام وهما معا
ركن في الصلاة روى الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تعاد الصلاة إلا في خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود وكل
واحدة منهما ليست ركنا على ما يأتي وإن كانت واجبة. * مسألة: ويجب الطمأنينة فيهما والخلاف فيه كما في الركوع. لنا: قوله عليه السلام للمثنى
في صلاته: ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ومن طريق الخاصة ما يأتي من وجوب الذكر فيه وهو يستلزم الطمأنينة
ويجب فيه السجود على الأعضاء
السبعة الجبهة والكفان والركبتان وإبهام الرجلين ذهب إليه الشيخين وأتباعهما وبه قال طاوس والشافعي في أحد قوليه وأحمد و
إسحاق وقال علم الهدى: بدل الكفين مفصل الكفين عند الزندين فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي من (في) القول الآخر: لا يجب السجود على
غير الجبهة. لنا: قوله تعالى: (وإن المساجد لله) قال جماعة من المفسرين: المراد بها أعضاء السجود السبعة وما رواه الجمهور عن ابن غياث
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أمرت بالسجود على سبعة أعظم اليدين والركبتين وأطراف القدمين والجبهة وعن ابن عمر رفعه
أن اليدين تسجدان كما تسجد الوجه فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه فإذا رفعه فليرفعهما رواه أبو داود وأحمد وإذا وجب السجود على اليدين
وجب على بقية الأعضاء السبعة لعدم القائل بالفرق ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قال أبو جعفر الباقر
عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله: السجود على سبعة أعظم الجبهة واليدين والركبتين والإبهامين وترغم بأنفك ارغاما
أما الفرض فهذه السبعة وأما الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى الله عليه وآله وفي الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام
لما علمه الصلاة وسجد عليه ثمانية أعظم الكفين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والجبهة والأنف وقال سبع منها فرض سجد عليها
وهي التي ذكر الله عز وجل في كتابه وقال: (إن المساجد لله) وهي الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان ووضع الانف على الأرض
سنة احتج أبو حنيفة بقوله عليه السلام سجد وجهي ولو ساواه غيره لما خصه بالذكر ولان وضع الجبهة على الأرض يسمى سجودا بخلاف غيره
286

فينصرف الامر المطلق عليه لأنه محصل المسمى ولأنه لو وجب السجود على غيره لوجب كشفه كما يكشف الجبهة والجواب عن الأول: أن تخصيص الشئ
لا يدل على نفيه عما سواه والعجب أن أبا حنيفة يساعد على أن المفهوم لا يعمل به وقد عمل به ها هنا وهل هذا إلا مناقضة على أنه يجوز أن يكون سبب
التخصيص ما اشتملت عليه الوجه منه (من) كثرة الخضوع ويحتمل أن يكون أراد بالوجه هنا الذات لقوله تعالى: (ويبقى وجه ربك) وبالجملة فالاستدلال
بهذا الحديث في مثل هذا الموضع في غاية الضعف قوله وضع الجبهة يسمى سجودا قلنا مسلم وكذا غيرها كما في قوله عليه السلام سجد لحمي وعظمي
وما أقلته قدماي وعن الثاني: المنع من المساواة إذ لا جامع ثم يظهر الفرق بأن الجبهة هي الأصل دون غيرها. فروع: [الأول] لو أخل
بالسجود على بعض هذه الأعضاء عامدا بطلت صلاته عالما كان أو جاهلا لأنه لم يأت بالمأمور به فيبقى في عهدة الامر ولو كان ناسيا صحت
صلاته إذا ذكر بعد الرفع لفوات المحل. [الثاني] لو كان ببعض أعضاء السجود مانع يمنع من السجود عليه وجب أن يسجد بباقي الأعضاء
ويقرب ذلك العضو من الأرض بقدر الامكان لأنها واجبات متعددة فلا يسقط البعض لسقوط الآخر العذر. [الثالث] لو كان
على جبهته دمل أو شبهه من جرح وغيره مما يمنعه في السجود عليها وأمكنه أن يحفر لها حفيرة نزل فيها ليقع السليم من الجبهة على الأرض وجب
لان المأخوذ عليه السجود على بعض الجبهة وما يفعل الذي ذكرناه تحصيل المأمور به فيكون واجبا ويؤيده ما رواه الشيخ عن مصادف قال
خرج بي دمل فكنت أسجد على جانب فرأى أبو عبد الله عليه السلام أثره فقال: ما هذا، فقلت لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل فإنما أسجد منحرفا، فقال
لي: لا تفعل ذلك ولكن احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض. [الرابع] لو تعذر عليه السجود على الجبهة ولم يمكنه الحفيرة
لاستغراق الجبهة بالمانع مثلا أو بغيره سجد على أحد الجبينين ولا يسقط السجود عن بقية الأعضاء خلافا لبعض الجمهور. لنا: أن المأمور
به السجود على سبعة أعضاء فلا يسقط بعضها لحصول المسقط في الآخر ولان الجبهة مع الجبينين كالعضو الواحد فيقوم أحدهما لبعض الآخر.
لنا: و (لان) ان المأمور به السجود على أحدهما وهو أشبه بالسجود على الجبهة من الايماء والايماء سجود مع تضرر الجبهة والجبين أولى احتج المخالف بأن بقية الأعضاء
تبع فيسقط اعتبارها لسقوط الأصل والجواب: المنع من التبعية. [الخامس] لو تعذر السجود على حد الجبينين سجد على الذقن لقوله تعالى: (ويخرون للأذقان
سجدا) والذقن مجمع اللحيين وإذا صدق عليه اسم السجود وجب أن يكون مجزيا في الامر بالسجود مع العذر ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن يعفور
عن علي بن محمد بإسناده قال سأل أبا عبد الله عليه السلام عمن بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها؟ قال: يضع ذقنه على الأرض إن الله تعالى يقول:
(ويخرون للأذقان سجدا). [السادس] لو تعذر عليه ذلك كله أومأ إيماء لأنه حالة ينتقل إليها مع الضرورة ويؤيده رواية إبراهيم الكرخي
وقد تقدمت في الركوع. [السابع] لا يجب السجود على جميع أجزاء الجبهة لان المطلق يكفي فيه أقل ما يطلق عليه الاسم ويؤيده ما رواه
الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألت عن حد السجود؟ فقال: ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك وفي
الصحيح عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال قلت الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة؟ فقال: إذا مس جبهته الأرض فيما بين حاجبه وقصاص شعره فقد
أجزأ عنه. [الثامن] شرط بعض الأصحاب ملاقاة بدرهم وليس شيئا للروايتين ولان الواجب لا يحصل ما يسمى سجودا (الا بما يسمى السجود) وكذا البحث في بقية الأعضاء
وإن كان تزلزل استقرار جبهته في الملاقاة. * مسألة: والذكر فيه واجب بلا خلاف بين علمائنا وبه قال أحمد وباقي أهل الظاهر وقال
أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يجب. لنا: ما رواه الجمهور عن عقبة بن عامر قال لما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال لنا رسول الله صلى الله
عليه وآله منعوها (ثبتوهما) في سجودكم والامر للوجوب وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله: إذا سجد أحدكم فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا ومن
طريق الخاصة رواية هشام بن سالم وقد تقدم في الركوع وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت ما يجزي من القول في الركوع والسجود؟
فقال: ثلاث تسبيحات في ترسل وواحدة فإنه تجزي والاجزاء يفهم منه الوجوب وفي رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام ومن لم يسبح فلا
صلاة له احتج بأن الله عز وجل أمر بمطلق السجود أن النبي صلى الله عليه وآله بينه بفعله. فروع: [الأول] الذي أذهب
إليه الاكتفاء فيه بالذكر مثل الحمد لله وسبحان الله والله أكبر ونظائرها للروايات التي ذكرناها في الركوع والخلاف هنا كالخلاف ثم
وكذا البحث في العدد. [الثاني] الذكر واجب في السجدتين معا بلا خلاف بين القائلين بوجوب الذكر في السجود. [الثالث] الأولى التسبيح
لرفع الخلاف والواحدة التامة تجزي والفضل في ثلاث أكثر وأكثر من ذلك الخمس والسبع أكمل لما تقدم. [الرابع] يستحب أما التسبيح
الدعاء وهو وفاق لما رواه الجمهور عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول في سجوده " اللهم لك سجدت وبك أمنت ولك
أسلمت أنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين " وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فيما كثر من الدعاء ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إذا سجدت فكبر وقل " اللهم لك سجدت وبك أمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره والحمد
لله رب العالمين تبارك الله أحسن الخالقين " ثم قل سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات وعن أبي حريز الرواسي قال سمعت أبا الحسن عليه السلام
وهو يقول: " اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو بعد الحساب يرددها وعن عبد الرحمن بن سنان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
287

وأنا ساجد فقال: نعم فادع للدنيا والآخرة وأنه رب الدنيا والآخرة. [الخامس] يجب أن يأتي بالذكر الواجب وهو ساجد فلو أخذ في السجود وهو
ذاكر أو رفع رأسه ولم يتم لم يجزه ذلك. [السادس] الذكر ليس بركن لو تركه ناسيا لم تبطل صلاته وسيأتي البحث فيه. * مسألة: ولا يجوز أن يكون
موضع سجوده أعلى من موقف المصلي بما يعتد به قال الشيخ فإن زاد بمقدار لبنة لم يكن به بأس وإن زاد لم يجز ذهب إليه علماؤنا لان العلو المعتد به
يخرج بسببه المصلي عن الهيئة المنقولة عن الشارع ويؤيده ما رواه الشيخ في ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن موضع الساجد أيكون أرفع من مقامه؟ فقال: لا ولكن ليكن مستويا وأما التقدير الذي ذكره الشيخ فيدل عليه ما رواه عن عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: سألته عن السجود على الأرض المرتفعة؟ فقال: إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع يديك قدر لبنة فلا بأس. فرع: لو وقعت
جبهته على المرتفع جاز له أن يرفع رأسه وسجد على المساوي لأنه لم يحصل بحال السجود فيجوز العود لتحصيل التكميل ويؤيده ما رواه الشيخ عن الحسين بن
حماد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أسجد فيقع جبهتي على الموضع المرتفع؟ فقال: ارفع رأسك ثم ضعه ولا يعارض ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن
عمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا وضعت جبهتك على تكيه فلا ترفعها ولكن جرها على الأرض وعن حسين بن حماد قال قلت له أضع وجهي
للسجود فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع أحول وجهي إلى مكان مستو؟ قال: نعم، جر وجهك على الأرض من غير
أن ترفعه وعن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل يسجد على الحصا فلا يمكن جبهته من الأرض؟ قال: يحرك جبهته
حتى يتمكن فينحي الحصا من جبهته ولا يرفع رأسه لأنا نحمل هذه الأخبار على ما إذا كان المقدار المرتفع لبنة فما دون فلو رفع رأسه حينئذ لزمه ان يزيد سجدة
متعمدا وهو غير سائغ. * مسألة: ولو تعذر عليه الانحناء لعارض رفع ما يسجد عليه ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال أحمد ومنعه أبو حنيفة. لنا: ان
السجود واجب فيجب بقدر الممكن ولأنه أشبه بالسجود من الايماء فيكون أولى من الواجب فيكون واجبا لاستحالة اشتمال ما ليس بواجب على المصالح المطلوبة
من الواجب ويؤيده رواية الكرخي عن أبي عبد الله عليه السلام وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد فإن لم يمكنه ذلك فليؤم رأسه إيماء نحو القبلة وما روى الشيخ
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن المريض، فقال: يسجد على الأرض أو على المروحة أو على سواك يرفعه هو الأفضل من الايماء
إنما كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد من دون الله وإياكم تعبد غير الله قط فاسجد على المروحة أو على عواد وعلى
سواك واعلم أن حرف أو في قوله على الأرض أو على المروحة للتفصيل. * مسألة: ويجب رفع الرأس من السجدة الأولى والطمأنينة فيه
جالسا ذهب إليه علماؤنا أجمع وقال الشافعي وأحمد وقال مالك وأبو حنيفة الرفع واجب مثل حد السيف أما الطمأنينة فلا. لنا: ما رواه الجمهور
عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رفع من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعدا وقولنا كان فلان يفعل كذا إنما يستعمل
في الفعل المداوم عليه والدوام على الوجوب وقوله عليه السلام للمثنى في صلاته: ثم ارفع رأسك حتى تطمئن ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام إنما (فيما) علمه الصلاة ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال الله أكبر وقال له
هكذا صل والامر للوجوب إلا ما يخرج بالدليل وغير ذلك من الأحاديث وهي كما دلت على المرتفع دلت على الطمأنينة وكذا يجب رفع الرأس
من السجدة الثانية بلا خلاف. * مسألة: يجب إبراز الجبهة للسجود على ما يصح عليه السجود وهو قول علمائنا أجمع ويسقط مع الضرورة
وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يجب. لنا: ما رواه الجمهور عن ضياب؟؟ قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله الرمضاء
في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا رواه مسلم ولو جاز السجود على الحائل لما كان للشكوى معنى ولا شكاهم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبد
الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يسجد وعليه العمامة لا يصيب جبهته الأرض؟ قال: لا يجزيه ذلك حتى يصل
جبهته الأرض ويستحب إبراز اليدين دون غيرهما. * مسألة: ويستحب التكبير قائما قبل السجود ثم يهوي إليه
وعليه فتوى علمائنا وقال الشيخ
في الخلاف: يجوز أن يهوي به وبه قال الشافعي. لنا: ما رواه الجمهور في حديث الساعدي والأعرابي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي الحسن
عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام لما علمه الصلاة ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه ثم سجد وما ذكره الشيخ جائز لكن الأولى
ما قلناه. * مسألة: وإذا أهوى للسجود استقبل الأرض بيديه ولا يتلقاها بركبتيه أولا وعليه فتوى علمائنا أجمع وبه قال الأوزاعي
ومالك وأحمد في إحدى الروايتين وقال في الأخرى يسبق بركبتيه وبه قال النخعي وأبو حنيفة والثوري والشافعي. لنا: ما رواه الجمهور
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ولا يبرك بروك البعير رواه النسائي ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سأل عن الرجل يضع يديه على الأرض قبل ركبتيه؟ قال: نعم يعني في الصلاة وعن الحسين بن أبي العلا
بمثله وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) لما علمه الصلاة وابدأ بيديك تضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا احتج المخالف
بما رواه وائل بن حجر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله إذا سجد وضع يديه بعد ركبتيه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه وعن أبي
هريرة إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل وعن أبي سعيد كنا نضع اليدين قبل ركبتين فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين
288

والجواب عن الأول: أنه حكاية فعل والقول أولى من الفعل ولأنه كيفية مندوبة يجوز فعلها في وقت دون الآخر وسوغ تركها للنبي صلى الله عليه وآله في بعض الأوقات
ليكون أبلغ في تعريف جواز الترك ورواية أبي هريرة معارضة بالرواية التي نقلناه عنه وذلك مما يوجب تطرق التهمة إليه وقول أبي سعيد لا حجة
فيه لجواز أن يكون الامر غير النبي صلى الله عليه وآله. فروع: [الأول] رفع الركبتين عند القيام يستحب أن يكون سابقا على رفع اليدين لما رواه الشيخ في الصحيح
عن محمد بن مسلم قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد وإذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه. [الثاني] يستحب أن يكون وضع
يديه رفعة واحدة ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام تضعهما معا. [الثالث] هذه الكيفيات مستحبة لا واجبة عملا
بالأصل وبما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل إذا ركع ثم رفع رأسه أيبدأ فيضع يديه على الأرض
أم ركبتيه؟ قال: لا يضره بأي ذلك بدأ فهو مقبول منه وروى أبو بصير في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس إذا صلى الرجل أن يضع ركبتيه
على الأرض قبل يديه. [الرابع] لو كان بيديه مانع أو مرض وشبهه استقبل الأرض بركبتيه للعذر وإن كان الأول مندوبا. * مسألة: والارغام
بالأنف حالة السجود مستحب ليس بواجب والارغام هو إلصاق الانف بالرغام وهو التراب ذهب إلى استحبابه علماؤنا أجمع وبه قال عطا وطاوس
وعكرمة والحسن وابن سيرين والشافعي وأبو ثور ومحمد وأبو يوسف وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى: يجب السجود عليه وهو قول السعيد بن جبير وإسحاق. لنا:
ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولم يذكر الانف ولو كان واجبا لما أخر بيانه وعن جابر قال رأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله سجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر رواه اليمام وإذا سجد على الجبهة لم يسجد على الانف ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام لما علمه الصلاة قال: سبع منها فرض سجد عليها وعدها ثم قال ووضع الانف على الأرض سنة
وعن محمد بن مصادف قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنما السجود على الجبهة وليس على الانف سجود وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله السجود على سبعة أعظم الجبهة واليدين والركبتين وإبهامي الرجلين وترغم بأنفك إرغام فأما الفرض فهذه
السبعة وأما الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى الله عليه وآله وهذه الأحاديث كما دل على عدم الوجوب فقد دلت على الاستحباب ولان الأصل على عدم
الوجوب إلى أن يظهر منافي (المنافي) احتج الموجبون بما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده إلى
الانف وفي لفظ آخر رواه ابن عباس أيضا أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة والأنف واليدين والركبتين والإبهامين وعن عكرمة قال قال
النبي صلى الله عليه وآله: لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبهة. والجواب عن الأول: أنه لا يمكن أن يكون إشارته إلى الانف ويريد
به الجبهة وإلا لتعين السجود عليه فلعل الراوي رأى محاذاة يديه لأول الجبهة فتوهم الانف على أن راويه ابن عباس قد اختلف رواته وذلك
مما يطرق التهمة إلى الضبط فيها وقوله عليه السلام: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ثم عد الانف دليل على أنه غير مراد بأمر الوجوب وإلا لكان المأمور به ثمانية
أعضاء وعن الرواية الأخيرة: أنها مرسلة قال أحمد بن حنبل: فلا تعويل عليها حينئذ لا يقال قد روى الشيخ في الموثق عن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام
قال قال علي عليه السلام: لا تجزي صلاة لا يصيب الانف ما يصيب الجبين لأنا نقول أن راويها عمار وهو ضعيف وأيضا فهي محمول على الاستحباب.
فروع: [الأول] لو سجد على أنفه دون جبهته لم يجزيه ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة يجزيه قال ابن
المنذر: ولا أعلم أحدا سبقه إلى هذا. لنا: ما تقدم من الأحاديث الدالة على السجود على الجبهة والأنف ليس منها وعن ابن عمر عن النبي صلى الله
عليه وآله: إذا سجدت ليكن جبهتك من الأرض والامر للوجوب ومن طريق الخاصة حديث زرارة وحماد بن عيسى ومحمد بن مصادف وقد تقدم
ذلك كله احتج أبو حنيفة بأن الانف والجبهة عضو واحد فإذا سجد على الانف وجب أن يجزيه كما إذا سجد على بعض الجبهة والجواب: المنع من
وحدتهما والنقض بعظم الرأس فإنه متصل بعظم الجبهة. [الثاني] لو سجد على خده أو رأسه دون الجبهة لم يجزيه بلا خلاف. [الثالث]
قال السيد علم الهدى: الارغام بطرف الانف الذي بينه (يلي) الحاجبين والأقرب عندي الاكتفاء بما أصاب من الانف ليحقق المعنى المشتق منه.
[الرابع] يستحب تمكين الجبهة بما يزيد على القدر الواجب لأنه أبلغ بالقلوب الدعاء ويستحب أن يكون موضع الجبهة مساويا للموقف لأنه أنسب بالاعتدال
المطلوب في السجود وأمكن المساجد ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرفع جبهته، فقال:
إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي وكرهه أي وكره الرفع. * مسألة: ويستحب له أن يتجافى في حال سجوده لا يضع شيئا من جسده على شئ
بل تجافى عضدته عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه بلا خلاف روى الجمهور عن أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا سجد
جافى عضديه عن جنبيه وعن البراء أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا سجد جنح والجنح المساوي (المتساوي) رواه أبو داود ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ عن الحفص الأعور عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان علي عليه السلام إذا سجد يتخوى كما يتخوى البعير الضامر عند بروكه وفي الحسن عن حماد بن
عيسى عن زرارة عن الباقر عليه السلام لما علمه الصلاة ولم يستغن بشئ من بدنه على شئ منه في ركوع ولا سجود وكان محتجا ولم يضع ذراعيه على
الأرض في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام لما علمه الصلاة ولا تفرش ذراعيك افتراش السبع (الأسد) ذراعيه ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك و
289

فخذيك ولكن تجنح بمرفقيك ولا تلزق كفيك بركبتيك. فروع: [الأول] الاعتدال في السجود مستحب ذهب إليه علمائنا كافة روي عن النبي
صلى الله عليه وآله قال: اعتدلوا في السجود ولا يسجد أحدكم وهو باسط ذراعيه على الأرض وعن جابر قال: إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفرش
ذراعيه إفتراش الكلب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تفترش ذراعيك افتراش السبع وابسط
كفيك ولا تجعلهما بين ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا وعن حريز عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال: ولا تفترش ذراعيك والافتراش المنهي عنه
في هذه الأحاديث هو عبارة عن بسط الذراعين على الأرض كما هو في حديث حماد. [الثاني] يستحب أن يضع راحتيه على الأرض مبسوطتين مضمومتين
الأصابع بين منكبيه موجهات إلى القبلة وهو قول أهل العلم كافة لما رواه أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وعن وائل بن
حجر قال سجد رسول الله صلى الله عليه وآله فجعل كفيه بحذاء أذنيه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
لما علمه الصلاة: ولا تلزق كفيك بركبتيك ولا تدنهما من وجهك وبين ذلك حيال منكبيك ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا وابسطهما على الأرض بسطا واقبضهما إليك قبضا
وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرك وإذا أفضيتهما إلى الأرض فهو أفضل ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك ولكن؟ ضمهن؟ جميعا. [الثالث]
هل يجب استيعاب جميع الكف بالسجود؟ عندي فيه تردد والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل لورود النص في خصوصية الجبهة فالتعدي بالاجزاء
في البعض يحتاج إلى دليل. [الرابع] لو جعل ظهور كفيه إلى الأرض وسجد عليهما ففي الاجزاء نظر أما ظاهر الإبهامين في الرجلين
لو سجد عليهما فالأقرب عندي الجواز. * مسألة: ويستحب التكبير إذا استوى جالسا عقيب السجدة الأولى والتكبير للسجدة الثانية جالسا ثم
يسجد فإذا استوى في الثانية قاعدا كبر وقال علم الهدى في المصباح وقد ورى أنه إذا كبر للدخول في فعل من صلاة ابتدأ بالتكبير في حال ابتدائه
ولا الخروج بعد الانفصال عنه والوجه عندي الحال حال التكبير قبل الدخول بما رواه الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام
لما علمه الصلاة: ثم رفع رأسه من السجود لما استوى جالسا قال الله أكبر ودعا ثم كبر وهو جالس وسجد الثانية وقال كما قال في الأول.
* مسألة: وإذا جلس عقيب السجدة الأولى دعا مسبحا ذهب إليه علمائنا أجمع وهو قول أهل العلم إلا أبو حنيفة فإنه أنكره وأحمد فإنه أوجب.
لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وآله يقول بين السجدتين: " اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني " رواه
أبو داود وعن حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وآله فكان يقول بين السجدتين: " رب اغفر لي اغفر لي " رواه النسائي ومن طريق الخاصة
وما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام لما علمه السجود: فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين: " اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني وادفع
عني وعافني إني لما أنزلت علي من خير فقير فتبارك الله رب العالمين " وفي الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام لما علمه الصلاة قال:
" استغفر الله ربي وأتوب إليه " وقول أحمد ضعيف جدا لان الأصل براءة الذمة إلى أن يثبت الدليل ولم يثبت. * مسألة: ويستحب أن يكون الجلوس
بين السجدتين على هيئة التورك وأن هو يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا ويفضي بمقعدته إلى الأرض ويجعل رجله اليسرى على الأرض
وظاهر قدمه اليمنى على بطن قدمه اليسرى هكذا فسره الشيخ وقال علم الهدى في المصباح: يجلس بما شاء بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى للأرض
رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض ويستقبل بركبتيه مع القبلة وقال أحمد يجلس مفترشا
وهو أن يثني رجليه فيبسطها ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى ويخرجهما من تحت ويجعل بطون أصابعه إلى الأرض معتمدا عليها ليكون
أطراف أصابعها إلى القبلة. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله كان يجلس في وسط الصلاة وفي آخرها متوركا لا يقال
المراد بذلك حال التشهد لأنا نقول اللفظ مطلق وهو يتناول بمفهومه كل الصلاة وليس في كلها تشهدان ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام لما علمه الصلاة: ثم قعد على فخذه الأيسر قد وضع قدمه اليمنى على بطن قدمه اليسرى وعن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا جلس في الصلاة فلا تجلس على يمينك واجلس على يسارك. * مسألة: يكره الاقعاء بين السجدتين وبه قال الشيخ
في الجمل ومعاوية بن عمار ومحمد بن مسلم من قدمائنا والشافعي وأبو حنيفة وأحمد نقل الجمهور عن علي عليه السلام وهو قول أكثر أهل العلم وقال الشيخ في المبسوط
بالجواز وإن كان التورك أفضل وبه قال السيد المرتضى وابن بابويه وهو منقول عن ابن عمر وابن عباس وابن
الزبير. لنا: ما رواه الجمهور عن علي عليه السلام
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تقع بين السجدتين وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما
يقعي الكلب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار وابن مسلم والحلبي قال قال: لا تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء
الكلب وفي الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تقع بين السجدتين إقعاء وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام لما علمه الصلاة
فإذا قعدت في تشهدك فالصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى وإلتياك؟؟ على الأرض وأطراف إبهامك اليمنى على
الأرض وإياك والقعود على قدميك فتتادى؟؟ بذلك ولا تكن قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصير للتشهد
والدعاء والعلة التي ذكرها عليه السلام في التشهد مستحبة في غيره فيتعدى الحكم إليه احتج الشيخ بما رواه في الصحيح عن عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
290

قال: لا بأس بالاقعاء في الصلاة بين السجدتين والجواب: إنا نقول بموجبه إلا إنا نثبت كيفية زائدة على رفع البأس وهي الكراهية وذلك لا ينافي
هذا الحديث. فرع: الاقعاء عبارة عن أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه وقال بعض أهل اللغة هو أن يجلس الرجل على أليتيه جامعا
فخذيه مثل إقعاء الكلب والأول أولى لأنه تفسير الفقهاء وبحثهم فيه. * مسألة: يكره أن ينفخ موضع سجوده ذهب إليه علماؤنا لأنه فعل ليس من الصلاة
يكره ترك العبادة له ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ فقال:
لا والمطلوب من النهي الكراهية لما رواه عن إسحاق بن عمار عن رجل من بني عجلة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المكان يكون عليه الغبار فانفخه
إذا أردت السجود؟ فقال: لا بأس وعن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم تؤذ أحدا. * مسألة:
ويستحب له إذا رفع رأسه من السجدة الثانية أن يجلس للاستراحة قبل النهوض إلى الركعة الثانية ويسمى جلسة الاستراحة ذهب إليه علماؤنا إلا السيد المرتضى رحمه الله
فإنه قال بالوجوب وهو منقول عن الشافعي وممن قال باستحبابه الشافعي في أحد القولين وأحمد في إحدى الروايتين وفي الآخر للشافعي ولأحمد: أنه لا
يجلس وإليه ذهب أكثر الجمهور. لنا: على عدم الوجوب الأصل من غير معارض وما رواه الجمهور عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان إذا رفع
رأسه من السجود استوى قائما بتكبيرة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة قال رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام إذا رفعا رؤسهما
السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا وعلى الاستحباب ما رواه الجمهور عن مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وآله كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود
قبل أن نهض وكذا في حديث الساعدي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا رفعت رأسك
في السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثم قم وما رواه عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه السلام قال رأيته إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من
الركعة الأولى جلس حتى يطمئن ثم يقوم وعن الأصبغ عن علي عليه السلام قال: كان إذا رفع رأسه من السجود قعد يطمئن ثم يقوم فقيل له يا أمير المؤمنين قد كان من قبلك
أبو بكر وعمر إذا رفعا من السجود نهضا على صدور أقدامهما كما ينهض الإبل، فقال: إنما يفعل ذلك أهل الجفا من الناس إن هذا من توقير الصلاة لا
يقال قد روى الشيخ عن رحيم قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام جعلت فداك أراك إذا صليت ورفعت رأسك من السجود في الركعة الأولى والثالثة تستوي
جالسا ثم تقوم فتصنع كما تصنع فقال: لا تنظروا إلى ما أصنع إذا اصنعوا ما تؤمرون وهذا يدل على المنع من الجلسة لأنا نقول لو كانت مكروهة لما فعلها
الإمام (ع) وإنما أراد عليه السلام لا تفعلوا كل ما تشاهدون على طريق الوجوب ويؤيده قوله عليه السلام ولكن اصنعوا ما تؤمرون والامر إنما هو للوجوب.
* مسألة: ويستحب أن يدعو عقيب الجلوس من الثانية لأنها حالة من حالات الصلاة فلا تخليها من ذكر ولاطلاق الامر بالدعاء وأولى ما يقال
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قمت من السجود قلت " اللهم ربي بحولك وقوتك أقوم وأقعد " وإن شئت
قلت " وأركع وأسجد " وفي رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قام الرجل من السجود قال بحول الله أقوم وأقعد. * مسألة: ويستحب له
إذا أراد النهوض أن يعتمد على يديه سابقا برفع ركبتيه وعليه فتوى علمائنا أجمع وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وحكي عن ابن عمر وعمر بن عبد
العزيز وقال أبو حنيفة: لا يعتمد على يديه بل يرفعهما أولا ويعتمد على ركبتيه إلا مع المشقة وبه قال أحمد والثوري. لنا: ما رواه الجمهور عن مالك بن
الحويرث لما وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى فاستوى قاعدا قام واعتمد على
الأرض بيديه رواه النسائي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام يضع يديه قبل ركبتيه
إذا سجد وإذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه ولان ذلك أشبه بالتواضع وأعوذ للمصلي احتج المخالف بما رواه أبو هريرة قال كان رسول
الله صلى الله عليه وآله ينهض في صلاته متعمدا على صدور قدميه وما رواه ابن عمران أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا
نهض في الصلاة وما رواه الأثرم عن علي عليه السلام أنه قال من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين ألا يعتمد
بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يستطيع والجواب عن الأول: ما تقدم من بيان ضعف أبي هريرة وأيضا بأن الرواية
لخالد بن الياس قال أحمد ترك الناس حديثه وأيضا فإن خبرنا قد اشتمل على الزيادة فيكون أولى وعن الثاني أنه غير مضبوط لان أحمد
رواه بهذا اللفظ أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يديه ورواه أبو خزيمة بلفظ آخر وهو أن يعتمد الرجل
على اليسرى وذلك يدل على عدم الضبط وتطرق الخلل في هذه الرواية وعن الثالث: أنه مدفوع عند أهل البيت عليهم السلام وهم كانوا أعرف
بأقوال أمير المؤمنين عليه السلام وأفعاله. فروع: [الأول] أجمع كل من يحفظ عنه العلم أن هذه الكيفية مستحبة يجوز فعل خلافها.
[الثاني] يجوز لمن في يده مانع أن يعتمد على ركبتيه ولا يكون قد فعل مكروها للضرورة بلا خلاف. [الثالث] يستحب أن يبسط
كفيه على الأرض ولا يضمها لما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا سجد الرجل ثم أراد أن ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض
ولكن يبسط كفه من غير أن يضع مقعدته على الأرض. [الرابع] يستحب له أن يقول إن أقام بحول الله وقوته أقوم واقعد سواء قام في الثانية
أو الثالثة أو الرابعة على ما يأتي. * مسألة: لو أراد السجود فقط من غير قصد أجزته الإرادة السابقة ولو لم يسبق له الإرادة
فالأقرب الاجزاء أيضا لأنه لم يخرج بذلك عن هيئة الصلاة وبينها (ينتها) أما لو وقع على جنبه ثم انقلب فماست جبهته الأرض ففي الاجزاء تردد ينشأ
291

من خروجه بذلك عن هيئة الصلاة ولم يرد بانقلابه السجود وإنما أراد الانقلاب فقطع بذلك عنه السجود فصار كما لو نوى نقل يده التبرد لا غير ولو
نوى ترك السجود فسقط لا للسجود لم يجزيه لعدم النية والأقرب البطلان لو وجب ما ينافي الصلاة أما لو أهوى يريد السجود أو كان على إرادته
لم يحدث إرادة أخرى غير السجود ثم استوى أجزأه ما لم يتطاول هذا الانقلاب.
[البحث السابع] في التشهد، التشهد
تفعل من الشهادة وهي الخبر القاطع وهو واجب في كل ثنائية مرة وفي كل ثلاثية ورباعية مرتين وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام وبه قال
أحمد والليث بن سعد وإسحاق وقال الشافعي الأولى سنة والثاني فرض وقال أبو حنيفة: كلاهما مسنونان لكن الجلوس في التشهد الثاني بقدره
واجب. لنا: على وجوب الأول، ما رواه الجمهور عن ابن غياث أن النبي صلى الله عليه وآله أمره بالتشهدين والامر للوجوب ولان النبي صلى الله عليه وآله
داوم على فعله وقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " ومتابعته واجبة في أقواله وأفعاله وعن ابن مسعود قال علمني رسول الله صلى الله عليه وآله
التشهد في وسط الصلاة وآخرها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سودة بن كليب قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن أدنى ما يجزي من التشهد
قال: الشهادتان والاجزاء يفهم منه الوجوب وقال أحمد بن محمد بن أبي نصر في جامعه والتشهد تشهدان في الثانية والرابعة فأما الذي في الثانية
فما ذكره معاوية بن عمار عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام وما رواه الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام لما علمه الصلاة
فصلي ركعتين على هذا ويداه مضمومتا الأصابع وهو جالس في التشهد فلما فرغ من التشهد سلم فقال: يا حماد هكذا صل والامر
للوجوب وعن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التشهدان في كتاب علي شفع ولأنه أحد التشهدين فكان واجبا كالآخر احتج
الشافعي بأنه يسقط بالسهو فكان كالمندوبات والجواب: المنع من السقوط فإنه يجب قضاؤه عندنا على ما يأتي ولو سلم لم يدل على عدم
الوجوب ليستبان تسبيح الركوع مثلا مع وجوبه عندنا ولو سلم لكن متى يكون عدم القضاء دليلا على عدم الوجوب إذا سقط لا إلى بدل أو
مع البدل الأول مسلم ونحن لا نقول به والثاني: ممنوع والبدل عندنا هو سجدتا السهو فكان ذلك خبرا كخبر آيات الحج بخلاف السنن وأما وجوب
التشهد الثاني فيدل عليه ما تقدم من مداومته عليه السلام وأمره به وتعليمه الصحابة إياه وما رواه الأصحاب وبالإجماع المركب. * مسألة:
وصورة التشهد الواجب اشهد أن إلا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وما زاد عليه فهو مندوب لرواية سؤدة بن كليب عن الباقر عليه السلام
وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام التشهد في الصلاة قال مرتين قلت وكيف مرتين؟ قال: إذا استويت جالسا
فقل أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف، قال قلت فقول العبد التحيات لله والصلاة الطيبات؟ قال:
هذا اللطف من الدعاء بلطف العبد ربه وفي رواية عبد الملك بن عمر الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التشهد في الركعتين الأولتين اشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وفي رواية أبي نصر عنه عليه السلام أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن
محمدا رسوله والأصل في ذلك كلا وجوب الشهادتين لا يقال قد روى الشيخ عن زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام فما يجزي من القول في
التشهد في الركعتين الأوليين؟ قال: أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قلت فما يجزي من تشهد الركعتين الأخيرتين؟ فقال:
الشهادتان وذلك يدل على الاكتفاء بالشهادة الواحدة في التشهد الأولى وقد روى عن حبيب الخثعمي عن أبي جعفر عليه السلام يقول: إذا جلس
الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه وعن بكر بن حبيب قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن التشهد، فقال: لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا إنما
كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون إذا حمدت الله أجزأ عنك وذلك يدل على أن الشهادتين غير واجبين بل مطلق الذكر مجز لأنا نقول أن الرواية
الأولى دلت عليه هذا المقدار وليست مانعة من وجوب الزيادة فيعمل بما يتضمنه حديث الزيادة فإن قلت إن الاجزاء لا يستعمل إلا مع نفي وجوب
الزائد قلت لو كان هذا المعنى مرادا هنا لوجب الاجتزاء بالشهادة الواحدة في الأخير أيضا لما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك التشهد الذي في الثانية يجزي أن أقول في الرابعة قال: نعم لكن الثاني باطل لقوله قلت فيما
يجزي من تشهد الركعتين الأخيرتين فقال: الشهادتان والحديث الثاني إذا احتج (صح) سنده محمول على حمد مضاف إلى الشهادتين لأنه كاف عنها وكذا
الحديث الأخير. فروع: [الأول] التحيات ليست واجبة في واحد من التشهدين ذهب إليه علماؤنا أجمع وأوجبها الشافعي وأحمد.
لنا: الأصل عدم الوجوب ولان الواجب هو التشهد وليس هذا المعنى موجودا في التحيات ويؤيده ما تقدم من الروايات من طرقنا الدالة على
الاكتفاء بالشهادتين احتجوا بما رواه ابن مسعود قال علمني رسول الله صلى الله عليه وآله التشهد فقال: التحيات
الخ والجواب: أن هذه
رواية فيما يعم به البلوى فكيف يخص النبي صلى الله عليه وآله ابن مسعود بتكلم تكليف عام نعم إذا كان ندبا جاز أن يفتقر النبي صلى الله عليه وآله
في إبلاغه بطريق الواحد. [الثاني] تقديم التسليم على التشهد مبطل للصلاة وعليه فتوى علمائنا وقال الشافعي وأحمد المجزي من التشهد
أن تقول التحيات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هذا هو القدر الواجب واختلفوا في الأفضل فقال أحمد وإسحاق أفضله ما رواه عبد الله بن مسعود
292

علمني رسول الله صلى الله عليه وآله التشهد كما علمني السورة التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله وقال مالك أفضله تشهد عمر بن الخطاب التحيات
لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد أن لا إله إلا الله
واشهد أن محمدا عبده ورسوله وقال الشافعي أفضله ما روي عن ابن غياث قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعلمني التشهد كما يعلمني السورة
من القرآن فيقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلم عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلم علينا وعلى عباد الله الصالحين
اشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله. لنا: ان التسليم خروج من الصلاة لقوله عليه السلام وتحليلها التسليم ويلزمه منه خروج الشهادتين
عن الصلاة لوقوعهما بعد التسليم لا يقال المخرج من الصلاة السلام عليكم لأنا نقول إطلاق التسليم يتناول فعل السلام فيختص ما ذكرتم
بالمراد به الحكم ولان قوله علينا وعلى عباد الله الصالحين يتناول الحاضرين وغيرهم من الصلحاء وقوله السلام عليكم يختص بالحاضرين فلو كان
المخرج هو السلام على الحاضرين فمع غيرهم أولى ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام ويقول السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة وما رواه في الصحيح عن الحلبي قال قال أبو عبد الله عليه السلام كلما ذكرت الله
عز وجل به والنبي صلى الله عليه وآله فهو من الصلاة فإذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرف وعن ميسر عن أبي جعفر عليه السلام
قال: شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم قول الرجل تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وإنما هو شئ قالته الجن بجهالة فحكى الله عنهم
وقوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولا ريب في أنه ليس المطلوب اسقاط هذا بالكلية بل مقدمة على التشهد وذلك يدل على ما
أردناه احتجوا بالروايات المتقدمة والجواب أما حديث عمر فضعيف لأنه لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأكثر أهل العلم من الصحابة على خلافه
وحديث ابن عباس ضعيف أيضا لانفراده بروايته واختلاف لفظه وحديث ابن مسعود قد بينا ضعفه. [الثالث] لو قال أشهد أن لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله أجزأه وكذا اشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسوله أو عبده ورسوله أو قال اشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمدا عبده ورسوله
من غير " واو " وعلى تردد ولو قال اشهد أن محمدا رسول الله أشهد ألا إله إلا الله فالأقرب عنهم (عندي) الاجزاء على إشكال وكذا اشهد أن محمدا عبده ورسوله
واشهد ألا إله إلا الله بغير " واو ". [الرابع] لو أتى عوض الشهادة بما يساويها في المعنى أو يقارنها فيقول اعلم أو أخبر عن علم أو أتيقن وما
شابهه لم يجزيه لأنها أذكار يتعين فيها المنقول ولان الواجب التشهد وهو مأخوذ من لفظ الشهادة لا من المعنى وكذا لو قال اشهد أن لا إله
إلا الله واحد وأن الرسول محمد. * مسألة: ويجب فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله عقيب الشهادتين ذهب إليه علماؤنا أجمع في التشهد
الأول والثاني وقال الشيخ في الخلاف: من ركن فيهما وبه قال أحمد وقال الشافعي: هي مستحبة في التشهد الأول وفرض في الأخير وقال أبو حنيفة:
هي مستحبة في الموضعين وبه قال مالك. لنا: قوله: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) والامر للوجوب ولا يجب خارج الصلاة بالاجماع فيتناول
صورة النزاع قطعا لا يقال أن الكرخي أوجبها في العمر مرة والطحاوي أوجبها كلما ذكر فلا يتحقق الاجماع لأنا نقول يحتمل سبقها فلا عبرة بتحريمها وما
رواه الجمهور عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا يقبل الله الصلاة إلا لطهور وبالصلاة علي وعن فضال بن عبيد
سمع رسول الله صلى الله عليه وآله رجلا يدعو في صلاته لم يمجد ربه ولم يصل على النبي صلى الله عليه وآله فقال النبي صلى الله عليه وآله عجل هذا ثم دعاه النبي
صلى الله عليه وآله فقال: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وآله ثم ليدعو بعده بما شاء وظاهر الامر الوجوب
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام فقال: من تمام الصوم إعطاء الزكاة كالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله من تمام الصلاة
ومن صام ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا ومن صلى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وآله فترك ذلك متعمدا فلا صلاة له ان الله بدأ بها
قبل الصلاة فقال: (قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى) ولان الصلاة عبادة شرط فيها ذكر الله تعالى فشرط فيها ذكر النبي صلى الله عليه وآله كالأذان
احتجوا بما رواه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله علمه التشهد ثم قال: إذا قلت هذا فقد تمت صلاتك ولان الوجوب شرعي فيقف عليه ولم
يثبت. والجواب عن الأول: أن هذه الزيادة من كلام ابن مسعود قاله الدارقطني ولأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الصلاة على النبي صلى
الله عليه وآله وأيضا فيحتمل أنه أراد فقد قارب التمام كما في قوله عليه السلام من عرف بعرفة فقد تم حجه أي قارب التمام وعن الثاني: بالمنع من عدم
ورود الشرع بعد ما تلوناه من القرآن والأحاديث. * مسألة: الصلاة على آله عليهم السلام واجبة في التشهد الأول والثاني ذهب إليه
علماؤنا أجمع وهو مذهب بعض الشافعية وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى أنها مستحبة وبه قال الشافعي وأبو حنيفة. لنا: ما رواه كعب
الأحبار قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في الصلاة: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد
مجيد فيجب متابعته لقوله عليه السلام " صلوا كما رأيتموني أصلي " وعن جابر عن أبي جعفر عن ابن مسعود الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: من صلى صلاة ولم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الحلبي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اسمي
293

الأئمة في الصلاة؟ قال: اعملهم والامر للوجوب ولا يجب إلا في الموضع المتنازع فيه بالاجمال وعن عبد الملك بن عمر الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: التشهد في الركعتين الأولتين الحمد لله اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل
شفاعته في أمته وارفع درجته. فروع: [الأول] المجزي من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله أن يقول " اللهم صل على محمد
وآل محمد " وما زاد فهو مستحب بلا خلاف. [الثاني] لو لم يحسن التشهد والصلاتين وجب عليه التعليم ولو ضاق الوقت أو عجز أتى بالممكن
ولو لم يقدر سقط عنه. [الثالث] الترتيب واجب يبدأ بالشهادة بالتوحيد ثم بالرسالة ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ثم بالصلاة على آله ولو عكس
لم يجزيه خلافا للشافعي. لنا: أنه تعبد شرعي فيقف على المنقول احتج الشافعي بأن المعنى حاصل ولأنه ذكر من غير جنس المعجز ولا يجب فيه الترتيب
بالخطبة. والجواب عن الأول: بالمنع من الاكتفاء بالمعنى كيف كان وعن الثاني: بالمنع من المساواة لأنه ذكر بتعين اللفظ بخلاف الخطبة. * مسألة:
ويجب فيه الجلوس بقدر الشهادتين والصلاة على النبي وآله عليهم السلام ذهب إليه عماؤنا أجمع في التشهد الأول والثاني وهو قول كل من أوجب
التشهد لان النبي صلى الله عليه وآله فعله والصحابة والتابعون وذلك يدل على الوجوب لقوله (ع): " صلوا كما رأيتموني أصلي " ولأنه فعله بيانا للواجب فكان واجبا
وإنما تقدر بقدر الشهادتين والصلاتين لان الواجب فعلها جالسا إذ لا يجوز الانصراف قبله ولا القيام عمدا قبل الاكمال. * مسألة:
ويستحب التورك في التشهدين وعليه فتوى علمائنا وبه قال مالك وقال أحمد يجلس مفترشا في الحالين وقال الشافعي يجلس في الأول مفترشا
وفي الثاني: متوركا أما ما رواه الجمهور عن ابن مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجلس وسط الصلاة وآخرها متوركا وعن ابن
الزبير قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه وفرش قدميه اليمنى واللفظ مطلق ويجزى عليه ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: فإذا قعدت في تشهدك فالصق الركبتين بالأرض وفرج بينهما شيئا ولكن ظاهر
قدمك اليسرى على الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى وأليتاك على الأرض وطرف إبهامك اليمنى على الأرض وإياك والقعود
على قدميك فتتأذى ذلك ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصير للتشهد والدعاء احتج الشافعي بما رواه أبو حميد
أن النبي صلى الله عليه وآله جلس تعين في التشهد فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على القبلة والجواب: أنه لا يدل على المداومة فلعله فعله مرة
بخلاف حديثنا لان قوله كان يفعل كذا إنما يستعمل في المداومة أو الأكثرية. * مسألة: ويستحب أن يضع يده على فخذيه مبسوطة الأصابع
مضمومة ذهب إليه علماؤنا وقال أحمد كما قلنا في اليسرى وكذا في اليمنى إلا أنه يعقد الخنصر والبنصر وقال الشافعي في الامام يقبض أصابع
يده اليمنى إلا المسبحة وقال في الاملاء يقبض أصابعه الثالث الخنصر والبنصر والوسطى ويبسط المسبحة والابهام وقال أيضا يقبض الخنصر و
البنصر ويجعل الوسطى مع الايهام خلفه ويشير بالمسبحة متشهدا. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا قعد
يدعو ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بإصبعه والعطف يقتضي التسوية ولان ما ذكرناه أبلغ في الخضوع
فيكون أولى. * مسألة: أكمل التشهد ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا جلست في الركعة الثانية فقل " بسم الله
وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا
بين يدي الساعة واشهد أن ربي نعم الرب وأن محمدا نعم الرسول اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته " ثم تحمد الله
مرتين أو ثلاثا ثم تقوم فإذا جلست في الرابعة قلت " بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد
أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة واشهد أنك نعم الرب وأن محمدا نعم الرسول التحيات لله والصلوات الطاهرات
الطيبات الزاكيات العاديات الرائحات السابغات الناعمات لله ما طاب وزكا وخلص (طهر) وصفا فلله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
واشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة أشهد أن الله ربي نعم الرب وأن محمدا نعم الرسول وأشهد أن الساعة
آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا لله الحمد لله رب العالمين اللهم
صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وسلم على محمد وآل محمد وترحم على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم
إنك حميد مجيد اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك
رؤوف رحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وامنن علي بالجنة وعافني من النار اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر للمؤمنين والمؤمنات
ولمن دخل بيتي مؤمنا ولا تزد الظالمين إلا تبارا ثم قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على
أنبياء الله ورسوله السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقربين السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين ثم تسلم. * مسألة: ويجوز الدعاء في التشهد مطلقا سواء كان للدين أو الدنيا ما لم يكن المطلوب محرما وسواء
ورد به الشرع أو لم يرد وقال أبو حنيفة: ويجوز بما ورد به الشرع أو لم يرد وقال أبو حنيفة: يجوز بما ورد به الشرع لا غير وقال أحمد: يجوز
294

أيضا بما تقرب من الله دون ما يقصد به الدنيا. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لابن مسعود: ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبته
وفي حديث مسلم بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله ثم ليتخير من بعد من المسألة ما شاء وما أحب وفي حديث أبي هريرة إذا تشهد أحدكم؟ فليتعوذ؟
من أربع ثم يدعو لنفسه ما بدا له ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن بكر بن حبيب قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أي شئ أقول في التشهد
والقنوت؟ قال: يا حسن ما علمت فإنه لو كان موقتا لهلك الناس وفي الصحيح عن معاوية بن عمار قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجلان افتتحت
الصلاة في ساعة واحدة فتلاوة هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه ودعاء هذا وكان دعائه أكثر من تلاوته أيهما أفضل؟ قال: كل
فيه فضل (، كل حسن) قلت (إني قد) علمت أن كلا حسن فقال الدعاء أفضل أما سمعت قول الله عز وجل: (ادعوني أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون
جهنم داخرين) هي والله العبادة هي والله أفضل. * مسألة: ويستحب للامام أن يسمع من خلفه الشهادتين وقال أحمد السنة اخفاؤه. لنا: أن في ذلك
إعلانا بالاعتراف بالتوحيد والرسالة فكان مسنونا كالقراءة ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي
للامام أن يسمع من خلفه كلما يقول ولا ينبغي لمن خلف الامام أن سمعه شيئا مما يقول وفي الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي للامام أن يسمع من خلفه التشهد لا يسمعونه شيئا وليس ذلك على الوجوب لما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال سئل أبو الحسن الماضي
عليه السلام عن الرجل هل يصلح له أن يجهر بالتشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت؟ قال: إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر احتج أحمد بأن النبي
صلى الله عليه وآله لم يكن يجهر به والجواب: لا نسلم ذلك فإن استند إلى رواية قلنا رواية النفي غيره مقبولة لأنه إخبار عن السماع وليس عدم
السماع مستلزما عدم المسموع ولو سلم فجاز أن يكون ذلك في وقت لأنه لا يجب المداومة عليه. * مسألة: وإذا قام إلى الثانية قال بحول
الله وقوته أقوم وأقعد ولا يحتاج إلى تكبير وقال المفيد يقوم بالتكبير والأول اختيار الشيخ. لنا: أن التكبير منحصر في خمس وتسعين تكبيرة خمس
للافتتاح وخمس للقنوت والباقي للركوع والسجود فلو قام إلى الثالثة بالتكبير لزاد أربعا أما المفيد رحمه الله فإنه أسقط تكبيرات القنوت من البين
فصار التكبير أربعا وتسعين والذي يدل على العدد الذي ذكرناه ما رواه الشيخ في الحسن عن معاوية بن معار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: التكبير في صلاة الفرض في الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة منها القنوت خمس وفي الصحيح عن الصباح المزني قال قال أمير المؤمنين عليه السلام قال:
خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات منها تكبير القنوت وما رواه الحسن عن عبد الله بن المغيرة وفسر التكبيرات الظهر أحد وعشرون
تكبيرة وفي العصر أحد وعشرون تكبيرة وفي المغرب ستة عشر تكبيرة وفي العشاء الآخرة أحد وعشرون وفي الفجر أحد عشر تكبيرة وخمس تكبيرات
في القنوت خمس صلوات واعتبار أحد عشر تكبيرة في الفجر مضافة إلى تكبيرة القنوت يدل على ما قلناه وإلا كان الواجب الاقتصار على
أحد عشر تكبيرة لا غير ويدل أيضا على أن القيام بحول الله وقوته أقوم واقعد ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا جلست
في الركعتين الأوليين تشهدت ثم قمت قال بحول الله وقوته أقوم وأقعد وفي الصحيح عن رفاعة بن موسى قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
إذا نهض من الركعتين الأوليين قال بحولك وقوتك أقوم وأقعد ولان ما ذكرناه يقتضي لا يخلو الأفعال في الصلاة عن ذكر ثم إن
يطالب الشيخ المفيد رحمه الله بالدلالة قال الشيخ وكان شيخنا قديما يفتي بمضمون هذه الرواية ثم عزله في آخر عمره ترك العمل بها والعمل على رفع اليدين
بغير تكبير قال ولست أعرف به حديثا أصلا.
[البحث الثامن] في التسليم، * مسألة: اختلف أصحابنا في وجوبه في الصلاة فقال
علم الهدى وابن أبي عقيل وأبو الصلاح: أنه واجب يبطل الصلاة بالاخلال به عمدا لا سهوا وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وقال الشيخين:
هو مسنون في الصلاة وقال أبو حنيفة: ليس التسليم من الصلاة ولا يتعين الخروج به منها بل الخروج من الصلاة بكل ما ينافيها سواء كان
من فعل المصلي كالتسليم والحدث إذ ليس من فعله كطلوع الشمس أو وجود الماء للمتيمم المتمكن من الاستعمال والأقرب عندي الوجوب. لنا:
قوله تعالى: (وسلموا تسليما) والامر للوجوب ولا يجب في غير الصلاة بالاجماع فيجب فيها قطعا وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم أضاف المصدر إلى الصلاة فيفيد العموم ويلزم منه انحصار في التسليم و
لان التسليم وقع جزءا عن التحليل فيكون مساويا له أو أعم لاستحالة الاخبار بالأخص عن الأعم ولان النحويين اتفقوا على أن الخبر إذا كان
مفردا كان هو المبتدأ على معنى أن ما صدق عليه أنه تحليل الصلاة صدق عليه التسليم ولان النبي صلى الله عليه وآله كان يداوم على فعله وقال
صلوا كما رأيتموني أصلي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ وابن بابويه وعلم الهدى عن أمير المؤمنين عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم وقد مضى وجه الاستدلال به لا يقال هذا خبر مرسل من طرقكم فلا يعمل به
لأنا نقول لا نسلم أنه مرسل فإن الأمة قطعته بالقبول ونقله الخاص والعام ومثل هذا الحديث البالغ في الشهرة قد تحيف رواته اعتماد (قد يجبر روايته الاعتماد) على
شهرته على أن الشيخ محمد بن يعقوب الكليني رواه مسندا عن علي بن محمد بن عبد الله عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري عن القداح
عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الحديث إلا أنه قال مفتاح الصلاة الوضوء ولم سلم فهؤلاء الثلاثة هم العمدة
في ضبط الأحاديث ولولا علمهم بصحته لما أرسلوه وحكموا بأنه من قوله (ع) على أن هذا المنع لا يسمع من أبي حنيفة فإنه يعمل بالمرسل
وبما رواه الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام لما علمه الصلاة وسلم ثم قال يا حماد هكذا صل والامر للوجوب ولان
295

الخروج من الصلاة واجب كالدخول فيها والحديث مناف لها فلا يجب فعله فيها ولأنه يلزم أحد محذورين على قول أبي حنيفة أما إبطال
قوله أو وقوع الحدث في الصلاة لأنه قبل الحدث أما أن يخرج من الصلاة أو لا يلزم من (على) الأول الخروج لا بما ينافيها وهو خلاف مذهبه
ومن الثاني وقوع الحدث في الصلاة إن أحدث ولأنه لو خرج من الصلاة بالصلاة على النبي صلى الله عليهم السلام لما بطلت صلاة
المتيمم في السفر ومن زاد خامسة عمدا أو سهوا لأنها لا يفتقر إلى ما يخرج به من الصلاة ولأنه في أحد طرفي الصلاة كان واجبا كالتكبير احتجوا
بما رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله لما علمه التشهد ثم قال إذا قلت هذا فقد مضت صلاتك ولأنه عليه السلام لم يعلمه الأعرابي ولما رواه
الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم؟ قال: تمت صلاتك ولو كان التسليم واجبا
لوجبت عليه الإعادة ولان الأصل عدم الوجوب. والجواب عن الأول: أن قوله فإذا قلت هذا فقد مضت صلاتك من كلام ابن مسعود وعن
الثاني: أن الأعرابي كان يعرف التسليم فلهذا لم يذكره له أو كان ذلك قبل إيجاب التسليم وعن الثالث: بأن في طريقها أبان بن عثمان وهو واقفي
لا تعويل على روايته ويعارضها ما تقدم وبما رواه أبو بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في رجل صلى الصبح فلما جلس في الركعتين
قبل أن يتشهد رعف قال فليخرج فليغسل أنفه ثم ليرجع فليتم صلاته فإن أخر الصلاة والتسليم وعن الرابع: أنه معارض بالاحتياط. * مسألة:
وله عبارتان إحديهما: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، والأخرى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والعبارة الأولى لنا خاصة
لا يعرفها الجمهور في التسليم ومن أصحابنا من أوجب العبارة الثانية ذهب إليه علم الهدى وأبو الصلاح لنا: قوله عليه السلام: وتحليلها التسليم
وهو يقع على كل واحد منهما وكذا قوله عليه السلام آخر الصلاة التسليم وما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت إماما فإنما التسليم
أن تسلم على النبي صلى الله عليه وآله وتقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن القوم وأنت
مستقبل القبلة فنقول السلام عليكم ورواه الشيخ في الموثق عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام وعن أبي كهمش عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سألته عن الركعتين الأوليين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت وأنت جالس السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته انصراف
هو قال لا ولكن إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف وأما العبارة الثانية فقد وقع الاتفاق عليها
لما رواه وائل بن حجر قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر قال رأيت اخوتي موسى وإسحاق ومحمد بن جعفر يسلمون في الصلاة عن اليمين و
الشمال السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله. * مسألة: وبأيهما بدأ كان الآخر مستحبا وكان الخروج بالأول
لقوله عليه السلام وتحليلها التسليم وذلك يتناول كل واحد منهما فيحصل التحليل والخروج من الصلاة به ولا نعرف خلافا في أنه لا يجب
عليه الاتيان بهما إنما النزاع في وجوب تعيين عبارة الأخير وقد سلف جواز الاكتفاء بالعبارة الأولى لا يقال حجتكم فعل النبي صلى الله عليه وآله
وإنما هو يسلم بالعبارة الثانية ولان الاجماع واقع على أن الخروج منحصر في العبارة الثانية أو فعل المنافي والعبارة الأولى ليست
أحدهما لأنا نقول إنا احتججنا لفعل النبي صلى الله عليه وآله على وجوب التسليم وجواز العبارة الأولى مستفاد من الأحاديث المنقولة
عن أهل البيت عليهم السلام ومن قوله وتحليلها التسليم وهو يصدق على العبارة الأولى والاجماع ممنوع فإن النصوص عن أهل البيت
عليهم السلام يدل على فساد هذه الدعوى وقد صرح الشيخ في التهذيب فقال من قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين في التشهد فقد انقطعت
صلاته فإن قال بعد ذلك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جاز. فروع: [الأول] لا يخرج عن الصلاة بقوله السلام عليك
يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولا نعرف فيه خلافا من القائلين بوجوبه لان المنقول هو الصورتان المذكورتان ويؤيده رواية
أبي كهمش وقد تقدمت وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال قال أبو عبد الله عليه السلام كلما ذكرت الله عز وجل به والنبي صلى الله عليه وآله
فهو من الصلاة فإن قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت. [الثاني] إن سلم بالعبارة الأولى وجب أن
يأتي بها على صورتها وهو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فلو عكس فقال السلام على عباد الله الصالحين وعلينا أو قال السلام
علينا وعلى عباد الله المخلصين أو العابدين لم يجز لأنها منقولة عن الرسول صلى الله عليه وآله فلا يجوز التعدي عنها وكذا لو أتى بالترجمة
ثم إن أتى بغير المجزي متعمدا بطلت صلاته لأنه كلام في الصلاة غير مشروع وإن بدأ بالعبارة الثانية ثم أتى بالعبارة الأولى جاز
له أن يأتي بأي صيغة أراد وعلى أي كيفية أوجدها صح لأنه يكون قد خرج من الصلاة. [الثالث] لو سلم بقوله السلام عليكم
ورحمة الله جاز وإن لم يقل وبركاته بلا خلاف أن يقتصر على قوله السلام عليكم الأقرب عندي الجواز وبه قال ابن بابويه وابن
أبي عقيل وابن الجنيد وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو الصلاح الفرض أن يقول السلام عليكم السلام عليكم ومن طريق الخاصة
ما رواه البزنطي في جامعه عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن تسليم الامام وهو مستقبل القبلة قال يقول
296

السلام عليكم وما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تؤذن القوم وأنت تستقبل القبلة فتقول السلام
عليكم وكذا إذا كنت وحدك ولان ذكر الرحمة
تكرير للثناء فلم يجب كقوله وبركاته. [الرابع] لو قال سلم عليكم منكرا منونا فإن أتى به بعد قوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أجزأه لأنه
يكون آتيا به خارج الصلاة ولو أتى به مبتدئا ناويا به الخروج ففي الاجزاء تردد ينشأ من وقوع اسم التسليم عليه وكونه من تحية القرآن ورد بصورتها
فتكون مجزية وهو قول الشافعي ومن كونه غير المنقول وفيه إخلال بلام الاستغراق فتغير المعنى. [الخامس] لو نكس فقال عليكم السلام لم يجزيه
خلافا للشافعي لأنه خلاف المنقول وخلاف تحية القرآن والاقتصار على المنقول ومنطوق القرآن نبأ على اليقين فيقتصر عليه وما رواه الجمهور
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأبي نهمة لا تقل عليكم السلام فإن قولك عليك السلام تحية الموتى رواه أحمد ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ عن عثمان بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يسلم عليه في الصلاة قال يرد يقول سلام عليكم ولا يقول وعليكم السلام
فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قائما يصلي فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه فرد عليه النبي صلى الله عليه وآله هكذا وإذا كان الاتيان بهذه
الصيغة منهيا عنه في الصلاة على سبيل الرد فكذا في التسليم لأنه قبله لم يخرج عن الصلاة والرد كالابتداء احتج الشافعي بأن المقصود المعنى وهو تحصيل
مع العكس والجواب: المنع من كون المعنى كل المراد. [السادس] المستحب أن لا يطول السلام ولا يمده قال عليه السلام حذف السلام سنة لأي لا يمده
ولا يطوله. * مسألة: والمرة الواحدة مجزية للامام والمأموم والمنفرد وعن أحمد رواية أن الثانية واجبة أيضا. لنا: ما رواه الجمهور
عن عائشة وسلمة بن الأكوع وسهل بن سعد رووا أن النبي صلى الله عليه وآله كان يسلم تسليمة واحدة وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم ومعمر بن يحيى وإسماعيل بن أبي جعفر عليه السلام قال: يسلم تسليمة واحدة إماما كان أو غيره ولان التسليم
مخرج من الصلاة لقوله عليه السلام تحليلها التسليم فلم يجب عليه شئ آخر فيها احتج أحمد بأن النبي صلى الله عليه وآله سلم تسليمتين والجواب لا ريب في جواز
تذنيبه ففعله المرتين دليل الرجحان واقتصاره على المرة دليل عدم المنع من النقيض. * مسألة: ويستحب للمنفرد أن يسلم تسليمة إلى القبلة
ويؤمي بمؤخر عينيه إلى يمينه والامام بصفحة وجهه والمأمور يسلم تسليمتين بوجهه يمينا وشمالا إن كان على يساره غيره وإن لم يكن اقتصر بالتسليم على يمينه
وممن قال إن الامام يسلم تسليمة واحدة ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز والمالك والأوزاعي ونقل
الجمهور عن علي عليه السلام أنه يستحب للامام أن يسلم تسليمتين عن يمينه وشماله وكذا عن عمار وابن مسعود وبه قال عطا والشعبي والثوري وإسحاق وابن المنذر
وأحمد وأصحاب الرأي. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه وعن سلمة بن الأكوع قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله صلى فسلم مرة واحدة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الحميد بن غواص عن أبي عبد الله عليه السلام
قال إن كنت تؤم قوما أجزاك تسليمة واحدة عن يمينك وإن كنت مع إمام فتسليمتين وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة وفي الصحيح عن منصور
قال قال أبو عبد الله عليه السلام الامام يسلم واحدة ومن وراءه يسلم اثنتين وإن لم يكن عن شماله أحد سلم واحدة وعن عتبة بن مصعب قال سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن رجل يقوم في الصف خلف إمام وليس على يساره أحد كيف يسلم قال تسليمه عن يمينه اما الإشارة بمؤخر العين فشئ ذكره الشيخ
في النهاية وقال في المبسوط الامام والمنفرد يسلمان تجاه القبلة ويؤيده ما ذكره في النهاية ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر في جامعه عن أبي بصير
قال قال أبو عبد الله عليه السلام إذا كنت وحدك عن يمينك ويؤيده ما ذكره في المبسوط رواية عبد الحميد والكل جائز وإنما البحث في الأولوية. * مسألة:
التسليمة الأولى من الصلاة قال علم الهدى في المسائل الطرابلسية: لم أجد لأصحابنا فيه نصا ويقوى عندي أنها من الصلاة وبه قال الشافعي خلافا
لأبي حنيفة. لنا: ان ذكره شرع في محل من الصلاة يجوز أن يرد عليه ما يفسد الصلاة فكان منها كالتشهد ويؤيده ما تقدم في رواية أبي نصر عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: آخر الصلاة التسليم احتج أبو حنيفة بقوله عليه السلام ان صلواتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير و
قراءة القرآن ولان السلام ينافيها فلم يكن منها كالكلام والجواب أن الخبر محمول على ما لم يشرع بها وبهذا فارق الكلام. * مسألة: وهل
يجب عليه أن ينوي بالتسليم الخروج من الصلاة؟ لم أجد لأصحابنا فيه نصا والأقرب أنه لا تجب لأنه ذكر من الصلاة فلم يفتقر إلى نية بإنفراده كأجزائها
ويؤيده قوله عليه السلام فإذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت ولم يشترط نية الخروج. فروع: [الأول] لو نوى
بالتسليم الخروج من الصلاة كان أولى لأنه وضع له فشرعت له نيته. [الثاني] لو نوى مع ذلك الرد على الملكين وعلى من خلفه إن كان إماما
أو على ما معه إن كان مأموما فلا بأس خلافا لقوم من الجمهور. لنا: ان القصد هو الخروج والتسليم على الصالحين لا ينافيه وما رواه الجمهور عن
جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله رواه مسلم. [الثالث] قال الشيخ
في المبسوط ينبغي أن ينوى التسليم الأول الخروج من الصلاة وبالثاني التسليم على الملائكة أو على من في يساره روى ابن بابويه في كتابه أن رجلا سأل
أمير المؤمنين عليه السلام ما معنى قول الإمام السلام عليكم؟ قال: إن الامام ترجم عن الله عز وجل ويقول في ترجمته لأهل الجماعة أمان لكم من
عذاب يوم القيامة. [الرابع] روى الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التسليم ما هو؟ فقال: هو أذن
297

[الفصل الثاني] في أفعال المندوبة وفيه مباحث {الأول} يستحب له إذا مشى إلى الصلاة أن يكون خاضعا خاشعا بخوف ووجل
وعليه السكينة والوقار قال الله تعالى: (والذين هم في صلاتهم خاشعون) وقال: (انها لكبيرة إلا على الخاشعين) ويستحب له أن يقول إذا قام إلى الصلاة ما
رواه الشيخ في الصحيح عن أبان ومعاوية بن وهب جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قمت إلى الصلاة فقل اللهم إني أقدم إليك محمدا بين يدي حاجتي وأتوجه
به إليك فاجعلني به وجيها عندك في الدنيا والآخرة ومن المقربين اجعل صلاتي به متقبلة وذنبي به مغفورا ودعائي به مستجابا إنك أنت
الغفور الرحيم ويستحب له أن يتوجه بسبع تكبيرات إحديها تكبيرة الاحرام بينها ثلاثة أدعية ويستحب له الاستكانة والخشوع في صلاته بما رواه الشيخ
في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا قام في الصلاة تغير لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى
يرتفع يرفض عرقا وإن أتى بالصلاة على الوجه الأكمل غير مستعجل ولكن على سكون ووقار وروى الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس في المسجد إذا دخل رجل فقام فصلى فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال صلى الله عليه وآله: نقر كنفر الغراب
لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني وفي الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قام العبد من الصلاة فخفف صلاته
قال الله تعالى لملائكته ما ترون إلى عبدي كأنه يرى أن قضاء حوائجه بيدي غيري وما علم أن قضاء حوائجه بيدي ويستحب إيقاعها في المسجد جماعة لما رواه الشيخ في الموثق عن طلحة بن
زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: لا صلاة لمن يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغا صحيحا وعن ابن أبي يعفور عن
عبد الله عليه السلام قال هم رسول الله صلى الله عليه وآله بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلون الجماعة فأتاه رجل أعمى فقال يا رسول
الله إني ضرير البصر وربما اسمع النداء ولا أجد من يقودني إلى الجماعة والصلاة معك فقال له النبي صلى الله عليه وآله: شد من منزلك إلى المسجد حبلا واحضر الجماعة و
لأنها مواطن العبادة ومواضع الاستجابة فكان إيقاع الصلاة فيها أولى ويستحب إيقاعها في أول الوقت قال عليه أول الوقت رضوان أو آخره
عفو الله والعفو لا يكون إلا من ذنب قال عليه السلام لفضل الوقت الأول على الآخر خير للمؤمن من ولده وماله رواهما ابن بابويه.
[البحث الثاني] في
القنوت، * مسألة: اتفق علماؤنا على استحباب القنوت في كل ثانية من كل فريضة ونافلة وقال الشافعي القنوت في الصبح مستحب في جميع الأوقات
وبه قال مالك وابن أبي ليلا والحسن بن صالح بن حي ونقله الشافعي في القديم عن علي عليه السلام وأبي وعمر وعثمان وأنس والحسن البصري وقال أبو حنيفة أنه غير مسنون
بل هو مكروه في الصلاة كلها إلا الوتر وإليه ذهب الثوري وقال أبو يوسف إذا قنت الامام فاقنت معه وقال أحمد: القنوت؟ للأئمة؟ وعون للجيوش فإن ذهب إليه
ذاهب فلا بأس وقال إسحاق: هو سنة عند الحوادث لا يدعه الأئمة. لنا: قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) لا يقال القنوت طول القيام لقوله عليه السلام أفضل الصلاة
طول القنوت إلى القيام لأنا نقول المراد طول الدعاء كما قلناه لأنه صار حقيقة شرعية ولأنه دعاء فيكون مأمورا به لقوله تعالى: (ادعوني أستجب لكم) ولان الدعاء
أفضل العبادات فلا يكون منافيا للصلاة وما رواه الجمهور عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله انه (ع) قنت شهرا يدعو على حي من أحياء العرب
ثم تركه رواه مسلم وذلك يقتضي فعله في كل صلاة وبما رووه عن أبي هريرة قال لما رفع رسول الله صلى الله عليه وآله رأسه من الركعة الثانية
من التسبيح قال اللهم انج الوليد بن الوليد وسليمان بن هشام وعباس بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة واشدد وطأتك على مضر ورعل وذكوان و
أرسل عليهم سنين كسني يوسف رواه البخاري وعن أنس قال ما زال رسول الله صلى الله عليه وآله يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا وذلك يبطل مذهب أبي
حنيفة ويبطل مذهب الشافعي ما تقدم من الآيات وحديث أبي هريرة وما رواه ابن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يصلي صلاة مكتوبة
إلا قنت فيها وما رووه عن علي عليه السلام انه قنت في صلاة المغرب على أناس وأشياعهم وإذا ثبت القنوت المغرب ثبت العموم لعد القائل بالفرق ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان الجمال قال صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام أياما فكان يقنت في كل صلاة يجهر فيها أو لا يجهر
فيها وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع وفي الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
القنوت في المغرب في الركعة الثانية وفي صلاة العشاء والغداة مثل ذلك وفي الوتر في الركعة الثالثة وفي الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال: القنوت في كل ركعتين من التطوع أو الفريضة ولأنه دعاء مشروع في بعض الصلوات فيشرع في الباقي قد روى الشيخ عن عبد الملك بن عمرو
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال: لا قبله ولا بعده وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سألته
عن القنوت هل يقنت في الصلاة كلها أم فيما يجهر فيها بالقراءة؟ قال: ليس القنوت إلا في الغداة والوتر والجمعة والمغرب وعن يونس بن يعقوب قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن القنوت في أي الصلوات أقنت؟ فقال: لا تقنت إلا في الفجر لأنا نقول أن ذلك محمول على نفي الوجوب لا نفي الاستحباب أو أنه على سبيل
التقية بما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال قال أبو جعفر في القنوت إن شئت فاقنت وإن شئت فلا تقنت قال أبو الحسن
عليه السلام وإذا كانت التقية فلا تقنت وانا أتقلد هذا وفي الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن القنوت فقال فيما يجهر فيه
بالقراءة قال قلت له إني سألت أباك عن ذلك فقال في الخمس كلها فقال رحم الله أبي أن أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق ثم أتوني شكاكا فأفتيهم
بالتقية احتج أبو حنيفة بما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن القنوت في الفجر وعن ابن مسعود وأنس أن النبي صلى الله عليه وآله قنت شهرا
298

وترك واحتج الشافعي بعدم النقل عن النبي صلى الله عليه وآله في القنوت في غير الصبح وعن الصحابة. والجواب عن الأول: أن رواية محمد بن معلى عن عتبة بن
عبد الرحمن عن عبد الله بن نافع وهؤلاء كلهم ضعاف عند أهل الحديث، وعن الثاني: أنه متروك لخبر أنس ويحتمل أن يكون قوله وترك أبي الدعاء على
القوم وكذا هو في حديث أنس، وعن الثالث: أن النقل موجود في حديث البراء وأبي هريرة وعلي عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام. * مسألة: ويتأكد استحبابه
في الفرائض وآكدها فيما يجهر لرواية ابن مسكان فيهما ما يجهر فيه وروى الشيخ في الموثق عن سماعة قال سألته عن القنوت في أي صلاة هو؟ فقال: كل شئ
يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت والقنوت قبل الركوع وبعد القراءة ويتأكد من الجهر من الجهريات في الغداة والمغرب لرواية سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.
* مسألة: ويستحب في المفردة من الوتر قبل الركوع وبعده لا نعرف فيه خلافا لما رواه الجمهور عن أبين (أبى) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يقول
في آخر وتره: " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك "
ومن طريق الخاصة رواية ابن مسكان وسماعة أن الوتر مما يجهر فيه وحديث سعد بن سعد وعن أبي بكر سمال عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال لي: قل في قنوت الوتر
" اللهم غفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة " وقال يجزيك من القنوت ثلاث تسبيحات وعن أحمد بن عبد العزيز عن بعض أصحابنا قال كان
أبو الحسن الأول (ع) إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: " هذا مقام من حسناته نعمة منك وشكره ضعيف وذنبه عظيم وليس لذلك إلا دفعك ورحمتك
فإنك قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل صلى الله عليه وآله كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون طال هجوعي وقل منامي وهذا السحر
وأنا استغفرك لذنوبي استغفار من لا يجد لنفسه ضررا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ثم يخر ساجدا وروى ابن بابويه عن أبي حمزة الثمالي قال كان علي بن الحسين
عليهما السلام يقول في آخر وتره وهو قائم رب أسأت وظلمت نفسي وبئس ما صنعت وهذه يداي جزاء بما صنعت ثم قال يسبط يديه جميعا قدام وجهه ويقول
هذه رقبتي خاضعة لك لما أتت قال ثم تطأطأ رأسه ويخضع برقبته ثم يقول وها أنا ذا بين يديك فخذ لنفسك الرضا من نفسي حتى ترضى لك العتبى لا أعود
لا أعود لا أعود قال وكان والله إذا قال لا أعود لم يعد وروى أبن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان يقول في قنوت الوتر اللهم اهدني
فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك سبحانك رب البيت استغفرك
وأتوب إليك وأومن بك وأتوكل عليك لا حول ولا قوة إلا بك يا رحيم " ورواه الجمهور عن الحسن بن علي عليهما السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
فروع: [الأول] القنوت في الوتر مستحب في جميع السنة ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال ابن مسعود وإبراهيم النخعي والحسن البصري وأصحاب
الرأي وأحمد في أقوى الروايتين وقال في الأخرى: أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان وروى الجمهور عن علي عليه السلام وبه قال أبي بن كعب وابن
سيرين وأبي هريرة ومالك والشافعي. لنا: رواية أبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول كذا ولفظه كان للمداومة ومن طريق الخاصة
ما تقدم من الأحاديث وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: القنوت في كل الصلوات ولأنه وتر ويشرع فيه القنوت
كالنصف الآخر من رمضان ولأنه ذكر شرع في الوتر فيشرع في جميع السنة كغيره من الاذكار. [الثاني] يجوز القنوت في الوتر قبل الركوع و
بعده لما رواه عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل ينسى القنوت في الوتر، قال: ليس عليه شئ وقال إن ذكر وقد أهوى إلى الركوع
قبل أن يضع يده على الركبتين فليرجع قائما فليقنت ثم ليركع وإن وضع يده على ركبتيه فليمض في صلاته وليس عليه شئ فهذه الرواية تدل
على أن القنوت قبل الركوع ورواية بعض أصحابنا عن أبي الحسن موسى عليه السلام تدل على أنه بعد الركوع وكلاهما حسن. [الثالث] ليس في قنوت
الوتر شئ موظف لان الوتر نافلة يقصد به تعظيم الرب يقال والاستعطاف فيجوز لكل صنف يتخيره المصلي ولان النبي صلى الله عليه وآله نقل عنه أذكار مختلفة في
القنوت وهو دليل عدم الانحصار. ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن الفضل قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عما أقول
في وتري؟ قال: ما قضى الله على لسانك وقدره ولأنهم عليهم السلام اختلف الروايات في أذكارهم فدل على عدم التوظيف. * مسألة: وفي الجمعة قنوتان أحدهما:
في الأول قبل الركوع والثاني: في الثانية بعد الركوع على خلاف فيه بين علمائنا وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى. * مسألة: والقنوت مستحب في جميع
الصلوات فلو أخل به عامدا أو ناسيا لم تبطل صلاته ذهب إليه أكثر علمائنا وقال ابن بابويه القنوت سنة واجبة ولو تركه عمدا أعاد لقوله تعالى:
(وقوموا لله قانتين) وروى ذلك ابن أذينة عن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: القنوت في الجمعة والوتر والعشاء والعتمة والغداة فمن ترك القنوت
رغبة عنه فلا صلاة له وبه قال ابن أبي عقيل ولا أعلم خلافا في أنه لو تركه نسيانا لم تبطل صلاته. لنا: الأصل عدم الوجوب فلا يصار إلى خلافه إلا
بدليل ولان النبي صلى الله عليه وآله كان يقنت تارة وترك أخرى وهو دليل على عدم الوجوب وما رواه الشيخ عن عبد الملك بن عمر قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن القنوت قبل الركوع أو بعده قال: لا قبله ولا بعده وفي الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال قال أبو جعفر عليه السلام في
القنوت إن شئت فاقنت وإن شئت لا تقنت واحتجاجهم بالآية ضعيف لأنه يتضمن وجوب الدعاء قائما والامر المطلق لا يقتضي التكرار ولأنه
دل على وجوب القنوت ورواية وهب محمولة على الاستحباب جمعا بين الأدلة. * مسألة: ومحل القنوت قبل الركوع وعليه علماؤنا وبه قال
أبي وابن مسعود وأبو موسى والبراء وابن عباس وأنس وعمر بن عبد العزيز وعبيدة و عبد الرحمن بن أبي ليلى ومالك وأبو حنيفة وقال الشافعي أنه بعد الركوع.
299

لنا: ما رواه الجمهور عن أبي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قنت قبل الركوع وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قنت قبل الركوع ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع وفي حديث سماعة والقنوت قبل الركوع
وبعده القراءة وفي الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل قنوت قبل الركوع إلا الجمعة فإن الركعة الأولى فيها قبل الركوع والأخيرة بعد الركوع
احتج الشافعي بما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قنت بعد الركوع والجواب أنه معارض بما قدمناه من الأحاديث وهي أكثر. * مسألة:
لو نسي القنوت حتى ركع قضاه بعد الرفع فإن فاته فلا قضاء عليه اختاره الشيخ في المبسوط وقال في النهاية
والمفيد لو لم يذكر حتى ركع في الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة
وجعل الشيخ القضاء بعد الفراغ رواية احتج على ما ذكره في المبسوط بما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة بن أعين قال سألنا أبي جعفر عليه السلام عن الرجل
ينسى القنوت حتى يركع قال: يقنت بعد الركوع فإن لم يذكر فلا شئ عليه وعلى ما ذكرناه في النهاية بما رواه في الموثق عن أبي أيوب الخراز عن أبي بصير قال
سمعته يذكر عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرجل إذا سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو جالس والأقرب عندي الأول لكثرة الروايات به مع سلامة
سندها ولان الأصل عدم شغل الذمة بواجب أو ندب. فرع: لا خلاف عندنا في استحباب الاتيان بالقنوت بعد الركوع مع نسيانه قبله وأما أنه
هل هو قضاء أو أداء؟ ففيه تردد ينشأ من كون محله قبل الركوع وقد فات فتعين القضاء من كون الأحاديث لم تدل على كونه قضاء مع أنه قد روى
الشيخ عن إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى عن أبي جعفر عليه السلام قال: القنوت قبل الركوع وإن شئت فبعده والرواية غير سليمة عن الطعن في السند و
الأقرب الأول لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع أيقنت؟ قال: لا لأنا نقول
أنه أراد نفي الايجاب وحال التقية ذكرهما الشيخ. * مسألة: ويجوز أن يدعو قنوته للمسلمين عموما ولانسان معين وإن يسأل ما هو مباح من
أمور الدنيا خلافا لأبي حنيفة وأحمد. لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله وعليا عليه السلام كان يدعوان في القنوت لأقوام بأعيانهم وعلى آخرين معين وما رواه
الجمهور عن فضالة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا صلى أحدكم فليبدأ الحمد لله والثناء عليه ثم يصلي علي ثم يدعو بعده بما شاء وعن أبي الدرداء قال إني
لأدعو في صلاتي تسعين أخا من إخواني بأسمائهم ونسائهم ولم ينكر عليه أحد وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ثم لتخير من الدعاء أعجبه إليه
وفي حديث مسلم ثم ليتخير بعده من المسألة ما شاء أو ما أحب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تدعو في القنوت
على العدو وإن شئت سميتهم وتستغفر وترفع يديك في الوتر حيال وجهك فإن شئت فتحت ثوبك وروى ابن بابويه عن معروف بن خربوذ عن أحدهما عليهما السلام
قال: ثم ادع الله بما أحببت يعني في القنوت الوتر وعن الصادق عليه السلام قال: كان كلما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام. فروع: [الأول] لا يجوز الدعاء
بالمحرم بالاجماع. [الثاني] ليس في القنوت شئ متعين للقول بل قد وردت أحاديث عن الرسول وأهل بيته صلى الله عليهم بأدعية مختلفة متغايرة وذلك
يدل على الاكتفاء بأي دعاء كان نعم المستحب ما هو مأثور وروى ابن بابويه في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن القنوت فيه قول معلوم
فقال: اثن على ربك وصل على نبيك واستغفر لذنبك وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: القنوت في الوتر الاستغفار وفي الفريضة
الدعاء وعن عبد الرحمن بن أبي نجران عن أبي جعفر عليه السلام قال: تجزيك من القنوت خمس تسبيحات في ترسل وفي رواية أبي بكر بن سمال عن أبي عبد الله عليه السلام
يجزي من القنوت ثلاث تسبيحات وفي الصحيح عن سعد بن أبي خلف عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجزيك في القنوت اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا
في الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير وروى ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام القول في قنوت الفريضة في الأيام كلها إلا في
الجمعة اللهم إني أسألك لي ولوالدي وأهل بيتي فيك اليقين والعفو والمعافاة والرحمة والعافية في الدنيا والآخرة. [الثالث] يجوز للدعاء
بغير العربية خلافا لسعد بن عبد الله من قدمائنا وبه قال محمد بن الحسن الصفار منهم وابن بابويه. لنا: أنه يصدق عليه اسم الدعاء فيكون داخلا تحت قوله (ادعوني)
ولقول أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شئ يناجي به ربه عز وجل رواه ابن بابويه ولقوله عليه السلام كلما ناجيت
به ربك فليس بكلام أي بكلام مبطل ولقول الصادق عليه السلام: كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي رواه ابن بابويه النهي هنا غير موجود ولا نعرف حجة لتعد في ذلك.
* مسألة: ويستحب فيه الجهر مطلقا وقال علم الهدى يجهر في الجهرية ويخافت في الإخفاتية فقد روى الجهرية على كل حال وقال الشافعي يخافت به
مطلقا. لنا: أن تقديس الله تعالى وتعظيم واستغفار وسؤال فواضله فيحسن فيه الاجهار ويؤيده ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال: القنوت كله جهار احتج الشافعي بأنه مسنون فأشبه التشهد الأول والجواب المنع من ثبوت الحكم في الأصل والمطالبة بالجامع ويستحب فيه التطويل
روى ابن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أطولكم قنوتا في الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف ويستحب فيه رفع اليدين تلقاء وجهه
مبسوطتين لما رواه ابن بابويه عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام في الحديث الذي وصف فيه قنوته عليه السلام وروى محمد بن سليمان قال
كتبت إلى الفقيه أسأله عن القنوت فقال: إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين وهو يدل بالمفهوم على نفي الرفع مع عدم الضرورة وروى
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تدعو في الوتر على العدو فإن شئت سميتهم وتستغفر وترفع يديك حيال وجهك وإن شئت تحت ثوبك
ويستحب أن يتلقى بباطنهما السماء ويجوز العكس. * مسألة: ويستحب أن يرفع يديه بالتكبير ذهب إليه الشيخ وقال المفيد لا يكبر وقد سلف ما يدل عليه وهل
300

يستحب له أن يمسح وجهه بيديه عند الفراغ من الدعاء قيل نعم ولم يثبت. [البحث الثالث] في شغل النظر والكفين، * مسألة:
ويستحب له أن ينظر في حال قيامه إلى موضع سجدوه لئلا يشتغل نظره فيشتغل قلبه ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام لما علمه
الصلاة: وليكن نظرك إلى موضع سجودك وما رواه غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: لا تجاوز بطرفك في الصلاة موضع سجودك
ولأنه أبلغ في الاستكانة والخضوع فكان فعله مشروعا. * مسألة: ولينظر في حال ركوعه إلى ما بين رجليه استحبابا قال الشيخان وعلم الهدى
وقال الشيخ أيضا وغمض عينيك فإن لم تفعل فليكن نظرك إلى ما بين رجليك ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
لما علمه الصلاة وليكن نظرك إلى ما بين قدميك وما رواه مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يغمض الرجل عينيه في
الصلاة ويدل على الثاني ما رواه الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام لما علمه الصلاة: ثم ركع وسوى ظهره ومد عنقه وغمض
عينيه والكل عندي جائز ورواية مسمع لا ينافي هذا لان النهي يتناول غير حالة الركوع. * مسألة: وينظر في حال قنوته إلى باطن كفيه استحبابا
لان النظر إلى السماء مكروه لما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: اجمع بصرك ولا ترفعه إلى السماء والتغميض مكروه لرواية
مسمع فتعين شغلها بالنظر إلى باطن الكفين. * مسألة: وينظر في سجوده إلى طرف أنفه وفي حال قعوده إلى حجره لئلا يشتغل قلبه عن عبادة
الله تعالى. * مسألة: ويستحب له وضع يديه في حال قيامه على فخذيه محاذيا لعين ركبتيه قد ضم أصابعها ذكره علماؤنا والتعويل على النقل
المشهور عن أهل البيت عليهم السلام روى الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام لما علمه الصلاة فقام أبو عبد الله عليه السلام
مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا قمت في الصلاة
فلا تلصق قدمك الأخرى دع بينهما فصلا أصبعا أقل من ذلك إلى شبر أكثره واستدل منكبيك وأرسل يديك ولا تشبك أصابعك وليكونا على فخذيك
قبالة ركبتيك ويستحب وضعهما في حال ركوعه على عين ركبتيه وفي سجوده حيال وجهه في جلوسه على فخذيه ومستند ذلك كله النقل عن أهل البيت
عليهم السلام.
[البحث الرابع] في التعقيب، * مسألة: أجمع كل من يحفظ عنه العلم على استحباب التعقيب عقيب الصلوات روى الجمهور عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من أربع من عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المشيخ الرجال ثم يدعو
لنفسه بما بدا له ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن منصور بن يونس عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من صلى صلاة فريضة وعقب إلى أخرى فهو ضيف الله
وحق على الله أن يكرم ضيفه وفي الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا. * مسألة: وليس فيه شئ
موظف بل يجوز الدعاء بهما (بكلها) من أمور الدين والدنيا مما ليس بمحرم لكن ما ورد به الامر أفضل ذهب إليه علماؤنا أجمع وقال أبو حنيفة يقتصر على ألفاظ القرآن
وما ورد من المأثور. لنا: رواية أبي هريرة ثم يدعو لنفسه بما بدا له وعن أنس قال جاءت أم سلمة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله علمني دعاء
ادعو به في صلاتي؟ فقال: احمدي الله عشرا وسبحي الله عشرا ثم سلي ما شئت ومن طريق الخاصة ما تقدم من الروايات الدالة على الاذن في الدعاء مطلقا
وعن وليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلاة. * مسألة:
وأفضل ما يقال ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام وهو أنه إذا سلم كبر ثلثا رفع يديه إلى شحمتي أذنيه بها قبل أن يثني رجليه ثم يقول ما رواه الشيخ في الموثق
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قل بعد التسليم " الله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده
الخير وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي
من تشاء إلى صراط مستقيم " وعن سلام المكي عن أبي جعفر عليه السلام قال أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله يقال له شيبة الهذيل فقال يا رسول الله إني شيخ
قد كبر سني وضعفت قوتي عن عمل كتب فدعوته نفسي من صلاة وصيام وحج وجهاد فعلمني يا رسول الله كلا ما ينفعني الله به وخفف علي يا رسول الله
فقال أعده فأعاد ثلاث مرات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما حولك شجرة ولا مدة إلا وقد بكت من رحمتك فإذا صليت الصبح فقل عشر مرات
سبحان ربي العظيم وبحمده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإن الله يعافيك بذلك من العمى والجنون والجذام والفقر والهرم فقال يا رسول الله
هذا للدنيا فلما للآخرة؟ فقال: تقول في دبر كل صلاة اللهم اهدني من عندك وافض علي من فضلك (رحمتك) وانشر علي من رحمتك وأنزل علي من بركاتك قال
فقبض عليهن بيده ثم مضى وفي الموثق عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأصحابه ذات يوم أرأيتم لو جمعتم ما عندكم
من الآلات والأبنية ثم وضعتم بعضه على بعض ترونه تبلغ السماء قالوا لا يا رسول الله فقال أحدكم إذا فرغ من صلاته سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاثين مرة وهي تدفعن الهرم والغرق والحرق والتردي في البئر وأكل السبع وهيئة السوء والبلية التي نزلت على العبد في ذلك
اليوم وفي الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال أقل ما يجزيك من الدعاء بعد الفريضة أن تقول اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك وأعوذ
بك من كل سوء أحاط به علمك اللهم أني أسألك عافيتك في أموري كلها وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وفي الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال: لا تنسوا الموجبتين أو قال عليكم بالموجبتين في دبر كل صلاة قلت والموجبتان قال تسأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار وعن محمد الواسطي
301

قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام عليه السلام يقول: لا تدع في دبر كل صلاة " أعيذ نفسي وما رزقني ربي بالله الواحد الأحد الصمد حتى يختمها وأعيذ نفسي وما رزقني ربى برب الفلق "
حتى يختمها " وأعيذ نفسي وما رزقني ربي برب الناس " حتى يختمها وروى عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: من أحب أن يخرج من الدنيا وقد تخلص من الذنوب
كما يتخلص الذهب الذي لا كد فيه ولا يطلبه أحد بمظلمة فليقل في كل دبر الصلوات الخمس نسبة الرب تبارك وتعالى اثني مرة ثم يبسط يديه فيقول " اللهم إني أسألك باسمك
المكنون المخزون الطاهر المطهر المبارك وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم أن تصلي على محمد وآل محمد يا واهب العطايا يا مطلق الأسارى يا فكاك الرقاب
من النار أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وان تعتق رقبتي من النار وتخرجني من الدنيا أمنا وتدخلني الجنة سالما وأن تجعل دعائي أوله فلاحا وأوسطه
نجاحا وآخره صلاحا إنك أنت علام الغيوب " ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام هذا من؟ المنجيات؟ مما علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وأمرني أن اعلمه الحسن والحسين
عليهما السلام وعن محمد بن سليمان الديلمي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له جعلت فداك ان شيعتك يقول إن الايمان مستقر ومستودع فعلمني شيئا إذا
قلته استكملت الايمان قال: قل في دبر كل صلاة فريضة " رضيت بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا وبالإسلام دينا والقرآن كتابا وبالكعبة قبلة وبعلي عليه السلام وليا وإماما و
الحسن والحسين والأئمة صلوات الله عليهم اللهم إني رضيت بهم أئمة فارضني لهم إنك على كل شئ قدير ". * مسألة: وأفضل الاذكار كلها تسبيح الزهراء
عليها السلام وقد أجمع أهل العلم كافة على استحبابه روى الجمهور عن أبي هريرة قال جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا لو وهب أهل الدثور من
الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضول أموال يحجون بها ويعتمرون ويتصدقون فقال: ألا أحدثكم
بحديث إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدركم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم ألا من عمل مثله تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثة وثلاثين
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام: من سبح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل أن يثني رجله من صلاة الفريضة
غفر له ويبدأ بالتكبير وعن ابن أبي نجران عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من سبح الله في دبر الفريضة تسبيح فاطمة المائة واتبعها بلا إله إلا الله غفر له
وعن أبي هارون المكفوف عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يا أبا هارون إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة فألزمه فإنه لم يلزمه عبد
فيشقى وعن صالح بن عقبة عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما عند الله لشئ من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام ولو كان شئ أفضل منه لنحل رسول
الله صلى الله عليه وآله فاطمة الزهراء عليها السلام وإنما نسب إليها في تشريعه روى ابن بابويه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال لرجل من
بني سعد ألا أحدثكم عني وعن فاطمة عليها السلام أنها كانت عندي فاستقت بالقربة حتى أثر في صدرها وطحنت بالرحا حتى مجلت يداها وكسحت البيت حتى
اغبرت ثيابها وأوقدت تحت القدر حتى وكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضرر شديد فقلت لها لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حر ما أنت فيه من هذا
العمل فأتت النبي صلى الله عليه وآله فوجدت عنده حداثا فاستحيت فانصرفت فيعلم عليه السلام أنها جاءت لحاجة فعدا علينا ونحن في لحافنا فقال السلام
عليكم فسكتنا واستحينا ملكاننا ثم قال السلام عليكم فسكتنا ثم قال السلام عليكم فخشينا إن لم نرد عليه انصرف وقد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثا
فإن أذن وإلا انصرف فقلت وعليك السلام يا رسول الله ادخل فدخل وجلس عند رؤسنا فقال يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد صلى الله
عليه وآله فخشيت إن لم تجبه أن يقوم فأخرجت رأسي فقلت أنا والله أخبرك يا رسول الله انها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها وجرت الرحا حتى مجلت
يداها وكسحت البيت حتى أغبرت ثيابها وأوقدت تحت القدر حتى وكنت ثيابها فقلت لها لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حر ما أنت فيه من هذا
العمل قال: أفلا أعلمك ما هو خير لكما من الخادم إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة وسبحا ثلاثا وثلاثين وأحمدا ثلاثا وثلاثين فأخرجت
فاطمة عليها السلام فقالت رضيت عن الله وعن رسوله. * مسألة: وتسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام التكبير أربعا وثلاثين والتحميد ثلاثا وثلاثين و
التسبيح ثلاث وثلاثين على هذا الترتيب في الأشهر روى الشيخ عن محمد بن عذافر قال دخلت مع أبي عبد الله عليه السلام فسأله عن أبي تسبيح فاطمة الزهراء
عليها السلام؟ فقال: الله أكبر حتى أحصى أربعا وثلاثين مرة ثم قال الحمد لله حتى بلغ سبعا وستين ثم قال سبحان الله حتى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة اللهم أنت السلام ومنك السلام ولك السلام وإليك يقعد (يرجع) السلام سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد
لله رب العالمين السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على الأئمة الطاهرين المهديين السلام على جميع أنبياء الله ورسله وملائكته السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين ثم تسلم على الأئمة عليهم السلام واحدا واحدا وتدعو بما بدا لك. * مسألة: ويستحب السجود للشكر عقيب الفرائض وعند تجدد
النعم ودفع النقم وهو قول علمائنا أجمع وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وقال النخعي ومالك وأبو حنيفة يكره. لنا: قوله تعالى:
(ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر) ثم أوجب السجود عقيب هذه النعم فيكون مشروعا عند تجدد كل نعمة وما رواه الجمهور
عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجدا رواه ابن المنذر عن علي عليه السلام أنه سجد حين وجد ذا الثدية ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك وترضي بها ربك وتعجب الملائكة
منك وأن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة فيقول يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى فرضي وأتم
عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه ملائكتي ماذا له عندي فتقول الملائكة يا ربنا رحمتك ثم يقول الرب تعالى ثم ماذا له فتقول الملائكة يا
ربنا جنتك فيقول الرب ثم ماذا فتقول الملائكة ربنا كفاية مهمة فيقول الرب ثم ماذا فلا يبقى شئ من الخير إلا قالته الملائكة فيقول الله تعالى
302

يا ملائكتي ثم ماذا فتقول الملائكة يا ربنا لا علم لنا فيقول الله تعالى لأشكرنه كما شكرني وأقبل إليه بفضلي وأريه رحمتي احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وآله
كان في امامه الفتوح واستقى فسعى ولم يسجد شكرا والجواب: المنع وترك السجود لما بيناه في خبر أبي بكر وما رواه عبد الرحمن بن عوف قال سجد رسول الله صلى الله عليه وآله
فأطال فسألناه قال أتاني جبرئيل عليه السلام فقال من صلى عليك مرة صلى الله عليه عشرا فخررت شكرا لله. فروع: [الأول] يستحب السجدة عند
الفراغ من الفرائض لرواية مرازم لأنها مظنة التعبد وموضع الخضوع والشكر على التوفيق لأداء العبادة وعند تجدد النعم ودفع النقم لان شكر المنعم واجب
عقلا وأبلغ أنواعه السجود على ما روي أن منتهى العبادة من ابن آدم لله تعالى السجود وأن أقرب ما يكون العبد إلى الله عز وجل إذا كان في سجوده لقوله
(واسجد واقترب). [الثاني] هذا السجود عند القائلين به أجمع للاستحباب ورواية مرازم يدل على تأكيد الاستحباب. [الثالث] يستحب التعفير في السجود
للشكر وهو أن يضع خده الأيمن على الأرض عقيب السجود ثم خده الأيسر ذهب إليه علمائنا أجمع ولم يعتبره الجمهور. لنا: أن موضع استكانة وتذلل
وما ذكرناه أبلغ فيه فيكون مطلوبا ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان موسى بن عمران عليه السلام
إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض وخده الأيسر بالأرض وقال هو إسحاق بن عمار بن موسى الساباطي رأيت من آبائي من يفعل ذلك قال محمد بن سنان موسى بن جعفر (ع) في
الحجر في جوف الليل وروى الشيخ عن عبد الله بن جندب في أبي الحسن الماضي (ع) انه امر بذلك وروى ابن بابويه عن الباقر عليه السلام قال: أوحى الله
تعالى إلى موسى بن عمران عليه السلام: أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال موسى عليه السلام لا يا رب قال: يا موسى إني قلبت عبادي ظهر البطن فلم أجد فيهم
أحدا أذل لي نفسا منك يا موسى إنك إذا صليت وضعت خديك على التراب. [الرابع] أول ما يقال في سجدة الشكر ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام وقد اختلفت
الأدعية المأثورة عنهم عليهم السلام وذلك يدل على عدم التعيين روى الشيخ في الحسن عن عبد الله بن جندب قال سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عما
أقول في السجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه؟ فقال: قل وأنت ساجدا " اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبيائك ورسلك وجميع خلقك أنك
أنت الله ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي الجواد وعلي بن
محمد والحسن بن علي والخلف الحجة أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ اللهم إني أنشدك دم المظلوم ثلاثا اللهم إني أنشدك بايوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنهم بأيدينا وأيدي المؤمنين اللهم إني أنشدك لأوليائك
لتظفرنهم بعدوك وعدوهم أن تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ثلاثا اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر " ثلاثا ثم تضع خدك الأيمن على الأرض
وتقول: " يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق علي الأرض بما رحبت يا بارئ خلقي رحمة بي وقد كنت عن خلقي غنيا صل على محمد وآل محمد وعلى المستحفظين
من آل محمد " ثلاثا ثم تضع خدك الأيسر وتقول " يا مذل كل جبار ويا معز كل ذليل قدر عزتك بلغ مجهودي فرج عني " ثلاثا ثم تقول " يا حنان يا منان يا كاشف الكرب العظيم "
ثلاثا ثم تعود إلى السجود فتقول مئة مرة " شكرا لله شكرا لله " ثم تسأل الله حاجتك إن شاء الله وعن محمد بن سليمان عن أبيه قال خرجت مع أبي الحسن موسى بن
جعفر عليهما السلام إلى بعض أمواله فقام صلاة الظهر فلما فرغ خر لله ساجدا فسمعته يقول بصوت حزين ويغر غر دموعه " رب عصيتك بلساني ولو شئت
وعزتك لأخرستني، وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني، وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني، وعصيتك بيدي ولو شئت و
عزتك لكنعتني، وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني، وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لعقمتني، وعصيتك بجميع جوارحي التي
أنعمت بها علي وليس هذا جزاؤك مني " قال ثم أحصيت له ألف مرة وهو يقول العفو العفو قال ثم ألصق خده الأيمن بالأرض فسمعته وقد يقول بصوت
حزين " بؤت إليك بذنبي عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي " ثلاث مرات ثم ألصق خده الأيسر بالأرض
فسمعته وهو يقول " ارحم من أساء واقترف واستكان واعترف " ثلاث مرات ثم رفع رأسه. [الخامس] قال الشيخ في الخلاف وليس في سجدة الشكر التكبير
الافتتاح ولا تكبير السجود ولا التسليم وقال في المبسوط: يستحب التكبير لرفع الرأس من السجود ولعله شبهه بسجود التلاوة وقال الشافعي أنها كسجود التلاوة.
لنا: أن السجود اسم لوضع الجبهة فتحقق مع الامتثال وما زاد خارج عن المسمى يفتقر إثباته إلى دليل. [السادس] يستحب أن يكون لاطيا
بالأرض في سجوده حتى يلصق ذراعيه وصدره بالأرض لما رواه الشيخ في الحسن عن جعفر بن علي قال رأيت أبا الحسن عليه السلام وقد سجد بعد الصلاة
فبسط ذراعيه على الأرض وألصق جؤجؤه بالأرض في بيانه قال صاحب الصحاح جؤجؤ السفينة والطائر صدرهما وعن عبد الرحمن بن خاقان
قال رأيت أبا الحسن الثالث عليه السلام سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه وألصق صدره وبطنه فسألته عن ذلك فقال كذا يجب. * مسألة: سجدات
القرآن خمس عشرة في الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج في موضعين والقرآن والنمل وألم تنزيل وص وحم السجدة والنجم وإذا السماء
انشقت واقرأ باسم ربك وبه قال أحمد في إحدى الروايتين وإسحاق وقال ابن بابويه: يستحب أن يسجد في كل سورة فيها سجدة فيدخل فيه آل عمران لقوله تعالى:
(يا مريم اقنتي لربك واسجدي) وغيرها وقال الشافعي: أن السجدات أربع عشرة وأنكر سجدة ص وقال أبو حنيفة: أربع عشرة كالشافعي إلا أنه أنكر
السجدة الثانية من الحج وقال مالك في إحدى الروايتين والشافعي أنها أحد عشر وأنكر السجدات المفصل. لنا: ما رواه الجمهور عن عمرو بن العاص أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قرء خمس عشرة سجدة منها ثلاث في المفصل وفي سورة الحج سجدتان وعن عقبة بن عامر قال قلت لرسول الله صلى
الله عليه وآله في سورة الحج سجدتان قال: نعم ومن لم يسجدها فلا يقرأهما رواهما أبو داود لان عليا عليه السلام سجد في الجمع مرتين وكذا عمرو ابنه عبد الله
303

وأبو الدرداء وأبو موسى وقال ابن عباس فضلت الحج بسجدتين ولا يقوله إلا عن توقيف وهذا يبطل قول أبي حنيفة احتج بأنه فيها بين الركوع والسجود فقال: (يا
أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) فلم يكن سجدة في قوله تعالى: (خروا سجدا) (اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) والجواب: أن إقران الركوع لا ينفي استحباب السجدة
كما في إقران البكاء في قوله تعالى: (خروا سجدا وبكيا) مع أنه معارض بما تقدم من الأحاديث وبفعل الصحابة والتابعين قال ابن عمر لو كنت تاركا إحديهما لتركت
الأولى وقال ابن إسحاق أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين وأيضا فالأول إخبار والثانية أمر واتباع الامر أولى ولنا على إبطال قول
الشافعي من إنكار سجدات المفصل ما رواه عمر بن عاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله اقرأه خمس عشر سجدة وما رواه أبو رافع قال صليت خلف أبي هريرة
العتمة فقرأ إذا السماء انشقت فسجد فقلت ما هذه السجدة فقال سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وآله فلا أراني أسجد فيها حتى ألقاه وعن أبي هريرة
قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك رواه مسلم وأبو داود عن عبد الله بن مسعود وأن النبي صلى الله عليه وآله
قاله سجد في سورة النجم وما بقي من القوم أحد إلا سجد وعلى إبطال قوله في ص ما رواه أبو داود بإسناده عن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله سجد فيها
احتج الشافعي على الأول بما رواه أبو الدرداء قال سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله أحد عشرة ليس فيها شئ من المفصل وعن عباس أن النبي صلى
الله عليه وآله لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول إلى المدينة. والجواب عن الأول: ان إسناده ضعيف قال
أبو داود لأنه شهادة على النفي فلا يقبل مع
رواية الاثبات وعن الثاني بذلك أيضا ولان أبا هريرة أسلم بالمدينة سنة سبع فيكون أولى من حديث ابن عباس لأنه كان صبيا لا يعرف أفعال
النبي صلى الله عليه وآله على التفصيل واحتج على الثاني للسجود بما رواه أبو سعيد وقال قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على المنبر صاد فنزل
فسجد وسجد الناس معه فكما كان يؤم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشرن للناس للسجود فقال النبي صلى الله عليه وآله: إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم
تشذهم؟؟ للسجود فنزل فسجد وسجدوا وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله سجد في ص وقال سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا والجواب أنهما
يدلان على ما قلناه من السجود فيها لكن نقول باستحبابه. فروع: [الأول] أجمع علماؤنا على وجوب أربع منها وهي سجدة لقمان وحم
السجدة والنجم واقرأ باسم ربك والباقي مستحب وقال الشافعي: الكل مستحب وقال أبو حنيفة: الكل واجب. لنا: على وجوب الأربع ما روي عن علي عليه السلام
قال: عزائم السجود أربع ولأنها تتضمن الامر بالسجود فتكون واجبة وما عداها غير صريح في الامر فيكون مستحبة وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ولك تكبير حتى ترفع رأسك والعزائم أربعة حم السجدة
وتنزيل والنجم واقرأ باسم ربك وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال إذا اقرأ شئ من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء إن كنت
جنبا وإن كانت المرأة لا تصلى وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد. [الثاني] قال الشيخ يجب على القارئ
والمستمع أما السامع فعندي فيه ترديد وأحوطه الوجوب لرواية عبد الله بن سنان وقيل لا يجب بل يستحب عملا بالأصل وفيه قوة وعليه اعمل لما
رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن رجل سمع السجدة تقرأ، فقال: لا يسجد لا أن يكون منصتا لقرائته
مستمعا لها أو يصلي بصلاته فأما أن يكون في ناحية يصلي وأنت في ناحية أخرى فلا تسجد لما سمعت. [الثالث] قال الشيخ في الخلاف
موضع السجود في حم السجدة عند قوله واسجد والله فقال في المبسوط عند قوله إن كنتم إياه تعبدون وبه قال مالك وقال الشافعي وأهل الكوفة
عند قوله وهم لا يسأمون. لنا: أن الامر بالسجود مطلق للفور ولا يجوز التأخير. [الرابع] يجوز فعلها في الأوقات كلها وإن كانت مما
يكره فيه النوافل وهو قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ومروي عن الحسن والشعبي والسالم وعطا وعكرمة وقال أحمد في الرواية الأخرى
أنه لا يسجد وفيه قال أبو ثور وابن عمرو وسعيد بن المسيب وإسحاق وقال مالك يكره في قراءة السجدة في وقت النبي. لنا: إطلاق الامر بالسجود المتناول
للأوقات كلها ولأنها ذات سبب فجاز فعلها في وقت النهي عن النوافل كقضاء النوافل الراتبة لا يقال قد روى الشيخ عن عمار الساباطي عن
أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يسمع السجدة في الساعة التي لا يستقيم الصلاة فيها قبل غروب الشمس وبعد الفجر قال لا يسجد لأنا نقول
أن رواتها فطحية فلا يعارض ما ثبت بغيرها من الاخبار احتج المخالف بقوله عليه السلام لا صلاة بعد الفجر حتى يطلع الشمس ولا بعد العصر حتى
يغرب الشمس والجواب أن السجدة ليست بصلاة ولا هي عندنا جزء صلاة ولو سلم فالنهي يتناول النفي المبتدأة للواجب والنفل إذا السبب. [الخامس]
لا يفتقر إلى تكبيرة إحرام لان الامر ورد بمطلق السجود وهو إنما يتناول وضع الجبهة فالزائد منفي بالأصل إلى أن يقوم الدليل
وبه قال مالك في غير الصلاة أما إذا كان فيها فإنه تكبر وقال الشافعي وأبو حنيفة يكبر مطلقا وبه قال الحسن وابن سيرين والنخعي.
لنا: ما تقدم وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك
لكن تكبر حين ترفع رأسك ومثله رواه عن سماعة في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام احتج المخالف بأنها صلاة فيشرع فيها تكبيرة الافتتاح
والجواب: المنازعة في المقدمة الأولى. [السادس] ولا يفتقر إلى تكبيرة السجود وقال الجمهور يكبر للسجود وقال الشافعي يكبر ثنتين للافتتاح
واحدة وللسجود أخرى. لنا: ما تقدم فإنه دال على انتفاء مطلق التكبير. [السابع] يستحب إذا رفع رأسه أن يكبر وبه قال الشيخ في المبسوط
304

والخلاف والمستند في ذلك رواية عبد الله بن سنان وسماعة. [الثامن] لا يفتقر إلى تشهد بلا خلاف ولا إلى سلام ذهب إليه علماؤنا وبه قال
النخعي والحسن وسعيد بن جبير وأبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين والشافعي في أحد القولين وفي الأخرى لأحمد يجب التسليم. لنا: أن الامر بمطلق السجود فالزائد منفي
بالأصل ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله ولا من أحد الأئمة عليهم السلام ولأنه لا تشهد فيها فلا تسليم كغير الصلاة ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح
عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن إمام قرأ في السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال: يقدم غيره فيتشهد ويسجد هو وينصرف وقد
تمت صلاتهم أمره بالانصراف عقيب السجود فانتفت رابطة التسليم احتج المخالف بقوله عليه السلام وتحليلها التسليم والجواب أن المراد بذلك الصلاة والسجود
في التلاوة ليس منها في شئ ولو كان سجود التلاوة داخلا فيها لافتقرت إلى تكبيرة الافتتاح وأحمد لا يقول به. [التاسع] لا يفتقر إلى طهارة بل يجوز
أن يسجد وإن كان جنبا أو محدثا أو كانت المرأة حائضا وعليه فتوى علمائنا وبه قال الشعبي وقال أكثر الجمهور بشرط الطهارة من الحدثين. لنا: الأصل عدم تعلق الذمة
بالطهارة فيعمل به ويؤيده رواية أبي بصير وقد تقدمت احتجوا بأنها صلاة فيفتقر إلى الطهارة والجواب المنع من ذلك. [العاشر] لا يفتقر إلى استقبال
القبلة بل يجوز أن يسجد وإن كان مستدبرا خلافا للجمهور. لنا: ما تقدم من الأصل ولأنه سجود لا يشترط فيه الطهارة على ما بان فلا يشترط الاستقبال
وحجتهم ما مضى والجواب عنه ما سلف. [الحادي عشر] وجوب السجود على الفور في العزائم والاستحباب في غيرها كذلك فلو فاتت قال الشيخ في المبسوط يقضي العزائم
وجوبا وفي الندب هو ما يختار وقال في الخلاف تعلقت ذمته بفرض أو سنة ولا يبرأ إلا بقضائه ولو قيل أنهما يكون أداء لعدم التوقيت كان وجها.
[الثاني عشر] يستحب له أن يقول في سجوده التي أمنا بما كفر وعرضنا منك ما أنكر وأوجبناك إلى ما دعوتني والعفو العفو قال ابن بابويه وقال أيضا
وقد روي أنه يقول في سجدة العزائم لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله إيمانا وتصديقا لا إله إلا الله عبودية ورقا سجدت لك يا رب تعبدا ورقا
لا مستنكفا ولا مستكبرا بل أنا عبد ذليل خائف مستجير. [الثالث عشر] يجب السجود كلما حصل السبب المقتضي لها لان مع وجود
المقتضي ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل يعلم السورة من العزائم فيعاد
عليه مرارا في المقعد الواحد قال: عليه أن يسجد كلما يسمعها وعلى الذي يعلمه أيضا أن يسجد. [الرابع عشر] لا يشترط السجود المستمع كون التالي
ممن يصلح أن يكون إماما له خلافا للجمهور فلو استمع الرجل من المرأة وجب عليه أن يسجد وكذا القارئ من الأمي والبالغ من الصبي. لنا: أن السبب و
هو الاستماع موجود فثبت الحكم احتجوا بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل عنهم السجدة ثم نظر إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله إنك كنت إمامنا ولو سجدت سجدنا والجواب ليست الإمامة ها هنا حقيقة. [الخامس عشر] إذا لم يسجد
التالي سجد المستمع وجوبا في العزائم وندبا في غيرها. لنا: المقتضي موجود وترك الغير للواجب لا يبيح تركه على المكلف ومثل ما قلناه قال الشافعي لا يقال يعارض
هذا ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي مع قوم لا يقتدي بهم فيصلي لنفسه وربما قرأ آية من العزائم فلا يسجدون فيها
فكيف يصنع؟ قال: لا يسجد لأنا نقول يحتمل أن يقال ترك ذلك تقية ويومي لما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن صليت مع
قوم فقرء الامام اقرا باسم ربك الذي خلق أو شيئا من العزائم وفرغ من قرائته ولم يسجد فأوم إيماء. [السادس عشر] لا يقوم الركوع مقام السجود
وبه قال أحمد خلافا لأبي حنيفة. لنا: أن الواجب السجود فلا يقوم ما هو دونه مقامه كسجود الصلاة احتج أبو حنيفة بقوله تعالى وخر راكعا وأناب و
الجواب المراد السجود وعبر عنه بالركوع لان لفظة خر إنما يستعمل في السجود والمروي عن داود عليه السلام السجود لا الركوع ولو سلم أنه ركع حقيقة فليس بحجة
لان داود عليه السلام قبل ذلك توبة لا لسجود التلاوة. [السابع عشر] إذا قرأ السجدة على الراحلة في السفر وأمكنه السجود وجب وإن كان على الراحلة وإن
لم يتمكن أومى بالسجود وجبت كان وجهه لأنه بدل لكمال العقل فقام مقامه العجز ولان عليا عليه السلام أومئ على الراحلة نقله الجمهور ولو كان ماشيا
وأمكن السجود على الأرض وجوب وإلا أومى. [الثامن عشر] قال بعض الجمهور يكره اختصار السجود وهو أن يشرع بالآيات التي فيها السجود فيقرأها
ويسجد فيها وقيل الاختصار أن يقرأ القرآن ويحذف آيات السجود وهو أيضا مكروه. [التاسع عشر] لو نسي سجدة العزائم وجب عليه مع الذكر
لوجود المقتضي وهو الامر السالم عن معارضة الفعل ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن الرجل يقرأ
السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم. * مسألة: ويستحب للامام أن لا ينصرف من مصلاه حتى يتم من خلفه
للصلاة لان فيه تشبها بالايتمام ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا ينبغي للامام أن ينتقل إذا سلم
حتى يتم من خلفه الصلاة قال وسألته عن الرجل نام في الصلاة هل ينبغي له أن يعقب بأصحابه بعد التسليم؟ فقال: يسبح ويذهب من شاء لحاجته ولا
يعقب رجل لتعقيب الامام. فرع: ليس عدم الانصراف واجبا بل هو مستحب إذ الايتمام في أصله والمفارقة جائزة فبعد الفراغ أولى ولأنه لا ائتمام
هنا ولا يعارضه ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إيما رجل أم قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم ولا يخرج
من ذلك الموضع حتى يتم الذين سبقوا صلاتهم ذلك على كل إمام واجب إذا علم أن فيهم مسبوق وإن علم أن ليس فيهم مسبوقا بالصلاة فليذهب
حيث شاء لأنه عليه السلام عبر بالواجب عن الاستحباب الشديد آخر (في مواضع) قال بعض الجمهور ويكره للمأمومين القيام قبل الامام واستدل بقوله عليه السلام
305

إني إمامكم فلا تسبقوا إلى الركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف رواه مسلم وليس في ذلك دلالة (إذ) يجوز أن يكون المراد بالانصراف هنا التسليم
فيكون النهي راجعا إلى سبقه في أفعال الصلاة لا في الانصراف بعدها. * مسألة: ويستحب له إذا فرغ من صلاته أن يرفع يديه فوق رأسه تبركا
ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن المهران الجمال قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام إذا صلى وفرغ من صلاته رفع يديه جميعا فوق
رأسه. * مسألة: ويجوز الدعاء على الظالم عقيب الصلاة لأنه موضع إجابة وربما أفاد امتناعا من الظلم ويؤيده ما رواه الشيخ عن جابر
عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا انحرفت عن صلاة مكتوبة فلا تنحرف إلا بانصراف لعن بني أمية ولان النبي صلى الله عليه وآله وعليا عليه السلام دعيا على أقوام
بأعيانهم في صلاتهم ففي خارجها أولى. * مسألة: ويستحب له إذا أراد أن ينصرف الانصراف عن يمناه خلافا للجمهور. لنا: ما رووه عن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وآله كان يحب التيمن في تنعله وترجله وظهوره وفي شأنه كله ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام قال: إذا انصرفت من الصلاة فانصرف عن يمينك احتجوا بما رواه ثعلب أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وآله فكان ينصرف عن تقية (يمينه) و
الجواب: انه مستحب فيجوز تركه في بعض الأوقات لعذر ولغيره. * مسألة: ويكره للامام أن ينتقل موضع صلاته نقله الجمهور عن علي عليه السلام
قال أحمد: لا أعرفه عن غيره عليه السلام ورووا عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: يتطوع الامام في مكانه الذي فيه يصلي فيه بالناس
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن سليمان بن خالد قال قال أبو عبد الله عليه السلام الامام إذا انصرف لا يصلي مقامه ركعتين حتى
ينحرف عن مقامه ذلك. * مسألة: ويكره النوم بعد الغداة كراهية شديدة لقوله تعالى: جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا) دل على كراهة
النوم في النهار وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن
النوم بعد الغداة؟ فقال: ان الرزق يبسط تلك الساعة
فأنا أكره أن ينام الرجل تلك الساعة وعن الصادق عليه السلام قال؟ نوم؟ الغداة مشؤمة تطرد الرزق وتصفر اللون وتقبحه وتغيره وهو نوم كل مشؤوم ان الله
تبارك وتعالى يقسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإياكم وتلك النومة وعن رسول الله صلى الله عليه وآله من جلس في مصلاه
من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ستره الله من النار وروى الشيخ عن جابر عن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال الله يا بن
آدم اذكرني بعد الفجر ساعة واذكرني بعد العصر ساعة أكفك ما أهمك. فروع: [الأول] يكره النوم أيضا بعد العصر لرواية جابر وبعد
المغرب قبل العشاء لما رواه ابن بابويه عن الباقر عليه السلام قال النوم أول النهار خرق والقائلة نعمة والنوم بعد العصر حمق والنوم بعد العشائين يحرم الرزق
وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال إن إبليس إنما؟ يبث؟ جنوده جنود الليل من حيث تغيب الشمس إلى مغيب الشفق و؟ يبث؟ جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى
مطلع الشمس وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول أكثروا ذكر الله عز وجل في هاتين الساعتين فإنهما ساعتا غفلة وتعوذوا بالله عز وجل من شر إبليس وجنوده
وعوذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنهما ساعة غفلة. [الثاني] يستحب القيلولة لقوله عليه السلام والقائلة نعمة لما رواه ابن بابويه
قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله إني كنت ذكورا وأنى صرت نسيا فقال: أكنت تقيل قال نعم، قال: وتركت ذاك قال نعم
قال عد فعاد إليه ذهنه قال وروي قيلوا فإن الله يطعم الصائم في منامه ويسقيه وقال روي قيلوا فإن الشيطان لا يقيل. [الثالث] روى ابن بابويه
عن عمار بن أبي عبد الله عليه السلام قال يقول إذا طلع الفجر الحمد لله فالق الاصباح سبحان رب المساء والصباح اللهم صبح آل محمد ببركة وعافية و
سرور وقرة عين ورزق واسع وحلالا واسعا تغنيني به عن جميع خلقك وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا استيقظ من منامه قال:
" الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور " وإذا أوى إلى فراشه قال: " باسمك اللهم أحيى وباسمك أموت " وعن عبد الكريم بن عتبة عن الصادق
عليه السلام أنه قال: من قال عشر مرات قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا
يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير " كانت كفارة لذنوبه في ذلك اليوم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول بعد صلاة الفجر " اللهم
أني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال وبوار الأيم والغفلة والذلة والقوة العيلة والمسكنة
وأعوذ بك من نفس لا تشبع ومن قلب لا يخشع ومن دعاء لا يسمع ومن صلاة لا تنفع وأعوذ بك من امرأة تشيبني قبل أوان؟ مشيتين؟ وأعوذ
بك من ولد يكون علي ربا وأعوذ بك من قال يكون على عذابا وأعوذ بك من صاحب خديعة إن رأى حسنة دفنها وإن رأى سيئة أفشاها اللهم
لا تجعل الفاجر عندي يدا ولا منة " وروى الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أصابك هم فامسح
بيدك على موضع سجودك ثم أمر بيدك على وجهك يعني من جانب خدك الأيسر وعلى جبهتك إلى جانب خدك الأيمن كذلك وصفه إبراهيم الراوي
ثم قل " بسم الله الذي لا إله إلا هو العالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم اذهب على الهموم والأحزان " ثلاثا والدعوات المنقولة عن أهل البيت
كثيرة لا تحصى وقد وضع الشيخ لهما كتاب المصباح.
[الفصل الثالث] في التروك، * مسألة: يجب عليه أن يترك كل ما يبطل
الطهارة فلو فعله عمدا أو سهوا بطلت صلاته ولا خلاف في أنه إذا أحدث عمدا أبطل صلاته إلا عند أبي حنيفة فإنه قال: لو أحدث عقيب قعوده وقدر
التشهد تمت صلاته لان التشهد عنده ليس بواجب وقد سلف بطلانه أما الناسي إذا سبقه الحدث فإن أكثر أصحابنا أوجبوا عليه الاستيناف
306

بعد الطهارة وقال الشيخ في الخلاف والسيد المرتضى في المصباح: لو سبقه الحدث ففيه روايتان، أحديهما: يعيد الصلاة والأخرى: يعيد الوضوء وبنى على
صلاة قال الشيخ في الخلاف: والذي أعمل عليه وأفتي به الرواية الأولى وقال في المبسوط وقد روي إذا سبق الحدث جاز أن يعيد الوضوء ويبني على صلاته والأحوط الأول
وقال الشافعي في الجديد: ويبطل صلاته ويستأنف بعد الوضوء وبه قال مالك وابن شرمة وأحمد وعطا والنخعي وقال في القديم: يتوضى ويبني وهو رواية عن
أحمد وبه قال أبو حنيفة وابن أبي ليلى وداود وقال الثوري إذا كان حدثه من رعاف أو قئ توضأ ويبني وإن كان من بول أو ريح أو ضحك أعاد الوضوء به
والصلاة وعن أحمد: إن كان حدثه من السبيلين أعاد الوضوء والصلاة وإن كان من غيرهما بنى وعن أبي حنيفة: إن كان منيا بطلت صلاته وإن كان دما فإن كان
بغير فعله مثل أن شجه انسان أو قصده بطلت صلاته وإن كان بغير فعل انسان كالرعاف لم تبطل صلاته. لنا: ما رواه الجمهور عن علي بن طلق عن
النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا قضى أحدكم وهو في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله فيمن وجد في بطنه رذة فلينصرف وليغتسل أو ليتوضأ وليستقبل صلاته رواه الأثرم والرذ الصوت قال صاحب الصحاح وعنه عليه السلام
قال: إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيقول أحدثت أحدثت فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن
أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: لا تقطعوا الصلاة إلا أربع، الخلاء والبول والريح والصوت. وعن الحسن بن جهم قال سألت
أبا الحسن عليه السلام عن رجل صلى الظهر والعصر فأحدث حتى جلس في الرابعة فقال: إن كان قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فلا يعد
وإن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد وعن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون في صلاته فيخرج فيه حب القرع فليس عليه شئ ولم
ينقض وضوءه وإن كان متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة ولان الطهارة شرط
وقد فسد فيفسد المشروط ولأنه فقد شرط الصلاة في أثنائها على وجه لا يعود إلا العذر من طويل وعمل كثير ففسدت صلاته كما لو تنجس
بنجاسة يحتاج في إزالتها إلى مثل ذلك أو انكشفت عورة ولم يجد السترة إلا في مكان بعيد احتج أصحابنا بما رواه الشيخ في الصحيح عن
الفضل بن يسار قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني وأذى أو ضربانا فقال: انصرف ثم توضأ وابن علي ما مضى
من صلاتك ما لم ينقض الصلاة متعمدا وإن تكلمت ناسيا فلا بأس عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا قلت وإن قلب وجهه عن
القبلة قال: نعم وإن قلب وجهه عن القبلة قال السيد المرتضى: لو لم يكن الأذى والغمز ناقضين للطهارة لما أمره بالانصراف والوضوء وعن أبي سعيد القماط قال سمعت رجلا
يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول وهو في صلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة
أو الرابعة قال فقال إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضى ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه فيبن (يبنى) على صلاته من
الموضع الذي خرج منه لحاجة ما لم ينقض الصلاة بكلام قال قلت وإن التفت شمالا أو ولى عن القبلة قال: نعم كل ذلك واسع إنما
هو بمنزلة من رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة من المكتوبة فإنما عليه أن يبني على صلاته واحتج أبو حنيفة بما روته عائشة
عن النبي صلى الله عليه وآله قال من قال (قاء) أو رعف في صلاته فلينصرف ليتوضأ وليبني على ما مضى من صلاته. والجواب عن الأحاديث السابقة:
بمنع صحة السند وبمعارضتها بالاخبار التي أوردناها فيبقى الدليل العقلي سالما وأيضا فالأذى والغمز والأذى ليسا بناقض وليس في الخبر أنه أحدث
وقوله عليه السلام: ما لم ينقض الصلاة متعمدا إنما يدل على أن الساهي لا يعيد من حيث دليل الخطاب وليس حجة وإن كان فمع عدم المعارض وحديث أبي حنيفة
ضعيفة الرواة منهم ومع تسليمه فالرعاف والقئ ليسا بحدثين على ما مضى ويحمل قوله عليه السلام وليتوضأ على غسله ما أصاب الثوب من الدم. فرع:
على القول بالبناء لو انصرف من الصلاة ليتوضأ ويبني فاخرج باقي الحدث عامدا استأنف وبه قال الشيخ وأبو حنيفة وقال الشافعي على العمد
ثم يبني. لنا: العمل بالاطلاق الدال على وجوب الاستيناف مع العمد وطريقة الاحتياط احتج الشافعي بأنه حدث طرأ على حدث ولا يكون مؤثرا والجواب: المنع من
مساواة الحدثين إذ الأول غير ناقض للصلاة بخلاف الثانية. * مسألة: الالتفات يمينا وشمالا لا ينقض ثواب الصلاة ولا يبطلها
وعليه جمهور الفقهاء الالتفاف إلى ما رواه يبطلها أما الابطال بالالتفات بالكية فلان الاستقبال شرط صحة الصلاة ومع الالتفات
بالكلية يقوت الشرط ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة أنه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله وفي الحسن
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فيفسد صلاتك فإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وآله
في الفريضة (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) واخشع بصرك ولا يرفعه إلى السماء ولكن هذا وجهك في موضع
سجودك وأما النقص من الثواب في الالتفات إلى أحد الجانبين مع بقاء الجسد مستقبلا فلما رواه الجمهور عن أبي ذر قال رسول الله صلى
الله عليه وآله: لا يزال الله مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت وإذا ألتفت انصرف عنه وليس ذلك للتحريم لما رووه عن أبي عباس قال
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يلتفت يمينا وشمالا ولا يلوي عينه خلف ظهره ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبد الملك قال
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الالتفات في الصلاة أنقطع الصلاة؟ فقال: أوما أحب أن يفعل وإنما أشار عليه السلام بذلك إلى الالتفات يمينا
307

وشمالا وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات فاحشا وإن كنت قد تشهدت
فلا تعد. فرع: لو ألتفت إلى ما وراءه ناسيا لم يعد صلاته لقوله عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. * مسألة:
ويجب عليه ترك الكلام في الصلاة فلو نطق بحرفين فصاعدا عمدا بطلت صلاته لا سهوا وقد أجمع أهل العلم كافة على أن من تكلم في الصلاة عالما
أنه فيها وأنه محرم عليه لغير مصلحة الصلاة ولا لأمر يوجب الكلام ولا داعيا يبطل صلاته وهذه المسألة تشتمل على مطالب الأول إبطال الصلاة
بما قد أجمعوا عليه بما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن هذه الصلاة لا يصلح شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة
القرآن وعن زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة تكلم أخذنا صاحبه إلى جنبه حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام رواه
مسلم ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال: كلما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام وأراد بذلك أنه ليس بكلام مبطل
وهو يدل على البطلان بما لا يناجي به الرب تعالى. [المطلب الثاني] لو تكلم في الصلاة جاهلا بتحريم الكلام في الصلاة بطلت صلاته خلافا
للشافعي: لنا: أنه متكلم متعمدا فبطلت صلاته كالعالم والجهل ليس بعذر في التكاليف بل الأولى فيه وزيادة العقوبة بالإعادة احتج الشافعي
بأن الكلام قد كان سائغا لحديث زيد والنسخ إنما يثبت في حق من يعلم به وبما رواه معاوية بن حكم السلمي قال بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه
وآله إذا عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت و؟ أشكل؟ أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلونا يضربون بأيديهم على
أفخاذهم فلما رأيناهم يسمتون سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما
تزجرني ولا تشمتني ولا ضربني ثم قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير والقراءة القرآن فلم يأمره بالإعادة.
والجواب عن الأول: بالمنع من تسويغ الكلام ولو سلم لكن النسخ لا يتوقف على العلم به وإلا دار بل على ورود الشرع مع إمكان العلم به وعن الثاني:
أن التسميت عندنا جائز فالناقض هو الكلام الثاني وفي قول النبي صلى الله عليه وآله أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس
أمر بالإعادة. [المطلب الثالث] لو تكلم متعمدا لمصلحة الصلاة بطلت صلاته عندنا وبه قال أبو حنيفة
والشافعي وأحمد في إحدى الروايات
وفي الأخرى: أنها لا تبطل وبه قال مالك والأوزاعي وفي الثالثة: أن صلاة الامام المتكلم لا يفسد ويفسد صلاة المأمومين الذين تكلموا.
لنا: عموم الأحاديث الدالة على النهي وما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: التسبيح للرجال التصفيق للنساء ولو كان الكلام جائزا
لتنبيه الامام لاستغنى عن التسبيح ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يصيبه
الرعاف وهو في الصلاة؟ فقال: إن قدر على ماء عنده يمينا وشمالا بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصلي ما بقي من صلاته
وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته ولأنه كلام ليس من الصلاة فأشبه غير المتعلق بمصلحتها احتجوا بما رواه
أبو هريرة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين فقال أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟
فأقبل على القوم فقال: أصدق ذو اليدين فقالوا نعم، فأتم ما بقي من صلاته وسجد وهو جالس بعد التسليم والجواب: أن هذا الحديث مردود لوجوه،
أحدها: أنه يتضمن إثبات السهو في حق النبي صلى الله عليه وآله وهو محال عقلا وقد بيناه في كتب الكلام، الثاني: أن أبا هريرة أسلم بعد
أن مات ذو اليدين بسنتين فإن ذا اليدين قتل يوم بدر وذلك بعد الهجرة لسنتين وأسلم أبو هريرة بعد الهجرة بسبع سنين واعترض على
هذا بأن الذي قتل يوم بدر ذو الشمالين واسمه عبد بن عمر بن فضلة الخزاعي وذو اليدين عاش بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله
ومات في أيام معاوية قال ويسرة بذي خشب واسمه الخرباق والدليل عليه أن عمر بن حصين روى هذا الحديث فقال فيه فقام الخرباق فقال أقصرت
الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ وأجيب بأن الأوزاعي روى فقال فقام ذو الشمالين فقال أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ وذو الشمالين قتل يوم بدر لا محالة وروى الأصحاب أن ذا اليدين كان يقول له ذو الشمالين رواه سعيد
الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام، الثالث: أنه قد روى في هذا الخبر أن ذا اليدين قال أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال كل
ذلك لم يكن وروي أنه عليه السلام قال: إنما أسهو لأبين لكم وروي أيضا أنه قال لم أنس ولم يقصر الصلاة. [المطلب الرابع] لو تكلم
عامدا لمصلحة لا يتعلق بالصلاة بطلت صلاته ذهب إليه علماؤنا كما لو خشي على ضرر صبي؟ للتردي في الهلكة أو رأى حية ونحوها
يقصد غافلا أو نائما ولا يمكنه التنبيه بالتسبيح وبه قال الأوزاعي وسعيد بن المسيب والنخعي وحماد بن أبي سليمان وبعض الشافعية وقال أحمد
وبعض الشافعية لا تبطل الصلاة بذلك. لنا: عموم الأحاديث الدالة على النهي وما رواه الجمهور عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء وأن الله قد أحدث أن لا يكلموا في الصلاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه سئل عن الرجل يريد الحاجة وهو في الصلاة؟ فقال: يومي برأسه ويشير بيده والمرأة إذا أرادت الحاجة وهي تصلي تصفق بيدها وعن إسماعيل
بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه قال في رجل يصلي ويرى الصبي يحبو إلى النار والشاة تدخل البيت لتفسد الشئ قال فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبني على صلاته ما لم يتكلم احتج المخالف بأنه كلام واجب والجواب: المنع
من كون الواجب غير مبطل. [المطلب الخامس] لو تكلم في الصلاة مجيبا للنبي صلى الله عليه وآله بطلت صلاته وإن كان واجبا خلافا
308

للشافعي. لنا: العموم الدالة على إبطال الصلاة بالكلام العمد ولأنه يجري مجرى تنبيه المتردى وفي تلك الصورة تبطل الصلاة عند أكثر الشافعية
فكذا هنا أجابوا بالفرق لان ذلك ليس بمتحقق لجواز أن لا يقع الأعمى بخلاف النبي صلى الله عليه وآله فإنها متحققة وليس بجيد لان ذلك لا يمتنع الوجوب بل
الانذار واجب فساوى إجابة النبي صلى الله عليه وآله واحتج بما رواه أبو هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله أبي كعب بن علي وهو يصلي في المسجد فقال
السلام عليك يا أبي فالتفت إليه أبي فلم يجبه ثم خفف الصلاة فلما انصرف رأى النبي صلى الله عليه وآله فقال السلام عليك يا نبي الله فقال وعليك
السلام ما منعك أن تجيبني ودعوتك فقال يا رسول الله كنت أصلي قال فلم تجد فيما أوحي إلي استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال بلى
يا رسول الله لا أعود. والجواب: أنه ليس محل النزاع إذ رد السلام عندنا واجب غير مبطل على ما يأتي. [المطلب السادس] لو تكلم مكرها ففي
الابطال به تردد ينشأ من كون النبي صلى الله عليه وآله جمع بينه وبين الناس في العفو والأقرب البطلان لأنه تكلم عامدا بما ليس من الصلاة والاكراه
لا يخرج الفعل عن التعمد ولا يقتضي إبطال الصلاة كما لو أكره على زيادة ثالثة في الفجر أو على زيادة ركوع في ركعة ورفع المؤاخذة لا ينافي ذلك
إذ لو تكلم غير مكره لكان معاقبا بخلاف المكره وإن اشتركا في الابطال. [المطلب السابع] لو تكلم في الصلاة ناسيا أنه فيها لم تبطل صلاته
وعليه علماؤنا وبه قال الشافعي ومالك والأوزاعي وإسحاق وأحمد وأبو ثور وقال أبو حنيفة: تبطل ذلك الصلاة. لنا: إلزام الخصم بحديث ذي
الشمالين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة
يقول أقيموا صفوفكم قال يقم صلاته ثم يسجد سجدتين فقلت سجدتي السهو قبل التسليم هما أو بعد قال بعد احتج المخالف بعموم النهي في قوله
عليه السلام إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الآدميين ولان عمده مبطل الصلاة فكذلك سهوه كالحدث. والجواب عن الحديث: أنه
لا دلالة فيه لان الكلام لا يصلح في الصلاة وليس في الحديث ذكر الصلاة التي وقع فيها وعن القياس بالفرق فإن الحديث يبطل الطهارة أو
يوجبها وليس بما جرت الصلاة. [المطلب الثامن] لو ظن إتمام الصلاة فتكلم لم تفسد صلاته خلافا للشيخ في بعض أقواله ولأحمد في إحدى
الروايتين ولأصحاب الرأي. لنا: أنه داخل في حيز النسيان فيدخل تحت قوله عليه السلام: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " ورواية ذي اليدين وإن لم
تكن حجة لنا فهي في معرض الالزام ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يسهو في الركعتين
ويتكلم؟ قال: يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شئ عليه وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صلى ركعتين من المكتوبة
فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير ركعتين قال يتم ما بقي من صلاته ولا شئ عليه قال الشيخ في المبسوط وقد روي
أنه يقطع الصلاة قال والأولى أحوط احتجوا بالمنع المطلق. والجواب: العمل بالخاص أولى وهو معارض بما نقل عن جماعة من الصحابة أنهم
تكلموا بعد السلام بظن الاتمام ثم أتموا مع الذكر كالزبير وابنيه عبد الله وعروة وصوبهم ابن عباس ولم ينكر فكان إجماعا. فرع: لا فرق
بين قليل الكلام وكثيره في الابطال مع العمد وعدمه مع السهو خلافا للشافعي فإنه علل بالكلام الكثير وإن صدر عن سهو. لنا: عموم دفع السهو
وما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام والرجل يذكر بعد ما قام وتكلم وقضى في حوائجه أنه إنما يصلي ركعتين في
الظهر والعصر والعتمة والمغرب قال ينبي على صلاته فيتمها ولو بلغ الصبي ولا يعيد ولأنه سهو فكان معفوا عنه كالقليل احتج الشافعي بالقياس
على الفعل الكثير والجواب منع الحكم في الأصل والفرق بأن الفعل آكد كما أن عتق المجنون لا ينفذه وأفعاله من الجنايات ينفذه ولان القليل من
الفعل معفو عنه مع العمد بخلاف الكلام فجعل الفرق وهو كاف في إبطال القياس. [المطلب التاسع] لو سلم في الركعتين الأولتين
ناسيا قام فأتم صلاته وسجد للسهو وعليه علماؤنا وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وقال سعيد بن المسيب والنخعي وحماد بن سليمان يبطل صلاته.
لنا: رواية ذي اليدين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صلى ركعتين في المكتوبة فسلم
وهو يدري أنه قد أتم صلاته وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير ركعتين؟ فقال: يتم ما بقي من صلاته ولا شئ عليه وكذا لو أسلم في الركعة الواحدة. [المطلب
العاشر] لو نام متكلم بطلت صلاته عندنا للنوم لا بالكلام وقال أحمد لا يبطل لان القلم مرفوع عنه. والجواب: رفع القلم يبطل التكليف فلا
يصح صلاته فهو حجة. لنا: والأصل في ذلك أن النوم ناقض للطهارة وأن نواقض الطهارة مبطلة للصلاة وقد تقدم. [المطلب الحادي
عشر] الكلام جنس يقع على القليل والكثير والكلام جمع كلمة وأقل ما تركب منه الكلمة حرفان لان سيبويه قسم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف ويدخل فيه
مثل أب وأخ وكل وقم وقد وعن فلو قال لا أفسد صلاته لأنها حرفان " لام وألف " ولو نفخ بحرفين أفسد صلاته قال الشيخ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى
الروايتين وفي الأخرى: لا يفسد صلاته مطلقا وفي أخرى غير يفسد صلاته مطلقا. لنا: أنه مع انتظامه من حرفين يسمى كلاما على ما مر وبدونه
لا يعد كلاما واحتج المخالف بقول ابن عباس من نفخ في الصلاة فقد تكلم والجواب أنه محمول على الاتيان بالحرفين. فروع: [الأول] لو تكلم
بحرف واحد لم تبطل صلاته إجماعا لأنه لا يسمى كلاما إلا أن يكون مفيدا كالأفعال الثلاثية المعتلة الطرفين إذا أمر بها مثل " ق " و " ع " و " ش " فإن عندي
فيها تردد والوجه إبطال الصلاة بها لوجود مسمى الكلام فيها. [الثاني] لو نفخ موضع سجوده بحرفين أبطل صلاته خلافا لأبي حنيفة فإنه
309

قال: النفخ مطلقا لا يبطل إلا أن يكون مسموعا ولأحمد في السجود خاصة. لنا: أنه كلام فكان مبطلا احتج أبو حنيفة بأنه متى لم يسمع لم يعد كلاما واحتج أحمد
بما رواه عبد الله بن عمر وقال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ووصف صلاته إلى أن قال ثم نفخ في سجوده فقال أف أف.
والجواب عن الأول: أنه إن أراد ما لا يسمعه الانسان من نفسه فليس بنفخ وإن أراد ما لا يسمعه الغير فهو ممنوع إذ ما أبطل الاجهار به أبطل
الاسرار به كالكلام، وعن الثاني: لعل النفخ لم يكن بحرفين. [الثالث] لو تنحنح بحرفين وسمى كلاما أبطل الصلاة وإلا فلا وقال بعض
الجمهور لا تبطل الصلاة مطلقا لان عليا عليه السلام قال كانت لي ساعة في السحر أدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله وإن كان في صلاة
تنحنح وكان ذلك إذنا وإن لم يكن في الصلاة أذن لي رواه الحلال بإسناده والوجه عندي اعتبار اسم الكلام. [الرابع] قال الشيخ لو تأوه بحرفين
أبطل الصلاة وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن تأوه من خشية الله تعالى لم يفسد صلاته ولو كان بحرفين ويبطلها لو كان لغير ذلك و
كذا الخلاف في الأنين. لنا: أنه مع تسميته كلاما يدخل تحت عموم النهي وقد روى الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: من
أن في صلاته فقد تكلم ويحمل ذلك على الاتيان بحرفين احتج أبو حنيفة بأن الله تعالى وصف إبراهيم عليه السلام بالأواه فكان ذكرا والذكر غير مبطل و
الجواب: المدح لا يقتضي جواز فعله في الصلاة كالمدح على الأفعال الكثيرة الحسنة المنافية للصلاة كالكلمة الطيبة. [المطلب الثاني عشر]
لا بأس بأصناف الكلام الذي يناجي به الرب تعالى لما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يتكلم في الصلاة الفريضة
بكل شئ يناجي ربه قال نعم وعن الحلبي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أسمي الأئمة عليهم السلام في الصلاة؟ قال: أجملهم ومن هذا الباب كل ذلك يقصد
به تنبيه غيره. * مسألة: ويجب عليه ترك الضحك في الصلاة لا التبسم فلو قهقه عمدا بطلت صلاته سواء بان حرفان أو لا وهو مذهب أهل
العلم كافة وكذا الاتفاق في وقع على أن التبسم لا يبطل الصلاة عمدا وسهوا وروى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من قهقه فليعد صلاته
وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله قال: القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء رواه الدارقطني ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الحسن عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال: القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة وفي الموثق عن سماعة قال سألته عن الضحك هل
يقطع الصلاة قال: أما التبسم فلا يقطع الصلاة وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة. * مسألة: ويجب عليه ترك الفعل الكثير الخارج عن
أفعال الصلاة فلو فعله عامدا بطلت صلاته وهو قول أهل العلم كافة لأنه يخرج به عن كونه مصليا والقليل لا
يبطل الصلاة بالاجماع روى أبو
رافع أن النبي صلى الله عليه وآله قتل عقربا وهو يصلي وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن أبي العلا قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرى الحية والعقرب وهو يصلي
المكتوبة؟ قال: يقتلها وفي الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون في الصلاة فرأى الحية والعقرب يقتلهما إن آذياه
قال: نعم وفي الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يقتل البقة والبرغوث والقملة والذباب في الصلاة أتنقض صلاته ووضوئه؟ قال:
لا ولم يحد الشارع القلة والكثرة فالمرجع في ذلك إلى العادة وكل ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام فعلوه في الصلاة وأمروا
به فهو من خير القليل كقليل البرغوث والحية والعقرب وكما روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يحمل أمامة بنت العاس فكان إذا سجد وضعها
وإذا قام رفعها. فروع: [الأول] قتل الحية والعقرب في الصلاة غير مكروه خلافا للنخعي. لنا: رواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
أمر بقتل الأسودين في الصلاة ومن طريق الخاصة ما تقدم من الأحاديث. [الثاني] روى الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلي فترضعه وهي تتشهد وعن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيرى (فيقرء) حية
بحياله يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟ قال: إن كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها وإلا فلا. [الثالث] روى الشيخ عن زكريا الأعور قال
رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلي قائما وإلى جانبه رجل كبير ويريد أن يقوم معه ومعه عصا له فأراد أن يتناولها فانحط أبا الحسن عليه السلام وهو قائم في
صلاته فتناول الرجل العصا ثم عاد إلى صلاته. [الرابع] لا بأس أن يعد الرجل عدد ركعاته بأصابعه أو بشئ يكون معه من الحصا وشبهه وعليه
علماؤنا أجمع بشرط أن لا يتلفظ بل يعقده في ضميره وليس مكروها وبه قال أهل العلم كافة إلا أبا حنيفة فإنه كرهه وكذا الشافعي. لنا: ما
رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه عد الفاتحة في الصلاة وقطعها والنبي صلى الله عليه وآله لا يفعل مكروها وعنه عليه السلام أنه كان
يسبح ثلاث تسبيحات وهو إنما يكون بالعدد وعن أبي الدرداء قال إني لأدعو في صلاتي بسبعين رجلا من إخواني ومن طريق الخاصة ما رواه
ابن بابويه عن عبد الله بن المغيرة أنه قال عليه السلام لا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتم أو بحصى بأحد يديه فيعد به احتج القائلون بالكراهية
بأنه عمل ليس من الصلاة فكان مكروها كمسح الوجه والجواب: الفرق موجود إذ هو وإن لم يكن من أعمال الصلاة لكن فيه غرض مطلوب شرعا
وهو حفظ الركعات عن السهو بخلاف مسح الوجه. [الخامس] البكاء جائز في الصلاة إن كان خوفا من الله تعالى وخشية من النار لا يقطعها
عمدا ولا سهوا وإن كان لأمور الدنيا لم يجز وأبطل الصلاة سواء غلب عليه أو لا وتدل على جواز الأول قوله تعالى: إذا تتلى عليه آيات الرحمن
310

خروا سجدا وبكيا) وروى الجمهور عن مطرف عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء رواه الحلال قال
أبو عبيدة الأزيز غليان صدره وحركته بالبكاء ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن منصور بن يونس بزرج أنه سأل الصادق عليه السلام عن الرجل
يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي؟ فقال: قرة عين والله وقال إذا كان ذلك فاذكرني عنده وكل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث أعين عين بكت من خشية الله وعين غضت
عن محارم الله وعين باتت ساهرة في سبيل الله وأما المنع من الثاني فلانه ليس من أفعال الصلاة فكان قاطعا كالسلام ويؤيده ما رواه الشيخ عن
النعمان عن عبد السلام عن أبي حنيفة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البكاء أيقطع الصلاة؟ قال: إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك
هو أفضل الأعمال في الصلاة وإن كان ذكر؟ مست؟ له فصلاته فاسدة. * مسألة: ويجب عليه ترك التكفير في الصلاة وهو وضع اليمين على الشمال
حال القراءة فلو فعله بطلت صلاته ذهب إليه أكثر علمائنا وقال أبو الصلاح وهو مكروه وهو قول مالك وابن الزبير والحسن البصري وقال الشافعي
وأحمد وأصحاب الرأي هو مستحب وقد استدل الشيخ والسيد المرتضى على ذلك بالاجماع. لنا: أنه فعل كثير ليس من أفعال الصلاة فيكون مبطلا ولان
أفعال الصلاة متلقاة عن الشرع وليس هناك ما يدل على تشريعه ولان الاحتياط يقتضي ترك ما وقع الخلاف في كونه مبطلا ولما رواه الشيخ عن
حريز عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تكفير إنما يصنع ذلك المجوسي وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال قلت الرجل يضع يده
في الصلاة اليمنى على اليسرى؟ فقال: ذلك التكفير لا يفعله والنهي يدل على التحريم ولأنه سنة المجوس فيجب تركه لقوله عليه السلام: خالفوهم والامر للوجوب اعترض
بعض المتأخرين بمنع الاجماع لوجود المخالف وعلى الأول: بأن وضع اليدين على الركبتين ليس بواجب ولم يتناول النهي وضعهما في موضع معين فكان
للمكلف وضعهما كيف شاء، وعلى الثاني: بأنه كما لو يثبت تشريع الوضع لم يثبت تحريمه وعدم التشريع لا يقتضي التحريم لعدم دلالته على التحريم، وعلى الثالث:
بأن الاحتياط إنما يتم إذا لم يوجد دليل الجواز وقد وجد وهو الامر بمطلق الصلاة وأيضا الاحتياط إنما يكون إذا لم يعلم ضعف مستند المانع وهذا ضعيف
مستند المانع معلوم والرواية تدل على الكراهية لما تضمنه من قوله أن تشبه بالمجوس وأمر النبي صلى الله عليه وآله بالمخالفة ليس على الوجوب لا يتم
قد يفعلون الواجب من اعتقاد استناد الخير إلى الله تعالى والجواب عن المنع: الاجماع أنه غير مسموع إذ هو دليل يصح أن يكون معلوما وأن يكون
مظنونا ويقبل في نقل الآحاد وقول السيد المرتضى والشيخ رحمهما الله وإن لم يفسد القطع بثبوته فإنه يثمر ظنا فيكون حجة وخلاف أبي
الصلاح محدث لا يؤثر فيما ادعياه وعن الثاني: بالمنع من عدم النهي الدال على وضعهما في موضع معين، وعن الثالث: بثبوت التحريم بالأدلة
التي ذكرناها، وعن الرابع: أن الامر بمطلق الصلاة لا يقتضي جواز التكفير إلا أن يقال الامر توجه بالصلاة وهو غير مانع من التكفير فكان
سائغا بالأصل فحينئذ يرجع حاصل هذا الاستدلال إلى عدم العلم بالدليل وذلك لا يدل على المدلول ولا فرق حينئذ بين الامر بالصلاة في هذا الباب وبين
الامر بالزكاة الدالة على وجوبها ولم يتعرض للمنع من التكفير في الصلاة وضعف مستند المانع قد ظهر بطلانه وتعليله كون النهي للكراهية
بالتشبيه بالمجوس غير صحيح إذ لا ينافي التحريم بالأقرب ثبوته للتشبيه ومخالفتهم واجبة ولا يؤثر ما ذكره إذ (تخصص) تخصيص العام لا يخرجه عن الاستدلال
به في غير صورة التخصيص واستدل الجمهور على الاستحباب بما رواه سهل بن سعد قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعيه
اليسرى في الصلاة قال أبو حازم: لا أعلمه إلا بيمنى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله مر به وهو واضع شماله على
يمينه فوضع يمينه على شماله في الصلاة وعن وائل بن حجر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي فوضع يديه على صدره إحديهما على
الأخرى. والجواب عن الرواية الأولى: أنها غير دالة على الامر وهو قول أبي حازم لا أعلمه إلا بيمنى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
قول شاك غير جازم إلى نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ورواية ابن مسعود غير عامة لأنها واقعة مخصوصة ومعارضة بما ذكرنا من الأدلة ورواية
وائل بن حجر مخالفة لفعلهم إذ هم بين واضعين فوق السرة وتحتها وتركهم للعمل بمضمونها يدل على الضعف. فروع: [الأول] لا فرق في التحريم بين
وضعها فوق السرة وتحتها لعموم الأدلة. [الثاني] قال الشيخ في الخلاف: يحرم وضع الشمال على اليمين وعندي فيه تردد إذ رواية محمد بن مسلم
تضمنت العكس ورواية حريز تدل على المنع من التكفير وفي رواية محمد بن مسلم أن التكفير هو وضع اليمنى على الشمال فيمن مطالب الشيخ بالمستند
بالقياس عذره باطل وقد عول على ما ذكرناه من الأدلة غير الخبرين. [الثالث] التحريم يتناول حال القراءة وغيرها لرواية محمد بن مسلم.
[الرابع] لا فرق بين وضع الكف على الكف ووضع الكف على الذراع لتناول اسم اليد له. [الخامس] لا فرق بين أن يضعها معتقدا
للاستحباب وغير معتقد له. * مسألة: ويحرم قطع الصلاة إلا لضرورة كمن رأى دابة له انفلتت أو غريما يخاف فوته أو مالا يخاف ضياعه أو
غريما يخاف هلاكه أو حريقا يلحقه أو طفلا يخاف سقوطه أما الأول فلقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) وأما الثاني: فلان في البقاء على حالة ضررا وهو منفي
شرعا ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة وينسى كيسه أو متاعا تخوف ضيعته أو هلاكه؟
قال: يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل القبلة قلت كيف ويكون في الصلاة الفريضة فتغلب عليه دابة أو تغلب دابة فيخاف أن تذهب أو يصيب فيها عنت فنفلت دابته فيخاف أن يذهب منها عنتا؟ فقال: لا بأس
بأن يقطع صلاته ويحرز ويعود إلى صلاته وعن حريز عمن أخبر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال
311

أو حية تخافها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع الغلام أو غريمك واقتل الحية. فرع: إنما يجوز ذلك إذا لم يحصل الغرض بدونه ولو أمكن
بدون قطعها لم يجز عملا له بالعموم السالم عن معارضة الضرورة ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يكون في الصلاة فيقرء فيرى حية بحياله يجوز أن يتناولها فيقتلها؟ فقال: إن كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها وإلا فلا يعني إذا لم يخط
إذا ثبت ذلك فنقول إذا فعله لم يبطل صلاته إجماعا روى الجمهور عن أبي برزة أنه صلى ولجام دابته في يده فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها وجعل
رجل من الخوارج يقول اللهم أصلي أفعل هذا الشيخ فلما انصرف قال إني سمعت قولكم واني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله ست غزوات أو سبع غزوات
أو ثمان غزوات وشهدت من ميسرة اني كنت ارجع مع دابتي أحب إلي من أن أرجع إلى مألفها فيشق علي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق
عن إسماعيل بن زياد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه قال في رجل يصلي ويرى الصبي يحبو إلى النار أو الشاة تدخل البيت لتفسد الشئ
قال: فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبني على صلاته ما لم يتكلم. * مسألة: قال الشيخ الأكل والشرب يفسدن الصلاة وهو مذهب الجمهور كافة و
احتج الشيخ بالاجماع وهو عندي مشكل والأولى أن يقال الأكل والشرب غير مبطل ما لم يتطاول بحيث يدخل تحت الفعل الكثير فيكون إبطاله
مستندا إلى الكثرة لا إلى كونه أكلا وشربا احتج الجمهور بقول النبي صلى الله عليه وآله: كفوا أيدكم في الصلاة وبأنه اشتغال عن العبادة بما ينافيها
وبأن ما أبطل الصوم أبطل الصلاة كالمباشرة. والجواب عن الأول: أنه حقيقة في الامر بكف اليد ونحن نقول بموجبه إذ الأكل قد يمكن بغير اليد فإن
قلت المراد المجاز وهو المنع من الأفعال الخارجة عن الصلاة قلت لا بد من الدلالة على إرادة المجاز ولو سلم فهو مخصوص بالفعل القليل، وعن
الثاني: بأنه باطل بالأفعال الكثيرة ونحن نتكلم عن تقدير قلة الأكل، وعن الثالث: بالمنع من الالحاق بالصوم في صورة النزاع إذ الصوم هو الامساك
عن الأكل قليله وكثيره فهو ينافيها ولا ينافي الصلاة إذا كان قليلا. فروع: [الأول] لو أكل أو شرب في الفريضة ناسيا لم يبطل صلاته
عندنا قولا واحدا وبه قال الشافعي وأحمد وعطا وقال الأوزاعي يفسد صلاته. لنا: عموم رفع أحكام (الاحكام مع عدمه) البيان احتج بأنه فعل مبطل من غير جنس الصلاة
فاستوى عمده وسهوه كالفعل الكثير. والجواب: المنع من ثبوت الحكم في الأصل. [الثاني] لو ترك في فمه شيئا يذوب كالسكر فذاب فابتلعه لم يفسد
صلاته عندنا وعند الجمهور يفسد لأنه يسمى أكلا أما لو بقي بين أسنانه شئ من بقايا الغداء فابتلعه في الصلاة لم يفسد صلاته قولا واحدا
أنه لا يمكن التحرز منه وكذا لو كان في فمه لقمة ولم يبلعها إلا في الصلاة لأنه فعل قليل. [الثالث] قال الشيخ لا بأس بشرب الماء في النافلة
وبه قال طاوس وابن الزبير وسعيد بن جبير وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا يجوز وبه قال الشافعي احتج الشيخ بالإباحة الأصلية وبما رواه
سعيد الأعرج قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني أبيت وأريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب وأكره أن أصبح وأنا عطشان
وأمامي قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة، فقال: تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود في الدعاء والأقرب
عندي مراعاة القلة فيصح الصلاة معها
ويبطل بدونها ورواية سعيد محمولة عليه على أنها وردت في واقعة مقيدة بقيود إرادة الصوم وخوف العطش وكونه في دعاء الوتر ومع ذلك
فهي واردة في صلاة الوتر خاصة. * مسألة: ويكره أن يصلي وهو معقوص الشعر وبه قال المفيد وأبو الصلاح منا وأبو حنيفة وأكثر الجمهور
وقال الشيخ في النهاية والمبسوط: يحرم ويعيد لو صلى كذلك وقد تقدم البحث في ذلك. * مسألة: ويكره الالتفات بوجهه يمينا وشمالا وقال
بعض الحنفية بالتحريم بما رواه عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا تلفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت والجواب:
منع الرواية بضعف عبد الله بن سلام عند المحدثين ولو سلم فيحمل على الالتفات بالجميع وقد مضى البحث في ذلك. * مسألة: ويكره التثاوب في
الصلاة لأنه استراحة في الصلاة ويعتبر لهيئتها المشروعة وكذا يكره التمطي أيضا بهذه العلة ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الرجل يريد الحاجة وهو في الصلاة فقال: يومي برأسه ويشير بيده والمرأة إذا أراد الحاجة وهي تصلي تصفق بيدها
قال وسألته عن الرجل يتثاءب في الصلاة ويتمطى قال هو من الشيطان ولن يملكه وفي ذلك دلالة على رجحان الترك مع الامكان ويكره العبث
في الصلاة بالاجماع لأنه يذهب بخشوعها وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى رجلا يعبث في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت
جوارحه ويكره التختم والبصاق وفرقعة الأصابع لما في ذلك من التشاغل عن الخشوع ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي القسم معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة وما فعل قلت عبث بذكره حتى مسه بيده؟ قال: لا بأس والاستفسار
هنا للأذكار وما رواه أبو بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنك بين يدي الله فإن كنت لا تراه فاعلم أنه يراك فاقبل
قبل صلاتك فلا تمخط ولا تبصق ولا تنقض أصابعك ولا تورك فإن قوما عذبوا بنقض الأصابع والتورك في الصلاة ويكره التأوه بحرف
وقد مضى دليله. * مسألة: ويكره مدافعة الأخبثين وهو قول كل من يحفظ عنهم العلم روى ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا يحل
لامرء أن ينظر في جوف ثلاث حتى يستأذن ولا يقوم إلى الصلاة وهو حقن. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي
عبد الله عليه السلام: لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة وهو بمنزلة من هو في ثوبه والمراد بذلك نفي الكمال لا الصحة وما رواه أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد الله
312

عليه السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين ولأنه شاغل من الخشوع وحضور القلب. فرع: لو صلى كذلك
صحت صلاته ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وقال ابن أبي موسى إن كان به من مدافعة الأخبثين ما هو حجة (يحجبه) ويشغله عن الصلاة
أعاد وبه قال مالك. لنا: انه أتى بالمأمور على وجهه فيكون خارجا عن عهدة الامر احتج مالك بخبر ثوبان وبما روته عائشة عن رسول الله صلى الله
عليه وآله قال: لا صلاة لمن يحضره طعام ولا هو يدافعه الأخبثان. والجواب: أن المراد من الخبرين الكراهية لأنه وافقنا على صحة صلاة من يحضره طعام ومن
يشتغل قلبه بشئ من الدنيا وقد روى الشيخ في الصحيح عن الفضل بن يسار قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أكون في الصلاة وأجد غمزا في بطني أو أذى أو
ضربانا؟ فقال: انصرف ثم توضأ وابن علي ما مضى من صلاتك بما لم ينتقض الصلاة متعمدا فإن تكلمت ناسيا فلا شئ عليك وهو بمنزلة من
تكلم في الصلاة ناسيا قلت وإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: نعم وإن قلب وجهه عن القبلة وهذه الرواية عندنا لان وجود الغمز في البطن لا يوجب
الطهارة بمجرده ما لم ينضم إليه الحدث وقد سلف ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه أيصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟ قال فقال: إذا احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل
وليصبر. * مسألة: ويكره رفع البصر في الصلاة وهو إجماع روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم
في صلاتهم فأسند قوله في ذلك حتى قال لينتهي عن ذلك أو ليحفظن أبصارهم ورواه البخاري ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: أجمع بصرك ولا ترفعه إلى السماء ويكره تغميض العين في الصلاة روى الجمهور عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه. ومن طريق الخاصة ما رواه مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله نهى ان يغمض
الرجل عينيه في الصلاة ويكره لبس الخف الضيق لما فيه من النعل ويكره التورك في الصلاة وهو أن يعتمد بيده على وركيه وهو التحضر روى
الجمهور عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن التحضر في الصلاة ومن طريق الخاصة ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ولا
يتورك فإن قوما عذبوا بنقض الأصابع والتورك في الصلاة ويكره السدل في الصلاة قاله علم الهدى في المصباح وابن إدريس وبه قال أبو حنيفة
والشافعي خلافا لمالك وهو عبارة عن وضع الثوب على الرأس والكتف وإرسال طرفه. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي هريرة قال نهى النبي صلى الله عليه
وآله السدل ومن طريق الخاصة رواية ابن بابويه وقد تقدمت في باب اللباس. * مسألة: ويجوز أن يستند إلى الحائط وأن يضع يده عليه لا
أن يعتمد عليه بحيث يسقط مع سقوطه أما الأول فلما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل هل يصلح
له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال: لا بأس وعن الرجل يكون في صلاة فريضة
فيقوم في الركعتين الأولتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟ قال: لا بأس وفي الموثق عن
عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يصلي متوكيا على عصا أو على حائط؟ فقال: لا بأس بالتوكي على عصا والاتكاء على
الحائط وعن سعيد بن يسار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التكاة في الصلاة على الحائط يمينا وشمالا؟ فقال: لا بأس وأما الثاني: فلما رواه الشيخ
في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ولا يستند إلى جدار إلا أن يكون مريضا ولأنه حينئذ لا يكون قائما بالاستقلال (مسألة) ويجوز للمصلي أن يحمد
الله إذا عطس ويصلي على نبيه وآله عليهم السلام وأن يفعل ذلك (إذا) عطس غيره وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام وبه قال الشافعي وأبو يوسف وأحمد وقال أبو
حنيفة تبطل صلاته. لنا: ما رواه الجمهور عن عامر بن ربيعة قال عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في الصلاة فقال الحمد لله حمدا كثيرا
طيبا مباركا فيه حتى يرضى ربنا وبعد ما يرضى من أمر الدنيا والآخرة فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من القائل كلمة فإنه لم يقل بأسا
ما تناهت دون العرش رواه أبو داود ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا عطس الرجل فليقل الحمد لله وإذا جاز حمد الله في حقه غيره (جاز في حق) لأنه ثنائه (ثناء) على الله تعالى ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي بصير قال قلت له اسمع
العطسة فأحمد الله وأصلي على النبي صلى الله عليه وآله وأنا في الصلاة؟ قال: نعم، وإن كان بينك وبين صاحبك اليم ولأنه مناجاة الرب وشكر
له على نعمة فيكون سائغا. فروع: [الأول] يجوز أن يحمد الله على كل نعمة لأنه مناجاة للرب تعالى فيكون سائغا للرواية. [الثاني] يجوز له
تسمية العاطس بالدعاء فيقول يرحمك الله ويغفر الله لك وما أشبهه إذا كان مؤمنا لأنه دعاء فكان سائغا. [الثالث] قال بعض الجمهور
يستحب إخفاؤه ولم يثبت عندي. * مسألة: ويجوز له أن يرد السلام إذا سلم عليه قطعا ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال أبو هريرة وسعيد بن
المسيب والحسن وقتادة وقال مالك والشافعي وأحمد يرد بالإشارة وقال أبو حنيفة: لا يرد قطعا ولا إشارة. لنا: قوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا
بأحسن منها أوردوها) وهو عام وما رواه الجمهور عن ابن مسعود قال كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في الصلاة فرد علينا
وادعاؤهم أنه منسوخ لم يثبت ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل
يسلم عليه في الصلاة قال: يرد بقول سلام عليكم ولا يقدر عليكم السلام فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قائما يصلي فمر به عمار بن ياسر
313

فسلم عليه فرد عليه النبي صلى الله عليه وآله هكذا وفي الصحيح عن محمد بن مسلم قال دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة فقلت السلام عليك، فقال:
السلام عليك فقلت كيف أصبحت فسكت فلما انصرف قلت له أيرد السلام وهو في الصلاة؟ فقال: نعم، مثل ما قيل له وما رواه البزنطي في جامعه عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أن عمارا سلم على رسول الله صلى الله عليه وآله فرد عليه ولان أبا هريرة أمر به والظاهر أنه إنما قاله توقيفا ولأنه دعاء
في الحقيقة فكان سائغا احتج المخالف بما رواه جابر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فبعثني في حاجة وهو يصلي على القبلة ووجهه
إلى غير القبلة فسلمت فلم يرد علي فلما انصرف قال: أما أنه لم يمنعني أن أرد عليك إني (الا) كنت أصلي ومع ابن مسعود قال يا رسول الله صلى الله عليه وآله كنا
نسلم عليك في الصلاة فرد علينا قال إن في الصلاة لشغلا ولأنه كلام آدمي فيكون الصلاة مجز وسنة عنه والجواب عن الأول: لعله عليه السلام قد
كان مشغولا بالعبادة فلم يسمع وعلل عليه السلام ترك الرد بالصلاة لأنها سبب شغل القلب عن السماع ويؤيده قوله عليه السلام في حديث ابن مسعود أن في
الصلاة لشغلا وعن رواية ابن مسعود بذلك أيضا وأنه عليه السلام قد كان يسلم أولا عليهم بغير لفظ القرآن ويؤيده قوله عليه السلام في آخر حديث
ابن مسعود أن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن الله قد أحدث لا تكملوا في الصلاة والسلام الذي يجوزه نحن شئ ورد به القرآن فلا يكون كلام
الناس وبهذه أخرج الجواب عن قولهم: أنه كلام آدمي لا يقال إذا قصد به رد السلام خرج عن القرآن لأنا نمنع ذلك فإنه قرآن من حيث التعلم
ورد السلام من حيث التعدلة (التعبد به) ولهذا لو قرأ أنه دعاء جاز له أن ينويه ولا يخرج به عن القرآن احتج الشافعي بما رواه ابن عمر قال خرج رسول الله
صلى الله عليه وآله إلى قبا يصلي فيه قال فجاءه الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي قال فقلت لبلال كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله
يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي قال يقول هكذا وبسط يعني كفه وجعل بطنه أسفل وظهره إلى فوق ولان ابن عباس سلم عليه
موسى بن حبل وهو يصلي فقبض على ذراعه وكان ردا من ابن عباس عليه والجواب: هذا يصلح حجة على أبي حنيفة المانع من الإشارة لا علينا
لجواز انضمام النطق اللساني إلى الإشارة وليس في الحديثين ما يدل على عدم النطق وعدم سماع الراوي لا يدل على العموم. فروع:
[الأول] يجب أن يرد مثل قوله سلام عليكم ولا يقول وعليكم السلام لأنه ليس بلفظ القرآن ولما تقدم من الروايات. [الثاني]
لو سلم عليه بغير قوله سلام عليكم قيل لا يجوز إجابته إلا أن يقصد الدعاء فيكون مستحقا وعندي فيه تردد وينشأ من قول الباقر عليه السلام
يقول مثل ما قيل له وذلك عام لا يقال ان مقصوده عليه السلام قوله سلام عليكم لأنه منطوق القرآن لأنا نمنع ذلك لان كيفية التسليم
عليه في صلاته السلام عليكم وبه أجاب عليه السلام وليس هو منطوق القرآن. [الثالث] روى الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سألته عن المصلي فقال: إذا سلم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فرد عليه فيما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك وفي الصحيح
عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا سلم عليك الرجل وهو يصلي قال ترد عليه خفيا كما قال وهاتان محمولتان على
ما إذا حصل للمصلي تقية. [الرابع] لو حياه بغير السلام فعندي فيه تردد أقربه جواز رده لعموم الآية. [الخامس] لا يكره لمن دخل على المصلي
أن يسلم عليه خلافا لعطا والشعبي وإسحاق. لنا: عموم قوله تعالى: (وإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) أي أهل دينكم ولان النبي صلى الله عليه
وآله سلم عليه أصحابه فرد عليهم نطقا تارة وإشارة عندهم أخرى ولم ينكر عليهم احتجوا بأنه ربما غلط المصلي
والجواب قد كان ينبغي أن يكره
له الدخول عليه لأنه ربما اشتغل فغلط وما لم يلحظ ذلك هنا فكذا ثم. * مسألة: ويجوز الدعاء في أحوال الصلاة قائما وقاعدا وراكعا
وساجد أو متشهدا وفي جميع أحوالها بما هو مباح سواء كان للدين أو للدنيا بغير خلاف بين علمائنا لعموم قوله تعالى: (ادعوني استجب لكم) ولقوله
تعالى: (قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم) وغيره من الآيات الدالة على تعلق غرض الشارع به مطلقا وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله و
علي عليه السلام أنهما دعيا على أقوام ولأقوام قائمين وقال عليه السلام ادعوا لله في سجودكم وفي حديث الصادق عليه السلام كلما كلمت الله به في صلاة الفريضة
فلا بأس به وليس بكلام وروى الشيخ عن أبي جرير الرواشي قال سمعت أبا الحسن عليه السلام وهو يقول اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو بعد
الحساب ترددها وفي الصحيح عن محمد بن مسلم قال صلى بنا أبو بصير في طريق مكة فقال وهو ساجد وقد كانت ضلت ناقة عما لهم اللهم رد على فلان بن فلان ناقته
قال محمد فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته فقال فعل فقلت نعم قال فسكت قلت أفأعيد الصلاة قال لا وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يذكر النبي صلى الله عليه وآله وهو في الصلاة المكتوبة أما راكعا وأما ساجدا فيصلي عليه وهو على
تلك الحال فقال نعم ان الصلاة على نبي الله صلى الله عليه وآله كهيئة التكبير والتسبيح وهي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكا أيهم يبلغها إياه
وعن عبد الرحمن سنانة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ادعو وأنا ساجد؟ فقال: نعم فأدع للدنيا والآخرة فإنه رب الدنيا والآخرة. * مسألة:
وإذا عرض للرجل والمرأة حاجة فله الايماء بيده وتصفيق إحدى يديه بالأخرى وضرب الحائط والتسبيح والتكبير وأن يتلو شيئا من القرآن مجيبا
بغيره أو مبتدئا له بالخطاب سواء فيه الامام في ذلك أو غيره وبه قال الشافعي لكن كره للمرأة التسبيح وقصرها على التصفيق وقال أبو حنيفة: إن قصد
بالتسبيح مصلحة الصلاة كإعلام الامام شيئا نسيه لم تبطل صلاته والا بطلت. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا أتى بكم
314

أمر فليسبح الرجال ولتصفق النساء ففي لفظ آخر من نابه شئ في صلاته فليقل سبحان الله الا التفت رواهما مسلم والبخاري في مسند أحمد عن علي عليه السلام
كنت إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وآله إن كان في صلاة سبح وإن كان في غير صلاة أذن وعن علي عليه السلام أنه قال رجل من الخوارج وهو في صلاة الغداة
فناداه (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) قال فانصت له حتى فهم فأجابه وهو في الصلاة: (فاصبر أن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون)
احتج به أحمد ورواه أبو بكر البخاري وعن عطا بن المسيب قال استأذنا على عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو يصلي فقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين فقلنا كيف
صنعت فقال استأذنا على عبد الله بن مسعود وهو يصلي فقال (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الرجل يريد الحاجة وهو في الصلاة؟ فقال: يؤمي برأسه ويشير بيده والمراة إذا أرادت الحاجة وهي تصلي تصفق
بيدها وعن أبي الوليد قال كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله ناجية بن أبو حبيب فقال له جعلني الله فداك ان لي رحا أطحن فيها فربما قمت
في ساعة من الليل فاعرف من الرحا أن الغلام قد نام فاضرب الحائط لأوقظه؟ فقال: نعم أنت في طاعة الله عز وجل تطلب رزقه وعن محمد بن يخيل
قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام يصلي فمر به رجل وهو بين السجدتين فرماه أبو عبد الله عليه السلام بحصاة فأقبل إليه الرجل وفي الصحيح عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل في صلاته فيستأذن انسان على الباب فيسبح ويرفع صوته ويسمع جاريته فتأتيه فيريها بيده على أن
الباب إنسانا هل يقطع ذلك صلاته وما عليه؟ فقال: لا بأس لا يقطع بذلك صلاته ولان التصفيق باليد أو ضرب الحائط وما أشبههما أفعال قليلة
لا تؤثر في البطلان ولان التنبيه بالتسبيح وتلاوة القرآن لا يخرجه عن كونه قرآنا وتسبيحا فيكون سائغا لقوله عليه السلام صلاتنا هذه تسبيح و
دعاء وقرآن احتج أبو حنيفة بأنه خطاب آدمي فكان داخلا تحت عموم النهي عن الكلام كما لو قال (يا يحيى خذ الكتاب) فإن صلاته تبطل وإن وجدت
هذه الصورة في القرآن والجواب: القصد لا يخرجه عن كونه قرآنا وتسبيحا لأنه يقصد الامرين فإن من دعا بسورتين القرآن لا يخرج عن
كونه قارئا بل يسمى داعيا قارئا ويؤيده ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن ذكر السورة من الكتاب يدعو بها في الصلاة
مثل (قل هو الله أحد) فقال إذا كنت تدعو بها فلا بأس. فروع: [الأول] يكره ذلك لغير ضرورة لما فيه من اشتغال القلب بغير العبادة
ويؤيده ما رواه أبو العباس الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان الرجل مصليا فلا يشير إلى شئ إلا أن لا يجد بدا.
[الثاني] يجوز للمأموم أن يفتح على الامام إذا أربح عليه إذا (انه) غلط في الفرض أو النفل وبه قال علي عليه السلام وعثمان وابن عمر وعطا والحسن وابن
سيرين وكرهه ابن مسعود والشريح والشعبي والثوري وقال أبو حنيفة: تبطل به الصلاة. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه
وآله صلى صلاة فقرأ فيها فلبس (فليس) عليه فلما انصرف قال لأبي أصليت معنا قال نعم قال فما منعك وهذا عندنا وإن كان غير صحيح لان النبي صلى الله
عليه وآله لا يجوز عليه الترك لكنا ذكرناه في معرض الالزام ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال سألته عن الامام إذا أخطأ في
القرآن فلا يدري ما يقول؟ قال: يفتح عليه بعض من خلفه ولأنه تنبيه بما هو لامامه مشروع في الصلاة فأشبه التسبيح احتج أبو حنيفة بما رواه الحرث عن علي
عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يفتح على الامام والجواب: ان هذه الرواية ضعفها المحدثون قال أبو داود راويها أبو إسحاق ولم يرو عن
الحرث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها وذلك يدل على ضعفها. [الثالث] قيل يكره أن يفتح من هو في الصلاة على من هو في صلاة أخرى أو على من
ليس في الصلاة لقوله عليه السلام: أن في الصلاة لتنفلا ولا يبطل صلاته لو فعل لأنه قرآن. * مسألة: ولا يقطع الصلاة رعاف ولا قئ ومن جاءه الرعاف
أزاله وأتم الصلاة ما لم يفعل ما ينافي الصلاة ذهب إليه علمائنا لأنه ليس بناقض للطهارة على ما بينا والإزالة من مصلحة الصلاة فلا يبطلها لان
التقدير عدم فعل الكثير ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يأخذه الرعاف والقئ في الصلاة كيف يصنع؟ قال: ينفتل فيغسل
أنفه ويعود في صلاته وإن تكلم فليعد صلاته وليس عليه وضوء وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يمس أنفه في الصلاة فيرى دما كيف يصنع؟ فقال:
إن كان يابسا فلزم به ولا بأس وعن أبي حفص عن أبي عبد الله عليه السلام أن عليا عليه السلام كان يقول: لا يقطع الصلاة الرعاف ولا الدم ولا القئ فمن وجد أذى فليأخذ
بيد رجل من القوم من الصف فليقدمه يعني إذا كان إماما وفي الصحيح عن معاوية بن وهب البجلي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرعاف أينقض الوضوء
قال: لو أن رجلا رعف في صلاته فكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فتناوله فينال برأسه فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها وفي الصحيح عن إسماعيل بن
عبد الخالق قال سألته عن الرجل يكون في جماعة من القوم يصلي المكتوبة فيعرض له رعاف كيف يصنع قال: يخرج فإن وجد ماء قبل أن يتكلم فليغسل
الرعاف ليعد فليبن على صلاته لا يقال يعارض ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرعاف والحجامة
والقئ؟ قال: لا ينقض هذا شيئا من الوضوء ولكن ينقض الصلاة وعن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يقطع الصلاة إلا رعاف وأز في البطن فبادروا بهن
ما استطعتم لأنا نقول أنهما محمولتان على فعل المنافي والاحتياج إلى فعل كثير وعلى الاستحباب. * مسألة: قيل يكره من الحصا لما رواه الجمهور
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة يواجهه فلا يمسح الحصا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن
جعفر عن أبيه عليهما السلام قال أن عليا عليه السلام كره تنظيم الحصا في الصلاة وكان يكره أن يصلي على قصاص شعره حتى يرسله إرسالا ولأنه نوع عيب فكان
مكروها أما لو قصد به عدا لأي فالوجه عندي زوال الكراهية. خاتمة: حكم المرأة حكم الرجل في أفعال الصلاة وهيئاتها الواجبة والمندوبة
315

إلا ما استثنى من وجوب الستر لبدنها أجمع ولا جهر عليها ولا أذان ولا إقامة فإن فعلتها خافت منهما لان الخطاب كما يشتمل الرجل فهو شامل للمرأة
فالأصل إن كل ما ثبت في حقه ففي حقها هو ثابت إلا ما يستثنى ويستحب لها أن تفعل كل ما يحصل به الستر البالغ لأنها عورة ويستحب لها أن تفعل
ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة قال إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرج بينهما وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها فإذا
ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها فإذا جلست فعلى أليتيها كما (ليس) يقعد الرجل وإذا سقطت للسجود بدأت
بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض وإذا نهضت انسلت
إنسلالا لا ترفع عجيزتها أولا. فروع: [الأول] المستحب لها في الجلوس أن تجلس كالرجل إلا أنها تضم فخذيها وترفع ركبتيها من
الأرض لأنه أبلغ في الستر ويؤيده ما تقدم في رواية زرارة وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألته عن جلوس المرأة
في الصلاة قال تضم فخذيها وعن أبي بكر عن بعض أصحابنا قال المراة إذا سجدت تضممت والرجل إذا سجد تفتح وكان ابن عمر يأمر نساءه أن يجلسن
مربعات وبه قال أحمد. لنا: ما تقدم وما رواه الجمهور عن علي عليه السلام قال إذا صلت المرأة فلتحتفز ولتضم فخذيها لأنه مسنون للرجل لها كغيره
من المندوبات. [الثاني] روى الشيخ في الموثق عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا سجدت المراة بسطت ذراعيها وهو حسن لما
فيه من الاستتار. [الثالث] يستحب لها أن تكنف الجلباب قال الحليل الجلباب أوسع من الخمار وألطف من الإزار وإنما يستحب له أن تجعله كنيفا
لأنه يسمع من وضعها لا يقطع الصلاة للرجل والمرأة ما يمر بين يديهما إجماعا منا وقد سلف ولا عقص الشعر على خلاف وقد تقدم قال الشيخ
لو نوى أن يصلي بالتطويل لم يبطل صلاته لو خففها وهو حسن. [المقصد الثاني] في باقي الصلوات المفروضات وفيه فصول،
في الجمعة وفيه مباحث الأول: في الشروط، مقدمة روى الشيخ عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما طلعت
الشمس بيوم أفضل من يوم الجمعة وعن ابن أبي نصر عن الحسن الرضا عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أن الجمعة سيد الأيام
يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات ويستجيب فيه الدعوات ويكشف فيه الكربات وتقضى فيه الحوائج العظام وهو يوم المزيد
لله فيه عتقاء وطلقاء من النار ما دعا الله فيه أحد من الناس وعرف حقه وحرمته إلا كان حقا على الله أن يجعله من عتقائه وطلقائه
من النار فإن مات في يومه وليلته مات شهيدا وبعث أمنا وما استخف أحد بحرمته وضيع حقه إلا كان حقا على الله عز وجل أن يصليه نار
جهنم إلا أن يتوب وروى ابن بابويه عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قول يعقوب لبنيه (سوف استغفر لكم ربي) قال أخرهم إلى السحر ليلة
الجمعة وروي عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال: إن العبد المؤمن ليسأل الله الحاجة فيؤخر الله عز وجل قضاء حاجته التي سأل إلى يوم الجمعة
ليخصه بفضل يوم الجمعة وروي عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال ليلة الجمعة ليلة غراء ويومها يوم أزهر ومن مات
ليلة الجمعة كتب له براءة من ضغطة القبر ومن مات يوم الجمعة كتب له براءة من النار وروي عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يريد
أن يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا قال يستحب أن يكون ذلك يوم الجمعة قال العمل يوم الجمعة يضاعف وروى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن
الله تبارك وتعالى ينادى كل ليلة الجمعة من فوق عرشه من أول الليل إلى آخره ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه، ألا عبد
مؤمن يتوب إلي من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب إليه، ألا عبد مؤمن قد قترت عليه رزقه فيسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده وأوسع عليه، ألا
عبد مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه، ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني أن أطلقه من
حبسه قبل طلوع الفجر فأطلقه من حبسه وأخلي سربه، ألا عبد مؤمن
مظلوم يسألني أن أخذ بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له وأخذ له بظلامته، قال فما يزال ينادي هذا حتى يطلع الفجر وروي عن إبراهيم بن
أبي محمود قال قلت للرضا عليه السلام يا بن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الله تبارك
وتعالى ينزل في كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا؟ فقال: عليه السلام لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك قال: إن
الله تبارك وتعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلاث الأخير وليلة الجمعة في أول الليل ويأمره فينادي هل من سائل فأعطيه، هل من تائب
فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل ويا طالب الشر أقصر فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت
السماء حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله. مقدمة أخرى: الجمعة واجبة وهو قول علماء الاسلام ويدل
عليه الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا) فالامر للوجوب وأما السنة فما رواه الجمهور
عن أبي الجعد الصميري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله قلبه وقال عليه السلام الجمعة حق واجب على كل مسلم
إلا أربعة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح وابن يعقوب بإسنادهما عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل
فرض في كل سبعة أيام خمسا وثلاثين صلاة منها صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة الحديث وروينا في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام قال: إنما فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة واجبة منها صلاة واحدة فرضها الله جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة الحديث وفي الصحيح
316

عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: من ترك الجمعة ثلاث جمع متوالية طبع الله على قلبه وأما الاجماع فإنه لا خلاف بين المسلمين في ذلك.
* مسألة: يشترط في الجمعة الإمام العادل أي المعصوم عندنا أو اذنه أما اشتراط الامام أو اذنه فهو مذهب علمائنا أجمع والحسن والأوزاعي وحبيب بن
أبي ثابت وأبي حنيفة وقال محمد ان مرض الامام أو سافر أو مات فقدمت الرعية من يصلي بهم صحت لأنه موضع ضرورة وقال الشافعي ومالك وأحمد
في إحدى الروايتين وأبو ثور ليس الامام شرطا ولا أذنه بل متى أجمع جماعة من غير أمر الامام فأقاموها بغير أذنه جاز. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله
عليه وآله قال: أربع إلى الولاة الفئ والحدود والصدقات والجمعة وقال في خطبته من ترك الجمعة في حياتي أو بعد موتى وله إمام عادل أو جائر استخفافا
بها وجحودا فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في أمره الحديث علقه التوعد على وجود الامام فينبغي عند انتفائه. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في
الحسن عن زرارة قال كان أبو جعفر عليه السلام يقول: لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط الامام وأربعة وما رواه في الحسن
عن محمد بن مسلم قال سألته عن الجمعة؟ فقال: أذان وإقامة يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلي الناس ما دام الامام على المنبر
ثم يقعد الامام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد ثم يقوم فيفتتح بخطبة ثم ينزل فيصلي بالناس ثم يقرء بهم في الركعة الأولى الجمعة وفي الثانية بالمنافقين
وما رواه عن سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة؟ فقال: أما مع الامام فركعتان وأما مع من صلى وحده فهي أربع ركعات
بمنزلة الظهر ولان انعقاد الجمعة حكم شرعي فيقف على الشرع ولأنه يفتقر إلى البيان بفعل النبي صلى الله عليه وآله أو قوله ولم يقم الجمعة إلا بسلطان
في كل عصر فكان إجماعا فلو كانت منعقدا بالرعية يصلوها في بعض الأحيان ولاته لو لم يعتبر أمر الامام لسبقت طائفة إلى إقامتها لغرض فغابت
على أهل المصر فجعلت إلى السلطان الذي يسوي بين الناس لئلا يفوت بعضهم احتج المخالف بأن عليا عليه السلام صلى الجمعة وعثمان كان محصورا
والولاية له والجواب: أن هذا عندنا ساقط بالكلية إذ الولاية لعلي عليه السلام وأيضا عند المخالفين فإن عليا عليه السلام فعل ذلك بأمر عثمان. * مسألة:
العدد شرط في انعقاد الجمعة وهو مذهب علماء الاسلام فلا يتعين بالامام وحده ابتدأ فإن الخلاف في كميته فالذي أكثر علمائنا عليه خمسة نفر أحدهم
الامام ذهب إليه المفيد والسيد المرتضى وابن أبي عقيل وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس قال الشيخ وابن بابويه وابن حمزة أن أقل العدد الرأي يجب
عليهم الجمعة سبعة نفر فيستحب للخمسة وقال الشافعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه ان الشرط حضور أربعين وهو قول عمر بن عبد العزيز
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وإسحاق والرواية الأخرى عن أحمد: خمسون وقال ربيعة ينعقد باثني عشر لا بأقل وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد: ينعقد
بأربعة الامام أحدهم وقال الليث بن سعد والأوزاعي وأبو ثور وأبو يوسف ينعقد بثلاثة الامام أحدهم وقال الحسن بن صالح بن حي ينعقد باثنين.
لنا: الجمعة يجب على أهل المصر وأقل عددهم بطأ منهم به هو الخمسة الحاكم ونائبه والمدعي والمدعى عليه والمستوفي للحدود فيجب عليهم الحضور ولا يشترط
الزائد عملا بقوله تعالى: (فاسعوا) فذلك مطلق غير مقيد يتم بعدد الا ما أخرجناه بالدليل وأيضا بطلان قول كل واحد يستلزم صحة قولنا وسيأتي
تفصيل لأدلتهم والاعتراض عليها وأيضا ما رواه الشيخ وابن يعقوب في الحسن عن زرارة قال كان أبو جعفر عليه السلام يقول لا يكون الخطبة والجمعة
وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط الامام وأربعة وما رواه الشيخ عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يكون جمعة ما لم
يكن القوم خمسة وما رواه في الصحيح عن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد فإن كانوا أقل من
خمسة فلا جمعة لهم وما رووه عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه وما رواه عن الفضل بن
عبد الملك قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا كان القوم في قرية صلاة الجمعة أربع ركعات فإن كان من يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمسة
نفر وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين احتج الشيخ بما رواه في الصحيح عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كانوا سبعة يوم الجمعة
فليصلوا وما رواه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على أقل منهم الامام وقاضيه والمدعي
حقا والمدعى عليه والشاهدان والذي يضرب الحدود بين يدي الامام احتج الشافعي بما رواه الجمهور عن كعب بن مالك قال أول من جمع بنا
أسعد بن زرارة ونحن أربعون وما رواه عن جابر بن عبد الله قال مضت السنة أن في كل أربعين وفوقها جمعة واحتج أحمد بما رواه الجمهور
عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تجب الجمعة على خمسين رجلا ولا تجب على من دون ذلك وبما رواه أبو هريرة قال لما بلغ أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله خمسين جمع بهم رسول
الله صلى الله عليه وآله واحتج ربيعة بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كتب إلى مصعب بن عمرو بالمدينة فأمره أن يصلي الجمعة عند ركعتين (ركعتي) الزوال
وأن يخطب فيها فجمع مصعب بن عمر في بيت سعد بن خثيمة باثني عشر رجلا وعن جابر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الجمعة فقدمت العير
فخرج الناس إليها فلم يبق إلا اثني عشر رجلا أنا فيهم فأنزل الله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) وما يشترط للابتداء شرط
للاستدامة احتج أبو حنيفة بأن الأربعة العدد (الذي) يزيد على أقل الجمع المطلق فانعقدت به الجمعة كالأربعين احتج أبو يوسف بأن الثلاثة يصدق عليه
اسم الجمع وينعقد به الجمعة كالأربعين ولأنه يقال أمر الجمع فيدخل فيه الثلاث واحتج أبو حجر بأن معنى الاجتماع موجود في الاثنين والجواب عن
317

الأول: الامر بالجمعة للسبعة لا يستلزم نفيها عن الأقل إلا من حيث دليل الخطاب أو مفهوم الشرط وكلاهما لا يعارضان النص، وعن الثاني: بعدم
تسليم صحة السند أنه معارض بما ذكرناه من الأحاديث فينبغي الامر في الجمعة سليما عن الاشتراط وأيضا فيحتمل أن الباقر عليه السلام إنما حكم بنفي الوجوب
على الأقل بناء على الغالب إذ من المستبعد انفكاك المصير من العدد الذي ذكره من الحاكم وغيره وإذا كان الحكم إنما هو على الغالب فلا دلالة فيه فهذا وإن
كان بعيدا إلا أنه أولى من الاسقاط ويؤيده تعديده عليه السلام لمن ذكره، عن الثالث أنه لا حجة فيه إذ يجوز أن يكون قد وقع اتفاقا إلا أنه شرط، وعن الرابع:
ان ابن الجوزي قد ضعف هذا الحديث فلا احتجاج فيه وأيضا فإنه دال على أن كل أربعين يجب عليهم الجمعة لا على عدمها عن الأقل إلا من حيث دليل الخفات
وهو ضعيف وأيضا فإن قوله من السنة يحتمل أن لا يكون المراد سنة الرسول صلى الله عليه وآله لقوله من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر العامل بها إلى يوم القيامة
ولو سلم في الاستدلال بما ضعيف جدا، وعن الخامس: أنه ضعيف عندهم ومع ذلك فإن أحمد الذي رواه قد عمل بخلافه وذلك مما يطرق إليه التهمة،
وعن السادس: بمثله وأيضا فإنه يمكن أن يكون قد وقع اتفاقا لان اجتماع الخمسين شرط، وعن السابع: أنه يمكن وقوعه اتفاقا لأنه اشترط وكذا
الثامن، وعن التاسع: أنه قياس في الأمور للقدرة وهو غير مسموع إذ باب التقديرات مأخوذة من النص وهو الجواب عن الباقي. * مسألة:
والخطبة شرط في الجمعة وهو قول عامة أهل العلم لا نعرف فيه مخالفا إلا الحسن البصري فإنه قال: يجزي الجمعة خطب الامام أو لم يخطب. لنا: قوله تعالى:
(فاسعوا إلى ذكر الله) والمراد الخطبة ووجوب السعي إليها يستلزم وجوبها ولأنه عليه السلام لم يصل إلا بالخطبة والمداومة تقتضي الايجاب وأيضا قال
" صلوا كما رأيتموني أصلي " وهذا الامر يفيد الوجوب وما رواه الجمهور عن عمر قال قصرت الصلاة لأجل الخطبة وبمثله رووا عن عائشة وسعيد بن
جبير ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم لما سأله عن الجمعة فقال فيصعد المنبر فيخطب وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن إناث في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال: نعم يصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب ويقدم وجوب الخطبة يعد (يصلى)
هذا الشرط على تقدير عدمها فيجب الظهر وما رواه فضل بن عبد الملك وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين وما رواه في الصحيح عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام وإنما جعل الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الامام احتج الحسن البصري بأنها صلاة عيد فلا
يجب فيه الخطبة كالأضحى والجواب منع عدم وجوبها في الأضحى على ما يأتي ولو سلم فالفرق ثابت إذ هذه الخطبة قد غيرت الفرض وقامت مقام
بعضه بخلاف الأضحى. * مسألة: الاجماع شرط في الجمعة فلا يصح فرادى ولا نعرف فيه خلافا لان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة بعده
إنما صلوها جماعة والملازمة إنما يكون في الواجب ولأنه عليه السلام قال " صلوا كما رأيتموني أصلي ". * مسألة: والوقت شرط للجمعة وهو الزوال إلى أن يصير ظل كل
شئ مثله وهو مذهب علمائنا أجمع إلا ما نقله الشيخ في الخلاف عن السيد المرتضى قال وفي أصحابنا من قال أنه يجوز أن يصلي الفرض عند قيام الشمس بعزم الجمعة
خاصة وهو اختيار المرتضى والذي اخترناه قول أكثر أهل العلم وذهب أحمد إلى أن وقتها حين يرتفع النهار وعنه أنها تصلي في ساعة السادسة وروي
عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صلوها قبل الزوال وقال بعض الحنابلة أنه يجوز فعلها في وقت صلاة العيد وقال عطا كل عيد حين يمتد الضحى الجمعة
والأضحى والفطر. لنا: ما رواه الجمهور عن سلمة بن الأكوع قال كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذا زالت الشمس ثم نرجع بتتبع الفئ متفق عليه
وروى البخاري عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة حين تميل الشمس وقول الصحابي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يفعل كذا إنما
يكون مع المداومة ولولا الوجوب وإلا لما دام ولقوله " صلوا كما رأيتموني أصلي " ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة حتى تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل الأول فيقول جبرئيل عليه السلام
يا محمد صلى الله عليه وآله قد زالت الشمس فأنزل فصل وفي الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال وقت صلاة الجمعة عند الزوال وفي الصحيح عن محمد بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا صلاة نصف النهار إلا الجمعة وفي الصحيح عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: فإن صلاة الجمعة من
الامر الضيق إنما لها وقت واحد حين تزول ولأنها صلاة وقت واحد فاتحد الوقت لها كالتمام والقصر ولان الجمعة بدل ما شبهت المبدل و
لان آخر وقتها واحد فأعد (وكذا) الأول كصلاة الحضر والسفر احتج المخالف بما رواه جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي يعني
الجمعة ثم تذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس وعن سهل بن سعد قال ما كنا نقيل ولا؟ نتغد؟ إلا بعد الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله قال ابن قتيبة ولا يسمى غدا ولا قائلة بعد الزوال وبما رواه وكيع الأسلمي قال شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل
نصف النهار والجواب عن الأول: أنه معارض بما ذكرناه من الأحاديث ويجوز أن يكون الراوي قد سهى في ذلك، وعن الثاني: أنه لا دلالة
فيه إذ مفهوم القيلولة هو النوم في الظهيرة والقائلة الظهيرة كما ذكره صاحب الصحاح والظهيرة الهاجرة، والهاجرة نصف النهار وكيف
يصح ما ذكره ابن قتيبة على أنه يحمل إرادة المجاز للقرب عملا بحديثنا الدال على أنه صلى الله عليه وآله إنما كان يصلي بعد الزوال، وعن الثالث:
بما ذكرناه في الأول وبأن عمل أبي بكر ليس بحجة إجماعا وأيضا لو جازت الصلاة قبل الزوال لفاتت الصلاة أكثر المقيلين فإن الوقت الحاضر لهم والجامع
لمبتدرهم إنما هو الزوال لمعرفتهم به. * مسألة: وانفراد الجمعة شرط فيها بمعنى أنه لا يصلح أن يصلى جمعتان في موضعين إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال
318

فصاعدا ذهب إليه أكثر علمائنا وهذا التقدير لما بين الجمعتين وإن كانا في بلد واحد وقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة لا يصلي الجمعتان في بلد واحد وقال
أحمد: إن تعذر الاجتماع في مسجد واحد لتباعد أقطار البلد أو للمشقة الحاصلة من الاجتماع جازت إقامة الجمعتين في موضعين فإن حصل الاكتفاء
بهما حرمت الثالثة وإلا ساغت وهو قول عطا إلا أنه قال إذا كان البلد واسعا لا يسعهم مسجد الأعظم فلكل قوم مسجد ويجمعون فيه فمنع من
الزائد عن الواحد مع الاختيار دون الزائد على الاثنين وقال أبو يوسف إن كان البلد ذا جانب واحد لم ينعقد فيه إلا جمعة واحدة وإن كان ذا جانبين
فإن كان بينهما جسر فهما كالجانب الواحد وإلا فلكل جانب بلد بانفراده وقال محمد بن الحسن القياس أنه لا يقام في البلد إلا جمعة واحدة فإن أقيمت
في موضعين جاز استحسانا وهو مروي عن أبي حنيفة ولم يعتبر أحد من الجمهور وبعد ثلاثة أميال وقال داود يجوز أن يصلي الجمعة في مساجدهم
كما يصلون سائر الصلاة. لنا: ما نقله الجمهور والأصحاب أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن يجمع إلا في موضع واحد وكذلك الصحابة بعده وقد
قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " ولم ينقل أحد أنهم جمعوا في موضعين بل كان (مع أنه) الصلاة في موضعين أولى لما فيه من عمارة المساجد بالعبادة ولما
لم ينقل فعل دل على تحريمه وما رواه الجمهور عن ابن عمر قال: لا يقام الجمعة إلا في المسجد الأكبر الذي فيه يصلي الامام ولم ينكر عليه أحد وكان إجماعا ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ وابن يعقوب في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال يكون بين الجماعتين من الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس أن
يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء ولا يكون بين الجماعتين أقل من ثلاثة أميال وكان الجمعة سميت بهذا الاسم لاجتماع الناس فينبغي أن لا يفترقوا وعلم
أن هذين الحديثين دلا على ما ذهبنا إليه من الجواز مع بعد ثلاثة أميال ولان المشقة تحصل بحضور من يكون على هذا الحد ويزيد عليه فكان منفيا
والجمعة منفية عليه فوجب فعلها في موطنه ولأنه يتعذر حصول جامع ليسع من يكون على هذا البعد خصوصا مع وجوب حضور أهل القرى الذي على
رأس فرسخين فما دون فكان تسويغ الجمعة الثانية لهؤلاء دفعا بهذه المفاسد فكان مشروعا احتج أحمد بأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة
فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع كصلاة العيد ولان في الاجتماع من عظم المصر مشقة واحتج أبو يوسف بأن الجانبين بمنزلة المصرين
فصحت الجمعة فيهما واحتج محمد بما روي عن علي عليه السلام أنه كان يخرج فيصلي العيد في الحنان ويستخلف أبا مسعود البدري يصلي بضعف (بضعاف) الناس وحكم
الحنان عنده حكم البلد والجمعة كالعيد عنده واحتج داود بما روي عن عمر أنه كتب إلى أبي هريرة بالبحرين أن جمعوا حيث ما كنتم. والجواب عن الأول: أن المقيس
عليه عندنا كالجمعة في ذلك وسيأتي، وعن الثاني: أن المشقة ممنوعة إذ ليست العادة جارية بمشقة الاجتماع في جامع البلد وإن كان فيه مشقة
كثيرة فلا اعتبار بها وأيضا فالمشقة إنما تحصل مع البعد الذي قدرناه فحينئذ نقول يجوز الجمعة الثانية أما مع الأقل فلا مشقة، وعن الثاني
بالمنع من تعددهما ولهذا لا يرخص المسافر إذا عبر إلى الجانب الآخر من موطنه وسافر منه إلا بعد غيبوبة بنائه عنه، وعن الثالث: يجوز أن يكون
بينهما ثلاثة أميال فصاعدا هذا عندنا وعند المخالف المنع من المساواة للعيد والجمعة، وعن الرابع: أنه حجة لنا إذ أمر فيه بالجمع الذي لا يفهم
إلا من الاجتماع. [البحث الثاني] في أمور ظن أنها شروط وليست كذلك، * مسألة: المصر ليس شرطا في الجمعة بل الوجوب متعلق
بأهل السور والقرى إذا حصلت فيهما الشرائط كما يجب على أهل المصر وهو قول علمائنا والشافعي وهو منقول عن ابن عمر وابن عباس و
عمر بن عبد العزيز والأوزاعي والليث ومكحول وعكرمة ومالك وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة لا يجب عليه أهل السواد ونقله الجمهور عن علي
عليه السلام وعن الحسن وابن سيرين وإبراهيم ومحمد بن الحسن. لنا: قوله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله) وذلك عام وما رواه الجمهور عن أسعد بن زرارة قال أول من جمع
بنا في خيرة بني بياضة في بقيع يقال له بقيع الخصمات قال ابن حريم قلت لوطأ؟؟ أكان ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وآله قال: نعم، قال الخطائي خبرة بني بياضة
قرية على ميل من المدينة وعن ابن عباس قال إن أول جمعة جمعت بعد جمعة المدينة لجمعة جمعت بحواثا من البحرين من قرى عبد القيس وما رواه أبو هريرة
أنه كنت (كان) لسأل عمر عن الجمعة بالبحرين وكان عامله عليها فكتب إليه جمعوا حيث كنتم وما رواه عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الجمعة على
من سمع النداء وذلك عام في أهل القرى وغيرهم وما رواه مالك قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يصلون الجمعة في هذه القرى التي
بين مكة والمدينة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجب الجمعة عمن كان فيها على فرسخين وما رواه في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة
جماعة؟ قال: نعم يصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب وهذا يدل
على أنه مع وجود الخطيب يصلونها ركعتين وما رواه عن الفضيل بن عبد الملك قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا كان قوم في قرية صلوا
الجمعة أربع ركعات فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر وما رواه في الصحيح عن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجمع القوم يوم
الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد وذلك عام إلا ما أخرجه الدليل ولأنه بناء استوطنه العدد المشترط فوجبت عليهم كما لو كانوا في المصر لا يقال قد روى
الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: لا جمعة إلا في مصر يقام فيه الحدود لأنا نقول أن طلحة بن زيد عامي فلا تعويل على
روايته ويمكن أن يحمل على التقية ورواية حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: ليس على أهل القرى جمعة ولا خروج في العيدين لا تعويل
عليها لضعف حفص ويحتمل أنه نفى وجوب الحضور إذا كانوا على أكثر من فرسخين احتج المخالف بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا جمعة ولا
319

تشريق إلا في مصر جامع والجواب: هذا الحديث ضعيف قال أحمد رواه الأعمش عن سعيد المغيري ولم يلق. * مسألة: ولا يشترط القرية أيضا
وخالف فيه أكثر الجمهور فاشترطوا القرية المبنية مما جرت العادة بنيانها بها كالحجر أو الطين أو اللبن أو
القصب أو الشجر ونحوه ولم يوجبوا الجمعة على أهل الخيام وسوت الشعر وأمثالهم وإن كانوا مستوطنين إلا الشافعي في أحد القولين وتردد الشيخ في المبسوط
وقوى الوجوب. لنا: قوله تعالى: (فاسعوا) وذلك عام وما رواه الجمهور عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه
الجمعة يوم الجمعة إلا مريض أو مسافر أو امرأة أو صبي أو مملوك وفي حديث عمر جمعوا حيث كنتم وما رواه عن عبد الله بن عمر أنه كان يرى أهل؟ الميقات؟
يجمعون ولا يعيب عليهم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور في قول أبي عبد الله عليه السلام يجمع القوم إذا كانوا خمسة فما زادوا فإن كانوا
أقل من خمسة فلا جمعة لهم والجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر للناس فيها إلا خمسة المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي ولأنهم قاطنون في منازلهم
فأشبهوا الساكنين في المدن والقرى احتج المخالف بأن قبائل العرب لم يتسمعوا جمعة ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وآله ولو فعلوها أوامرهم لنقل لكثرته وعموم
البلوى به والجواب: أما الامر فقد فعله النبي صلى الله عليه وآله وقد بيناه في الآية والحديث وأما فعلهم فلعلهم إذا قاربوا المدينة صلوا فيها ومع بعدهم
يخفى حالهم فلهذا لم ينقل أنهم جمعوا. فروع: [الأول] لو كانوا قريبين بحيث يسمعون النداء وجب عليهم الحضور عند من يوجب الجمعة على
أهل السواد لأنهم أشبهوا أهل القرية إلى جانب المصر. [الثاني] إذا كانت القرية متصلة البناء وفيهم العدد المعتبر وجبت عليهم الجمعة والحضور
إلى البلد وإن كانت متفرقة تفرقا يسيرا خارج عن العادة كان حكمهم حكم القرية الواحدة خلافا للشافعي فإنه اشترط اتصال البناء وإن كان
التفرق مما لم يجر العادة بمثله بحيث لا يسمى المجموع قرية واحدة فإن كان في كل واحد منهم العدد المشترط وجب عليهم الجمعة والحضور وإن كانوا
على بعد فرسخين فما دون وإن لم يكن في شئ منهم العدد المعتبر فإن كانوا على فرسخين فما دون وجب عليهم الحضور وعلى من هو بذلك القدر وإن
بعدوا عن ذلك لم يجب على أحد منهم الجمعة ولا الحضور وإن كان بعضهم بذلك العدد وجب عليهم الجمعة وعلى كل من كان بعده عنه فرسخين الحضور
إليه وإلى البلد. [الثالث] لو انهدمت القرية وهم على العدد المشترط وجبت عليهم الجمعة لما بيناه أن البنيان ليس شرطا. * مسألة:
والاستيطان ليس شرطا فلو كان مقيما في بلد على سبيل التجارة أو طلب العلم أو غير ذلك أو في نيته الابراح مع قضاء وطره وجبت عليه الجمعة
وانعقدت به عندنا وقال أكثر الجمهور لا ينعقد به وسيأتي البحث فيه وكذا لو كان أهل قرية يظعنون عنها صيفا ويسكنونها شتاء أو بالعكس
وجبت عليهم خلافا لأكثر الجمهور. لنا: ما تقدم من الأدلة على وجوب الجمعة إلا من خرج بالدليل. * مسألة: وليس إقامة الجمعة في البنيان
شرطا فيجوز إقامتها في الصحراء وبه قال أبو حنيفة وأحمد وقال الشافعي لا يجوز في غير البنيان. لنا: ما رواه الجمهور أن مصعب بن عمير جمع في بقيع الخصمات
والبقيع بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدة فإذا انصب الماء ثبت الكلاء وفي حديث عمر جمعوا حيث كنتم. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن
عن محمد بن مسلم لما سئل عن الجمعة فوضعها ولم يذكر الإقامة في البنيان فلا يكون شرطا لأنه تخصيص للعموم قال على الجواز في كل موطن من غير دليل
ولأنه موضع لصلاة العيد فجازت الجمعة فيه كالجامع ولان الجمعة صلاة عيد فأشبهت الأضحى ولان الأصل عدم الاشتراط ولا نص في اشتراطه
ولا معنى نص فكان ساقطا احتج الشافعي بأن القريب موضع يجوز لأهل المصر قصر الصلاة فيه فلم يجز لهم إقامة الجمعة فيه كالبعيد والجواب المنع من الفرق
بين القريب والبعيد أولا ومن جواز التقصير في القريب وسيأتي. * مسألة: وليس استدامة العدد المعتبر بعد الانعقاد شرطا في صحة الجمعة فلو صلى العدد ثم انفضوا في الأثناء
صحت صلاة الباقي ولو كان الامام وحده قال الشيخ ولا نص لأصحابنا فيه والذي يقتضيه مذهبهم أنه لا يبطل الجمعة بعد الشروع وهو قول
أبي يوسف ومحمد وللشافعي خمسة أقوال: أحدها الاتمام ظهرا وهو أصحها عندهم وبه قال زفر. الثاني: كما قلنا، الثالث: أن بقي معه واحد أتمها جمعة
حكاه الشيخ عنه في الخلاف وأبو ثور أيضا. الرابع: إن بقي معه اثنان أتمها جمعة وهو قول الثوري. الخامس: إن انفضوا بعد أن صلى ركعة أتمها
جمعة وإلا أتمها ظهر أو هو قول المزني ومالك وقال أبو حنيفة إن انفضوا بعد ما صلى ركعة بسجدة واحدة أتمها جمعة وقال أحمد يبطل ويستأنفوا
بها ظهرا إلا أن تكون هناك وقت يمكن استدراك الجمعة وقال إسحاق إن بقي معه اثني عشر أتمها جمعة. لنا: أنه دخل في الصلاة دخولا شرعيا
فلا يبطل إلا بدليل شرعي ولا دليل على شئ من أقاويلهم فسقطت ولان الجماعة شرط الشروع لا شرط البقاء لان حاجة الامام إلى الجماعة كحاجة
الجماعة إليه والامام شرط الشروع في حقهم فإن المسبوق يتمها جمعة فكذا هنا ولا استبعاد في أن يكون العدد شرطا في الابتداء لا الاستدامة لعدم
الماء في حق المتيمم عندهم احتج الشافعي على القول الأول أن الجماعة شرط فقد فاتت فتبطل الجمعة وينتقل
الفرض إلى الأصل وعلى الثالث:
بأنها إن بقي معه واحد صدق اسم الجمع فيه إذ الاثنان جماعة، وعن الرابع: أن الثلاثة أول الجمع فمع بقائهم يصدق اسم الجمع عليهم، وعلى الخامس: بما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى ولأنهم أدركوا ركعة فصحت لهم الجمعة كالمسبوق إذا أدرك ركعة
ولان العدد شرط يختص الجمعة فلم يفت لفواته في ركعة كما لو دخل وقت العصر وقد صلوا ركعة واحتج أبو حنيفة بأن الجماعة شرط العقد والشروع والجماعة
إنما يوجد بالمشاركة غير أن المبتدئ بالشروع قصد المشاركة مع الامام فيثبت الشركة في حقه من غير مؤكد والامام لم يشارك الجماعة قصدا فلا بد
320

من مؤكد وهو الركعة الثانية حتى تثبت الشركة حكما له فإذا لم يقيد بالسجود ولم يتحقق الشركة كمصلي الظهر إذ أقام إلى الخامسة قصدا للتنفل خرج من الظهر؟ للحال؟
ولو قام غير قاصد للتنفل لم يخرج عن الفرض ما لم يقيد الخامسة بالسجدة وان اكتفيناه بالسجدة الواحد لان بإدراكها يدرك معظم الركعة فأشبه ما لو
أدركها بسجدتيها احتج أحمد بأنه قد فات بعض الشرائط كفوات الطهارة واحتج إسحاق بأن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله انفضوا عنه فلم يبق معه إلا
اثني عشر فأتمها جمعة. والجواب عن الأول: بالمنع من كون الجماعة شرطا في الاستدامة، وعن الثاني: أنك اشترطت مطلق الجماعة قياسا على الابتداء
لم يتم بل لا بد من اعتبار عدم الابتداء وإن لم تشترط الجماعة فليس لاعتبار الواحد والاثنين معنى وهو الجواب عن الثالث، وعن الرابع: أنه دال على إدراك
الجمعة لمن أدرك ركعة لا على بطلان الجمعة من التفرق فإن أحد البابين من الآخر فإن قلت أنه إذا انفض الجماعة قبل الركعة لم يدرك الامام ركعة
قلت هذا بناء على اشتراط الجماعة لادراك الامام والمتخلف للركعة وهو أول المسألة فلو استدل بهذا الخبر عليه دار وعن الخامس: إنا نسلم
أنه إذا أدرك ركعة تمت ولكن إذا تفرقوا قبل الركعة هل يصح جمعة الثاني أم لا والقياس الذي ذكره لا يدل عليه وهو الجواب عن السادس، وعن السابع: أنه كلام خطابي لا
طائل تحته والأصل الذي ذكره ممنوع وسيأتي البحث فيه وقوله أدرك معظم الركعة فأدركها منقوض بمن لم يدرك من الركعة إلا السجدتان فإنه أدرك معظمها وعن الثامن: بالمنع
من كونه شرطا في الاستدامة، وعن التاسع: بأنه عليه السلام إنما أتم جمعة لأنه هو الواجب عندنا وليس الاثني عشر شرطا بل وقع اتفاقا.
* مسألة: وليس بقاء الوقت مع التلبس شرطا فلو دخل في الجمعة في وقتها ثم دخل عليه وقت العصر ولم يتمها صحت صلاته وأتمها جمعة
وهل إدراك الركعة شرط الأقرب عندي أنه كذلك والشيخ أطلق في كتابي الخلاف والمبسوط وقال بعض الجمهور إذا دخل وقت العصر قبل فعل الركعة
فلا جمعة وإن صلى ركعة فدخل العصر صحت جمعته وقال آخرون منهم لو دخل وقت العصر بعد إحرامه بها أتمها جمعة قال أبو الخطاب وقال أبو
يوسف ومحمد لو دخل وقت العصر بعد تشهده وقبل سلامه سلم واجتزأ به وهو قول أحمد وذلك يعطي أنه متى دخل قبل ذلك انقلبت ظهرا و
بطلت جمعة وقال أبو حنيفة إذا خرج وقت الجمعة قبل فراغه منها بطلت ولا يبني عليها ظهرا وقال الشافعي لا يتمها جمعة ويبني عليها
ظهرا. لنا: أنه دخل فيها جمعة على الوجه المشروع فيستصحب ولا يبطل ولا ينقلب ظهرا إلا بدليل شرعي وأيضا قوله عليه السلام من أدرك ركعة من
الجمعة أضاف إليها أخرى وهذا الحديث يصدق في حق المسبوق ومن خرج عليه الوقت واحتج المخالف بأن ما كان شرطا في بعضها كان شرطا
في جمعها كالطهارة والجواب أنه قياس في مقابلة النص فلا يكون مقبولا ولانتقاضه بالجماعة فإنه شرط يكتفي بإدراكه في ركعة. فرع: لو خرج
الوقت ولم يتلبس فلا خلاف في بطلان جمعته. * مسألة: وليس الاسلام شرطا لوجوب الجمعة ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول كل من لم يجعل
الاسلام شرطا في التكليف وقد تقدم البحث في أن الاسلام ليس شرطا في التكليف وذلك يعم صورة النزاع نعم هو شرط الجواز بلا خلاف.
[البحث الثالث] فيمن يجب عليه أصل اللفظ المختص بالذكور كالرجال لا يتناول النساء إجماعا وكذا العكس أما ما لا يختص
حد القبيلتين فأما أن لا يبين فيه تذكير ولا تأنيث كلفظة من وشبهها فهو يتناول القبيلتين لوقوع الاجماع على أن من أوصى بهذه الصيغة
أو ربطت بها توكيلا أو اذانا في أمر أو نذرا فإنه لا يختص بأحدهما وأما أن يبين فيه علامة التذكير والتأنيث وها هنا اتفق الناس على أن
الموجود فيه علامة التأنيث لا يتناول المذكرين وأما الموجود فيه علامة التذكير فقال الأكثر أنه لا يتناول المؤنث خلافا لشذوذ. لنا: أن الجمع
تضعيف الواحد وقام لا يتناول الإناث فكذا قاموا احتج بأن أهل اللغة قالوا إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب صيغة المذكر والجواب أنه غير محل
النزاع. * مسألة: إنما يجب الجمعة على الذكور فلا يتعلق الوجوب بالمرأة وهو قول كل من يحفظ عنه العلم لان الأصل عدم الوجوب فصيغة
الخطاب يتناول الذكور خاصة وروى الجمهور عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا
مريض أو مسافر أو امرأة أو صبي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: فرض الله على الناس من الجمعة
إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها الله عز وجل في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر
والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين ولأن المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال. فروع: [الأول] لو تكلفت
الحضور صحت الجمعة منها ووجبت عليها لان النساء كانوا يصلين مع النبي صلى الله عليه وآله في الجماعة ويؤيده ما رواه الشيخ عن حفص بن غياث قال
وسأل بعض مواليهم ابن أبي ليلى عن الجمعة هل تجب على المرأة والعبد والمسافر فقال ابن أبي ليلى لا يجب الجمعة على واحد منهم ولا الخائف فقال الرجل
فما تقول إن حضر واحد منهم الجمعة مع الامام فصلاها معه هل تجزيه تلك الصلاة عن ظهر يومه؟ فقال: نعم فقال الرجل وكيف تجزي ما لم يفرضه
الله عليه عما فرضه الله عليه وقد قلت أن الجمعة لا تجب عليه ومن لم تجب عليه الجمعة فالفرض عليه أن يصلي أربعا ويلزمك فيه معنى إن شاء الله فرض عليه أربعا
فكيف أجزأ عنه ركعتان ما يلزمك إن من دخل فيما لم يفترضه عليه لم يجز عنه ما فرض عليه فما كان عند ابن أبي ليلى جواب فيها وطلب إليه أن يفسرها
له فأبى ثم سألته أنا عن ذلك ففسرها لي فقال الجواب أن الله فرض على جميع المؤمنين والمؤمنات ورخص للمرأة والمسافر والعبد أن لا يأتوها فلما
حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأول فمن أجل ذلك أجزأ عنهم فقلت عمن هذا قال عن مولانا أبي عبد الله عليه السلام. [الثاني]
لا تنعقد الجمعة بالنساء فلو حضر أربعة وامرأة سقطت الجمعة لما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام لا يكون الخطبة والجمعة
321

وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط قال صاحب الصحاح الرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة وفي الصحيح عن منصور عن أبي
عبد الله عليه السلام يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا فإن كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم قال صاحب الصحاح القوم الرجال
دون النساء ويؤيده ذكر الباقي فالعدد الدال على التذكير وفي رواية الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا
خمسة نفر قال صاحب الصحاح النفر بالتحريك عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة. [الثالث] لو اجتمع
النساء بانفرادهن لم ينعقد بهن جمعة لما ذكرناه من اشتراط الرجال في الجمعة لا يقال روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن أناس
في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال: نعم يصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب والأناس يطلق على المذكر والمؤنث لأنا نقول لا دلالة فيه إذ قوله يصلون
إنما يتناول المذكر بالحقيقة وقد مضى. [الرابع] يكره لهن حضور الجمعة سواء كن عجائز أو لا لما رواه الشيخ عن أبي همام عن أبي الحسن عليه السلام قال
إذا صلت المرأة في المسجد مع الامام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها وإن صلت في المسجد أربعا نقصت صلاتها لتصل في بيتها أربعا
أفضل. * مسألة: والعقل شرط فلا يجب على المجنون وهو مذهب علماء الاسلام لان العقل شرط التكليف لاستحالة توجهه إلى غير العاقل. * مسألة:
والبلوغ شرط وهو مذهب علمائنا أجمع وذهب إليه أكثر أهل العلم وقال بعض الحنابلة أن الصبي المميز يجب عليه الجمعة. لنا: أنه غير مكلف بالتكاليف
الشرعية أجمع فكيف يكون مكلفا بنوع منها. * مسألة: ولا ينعقد به وإن كان مميزا يصح منه التطوع وهو قول الشافعي في الامام وقال
في الاملاء ينعقد به. لنا: أنه غير مكلف فلا ينعقد معه الجمعة إذ وجوده كالعدم وإن انعقادها به يفتقر إلى دليل شرعي ولم يثبت نعم يصح منه لان المميز يصح
منه الأفعال المندوبة. * مسألة: والحرية شرط وهو مذهب علمائنا أجمع وهو قول عطا وعمر بن عبد العزيز والشعبي ومالك والثوري والشافعي
وإسحاق وأبي ثور وقال الحسن البصري وقتادة يجب العيد الذي يؤدي الضريبة وعن أحمد روايتان. لنا: ما رواه الجمهور عن جابر وقد تقدم وعن تميم الداري
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الجمعة واجبة إلا على خمسة امرأة أو صبي أو مريض أو مسافر أو عبد رواه رجاء بن المرخي في سننه ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن والصحيح معا عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ووضعها عن تسعة عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة
والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين وما رواه في الصحيح عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام وقال منها صلاة واجبة على كل
مسلم إن شهدها إلا خمسة المريض والمملوك والمسافر والمرأة والصبي ولان منافعه مملوكة لسيده وهو محبوس عليه فكان كالمحبوس بالدين و
لأنها يجب السعي إليها من يعيد فلم يجب كالحج ولأنه لو وجبت عليه لوجب عليه المضي إليها وإن لم يأذن السيد كالفرائض وهو باطل إجماعا احتج المخالف
بعموم الامر واحتج أبو قتادة بأن حقه عليه قد تحول إلى الحال فأشبه من عليه الدين والجواب عن الأول: أن الآية مخصوصة بذوي الأعذار وهو منهم
ولأنها مخصوصة لما قدمنا من الأحاديث وعن الثاني: أن استدل عليه السيد ويملك منافعه لم يزل بالضريبة. فروع: [الأول] المكاتب
والمدبر وأم الولد والمخارج كالقن لا يجب عليهم وهو قول أكثر أهل العلم وأوجب الحسن البصري وقتادة الجمعة على المكاتب كما أوجباها على المخارج وهو
ضعيف لان الرق ثابت في الجميع فيدخل تحت اسم المملوك والعبد لا منفعته له بإذن السيد قلنا إباحة السيد له التصرفات لا يزيل ملكه عنه كما لو أذن
له السيد أو امرأة بصلاة الجمعة فإنها لا يجب عليه عندهما. [الثاني] لو انعتق بعضه فهاباه مولاه لم تجب الجمعة أيضا وإن اتفقت في يوم نفسه
وهو قول من ذكرنا لوجود المانع وهو الرقية وقال الشيخ في المبسوط: يجب عليه في يوم نفسه لأنه ملكها فيه. [الثالث] لو صلى الظهر فأعتق بعده لم يجب
عليه الجمعة لأنه أدى فرضه فلا يجب عليه بدله. [الرابع] يستحب له الجمعة مع إذن المولى لينال فضل الجمعة وثوابها. [الخامس] قال بعض
علمائنا أنه ينعقد به الجمعة ذكره في الخلاف وبه قال أبو حنيفة خلافا للشيخ في المبسوط وللشافعي وأحمد. لنا: ما دل على اعتبار العدم عام غير مخصوص
بعيد وغيره وعدم الوجوب لا يقتضي عدم الانعقاد به كالمريض احتج المخالف بأنهم ليس من أهل فرض الجمعة فلم ينعقد بهم كالنساء والجواب
ينتقض بما ذكرتم بالمريض فيبقى دليلنا سالما ولا خلاف أنه لو صلى الجمعة أجزئه. * مسألة: والحضر شرط في وجوب الجمعة فلا يجب على المسافر
ما لم يستوطن بلد (لمقام) القرية شهرا أو ينوي المقام عشرة أيام ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول عطا وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي ومالك والثوري والشافعي
وإسحاق وأبي ثور وقال الزهري والنخعي أن الجمعة يجب على المسافر. لنا: ما تقدم من الأحاديث في فصل العبد ولان النبي صلى الله عليه وآله والصحابة
يأمرهم ومن بعدهم لم ينقل عندهم الجمعة في أسفارهم وهذا إجماع ولان السفر مظنة الترخص فلا يكون مظنة للمنافي احتج بعموم الامر وبقوله عليه السلام الجمعة
على من سمع النداء والجواب أن الآية والخبر مخصوصا بما ذكرناه من الدليل. فروع: [الأول] هل ينعقد به قال بعض علمائنا نعم ذكره في الخلاف و
هو قول أبي حنيفة خلافا للشيخ في المبسوط وللشافعي وقد تقدم البحث في العبد وهو آت فيه. [الثاني] لو نوى المقام عشرا وجبت عليه لجواز (الجمعة)
لأنه بحكم المقيم وكذا لو أقام شهرا من غير نية وقال الشافعي لو أقام أربعة أيام وجبت الجمعة عليه لأنه صار مقيما والمشترطين للاستيطان لم يوجبونها
عليه ولو طال مقامه. [الثالث] لو وجبت عليه انعقدت به وهو ظاهر على مذهبنا وللشافعي قولان وقال أبو إسحاق لا ينعقد به لان الشافعي اشترط فيمن
ينعقد به الجمعة الاستيطان وقال أبو هريرة ينعقد به لوجوبها عليه فأشبه المستوطن. [الرابع] الأفضل له حضور الجمعة ولا خلاف في الاجر. (الاجراء) [الخامس]
لم أقف على قول لعلمائنا في اشتراط الطاعة في السفر لسقوط الجمعة والأقرب اشتراطه. [السادس] لو صلى الظهر فخرج عن حكم المسافر لم
يجب عليه حضور الجمعة لسقوط الفرض عنه. * مسألة: لا يجب الجمعة على الأعمى ذهب إليه علماؤنا وهو قول أبي حنيفة سواء وجد قائدا أو لم يجده
322

وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف وقال محمد: إذا وجد قائدا وجبت عليه وهو الرواية الأخرى عن أبي يوسف وقال أحمد: تجب عليه الجمعة. لنا: أنه أبلغ عذرا
من المرأة فكان الترخيص في حقه ثابتا ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وضعها عن الأعمى احتجوا بالعموم والجواب أنه مخصوص بما ذكرنا
أو بالقياس على المحذور احتج محمد بأنه قادر على اتيان مع القائد فوجب عليه والجواب: أنه عاجز بنفسه فلا يكون قادرا بغيره لان ذلك التيسر بما امتنع عن الإعانة
في الطريق. فروع: [الأول] لو خص وجب عليه لعدم العذر. [الثاني] الجمعة معقد به لما بيناه. [الثالث] لو صلى الظهر ثم حضر سقط
عنه الجمعة وهو قول الشافعي وأحمد وخلافا لأبي حنيفة. لنا: أن فرضه الظهر وقد أداه فلا يجب عليه بدله احتج بأن عموم فرض الجمعة ثابت إلا أنه لم يؤمر بالأداء لعجزه
عن الحضور ومعه قادر فيأتي بفرضه والجواب: المنع من عموم الخطاب له بعد العفو عنه وهكذا البحث في كل من سقط عنه فرض الجمعة إذا صلى الظهر ثم حضرها.
* مسألة: ولا تجب على المريض وهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال علماء الأمصار وذلك لحديث جابر وتميم من طريق العامة وحديث زرارة وأبي بصير ومحمد بن
مسلم من طريق الخاصة ولأنه معذور للمشقة الحاصلة بتكلف الحضور فيسقط عنه. فروع: [الأول] هذا الحكم ثابت في حق المريض مطلقا
لسائر أنواع المرض لعدم التخصيص وتناول اسم المريض للجميع. [الثاني] سواء زاد المرض بالحضور أو لم يزد يسقط عنه لحصول المانع فيهما وقال
الشافعي: إنما تسقط عنه مع زيادة المرض أو حصول مشقة غير متحملة. [الثالث] لو حضر وجبت عليه وانعقدت به وهو قول أكثر أهل العلم. [الرابع]
لو صلى الظهر في بيته ثم حضر لم يجب عليه الجمعة ولم يبطل ظهره التي صلاها لما بيناه سواء زال عنه المانع أو لا ولذا كل من لا يجب عليه الجمعة. * مسألة:
ولا يجب على الأعرج وهو مذهب علمائنا أجمع لأنه معذور بعرج لحصول المشقة في حقه ولأنه مريض فسقطت عنه ولو حضر وجبت عليه وانعقدت
به بلا خلاف. * مسألة: ولا يجب على من بعد عن الجمعة بأزيد من فرسخين ذهب إليه علماؤنا أجمع ويجب على من بينه وبين الجامع فرسخان فما دون وهذا
التحديد إنما هو للخارج عن البلد اما المستوطن فيه فإنه يجب عليه الحضور أو الجمعة إذا بعد ثلاثة أميال وقال سعيد بن المسيب والليث ومالك وأحمد: يجب
الحضور على غير أهل المصر إذا كان بينهم وبين الجامع فرسخ واحد فما دون فما يجب لو زاد وقال الشافعي وإسحاق: إنما يجب على من سمع النداء وهو مروي عن عبد
الله بن عمر وقال أبو حنيفة: لا جمعة على من كان خارج المصر وإن سمع النداء وروي عن أبي هريرة وابن عمر وأنس والحسن ونافع وعكرمة والحكم وعطا والأوزاعي
يجب على من آواه الليل إلى أهله. لنا: عموم السعي خرج من بعد عن الفرسخين للمشقة والحديث زرارة فيبقى الباقي على أصل الاندراج ولما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجمعة فقال: يجب على من كان منها على رأس فرسخين فإن زاد على ذلك فليس عليه شئ وما رواه
عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجب الجمعة على من كان منها على فرسخين وذلك يدل من حيث المفهوم عن سقوطها على من زاد بعده
على ذلك لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام الجمعة واجبة على من صلى الغداة في أهله إدراك الجمعة وكان رسول الله صلى
الله عليه وآله إنما يصلي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا فضوا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله رجعوا إلى رحالهم قبل الليل وذلك
سنة إلى يوم القيامة وروي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ووضعها عن تسعة ومن كان على رأس فرسخين لأنا نقول أما الأول: فإن الوجوب المراد
به هنا شدة الاستحباب للأحاديث السابقة، وأما الثاني: فإنه يحمل على من زاد عن الفرسخين يمشي قليلا إذ الحصول على نفس الفرسخين ممتنع احتج مالك
بعموم الامر بالسعي وهو يتناول غير أهل المصر واحتج الشافعي بما رواه عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الجمعة على من سمع النداء واحتج أبو حنيفة
بأن عثمان صلى العيد في يوم الجمعة ثم قال لأهل العوالي من أراد منكم أن ينصرف ومن أراد أن يقيم حتى يصلي الجمعة فليقم ولأنهم خارج أهل
المصر فاشتبهوا أهل الحلل واحتج الباقون بما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الجمعة على من آواه الليل إلى أهله والجواب عن الأول: أنه؟ خرج؟
دال على التحديد بالفرسخ ونحن نقول بموجبه، وعن الثاني: أن الوجوب على السامع لا ينفي الوجوب عن غيره ولأنه لو لم يحصل النداء لوجب السعي ولان المقصود
من السماع ليس هو الحقيقة فإن فاقد السمع يجب عليه السمع وكذا الغافل والنائم وأيضا فالسمع متفاوت فلا يجوز للشارع رد الناس إليه بغير
ضابط بل المراد منه القريب فيجد بما ذكرناه للروايات عن أهل البيت عليهم السلام على أنه قد طعن فيه أكثر الجمهور وقال أنه من كلام ابن عمر، وعن الثالث:
بأنا نقول بموجبه إذ مع اجتماع العيد والجمعة يتخير المصلي وسيأتي، وعن الرابع: بالمنع من عدم الوجوب في المقيس عليه ولو سلم فالفرق ثابت إذ أولئك
غير مستوطنين بخلاف أهل القرى، وعن الخامس: أن رواية عبد الله بن سعيد المقبري وهو ضعيف. فروع: [الأول] لا خلاف عندنا في أنه
لو حضر وجب عليه وانعقدت به. [الثاني] يستحب له الحضور لرواية زرارة ولأنه سعى إلى طاعة فكان مطلوبا. [الثالث] إذا زاد البعد عن
فرسخين لم يجب عليهم الحضور إجماعا فإن كانوا على الشرائط وجبت عليهم الجمعة والحضور ولو فقدوا الشرائط تخيروا بين الظهر والحضور ولو نقص
البعد عن ذلك وجب عليهم الحضور والجمعة ما لم يكن بينهم وبين الجمعة ثلاثة أميال ولو حضر بعضهم فإن تخلف من يصح منه الجمعة صحت منه وإلا
وجب عليه السعي. * مسألة: ويسقط الوجوب مع المطر في الطريق المانع من الحضور أو الوحل الذي يشق
معه المشي وهو قول أكثر أهل العلم
ومالك لم يجعل المطر عذرا. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس أنه أمر مؤذنه في يوم جمعة في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل
حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم قال فكان الناس استنكروا ذلك فقال أتعجبون من ذا فعل ذا من هو خير مني رواه مسلم ومن طريق الخاصة
323

ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال قال أبو عبد الله عليه السلام: لا بأس أن تدع الجمعة في المطر وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عبد الرحمن بن
أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام احتج مالك بالعموم والجواب: أنه يخرج لما ذكرنا من العذر. * مسألة: ويسقط مع كل عذر يتعذر معه الفعل لان فيه المشقة
فكان الوجوب ساقطا فلو مرض له قريب وخاف موته جاز له الاعتناء به وترك الجمعة ولو لم يكن قريبا وكان معينا به جاز له ترك الجمعة إذا لم يقم غير مقامه ولو
كان عليه دين يخاف معه من الحضور وهو غير ممكن سقطت عنه ولو يمكن لم يكن عذرا ولو كان عليه حد قذف أو شرب أو غيرهما لم يجز له الاستتار عن الامام
لأجله وترك الجمعة. * مسألة: ولا يجب على الشيخ الكبير وهو مذهب علمائنا للمشقة فأشبه المريض ويدل عليه الروايات السابقة. [البحث الرابع]
في صفات الامام، * مسألة: يعتبر في الامام التكليف وهو يشتمل على وصفين البلوغ والعقل وذلك مما لا خلاف فيه إذ من ليس بعاقل
لا يصح منه إيقاع الفعل على وجه الطاعة وفي المراهق نظر أقربه عدم الجواز أيضا وكلام الشيخ في الخلاف يشعر بجواز إمامته وهو قول الشافعي
في الاملاء وقال في الأم لا يجوز. لنا: أنه غير مكلف فلا يناط به صلاة غيره احتج الشيخ بأن صلاته شرعية لقوله عليه السلام مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع و
الجواب: إن أردت بالشرعية ما أمر الشارع بها للفاعل فهو باطل إذ الامر منوط بالبلوغ وإن أردت به ما يثاب عليه فهو ممنوع لعدم استحقاق الثواب نعم يستحقون
العوض أما الثواب فلا وإن أردت بالشرعية ما أمر الشارع بها بغير الفاعل فهو مسلم وذلك لا يفيد المطلوب. * مسألة: ويعتبر فيه الايمان وهو مذهب
علمائنا أجمع واعتبر الجمهور الاسلام. لنا: أنه فاسق فلا يصلح للإمامة لما تقدم في باب الجماعة ويعتبر فيه العدالة لذلك أيضا خلافا للجمهور لما رواه الجمهور
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان أو يخاف سوطه أو صيفه ويعتبر فيه طهارة المولد وجميع
الشرائط المعتبرة في إمام الجماعة وقد سلفت ويعتبر فيه الذكورة فلا يصلح إمامة النساء أما للرجال فلما مضى وأما الإماء لهن فلسقوط الجمعة في حقهن. فرع:
لا يجوز أن يكون الخنثى إماما لاحتمال أن يكون امرأة ومتى عرض تجويز البطلان كان الحكم له عملا بالاحتياط. * مسألة: وفي إمامة العبد قولان،
أظهرهما الجواز إذا تم العدد بغيره وهو قول أبي حنيفة والشافعي خلافا لمالك. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يؤمكم أقرأكم وهذا غير
مخصوص بالحر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرأنا
قال: لا بأس وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام ولأنهم رجال يصح منهم الجمعة فجاز وأن يكون الأئمة كالأحرار احتج المخالف بما
رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنه قال: لا يؤم العبد إلا أهله ولأنهم لا يجب عليهم الجمعة فلم يجز أن يؤموا كالنساء. والجواب عن الأول: بضعف
الرواية، وعن الثاني: بالفرق مع أنه قياس في معارضة النص فلا يكون مقبولا. * مسألة: ويجوز أن يكون المسافر إماما إذا تم العدد بغيره، قال الشيخ
في المبسوط وبه قال أبو حنيفة والشافعي ومالك خلافا لأحمد. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يقدم القوم أقرأهم القرآن ولأنه مكلف يتعين عليه الجمعة مع الحضور فأشبه
الحاضر احتج المخالف بأن الجمعة لا يجب عليه فلا يكون إماما كالنساء والجواب بما تقدم والنقض بالمريض. * مسألة: ولو كان الامام مريضا أو محبوسا بالعذر
كالمطر وشبهه فتكلف الحضور صح أن يكون إماما إذا جمع الشرائط، لا نعرف فيه مخالفا من أهل العلم. * مسألة: ويجوز إمامة الأعمى، وهو قول أكثر
أهل العلم لان فقد؟ حاسته؟ لا يخل بشئ من أفعال الصلاة فكان حكمه حكم فاقد السمع والصم. * مسألة: ولا يؤم الأجذم والأبرص، لما رواه الشيخ في
الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خمسة لا يؤمون الناس على كل حال المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي وروي عن إبراهيم بن
عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال: لا يصلي الناس من في وجهه اثار وقد روى الشيخ عن عبد الله بن يزيد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المجذوم والأبرص
يؤمان المسلمين؟ قال: نعم قلت هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال: نعم وهل كتب البلاء إلا على المؤمن قال الشيخ هذا محمول على الضرورة في الجماعة. * مسألة: وإذا حضر إمام
الأصل فهو أولى وتعين الاجتماع معه لا خلاف فيه بين علمائنا لان الولاية له وروى الشيخ عن حماد بن عيسى عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: إذا قدم
الخليفة مصرا من الأمصار جمع بالناس ليس ذلك لاحد غيره. * مسألة: الذي يظهر من عبارة الأصحاب أن المتولي للخطبة هو الامام ولا يجوز أن يخطب
واحد ويصلي آخر ولم أقف فيه على نص صريح لهم لكن الأقرب ذلك إلا أن يكون هناك عذر لان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة بعده هكذا فعلوا وقال عليه السلام:
" صلوا كما رأيتموني أصلي " ولان الخطبتين كالركعتين فتولاهما الواحد وأما مع العذر فظاهر لان الاستخلاف في بعض الصلاة جايز فمع الخطبة أولى.
فرعان [الأول] لو خطب أمير فعزل وولي غيره صلى بهم وهل يجب إعادة الخطبة فيه نظر. [الثاني] هل يشترط أن يكون الثاني قد حضر الخطبة
الأقرب عدمه لان المسبوق يجوز استخلافه في الصلاة فمع الخطبة أولى وبه قال الأوزاعي والشافعي لأنه ممن ينعقد به الجمعة فجاز أن يؤم كما لو حضر الخطبة
وقال الثوري: يشترط لأنه إمام في الجمعة فاشترط حضوره الجمعة وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأي وليس بشئ. [البحث الخامس] في الكيفية،
* مسألة: فإذا زالت الشمس صعد الامام المنبر لا يؤخره سواء كان صيفا أو شتاء لان النبي عليه السلام صلاها وقت الزوال فيهما ولان الناس يجتمعون
فلو انتظروا للايراد شق عليهم وهل الصعود على المنبر واجب؟ الأقرب أنه لا يجب لان الواجب إسماع العدد الخطبة لكن يستحب ولا نعرف فيه مخالفا لما رواه الجمهور
عن سهل بن سعد قال أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى امرأة سماها سهل أن مري غلامك النجاري يعمل لي أعواد أجلس عليهن إذا كلمت الناس ورووا
324

عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت ما أخذت قاف إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وآله يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل
الأول فيقول جبرئيل عليه السلام يا محمد صلى الله عليه وآله قد زالت فأنزل فصل وفي الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألته عن الجمعة؟ قال: أذان وإقامة يخرج الامام بعد الأذان
فيصعد المنبر فيخطب. فرع: قال الشيخ يستحب أن يعقد الخطيب دون الدرجة العالية من المنبر أصل إذا ورد لفظ من الشرع يمكن حمله على معنى لغوي
وحكمه (حمله على) شرعي متجدد فحمله على الثاني أولى وليس بمجمل لان المعهود من الشرع إنما هو تعريف الاحكام لا تعريف اللغة فكان اللفظ الصادر عنه ظاهرا
في الحكم الشرعي المتجدد وقولهم أن عهد (المعهود من) باب الشرع استعمال الألفاظ في معانيها اللغوية فتساوي الاحتمالان ضعيف لأولوية الشرعي لما ذكرناه.
* مسألة: وفي جواز تقديم الخطبة على الزوال قولان، أقربهما: عدم الجواز. لنا: أن السعي إنما يجب بعد الأذان وهو إنما يكون بعد دخول الوقت
وما رواه الجمهور عن سلمة بن الأكوع قال كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذا زالت الشمس ثم نرجع يتبع الفئ والجمعة إنما هي الخطبتان
والركعتان. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألته عن الجمعة؟ فقال أذان وإقامة يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر
فيخطب الحديث وما رواه عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى الجمعة صعد على المنبر
حتى يفرغ المؤذنون ولان الفائدة من الخطبة إنما هو الاستماع الألفاظ المستلزم للحضور وذلك إنما يكون بعد الزوال لاستقبال الناس قبله
فكان يلزم أن يفوت الخطبة أكثر المصلين وذلك غير مطلوب في نظر الشرع ولأنهما بدل عن الصلاة فحكمهما حكمها ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام وإنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حين ينزل الامام ولان الخطبتين يصدق عليهما أنهما
صلاة لغة لاشتمالهما على الدعاء فيقول ذلك غير مطلوب من قول أبي عبد الله عليه السلام أنها صلاة لان الشرع بتعريف الاحكام أكثر اعتناء
من تعريف اللغات فلم يبق إلا أنهما تساويان الصلاة في الاحكام والصلاة إنما يصح بعد الزوال لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا صلاة نصف النهار الا الجمعة احتج الشيخ برواية عبد الله بن سنان الصحيحة عن أبي عبد الله (ع) قال كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل الأول فيقول جبرئيل عليه السلام يا محمد صلى الله عليه وآله قد زالت الشمس فأنزل
فصل والجواب: أن الظل الأول يمكن أن يكون المراد به ما يحصل بعد زوال الشمس. * مسألة: وإذا استقبله الناس سلم عليهم مستحبا، وهو
اختيار السيد المرتضى وابن إدريس وبه قال الأوزاعي والشافعي وقال الشيخ في الخلاف لا يستحب وبه قال المالك وأبو حنيفة. لنا: ما رواه
الجمهور عن جابر قال كان النبي صلى الله عليه وآله إذا صعد المنبر سلم وعن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل المسجد يوم الجمعة سلم
على من عند المنبر جالسا فإذا صعد المنبر توجه الناس عليهم وعن الشعبي قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل المسجد يوم الجمعة
سلم على من عند المنبر جالسا فإذا صعد المنبر توجه الناس سلم عليهم وعن الشعبي قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل
الناس فقال السلام عليك ورحمة الله ويحمد الله ويثني ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عمر بن جميع رفعه عن علي
عليه السلام قال: من السنة إذا صعد الامام المنبر أن سلم إذا استقبل الناس ولأنه تحية فكان حسنا احتج الشيخ بأن الأصل براءة الذمة وشغلها بواجب أو مندوب
يحتاج إلى دليل. والجواب: الدليل ما قدمناه ولو كان بالمدينة ابتدأ بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله. فرع: وإذا سلم رد عليه الناس
لان رد السلام أكد من ابتدائه وقوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها). * مسألة: ثم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذنون الاستراحة
ولما رواه الجمهور عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وآله يخطب خطبتين كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذنون ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا
يتكلم ثم يقوم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عليه السلام وقد تقدم. * مسألة: ولا نعرف خلافا بين أهل العلم في
مشروعية الأذان عقيب صعود الامام لان النبي صلى الله عليه وآله كان إذا صعد المنبر جلس إلى أن يفرغ المؤذنون وهذا هو الأذان الأول إذ
ينبغي فعله مع أذان المؤذنين في المنابر وهو الأذان الذي يحرم به البيع ويتعلق به وجوب السعي وإذا فرغ المؤذنون من الأذان خطبهم قائما ولو كان
له عذر جاز له القعود أما مع عدمه فلا وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لو خطب جالسا من غير علة جاز. لنا: ما رواه الجمهور في حديث ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وآله كان يخطب قائما خطبتين وكذا في حديث جابر بن سمرة قال إن النبي صلى الله عليه وآله كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب
قائما فيمن تناكر أنه كان يخطب جالسا فقد كذب والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة رواه مسلم وأبو داود والنسائي ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال قال أبو عبد الله عليه السلام: أن أول من خطب وهو جالس معاوية واستأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه
وكان يخطب خطبة وهو جالس وخطبة وهو قائم ثم يجلس بينهما ثم قال الخطبة وهو قائم الخطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون
فصل ما بين الخطبتين ولأنهما بدل من الركعتين فاشترط فيهما القيام كمبدلهما ولان حكمهما حكم الصلاة لرواية عبد الله بن سنان وقد مضى
تقديرها احتج أبو حنيفة بأنه ذكر ليس من شرطه الاستقبال فلا يجب له القيام كالأذان. والجواب: الفرق لأنهما بدل بخلاف الأذان. فرع:
325

لو كان له عذر من علة أو زمانة جاز له القعود فلو قدر في أثنائه على القيام وجب ولو قعد لغير عذر قال الشيخ
بطلت صلاته وصلاة من خلفه إن علموا ويصح
صلاة من لم يعلم آخر لا ينبغي أن يفعل بين الأذان والخطبة بجلوس وغيره بل ينبغي التعقيب لان النبي صلى الله عليه وآله كذا فعل. * مسألة: ويستحب
له أن يستقبل الناس في حال خطبته ولا يلتفت يمينا ولا شمالا وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة: يلتفت يمينا وشمالا. لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله
كان يفعل كذلك روى البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل علينا بوجهه ونقبل عليه لوجوهنا ومن طريق الخاصة ما رواه ابن
يعقوب في كتابه عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل واعظ قبلة يعني إذا خطب الامام الناس يوم الجمعة ينبغي
للناس أن يستقبلوه بوجوههم وما رواه ابن بابويه في كتابه أن النبي صلى الله عليه وآله قال: كل واعظ قبلة وكل موعظ قبلة للواعظ يعني في الجمعة
والعيدين وصلاة الاستسقاء ولأنه أبلغ من سماع الناس فاعدل بينهم فإنه لو التفت إلى أحد الجانبين لا عرض عن الآخر أحتج أبو حنيفة بالقياس
على الأذان والجواب: منع الحكم في الأصل. فروع: [الأول] لو خطب مستقبل القبلة واستدبر الناس صحت الخطبة لحصول المقصود وهو السماع.
[الثاني] يستحب أن يستقبل الناس الخطيب ليكون أبلغ في السماع وهو قول عامة أهل العلم إلا الحسن البصري فإنه استقبل القبلة ولم ينحرف إلى الامام و
عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يستقبل هشام بن إسماعيل إذا خطب فوكل به هشام شرطيا يعطفه إليه. لنا: ما رواه الجمهور عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده
قال كان النبي صلى الله عليه وآله إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم. [الثالث] إنما يستحب هذا للقريب بحيث يحصل له السماع أو شدته أما البعيد
الذي لا يبلغه الصوت فالأقرب عندي أنه ينبغي له استقبال القبلة. * مسألة: لا يكفي الخطبة الواحدة بل لا بد من الخطبتين فلو أخل بواحدة
منهما فلا جمعة له، ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي وقال مالك والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وأبو المنذر وأصحاب الرأي وأحمد أنه يجزيه خطبة
واحدة. لنا: ما رواه الجمهور في حديث ابن عمر وجابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يخطب خطبتين وقال: " صلوا كما رأيتموني أصلي " ومن طريق الخاصة
ما رواه معاوية بن وهب الصحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما الحديث وفي رواية الفضل بن عبد الملك
عن أبي عبد الله عليه السلام وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين وفي رواية محمد بن مسلم فيصعد المنبر فيخطب ثم يقعد فيقوم فيفتتح بخطبته ثم ينزل
ويمثل (مثله) في رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام ولأنهما عوض الركعتين كل خطبة مقام ركعة والاخلال بأحدهما كالاخلال بإحدى الركعتين
احتج المخالف بقوله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله) وليس فيه دلالة على وجوب ما دل على الخطبة والجواب أنه مجمل وبينه النبي صلى الله عليه وآله وكان ما فعله واجبا.
* مسألة ويشترط في كل خطبة حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله صلى الله عليهم وقراءة شئ من القرآن والوعظ فهذه الأربعة
لا بد منها فلو أخل بأحدها لم يجزيه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجزي من الخطبة كلمة واحدة الحمد لله أو الله أكبر أو سبحان الله أو لا إله إلا الله
وما شابه ذلك وقال أبو يوسف ومحمد لا يجزيه حتى يأتي بكلام يسمى خطبة في العادة وعن مالك روايتان أحديهما أن من هلل أو سبح أعاد ما لم
يصل والثانية أنه لا يجزي إلا ما يسميه العرب خطبة أما حمد الله فلقوله عليه السلام كل امر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر وأما الصلاة على النبي صلى الله
عليه وآله فلما روي في تفسير قوله (ألم نشرح لك صدرك * ورفعنا لك ذكرك) قال لا أذكر إلا ذكرت معين ولأنه وجب ذكر الله والثناء عليه فوجب الصلاة
على النبي وآله صلى الله عليهم كالأذان والتشهد وأما الصلاة على آله فلما رواه ابن يعقوب عن عبد الله بن عبد الله الدهقان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال كلما ذكر اسم ربه صل على محمد وآله وأما القراءة فلما رواه الشعبي قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صعد المنبر يوم الجمعة واستقبل الناس
فقال السلام عليكم ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل وفي رواية جابر كان لرسول الله صلى الله عليه وآله خطبتان
يجلس بينهما ويقرأ القرآن ويذكر الناس وفي رواية صفوان بن معلى عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك وفي رواية
هشام تلقيت سورة ق من في رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خطب يوم الجمعة على المنبر وأما الوعظ فلما روى النبي قال في خطبته ألا أن الدنيا عرض حاضر
يأكل منه البر والفاجر ألا وأن الآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك قادر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال قال أبو عبد الله عليه السلام: ينبغي
بالامام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة يلبس عمامة في الشتاء والصيف وتبرد برد يمينه أو عدني ويخطب وهو قائم يحمد الله ويثني عليه ثم يوصي بتقوى الله
ثم يقرأ سورة من القرآن قصيرة ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على محمد وآل محمد وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات
فإذا فرغ من هذا قام المؤذن يصلي بالناس ركعتين يقرأ في الأولى سورة الجمعة وفي الثاني سورة المنافقين احتج أبو يوسف بأن الامر مطلق بالسعي
إلى ذكر المطلق ولما روي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال علمني عملا أدخل به الجنة فقال لئن أقصرت في الخطبة لقد أعرضت في المسألة
والجواب عن الأول: ما تقدم، وأما الثاني: فلا شك بأنه مجاز وأن السؤال لا يسمى خطبة. فروع: [الأول] اختلف عبارة الأصحاب في كيفية الخطبتين
فالذي ذكرناه عبارة الشيخ في الخلاف والمبسوط إلا أنه قال فيه وقراءة سورة خفيفة من القرآن فقال في النهاية ويخطب الخطبتين ويفصل بينهما بخطبة
ويقرأ سورة خفيفة ويحمد الله في خطبة ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله ويدعو أئمة المسلمين ويدعو أيضا للمؤمنين والمؤمنات ويعظ ويزجر
وينذر ويخوف وقال السيد المرتضى في المصباح يحمد الله في الأولى ويمجده ويثني عليه ويشهد بمحمد صلى الله عليه وآله بالرسالة ويوشحها بالقرآن
326

ويعظ، وفي الثانية: الحمد والاستغفار والصلاة على النبي وعلى آله عليه وعليهم السلام ويدعو لائمة المسلمين ولنفسه وللمؤمنين وقال أبو الصلاح وخطبة
في أول الوقت مقصورة على حمد الله والثناء عليه بما هو أهله والصلاة على محمد وآله المصطفين من آله ووعظ وزجر وقال ابن البراج بمثل قول الشيخ
في النهاية وقال ابن حمزة بمثل قوله في المبسوط وقال الشيخ في الجمل بمثل قوله في المبسوط وبمثله قال ابن إدريس. [الثاني] هل يجب قراءة سورة تامة أم
يجزي بعضها، ظاهر كلامه في الخلاف: الاجتزاء بآية يتم فائدتها وكذا كلام السيد المرتضى في المصباح وفي رواية سماعة دلالة على وجوب السورة ولو قرأ
إحدى العزائم نزل فسجد وسجد الناس معه وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يجب السجود فيجوز له أن يترك وأن ينزل ويسجد وإن سجد على المنبر ان يمكن و
قال مالك: لا ينزل. لنا: أنه واجب فلا يجوز تركه وما (لما) رواه الجمهور أن عثمان نزل وسجد وكذا عمار وابن موسى والنعمان بن بشير وعقبة بن عامر وعمل هؤلاء
الصحابة إنما يكون تلقينا احتجوا بأنه غير واجب والجواب: المنع وسيأتي. [الثالث] هل الجلوس بين الخطبتين واجب أم لا؟ فيه إشكال والظاهر
من عبارة الأصحاب والاخبار الوجوب وبه قال الشافعي لان النبي صلى الله عليه وآله كان يجلسها وقال: " صلوا كما رأيتموني أصلي " وقال أبو
حنيفة وأحمد ومالك: أن الجلوس ليس بواجب واحتجوا بما رواه أبو إسحاق قال رأيت عليا عليه السلام يخطب على المنبر فلم يجلس حتى فرغ ولأنها
جلسة ليس فيها ذكر مشروع فلم يكن واجبة. والجواب عن الأول: بالمنع من النقل ولو سلم فلعله أشتبه على الراوي إذ في أول ما يكون من الجلوس
بلاغ فلعله اشتغل عنه في تلك اللحظة، وعن الثاني بالنقض بالجلوس بين الركعتين. [الرابع] لو خطب جالسا لعذر فصل بينهما بسكوت. [الخامس]
يجب تقديم الخطبتين على الصلاة ولا نعرف فيه مخالفا لان النبي صلى الله عليه وآله كذا فعل وروى الشيخ عن أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن خطبة رسول
الله صلى الله عليه وآله أقبل الصلاة أو بعد؟ فقال: قبل الصلاة ثم يصلي. [السادس] لا يجب أن يخطب على خطبة النبي صلى الله عليه وآله إذ قد خطب
في مرات متعددة بخطب مختلفة وكذا الأئمة عليهم السلام بل الواجب اشتمال الخطبة على ما ذكرناه، ولا نعرف فيه خلافا. * مسألة: ويشترط في الخطبتين
الطهارة، ذهب إليه الشيخ في الخلاف والمبسوط وخالف فيه ابن إدريس وجعل الطهارة مستحبة وللشافعي قولان ولأحمد روايتان. لنا: أن النبي صلى الله عليه
وآله خطب متطهرا لأنه كان يصلي عقيب الخطبة وقال: " صلوا كما رأيتموني أصلي " ولأنه فعله بيانا فكان واجبا ولرواية عبد الله بن سنان أنهما صلاة ولأنهما
بدل فكان حكمهما حكم مبدلهما ولأنهما ذكر هو شرط في الصلاة فاشترطت فيه الطهارة كالتكبير احتج المخالف بأن الأصل عدم الوجوب إلى أن يظهر (بخلافه) ولأنه دليل
ولأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم يكن الطهارة فيه شرطا كالأذان والجواب عن الأول: ما ذكرنا من الأدلة ولان أصله معارض بأن الأصل شغل الذمة بعد الخطاب
فلا يحصل البراءة باليقين إلا مع الطهارة فاشترطت، وعن الثاني: بالفرق إذ الخطبتان بدل وشرط. فروع: [الأول] لو أحدث في أثنائها فالذي
يقتضيه النظر الاستخلاف إذ الطهارة شرط وقد فاتت فكان كما لو أحدث في أثناء الصلاة ولو أحدث بعد الفراغ منهما قبل الصلاة قال الشيخ في المبسوط
يستخلف إذ الامر بالاستخلاف مطلق وهو في معنى ما ذكرناه. [الثاني] لو ظن الطهارة فخطب ثم تيقن الحدث تطهر واستأنف. [الثالث] يشترط فيها
طهارة الثوب والبدن من الخبث بما ذكرناه واعلم أن المسائل المذكورة الطهارة في الحدث في الشك واليقين آتيته ها هنا. * مسألة: ويشترط في الخطبتين أن
يحضرهما العدد المعتبر في الجمعة، ذهب إليه علماؤنا فلو حضر معه ثلاثة نفر لم يصح وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة لا يشترط العدد في الخطبتين. لنا:
الاحتياط يقتضي ذلك ورواية الفضل ولأنه ذكر من شرائط الجمعة فيه فاعتبر فيه العدد كتكبيرة الافتتاح احتج بالقياس على الأذان. والجواب: أنه
ليس بشرط بخلافهما ويجب الاستماع لان المقصود من الخطبة الاستماع للاتعاظ وذلك ظاهر ولأنه قد نهى الناس عن الكلام حال الخطبة ولا سبب لذلك
إلا المنع من الاستماع ولرواية الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام عن أهل القرى قال: إن كان لهم من يخطب بهم جمعوا ولا يفهم من الخطبة بهم إلا
إذا سمعوا. فرع: هل الاستماع شرط أم لا الأقرب عندي واجب غير شرط لعدم الدلالة على الاشتراط فلو حضر فاقد السمع وكان العدد يتم به وجب الجمعة
ولو كانوا كلهم كذلك وجب أيضا عملا بالعموم وإنما يشترط العدد في واجبات الخطبة لا في مسنوناتها. * مسألة: وإذا فرغ من الخطبة نزل ويبتدئ
المؤذن الذي بين يديه بالإقامة وينادي باقي المؤذنين الصلاة الصلاة وصلى بالناس ركعتين وقد أجمع علماء الاسلام على أن الجمعة ركعتان
روى الجمهور عن عمر أنه قال صلاة الجمعة ركعتين تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وآله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سماعة
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة؟ فقال: أما مع الامام فركعتان وأما من صلى وحده فأربع ركعات بمنزلة الظهر. * مسألة:
ويقرأ في الأولى منها الحمد وسورة الجمعة، وفي الثانية الحمد والمنافقين، ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي وأبو ثور وأحمد وقال أبو حنيفة يقرأ
في أي موضع شاء ولا يختص القراءة سورة وقال مالك يقرأ في الأولى سورة الجمعة وفي الثانية الغاشية وقال أبو بكر عبد العزيز يقرأ في الثانية
سبح. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن أبي رافع قال صلى بنا أبو هريرة الجمعة فقرأ بسورة الجمعة في الركعة الأولى وفي الركعة الآخرة إذا جاءك المنافقون
فلما قضى أبو هريرة الصلاة أدركته فقلت يا أبا هريرة إنك قرأت السورتين كان علي عليه السلام قرأ بهما بالكوفة قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقرأ بهما في الجمعة رواه مسلم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي الصباح الكناني قال قال أبو عبد الله عليه السلام وإذا كان صلاة الجمعة
فاقرأ بسورة الجمعة والمنافقين وعن أبي بصير عنه عليه السلام وفي الجمعة سورة الجمعة والمنافقين وفي رواية محمد بن مسلم ثم يقرأ بهم في الركعة الأولى
327

الجمعة وفي الثانية بالمنافقين وفي رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام يقرأ في الأول بسورة الجمعة وفي الثانية سورة المنافقين ولان سورة الجمعة يليق
بها لما فيها من الحث عليه فكان استحباب القراءة فيها مناسبا وسورة المنافقين فيها إرغام لهم وقد كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي بها بذلك المعنى
ولا يخلو زمان منهم فاستحب قراءتهما احتج أبو حنيفة بأن النقل قد اختلفت فتارة نقل أنه عليه السلام صلى بالجمعة والغاشية واحتج أبو بكر عبد العزيز بما نقل
مالك قال: أما الذي جاء به الحديث هل أتاك حديث الغاشية مع سورة الجمعة والذي أدركت عليه الناس سبح
اسم ربك الأعلى. والجواب عنهما: أن ما ذكرناه أولى
لاشتماله على فعل أكثر الصحابة مع فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ولان فيه زيادة ثواب لزيادة القراءة وما ذكروه يحتمل أن يكون في وقت الاستعجال
وذلك لا ينافي ما ذكرناه في الأولوية. فروع: [الأول] المستحب قراءة الجمعة في الأولى والمنافقين في الثانية، ولا نعرف فيه مخالفا بين القائلين
بتعيينهما لما تقدم من الأحاديث. [الثاني] هل يجب قراءة السورتين أم لا؟ الذي أذهب الاستحباب وهو اختيار الشيخ في الخلاف والظاهر من كلامه في المبسوط
ذلك أيضا وبه قال السيد المرتضى وابن إدريس ونقل عن بعض أصحابنا وجوب السورتين. لنا: ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا
الحسن الأول عليه السلام عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة غير سورة الجمعة متعمدا؟ قال: لا بأس بذلك وما رواه عن محمد بن سهل الأشعري عن أبيه قال
سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا؟ قال لا بأس ولان الأصل براءة الذمة وقد ثبت الاستحباب فالزائد
محتاج إلى دليل احتج الموجبون بما رواه الشيخ في الحسن عن عمر بن يزيد قال قال أبو عبد الله عليه السلام من صلى الجمعة والمنافقين أعاد
الصلاة في سفر أو حضر وما رواه في الصحيح عن صباح بن صبيح قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد؟ قال: يتمها
ركعتين ثم يستأنف وما رواه في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنها رسول الله صلى الله عليه
وآله بشارة لهم والمنافقين توبيخا للمنافقين ولا ينبغي تركهما فمن تركهما متعمدا فلا صلاة له والجواب أن ذلك دليل على شدة التأكيد لا على
الوجوب كما أنه قد روي أن من دخل في الصلاة بغير أذان استأنف وكذا من دخل الامام وقد صلى بعض الصلاة أتمها نافلة ثم دخل في الجماعة ويؤيده
ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجمعة في السفر ما أقرأ فيها؟ قال: اقرأهما بقل هو الله أحد فدل ذلك على
أن قول أبي عبد الله عليه السلام أعاد في سفر أو حضر إنما أراد به المبالغة وأيضا روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سمعت يقول: لا بأس بأن تقرأ فيها بغير الجمعة والمنافقين إذا كنت مستعجلا. [الثالث] لو قرأ غيرهما ناسيا قطع القراءة وابتدأ بالجمعة
والمنافقين لأنه مستحب فإن فعله (لم يفعله) في محله فاستحب استدراكه، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يريد أن
يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد؟ قال: يرجع إلى سورة الجمعة وفي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا افتتحت
صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها ولا ترجع إلا أن تكون في يوم الجمعة فإنك ترجع في الجمعة والمنافقين
منها وفي الموثق عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في أخرى؟ قال: فليرجع إلى السورة
الأولى إلا أن يقرأ بقل هو الله أحد قلت رجل صلى الجمعة فأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو الله أحد؟ قال: يعود إلى سورة الجمعة. [الرابع]
لو ذكر بعد تجاوز النصف نقل نيته إلى النفل مستحبا وأعاد الجمعة بالسورتين، ذكره الشيخ وخالف فيه ابن إدريس والأقرب عندي قول الشيخ
لرواية صباح وقد مضت احتج ابن إدريس بأن النقل يحتاج إلى دليل ولم يوجد وجوابه أن الرواية دلت عليه ولا خلاف أنه ليس على سبيل
الوجوب. [الخامس] أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أنه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة، ولم أقف على قول للأصحاب في الوجوب وعدمه والأصل
عدمه ويدل على الجهر ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام: إنما يجهر إذا كان خطبة وبمثله روى في الصحيح عن محمد بن مسلم
وما رواه عن عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أدركت الامام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى واجهر فيها وما
رواه في الصحيح عن عمر بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام ويجهر بالقراءة. [السادس] يستحب لمن يصلى وحده الظهر قراءة السورتين، بلا خلاف بين علمائنا
لأنهما مستحبان في بدلهما فاستحبا فيها ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن القراءة في الجمعة إذا صليت
وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ فقال: نعم وقال اقرأ سورة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة. فرعان [الأول] لو تلبس بقراءة غيرهما فإن لم يتجاوز النصف رجع إلى
الجمعة والمنافقين وإلا أتمها نافلة واستأنف الفريضة بالسورتين على جهة الاستحباب والبحث فيه كما في الجمعة. [الثاني] هل يستحب الجهر بالقراءة في
ظهر الجمعة؟ قال الشيخ: نعم ومنع ابن إدريس من ذلك وهو مذهب الجمهور وقال السيد المرتضى في المصباح وأما المنفرد بصلاة الظهر يوم الجمعة فقد
روي أن عليه أن يجهر بالقراءة استحبابا وروي أن الجهر استحب لمن صلاها مقصورة بخطبة أو صلاة ظهر أربعا في جماعة ولا جهر على المنفرد والأقرب
عندي ما ذكره الشيخ. لنا: رواية الحلبي وقد تقدمت وما رواه عن عمر أن الحلبي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وسئل عن الرجل يصلي الجمعة
أربع ركعات أيجهر فيها بالقراءة؟ فقال: نعم والقنوت في الثانية وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لنا صلوا
في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة واجهروا بالقراءة، فقلت انه ينكر علينا الجهر بها في السفر؟ فقال: اجهروا بها وما رواه عن محمد بن مروان قال سألت
328

أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصليها في السفر؟ فقال: تصليها في السفر ركعتين والقراءة فيها جهرا ولأنها مبدل لما يستحب
فيه الجهر ولا يزيد البدل عن المبدل منه ولأنه الأصل جواز الجهر ولان فيه تحريضا على العبادة فكان الجهر والاعلان فيه مستحبا احتج المخالف بما رواه
الشيخ في الصحيح عن جميل قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجمعة؟ فقال: يصنعون كما يصنعون في غير الجمعة في الظهر ولا يجهر الامام فيها بالقراءة إنما يجهر إذا كانت
خطبة وأجاب الشيخ عنها تنزيلها على حاله التقية وهو جيد لرواية محمد بن مسلم وذكر الانكار فيها ولما رواه في الموثق عن عبد الله بن بكير
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم في قرية ليس لهم من يجمع بهم أيصلون الظهر يوم الجمعة جماعة؟ قال: نعم إذا لم يخافوا فهنا صرح بالتقية
[البحث السادس] في بقية الكلام في الاحكام والآداب، * مسألة: قد ذكرنا أن السعي واجب يوم الجمعة
وله وقت وجوب وهو الزوال إن كان قريبا أو قبله بحيث يدرك الجمعة إن كان يعيد الاخلاف في هذا لان أداء الجمعة واجب ولا يتم إلا بالسعي على الوجه
الذي ذكرناه فيكون واجبا ووقت الاستحباب وهو أول النهار ذهب إليه علماؤنا وهو قول الأوزاعي والشافعي وابن المنذر وأحمد وأصحاب الرأي
وقال مالك: لا يستحب التكبير قبل الزوال. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من اغتسل يوم الجمعة غسل
الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما
قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الامام حضرت
الملائكة يسمون الذكر وقال علقمة خرجت مع عبد الله بن مسعود إلى الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد إني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول: الناس يجلسون من الله تعالى يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة وروى الترمذي بإسناده أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر كان له لكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها ومضى قوله بكر أي خرج في بكرة النهار
أي أوله وابتكر أي بالغ فجاء في أول البكرة وقوله غسل واغتسل أي غسل امرأته ثم اغتسل ليكون عارضا لطرفه مع خروجه وقيل غسل
رأسه واغتسل في بدنه قال ابن المبارك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام: فضل
الله الجمعة على غيرها من الأيام وأن الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها فإنكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى
الجمعة وأن أبواب السماء لتفتح لصعود أعمال العباد وعن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له قول الله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله)
قال: قال أعملوا وعجلوا فإنه يوم مضيق على المسلمين فيه وثواب أعمال المسلمين على قدر ما ضيق عليهم والحسنة والسيئة تضاعف فيه قال
وقال أبو عبد الله عليه السلام: والله لقد بلغني أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله كانوا يجهزون للجمعة يوم الخميس لأنه يوم مضيق على المسلمين وعن جابر قال
كان أبو عبد الله عليه السلام يبكر إلى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قدر رمح فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك وكان يقول أن لجمع شهر رمضان
على جميع سائر الشهور فضلا كفضل شهر رمضان على سائر الشهور ولأنه موطئ عبادة فاستحب المضي إليه والمباكرة ولان المضي إلى الجمعة طاعة فيستحب المسارعة إليها لقوله تعالى:
(وسارعوا) احتج مالك بقول النبي صلى الله عليه وآله من راح إلى الجمعة والرواح بعد الزوال. والجواب: أنه لا ينافي ما ذكرناه على أنه يستعمل مجازا في غير ما ذكر
لقوله عليه السلام: ثم راح في الساعة الأولى ولأنه عليه السلام ذم المتأخر فقال للذي يتخطى الناس رأيتك أنت وأذيت (أوذيت) أي أخرت المجئ. * مسألة:
ويستحب أن يغتسل وقد مضى وأن يمس شيئا من الطيب جسده ويسرح لحيته ويستاك ويلبس أنظف ثيابه ويعمم ويرتدي لما رواه الجمهور عن ابن عباس قال
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هذا يوم عيد جعل الله للمسلمين فمن جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل وإن كان طيب فليمس منه وعليكم بالسواك وعن
عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم الجمعة يقول: ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم جمعة سوى ثوبي مهنته وكان
رسول الله صلى الله عليه وآله يعمم ويرتدي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم قال قال أبو عبد الله عليه السلام: ليتزين أحدكم
يوم الجمعة يغتسل ويتطيب ويسرح لحيته ويلبس أنظف ثيابه وليتهيأ للجمعة ولكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار وليحسن عبادة ربه وليفعل
الخير ما استطاع فإن الله يطلع إلى الأرض ليضاعف الحسنات ويستحب أخذ الشارب وقص الأظفار فيه روى الشيخ عن محمد بن العلا عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سمعته يقول: من أخذ شاربه وقلم أظفاره يوم الجمعة ثم قال بسم الله على سنة محمد وآل محمد كتب الله بكل شعرة وبكل قلامة
عتق رقبة ولم يمرض مرضا يصيبه إلا مرض الموت وروي في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أخذ الشارب والأظفار
من الجمعة إلى الجمعة أمان من الجذام ويستحب للخطيب أن يلبس عمامة وبرد أبرد يمينه أو عدني لرواية سماعة وأن يكون عليه السكينة والوقار
لرواية هشام ويستحب للمصلي أن يمشي إلى الجمعة ماشيا إلا أن يقصد من بعد خارج عن البلد فإنه يجوز له الركوب إذا كانت هناك مشقة
وإلا فالمشي أولى. * مسألة: وإذا أتى المسجد جلس حيث ينتهي به المكان ويكره له أن يتخطا رقاب الناس سواء ظهر الامام أو لم يظهر وسواء
كان له مجلس معتاد الجلوس فيه أو لم يكن وبه قال عطا وسعيد بن المسيب والشافعي وأحمد ومالك وإن لم يكن الامام قد ظهر لم يكره وإن ظهر كره
إن لم يكن له مجلس معتاد وإلا لم يكره. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله لقد أوذيت وعنه عليه السلام أنه قال: من يتخطا رقاب الناس
329

يوم الجمعة اتخذ جسر إلى جهنم وعن عبد الله بن بشير قال جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وآله يخطب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اجلس فقد أوذيت ولأنه فعل يتأذى
به فينبغي اجتنابه. فروع: [الأول] لو رأى فرجة لا يصلي إليها إلا بالتخطي كان مكروها لعموم الخبر إلا أن لا يجد إلى مصلاه سبيلا فيجوز له التخطي
إليه إذا لم يكن له موضع يتمكن من الصلاة فيه وبه قال الشافعي وقال الأوزاعي: يتخطاهم إلى السعة مطلقا وقال قتادة: يتخطاهم إلى مصلاه وقال
الحسن البصري: يتخطأ رقاب الذي يجلسون على أبواب المسجد فإنه لا حرمة لهم أما لو تركوا الصفوف الأول خالية جاز له أن يتخطاهم لأنهم رغبوا عن
الفضيلة فلا حرمة لهم يمنع المتخطى. [الثاني] لا يكره الامام التخطي لأنه موضع حاجة فكان حكمه حكم من لا يجد مكانا إلا مع التخطي. [الثالث]
لو جلس فبدت له حاجة فله الخروج والتخطي له بلا خلاف لأنه موضع صدوره ولان النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة العصر فسلم ثم قام مسرعا فتخطى
رقاب الناس إلى حجر بعض نسائه فلو عاد كان أحق بمكانه على قول. [الرابع] ليس له أن يقيم غيره ويجلس في موضعه سواء كان معتادا بالجلوس
فيه أو لم يكن لان العادة لا يوجب التمليك ولا الأولوية وقد حصل السبق المفيد لها فلا يعدل عنه ولقوله تعالى: (سواء العاكف فيه والباد) ولما روي
عنه عليه السلام أنه قال من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به وهذا بلا خلاف. [الخامس] لو قدم صاحبا له يجلس في موضع فإذا جاء
قام وأجلسه لم يكن به بأس لأنه يقوم باختياره فكان كما لو احتطب له أما لو لم يكن ثابتا فقام ليجلس آخر لم يكن له أيضا به بأس لأنه قام باختياره فأشبه
الثابت سواء أنتقل القائم إلى مكان مثله أو دونه وقيل بالكراهية في الثاني لأنه يؤثر على نفسه في الدين والأول أولى لشرعية تقديم أهل
الفضل ولقوله عليه السلام: ليسبق منكم أهل الفضل والنهى. [السادس] لو آثر غيره بمكانه ففي اختصاص المخصوص به تردد أقربه الاختصاص لان الحق
للأثر وقد خص به غيره فكان قائما مقام نفسه كما لو جهر موضعا ثم آثر به غيره وقيل لا يختص بأنه بالقيام عنه خرج استحقاقه فبقي على الأصل كمن
وسع لرجل في طريق فمر غيره ولعله يختص من حيث أن الطريق جعل للمرور فيه فمن انتقل في مكان فيها لم يبق فيه حق بخلاف المسجد الموضع
للإقامة. [السابع] لو وجد عبده في مكان لم يكن له ان يقيمه لعموم النهي ولان هذا غير مال بل هو حق ديني فيستوي فيه السيد وعبده كسائر الحقوق
الدينية. [الثامن] لو فرش له مفرش في مكان لم يكن مخصصا وجاز لغيره رفعه والجلوس فيه ذكره الشيخ إذ لا حرمة له ولان السبق بالأبدان لا بما يجلس
عليه. [التاسع] يستحب الدنو من الامام وهو اتفاق لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله من غسل واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنى من
الامام فاستمع ولم يلغ كان له لكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال رأيت
أبا عبد الله عليه السلام يوما وقد دخل المسجد الحرام لصلاة العصر فلما كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده ثم سجد السجدتين ثم قام يمضي حتى لحق الصفوف
وإذا كان الحال كذلك في شئ ء لم يوجب فيه الاجتماع ففيما أوجب أولى ولأنه أمكن من السماع. [العاشر] لو غلب النعاس تشاغل بما يزيله ولو
لم يزل إلا بالقيام جاز له ذلك روى ابن عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليحول إلى غيره ولان تحركه
يزيل نعاسه فكان سائغا للسماع. * مسألة: ويستحب أن يصعد الخطيب متوكيا على قوس أو عكاز أو سيف وما أشبهه ذهب إليه عامة أهل العلم
روى الحكم بن الحزن قال وقدمت إلى النبي صلى الله عليه وآله فأقمنا أياما شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وآله فقام متوكيا على
عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات طيبات خفيفات مباركات ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله
عليه السلام وليلبس البرد والعمامة ويتوكأ على قوس أو عصى ولان ذلك أعون له ولو لم يفعل استحب له أن يصعد سكن الأطراف مرسلا يديه ساكنين
مع جنبيه ولا يضع اليمنى على الشمال كالصلاة. فرع: لو لم يجد المنبر اتخذ شيئا يشبهه ليصعد عليه ولو كان في الصحراء نظر إلى موضع مرتفع
أو جمع شيئا من الآلات والأحجار ثم يصعد عليها لان النبي صلى الله عليه وآله كذا فعل في خطبته. * مسألة: ويستحب أن يرفع صوته في
الخطبة ليحصل السماع التام لأكثر الناس روى جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خطب أجرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى
كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم ويستحب تقصير الخطبة لما رواه عمار قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وروى
جابر بن سمرة قال كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وآله فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: إنما كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وآله العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلى الله
عليه وآله رجعوا إلى رحالهم قبل الليل وفيه دلالة من حيث المفهوم على المطلوب ولان فيه تخفيفا وتسهيلا ويستحب أن يكون فصيحا في خطبته بليغا
ويكون كلامه فوق الردى المثير ذل ودون الوحشي المستثقل ولا يستعجل فيه ولا يمطط بل يكون بينا ويكون صادق اللهجة وإذا أربح عليه جاز لغيره أن يذكره
* مسألة: ينبغي أن يبدأ في الخطبة بالحمد قبل الصلاة على محمد وآله والموعظة فلو عكس ففي الاجتزاء نظر أقربه الثبوت لأنه أتى بالمطلوب ولو قرأ آيات تشتمل
على ما هو المطلوب ففي الاجزاء نظر ويمكن أن يقال به لحصول الامر المطلب ويجب الموالاة فيها فلو فصل في أثناء الخطبة بكلام طويل أو سكوت طويل حتى
خرج عن اسم الخطيب استأنف وذلك منوط بالعادة ولا يشترط الموالاة بين الخطبة والصلاة ما لم يطل الفصل. * مسألة: وإن صعد الخطيب المنبر
ثم أذن المؤذن حرم البيع وهو مذهب علماء الأمصار قال الله تعالى: (وذروا البيع) والامر للوجوب ولا يحرم بزوال الشمس ذهب إليه علمائنا أجمع بل
330

يكون مكروها وبه قال عطا وعمر بن عبد العزيز والزهري والشافعي وأكثر أهل العلم وقال مالك وأحمد إذا زالت الشمس يوم الجمعة حرم البيع. لنا: أنه يعلو
على النداء على الوقت فلا يحرم قبله عملا بالأصل السالم عن المعارض ولان المقصود منه إدراك الجمعة وهو يحصل بما ذكرنا وأما الكراهية وقت الزوال
فقد ذكرها الشيخ في الخلاف قال: لأنا قد بينا أن الزوال وقت الصلاة وأنه ينبغي أن يخطب في الفئ وإذا زالت نزل فصلى فإذا أخر فقد ترك الأفضل. فروع:
[الأول] إنما يحرم البيع على من يجب عليه الجمعة فيجوز للعبيد والنساء والمريض والمسافرين وغيرهم ممن لا يجب عليهم عقد البيع ذهب إليه أكثر أهل العلم
وقال مالك يحرم عليهم كما يحرم على المخاطبين وبه رواية عن أحمد. لنا: انه تعالى إنما حرم البيع على من كلفه السعي فلا يتناول غيرهم عملا بالأصل السالم
ولان الفرض منه عدم الاشتغال عن الجمعة وهو إنما يصح في المكلف بها ولأنه غير محرم في حق المسافر في غير المصر ولا في حق المقيم بقربه لا جمعة على
أهلها جمعه إجماعا وكذا صورة النزاع لاشتراكهما في عدم التكليف بها. [الثاني] لو كان أحد المتعاقدين ممن يجب عليه دون الآخر فهي محرم في حق المخاطب
إجماعا أما الآخر فإنه يكون قد فعل مكروها ذكره الشيخ في المبسوط لإعانته على المحرم وبه قال بعض الجمهور وقال الشافعي أنه اثم أيضا لدليل الشيخ وهو جيد
لقوله تعالى: (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان). [الثالث] لو تعاقد المخاطبان ففي صحة البيع للأصحاب
قولان، أقربهما: الصحة وإن كان محرما ما نقله الشيخ
في المبسوط وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وقال مالك وأحمد وداود بعدم الانعقاد وهو القول الآخر للأصحاب اختاره الشيخ. لنا: أن النهي لا يقتضي فساد المنهي
عنه في المعاملات وتحقيقه أن النهي لأجل الصلاة فذلك لا يختص بالبيع فلا يوجب فساده يكن ترك صلاة واجبة واشتغل بالبيع احتج الشيخ بأن النهي
يدل على الفساد وهو ممنوع. [الرابع] هل يحرم غير البيع من العقود فيه نظر ينشأ من أنه عقد يوجب الاشتغال عن الجمعة فكان النهي عن البيع نهيا من حيث
المفهوم عنه من اختصاص النهي بالبيع فالحاق غيره به قياس مع قيام الفرق لعدم مساواة غيره له في الاشتغال لعلة وجوده بخلافه. * مسألة:
وإذا خطب حرم الكلام على المستمعين في قول بعض علمائنا وقال آخرون منهم أنه مكروه والقولان للشيخ في الخلاف وبالأول قال الشافعي
في القديم والاملاء وأبو حنيفة ومالك والأوزاعي وأحمد وابن المنذر وبالثاني قال الشافعي في الجديد وعروة بن زبير والشعبي والنخعي وسعيد بن
جبير والثوري وجه الأول ما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا قلت لصاحبك أنصت والامام يخطب فقد لغوت واللغو الاثم ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا خطب يوم الجمعة فلا ينبغي لاحد أن يتكلم حتى يفرغ الامام من خطبته
فإذا فرغ من خطبته تكلم ما بينه وبين أن يقام الصلاة فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزاه وعندي الكراهية عملا بالأصل ورواية محمد بن مسلم
لا يدل على التحريم بل أكثر ما يستعمل لا ينبغي في المستحب ورواية أبي هريرة معارضة لما رواه أنس قال بينما رسول الله صلى الله عليه وآله يخطب
يوم الجمعة إذا قام إليه رجل فقال يا رسول الله هلك الكراع هلك الثبا فادعوا الله أن يستقينا وذكر الحديث قال ثم دخل رجل من ذلك الباب في
الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وآله قائما يخطب فاستقبله قائما قال يا رسول الله صلى الله عليه وآله هلكت الأموال وأسقطت؟ السنبل؟
فادعوا الله يرفعها عنا وروي أن رجلا قام إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو يخطب فقال يا رسول الله متى الساعة فأعرض عنه وأوما الناس إليه بالسكوت
فلم يقبل وأعاد فلما كان في الثالثة قال له النبي صلى الله عليه وآله ويحك ماذا أعددت لها قال أحب الله تعالى ورسوله فقال إنك مع من أحببت و
هذا كما يدل على جواز الكلام من المستمع يدل على جوازه من الخطيب على أن خبر أبي هريرة دل عليه جعله لاغيا لكلامه في المواضع الذي يليق به السكوت
وليس كل لغو إثما قال الله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم). فروع: [الأول] النهي عن الكلام إنما يتعلق بالمكلف حال الخطبتين
أما قبلهما وبعدهما فلا سواء قلنا أن النهي للتحريم أو للتنزيه ذهب إليه علماؤنا وبه قال عطا وطاوس والزهري والمزني والنخعي ومالك وإسحاق وأبو يوسف والشافعي
وأصحابه وقال أبو حنيفة ومحمد الكلام مباح ما لم يظهر الامام فإذا ظهر حرم حتى يفرغ من الخطبتين والصلاة لنا: ما رواه الجمهور عن أنس أن النبي
صلى الله عليه وآله كان ينزل يوم الجمعة من المنبر فيقوم معه الرجل فيكلمه في الحاجة ثم ينتهي إلى مصلاها فيصلي ومن طريق الخاصة رواية محمد بن
مسلم وقد تقدمت وإذا ثبت الجواز بعد الخطبتين فقبلهما أولى وأيضا حديث أبي هريرة دل على تعليق النهي بحال الخطبة احتج المخالف بأنه بعد
الخطبة يكره له الصلاة فالكلام أولى والجواب: أنه غير دال على مطلوبه. [الثاني] لا يكره له تسميت العاطس ولا رد السلام لقوله تعالى: (وإذا حييتم
بتحية فحيوا بأحسن منها) ولأنه يجوز ذلك في الصلاة ففي حال استماع الخطبة أولى وقال بعض الجمهور لا يرد السلام لا يسمت العاطس لان فرض الانصات
سابق وقال آخرون منهم لا يرد السلام ويسمت العاطس لان المسلم سلم في غير موضعه بخلاف العاطس. [الثالث] يكره الكلام للخطيب و
ليس بمحرم ذكره الشيخ في الخلاف وبه قال الشافعي في أحد قوليه وقال في القديم يحرم وهو قول مالك والأوزاعي وأبي حنيفة وأحمد وحكى الشافعي في القديم
عن أبي حنيفة أنه قال إذا تكلم حال الخطبة وصلى أعادها وهكذا حكي عنه الساحى وقال محمد يعيد. لنا: ما تقدم من الأحاديث والأصل دال
على جوازه واحتجوا بحديث أبي هريرة والجواب ما تقدم. [الرابع] الانصات مستحب للقريب والبعيد عملا بالعموم وللبعيد أن يذكر الله تعالى و
يقرأ القرآن فيما بينه وبين نفسه ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله لذلك لأنه غير مستمع لبعده فلم يتعلق به وهل
الانصات أفضل أم الذكر فيه نظر. [الخامس] لا (انما) ينهي التكلم بالكلام لارتكابه ما نهى عنه ولحديث أبي هريرة بل ينبغي له الإشارة وبه قال زيد بن
331

صوحان و عبد الرحمن بن أبي ليلى والثوري والأوزاعي وأحمد وابن المنذر وكره طاوس الإشارة وليس بجيد لأنه قد أومى الناس إلى السائل متى الساعة
بالسكوت بحضرة الرسول صلى الله عليه وآله ولان الإشارة (لا) يكره في الصلاة ففي الخطبة الأولى. [السادس] ولا يكره من الكلام ما تضمن
مصلحة تفوت بفقده كتحذير الضرر من التردي والواطي حيوانا مؤذيا كالعقرب لأنه يجوز في الصلاة وإفسادها به ففي الخطبة أولى. [السابع]
هل يكره الكلام في الجلسة بين الخطبتين الأقرب نعم لأنه سكوت يسير في أثناء الخطبتين فأشبه سكوت النفس وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي
وإسحاق إلا أنهم قالوا بالتحريم بناء على أصلهم في تحريم الكلام وقال الحسن البصري: لا يمنع من الكلام فيها لان الامام غير خاطب ولا يتكلم فأشبه ما قبلها وما
بعدها وهو ضعيف لأنه وإن لم يكن خاطبا إلا أنه في حكمه. [الثامن] لو بلغ الخطيب إلى الدعاء لم يزل كراهية الكلام لأنه لم يفرغ من الخطبة إذ
قد بينا أنها مشتملة عليه وقال بعض الجمهور يزول النهي. [التاسع] يكره له العبث والامام يخطب لما فيه الاشتغال بغير الطاعة في وقتها ولمنعه
الفهم فلا يحصل الخشوع ولما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله ومن مس الحصا فقد لقا (لقى). [العاشر] لا يكره له الشرب والامام يخطب
لأنه في محل الحاجة ولأنه لا يمنع السماع وبه قال مجاهد وطاوس والشافعي وكرهه مالك وأحمد لأنه فعل يشتغل به وليس بجيد ونقل ابن الصباغ
من الأوزاعي أنه يبطل وذلك خلاف الاجماع. [الحادي عشر] ولا يكره الصدقة على السؤال خلافا لأحمد فإنه قال حصبته أعجب إلي لان ابن عمر رأى
سائل يسأل والامام يخطب يوم الجمعة فحصبه. لنا: العموم الدال على فعل الصدقة ولان كراهية السؤال لا يوجب كراهية الاعطاء على إنا نمنع كراهية السؤال
لأنه كلام في محل الحاجة وفعل ابن عمر ليس حجة. [الثاني عشر] ولا يكره فعل الحبوة وهو قول كل من يحفظ عنه العلم ونقل عن عبادة كراهية ذلك. لنا:
أنه غير مانع من الاستماع وفيه غرض مطلوب فكان سائغا بالأصل السالم وبما رواه الجمهور عن علي بن شداد قال شهدت مع معاوية بيت المقدس فجمع بنا
فنظرت فإذا جله من في المسجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فرأيتهم محبيين والامام يخطب احتج عبادة بما رواه سهل بن معاذ أن رسول الله صلى الله
عليه وآله نهى عن الحبوة يوم الجمعة والجواب: أنه ضعيف السند وذكره ابن المنذر. [الثالث عشر] لو دخل والامام يخطب كره له الصلاة تحية وغيرها
بل يجلس وبه قال شريح وابن سيرين والنخعي وقتادة والثوري ومالك والليث وأبو حنيفة وقال الحسن البصري وابن عتيبة ومكحول والشافعي وإسحاق وأبو ثور
يصلي التحية وقال الأوزاعي: إن كان قد صلى تحية المسجد في داره لم يصل وإلا صلاها. لنا: قوله تعالى: (وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال المفسرون
أراد بالقرآن هنا الخطبة وما رواه الجمهور في قوله عليه السلام للذي يتخطى رقاب الناس اجلس فقد أذيت (أوذيت) وأنيت وما رواه ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
إذا خطب الامام فلا صلاة ولا كلام ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال سألته عن الجمعة إلى قوله فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلي الناس
ما دام الامام على المنبر ولان ذلك مانع من السماع المطلوب فكره احتج المخالف بما رواه جابر قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وآله يخطب الناس فقال
صليت بأولان قال: لا، قال: قم فاركع. والجواب: أنه معارض بما ذكرناه من الحديث وبما رواه ثعلبة بن أبي مالك أنهم كانوا في زمن عمر يوم الجمعة يصلون
حتى يخرج عمر فإذا خرج وجلس على المنبر وأخذ المؤذنون جلسوا يحدثون حتى إذا سكت المؤذنون وقام عمر سكنوا فلم يتكلم أحد وذلك يدل على اشتهار
هذا الامر بينهم. * مسألة: ويدرك الجمعة بإدراك الامام راكعا في الثانية وبه قال في الصحابة ابن مسعود وابن عمر وأنس بن مالك وفي التابعين
سعيد بن المسيب والزهري وفي الفقهاء مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال عطا وطاوس ومجاهد ومكحول من لم يدرك
الخطبة صلى أربعا. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أدرك من الجمعة فقد أدرك الصلاة وعن أبي هريرة
عنه صلى الله عليه وآله من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي قال سألت أبا عبد
الله عليه السلام عمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة؟ فقال: يصلي ركعتين فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا وقال إذا أدركت الامام قبل أن
يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة فإن (أنت) أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع وعن أبي بصير وأبي العباس عن الفضل بن عبد الملك عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة وإن فاتته فليصل أربعا وعن عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال
إذا أدركت الامام يوم الجمعة فقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى واجهر فيها فإن أدركته وهو يتشهد فصل أربعا ولان في إدراك
الجمعة بما ذكرناه نوع تخفيف احتج المخالف بأن الخطبة شرط فلا يكون جمعة في حق من لم يوجد في حقه شرطها والجواب الخطبة شرط
في صحة الجمعة (في ادراكها) لادراكها فإنه ينشأ التنازع لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يكون الجمعة إلا لمن أدرك
الخطبتين لأنا نقول أنه أراد بذلك معنى الكمال جمعا بين الأدلة. فروع: [الأول] لو أدرك معه أقل من ذلك بأن وجده قبل رفع رأسه
من الركعة الثانية فاتته الصلاة ووجب الظهر ذهب إليه علمائنا أجمع وهو قول أكثر أهل العلم وقال النخعي وداود والحكم وحماد وأبو حنيفة
وأبو يوسف يكون مدركا للجمعة بأي قدر أدركه مع الصلاة من الامام ولو كان يسيرا حتى أن أبا حنيفة قال: لو أدركه في سجود السهو بعد التسليم
كان مدركا لها. لنا: قوله عليه السلام: من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة وذلك يدل من حيث المفهوم على من أدرك الأقل فليس
بمدرك لأنه في مقام الترغيب في الجماعة ولو كانت يدرك بالأقل لكان ذكره أولى وهذا المفهوم من قبيل أظهر المفهومات ولأنه قول جماعة كثيرة
332

من الصحابة ولم ينكر عليهم فكان إجماعا ولرواية الحلبي والفضيل بن عبد الملك و عبد الرحمن وقد تقدمت وما رواه الجمهور أيضا عن أبي سلمة عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أدرك يوم الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى ومن أدرك دونها صلاها أربعا احتج المخالف بالقياس على المسافر يدرك المقيم
وبأنه أدرك جزء من الصلاة فكان مدركا لها كالظهر والجواب: بالمنع من ثبوت الحكم في الأصلين ولو سلم فالفرق ثابت أما في المسافر فلان إدراكه
إدراك إلزام وهذا إدراك اسقاط للعدد فافترقا ولذلك يتم المسافر المقيم ولا يقصر المقيم خلف المسافر وأما الثاني: فلان الظهر ليس من شرطها
الجماعة بخلاف المتنازع. [الثاني] لو أدرك معه ركعة ثم نهض بعد فراغ الامام ليأتي بالثانية فذكر أنه لم يسجد مع إمامه إلا سجدة واحدة
فسجد ثم قام سواء اشتغل بالقراءة أو لم يشتغل على ما يأتي ولو أتم الثانية فذكر ترك سجدة وشك من أي الركعتين متى أعاد سجدة وسجد سجدتي السهو
ويكون مدركا للجمعة خلافا للشافعي بناء على أن ترك سجدة لا يؤثر عن البطلان ولا فساد الركعة. [الثالث] لو شك بعد تكبيرة ركوعه هل كان
الامام راكعا أو رافعا بطلت جمعته إجماعا لان الأصل أنه ما أتى معه. [الرابع] لو أدرك مع الامام ما لا يتم له به جمعة فاتته الجمعة إجماعا وهل
يتمها ظهر أم يستأنف؟ الذي نذهب إليه أنه يستأنف الظهر بنية وتكبير أو لا يدخل بما يقدم منها إلا إذا أدركه وهو في التشهد فإنه يكتفي بالأولى
وضابطه أنه إذا فاته الركوع الثاني لم يلحق الجمعة فإذا دخل معه يكون مدركا لفضيلة الجماعة فإن سجد معه السجدتين فإذا سلم الامام سلم
وأتى بنية أخرى وتكبير إحرام آخر لأنه لو دخل بالأول يكون قد زاد ركنا أما إذا أدركه بعد السجدتين حتى يدخل لم يكن قد زاد الركن والجمهور لم
يفرقوا بل اختلفوا فقال أحمد: إذا دخل بنية الجمعة لم يبن عليها الظهر ولا يتأدى بنية الجمعة ابتداء فكذا دواما
كالظهر مع العصر وقال قتادة وأبو أيوب
ويونس والشافعي: ينوي الجمعة لئلا يخالف بنية الامام نية المأموم ثم يبني عليها ظهرا وعلى ما قلناه نحن هل ينوي الجمعة أم الظهر؟ الأصح الثاني
لان الأول فات وهو يعلم عدم لحوقه فكانت نيته عبثا. [الخامس] لو صلى الامام قبل الزوال لم يصح الجمعة عندنا وعن القائلين بالجواز لو أدرك
المأموم معه دون الركعة لم يكن له الدخول معه لأنها في حقه ظهر فلا يجوز قبل الزوال فإذا دخل كانت نفلا ولم يجزيه عن الظهر. * مسألة:
ولو أحرم مع الامام وركع معه ثم زوحم في السجود فلم يتمكن من متابعته لم يسجد على ظهر غيره إجماعا منا وبه قال عطا والزهري ومالك وقال
الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر: يلزمه السجود على ظهر غيره أو قدامه ويجزيه. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
ومكن جبهتك من الأرض ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال في حديث طويل: وسجد على ثمانية أعظم
الكفين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والجبهة والأنف وقال سبع منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله عز وجل في كتابه وقال: (ان
المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) وهي الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان ووضع الانف على الأرض سنة وعن علي بن يقطين عن أبي
الحسن الأول عليه السلام: ويجزيك واحدة إذا مكنت جبهتك من الأرض. احتج المخالف بما روي عن عمر أنه قال: إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه ولأنه
أشبه العاجز بالمرض فكان مجزيا. والجواب عن الأول: أنه لا احتجاج بقول عمر في معارضة قول رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته فإنه
لو لم يرو عنه وعن أهل البيت عليهم السلام ما يخالفه لم يكن حجته فكيف مع الورود، وعن الثاني: بالفرق إذ العجز هناك لا يتوقع زواله لسرعته فجاز
له رفع ما يسجد عليه بخلاف ما نحن فيه إذ يمكنه الصبر إلى أن يتمكن من السجود. فروع: [الأول] لو أحرم معه بالتكبير ولم يتمكن من متابعته
في الركوع ولا السجود في الركعتين معا فلا جمعة له لأنه لم يدرك ركعة منها، وبه قال قتادة وأيوب السجستاني ويونس بن عبيد والشافعي و
أبو ثور وأحمد في إحدى الروايتين عنه وقال الحسن والأوزاعي وأصحاب الرأي أنه يكون مدركا للجمعة يصلي ركعتين لأنه أحرم بالصلاة مع الامام
في أول ركعة فأشبه ما لو ركع وسجد معه وليس شيئا. [الثاني] لو زوحم في ركوعه في الأولى في السجود انتظر زوال الزحام وسجد ثم لحق بإمامه
ولا نعرف فيه مخالفا ولو لم يتخلص المأموم إلا بعد ركوع الامام فإن أمكنه السجود والالحاق به في ركوعه وجب ولا يجب عليه القراءة وإن خاف فوت
الركوع صبر حتى يسجد الامام ويتابعه ولا يركع معه ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين وقال مالك وأحمد
إن خاف أنه إن تشاغل بالسجود وركع الامام لأنه متابعه في الركوع ويعتبر الثانية أولاه وهو قول الآخر للشافعي. لنا: أنه قد ركع مع الامام
فيجب عليه السجود بعده وقول مالك يستلزم زيادة ركن في الصلاة وما رواه الشيخ عن حفص بن غياث قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في
رجل أدرك الجمعة وقد ازدحم الناس وكبر مع الامام وركع ولم يقدر على السجود وقام الامام والناس في الركعة الثانية وقام هذا معهم
فركع الامام ولم يقدر هذا على الركوع في الركعة الثانية من الزحام وقدر على السجود كيف يصنع؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام أما الركعة الأولى
فهي إلى عند الركوع تامة فلما لم يسجد لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن له ذلك فلما سجد في الثانية فإن كان نوى أن هاتين السجدتين
للركعة الأولى فقد تمت الأولى فإذا سلم الامام قام فصلى ركعة ثم يسجد فيها ثم يتشهد ويسلم وإن كان لم ينو تلك السجدتين للركعة
الأولى لم تجز عنه للأولى ولا للثانية وعليه أن يسجد سجدتين وينوي أنهما للركعة الأولى وعليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها احتجوا
بقول النبي صلى الله عليه وآله إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا. والجواب: ان الايتمام مفهومه الاتيان بمثل فعل الغير والامام
333

ركع الثانية بعد تمام الأولى ولا يمكن تحقق ذلك للمأموم إجماعا وأيضا فإنه في تتمة الحديث قال: وإذا سجد فاسجد فإن قلت قد سقط الامر بالسجود
للعذر وبقي الامر بالمتابعة في الركوع متوجها لامكانه قلت لا نسلم الامكان إذ المطلوب قبل الركوع بعد السجود وأيضا ينتقض بما إذا كان الامام قائما فإنه
يجوز له السجود إجماعا والايتمام حينئذ. [الثالث] قال الشيخ في الخلاف والمبسوط بمضمون رواية حفص وبمثله قال السيد المرتضى في المصباح وقال
الشيخ في النهاية فإذا سجد الإمام سجد هو أيضا وجعل سجدته للركعة الأولى ويضيف إليهما ركعة بعد التسليم وإن لم ينو بهاتين السجدتين أنهما للركعة الأولى
كان عليه إعادة الصلاة وجعله في المبسوط رواية وبه قال ابن البراج وابن إدريس والذي ذهب إليه هو اختياره في النهاية لأنه زاد ركنا في الصلاة فكان مبطلا وما ذكره في الخلاف فهو تعويل
على رواية حفص وهو ضعيف وهل يشترط نية أنهما للأولى ظاهر كلامه يعطي ذلك وقال ابن إدريس لا يفتقر في ذلك إلى نية قال لان نية الصلاة كافية في نية أبعاضها ولا يفتقر
كل فعل إلى نيته وما ذكره ليس بجيد لأنه تابع لغيره فلا بد من نية يخرجه عن المتابعة في كونهما للثانية وما ذكره من عدم افتقار الأبعاض إلى نية إنما هو
إذا لم يقم الموجب أما مع قيامه فلا. [الرابع] يستحب للامام أن يطيل القراءة إذا عرف أنه قد رحم بعض المأمومين ليلحق به كما يستحب له ذلك إذا عرف دخول المأموم
إلى السجدة فإذا سجد المأموم فإن وجد الامام لم يركع صبر حتى يفرغ من القراءة ثم ركع معه متابعا وإن كان قد ركع فإن لحقه في الركوع اشتغل
بالركوع معه قولا واحدا. لنا: ولا يشتغل بقراءة ما فاته لان المأموم لا قراءة عليه عندنا وهو أصح وجهي الشافعية وفي الوجه الآخر لهم قضاء القراءة
الفائتة لأنهم أدركوا محلها مع الامام فيلزمهم فعلها بخلاف المسبوق وليس بجيد لأنهم لم يدركوها إذ الواجب عليهم قضاء السجود ولم يتابعوه في محلها
فهم كالمسبوق. [الخامس] إذا أدرك مع الامام الركوع في الأولى وزوحم في السجود حتى يركع الامام في الثانية وسجد معه ونوى بهما للأول صحت
له ركعة واحدة وصحت جمعته بما ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي وقال بعض الحنابلة إن لم يقم إلى الركعة الثانية ولكن سجد السجدتين
من غير قيام تمت له ركعة أما إذا قام إلى الركعة الثانية ليركع مع الامام فيها مقامة ثم سجد السجدتين للأولى فلا جمعة له وقال بعض أصحاب الشافعية لا جمعة
له مطلقا لان إدراك الجمعة إنما يكون بركعة كاملة وهذه ملفقة. لنا: قوله عليه السلام: من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة وما ذكره من التلفيق
فليس بصحيح لان المسبوق إنما يصلي بالأولة مع الامام والامام يصلي الثانية كذلك السجود قد اتبعه فيه واختلافهما في الاحتساب لا يضر. [السادس]
لو زوحم في ركوع الأولى أو سجودها معا حتى قام الامام إلى الثانية فهل له أن يركع ويسجد ثم يقوم إلى الثانية أم لا يعيد نظر ينشأ من أنه لم يدرك الركعة
مع الامام وأنه يجوز للمزحوم قضاء ما عليه واللحاق وقد روى الشيخ عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون في المسجد
أما في يوم الجمعة وأما في غير ذلك من الأيام فيزحمه الناس أما إلى حائط وأما إلى أسطوانة فلا يقدر على أن يركع ولا يسجد حتى يرفع الناس رؤوسهم
فهل يجوز له أن يركع ويسجد وحده ثم يستوي مع الناس في الصف؟ فقال: نعم لا بأس بذلك وفي الطريق محمد بن سليمان فإن كان هو ابن أعين أو الأصفهاني
فهو ثقة فإن كان ابن عبد الله الديلمي فهو ضعيف جدا وقد روى أبن بابويه هذا الحديث في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام
وعلى هذا يمكن القول بالقضاء والمتابعة وإن لم يكن فيه دلالة خاصة على ذلك وعلى هذه الرواية لو قضى السجود ولحق بالامام فوجده رافعا من الركوع جاز له يركع
ويلحق به. [السابع] إذا اشتغل بقضاء السجود فلما فرغ وجد الامام قد رفع رأسه من الركوع الثاني فقد أدرك الجمعة لأنه لحق بالامام في أكثر
الركعة الأولى من القراءة والركوع والتكبير وباقي الركعة فعلها في حكم إمامته وهل يتابع الامام في السجدتين الأخيرتين وقعود التشهد قبل أن
يشتغل بالثانية فالذي يقتضيه المذهب أنه يصبر لا يسجد ولا يشتغل بالثانية حتى يفرغ الامام ثم يقوم فيأتي بالركعة الثانية لأنه لو تابعه لزاد في الصلاة
ركنا. [الثامن] لو لم يتمكن من السجود واللحاق به وصبر ليسجد معه في الثانية للامام فلم يتمكن أيضا حتى قعد الامام للتشهد فهل يسجد أم لا؟ ومعه هل
يلحق الجمعة أم لا؟ الأقرب أنه لا جمعة له ويستقبل الظهر لأنه لم يدرك ركعة مع الامام وفارق هذا الفرض الأول إذ هو في الأول مأمور بالقضاء
واللحاق به فأمكن أن يقال أنه يدرك الجمعة بخلاف هذا أما لو لم يتمكن من السجود إلا بعد تسليم الامام فالوجه فوات الجمعة قولا واحدا لان ما يفعله بعد
السلام لم يكن في حكم صلاة الامام. [التاسع] لو صلى الركعة الأولى معه سجد بها ثم زوحم في سجود الثانية فزال الزحام سجد وتبعه في التشهد وصحت
له الجمعة إجماعا إلا في وجه ضعيف للشافعية لأنه أدرك جميع الصلاة بعضها فعلا وبعضها حكما ولو لم يزل حتى سلم فقد أدرك الجمعة أيضا. [العاشر]
لو دخل المسجد والامام راكع في الثانية فدخل معه ثم زوحم في السجود ثم زال الزحام فليسجد ويتبع الامام في التشهد فالأقرب أنه لا جمعة له إذا لم
يدرك الركعة أما لو لم يدرك السجود إلا بعد التسليم فالوجه الفوات لا غير. [الحادي عشر] لو لم يركع مع الامام في الأولى للزحام لا يسجد معه
بل يصبر إلى أن يركع الامام في الثانية فيركع معه ويكون أولاه ثم يتم ويكون مدركا للجمعة خلافا لبعض الشافعية لأنه لو أدرك الركوع في الثانية
كان مدركا للجمعة فما زاد من الركعة الأولى لا يكون مانعا من الادراك قالوا (فان) ملفقة أجبنا بالمنع فيها. [الثاني عشر] ليس الوقوف في الصف
شرطا في الجمعة ولا الجماعة لا في الابتداء ولا في الاستدامة فلو صلى مع الامام ركعة ثم زوحم في الثانية وأخرج من الصف أتمها مع الامام وإن كان؟ فذا؟
وعن أحمد روايتان إحديهما: مثل ما قلناه لأنه قد يتغير في البناء عن تكميل الشروط كما لو خرج الوقت وقد صلى ركعة والأخرى: أنه لا يصح إلا
إذا نوى الانفراد لأنه فذ في ركعة كاملة فأشبه ما لو فعل ذلك عمدا. * مسألة: ولو أحدث الامام جاز له الاستخلاف سواء فرغ من الخطبة ولم يشرع
في الصلاة أو شرع فيها وهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور والشافعي في الجديد وقال في القديم: لا يجوز
334

له الاستخلاف. لنا: ما رواه الجمهور أنه صلى بالناس أبو بكر في حال مرض النبي صلى الله عليه وآله خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يتهادى بين العباس وعلي فدخل
المسجد وأبو بكر يصلي في الناس فتقدم فصلى بهم وتأخر أبو بكر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل دخل
مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة وأحدث إمامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدمه فصلى بهم أتجزيهم صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها صلاة؟ فقال:
لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة بل ينبغي له أن ينويها صلاة وإن كان قد صلى فإن له صلاة أخرى وإلا فلا يدخل
معهم وقد تجزي عن القوم صلاتهم وإن لم ينوها احتج المخالف بأن النبي صلى الله عليه وآله صلى بأصحابه فلما أحرم بالصلاة ذكر أنه جنب، فقال لأصحابه: كما أنتم
ومضى ورجع ورأسه يقطر ماء ولم يستخلف النبي صلى الله عليه وآله فدل على عدم الجواز. والجواب: أن هذا عندنا باطل والخبر كذب إذ الأنبياء معصومون عن
وقوع الذنب عمدا وسهوا وأيضا فإنه لا يدل على المنع من الاستخلاف فإنا نقول أنه إذا أمكنه العود بسرعة جاز له أن لا يستخلف. فروع: [الأول]
لا فرق عندنا بين الحدث بعد الخطبتين قبل الشروع في الصلاة وبعده في جواز الاستخلاف عملا بالعموم في جواز الاستخلاف وقال الشافعي إذا
أحدث بعد الخطبتين قبل الصلاة يخطب بهم غيره ويصلي وإن لم يسع الوقت صلى الظهر أربعا وليس بشئ لان الخطبتين قائمتان مقام الركعتين فكما جاز
الاستخلاف في الصلاة جاز فيما (هو) بعد البدل. [الثاني] لا فرق في جواز الاستخلاف بين أن يستخلف من سمع الخطبة ومن لم يسمعها إلا أن الأفضل استخلاف
من سمع لان المسبوق عندنا يجوز استخلافه فمع الخطبة الأولى وكذا يجوز استخلاف من لم يحرم مع الامام لذلك وقال الشافعي لا يستخلف المسبوق سواء
حضر الخطبة أو لا لأنه يكون مبتدئا للجمعة ولا يجوز له أن يبدأ الجمعة بعد جمعة وليس بشئ لأنه بالنسبة إليه ابتداء وبالنسبة إلى المأمومين ليس بابتداء
وينتقض بالمأموم إذا سبق فإنه يكون غير مبتدئا وغير متبدأ. [الثالث] لو أحدث في الثانية جاز أن يستخلف من دخل معه قبل ركوعها أو في ركوعها
وبه قال الشافعي أيضا وفرق بين أن يكون الحدث في الأولى أو الثانية فإذا ثبت جواز الاستخلاف أتمها
المأمومون جمعة قولا واحدا عندنا و
عنده وهل يتم المستخلف جمعة أم ظهرا فالوجه عندنا أنه يتمها جمعة خلافا للشافعي في أحد قوليه ولو أحدث في الركعة الأولى واستخلف من قد أحرم
معه ثم أحدث المستخلف بعد أن صلى الركعة الأولى واستخلف من أدرك معه الركعة الثانية تم المأمومون جمعة وكذا الامام الثاني عندنا خلافا
للشافعي قال أبو إسحاق من أصحابه وفرق بين هذه المسألة وبين المأموم إذا أدرك ركعة أنه يتمها جمعة لان المأموم يتبع إمامه فيجوز له أن يتم
على وجه التبع لامامه بخلاف الامام فإنه لا يجوز أن يكون تبعا للمأمومين فيبني على صلاتهم ولا يجوز على أن يبني على صلاة الامام الأول ولان
الجمعة لم يتم له. [الرابع] لو مات الامام أو غمي عليه جاز للمأمومين الاستخلاف وكذا لو لم يستخلف جاز لهم أما لو لم يستخلفوا ونوى الكل الانفراد
هل يتمون الجمعة أو ظهرا ويبطل لم أجد لأصحابنا فيه تضاد الوجه وجوب الاستخلاف فمع عدمه تبطل الجمعة. [الخامس] هل يجوز أن يستنيب
من فاتته الجمعة ويكون الواجب عليه الظهر الأقرب الجواز. [السادس] لو صلى ما زاد على العدد المعتبر ثم بان للامام أنه كان محدثا صحت جمعة
المأمومين ويجب على الامام الظهر خلافا لبعض الجمهور أما لو كان العدد غير زائد على المعتبر فالوجه عندنا أنه كذلك خلافا للشافعي. * مسألة:
وإذا زالت الشمس وجبت الجمعة لا الظهر فلو صلى من وجب عليه السعي الظهر لغير عذر لم يصح صلاته ويجب عليه السعي فإن أدرك الجمعة صلاها
وإلا أعاد ظهره ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال أحمد ومالك والثوري وزفر والشافعي في الجديد وقال في القديم الواجب هو الظهر ولكن كف
اسقاطها بالجمعة وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف واختلفا فيمن صلى الظهر في داره بعد اتفاقهما مع الشافعي على الصحة أنه إذا سعى إلى
الجمعة هل يبطل ظهره أم لا؟ فقال أبو حنيفة: يبطل بالسعي وقال أبو يوسف: لا يبطل به لكنه إذا وافى الجامع فأحرم خلف الامام بطلت الآن ظهره
وكانت الجمعة فرضه قال أبو حنيفة: ويلزمه السعي فإن سعى بطلت وإلا صحت. لنا: أن السعي إلى الجمعة واجب بالآية فيكون الجمعة واجبة ولأنها
واجبة بالاجماع ويأثم بتركها إجماعا وترك السعي إليها فلا يخاطب إلا بها لاستحالة توجه الخطاب بصلاتين في وقت واحد ولأنه يأثم بفعل الظهر
إذا ترك الجمعة ولا يأثم بفعل الجمعة إذا ترك الظهر إجماعا عاد الواجب إنما هو ما يتعلق إلا ثم بتركه احتجوا بأن الظهر فرض الوقت كسائر الأيام والجمعة
بدل ولهذا لو تعذرت صلى الظهر فمع الاتيان بالأصل ينبغي الاجزاء كسائر الأيام والجواب: المنع من أنها هي الأصل وإلا لعوقب بتركها ولما
صح فعل البدل مع إمكان فعلها كالأبدال ولما بطلت بالسعي كالصلوات الصحيحة ولأن الصحيح مبرء للذمة فلا يجوز اشتغالها بواجب آخر ولأنها مع
الفراغ منها لم يبطل شئ من مبطلاتها فكيف يبطل بما ليس من مبطلاتها مع عدم ورود الشرع به أما إذا فاته الجمع فإنه يجب الظهر لتوقف الجمعة
على شروط فاتته في قضائها فتعين المصير إلى الظهر وهذا حال البدل وقول النبي صلى الله عليه وآله في حديث جابر من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فعليه الجمعة دال على ما ذكرناه. فروع: [الأول] كما أن الجمعة ليست بدلا في حق من رجب عليه جمعة فكذا الظهر ليست بدلا في
حق من لم تجب عليه فيجوز فعلها وإن يمكن مع الحضور إلا أنه مع الحضور يجب الجمعة عليه فقد تقدم. [الثاني] لو صلى الظهر من وجب عليه الجمعة
وشك هل صلى قبل صلاة الامام أو بعدها وجبت عليه الإعادة لان الأصل بقاء الصلاة في الذمة إلى أن يثبت تعين البراءة ولأنه صلى مع
الشك في الشرط فلا يصح كالشك في الطهارة. [الثالث] هل يشترط في صحة ظهره فعلها بعد فراغ الامام من الجمعة لو فعلهما في وقت
335

يعلم أنه لو سعى فاتته الجمعة عندي فيه توقف فعلى الأول لو صلى في بيته قبل صلاة الامام أو معها وبين داره والجامع ما يعلم معه الفوات لو سعى بطلت لا الثاني
والأول أقرب لأنه صلى في غير وقت الفريضة إذ ذلك الوقت في حقه وقت الجمعة وبتفريطه لا يخرج عن أن يكون وقتا لها. [الرابع] من لا يجب عليه الجمعة
كالمسافر والمرأة والعبد وغيرهم من المعذورين يجوز له فعل الظهر قبل صلاة الامام وعليه قول علمائنا أجمع وأكثر الجمهور خلافا لشذوذ. لنا: أنه غير مخاطب
ومكلف بالظهر فصيح فعلها احتجوا بأنه لا ينتقض (لا يدوم) بقاء العذر فلا يصح صلاته كغير المعذور والجواب: أما عذر المرأة فبقاؤه متيقن والأصل بقاء
عذر غيرها والظاهر استمراره. [الخامس] لا يكره لهؤلاء أن يصلي الظهر جماعة وهو قول علمائنا وفعل ذلك ابن مسعود وهو قول الأعمش والشافعي
وإسحاق وأحمد وكرهه الحسن وأبو قلابة وأبو حنيفة. لنا: عموم الأحاديث الدالة على فضيلة الجماعة ولان ابن مسعود فعله وهو من الصحابة ولم ينكر عليه واحتج أبو حنيفة
بأنه لم يخل زمن النبي صلى الله عليه وآله من معذورين ولم ينقل عنهم جماعة. والجواب: المنع بابن مسعود فإنه صلى بعلقمة والأسود وهكذا حكم ما فاتته الجمعة
ولم يكن لهم فعل الجماعة في المسجد الجمعة بعد الفراغ فيها لعموم الأدلة خلافا لأحمد. * مسألة: إذا زالت الشمس حرم السفر على من يجب عليه الجمعة
وهو قول علمائنا أجمع وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وقال أبو حنيفة والأوزاعي يجوز. لنا: قوله تعالى: (إذا نودي للصلاة) والنداء وقت الزوال
وإيجاب السعي يقتضي تحريم ما يحصل به تركه احتجوا بأن عمر قال لا يحسن الجمعة عن سفر والجواب: أن قول عمر ليس بحجة لجواز أن يكون اجتهاد وبحمله على
السفر قبل الوقت جمعا بين الأدلة. فروع: [الأول] لو كانت هناك ضرورة إلى السفر جاز وإن كان بعد الزوال لان الضرورة مبيحة.
[الثاني] يكره السفر بعد طلوع الفجر قبل الزوال يوم الجمعة ذهب إليه علماؤنا وهو قول أكثر أهل العلم وأحد قولي الشافعي وإحدى الروايات
عن أحمد وقال الشافعي في الجديد لا يجوز وبه قال ابن عمر وعائشة والحسن وابن سيرين وأحمد في رواية عنه وفي الرواية الثالثة أنه يباح للجهاد خاصة. لنا:
ما رواه الجمهور عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وجه زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب و عبد الله بن رواحة في جيش مؤتة فتخلف عبد الله فقرأه النبي
صلى الله عليه وآله فقال: ما خلفك؟ فقال: الجمعة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لروحة في سبيل الله أو غزوة خير من الدنيا وما فيها قال فراح منطلقا
ولان الوجوب ليس بثابت وإمكانه ليس بمانع كما في قبل طلوع الفجر ولحديث عمر احتج الشافعي بأن وقت للرواح إلى الجمعة وقد يجب السعي فيه لمن
بعد طريقه واحتج أحمد بأنه وقت للجمعة فيحرم السفر فيه كما في بعد الزوال. والجواب عن الأول: أن الروح في ذلك الوقت مستحب والقياس على من بعد
طريقه ليس بشئ لان الكلام ليس فيه بل في المسافر قبل وجوب السعي عليه وعن الثاني: بالمنع وقد تقدم. [الثالث] لا خلاف بين المسلمين في
جواز السفر قبل الفجر وليس بمكروه. * مسألة: لو لم يكن الامام ظاهرا هل يجوز فعل الجمعة؟ قال الشيخ في النهاية: يجوز إذا أمنوا الضرر
وتمكنوا من الخطبة وذكر في الخلاف أنه لا يجوز وهو اختيار المرتضى وابن إدريس وسلار وهو أقوى عندي. لنا: ما تقدم من اشتراط الامام أو
نائبه فمع الغيبة يجب الظهر لفوات الشرط. * مسألة: الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة قاله الشيخ في الخلاف وقال في المبسوط أنه مكروه وما ذكروه
في الخلاف أقوى. لنا: أنه لم يكن مشروعا في عهد النبي صلى الله عليه وآله فيكون بدعة روى الجمهور عن الثابت بن يزيد قال كان النداء إذا صعد الامام
على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان كثر الناس فزاد النداء الثالث على الزوراء رواه البخاري ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة أقول إنما سمي ثالثا باعتبار الإقامة لان في
الوضع كذلك بل هو ثان قال الشيخ في المبسوط وروي أن أول من فعل ذلك عثمان وقال عطا أن أول من فعل ذلك معاوية وقال الشافعي ما فعله النبي
صلى الله عليه وآله وأبو بكر وعمر أحب إلي وهو السنة قال الشيخ وهو مثل ما قلناه. فروع: [الأول] إذا صلى الجمعة أقام العصر وصلاه بغير
أذان ذهب إليه علماؤنا أجمع. [الثاني] لو صلى الظهر لفوائت أحد شرائط الجمعة بأذان وإقامة أما منفردا أو مجتمعا هل يسقط الأذان
الثاني عنه أم لا؟ قال الشيخ: يسقط وقال المفيد في المقنعة والأركان يؤذن ويقيم العصر وبه قال ابن البراج في الكامل وابن إدريس والوجه عندي
الأول لما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل وزرارة وغيرهما عن أبي جعفر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان
وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين احتج ابن إدريس بالاجماع على استحباب الأذان لكل صلاة والجواب: ادعاء الاجماع في موضع
الخلاف باطل. * مسألة: وإذا كان الامام ممن لا يقتدى به فليقدم صلاته على صلاته ولو لم يتمكن صلى معه فإذا سلم الامام قام فأضاف
إليها ركعتين تتمة الظهر. لنا: أن الامام من شرطه العدالة فلا يجوز فعل الجمعة مع عدمه ولما رواه الشيخ عن أبي بكر الحضرمي قال قلت لأبي
جعفر عليه السلام كيف يصنع يوم الجمعة؟ قال: كيف تصنع أنت قلت أصلي في منزل ثم أخرج فأصلي معهم، قال: كذلك أصنع أنا وعن أحمد روايتان أحدهما
أنه يصلي جماعة ويجزي بها عن الظهر والأخرى يصلي ويؤيد (يعيد). * مسألة: وفي الجمعة قنوتان، أحدهما: في الأول قبل الركوع، والثاني:
في الثانية بعد الركوع ذهب إليه الشيخ في أكثر كتبه وابن البراج وابن أبي عقيل وسلار وقال السيد المرتضى وعلى الامام أن يقنت
في الجمعة واختلف الرواية في قنوت الامام فيهما فروي أنه يقنت في الأول قبل الركوع وكذلك الذين خلفه وروي أن على الامام أن صلاه
جمعة مقصورة قنوتين في الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع وقال المفيد والقنوت في الأولى من الركعتين في فريضة وقال
336

ابن بابويه وعلى الامام فيها قنوتان قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الركعة الثانية بعد الركوع ومن صلاها وحده فعليه قنوت واحد في الركعة
الأولى قبل الركوع تعود بهذه الرواية حريز عن زرارة والذي أستعمله وأفتي به ومضى عليه مشايخي رحمة الله عليهم هو أن القنوت في جميع الصلوات
في الجمعة وغيرها في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع وقال ابن إدريس الذي يقوى عندي أن الصلاة لا يكون فيهما إلا قنوت واحد أي صلاة
كانت فلا ترجع عن إجماعنا بأخبار الآحاد وجه الأول ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير قال سألت عبد الحميد أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن القنوت
في يوم الجمعة وساق الحديث فقال هي في الأولى والآخرة قال قلت جعلت فداك قبل الركوع أو بعده قال كل القنوت قبل الركوع إلا الجمعة فإن الركعة
الأولى القنوت فيها قبل الركوع والآخرة بعد الركوع وما رواه في الموثق عن سماعة قال سألته عن القنوت في الجمعة فقال: أما الامام فعليه القنوت
في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع وفي الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود ووجه الثاني ما رواه في الصحيح
عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام ويقنت في الركعة الأولى فيها قبل الركوع وما رواه في الحسن عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: القنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى وعن عمر بن حنظلة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام القنوت يومى الجمعة فقال: أنت رسول إليهم
في هذا إذا صليتم في جماعة ففي الركعة الأولى وإذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية وفي الصحيح عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول في القنوت الجمعة إذا كان إماما قنت في الركعة الأولى فإن كان يصلي أربعا ففي الركعة الثانية قبل الركوع وهذه الأخبار وإن اختلفت
بالوجه الأول ولا يصير اختلافها (ضير في اختلافهما) إذ هو في فعل مستحب وذلك يحتمل اختلافه لاختلاف الأوقات والأحوال فتارة يبالغ الأئمة عليهم السلام في الامر بالكمال
وتارة يقتصر على ما يحصل مع بعض المندوب ولا استبعاد في ذلك ومما يؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن حصين قال سمعت معمر بن أبي رياب
يسأل أبي عبد الله عليه السلام وأنا حاضر عن القنوت في الجمعة، فقال: ليس فيها قنوت وعن عبد الملك بن عمر وقال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع فقال لي: لا قبل ولا بعد فهاهنا قد اقتصر على فعل الصلاة من غير قنوت إشعارا
باستحبابه وأنه ليس فيها قنوت واجب. فروع: [الأول] من يصلي الظهر أما جماعة أو فرادى فليس عليه إلا قنوت واحد عملا بالأصل.
[الثاني] القنوت كله مستحب وإن كان بعض الأصحاب قد يأتي في عبارته الوجوب. [الثالث] وفي الشيخ في
الصحيح عن عبد الله الحلبي
قال في قنوت الجمعة " اللهم صل على محمد وعلى الأئمة المؤمنين اللهم اجعلني ممن خلقته لدينك وممن خلقته لجنتك "، قلت اسمي الأئمة؟ قال: سمهم
جملة وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: القنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة ويقول في القنوت " لا إله إلا الله الحليم الكريم
لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب
العالمين اللهم صل على محمد كما هديتنا به اللهم صل على محمد كما كرمتنا به اللهم اجعلنا ممن اخترت لدينك وخلقته لجنتك اللهم لا تزغ قلوبنا
بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ". * مسألة: ويستحب النفل يوم الجمعة بعشرين ركعة فيكون الزائد على المعتاد
أربع ركعات ذهب إليه علماؤنا أجمع واختلفوا في كيفية إيقاعها فالذي اختاره الشيخ أن الأولى تقديمها على الزوال وهو قول المفيد وأبي
الصلاح وابن البراج وابن إدريس قال الشيخ يصلي ست ركعات عند انبساط الشمس وست ركعات عند زوالها وست ركعات إذا قربت من الزوال وركعتين عند الزوال
وقال السيد المرتضى يصلي ست ركعات عند الانبساط وست ركعات عند الارتفاع وركعتين عند الزوال وستا بعد الظهر قبل العصر وبنحوه
قال ابن أبي عقيل وقال علي بن بابويه وابنه أبو جعفر الأولى تأخير النوافل التي تصلى يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو بعدها قال قبل الصلاة
وما رواه عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة التطوع يوم الجمعة إن شئت من أول النهار وما تصليه بعد الجمعة فإن شئت عجلته فصليته
من أول النهار أي النهار شئت قبل أن تزول الشمس وما رواه في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سألته عن الصلاة
يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال قال ست ركعات بكرة وست بعد ذلك اثنى عشرة ركعة وست ركعات بعد ذلك ثماني عشره ركعة وست ركعات بعد الزوال فهذه عشرون ركعة وركعتان
بعد العصر فهذه ثنتان وعشرون ركعة وقد تضمنت هذه الرواية زيادة ركعتين ولان وقت النوافل يوم الجمعة قبل الزوال إجماعا إذ يجوز فعلها
فيه وفي غيره لا يجوز وتقديم الطاعة أولى من تأخيرها احتج السيد المرتضى بما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر قال قال أبو الحسن عليه السلام: الصلاة يوم الجمعة ست
ركعات صدر النهار وست ركعات عند ارتفاعه وركعتان إذا زالت الشمس ثم صلى الفريضة ثم صلى بعدها ست ركعات وبمثله روي عن مراد بن خارجة
عن أبي عبد الله عليه السلام ويعقوب بن يقطين في الصحيح عن العبد الصالح عليه السلام واحتج ابن بابويه بما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال
قلت أيما أفضل أقدم الركعتين يوم الجمعة أو أصليهما بعد الفريضة؟ قال: صلهما بعد الفريضة وما رواه عقبة بن مصعب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت
أيما أفضل أقدم الركعات يوم الجمعة وأصليها بعد الفريضة؟ قال: لا بل تصليها بعد الفريضة. والجواب: أن هذه الروايات على تقدير سلامتها عن
الطعن معارضة بما ذكرناه من الروايات ويبقى الأصل وهو أولوية فعل الطاعة على وجه التقديم ولو فعل الانسان بمهما شاء من ذلك لم يكن
به بأس. فرع: يستحب تقديم ركعتين الزوال عليها لما رواه الشيخ في الصحيح عن موسى بن جعفر عليه السلام قال سألته عن ركعتين الزوال يوم جمعة
337

قبل الأذان أو بعده قال: قبل الأذان ولا ريب أن الأذان لا يجوز تقديمه على الزوال إلا على قول شاذ وقال بعض أصحابنا أن الركعتين تصلى بعد الزوال
وهو اختيار الجمهور وليس بشئ. * مسألة: ويستحب الاكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله يوم الجمعة، لما رواه الجمهور عن أبي الدرداء
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود يشهده الملائكة وعن أوس بن أوس قال قال النبي صلى الله عليه وآله:
أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام وفيه قبض وفيه النفخ وفيه صعق فأكثروا علي من الصلوات فإن صلواتكم مفروضة علي، قالوا يا رسول الله
كيف يعرض سلامنا عليك وقد أرميت أي يبست قال: أن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد قال
قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا عمر أنه إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذر في أيديهم أقلام الذهب وقراطيس الفضة لا يكتبون إلى ليلة السبت إلا
الصلاة على محمد وآل محمد فأكثر منها، وقال: يا عمر أن من السنة أن تصلي على محمد وعلى أهل بيته في كل جمعة ألف مرة وفي سائر الأيام مئة مرة ويستحب قراءة
سورة الكهف لما رواه الجمهور عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل بلية
فإن خرج الدجال عصم منه ومن طريق الخاصة ما رواه محمد بن يعقوب في كتابه عن محمد بن أبي حمزة قال قال أبو عبد الله عليه السلام: من قرء الكهف في ليلة
الجمعة كانت كفارة لما بين الجمعة إلى الجمعة قال وروى غيره أيضا فمن قرأها يوم الجمعة بعد الظهر والعصر مثل ذلك ويستحب أن يقرأ عقيب غداة الجمعة
سورة الرحمن روى ابن يعقوب في الصحيح عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يستحب أن يقرأ في دبر الغداة يوم الجمعة الرحمن ثم يقول
كلما قلت فبأي آلاء ربكما تكذبان قلت لا بشئ من آلائك رب أكذب. فصل: وروى ابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد
الله عليه السلام: من قال في آخر سجدة من النافلة بعد المغرب ليلة الجمعة وإن قاله كل ليلة فهو أفضل " اللهم إني أسألك بوجهك الكريم واسمك العظيم أن
تصلي على محمد وآل محمد وأن تغفر لي ذنبي العظيم " سبع مرات أنصرف وقد غفر له. فصل: وروى الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: من قال بعد الجمعة حين ينصرف جالسا من قبل أن يركع الحمد ومرة قل هو الله أحد سبعا وقل أعوذ برب الفلق سبعا وقل أعوذ برب الناس سبعا
وآية الكرسي وآية السخرة وآخر قوله: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم..) الخ كانت كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة وروى الشيخ عن ناجية قال قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا صليت العصر
يوم الجمعة فقل " اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين أفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك وعليهم السلام وعلى أرواحهم وأجسادهم
ورحمة الله وبركاته قال من قالها في دبر العصر كتب الله له مائة ألف حسنة ومحى عنه مئة ألف سيئة وقضى له مئة ألف حاجة ورفع له مئة ألف
درجة. فصل: وروى ابن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله: أطرقوا أهاليكم كل يوم جمعة بشئ من الفاكهة واللحم حتى فرحوا بالجمعة.
فصل: ويستحب الاكثار من الدعاء يوم الجمعة فربما وافق ساعة الإجابة فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه ذكر يوم الجمعة فقال: فيه
ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه وفي لفظ آخر وهو قائم يصلي واختلف في تلك الساعة قال الشيخ
ما بين فراغ الامام من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف لما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الساعة
التي في يوم الجمعة التي لا يدعو فيها مؤمن إلا استجيب له؟ قال: نعم إذا خرج الامام قلت إن الامام يعجل ويؤخر؟ قال: إذا زاغت الشمس وقال عبد الله بن
سلام وطاوس هي آخر ساعة في يوم الجمعة وهو مروي أيضا عندنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
الساعة التي يستجاب فيه الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الامام من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف وساعته أخرى من آخر النهار وإلى
غروب الشمس وبالذي اختاره الشيخ رواية عن الجمهور روى مسلم بإسناده إلى أبي موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال: هي ما بين
أن يجلس الامام إلى أن يقضي الصلاة وقيل هي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ومن العصر إلى غروبها وقيل هي الساعة الثالثة من
النهار وقيل أخفى الله على خلقه هذه الساعة ليتضرعوا له بالدعاء في اليوم كله كما أخفى ليلة القدر. فصل: ويكره فيه إنشاد الشعر روى
ابن بابويه عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أنشد بيت شعر يوم الجمعة فهو حظه من ذلك اليوم وروى أيضا عن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال: إذا رأيتم الشيخ يحدث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية فارموا رأسه ولو بالحصى ويكره السعي في الحوائج والسفر يوم الجمعة
يكره لأجل الصلاة فأما بعد الصلاة فجائز يتبرك به رواه ابن بابويه عن الهادي عليه السلام. * مسألة: ويستحب أن يقرأ في صلاة المغرب
والعشاء ليلة الجمعة بالجمعة والأعلى وفي الغداة بها وبالتوحيد والظهر والعصر بها وبالمنافقين ذكره الشيخ في المبسوط والنهاية وقال
في المصباح: يقرأ في الثانية من المغرب قل هو الله أحد وقال السيد المرتضى: يقرأ في الثانية من الغداة المنافقين واختاره علي بن بابويه
وقال الشافعي: يقرأ في الأول من الغداة سورة لقمان وفي الثانية هل أتى. لنا: ما تقدم من تحريم قراءة العزائم في الواجبات وما رواه
الشيخ عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام: اقرأ في ليلة الجمعة الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى وفي الفجر سورة الجمعة وقل هو الله أحد
وفي الجمعة سورة الجمعة والمنافقين وعن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا كان من ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة
الجمعة وقل هو الله أحد وإذا كان في العشاء الآخرة فاقرأ سورة الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى فإذا كان صلاة الغداة يوم الجمعة
338

فاقرأ سورة الجمعة وقل هو الله أحد وإذا كان صلاة الجمعة فاقرأ سورة الجمعة والمنافقين وإذا كان صلاة العصر يوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة و
قل هو الله أحد. * مسألة: قد ذكرنا أن الخطبتين شرط فلو ضاق الوقت بينهما وجب الظهر وسقطت الجمعة ذهب إليه علماؤنا وهو قول كل من جعل
الخطبتين شرطا. لنا: فعل فات شرطه فيبطل قال الشيخ في المبسوط وقد روي أنه من فاته الخطبتان صلى ركعتين فعلى هذه الرواية يمكن أن يقال يصلي الجمعة
ركعتين وترك الخطبتين والأول أحوط قال والوجه في هذه الرواية أن يكون مختصة بالمأموم والذي يفوته الخطبتان فأما أن يعقد الجمعة من غير خطبتين
فلا يصح على حال أقول وهذا التأويل حسن يحتمله الرواية وأظن أنها رواية الحلبي في الحسن قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن لم يدرك الخطبة
يوم الجمعة؟ فقال: يصلي ركعتين فإن فاتته الصلاة ولم يدركها فليصل أربعا ويدل على قرب تأويل الشيخ قوله في الرواية وقال إذا أدركت الامام
قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة فإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع. فروع: [الأول] لو أدرك الخطبتين خفيفتين
وركعتين وجبت الجمعة لان فوات المستحب لا يؤثر في رفع الواجب. [الثاني] لو أدرك الخطبتين وركعة هل يصلي الجمعة أم الظهر؟ ظاهر كلامه في المبسوط
أنه يصلي الظهر ولو قيل يصلي الجمعة كان حسنا. [الثالث] لو خطب وصلى وشك هل كان الوقت باقيا أو خارجا صحت صلاته لان الأصل البقاء
وهو قول كل من اشترط بقاء الوقت أيضا. * مسألة: ولو أدرك مع الامام ركعة فلما سلم الامام قام ليأتي بأخرى فذكر أنه ترك سجدة
ولم يدر أهي من الركعة التي أدركها مع الامام أو من الأخرى أضاف إليها سجدة لان ركعة الامام لا يسهو عليه فيها فيبقى الشك متوجها إلى
الثانية وهو في موضعه فيأتي بما شك فإذا سجد ثم ذكر أن الترك كان من ركعة الامام سجد بعد الفراغ بسجدة قضاء وسجد سجدتي السهو ويكون
مدركا للجمعة خلافا لبعض الجمهور وقد سلف ولو ذكر أنهما من التي انفرد بها تممها بسجدة الأولى. * مسألة: قد ذكرنا أن انفراد الجمعة شرط
فلو صلى في بلد واحد جمعتان وبينهما أقل فرسخين بطلتا إن اقترنتا وإن سبقت إحديهما صحت السابقة وبطلت الأخرى سواء كانت السابقة
جماعة الامام الراتب أو جماعة غيره وهو أحد قولي الشافعي وقال في القول الآخر: أنه يصح جماعة الامام الراتب سواء تقدمت أو تأخرت أو قارنت.
لنا: أن السابقة انعقدت صحيحة فلا يفسد بعقد الثانية احتج الشافعي بأنه كان يلزم أنه متى شاء العدد المعتبر في الجمعة إفساد جمعة أهل
البلد أمكنهم بأن يجتمعوا ويعقدوا الجمعة وهذا لا يتأتى على قولنا أن الجمعة مشروطة بالامام أو لمن يأذن له على أحد القولين وبالعدل على
القول الآخر وهذا الفرض لا يقع من أحدهم وإنما يرد على من يجوز إمامة الفاسق. فروع: [الأول] لا اعتبار بكون إحديهما في
المسجد الجامع والأخرى في غيره ولا يكون إحديهما في قصبة البلد والأخرى في أقصاه خلافا لمالك. [الثاني] لو لم يعلم هل سبقت إحديهما
الأخرى بطلتا وكذا لو علم سبق إحديهما وجهل عينها أو علم عينها وأشكل بعد ذلك خلافا للمزني في الفرضين
الأخيرين قال لان كل واحدة منهما عقدت
على الصحة فلا يفسدها الشك وهذا ليس بجيد لان كل واحدة إنما يصح إذا علم أنها السابقة. [الثالث] إذا وقعتا في حالة واحدة بطلتا
فإن أمكنته الجمعة وجبت وإلا وجبت الظهر أما لو سبق أحدهما قطعا وجهل عينها أو علم ثم أشكل وبقي من الوقت ما يمكن فعل الجمعة هل يجب
أم لا؟ قال الشيخ: يجب الظهر وهو أحد قولي الشافعي لأنا حكمنا بفسادهما معا ووجوب الإعادة عليهما فكان المضي ما صليت فيه جمعة صحيحة والوجه
عندي أنهم يصلون ظهرا وهو القول الآخر للشافعي لان إحديهما قد سبقت وصحت وإنما أوجبنا الإعادة فيهما حيث جهلنا التعيين فلا ينعقد
جمعة أخرى وجهل التعيين لا يقتضي الفساد في نفس الامر وإلا لكانت المرأة المزوجة برجلين من وليين أحدهما سابق العقد وجهل خالية عن
الزوجين وهو باطل بل يثبت حكم النكاح في حقها فلا ينكح آخر دونهما وبهذا ظهر الفرق بين علم السبق وجهل التعيين وبين علم المقارنة.
[الرابع] لو جهلنا كيفية وقوعها فالوجه إقامتها جمعة لعدم التعين بنفي المانع من الصحة وقيل إنما يجب ظهرا لان سبق إحديهما ولو
بالتكبير أظهر من المقارنة في الأغلب ولا يحمل الأفعال على النادر لأنه بمنزلة المعدوم وليس بشئ. [الخامس] قال الشيخ يعتبر السبق بتكبيرة الاحرام
وهو حسن وبه قال الشافعي في أحد قوليه وفي القول الآخر يعتبر ذلك بالفراغ من إحديهما قبل الأخرى. لنا: أنه متى أحرم بإحديهما حرم الاحرام
بالأخرى وإذا انعقدت فما يطرء عليها يكون باطلا فلا يبطلها قالوا قبل تمامها لا يعلم صحتها وتمامها قلنا صحتها معلومة بالسبق. [السادس]
لو أحرم فأخبر في الأثناء بإقامة الجمعة في موضع آخر بطلت جمعته إذا لم يكن بينهما فرسخ ولزمهم استيناف الظهر لان ما فعله قد ظهر بطلانه
وقال بعض الجمهور له إتمامها ظهرا وليس بجيد. * مسألة: لا نعرف خلافا بين أهل العلم أن الجمعة إذا فاتت يقضى ظهرا أربع
ركعات.
[الفصل الثاني] في صلاة العيدين وفيه مقدمة وبحثان، أصل: إذا فعل رسول الله صلى الله
عليه وآله فعلا على جهة الوجوب وجب علينا اتباعه فيه إلا أن يعلم تخصيصه به لقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان
يرجو الله واليوم الآخر) وذلك يدل على الوعيد والاجماع على الرجوع إليه في أفعاله كرجوعهم في قبلة الصائم ولقوله تعالى: (فلما قضى زيد
منها وطرا) ولقوله: (فاتبعوه). مقدمة: قال علماؤنا صلاة العيدين واجبة على الأعيان وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال هي واجبة وليست
فرضا لأنه فرق بين الفرض والواجب ونحن لما لم نفرق بينهما أطلقنا اللفظين عليهما وقال أحمد هي واجبة على الكفاية وقال مالك وأكثر أصحاب
339

الشافعي هي سنة. لنا: قوله تعالى: (فصل لربك وانحر) ذهب المفسرون إلى أن المراد بها صلاة العيد والامر للوجوب وما ثبت بالتواتر عن رسول الله صلى
الله عليه وآله أنه كان يصلي صلاة العيدين وما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله صلى العيد بغير أذان ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة العيدين فريضة وبمثله روي عن أبي أسامة عن أبي عبد الله عليه السلام ولأنها صلاة شرعت لها الخطبة فكانت
واجبة على الأعيان كالجمعة ولأنها من أعلام الدين الظاهرة فكانت واجبة كالجمعة ولأنه يجب قتال تاركها وإنما يكون مع الوجوب لأنه عقوبة لا يتوجه
على تارك المندوب لا يقال قد روى الشيخ عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة العيدين مع الامام سنة لأنا نقول المراد بالسنة هنا ما علم
ثبوته بالسنة لا الندب كذا ذكره الشيخ وهو حسن احتج أحمد بأنها صلاة لا يشرع لها الأذان فلا يجب عليه الأعيان كالجنازة واحتج مالك بقول
رسول الله صلى الله عليه وآله للأعرابي حين ذكر خمس صلوات هل علي غيرهن؟ قال: لا إلا أن يتطوع ولقوله عليه السلام: خمس صلوات كتبهن الله
على العبد ولأنها ذات ركوع وسجود لم يشرع لها الأذان فلا يجب ابتداء بالشرع كالاستسقاء. والجواب عن الأول: بالمطالبة بدليل عليه الجامع و
أيضا فإن المحققين اتفقوا على أن العدم لا يصلح للعلية ولا في القياس وينتقض بالصلاة المنذورة وبالفرق بين المقيس والمقيس عليه إذا سمى (إذ اسم) الصلاة
في العيد أتم منه في الجنازة ومع التفاوت نمنع القياس، وعن الثاني: بأن الأعرابي لا يجب عليه صلاة العيد كما لا يجب عليه الجمعة لعدم الشرائط
في حقه في أغلب الأحوال ولان التخصيص وقع الأعرابي بعدم الوجوب فلا يطرد لجواز اختصاصه بما يقتضيه ولأنه عليه السلام إنما أجابه بما هو الغالب
فلا يدل على نفي وجوب كل ما عدا المذكور وينتقض بالجنازة والمنذورة، وعن الثالث بأن التصريح بوجوب الخمس لا يقتضي نفي الوجوب عن
غيرها لأنه خرج مخرج الأغلب وينتقض بما ذكرناه، وعن الرابع: بأن وصف الركوع والسجود لا مدخل له في العلية لوجودهما في النوافل كلها
وهي غير واجبة فيجب خلافه ويبقى المقتضي لوصف السببين فيكون جوابه ما تقدم وينتقض بالجنازة والمنذورة. [البحث الأول] في
كيفيتها، * مسألة: وهي ركعتان إذا صليت مع الامام وهو قول علماء الاسلام لان النبي صلى الله عليه وآله صلاها
كذلك وروى الجمهور عن عمر أنه قال صلاة العيد ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وآله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة العيدين ركعتان بلا أذان ولا إقامة ليس قبلهما ولا بعدهما شئ. * مسألة:
ويقرء في كل ركعة الحمد وسورة وهو قول كل من يحفظ عنه العلم وقد وقع الخلاف في الأفضل قال الشيخ في المبسوط والنهاية يستحب أن يقرأ في الأولى
الحمد والأعلى وفي الثانية الحمد والشمس وبه قال ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه وسلار وابن حمزة وابن إدريس وقال الشيخ في الخلاف
والاستبصار يقرأ في الأولى مع الحمد الشمس وفي الثانية معها الغاشية وبه قال علي بن بابويه والمفيد وأبو الصلاح والسيد المرتضى وابن البراج
وابن زهرة وقال ابن أبي عقيل يقرأ في الأولى مع الحمد الغاشية وفي الثانية معها الشمس وقال الشافعي يستحب أن يقرأ في الأولى بقاف وفي الثانية بالقمر
وقال مالك وأحمد: يقرأ في الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية وقال أبو حنيفة ليس بعض السور أولى من بعض فالذي أذهب إليه ما ذكره في الخلاف ولنا:
ما رواه الجمهور عن النعمان بن بشير قال كان النبي صلى الله عليه وآله يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك وربما اجتمعا في يوم
واحد فقرأهما رواه مسلم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة العيدين؟
قال: يقرأ في الأولى الحمد والشمس وضحاها وفي الثانية الحمد وهل أتاك حديث الغاشية احتج الشيخ على قوله في المبسوط بما رواه عن إسماعيل الجعفي
عن أبي عبد الله عليه السلام يقرأ في الأولى مع أم القرآن سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية والشمس وما رواه عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام
يقرأ في الأولى الحمد وسبح وفي الثانية الحمد والشمس واحتج الشافعي بما روي عن عمر أنه سئل أبا وافد ما إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقرأ
في الفطر والأضحى؟ فقال: يقرأ بقاف والقرآن المجيد واقتربت الساعة. والجواب: المعارضة بالأحاديث التي نقلناها مع أن هذا لم يرد في أخبار
أهل البيت عليهم السلام ولو سلم لكان دالا على الجواز ونحن نسلمه أما على الفضيلة فلا ولان في سبح الحث في زكاة الفطرة فاستحبت قرائتها
في يوم فضلها كالجمعة وأما ما ذكره الشيخ فإن صحت الروايتان تخير المصلي فيهما ويكون مدركا للفضيلة بكل واحد منهما. * مسألة: فإذا فرغ
من القراءة كبر في الأولى خمسا وفي الثانية أربعا عدا تكبيرة الاحرام وتكبيرتي الركوع فيكون الزائد على المعتاد تسع تكبيرات وهو مذهب أكثر
علمائنا وقال ابن أبي عقيل وابن بابويه الزائد سبع تكبيرات والمفيد جعل التكبير في الثانية ثلاثا وزاد تكبيرة أخرى للقيام إليها وقال الشافعي و
الأوزاعي وإسحاق أنه يكبر في الأولى سبعا عن تكبيرة الافتتاح وفي الثانية خمسا فالجميع اثني عشر تكبيرة الاحرام وهو مروي عن أبي هريرة وأبي
سعيد الخدري وأبي عباس وابن عمر ويحيى الأنصاري وروي عن ابن عباس وأنس والمغيرة بن شعبة وسعيد بن المسيب والنخعي يكبر سبعا سبعا وقال أبو حنيفة
والثوري ثلاثا ثلاثا وقال أحمد يكبر في الأولى سبعا مع تكبيرة الاحرام غير تكبيرة الركوع وفي الثانية خمسا غير تكبيرة النهوض وهو مروي عن فقهاء
المدينة السبعة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والمزني. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكبر في العيدين
سبعا وخمسا وما رواه عن عبد الله بن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وآله التكبير في العيد سبع في الأولى وخمس في الأخيرة قال ابن عبد البر قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله من طرق
كثيرة أنه كبر في العيد سبعا في الأولى وخمسا في الثانية أقول: وهذا يدل على ثبوت ذلك ثبوتا ظاهرا والظاهر أن التكبيرات هي جميع المراد فيدخل فيه تكبيرة الافتتاح والركوع
340

وذلك ما ذهبنا إليه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التكبير في العيدين قال اثنتا عشرة تكبيرة سبع في الأولى
وخمس في الثانية وما رواه في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التكبير في الفطر والأضحى اثنتا عشر تكبيرة تكبر في الأولى واحدة ثم تقرأ
ثم تكبر بعد القراءة خمس تكبيرات والسابقة تركع بها ثم تقوم في الثانية فتقرأ ثم تكبر أربعا والخامسة تركع بها ومثله روى يعقوب بن يقطين في
الصحيح ومحمد بن مسلم في الصحيح أيضا احتج الشافعي بما روته عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبر أربع تكبيرات مثل تكبيرات على الجنائز واحتج أحمد
بحديث ابن عمر وعائشة. والجواب عن الأول: أن المعروف من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يفعل ما قدمناه وحديث أبي موسى ضعيف
يرويه أبو عائشة جليس لأبي هريرة وهو مجهول واحتجاج أحمد قد بينا وجهه والوجه عندي أن التكبير مستحب لما يأتي فجائز فيه الزيادة والنقصان. * مسألة:
ويستحب رفع اليدين مع كل تكبيرة وبه قال عطا والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو حنيفة وقال مالك والثوري لا يرفعهما فيما عدا تكبيرة الاحرام. لنا:
ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يرفع يديه مع التكبير وعن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبير في الجنازة وفي الفطر وفي الأضحى و
لم ينكر عليهم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن يونس قال سألته عليه السلام عن تكبير العيدين أيرفع يده مع كل تكبيرة أم يجزيه أن يرفع يديه في أول التكبير؟
فقال: يرفع مع كل تكبيرة ولأنه تكبير يقع في حال القيام فأشبه بتكبيرة الاحرام احتج مالك بأنها تكبيرات في أثناء الصلاة فأشبهت تكبيرات السجود. والجواب:
الفرق وأن هذه يقع طرفاها في حال القيام فأشبهت تكبيرة الاحرام لا تكبيرات السجود. * مسألة: ويقنت بين كل تكبيرتين ذهب إليه علمائنا أجمع
وبه قال الشافعي وأحمد وحكى عن مالك أنه قال: يقف بين كل تكبيرتين ولا يذكر شيئا وقال أبو حنيفة والأوزاعي: يكبر متواليا. لنا: ما رواه الجمهور
أن عبد الله بن مسعود وأبي موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما فقال لهم أن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟ فقال
عبد الله يبدأ فيكبر تكبيرة يفتح بها الصلاة ويحمد ربك ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله ثم يدعوه ويكبر ويفعل مثل ذلك إلى آخر الحديث
فقال حذيفة وأبو موسى صدق عبد الله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن الكلام
الذي يتكلم به فيما بين التكبيرتين في العيدين؟ فقال: ما شئت من الكلام الحسن وما رواه عن علي بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام ويقنت بين كل تكبيرتين وفي الموثق عن سماعة قال: وينبغي أن يتضرع بين كل تكبيرتين
ويدعو الله ومثله روي في الصحيح عن يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح عليه السلام وعن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام. فرع: أفضل ما
يذكر في القنوت ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام والمنقول روايتان، إحديهما: ما رواه الشيخ عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال كان أمير المؤمنين عليه السلام
إذا كبر في العيدين قال بين كل تكبيرتين " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله اللهم أهل الكبرياء
والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والمغفرة والرحمة وأهل التقوى والمغفرة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى
الله عليه وآله ذخرا ومزيدا أن تصلى على محمد وآل محمد بأفضل ما صليت على عبد من عبادك وأصلي على ملائكتك ورسلك واغفر للمؤمنين
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والأموات اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ بك
منه عبادك المرسلون " وبمثل هذا الرواية روى محمد بن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبد الله عليه السلام إلا أنه لم يدرك الشهادتين وابتداء بقوله " اللهم
أهل الكبرياء والعظمة " الرواية الثانية: ما رواه الشيخ وابن بابويه معا عن الصباح الكناني قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التكبير في العيدين
فقال: اثنتي عشرة سبع في الأولى وخمس في الثانية فإذا قمت إلى الصلاة فكبر واحدة تقول " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل القدرة والسلطان والعزة أسألك في هذا
اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تصلي على ملائكتك المقربين
وأنبيائك المرسلين وأن تغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والأموات اللهم إني أسألك من
خير ما سألك عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك المخلصون الله أكبر أول كل شئ وآخره وبديع كل شئ ومنتهاه وعالم كل شئ ومعاده
ومصير كل شئ إليه ومرده مدبر الأمور وباعث من في القبور قابل الأعمال ومبدء الخفيات معلن السرائر الله أكبر عظيم الملكوت شديد الجبروت
حي لا يموت دائم لا يزول إذا قضى أمرأ فإنما يقول له كن فيكون الله أكبر خشعت لك الأصوات وعنت لك الوجوه وحارت دونك الابصار وكلت الألسن
عن عظمتك والنواصي كلها بيدك ومقادير الأمور كلها إليك لا يقضي فيها غيرك ولا يتم منها شئ دونك الله أكبر بكل شئ حفظك
وقهر كل شئ عزك ونفذ كل شئ أمرك وقام كل شئ بك وتواضع كل شئ لعظمتك وذل كل شئ لعزتك واستسلم كل شئ لقدرتك وخضع كل شئ لملكك الله أكبر " وتقرأ الحمد وسبح اسم ربك و
تكبر السابعة وتركع وتسجد وتقوم وتقرأ الحمد والشمس وضحاها وتقول " الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة " تتمه كله كما قلته أول التكبير يكون هذا القول في كل تكبيرة حتى تتم خمس تكبيرات والرواية الأولى
أشهر بين الأصحاب. * مسألة: ويستحب الجهر بالقراءة بحيث لا ينتهي إلى حد العلو خلافا لبعض الجمهور. لنا: ما رواه عن علي عليه السلام أنه كان
إذا قرأ في العيدين أسمع من يليه ولم يجهر ذاك الجهر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وينبغي
341

الامام أن يجهر بالقراءة كما يجهر بالجمعة وما رواه في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام أنه كان إذا صلى بالناس صلاة فطر أو أضحى خفض من صوته
يسمع من يليه لا يجهر بالقرآن ولأنها صلاة عيد فأشبهت الجمعة. * مسألة: والتكبير متأخر عن القراءة في الركعتين ذهب إليه أكثر علمائنا خلافا لابن الجنيد
وقال الشافعي أنه قبل القراءة فيهما وهو مروي عن أبي هريرة والفقهاء السبعة وعمر وفي الثانية بعدها وهو مروي عن ابن مسعود وحذيفة وأبي موسى
والحسن وابن سيرين والثوري وبه قال أصحاب الرأي. لنا: أنها صلاة فينبغي أن يبدأ فيها بالقراءة كغيرها من الصلوات ولان التكبيرات للقنوت ومحله بعد القراءة إذ لا يتقدم
القراءة في غيره إجماعا وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم الشمس ثم يكبر خمس تكبيرات ثم يكبر
ويركع إلى قوله ثم يقرأ الفاتحة وهل أتاك ثم يكبر أربع تكبيرات وما رواه في الموثق عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه وما رواه في
الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام وما رواه عن علي بن أبي حمزة عليه السلام وما رواه عن يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح عليه السلام وعن
إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام لا يقال يعارض ما ذكرناه بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التكبير في العيدين في الأول سبع قبل القراءة وفي الأخيرة خمس بعد القراءة ومثله روي في الصحيح عن إسماعيل بن سعد
الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام لأنا نقول أنهما وإن كانا الصحيحين إلا أن الأصحاب أكثرهم لم يعملوا بهما إلا من شذ فكان ما ذكرناه أولى احتج
الشافعي بما روته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وآله تقرأ بين القراءتين. والجواب عن الأول: أن عائشة قد اختلفت نقلها في عدد التكبيرات
ففي هذه الرواية اثنتا عشر تكبيرة وفي أخرى ثلاثة عشرة فلا تأويل، وعن الثاني: أن الراوي عنه مجهولة. * مسألة: وإذا فرغ من التكبير
والقنوت ركع ثم انتصب وسجد سجدتين ثم قام إلى الثانية ففعل كما قلناه ثم يركع ويسجد سجدتين ثم يتشهد ويسلم. [البحث الثاني] في الاحكام
والآداب، * مسألة: إنما يجب العيدان بشرائط الجمعة لا خلاف بين علمائنا إلا الخطبة لان النبي صلى الله عليه وآله صلاها مع شرائط الجمعة
وقال: " صلوا كما رأيتموني أصلي " ومع فقد الشرائط يستحب أن يصلي جماعة وفرادى سفرا وحضرا وهو قول الحسن البصري والشافعي وأحمد في إحدى
الروايتين وفي الأخرى: لا يصلي إلا في جماعة وهو قول أبي حنيفة. لنا: أنها عبادة قد اشتملت على تعظيم الله فإن (فقد) أحد شرائطها فاستحبت كالحج
ولأنه ليس من شرطها الاستيطان إجماعا فلا يكون الجماعة من شرط استحبابها كالنوافل وما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلي في الجماعة ومثله ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
وفي الصحيح عن الحلبي قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يخرج يوم الفطر والأضحى أعليه صلاة وحده؟ فقال: نعم. فرع: من صلاها وحده فعلها
كما فعل في الجماعة من الصلاة ركعتين وقال في المبسوط وقد روي أنه إن صلاها أربع ركعات جاز. لنا: ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام ما تقدم وما رواه عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابنا قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الفطر والأضحى؟ فقال:
صلها ركعتين في جماعة وغير جماعة وكبر سبعا وخمسا. * مسألة: من جمع الشرائط وجبت عليه فإن أخل بها عمدا عوقب على ذلك ولو
امتنع قوم من فعلها قوتلوا على ذلك لأنهم أخلوا بواجب. * مسألة: ومن جملة الشرائط الإمام العادل ومن أذنه
وقد مضى البحث فيه في
الجمعة إلا أن ها هنا ما يدل عليه بالخصوصية وهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: ومن لم يفعل مع الامام في جماعة
يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه وما رواه عن معمر بن يحيى عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة يوم الفطر والأضحى إلا مع الامام وفي الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألت عن الصلاة يوم الفطر والأضحى؟ فقال: ليس صلاة إلا مع الامام وفي الصحيح عن زرارة قال قال أبو جعفر
عليه السلام: من لم يصل مع الامام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه. * مسألة: والعدد المشترط فيها كالجمعة وهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال أبو حنيفة
وقال الشافعي: ليس العدد شرطا وقال ابن أبي عقيل: يشترط في العيدين العدد سبع مع أنه اشترط في الجمعة خمسة والفرق لم يقله أحد. لنا: أن القول بالوجوب مع
القول بانتفاء شرطية العدد مما لا يجتمعان إجماعا، والأول ثابت فانتفى الآخر بالضرورة. * مسألة: والذكورة والعقل والحرية والحضر
شروط فيها ولا نعرف به خلافا والبحث فيه كما في الجمعة ولا يسقط لفقد أحد هذه الشروط الاستحباب ومما يؤكد سقوط الوجوب ما رواه الشيخ عن
زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: إنما صلاة العيدين على المقيم ولا صلاة إلا بإمام وما رواه في الموثق عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس في
السفر جمعة ولا فطر ولا أضحى ولان هذه الاعذار مسقطة لصحة الجمعة فيكون مسقط للعيدين للمشقة وأما الاستحباب فلما رواه في الصحيح عن سعيد الأشعري
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سألت عن المسافر إلى المكة وغيرها هل عليه صلاة العيدين الفطر والأضحى؟ قال: نعم إلا بمنى يوم النحر لا يقال إن لفظة
على يدل على الايجاب لأنا نقول أنها ليست نصا فيه ويحمل على الاستحباب لما بيناه في الأدلة وأما النساء فإنها يكره للثواب منهن الخروج إلى العيدين
بل يصلين في بيوتهن ويجوز للعجائز ذلك وهو قول أصحاب الرأي ذكره خروجهن مطلقا النخعي ويحيى الأنصاري واستحب خروجهن أحمد رووه عن علي
عليه السلام وأبي بكر. لنا: أن فيه افتتانا وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له هل يؤم الرجل بأهله في صلاة العيدين
في السطح أو في بيت؟ فقال: لا يؤم بهن ولا يخرجن وليس على النساء خروج وقال: أقلوا لهن من الهيئة حتى لا يسألنكم الخروج احتجوا بما روت أم عطية قالت أمرنا
342

رسول الله صلى الله عليه وآله أن يخرجن في الفطر والأضحى العوائق وذوات الحدود فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخبر ودعوة المسلمين
قالت يا رسول الله أحدثنا لا يكون لها جلباب قال له لبسها أحبها من جلبابها والجواب عن ذلك: إنما كان المتعرض لطلب الرزق ولما روى الشيخ في الصحيح عن
عبد الله بن سنان قال إنما رخص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء العوائق في الخروج للعيدين للتعرض للرزق والأئمة أعرف بمقاصد الرسول
صلى الله عليه وآله من غيرهم ومعارض أيضا لما روي عن عائشة قالت لو رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء
بني إسرائيل. * مسألة: ووقتها طلوع الشمس إلى الزوال وذكر الشيخ في الجمل والسيد المرتضى وابن إدريس وقال الشيخ في الخلاف وابن أبي عقيل:
بعد طلوع الشمس وقال في المبسوط: إذا ارتفعت الشمس وانبسطت وقال أصحاب الشافعي كما قلناه أولا وقال أحمد كما قال الشيخ في المبسوط. لنا: ما رواه
الجمهور عن يزيد بن حمير قال خرج عبد الله بن بشير صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم عيد فطر وأضحى فأنكر إبطاء الامام فقال إنا كنا قد عرفنا
ساعاتنا وذلك هي الصلاة التسبيح ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي جعفر عليه السلام قال: ليس في الفطر أذان ولا
إقامة أذانها طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا وليس قبلهما ولا بعدهما صلاة الحديث ولأنها صلاة يوم فيجب بأوله كسائر الصلوات المعتادة
إلى الأوقات احتج الشيخ بما رواه سماعة قال سألته عن الغدو إلى الصلاة في الفطر والأضحى؟ فقال: بعد طلوع الشمس واحتج أحمد لما رواه عقبة بن
عامر قال قلت ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وآله نبهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى يرتفع. والجواب عن الأول:
أن في رواته ضعفا مع أن سماعة لم يسنده إلى إمام، وعن الثاني: أن النهي إنما هو للنوافل أما الفرائض فلا. فرعان: [الأول] يستحب الخروج
إلى المصلي بعد انبساط الشمس بلا خلاف. [الثاني] يستحب تأخير الخروج يوم الفطر عن الخروج يوم الأضحى ذهب إليه أهل العلم كافة روي
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كتب إلى عمر بن حزم أن آخر صلاة الفطر وعجل الأضحى ولان الفطرة قبل الصلاة والأضحية بعدها فاستحب تأخير الصلاة
في الأول لتحصيلها وتقديمها، وفي الثاني: للنهي لها ولأنه يستحب أن يطعم قبل الصلاة في الفطر وبعده في الأضحى. * مسألة: إذا فاتت عمدا
أو نسيانا أو جهلا لم يقض واجبا ولا مندوبا سواء كانت فرضا أو نفلا قال الشيخ في التهذيب: من فاتت صلاة العيد لم يجب عليه القضاء
ويجوز له أن يصلي إن شاء ركعتين أو أربعا من غير أن يقصد بها القضاء وقال أحمد: يقضيها أربعا بسلام واحد سلامين وبه قال ابن مسعود
وهو قول الثوري وقال أحمد: إذا صلى ركعتين فإن شاء أن يصليهما على صفة صلاة العيدين فعل وبه قال النخعي ومالك والشافعي وأبو ثور
وابن المنذر: وإن صلاهما ركعتين كالنوافل جاز وهو قول الأوزاعي. لنا: أن القضاء إنما يجب بأمر مستأنف ولم يثبت وما رواه الشيخ في
الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: من لم يصل مع الامام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه لا يقال هذا الحديث عندكم متروك
فلا يجوز الاستدلال به بيان الأول أنكم تذهبون إلى استحباب الصلاة للمنقول لأنا نقول بموجبه إذ بقي الصلاة غير محقق فلا بد من إضمار المضمور
ها هنا الكمال ما تقدم احتج الشيخ بما رواه أبو البختري عن جعفر عليه السلام قال: من فاتته صلاة العيد فليصل أربعا احتج أحمد على الأول بما رواه
عن أبي مسعود أنه قال من فاته العيد فليصل أربعا، وعلى الثاني: بما رواه عن أنس أنه كان إذا لم يشهد العيد مع الامام بالبصرة جمع أهله ومواليه
ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فصلى بهم ركعتين يكبر فيهما. والجواب عن الأول: بالطعن في السند فإن أبا البختري ضعيف، وعن الثاني: أن قول
ابن مسعود ليس حجة، وعن الثالث: إنا نقول لموجبه إذ ليس البحث في فعل صلاة العيد مع غير الامام واستحبابه وإنما البحث في قضائها بعد فوات وقتها. فروع:
[الأول] لو أدرك الامام في الثانية دخل معه ويتم بعد فراغ الامام ولو أدرك في التشهد فاتته الصلاة وأتى بها منفردا مستحبا ويستحب له أن يجلس
معه فإذا سلم الامام قام فصلى ركعتين ليدرك فضيلة الجماعة. [الثاني] لو أدركه وقد فرغ وهو في الخطبة أسمع إلى الخطبة ولا يشتغل
بالقضاء خلافا للشافعي وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت أدركت الامام على الخطبة قال قال: تجلس حتى يفرغ من خطبته
فتقوم فتصلي والامر بالصلاة ها هنا يمكن أن يكون من حيث أنه قد أدرك الخطبة فكأنه قد أدرك بعض الصلاة وإلا فالأصل أن لا قضاء عليه. [الثالث]
هل يشتغل بالتهية (بالتحية) حال الخطبة لو صلى العيد في المسجد؟ الأقرب لا لعموم النهي عن التطوع بالصلاة إلا في مسجد الرسول عليه السلام. [الرابع] لو لم
يعلم بيوم العيد إلا بعد الزوال فاتته الصلاة إجماعا ولا قضاء عليه عندنا لما تقدم فيه قال أبو حنيفة وقال الأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد يخرج الامام
من الغد فيصلي بهم العيد وقال الشافعي إن علم بعد غروب الشمس صلى بهم في الغد وإن علم بعد الزوال لم يصل مطلقا. لنا: صلاة منوطة بوقت فات
فلا يقضى كالجمعة أحتج الشافعي بقول النبي صلى الله عليه وآله: فطركم يوم تفطرون وأضحيكم يوم تضحون وعرفتكم يوم تعرفون وهو إنما أفطر في
يوم الثاني واحتج أحمد بما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أن ركبا جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله
فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم. والجواب عنهما: أنهما معارضتان بأحاديث أهل البيت
عليهم السلام من سقوط القضاء واتباعهم أولى. * مسألة: التكبيرات الزائدة والقنوت بينها مستحب لا تبطل الصلاة بتركه عمدا أو سهوا ذهب
إليه أكثر أهل العلم وقال السيد المرتضى: أن القنوت واجب روى الشيخ في الصحيح عن زرارة أن عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر عليه السلام
343

عن الصلاة في العيدين فقال الصلاة فيهما سواء تكبر الامام تكبير الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة ثم يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات وفي الأخرى
ثلاثا سوى تكبير الصلاة والركوع والسجود وإن شاء ثلاثا وخمسا وإن شاء خمسا وسبعا بعد أن يلحق ذلك الوتر قال الشيخ فيجوز الاقتصار على الثلاث والخمس
يدل على أن الاخلال بها يضر بالصلاة ثم قال ومن أخل بالتكبيرات السبع لم يكن مأثوما إلا أنه يكون تاركا سنة ومهملا فضيلة وقال في الخلاف و
يستحب أن يدعو بين التكبيرات بما صح. فروع: [الأول] لو نسي التكبير وركع ثم يقضيه بعد الركوع تقدم الدليل على ذلك قال الشيخ في الخلاف:
يقضيه بعد الصلاة والقائلون بتقديم التكبير على القراءة قال بعضهم لو نسي وشرع في القراءة لم يعد إليه ذكره الشافعي في أحد قوليه لأنه
سنة فلم يعد إليه بعد الشروع في القراءة كالاستفتاح وفي القول الآخر له أن يعود إليه وهو قول مالك وأبو ثور لأنه ذكره في محله فقال به كما لو شرع
وهذا لا يتأتى على قولنا ولا على قول ابن الجنيد وابن بابويه القائلين بتقديم التكبير. [الثاني] إذا أدرك في أثناء القراءة عند القائلين
بالتقديم أعاد التكبير ثم ابتدأ بالقراءة لأنه قطعها متعمدا بطويل الكلام ولان محله قبل القراءة فيستأنف القراءة ولأنه أتى بها فيما بعد ولو ذكر بعد القراءة
وإن لم يذكر حتى ركع سقط وجها واحدا. [الثالث] المسبوق إذا أدرك الامام راكعا ثم يكبر في حال ركوعه لأنه فعل فات محله وقال
أبو حنيفة: يكبر فيه لأنه بمنزلة القيام لادراك الركعة به وينتقض ما ذكره بالاستفتاح وقراءة السورة والقنوت وإنما أدرك الركعة بإدراكه
لأنه يدرك معظمها ولم يفته إلا القيام. [الرابع] لو شك في عدد التكبيرات يبني على اليقين. [الخامس] إذا لنا بالتأخير فقدم على القراءة ناسيا
أعاد بعد القراءة لبقاء عينها. [السادس] قال الشيخ في المبسوط: لو أدرك بعض التكبيرات مع الامام أتم مع نفسه ولو خاف فوت الركوع والى
بينها وإن خاف الفوت تركها وقضى بعد التسليم. [السابع] قال ابن الجنيد لو ترك التكبير عامدا أعاد الصلاة فإن قصد به الاستحباب فهو جيد ثم
قال إن الزيادة كالنقصان. * مسألة: ويستحب أن يتنظف ويغتسل ويتطيب ويلبس أفخر ثيابه ويتسوك ويلبس العمامة شتاء وصيفا ذهب إليه كل
من يحفظ عنه العلم روى الجمهور عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوبي مهيئة لجمعته وعيده
وعن جابر عنه عليه السلام أنه كان يقيم ويلبس بردة الأحمر في العيدين والجمعة وعن ابن عباس عنه عليه السلام كان يلبس في العيدين برد حبرة ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: فليغتسل وليتطيب بما وجد وقال خذوا زينتكم عند كل مسجد قال العيدان والجمعة وفي الصحيح عن محمد بن
مسلم قال قال أبو عبد الله عليه السلام: لا بد من العمامة والبرد يوم الأضحى والفطر فأما الجمعة فإنه يجزي بغير عمامة وبرد وفي الموثق عن عمار الساباطي
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم الجمعة حتى صلى قال إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة وإن مضى
الوقت فقد جازت صلاته وهذا يدل على شدة الاستحباب دون الايجاب وفي الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام وينبغي الامام أن يلبس حلية
ويعتم شاتيا كان أو صائفا وفي الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعتم في العيدين شاتيا
كان أو صائفا ويلبس درعه وكذلك ينبغي للامام وهذه الأشياء يستحب للامام فعلها أكد من المأموم لأنه المنظور إليه. * مسألة: ويستحب فعلها
في الصحراء إلا بمكة فإنه يصلى فيها في المسجد الحرام ذهب إليه علماؤنا أجمع ونقله الجمهور عن علي عليه السلام واستحسنه الأوزاعي وأصحاب الرأي وهو
قول أحمد وابن المنذر وقال الشافعي إن كان مسجد البلد واسعا صلى فيه أولا صلوا في المصلى. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله كان يخرج
إلى المصلى وترك المسجد والصحابة من بعده فعلوا ذلك والنبي صلى الله عليه وآله لا يترك الأفضل مع سهولته أنه قيل له قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس
وبنيانهم (صبيانهم) فلو صليت بهم في المسجد؟ فقال: أخالف السنة إذن ولكن يخرج إلى المصلى ويستخلف
من يصلي بهم في المسجد أربعا ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ عن معاوية بن عمار قال ويخرج إلى البر حيث ينظر إلى آفاق السماء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج إلى البقيع ويصلي بالناس
وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال قال الناس لأمير المؤمنين عليه السلام ألا تخلف رجلا يصلي في العيدين؟ فقال: لا أخالف السنة
وعن محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلا أهل مكة فإنهم يصلون في المسجد الحرام.
* مسألة: يستحب للامام أن يخرج حافيا ماشيا على السكينة والوقار روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يخرج إلى العيد ماشيا
ويرجع ماشيا وعن علي عليه السلام أنه قال: السنة أن تأتي العيد ماشيا والحفاء مستحب لان الرضا عليه السلام فعله وعن رسول الله صلى الله عليه وآله
من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار لان فيه خضوعا. فرع: لو كان موطنه بعيدا من المصلى جاز أن يركب للضرورة
وكذا لو كان عاجزا أو ذا علة. * مسألة: ولا أذان ولا إقامة في العيدين ذهب إليه كل من يحفظ عنه العلم وروى عن الزبير أنه أذن وأقام
وكذا نقل عن ابن زياد وأنه أول من أذان وأقام. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله صلى العيدين بغير أذان
ولا إقامة وقال جابر بن سمرة صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله العيد غير مرة ولا مرتين بلا أذان ولا إقامة رواه مسلم ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له أرأيت صلاة العيد ين هل فيها أذان وإقامة؟ قال: ليس فيهما
أذان ولا إقامة ولكن ينادي الصلاة ثلاث مرات وما رواه في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة العيدين ركعتان بلا أذان ولا إقامة وفي
344

الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: ليس في الفطر والأضحى أذان ولا إقامة. فرع: يستحب أن يقول المؤذنون الصلاة ثلاثا ذكره الشيخ في المبسوط وقال ابن عقيل
يقول الصلاة جامعة وبه قال الشافعي خلافا لأكثر الجمهور. لنا: أن فيه تنبيها للغافلين فاستحب ولأنه قد يخفى إشتغال الامام بالصلاة فكان الاعلام
حسنا ولرواية إسماعيل احتجوا بما رواه عطا قال أخبرني جابر أن لا أذان يوم الفطر ولا إقامة ولا نداء والجواب: أن قول جابر ليس بحجة وهو لم يرفعه
إلى الرسول الله صلى الله عليه وآله. * مسألة: ويستحب له أن يطعم شيئا من الحلوة قبل خروجه في الفطر وفي الأضحى بعد عوده ما يضحي به وهو قول عامة أهل
العلم ونقل عن أحمد أنه إن كان له ذبح آخر في الأضحى وإلا لم يقال (أقله) أن يأكل قبل خروجه. لنا: ما رواه الجمهور عن بريدة قال كان النبي صلى الله
عليه وآله لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر ولا يفطر يوم الأضحى حتى يصلي رواه الترمذي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: أطعم يوم الفطر قبل أن تخرج إلى المصلى وما رواه عن جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أطعم يوم الفطر قبل أن تصلي ولا تطعم يوم
الأضحى حتى ينصرف الامام ولان الفطر أول يوم من شوال واجب فاستحب المبادرة إليه ليحصل امتثال الامر والمسارعة إليه وفي الأضحى المأمور به الصلاة
لا غير فاستحب المبادرة إليها. * مسألة: ولو لم يتمكن من الخروج إلى الصحراء صلاها في المسجد وفي منزله روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال سئل أبو عبد
الله عليه السلام عن الرجل لا يخرج يوم الفطر والأضحى أعليه صلاة وحده؟ قال: نعم روى الشيخ عن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مرض أبي يوم الأضحى فصلى
في بيته ركعتين ثم ضحى وروي عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الخروج يوم الفطر والأضحى إلى الجنابة حسن لمن استطاع الخروج
إليها فقلت أرأيت إن كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أيصلي في بيته قال: لا والمراد به نفي الوجوب. فرع: روى الشيخ عن عبد الرحمن بن سيابة عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: إن على الامام أن يخرج المحبوسين في الدين يوم الجمعة إلى الجمعة ويوم العيد إلى العيد ويرسل معهم فإذا قضوا
الصلاة والعيد ردهم إلى السجن وهذه الرواية مناسبة للمذهب. * مسألة: ويستحب أمام التوجه الدعاء بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة الثمالي
عن أبي جعفر عليه السلام اللهم من تهيأ وتعبأ الخ وكذا في الجمعة. * مسألة: ويستحب أن يسجد على الأرض روى الشيخ في الصحيح عن الفضيل عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: أتى بخمرة يوم الفطر فأمر بردها وقال هذا يوم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجب أن ينظر إلى آفاق السماء ويضع جبهته على أهل الأرض
وروي عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ولا يصلي على حصير ولا يسجد عليه ولان الخشوع به أكثر. * مسألة: روي عن ابن بابويه عن إسماعيل بن
مسلم عن الصادق عليه السلام قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله عنزة في أسفلها عكاز يتوكأ عليها ويخرجها في العيدين يصلي إليها. * مسألة:
والخطبتان واجبتان كوجوبهما في الجمعة وهما بعد الصلاة ولا نعرف خلافا بين المسلمين في أن الخطبتين بعد الصلاة إلا عن بني أمية روي أن
عثمان وابن الزبير ومروان بن الحكم خطبوا قبل الصلاة. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عمر قال أن النبي صلى الله عليه وآله وأبا بكر وعمر وعثمان و
عليا كان يصلون العيد من قبل الخطبة وروى طارق بن شهاب قال قوم (قال) مروان الخطبة قبل الصلاة فقام رجل فقال خالف السنة كانت الخطبة بعد
الصلاة فقال أترك ذلك يا أبا فلان فقام أبو سعيد فقال أما هذا المتكلم فقد مضى ما عليه قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله من رأى منكم
منكرا فلينكره بيده فمن لم يستطع فلينكره بلسانه فمن لم يستطع فلينكره بقلبه وذلك أضعف الايمان. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في صلاة العيدين قال: الصلاة قبل الخطبتين بعد القراءة سبع في الأولى وخمس في الأخير وكان أول من
أحدثها بعد الخطبتين عثمان لما أحدث إحداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ليرجعوا فلما رأى ذلك قدم الخطبتين واحتبس الناس
للصلاة ومثله رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام وعن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام والخطبة بعد الصلاة وفي حديث سماعة
وينبغي للامام أن يصلى قبل الخطبة وفي الصحيح عن يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح عليه السلام يكبر العيدين للصلاة قبل الخطبة يكبر تكبيرة يفتتح بها الصلاة
الحديث وفي الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال والمواعظ والتذكرة يوم الأضحى والفطر بعد الصلاة. فروع: [الأول] الخطبتان
فيهما كما في الحسنة ويستحب الجلوس بينهما وهو قول أهل العلم روى جابر عن النبي صلى الله عليه وآله قال خرج عليه السلام يوم فطر أو أضحى فخطب قائما ثم
قعد ثم قام ومن طريق الخاصة ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: الصلاة قبل الخطبتين يخطب قائما ويجلس بينهما وما رواه الشيخ عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام وإذا خطب الامام فليقعد بين الخطبتين قليلا. [الثاني] هل يستحب له الجلوس قبل الخطبتين
لا أعرف لعلمائنا فيه نصا إلا أنهم أطلقوا أن كيفية الخطبتين كالجمعة وقيل لا يستحب لأنه في الجمعة إنما استحب جلوسه لأجل الأذان ولا
أذان فيها وهو حسن. [الثالث] لا يجب حضور الخطبة ولا استماعها بغير خلاف روى عبد الله بن الثابت قال شهدت مع رسول الله صلى
الله عليه وآله العيد فلما مضى الصلاة قال: إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب لكنه مستحب لما فيه من الاتعاظ
وحضور مجالس الذكر. [الرابع] يستحب أن يخطب قائما بغير خلاف ولو خطب قاعدا أجزأه وكذا لو خطب على راحلته روى الجمهور عن أبي جميلة قال رأيت
عليا عليه السلام صلى يوم عيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب على دابته وكذا عثمان. [الخامس] يكره نقل المنبر من موضعه بلا خلاف بل ينبغي
أن يعمل شبه المنبر من طين لما رواه الجمهور أن النبي صلى الله عليه وآله لم ينقل منبره وكذا الصحابة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن
345

جابر عن أبي عبد الله عليه السلام ليس فيهما منبر المنبر لا يحول من موضعه ولكن يصنع للامام شئ ء يشبه المنبر من طين فيقوم عليه فيخطب الناس ثم ينزل. * مسألة:
والذبح في الأضحى بعد الصلاة روى الجمهور عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من ذبح قبل أن يصلي فإنما هو شاء لحم عجله لأهله ليس من النسك في
شئ ومن ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وقد أصاب سنة المرسلين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت متى يذبح قال إذا أنصرف الامام. * مسألة: ويكره التنفل قبل صلاة العيد وبعدها إلى الزوال
للامام والمأموم إلا في المدينة فإنه يستحب أن يصلي في مسجد الرسول الله صلى الله عليه وآله ركعتين قبل الخروج سواء كان في المصلى أو في المسجد، ذهب إليه
علماؤنا أجمع وهو قول علي عليه السلام وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وحذيفة وبريدة وسلمة الأكوع وجابر وابن أبي أوفى وشريح و عبد الله بن
معقل ومسروق والضحاك والقاسم وسالم و (..) وحديج والشعبي ومالك والزهري وقال أحمد: أهل المدينة لا يتطوعون قبلها ولا بعدها وأهل
البصرة يتطوعون قبلها وبعدها وأهل الكوفة لا يتطوعون قبلها ويتطوعون بعدها وقو قول علقمة والأسود ومجاهد وابن أبي ليلى والثوري
والنخعي والأوزاعي وأصحاب الرأي وقال الشافعي يكره التطوع للامام دون المأموم وقال مالك لا يتطوع في المصلى قبلها ولا بعدها وفي المسجد روايتان.
لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج يوم الفطر فصلى ركعتين ثم يصلي قبلها ولا بعدها وعن علي عليه السلام أنه رأى قوم
يصلون قبل العيد فقال ما كان هذا يفعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سألته عن صلاة العيدين فقال ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ وما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وليس قبلها ولا
بعدها صلاة ذلك اليوم إلى الزوال وما رواه عن محمد بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال ركعتان من السنة ليس يصليان في موضع إلا
بالمدينة قال: يصلي في مسجد الرسول الله صلى الله عليه وآله في العيد قبل أن يخرج إلى المصلى ليس ذلك إلا بالمدينة لان رسول الله صلى الله عليه وآله
فعله وهذا الحديث يدل على المطلبين معا لأنه وقت كره للامام التنفل فيه على مذهب الشافعي فكره للمأموم كسائر أوقات النهي وكما قبل الصلاة
عند أبي حنيفة وكما لو كان في المصلى عند مالك احتج مالك بقول النبي صلى الله عليه وآله: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين واحتج
الشافعي بأن الامام لا يستحب له التشاغل عن الصلاة ولم يكره للمأموم لأنه وقت لم ينه عن الصلاة فيه أشبه ما بعد الزوال. والجواب عن الأول: أنه
مخصوص بالعيد أو لمسجد الرسول عليه السلام، وعن الثاني: أنه لو كان النهي للامام لأجل التشاغل بالصلاة لساغ فعل النافلة بعدها. فرعان
[الأول] لا يكره قضاء الواجب خلافا لأحمد قال لأنه يخاف من الاقتداء به وهو ضعيف لأنه إذا ثبت الكراهية لم يحصل ذلك ويكره قضاء النافلة
لأنه كره ابتداها فكذا قضائها لحصول المعنى الموجب وهذا الاشتغال ولما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا
نقض وتر ليلتك يعني في العيدين كان ذلك حتى يصلي الزوال في ذلك اليوم. [الثاني] النهي عن التنفل عام في مواطن الصلاة وغيره خلافا لأحمد
وكذا لو صلى العيد في موضع ثم خرج منه ثم عاد إليه عملا بعموم النهي. * مسألة: وإذا خرج بطريق عاد بغيره مستحبا وهو قول مالك و
الشافعي وأحمد وروى الجمهور عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ وابن بابويه في الموثق عن السكوني أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا خرج إلى العيدين لم يرجع في الطريق الذي بدأ فيه يأخذ في
طريق غيره والفائدة فيه تبرك الطريقين بوطئه عليه السلام وقيل كان يحب المساواة بين أهلهما في تبرك المرور بهم ولأنه ينفعهم بجواب إن سأله
ويسرون برؤيته وقيل يشهد له الطريقان وقيل فيحصل الصدقة ممن صحبه على أهل الطريقين من الفقراء. * مسألة: ويكره الخروج بالسلاح
يوم العيد لما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي جعفر عليه السلام عن أبيه قال نهى النبي صلى الله عليه وآله أن يخرج السلاح في العيدين إلا أن يكون
عدو ظاهر. * مسألة: ويستحب التكبير ليلة الفطر عقيب صلاة المغرب والعشاء ويوم الفطر عقيب صلاة الصبح والعيد فالمستحب
عقيب أربع صلوات وقال ابن بابويه عقيب ست صلوات وأضاف إلى ما ذكرناه عقيب الظهر والعصر يوم الفطر
وظاهر كلام ابن الجنيد والسيد
المرتضى الوجوب وهو قول داود وممن قال باستحباب التكبير عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان والنخعي وسعيد بن جبير و عبد الرحمن بن أبي ليلى
والحكم ومجاهد ومالك وإسحاق وأحمد وأبو ثور وابن المنذر إلا أنهم قالوا إنما يستحب يوم الفطر وقال الشافعي يستحب التكبير من غروب الشمس إلى خروج
الامام وفي رواية أخرى عنه إلى اخراج الامام من الصلاة قال أبو حنيفة: يكبر في الأضحى لا الفطر وإبراهيم النخعي قال: إنما يفعل ذلك الحركون.
لنا: قوله تعالى: (ولتكبروا الله على ما هداكم) وروى الشيخ عن سعيد النقاش عن أبي عبد الله عليه السلام قال وهو قول الله ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما
هداكم قال الشافعي سمعت من أهل العلم بالقرآن يقول ولتكملوا عدة صوم رمضان ولتكبروا لله عند إكماله على ما هداكم وما رواه الجمهور عن أبي جميلة
قال سألت عليا عليه السلام خرج يوم العيد فلم يزل يكبر حتى انتهى إلى الحنانة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سعيد النقاش قال قال أبو عبد الله
عليه السلام لي أما أن في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون قال قلت وأين هو قال في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفي صلاة الفجر وفي صلاة العيد ولان
فيه تعظيما لله تعالى فكان حسنا وقد فعله الصحابة بأسرهم احتج الداود على الوجوب بظاهر الامر في قوله ولتكبروا والجواب أنه ليس بأمر ولو سلم فالوجوب يفي
346

بالاجماع وخلاف من ذكرنا لا يؤثر فيه (وفي) انعقاده واحتج أبو حنيفة بأن ابن عباس سمع تكبير يوم الفطر فقال أمجانين الناس. والجواب أنه معارض لفعل الصحابة
بأسرهم فلا اعتداد بما تفرد به ابن عباس. فرع: ويستحب التكبير سواء كبر الامام أو لا عملا بالعموم وقال ابن عباس أن كبر الامام كبر معه وإلا فلا.
* مسألة: ويستحب التكبير في الأضحى وبه قال الشيخ وابن إدريس وقال السيد المرتضى بالوجوب واتفق علماء الاسلام على مشروعية التكبير فيه وقد
وقع الخلاف في مدته فذهب علماؤنا أجمع إلى أن الابتداء به عقيب ظهر النحر وآخره عقيب الصبح من اليوم الثالث من أيام النحر لمن كان بمنى وعقيب الصبح
من اليوم الثاني منها لمن كان في غيرها من الأمصار والمستحب في الأول عقيب خمس عشرة صلاة وفي الثاني: عقيب عشرة صلوات وهذا الفرق لم يذهب إليه أحد من فقهاء
الجمهور وقال الشافعي في أظهر قوليه: أن التكبير عقيب خمس عشر صلاة والبدئة بالظهر من يوم النحر وهو قول مالك وابن عمر وعمر بن
عبد العزيز فهو موافق لقونا إلا في الفرق وقال الشافعي في أحد قوليه أنه من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق ونقله الجمهور عن علي
عليه السلام وعمر وابن عباس وابن مسعود وهو مذهب الثوري وأبي عتيبة وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور وأحمد وقال أبو حنيفة أنه يكبر من غداة عرفة إلى العصر
من يوم النحر وإليه ذهب علقمة والنخعي وروي عن ابن مسعود وقال الشافعي في قول آخر ليكبر من المغرب ليلة النحر إلى الصبح من الثالث من أيام التشريق
وقال الأوزاعي يكبر من الظهر من يوم النحر إلى الظهر من اليوم الثالث واختاره المغربي ويحيى بن سعيد الأنصاري وقال داود: يكبر من الظهر من يوم النحر
إلى العصر من آخر أيام التشريق. لنا: قوله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات) وهي أيام التشريق وليس فيها ذكر مأمور به سوى التكبير وليست عرفة
منها ولان الناس يوم عرفة يشتغلون بالتلبية ويجوز السفر في الثاني عقيب الصبح فيسقط ما زاد ولان عليا عليه السلام بدأ بالتكبير عقيب النحر إلى الصبح
الثالث ولان التكبير إنما يكون عقيب الرمي والرمي إنما يكون يوم النحر فأول صلاة بعد ذلك الظهر وآخر صلاة يصلي بمنى وجوبا صبح الثالث من أيام التشريق
ولان التكبير بمنى ولا يستقر أحد بمنى بعد الزوال وما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (واذكروا الله
في أيام معدودات) قال: التكبير في أيام التشريق عقيب صلاة الظهر من يوم النحر إلى طلوع الفجر يوم الثالث وفي الأمصار عقيب عشر صلوات وفي الحسن
عن زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام في أيام التشريق في دبر الصلوات فقال التكبير بمنى في دبر خمس عشرة صلاة وفي سائر الأمصار في دبر عشر
صلوات وأول التكبير في دبر صلاة الظهر يوم الفجر وأما ان التبكير عقيب عشر في الأمصار فللحديثين ولان الناس في التكبير يتبع الحاج وهم قد ينفرون
في الأول فيسقط عمن ليس بمنى روى الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام وفي الأمصار عشر صلوات فإذا نفر بعد الزوال (الأولى) أمسك أهل
الأمصار ومن أقام بمنى فصلى بها الظهر والعصر فليكبر وفي الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وإنما جعل في سائر الأمصار وفي دبر عشر صلوات
التكبير لأنه إذا نفر الناس في السفر الأول أمسك أهل الأمصار على التكبير ويكبر أهل منى ما داموا بمنى إلى النفر الآخر احتج أحمد بما رواه جابر أن النبي صلى
الله عليه وآله صلى الصبح يوم عرفة وأقبل علينا فقال الله أكبر الله أكبر ومد التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى:
(ليذكروا اسم الله في أيام معلومات) وهو العشر والاجماع وقع على عدم التكبير قبل عرفة فينبغي أن يكبر يوم عرفة ويوم النحر. والجواب عن الأول:
أنه معارض بما نقلناه عن أهل البيت عليهم السلام وهم أعرف بالشرعيات، وعن الثاني: أن المراد به ذكر الله تعالى يوم النحر على الهدي أو ذكر الله
تعالى في جميع أيام الشعر عند رؤية الانعام وهو أولى من تفسيرهم لأنهم لم يعملوا به إلا في يومين ومعارض بما رواه الجمهور عن عمر بن سعيد أن عبد
الله كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى العصر من يوم النحر فأتانا علي عليه السلام بعده فكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر وآخر أيام التشريق
ولان الرقي في هذه الأيام بأسرها فشرع التكبير فيها كيوم النحر وأيضا ما ذكره أبو حنيفة غير بالغ إذ أقصاه دلالة الآية على الذكر يوم عرفة
وقد ثبت ذكر الله في أيام التشريق بآية أخرى فلا منافاة. فروع: [الأول] قال الشيخ في الخلاف صفة التكبير أن يقول الله أكبر
الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد ورواه ابن بابويه عن علي عليه السلام في عيد الأضحى فالتكبير في أوله على هذه الرواية مرتان وقال
البزنطي يكبر في الأضحى ثلاثا وقال ابن الجنيد يكبر أربعا ويقول لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على
ما رزقنا من بهيمة الأنعام الحمد لله على ما أبلانا وقال المفيد في المقنعة يقول في الفطر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد و
الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا وفي الأضحى الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام وقال
الشيخ في النهاية يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا ويزيد في الأضحى في الأخير ورزقنا
من بهيمة الأنعام وقال في المبسوط يقول الله أكبر مرتين لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد والحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا ويزيد
في الأضحى ما ذكره وقال الشافعي يكبر ثلاثا وهو قول مالك قال أبو حنيفة وأحمد مرتين ولم يرووا بعد قوله والله الحمد الله أكبر على ما هدانا
والأقرب عندي ما رواه الشيخ عن سعيد النقاش عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر
على ما هدانا وهو قول الله ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم وفي الحديث إشارة إلى زيادة ما ذكره علماؤنا وروى الشيخ في الحسن
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام يقول فيه يعني في الأضحى الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا
من بهيمة الأنعام واحتج الشافعي بأن جابرا صلى وكبر ثلاثا ولم يقل إلا بالتوقيف لأنه مقدر وهذا شئ مستحب فتارة يزاد وتارة ينقص.
347

[الثاني] التكبير عقيب الفرائض للجامع والمنفرد والمسافر والحاضر والمرأة وبه قال الشافعي ومالك وقال أحمد: إنما يكبر في الجماعة وهو مذهب الثوري
وأبي حنيفة. لنا: أنه ذكر فاستحب فعله مطلقا ولان المنفرد صلى فريضة فاستحب له كالجامع ولعموم الامر في الآية والأحاديث احتج أحمد بقول ابن مسعود
وابن عمر إنما التكبير على من صلى في الجماعة والجواب: أنه لا احتجاج لقولهما إذا لم يعارضا عموم الكتاب وكيف مع وجوده. [الثالث] إنما يستحب التكبير
المذكور عقيب الفرائض خاصة وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري وأحمد وقال الشافعي يكبر عقيب كل صلاة فريضة ونافلة. لنا: أنه لم يثبت عن النبي صلى
الله عليه وآله والصحابة فعل ذلك إلا عقيب الفرائض فيبقى الباقي على الأصل وأيضا قول أبي عبد الله عليه السلام التكبير عقيب خمس عشرة صلاة
أولها ظهر النحر وآخرها الصبح من اليوم الثالث احتج الشافعي بأنه ذكر فعادت الصلوات فيه ولأنه ذكر حسن فحسن الاتيان به. والجواب عن الأول:
أن الفرض مغاير للنفل فلا يجب استوائهما في الاحكام ويعارضه الأذان، وعن الثاني: لا نزاع في حسنه باعتبار الاتيان به مطلقا والبحث
وقع في مشروعيته هنا وقد روى الشيخ عن حفص بن غياث عن أبيه عن علي عليه السلام قال على الرجال والنساء أن يكبروا أيام التشريق دبر الصلوات
وعلى من صلى وحده ومن صلى تطوعا وهذه الرواية ضعيفة لان في طرقها حفص بن غياث. [الرابع] لو أخل بالتكبير ناسيا كبر مع الذكر و
كذا لو صلى مع الامام وأخل الامام بالتكبير وكذا لو صلى وحده. [الخامس] المسبوق يصلي مع الامام ثم يتم الصلاة ويكبر بعد التمام وهو قول
أكثر أهل العلم وقال الحسن البصري: يكبر ثم يقضي وقال مجاهد ومكحول: يكبر ثم يقضي ثم يكبر. لنا: أن شرعيته بعد التسليم فلا يؤتى به في الأثناء
كالتسليم والتعقيب وما رواه الشيخ في الحسن عن محمد قال سألت عن رجل فاتته ركعة مع الامام من الصلاة أيام التشريق قال يتم الصلاة
ويكبر احتج المخالف بأنه ذكر شرع آخر الصلاة فيأتي به المسبوق قبل القضاء كالتشهد والجواب: الفرق بأن التشهد جزء بخلاف التكبير ولان ما ذكروه مبني
على أن المسبوق يجعل ما يلحقه آخر صلاته وليس كذلك. [السادس] لو كان عليه سجود السهو آخر التكبير إلى أن يسجد ولا نعرف فيه خلافا لأنه
سجود شرع للصلاة فكان التكبير بعده وبعد تشهد كما في السجود الذي هو جزء. [السابع] لو فاتته الصلاة (مع) تكبير عقيبها قضاها وكبر سواء
قضاها في أيام التشريق أو في غير أيام التشريق خلافا للشافعي. لنا: قوله عليه السلام من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته وهي من شأنها التكبير عقيبها
قالوا فات المحل إذا خرجت أيام التشريق جوابه المحل عقيب الصلاة والقضاء بدل فحكمه حكم مبدله. [الثامن] قيل يكبر مستقبل القبلة لأنه ذكر
مختص بالصلاة فأشبه الأذان وقيل يكبر كيف يشاء لقول جابر أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال الله أكبر الله أكبر ولا أعلم فيه نصا.
[التاسع] لو خرج من المسجد ولم يكبر ناسيا كبر إذا ذكره عملا بعموم الامر بالتكبير خلافا لأصحاب الرأي فإن ذكر في المسجد وقد مشى ليخرج
كبر ماشيا وهو قول الشافعي لأنه ذكر شرع بعد الصلاة فأشبه سائر الذكر وقال أحمد رجع إلى مكانه ويستقبل القبلة ويكبر. [العاشر] لو أحدث
عقيب الصلاة قبل التكبير لم يسقط التكبير واستحب فعله لأنه ذكر لا يشترط الطهارة فجاز فعله مع الحدث خلافا لأحمد قال الحدث يقطع الصلاة فيقطع
التكبير قلنا القياس في الأسباب باطل. [الحادي عشر] لا يستحب التكبير عقيب صلاة العيد لأنها ليست من الصلاة الخمس فكانت كالنوافل. [الثاني
عشر] قال بعض أصحابنا يستحب للمصلي أن يخرج بالتكبير إلى المصلى وهو حسن لما روي عن علي عليه السلام أنه خرج يوم العيد فلم يزل يكبر حتى انتهى
إلى الجنابة. (الجبانة) * مسألة: ويستحب فيه فعل الخير والأضحية في الأضحى وزيادة النفقة فيه ويكره فيه اللعب والضحك روى ابن بابويه قال نظر
الحسن بن علي عليهما السلام إلى أناس في يوم فطر يلعبون ويضحكون فقال لأصحابه والتفت إليهم أن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون
فيه بطاعته إلى رضوانه فسبق فيه قوم؟ ففازوا؟ ونخلف آخرون فخابوا فالعجب كل العجب من الضاحك اللاعب في يوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخيب فيه المقصرون
وأيم الله لو كشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه ومسئ بإسائته. * مسألة: يكره السفر بعد طلوع الفجر يوم العيد إلا بعد أن يشهد الصلاة ولو طلعت
الشمس حرم أما الأول فلما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت بالبلد
فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد ولان فيه تفويتا للطاعة وليس بمحرم لان الصلاة الآن لم يجب عليه وأما الثاني: فلانه يلزم منه الاخلال
بالواجب. فرع: لو اضطر إلى الخروج بعد طلوع الشمس قبل أن يصلي جاز للضرورة. * مسألة: إذا اجتمع العيد والجمعة فمن صلى العيد
مع الامام تخير في حضور الجمعة ذهب إليه علماؤنا إلا أبا الصلاح فإنه قال لا يسقط الجمعة وهو قول الشافعي
وأبي حنيفة وممن قال بسقوط
الجمعة علي عليه السلام وابن عباس وعمر وعثمان وسعيد وابن عمر وابن الزبير وأحمد. لنا: ما رواه الجمهور عن زيد بن أرقم قال صلى رسول الله صلى الله
عليه وآله العيد ورخص في الجمعة فقال من شاء أن يصلي فليصل وعن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله إذا اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء
أجزأه من الجمعة وأنا مجمعون ومثله رووا عن ابن عباس عنه عليه السلام ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن الحلبي أنه سئل أبا عبد
الله عليه السلام عن الفطرة والأضحى إذا اجتمعا يوم الجمعة قال اجتمعا في زمان علي عليه السلام فقال من شاء أن يأتي الجمعة فليأت ومن فعل فلا
يضره وليصل الظهر وما رواه الشيخ عن سلمة عن أبي عبد الله عليه السلام قال اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فخطب الناس فقال هذا
يوم اجتمع فيه عيدان فمن أحب أن يجمع معنا فليصل ومن لم يفعل فإن له رخصة ولان الجمعة إنما زادت على الظهر بالخطبة وقد حصلت في العيد احتج المخالف
348

بالعموم الدال على وجوب الصلاتين ولأنهما صلاتا فرض فلا يسقط إحديهما بالأخرى كالظهر والعيد. والجواب عن الأول: أنه مخصوص بأدلتنا وعن
الثاني: أنه منقوض بالظهر والجمعة. فروع: [الأول] يستحب للامام أن يعلم الناس ذلك في خطبته لان النبي صلى الله عليه وآله فعل ذلك
ولما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول إذا اجتمع عيدان في يوم واحد فإنه ينبغي للامام
أن يقول للناس في خطبته الأولى أنه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصليهما جميعا فمن كان مكانه قاضيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له ولان
فيه تخفيف من رفع ضرر بالحضور مرة ثانية فشرع الاعلام كسائر الاحكام. [الثاني] هل التخفيف ثابت في حق النائي عن البلد أو مطلقا؟ الأقرب
الثاني عملا بالعموم في قول أمير المؤمنين عليه السلام فمن أحب أن يجمع معنا فليفعل. [الثالث] هل التخفيف ثابت في حق الامام؟ الأقرب عدمه وهو قول
السيد المرتضى في المصباح والجمهور كافة لقول النبي صلى الله عليه وآله: وانا مجمعون وقول أمير المؤمنين عليه السلام: فمن أحب أن يجمع معنا فليفعل ولأنه
لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من لا يجب عليه ومن يريدها ممن سقطت عنه بخلاف غيره من الناس لا يقال عدم الوجوب في حق غير الامام يستلزم
عدم الوجوب في حقه إذ الشرط الاجتماع وتعليق الواجب على ما ليس بواجب قبيح لأنا نقول بمنع قبح تعليق الواجب بغيره إذا كان مشروطا لا يقال
أن الجمعة واجبة في حق الامام وجوبا مطلقا وكيف جعلتموه مشروطا لأنا نقول إنما يجب مطلقا في غير يوم العيد أما في العيد فإنه إنما يجب بشرط الاجتماع
ولا استحالة في ذلك فالامام يخرج مع حصول الشرائط واجبا بخلاف غيره. * مسألة: يستحب التعريف (التضرع) آخر نهار عرفة بالامصار وأعظمه استحبابا
في حضرة الحسين صلوات الله عليه قال أحمد: أما أنا فلا أعمله مع أنه أمر به غيره. لنا: أنه قد اشتمل على دعاء وتضرع وعظيم لله تعالى مكانا مستحبا
وقد فعله ابن عباس وجماعة من العلماء ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام يجتمعون بغير إمام
في يوم عرفة في الأمصار يدعون الله عز وجل. * مسألة: ويستحب للامام أن يذكر في خطبته في الفطر الحث على الفطرة ووجوبها وجنسها
وقدرها ووقت اخراجها والمستحق ومن تجب عليه ومتى يستحب له اخراجها وسائر أحكامها وفي الأضحى يحثهم على الأضحية ويصفها
ويذكر جهتها.
[الفصل الثالث] في صلاة الكسوف وفيه مباحث الأول في السبب، * مسألة: صلاة كسوف
الشمس والقمر فرض على الأعيان وهو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام وقال الجمهور كافة أن صلاة كسوف الشمس سنة وأكثرهم على أن خسوف
القمر كذلك وقال مالك: ليس لخسوف القمر سنة وحكي عنه الاستحباب أيضا فرادى لا جماعة. لنا: قوله تعالى: (لا يسجدون للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن
إن كنتم إياه تعبدون) وذكر الله تعالى جميع الآيات وخص هاتين بذكر السجود له عند ذكرهما والنبي صلى الله عليه وآله صلى عند كسوفهما فكان ذلك بيانا
منه للمراد بالآية وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم
ذلك فصلوا والامر للوجوب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن علي بن أبي عبد الله قال سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول: لما قبض إبراهيم بن
رسول الله صلى الله عليه وآله جرت ثلاث سنين أما واحدة فإنه لما مات انكسف الشمس فقال الناس انكسفت الشمس لفقد ابن رسول الله صلى الله
عليه وآله فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مطيعان
له لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا ثم نزل فصلى بالناس صلاة الكسوف وما رواه في الصحيح عن محمد بن حمران
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: هو فريضة وما رووه عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة الكسوف فريضة وما رواه في الصحيح عن جميل عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: هو فريضة وفي الصحيح عن أبي بصير قال: انكسفت الشمس وأنا عند أبي عبد الله عليه السلام في شهر رمضان فوثب وقال أنه كان
يقول إذا انكسفت القمر والشمس فافرغوا إلى مساجدكم ولأنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلاها في الكسوفين والتأسي به واجب لما
تقدم وبطل قول مالك أيضا ويزيده بطلانا ما رواه الجمهور عن ابن عباس أنه صلى بأهل البصرة في خسوف المقر ركعتين فقال إنما صليت لأني
رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي ولأنه أحد الكسوفين فأشبه كسوف الشمس. * مسألة: قال عماؤنا يجب صلاة الكسوف للزلزلة
أيضا وقال إسحاق وأبو ثور وأحمد وأبو حنيفة: بالاستحباب وقال مالك والشافعي: لا يصلي لها شئ. لنا: أن علة وجوب صلاة الكسوف كونه آية من
آيات الله يخوف الله عباده والخوف هنا أشد فكان الوجوب أولى ولان ابن عباس صلى الزلزلة بالبصرة ولم ينكر عليه فكان إجماعا ولأنه لم يفعل
إلا توفيقا وما رواه الجمهور عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أن هذه الآيات التي ترسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك
فصلوا والامر للوجوب ومثله روى أبي بن كعب عنه عليه السلام ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن أذينة عن رهط عن كليهما عليهما السلام
ومنهم من سمعه من أحدهما أن صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات والرهط الفضيل وزرارة وبريد ومحمد بن مسلم. * مسألة:
ويجب لأخاويف السماء كالظلمة الشديدة والرياح الشديدة والصيحة وغير ذلك من الآيات الخارجة عن قانون العادة قال أصحاب الرأي يستحب الصلاة
الآيات كلها وخالف فيه باقي الجمهور. لنا: أن العلة وهي الخوف موجودة روى ابن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه إذا هبت ريح صفراء أو حمراء
أو سوداء تغير وجهه وأصفر مكانك (فكأنه) الخائف الوجل حتى نزل من السماء قطر مطر فرجع إليه لونه ويقول جاءكم بالرحمة وما رواه الجمهور في حديث
349

أبي بكر وأبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وآله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا قلنا لأبي جعفر عليه السلام
هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلى لها؟ فقال: كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن
عبد الرحمن بن أبي عبد الله عليه السلام قال سألت الصادق عليه السلام عن الريح والظلمة تكون في السماء والكسوف فقال الصادق عليه السلام صلاتهما سواء وروى
الجمهور أن النبي صلى الله عليه وآله إذا أتت الرياح الشديدة قال " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " معناه أن كل موضع ذكر الله تعالى في القرآن
ريحا قرب به العذاب وكل موضع ذكر الرياح قرن به الرحمة وهذا دليل على وجود الحذر. [البحث الثاني] في الكيفية، * مسألة:
وهي ركعتان في كل ركعة خمس ركوعات وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام وقال أبو حنيفة: يصلي ركعتين كالفجر وقال الشافعي: يصلي ركعتين
في كل ركعة ركوعات وبه قال أحمد ومالك وإسحاق وأبو ثور: لنا: ما رواه أبي بن كعب ان رسول الله صلى الله عليه وآله ركع خمس ركوعات
ثم سجد سجدتين وفعل مثل ذلك في الثانية ومثله رواه علي عليه السلام ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل وزرارة و
يزيد ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام أن صلاة الكسوف والمقر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات صلاها
رسول الله صلى الله عليه وآله والناس خلفه في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها ومثله روى الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ومثله روي عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام لا يقال قد روى الشيخ عن محمد بن خالد البرقي عن أبي عبد الله
عليه السلام أن عليا عليه السلام صلى في كسوف الشمس ركعتين في أربع سجدات وروى الشيخ أيضا عن يونس بن يعقوب قال قال أبو عبد الله عليه السلام انكسف
القمر فخرج أبي وخرجت معه إلى المسجد الحرام فصلى ثمان ركعات كما يصلي ركعة وسجدتين لأنا نقول هذان الخبران لم يعمل بهما أحد من علمائنا فكانا
مدفوعين وأيضا فهما معارضان للأحاديث المتقدمة وأيضا فإن الحديث الأول رواه محمد بن خالد تارة عن الصادق عليه السلام وتارة عن البختري ولذلك
يوجب تطرق التهمة فيه وأيضا فإن محمد بن خالد ضعيف في الحديث وأما البختري فضعيف أيضا والحديث الثاني يرويه سنان ابن محمد عن الحسن بن أحمد عن يونس بن
يعقوب وهؤلاء لا أعرفهم احتج أبو حنيفة بما رواه قبيصة قال خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى ركعتين فأطال فيهما فلما
انجلت الشمس فانصرف وقال إنما هذه الآيات يخوف الله بها عباده وإذا رأيتموها فصلوا كما حدث صلاة صليتموها من المكتوبة وما رواه النعمان بن بشير
قال خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى ركعتين ولان هذه الصلاة كل ركعة فيها سجدتان وكان فيهما ركوع واحد كسائر
الصلوات واحتج الشافعي بما رواه ابن عباس قال خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى والناس معه فقام قيام طويلا نحوا
من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد وهكذا في الثانية
وروى عائشة صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله في كل ركعة ركوعين وقيامين. والجواب عن الأول: أنه مرسل سلمنا لكن صلاة ركعتين لا ينافي
تكبير الركوع فيهما ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام في زمن رسول الله صلى الله
عليه وآله فعل بالناس ركعتين وطول حتى غشي على بعض القوم ممن كان ورائه من طول القيام فسماهما ركعتين وإن كان عليه السلام في وصفه قد عد
عشر ركعات وهو الجواب عن الحديث الثاني، وعن الثالث: أنه قياس في المقدرات التي لا معنى يفعل جامعا فيها وهو باطل، وعن الرابع: أنه معارض لما رويناه
لولا من حديث علي عليه السلام وأبنائه عليهم السلام ووهم أعرف من ابن عباس وعائشة ومعارض أيضا بحديث أبي بن كعب وبما رواه الجمهور عن جابر أن النبي صلى
الله عليه وآله قام خمس قيامات ولان روايتنا أرجح لما ان (لان) ابن عباس أصغر سنا من علي بن أبي طالب عليه السلام وأبي وعائشة لا تخالط الرجال فيشتبه عليها
فعل النبي صلى الله عليه وآله ولاشتمالها على الزيادة والاثبات. * مسألة: وكيفيتها، أن ينوي ثم يقرأ الحمد وسورة أو بعضها ثم يركع ثم يقوم
فإن كان أتم السورة في الأولى أعاد الحمد وقرأ أخرى أو بعضها وإن كان قرأ بعضها ابتدا بتمامها ولا يجب قراءة الحمد حينئذ وهكذا خمس مرات ثم يسجد
سجدتين ثم يقوم بغير تكبير فيفعل في الثانية كما فعل في الأول ثم يتشهد ويسلم ذهب إليه علماؤنا أجمع. لنا: ما رواه الشيخ في الصحيح عن الرضا عن كليهما
عليهما السلام قالا: تبدأ فتكبر بإفتتاح الصلاة ثم تقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الثانية ثم ترفع رأسك من
الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الثالثة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الرابعة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ
أم الكتاب وسورة ثم تركع الخامسة فإذا رفعت رأسك قلت سمع الله لمن حمده ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتين ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى
قال قلت وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرقها بينها قال أجزأة أم القرآن في أول مرة فإن قرأ خمس سور مع كل سورة أم القرآن والقنوت
في الركعة الثانية قبل الركوع إذا فرغت من القراءة ثم تقنت في الرابعة مثل ذلك في السادسة ثم في الثامنة ثم
في العاشرة. فروع:
[الأول] يستحب الإطالة بقدر زمان الكسوف ولا نعرف فيه خلافا لرواية ابن عباس ومن طريق الخاصة رواية القداح وما رواه الشيخ في الصحيح
عن الرهط عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله والناس خلفه في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ وقد
انجلى كسوفها وما رواه عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن صليت الكسوف فإلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك
350

فإن ذلك أفضل وإن أحببت أن تصلي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف وهو جائز لأنها شرعت لدفع المخوف ولطلب عود النور فتستمر باستمراره.
[الثاني] يستحب قراءة سورة الطوال، وهو قول أهل العلم لما رواه الجمهور عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قام قياما طويلا نحوا من
سورة البقرة وفي حديث عائشة حرزت قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله فرأيت أنه قرأ في الركعة الأولى سورة البقرة وفي الثاني سورة آل
عمران ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن القداح عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وطول حتى غشي على
بعض القوم ممن كان ورائه من طول القيام وما رواه عن أبي بصير قال سألته عن صلاة الكسوف فقال عشر ركعات وأربع سجدات يقرأ في كل ركعة
مثل يس والنور. [الثالث] يستحب إطالة الركوع، وهو قول أهل العلم لحديث عائشة أنه ركع ركوعا طويلا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
عن أبي بصير يقرأ في كل ركعة مثل يس والنور ويكون ركوعك مثل قرائتك وسجودك مثل ركوعك وما رواه في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام ويطول القنوت على قدر القراءة والركوع والسجود. [الرابع] يستحب إطالة السجود ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول أحمد وقال
الشافعي ومالك لا يطيل السجود. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن عمران قال في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يسجد فلم يكد يرفع رأسه
وفي حديث عائشة ثم رفع ثم سجد سجودا طويلا ومن طريق الخاصة قول أبي جعفر عليه السلام في رواية محمد بن مسلم وزرارة ويطيل الركوع
والسجود في رواية أبي بصير ويكون ركوعك مثل قرائتك وسجودك مثل ركوعك ولأنه أحد الأركان فأشبه الركوع والقيام ولأنه أبلغ في
الخشوع فكان إطالته أبلغ في تحصيل المطلوب احتج المخالف بأن إطالة السجود لم ينقل والجواب: أن أبا داود نقل حديث ابن عمر والبخاري حديث
عائشة وعدم نقله في خبر لا يدل على عدم نقله مطلقا. [الخامس] قال علماؤنا: يستحب في صلاة الكسوفين الجهر بالقراءة، وبه قال مالك و
أبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وابن المنذر وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يجهر في كسوف الشمس ويجهر في كسوف القمر. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة
أن النبي صلى الله عليه وآله صلى صلاة الكسوف وجهر فيها بالقراءة وعنها أن النبي صلى الله عليه وآله جهر في صلاة الخسوف وعن علي عليه السلام
أنه صلى الكسوف جهر بالقراءة وفعله عبد الله بن يزيد في حضرة البراء بن عازب وزيد بن أرقم ولم ينكرا عليه ومن طريق الخاصة ما رواه ابن
يعقوب في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ويجهر بالقراءة ولأنها صلاة إحدى الآيتين فاستحب لها الجهر كالأخرى احتج
المخالف بما روته عائشة قالت حضرت قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله ولو جهر لم يفتقر إلى التخير وعن ابن عباس عنه عليه السلام قام قياما طويلا نحوا من
سورة البقرة وعن ثمرة (سمرة) أن النبي صلى الله عليه وآله صلى في خسوف القمر فلم أسمع له صوتا ولأنها صلاة النهار فلم يجهر فيها ولأنها صلاة النهار فيكون
إخفاتا كالظهر. والجواب عن الأول: أن راويه ابن إسحاق وهو ضعيف وأيضا فإنه تحمل أنها لم يسمعها لبعده أو أنه قرأ عن البقرة وقدرها وهو الجواب
عن حديث ابن عباس وحديث ابن ثمرة لا يدل لجواز بعده عنه ويؤيده أنه قال دخلت المسجد وفيه الرخام وأيضا فإنه نفي لا يعارض حديث الاثبات وعن القياس
بالنقض بالجمعة والعيدين والاستسقاء والقياس على صورة النقض أولى للندور. [السادس] زعم ابن إدريس أن قراءة الحمد لا يجب تكريرها
في كل قيام إلا في الأول وأول الثانية سواء أتم قراءة الحمد أو لا لأنها ركعة واحدة وهو مخالف الفتاوي الأصحاب وأحاديثهم الصحيحة. [السابع]
روى ابن يعقوب في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه كان يستحب أن يقرأ فيها بالكهف والحجر إلا أن يكون إماما يشق
على من خلفه وفي رواية أبي بصير يقرأ يس والنور وإن لم يحسن فستين آية وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد في الأولى بالبقرة أو عدد آياتها وفي
الثانية بآل عمران أو عدد آيها وفي كل سابقة عقل (تخصل) من لاحقه والكل جائز. * مسألة: وكلما انتصب من الركوع كبر إلا في الخامس والعاشرة
فإنه يقول سمع الله لمن حمده وهذا مستحب ذهب إليه علماؤنا وقال الجمهور ويقول في كل رفع سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد. لنا: أن التكبير أعظم
في الاجلال وأبلغ في الاعتراف بالتعظيم فكان أولى ولان الركعات بمنزلة ركعة واحدة فكان ذلك في آخرها وما رواه الشيخ وابن يعقوب
في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ويرفع رأسك بتكبير إلا في الخامسة التي يسجد فيها ويقول سمع الله لمن حمده وفي حديث
الرهط عنهما عليهما السلام ثم يركع الخامسة فإذا رفعت رأسك قلت سمع الله لمن حمده احتجوا بحديث عائشة في صفة صلاة رسول الله صلى الله
عليه وآله ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده. والجواب: أنه يمتعون (مطعون) فيه بأن راويه ابن إسحاق وأيضا يحتمل أنه كان يقول ذلك في الخامس والعاشر
وهو قولنا. * مسألة: ويستحب القنوت في القيام الثاني قبل الركوع والرابع والسادس والثامن والعاشر خلافا للجمهور لأنه مظنة إجابة
فكان مشروعا للحاجة كما قنت النبي عليه السلام على كثير من المشركين وروى الشيخ في الصحيح عن الرهط عنهما عليهما السلام والقنوت في الركعة الثانية قبل
الركوع إذا فرغت من القراءة ثم تقنت في الرابعة مثل ذلك ثم في السادسة ثم في الثامنة ثم في العاشرة روى الشيخ وابن يعقوب في الصحيح عن زرارة
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ويقنت في كل ركعتين قبل الركوع ورواه ابن بابويه في الصحيح عن أذينة قال ابن بابويه وإن لم يقف إلا
في الخامس والعاشر فهو جائز لورود الخبر به. * مسألة: ويستحب أن يصلي تحت السماء وقال الشافعي: يصلي في المساجد وأطلق. لنا: أن البروز
تحت السماء فيه خشوع وخضوع فكان مشروعا كالاستسقاء وروى الشيخ وابن يعقوب في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
351

فإن استطعت أن تكون صلاتك بارزة لا يجنك بيت فافعل. * مسألة: وروى الشيخ وابن يعقوب في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
وصلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر وهما سواء في القراءة أو الركوع والسجود. * مسألة: ويستحب فيها الجماعة وإن صلاهما منفردا
جاز وبه قال الشافعي ومالك و أحمد وقال أبو حنيفة: لا يستحب الاجماع في خسوف القمر وقال الثوري ومحمد: إن صلى الامام صلى معه وإلا فلا. لنا: على استحباب
الاجتماع ما رواه الجمهور عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج إلى المسجد فصف الناس ورائه وصلى ابن عباس في البصرة بخسوف القمر جماعة
ولأنه أحد الكسوفين فيسن فيه الجماعة كالآخرة ولأنهما عندنا واجبتان لما شاء من الاجتماع في الفرائض مستحبا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في
الحسن عن علي عن أبي عبد الله عن أبي الحسن موسى عليه السلام لما كسف الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نزل فصلى بالناس صلاة الكسوف
وفي الصحيح عن الرهط عنهما عليهما السلام صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله والناس خلفه ونحوه روى عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عليه السلام
عن أبيه عن آبائه عليهم السلام وعلى الصلاة حالة الانفراد أنها فريضة فلا يفوت بقراءة الجماعة كالخمس وما رواه الشيخ عن روح بن عبد الرحيم
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الكسوف يصلي جماعة قال جماعة وغير جماعة وروى الشيخ عن محمد بن يحيى الساباطي عن الرضا عليه السلام
عن صلاة الكسوف تصلي جماعة أو فرادى فقال أي ذلك شئت. فرع: إذا استوعب الكسوف القرص كان استحباب الاجتماع أكبر (أكثر) لما رواه الشيخ
عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس أن يفرغوا إلى إمام صلى بهم وأيهما كسف
بعضه فإنه يجزي الرجل أن يصلي وحده. فرع آخر: لو سبق المأموم بركوعه فالأقرب قراءة تلك الركعة وبه قال بعض الجمهور خلافا لآخرين منهم لان
الركوع ركن فيها وقد فات ولا يتحمله الامام فينبغي المتابعة في باقي الركعات إلى أن يقوم الامام في ثانية ويبتدي المأموم بالصلاة فإذا سلم
الامام أتمه هو الثانية. [البحث الثالث] في الاحكام، * مسألة: وأول وقت صلاة الكسوف ابتداؤه وهو مذهب
علماء الاسلام لان النبي صلى الله عليه وآله قال: فإذا رأيتم ذلك فصلوا والرواية ممتنعة بدون الوجوب وأما آخره فقال الشيخ والمفيد وسلار
وابن إدريس وأبي حمزة: الابتداء في الانجلاء وقال أبو الصلاح: وقتها ممتد بمقدار الكسوف والخسوف وهو اللائح من كلام السيد المرتضى وابن أبي عقيل
فعلى هذا أخره إذا انتهى الانجلاء وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأحمد وهو الأقرب عندي. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله فإذا رأيتم ذلك
فافزعوا إلى الصلاة حتى ينجلي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن صليت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس
والقمر وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل والذهاب إنما يكون بالانجلاء التام وما رواه في الصحيح عن الرهط عنهما عليهما السلام صلاها رسول الله
صلى الله عليه وآله والناس خلفه في كسوف الشمس وفرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها ولأنه يستحب إعادتها قبل الانجلاء لما يأتي وإنما يكون ذلك
في الوقت ولان المقتضي هو الخوف ولا يزول إلا بعود النور بأسره فيمتد وقت الصلاة لاستدفاعه احتج الشيخ بما رواه في الصحيح عن حماد بن عثمان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكروا انكساف القمر وما يلقى الناس من شدته قال فقال أبو عبد الله عليه السلام إذا انجلى منه شئ فقد انجلى والجواب: يحتمل
أنه أراد التساوي في إزالة الشدة لاتيان الوقت فلا حجة فيه حينئذ. * مسألة: والأقرب عندي في الرياح والزلازل وما يشبهها من الآيات السريعة
زوالها أن وقتها العمر كله وهذه الأشياء علامات للوجوب وأساب له لا أنها أوقات. * مسألة: ولو خرج الوقت في الكسوفين ولم يفرغ منه
أتمها رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام فإذا انجلى قبل أن يفرغ من صلاتك فأتم ما بقي. * مسألة: ولو لم يصل
الكسوف مع العلم باحتراق القرص بأسره وجب عليه القضاء إجماعا منا روى الشيخ عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا انكسف القمر فاستيقظ
الرجل فكسل أن يصلي فليغتسل من غد وليقض الصلاة وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل وعن عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصل فعليك قضائها ولأنها فريضة فاتت فوجب قضاؤها كالخمس. فروع:
[الأول] لو فاتت نسيانا قال في المبسوط والنهاية لا يقضي إذا احترق بعضه ويقضي لو احترق كله وقال ابن إدريس يقضي مطلقا وهو الأقوى عندي
لقوله عليه السلام من فاتته الصلاة فريضة فليقضها إذا ذكرها وقوله من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها. [الثاني] لو لم يعلم
واحترق بعضه ثم علم بعد الانجلاء قال الشيخ في التهذيب لا يقضي وقال المفيد يقضي فرادى والأقرب عندي الأول لما رواه الشيخ عن حريز قال قال
أبو عبد الله عليه السلام: إذا انكسف القمر ولم تعلم به حتى أصبحت ثم بلغك فإن كان قد احترق كله فعليك القضاء وإن لم يكن احترق كله فلا قضاء
عليك وما رواه في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا انكسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم وعلمت بعد ذلك فعليك
القضاء وإن لم يحرق كلها فليس عليك القضاء وما رواه عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام وإن لم تعلم حتى يذهب الكسوف ثم علمت بعد ذلك فليس عليك
صلاة الكسوف وما رواه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: إذا انكسفت الشمس وانا في الحمام فعلمت بعد ما خرجت فلم أقض وما رواه ابن
بابويه عن محمد بن مسلم والفضل بن يسار أنهما قالا لأبي جعفر عليه السلام أتقضى صلاة الكسوف ومن إذا أصبح فعلم وإذا أمسى فعلم؟ قال: إن كان
القرصان احترقا كلاهما قضيت وإن كان إنما احترق بعضها فليس عليك قضاؤه ولأنها لم يجب أدائها فلا يجب قضائها عملا بالأصل السليم
352

عن معارضة الوجوب لاستحالة تكليف الغافل أولا. [الثالث] لو احترق القرص وجب القضاء على كل حال سواء فاتت عمدا أو سهوا أو جهلا لوقوعها
أو وجوبها ذهب إليه أكثر علمائنا خلافا للجمهور. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله من فاتته صلاة فليقضها إذا ذكرها ومن
طريق الخاصة ما تقدم من الروايات الدالة على الوجوب مع احتراق القرص كله ولان القول بوجوب الأداء مع القول بعدم القضاء على هذه
الصفة مما لا يجتمعان إجماعا والأول ثابت والثاني: منتف قطعا احتجوا بقوله إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة حتى ينجلي وحتى للغاية
فلا يجب بعدها ولان المطلوب منها؟ رد؟ النور فمعه لا فائدة في الصلاة. والجواب عن الأول: بأن ما ذكروه غاية للأداء وذلك لا يستلزم عدم القضاء وعن الثاني:
بالمنع من كونه غاية ولو سلم فطلب رده لا يستلزم عدم الشكر بالصلاة على ابتداء ردة وما ورد من الأحاديث الدالة على وجوب القضاء مطلقا
فمحمولة على ما ذكرناه في التفصيل. [الرابع] لو سترت الشمس أو القمر بالسحاب وهما منكسفان صلى عملا بالأصل الدال على الاستمرار ولو غابت
الشمس كاسفة أو طلعت على القمر المنخسف صلى أيضا عملا بالعموم وقال الجمهور لا يصلي لأنه ذهب وقت الانتفاع بنورهما ولأنه فات وقتها فلا
يطلب عود نورها لاستحالته وهو مبني على التعليل ولو غاب القمر ليلا في حال انخسافه صلى أيضا وهو مذهب الشافعي خلافا لبعض الجمهور
عملا بالعموم لان وقته باق وسلطانه لم يزل وجميع الليل وقت له ويدعو الحاجة فيه فكان كاستتار الشمس بالسحاب وقال بعضهم لا يصلي لان ما يصلى
له قد غاب فأشبه غيبوبة الشمس المنكسفة ولو طلع الفجر على القمر المنخسف صلى أيضا عندنا للعموم وبه قال الشافعي في الجديد وقال في القديم
الأصل لأنه بطلوع الفجر قد زال وقته وسلطانه لأنه من النهار فأشبه ما لو طلعت الشمس ولو ابتداء خسوفه وقت طلوع الفجر صلى عندنا للعموم
وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم لا يصلي لان استدامة أقول من الابتداء وقد قلنا أنه لا يصلي هنا. * مسألة: وتجب هذه الصلاة
على النساء والرجال والخناثى والمسافر والحاضر والعبد والحر ولا يشترط إذن الإمام ولا المصر روت أسماء بنت أبي بكر قال فرغ رسول الله صلى
الله عليه وآله يوم كسفت الشمس فقام قياما فرأيت المرأة التي هي أكبر مني والمرأة التي هي أصغر مني قائمة فقلت أنا أحرى بالصبر على طول القيام ويجوز
لهن أن يصلين جماعة وفرادى وترك حضورهم جماعة الرجال أولى سواء كن عجائز أو ذات هيئة. * مسألة: يستحب للحائض أن تجلس مصلاها
تذكر الله تعالى بعد الوضوء بقدر زمان الكسوف وكذا النفساء. * مسألة: ولو فرغ من الصلاة ولم ينجل الكسوف أعاد الصلاة استحبابا
ذهب إليه أكثر علمائنا وقال آخرون منا يعاد وجوبا وقال ابن إدريس لا يعاد وجوبا ولا استحبابا بل يستحب الدعاء وذكر الله تعالى إلى أن ينجلي و
هو مذهب الجمهور. لنا: على عدم الوجوب الأصل وما رواه الشيخ عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام وإن أحببت أن تصلي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب
الكسوف فهو جائز وما رواه في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعدوا وادعوا الله حتى ينجلي ولان الامر
لا يدل على التكرار ويدل على الاجزاء. لنا: على الاستحباب ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال قال أبا عبد الله عليه السلام صلاة الكسوف
إذا فرغ قبل أن ينجلي فأعد وهذا أمر لا يمكن حمله على الوجوب للروايتين المتقدمين فتحمل على الاستحباب ولان المقتضي لمشروعية الصلاة وهو
الحذر موجود فيكون مشروعا احتج القائلون بالوجوب برواية ابن عمار والجواب: قدمنا الوجه فيها احتج ابن إدريس بعدم الدليل على الاستحباب
والوجوب والجواب قد بينا دليل الاستحباب. * مسألة: ولا يستحب فيها الخطبة ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي
يخطب كخطبتي الجمعة ولم يفعل على أحد شئ. لنا: الأصل عدم التكليف ولأنها صلاة يفعلها المنفرد في بيته فلم يشرع لها خطبة كالخمس احتج الشافعي بما
روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله أنصرف وقد انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله
لا تخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروه وصلوا وتصدقوا ثم قال يا أمة محمد والله يا أمة محمد ما أحد غير من الله أن يؤتي عبده أو يؤتي أمته يا
أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا والجواب: هذا الحديث غير دال على المطلوب فإنه عليه السلام أمرهم بالصلاة والدعاء والتكبير و
الصدقة ولم يأمرهم بالخطبة ولو كانت مشروعة أمرهم وإنما خطب لفعلهم وجوب الصلاة وليس ذلك خطبة. * مسألة: لو أتفق الكسوف في
وقت صلاة فريضة فالذي ينبغي تحصيله أن الوقتين إن اتسعا تخير في أيهما شاء فبدأ بها ثم صلى الأخرى وإن ضاق وقت إحديهما تعينت فصلى
الأخرى ولو تعينه فاصلي الحاضرة لكن الشيخ قد اختار لنفسه في النهاية مذهبا عجبا وهو البدء
بالحاضرة مطلقا قال ولو دخل بالكسوف ثم دخلت الحاضرة قطع وصلى الحاضرة ثم عاد فأتم الكسوف واختار السيد المرتضى في المصباح. لنا:
أنهما فرضان اجتمعا ولا أولوية والجمع محال وتعين أحدهما للوجوب ينافي وجوب الآخر فوجب القول بالتخيير وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن
محمد بن مسلم ويزيد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصليهما ما لم تتخوف
أن يذهب وقت الفريضة. فروع: [الأول] لو دخل في الكسوف وخاف فوت الحاضرة قطعها إجماعا فصلى الحاضرة ثم عاد إليها قال
علماؤنا ثم يتم الكسوف لما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن صلاة الكسوف قبل أن
تغيب الشمس ويخشى فوت الفريضة فقال اقطعوها وصلوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي
353

عبد الله عليه السلام جعلت فداك ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة فإن صلينا الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة؟ فقال: إذا خشيت
ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم عد فيها وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن يزيد بن معاوية ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام قالا: فإن تخوفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت بدأت فيه من صلاة الكسوف فإذا فرغت عن الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت واحتسب بما
مضى لا يقال أن الفعل الكثير مبطل والفريضة فعل كثير لأنا نقول ذلك عام وما ذكرناه خاص فيكون مقدما. [الثاني] لو صلى الحاضرة فانجلى الكسوف فإن
صلى مع تضيق الحاضرة فالوجه عدم القضاء لاستحالة التكليف بفعلين مع ضيق الوقت عنه هذا مع عدم التفريط أما مع وجوده فإنه يقضي
قطعا وكذا لو صلى مع السعة سواء غلب على ظنه بقاء الكسوف أو لا ولو قيل لو غلب على ظنه بقاؤه لا يجب عليها القضاء كان وجها. [الثالث]
لو اجتمعت مع صلاة الجنازة والاستسقاء والعيد بدأ بما يخاف فوته لو لغيرة ولو تساووا في اتساع الوقت بدء بالجنازة ثم بالعيد ثم بالاستسقاء.
[الرابع] لو اجتمعت مع النافلة قد؟ است؟ صلاة الكسوف لأنها فرض سواء كانت نافلة مؤقتة أو لا راتبة أولا ذهب إليه علمائنا أجمع وبه قال
الشافعي وقال احمد تقدم ما تخشى فوته فإن اتسع وقتاهما بدأ بآكدهما. لنا: أنها واجبة فتكون أولى بالتقديم وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام قلت فإذا كان الكسوف آخر الليل فصلينا صلاة الكسوف فاتتنا صلاة الليل فبأيتهما نبدأ؟ فقال: صل صلاة الكسوف واقض
صلاة الليل حين تصبح وما رواه ابن يعقوب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة فقال:
ابدأ بالفريضة فقيل له في وقت صلاة الليل فقال: صل صلاة الكسوف قبل صلاة الليل. [الخامس] لو تضيق وقت الكسوف حتى لا يدرك ركعة
لم يجب ولو أدركها فالوجه الوجوب لان إدراك الركعة بمنزلة إدراك الصلاة. [السادس] لو قصر الوقت عن أقل صلاة يمكن لم تجب على
إشكال. * مسألة: ويصلي في كل وقت وإن كان وقت كراهية النوافل ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين
عنه وفي الأخرى أنه لا يصلي في الأوقات المكروهة وهو قول ابن مالك وأبي حنيفة. لنا: قوله عليه السلام فإذا رأيتم ذلك فصلوا ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند
غروبها وما رواه في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام مثله ولأنها صلاة واجبة فلا يكره في وقت من الأوقات كقضاء الفرائض
احتجوا بأنه قد نهى عن فعل النوافل في الأوقات المعينة. والجواب: أنا قد بينا وجوبها فلا يتناولها النهي. * مسألة: ولا يصلي على الراحلة مع
الامكان وقال ابن الجنيد: استحب أن يصليها على الأرض وإلا فبحسب حاله وقال الجمهور يجوز أن يصلي على الراحلة. لنا: أنها واجبة وقد مضى وجوب الصلاة
على الأرض في الفرائض وما رواه الشيخ عن علي بن الفضل الواسطي قال كتبت إلى الرضا عليه السلام إذا انكسف الشمس والقمر وأنا راكب لا أقدر
على النزول قال فكتب إلي صل على مركبك الذي أنت عليه والتعلق بالوصف يقتضي التخصيص ظاهرا. تتمة: وروى الشيخ عن علي بن مهزيار
قال كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام شكوت إليه كثرة الزلازل في الأهواز وقلت ترى لي التحويل عنها فكتب عليه السلام لا تتحولوا عنها وصوموا الأربعاء
والخميس والجمعة واغتسلوا وطهروا ثيابكم وابرزوا يوم الجمعة وادعوا الله فإنه يدفع عنكم قال ففعلنا ذلك فسكنت الزلازل وروى عن ابن
يقطين قال قال أبو عبد الله عليه السلام من أصابته زلزلة فليقرأ يا من يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا ان أمسكهما من أحد من بعده
أنه كان حليما غفورا صل على محمد وآل محمد وآل محمد وأمسك عنا السوء إنك على كل شئ قدير قال إن من قرأها عند النوم لم يسقط عليه البيت
إن شاء الله تعالى وروى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام إن الصاعقة تصيب المؤمن والكافر ولا تصيب ذاكرا. [المقصد الرابع]
في بقية الصلوات المندوبة وفيه مباحث.
{الأول} في صلاة الاستسقاء، * مسألة: أجمع كل من يحفظ عنه العلم على استحباب صلاة الاستسقاء
عند الجدب إلا أبا حنيفة فإنه لا يسن لها الصلاة بل الدعاء. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في الاستسقاء متذللا
متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيدين وما رواه عن عبد الله بن زيد قال استسقى النبي صلى الله عليه وآله
فصلى ركعتين وقلت رواه ما رووه عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله وأبا كر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعا وخمسا وما رووه
عن عائشة أن النبي دعا ثم نزل فصلى ركعتين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في الاستسقاء قال يصلي ركعتين
ويقلب ردائه وفي الحسن عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن صلاة الاستسقاء فقال مثل صلاة العيدين احتج أبو حنيفة بما رواه انس قال
أصاب أهل المدينة قحط وبينا رسول الله صلى الله عليه وآله يخطب إذ قام رجل فقال هلك الكراع والنساء فادعوا لله تعالى أن يسقينا فمد رسول
الله صلى الله عليه وآله يديه ودعا قال أنس وإن السماء كمثل الزجاجة فهبت ريح ثم أنشأت سحابا ثم اجتمعت ثم أرسلت غراليها؟؟ فخرجنا نخوض الماء
حتى أتانا منازلنا فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى فقام إليه الرجل أو غيره فقال يا رسول الله هدمت البيوت وامتهن الركبان فادعوا الله أن يحبسه فتبسم
رسول الله صلى الله عليه وآله قال حوالينا ولا علينا فنظرت إلى السحاب يتصدع حوالي المدينة كأنه إكليل واستسقى عمر بالناس فأخذ؟ بصنعته؟ وأشخصه
قائما وأومى به نحو السماء وقال اللهم إنا جئناك نستسقيك ونستشفع إليك نعم نبيك وليس في ذلك صلاة والجواب أن الصلاة غير واجبة فلا يدل تركها على
عدم فعلها مع ثبوته بحصول الاكتفاء بالدعاء أحيانا. * مسألة: وهي ركعتان في قول أهل العلم إلا من شذ وإنما الخلاف في الكيفية فالذي
354

عليه علماؤنا أجمع أنها كالعيد يقرء ويكبر سبعا في الأولى وخمسا في الثانية وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد
العزيز وداود وحكي عن ابن عباس وقال أحمد في رواية أنها ركعتان كالتطوع وهو مذهب مالك والأوزاعي وأبي ثور وإسحاق. لنا: ما رواه الجمهور
في حديث ابن عباس وجعفر بن محمد عليهما السلام ومن طريق الخاصة حديث هشام بن الحكم وحديث علقمة بن
زيد عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليهما السلام أن
رسول الله صلى الله عليه وآله صلى للاستسقاء ركعتين وبدأ بالصلاة قبل الخطبة وكبر سبعا وجهر بالقراءة احتج المخالف بحديث عبد الله بن
زيد فإنه لم يذكر فيه التكبير وكذا في حديث أبي هريرة والجواب أنها مع التكبير ركعتان أيضا وكما لم يذكر التكبير لم يذكر عدمه فينبغي على الاحتمال فلا
يعارض النص الدال على الثبوت. * مسألة: ويقنت بين التكبيرات كالعيد إلا أن الدعاء هنا للاستغفار وسؤال الرحمة وإرسال الغيث وأفضل
ما يذكر في القنوت ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام فإنه أعرف بما يناجي به الرب تعالى. * مسألة: ويتقدم الامام الناس ليصوموا ثلاثة أيام و
يخرج بهم يوم الثالث وقال الشافعي يصومون ثلاثا ويخرجون يوم الرابع أما استحباب الصوم فلقوله عليه السلام وعن الصائم لا يرد وما رواه
الشيخ عن حماد سراج عن أبي عبد الله عليه السلام أنه أمر محمد بن خالد أن يأمر الناس بالصيام ثلاثا ويخرج بهم يوم الثالث فلهذه الرواية ولما رواه
الشيخ وابن يعقوب معا عن مرة مولى خالد قال صاح أهل المدينة إلى محمد بن خالد في الاستسقاء فقال لي انطلق إلى أبي عبد الله عليه السلام فاسأله ما
رأيك فإن هؤلاء قد صاحوا إلي فأتيته فقلت له فقال لي قل له فليخرج قلت له متى يخرج جعلت فداك قال يوم الاثنين قلت كيف يصنع قال يخرج المنبر
ثم يخرج يمشي كما يمشي يوم العيدين وبين يديه المؤذنون في أيديهم؟ عنزهم؟ حتى إذا انتهى إلى المصلى يصلي بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة ثم يصعد
المنبر فيقلب ردائه فيجعل الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه ثم يستقبل القبلة فيكبر الله مائة تكبيرة رافعا بها صوته ثم يلتفت إلى الناس
عن يمينه فيسبح الله مائة تسبيحة رافعا بها صوته ثم يلتفت إلى الناس عن يساره فيحلل الله مائة تهليلة رافعا بها صوته ثم يستقبل السماء فيحمد الله مئة
تحميدة ثم يرفع يديه فيدعو ثم يدعون فإني لأرجو أن لا تخيبوا قال ففعل فلما رجعنا قالوا هذا من تعليم جعفر. فروع: [الأول] يستحب أن يكون الخروج يوم الاثنين بهذه الرواية
وقال أبو الصلاح يخرج يوم الجمعة بعد أن يصوموا الأربعاء والخميس والجمعة ويمكن أن يكون استناده بما روي من أن العبد يسأل الله فربما أخرت
إجابته إلى الجمعة ولا بأس بذلك. [الثاني] قال السيد المرتضى: يخرج المنبر وقال بعض أصحابنا لا ينقلب بل يعمل منبرا من طين كالعيد واختاره ابن إدريس
ونقل (لعل) استناد السيد إلى رواية مرة. * مسألة ويستحب الجهر بالقراءة لأنهما كالعيدين لما رواه الشيخ في الحسن عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سألته عن صلاة الاستسقاء قال مثل صلاة العيدين وما رواه عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام أن رسول الله صلى
الله عليه وآله جهر بالقراءة ويستحب أن يقرأ في الأولى منهما بسبح وفي الثانية بالغاشية كما قلنا في العيد. * مسألة: ويستحب أن يصلي في الصحراء
إلا بمكة ذهب إليه علماؤنا أجمع وأكثر أهل العلم لما رواه ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج متذللا متواضعا متحنكا متضرعا
حتى أتى المصلى ومن طريق الخاصة رواية هشام انها مثل العيدين وما رواه الشيخ عن أبي البختري عن أبي عبد الله (ع) أنه قال قضت السنة انه لا
يستسقي الا بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء ولا يستسقي في المساجد إلا بمكة. * مسألة: ويستحب أن يخرج الناس حفاة على سكينة ووقار
متذللين خاضعين كما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله ويستحب اخراج الشيوخ الكبار والأطفال الصغار والعجائز لأنهم أقرب إلى رحمة الله
ولا يخرج الشواب من النساء لحصول الافتتان بخروجهن وذلك مناف للغرض ويفرق بين الأطفال وأمهاتهن فإن ذلك مقتض لكثرة البكاء بين
يدي الله تعالى لقرب الإجابة قال بعض أصحابنا ويخرج البهائم خلافا لأحمد. لنا: أن الرحمة قد يحصل لهم وروى ابن بابويه عن حفص بن غياث
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سليمان بن داود عليهما السلام خرج ذات يوم مع أصحابه فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلى السماء وهي تقول اللهم أنا خلق
من خلقك لا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم فقال سليمان لأصحابه أرجعوا فقد سقيتم بغيركم. * مسألة: ويمنع أهل الذمة والكفار
من الخروج وقال أحمد لا يستحب إخراجهم وإن خرجوا لم يمنعوا ويؤمرون بالانفراد من المسلمين لئلا يصيبهم عذابا فيعم كما أرسل على قوم عاد ريح
صرصر ثم استغامهم (استسقوا معهم). لنا: أنهم أعداء الله وأنهم مغضوب عليهم وقد بدلوا نعمة الله كفرا فهم يبعدون من الإجابة قال الله تعالى: (وما دعاء الكافرين
إلا في ضلال) وقد روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنهم جاء أصحاب فرعون إليه فقالوا عاد ماء النيل وفيه هلاكنا فقال انصرف اليوم فلما لو كان
من الليل توسطه النيل ورفع يديه إلى السماء وقال اللهم إنك تعلم وإني لأعلم أنه لا يقدر أن يجئ بالماء إلا أنت فجئنا به فأصبح النيل فيدفق فعلى
هذه الرواية لو خرجوا جاز أن لا يمنعوا لأنهم يطلبون أرزاقهم من الله وقد ضمنها لهم في الدنيا فلا يمنعون من طلبها فلا يبعد إجابتهم وقول من قال
أنهم ربما ظنوا أن ما حصل من السقيا بدعائهم ضعيف لأنه لا يبعد أن يتفق نزول الغيث يوم يخرجون بانفرادهم فيكون أعظم لقبلتهم. * مسألة:
ويستحب أن يستسقى بأهل الصلاح روى ابن بابويه أن أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله استسقى ثم أمر الحسن عليه السلام بالدعاء وروى ابن عباس أن عمر بن
الخطاب استسقى بالعباس. * مسألة: ويستحب للامام أن يأمرهم بالخروج من المعاصي والصدقة وترك التشاجر فإن المعاصي سبب للجدب قال
الله تعالى (ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) وروى ابن بابويه والشيخ عن عبد الرحمن بن كثير عن الصادق
355

عليه السلام قال إذا فشت أربعة ظهرت أربعة إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل، وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية، وإذا جار الحكام في القضاء أمسك القطر من
السماء، وإذا حضرت الفرقة نصر المشركون وروى ابن بابويه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إذا غضب الله تعالى على أمة ثم لم يزل به العذاب على
أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح تجارها ولم تدك ثمارها ولم تعذر (تعذب) أنهارها وحبس عنها أمطارها وسلط عليه شرارها ويستحب أن يأمرهم
بالاستغفار وقت الصلاة لقوله تعالى: (فقلت استغفروا ربكم أنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا). * مسألة: ولا أذان ولا إقامة فيها وهو
اتفاق كل من يحفظ عنه العلم بل يقول المؤذن الصلاة ثلاثا وقال الشافعي يقول الصلاة جامعة ولا يشترط فيها إذن الإمام سواء صليت جماعة أو فرادى
وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ولأحمد روايتان. لنا: أن العلة طلب الماء فلا يشترط فيها إذن الإمام كغيرها من النوافل قالوا صلاها رسول الله صلى الله
عليه وآله ولم يأمر بها فلا شرع إلا في مثل تلك الصفة قلنا فعله دل على المشروعية مطلقا ويصلي جماعة وفرادى وهو قول أهل العلم وقال أبو حنيفة
في رواية لا جماعة فيها ولو صليت وحدانا جاز. لنا: أن رواية أنس وابن عباس أنه صلى الله عليه وآله صلى بهم ركعتين ومن طريق الخاصة رواية مرة
إذا انتهى إلى المصلى صلى بالناس ركعتين وإن بالاجماع قد يحصل البركة قال عليه السلام من صلى صلاة جماعة ثم سأل الله حاجة قضيت له وقال عليه السلام
الجماعة رحمة ويصلي في كل وقت وإن كان وقت كراهية لأنها من ذوات الأسباب. * مسألة: ويستحب للامام أن يحول رداؤه بأن يجعل ما على اليمين
ما على اليسار وما على اليسار على اليمين بعد الصلاة ولا يستحب ذلك بغيره وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وثوري والليث وأبو يوسف ومحمد وقال
الشافعي يستحب للامام والمأموم التحويل بأن يجعل طرفه الأسفل الذي على شقه الأيمن على عاتقه الأيسر وطرفه الأسفل الذي على شقه الأيسر على
عاتقه الأيمن وإن حول ولم ينكسه أجزئه وهو قول الشيخ رحمه الله في المبسوط وأحمد ومالك وعمر بن عبد العزيز إلا أنهم خالفوا الشافعي في الكيفية
فقالوا فيها كقولنا وقال أبو حنيفة لا يستحب التحويل للامام والمأمومين. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وآله
حول رداؤه وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وعطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن هشام بن الحكم
عن أبي عبد الله عليه السلام فإذا سلم الامام قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر والذي على الأيسر على الأيمن فإن النبي صلى
الله عليه وآله كذلك صنع وفي حديث مرة لم يقلب رداؤه وفي حديث هشام فإذا سلم الامام قلب ثوبه احتج الشافعي بما رواه أبو داود أن النبي صلى الله
عليه وآله استسقى وعليه خميصة سوداء فإذا دان يجعل أسفلها أعلاها فلما تقلب عليه جعل العطاف الذي على عاتقه الأيمن والذي على الأيمن
على عاتقه الأيسر والجواب أن هذا خبر من الراوي فلا يترك لأجله فعل النبي صلى الله عليه وآله مع أن أحدا لم ينقل أسفله أعلاه ويبعد
أن يكون النبي صلى الله عليه وآله ترك ذلك في جميع الأوقات لنقل الرداء قال أصحاب الشافعي أن الانتكاس إنما يكون في الرداء المربع أما المقود فإنه
كما قلنا احتج أبو حنيفة بأنه دعاء فلا يستحب له تغيير الثياب كغيره من الأدعية والجواب: أنه قد ثبت فعله عليه السلام. * مسألة: ويستحب للامام
أن يستقبل القبلة ويكبر الله مائة ثم يتحول إلى الجانب الأيمن ويسبح الله مائة ثم الأيسر فيهلل الله مئة ثم يستقبل الناس فيحمد الله مئة رافعا بذلك
صوته والناس يتبعونه في ذلك لرواية مرة وللجهل بالجهة التي يأتي منها الرحمة فشرع الاستغفار في الجميع. * مسألة: ويخطب الامام خطبتين
ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال مالك والشافعي وقال أحمد وأبو حنيفة: لا يخطب أصلا وفي رواية عن أحمد أنه يخطب خطبة واحدة. لنا: ما رواه الجمهور
عن أبي هريرة قال صلى رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتين ثم خطب وما رووه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله صنع
كما صنع في العيد ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وآله بدأ بالصلاة قبل
الخطبة وفي حديث هشام قال سألته عن صلاة الاستسقاء قال مثل صلاة العيدين ولأنها أشبهتها في التكبير والهيئة فأشبهتها في الخطبتين
احتج أبو حنيفة بما رواه ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يخطب خطبتكم هذه والجواب لا دلالة على نفي الخطبة إذ خطبة الاستسقاء
مغايرة للخطبة في الجمعة. فرعان [الأول] الخطبة بعد الصلاة ذهب إليه علماؤنا وهو قول مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وأحمد في إحدى الروايتين
قال ابن عبد البر وعليه جماعة الفقهاء وقال عمر وبن الزبير وأبان بن عثمان والليث بن سعيد وأحمد في الرواية الأخرى أنها قبل الصلاة. لنا: ما رواه
الجمهور عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه صلى ركعتين ثم خطب وقول ابن عباس صنع كما صنع في العيدين ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ عن طلحة بن زيد وقد تقدم ولأنها صلاة ذات تكبيرة أشبهت العيد لا يقال قد روى الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة لأنا نقول أن في طريقها أبان بن عثمان وفيه قول لا يقال وكرواية التي نقلتموها في طريقها طلحة بن زيد
وهو بتري فلا ترجيح لأنا نقول الترجيح من وجهين، الأول: موافقة عمل الأصحاب، الثاني: رواية هشام الدال على المساواة بينها وبين العيدين.
[الثاني] ذهب الشيخ المفيد والمرتضى: أن التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد بعد الخطبة وذهب الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله إلى أنه
مقدم ولو لم يحسن الخطبة دعا بدلها. * مسألة: ولو تأخرت الإجابة خرجوا ثانيا وثالثا إلى أن يجابوا ذهب إليه علماؤنا وبه قال مالك
والشافعي وأحمد وقال إسحاق لا يخرج إلا مرة واحدة. لنا: قوله عليه السلام: أن الله يحب الملحين في الدعاء ولان الحاجة باقية فكان طلبها بالدعاء مشروعا
356

ولأنها صلاة يستدفع بها إذن فكانت كالأول احتج إسحاق بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يخرج إلا مرة واحدة والجواب: أنه استغنى بالإجابة. * مسألة:
لو تأهبوا للخروج فسقوا لم يخرجوا لحصول الغرض وكذا لو خرجوا فسقوا قبل الصلاة لم يصلوا نعم يستحب صلاة الشكر لله تعالى في الموضعين. * مسألة:
ويستحب لأهل الخصب أن يدعو لأهل الجدب قال الله تعالى: (والذي جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان) مدحهم الله
تعالى بدعائهم لإخوانهم وروى ابن يعقوب في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: أوشك دعوة وأسرع إجابته دعوة المرء لأخيه بظهر
الغيب وروى في الحسن عن إبراهيم بن هاشم قال رأيت عبد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ما زال مادا يديه إلى السماء
ودموعه تسيل على خديه حتى يبلغ الأرض فلما صدر الناس قلت له يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من
موقفك قال والله ما دعوت إلا لإخواني
وذلك أن أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام أخبرني أنه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش ولك مئة ألف ضعف وكرهت أن أدع مئة
ألف ضعف مضمونة بواحدة لا أدري يستجاب أم لا. * مسألة: ويستحب الدعاء عند نزول الغيث روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله
قال اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث ومن طريق الخاصة ما رواه ابن يعقوب عن السكوني عن
أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام: اغتنموا الدعاء عند أربع عند قراءة القرآن وعند الأذان وعند نزول الغيث وعند التقاء
الصفين للشهادة وروى ابن يعقوب عن زيد الشحام قال قال أبو عبد الله عليه السلام أنه أطلبوا الدعاء في أربع ساعات عند هبوب الرياح وزوال
الأفياء ونزول القطر وأول قطرة من دم التقيل المؤمن فإن أبواب السماء يفتح عند هذه الأشياء. * مسألة: وإذا نذر الامام أن يصلي الاستسقاء
صح نذره وانعقد لأنه نذر في طاعة ولا يلزم غيره بالخروج معه وكذا لو نذر غير الامام ولو نذر الامام أن يستسقي هو وغيره انعقد نذره
في نفسه خاصة دون غيره لأنه لا ينعقد نذره فيما لا يملك قال الشيخ ويستحب له أن يخرج فيمن يطيعه كالولد وشبهه وإذا انعقد نذره صلاها
في الصحراء ولو نذر أن يصليها في المسجد أنعقد ويعيد لو صلاها في غيره ذكر الشيخ خلافا للشافعي فإنه جوزه في بيته ولو نذر أن يخطب انعقد وجاز
قائما وقاعدا وعلى منبر وغيره ولو نذر أن يخطب على المنبر وجب ولا يجزئه لو خطب على حائط وشبهه ذكره الشيخ قال الشافعي لا يجب إذ القصد الاعلام.
* مسألة: وكما تستحب لانقطاع الغيوث تستحب لنضب ماء العيون والآبار لوجود المعنى المقتضي لذلك وتستحب إذا كثر المطر والغيوث بحيث
بلغ حد الضرر والدعاء والتضرع إلى الله تعالى لإزالة ذلك لأنه ضرر فجاز طلب استدفاعه بالدعاء ولان النبي صلى الله عليه وآله دعا في ذلك
ولان الضرر بزيادة المطر إحدى الضررين فاستحب الدعاء لازالته كإنقطاعه. * مسألة: قال الشيخ لا يجوز أن يقول مطرنا نوء كذا لان النبي
صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك والنوء سقوط كوكب وطلوع (كوكب اخر).
{البحث الثاني} في نافلة رمضان، * مسألة: اتفق
أهل العلم على استحباب نافلة رمضان زيادة على غيره من الشهور وقال ابن بابويه لا صلاة فيه زائدة على غيره. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي هريرة
قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق
عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة وأنا أزيد فزيدوا وما رواه
عن جابر بن عبد الله قال إن أبا عبد الله عليه السلام قال له أن أصحابنا هؤلاء أبوا أن يزيدوا في صلاتهم في شهر رمضان وقد زاد رسول الله صلى الله عليه وآله
في صلاته في رمضان وما رواه في الصحيح عن أبي بصير أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام أيزيد الرجل في الصلاة في رمضان؟ قال: نعم ان رسول الله صلى
الله عليه وآله قد زاد في رمضان في الصلاة وما رواه في الصحيح عن أبي العباس البقباق وعبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يزيد في صلاته في شهر رمضان إذا صلى العتمة صلى بعدها فيقوم الناس خلفه فيدخل ويدعهم ثم يخرج أيضا فيجيئون فيقومون
خلفه فيدخل ويدعهم مرارا قال وقال لا تصل بعد العتمة في غير شهر رمضان وما رواه عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال تصلي في
شهر رمضان زيادة ألف ركعة وما رواه عن أحمد بن محمد بن مطهر قال كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أن رجلا روى عن آبائك عليهم السلام أن رسول الله صلى
الله عليه وآله ما كان يزيد من الصلاة في شهر رمضان على ما كان يصليه في سائر الأيام فوقع عليه السلام كذب فض الله فاه صلى في كل ليلة من شهر
رمضان عشرين ركعة إلى عشرين من الشهر وصلى ليلة إحدى وعشرين مئة ركعة وصلى ليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة وصلى في كل ليلة من العشر الأواخر
ثلاثين ركعة ولأنه شهر يضاعف فيه الحسنات روى الشيخ عن أبي الورد عن أبي جعفر عليه السلام قال خطب رسول الله صلى الله عليه وآله الناس في آخر جمعة
من شعبان فقال في خطبته وجعل قيام ليلة فيه يتطوع صلاة كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور وجعل لم (لمن) تطوع فيه بخصلة
من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله ينبغي اختصاصه بمزيد أفضل الطاعات وهو الصلاة احتج ابن بابويه بما رواه الجمهور
عن عائشة قال ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يزيد في رمضان ولا غيره عن إحدى عشر ركعة منها الوتر ومن طريق الخاصة ما رواه محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى العشاء الآخرة أوى إلى فراشه ولا يصلي شيئا إلا بعد انتصاف الليل لا في
رمضان ولا غيره وما رواه الحلبي في الصحيح قال سألت عن الصلاة في رمضان فقال ثلاث عشر ركعة منها الوتر وركعتا الصبح بعد الفجر كذلك
357

كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي وأنا كذلك أصلي ولو كان خيرا لم يتركه رسول الله صلى الله عليه وآله روى عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي
عبد الله عليه السلام مثله. والجواب عن الأول: المعارضة بالأحاديث المنقولة من طرق الجمهور عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وعن الثاني:
أن في طريقه علي بن فضال و عبد الله بن بكير وهما فطحيان، وعن الثالث: أن الحلبي لم يسنده إلى إمام فلا احتجاج به، عن الرابع: بالمعارضة وأيضا يحتمل
أنه أراد لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي جماعة يؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل قالوا سألناهما عليهما السلام
عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل في جماعة فقالا أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ثم يخرج من آخر
الليل إلى المسجد فيقوم فيصلي فخرج أول الليل من شهر رمضان كما يصلي كان يصلي فاصطف الناس خلفه فهرب منهم إلى بيته وتركهم ففعلوا ذلك ثلاث ليال فقام
في اليوم الرابع على منبره فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس أن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة والصلاة الضحى
بدعة ألا فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل ولا تصلوا صلاة الضحى فإن ذلك معصية ألا وأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة
سبيلها إلى النار ثم هو نزل وهو يقول قليل في سنة خير من كثير في بدعة ولان الاجماع واقع على استحباب الصلاة إلا من شذ. * مسألة:
وهي ألف ركعة وهو مذهب علمائنا عدا ابن بابويه وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد ست مئة ركعة في كل ليلة عشرون وقال مالك
ألف وثمانون ركعة في كل ليلة ست وثلاثون. لنا: رواية المفضل بن عمر وقد تقدمت وما رواه الشيخ عن جميل بن الصالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال
إن استطعت أن تصلي في شهر رمضان وغيره في اليوم والليلة ألف ركعة فافعل فإن عليا عليه السلام كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة احتج أبو
حنيفة بأن عمر جمع الناس على أبي وكان أبي يصلي بهم عشرين ركعة كل ليلة فإذا كان في العشر الآخر تخلف أبي فصلى في بيته وكانوا يقولون
أبق أبي وبأن عليا عليه السلام أمر رجلا يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة واحتج مالك بأن صالحا قال أدركت الناس يقومون بإحدى
وأربعين ركعة يوترون منها بخمس والجواب عن الأول: إنما دل على صلاة عشرين في العشرين الأولى ونحن نقول به ويؤيده
استتار أبي في بيته في العشر الأواخر وعن حجة مالك بأن صالحا ضعيف وأيضا فالناس الذين أخبر عنهم ربما لا يكونون من أهل الاتباع.
* مسألة: ولا خلاف بين علمائنا القائلين بالوظيفة في أنه يصلي في كل ليلة عشرين من أول الشهر إلى ليلة عشرين منه وفي كل ليلة من العشر
الأواخر ثلاثين ركعة وإنما اختلفوا في ليالي الافراد ليلة تسعة عشر وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين فقال أكثرهم أنه يصلي فيها ثلاثمائة في كل
ليلة مائة زائدة على ما وظف وهذه هي الألف وقال آخرون منهم أنه يصلي في كل ليلة منها تمام المائة على ما وظف فيتخلف عليه ثمانون
يصلي في كل جمعة من الشهر عشر ركعات أربع منها صلاة أمير المؤمنين عليه السلام وركعتان صلاة فاطمة عليها السلام وأربع صلاة جعفر بن أبي طالب
عليه السلام وفي عشية آخر جمعة ليلة السبت عشرين ركعة صلاة فاطمة عليها السلام والأول رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام ورواية سماعة بن مهران والثاني رواية عبد الله بن سنان وسماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام ورواية
إسحاق بن عمران عن أبي الحسن عليه السلام والمفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام. * مسألة: وفي ترتيب العشرين وإتيان إحديهما أنه يصلي
بعد المغرب ثمانيا وبعد العشاء اثني عشرة وكذا في الثلاثين يصلي بعد المغرب ثمانيا والباقي بعد العشاء وهي مشهورة بين الأصحاب رواها
الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي جعفر عليه السلام ورواها عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام وعن علي بن أبي حمزة عنه
عليه السلام ورواها عن أبي بصير عنه عليه السلام وعن عبد الله بن سنان وسماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام وعن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام
والثانية أنه يصلي بعد المغرب اثني عشرة ركعة وما يخلف من العشرين والثلاثين بعد العشاء رواها الشيخ عن سماعة والروايتان جائزتان.
* مسألة: ويستحب أن يقرأ في كل ركعة من المائة في الليالي قل هو الله أحد عشر مرات رواه الشيخ عن الجعفري أنه سمع العبد الصالح عليه السلام
يقول في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين مائة ركعة يقرأ في كل ركعة قل هو الله أحد عشر مرات ورواه عن عبد الله بن سنان وسماعة بن
مهران عن أبي عبد الله عليه السلام عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام وعن محمد بن أحمد بن مطهر عن أبي محمد عليه السلام ويستحب أن يصلي ليلة
النصف عنه زيادة على ألف مئة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد عشر مرات رواه الشيخ عن سليمان بن عمر وعن أبي
عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام من صلى ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة يقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد عشر مرات
أهبط الله عز وجل من الملائكة عشرة يدرؤون عنه أعدائه من الجن والإنس وأهبط الله إليه عند موته ثلاثين ملكا يؤمنون به من النار. * مسألة:
قال علماؤنا الجماعة في نافلة رمضان بدعة وقال مالك والشافعي الأفضل فيها الانفراد وقال أبو حنيفة وأحمد الأفضل الاجتماع. لنا: ما رواه
الجمهور عن زيد بن ثابت قال احتجوا رسول الله صلى الله عليه وآله حجيزة بخصعة؟؟ أو حصى فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي فيها قال
فيتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاته ثم جاء ليلة فحضروا فأبطأ رسول الله صلى الله عليه وآله عنهم فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحسبوا
الباب فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وآله مغضبا فقال لهم ما زال بكم ضعيفكم حتى ظننت أنه سنكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن
خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وما رواه عن علي عليه السلام أنه لم يجمع فيها ولو كانت الجماعة المشروعة لشارع إليها ولما زهد النبي صلى الله عليه وآله
358

فيها ومن طريق الخاصة رواية الفضل البقباق وعبيد بن زرارة وقد تقدمت ورواية زرارة ومحمد بن مسلم والفضل عنهما عليهما السلام وما رواه الشيخ
عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد؟ قال: لما قدم أمير المؤمنين الكوفة أمر الحسن بن علي عليهما السلام أن ينادي في الناس لا صلاة في
شهر رمضان في المساجد جماعة فنادى في الناس الحسن بن علي عليهما السلام بما أمره به أبوه أمير المؤمنين عليه السلام فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليهما السلام صاحوا
واعمراه واعمراه فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له ما هذا الصوت؟ قال يا أمير المؤمنين الناس يصيحون واعمراه واعمراه فقال أمير المؤمنين عليه السلام
قل لهم صلوا احتج المخالف بما رووه عن علي عليه السلام وجابر و عبد الله أنهم كانوا يصلونها جماعة وبما رواه عن عمر أنه خرج ليلة في رمضان فإذا الناس
أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي له الرجل لنفسه فيصلي بصلاة الرهط فقال عمر اني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان
أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب قال ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال نعمت البدعة هذه. والجواب: أما فعل علي
عليه السلام فقد ثبت بالنقل عن أبنائه عليهم السلام أنه وقع منفردا وهم أعرف بصنيع أبيهم ومعالم الشريعة وأما حدث عمر فلا احتجاج به إذ قد
ثبت ابن الرسول صلى الله عليه وآله لم يجعل وفعله هو الحجة لا فعل غيره وأيضا فإن أبا بكر لم يجمع فليس قول عمر بأولى من قوله وأيضا فإن عمر قد
اعترف بأنها بدعة في قوله نعمت البدعة ولو كان الاجتماع مشروعا عنده لما كان بدعة. * مسألة: ويستحب الدعاء بين كل ركعتين بما نقله الشيخ
رحمه الله في التهذيب والمصباح والوداع في آخر ليلة من شهره ونقله من الأدعية والتسبيح وغير ذلك. * مسألة: ولا يصلي ليلة الشك شيئا خلافا
لبعض الجمهور. لنا: أنه يوم من شعبان إذ الأصل البقاء ولان صومه محرم فالصلاة فيه غير مسنونة احتج المخالف بقول النبي صلى الله عليه وآله
فرض عليكم صيامه وسننت لكم قيامه فجعل القيام مع الصيام. والجواب: كذلك يقول الحسن فإن الصوم محرم فيه لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله
عليه وآله من صام يوم الشك فقد عصا أبا القاسم سلمنا لكن الصيام إنما وجب على قولهم احتياطا للواجب والصلاة على قولهم غير واجبة فيبقى على
الأصل.
{البحث الثالث} في بقية المرغبات، * مسألة: صلاة التسبيح وهي صلاة الحبوة مستحبة شديدة الاستحباب وهو مذهب
علمائنا أجمع وبعض الجمهور خلافا لأحمد. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال للعباس بن عبد المطلب
يا عماه ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره وقديمه وحديثه خطاها و
أمره صغيره وكبيره سره وعلانيته عشر خصال أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة قلت سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة ثم تركع وتقولها عشرا وأنت الراكع ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا ثم
تحوي (تهوى) ساجدا فتقولها وأنت ساجد عشرا ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا ثم تسجد فتقولها عشرا ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا
فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في الأربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل فإن لم تفعل ففي كل جمعة
مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة فإن لم تفعل ففي عمرك مرة رواه أبو داود والترمدي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن بسطام
عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال له رجل جعلت فداك أيلتزم الرجل أخاه؟ فقال: نعم ان رسول الله صلى الله عليه وآله يوم افتتح خيبر أتاه الخبر
أن جعفر قد قدم فقال والله ما أدري بأيهما أنا أشد سرورا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر قال فلم يلبث أن جاء جعفر قال فوثب رسول الله صلى الله
عليه وآله فالتزم وقبل ما بين عينيه قال فقال له الرجل الأربع ركعات التي بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر جعفر عليه السلام أن يصليها فقال
لما قدم عليه قال له يا جعفر ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك قال فتشوق الناس ورأوا أنه يعطيه ذهبا أو فضة قال بلى يا رسول الله قال صل أربع ركعات
متى ما صليتهن غفر لك ما بينهن إن استطعت كل يوم وإلا فكل يومين أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة فإنه يغفر لك ما بينهما قال كيف أصليها
فقال: تفتتح الصلاة ثم تقرأ ثم تقول خمس عشرة مرة وأنت قائم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإذا ركعت قلت ذلك عشرا فإذا
رفعت رأسك فعشرا وإذا سجدت فعشرا فإذا رفعت رأسك فعشرا فإذا سجدت الثانية عشرا وإذا رفعت رأسك عشرا فذلك خمس وسبعون
تكون ثلاث مائة في أربع ركعات فهن ألف ومائتان لا يقال روايتكم منافية لرواية الجمهور إذ قد نسبتم الصلاة إلى جعفر عليه السلام وفي تلك نسبت إلى العباس لأنا نقول روايتنا
أرجح لأنها منقولة عن أهل البيت عليهم السلام كجعفر وموسى عليهما السلام وهم أعرف ونحن إنما ذكرنا تلك الرواية احتجاجا على أحمد النافي بمشروعيتها. فروع:
[الأول] يستحب أن يقرأ في الأولى مع الحمد الزلزلة وفي الثانية العاديات وفي الثالثة النصر وفي الرابعة التوحيد لما رواه الشيخ عن إبراهيم
ابن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال يقرأ في الأولى إذا زلزلت وفي الثانية والعاديات وفي الثالثة إذا جاء نصر الله وفي الرابعة قل هو الله أحد وروى الشيخ في
الصحيح عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبي الحسن عليه السلام قال: اقرأ فيها إذا زلزلت الأرض وإذا جاء نصر الله وإنا أنزلناه في ليلة القدرة وقل هو الله أحد والأولى
أشهر بين الأصحاب والثانية أصح طريقا فمن عمل بأيهما كان جاز الآخر وها هنا رواية ثالثة صحيحة السند عن بسطام عن أبي عبد الله عليه السلام
ويقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون. [الثاني] روى الشيخ عن أبان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من كان مستعجلا
يصلي صلاة جعفر مجردة ثم يقضي التسبيح وهو ذاهب في حوائجه. [الثالث] يستحب أن يدعو في آخر سجدة من الأربع بما رواه الشيخ عن أبي سعيد
المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام سبحان من لبس العز والوقار الخ. [الرابع] هذه النافلة تصلى كل ركعتين بتسليمة وكذا كل النوافل إلا الوتر وصلاة
359

الأعرابي. [الخامس] روى الشيخ في الصحيح عن علي بن سليمان قال كتبت إلى الرجل عليه السلام ما تقول في صلاة التسبيح في المحمل فكتب: إذا كنت مسافرا
فصل. [السادس] روي عن ذريح بن محمد بن المحاربي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة جعفر احتسب بها من نافلتي؟ فقال: ما شئت من
ليل أو نهار. [السابع] روي في الصحيح عن علي بن الريان قال كتبت إلى الماضي الأخير عليه السلام أسأله عن رجل صلى صلاة جعفر ركعتين
ثم تعجله عن الركعتين الأخيرتين حاجة أو يقطع ذلك لحادث (يحدث) ويجوز له أن يتمها إذا فرغ من حاجته وإن قام من مجلسه أم لا يحتسب ذلك إلا أن
يستأنف الصلاة ويصلي الأربع ركعات كلها في مقام واحد؟ فكتب عليه السلام: بل قطعه عن ذلك الامر لا بد له منه فليقطع ذلك ثم ليرجع فليبن على ما بقي منها
إن شاء الله. * مسألة: وصلاة فاطمة عليها السلام مستحبة وهي أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد خمسين
مرة روى ابن بابويه في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من صلى أربع ركعات فقرأ في كل ركعة بخمسين مرة قل هو الله أحد
كانت صلاة فاطمة عليها السلام وهي الصلاة الأوابين وروي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من توضأ وأسبغ الوضوء
وافتتح الصلاة فصلى أربع ركعات يفصل بينهن بتسليمة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد خمسين مرة انفتل حين ينفتل وليس
بينه وبين الله عز وجل ذنب إلا غفر له. فرع: والشيخ نسب هذه الصلاة إلى أمير المؤمنين عليه السلام ونقل صلاة فاطمة عليها السلام على غير هذه
الصفة وهي ركعتان يقرأ في الأولى منهما الحمد مرة والقدر مئة مرة وفي الثانية الحمد مرة والتوحيد مئة مرة ونقل أيضا الشيخ صلاة أخرى عنهما صلى الله
عليهما وآلهما وهي ركعتان يقرأ في الأولى الحمد مرة وقل هو الله أحد خمسين مرة وفي الثانية كذلك. * مسألة: وصلاة رسول الله صلى الله عليه
وآله مستحب يوم الجمعة وهي ركعتان يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وإنا أنزلناه خمس عشر مرة ثم يركع ويقرأها خمس عشر مرة ثم يرفع رأسه ويقرأها كذلك ثم يسجد ويقرأها خمس عشرة ثم يرفع
رأسه فيقرأها كذلك ثم يسجد ثانيا فيقرأها خمس عشرة ثم يرفع رأسه ويقرأها كذلك ويقوم فيفعل كما فعل في الأولى. * مسألة: والصلاة الكاملة
مستحبة وهي أربع ركعات رواه الشيخ عن محمد بن عمارة وعن عتبة بن الزبير جميعا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله من صلى أربع ركعات يوم الجمعة قبل الصلاة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب عشر مرات وقل أعوذ برب الناس عشر مرات و
قل أعوذ برب الفلق عشر مرات وقل هو الله أحد عشر مرات وقل يا أيها الكافرون عشر مرات وآية الكرسي عشر مرات وفي رواية أخرى إنا أنزلناه
عشر مرات وشهد الله عشر مرات فإذا فرغ من الصلاة استغفر الله مئة مرة ثم يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم مئة مرة ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله مئة مرة رفع الله عنه شر أهل السماء وشر أهل الأرض. * مسألة:
وصلاة الأعرابي مستحبة روى الشيخ عن زيد بن ثابت قال أتى رجل من الاعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بأبي أنت وأمي يا رسول
الله انا نكون في هذه البادية بعيدا من المدينة ولا نقدر أن نأتيك في كل جمعة فدلني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا رجعت إلى أهلي أخبرتهم به
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان ارتفاع النهار فصل ركعتين تقرأ في كل ركعة منهما الحمد مرة و
قل أعوذ برب الفلق سبع مرات واقرأ في الثانية الحمد مرة وقل أعوذ برب الناس سبع مرات فإذ سلمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرات ثم فصل
ثمان ركعات بتسليمتين واقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة وإذا جاء نصر الله والفتح مرة وقل هو الله أحد خمسا وعشرين مرة فإذا فرغت
من صلاتك فقل سبحان الله رب العرش العظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبعين مرة؟ فو؟ الذي اصطفاني بالنبوة ما من مؤمن ولا
مؤمنة يصلي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلا وأنا ضامن له الجنة ولا يقوم من مقامه حتى يغفر الله له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما. * مسألة:
وصلاة ليلة الفطر مستحب روى الشيخ عن أحمد بن محمد السياري رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صلى ليلة
الفطر ركعتين يقرأ في أول ركعة منهما الحمد وقل هو الله أحد ألف مرة وفي الركعة الثانية الحمد وقل هو الله أحد مرة واحدة لم يسأل الله تعالى
شيئا إلا أعطاه إياه. * مسألة: صلاة يوم الغدير مستحبة لما فيها من الشكر لله تعالى على ما من به من الهداية وإكمال الدين وإتمام النعمة وهي
ركعتان روى الشيخ عن علي بن الحسين العبدي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ومن صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول
مقدار نصف ساعة يسأل الله عز وجل يقرأ في كل ركعة سورة الحمد مرة وعشر مرات قل هو الله أحد وعشر مرات آية الكرسي وعشر مرات إنا
أنزلناه عدلت عند الله عز وجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة وما يسأل الله عز وجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت كائنا ما كانت
الحاجة. فروع: [الأول] هذه الصلاة تستحب في هذا اليوم وأشده تأكيدا قبل الزوال بنصف ساعة روى الشيخ عن عمار بن حريز
العبدي عن أبي عبد الله عليه السلام ومن صلى فيه ركعتين أي وقت شاء وأفضل قرب الزوال وهي الساعة التي أقيم فيها أمير المؤمنين عليه السلام بغدير
خم علما للناس الحديث. [الثاني] يستحب أن يسجد عقيب الصلاة ويقول شكرا لله مائة مرة ويدعو بالدعاء المذكور في المصباح للشيخ لرواية
عمار ولان فيه اعترافا بالنعمة. [الثالث] لو فاتت يستحب قضاؤها عملا بعموم الامر الدال على استحباب قضاء النوافل وبما رواه الشيخ عن علي بن
الحسين العبدي عن أبي عبد الله عليه السلام وإن فاتتك الركعتان والدعاء قضيتها بعد ذلك. [الرابع] يستحب في هذا اليوم الصيام لما رواه الشيخ
360

عن الحسن بن راشد عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت فما لمن صامه؟ قال: صيام ستين شهرا ويستحب فيه صلة الرحم والاخوان لرواية زياد بن محمد عن أبي عبد
الله عليه السلام ويستحب فيه زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ويستحب فيه الصدقة والمعروف والاستكثار من خير وهي يوم عظيم ورد فيه أمور كثيرة من
الفضائل. * مسألة: وصلاه ليلة النصف من شعبان مستحبة وهي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد مئة مرة ويدعو بالدعاء
المنقول روى الشيخ ذلك عن أبي يحيى الصنعاني عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال ورواه ثلاثون رجلا ممن نقلوا به عنهما عليهما السلام وهي
ليلة شريفة ولد فيها صاحب الامر عليه السلام فينبغي فيه الاستكثار من الشكر لله على هذه النعمة. * مسألة: وصلاة ليلة المبعث مستحبة و
يومها أما الليلة فقد روى الشيخ عن صالح بن عقبة عن أبي الحسن عليه السلام قال صل ليلة سبع وعشرين من رجب أي وقت شئت من الليل اثنتي عشرة
ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد أربع مرات فإذا فرغت قلت وأنت في مكانك أربع مرات لا إله إلا الله والله أكبر و
الحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم ادع بما شئت وروى الشيخ عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام قال إذا صليت العشاء الآخرة وأخذت مضجعك ثم
استيقظت أي ساعة من الليل إلى قبل الزوال صليت اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة من خفاف المفصل فإذا سلمت في كل شفع جلسة
بعد التسليم وقرأت الحمد سبعا والمعوذتين سبعا وقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون وإنا أنزلناه وآية الكرسي سبعا سبعا وقل الدعاء الخ
وأما صلاة اليوم فقد رواها الشيخ عن الريان بن الصلت قال أمرنا أبو جعفر الثاني عليه السلام بصوم السابع والعشرين من رجب وأمرنا أن نصلي الصلاة
التي هي اثنتا عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة قال فإذا فرغت قرأت الحمد أربعا وقل هو الله أحد أربعا والمعوذتين أربعا وقلت لا إله إلا الله والله
أكبر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أربعا الله الله ربي ولا أشرك به شيئا أربعا لا أشرك بربي أحدا أربعا ورواها
محمد بن يعقوب عن علي بن محمد رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام. * مسألة: وروى الشيخ أنه يستحب أن يصلي صلاة يوم الغدير في اليوم الرابع والعشرين
من ذي الحجة أيضا مع صلاتها في ذلك اليوم وهو اليوم الذي تصدق فيه أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه وهو راكع في الصلاة ونزل فيه قوله تعالى:
(إنما وليكم الله ورسوله..) الآية وذلك أن فيه اعترافا بنعمة الله تعالى وشكرا على ما من به من إكمال الدين وثبوت الولاية لأهلها وهو أيضا يوم
المباهلة على قول وعلى قول هو يوم الخامس والعشرين من ذي الحجة ويستحب أيضا فيه الصلاة لان فيها شكر الله تعالى على ثبوت كرامة لمحمد صلى الله
عليه وآله ولأهل بيته عليهم السلام والدعاء فيه مستحب بالمأثور. * مسألة: وروى الشيخ عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه يستحب أن يصلي
ليلة النصف من رجب صلاة ليلة المبعث. * مسألة: وروى الشيخ عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام من صلى أربع ركعات في كل يوم
قبل الزوال يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وخمسا وعشرين مرة إنا أنزلناه لم يمرض مرضا إلا مرض الموت وروى الشيخ عن أبي برزة قال قال رسول الله صلى
الله عليه وآله من صلى في كل يوم اثنتي عشرة ركعة بنا الله له بيتا في الجنة وروى الشيخ عن أبي الحسن موسى عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال من
صلى أربع ركعات عند زوال الشمس يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي عصمه الله تعالى في أهله وماله ودينه ودنياه. * مسألة: روى
الشيخ عن النبي صلى الله عليه وآله ليلة السبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد وآية الكرسي ثلاث مرات وقل هو الله أحد مرة فإذا سلم قرأ
في دبر هذه الصلاة آية الكرسي ثلاث مرات غفر الله تعالى له ولوالديه ومن صلى يوم السبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وثلاث
مرات قل يا أيها الكافرون فإذا فرغ منها قرأ آية الكرسي كتب الله تعالى له بكل يهودي ويهودية عبادة سنة ومن صلى ليلة الأحد ركعتين (أربع ركعات) يقرأ في كل
ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة وسبح اسم ربك الأعلى مرة وقل هو الله أحد مرة جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ومتعه الله
تعالى بعقله حتى يموت ومن صلى يوم الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآمن الرسول الخ كتب الله تعالى له بكل
نصراني ونصرانية عبادة ألف سنة ومن صلى ليلة الاثنين أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب سبع مرات وإنا أنزلناه مرة واحدة و
يفصل بينهما بتسليمة فإذا فرغ يقول مائة مرة اللهم صل على محمد وآل محمد ومائة مرة اللهم صل على جبرئيل أعطاه الله سبعين ألف قصر
في الجنة كل قصر سبعون ألف دار في كل دار سبعون ألف بيت في كل بيت سبعون جارية ومن صلى يوم الاثنين أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة
الكتاب سبع مرات وإنا أنزلناه في ليلة القدر مرة وعمل كما قلنا في صلاة الليلة أعطاه الله سبعين ألف قصر في الجنة تمام الخير (الذي
ذكرناه) وروى الشيخ عنه صلى الله عليه وآله من صلى ليلة الثلاثاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي وقل هو الله أحد وشهد
الله مرة أعطاه ما سأل ومن صلى يوم الثلاثاء عشرين ركعة بعد انتصاف النهار يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد
ثلاث مرات لم يكتب عليه خطيئة إلى سبعين يوما ومن صلى ليلة الأربعاء ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي وقل هو الله أحد
وإنا أنزلناه في ليلة القدر مرة غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن صلى يوم الأربعاء اثنى عشر ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب
مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات وقل أعوذ برب الفلق ثلاث مرات وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات نادى منادي من عند العرش يا عبد الله استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك
وما تأخر ومن صلى ليلة الخميس بين المغرب والعشاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي خمس مرات وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد و
361

المعوذتين كل واحد منهما خمس مرات فإذا فرغ من صلاته استغفر الله خمس عشرة مرة وجعل ثوابه لوالديه فقد أدى حق والديه ومن صلى يوم الخميس ما بين الظهر
والعصر ركعتين يقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وآية الكرسي مائة مرة وفي الثانية فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد مائة مرة فإذا فرغ من صلاته استغفر
الله مائة مرة وصلى على النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة لا يقوم من مقامه حتى يغفر الله له البتة ويستحب طلب العلم فيه وقراءة سورة المائدة وفيه زيارة
الشهداء وقبور المؤمنين والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فيه ألف مرة وروى الشيخ عنه صلى الله
عليه وآله من صلى الجمعة بين المغرب والعشاء اثنتي عشر ركعة يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد أربعين مرة لقيته على الصراط وصافحته
ومن لقيته وصافحته على الصراط كفيته الحساب والميزان ومن صلى فيها عشرين ركعة في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات حفظه الله في
أهله وماله ودينه ودنياه وآخرته ومن صلى فيها ركعتين في كل ركعة فاتحة الكتاب وخمس عشرة مرة إذا زلزلت آمنه الله من عذاب القبر ومن أهوال
يوم القيامة وروي استحباب صلاة النبي صلى الله عليه وآله وصلاة أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة عليها السلام وجعفر بن أبي طالب عليه السلام يوم الجمعة. * مسألة:
ويستحب صلاة ركعتين بين المغرب والعشاء يقرأ في الأولى الحمد وقوله وذا النون إلى قوله وكذلك ننجي المؤمنين وفي الثانية الحمد وقوله وعنده
مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو إلى آخر الآية فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا
أنت أن تصلي على محمد وآله وأن تفعل بي كذا وكذا ثم تقول اللهم أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق
محمد وآله عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي رواه الشيخ عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام وروي عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير
المؤمنين عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أوصيكم بركعتين بين العشائين تقرأ في الأول الحمد وإذا زلزلت ثلاث عشرة مرة و
في الثانية الحمد مرة وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة فإنه من فعل ذلك في كل شهر كان من المتقين فإن صلى ذلك كل سنة كتب من المحسنين فإن
فعل ذلك كل جمعة كتب من المصلحين فإن فعل ذلك في كل ليلة كتب من زاحمني في الجنة ولم يحص ثوابه إلا الله تعالى. * مسألة: صلاة
الاستخارة مستحبة وهو مذهب علمائنا وأكثر الجمهور خلافا لبعضهم. لنا: ما رواه الجمهور عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال كان رسول الله صلى
الله عليه وآله يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة
ثم ليقل اللهم إني أستخيرك إلى آخر الدعاء رواه البخاري ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمرو بن الحريث قال قال أبو عبد الله عليه السلام
صل ركعتين واستخر الله فوالله ما استخار الله مسلم إلا خار الله له البتة وما رواه عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال كان علي بن الحسين عليهما السلام
إذا هم بأمر حج وعمرة أو بيع أو شراء أو عتق تطهر ثم صلى ركعتين للاستخارة فقرأ فيهما سورة الحشر وسورة الرحمن ثم يقرأ المعوذتين وقل هو الله أحد وهو جالس دبر الركعتين ثم يقول
اللهم إن كان كذا وكذا خيرا لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فصل على محمد وآله ويسره لي على أحسن الوجوه وأجملها اللهم وإن كان كذا وكذا شرا لي في ديني و
دنياي وآخرتي وعاجل أمري وآجله فصل على محمد وآله واصرف عنى (رب صل على محمد واله) واعزم لي رشدي وإن كرهت ذلك أو أبته نفسي وما رواه عن مرازم قال أبو عبد
الله عليه السلام إذا أراد أحدكم شيئا فليصل ركعتين وليحمد الله وليثن عليه ثم يصلي على محمد وآله ويقول اللهم إن كان هذا الامر خيرا لي في ديني ودنياي
فيسره لي وقدره وإن كان على غير ذلك فاصرفه عني فسألته عن أي شئ اقرأ فيهما فقال اقرأ فيهما ما شئت وإن شئت قرأت قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون
وما رواه الشيخ عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها بسم الله الرحمن الرحيم
خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل وفي ثلاث منها بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل
ثم ضعها تحت مصلاك ثم صل ركعتين فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مئة مرة استخير الله برحمته خيرة في عافيته ثم استو جالسا وقل اللهم
وآخره لي في جميع أموري في يسر منك وعافية ثم اضرب بيدك إلى الرقاع فشوشها واخرج واحدة واحدة فإن خرج ثلاث متواليات افعل فافعل الامر الذي تريده
وإن خرج ثلاث متواليات لا تفعل فلا تفعله وإن خرجت واحدة افعل والأخرى لا تفعل فاخرج من الرقاع إلى خمس فانظر أكثرها واعمل به ودع السادسة
لا تحتاج إليها وما رواه في الموثق عن ابن فضال قال سأل الحسن بن الجهم أبا الحسن عليه السلام لابن أسباط فقال ما ترى له وابن أسباط حاضر ونحن جميعا
نركب البحر أو البر إلى مصر وأخبره بخبر طريق البر فقال البر؟ فئت؟ المسجد في غير وقت الصلاة فريضة فصل ركعتين فاستخر الله مئة مرة ثم انظر أي شئ وقع
في قلبك فاعمل به وقال الحسن البر أحب إلي قال له وإلي. * مسألة: قال علماؤنا يستحب صلاة الحاجة وهو قول أكثر الجمهور. لنا: ما رواه عن عبد الله بن
أبي أوفى قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ ثم يصلي ركعتين ثم ليثن على الله تعالى
وليصل على النبي صلى الله عليه وآله ثم ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم الخ ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ وابن بابويه عن سماعة عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: إن أحدكم إذا مرض دعا الطبيب فأعطاه وإن كانت له حاجة إلى سلطان رشا البواب وأعطاه ولو أن أحدكم إذا قدحه أمر فرغ إلى الله عز وجل
فتطهر وتصدق بصدقة قلت أو كثرت ثم دخل المسجد فصلى ركعتين فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته ثم قال إن عافيتني من مرضي و
رددتني من سفري أو عافيتني مما أخاف ومن كذا وكذا إلا آتاه الله ذلك وهي اليمنى (اليمين) الواجبة وما جعل الله تعالى عليه في الشكر وقد وردت روايات
362

كثير في صلاة الحاجة ذكرها الشيخ وغيره في كتب العبادات. * مسألة: وصلاة الشكر مستحبة روى الشيخ عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال قال في صلاة الشكور إذا أنعم الله عز وجل عليك بنعمة فصل ركعتين تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وتقرأ في الثانية بفاتحة
الكتاب وقل يا أيها الكافرون وتقول في الركعة الأولى في ركوعك وسجودك الحمد لله شكرا شكرا وحمدا وتقول في الركعة الثانية في ركوعك وسجودك
الحمد لله الذي استجاب دعائي وأعطاني مسألتي. * مسألة: وصلاة التوبة مستحبة وروى الجمهور عن علي عليه السلام قال حدثني أبو بكر قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول ما من رجل أذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له ثم قرأ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا
أنفسهم إلى آخرها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من صلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة
قل هو الله أحد خمسين مرة لم ينتقل وبينه وبين الله ذنب وقد أورد الشيخ أحاديث كثيرة في عبادات ونوافل منفردة من أرادها فليقف عليها من هناك.
[الفصل الخامس] في الجماعة وفيه مباحث {الأول} قال علماؤنا: الجماعة مستحبة في الفرائض وأشدها تأكيدا في
الخمس وليست واجبة إلا في الجمعة والعيدين مع الشرائط السابقة لا على الأعيان ولا على الكفاية وهو مذهب مالك والثوري وأبي حنيفة وبعض الشافعية
وقال الشافعي أنها فرض على الكفاية في الخمس وذهب إليه أبو العباس بن شريح وأبو إسحاق وأكثر أصحابه وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وداود و
ابن المنذر أنها فرض على الأعيان وهل هي شرط فيها أكثر القائلين بالوجوب ذهبوا إلى أنها ليست شرطا وقال بعض الحنابلة أنها شرط في الصلاة
فلو أخل بها بطلت كسائر واجبات الصلوات. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: بفضل صلاة الجماعة على صلاة العيد بخمس و
عشرين درجة وذلك يدل على جوازها ولأنه صلى الله عليه وآله لم ينكر على الذين قالا صلينا في رحالنا ولو كانت واجبة لأنكر عليهما ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ما يرى الناس أن الصلاة في
الجماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين
صلاة فقال صدقوا وما رواه في الصحيح عن زرارة والفضيل قالا قلنا له الصلاة في جماعة فريضة هي فقال الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض
في الصلوات كلها ولكنها سنة من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له وما رواه في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الفجر فأقبل بوجهه على الصحابة فسأل عن أناس يسميهم بأسمائهم فقال هل حضروا الصلاة؟
فقالوا لي يا رسول الله، فقال أغيب هم؟ قالوا لا، فقال أما أنه ليس من صلاة أشد على المنافقين من هذه الصلاة والعشاء ولو علموا أي فضل فيهما
لاتوهما ولو حبوا وذلك يؤتي عدم الوجوب وما رواه عن محمد بن عمارة قال أرسلت أبي الحسن الرضا عليه السلام سألته عن الرجل يصلي المكتوبة
وحده في مسجد الكوفة أفضل أو صلاته في جماعة فقال الصلاة في جماعة أفضل ولأنها لو وجب لكانت شرطا كالجمعة احتج المخالف بقوله تعالى: (وإذا
كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) ولو لم تكن واجبة لرخص فيها حال الخوف ولم يجز الاخلال بواجبات الصلاة من أجلها وبما رواه أبو هريرة عن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال والذي نفسي بيده لقد همت أن أمر يخطب (بخطب) ليخطب ثم أمر بالصلاة فيؤذن لها ثم أمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون
بالصلاة فأحرق عليهم بيوتهم وبما رواه ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر لم يقبل منه الصلاة
التي صلاها وبما رواه أبو درداء عنه صلى الله عليه وآله قال ما من ثلاثة في قرية أو بلد لا يقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة
فإن الذنب يأكل القاسية والحديثان الأولان روى أصحابنا ما يقاربهما. والجواب عن الأول: أنها لشدة استحبابها لم يرخص في تركها في حالتي الاختيار
والاضطرار كالخوف والعري وذلك لا يدل على الوجوب وأيضا فكل واحد يطلب براءة ذمته مبادر الغلبة ظنه بالتلف وصلاة الجميع دفعة واحدة
جماعة أو فرادى مطلوب الترك إذ لا حارس لهم حينئذ فاقتضت الحكمة حكم صلاة الخوف على الوصف المنقول قوله لو لم تكن واجب لم يجز الاخلال
بشئ من واجبات الصلاة لها قلنا ولا إخلال فيها لما يأتي من صفتها، وعن الثاني: أنه دال على الاستحباب لا على الوجوب ويزيده اهتمامه عليه السلام
بذلك ولم يضيق ولم يوجب ولم يفعل، وعن الثالث: أن المراد بذلك صلاة الجمعة ويحتمل أنه أراد نفي الكمال دون الاجزاء كما في قوله لا صلاة لجار
المسجد إلا فيه، وعن الرابع أنه لا يدل على الوجوب (بل) يدل على الاخبار بأن الجماعة تطرد الشيطان وقوله فعليك بالجماعة ليس دالا على الوجوب أيضا
(بل) يدل على الحسن (البحث) على فعلها رفعا للاستحواذ. فروع: [الأول] لا ينبغي ترك الجماعة إلا مع العذر عاما كان كالمطر والوحل وخاصا كالمرض
والخوف ومدافعة الأخبثين وفوات الرفقة وهلاك الطعام وغير ذلك لشدة استحبابها روى ابن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله: من
صلى الصلاة الخمس جماعة فظنوا به كل خير وروى في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد
إلا مريض أو مشغول أما مع المطر بشبهة فإنه يجوز تركها للضرورة وروى ابن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا ابتلت النعال
فالصلاة في الرحال قال صاحب الصحاح والنعل الأرض الغليظة برق حصاها لا يثبت شيئا. [الثاني] لا يسقط استحباب الجماعة بفعل الصلاة
بل يستحب إعادتها. [الثالث] ولا يجب حضور المسجد لها لأنها ليست واجبة والحضور لاجلها أولا أن لا يكون واجبا وخالف فيه بعض الجمهور فيدل
عليه أيضا قوله عليه السلام جعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان رواه مسلم واحتج المخالف بقول
363

علي عليه السلام: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد رواه السعيد. والجواب: المراد نفي الكمال ألا يستقيم بدون الاضمار وإضمار ما ذكرنا أولى الاجماع الواقع على أن
صلاة من صلى خارج المسجد جائزة. [الرابع] الصلاة فيما كثرت فيه الجماعة من المساجد أولى مما قلت فيه لان المطلوب الاجتماع حصول الشركة والدعاء
ربما كان فيهم مستجاب الدعوة ولو تساوى فليتحدان في الجماعة فهل الأبعد الأولى أم الأقرب؟ قيل بالأول: لكثرة الخطوات فكثرت الحسنات وقيل بالثاني لأنه جاز له و
قال علي عليه السلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ولا اعتبار بمتقادم أمير المسجد خلافا لبعضهم ولو كان في جواره مسجد لا ينعقد فيه الجماعة إلا به الأقرب الصلاة فيه
وأن لا يمضي إلى الأبعد لأنه يكون عامرا له بإقامة الجماعة فيه. * مسألة: ولا جماعة في النوافل إلا ما استثني ذهب إليه علماؤنا أجمع خلافا لأحمد وبعض الجمهور.
لنا: ما رواه عن زيد بن ثابت قال جاء رجال يصلون بصلاة النبي صلى الله عليه وآله فخرج مغضبا وأمرهم أن يصل النوافل في بيوتهم ورووا عنه عليه السلام أنه
قال: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله
عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة وما رواه عن إسحاق بن عمار عن الرضا عليه السلام عن رسول الله
صلى الله عليه آله أنه قال ولا يجمع لنافلة. * مسألة: وينعقد الجماعة باثنين وهو قول فقهاء الأمصار روى الجمهور عن أبي موسى أن النبي صلى
الله عليه وآله قال: الاثنان فما فوقها جماعة وأم رسول الله صلى الله عليه وآله حذيفة مرة وابن مسعود أخرى وابن عباس مرة ومن طريق الخاصة ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: الرجلان يأم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه. فروع: [الأول] لو أم الرجل بعبده أدرك
فضيلة الجماعة وهو اتفاق العلماء لوجوب الصلاة عليه فكان كالحر. [الثاني] لو أم بزوجته أو بأمرة أخرى أدركها أيضا روى الشيخ
وابن بابويه عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن أقل ما يكون الجماعة؟ قال: رجل وامرأة. [الثالث] لو أم صبيا أدرك
الفضيلة أيضا خلافا لبعض الجمهور. لنا: أن صلاته شرعية وهو منتقل شرعا فأمكن أن يكون مأموم المفترض كالبالغ ولهذا قال النبي صلى
الله عليه وآله في الرجل الذي فاتته الجماعة من يتصدق على هذا فيصلي معه. * مسألة: ويدرك الجماعة بإدراك الركعة من أولها وهو قول
علماء الاسلام ولو أدرك تكبيرة الركوع أدرك الركعة أيضا بلا خلاف بيننا أما لو لم يدرك التكبيرة وأدرك الامام في الركوع ففي إدراكه حينئذ إشكال
أقربه الادراك لما رواه الشيخ في الحسن عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام: أدرك الامام وهو راكع وكبر الرجل وهو مقيم صلبه
ثم ركع قبل أن يرفع الامام رأسه فقد أدرك الركعة وما رواه في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أدركت الامام وقد
ركع فكبرت وركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة فإن رفع الامام رأسه قبل أن يركع فقد فاتته الركعة ولأنه قد أدرك أكثر الركعة
ولم يفته سوى القراءة وليست شرطا في الادراك إذ لو لحق به في آخرها أدرك الجماعة إجماعا وقال الشيخ لا يدرك الجماعة إلا بإدراك التكبيرة
لما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال قال لي إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر الامام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة و
لما رواه في الصحيح عن محمد عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الامام ويمكن الجواب بأن من لم يدرك التكبير ففي
الغالب لا يدرك الركعة ويحمل الادراك على السماع لا على متابعة الفعل. {المبحث الثاني} في شروط الجماعة، * مسألة: العدد شرط
في الجماعة وأقله اثنان ولا نعرف فيه خلافا فلا جماعة للمنفرد للتنافي بينهما وما ذكره ابن بابويه في كتابه من الواحد جماعة لأنه إذا دخل المسجد و
أذن وأقام صلى خلفه صفان من الملائكة ومتى أقام ولم يؤذن صلى خلفه صف واحد فذلك محمول على شدة استحباب الأذان والإقامة.
* مسألة: ورفع الحجاب المانع من المشاهدة والاستطراق أو من المشاهدة خاصة من الإمام والمأموم شرط في الجماعة فلا يجوز صلاة من بينه
وبين الامام حائط وشبهه يمنع مشاهدة ومشاهدة المأمومين سواء كان بين حيطان مسجد أو غيره وسواء صلى في المسجد أو خارج وهو قول
علمائنا أجمع في إحدى الروايتين وقال الشافعي إن صلى في المسجد صحت صلاته سواء شاهده أو كان في بيت أو غرفة أو حال بينه وبين
حائط وإن صلى خارج المسجد وهناك حائل يمنع من المشاهدة والاستطراق من غير المسجد بطل وإن كان من حيطان المسجد فأصح القولين عنده
البطلان أيضا وإن منع الاستطراق خاصة كالشباك ففيه وجهان، أحدهما: الجواز، والثاني: المنع. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة أنها قالت للنساء
كن يصلين في حجرتها لا يصلين بصلاة الامام فأمكن دونه في حجاب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال إن صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام وأي صف كان أهله يصلون بصلاة الامام وبينهم وبين صف
الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب قال وقال
هذه المقاصير لم يكن في زمن أحد من الناس فإنما أحدثها الجبارون ليست لمن صلى خلفها مقتديا صلاة من فيها صلاة
ولأنه لا يمكنه الاقتداء به غالبا ولأنه يمنع إيصال الصفوف. فروع: [الأول] لو كان الحائل قصيرا لا يمنع من النظر حال القيام ويمنع حال الجلوس فالأقرب
أنه ليس بمانع إذ المشاهدة الموجبة للمتابعة حاصلة فقال السيد المرتضى وفي المصباح ينبغي أن يكون بين كل صفين قدر مسقط الجسد فإن
تجاوز ذلك إلى القدر الذي لا يتخطى لم يجز ويمكن أن يكون مستنده رواية زرارة وهي حسنة. [الثاني] الطريق ليس بحائل ولا يمنع الاتمام ولا
364

النهر وهو قول أكثر علمائنا وقول مالك والشافعي وقال أبو الصلاح النهر حائل وقال أبو حنيفة الطريق والنهر حائلان وهو إحدى الروايتين
لأحمد. لنا: عموم الامر بالجماعة والمانع من تمكن الاقتداء وهو الحائل المقتضي لمنع وصول الصوت والمشاهدة زائل احتج أبو حنيفة بأن الطريق ليس
محلا للصلاة فأشبه ما يمنع الابصار. والجواب: المنع من كون الطريق ليس محلا للصلاة وكذا يجوز الصلاة فيها كالمصلي في السفينة وعلى
الماء الجامد وكما صلى أنس على أصليت مأموما بينه وبين الامام طريق ولو سلم ذلك منع الصلاة فيه أما الاقتداء فلا ولان طريق لا يمنع الابصار
في العيد والجنازة وكذا في الخمس. [الثالث] ما يمنع الاستطراق لا المشاهدة كالمقاصير المخرجة في المبسوط لا يمنع الائتمام وقال في الخلاف
يمنع والشافعي مثل القولين وعول في الخلاف على رواية زرارة وفي المبسوط على العموم. [الرابع] الجماعة في السفينة جائزة أخذت وتعددت سواء
شد بعض المتعددة إلى بعض أولا عملا بالعموم وكذا البحث لو كان الامام في السفينة والمأموم على الشط إذا لم يوجد حائلا وبالعكس. [الخامس]
لو لم يشاهد الامام ويشاهد المأموم صحت صلاته وإلا لبطلت صلاة الصف الثاني ولا نعرف فيه خلافا. [السادس] قال الشيخ يجوز للنساء
أن يصلين من وراء الجدار أمامة مات لان النساء عورة فلا ينبغي لهن مخالطة الرجال وفضيلة الجماعة متأكدة فلا ينبغي لهن تركها فساغ لهن
الصلاة من وراء الحائل وروى الشيخ ذلك عن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي بالقوم وخلفه دار فيها نساء هل يجوز لهن أن يصلين
خلفه قال نعم إن كان الامام أسفل منهن قلت فإن بينهن وبينه حائط أو طريق؟ فقال: لا بأس ولا فرق في ذلك الحسناء والشوهاء والشابة والمسنة وروى
ابن بابويه عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار.
[السابع] لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب وهو مفتوح يشاهد المأمومين في المسجد صحت صلاته ولو صلى قوم عن يمينه أو شماله أو؟ وطئه؟ صحت
صلاتهم لأنهم يرون من يرى الامام ولو وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو يسارها لا يشاهدون من في المسجد لم يصح صلاتهم
ولو لم يكن المأمومين في قباله بل على جانبه فإن اتصلت الصفوف به صحت صلاته وإلا فلا ذكره الشيخ في المبسوط. [الثامن] لو وقع حائل بين
المأمومين صحت صلاة من يلي الامام وبطلت صلاة من كان وراء الحائل. [التاسع] لا بأس بالوقوف بين الأساطين ولا بأس بوقوف
الامام في المحراب وإن كان مكروها روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا
وروى عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني أصلي في الطاق على المحراب فقال لا بأس إذا كنت تتوسع به. [العاشر] لو كان
الامام في السفينة والمأموم في الأخرى وعليهما غطاء يمنع المشاهدة بطلت الجماعة لأنهما كالدارين. [الحادي عشر] لو صلى على سطح
داره وكان مشاهدا للامام وللمأمومين صحت صلاته عندنا لان الشرط المشاهدة وقد حصلت وقال الشافعي لا يجوز قولا واحدا لأنها
بانية من المسجد وليس بينهما دار يمكن أيضا (ايصاله) إلى الصفوف فيه وهو ضعيف. * مسألة: وعدم بعد المفرط شرط فلو تباعد المأموم عن الامام بما لم يجر العادة
به فلا جماعة له إلا مع اتصاف الصفوف سواء علم بصلاة الامام أو لا وقال الشافعي: لا يعتبر القرب في المسجد الواحد ويعتبر في خارجه وحده بثلاثمائة ذراع فما دون
فلو صلى مأموم خارج المسجد روعي بينه وبين المأمومين هذا المقدار وقال عطا يصلي بصلاة الامام من علم بصلاته ولم يراع قربا. لنا: قوله
تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله) وذلك عام في حق العالم وغيره وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لو صليتم في بيوتكم لضللتم ومن طريق
الخاصة رواية زرارة فإنه اشترط فيها القرب أما التحديد الذي استحب عليه وهو مسقط الجسد فالأولى أنه على الأفضل احتج عطا بأنه عالم
بصلاة الامام فأشبه من كان في المسجد والجواب: النقض لا يرد علينا بل على الشافعي وله أن يفرق بالمسجدين للجماعة. * مسألة: وعدم
تقدم المأموم في الموقف شرط فلو تقدم المأموم الامام فلا صلاة للمأموم ذهب إليه علماؤنا أجمع وأبو حنيفة والشافعي في الجديد وأحمد
وقال مالك وإسحاق وأبو ثور ويصح وهو قول الشافعي في القديم. لنا: ما نقل عن النبي صلى الله عليه وآله والصحابة أنهم فعلوا ذلك وقال عليه السلام:
" صلوا كما رأيتموني أصلي " وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: الرجلان يأم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه فإن
كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه وظاهر الامر الوجوب إلا ما خرج بالدليل ولان المأموم يفتقر إلى استعلام حال الامام وهو لا يمكن إلا بفعل المجل
من الالتفات إلى خلفه ولأنه أخطأ موقفه إلى موقف ليس بموقف لاحد من المؤتمين فكان مبطلا كما لو وقف في منزله ومع الحائل احتج المخالف
بأن مخالفته الموقف لا يبطل الصلاة كما لو وقف عن يسار الامام ولأنه لا يمنع الاقتداء به فأشبه من خلفه. والجواب عن الأول: بالفرق وإذ مع
الوقوف على اليسار يتمكن مع الاستعلام بخلاف المقدم وهو الجواب عن الثاني أيضا ولو سلمنا إمكان الاقتداء ولكن يمنع وقوعه شرعا إذ قد ثبت
عن النبي صلى الله عليه وآله خلافه وينتقض أيضا بالحائل فإنه يمكن مع الاقتداء ولا يصح. * مسألة: ونية الاقتداء شرط وهو قول كل من يحفظ
عنه العلم ولا بد من تعيين الامام فلو كان بين يديه اثنان فنوى الايتمام بأحدهما لا بعينه لم يصح صلاته لأنهما قد يختلفان فلا يمكنه الاقتداء
بهما. فروع: [الأول] لو نوى الاقتداء بهما معا لم يصح لامكان الاختلاف. [الثاني] لو نوى الاقتداء بالمأموم لم يصح لان المأموم
تابع فلا يأتي بواجبات الصلاة من القراءة وكيفياتها فلا يجوز الايتمام به. [الثالث] لو نوى الايتمام بالمأموم جاهلا بكونه مأموما
365

بأن وجده قائما على يسار الامام فظنه الامام لم يكن معذورا بذلك لخلو صلاته عن القراءة. [الرابع] لو نوى كل واحد منهما الايتمام بصاحبه
بطلت صلاتهما معا لخلو صلاتهما عن القراءة وقد رواه الشيخ عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام. [الخامس]
لو نوى كل واحد منهما أنه إمام لصاحبه صحت صلاته ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول الشافعي خلافا لأحمد. لنا: أن نية الامام لا يؤثر تركا في
شئ من الواجبات فيكون كل منهما قد احتاط لنفسه فصحت صلاتهما ولما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن علي
عليه السلام ورواه ابن بابويه عن علي عليه السلام. [السادس] لو افتتحا الصلاة على الصحة ثم شكا في تعيين الامام منهما بطلت صلاتهما لعدم الاحتياط
وكذا لو شكا فيما أضمراه لا يقال ينوي كل واحد منهما الانفراد وقد صحت صلاتهما لأنا نقول يحتمل أن (يكون) كل واحد منهما إماما ونية الانفراد في
حقه غير مؤثرة ويحتمل أن يكون كل واحد منهما مأموما لا يقال هذا إنما يتأتى في الفرض الثاني وهو الذي حصل فيه الشك في نية كل واحد
منهما أما الفرض الأول وهو الذي علم فيه أن أحدهما إمام ثم اشتبه فلا يتأتى هذا فيه لأنا نقول هذا أيضا ينسحب فيه إذ كل واحد منهما يحتمل
أن يكون إماما فلا يؤثر نية الانفراد فيه وأيضا نية الانفراد خارجة عن الأصل فلا يثبت إلا في موضع الورود. [السابع] لو صلى منفردا
ثم نوى جعل نفسه مأموما يمكن أن يقال أنه لا يصح ذلك أما أولا: فلما يأتي من إبطال الصلاة للمنفرد أو جعلها نافلة إذا حضر الامام وأما
ثانيا: فلان المتابعة واجبة مع السبق فلا متابعة وقال في الخلاف يصح أن ينقل الصلاة من الانفراد إلى الجماعة وادعى فيه الاجماع وعلى الأول:
هل يبطل صلاته أم لا؟ الحق إن فاته شئ من الواجبات على المنفرد بطلت صلاته وإلا فلا وذلك بأن يفوته القراءة مثلا ولو قرأ والحال هذه
فالأقوى بطلان الصلاة لأنه يفعل قراءة يعتقد أنها غير واجبة عليه. [الثامن] لو نوى الإمامة بشخص وصلى معه بعض الصلاة ثم نقلها
إلى غيره لم يجز إلا في موضع واحد وهي صورة الاستخلاف ولو سبق الامام اثنين جاز لأحدهما بعد فراغ الامام الايتمام بالآخر وعلى قول
الشيخ يجوز في المسألتين وهو تحريم. * مسألة: وهل يجب أن يكون الامام غير مرتفع على المأمومين بما يعتد به أم لا؟ قال الشيخ في أكثر
كتبه يجب وقال في الخلاف يكره أن يكون الامام أعلى من المأموم بما يعتد به كالسطح والأبنية وبه قال مالك والأوزاعي وأصحاب الرأي والمشهور
عن أحمد وقال الشافعي أحب للامام الذي يعلم من خلفه أن يصلي على الشئ المرتفع فرآه من خلفه فيقتدون به. لنا: ما رواه الجمهور أن عمار بن
ياسر كان بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار فقام على دكان والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ بيده فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة من صلاته
قال له حذيفة ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مكانكم قال عمار فلذلك أتيتك حين
أخذت على يدي وعن همام أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان فأخذ أبو مسعود فجذبه فلما فرغ من صلاته قال ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك
قال بلى قد ذكرت حين؟ مددتني؟ ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن كان الامام على شبه
دكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم فإن كان أرفع منهم بقدر أصبع إلى شبر أو كان أرضا مبسوطة وكان في موضع منها ارتفاع فقام الامام
في الموضع المرتفع فقام من خلفه أسفل منه لا بأس ولأنه في موضع الحاجة إلى النظر إلى إمامه والاقتداء به ومع علو الامام يحتاج إلى رفع بصره وهو منهي عنه
في صلاة احتج الشافعي بما رواه سهل بن سعد قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله قام على المنبر وكبر الناس وراءه ثم ركع وهو على
المنبر ويرجع من القهقري حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ منه من آخر صلاته ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا
بي وتعلموا صلاتي. والجواب: المنع من صحة الرواية وعلى تقدير التسليم فإنه يمكن أن يكون العلو غير معتد به كالدرجة السفلى ويجب الحكم إليه لئلا يحتاج
إلى فعل كثيرة من الصعود والنزول ويمكن اختصاصه (ع) بذلك الحكم إذ قد نهى عن ارتفاع الامام وفعله فيكون متوجها إلى غيره والنقل مختصا
به ولذلك لم يتم الصلاة على منبر نزل فسجد على الأرض ولا يستحب لغيره ذلك إجماعا فروع: [الأول] لا بأس بالعلو اليسير
الذي لا يعتد به إذ النهي إنما كان لأجل رفع البصر في الصلاة وهو إنما يكون مع العلو الكثير. [الثاني] لو صلى الامام في مكان أعلى بطلت صلاة
المأمومين وهو قول الأوزاعي لان النهي في العبادة يقتضي (الفساد) ولحديث عمار قال أصحاب الرأي لا يبطل لان عمار أتم صلاته ولو كانت فاسدة لاستأنفها
ولان النهي معلل لما يقضي إليه من رفع البصر وذلك لا يفسدها فسببه أولى والجواب عن الأول: يحتمل أن يكون عمار لم يحرم بالصلاة بل ابتدأ فيها بالأفعال
المندوبة كالتوجه بالتكبير والدعاء، وعن الثاني: بالمنع من كون ما ذكروه عليه قطعا. [الثالث] وهل تبطل صلاة الامام؟ الوجه عندي أنها لا تبطل
لعدم الموجب لذلك وربما قال بعضهم بالبطلان إذ قد نهى عن الصلاة في مكان مرتفع. * مسألة: ويشترط توافق نظم الصلاتين فلا يقتدي
في الخمس بصلاة الجنائز وصلاة الخسوف والعيدين لعدم المتابعة المشترطة. {المبحث الثالث} في أمور ظن أنها مشروطة وليست كذلك،
* مسألة: ليست الأذان والإقامة شرطا في الجماعة خلافا للشيخ وقد مضى البحث فيه. * مسألة: وليس عدم ارتفاع المأموم شرطا
فيجوز أن يأتم من هو في السطح بمن هو على الأرض ذهب إليه علماؤنا وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي وقال مالك أنه شرط فيعيد لو صلى
كذلك. لنا: ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال وسئل فإن قام الامام أسفل من موضع من يصلي خلفه؟ قال: لا بأس وقال إن كان رجل
366

فوق بيت أو غير ذلك والامام يصلى على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلي خلفه ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع منه بشئ كثير ولان المقتضي وهو
عموم الامر بالاجماع موجود والمانع وهو ارتفاع علو الامام الشاغل للبصر منتف فثبت الحكم. * مسألة: ولا يشترط فيها نية الامام
للإمامة سواء كان المأموم وإن كان المأموم رجلا أو امرأة وبه قال الشافعي وقال الأوزاعي: عليه أن ينوي إمامة من يأتم به رجلا كان أو امرأة
وهو قول أحمد وقال أبو حنيفة يشترط لو أم النساء. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله فتوضأ ووقف يصلي فتوضأت ثم جئت فوقفت على يساره فأخذ بيدي فأدارني من ورائه إلى يمينه ومن المعلوم أنه عليه السلام لم يكن ناويا
لإمامته ولأنه لا يختلف فعله حالتي الإمامة والانفراد فلا فائدة في نيتها احتج المخالف بقوله عليه السلام: الأئمة ضمناء ولا ضمان إلا مع النية والجواب:
لم لا يكتفي فيه نية المأموم. فرع: لو صلى منفردا فجاء آخر فصلى معه فنوى إمامته صح ولو لم ينو في الفرض والنفل وكذا لو لم يعلم الامام
بالدخول معه وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك والأوزاعي وابن المنذر وقال أحمد والثوري وإسحاق أنه لا يصح. لنا: ما تقدم من حديث ابن عباس
ولان ذلك في محل الحاجة فكان مشروعا بيانه أنه إذا صلى المنفرد وجاء قوم آخر من ورائه فانقطع الصلاة ارتكب النهي في قوله ولا تبطلوا أعمالكم
وإن أتم وأخبرهم ببطلان صلاتهم فهو أقبح وأشق ولانا قد بينا أن نية الامام غير شرط احتجوا بقوله عليه السلام الأئمة ضمناء ولا ضمان إلا مع العلم
ولأنه لم ينو إمامة في ابتداء الصلاة فلم يصح كما لو أيتم بمأموم. والجواب عن الأول: أنه لا يدل على ما قالوها فإن الامام إنما يتحمل القراءة والسهو،
وعن الثاني: أنه ينتقض بحالة الاستخلاف. * مسألة: وليس تساوي الفرضين شرطا فلو صلى ظهرا مع من يصلي العصر صح ذهب إليه علماؤنا
أجمع وبه قال عطا وطاوس والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وسلمى بن حرب وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين وقال أبو حنيفة ومالك
والزهري وأحمد في الرواية الأخرى أنه شرط. لنا: أن المباينة بين صلاة النفل والفرض مع الاتحاد كالظهر إذا صلاها مرة ثانية أكثر من المباينة
بين الظهر والعصر الواجبين وقد صح الايتمام في الأول فيصح في الثاني أما لأنه أولى أو بالاجماع المركب وبيان الأول ما يأتي ولأنهما متساويان
في الأفعال الظاهرة فكان الايتمام جائزا كما لو اتفقا وكالمفترض خلف المتنفل وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل؟ يؤم؟ يقوم فيصلي العصر وهي لهم الظهر قال أجزأت عنهم احتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إنما جعل الامام
ليؤتم به فلا يختلفوا عليه ولان من يصلي الظهر لا يأتم بمن يصلي الجمعة. والجواب عن الأول: أن المراد به لا يختلفوا عليه في الأفعال ويدل
عليه قوله فإذا ركع فاركعوا فإذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا لا في النية ولهذا صح ايتمام المتنفل بالمفترض، وعن الثاني: أن من حصر
يجب عليه الجمعة فلا يجزيه الظهر وينتقض بمن أدرك الامام وقد رفع رأسه من الركعة الثانية فإنه يأتم به
وينوي الظهر لا الجمعة. * مسألة:
وليس تساوي وجه الفعل شرطا فيجوز اقتداء المتنفل بالمفترض وبالعكس والمفترض بمثله والمتنفل بمثله في مواضع سبقت إما اقتداء المتنفل
بالمفترض فلا نعرف فيه خلافا بين أحد من أهل العلم لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال رجل يتصدق على هذا فيصلي معه
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلى الفريضة ثم يجد قوما يصلون جماعة
أيجوز له أن يعيد الصلاة معهم قال نعم وهو أفضل قلت فإن لم يفعل قال ليس به بأس واما الاقتداء المفترض بالمتنفل فإنه جائز عندنا وبه قال عطا و
طاوس والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأحمد في إحدى الروايتين وابن المنذر وسلمى بن حرب وقال الزهري ومالك وأحمد في الرواية الأخرى
وأصحاب الرأي لا يجوز ذلك. لنا: ما رواه الجمهور عن جابر بن عبد الله أن معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يرجع فيصلي بقومه
تلك الصلاة ولان النبي صلى الله عليه وآله صلى صلاة الخوف بالطائفتين مرتين فالثانية نفل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن
عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام اني أحضر المساجد مع جيرتي وغيرهم فيأمروني بالصلاة بهم وقد صليت قبل أن
آتيهم وربما صلى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف الجاهل فأكره أن أتقدم وقد صليت لحال من يصلي بصلاتي ممن سميت لك
؟ فعرف؟ ذلك بأمرك انتهى إليه واعمل به إن شاء الله فكتب صل بهم ولأنهما صلاتان متفقتان في الأفعال فجاز ايتمام المصلي لأحدهما
بالمصلي للأخرى كالعكس احتجوا بقوله عليه السلام إنما جعل الامام ليؤتم به. والجواب: قد تقدم. فرع: ويجوز أن يصلي المأموم قضاء و
الامام أداء عملا بالعموم وبما تقدم وبما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام تقام الصلاة وقد صليت فقال
صل واجعلها لما فات واعلم أن في هذا الحديث دلالة على التوسعة. فرع: إذا صلاها مرة ثانية إماما كان أو مأموما كانت نافلة
ويكون الفرض ما فعله أولا وبه قال الشافعي في الجديد وأبو حنيفة وإسحاق لقوله عليه السلام لكن لكما نافلة إذ قد برئت ذمته بالفعل الأول
فلم يبق عليه وجوب يؤديه في الثاني فإن فعله كان نفلا قال ابن بابويه وقد روى أنه يحتسب أفضلهما وأتمهما وقال الشافعي في القديم
يحسب الله تعالى له أيهما شاء وليس بشئ للحديث المتقدم والمعنى الذي ذكرناه ولقوله عليه السلام لأبي ذر فإنها لك نافلة وقال سعيد بن
المسيب وعطا والشعبي التي صلاها معهم هي المكتوبة وليس بشئ أيضا لما تقدم وروى الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري وابن بابويه
367

في الصحيح عن هشام بن سالم جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال يصلي معهم ويجعلها الفريضة قال الشيخ
والوجه فيها أمران أحدهما أن يحمل على من لم يفرغ من صلاته فإنه يستحب له قطعها أو نقلها إلى النفل ثم يصلي الفرض معهم والثاني يحمل
على القضاء ويجعلها الفريضة التي عليه قضاء والأول أحسن وروى الشيخ عن أبي بصير قال لأبي عبد الله عليه السلام أصل ثم أدخل المسجد فقيام (فقامت)
الصلاة وقد صليت فقال صل معهم يختار الله أحبهما إليه وفيه ضعف من حيث السند. * مسألة: وليس الذكور شرطا في الجماعة فيجوز أن
تؤم المرأة بالنساء في الفرض والنفل الذي فيه يسن الجماعة ذهب إليه أكثر علمائنا وهو مستحب عندنا وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وروى
عن عائشة وأم سلمة وعطا والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وقال أحمد في الرواية الأخرى أنه مكروه وإن فعلن أجزأهن وهو قول أبي حنيفة
ومالك وحكي عن نافع وعمر بن عبد العزيز وقال الشعبي والنخعي وقتادة لهن ذلك في التطوع دون المكتوبة وهو قول السيد المرتضى رحمه الله
وقال الحسن وسلمان بن يسار: لا تؤم في فريضة ولا نافلة. لنا: ما رواه الجمهور أن النبي صلى الله عليه وآله أمر أم ورقة بنت عبد الله بن الحرث بن
نوفل الأنصاري أن تأم أهل دارها وجعل لها مؤذنا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تؤم
النساء قال لا بأس وما رواه عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يؤم المرأة قال نعم تكون خلفه وعن المرأة تؤم النساء
قال نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن ولأنهن من أهل الفرض فسنت لهن الجماعة كالرجال احتجوا بأنهن يكره لهن الأذان وهو دعاء إلى الجماعة
فكره لهن ما أريد الأذان له. والجواب: أن الكراهية للأذان من حيث اشتماله على رفع الصوت وهو منتف عن الصلاة ولان كراهية الأذان لا يستلزم
كراهية الجماعة فإن من الصلوات ما يكره له الأذان ويستحب فيه الجماعة أو يجب ولأنهن يستحب لهن الإقامة وهي دعا إلى الجماعة احتج المرتضى بما رواه
ابن بابويه في الصحيح قال سأل هشام بن سالم أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال: تؤمهن في النافلة فأما في المكتوبة فلا وعن زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له المرأة تؤم النساء؟ قال: لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها وقد رواها الشيخ أيضا. والجواب: أنهما نادرتان
لم يعمل بهما أحد من علمائنا مع معارضتهما لما ذكرناه من الأدلة فيسقطان ويعارضان أيضا بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن
الماضي عليه السلام قال سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال: بقدر ما تسمع وما رواه في الصحيح عن علي بن جعفر عن
أخيه موسى عليهما السلام مثله وأيضا يحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى من لم يعرف فرائض الصلاة وواجباتها منهن فإنه لا يجوز لها أن تؤم غيرها
في الواجب وخصصهن بالذكر لأغلبية الوصف فيهن. * مسألة: ولا يشترط الحرية أيضا بل يجوز للعبيد أن يصلوا جماعة عملا بالعموم
ولا المضر ولا وجود الإمام العادل ولا الصحة من المرض والعمى والعرج ولا الحضر وإن كانت مشروطا في الجمعة عملا بالعموم. {البحث
الرابع} في الامام، * مسألة: يشترط فيه العقل بلا خلاف لان المجنون غير مكلف فلا صلاة له فكيف يكون متبوعا ولو أفاق في
وقت صحت إمامته فيه لأنه مكلف حينئذ لكنه يكره لأنه يجوز أن يكون قد احتلم حال جنونه ولم يعلم ولأنه ربما يأتي الجنون حال الصلاة. * مسألة:
والبلوغ شرط في الامام وهو مذهب الشيخ في التهذيب والاستبصار وبه قال ابن عباس وابن مسعود وعطا ومجاهد والشعبي ومالك والثوري
والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط يجوز للمراهق المميز أن يكون إماما وهو قول الحسن البصري والشافعي و
إسحاق وابن المنذر ونقل عن أبي حنيفة ومالك والثوري أنه يؤم في النفل لا في الفرض. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس ابن مسعود وهما من
أكابر الصحابة وعلمائهم والظاهر أنهما لم يقولاه إلا عن سماع من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إسحاق بن
عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام كان يقول لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم ولا يؤم حتى يحتلم فإن أم جازت صلاته و
فسدت صلاة من خلفه ولان الامام ضامن وهو لا يثبت إلا مع التكليف ولان الإمامة نوع من الكمال والصبي ليس من أهله كالمرأة ولأنه لا يؤمن
من تركه فإنه إن كان عارفا بأنه غير مكلف استسهل ترك بعض الواجبات وإن لم يعلم لم يكن صالحا للإمامة لعدم تميزه احتج الشيخ بما رواه عن طلحة بن
زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤم ولان صلاته شرعية لقوله عليه السلام مروهم بصلاة
لسبع واحتج الشافعي بما رواه عمرو بن سلمة قال كنت غلاما حافظا قد حفظت قرآنا كثيرا فانطلق أبي واقد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
في نفر من قومه فقال النبي صلى الله عليه وآله يؤمكم أقرأكم لكتاب الله فقدموني فكنت أصلي بهم وأنا ابن سبع أو ثمان ولأنه يؤذن للرجال فجاز
أن يؤمهم كالبالغ. والجواب عن الأول: أن الراوي وهو طلحة بن زيد بتري فلا تعويل على روايته قال الشيخ في التهذيب ويحتمل أن يكون المراد
من بلغ ولم يحتلم فإن بلوغ لا يشترط فيه الاحتلام قيل عليه الروايتان قد تواردتا على صفة واحدة مع تنافي الحكم. والجواب: لا نسلم تواردهما على صفة
واحدة إذ يحتمل أن يكون المراد بالاحتلام في الأول البلوغ وقد يكون قد عبر بالسبب عن المسبب وهو وجه قوي في المجاز، وعن الثاني: ما تقدم
في باب الجمعة، وعن الثالث: بالطعن في السند قال الخطائي كان أحمد يضعف حديث عمرو بن سلمة وقال لا أدري أي شئ هو فإنه أسند الايتمام
إليه وإلى جماعته ولم ينقله عن الرسول صلى الله عليه وآله فلعلهم أخطأوا في فهم قوله عليه السلام يؤمكم أقرأكم فحملوه على العموم ويؤيده قوله في الحديث
368

وكنت إذا سجدت خرجت الشئ وهذا غير سائغ. * مسألة: والإسلام شرط وهو مذهب علماء الاسلام قال الله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) والكافر
ظالم والاقتداء به ركون إليه واعتماد عليه في القراءة والسهو ولأنه ظالم والكافر ليس أهلا لضمان الصلاة. فروع: [الأول] لا فرق بين الكافر
المتدين في شرط في تخليته عن هذا الشرط العدل في تخلية وبين غيره عملا بالعموم. [الثاني] لو صلى بمظهر الاسلام فبان كافرا لم يعذر وهو اختيار الشيخ وبه قال المزني وأبو
ثور وقال السيد المرتضى يعيد وهو مذهب الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي. لنا: ما رواه الشيخ في الحسن وابن بابويه معا عن محمد بن أبي عمرو عن بعض أصحابه
عن أبي عبد الله عليه السلام في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل فلما صاروا إلى الكوفة علم أنه يهودي قال لا يعيدون قال ابن بابويه
وسمعت جماعة من مشايخنا ويقولون أنه ليس عليهم إعادة فيما جهر فيه وعليهم إعادة ما صلى بهم مما لا يجهر فيه ولأنها وقعت مشروعة فكانت
مجزية ولأنه ائتم بمن لا يعلم حاله فأشبه المحدث ولأنه مأمور بالتعويل على صلاح الظاهر إذ الاطلاع على الباطن يمتنع فإذا فعل ما أمر به حصل
الاجزاء احتج السيد بما رواه ابن بابويه عن إسماعيل بن مسلم أنه سئل الصادق عن الصلاة خلف رجل يكذب لقدر الله عز وجل قال ليعد
كل صلاة صلاها خلفه واحتج الشافعي بأنه ائتم بمن لا يصلح الإمامة فأشبه المجنون. والجواب عن الأول: مع تسليم صحة سنده أنه يحتمل أن يكون
قد صلى وراءه مع العلم بحاله إذ ليس في الخبر ما يدل على جهل حاله فيجعل ما ذكرناه جمعا بين الأدلة، وعن الثاني: أنه ليس بصالح للإمامة إما
في نفس الامر أو في ظنه والأول مسلم والثاني ممنوع وليس المأخوذ عليه هو الأول. [الثالث] لا يجوز أن يصلي خلفه إذا شك في إسلامه
إذا الشرط الاسلام فينبغي تحققه خلافا لبعض الجمهور. [الرابع] لو كان المصلي ممن يسلم تارة ويرتد أخرى لم يجز الصلاة خلفه إلا
مع يقين الاسلام قولا واحدا فلو صلى خلفه ولم يعلم ما هو عليه فإن كان قد علم قبل الصلاة إسلامه صحت صلاته إذ الأصل البقاء
وإن علم ردته وشك في إسلامه لم تصح صلاته. [الخامس] لو صلى خلفه فقال بعد الصلاة ما كنت أسلمت اني كنت قد ارتدت لم تبطل
صلاته مع فعلها في حال إسلامه الظاهر لأنها وقعت صحيحة ظاهرا فلا تبطل بقوله ولان قوله مردود أما لو صلى خلف من علم ردته فقال
بعد الصلاة قد كنت أسلمت لم تصح صلاته خلافا لبعض الجمهور لان المأخوذ عليه الصلاة خلف من يعلم إسلامه ولم يحصل. [السادس]
قال الشيخ في المبسوط والخلاف لا يحكم بإسلام الكافر بمجرد الصلاة ما لم يتلفظ بالشهادتين سواء صلى في جماعة أو منفردا وهو قول بعض
الشافعية وقال بعضهم إن صلى في دار الاسلام فليس بمسلم لأنه قد يقصد الاستتار بالصلاة وإن صلى في دار الحرب فهو مسلم لعدم التهمة
ونقل الشافعي أنه يحكم عليه بالاسلام لكن لا يلزمه حكمه حتى لو أنكر الاسلام لم يكن مرتدا وقال أبو حنيفة إن صلى جماعة أو بجماعة كان
إسلاما وإن صلى منفردا في المسجد كان إسلاما وإن كان في غيره لم يكن إسلاما وكان أحمد يحكم بإسلامه بالصلاة بكل حال ولو لم يقم عليه (عليها)
كان مرتدا. لنا: أن اتفاق الناس على اشتراط النبي صلى الله عليه وآله الشهادتين في الاسلام وروى ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله أنه
قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله والصلاة ليست في الاسلام بل هي شعار كغيرها من العبادات الاسلامية فلا يصير
بفعلها مقرا بالاسلام ولأنها من فروع الاسلام فلا يكون بفعلها مسلما كالحج والصوم احتج المخالف بقوله عليه
السلام نهيت عن قتل المصلين و
لقوله عليه السلام بيننا وبينهم الصلاة جعلها حدا بين الاسلام والكفر ولأنها عبادة تختص بالمسلمين فالاتيان بها إسلام كالشهادتين. والجواب عن
الأول: أن المراد بذلك المعتقدين للصلاة وليسوا إلا المسلمين وكذا الحديث الثاني وقياسهم ينتقض بصوم رمضان والحج وبالصلاة منفردا عند
أبي حنيفة ولو سمع منه التلفظ بالشهادتين في الصلاة حكم بإسلامه قولا واحدا وهو أصح القولين عند الشافعية. * مسألة: ويشترط فيه
الايمان وذهب إليه علماؤنا أجمع وقال الشافعي أكره إمامة المظهر المبدع وإن صلى خلفه جاز قال أصحابه المختلفون في المذهب على ثلاثة أضرب ضرب
لا يكفرهم ولا يفسقهم كالمختلفين في الفروع كأصحاب أبي حنيفة ومالك وهؤلاء يكره الايتمام بهم، وضرب يكفرهم (كالمقر له) كالمعتزلة فهؤلاء لا يجوز الايتمام
بهم للحكم بكفرهم، وضرب يفسقهم ولا يكفرهم كالسابين للسلف والخطابية فحكمهم حكم شارب الخمر يجوز الايتمام بهم وهو قول أكثر أهل العلم وقال مالك لا يؤتم بمدعى البدع ظ
لنا: ما رواه الجمهور عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله على منبره يقول لا يؤمن المرأة رجلا ولا فاجرا مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان أو
يخاف سوطه أو سيفه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل الجعفي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل يحب أمير المؤمنين
ولا يبرأ من عدوه ويقول هو أحب إلي ممن خالفه فقال هذا مخلط وهو عدو لا تصل خلفه ولا كرامة إلا أن تتقيه وفي الصحيح عن البرقي قال
كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أيجوز جعلت فداك الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدك فأجاب لا تصل ورأه وفي الصحيح عن تغلبة بن ميمون قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن الصلاة خلف المخالفين فقال ما هم عندي إلا بمنزلة الجدد وروى الشيخ عن إبراهيم بن شيبة قال كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام
أسأله عن الصلاة خلف من يتولى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يرى المسح على الخفين أو خلف من يحرم المسح وهو يمسح فكتب إن جامعك وإياهم موضع
فلم تجد بدا من الصلاة فإذن لنفسك وأقم فإن سبقك إلى القراءة فسبح وعن خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تصلى خلف المغالي
وإن كان يقول بقولك والجهور المجاهر بالفسق وإن كان مقتصدا وروى الشيخ وابن بابويه معا عن علي بن محمد الهادي ومحمد بن علي الجواد عليهما السلام
أنهما قالا من قال بالجسم فلا تعطوه شيئا من الزكاة ولا تصلوا من وراءه ولان الامام ضامن القراءة والسهو والمخالف ليس أهلا لضمان ذلك ولأنه مناف
369

فلا يركن إليه احتج المخالف بقوله عليه السلام: صلوا خلف من قال لا إله إلا الله ولان صلاته صحيحة فجاز الايتمام به كغيره. والجواب عن الأول: أنه مخصص
بحديث جابر والخاص مقدم على العام، وعن الثاني أن صحة الصلاة لا يستلزم صحة الايتمام كالمرأة. * مسألة: والعدالة شرط في الامام ذهب إليه
علماؤنا أجمع وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين ونقله السيد المرتضى عن أبي عبد الله البصري محتجا بإجماع أهل البيت عليهم السلام وكان يقول
إن إجماعهم حجة وفي الرواية الأخرى عن أحمد أنها ليست شرطا وهو قول الشافعي وأبي حنيفة. لنا: ما رواه الجمهور عن حديث جابر لا يؤمن فاجر مؤمنا ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ في خبر خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام من قوله والمجاهر بالفسق وما رواه عن سعد بن إسماعيل عن أبيه قال قلت
للرضا عليه السلام رجل يقارف الذنوب وهو عار وبهذا الامر أصلي خلفه قال لا وما رواه عن علي بن راشد قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ان مواليك قد اختلفوا فأصلي خلفهم جميعا فقال لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته وما رواه في الحسن عن زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أن أناسا رووا
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه صلى أربع ركعات بعد الجمعة لم يفصل بينهن بتسليم فقال يا زرارة ان أمير المؤمنين عليه السلام صلى خلف فاسق فلما
سلم وانصرف قام أمير المؤمنين عليه السلام صلى أربع ركعات لم يفعل بينهن بتسليم وما رواه الشيخ وابن بابويه معا عن أبي ذر رحمه الله قال إن إمامك
شفيعك إلى الله عز وجل فلا تجعل شفيعك إلى الله عز وجل فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا ولان الفاسق ظالم فلا تركن إليه ولأنه ضامن والفاسق
ليس أهلا لضمان الصلاة ولأنه لا يؤمن من إخلاله بشئ من الواجبات كالطهارة وغيرها وليس هناك إمارة يؤمننا من وقوع ذلك احتج المخالف
بقوله عليه السلام صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وبأن الحسن والحسين عليهما السلام كانا يصليان مع مروان وابن عمر كان يصلي مع الحجاج وبما رواه
أبو ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها قال قلت فما تأمرت قال صل الصلاة
لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة ولأنه يصح صلاته لنفسه فيصح الايتمام به كالعدل. والجواب عن الأول: أنه مخصص بما ذكرنا،
وعن الثاني: أنهم فعلوا ذلك تقية وخوفا فإنه قد روي عن عطا وسعيد بن جبير أنهما كانا في المسجد والحجاج يخطب فصليا بالايماء وإنما فعلا
للخوف لو صليا على وجه يعلم بها وحديث أبي ذر ليس فيه دلالة إذ يجوز له أن يصليها تطوعا والبحث ليس فيه ولان تأخير الصلاة ليس معصية
وعن القياس ما تقدم. فروع: [الأول] لو صلى خلف من هو ظاهر العدالة فبان فاسق لم يعد وبه قال الشيخ رحمه الله وهو إحدى الروايتين
عن أحمد وقال السيد المرتضى رحمه الله يعيد. لنا: أنه صلى صلاة مشروعة فكانت مجزية ولان المأخوذ عليه التعويل على الظاهر. [الثاني] لو صلى خلف
جنب أو محدث عالما أعاد بغير خلاف ولو كان جاهلا لم يعد قال السيد المرتضى رحمه الله يلزم للامام الإعادة دون المأموم وقال قد روي أن المأمومين
إن علموا في الوقت لزمهم الإعادة ولو صلى بهم بعض الصلاة ثم علموا حدثه أتم القوم وفي رواية جميل وفي رواية حماد عن الحلبي يستقبلون (يستعيدون) صلاتهم
وقال أبو حنيفة: يعيد. لنا: أنها صلاة شرعية فكانت مجزية وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل يؤم
القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاتهم؟ قال: يعيد ولا يعيد من خلفه وفي الموثق عن عبد الله بن بكير قال سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل أمنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن لا نعلم؟ قال: لا بأس وعن عبد الله بن أبي يعفور قال سأل أبو عبد الله عن رجل أم قوما
وهو على غير وضوء؟ فقال: ليس عليهم إعادة وعليه هو أن يعيد وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن قوم صلى بهم إمامهم وهو غير
طاهر أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال: لا إعادة عليهم تمت صلاتهم وعليه هو الإعادة وليس عليه أن يعلمهم هذا عنه موضوع. [الثالث]
الصلاة خلف المخالف في الفروع عن المجتهدين جائزة لأنه إنما صار إلى ما اعتقده من الحكم لدليل عنده وذلك هو المأخوذ عليه فلم يكن بذلك فاسقا
فهو يشبه المصيب أما لو كان ترك شيئا في الصلاة يعتقده المأموم واجبا كالجهر أو الاخفات مثلا لأجل شبهته أو دليل فالأقرب أنه لا يجوز
له أن يأتم به لارتكابه ما يعتقده المأموم مفسدا للصلاة فكان كما لو خالفه في القبلة حالة الاجتهاد ولو فعل الامام ما يعتقد تحريمه
من المختلف فيه فإن كان يترك شرطا للصلاة أو واجبا فيها فصلاته فاسدة وصلاة المؤتم به كذلك وإن اعتقد خطأه في الاعتقاد لأنه
ترك واجبا بالنسبة إليه وإن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة كإستباحة الوطئ بلفظ التحليل مثلا فإن كان صغيرة لم يخرج بذلك
عن العدالة ما لم يداوم الفعل وإن كان كبيرة كان فاسقا ولو كان عاصيا فاستفتى المجتهد وأخطأ المجتهد في إجتهاده لم يخرج العاصي عن
العدالة وجازت الصلاة خلفه إذ فرضه سؤال العلماء وقد امتثل. * مسألة: وطهارة المولد شرط في الامام فلا يتقدم ولد الزنا يشترط
عدم العلم بالولادة عن الزنا لا العلم بالعدم وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وقال الشافعي يكره إمامته وكره مالك أن يتخذ إماما راتبا وقال
أحمد وعطا والحسن والنخعي والزهري وعمرو بن دينار وإسحاق لا يكره إمامته. لنا: أنه ناقص فلا يجعل له مزية فضل على الكامل ولقوله عليه السلام
أنه شر الثلاثة وهو يفهم منه أن شره أعظم من شر أبويه ولا شك في أن الزنا كبيرة وعن الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال خمسة لا يؤمون الناس على كل حال المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي ومثله وروى ابن يعقوب في الحسن عن زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام ولأنه غير مقبول الشهادة فلا يكون إماما لعدم الفارق احتج المخالف بقوله عليه السلام يؤمكم أقرأكم وبما روي عن عائشة
أنها قالت ليس عليه من وزر أبويه شئ. والجواب عن الأول: أنه عام فيخصص بما ذكرناه، وعن الثاني: تسليم عدم تعلق اثم الزنا به لكنا نقول أنه
370

عليه السلام حكم بشر أبويه للزنا وهو شر باعتبار ولادته عن الزنا. * مسألة: يجوز أن يكون الامام عبدا وقال الشيخ في النهاية يجوز أن يكون
إماما لمواليه وما اخترناه مذهب الحسن البصري والشعبي والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي وقال مالك لا يكون إماما إلا
أن يكون قارئا وهم أميون. لنا: ما رواه الجمهور من قوله عليه السلام يؤمكم أقرؤكم وعن أبي ذر أن خليلي أوصاني أن اسمع وأطيع وإن كان عبدا
فجدع الأطراف وكان لعائشة غلام يؤمها وصلى ابن مسعود وحذيفة وأبو ذر وراء أبي سعيد وهو عبد لبني أسد ومن طريق الخاصة ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرانا قال لا بأس وفي الصحيح
عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام مثله وفي الموثق عن سماعة قال سألته عن المملوك يؤم الناس فقال لا إلا أن يكون هو أفقههم
وأعلمهم ولان الرق حق عليه فلا يمنع إمامته كالدين ولأنه من أهل الأذان للرجال يأتي بالصلاة على الكمال فكان كالحر في
الإمامة احتج الشيخ بما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه قال: لا يؤم العبد إلا أهله والجواب: السند ضعيف فلا تعويل
على هذه الرواية قال الشيخ في الاستبصار وهي محمولة على الاستحباب وإن كان يجوز أن يؤم أهله. * مسألة: ولا بأس بإمامة الأعمى
إذا كان من ورائه من يسدده ويوجهه إلى القبلة وهو مذهب أهل العلم لا نعرف فيه خلافا إلا ما نقل عن أنس أنه قال ما حاجتهم إليه. لنا: قوله
عليه السلام يؤمكم أقرئكم وما رواه الجمهور أن النبي صلى الله عليه وآله استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى وروى الشعبي عن أبي بكر أنه
قال عن النبي صلى الله عليه وآله ثلاث عشرة غزوة كل ذلك يقدم ابن أم مكتوم يصلي بالناس ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح
عن عبيد الله بن علي بن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بأن يصلي الأعمى بالقوم وإن كانوا هم الذين يوجهونه وعن السكوني عن
أبي عبد الله عليه السلام قال لا يؤم الأعمى في الصحراء إلا أن يوجه إلى القبلة ولان فقد الحاسة لا يؤثر في زوال شئ من شروط الصلاة فجازت
إمامته كالبصير. فرع: لا ريب أن الحر أولى بالإمامة من العبد إذا استويا والبصير من الأعمى كذلك. * مسألة: قال علماؤنا: لا يؤم القاعد
القائم وبه قال مالك في إحدى الروايتين ومحمد بن الحسن وقال الثوري وأبو الثور والشافعي وأبو حنيفة ومالك في الرواية الأخرى أنه
يجوز ذلك ويصلي المؤتمون قياما وقال الأوزاعي وحماد بن زيد وإسحاق وأحمد وابن المنذر يصلون جلوسا كما يصلي هو فلو صلوا قياما
مؤتمين به ففي صحة صلاتهم روايتان عن أحمد وشرط أحمد أمرين أحدهما أن يكون إمام الحي الثاني أن يكون مرضه يرجى زواله لا كالزمن.
لنا: ما رواه الجمهور عن الشعبي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يؤمن أحد بعدي جالسا ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه
عن أبي جعفر عليه السلام قال أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى بأصحابه جالسا ولما فرغ قال: لا يؤمن أحد بعدي جالسا وما رواه الشيخ
عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام لا يؤم المقيد المطلقين ومثله رواه ابن بابويه ولان القيام ركن فلا يصح
إيتمام القادر عليه بالعاجز عنه كغيره من الامر كان احتج الشافعي بما روت عائشة أن أبا بكر صلى بالناس فوجد النبي صلى الله عليه وآله من
نفسه خفة فخرج بين رجلين فأجلسا إلى جنب أبي بكر فصلى قاعدا والناس قيام يأتمون به واحتج أحمد بما روى أبو هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وآله إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين. والجواب عن الأول: أن حال النبي
صلى الله عليه وآله ليس كحال غيره فإن الصلاة معه حال جلوسه أفضل منها حال قيام غيره، وعن الثاني أنه
معارض بما ذكرناه من الأحاديث
فإنه لا يجوز إجرائه على عمومه إذ لو صلى جالسا من غير عذر لم يتبع في ذلك فلا بد من التقييد بعذر المرض فنقول لا (انه كما) يكون مقيدا بعذر العري.
فروع: [الأول] لو أيتم القائم بالقاعد فالأولى بطلان الصلاة عملا بالنهي الدال على الفساد هنا. [الثاني] يجوز للقاعد
أن يأتم بالمؤمى ذكره الشيخ في الخلاف وهو مذهب الشافعي عملا بعموم الأخبار الدالة على عموم الإمامة من غير تفصيل ولأنه فعل إجازة المرض
فلا يغير حكم الايتمام وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد لا يجوز لتارك ركن من الأفعال إمامة أحد كالمضطجع والعاجز عن الركوع والسجود وهو الوجه
عندي لأنه أخل بركن فلا يجوز الايتمام به كالأمي والقارئ. [الثالث] يجوز للقاعد أن يؤم مثله وكذا يجوز للمضطجع أن يؤم مثله ويجوز للقائم
أن يؤم القاعد وللقاعد أن يؤم المضطجع لا العكس. [الرابع] لو تجدد عجز الامام عن القيام فجلس فالوجه الاستخلاف وهل يتمون
الصلاة خلفه قياما فيه نظر وقال أحمد يتمون قياما لأنه قد افتتح الصلاة بالقيام وهو الأصل فيلزمه الايتمام كذلك مع القدرة كالشارع
في صلاة المقيم يلزمه اتمامها وإن حدث مبيح القصر في أثنائها. [الخامس] قال الشيخ يجوز للعاري أن يكون إماما للمكتسين وفيه عندي إشكال
لأنه إنما يصلي بالايماء جالسا فكان تاركا للركن أما لو كان المأموم أعمى وأمن الاطلاع فالوجه الجواز عملا بالعموم السالم من المعارض. [السادس]
لا يؤم المقيد المطلقين للاخلال بالقيام الذي هو ركن. * مسألة: ولا يؤم الأمي القارئ والامي من لا يحسن قراءة الحمد أو لا يحسن القراءة سواء
كانت الصلاة جهرا أو سرا وبه قال مالك والشافعي في أحد أقواله وأبو حنيفة وأحمد وقال الشافعي في بعض أقواله أنه يصح أن يأتم القارئ بالأمي
مطلقا وبه قال المزني وقال أيضا يجوز أن يأتم به في صلاة السر لا الجهر وبه قال الثوري وأبو ثور. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله
371

عليه وآله أنه قال يؤمكم أقرؤكم وهذا قد خالف الامر فلا تصح صلاته. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي عبيد عن أبي عبد الله عليه السلام
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يتقدم القوم أقرؤهم ولان القراءة واجبة مع القدرة فلو إئتم أخل بالواجب ولان الامام يتحمل القراءة
وهذا عاجز فليس أهلا للتحمل فيفضي إلى خلو صلاة المأموم عن القراءة احتج الشافعي بأن القراءة ركن من أركان الصلاة فجاز أن يكون
العاجز عنه إماما للقادر عليه كالقاعد يصلي بالقائم واحتج على القول الأخير بأن المأموم لا يجب عليه القراءة في الجهرية والامام لا يصلح
للتحمل ويجب عليه القراءة في الإخفاتية فلا يتحقق التحمل فيه. والجواب عن الأول: بالمنع من الحكم في الأصل وقد تقدم والنقض بالأخرس و
العاجز عن الركوع والسجود والفرق بأن القيام لا مدخل للتحمل فيه بخلاف القراءة، وعن الثاني: بالمنع من القراءة وسيأتي. فروع: [الأول]
لو صلى القارئ خلف الأمي بطلت صلاة المأموم خاصة وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة تبطل صلاة الإمام والمأموم
. لنا: أن الامام لو صلى منفردا لم تبطل صلاته فكذا لو كان إماما إذ لا بواجب حينئذ ما يكون ثابت في الانفراد احتج أبو حنيفة بأن القارئ لما
أحرم معه لزمته القراءة عنه لأنه يتحمل فإذا عجز فسدت صلاته والجواب: أن القراءة لا تجب عليه لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وإذا سقطت عنه
بالنظر إلى نفسه فبالنظر إلى غيره أولى. [الثاني] لو أم الأمي مثله صحت صلاتهما معا لاستوائهما في الأفعال ولأنه لم يحصل من الجماعة إخلاله
بواجب. [الثالث] لو أم الأمي قارئا وأميا بطلت صلاة القارئ خاصة ولو صلى بقارئ واحد فكذلك وقال احمد تبطل هنا صلاة الامام
أيضا لأنه نوى الإمامة فصار فذا والجواب: نية الإمامة ليست شرطا ولا واجبة لأنه معها لم يخل بواجب. [الرابع] لو صلى القارئ خلف من لا يعلم
حاله في الإخفاتية فالوجه الصحة لان الظاهر أن لا يتقدم إلا من يحسن القراءة وكذا البحث في الجهرية لو خفى عنه الصوت أما لو أسر في الجهرية فقد قيل أنه كذلك بناء على الظاهر والاسرار يمكن
أن يكون للنسيان أو الجهل أو لأنه لا يحسن القراءة فلا تبطل الصلاة بالاحتمال وقيل بالبطلان لان الظاهر معارض بمثله إذ الظاهر أنه لو أحسن
القراءة لجهر. [الخامس] لو أسر في الاسرار ثم قال قرأت في نفسي صدق قولا واحدا لان الظاهر صدقه وكذا لو أسر في الجهرية وقال قرأت قبل ويستحب
الإعادة لاحتمال كذبه وفيه نظر ولو أسر في الإخفاتية وقال ما قرأت في نفسي فالوجه صحة الصلاة لأنها وقعت صحيحة في الظاهر فلا يؤثر فيها قوله
كما لو أخبر بكفره وقال بعض الجمهور يعيد هو والمأموم لان عمر صلى المغرب فلما سلم قال أما سمعتموني قرأت قالوا لا قال فما قرأت في نفسي فأعاد
بهم الصلاة. [السادس] لو كان أحد الرجلين يحسن سبع آيات غير الفاتحة والآخر لا يحسن شيئا فهما أميان ولا ريب في جواز
إيتمام الجاهل بعارف السبع وهل يجوز العكس الأقرب عندي عدم الجواز لأنه لا يعرف شيئا يقوم مقام الحمد مع العذر فيكون كالقارئ خلف الأمي. [السابع]
يجوز أن يؤم الأخرس مثله خلافا لأحمد. لنا: أنهما متساويان في الأفعال فكان كالأمي بمثله ولأنه لم يحصل بالجماعة إخلال بالواجب فيكون العموم سالما
عن المعارض احتج أحمد بأنه ترك ركنا لا يرجى زواله وهو القراءة فكان كالعاجز عن الركوع والسجود والجواب: أن حكم الأصل عندنا مساو لحكم
الفرع إذ للعاجز عن الركوع ان يؤم مثله. [الثامن] هل للأخرس أن يؤم الأمي الذي لا يحسن شيئا؟ فيه نظر أقربه الجواز عملا بالعموم ولو قيل لا يجوز لعدم
قدرته على التكبير مع قدرة المأموم قلنا التكبير لا يحتمله الامام وقد استويا في القراءة. [التاسع] هل يجب على الأمي أن يأتم بالقارئ قال
أبو حنيفة يجب (لا صريحا) وخالف فيه آخرون احتج أبو حنيفة بأنه يمكنه أن يؤدي صلاته بقراءة والقراءة واجبة فيجب الطريق إليها احتج الآخرون
بأن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال إني لا أستطيع أن أخذ شيئا من القرآن فقال النبي صلى الله عليه وآله قل سبحان الله والحمد لله ولم يأمره بالايتمام بالقارئ.
* مسألة: لا يؤم مؤف اللسان صحيحة لتمكن المأموم من القراءة وعجز الامام فلا يصح التحمل ويجوز أن يؤم بمثله لتساويهما في الأفعال فكانا
كالأميين والصحيحين. فروع: [الأول] لا بأس بإمامة التمتام وهو الذي يردد التاء ثم يأتي بها وكذا الفافاء وهو الذي يردد
الفاء ثم يأتي بها لأنهما يكرران الحروف ولا يسقطانها وقال الشيخ التمتام الذي لا يؤدي التاء والفافاء الذي لا يؤدي الفاء وعلى هذا التفسير لا يجوز
الايتمام به للصحيح والأقرب أن الشيخ عنى أنهما لا يؤديان الحرفين إلا بمشقة قال صاحب الصحاح التمتام الذي في لسانه تمتمة وهو الذي يردد في التاء والفافاء
هو أن يردد في الفاء إذا تكلم. [الثاني] الأرت قال الشيخ هو الذي يلحقه في أول كلامه ريح فيتعذر عليه فإذا تلكم انطلق لسانه وهذا التفسير حكاه
الأزهري عن المبرد وقال آخرون الأرت هو الذي في لسانه رتة يدغم حرفا في حرف ولا يبين الحروف قال صاحب الصحاح الرتة بالضم العجمة في الكلام
فعلى التفسير الأول يجوز إمامته وعلى الثاني إن لم يخرج الحروف من مخارجها لم يجز إمامته إلا بمثله لأنه يخل بواجب في القراءة فكان كالأمي.
[الثالث] الألثغ هو الذي يصير الراء عينا أولا ما والشين ثاء ذكره صاحب الصحاح لا يجوز إمامته للصحيح لأنه يخل بواجب في القراءة
والأليغ بالياء المنقطة تحتها نقطتين وهو الذي لا يبين الكلام ولا يأتي بالحروف على البيان والصحة لا يجوز إمامته إلا بمثله وكذا لا يجوز
إمامة من يبذل حرفا مكان حرف كالحاء يجعلها هاء إلا بمثله لاخلاله بالواجب. [الرابع] لا يجوز إمامة من يلحن في قراءته سواء اختل
المعنى به مثل أن يقرأ إياك بكسر الكاف فيكون خطابا للمؤنث أو يقرء ولا الضالين بالظاء أو يقرأ أنعمت عليهم بضم التاء أو لم يختل كما لو فتح همزة
إياك أو ضم همزة اهدنا أو فتح نون نستعين لأنه أخل بواجب وكذا لو لحن في السورة بعد الحمد سواء كفر بلحنه مثل أن يقرأ أن الله برئ من المشركين و
372

رسوله بالكسر وقصد العطف أو لم يكفر به كما لو قصد القسم أو لم يقصد شيئا لأنه أخل بواجب وقال الشافعي إن يحسن في الفاتحة ما يختل به المعنى كما مثلناه فسدت
صلاته خاصة وإن كان لا يختل به المعنى صحت صلاته وإن كان في السورة غير الفاتحة وكفر به فسدت صلاته وصلاة من خلفه وإلا فلا. [الخامس] لو كانت
له ليغة خفيفة يمنع من تخليص الحرف ولكن لا يبدله بغيره أمكن أن يقال بجواز إمامته للقارئ. * مسألة: لا يجوز أن يؤم المرأة الرجال وهو قول عامة
أهل العلم إلا ما حكي عن أبي ثور والمزني ومحمد بن جرير الطبري فإنهم قالوا يجوز في صلاة التراويح إذا لم يكن قارئ غيرها ووقع خلفهم. لنا: ما رواه الجمهور
عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أخروهن من حيث أخرهن الله ولأن المرأة مأمورة بالاستتار والامام مأمور بعقده (بجهره) ولأنها لا تؤذن للرجال فلا تكون إماما
لهم كالكافر احتج المخالف بما روي عن أم ورقة بنت نوفل أن النبي صلى الله عليه وآله كان يدورها في بيتها فجعل لها مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن يؤم أهل
دارها وذلك عام في الرجال والنساء. والجواب: أن الدارقطني روى أنه عليه السلام أمرها أن تؤم نساء أهل دارها وأيضا فهو محمول على ذلك لما قلناه. فروع:
[الأول] يجوز أن يؤم الرجل المرأة ولا نعرف فيه خلافا روى الشيخ عن عبد الله بن بكر عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يؤم المرأة قال نعم
تكون خلفه ومثله رواه في الموثق عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه عليه السلام ولأنهن أهل فرض فاستحب لهن الجماعة
كالرجال وذلك عام في حق الأقارب والأجانب كان معهن رجال أو لم يكن وكره الشافعي أن يصلي الرجل بالأجنبيات إن لم يكن معهن غيره لقوله عليه السلام
لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. [الثاني] لا يجوز أن يؤم الخنثى رجلا لجواز أن يكون امرأة ولا يؤم امرأة خنثى لجواز أن يكون رجلا ولا يجوز
أن يؤم الخنثى مثله لجواز أن يكون الامام منهما امرأة والمأموم رجلا. [الثالث] يجوز للرجل يؤم الخنثى لأنه لا يخلو إما أن يكون رجلا أو امرأة
وعلى التقديرين يجوز الإمامة ويجوز للخنثى أن يؤم امرأة لان أقل حاله أن يكون امرأة. [الرابع] لو صلى خلف من يشك في كونه خنثى فالوجه الصحة
لان الظاهر السلامة من كونه خنثى خصوصا بمن يؤم الرجال ولو تبين بعد الصلاة أنه كان خنثى مشكلا لم يعد لأنه بنى على الظاهر فكان كما لو تبين
كفره. * مسألة: يكره أن يؤم المسافر الحاضر وبالعكس وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي المكروه الأول خاصة. لنا: أن مفارقة الامام للمأموم
مكروهة وهي حاصلة ها هنا على كلا التقديرين وما رواه الشيخ عن الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يؤم الحضري المسافر
ولا المسافر الحضري فإن ابتلى بشئ من ذلك فأم قوم قوما حضريين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم وإذا صلى المسافر خلف المقيم
فليتم صلاته ركعتين ويسلم وإن صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر ولأنهما مختلفان في عدد الفرض وكره إيتمام كل واحد
منهما لصاحبه كايتمام الحاضر بالمسافر احتج الشافعي بأن المسافر يتم صلاته خلف المقيم فلا كراهية أما العكس فإنه مكروه لان الامام متبوع والجواب:
ان اتمام المأموم غير جائز على ما سيأتي. فروع: [الأول] لو كان الامام حاضرا والمأموم مسافر استحب للامام أن يؤمي برأسه إلى
التسليم ليسلم المأموم ثم يقوم الامام فيتم صلاته ويجوز للمأموم أن يصلي معه فريضة أخرى لحديث الفضل لا يقال أن السورة لا تجب فيكون قراءة الإمام
ناقصة فكيف يتحمل عن المأموم لأنا نقول بمنع نقصان القراءة وأيضا ينتقض بالمسبوق. [الثاني] لو كان الامام مسافرا سلم ولا يتبعه المأموم
فيه لأنه جعل للخروج في الصلاة وهو محرم قبل إكمالها فإذا سلم قام المأموم فأتم صلاته ويستحب للامام أن يقدم من يؤم بهم فإن لم يفعل قدم المأمومين
وهل يجوز أن يصلي الامام فريضة أخرى فنوى المأموم الايتمام به في التتمة الذي يلوح من كلام الشيخ في الخلاف الجواز. [الثالث] لا يكره
إيتمام المسافر بمثله لتساويهما في الفعل والعدد فلا يحصل المفارقة. [الرابع] لو تساوى فرض الحاضر والمسافر عددا كما في المغرب أو الصبح أو صلاة
الخوف إن قلنا بالقصر فيهما حضر أهل يكره الجماعة هنا؟ الأقرب عدمه للتساوي فلا تحصل المفارقة المقتضية للكراهية. * مسألة: ويكره
أن يؤم المتيمم متطهرا بالماء ولا نعرف فيه خلافا إلا ما حكي عن محمد بن الحسن الشيباني من المنع من ذلك. لنا: على الجواز عموم الامر بالجماعة وما رواه
الجمهور أن عمر بن العاص صلى بأصحابه متيمما وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله ولم ينكره وصلى ابن
عباس بأصحابه وفيهم عمار بن ياسر وجماعة
من الصحابة ولم ينكروه فكان إجماعا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن حمزة بن حمران وجميل بن دراج قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
إمام قوم أصابه جنابة في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم قال لا ولكن يتيمم الجنب ويصلي بهم فإن الله جعل التراب
طهورا ولأنه متطهرا طهارة شرعية يجوز له معها الدخول في الصلاة ويسقط معها الفرض فأشبه المتوضئ وأما الكراهية فلما رواه الشيخ في الصحيح عن
عباد بن صهيب قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا يصلي المتيمم بقوم متوضين وما رواه في الموثق عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام
عن أبيه عليهما السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام لا يؤم المقيد المطلقين ولا يؤم صاحب الفالج الأصحاء ولا صاحب التيمم المتوضين. فروع: [الأول]
قال الشيخ تجوز صلاة الطاهرة خلف المستحاضة وخالف فيه أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وللشافعي وجهان. لنا: أنها متطهرة طهارة شرعية يجوز معها الدخول
في الصلاة فأشبهت المتيمم احتجوا بأنها تصلي مع خروج الحدث من غير طهارة له والجواب أن ذلك الحدث سقط اعتباره في نظر الشرع في تلك
الصلاة وكذا البحث في صاحب السلس. [الثاني] من على ثوبه أو بدنه نجاسة لا يمكن من إزالتها أن يكون إماما للطاهر خلافا لبعض الجمهور عملا بالعموم
وهو قوله عليه السلام يؤمكم أقرأكم. [الثالث] لا يجوز إيتمام المتطهر بعادم الماء والتراب وشبهه إن قلنا بوجوب الصلاة عليه لأنه صلى (خلف) غير متطهر فلا
373

تكون مجزية وكذا البحث في المتمكن من الاستقبال مع العاجز لأنه تارك لشرط بقدر المأموم عليه. [الرابع] يجوز أن يكون كل واحد من هؤلاء إماما لمثله
لحصول التساوي في الأفعال والشروط. [الخامس] لو رأى المأموم المتوضئ الماء لم يفسد صلاته وبه قال زفر وقال أبو حنيفة أو صاحبا بفساد صلاته. لنا: ان المبطل
رؤية المتيمم لا غيره والامام لم يره والمقتدي غير متيمم احتجوا بأن الامام صار واجدا للماء فيما يرجع إلى المقتدي فيبطل تيمم الامام فيما يرجع إليه فيفسد
صلاته لأنها بنا على صلاته والجواب: لا يخفى ضعف ما ذكره. * مسألة: ولا يؤم الأجذم والأبرص وصاحب الفالج الأصحاء أما الأجذم والأبرص
فقد اختلف علمائنا فيهما فبعض قال بالمنع ذهب إليه السيد المرتضى والشيخ رحمه الله وقال المفيد وابن إدريس بالكراهية وهو الأقرب أما الجواز فللعموم
وما رواه الشيخ عن عبد الله بن يزيد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المجذوم والأبرص يؤمان الناس قال نعم هل يبتلي الله بهما المؤمن قال نعم وهل
كتب البلاء إلا على المؤمن احتج الشيخ بما رواه في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال خمسة لا يؤمون الناس على كل حال المجذوم و
الأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي والجواب: أنه في البعض محمول على الكراهية جمعا بين الأدلة وأما صاحب الفالج فالوجه منه الكراهية
لما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال ولا يؤم صاحب الفالج الأصحاء. * مسألة: ولا يؤم
المحدود الناس اما قبل التوبة فعلى سبيل التحريم لفسقه وأما بعدها فعلى الكراهية لنقصه روى ابن بابويه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال خمسة لا يؤمون الناس ولا يصلون بهم صلاة فريضة في جماعة الأبرص والمجذوم وولد الزنا والأعرابي حتى يهاجر وروى ابن بابويه أيضا
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لا يصلين أحكم خلف الأجذم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا والأعرابي لا يؤم المهاجرين. فرع: وفي كراهية
إمامة هؤلاء بأمثالهم نظر أقربه الكراهية عملا بعموم قوله عليه السلام خمسة لا يؤمون الناس. * مسألة: ولا يؤم الأغلف والتحريم منوط
بالتفريط للفسق لما رواه الشيخ عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام قال الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم لأنه؟ ضم؟ من
السنة أعظمها ولا تقبل له شهادة ولا يصلي عليه إلا أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه ورواه ابن بابويه أيضا عن علي عليه السلام وفي حديث ما يدل
على اشتراط ما ذكرناه. * مسألة: ولا يؤم الأعرابي بالمهاجرين وقال مالك وقال عطا والثوري وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي لا يكره إمامته. لنا: قوله
تعالى الاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله ومن هذه حاله لا يصلح للإمامة وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي
بصير وقد تقدم وما رواه ابن بابويه عن أبي جعفر وأمير المؤمنين عليه السلام وقد سلف احتج المخالف بعموم قوله عليه السلام يؤمكم أقرأكم والجواب الظاهر
من حال الاعراب أنهم ليسوا من أهل المعرفة بالقرآن. فرع: لو كان الأعرابي يعرف محاسن الاسلام ووصفها جازت إمامته عملا بالعموم السالم
عن معارضة الجهل وإن لم يكن كذلك لم يجز لا لمثله ولا لمخالفه. * مسألة: قال الشيخ في التهذيب ينبغي أن يكون الامام بريئا من سائر العاهات و
هذا على الاستحباب إلا ما استثنى فعلى هذا يكره إمامة الأصم لأنه ذو عاهة ولو انضم إلى الصمم عمى كان أشد كراهة وقال بعض الجمهور لا يصح إمامته.
لنا: أنه من أهل الفرض ولا تحل بشئ من الأفعال فجازت إمامته كالصحيح احتجوا بأنه إذا سها لا يمكن تنبيه بتسبيح ولا إشارة والجواب احتمال العروض
لا يمنع الصحة كالجنون حال إقامته. * مسألة: وأما اقطع (مقطوع) التدين ولا نعرف لأصحابنا فيه نصا والأقرب جواز إمامته عملا بعموم قوله يؤمكم
أقرأكم وقال بعض الجمهور ولا يجوز إمامته لأنه يخل بالسجود على أعضاء السبعة. والجواب أن السجود يفعله المأموم ولا يتحمل الامام أما أقطع (مقطوع) الرجلين
فلا يجوز إمامته لأنه يدخل في القاعد. فرع: يجوز إمامة من ذكرنا بمثله إجماعا لحصول المساواة وعدم فوات واجب بالجماعة. * مسألة:
ولا يكره إمامة من يكرهه المأمومون أو أكثرهم إذا كان بشرائط الإمامة خلافا لبعض الجمهور. لنا: قوله عليه السلام يؤمكم أقرؤكم وذلك عام ولا
اعتبار بكراهية المأمومين له إذ الاثم إنما يتعلق بمن كرهه لا به وكذا لا يكره إمامة الجندي والخصي مع الشرائط عملا بالعموم. * مسألة:
ويتقدم صاحب المنزل الامارة والمسجد فهو أولى من غيره وذلك مع استكمال الشرائط وإن كان فيهم من هو أفضل منه إلا السلطان العادل
فإنه أولى منه ولا نعرف فيه مخالفا روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا يؤمن الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا
بإذنه واختلف في التكرمة فقيل الفراش وقيل المائدة وعنه صلى الله عليه وآله من زار قوما فلا يؤمهم رجل منهم ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ عن أبي عبيدة قال قال أبو عبد الله عليه السلام ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا صاحب سلطان والمسجد الراتب بمثابة المنزل
فيناوله النهي ولأنه يؤثر تحاسدا وتباعدا. فروع: [الأول] لو أذن المستحق من هؤلاء لغيره في التقديم جاز وكان أولى من غيره إذا
اجتمع الشرائط ولا نعرف فيه خلافا لأنه حق له فله نقله إلى من شاء ومن احتج بقوله عليه السلام إلا بإذنه لم يصب إذ الاستثناء المتعصب للجمل إنما
يعود إلى الأخيرة. [الثاني] لو دخل السلطان غير بلده الذي يستوطنه وله فيه خليفة كان أولى من خليفته فيه لان ولاية الخليفة بالتبعية
فلا يكون أولى من ولايته بالأصالة ولأنه حاكم عليه. [الثالث] السيد أولى من عبده في المنزل الذي دفعه السيد إليه وهل يكون أولى
من غير سيده فيه الأقرب نعم بناء على جواز إمامته عملا بعموم ولاية صاحب المنزل ولأنه لما اجتمع ابن مسعود وحذيفة وأبو ذر في بيت
أبي سعيد مولى بني أسد تقدم أبو ذر ليصلي بهم فقالوا له وراءك فالتفت إلى أصحابه فقال كذلك قالوا نعم فتأخر وقدموا أبا سعيد فصلى بهم
374

[الرابع] مستأجر الدار أولى من غيره وإن كان المالك لأنه ملك منافعها وأحق بالسكنى من غيره. [الخامس] قال الشيخ إن حضر رجل من بني ما
كان أولى إذا كان محسن القراءة وهو حسن لأنه أفضل من غيره وتقديم المفضول قبيح عقلا. * مسألة: ويقدم مع التشاح اقرأ القوم لكتاب
الله تعالى ذهب إليه أكثر علمائنا وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال الشافعي ومالك والأوزاعي وأبو ثور يقدم
الأفقه. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال يؤم القوم أقرأهم لكتاب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال يتقدم لقوم أقرأهم للقرآن ولأنها واجب في الصلاة فكان القادر عليها
أولى لا يقال أنه عليه السلام قدم القارئ لان الصحابة كان الأفقه منهم هو الأكثر قرآنا لأنا نقول اللفظ عام فكأنه العبرة به لا بخصوص السبب
ولأنه عليه السلام تعلمهم بعد هذه المرتبة فقال في الحديث فإن استووا فأعلمهم بالسنة احتج المخالف بأن الفقه محتاج إليه في جميع الصلاة والقراءة في
بعضها فكان الأول أولى ولأنه أعرف بيديه الصلاة ولان الفقيه مقدم في الإمامة العامة والحكم على القراءة فكذا هنا والجواب النص أولى
مما ذكرتم. فرع: يرجح أحد القارئين على الآخر بكثرة القرآن إذا تساويا في موجب التقديم أما إذا كان أحدهما أفقه والآخر أكثر قرآنا
واستويا في قراءة الواجب قدم الأفقه. * مسألة: فإن استووا فأفقههم ذهب إليه أكثر علمائنا وقال السيد المرتضى يقدم الأسن واختاره
ابن إدريس. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال فإن استووا في القراءة فأعلمهم بالسنة ولان الفقه محتاج إليه في الصلاة
وتكميلها فكان أولى من السن احتج السيد المرتضى بما رواه الجمهور عن مالك بن الحريث وصاحبه قال يومكما أكبركما ومن طريق الخاصة
ما رواه أبو عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله فإن تساووا في القراءة فأقدمهم هجرة فإن تساووا منهم
فإن كانوا سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة والجواب عن الأول أنه حكم في واقعة لا عموم لها فلعله عليه السلام عرف منهما التساوي في القراءة والفقه
ولأنه لولا ذلك لكان الأكبر أولى من الأقرأ وليس كذلك وعن الثاني أن في طريقة ضعف. فروع: [الأول] لو أجتمع فقيهان قارئان
وأحدهما أكثر فقها قدم الأقرأ للخبر وقال للخبر وقال بعض الجمهور القائلين بأولوية الأقرأ أنه يقدم الأفقه لغيره بما لا يستغني عنه في الصلاة والجواب: النص أولى.
[الثاني] كما أن الترجيح يحصل بكثرة القراءة وإن استويا في قراءة الحمد والسورة فكذا يحصل بكثرة الفقه وإن استويا في المحتاج إليه في
الصلاة لان الأكثر أشرف وأعلم فكان أولى بالتقديم ولان في بعض المسائل معونة على معرفة الباقي فكان الأكثر أولى. [الثالث]
لو كان أحد الفقيهين أعلم بأحكام الصلاة خاصة والآخر أعلم بما غايرها فالأول أولى لان المطلوب في الصلاة أعلم المؤثر في تكميلها. * مسألة:
فإن تساووا في الفقه فأقدمهم هجرة والمراد بها أن يكون أحدهما سبق هجرة من دار الحرب إلى دار الاسلام ذهب إليه علماؤنا وهو أظهر قولي
أحمد والشافعي وقال الشافعي أيضا يقدم الأسن. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال فإن استووا في السن فأقدمهم هجرة
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في حديث أبي عبيدة من تقديم الهجرة على السن ولان الهجرة قربة وطاعة فكان السابق إليها أفضل أحتج
الشافعي بحديث مالك بن الحريرث والجواب عنه: قد تقدم. * مسألة: فإن تساووا في الهجرة اما لاقترانهما أو لعدمهما عنهما قدم الأسن
لحديث مالك وأبي عبيدة ولان الأسن أسبق إلى الاسلام ولأنه أولى بالتوقير والاعظام وأعلم أن الاسلام أشرف من الهجرة فيقدم المتقدم به
مع التساوي وهل هو أولى من الهجرة الأقرب لا لورود النص على الترتيب فإن تساووا في ذلك كله قدم الأشرف نسبا وكره الجمهور والمراد بالنسب تقديم
بني هاشم على غيرهم من قريش وتقديم بني عبد المطلب على غيرهم من بني هاشم وتقديم قريش على غيرهم وقال بعض أصحابنا الهاشمي أولى من غيره
بالإمامة فإن تساووا قال الشيخان يرجح بالأصبح وجها وجعله المرتضى وابن إدريس رواية وهو قول بعض الشافعية إلا أنهم فسروه تارة بالأحسن وجها كما هو المتعارف وتارة بالأحسن
ذكرا بين الناس فإن تساووا في ذلك كله قدم الأتقى والأورع لقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولأنه أقرب للإجابة فكان أفضل من
غيره ولما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إذا أم القوم ومنهم من هو خير منه لم يزالوا في السفال ومن طريق الخاصة ما رواه ابن
بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال إمام القوم وافدهم فقدموا أفضلكم وعنه عليه السلام أن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم
وعنه عليه السلام من صلى بقوم وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى السفال إلى يوم القيامة فإن استووا في
ذلك كله قال بعض الجمهور يقرع بينهم
لتساويهم وعدم أولوية بعضهم ولان سعد بن أبي وقاص أقرع بينهم في الأذان فالإمامة أولى ولو كان أحدهما يقوم بعمارة المسجد ويتعاهده قيل يكون
هو أولى ولو كان أحدهم من أولاد تقدمت هجرته فهو أولى على ما قال بعضهم. فرع: هذا كله على جهة الاستحباب دون الوجوب ولا نعرف
فيه خلافا. * مسألة: الحرة أولى بالإمامة للنساء من الأمة لأنها أشرف ولان الحر أولى ولأنها تصلي مستترة والأمة يجوز أن تكشف رأسها
والمستترة أولى. {البحث الخامس} في النسبة بين الامام والمأمومين في المكان وقد بينا فيما سلف أنه لا يجوز أن يتقدم المأموم الامام
في موقفه ولا يتباعد عنه ما يخرج عن العادة وليس هناك اتصال الصفوف ولا يكون أسفل منه بما يعتد به كالأبنية فلا حاجة إلى تكثيره
* مسألة: يستحب أن يقف المأموم الواحد عن يمين الامام ذهب إليه أكثر أهل العلم وقال سعيد بن المسيب يقيمه عن يساره وقال النخعي يقيمه
375

وراءه إلى أن يركع فإن جاء أحد وإلا أقامه عن يمينه. لنا: ما رواه الجمهور في حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله حوله إلى يمينه
وما رواه عن جابر بن عبد الله قال سرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة فقام يصلي فتوضأت ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول
الله صلى الله عليه وآله فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه فجاء حبار بن حجر (جباب) حتى قام عن يساره فأخذنا بيديه جميعا حتى أقامنا خلفه ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه فإن كانوا أكثر
من ذلك قاموا خلفه وما رواه عن الحسن بن يسار المدائني أنه سمع من يسأل الرضا عليه السلام عن رجل صلى إلى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا
يعلم كيف يصنع ثم علم هو وهو في الصلاة قال: يحوله عن يمينه وقد اشتمل هذا الحديث على فوائد، منها: المطلوب، ومنها: أنه إن وقف عن يساره
صحت صلاته، ومنها: أنه لا يلزمه سجود السهو، ومنها: أنه إذا وقف عن يساره ينبغي أن يتحول إلى يمينه، ومنها: أنه إذا لم يتحول لم يقرأ الإمام بل يحوله، ومنها: تحريم الكلام في الصلاة،
ومنها: أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة، ومنها: أن المشي اليسير لا يبطل الصلاة. فروع: [الأول] لو كان المأموم الواحد امرأة وقف خلف الامام
وجوبا لقوله عليه السلام: أخروهن من حيث أخرهن الله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي عباس قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤم
المرأة في بيته قال: نعم تقوم وراءه. [الثاني] وقوف المأموم الذي عن يمين الامام ليس بواجب بل هو مستحب فلو وقف عن يساره أو خلفه جاز
لكنه يكون قد فعل مكروها، ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وقال أحمد أن وقف عن يساره
بطلت صلاته إلا أن يكون على يمين الامام غيره وإن وقف وراءه بطلت. لنا: حديث ابن عباس فإنه دال على الاجزاء بما فعله ولم يأمره النبي صلى الله عليه وآله
بالاستيناف ولو لم يكن موقفا لاستأنف ومن طريق الخاصة رواية الحسين بن يسار وقد تقدمت ولأنه موقف فيما إن كان عن الجانب الآخر
غيره فكان موقفا مع عدمه ولأنه أحد جانبي الامام فأشبه اليمين احتج أحمد بحديث ابن عباس ولو كان موقفا لما حوله والجواب: أنه حوله للفضيلة
إذ لا منازعة فيه ولو كان إنما حوله لأنه واجب لامره بالاستيناف. [الثالث] لو كان المأموم خنثى تأخر وجوبا لجواز أن يكون امرأة والمحاذاة
محرمة. [الرابع] لو كان المأموم صبيا وقف عن يمين الامام أيضا لحديث ابن عباس فإنه في تلك الحال كان صبيا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
عن أبي البختري عن جعفر عليه السلام قال إن عليا عليه السلام قال الصبي عن يمين الرجل في الصلاة إذا ضبط الصف جماعة والمريض القاعد عن يمين المصلي جماعة
* مسألة: لو كان المأموم أكثر من واحد وقفوا خلفه سواء كان ثلاثة وأكثر أو اثنين ذهب إليه علماؤنا وهو قول علي عليه السلام وعمر وجابر بن
زيد والحسن وعطا ومالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي وكان ابن مسعود يقول إن كان المأموم اثنين وقف الامام بينهما. لنا: أن النبي صلى
الله عليه وآله أخرج جابرا وجبارا عن جنبيه وجعلهما خلفه وذلك يدل على الأفضلية إذ لو كان موضعهما موضع الفضيلة لما نقلهما عنه ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه. فروع: [الأول]
لو كان أحد المأمومين صبيا جعلهما خلفه سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا يصح الجماعة فيها ولو جعلهما معا عن يمينه أو يساره جاز عندنا
وعند أكثر أهل العلم، وقال أحمد: لو جعلهما خلفه في الفرض لا يصح. لنا: الأصل الجواز ولأنه موضع فضيلة لا وجوب ولان الصبي متنفل فصح أن
يصاب المفترض كالمتنفل البالغ احتج أحمد بأن الصبي لا يؤمه فلا يصافه كالمرأة والجواب أنه معارض بالأصل والقياس ومنقوض بالنوافل و
بالأمي مع القارئ وبالفاسق مع العدل. [الثاني] لو أم اثنين فوقفا إلى جنبيه أخرهما الامام وقال أبو حنيفة بل يتقدم هو. لنا:
رواية جابر ولأنه الأصل في الصلاة فكره له الاشتغال بما ليس من الصلاة بخلاف المأموم. [الثالث] لو أم رجلا وامرأة وقف الرجل
عن يمينه والمرأة خلفهما لما رواه الشيخ عن القاسم بن الوليد قال سألته عن الرجل يصلي مع الرجل الواحد معهما النساء قال يقوم الرجل إلى
جنب الرجل ويتخلفن النساء خلفهما وكذا لو أم صبيا وامرأة لما رواه الشيخ عن إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يؤم
النساء ليس معهن رجل في الفريضة قال نعم وإن كان معه صبي فليقم إلى جانبه وكذا البحث لو كان النساء أكثر من واحدة ولو كان معه صبيان ونساء
جعل الصبيان صفا والنساء خلفهم لما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن مسكان. [الرابع] لو أم الرجال والنساء والصبيان والخناثى كان
الذي يلي الامام الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء والترتيب الأول مستحب والبواقي واجبة على قول وقال بعض الشافعية يقف بين
كل رجلين صبي وليس بصحيح لقوله عليه السلام ليليني منكم ذو الأحلام والنهي احتج المخالف فإنهم يتعلمون وجوابه أنه حاصل مع التأخر ولو جاء رجال
تأخرن وجوبا إذا لم يكن أخر موقف امامهن. [الخامس] لو أم خنثى مشكلا لا غير تأخر إن قلنا بتحريم مضافة المرأة للرجل وجوبا لا استحبابا
لاحتمال أن يكون امرأة خلافا لبعض الجمهور ولو كان معهما رجل وقف الرجل عن يمين الامام والخنثى خلفهما كالمرأة ولو كان هناك خنثيان فالوجه
أنه لا يجوز لهما الجماعة بناء على القول بتحريم مضاف المرأة للرجل لأنه إن تقدم أحدهما على الآخر احتمل أن يكون المتقدم امرأة والمتأخر رجلا.
وكذا الاحتمال موجود لو أخرتا السادس لو أحرم اثنان خلف الامام ثم فارق أحدهما لعذر أو لغيره فالوجه استحباب تقدم الاخر إلى يمين الامام
[السابع] لو قام المأموم عن يمين الامام فدخل آخر وقف خلفه وتأخر الأول وقال الشافعي يقف عن يساره (ها) لم يحرم فإذا أحرم تأخرا معا. لنا: أن
376

المأموم أكثر من واحد فاستحب تقديم الامام عليهما ومع التحريم في الصف لا يحصل المستحب احتج بأنه إن تأخر الأول قبل أن يحرم الثاني صار منفردا
خلفه وإن أحرم الثاني خلفه قبل تأخر الأول لزم ذلك بعينه. والجواب: أن التحريم مع التأخر ولان ما ذكره يلزمه مثله أوفي تحريم الثاني في الصف
إذ يستلزم مجامعة أكثر من المأموم للامام في الصف. [الثامن] لو وقف معه كافرا ومن لا تجوز صلاته لم يعتد به وكان المستحب له أن يقف عن
يمين الامام أما لو وقف معه فاسق أو متنفل أو أمي وهو قارئ أو من به سلس البول أو متيمم كانا صفا قولا واحدا. [التاسع] لو كان
الامام والمأمون عراة لم يتقدمهم بل يقعد وسطهم ويبرز بركبتيه عنهم وهو قول أكثر أهل العلم روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة قال يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلي بهم جالسا وهو جالس ولعل المطلوب
من التوسط استواء مشيهم إليه ليتمكنوا من متابعته. [العاشر] يستحب تقارب الصفوف لرواية زرارة الحسنة عن أبي جعفر عليه السلام قال ينبغي أن
يكون الصفوف قامة متواصلة بعضها إلى بعض لا يكون بين صفين ما لا يتخطى يكون قدر ذلك مسقط جسد الانسان إذا سجد. * مسألة: ولو أمت
المرأة النساء لم تتقدم عليهن بل تتوقف في وسطهن وهو اتفاق القائلين بإمامة النساء لما رواه الجمهور عن عائشة أنها كانت تقف وسطهن
ورووا عن صفوان بن سليم أنه قال من السنة إن صلت النسوة أن تقف وسطهن ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحاب
أبي عبد الله عليه السلام عن المرأة تؤم النساء قال نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن. * مسألة: وأفضل الصفوف أولها فيختص به أهل الفضل استحبابا
وهو قول عامة أهل العلم روى الجمهور عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها
أولها وعنه عليه السلام أنه قال ليليني منكم أولوا ذو الأحلام والنهى وعنه عليه السلام أنه رأى في أصحابه تأخرا فقال تقدموا فأتيموني وليأتم بكم من تقدمكم
لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن جابر بن يزيد عن الباقر عليه السلام قال ليكن الذي يلون
الامام أولى الأحلام منكم والنهي فإن نسي الامام أو تعايا قوموه وأفضل الصفوف أولها وأفضل أولها ما دنا من الامام وما رواه ابن بابويه عن
أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال إن الصلاة في الصف الأول كالجهاد في سبيل الله ولأنه يردون الامام لو سها ويدل على هذه العلة قول الباقر عليه السلام
فإن نسي الامام قوموه فإن حرفي ان والفاء دالان على التعليل ولأنه ربما يعرض للامام ما يقطع به الصلاة فيحتاج إلى أن يستخلفه. * مسألة:
ولو وقف المأموم وحده صحت صلاته لكن الأولى له الدخول في الصف ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول الحسن البصري ومالك والأوزاعي و
الشافعي وأصحاب الرأي وقال النخعي والحكم والحسن بن صالح وأحمد وابن المنذر لو صلى وحده ركعة كاملة بطلت صلاته. لنا: ما رواه الجمهور أن أبا بكر جاء
والنبي صلى الله عليه وآله راكع فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله قال أيكم ركع دون الصف
فقال أبو بكر انا فقال زادك الله حرصا ولا تعد ولم يأمره بالإعادة لا يقال نهيه عن العود يدل على البطلان لأنا نقول لا دلالة في ذلك على البطلان
لأنه لم يأمره بالإعادة وكان ذلك على سبيل الكراهية ويحتمل لا تعد إلى التأخير ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب
قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام يوما دخل مسجد الحرام في صلاة العصر فلما كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده وسجد السجدتين ثم قام فمضى
حتى لحق الصفوف وما رواه عن سعيد الأعرج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم وحده
حتى يفرغ من صلاته قال: نعم لا بأس يقوم بحذاء الامام وما رواه في الصحيح عن أبي الصباح قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقوم في الصف
وحده فقال لا بأس إنما يبدء واحد بعد واحد ولأنه موقف له لو كان معه غيره وكذا لو انفرد ولأنه موقف للمرأة فكان موقفا له وأما كراهية
الانفراد فلما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تكونوا
في العثكل قلت وما العثكل قال أن تصلي خلف الصفوف وحدك وعنه عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
سووا بين صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم لا يستحوذ عليكم الشيطان احتج المخالف بما رواه أبو بصير بن معبد أن النبي صلى الله عليه وآله رأى
رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد ولأنه خالف الموقف فلم يصح صلاته كما لم وتقدم الامام. والجواب عن الأول: أنه محمول على الاستحباب
وعن الثاني أنه صلى في الموقف إذ الموقف هو خلف الامام أقصى ما في الباب أنه فعل مكروها بإنفراده. فرع: لو دخل المسجد ولم يجد مدخلا في
الصف صلى وحده عن يمين الامام مؤتما لرواية السعيد الأعرج وبه قال الشافعي في أحد القولين وأحمد وقال الشافعي في رواية أبي حامد
يقف خلف الصفوف ويجد رجلا من الصف فيقف معه وكره ذلك مالك والأوزاعي لما فيه من التصرف في المحدود بغير أذنه ولأنه جيد لأنه لو لم
يحرم فضيلة الصف الأول وليس له (كذلك) ذلك آخر (فرع) لو صلى الامام في المسجد الحرام إلى ناحية
من نواحي الكعبة واستدار المأمومون حولها صحت صلاة
من خلف الامام خاصة سواء كان بعد المأمومين في الجهة الأخرى عنها أكثر من بعد الامام أو لا خلافا للشافعي وأبي حنيفة. لنا: أن موقف المأموم
خلف الامام أو إلى جانبه وهو إنما يحصل في جهة واحدة فصلاة من غايرها باطلة ولأنهم وقفوا بين يدي الامام فيبطل صلاتهم. * مسألة:
يستحب أن يقف الامام في مقابلة وسط الصف لتساوي نسبة المأمومين إليه فيمكنهم المتابعة وقد روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
377

قال وسطوا الامام وسدوا الخلل ويكره للمأموم الوقوف بين الأساطين لأنها به يقطع صفوفهم وبه قال ابن مسعود والنخعي وحذيفة وابن عباس
ولم يكره مالك وأصحاب الرأي لعدم الدلالة على المنع. والجواب: ما رواه الجمهور عن معاوية بن قرة عن أبيه قال كنا ننهى أن نصف بين الأساطين على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ونطرد عنه طردا ولما ذكرناه من قطعها للصف. {البحث السادس} في الاحكام، * مسألة:
سقط وجوب القراءة عن المأموم وهو مذهب علماء أهل البيت عليهم السلام وبه قال أبو حنيفة والثوري وسفيان بن عيينة ومالك وأحمد وداود
وإسحاق وللشافعي قولان أحدهما الجواز في صلاة السر وسقوطه في الجهرية والثاني الوجوب وجوبها فيهما معا وبه قال الليث والأوزاعي و
أبو ثور وابن المنذر. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من كان له إمام قراءة الإمام له قراءة ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الحسن عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال إذا كنت خلف إمام تأتم به فانصت وسبح في نفسك وما رواه في الموثق عن يونس بن يعقوب
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة خلف من ارتضى به اقرأ خلفه فقال من رضيت به فلا تقرأ خلفه وما رواه في الصحيح عن زرارة
ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة وما رواه عن
عبد الرحيم القصير قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس فيقرأ القرآن فلا تقرأ واعتد بصلاته وما رواه عن الحسين بن
كثير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام وقال إن الامام ضامن للقراءة وليس يضمن الامام صلاة الذين خلفه
إنما يضمن القراءة ورواه ابن بابويه أيضا ولأنه لو أدركه راكعا أدرك الركعة ولم يقرأ لأنه لولا ذلك لسقط اعتبار أولوية تقديم
الامر احتج المخالف بما رواه عبادة بن الصامت (الثابت) قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله الصبح فنقلت عليه القراءة فلما انصرف قال إني لأراكم
تقرؤن وراء إمامكم قال فلما عجل قال فلا تغفلوا الامام القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ولأنه يلزمه القيام القراءة فلزمته القراءة كالمنفرد
والجواب عن الأول: أنه محمول على الاستحباب وسيأتي بيانه، وعن الثاني: أن النص ورد لوجوب متابعة الامام في القيام وقد تقدم أما القراءة
فلا ينتقض بالسورة فإن المأموم يقف لها ولا يقرأ. فروع: [الأول] قال الشيخان لا يجوز القراءة خلف من يقتدي به في الجهرية إذا
سمع قراءة الإمام لرواية يونس وهي دالة على النهي عن القراءة وروى الشيخ في الحسن عن قتيبة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كنت خلف إمام ترضى
به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ. [الثاني] قال لو لم يسمع في الجهرية
ولا الهمهمة استحب له القراءة لرواية قتيبة وقال الشيخ في التهذيب يجب عليه القراءة لان الامر يدل على الوجوب وفيه نظر لان ظاهره كذلك ما لم يعارضه
غيره وقد عارضه ها هنا ما رواه الشيخ عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدي به في صلاة يجهر فيها بالمرأة
فلا يسمع القراءة قال لا بأس إن صمت وإن قرأ ونفي البأس يدل على نفي الوجوب. [الثالث] قال في المبسوط لو سمع مثل الهمهمة جاز له أن يقرأ
ولعله استناد إلى ما رواه في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قرائته أو لم تسمع إلا أن
تكون صلاته تجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ وإسماع الهمهمة ليس سماعا للقراءة فربما كان الوجه فيما ذكره هذا الحديث. [الرابع] قال يستحب
أن يقرأ الحمد وحده في الإخفاتية وأطلق القول بذلك وقال السيد المرتضى لا يقرأ في الأولتين منهما ويقرأ أو يسمع في الاخرتين
والأولى ما قاله السيد لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن كنت خلف الامام في صلاة لا يجهر فيها
بالقراءة حتى تفرغ وكان الرجل مأموما على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين ويجزيك التسبيح في الاخرتين وروى الشيخ في الصحيح عن أبي
خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كنت إماما قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين وعلى الذين خلفك أن يقولوا سبحان الله و
الحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وهم قيام فإذا كانوا في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤا فاتحة الكتاب وعلى الامام أن يسبح مثل
ما يسبح القوم. [الخامس] لو فرغ المأموم من القراءة قبل الامام استحب له أن يسبح إلى أن يفرغ الامام ويركع معه ويستحب له أن يبقى آية
فإذا ركع الامام قرأها وركع معه أما استحباب الذكر فلتحصيل فضيلته وكراهية الصمت قائما وأما إذا أبقى الآية فليركع عن القراءة ويدل على ما
ذكرناه ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الامام أكون معه فافرغ من القراءة قبل أن يفرغ قال
فأمسك قال آية وأحمد لله واثن عليه فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع وينبغي أن يكون ذلك فيما لا يجهر فيه بالقراءة فإن الأولى
الانصات في الصلاة الجهرية لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة خلف
الامام اقرأ خلفه فقال أما الذي يجهر فيها قائما أمر بالجهر لينصت من خلفه فإن سمعت فانصت وإن لم تسمع فاقرأ وروى الشيخ في الصحيح
عن أبكر بن محمد الأزدي قال قال أبو عبد الله عليه السلام إني لأكره للمؤمن أن يصلي خلف الامام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار فلا قلت جعلت
فيصنع ماذا قال أيسبح. * مسألة: لو صلى خلف من لا يقتدى به وجب عليه القراءة ويسر بها وإن كانت جهرية إذ؟ الضمر؟ في الايتمام ولا نعرف فيه خلاف
378

لأنه غير مأموم فلو لم يقرأ خلت صلاته من القراءة صورة وحكما وذلك باطل ويؤيده الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا
صليت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع وما رواه عن علي بن أسباط عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام
في الرجل يكون خلف الامام لا يقتدى به فيسبقه الامام بالقراءة قال: إذا كان قد قرأ أم الكتاب أجزأه يقطع ويركع قال الشيخ وهذا يدل على أنه متى لم
يقرأ فاتحة الكتاب لم يجز الصلاة وأما جواز الاسرار فلانه في موضع تقية وضرورة فيسقط وجوب الجهر بها ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن
إسحاق ومحمد بن أبي حمزة عن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجزيك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس وما رواه عن علي بن يقطين
قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدى بصلاته والامام يجهر بالقراءة قال اقرأ لنفسك وإن لم تسمع فلا بأس لا يقال
قد روى الشيخ في الموثق عن بكير بن أعين قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الناصب يؤمنا ما نقول في الصلاة معه فقال أما إذا جهر فانصت
للقراءة واسمع ثم اركع واسجد أنت لنفسك وهذا يدل على سقوط القراءة وإن كان الامام غير موثوق به لأنا نقول لا يلزم من من الانصات
عدم القراءة لجواز أن ينصت وقت القراءة ويقرأ وقت السكوت كما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام أن عليا عليه السلام كان في
صلاة الصبح فقال ابن الكواء وهو خلفه ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك إلى آخر الآية فانصت علي عليه السلام ثم قال فاصبر إن وعد الله
حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ثم أتم السورة ثم ركع وفي هذا الحديث دلالة على جواز تنبيه الغير على الحاجة بالقرآن ويحتمل أن يكون
الانصات للتقية. فرع: لو قرأ الامام الغير الموثوق به عزيمة ولم يسجد سجد المأموم إيماء وأجزاه. * مسألة: متابعة الامام واجبة وهو قول أهل
العلم قال عليه السلام إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا فلو رفع رأسه قبل الامام ناسيا أما من الركوع أو من السجود
عاد إلى حالته ثم رفع مع الامام لان النسيان يسقط معه اعتبار الزيادة ولأنه تابع لغيره فلا يحصل التعدد في الأركان ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن سهل الأشعري
عن أبيه عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته عمن ركع مع إمام يقتدى به ثم رفع رأسه قبل الإمام قال يعيد ركوعه معه وما رواه عن محمد بن سنان والفضل بن يسار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألنا عن رجل صلى مع إمام يأتم به ثم رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الامام رأسه من السجود قال فليسجد ولو رفع متعمدا استمر
على حالته إلى أن يلحق الامام ثم يتابعه لأنه لو عاد إلى الحالة الأولى يكون قد زاد ما ليس من الصلاة وذلك مبطل إذ لا عذر يسقط معه اعتبار
الزيادة روى الشيخ في الموثق عن غياث بن إبراهيم قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام أيعود فيركع إذا
أبطأ الامام ويرفع رأسه معه؟ قال: لا. فروع: [الأول] لو كان الامام ممن لا يقتدى به فرفع المأموم رأسه عن الركوع والسجود قبله متعمدا أو ناسيا
استمر على حالته ولم يعد إلى الحالة الأولى لأنه منفرد حكما فيقع رفعه في موقفه فلا يجوز له العود لأنه يكون زيادة في الصلاة. [الثاني] هل
يجوز المساومة (ات) فيه نظر أقربه الجواز عملا بالأصل إلا في تكبيرة الاحرام عند الشافعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة يجوز المساومة (ات)
فيها أيضا احتج الأولون بقوله عليه السلام فإذا كبر فكبر والفاء معقبة ولان الاقتداء إنما يصلح بالمصلى والامام لا يصير كذلك ما لم يفرغ من
التكبير فلا يجوز الاقتداء به احتج أبو حنيفة بقوله عليه السلام إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه وتحقيق الايتمام والتحرز عن المخالفة
إنما يكون بالقرآن والقاعد بذكر القرآن لقوله عليه السلام في هذا الحديث فإذا قرأ فانصتوا وإذا ركع فاركعوا وقولهم الاقتداء إنما يجوز
بالمصلى مسلم ولكن في حال ما يصيره هو مقتديا يصير امامه مصليا وهو جالس (حاصل) ما بعد فراغهما من التكبير. [الثالث] لو ركع قبل إمامه
ناسيا فالوجه الاستمرار على حالته وكذا لو كان متعمدا وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وقال الشافعي ينبغي له أن يرجع إلى القيام حتى يركع مع امام
ليتحقق المتابعة. لنا: أنه فعل ركوعا في محله ولو عاد زاد لا يقال ينتقض بالرفع لأنا نقول أنه هو الأصل إلا إنا صرنا إلى ذلك للنص ولو قلنا بقول
الشافعي في النسيان كان قويا لما رواه الشيخ في الموثق عن ابن فضال قال كتبت إلى الرضا عليه السلام رجل كان خلف إمام يأتم به فركع قبل أن يركع الامام
وهو يظن أن الامام قد ركع فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الامام أيفسد ذلك صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب: تتم صلاته
ولا تفسد بما صنع صلاته. [الرابع] لو ركع قبل إمامه واستمر إلى أن لحقه الامام راكعا جاز وقال زفر: لا يجوز. لنا: أنه يشاركه في بعض الركوع
وشرط الاقتداء المواقفة في جزء من الركن فصار كما لو ركع معه وقام قبله احتج زفر بأن ابتداء الركوع وقع فاسدا والبناء على الفاسد فاسد
والجواب بمنع المقدمتين. [الخامس] لو تقدم على الامام بركبتين كما لو ركع قبل إمامه ثم نقض قبله لم يبطل صلاته ولا إمامته بل الحكم ما قدمناه
وقال الشافعي لو تقدم ركعتين بطلت صلاته. [السادس] لو سهى الامام فقعد في موضع قيام أو بالعكس لم يتابعه المأموم لان المتابعة إنما يجب في
أفعال الصلاة وما فعله الامام هنا ليس من أفعالها هذا إذا كان ا لمتروك واجبا أما لو كان مستحبا كما لو نهض قائما من السجدة الثانية قبل أن يجلس فالأقرب
وجوب المتابعة لأنها واجبة فلا يشتغل عنها بسنة ولو نسيا معا التشهد الأول فقاما وسبق المأموم بالركوع متعمدا ثم ذكر وذكر الامام قبل الركوع
قعد الامام للتشهد وهل يتابعه المأموم الوجه عدم المتابعة لأنه ذكره بعد فوات محله ولو سبق ناسيا ففيه تردد ينشأ من مساواة الرفع للركوع و
عدمها. * مسألة: لو صلى منفردا استحب له أن يعيد تلك الصلاة إذا وجد جماعة إماما أو مأموما أي صلاة كانت ذهب إليه علماؤنا أجمع
379

وقال بعض الشافعية إن كان صبحا أو عصرا لم يستحب وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي يشترط أن يقام وهو
في المسجد أو يدخل وهم يصلون
وقال أبو حنيفة والشافعي معا لا يعاد المغرب. لنا: ما رواه الجمهور عن يزيد بن الأسود القارئ أن النبي صلى الله عليه وآله صلى صلاة الغداة
في مسجد الخيف وقرأ في آخر القوم رجلين لم يصليا معه فقال ما منعكما أن تصليا معنا قالا يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال فلا تفعلا إذا
صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجدا فيه جماعة فصلينا (فصليا) معهم فإنهما لكما نافلة وعنه عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه إذا دخلت فصل مع الناس
وإن كنت قد صليت وعن أبي ذر أن خليلي أوصاني أن أصلي الصلاة لوقتها فإذا أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي
ومن طريق الخاصة ما تقدم من حديث عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي الفريضة ثم يجد قوما يصلون جماعة أيجوز أن يعيد الصلاة
معهم قال نعم هو أفضل وما رواه الشيخ عن محمد بن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام اني أحضر المساجد مع جيرتي وغيرهم فيأمروني بالصلاة بهم وقد صليت
قبل أن آتيهم وربما صلى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل وأكره أن أتقدم وقد صليت لحالي من يصلي بصلاتي ممن سميت لك فمرني
بذلك في امرك إنتهي إليه وأعمل به إن شاء الله؟ فكتب صل بهم احتج أبو حنيفة بأنها نافلة فلا تفعل في الوقتين المنهي عن فعل النافلة فيهما واحتج أبو حنيفة
والشافعي على عدم إعادة المغرب بأن النفل لا يكون بوتر. والجواب: أن النهي عام وما ذكرناه خاص فيكون مقدما خصوصا وحديث بريد ورد في صلاة الصبح.
فروع: [الأول] لا يشترط في إعادة الصبح والعصر إمام الحي بل يعيد في الجماعة وإن لم يكن المصلي أمام الحي خلافا لبعض الجمهور لعموم الاخبار.
[الثاني] لو صلى الفريضة في جماعة ثم وجد جماعة أخرى هل يستحب إعادتها أم لا فيه تردد منشأه إطلاق الأحاديث وإدراك فضيلة الجماعة
بالأول فلا حاجة إلى الثانية. [الثالث] لو أعاد المغرب لم يعقبها برابعة ذهب إليه علماؤنا وقال الأسود بن يزيد والزهري والشافعي وإسحاق وأحمد
يعقبها. لنا: أنها زيادة غير مشروعة فلا يجوز فعلها ولان الإعادة تستدعي المماثلة ولا تتحقق مع الزيادة في العدد احتجوا بأنها نافلة ولا يشرع التنفل
بوتر وزيادة ركعة أولى من نقصانها والجواب: أنها مخصوصة (مخصصة) بالحديث الدال على الإعادة. [الرابع] قد بينا أن الأولى هي الفرض فإذا
صلى الثانية لا ينوي بها الوجوب بل ينويها معادة وإن نواها نافلة صح. [الخامس] الإعادة غير واجبة ذهب إليه علماؤنا أجمع و
هو قول أكثر أهل العلم وعن أحمد رواية أنه يجب إعادتها مع إمام الحي. لنا: أنه امتثل الامر بالفعل الأول وهو لا يقتضي التكرار وما رواه
الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله في قوله لأبي ذر فإنها نافلة لك وقوله عليه السلام فإنها لكما نافلة والنفل ليس بواجب وما رواه عنه عليه السلام أنه
قال: لا يصلي صلاة في يوم مرتين ومعناه واجبتان احتج المخالف بأن النبي صلى الله عليه وآله أمر بها والجواب أنه محمول على الاستحباب لما قلناه. [السادس]
لو قصد الإعادة فلم تدرك إلا ركعتين استحب له الاتمام أربعا لأنه قصدها أربعا ولقوله عليه السلام وما فاتكم فأتموا ويمكن أن يقال بجواز أن يسلم
معهم لأنها نافلة. * مسألة: وذا قال المؤذن قد قامت الصلاة قام الامام والمأمومون وقال الشيخ في الخلاف إذا فرغ المؤذن من
الأذان وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قال المؤذن حي على الصلاة. لنا: أنه في تلك الحال قد وجد ما قال هو بصيغة الاخبار بالقيام
وهو الامر فيجب المبادرة وما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن
يقوموا على أرجلهم ويقدموا بعضهم وقول أبي حنيفة يحتاج إلى دليل ولم يوجد ولان الدعاء إلى الصلاة ليس أمرا بالقيام إليها لا يستحب أن يقول
المؤذن عند القيام استووا رحمكم الله لأنه غير منقول عن أهل البيت عليهم السلام. * مسألة: يكره تكرر الجماعة في المسجد الواحد للصلاة
الواحدة ذكره الشيخ قال وقد روى أصحابنا أنهم إذا صلوا جماعة وجاء قوم جاز لهم أن يصلوا دفعة أخرى غير أنهم لا يؤذنون ولا يقيمون وبه قال
سالم وأبو قلابة وأيوب وابن عون والليث والتبي ومالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وقال ابن مسعود وعطا والحسن والنخعي وقتادة
وإسحاق وأحمد وداود بن المنذر لا يكره التكرار بل يستحب احتج الشيخ بما رواه الجبائي قال كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فأتاه رجل فقال جعلت
فداك صلينا في المسجد الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذن فمنعناه ورفعناه عن ذلك فقال أبو عبد الله عليه السلام
أحسنت أرفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع فقلت فإن دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة قال يقومون في ناحية المسجد ولا يبدو بهم إمام وبما
رواه عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال دخل رجلان المسجد وقد صلى علي عليه السلام بالناس فقال لهما علي عليه السلام إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا
يؤذن ولا يقيم وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه كان يقول إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى أهله فلا يؤذنن ولا يقيمن
ولا يتطوع حتى يبدأ بصلاة الفريضة ولا يخرج منه إلى غيره حتى يصلي فيه وهذه الروايات ضعيفة السند والأقرب عندي عدم الكراهية عملا
بالاخبار الدالة على استحباب الجماعة مطلقا ولأنه عليه السلام قال الا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه. فروع: [الأول] لا فرق بين
المسجد الذي له إمام راتب وبين غيره خلافا للشافعي لنا الاطلاق وقول النبي صلى الله عليه وآله الا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه مع
أن ذلك كان في مسجده صلى الله عليه وآله. [الثاني] لا فرق بين المسجد الذي على قارعة الطريق وبين غيره عملا بالاطلاق خلافا للشافعي
فإنه كره الإعادة في الثاني دون الأول. [الثالث] لا فرق بين مسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله والمسجد الأقصى
380

وبين غيرها خلافا لأحمد فإنه كره التكرار في الثلاثة الأول دون غيرها. لنا: الاطلاق وقوله عليه السلام الا رجل يتصدق على هذا مع أنه كان في مسجده
عليه السلام ولان فضيلة الجمعة (الجماعة) تحصل فيها كغيرها. * مسألة: ولو أذن وأقام ليصلي وحده فجاء غيره يصلي جماعة أعاد الأذان والإقامة لما رواه
الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجئ رجل آخر فيقول له نصلي جماعة
هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال: لا ولكن يؤذن ويقيم ولأنهما متأكدتان في الجماعة والمنقول (المقول) أولا لم يكن لها فلم يعتد به فيها. * مسألة:
إذا حدث الامام قدم من يؤم بهم ولا يفسد صلاة المأمومين ذهب إليه علماؤنا وبه قال علي عليه السلام وعمر وعلقمة وعطا والحسن والنخعي و
الثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين وفي الرواية الأخرى تبطل صلاة المأمومين. لنا: ما رواه الجمهور
عن عمر أنه لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعا ولان أحمد نقل ذلك عن عمر
وعلي عليه السلام وقولهما عنده حجة ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال ما كان من إمام تقدم في الصلاة وهو جنب
ناسيا أو أحدث حدثا أو رعف رعفا أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثم لينصرف وليأخذ بيد رجل فيصلي مكانه ثم ليتوضأ وليتم ما سبقه به من الصلاة وإن
كان جنبا فليغتسل وليصل الصلاة كلها احتج أحمد بأنه فقد شرط صحة الصلاة في حق الامام فتبطل صلاة المأموم كما لو تعمد الحدث والجواب المنع
لثبوت الحكم في الأصل. فروع: [الأول] لو لم يستخلف الامام أحد استخلف المأمومون من يتم بهم الصلاة ولو أتموها منفردين جاز
أما الأول فلما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام وسأله أيضا عن الامام أحدث وانصرف ولم يقدم أحدا ما حال القوم
قال لا صلاة لهم إلا بإمام فليقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم وأما الثاني فلما يأتي من جواز انفراد المأموم عن الامام
مع وجوده فمع عدمه أولى لا يقال ما ذكرتم من هذه الرواية ينافي الحكم لأنا نقول أن قوله لا صلاة لهم نفي لماهية الصلاة ولا يمكن حمله على
حقيقة فلا بد من إضمار والمقتضي (والمنفى) لا عموم له فيحمل على نفي الفضيلة كما في قوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد جمعا بين الأدلة. [الثاني] لو قدمت
كل طائفة من المأمومين إماما فالوجه الجواز وهو قول الشافعي وقال أصحاب الرأي تفسد صلاة الجميع. لنا: أن لهم أن يصلوا منفردين
وأن يقدموا من يصلي وهذا الحكم ثابت في حق كل واحد ولا تبنى صلاة بعض المأمومين على بعض فجاز التعدد. [الثالث] لو قدم
بعض (المأمومين) الطرايق إماما وصلى الآخرون منفردين جاز لان لهم الانفراد مع وجود الامام ومع العدم أولى. [الرابع] نص أصحابنا على كراهية
استنابة المسبوق روى الشيخ في الحسن عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا
قد سبق بركعة كيف يصنع فقال لا يقدم من قد سبق بركعة ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه وليس المراد من النهي التحريم لما رواه في الصحيح عن
معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي في المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الامام بركعة أو أكثر؟ فيعتل؟ الامام
فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم إليه فيقدمه فقال يتم الصلاة القوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال فكان الذي أومأ إليهم بيده
التسليم وانقضاء صلاتهم وأتم هو ما كان فاته وبقي عليه. [الخامس] يستحب أن يستنيب الامام من يشهد الإقامة لما رواه الشيخ عن معاوية بن
شريح قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا أحدث الامام وهو في الصلاة لم ينبغ أن يقدم إلا من شهد الإقامة. [السادس] يستحب للمسبوق
إذا استنيب أن يقدم من يسلم إذا فرغوا من صلاتهم لما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه قال سألته عن رجل أم قوما فأصابه
رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان قال يتم بهم الصلاة ثم يقدم رجلا فيسلم بهم ويقوم هو فيتم
بقية صلاته ولو أومأ إليهم بالتسليم جاز لرواية معاوية وقد سلفت ولو انتظروه حتى يفرغ ويسلم معهم ثم استبعد جوازه إذ قد ثبت جواز
ذلك في صلاة الخوف. [السابع] استناب من جاء بعد حدث الامام فالوجه الجواز بناء على الأصل ولأنه جاز استنابة التابع فغيره أولى.
[الثامن] لو استخلف من لا يدري كم صلى فالوجه أنه يبني على اليقين فإن وافق الحق وإلا سبح القوم به فيرجع إليهم وقال النخعي ينظر ما يصنع
من خلفه وقال الشافعي يتصنع فإن سبحوا فيه جلس وعلم أنها الرابعة وقال الأوزاعي يصلي بهم ركعة لأنه يتيقن بها ركعة ثم يتأخر ويقدم
رجلا يصلي بهم ما بقي من صلاتهم فإذا سلم قام الرجل فأتم صلاته وقال مالك يصلي لنفسه صلاة تامة فإذا فرغوا من صلاتهم قعدوا
وانتظروه. لنا: أنه شك ممن لا يلحقه حكم الشك فيبني على اليقين وما رواه الشيخ عن زرارة قال سألت أحدهما عليهما السلام عن إمام أم قوما
فذكر أنه لم يكن على وضوء فانصرف وأخذ بيد رجل وأدخله فقدمه ولم يعلم الذي قدم ما صلى القوم فقال يصلي بهم فإن أخطأ سبح القوم
به وبنى على صلاة الذي كان قبله وما ذكره النخعي باطل لأنه متبوع فيكون فعله مقدما فكيف ينتظر ما يتأخر عن فعله وقول الشافعي
باطل إذ هو فعل في الصلاة كثير من غير قصد فلا يكون سائغا إلا أن يقصد بذلك أنه يقوم للصلاة فإن كانت خامسة رووه و
امتثل منهم فيكون هو قولنا بعينه وهو قول الأوزاعي باطل لأنه شك في عدد الركعات فلا يجوز له الاستخلاف لذلك كغير المستخلف
وقول مالك مقارب لقولنا. [التاسع] لو مات الامام قدم المأمومين من يتم بهم روى الشيخ في الصحيح عن عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله
381

عليه السلام في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات قال يقدمون رجلا آخر ويعتدون بالركعة ويطرحون الميت خلفهم ويغتسل من مسه. * مسألة:
لو دخل المأموم المسجد وكان الامام راكعا وخاف فوت الركعة جاز أن يكبر ويركع ويمشي راكعا حتى يلحق بالصف ذهب إليه علماؤنا وبه قال زيد بن
ثابت والزهري والأوزاعي ومالك والشافعي وكرهه أبو حنيفة. لنا: أن ذلك مسارعة في تحصيل فضيلة الجماعة سائغا والمشي في الركوع
الادراك الصف غير مبطل فلا كراهية وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأبي بكر لما
فعل ذلك زادك الله حرصا دعا له وذلك يتضمن
الأفضلية ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة
فقال يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم احتج المخالف بقول النبي صلى الله عليه وآله لأبي بكرة ولا تعدوا والجواب: يحمل النهي على
المتأخر عن الصلاة أي لا تعد إلى التأخر. فروع: [الأول] لو تم الركعة ثم لحق بالامام في الثانية لم يكن به بأس ذهب إليه علماؤنا
وأكثر الجمهور وقال أحمد تبطل صلاة لأنه يصلي منفردا وقد تقدم جوابه. لنا: ما رواه الجمهور من حديث أبي بكرة وقد تقدم ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام يوما وقد دخل المسجد الحرام لصلاة العصر فلما كان دون الصفوف
ركعوا فركع وحده ثم يسجد السجدتين ثم قام لمضى حتى لحق بالصفوف وما رواه عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أدخل المسجد وقد
ركع الامام فأركع بركوعه وأنا وحدي وأسجد فإذا رفعت رأسي أي شئ أصنع فقال قم فاذهب إليهم فإن كانوا قياما فقم معهم وإن كانوا جلوسا فاجلس
معهم وما روي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) يقول إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل
أن تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق بالصف فإذا جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف. [الثاني] لو ركع وقام ثم مشى قبل
سجوده لم يكن به بأس وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي سواء كان عالما أو جاهلا وقال أحمد إن كان عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته
وإلا فلا. لنا: ما تقدم من حديث أبي بكرة وأحاديث أهل البيت عليهم السلام وقد فعل ذلك ابن سعود وزيد بن وهب وأبو بكر بن عبد الرحمن وعروة وسعيد بن
جبير وابن جريح وغيرهم من الصحابة والتابعين فكان إجماعا احتج أحمد بتحريم صلاة المأموم في صف واحد وجوابه المنع وقد تقدم. [الثالث]
لو فعل ذلك من غير ضرورة على عذر ولا خشي الفوات فالوجه الجواز خلافا لبعض الجمهور لان المأموم أن يصلي في صف منفرد وأن يتقدم بين يديه
وحينئذ ثبت المطلوب. * مسألة: قال علماؤنا يستحب للامام إذا أخر الداخل أن يطيل ركوعه حتى يلحق به وبه قال الشافعي في أحد القولين
ورواه أبو إسحاق في الشرح وقال أبو حامد لا يستحب قولا واحدا وفي الكراهية قولان أحدهما يكره وبه قال أبو حنيفة ومالك وداود والمزني
والثاني لا يكره وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور والشعبي والنخعي. لنا: أنه انتظار ينتفع ولا يشق فكان مشروعا لتطويل الصلاة وتحققها
ولأنه صلى الله عليه وآله كان ينتظر كما في الخوف ويؤيده ما رواه الشيخ عن جابر الجعفي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام اني أؤم قوما فاركع
فيدخل الناس وأنا راكع فكم انتظر قال ما أعجب ما تسئل عنه يا جابر انتظر مثلي ركوعك فإن انقطعوا وإلا فارفع رأسك وروى ابن بابويه
عن رجل أنه سئل عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له اني إمام مسجد الحي فأركع بهم فأسمع خفقان نعالهم وأنا راكع فقال اصبر ركوعك ومثل ركوعك فإن انقطعوا وإلا فانتصب
قائما ولان في الانتظار يحصل فضيلة الجماعة واحتج المخالف بأن هذا يؤدي إلى أن يصلي جزءا من الصلاة لأجل الآدمي وقد أمره الله تعالى
بالاخلاص والجواب أنه يؤيده في الصلاة حمد الله تعالى وان قصده لحوق الآدمي الصلاة ومنافع الآدميين قد أمر الله تعالى بها و
يقصد بها لطاعة الله فإنه قد روى الجمهور وعن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي العشاء أحيانا وأحيانا إذا رآهم اجتمعوا
أعجل فإذا رآهم أبطأوا أخر ورووا أنه لطال السجود حين ركب الحسن عليه السلام على ظهره وقال إن ابني هذا ارتحلني وكرهت أن أعجله وهذا
يبطل ما ذكره من الشريك. فروع: [الأول] قال بعض الجمهور وإنما ينتظر من له حرمة كأهل العلم والفضل دون غيرهم. [الثاني]
إنما ينتظر ما لم يبطل على المأمومين وقد حده الإمام عليه السلام بمثلي الركوع فلو كان بعض الجماعة لا يمكن من الإطالة فالأقرب مراعاته
وترك الانتظار. [الثالث] لو أدركه وقد رفع من الركوع أو قبل أن يركع لم ينتظر قولا واحدا لعدم فوات الركعة قبل الركوع و
عدم اللحوق بعده. [الرابع] لو أدركه في التشهد ففي انتظاره نظر إذ يمكن القول به تحصيلا للفضيلة ويمكن القول بعدمه
لعدم النص على ذلك ولفوات الصلاة جماعة ولا يلزمه من مخالفة الدليل لتحصيل أمم الفضيلتين مخالفة لتحصيل أضعفهما. * مسألة:
إذا عرض الامام ومعه أو أخطأ في قرائته فلا تدري ما يقرأ جاز لمن خلفه أن ينبهه لما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال سألته
عن الامام إذا أخطأ في القرآن فلا يدري ما يقول قال يفتح عليه بعض من خلفه. فرع: هل يجوز له الاستخلاف؟ فيه نظر لان صاحب الشرع قرر
الاستخلاف في الحديث وهذا في معناه لندوره ولان الاستخلاف إنما جاز في الحديث لوجود العجز عن الاتمام لنفسه وهو محض هنا.
* مسألة: إذا حضر جماعة المسجد وكان الامام الراتب له غائبا صلوا جماعة يتقدم أحدهم ولا ينتظرونه وقال الشافعي يراسلونه؟
إن كان قريبا. لنا: ما رواه الجمهور عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه مضى في غزوة تبوك في حاجة له فقدم الناس واحدا يصلي يتم؟ الجاء؟ إلى
382

رسول الله صلى الله عليه وآله وقد صلوا ركعة فقال أحسنت ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام فإذا قال
المؤذن قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقوموا بعضهم ولا ينتظر الإمام قال قلت وإن كان هو المؤذن قال وإن كان فلا ينتظرونه ويقدموا
بعضهم ولان في الانتظار تأخير العبادة عن أول وقتها وذلك شئ رغب عنه. فرع: لو حضر الامام وغاب بعض المأمومين صلى الامام
بالحاضرين ولا ينتظر لاجتماع باقين لان فضيلة أول الوقت أعظم من فضيلة كثرة الجماعة. * مسألة: قد بينا أن الركعة تدرك بإدراك
الامام راكعا إذا ثبت هذا فإنه حينئذ يكبر تكبيرة الافتتاح واجبة والأخرى للركوع مستحبة إن لم يخف فوات الركوع وربما يجري في كتب
بعض علمائنا وجوب التكبيرتين حينئذ والأصح ما قلناه وقوله محمول على شدة الاستحباب ولو خاف أجزأته تكبيرة الافتتاح عن تكبيرة الركوع
إجماعا وقال الشيخ في التهذيب يجزي تكبيرة الركوع عن تكبيرة الافتتاح وما ذكرناه في العبادة أصح ويدل على ما ذكرناه رواه الشيخ عن معاوية بن شريح
قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع. فرع: لو نوى
التكبير الافتتاح صحت صلاته قطعا ولو نواه للركوع لم يصح صلاته لاخلاله بالركن والامام لا يتحمله ولو أطاق ففيه تردد أقربه البطلان و
لو نواهما معا بالتكبيرة الواحدة ففيه إشكال. * مسألة: لو صلى نافلة فأحرم الامام ولا يتمها قطعها مع خوف الفوات لادراك فضيلة الجماعة الذي
لا يمكن استدراكه مع الفوات بخلاف النافلة التي يمكن فصلها أو قضائها بأسا ولو كان في الفريضة نقلها إلى النفل وأتمها ركعتين ودخل
في الجماعة تحصيلا لفضيلة الجماعة وإكمالا لفعل النافلة ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة قال فبينما هو قائم يصلي إذا أذن المؤذن وأقام الصلاة قال فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة
مع الامام ولتكن الركعتان تطوعا. فرع: قال الشيخ لو كان الداخل هو إمام الأصل قطع الفريضة واستأنف الصلاة معه لماله من المزية
في الفضيلة المقتضية لشدة الاهتمام والأقرب عندي أنه يتمها ركعتين لقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) وللحديث السابق، آخر لو كان الامام ممن
لا يقتدى به استمر على حاله لأنه ليس بمأموم له حقيقة وإن تابعه لتقية ويؤيده ما رواه الشيخ عن سماعة قال سألته عن رجل كان يصلي فخرج الامام وقد صلى الرجل
ركعة من صلاة الفريضة قال إن كان إماما عدلا فليصل أخرى وينصرف ويجعلهما تطوعا وليدخل مع الامام في صلاته وإن لم يكن إمام عدل فليبن على
صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى تجلس قدر ما يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله ثم ليتم
صلاته معه على ما استطاع فإن التقية واسعة وليس شئ من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله قال ابن بابويه وإن لم يتمكن من التشهد جالسا
قام مع الامام وتشهد قائما. * مسألة: لو صلى خلف من لا يقتدى به للتقية لم يعد خلافا. لنا: ما رواه الجمهور من أن الحسن والحسين عليهما السلام
صليا مع مروان ولم ينقل عنهم الإعادة ومن طريق الخاصة حديث سماعة وقد تقدم وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
اني أدخل المسجد فأجد الامام قد ركع وقد ركع القوم فلا يمكنني أن أوذن وأقيم وأكبر فقال لي فإذا كان ذلك فادخل معهم في الركعة واعتد بها فإنها
من أفضل ركعاتك وتمام الحديث يدل على أن الامام ممن لا يوثق به وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال
يجب لك إذا دخلت معهم وإن كنت لا تقتدي بهم مثل ما يجب لك إذا كنت مع من تقتدي به ولأنه أتى بالأفعال الواجبة على الكمال فكانت مجزية احتج
أحمد بأنه نوى ألا يعيد بها (أن لا يقتدى) والجواب ليس البحث في هذه الصورة. فرعان [الأول] لو كان الذي لا ترضى الصلاة خلفه جماعة جاز أن يؤمهم
أحدهم ويوافقون الامام في أفعاله ظاهرا لأنهم غير مؤتمين به فجاز لهم الايتمام بغيره. [الثاني] يكره الخروج من المسجد
بعد النداء لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال إن خرج كان في ذلك شنعة ولكن يصلي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الحسن بن
عبد الله الأرجاني عن أبي عبد الله عليه السلام قال من صلى في منزله ثم أتى مسجدا من مساجدهم فصلى فيه خرج بحسناتهم وإذا كان الثواب مع قصد
ذلك ومع الاتفاق الأول (بصات فهو أولى)؟؟. * مسألة: المسبوق يجعل ما يلحقه مع الامام أول صلاته ويتم بعد تسليم الامام ما بقي عليه ذهب إليه علماؤنا أجمع
وهو قول علي عليه السلام وعمرو وسعيد بن المسيب وأبي الدرداء والشافعي والأوزاعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين ومالك وابن المنذر وقال أبو
حنيفة يكون آخر صلاته وبه قال الثوري وأحمد وهو المشهور عن مالك. لنا: أن صلاة المأموم لا يبني على صلاة الامام لجواز اختلاف الفرضين
على ما تقدم فلو تابع الامام تغيرت هيئة صلاة المأموم لأنها ركعة مفتحة بالاحرام فكانت أول صلاته كالمنفرد ولأنه لو أدرك
ركعة من المغرب صلى أخرى وجلس للتشهد بالاجماع ودل ذلك على أنها أول صلاته ولأنه (لو كان) آخر صلاته حقيقة فكان آخرها حكما كغير المسبوق
ولأنه يتشهد في آخر ما يقتضيه ويسلم ولو كان أول صلاته لما يتشهد وكان يكفيه تشهده مع الامام وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي جعفر
عليه السلام قال إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه جعل أول ما أدرك أول صلاته إن أدرك من الظهر أو من العصر
أو العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الامام في نفسه بأم الكتاب وسورة فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم
الكتاب فإذا سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما لان الصلاة إنما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بأم الكتاب وسورة وفي الأخيرتين لا يقرأ
383

فيها إنما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء ليس فيهما قراءة وإن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الامام فإذا سلم الامام قام فقرأ بأم الكتاب وسورة ثم قعد فتشهد
ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة وما رواه في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من
الصلاة مع الامام وهي له الأولى كيف يصنع إذا جلس الإمام قال يتجافا ولا يتمكن من القعود فإذا كانت الثالثة الامام وهي له الثانية فليلبث
قليلا إذا قام الامام بقدر ما يتشهد ثم يلحق بالامام قال وسألت عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة
فقال يقرأ فيهما فإنها لك الأولتان ولا تجعل أول صلاتك آخرها وما رواه عن محمد بن طلحة بن زيد عن أبي جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام
قال أيجعل الرجل ما أدرك مع الامام أول صلاته قال جعفر وليس نقول كما يقول الحمقى احتج المخالف بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا والجواب لا يجوز أن يكون المراد بالقضاء ها هنا حقيقة إذ الحقيقة
تبنى على الفعل بعد خروج الوقت وذلك
غير مراد ها هنا إجماعا فلم يبق معنى للحديث إلا ما أدركتموه فتابعوه على فعله وما فاتكم فافعلوه وغير بالقضاء عن الفعل مجازا وأيضا وقد
رووا ما فاتكم فأتموا. فروع: [الأول] الذي عليه علماؤنا أنه يقرأ في الركعتين اللتين فاتتاه بأم الكتاب خاصة أو يسبح فإنها آخر صلاته
وقال الشافعي يقرأ فيهما بأم الكتاب وسورة وذلك غير لائق على مذهبه إذ يقولوا كذا اتصافي؟؟ إذ ما يدركه المأموم يكون أول صلاته ولو أدرك
المأموم مع الامام ركعتين قرأ في الثالثة الحمد خاصة وهو ظاهر على مذهبنا إذ هي أخيرة له وقال الشافعي يقرأ الحمد وسورة ويلزم جماعة الناقض
إذ قراءة السورة تدل على أولها الجلوس بعدها يدل على آخريتها وذلك تناقض. [الثاني] لا يجهر بالقراءة في الأواخر التي يقضيها لأنها آخر
صلاته ولا جهر فيها ونقل عن الشافعي الاسرار والاجهار معا. [الثالث] الأقرب عندي القراءة مستحبة ونقل عن بعض فقهائنا الوجوب لئلا يخلو
الصلاة عن قراءة إن هو مخير في التسبيح في الأخيرتين وليس بشئ ء فإن احتج بحديث زرارة و عبد الرحمن حملنا الامر فيهما على الندب لما ثبت من
عدم وجوب القراءة على المأموم أما ما ينفرد المأموم عن الامام فيما يجب فيه القراءة فإنه يجب عليه القراءة كما لو أدرك في آخر ركعة. [الرابع] روى
الشيخ عن الحسين بن المختار وداود بن الحصين قال سئل عن رجل فاتته ركعة من المغرب مع الامام وأدرك الثنتين فهي الأولى له فالثانية للقوم يتشهد
فيها قال نعم قلت والثانية أيضا قال نعم قلت كلهن قال نعم وأما هي بركة وللشافعي وجهان، أحدهما: يتشهد مستحبا، والثاني لا يتشهد أما الأول فلانه مانع فكما فقد في غير موضعه لذلك يتشهد في غير موضعه وأما الثاني فلانه ليس بموضع لتشهده.
* مسألة: لو أدرك الامام بعد رفعه من الركوع فقد فاته تلك الركعة واستحب له أن يكبر ويسجد معه السجدتين ولا يعتد بهما لان مجموعهما ركن
فزيادته مبطلة واما استحباب المتابعة فلادراك فضيلة الجماعة ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا سبقك
الامام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا يعتد بها. فروع: [الأول] لو أدركه بعد السجود الأخيرة استحب له أن يكبر ويدخل
في الصلاة ويجلس معه في تشهد ويتشهد معه إذ نصحت فإذا سلم الامام قام وبنى على تلك التكبير وصلى أما استحباب الدخول فلما رواه
الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت له متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام قال إذا أدرك الامام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو
مدرك لفضل الصلاة مع الامام وأما الاعتداد بذلك التكبير فلما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يدرك
الامام وهو قاعد يتشهد وليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه قال لا يتقدم الامام وإلا يتأخر الرجل ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الامام
فإذا سلم الامام قام الرجل فأتم صلاته لا يقال قد روى الشيخ عن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أدرك الامام وهو جالس بعد
الركعتين قال يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الامام حتى يقوم ولأنه فعل كثير فكان مبطلا لأنا نقول أما رواية عمار فغير دالة على المنع في صورة
النزاع إذ هي إنما تتناول الصلاة الثلاثية أو الرباعية والفرق أن فيهما يمكن تحصيل فضيلة الجماعة من دون زيادة القعود بخلاف صورة
النزاع وأما الثاني فإنه وإن كان كثيرا فإنه من أفعال الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة. [الثاني] لو أدرك ساجدا كبر الافتتاح
واجبا وكبر أخرى للسجود مستحبا لأنه مأمور بالاتباع فاستحب له تكبير السجود كمتبوعه وقيل لا يستحب التكبير هنا لأنه لا يعيد بهذا
السجود ولا هو متابع الامام في التكبير ولم يكبر بخلاف ما لو أدرك راكعا فإنه يكبر للركوع ولا اعتداد به ذهب إليه بعض الشافعية.
[الثالث] لو أدرك في حال التشهد كبر الافتتاح خاصة قولا واحدا ولو قام الامام في الثالثة بالتكبير لم يكبر لأنها ليس ثالثة
خلافا للشافعي وهذا بناء على قول المفيد في أن القائم إلى الثالثة يكبر أما على قول الشيخ فلا. * مسألة: لو أحرم مؤتما ثم نوى
المفارقة فإن كان لعذر جاز ذلك بالاجماع لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله صلى يوم ذات الرقاع بطائفة ركعة ثم
خرج من الصلاة وأتمت لنفسه وإن كان لغير عذر جاز عندنا وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي وقال أبو حنيفة
ومالك تبطل صلاته وهو ثاني قولي الشافعي وروايتي أحمد. لنا: ما رواه الجمهور عن جابر قال كان معاذ يصلي مع رسول الله
صلى الله عليه وآله العشاء ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم فأخر النبي صلى الله عليه وآله صلاة العشاء فصلى معه ثم رجع إلى قومه فقرأه سورة
البقرة فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له نافقت يا فلان فقال ما نافقت ولكن يا نبي نأتي رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره فأتى النبي صلى الله عليه وآله
384

فذكر ذلك له فقال أفتان أنت يا معاذ أفتان أنت يا معاذ مرتين قرأ سورة كذا وسورة كذا قال وسورة ذات البروج والليل والسماء والطارق
وهل أتيك حديث الغاشية ولم يأمره عليه السلام بالإعادة ولا أنكر عليه ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه قال كان معاذ يوم في مسجد على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ويطيل القراءة وأنه مر به رجل فافتتح سورة طويلة فقرأ الرجل لنفسه وصلى ثم ركب راحلته فبلغ ذلك
النبي صلى الله عليه وآله فبعث إلى معاذ فقال يا معاذ إياك أن تكون فتانا عليك بالشمس وضحاها وذواتها ولان الاجتماع ليس واجبا ولا
يجب بالشروع في أذان ينفرد ولا تبطل الصلاة لاتيانه بها على الوجه المشروع ولأنه بنية الايتمام يستفيد الفضيلة لا الصحة فيبطل بالخروج
الفضل دون الصحة احتج المخالف بما روي عنه عليه السلام أنه قال إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه والجواب: أنه محمول على ما إذا كان
متبعا أما مع نية الخروج فلا. فرع: يجوز أن يسلم قبل الامام مع العذر أو مع نية الافراد لما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن
أخيه موسى عليه السلام قال سألت عن الرجل يكون خلف الامام فتطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على
شئ أن يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع
قال يسلم وينصرف ويدع الامام وفي الصحيح عن أبي العزا عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي خلف إمام فسلم قبل الامام؟ قال: ليس بذلك بأس.
* مسألة: يستحب للامام أن يكمل أفعال صلاته من القيام والجلوس والركوع والسجود ويخففها أذكارها وهو إجماع أهل العلم روى الجمهور
عن أنس بن مالك قال ما صليت خلف أحد قط أخف ولا أتم صلاته من رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه
وآله قال من صلى للناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف فإذا صلى لنفسه فليطل ما شاء ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إسحاق بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال ينبغي للامام أن يكون صلاته على أضعف من خلفه ولحديث جابر وقد تقدم ولأنه ربما كان في الجماعة من يتأذى
بالتطويل لمرض أو حاجة تفوت فيحصل الأذى بالتطويل فكان الاسراع مشروعا. فرع: ولو تجدد في الصلاة ما يقتضي الاسراع سارع
إلى الاتمام مخالفا عادته في الصلاة لوجود المقتضي له ولما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال لا أدخل في الصلاة وأنا
أريد إطالتها فاسمع بكاء الصبي فأخففها كرهته إن أشق على أمه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر والعصر فخفف الصلاة في الركعتين فلما انصرف قال له الناس يا رسول الله أحدث في الصلاة شئ قال وما
ذاك قالوا خففت في الركعتين الأخيرتين فقال لهم أما سمعتم صراخ الصبي. * مسألة: ينبغي للامام أن لا يبرح من مكانه حتى يتم
المسبوق خلفه صلاته لان الجماعة الحقيقية مطلوبة شرعا فكان التشبه بها مطلوبا كما في غير الجماعة مثل الممسك ولما رواه الشيخ في
الصحيح عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سمعته يقول لا ينبغي للامام أن يقوم إذا صلى حتى يقضي كل من خلفه فما فاته من الصلاة. * مسألة:
ويستحب له أن يسمع من خلفه القراءة والشهادتين لأنه ضامن لهم فكان الاسماع مستحبا لنفي التهمة وحصول اليقين لكل سامع براءة
ذمته من القراءة ولما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال ينبغي للامام أن يسمع من خلفه كلما يقول ولا ينبغي لمن خلفه
أن يسمعه شيئا مما يقول. فرع: هذا الحكم ثابت مع عدم الحاجة إلى العلو في الصوت. * مسألة: لو أخل الامام بشرط في الصلاة كالطهارة
ولم يعلم المأمومون صحت صلاتهم دونه وقد سلف ذلك أما لو أخل باستقبال القبلة فإن كان المأمومون عالمين بطلت صلاة الجميع وإن لم يكونوا
عالمين فإن كانوا قد استدبروا قضوا أجمع في الوقت وفي الخارج على الخلاف بين الأصحاب وإن لم يكونوا مستدبرين صحت صلاتهم دونه وقال
بعض الجمهور يفسد صلاة الجميع. لنا: أنهم دخلوا في الصلاة على وجه مشروع وصلاة المأموم غير متعلقة بصلاة الامام فصحت صلاتهم
كما لو كان الامام محدثا ولو لم يكونوا عالمين ولا الامام أيضا صحت صلاة الجميع على التفصيل المذكور وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن
علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في الرجل يصلي بالقوم ثم يعلم أنه صلى بهم إلى غير القبلة فقال ليس عليهم إعادة قد روى الشيخ
في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة قال يعيد ولا يعيدون فإنهم قد تتحروا ويحتمل إعادته الامام
على ترك الاجتهاد وترك قوله الغير (للغير). * مسألة: ولو ضاق بالمأموم المكان أو بغيره جاز له أن يتقدم في الصلاة ويتأخر ما لم يبلغ حد
الكثرة لموضع الحاجة إلى ذلك وقد روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أخذ بيد ابن عباس فأداره إلى يمينه ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: فإذا قعدت فضاق المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس وما رواه في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال قال لا يضرك أن تتأخر وراءك إذا وجدت ضيقا في الصف فتأخر إلى الصف الذي خلفك وإن كنت في صف فأردت أن تتقدم قدامك
فلا بأس أن تمشي إليه ومثله روي عن الفضل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام ومثله روى في الصحيح عن الحلبي عنه عليه السلام لا يقال قد روى الشيخ
وابن يعقوب معا في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت له الرجل يتأخر وهو في الصلاة قال لا قلت فيقدم قال نعم ما شاء إلى القبلة
لأنا نقول أن الراوي لم يسندها إلى إمام وهو وإن كان ثقة لا يطلق القول إلا مع النقل عن الامام إلا أنه غير حال عن ضعف وأيضا فيحمل النهي عن
التأخر مع الاستدبار أو على التأخر من غير حاجة. فرع: قال الشيخ ومسك في المنفرد وحال تقدمه أو تأخره عن القراءة لأنه في تلك الحال ماش
385

غير قائم ولا يجوز له القراءة. * مسألة: يكره للامام أن يصلي بالقوم وهو متوشح لما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام وهذا
وإن كان مكروها للمصلي مطلقا إلا أنه في الامام أكد. * مسألة: لو فسدت صلاة المأموم بشئ يختص به كحدث أو كلام منه لم يفسد صلاة الامام سواء
كان مع الامام غيره أو لم يكن خلافا لبعض الجمهور. لنا: أن صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة الامام ارتباطا يلزم منه المتابعة في الفساد على ما بينا فيختص
الفساد بصلاة المأموم ولان العكس ثابت وهو أولى. فرع: لو كان المأموم واحدا فشم كل واحد منهما ريحا أو سمع صوتا يعتقد أنه من صاحبه لم يفسد
صلاة واحد منهما لما مضى ويجب على المأموم نية الانفراد لأنه لو أتم الصلاة متابعا لكان مؤتما لمن يعتقد بطلان صلاته (فرع) آخر لو صلى بجماعة فشهد اثنان
أنه أحدث وأنكر هو وبقية المأمومين فالوجه صحة صلاة الجميع إلا الشاهدين إذا أتما مؤتمين أما أن ينويا الانفراد صحت صلاتهما وقال بعض
الجمهور يفسد الجميع لان شهادة الاثنان مقدمة على النفي وصلاة المأمومين مرتبطة بصلاة الامام وبالعكس. * مسألة: لو صلى ثم اشتبه عليه
هل دخل الوقت أم لا ولم يكن قد صلى عن يقين وظن أعاد الصلاة وإن له يؤم في الإعادة لمن لم يصل خلافا لبعض الجمهور. لنا: أنها صلاة واجبة
فجاز الايتمام فيها كما لو لم يصل أولا وكما لو شك هل صلى أم لا احتج المخالف بأنها يحتمل النفل ويكون المفترض قد اقتدى بالمتنفل والجواب: لا احتمال
مع تعين الوجوب. * مسألة: ذكر ابن بابويه أنه يستحب للمأمومين إذا فرغ الامام من قراءة الحمد أن يقولوا الحمد لله رب العالمين ورواه الحسين بن
سعيد في كتابه أيضا.
[فصول في المساجد] روى الشيخ عن الأصبغ عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال كان يقول من اختلف إلى المسجد أصاب
إحدى الثمان أخا مستفادا في الله أو علما مستطرفا أو آية محكمة أو يسمع كلمة تدله على هدى أو رحمة منتظرة أو كلمة ترده عن ردى أو يترك ذنبا خشية
أو حياء وروي عن علي بن الحكم عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال من مشى إلى المسجد لم؟ يضع؟ رجلا على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى
الأرضين السابعة وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال قال النبي صلى الله عليه وآله من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتا
في الجنة وفي الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني أكره الصلاة في مساجدهم فقال لا تكره فما من مسجد بني إلا على
قبر نبي أو وصي نبي قتل فأصاب تلك البقعة رشه ومن دمه فأحب الله أن يذكر فيها فأد فيها الفريضة والنوافل واقض ما فاتك وروى ابن بابويه عن كليب
الصيداوي عن أبي عبد الله عليه السلام قال مكتوب في التورية أن بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في؟ بيعة؟ ثم زارني في بيتي وحق على
المزور أن يكرمه الزائر وروى ابن بابويه عن الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أن الله عز وجل ليزيد عذاب أهل الأرض جميعا
حتى لا يحاشي منهم أحد إذا عملوا بالمعاصي واجترحوا السيئات فإذا نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلاة والولدان يتعلمون القرآن ره فأخر ذلك عنهم وروى
ابن يعقوب في الصحيح عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجبرئيل يا جبرئيل أي البقاع أحب إلى الله؟ قال المساجد وأحب
أهلها أولهم دخولا وآخرهم خروجا منها أما النساء فالمستحب لهن أن لا يحضرن المساجد لأنهن أمرن بالاستتار ويؤيده ما رواه الشيخ عن يونس بن ظبيان
قال قال أبو عبد الله عليه السلام خير مساجد نسائكم البيوت. فصل: وأفضل المساجد المسجد الحرام روى ابن بابويه عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال قال محمد بن علي الباقر عليه السلام: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في غيره من المساجد وروي عن مسعدة بن
صدقة عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة في مسجدي يعدل عند الله عشرة ألف صلاة في غيره من
المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه يعدل مئة ألف صلاة وروى عن ابن بابويه أيضا عن خالد بن زياد القلانسي عن الصادق عليه السلام
أنه قال مكة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليهما السلام الصلاة فيها بمائة ألف صلاة والدرهم فيها بمئة ألف درهم، والمدينة حرم الله
وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة والدرهم فيها بعشرة؟ آلاف؟ درهم، والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليهما السلام
الصلاة فيها بألف صلاة وسكت عن الدرهم وروى ابن بابويه عن السكوني عن جعفر عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال: صلاة في بيت المقدس ألف صلاة،
وصلاة في المسجد الأعظم مئة ألف صلاة، وصلاة في مسجد القبيلة خمس وعشرون صلاة، وصلاة في مسجد السوق اثني عشرة صلاة، وصلاة
الرجل في بيته وحده صلاة واحدة وروى ابن بابويه عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لأبي حمزة الثمالي: المساجد أربعة المسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد
بيت المقدس، ومسجد الكوفة يا أبا حمزة الفريضة فيها تعدل حجة والنافلة تعدل عمرة وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد
المسجد الحرام ومسجد رسول الله ومسجد الكوفة وروى ابن بابويه عن النبي صلى الله عليه وآله قال لما أسري بي مررت بموضع مسجد الكوفة وأنا على
البراق ومعي جبرئيل فقال لي يا محمد انزل فصل في هذا المكان قال فنزلت فصليت وقلت يا جبرئيل أي شئ هذا الموضع؟ قال يا محمد هذه كوفان
وهذا مسجدها أما إني قد رأيتها خرابا عشرين مرة وعشرين مرة عمر انا بين كل مرتين خمس مئة سنة وروى ابن بابويه عن الأصبغ بن نباته قال بينا
نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة إذ قال يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عز وجل بما لم يحب به أحدا من فضل مصلاكم
بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ومصلى إبراهيم الخليل ومصلى أخي الخضر عليه السلام ومصلاي وإن مسجدكم هذا لاحد المساجد الأربعة التي اختارها
الله عز وجل لأهلها وكأني به قد أتى به يوم القيامة في ثوبين أبيضين يتشبه بالمحرم ويشفع لأهله ولمن يصلي فيه فلا ترد شفاعته ولا تذهب
386

الأيام حتى ينصب الحجر الأسود فيه وليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدي من ولدي ومصلى كل مؤمن ولا يبقى على الأرض مؤمن إلا كان به أو حن قبله
إليه فلا تهجروه وتقربوا إلى الله عز وجل الصلاة فيه وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لاتوه من أقطار الأرض و
لو حبوا على الثلج وروى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال قال بالكوفة مسجد يقال له مسجد السهلة لو أن عمي زيد أتاه فصل فيه واستجار الله لأجاره
عشرين سنة فيه بيت إدريس الذي كان يخيط فيه وهو الموضع الذي خرج منه إبراهيم إلى العمالقة وهو الموضع الذي خرج منه داود إلى جالوت
وتحته صخرة خضراء فيها صورة وجه كل نبي خلقه الله عز وجل ومن تحته أحدث طينة كل نبي وهو موضع الراكب فقيل له وما الراكب
قال الخضر عليه السلام وروى الشيخ رحمه الله وابن بابويه رحمه الله عن جابر عن عبد الله الأنصاري قال صلى بنا علي عليه السلام ببراثا ببغداد بعد رجوعه من
قتال الشراة ونحن رها عن مائة ألف رجل فنزل نصراني من صومعته فقال أين عميد هذا الجيش فقلنا هذا فأقبل إليه فسلم عليه ثم قال يا سيدي
أنت نبي فقال لا النبي سيدي قد مات قال فأنت وصي نبي قال نعم ثم قال له اجلس كيف سألت عن هذا فقال إنما بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع و
هو براثا وقرأت في الكتب المنزلة أنه لا يصلي في هذا الموضع بهذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي وقد جئت أسلم فأسلم وخرج معنا إلى الكوفة فقال له
علي عليه السلام فمن صلى ها هنا قال صلى عيسى بن مريم وأمه فقال له علي عليه السلام فأخبرك من صلى ها هنا قال نعم قال الخليل عليه السلام وروى الشيخ وابن
يعقوب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال إن بالكوفة مساجد ملعونة ومساجد مباركة فأما المباركة فمسجد غنى فوالله ان قبلته لقاسطة و
ان طينته لطيبة ولقد وضعه رجل مؤمن ولا تذهب الدنيا حتى تنفجر عنده عينان وتكون عنده جنتان وأهله ملعونون وهو مسلوب منهم
ومسجد بني ظفر وهو مسجد السهلة ومسجد الحمراء ومسجد جعفي وليس هو مسجدهم اليوم قال درس وأما المساجد الملعونة فمسجد ثقيف ومسجد
الأشعث ومسجد جرير ومسجد سماك ومسجد الحمراء بني على قبر فرعون من الفراعنة ورويا معا عن سالم عن أبي جعفر عليه السلام قال جددت أربعة
مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين عليه السلام مسجد الأشعث ومسجد جرير ومسجد سماك ومسجد شيث بن ربعي وروى الشيخ وابن يعقوب في الصحيح
عن حسان الجمال قال حملت أبا عبد الله عليه السلام من المدينة إلى مكة قال فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر في ميسرة المسجد فقال ذلك موضع
قدم رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثم نظر في الجانب الآخر فقال ذلك
موضع فسطاط فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة الجراح فلما أن رأوه رافعا يده قال بعضهم انظروا إلى عينيه يدوران كأنهما
عينا مجنون فنزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون انه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين)
ثم قال يا حسان لولا أنك جمالي لما حدثتك بهذا الحديث وروى الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن المسجد الذي أسس
على التقوى قال مسجد قبا وروى ابن بابويه عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال صلى في مسجد الخيف سبع مائة نبي وروى ابن بابويه عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام
قال من صلى في مسجد الخيف بمنى مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما ومن سبح الله فيه مئة تسبيحة كنت له كأجر عتق رقبة ومن
هلل الله فيه مئة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة ومن حمد الله عز وجل فيه مئة تحميدة عدت أجر خراج العراقيين يتصدق به في سبيل الله. فصل:
بناء المساجد فيه فضل كثير وثواب جزيل قال الله تعالى: إنما يعمر مساجد الله من أمن بالله واليوم الآخر) الآية وروى الشيخ في الحسن عن أبي عبيدة الحذاء
عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال من بنى مسجدا بنى الله بيتا في الجنة قال أبو عبيدة فمر بي أبو عبد الله عليه السلام في طريق مكة وقد سويت أحجار
المسجد فقلت جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذاك فقال نعم. فصل: ويستحب اتخاذها جما غير مظللة روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي
قال سألته عن المساجد المظللة أيكره القيام فيها فقال نعم ولكن لا تضركم الصلاة فيها اليوم ولو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك وروى
في الحسن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بنى رسول الله صلى الله عليه وآله مسجده فاشتد الحر عليهم فقالوا يا رسول الله لو أمرت
بالمسجد فظلل فقال نعم فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر فعاشوا فيه حتى أصابهم المطر
فجعل المسجد يكف عليهم فقالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله لا عريش كعريش موسى عليه السلام فلم يزل
كذلك حتى قبض صلى الله عليه وآله وروى ابن بابويه عن أبي جعفر عليه السلام قال: أول ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد فيكسرها ويأمر بها فتجعل عريشا كعريش
موسى عليه السلام وروى الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه أن عليا عليه السلام رأى مسجد بالكوفة قد شرف فقال كأنه بيعة وقال أن المساجد لا تشرف
تبنى جما. فصل: ويكون الميضاة (المتوضاء) على أبواب المساجد لما رواه الشيخ عن عبد الحميد عن أبي إبراهيم عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وبيعكم وشرائكم واجعلوا مطاهركم على الجراب
مساجدكم ولأنه لو جعلت داخلها لتأذى المسلمون برائحتها وذلك يطلب الترك. فصل: ويستحب أن تكون المنارة مع حائطها ولا تعلى
عليه لما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه أن عليا عليه السلام مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال لا ترفع المنارة إلا مع سطح
المسجد. فصل: ويستحب أن يقدم الداخل إليها رجله اليمنى والخارج اليسرى لشرف اليمنى فتقدم إلى الموضع الأشرف وأن يتعاهد نعله
احتياطا للطهارة روى الشيخ عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وآله تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم
387

ونهى أن ينتعل الرجل وهو قائم وأن يدعو في حالتي دخوله وخروجه لان المسجد للإجابة روى الشيخ عن العلا بن الفضيل عمن رواه عن أبي جعفر
عليه السلام قال إذا دخلت المسجد وأنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلا طاهرا وإذا دخلته فاستقبل القبلة ثم ادع الله واسأله وسم حين تدخله واحمد
الله وصل على النبي صلى الله عليه وآله وروى في الموثق عن سماعة قال إذا دخلت المسجد فقل بسم الله والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله
وصلاة؟ الملائكة؟ على محمد وآل محمد والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك وإذا خرجت فقل مثل ذلك وعن
عبد الله بن الحسن قال إذا دخلت المسجد فقل اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرجت فقل اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك. فصل:
والاسراج فيها وكنسها مستحبان لما اشتملا عليه من التنظيف والضوء المحتاج إليه للدخول والترغيب إلى التردد فيه فيؤمن خرابه ولما رواه
الشيخ عن عبد الحميد عن أبي إبراهيم عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من كنس المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة فاخرج منه ترابه ما يذر
في العين غفر الله له وروى ابن بابويه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل
الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج. فصل: ويجنب البيع والشراء لأنها موضع عبادة لا غير ويجنب
أيضا (تمكين) المجانين والصبيان لأنهما مظنتان للنجاسة لعدم توقيهما عنها ويجنب الاحكام لأنها مظنة التنازع المقتضي للكذب ويكره تعريف الضالة فيها
لأنها موضع عبادة فيكره غيرها أو يكره إقامة الحدود فيها لأنها مظنة خروج الحدث ويكره رفع الصوت فيه لأنها ينافي التذلل والخضوع ويدل
على هذه الأحكام أيضا ما رواه الشيخ عن علي بن أسباط عن بعض رجاله قال قال جنبوا مساجدكم البيع والشراء والمجانين
والصبيان والاحكام والضالة والحدود ورفع الصوت ويكره اتخاذ المحاريب فيها لما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام
أنه كان يكسر المحاريب إذ رآها في المساجد ويقول كأنها مذابح اليهود ويكره دخولها لمن أكل شيئا من المؤذيات المجاور له بالرائحة وذلك
مطلوب العدم ويكره اخراج الحصا منها لما رواه الشيخ عن وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه قال إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها
أو في مسجد آخر فإنها تسبح ويكره البصاق في المسجد فإن فعل غطاه بالتراب لأنه يستتبع كراهيته النفس لذلك ومع التغطية تزول ولما رواه
الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهم السلام أن عليا عليه السلام قال البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنها وروى الشيخ عن السكوني عن
جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال من وقر بنخامته المسجد لقى الله يوم القيامة ضاحكا قد أعطي كتابه بيمينه وروى في الصحيح عن عبد الله بن سنان
قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم يمر بداء في جوفه إلا أبرأته ويكره الوضوء في المسجد من البول والغائط
لما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة بن موسى قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء في المسجد فكرهه من الغائط أو البول ويكره النوم في المساجد
لأنه مظنة الحدث ولأنها مواطن عبادة فكره غيرها ولما رواه الشيخ عن أبي أسامة زيد الشحام قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله عز وجل لا تقربوا
الصلاة وأنتم سكارى قال سكر النوم ويكره إنشاد الشعر فيها لما رواه الشيخ عن علي بن الحسين عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا فض الله فاك قال إنما نصبت المساجد للقرآن ويكره عمل الصنائع في المساجد ويدل عليه التعليل الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهما السلام قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن سل السيف في المسجد وعن بري النبل في المسجد وقال إنما بني لغير ذلك ويكره كشف العورة
في المسجد لان فيه استخفافا به وهو محل تعظيم وكشف السرة والركبة والفخذ مكروه أيضا لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال كشف السرة و
الفخذ والركبة في المسجد من العورة ويكره تعلية المساجد لان فيه تشريفا على عورات المجاورين وهو منهي عنه ولان رسول الله صلى الله
عليه وآله كان مسجده قدر قامة واتباعه أولى. فصل: ويحرم إدخال النجاسة إليها لقوله عليه السلام جنبوا مساجدكم النجاسة وغسل النجاسة
فيها لأنه ينجسها ويحرم أن يؤخذ منها شيئا في الطريق وغيره لأنه موضع لله اختص بالعبادة فلا يجوز اختصاص الغير به قال الله تعالى: (ومن
أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) ويحرم نقشها وزخرفتها لأنه بدعة لم يفعل في زمن النبي صلى الله عليه وآله
روى الشيخ عن عمرو بن جميع قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في المساجد المصورة فقال أكره ذلك ولكن لا يضركم ذلك اليوم
ولو قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك ويحرم أخذ آلتها للتملك لأنه وقف على مصلحة فاختص بها. فصل: لو كان في دار رجل موضع جعله مسجدا
ليصلي فيه هو وغيره ولم يخرجه عن ملكه جاز له توسيعه وتضييقه وأخذه بالكلية لأنه باق على ملكه لم يزل عنه بمجرد الصلاة فيه ولما رواه
الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المسجد يكون في الدار وفي البيت فيبدو لأهله أن يتوسعوا بضيافة
منه أو يحولوه إلى غير مكانه فقال لا بأس بذلك ورواه أيضا عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام. فصل: ولا بأس بوضع المسجد على
بئر غائط أو بالوعة إذا طم وانقطعت رائحتها لان المؤذي يزول بذلك فتزول الكراهية ولما رواه الشيخ عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام
قال سألته عن المكان يكون خشا (جنيثا) ثم ينظف ويجعل مسجدا قال يطرح عليه التراب حتى يواريه فهو أطهر وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام المكان يكون حشا زمانا فينظف ويتخذ مسجدا فقال الق عليه من التراب حتى يتوارى فإن ذلك يطهره إن شاء الله
388

لا يقال قد روى الشيخ عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة لأنا نقول نحن نقول بموجبه إذ بئر الغائط
إنما تتخذ مسجدا مع الطم وانقطاع الرائحة. فصل: لا بأس بأخذ الآت البيع والكنائس لبناء المساجد لما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البيع والكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد فقال نعم. فصل: يكره رمي الحصا فيه حذفا لما رواه الشيخ عن السكوني
عن جعفر عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أبصر رجلا يحذف بحصاة في المسجد فقال ما زالت وتعلن حتى وقعت ثم قال الحذف
في النادي من أخلاق قوم لوط ثم تلا عليه السلام: (وتأتون في ناديكم المنكر) قال هو الحذف ويكره المخاطبة بلسان العجم فيه روى الشيخ عن السكوني
عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال نهى النبي صلى الله عليه وآله عن رطافة الأعاجم في المساجد ويكره الاتكاء فيه لما رواه الشيخ عن
إسماعيل بن أبي عبد الله عن أبيه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الاتكاء في المسجد رهبانية العرب المؤمن مجلسه ومسجده صومعته بيته. فصل:
روى ابن بابويه عن أبي الحسن الأول قال سئل عن الطين فيه التبن أيطين به المسجد أو البيت الذي يصلى فيه فقال لا بأس وسئل عن الجص يطبخ بالعذرة
أيصلح أن يجصص به المسجد فقال لا بأس قال ابن بابويه وينبغي أن تجنب المساجد تعليم المعلم للتأديب فيها وجلوس الخياط فيها للخياطة وهو حسن لما تقدم
وروى عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الوقوف على المساجد فقال لا يجوز لان المجوس وقفوا على بيت النار والوجه عندي الجواز ويكره أن يجعل
المسجد طريقا إلا عند الضرورة لأنه بني للعبادة خاصة. فصل: ولا يجوز نقض شئ من المساجد إلا إذا استهدم ولو استهدم المسجد وزالت بنيته لم
يجز لاحد إجارته ولا أخذه وإذا استهدم مسجد جاز أخذ آلته لعمارة غيره من المساجد لان المالك واحد هو الله تعالى ولا يجوز أخذه ملكا
على وجه ويكره أن يقصع القمل في المساجد لتضمنه تنفير النفس فإن فعل غطاه بالتراب ولا يجوز أن يدفن في شئ من المساجد لأنها جعلت للعبادة وصلاة المكتوبة
في المسجد أفضل وصلاة النافلة في المنزل أفضل وخاصة نوافل الليل أما الأول فلان فيه محافظة على الجماعة روى الشيخ عن السكوني عن جعفر
عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال من سمع النداء في المسجد فخرج من غير علة فهو منافق إلا أن يريد الرجع إليه وروى الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال لا صلاة لمن لم يشهد الصلاة المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغا صحيحا وأما الثاني
فلاشتماله على مفسدة التهمة بالتضييع.
[المقصد السادس] في صلاة المسافر وفيه بحثان، {الأول} في الشرائط، * مسألة:
ذهب علمائنا أجمع إلى أن المسافة شرط القصر وهو قول عامة أهل العلم وإنما وقع التشاجر في تقدير المسافة فالذي ذهب إليه علماؤنا أنه
أربعة وعشرون ميلا مسيرة يوم تام ثمانية فراسخ بريدان وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس وبه قال الأوزاعي وبه قال عامة العلماء وبه نأخذ
وقال الشافعي في الأم والاملاء: ستة وأربعون ميلا بالهاشمي وقال في النويطي (البزنطي): ثمانية وأربعون ميلا مسيرة يومين قاصدين سير النعل وقال
في موضع من النويطي مسيرة يوم وليلة وقال في القديم: يقصر فيما جاوز أربعين ميلا وقال في موضع: أربعة برد والبريد أربعة فراسخ
وقال أبو حنيفة والثوري: لا يقصر إلا في ثلاث مراحل أربعة وعشرين فرسخا وبه قال ابن مسعود وسعيد بن جبير والنخعي وقال مالك وأحمد و
إسحاق وأبو ثور: ثمانية وأربعين ميلا وقال داود يقصر في قليل السفر وكثيره وقال الزهري: يقصر في ثلاثين ميلا. لنا: قوله تعالى: (وإذا ضربتم
في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) علق التقصير بمطلق الضرب وذلك يفيد التعميم خرج عنه ما دون الثمان لدليل فيبقى الباقي
على العموم وأيضا مسير اليوم يسمى سفرا لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر
سير يوم إلا مع ذي محرم ولوجود المعنى الموضوع له فيه فيجب فيه التقصير لقوله تعالى: (ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)
ولان الحكمة الباعثة على التقصير موجودة فيه كما وجدت في غيره فيثبت الحكم فيه ولم يثبت فيما زاد لزوال المشقة براحة الليل ولما رواه
ابن بابويه عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال وإنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر لان ثمانية فراسخ مسيرة
يوم للعامة والقوافل والأثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم ولو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة وذلك لان كل يوم يكون
بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره وإذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول في التقصير في الصلاة قال بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا وما رواه في الصحيح عن أبي أيوب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن التقصير قال فقال في بريدين أو بياض يوم وما رواه في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن الرجل يخرج في سفره وهو
في مسيرة يوم قال يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم وإن ان يدور في عمل وما رواه في الموثق عن عيص بن القسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال في
التقصير حده أربعة وعشرون ميلا وما رواه عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له لي كم أدنى ما أقصر فيه الصلاة قال
جرت السنة ببياض يوم فقلت له أن بياض يوم يختلف بسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم ويسير الآخر أربع فراسخ وخمسة فراسخ في يوم قال فقال
أنه ليس إلى ذلك ينظر أما رأيت سير هذه الأثقال بين مكة والمدينة ثم أومأ بيده أربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ وعن أبي بصير قال قلت
لأبي عبد الله عليه السلام في كم يقصر الرجل قال في بياض يوم أو بريدين قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ذي خشب فقصر وأفطر فقلت وكم ذي خشب
قال بريدان احتج الشافعي وأحمد على ثمانية وأربعين ميلا بما روى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من
389

من أربعة برد من عسفان إلى مكة ولأنها مسافة مشقة السفر من الحل والشد فجاز القصر فيها احتج أبو حنيفة بقوله عليه السلام يمسح المسافر ثلاثة أيام
ولياليهن وهذا يقتضي أن يكون كل مسافر له هذه الرخصة وإنما يكون استيفاؤها لكل مسافر إذا تقدر السفر بما قلناه إذ لو صدق على الأقل لما
كان الحكم عاما ولان الرخصة بناء على المشقة الزائدة وذلك يحصل بأن يسير من غير أهله ويبيت في غير أهله وذلك إنما يحصل غالبا بمسيرة ثلاثة أيام
ولان الثلاثة متفق عليهما وليس في أقل من ذلك توقيف ولا اتفاق احتج داود بظاهر قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا
من الصلاة) من غير تفصيل واحتج الزهري بما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يقصران في ثلاثين ميلا عشرة فراسخ والجواب عن الأول:
أنه لا تعويل على عمل اثنين من الصحابة مع سلامته عن المعارض فكيف مع وجوده والمعارض موجود بما نقل عنهما أنهما قصرا في أقل من
ذلك، وعن الثاني: أن المشقة غير منضبطة فلا يجوز التعليل بها وأيضا فهي حاصلة في مسيرة يوم فيثبت الحكم فيه، وعن الثالث: مع تسليم
الحديث أنه بيان لمدة المسح لا أنه حد للسفر على إنا نمنع العموم والحديث أيضا، وعن الرابع: أن المشقة موجودة بمسيرة اليوم فيثبت الحكم فيه على
أنه تعليل بوصف مضطرب فلا يصح، وعن الخامس: بالمنع من عدم التوقيف فيما دون الثلاث، وعن السادس: أنه مناف للاجماع إذ قد ثبت عن الصحابة
والتابعين التحديد، وعن السابع: أنه غير مناف لما ذهبنا إليه إذ قصرها لاشتمال المسافة على الحد الذي ذكرناه لا لأنه الحد. فروع:
[الأول] لا خلاف في أن الفرسخ ثلاثة أميال أما الميل فالمشهور أنه أربعة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون أصبعا وروي أنه ثلاثة آلاف
وخمس مئة ذراع وقال بعض الشافعية اثنا عشر ألف قدم قال صاحب الصحاح الميل من الأرض منتهى مد البصر عن ابن السكيت وشهادة
العرف تقضي بما قلناه أولا إذ مسير اليوم للإبل ينتهي إلى ما قلناه واللغة تقاربه. [الثاني] لو شك في المسافة أتم لان المقتضي لشغل
الذمة موجود والمعارض وهو تيقن السفر غير حاصل ولو صلى مع الشك قصرا فبان الخلاف أعاد مطلقا ولو ظن أنه مسافة أعاد
أيضا لأنه دخل في صلاة شك في صحتها ولان فرضه الاتمام ولم يأت به ولو اختلف المخبرون ولم يحصل الترجيح أتم لما قلناه ولو تعارضت
البينتان قصر عملا ببينة الاثبات. [الثالث] لو كانت المسافة أربعة فراسخ وعزم على الرجوع ليومه قصر واجبا في الصلاة
والصوم ذهب إليه أكثر علمائنا وللشيخ قولان، أحدهما: ذلك، والثاني التخيير. لنا: أنه شغل يومه بالسفر فكان كالمسافر ثماني ولما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام في كم يقصر الرجل قال في بياض يوم أو بريدين وما رواه في
الصحيح عن معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أدنى ما يقصر فيه الصلاة قال بريد ذاهبا وبريد جاءنا وما رواه في الموثق عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن التقصير قال في بريد قلت بريد قال إنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه أما لو لم يرد الرجوع
من يومه قال ابن بابويه يتخير في التقصير والاتمام وبه قال الشيخ في التهذيب وقال في النهاية يتخير في الصلاة دون الصوم وقال السيد المرتضى يتم فيهما
واجبا وهو الأقرب. لنا: أن الشرط وهو المسافة لم تحصل فلا تثبت الرخصة احتجوا بما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال
التقصير في بريد والبريد أربعة فراسخ ومثله رواه في الحسن عن أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام وما رواه في الصحيح عن أبي أسامة زيد الشحام قال
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول يقصر الرجل في مسيرة أثني عشر ميلا. والجواب: أنها محمولة على ما إذا أراد الرجوع لأنه محتمل فيجب المصير إليه
جمعا بين الأدلة. [الرابع] لو كانت المسافة ثلاثة فراسخ وتردد فيها ثلاث مرات لم يقصر لأنه بالعود انقطع سفره ولعدم الدليل على
القصر مع وجود المقتضي لشغل الذمة ولو كانت المسافة أكثر من أربع ولم يبلغ الحد كان حكمها حكم الأربع. * مسألة: والقصد للمسافة
شرط للقصر فالهائم لا يترخص وكذا لو قصد ما دون المسافة ثم قصد ما دونها دائما لم يقصر ذاهبا ولو قطع أضعاف المسافة ولو عاد طالبا
منزله قصر إن بلغ الحد وإلا فلا فهو قول عامة أهل العلم وروى الشيخ عن صفوان عن الرضا عليه السلام في الرجل يخرج من بغداد يريد أن يلحق
رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان وهي أربعة فراسخ من بغداد أيفطر إذا أراد الرجوع ويقصر قال لا يفطر ولا يقصر لأنه خرج
من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ وإنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به المسير إلى الموضع الذي بلغه ولو
أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا والافطار فإن هو أصبح ولم ينو السفر وبدا له
من بعد إن أصبح في السفر قصر ولم يفطر يومه ذلك. فروع: [الأول] الاعتبار بالقصد والشروع في السفر لا الفعل فلو خرج إلى السفر
بحيث يخفى عليه الأذان والجدران ناويا للمسافة ترخص وجوبا ولا نعرف في جواز القصر خلافا بين أهل العلم روى الشيخ عن أبي سعيد الخدري
قال كان النبي صلى الله عليه وآله إذا سافر فرسخا قصر الصلاة وفي الصحيح عن عمر بن سعيد قال كتب إليه جعفر بن محمد يسأله عن السفر في كم التقصير
فكتب بخطه وأنا أعرفه قد كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا سافر أو خرج في سفره قصر في فرسخ وليس التقدير بالفرسخ لازما بل الضابط غيبوبة الجدران
أو خفاء الأذان. [الثاني] لو كان مسافرا في البحر كان حكمه حكم المسافر في البر من اعتبار المسافة سواء قطعها في مان طويل أو قصير لا نعرف
فيه خلافا. [الثالث] لو قصد بلدا بعيدا وفي عزمه أنه متى وجد مطلوبه دونه رجع لم يقصر لأنه غير جازم بالسفر. [الرابع] لو كان لمطلوبه
طريقان أحدهم مسافة فسلكه قصر لان الشرط موجود ولو كان ميلا إلى الرخصة وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الاملاء والمزني وقال الشافعي
390

في الأم لا يقصر إلا أن يعدل لفرض صحيح كالخوف في الأقرب أو الحزونة أو وجود حاجة في الأبعد لان النبي صلى الله عليه وآله قال أن الله يبغض المسافر
في غير؟ أب؟ والجواب: أنه ليس سفر معصية إجماعا. [الخامس] لو أخرج مكرها كالأسير قصر لأنه مسافر سفرا بعيدا غير محرم فأبيح له التقصير
كالمختار والمرأة مع الزوج والعبد مع السيد إذا عزما على الرجوع مع زوال اليد عنهما خلافا للشافعي قال لأنه غيرنا وللسفر ولا جازم به فإن نيته
أنه متى خلى رجع والجواب: النقض بالعبد والمرأة. تذنيب: إذا وصل هذا إلى المقصد بقي على التقصير لان في عزمه أنه متى خلى رجع فكان
كالمحبوس ظلما ما لم يتجاوز شهرا خلافا لبعض الجمهور. [السادس] لو خرج من بلد قاصدا للمسافة فتوقع رفقة فإن كان قد غاب عنه
الأذان والجدران قصر إلى شهر ما لم يرجع عن نية السفر بنية الإقامة أو العود ولو لم يغب الأذان أو الجدران أتم لان الشرط غيبوبتهما على
ما يأتي ولو عزم على العود إذ لم تلحقه الرفقة أتم لأنه غير جازم على السفر ولو عزم على السفر وإن لم يلحقه أحد قصر لبقاء العزم ولو خرج من بلده
إن وجد رفقة سافر وإلا رجع أتم ما لم يسر ثمانية فراسخ وقال الشيخ في النهاية إذا خرج قوم إلى السفر وساروا أربعة فراسخ وقصروا من الصلاة
ثم أقاموا ينتظرون رفقة لهم في السفر فعليهم التقصير إلى أن يتيسر لهم العزم على المقام فيرجعون إلى التمام ما لم يتجاوز ثلاثين يوما وإن كان
مسيرهم أقل من أربعة فراسخ وجب عليهم التمام إلا أن يسيروا فإذا ساروا رجعوا إلى التقصير والتحقيق ما قلناه نحن أولا. * مسألة:
وخفاء الأذان أو غيبوبة الجدران شرط في الترخص ذهب إليه أكثر علمائنا وقال بعض أصحاب الحديث منا إذا خرج من منزله قصر وقال مالك و
الشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق لا يترخص حتى يخرج من بيوت قريته ويجعلها وراء ظهره وقال عطا وسليمان بن موسى يجوز القصر في البلد
لمن نوى السفر وقال قتادة إذا جاوز الجسر أو الخندق قصر وقال مجاهد: إن خرج نهارا فلا يقصر إلى الليل وإن خرج ليلا فلا يقصر إلى النهار. لنا:
قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) علق على الضرب ولا يتحقق مع الحضور في البلد فلا بد من التباعد
الذي يصدق معه اسم الضرب وهو ما قلناه وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله كان يقصر على الفرسخ من المدينة وعن أنس قال صليت
مع رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين وعنه عليه السلام قال إذا خرجت من المدينة مصعدا من
ذي الحليفة صليت ركعتين حتى ترجع إليها فذكر ذي الحليفة يشعر بأنه بيان لموضع الترخص ولو اكتفى بمفارقة البيوت لم يكن لذكره فائدة
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل يريد السفر فيخرج متى يقصر قال إذا توارى
من البيوت وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن التقصير قال إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان
فقصر وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك ولان الحكمة الباعثة على التقصير وهي المشقة غير موجودة لمن هو في البلد أو مع حيطانه فلا يثبت
الحكم فيه احتج الجمهور بأنه عليه السلام كان يبتدئ القصر إذا خرج من المدينة واحتج أصحاب الحديث منا بما روي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه. والجواب عن الأول: أنه يحتمل أنه مع خروجه يصلي إلى الحد الذي ذكرناه كذي الحليفة
وغيره فيحمل عليه جمعا بين الأدلة وحملا للمطلقات على المقيد، وعلى الثاني: باحتمال ما ذكرناه أيضا وقول مجاهد باطل بما رويناه عن النبي
صلى الله عليه وآله وعن أهل بيته وبما رواه الجمهور عن ربيعة قال خرجت مع علي عليه السلام فقصر ونحن نرى البيوت. فروع: [الأول]
اختلف علماؤنا في العائد متى ينتهي ترخصه فالذي اختاره الشيخ وأتباعه أنه لا يزال مقصرا حتى يبلغ الموضع الذي ابتدأ فيه بالقصر
وقال السيد المرتضى يقصر إلى أن يدخل منزله والحق عندي الأول. لنا: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام وإذا قدمت من سفرك
فمثل ذلك ولان الحد الذي ذكرناه حد السفر فما نقص عنه يدخل به الانسان في الحضر احتج السيد المرتضى بما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن
عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون مسافرا ثم يقدم فيدخل بيوت الكوفة أيتم الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله قال بل
يكون مقصرا حتى يدخل أهله وبما رواه في الصحيح عن العيص بن القسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته والجواب: ما ذكرناه أولى
لوجوه أحدها الشهرة بين الأصحاب الثاني الاحتياط الثالث أن ما ذكرتموه يحتمل التأويل وهو أنه أراد حتى يقارب دخول أهله بأن يشاهد
البيوت أو يسمع الأذان جمعا بين الأدلة. [الثاني] لو كان في طريقه مساكن في البلد خربت ودخلت من السكان اعتبرت لأنها من جدران
البلد ولأنها يمكن سكناها أما لو تهدمت وذهبت قواعدها ففي اعتبارها نظر. [الثالث] لو كان في طريقه بساتين ذات حيطان
لم يعتد بها لأنها غير بيوت والشرط مفارقة البيوت وغيبوبتها ولأنها غير متخذة للسكنى ولو كان في وسط البلد نهر كبغداد فاجتازه لم يقصر
حتى يخرج من الجانب الآخر ويغيب عند جدرانه لأنه ليس بحائل ولا موجب لتعدد البلد فأشبه الرحاب والمواضع المتسعة في البلد.
[الرابع] القراياء المتصلة بالبنيان في حكم القرية الواحدة فلو أراد أحد السفر لم يقصر حتى يجاوز بناء الأخرى أما المنفصلة بما يقضي
معه بالتعدد فإنها متعددة والاعتبار بقرية الشخص نفسه لا بالمجاور وإن قرب والمحال المتعددة إن اتصلت فكالواحدة وإلا فكالمتعددة
كبغداد. [الخامس] البدوي المستوطن في حلة اتخذها مسكنا دائما يقصر إذا خفي عنه الأذان ولو تعددت الحلل كان حكمها حكم
391

القرايا وقد مضى أما البدوي الذي لا استيطان له فلا قصر عليه وسيأتي بيانه. [السادس] لو سافر في سفينة لم يترخص حتى ينتهي إلى
الحد المذكور فلو ردته الريح بعد بلوغ الحد بقي على التقصير إلا أن يسمع الأذان أو يشاهد الجدران وكذا لو خرج من البنيان ثم نسي حاجة
فرجع إلى البلد لاجلها عاد إلى التمام. * مسألة: ويشترط في الترخص كون السفر سائغا واجبا كان كحجة الاسلام أو مندوبا كالزيارات أو مباحا
كالتجارات ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول أكثر أهل العلم وقال ابن مسعود لا يقصر إلا في حج أو جهاد وقال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة
يجوز للعاصي في سفره القصر. لنا: على إبطال قول ابن مسعود قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة)
وقوله تعالى: (وإن كنتم مرضى أو على سفر فعدة من أيام أخر) وما رواه الجمهور قال أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله صلى
الله عليه وآله إني أريد البحرين في تجارة فكيف تأمرني في الصلاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله صل ركعتين وعن ابن عباس فرض
الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب ثلاث وما رواه في الصحيح عن حذيفة بن منصور عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام أنهما قالا الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ. ولأنه سائغ والمشقة موجودة فيثبت الحكم ولأنه قد ثبت أن النبي
صلى الله عليه وآله كان يترخص إذا عاد من سفره وهو مباح احتج ابن مسعود بأن الواجب لا يترك إلا لواجب والجواب: المنع من كون الاتمام واجبا
في السفر فإنه نفس المتنازع. ولنا: على إبطال قول أبي حنيفة أنه لا يجوز له أكل الميتة مع الضرورة فلا يباح له القصر والملازمة إجماعية وبيان صدق
المقدم قوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه) حرم عليهما لاشتمال سفرهما على المعصية ولا علة إلا المعصية فيناط الحكم بها
ولان الرخصة سوغت أعانته على السفر ورفقا في تحصيل المقصد المباح فالترخص للعاصي اشتغاله على القبيح ومعونة له على خلاف المطلق
وذلك يناقض الحكمة ولان الخطاب بالقصر مصروف إلى الصحابة وسفرهم كان مباحا فيثبت فيمن شاركهم في العرض وما رواه الشيخ عن حماد بن عثمان
عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) قال: الباغي باغي الصيد
والعادي: السارق ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا
إليهما هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين وليس لهما أن يقصرا في الصلاة وما رواه في الموثق عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يخرج إلى الصيد أيقصر أو يتم قال يتم لأنه ليس بمسير حق والتعليل يدل على التعميم وما رواه عن أبي سعيد الخراساني قال دخل رجلان
على أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان فسألاه عن التقصير فقال أحدهما وجب عليك التقصير لأنك قصدتني وقال للآخر وجب عليك التمام
لأنك قصدت السلطان وما رواه عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره
إلى صيد أو في معصية الله تعالى أو رسولا لمن يعصي الله أو في طلب عدو أو شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين احتج أبو حنيفة بالقياس على
المطيع والجامع المشقة ولأنه يترخص في أكل الميتة وإلا لأمر بقتل نفسه فيكون مترخصا في القصر إجماعا. والجواب عن الأول: بالمنع من صحة
القياس إذ الطاعة والمعصية متضادتان فكيف يصح قياس إحديهما على الأخرى، وعن الثاني: بالمنع في المقدمة الأولى للنص والملازمة غير
ثابتة لأنه يمكنه التوبة ثم يأكل. فروع: [الأول] لو سافر لللهو والتنزه بالصيد بطرا لم يقصر ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول أحمد
في إحدى الروايتين وقال الشافعي وأبو حنيفة: يترخص. لنا: أن اللهو حرام فالتقصير إعانة له على القبيح ولان الرخصة وصلة إلى تحصيل المصلحة
ولا مصلحة في اللهو وما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عمن يخرج من أهله بالصقورة والبزءة والكلاب يتنزه الليلة
والليلتين والثلاث هل يقصر من صلاته أو لا؟ فقال: لا يقصر إنما يخرج في لهو ما رواه عن ابن بكير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يتصيد اليوم واليومين والثلاثة أيقصر الصلاة قال لا إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين فإن التصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه
وقال يقصر إذا شيع أخاه. [الثاني] لو تصيد للقوت له أو لعياله قصر إجماعا منا لأنه مشروع فوجب التقصير ولما رواه الشيخ عن عمر بن
محمد بن عمران القمي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين يقصر ويتم فقال إن خرج
لقوته وقوت عياله فليفطر أو يقصر وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة. [الثالث] لو كان الصيد للتجارة قال الشيخ يقصر صلاته و
يتم صومه والحق عندي خلافه وإن الواجب عليه التقصير فيهما. لنا: أنه سفر سائغ إجماعا ولأنه أباح له قصر الصلاة فيجب عليه الافطار ولما رواه الشيخ
في الموثق عن سماعة قال قال ومن سافر قصر الصلاة وأفطر وما رواه في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال هما واحد
إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت. [الرابع] لو عدل الطائع إلى نية المعصية أنقطع ترخصه لزوال السبب فإذا عاد قصر ويؤيده ما رواه
الشيخ عن أحمد بن محمد السياري عن بعض أهل العسكر قال خرج عن أبي الحسن عليه السلام أن صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة فإذا عدل عن الجادة
أتم فإذا رجع إليها قصر وليس المراد بالجادة ها هنا جادة الأرض لعدم الفائدة لان الصيد إن كان حلالا استمر على التقصير وإن خرج عن
الجادة وإن كان حراما لم يقصر وإن كان عليها ولو حمل على ذلك فيحمل على عزم المعصية مع الخروج عن الجادة للقطع بأن الطريق ليس
له مدخل في التمام والقصر. [الخامس] لو عدل العاصي إلى الطاعة قصر إن كان قاصدا للمسافة من حين العدول. [السادس] لو كان
392

السفر مباحا لكنه يعصي فيه لم يمنع الترخص لوجود السبب وهو السفر المباح والعصيان العارض لا يمنع من الترخص كما لا يمنع في الحضر عن الترخص
فيه في أشياء. [السابع] لو سافر لزيارة القبور قصر إجماعا منا خلافا لبعض الجمهور. لنا: أنه مندوب إليه لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله
عليه وآله أنه قال زوروا القبور تذكركم الآخرة وكان عليه السلام يزورها ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه في الحسن عن أحمد بن محمد قال كنت
أنا وإبراهيم بن هاشم في بعض المقابر إذ جاء إلى قبر فجلس مستقبل القبلة ثم وضع يده على القبر فقرأ سبع مرات إنا أنزلناه ثم قال حدثني صاحب القبر
وهو محمد بن إسماعيل بن بزيع أنه قال من زار قبر مؤمن فقرأ عنده سبع مرات إنا أنزلناه غفر الله له ولصاحب القبر احتج المخالف بقوله عليه السلام
لا يشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد والجواب: ليس المراد ففي الإباحة إجماعا بل نفي الفضيلة الكاملة وليست شرطا في إباحة القصر فلا يضر انتفاؤها.
* مسألة: ويشترط أن لا يكون ممن يلزمه الاتمام في السفر وهم سبعة نفر لما رواه الشيخ في الموثق عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال
سبعة لا يقصرون الصلاة الجابي الذي يدور في جبايته، والأمير الذي يدور في إمارته، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، والراعي والبدوي
الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر، والرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، والمحارب الذي يقطع السبيل وروى في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما
عليهما السلام قال: ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير ولا على المكاري ولا على الجمال وروي في الصحيح عن زرارة قال قال أبو عبد الله عليه السلام أربعة قد يجب
عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر المكاري، والكري، والراعي، والاستفان؟؟ لأنه عملهم والاستفان هو أمين البيدر ذكره أهل اللغة وقيل البريد وفي الصحيح
عن إسحاق بن عمار قال سألت عن الملاحين والاعراب عليهم تقصير قال لا بيوتهم معهم ولان الفعل المعتاد يصير كالطبيعي والسفر لهو لا معتاد فلا
مشقة فيه عليهم فلا يقصر. فروع: [الأول] الملاح الذي سفينته بيته وأهله فيها لا يقصر وهو قول أحمد وقال الشافعي يقصر. لنا: ما تقدم
ولأنه غير طاعن منزله ولا يرخص كالمقيم احتج الشافعي بقوله صلى الله عليه وآله أن الله وضع عن المسافر الصوم وستر الصلاة وهذا عام والجواب:
المراد به البارح عن أهله. [الثاني] قال الشيخ هؤلاء إنما يتمون إذا لم يكن لهم في بلدهم مقام عشرة أيام لما رواه عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: المكاري إذا لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر في سفره بالنهار وأتم صلاة الليل وعليه صوم شهر رمضان وإن كان له
مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصر في سفره وأفطر وهذه الرواية مع سلامتها تدل على المكاري خاصة. [الثالث] قال الشيخ لو أقاموا
خمسة أيام في بلدهم لزمهم التقصير في الصلاة والاتمام في الصوم لهذه الرواية وفيه إشكال لما روي من الروايات الدالة على التقصير مطلقا للمكاري
وشبهه فهي محمولة على رواية ابن سنان. * مسألة: وعدم قطع السفر شرط والقطع يحصل بأمرين، أحدهما: أن يعزم على الإقامة في أثناء المسافة عشرة
أيام فيتم في ذلك الموضع وفي الطريق أن لم يبلغ مسافة ولو بلغ أحدهما مسافة قصر فيهما لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن
أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن الرجل يقصر في ضيعته فقال لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه فقلت ما
الاستيطان فقال أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر فإن كان كذلك يتم فيها متى دخلها، الثاني: أن يكون له في الأثناء منزل قد استوطنه
ستة أشهر فصاعدا فإنه يتم فيه وفي الطريق إليه وغيره إن كان لكل واحد منهما دون المسافة وإن بلغ أحدهما مسافة قصر فيه خاصة ولو بلغا
معا قصر فيهما دون المنزل وإن كان مقامه أقل من ستة أشهر لم يلحقه هذا الحكم ولو كان له فيه أهل وقال ابن عباس إذا مر في طريقه ببلد له
فيه مال أو أهل أتم إلا أن يكون مارا وقال الزهري إذ مر بمزرعة له أتم وقال مالك إذا مر بقرية فيها
أهله أو ماله أتم إذا أراد أن يقيم فيها يوما وليلة وقال الشافعي يقصر ما لم يجمع على إقامتها أربع. لنا: ما رواه الجمهور عن عثمان أنه صلى بمنى
أربع ركعات فأنكر الناس عليه فقال يا أيها الناس تأهلت بمكة منذ قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من تأهل في بلد فليصل
صلاة المقيم ومن طريق الخاصة رواية محمد بن إسماعيل وقد تقدمت ولأنه لا بد من الاستيطان لتشبه البلد الذي خرج منه ومع إقامته ستة أشهر
يمر عليه فصلان مختلفان فيقتضي العرف عليه بالاستيطان وبما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال قلت أبي الحسن الأول عليه السلام
الرجل يتخذ المنزل فيمر به أيتم أم يقصر قال كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل وليس لك أن تتم فيه وفي الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله
عليه السلام في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر قال يقصر إنما هو المنزل الذي يستوطنه وفي الصحيح عن سعد بن أبي خلف
قال سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأول عليه السلام عن الدار تكون للرجل بمصر والضيعة فيمر بها قال إن كان مما قد سكنه أتم فيه الصلاة وإن كان مما
يسكنه فليقصر. فرعان: [الأول] لا يشترط في المدة التوالي لأنه لم يتناوله الحديث بالنص ولا بالمفهوم فلا يجوز اشتراطه إلا بدليل غيره
ولم يوجد ولان الأصل العدم والحكم معلق على مطلق استيطان المدة المذكورة وهو أعم من أن يكون مع قيد التوالي أو قيد التفريق ولا
دلالة (في) المقام على الخاص. [الثاني] لو لم يكن له دار وكان له ضيعة لحقه هذا الحكم لما رواه الشيخ عن إسماعيل بن الفضل قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل سافر من أرض إلى أرض وإنما نزل قراه وضيعته قال إذا نزلت قراك وضيعتك فأتم الصلاة وإذا كنت في غير أرضك فقصر
وروي في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يخرج في سفر فمر بقرية له أو دار فينزل فيها قال يتم الصلاة ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة
393

ولا يقصر وليصم إذا حضر الصوم وهو فيها لكن بعد اعتبار ما ذكرناه في الاستيطان ستة أشهر. {البحث الثاني} في الاحكام، * مسألة:
القصر في الصلاة والصوم واجب ذهب إليه علماء أهل البيت عليهم السلام أما الصوم فسيأتي البحث فيه إن شاء الله وأما الصلاة فقال ابن عباس بقولنا
وهو قول عمر بن عبد العزيز وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبي حنيفة وقال الشافعي له الاتمام في السفر وهو قول عثمان وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود
وابن عمر وعائشة والمشهور عن مالك واختلفوا في الأفضلية فقال الشافعي الاتمام أفضل واختاره المزني وقال أيضا الشافعي القصر أفضل
وهو قول مالك وأحمد. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عمر قال صحبت رسول الله صلى الله عليه وآله في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل و
صحبت أبا بكر لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ومثله رواه ابن مسعود وعمران بن حصين وما
رواه عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال خياركم من قصر في السفر وأفطر وما رووه عن ابن حرب قال سألت ابن عمر كيف صلاة
السفر يا أبا عبد الرحمن فقال أما أنتم تتبعون سنة نبيكم صلى الله عليه وآله أخبرتكم وأما (ان) لا تتبعون سنة نبيكم فلا أخبركم قلنا فخبرنا نتبع سنة نبينا
عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج من المدينة لم يزد على ركعتين حتى يرجع إلينا وما رووه عن ابن عباس أنه قال للذي قال
له كنت أتم الصلاة وصاحبي يقصر أنت الذي كنت تقصر وصاحبك يتم وعن ابن عمر أنه قال لرجل سأله عن صلاة السفر ركعتان فمن خالف السنة
كفر وعن ابن مسعود أنه لما بلغه أن عثمان يصلي أربعا استرجع وقال صليت مع النبي صلى الله عليه وآله ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر
ركعتين ثم تعرفت بكم الطرق ولو ردت إن حطي من أربع ركعتان متقبلتان وعن عائشة قالت أفترض الله الصلاة على نبيكم صلى الله عليه وآله
بمكة ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب فلما هاجر إلى المدينة فأقام بها واتخذها دار هجرة زاد إلى كل ركعتين ركعتين إلا صلاة الغداة لطول
القراءة وإلا صلاة الجمعة للخطبة وإلا صلاة المغرب فإنها وتر النهار فاقتصرها الله على عباده إلا هذه الصلاة فإذا سافر صلى الصلاة التي
كان افترضها الله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن الرجل يخرج في سفره
وهو مسيرة يوم قال يجب عليه التقصير وما رواه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما
ولا بعدهما شئ إلا المغرب ثلاث ركعات وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله الحلبي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام صليت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر
قال أعد وفي الصحيح عن حذيفة بن منصور عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام أنهما قالا الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ وما رواه
ابن بابويه في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا قلنا لأبي جعفر عليه السلام ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟ فقال: ان الله عز وجل يقول:
(وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر قالا قلنا له إنما قال عز وجل:
(ليس عليكم جناح) ولم يقل افعلوا فكيف أوجب ذلك؟ فقال عليه السلام: أو ليس قد قال عز وجل في الصفا والمروة: (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه
أن يطوف بهما) ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض لان الله عز وجل ذكره في كتابه وصنعه نبيه عليه السلام وكذلك التقصير في السفر شئ صنعه النبي
صلى الله عليه وآله وذكره الله تعالى في الكتاب قالا قلنا فمن صلى في السفر أربعا أيعيده أم لا؟ قال: إن كان قرأت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا
أعاد وإن لم يكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه ولان الاجماع واقع على أن فرض السفر ركعتان فالزيادة عليهما غير مجزية كالفجر احتج المخالف
بقوله تعالى: (ليس عليكم جناح) المفهوم منه الرخصة ولما روته عائشة قالت سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله فأفطر وصمت و
أخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أحسنت وبما رواه عطا عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وإن كان يتم في السفر ويقصر وعن
أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يسافرون فيتم بقضاء ويقصر بقضاء ويصوم بقضاء ويفطر بقضاء فلا يعتب أحد على أحد. والجواب
عن الأول: أنه رفع الجناح عن القصر لا يدل على جواز الاتمام فإن ادعوا فيه المفهوم منعناه ثم منعنا دلالته وعارضناه بالنصوص، وعن الثاني:
أنه إنما قال لها ذلك لأنها لم يعلم أن المقصد مسافة يجب فيها التقصير فكان الواجب عليها الاتمام لأنه لولا ذلك لكان النبي صلى الله عليه وآله قد
عدل عن الأفضل إذ قوله أحسنت يدل على أولوية التمام، وعن الثالث: أنه ليس إشارة إلى حالة واحدة أيضا وهما فلا بد من صرفه إلى حالتين
فالتمام إلى حالة قصر السفر عن المسافة والتقصير إلى حالة البلوغ، وعن الرابع: إن عمل بعض الصحابة ليس حجة وقوله فلا يغلب (يعتب) أحد على أحد
معارض بما رويناه من الأحاديث الدالة على الانكار كحديث ابن مسعود وابن عمر وابن عباس. * مسألة: يستحب الاتمام في أربعة مواطن
للمسافر مكة والمدينة وجامع الكوفة والحائر على ساكنه السلام ذهب إليه الشيخان والسيد المرتضى وأتباعهم وقال ابن بابويه يقصر
ما لم ينو المقام عشرة أيام والأفضل أن ينوى ذلك ليتم ولم يخص أحد من الجمهور موضعا باستحباب الاتمام دون موضع واحتج الأولون
بما رواه عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد الله عليه السلام قال تتم الصلاة في أربعة مواطن في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة وحرم الحسين
عليه السلام وروى حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من مخزون علم الله الاتمام في أربعة مواطن حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وحرم أمير المؤمنين
عليه السلام وحرم الحسين عليه السلام وينبغي أن يحمل حرم أمير المؤمنين عليه السلام على مسجد الكوفة جمعا بين الحديثين فإن المسجد يسمى حرم أمير المؤمنين عليه السلام
394

على ما تقدم وروى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال: من الامر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن مكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر وروى
زياد القندي قال قال أبو الحسن عليه السلام يا زياد أحب لك ما أحبه لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي أتم الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليه السلام
ولأنها مواضع اختصت بزيادة أشرف فكان إتمام العبادة فيها مناسبا لتحصيل فضيلة العبادة فيها فكان مشروعا احتج ابن بابويه بما رواه
عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سألته عن الصلاة بمكة والمدينة تقصير أو تمام فقال قصر ما لم يعزم على مقام عشرة
أيام وما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن التقصير في الحرمين والتمام فقال لا يتم حتى يجمع على مقام عشرة أيام
والأقرب الأول لكثر الروايات ويحمل ما رواه ابن بابويه على أنه لا يتم وجوبا جمعا بين الأدلة. فروع: [الأول] الاتمام بمكة ومدينة
لا يختص بالمسجدين لان أكثر الروايات يدل على إطلاق الاتمام فيها واختاره الشيخ في النهاية وقال ابن إدريس يختص الحكم بالمسجدين. [الثاني]
المراد بالحائر ما دار عليه حائط المشهد الشريف لا ما دار عليه سور البلد لان الحائر فهو الموضع المعين الذي يحار الماء فيه وذكر المفيد في كتاب
الارشاد لما ذكر من قتل مع الحسين عليه السلام والحائر محيط بهم إلا العباس رحمه الله فإنه قتل على المسناة. [الثالث] قال السيد المرتضى يستحب
الاتمام في السفر عند قبر كل إمام من أئمة الهدى عليهم السلام وعندي فيه إشكال. [الرابع] من عليه صلاة فائتة هل يستحب له الاتمام في هذه المواطن؟
الأقرب نعم، عملا بالعموم الذي (ووالدي) رحمه الله يمنع ذلك لقوله عليه السلام وصلاة (الصلاة) لمن عليه صلاة ولان من عليه فريضة لا يجوز له فعل النافلة. * مسألة:
قال علماؤنا إذا أتم المقصر متعمدا عالما أعاد في الوقت وخارجه وبه قال حماد بن أبي سليمان وقال أبو حنيفة: إن كان جلس بعد الركعتين قدر
التشهد صحت صلاته وإلا لم يصح وقال مالك: يعيد في الوقت لا خارجه قال ولو افتتح المكتوبة على التمام فصلى ركعتين ثم بدا له فسلم لم يجزيه. لنا: ما
رواه الجمهور عن ابن عباس قال من صلى في السفر أربعا فهو كمن صلى في الحضر وعن ابن عمران قال صلاة السفر ركعتان فمن خالف السنة كفر والكفر
لا يتقرب به ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله الحلبي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام صليت الظهر أربع ركعات وأنا في
سفر قال أعد وما رواه في الصحيح عن زرارة وابن مسلم قالا قلنا لأبي جعفر عليه السلام رجل صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا قال إن كان قرأت عليه آية
التقصير وفسرت فصلى أربعا أعاد وإن لم يكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه ولأنه قد زاد على فرضه فكان كما لو صلى الصبح أربعا ولان
لم ينويه الصلاة فكأنه الزيادة بعده كالزيادة قبله ولأنه فعل كثير ليس من أفعال الصلاة فيكون مبطلا أما لو أتم جاهلا بوجوب التقصير
لم يعد على قول أكثر علمائنا وقال أبو الصلاح يعيد في الوقت. لنا: أنه جاهل فيكون معذورا لقوله عليه السلام الناس في سعة ما لم يعلموا خصوصا
وقد أعتضد بالرجوع إلى الأصل الذي هو الاتمام وما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وقد تقدم ولو أتم ناسيا مع
العلم بوجوب التقصير أعاد في
الوقت ولا يعيد خارجه ذهب إليه الشيخ في الخلاف وقال في المبسوط يعيد مطلقا لأنه مع البقاء يمكن تحصيل المطلوب فيه فيجب تحصيله أما
مع خروجه فلا ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة قال إن كان
في وقت فليعد وإن كان الوقت قد مضى فلا وقد روى الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر
أربع ركعات قال: إن ذكر في ذلك اليوم فليعد وإن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه قال الشيخ وهذا محمول على الاستحباب. * مسألة:
محل التقصير هو الرباعيات فلا يقصر في صلاة الصبح والمغرب وهو مذهب أهل العلم كافة لا نعرف فيه مخالفا من أهل الاسلام روى الجمهور عن عائشة
قالت فرض الله على لسان نبيكم صلى الله عليه وآله بمكة ركعتين إلا المغرب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب ثلاث ركعات. * مسألة: لو سافر بعد دخول الوقت
في الرباعيات وانقضى ما يسع للطهارة والصلاة قبل أن يصلي اختلف قول أصحابنا فيه فقال الشيخ في الاستبصار يصلي أربعا وبه قال
ابن أبي عقيل وبه قال في المبسوط واعتبر فيه السعة فإن تضيق الوقت قصر وقال في النهاية بمثل قوله في المبسوط وبه قال ابن البراج وقال
في الخلاف يجوز له التقصير ويستحب الاتمام وقال في التهذيب يقصر واجبا وهو اختيار السيد المرتضى في المصباح والمفيد وابن إدريس و
الأقرب عندي الأول وهو اختيار المزني خلافا للشافعي فإنه جوز التقصير. لنا: أنها وجبت عليه تماما بدخول الوقت واستقرت بمضي ما يسعها
من الوقت فلا يبرأ إلا بفعل التمام ولأنه لو لم يعتبر وقت الامكان لما وجب على الحائض إذا فرطت في أول الوقت في الصلاة ثم حاضت القضاء
ولا على المغمى عليه والثاني باطل بالاجماع فكذا المقدم ولأنه لو لم يصل في السفر حتى ماتت قضاها على التمام عند ابن إدريس والقضاء يتبع
وجوب الأداء فقولان متنافيان ولما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام فإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة
فليصل أربعا وما رواه عن الحسن بن علي الوشا قال سمعت الرضا عليه السلام يقول إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتم فإذا
خرجت بعد الزوال قصر العصر وما رواه عن بشر النبال قال خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام حتى أتينا الشجرة فقال لي أبو عبد الله
عليه السلام يا نبال فقلت لبيك قال إنه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا غيري وغيرك وذلك أنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج
395

احتج الشيخ على قوله في النهاية والمبسوط بأنه قد وردت الاخبار بالتقصير والاتمام فيحمل الأول على التضيق والثاني على السعة واحتج على قوله في الخلاف بأنه
مسافر فيجوز له التقصير بالآية وبما رواه في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يدخل علي وقت الصلاة وأنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل
أهلي؟ فقال: صل وأتم الصلاة قلت فدخل علي وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج؟ فقال: فصل وقصر فإن لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله صلى الله
عليه وآله واستدل على الاستحباب برواية بشير قال فحملنا الأول على جواز التقصير، والثاني على استحباب الاتمام واحتج على قوله في التهذيب برواية إسماعيل بن
جابر واحتج ابن إدريس على هذا القول أيضا بالاجماع. والجواب عن الأول: بأن ما ذكره من التأويل لا بد من دليل ونحن لم نظفر فلا تعويل عليه فإنه
يجوز أن يكون التأويل ما ذكر في الخلاف، وعن الثاني: بأن الآية والجواب لا يدل على التقصير فما وجب فيه التمام برواية إسماعيل بن جابر تدل على
الوجوب وهو خلاف مطلوبه ورواية بشير تدل على وجوب الاتمام، والجواب عن الثالث: باحتمال أن يكون قد خرج إلى السفر في ابتداء دخول الوقت
لا بعد مضي وقت الامكان، وعن الرابع إن ادعاء الاجماع في صورة الخلاف بها تمت وهو أعرف به. فروع: [الأول] لو سافر في أول
الوقت ولم يمض منه مقدار الأداء قصر لأنها لا تستقر في ذمته إلا بمضي الوقت وقبله وإن كان الفعل واجبا إلا أنه غير مستقر فكان كالحائض
إذا (حاضت) جاء حدا في أول الوقت. [الثاني] لو سافر وقد بقي من الوقت مقدار ما يصلي فيه أربع ركعات وجب عليه التمام على ما قلناه وهو قول
بعض الجمهور خلافا لبعضهم والدلائل ما تقدم. [الثالث] لو سافر وقد بقي من الوقت مقدار ما يصلي فيه ركعة أو ركعتان قال الشيخ
فيه خلاف من أصحابنا منهم من قال إن الصلاة تكون أداء وهو اختيار ابن حمران من الشافعية ومنهم من قال أن بعضها أداء وبعضها
قضاء وهو اختيار أبي إسحاق من الشافعية فعلى الأول يجب عليه التقصير لأنه لحق الوقت وهو مسافر، وعلى الثاني: يجب عليه التمام لأنه غير مؤد بجميع الصلاة
في الوقت وهذا بناء منه على وجوب التقصير مع الخروج بعد دخول الوقت أما على ما اخترناه فإن الاتمام واجب عليه في الحالين. [الرابع] لو سافر
وقد بقي من الوقت ما لا يتسع لركعة أتم قضاء بلا خلاف عندنا لأنها صلاة فائتة في الحضر فيقضيها كما فاتته. * مسألة: لو دخل عليه الوقت
وهو مسافر فأخر الصلاة إلى أن يدخل بلده فدخله والوقت باق أتم وقال في النهاية يتم مع السعة ويقصر مع الضيق. لنا: أنه حاضر ولا ترخص وما رواه
الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته ومثله روى في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم
عليه السلام وما رواه في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام وقد تقدم ولأنه اما مسافر أو حاضر وعلى كلا التقديرين لا فرق بين
السعة وعدمها احتج الشيخ بما رواه في الصحيح عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في الرجل يقدم من سفر في وقت الصلاة فقال: إن كان لا
يخاف خروج الوقت فليتم وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر وما رواه عن الحكم بن المسكين عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يقدم من
سفر في وقت الصلاة فقال: إن كان لا يخاف الفوت فليتم وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر. والجواب: حمل ما ذكرتم على أنه إذا حضر أهله وقد بقي
من الوقت أقل من مقدار ركعة فإنه يجب عليه حينئذ التقصير لأنها تكون صلاة فائتة في السفر جمعا بين الأدلة وروى منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصر وإن شاء أتم والاتمام أحب إلي وبعض الأصحاب جعل له الخيرة بمقتضى هذه
الرواية ويسمى كل واحد من المتخير فيه واجبا كخصال الكفارة والحق خلافه ويحمل هذه الرواية على أنه إن شاء صلى في السفر قبل دخول أهله فقصر
وإن شاء صبر حتى يدخل أهله ويصلي على التمام والتمام أفضل. * مسألة: لو سافر بعد دخول الوقت ولم يصل حتى خرج الوقت فإن كان
السفر بعد مضي وقت الامكان قضاها تماما لقوله عليه السلام من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته وقد وجب عليه التمام على ما بينا والقضاء تابع
خلافا لبعض أصحابنا بناء على أن الواجب القصر وقد مضى وإن كان السفر قبل مضي وقت الامكان قضاها قصرا لأنها إنما استقرت في الذمة كذلك
والقضاء تابع ولو دخل البلد بعد دخول الوقت ولم يصل حتى خرج قضاها تماما إن كان دخوله مما يجب فيه التمام وإلا صلاها قصرا على ما مضى من
التفصيل وقيل يقصر مطلقا وهو بناء على أن الواجب على الاطلاق القصر وقد بينا ضعفه وما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل
عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخر الصلاة حتى قدم فهو يريد يصليها إذا قدم إلى أهله فنسى حين قدم إلى أهله
أن يصليها حتى ذهب وقتها قال يصليها ركعتين صلاة المسافر لان الوقت دخل وهو مسافر وكان ينبغي له أن يصلي عند ذلك محمول على أنه دخل وقد
تضيق الوقت جدا حتى لا يسع لركعة ليجب عليه التقصير لا يقال التعليل ينافي ما ذكرتم لأنا نقول لا نسلم المنافاة فإن القصر معلق بدخول الوقت في
السفر في الصورة التي ذكرناها أيضا ولو سافر بعد الزوال ولم يصل النافلة مع الامكان استحب قضاؤها سفرا وحضرا. فرع: لو صلى في
السفينة في أول الوقت قبل أن يخرج من بلده صلاها على التمام فلو سارت به السفينة حتى غاب الجدران قبل أن يتم الصلاة أتمها على التمام.
* مسألة: لو نوى المسافر الإقامة في غير بلده عشرة أيام أتم ولو نوى دون ذلك قصر ذهب إليه علماؤنا أجمع ونقله الجمهور عن الباقر و
الصادق عليهما السلام وهو قول الحسن بن صالح بن حي غير أن السيد المرتضى رحمه الله روى عنه أيضا أنه لو جاء المسافر إلى بلده مجتازا منطلقا في سفره قصر إلا أن
ينوي المقام عشرا فاعتبر العشرة في بلده وغير بلده ونحن لا نعتبر ذلك لأنه جاء إلى بلده وأتم لانقطاع سفره سواء نوى المقام عشرا أو لا وقال الشافعي
396

ومالك وأبو ثور إن نوى مقام أربعة أيام غير دخوله وخروجه وجب عليه التمام وهو قول عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب وقال أبو حنيفة إن نوى
مقام خمسة عشر يوما مع اليوم الذي يدخل واليوم الذي يخرج فيه بطل حكم سفره وبه قال الثوري والمزني وهو إحدى الروايات عن ابن عمر وروى
عن ابن عباس وله إن نوى مقام تسعة عشر يوما أتم وإن كان أقل لم يجب وهو قول إسحاق بن راهويه وقال ليث بن سعد إن نوى مقام أكثر خمسة
عشر يوما أتم وهو محكي عن سعيد بن جبير وقال الأوزاعي إن نوى اثني عشر يوما أتم وهو مروي عن ابن عمر وقال أحمد المدة التي يلزم المسافر الاتمام بنية
الإقامة فيها هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة. لنا: ما رواه الجمهور عن علي عليه السلام قال: صلاة (يتم الصلاة) الذي يقيم عشرا ويقصر الصلاة الذي يقول اخرج
اليوم اخرج غدا شهر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون
مقصرا ومتى ينبغي له أن يتم؟ فقال: إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة وإن لم تدر ما مقامك بها تقول غدا أخرج
أو بعد غد قصر ما بينك وبين أن يمضي شهر فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك وما رواه في الصحيح عن معاوية بن وهب
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إذا دخلت بلدا وأنت تريد مقام عشرة أيام فأتم الصلاة حين تقدم وإن أردت المقام دون العشرة فقصر وإن أقمت تقول غدا أخرج أو بعد غد ولم تجمع على عشرة فقصر ما بينك وبين
شهر فإذا أتم الشهر فأتم الصلاة قال قلت دخلت بلدا أول يوم من شهر رمضان ولست أريد أن أقيم عشرا قال قصر وأفطر قلت فإني مكثت كذلك أقول غدا أو بعد
غد فأفطر الشهر كله وأقصر؟ قال: نعم هما واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت وما رواه في الحسن عن ابن أيوب قال سأل محمد بن مسلم أبا جعفر
عليه السلام وأنا أسمع عن المسافر إذا أحدث نفسه بإقامة عشرة أيام فليتم الصلاة فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم وإن كان
أقام يوما أو صلاة واحدة ولان السفر مسقط والإقامة منفية (مثبتة) فأشبه الحيض والطهر وقد بينا أن أقل مدة الطهر عشرة فكذا الإقامة واحتج الشافعي
بقول النبي صلى الله عليه وآله يتم المهاجر بعد قضاء نسكه بمنى فدل ذلك على أن الثلث اخر ضد العلة واحتج أبو حنيفة لما رواه مجاهد عن ابن عباس
وابن عمر أنهما قالا إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفي نسك أن تقيم بها خمسة عشر ليلة فأكمل الصلاة ولو نعرف لهما مخالفة واحتج أحمد بما روي
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه دخل مكة صبيحة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة وقد كان صلى الصبح قبل دخوله فأقام بها تمام الرابع والخامس و
السادس والسابع وصلى الصبح بها في اليوم الثامن ثم دخل إلى منى وكان النبي صلى الله عليه وآله يقصر في هذه الأيام صلاته في هذه المدة عشرين
صلاة. والجواب عن الأول: إطلاق العامة على ما ذكر من البعد باعتبار اللبث لأنها إقامة ما في السفر فإنه قد أطلق على القوم اسم الإقامة فقال
أقام في بلد فلان يوما، وعن الثاني: ان قول ابن عباس وابن عمر بإنفرادهما ليس حجة وقوله لا مخالف ليس بجيد لأنا قد ذكرنا خلاف الصحابة في ذلك
وقد روى البخاري عن ابن عباس أنه أقام بموضع تسع عشرة ليلة يقصر الصلاة وقال إذا زدنا على ذلك المختار عن عائشة انها قالت إذا وضعت
الراد والمراد فأتم الصلاة ومع هذا الاختلاف كيف يمكن ادعاء الاجماع، وعن الثالث: إنا نقول بموجبه لان المدة التي أقامها النبي صلى الله عليه
وآله بمكة مع عزم على المقام ونحن نقول أنه يقصر وإن أقام أكثر من تلك المدة (قصر) إذا لم يعزم. فرع: لو قصد بلدا يجب له القصر ولم يعزم على
إقامة المدة التي ينقطع فيها حكم سفره وجب عليه القصر ذهب إليه علماؤنا أجمع وقال الجمهور له القصر وقال
الحسن البصري: إذا قدم مصرا أتم وصام
وإن لم يعزم على إقامة فيه وهو قول عائشة. لنا: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يقصر في أسفاره حتى يرجع
وروى أحمد قال أقام النبي صلى الله عليه وآله مكة ثماني عشرة زمن الفتح مقصرا لأنه أراد صفيا ولم يكن
له إجماع على المقام ولا فرق بين أن يقصد الرجوع إلى بلده كما فعل النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع وبين أن يريد بلدا آخر كما فعل عليه السلام في
غزوة الفتح. * مسألة: وإن ردد نيته في المقام فيقول اليوم أخرج غدا أخرج قصر إلى شهر فإذا مضى شهرا تم بعد ذلك ولو صلاة واحدة
ذهب إليه علماؤنا وقال الشافعي إذا جاوز أربعا أتم وإن قصر أعاد وقال أبو حنيفة: لا يتم وإن أقام سنة وهو قول أحمد. لنا: ما رواه الجمهور عن علي عليه السلام
قال ويقصر الذي يقول اليوم أخرج غدا أخرج شهرا جعل غاية التقصير مدة شهر فما بعده يكون مخالفا في الحكم ومن طريق الخاصة رواية زرارة
وغيرها مما تقدم واحتج المخالف بما رواه ابن عباس قال أقام النبي صلى الله عليه وآله في بعض أسفاره تسع عشرة يصلي ركعتين وقال جابر أقام النبي صلى
الله عليه وآله في غزوة تبوك عشرين يوما يقصر الصلاة وما رواه سعيد عن المسور بن مخرمة قال أقمنا مع سعد ببعض قرى الشام أربعين ليلة
يقصرها سعد ويتمها وعن ابن عمر أنه أقام بآذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين. والجواب عن الأول: إنا نقول بموجبه إذ التقصير عندنا مستمر إلى
شهر ثم ما ذكروه باطل لقول ابن عباس ولو أقمنا أكثر من ذلك أتممنا وهو الجواب عن حديث جابر وحديث سعيد لا حجة فيه إذ لا اعتبار بعمل سعد
خصوصا مع معارضته بعمل المسور وكذا الجواب عن حديث ابن عمر. * مسألة: لو نوى الإقامة عشرا ثم بدا له فإن كان قد صلى على التمام
ولو صلاة واحدة استمر وإن لم يكن صلى شيئا على التمام رجع إلى حالة التقصير لان النية بمجردها لا تقتضي صيرورته مقيما أما إذا صلى على التمام
فقد ظهر حكم الإقامة فعلا فيستمر إذ السفر انقطع بالنية والفعل ولا يصير مسافرا بمجرد النية ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي ولاد
الحناط قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام أتم الصلاة ثم بدا لي بعد أن أقيم بها عشرة أيام
397

فأتم الصلاة ثم بدا لي بعد أن أقيم بها فما ترى لي أتم أم أقصر؟ قال: إن كنت دخلت المدينة صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى
تخرج منها وإن كنت حين دخلتها على نية بالتمام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار
إن شئت فأتوا المقام عشرا وأتم وإن لم تنو المقام فقصر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة ولا يعاد من هذا ما رواه الشيخ
عن حمزة بن عبد الله الجعفري قال لما إن نفرت من منى نويت المقام بمكة فأقمت الصلاة حتى جاءني خبر من المنزل فلم أجد بدا من المصير إلى
المنزل ولم أدر أتم أم أقصر؟ وأبو الحسن عليه السلام يومئذ بمكة فأتيته فقصصت عليه القصة فقال ارجع إلى التقصير لأنه عليه السلام إنما أمره بذلك عند
خروجه وهو حينئذ يكون مسافرا إلا (أما) أنه أمره بالاتمام في البلد فلا. فروع: [الأول] لو عزم على إقامة طويلة في؟ رستاق؟ للنقل فيه من قرية
إلى قرية ولم يعزم على الإقامة في واحدة منها المدة التي يبطل حكم السفر فيها لم يبطل حكم سفره لأنه لم ينو الإقامة في بلد بعينه وكان كالمنتقل
في سفره من منزل إلى منزل. [الثاني] لو دخل بلدا فقال إن لقيت فلانا أقمت وإلا لم أقم فهو مسافر لم يبطل حكم سفره لأنه لم يجمع على الإقامة والمبطل
هو العزم الجزم لا المعلق على شرط فلو لقيته قيل حصلت له نية الإقامة ويتم فلو بدا له بعد لقائه في المقام قصر إلا أن يكون قد صلى على التمام
أما لو بدا له قبل لقائه فإنه يقصر لأنه لم يحصل له نية المقام. [الثالث] المحارب إذا نوى الإقامة عشرة أيام أتم لانقطاع سفره بذلك لتناول
عموم الأخبار الدالة على وجوب الاتمام في حق الناوي عشرة وقال أبو حنيفة إن نوى المحارب مدة الإقامة لم يتم لأنه لا يصح فيه النية لأنه مقيم على
الحرب ولما هزم وربما هزم ولا اختيار له في ذلك وهو أحد قولي الشافعي. والجواب: التقدير وجود النية والتجويز لا يؤثر في إبطال ما ثبت حكمه
أما لو لم ينو فإنه يقصر إلى شهر وقال الشافعي في أحد قوليه إن أقام ثمانية عشر يوما أتم بعدها لما رواه ابن عباس أنه قال أقام رسول الله صلى الله
عليه وآله بحرب هو اذن ثمانية عشر يوما يقصر الصلاة ممن أقام أكثر من ذلك فليتم وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي في القول الآخر يقصر
بعد ثمانية عشر أيضا لما رواه جابر أن النبي صلى الله عليه وآله أقام في غزاة تبوك عشرين يوما يقصر الصلاة. والجواب: لا منافاة فيما ذكروه
لمذهبنا لان التقصير يجب إلى الشهر. [الرابع] لو أراد أن يسافر من بلد إلى آخر ثم منه إلى ثالث وهكذا ولم ينو في أحدها المقام الذي ينقطع
معه حكم السفر قصر في الطريق والبلدان أما إذا نوى المقام في كل واحد منها المدة المبطلة فإن كان بين كل واحد من البلدان مسافة قصر في
الطريق خاصة وإن لم يبلغ ما بين كل بلدين المسافة وكان المجموع مسافة لم يقصر وهو قول الشافعي لأنه ينقطع سفره بالنية أما لو قصد بلدا ثم
قصد أن يدخل بلدا في طريقه يقيم فيه أقل من المدة لم يقطع سفره واعتبرت المسافة من البلد الذي يبتدئ بالسفر منه إلى بلد الذي يقصده. [الخامس]
لو قصد بلد يقصر فيه فعرض له خوف في أثنائه وأراد المقام في الأثناء دون المسافة فقد قطع بنية السفر نية الإقامة فإذا جدد النية كان المنشي
للسفر. [السادس] لو نوى الإقامة في مفازة أو في بحر أو في جزيرة من جزائر العرب المدة المبطلة لحكم السفر بطل حكم السفر لأنه مسافر نوى إقامة
مدة يبطل بها السفر فيكون باطلا كما لو نوى المقام في بلد خلافا للحنفية. [السابع] العبد إذا كان مع مولاه والمرأة مع زوجها كانا مقيمين
بإقامة المولى والزوج مع المرأة والتلميذ مع الأستاذ فإنهما يتبعان حكم نفسهما لا المرأة والأستاذ ولو نوى صاحب الجيش المقام في منزل ولم يخبر أصحابه
إلا بعد أيام صحت صلاة الجميع فإذا؟ اقامتهم؟ أتموا بعد ذلك ولا قضاء عليهم في السالفة خلافا لبعض الحنفية لان الصلاة وقعت على الوجه المأمور فلا
يستعقب القضاء ولو سافر رجلان لأحدهما على الآخر دين فلزمه وحبسه فإن كان الغريم مليا فالنية إلى
المحبوس لأنه يمكنه قضاء دينه والخروج
وإن كان مفلسا فالنية إلى الحابس لأنه غير ممكن من الخروج من يده. لو نوى المقام قبل أن يصلي على التمام ثم قام فصلى ثم تغيرت نيته إلى
السفر في الأثناء قيل يتم والوجه عندي أنه يقصر لان الشرط وهو الصلاة على التمام لم يحصل وكذا لو نوى المقام عشرا ودخل وقت صلاة يصليها
على التمام فلم يصل حتى خرج الوقت ثم تغيرت نيته لم يتم لفقدان الشرط ولو دخل في الصلاة بنية القصر ثم عدل إلى الإقامة تم سواء نوى الإقامة
في أول الصلاة أو في وسطها أو في آخرها قبل الخروج منها وبه قال الشافعي وأحمد وقال مالك لا يجوز له الاتمام. لنا: أن الرخص منوط بالسفر السليم
عن المعارض ولم يوجد مع نية الإقامة هذا المجموع ولو نوى الإقامة بعد ما صلى ركعة وخرج وقت تلك الصلاة فإنه يتحول فرضه إلى الأربع أما
لو خرج قبل أن يصلي ركعة ثم نوى الإقامة فإنه لا يتحول فرضه إلى الأربع في حق تلك الصلاة لأنها فائتة بعضه. [التاسع] لو كان في أحد المواضع
التي يستحب فيها الاتمام فصلى ركعتين ثم قام بنية الاتمام إلى الثالثة فنوى المقام فإن قلنا إن الاتمام قبل النية واجب فخير فيه وأجزأ هذا القيام
قطعا ووجب عليه التمام وإن قلنا أنه مستحب فإنه يتم أيضا وهل يعيد التمام أم لا؟ قال بعض الجمهور: يعيد لأنه قام بنية التطوع والتطوع لا ينوب
مناب الفريضة والحق أن لا يعيد الاعتذار لأنه إنما تعتبر الاتمام واجبا لندبية المقام وهي إنما حصلت بعد القيام فكان حصول النية مؤثرا في الباقي من
الأفعال وكذا لو نوى المقام بعد الركعة الثالثة. [العاشر] لو عزم على الإقامة في غير بلده عشرة ثم خرج إلى ما دون المسافة فإن عزم على العود
والإقامة أتم ذاهبا وعائدا وفي البلد وإن لم يعزم على العود أو عزم ولم يعد على الإقامة قصر فلو رجع إليه لطلب حاجة أو أخذ شئ لم
يتم فيه بخلاف ما لو رجع إلى بلده لذلك. * مسألة: إذا أتم المسافر بمقيم لم يتم واقتصر على فرضه وسلم منفردا ذهب إليه علماء أهل البيت
398

عليهم السلام سواء أدرك الصلاة جميعها أو ركعة أو أقل من ركعة وروى عن عمر وابن عباس أنه يجب عليه التمام كالإقامة سواء أدرك ركعة أو أقل أو أكثر
وهو قول الثوري والأوزاعي والشافعي وأبي ثور وأحمد وأصحاب الرأي وقال إسحاق بن بابويه وطاوس والشعبي له أن يقصر وقال مالك والحسن البصري
والنخعي والزهري وقتادة إن أدرك ركعة أتم وإن أدرك دونها قصر. لنا: أن الواجب التقصير فالزائد حرام كالزائد على الفجر ولأنها صلاة يجوز فعلها
ركعتين فلم يزد بالاتمام كالفجر وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن مسكان ومحمد بن النعمان الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا دخل المسافر
مع أقوام حاضرين في صلاتهم فإن كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين وإن كانت العصر فليجعل الأولتين نافلة والأخيرتين
فريضة وفي الصحيح عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري فإن ابتلى بشئ من ذلك
قام قوما حاضرين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فتقدمه فأمهم وإذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم وإن
صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر وفي الصحيح عن حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المسافر يصلي خلف المقيم
قال يصلي ركعتين ويمضي حيث شاء وروى الشيخ عن محمد بن علي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين قال
فليصل صلاته ثم يسلم وليجعل الاخرتين سبحة ولأنه لو كان الامام مسبوقا لم يتبعه المأمومون في الزائد على فرضه فكذا ها هنا والجامع المصلحة
الناشئة من استبقاء كل واحد منهما فرضه ولان الحاضر لا يتبع المسافر وكذا العكس ولأنه لو صلى الفجر لمن يصلي الظهر كما هو مذهب أكثرهم لم يزد
على فرضهم فكذا ها هنا احتج المخالف بما روى عن ابن عمر أنه كان إذا صلى مع الامام صلاها أربعا وإذا صلى وحده صلاها ركعتين ولقوله عليه السلام
لا تحملوا على أمتكم ولما روى ابن عباس أنه قيل له ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد وأربعا إذا ائتم بمقيم وقال تلك السنة ولأنها
صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين فلا يصلها خلف من يصلي الأربع كالجمعة والجواب عن الأول: أن قول ابن عمر ليس حجة ما لم ينقله عن الرسول
صلى الله عليه وآله وأيضا فإن ما ذكروه حكاية حال فلعل الراوي يشاهده يصلي منفردا على التقصير ثم شاهده ثانيا يصلي مع الامام على التمام
وذلك لا يدل على مطلوبكم لجواز أن يكون قد نوى الإقامة في المرة الثانية، وعن الثاني: أنه ليس بجار على عمومه بالاجماع، وعن الثالث: أن قول ابن عباس
لا احتجاج به ما لم ينقله عن الرسول صلى الله عليه وآله وقوله انه من السنة يحتمل أنه أراد من سنة الرسول صلى الله عليه وآله ويحتمل غير ذلك فلا حجة فيه ولأنه يمكن أن يكون قاله
عن اجتهاد، وعن الرابع: بالفرق إذ كل من يكون إماما في الجمعة فان الجمعة واجبة عليه حينئذ فلا يجوز له أن يصلي الظهر بخلاف صورة النزاع.
فروع: [الأول] إذا أحرم المسافر خلف من شك أنه مقيم أم لا قصر لأنه فرضه ولأنه يقصر مع من تيقن الإقامة فمع الشك أولى وقال
الشافعي يتم لان الأصل وجوب التمام فليس له نية قصرها مع الشك ويلزم إتمامها اعتبارا بالنية وهذا بناء على وجوب المتابعة في التمام وقد بينا
بطلانه. [الثاني] لو صلى المسافر بمسافرين صلاة الخوف وفرقهم طائفتين فأحدث قبل مفارقته الطائفة الأولى واستخلف مقيما لزم الطائفتين
معا التقصير وهو ظاهر على مذهبنا وقال الموجبون للمتابعة يجب عليهما معا التمام لو جوز الاتمام بمقيم أما بعد مفارقة الأولى فإن الثانية
تتم عندهم وعندنا يقصر أيضا. [الثالث] لو صلى مقيم خلف مسافر أتم المقيم وهو مذهب كل من يحفظ عنه العلم لا نعرف فيه مخالفا
ولو أتم الامام بأن يكون في أحد مواطن التمام صحت صلاة الجميع وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة والثوري يفسد صلاة المقيم لان
الأخيرتين نفل فلا يجوز للمفترض الايتمام فيها ونحن نمنع ذلك. [الرابع] لو صلى خلف من يصلي الجمعة ونوى قصر الظهر لم يتم عندنا لما مضى
وقال الشافعي في الاملاء: يجب عليه الاتمام لأنه مؤتم بمقيم وهو بناء على وجوب المتابعة وقد سلف ومع تسليمه فالدليل الذي ذكروه هناك
من قوله عليه السلام لا تختلفوا عليه لا يتأتى ها هنا ولأنه لو صلى الظهر قصرا خلف من يصلي الفجر لم يتم وإن صلى خلف مقيم فكذا ها هنا. * مسألة:
نية القصر ليست شرطا فيه بل يكفي نية فرض الوقت وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا بد من النية مع الاحرام. لنا: أن الأصل القصر بخبر ابن عباس
وعائشة وغيرهما فلا يحتاج إلى نية كالاتمام في الحضر ولان فرضه الوقت الآن فرض التقصير لا غير فيبقى نية فرض الوقت القصر فلا ينصرف
الاطلاق إلى غيره ولان الأصل براءة الذمة احتج المخالف بأنه مخير في القصر والاتمام فلا يتعين أحدهما إلا بالنية والجواب: المنع من المقدمة الأولى.
فروع: [الأول] لو نوى الاتمام لم يجز له الاتمام إلا أن ينوي مقام عشرة أيام خلافا للشافعي. لنا: أن فرضه التقصير فلا يتعين بالنية كغيرها
من العبادات ولأنه له التقصير قبل النية إجماعا فيستصحب الحكم وكذا لو نوى الظهر مثلا مطلقا. [الثاني] لو صلى بنية التمام أو نية مطلقة
من غير عزم الإقامة ثم أبطل صلاته أعادها على التقصير ذهب إليه علمائنا أجمع وقال الشافعي يعيدها على التمام. لنا: أن الواجب التقصير فلا
يتغير بكونه معادا لما ثبت فساده. [الثالث] لو شك في أثنائها هل نوى القصر أو التمام بنى على القصر لأنه الواجب عليه ولا اعتبار
للشك مع الانتقال عن محله خلافا لبعض الجمهور فإنهم أوجبوا عليه الاتمام احتياطا وهو بناء على وجوب الاتمام مع نيته. [الرابع] لو قصر المسافر
معتقدا بحرمته لم يصح صلاته لأنه فعل ما يعتقد تحريمه فلا يحصل الاجزاء ويجري مجرى من صلى معتقدا بالحدث ولان نية التقرب شرط وهذا
يعتقد أنه عاص فلا يحصل نية التقرب وكذا البحث لو قصر جاهلا بالمسافة فطابق ما في نفس الامر فعله. * مسألة: يجوز الجمع بين الظهر والعصر
399

والمغرب والعشاء وهو مروي عن علي عليه السلام وسعد وسعيد بن زيد وأسامة ومعاذ بن جبل وأبو موسى وابن عباس وابن عمر وهو قول طاوس
ومجاهد وعكرمة ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وقال الحسن بن سيرين والنخعي ومكحول والمزني وأصحاب الرأي لا يجوز الجمع إلا في يوم عرفة
وليلة مزدلفة بمنى وهو اختيار مالك. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا أخذ به إليه جمع بينهما يعني بين المغرب و
العشاء وما رووه عنه صلى الله عليه وآله إذا عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينه وبين العشاء حتى يغيب الشفق
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان في سفر أو عجلت به حاجة
يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء الآخرة قال أبو عبد الله عليه السلام لا بأس بأن يجعل عشاء الآخرة في السفر قبل أن يغيب الشفق وعن زرارة
قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إذا كنت مسافرا لم تبال ان يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر فيصلي الظهر ثم يصلي العصر وكذلك
المغرب والعشاء الآخرة يؤخر المغرب حتى يصليها في آخر وقتها ركعتين بعدها ثم يصلي العشاء وفي الصحيح عن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال
سألته عن صلاة المغرب والعشاء يجمع فقال بأذان وإقامتين لا تصل بينهما شيئا وهكذا صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وفي الصحيح عن الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا صليت في السفر شيئا من الصلاة في غير وقتها فلا يضرك ولان الوقت مشترك على ما بينا فكل من الصلاتين يقع
في وقتها فجاز الجمع احتج المخالفون بأن الأوقات لا تثبت إلا بالمتواتر فلا يترك بخبر الواحد والجواب: المنع من اختصاص ثبوتها بالمتواتر فإنه حكم شرعي فيجوز
العمل فيه بخبر الواحد على أنه نقل نقلا مشهورا بالجمع ولان الأوقات تثبت مطلقة ويجوز تخصيصها بالجمع بخبر الواحد كما يجوز تخصيص
الكتاب به ولانا قد بينا اشتراك الأوقات. فروع: [الأول] معنى الجمع هو أن يصلي إحديهما عقيب الأخرى لا يفصل بينهما بشئ من النوافل فإن
فصل بطل الجمع. [الثاني] لا يفتقر الجمع إلى نية أخرى منفردة عن نية الصلاة خلافا للشافعي لعدم الدلالة على ذلك. [الثالث] يجوز
الجمع في السفر القصر والطويل وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي خلافا له في القول الآخر ولأحمد. لنا: أن أهل مكة كانوا يجمعون بعرفة ومزدلفة و
هو سفر قصير ولان الجمع هو تعاقب الصلاتين في الوقت المشترك وذلك لا يفتقر إلى السفر. [الرابع] يجوز الجمع لأجل المطر بين المغرب والعشاء والظهر و
العصر خلافا لأصحاب الرأي فيهما ولأحمد في الظهرين. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب
والعشاء وهذا ينصرف إلى سنة الرسول صلى الله عليه وآله غالبا وعن نافع بن عمران أن النبي صلى الله عليه وآله جمع في المدينة بين الظهر والعصر في المطر
ومن طريق الخاصة ما تقدم ولأنه عذر فكان كالسفر في الرخصة ولان الجمع فعل الصلاتين في الوقت المشترك عندنا. [الخامس] لا اعتبار بكثير المطر
وقليله خلافا للجمهور. لنا: أن الجمع هو فعلهما في الوقت المشترك وأما الوحل فهو ملحق بالمطر وهو قول مالك خلافا للشافعي وأبي ثور. لنا: أن المشقة فيه ثابتة
كالمطر ولأنه يلوث الثياب والنعال وذلك أعظم من البلل ولأنه عذر في ترك الجمعة والجماعة وأما الرياح الشديدة في الليلة المظلمة فهي كالمطر أيضا
لأنها مثله في ترك الجماعة لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان ينادي مناديه في الليل المطيرة أو الليلة الباردة ذات الريح صلوا في
رحالكم فكانت مثله ها هنا للمشقة في الثابت. [السادس] يجوز الجمع للمنفرد أو من كان طريقه إلى المسجد في ظلال يمنع وصول المطر إليه أو من كان مقامه
في المسجد وهو قول بعض الجمهور خلافا لبعضهم. لنا: أن العذر يستوي مع وجوده حال المشقة وعدمها كالسفر ولان الحاجة العامة يثبت الحكم في حق من
ليست لرحاله كالسلم وإباحة اقتناء كلب الصيد معين عنهما ولأنه قد روي أن النبي صلى الله عليه وآله جمع في المطر وليس بين حجرته والمسجد
شئ. [السابع] والمريض يجوز له الجمع وهو قول عطا ومالك وأحمد وقال أصحاب الرأي والشافعي لا يجوز. لنا: ما رواه الجمهور أن النبي
صلى الله عليه وآله أمر حمينة بنت جحش لما كانت مستحاضة بتأخير الظهر وتعجيل العصر والجمع بينهما ومثله رواه الأصحاب عن يونس عن غير واحد عن أبي
عبد الله عليه السلام ولأنه عذر فأشبه السفر ويجوز ذلك للمريض وإن لم يلحقه المشقة لعدم التفريق وكذا ذي
السلس والمستحاضة. [الثامن] يجوز الجمع في
الحضر من غير عذر خلافا للجمهور. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس قال جمع رسول الله صلى الله عليه وآله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من
غير خوف ولا مطر وما رووه عن ابن عباس قال أن النبي صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر فقيل
له لم فعل ذلك قال أراد أن لا يخرج أحد أمته ومن طريق الخاصة ما تقدم من الأحاديث ولان الجمع عندنا هو فعل الصلاتين في الوقت المشترك
فكل من الصلاتين قد فعل في وقتها فكان سائغا سواء كان هناك عذر أو لا إذ كل واحدة قد فعلت في وقتها المطلوب. [التاسع] يجوز
الجمع في وقت الأول والثانية لأنه مشترك بينهما والتخيير للفضيلة على ما سلف. [العاشر] إذا جمع بين الظهر والعصر قدم الظهر واجبا
وكذا البحث في المغرب والعشاء وقال الشافعي يجوز أن يبدأ بالعصر ثم بالظهر. لنا: أن الصلاتين مقدمتان قبل الجمع فكذا معه بالاستصحاب ولان يقين
البراءة حاصل بالتقديم دون العكس. * مسألة: للمسافر أن يقول عقيب كل صلاة يقصر فيها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاثين مرة
رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه العسكري. * مسألة: لو خرج بنية السفر فغاب عن المنزل فصلى مقصرا
ثم رجع عن نية السفر لم يجب عليه الإعادة لا في الوقت ولا خارج وهو اختيار الشيخ في النهاية والمبسوط وقال في التهذيب والاستبصار يجب. لنا: ما رواه الشيخ
400

عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج مع القوم في السفر فدخل عليه الوقت وقد خرج من القرية على فرسخين فصلوا وانصرف
بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج ما يصنع بالصلاة التي كان صلاها ركعتين قال تمت صلاته ولا يعيد ولأنها صلاة وقعت على وجه المطلوب شرعا فلا يستعقب وجوب القضاء كغيرها في الصلاة احتج الشيخ بما رواه سليمان بن حفص المروزي قال قال الفقيه عليه السلام التقصير في
الصلاة بريدين أو بريد ذاهبا وجائيا والبريد ستة أميال وهو فرسخان فالتقصير في أربعة فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثنا عشر
ميلا وذلك أربعة فراسخ ثم بلغ فرسخين ونيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصر وإن رجع عما نوى عند بلوغ فرسخين وأراد المقام فعليه التمام
وإن كان قصر ثم رجع عن نيته أعاد الصلاة والجواب أن السند لا يحقق حاله ومع صحته فهو معارض بما قدمناه بغيره من الأحاديث الدالة
على أن التقصير في ثمانية فراسخ.
[المقصد السابع] في صلاة الخوف والتطريق وفيه مباحث {الأول} صلاة الخوف
ثابتة بالكتاب والسنة قال الله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية وقد ثبت بالتواتر أن النبي صلى الله عليه وآله صلى صلاة الخوف
وحكمها باق بعد النبي صلى الله عليه وآله ذهب إليه علماؤنا وأكثر الجمهور خلافا لأبي يوسف فإنه قال أنها كانت مختصة بالنبي صلى الله عليه وآله وللمزني فإنه
قال إن الآية منسوخ. لنا: قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم) الآية وما ثبت له عليه السلام كان يفسره لما بينا من وجوب المتابعة فيما لم يثبت تخصيصه عليه السلام
وبه هذا (وبهذا) لما سئل عن قبلة الصائم وأجاب ما بنى فعل ذلك فقال السائل لست مثلنا فغضب فقال إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله ولو اختص بفعله
لما كان الاخبار بفعله جوابا ولا غضب من قول السائل لست مثلنا وقد كان الصحابة يحتجون بفعله عليه السلام وهذا كثير وما رواه الجمهور عن علي عليه السلام
أنه صلى صلاة الخوف ليلة الهرير وعن الحسين صلوات الله عليه أنه صلى صلاة الخوف بأصحابه وعن أبي موسى الأشعري أنه صلى صلاة الخوف
بأصحابه وكان أبو سعد بن العاص أميرا على الجيش بطبرستان فقال أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة الخوف فقال حذيفة انا فقدمه
فصلى بهم ولم ينكر أحد من الصحابة ما فعله هؤلاء فكان إجماعا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عليه السلام قال
صلى رسول الله صلى الله عليه وآله بأصحابه في غزاة ذات الرقاع صلاة الخوف وما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر أنه قال إذا كان صلاة المغرب في الخوف فرقهم فرقتين ورواه في الصحيح عن فضل ومحمد بن مسلم عنه عليه السلام وفي
الصحيح عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن صلاة الخوف وصلاة السفر يقصران جميعا قال نعم وصلاة الخوف أحق أن يقصر من صلاة
السفر ليس فيه خوف احتج أبو يوسف أن الله خصص الخطاب بالرسول عليه السلام وشرط كونه فيهم واحتج المزني بأن النبي صلى الله عليه وآله أخر يوم الخندق أربع
صلاة اشتغالا بالقتال ولم يصل صلاة الخوف. والجواب عن الأول: أن التخصيص لقضاء لا يمنع وجوب المتابعة إجماعا ولهذا أنكرت الصحابة على
مانعي الزكاة حيث قالوا إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وآله: (خذ من أموالهم صدقة) فخصه بذلك، وعن الثاني: بالمنع من تأخير الصلاة
ولو سلم فإنما جاز ذلك لأنه جرى قبل نزول آية الخوف وإنما يوجد بالآخر ولو سلم فصلاة الخوف منوطة بشروطه فربما كان بعضها فائتا.
* مسألة: وهي مقصورة في السفر إجماعا إلا المغرب والصبح في الحضر خلاف قال بعض علماؤنا أنها مقصورة كالسفر سواء صليت جماعة أو فرادى
وبه قال ابن عباس والحسن وطاوس وقال آخرون لا يقصر مطلقا وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وقال الشيخ في المبسوط إن صليت في الحضر جماعة
قصر وإلا فلا. لنا: قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت
طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) وهو دليل على الاقتصار على ركعتين من غير شرط للسفر فتحمل على الاطلاق إلى أن يظهر المنافي وقوله تعالى:
(وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) وليس المراد بالضرب ضرب السفر الذي يجب معه
القصر وإلا لكان اشتراط الخوف لغو أو لأنه صلى الله عليه وآله يصلى عنه صلاة الخوف مكررا ولم ينقل عنه غير القصر وما رواه الشيخ في الصحيح
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام من أن صلاة الخوف يقصر كالسفر وقد تقدمت وما رود من الأخبار الدالة على صفة صلاة الخوف وكونها ركعتين
ولو كانت أربعا لبينوا عليهم السلام حكمها كما بينوا حكم الثلاثية. * مسألة: ولا يقصر عن ركعتين في حق الإمام والمأموم وعليه فتوى علمائنا
وأكثر أهل العلم وحكي عن ابن عباس أنه قال صلاة الخوف لكل طائفة ركعة وللامام ركعتان وبه قال الحسن وطاوس ومجاهد. لنا: ما رواه
الجمهور أنه صلى الله عليه وآله صلى بذات الرقاع بكل طائفة ركعتين لا يقال هذا خلاف مذهبكم لأنه يصلي بكل طائفة ركعة ويتم لنفسها لأنا نقول المراد بذلك أنها صلت ركعتين في حكم صلاته ولان
الإمام والمأموم على صفة واحدة فيجب تساوي حكمهما ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في كيفية
صلاة الخوف وسيأتي إن شاء الله احتج المخالف بقوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا
فليكونوا من ورائكم) دلت على أن كل طائفة يصلي ركعة. والجواب: يحمل قوله: (فإذا سجدوا) أي فعلوا الركعة الأخرى وعبر عنها بالسجود وتسميته للمركب
باسم الجزء. {البحث الثاني}، في الكيفية، * مسألة: قال علماؤنا أن الامام يفترق الجماعة فرقتين فرقة يجزيهم ويقف مع العدو
وفرقة يصلي معه فليصلي بها ركعة في الثانية ثم يقوم ويقومون معه فيطيل القيام ويتمون الصلاة ويتشهدون ويسلمون ثم يذهبون فيقفون
موقف أصحابهم ويأتي الطائفة الأخرى فيفتتح الصلاة ثم يركع بهم ويسجد السجدتين ويجلس مطيلا حتى يقوم ومن خلفه فيتمون صلاتهم و
يتشهدون ثم يسلم بهم وهذه صلاة النبي صلى الله عليه وآله بذات الرقاع وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وداود وقال أبو حنيفة يصلي
401

بإحدى الطائفتين ركعة ثم ينصر إلى وجه العدو وهو في الصلاة وهي أيضا في صلاتها ثم تجئ الطائفة الأخرى فيصلي مع الامام الركعة الثالثة ثم يسلم
الامام ويرجع الطائفة إلى وجه العدو وهي في صلاتها ثم يأتي الطائفة الأولى إلى موضع صلاتها فيصلي ركعة منفردة ولا يقرأ فيها لأنها في حكم الايتمام ثم يسير
إلى وجه العدو ثم يأتي الطائفة الأخرى إلى موضع الصلاة فيصلي الركعة الثانية منفردة ويقرء فيها لأنها قد فارقت الامام (فيبدأ) من الصلاة فحكمها
حكم المسبوق إذا فارق إمامه. لنا: قوله تعالى: (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) وهذا يدل من حيث المفهوم على أن الطائفة الأولى
صلت مع جميع صلاتها ومن حيث المنطوق أن الثانية تصلي جميع صلاتها معه وهذا بيان على قولنا إذ كل واحدة يصلي معه ركعة ركعة خفيفة و
ركعة أخرى حكما وعلى ما اختاره أبو حنيفة لاتيان ذلك وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه صلى بذات الرقاع كما وصفناه
رواه مسلم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الخوف قال يقوم الامام ويجئ طائفة
من أصحابه فيقومون خلفه وطائفة بإزاء العدو فيصلي بهم الامام ركعة ثم يقوم ويقومون معه؟ مثل؟ قائما ويصلون هم الركعة الثانية
ثم يسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ويجئ الآخرون فيقومون خلف الامام فيصلي بهم الركعة الثانية ثم يجلس الامام
ويقومون هم فيصلون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمه ولان ما ذكرناه أحوط للصلاة والحرب أما الصلاة فلان كل طائفة تأتي
بصلاتها على التوالي بعضها يوافق الامام فعلا وبعضها يفارقه ويأتي به كالمسبوق وعنده إن كل طائفة ينصرون اما أن يركب ويمشي إلى العدو
ويستدبر القبلة ويقابل إن احتاجت إليه ويفرق بين الركعتين تفريقا كثيرا وجعل الأولى مؤتمة بالامام وقد فرغ من صلاته وكل ذلك باطل
وأما الحرب فلانها يتمكن من الضرب والاعلام الغير وحال العدو إن احتاج بالكلأ وغيره ولان فيه تحقيقا والحرب مبني عليه وما ذكره فيه تطويل
للصلاة وهو ينافي الحكمة إذ قد يكون بين موضع الصلاة والحرب نصف ميل فيفتقر إلى قطع ميله ذهابا وعودا احتج أبو حنيفة بأن عبد الله بن
مسعود وابن عمر روى مثل قوله قال وهو أولى لان مذهبكم يقتضي تجويز مفارقة المأمومين الامام قبل الفراغ وتجويز مخالفة الطائفة
الثانية الامام في الأفعال وأن يكون جالسا وهم قيام والجواب: منع ما ذكر من الرواية وقوله ما ذكرناه أولى ضعيف لما بيناه والمفارقة جائزة
للفور وقد بيناه فيما مضى وكذا المخالفة. * مسألة: قال علماؤنا ويتخير الامام في صلاة المغرب إن شاء صلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية
ركعة يجلس في تشهد الأولى ويتم من خلفه صلاته وينهضون إلى أصحابهم ثم يأتي الطائفة الأخرى فيقدم الامام فإذا كبر وركع بهم ثالثة له
وهي أولة لهم فإذا أتموا الصلاة يسلم بهم الامام وهو أحد قولي للشافعي وبه قال مالك وأحمد والأوزاعي والشعبي وإن شاء تصلي بالأولى
ركعة ويقف في الثانية حتى يتموا ثم يأتي الأخرى فيصلي بهم ركعتين ويجلس عقيب الثالثة له حتى يتموا ثم يسلم وهو القول الآخر للشافعي
لنا: على الأول أن صلاة الخوف مبنية على التخفيف وإن صلى بالأولى ركعة احتاجت الطائفة الثانية إلى ثلاث تشهدات ولأنه لا بد من التفصيل
فالأولى أحق به ولان الثانية يصلي جميع صلاتها في حكم الجماعة الأولى يفعل بعض صلاتها في حكم الانفراد وعلى الثاني: ما رواه الجمهور عن علي
عليه السلام أنه صلى ليلة الهرير المغرب بأصحابه فصلى بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال وفي المغرب يقوم الامام ويجئ طائفة ويقفون خلفه ويصلي بهم ركعة ثم يقوم ويقومون فيمثل الامام
قائما ويصلون الركعتين ويتشهدون ويسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم ويجئ الآخرون فيقومون في موقف أصحابهم
خلف الامام فيصلي بهم ركعة فيقرأ فيها ثم يجلس ويتشهد ثم يقوم ويقومون معه فيصلي بهم ركعة أخرى ثم يجلس ويقومون هم فيصلون ركعة
أخرى ثم يسلم عليهم وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال إذا كان صلاة المغرب في الخوف فرقهم فرقتين فيصلي بفرقة
ركعتين ثم جلس بهم ثم أشار إليهم بيده فقام كل انسان منهم فيصلي ركعة ثم سلموا وقاموا مقام أصحابهم وجائت الطائفة الأخرى فكبروا
ودخلوا في الصلاة وقام الامام فصلى بهم ركعة ثم سلم ثم قام كل رجل منهم فيصلي ركعة فشفعها بالتي صلى مع الامام ثم قام فصلى ركعة ليس
فيها قراءة فتمت للامام ثلاث ركعات والأولتين ركعتان في جماعة والآخرين وحدانا فصار للأولين التكبير وافتتاح
الصلاة وللآخرين التسليم
فهذا الخبران يدلان على التخيير إذ قد اشتمل كل واحد منهما على الامر وليس فيه صيغة تدل على الوجوب نصا فيحمل على التخيير احتج الشافعي
بأن صلاة الخوف مبنية على التخفيف وهو أن يحصل بما قلناه واحتج على الآخر لفعل علي عليه السلام وبأن الأولى أدركت مع الامام فضيلة
الاحرام والتقدم فينبغي أن يريد الثانية في الركعات لتحصل التعادل. والجواب: عن الكل إنا نقول بموجبه إن فعل كل واحد منهما جائز و
دلايلهم إنما يدل على جواز ما يدعونه لا على بطلان الآخر. * مسألة: روى أبو عياش الزرقي قال كنا مع النبي صلى الله عليه وآله يصفان
وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلانا الظهر فقال المشركون لقد صلينا عشرة لو حملنا عليهم في الصلاة فنزلت آية القصر بين الظهر و
العصر فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وآله مستقبل القبلة والمشركون أمامه نصف خلف رسول الله صلى الله عليه وآله
صف وصف خلف ذلك الصف صف آخر فركع رسول الله صلى الله عليه وآله وركعوا جميعا ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونهم
402

فلما صلى بهؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين ويقدم الصف الآخر إلى مقام الصف الأول ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وآله
وركعوا جميعا ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونهم فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وآله والصف الذي يليه سجد الآخرون
ثم جلسوا جميعا فسلم عليهم وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله صلى الظهر ببطن النخل جعل أصحابه طائفتين فصلى بالأول ركعتين ثم سلم
وصلى بالأخرى ركعتين قال الشيخ ولو صلى كما صلى النبي صلى الله عليه وآله بعسفان جاز ونحن نتوقف في هذا لعدم ثبوت النقل عندنا عن أهل البيت
عليهم السلام بذلك. * مسألة: ويشترط لصلاة ذات الرقاع أمور، الأول: كون العدو في خلاف جهة القبلة ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي
خلافا لأحمد. لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله كذا فعلها فيجب متابعته احتج أحمد بأن العدو قد يكون في جهة القبلة على وجه لا يمكنه أن يصلي بهم
صلاة عسفان لكثرتهم وانتشارهم وخاف كثر لهم فلو منعوا من صلاة ذات الرقاع أيضا أفضى ذلك إلى تفويت صلاة الخوف والجواب: ليست الصلاة
منحصرة في هذين ومع التسليم يمنع استحالة اللازم. الثاني: عدم الامن من العدو بحيث يخاف المسلمون أنهم متى اشتغلوا بالصلاة عنهم أكثر
عليهم الثالث: أن يكون في المسلمين كثرة يمكن أن يفرق فرقتين كل فرقة بمقاومة العدو ليحصل المتابعة بفعل النبي صلى الله عليه وآله فإنه
هكذا فعل. الرابع: أن يكون القتال سائغا واجبا كان كالجهاد مع دعاء الامام إليه أو غير واجب كالمدافعة عن المال فلو كان حراما كالعار من
الزحف وقاطع الطريق والباغي لم يرخصوا في هذه الصلاة لان الأفعال لا عموم لها ووجوب المتابعة إنما يدل على الوجه الذي فعله النبي صلى الله
عليه وآله. فروع: [الأول] لا يشترط كون كل فرقة ثلاثا فصاعدا وقال الشافعي يشترط. لنا: الأصل عدم الاشتراط احتج المخالف بقوله
تعالى: (فلتقم طائفة منهم معك) والطائفة ثلاثة فما زاد ولقوله تعالى: (وليأخذوا أسلحتهم) وأقل الجمع ثلاثة. والجواب عن الأول: أن لفظ الطائفة
قد يقع على الواحد فإنه يسمى طائفة ذكره القراء والقطعة من الأرض يسمى طائفة وعن الثاني: أن الكناية راجعة إلى من صلى مع النبي صلى الله
عليه وآله وليس ذلك شرطا كما إن غدت وصل معه ليس بشرط إجماعا. [الثاني] لا يجب التسوية بين الطائفتين لعدم ورود النص بالوجوب فالأصل
عدمه نعم يجب أن يكون الطائفة ممن يفي بحراسة المسلمين ويجعل الثقة بالاكتفاء بهم. [الثالث] قال الشيخ في المبسوط لو احتاج أن يفرقهم
أربعا لم يصح لأنها مقصورة ويصلي بفرقتين ركعتين ثم يعيدها بالباقين فيكون لهم فرضا وله نفلا أما لو كانت صلاة المغرب وافتقر إلى
أن يفرقهم ثلاثا فالأقرب الجواز ويصلي بكل طائفة ركعة فيقوم في الثالثة إلى أن يتم الأولى ثلاثا ثم يأتي الثانية فيصلي بهم الثانية وينتظرها
في الجلوس إلى أن يتم ثلاثا ثم يذهب ويأتي الثانية فيصلي بهم الثالثة ويطيل تشهده إلى أن يتموا ويسلم بهم وعلى القول الآخر لأصحابنا من
وجوب التمام في الحضر لو احتاج إلى أن يفرقهم أربعا أمكن إن نوى المأمومون المقاربة خلافا للشيخ في الخلاف والشافعي في أحد قوليه.
لنا: تفريعا على القول بالتمام أنه صلى صلاة واجبة لم يخل بشئ من واجباتها فيجزي كما لو صلاها في الامن احتج الشيخ بأنها لم يشرع كذلك واحتج
الشافعي بأن صلاة الخوف فيها انتظار ان وإذا كانت رباعية تضاعف الانتظار فصار أربعا فزيادة انتظارين يكون زيادة لما ليس من الصلاة
فيها والجواب عن الأول: أن صلاة الجماعة مشروعة أقصى ما في الباب أن المأموم هنا قد فارق إمامه لكنا نجوز له ذلك مع النية وقد تقدم
الثاني: أن هذه الزيادة إنما هي في الصلاة في موضعها كما لو طول القيام قارئا أو ذاكرا ولان الحاجة قد تدعو إليه وعلى هذا يكون صلاة
الامام والمأمومين صحيحة خلافا للشافعي في أحد قوليه فإن في القول الآخر قال يبطل صلاة الطائفة الأولى والثانية والثالثة ويصح صلاة
الامام والطائفة الرابعة بناء على أن الطوائف الثلاث فارقة الامام بغير عذر. والجواب: لا نسلم انتفاء العذر هنا ولان المفارقة في صلاة
الخوف سائغة ولو صلى بطائفة ثلاث ركعات وبأخرى ركعة جاز ذلك أيضا عملا بالأصل ولان فيه قلة انتظار عن الأول فكما ساغ
ذاك فهو أولى ولا يجب سجود السهو ها هنا لعدم موجبه خلافا للشافعي فإنه أوجب على الامام والطائفة الأخرى سجود السهو لأنه وضع
للانتظار في غير موضعه وهو سهو فإن الفاقد غير الساهي والسجود السهو إنما يجب فيما لم يؤمن بفعله ولم يكن سائغا مع العمد. [الرابع] لو قلنا
بجواز صلاة عسفان اشترط أن يكون العدو في جهة القبلة وإن يكون في المسلمين كثرة وأن يكون العدو على وجه الأرض ليس بينه وبين
المسلمين حائل كجبل وشبهه يمنع من النظر إليهم ليتحفظوا من الحمل عليهم ولكنه قال المجوزون ولو وقف الذين يحرسونهم في الصف الأول
وسجد مع الامام أهل الصف الأخير جاز ولو سجد الجميع إلا بعض صف جاز. [الخامس] قال الشيخ في المبسوط ينبغي للطائفة الأولى الانفراد في الصلاة
ذات الرقاع عند القيام إلى الثانية فلو سهت بعد مفارقة الامام لحقها حكم سهوها ولو سهت في الركعة الأولى ثم يعيد به لأنه لا سهو على
المأموم وهو حينئذ قال ولو سهى في الأولى ما يوجب السجود كان عليها أن يسجد بعد فراغها للسهو وفيه نظر إذ لم يثبت عندنا أن المأموم يلزمه
حكم سهو إمامه أما الطائفة الثانية فقال قوم من الجمهور أنه يلحقها حكم سهو إمامها في جميع الصلاة ما أدركت منها وما سبقها به ولا يلحقها
حكم سهوها في شئ من صلاتها لأنها فيما فارقته في حكم المؤتم وقال الشيخ لا يجب عليها متابعة الامام في الأول وهو جيد ثم قال ولو سها
في الركعة التي يصلي بهم ينفوه إذا سجد بسهوه والاشكال كالأول وكل سهو ينفرد به المأمومون فإنهم يختصون بسجوده وليس على الإمام عليه السلام
403

متابعتهم فيه. [السادس] يستحب للامام أن يخفف بهم الصلاة لان وضع صلاة الخوف للتخفيف وكذا يستحب للطائفة التي يفارقه التخفيف. [السابع]
إذا قام إلى الثانية منتظرا قرأ في تلك الحال خلافا للشافعي في أحد قوليه. لنا: أن الصلاة ليس فيها حال سكوت والقيام محل القراءة فليأت به كالتشهد
احتج الشافعي بأنه قد قرأ في الأول مع الطائفة المتقدمة فليسكت في الثانية ليقرأ مع الأخرى فيحصل التسوية والجواب: أن التسوية يحصل بانتظاره إياهم
في موضعين والأول في موضع واحد. [الثامن] إذا جاءت الطائفة وجلس للتشهد قاموا فأتموا الصلاة ثم جلس وتشهد وسلم بهم الامام وبه قال
الشافعي وأحمد وقال مالك ويتشهدون معه ويسلم الامام يقومون فيتمون. لنا: قوله تعالى: (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) وهذا يدل
على أن جميع صلاتها معه ولا يتأتى ذلك إلا بما قلناه وما رواه الجمهور في صفة ذات الرقاع والخاصة رواية الحلبي وقد سلف كل ذلك ولان
الأولى أدركت فضيلة الاحرام فينبغي أن يسلم بالثانية لتحصيل التعادل ولان صلاة الخوف مبنية على التخفيف وما ذكره مالك مناف له لأنها
قد روى الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله بأصحابه في غزاة ذات الرقاع فتفرق أصحابه
فرقتين ثم ذكر الحديث إلى قوله وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى بهم ركعة ثم يتشهد ويسلم عليهم فقاموا فصلوا
لأنفسهم ركعة وسلم بعضهم على بعض إنا نقول مع سلامة السند أن هذا مبني على اعتبار المصلحة ففي موضع الحاجة إلى السرعة ينبغي العمل
على ما بيناه وفي حال عدم الحاجة يجوز ذلك. {البحث الثالث} في الاحكام، * مسألة: يجوز هذه الصلاة في الحضر
قصرا عند حصول السبب قال الشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي وأحمد: يجوز لكن لا يقصر وقال مالك: لا يجوز فعلها في الحضر. لنا: قوله تعالى:
(وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) وذلك عام في كل حال ولأنها صلاة خوف فجازت في الحصر كالسفر احتج مالك بأن الآية دلت على
صلاة ركعتين وذلك مختص بالسفر ولان النبي صلى الله عليه وآله يفعلها في الحضر. والجواب عن الأول: إنا نقول بموجبه وقد بينا وجوب
التقصير في الحضر وأيضا فإنه قد يكون في الحضر ركعتان كالجمعة والفجر ولان ما ذكره ينتقض بالمغرب ويجوز فعلها في السفر والحضر معا إجماعا،
وعن الثاني: لان النبي صلى الله عليه وآله لم يتفق له بعد نزول صلاة الخوف خوف في الحضر لان ذلك كان بعد الخندق. * مسألة: قال
الشيخ في الخلاف والمبسوط يجب حمل السلاح في حال الصلاة وهو إحدى قولي الشافعي وهو قول داود وقال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في
القول الآخر لا يجب بل يستحب. لنا: قوله تعالى: (وليأخذوا أسلحتهم) والامر للوجوب إلى أن يظهر المنافي وقوله تعالى: (فلا جناح إن كان بكم
أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم) نفي الخروج بشرط الأذى فثبت مع عدمه ولان النبي صلى الله عليه وآله هكذا فعل وقال عليه السلام:
" صلوا كما رأيتموني أصلي " احتج المخالف بأنه لو وجب لكان شرطا والجواب: المنع من الملازمة والقياس لا يفيد في مقابلة النص قالوا الامر
المترفق والتحفظ فلا يكون واجبا والجواب بعد تسليم أنه للتحفظ لا نسلم عدم الوجوب فإن حفظ النفس من الواجبات. فروع: [الأول] أخذ
السلاح وإن كان واجبا إلا أنه ليس جزء من الصلاة ولا شرطا فيها ولا يبطل بالاخلال به. [الثاني] لو منع السلاح شيئا من واجبات الصلاة
لم يجز أخذه. [الثالث] لو كان السلاح نجسا لم يجز أخذه على قول وقيل بالجواز عملا بالعموم والوجه اعتبار الحاجة. [الرابع] لو لم يمنع السلاح
شيئا من الواجبات ومنع الاكمال قال الشافعي يكره حمله وفيه تردد. [الخامس] لو كان بهم أذى من مطر أو مرض أو غيره لم يجب أخذ السلاح بلا
خلاف لثبوت النص الدال على نفي الحرج فيه. * مسألة: إذا اشتد الخوف والتحم القتال وانتهت الحال إلى المسايفة صلى بحسب الامكان قائما
وماشيا وراكبا مستقبل القبلة إن أمكنه ولو بتكبيرة الاحرام وغير مستقبل وسجد على قربوس سرجه وإن لم يتمكن أومأ ويكون سجوده أخفض من ركوعه
ويتقدمون ويتأخرون ويطعنون ويكبرون ويقرؤن ولا يؤخرون الصلاة ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة و
ابن أبي ليلى: لا يصلي مع المسافة ولا مع المشي وقال الشافعي يصلي فإن تتابع الضرب أو الطعن أو المشي وفعل ما تطول بطلت صلاته. لنا: قوله تعالى
فإن خفتم رجالا أو ركبانا) ورجال جمع راجل كصاحب وصحاب وما رواه الجمهور عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال فإن كان الخوف أشد
من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم وركبانا مستقبل القبلة وغير مستقبلها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة و
فضيل ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال يصلي كل انسان منهم بالدعاء حيث
كان وجهه وإن كان المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال فإن أمير المؤمنين عليه السلام صفين وهي ليلة الهرير لم تكن صلاتهم الظهر والعصر
والمغرب العشاء الآخرة عند وقت كل صلاة إلا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء فكانت تلك صلاتهم
لم يأمرهم بإعادة الصلاة وفي الصحيح عن
عبد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة الزحف على الظهر إيماء برأسك وتكبير والمسايفة تكبير بغير إيماء والمطاردة إيماء يصلي
كل رجل على خياله ولأنه مكلف يصح منه الطهارة فلا يجوز له ترك الصلاة في جميع آخر الوقت كالمريض أحتج أبو حنيفة بأن النبي صلى الله
عليه وآله أخر الصلاة يوم الخندق فلم يصلي ولان ما منع من الصلاة في غير شدة الخوف منعها معه كالحدث والصياح واحتج الشافعي بأن الفعل
الطويل مبطل فكذا في حال الشدة كالحدث والجواب عن الأول: أن أبا سعيد الخدري روى أن آية الخوف نزلت بعد واقعة الخندق ويؤيده أن ذلك
404

اليوم لم يكن هناك مسايفة تبطل الصلاة، وعن الثاني: بظهور الفرق بين حالتي الشدة وعدمها وكذا بين الطعن والضرب وبين الصياح والحدث
للحاجة إلى الأول دون الباقي ومما يوجب التعجب أن أبا حنيفة اختار من الصلاة المشهورة ما نقلها مع اشتمالها على أفعال كثيرة منافية
للصلاة ومبطلات كثيرة من استدبار القبلة والقتال في حال يستغني عنه وشرع ذلك مع أن الحال لم يبلغ إلى ما يخرج إليه ومنعه في حال
لا يقدر إلا عليه مع نص الله تعالى في الترخص في هذا الحال وقول الشافعي باطل لأنه عمل أبيح من أجل الخوف فأشبه استدبار القبلة والركوب
والايماء ولان أحد الأمور ثابت على تقدير أخذ السلاح إلى الفعل الكثير وهو إما تأخير الصلاة عن وقتها أو ترك القتال أو فعل الصلاة و
الأول باطل بالاجماع بيننا وبينه، والثاني: باطل لقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وبالإجماع على عدم لزوم ترك القتال فبقي
الثالث ومع الجواز لا بطلان. فرعان [الأول] لو لم يتمكن من الايماء حال المسايفة جعل عوض كل ركعة تكبيره صورتها سبحان الله و
الحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وذلك يجزيه عن القراءة والركوع والسجود لما تقدم في حديث زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم وحديث
الحلبي وما رواه الشيخ عن عبد الله ابن المغيرة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال أقل ما يجزي في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل
صلاة إلا المغرب فإن لها ثلاثا وفي الموثق عن زرعة قال سألته عن صلاة القتال؟ فقال: إذا التقوا فاقتتلوا فإنما الصلاة حينئذ التكبير وإذا كانوا لا يقدرون على الجماعة وقوفا
فالصلاة إيماء ورواه في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام وروى ابن بابويه عن أبي عبد الله عليه السلام قال فات الناس مع علي عليه السلام
يوم صفين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأمرهم فكبروا وهللوا وسجدوا رجالا وركبانا. [الثاني] يجوز أن يصلي صلاة شدة
الخوف جماعة رجالا وركبانا وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز. لنا: الآية والخبر ولم يفرق وبعموم الامر بالجماعة ولأنها حالة يجوز
فيها فعل الصلاة مع الانفراد فيجوز فيها والجماعة لركوب السفينة. احتج أبو حنيفة بأنهم إذا كانوا ركبانا كان بينهم وبين الامام من طريق
وذلك يمنع من الجماعة والجواب: قد تقدم أن الطريق ليس مانعا. * مسألة: كل من أسباب الخوف يجوز معه فعل صلاة الخوف وشدة الخوف
سفرا كان من لص أو سبع أو غرق أو غير ذلك لقوله تعالى: (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة فإن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا)
دل من حيث المنطوق على خوف العدو ومن حيث المفهوم على ما عداه من المحرمات وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام
قلت وما تقول إن خاف من سبع أو لص كيف يصلي؟ قال: يكبر ويؤمي برأسه وما رواه في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال
سألته عن الرجل يلقى السبع وقد حضرت الصلاة ولا يستطيع المشي مخالفة السبع فإن أقام يصلي خاف في ركوعه وفي سجوده السبع والسبع
أمامه على غير القبلة فإن توجه إلى القبلة خاف أن يثب عليه الأسد كيف يصنع قال فقال يستقبل الأسد ويصلي ويؤمي برأسه إيماء وهو
قائم وإن كان الأسد على غير القبلة وعن إسحاق بن عمار عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام في الذي يخاف السبع أو يخاف عدوا يثب عليه أو يخاف
اللصوص يصلي على دابته إيماء الفريضة وفي الصحيح عن زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة
إيماء على دابته قال قلت أرأيت إن لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال: ليتيمم من لبد سرجه أو من
معرفة دابته فإن فيها غبارا ويصلي ويجعل السجود أخفض من الركوع ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة
بأول تكبيرة حين يتوجه. فروع: [الأول] قال بعض علماؤنا التقصير في عدد الركعات إنما يكون في صلاة الخوف من العدو أو في السفر أما
غيرهما فلا فالخائف من السبع وشبهه يتم عنده وفيه تردد. [الثاني] لو هرب من العدو أو من السبع أو من الحريق أو من السيل وما أشبهه
بحيث لا يمكنه التخلص منه بدون الهرب فله أن يصلي صلاة شدة الخوف في حال هربه سواء خاف على نفسه أو أهله أو ماله وكذا الأسير و
المختفي في موضع ولو كان المختفي قاعدا لا يمكنه القيام أو مضطجعا لا يمكنه الجلوس صلى على حسب حاله ولا إعادة عليه وبه قال أحمد ومحمد بن
الحسن وقال الشافعي يعيد وليس بجيد لأنه خائف صلى على حسب ما يمكنه فلا إعادة عليه كالهارب ولا فرق بين السفر والحضر. [الثالث]
لو أمكن التخليص من المخوف كالهارب من السيل يصعد ربوة والخائف من عدو يمكنه دخول حصن يؤمن فيه من العدو فيصلي فيه ثم يخرج
لم يرخص لان الضرورة المبيحة تزول. [الرابع] العاصي يهربه كالهارب من حق توجه عليه والقاطع للطريق واللص ليس له أن يصلي صلاة
شدة الخوف لان الموجب للترخص ثبوت الدفع عن النفس في محل مباح فلا يثبت بالمعصية. [الخامس] لو صلى ركعة صلاة الخوف ثم
أمن أتم صلاة الامن وكذا العكس صلاة خائف لزوال الموجب للترخص أو حصوله وكماله الترخص أو زواله في الابتداء كذا في الأثناء عملا بالاستحباب.
[السادس] لو صلى راكبا ركعة صلاة شدة الخوف فأمن ترك وأتم صلاة أمن بشرط أن لا يستدبر القبلة ولا يخل بشئ ء من الواجبات
في حال نزوله فإن استدبروا وأخل بطلت صلاته ولو صلى على الأرض ركعة صلاة أمن ثم خاف ركب وأتم وقال الشافعي تبطل صلاته وفرق
بين النزول والصعود لان الركوب فعل كثير بخلاف النزول وقال في كتاب الأم يبني على صلاته في الحال وما ذكره ليس بجيد لأنه فعل مأذون
فيه شرعا فلا يكون مبطلا ولان الفعل فعل الكثير سقط اعتباره في نظر الشرع في صلاة شدة الخوف ولأنه قد يكون الرجل فارسا
405

فيكون ركوبه أسهل من نزول غيره. [السابع] لو كان بينهم وبين العدو حائل فخافوا إزالته صلوا صلاة الخوف على حسب حالتهم بوجود السبب. [الثامن]
لو زاد العدو فصلوا صلاة الخوف ثم ظهر الحائل لم يلزمهم الإعادة خلافا للشافعي في أحد قوليه. لنا: أنها صلاة مأمور بها فتكون مجزية قالوا
أنهم ظنوا ما ليس بثابت فلا حكم له كما لو ظنوا الطهارة وتيقنوا بعد ذلك الحدث والجواب التقدير أن السبب المخوف متحقق فلا ظن فيه أقصى ما في
الباب أنه خفي المانع عليهم. [التاسع] لو رأوا سوادا أو جماعة فظنوا بهم عدوا فصلوا صلاة الخوف ثم انكشف لهم فساد ظنهم لم يعيدوا وبه قال
أبو إسحاق وللشافعي قولان، أحدهما: الإعادة مطلقا ذكره في الامام وبه قال أبو حنيفة في الاملاء إن الصلاة بخبر ثقة فلا إعادة. لنا: أنها
صلاة مشروعة فيجزي كما لو كان عدوا واحتجوا بأنهم صلوا صلاة الخوف مع عدم العدو فأشبه ما إذا لم يظن والجواب: المقتضي للترخص
الخوف لا وجود العدو. [العاشر] لا يجوز أن يصلي صلاة الخوف في طلب العدو لأنه أمن وطلبهم تطوع فإن لم يأمن كرة العدو عليه صلى
الامام بالناس صلاة الخوف ولوجود السبب ولو كان العدو كثيرا والمسلمون قليلون جاز لهم أن يصلوا صلاة شدة الخوف لأنهم لا يأمنون
كرتهم عليهم. [الحادي عشر] لو هرب من خوف حية أن ينهشه صلى صلاة شدة الخوف حال عدوه لوجود السبب ولا إعادة عليه للامتثال قال
المزني: عليه الإعادة لان الهرب من الحية عذر نادر فلا يسقط القضاء والجواب: السبب هو الخوف وليس بنادر وإن تعددت أسبابه وندر بعضها
كما أن خوف الضرر من المرض غير نادر وإن كان فيها مرض نادر. * مسألة: يجوز أن يصلي الصلاة الجمعة عند الخوف على صفة صلاة
الخوف بأن يفرقهم فرقتين فيخطب للأولى ثم يصلي بهم ويتمون ثم يجئ الطائفة الثانية فيصلي بهم الركعة الثانية ويتمون ويسلم بهم
عملا بالعموم لا يقال العدد يشترط في الجمعة ومع مفارقة الأولى يبقى الامام منفردا فلا يصح جمعته لأنا نقول اما أولا: فإن هذا لا ينافي
على مذهبنا إذ قد بينا أن تفرق المأمومين عند الامام بعد دخول في الصلاة لا يبطل الجمعة وأما ثانيا: فالتفرق ههنا العذر فلم يكن
مبطلا ولان الامام ها هنا منتظر للطائفة الثانية فالتفرق وإن وجد صورة فإنه منفي حكما لا يقال قد منعتم من تعاقب الجمعتين و
ها هنا قد عقدتم للطائفة الثانية جمعة بعد فراغ الأول لأنا نقول الامام لم يتم جمعته وإنما أدركت الأولى معه ركعة وأصل الجمعة التي
عقدها الامام لم يتم وجرى حكم الطائفة الثانية مجرى المسبوق. فروع: [الأول] يشترط في الطائفة الأولى عقد الجمعة لان
الانعقاد بها يحصل أما الطائفة الثانية فلا يشترط فيها ذلك لحصول الانعقاد أولا خلافا لبعض الشافعية. [الثاني] لو خطب بالطائفة
الأولى ولم يصل بهم ثم مضوا إلى العدو وجائت الطائفة الثانية قال الشيخ لا يجوز أن يصلي بهم الجمعة إلا أن يعيد الخطبة ويكون العدد حاصلا
وهو حسن ولو مضى بعضهم وتخلف العدو وصحت صلاة الجمعة. [الثالث] لو خطب وصلى بالطائفة الأولى الجمعة لم يجز أن يصلي بالطائفة الثانية
الجمعة مرة أخرى لان تعاقب الجمعتين غير سائغ ولا يختلف الحكم فيما ذكرناه بين الصحاري والبنيان خلافا للجمهور وقد سلف. [الرابع] ولا بأس
بصلاة الاستسقاء في الخوف على صفة صلاة الخوف ولو كان في شدة الخوف أمكن أن يقال بالجواز أيضا ويصلي للخوف والعيدين في الخوف وشدته
لأنهما واجبان وبالترك يفوتان. [الخامس] لو صلى صلاة الخوف في الامن قال في المبسوط صحت صلاة الإمام والمأموم وإن تركوا الأفضل من حيث
فارقوا الامام سواء كان كصلاة ذات الرقاع أو صلاة عسفان أو بطن النملة أما لو صلى صلاة شدة الخوف لم يصح لأنهم يخلون بكثير من الواجبات
فيجب عليهم الإعادة. * مسألة: المرتحل والغريق يصليان بحسب حالهما إيماء ولا يقصران الصلاة وعدوا ويجوز أن يقصر وكيفيتها للضرورة
لان الأصل وجوب الاتمام وترك العمل به في الخوف والسفر فيبقى الباقي على حكمه.
* مسألة: المريض لا يسقط عنه الصلاة ما دام عقله
ثابتا لوجود المقتضي وهو عموم الامر ويصلي على حسب إمكانه فإن يمكن من القيام وجب عليه وإن لم يتمكن صلى جالسا فإذا أراد الركوع قام فركع
فإن لم يتمكن من القيام حينئذ ركع من جلوس وسجد لذلك وإن لم يتمكن رفع شيئا وسجد عليه فإن لم يتمكن من الصلاة جالسا صلى مضطجعا
فإذا أراد الركوع قام وركع وإن لم يتمكن قعد وركع وإن لم يتمكن من الصلاة مضطجعا صلى مستلقيا على ظهره فإذا أراد الركوع غمض
عينيه فإذا رفع رأسه فتحهما فإذا أراد السجود غمضهما فإذا أراد رفع رأسه من السجود فتحهما فإذا أراد السجود ثانيا غمضهما فإذا أراد رفع
رأسه فتحهما وهكذا يكون صلاته لوجود الضرورة ولما رواه الشيخ عن محمد بن إبراهيم عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يصلي المريض
قائما فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا فإن لم يقدر على ذلك صلى مستلقيا يكبر ثم يقرأ فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبح فإذا سبح فتح
عينيه فيكون فتحة عينيه رفعه رأسه من الركوع فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتحة عينيه رفعه رأسه
من السجود ثم يتشهد وينصرف وفي الحسن عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) قال الصحيح يصلي قائما
وقعودا المريض يصلي جالسا وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا وعن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المريض
إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا كيف قدر صلى اما أن يوجه فيومي إيماء وقال يوجه كما توجه الرجل في لحده وينام
على جنبه الأيمن ثم
يؤمي بالصلاة فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز وليستقبل جانبه القبلة ثم يؤمي بالصلاة إيماء. فروع:
406

[الأول] لو لم يتمكن من الصلاة قائما إلا بما يعتمد عليه ومن حائط أو عكاز وجب عليه ذلك ولا يجوز له الصلاة جالسا إلا مع عدم الوصلة
لان القيام واجب ولا يتم إلا بما ذكرناه فيكون واجبا ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ولا يستند إلى جدار إلا أن
يكون مريضا والاستثناء من النفي إثبات. [الثاني] إذا لم يتمكن من السجود على الأرض رفع شيئا وسجد عليه لأجل الضرورة رواه الشيخ
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن المريض على الأرض أو على مروحة أو على مسواك يرفعه هو أفضل من الايماء
وروى في الموثق عن سماعة قال سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس قال فليصل وهو يضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزي
عنه ولن يكلف الله ما لا طاقة له. [الثالث] يتغير مراتب الصلاة بتغير أحوال المريض في طرفي الزيادة والنقصان فلو صلى مضطجعا
فوجد خفه للقعود قعد وأتم صلاته وكذا لو صلى جالسا فوجد خفه للقيام قام وأتم ولا يستأنف لان الدخول في تلك الحال وقع مشروعا
فالإعادة يحتاج إلى دليل وكذا لو صلى قائما فتجدد العجز صلى جالسا أو كان جالسا فيعجز اضطجع وأتم صلاته من غير استيناف. [الرابع] الشيخ
الكبير إذا عجز عن القيام سقط عنه وصلى بالايماء إذا لم يتمكن من الركوع والسجود دفعا للجرح ولما رواه الشيخ عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع والسجود فقال ليؤم برأسه إيماء وإن كان له من يرفع
الخمرة فليسجد وإن لم يتمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة إيماء قلت فالصيام قال إن كان في ذلك الحد فقد وضع الله عنه فإن كانت
له مقدرة وصدقة مد من طعام بدل كل يوم وأحب إلي وإن لم يكن له يسار ذلك فلا شئ عليه. [الخامس] حد المرض الذي يباح معه ترك القيام
بما يعلمه الانسان من نفسه وقد حده شيخنا رحمه الله بعدم المقدرة على المشي مقدار الصلاة. لنا: ما رواه الشيخ رحمه الله في الصحيح عن جميل قال
سألت أبا عبد الله عليه السلام ما حد المرض الذي يصلي صاحبه قاعدا؟ فقال: ان الرجل ليوعك ويخرج ولكنه اعلم بنفسه إذا قوى فليقم وعن عمر بن أذينة
عمن أخبره عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل ما حد المرض الذي يفطر صاحبه والمرض الذي يدع صاحبه فيه الصلاة قائما؟ قال: بل الانسان على نفسه
بصيرة وقال ذاك إليه هو أعلم بنفسه احتج الشيخ بما رواه عن سليمان بن حفص المروزي قال قال الفقيه عليه السلام المريض إنما يصلي قاعدا إذا صار الحال
التي لا يقدر فيها أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما والجواب المعارضة بما ذكرناه ولأنه تحديد للغالب لا للدائم وقد جعله في المبسوط
رواية واختار ما قلناه. [السادس] يستحب للمريض إذا جلس أن يقعد متربعا فإذا أراد الركوع يثني رجليه فإن لم يتمكن جلس كيف
ما أراد. [السابع] يجوز له أن يصلي بالايماء في النوافل وإن يمكن من الاتيان كما للركوع والسجود لان التشديد فيها ليس كالتشديد في
الفرائض. * مسألة: الأسير في أيدي المشركين إذا لم يمكنه الصلاة على وجهها صلى بالايماء لوجود الضرورة ولما رواه الشيخ عن سماعة
قال سألته عن الأسير يأسره المشركون فيحضر الصلاة فيمنعه الذي أسره منها قال يؤمي إيماء وكذا المصلوب بالايماء أما العاري فإنه يجتهد
في ستر عورته قبله ودبره بمهما اتفق من ورق الشجر وغيره فإن لم يتمكن صلى جالسا إن كان معه غيره أو كان في موضع لا يأمن من إطلاع غيره
عليه ولو أمن المطلع صلى قائما ولو كانوا كذلك صلوا جلوسا ويقدم امامهم بركبتيه ويجعل ركوعه وسجوده بالايماء ويكون سجوده أخفض
من ركوعه قال الشيخ ويركع من خلفه ويسجد روى الشيخ في الحسن عن زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب
ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه فقال يصلي إيماء وإن كانت امرأة جعلت يديها على فرجها وإن كان رجلا وضع يده على سوأتيه ثم يجلسان فيؤميان
إيماء ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما تكون صلاتهما إيماء برؤسهما وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة قال يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس. فرع: لو لم يجد العاري إلا حفرة نزل
فيها واستر عن الناس وصلى لان ستر العورة واجب بقدر الامكان وفي النزول قدر من الاستتار مطلوب فيجب ولما رواه الشيخ عن أيوب بن
نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفرة دخلها فيسجد فيها وركع. * مسألة: ولا بأس في
الصلاة في السفينة إذا تمكن استيفاء الأفعال المطلوبة على وجهها لان المطلوب الأفعال والتقدير حصولها وروى الشيخ عن هارون بن حمزة
الغنوي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الصلاة في السفينة فقال إن كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرك فصل قائما وإن كانت
خفيفة تتكفا فصل قاعدا. فروع: [الأول] لو لم يتمكن من الخروج ولم يتمكن من استيفاء الأفعال صلى على حسب حاله ويتحرك وجود
الأفعال على وجهها روى الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يسأله عن الصلاة في السفينة فقال إن استطعتم أن
تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا فإن لم تقدروا فصلوا قياما فإن لم يستطيعوا فصلوا قعودا وتحروا القبلة. [الثاني] إذا لم يتمكن عن استقبال
القبلة استقبل بتكبيرة الاحرام القبلة ثم صلى كيف ما دارت السفينة قال الشيخ وقد روى أنه يصلي إلى صدر السفينة وذلك يختص بالنوافل
والرواية رواها في التهذيب عن سليمان بن خالد قال سألته عن الصلاة في السفينة فقال يصلي قائما فإن لم يستطع القيام فليجلس و
يصلي وهو مستقبل القبلة فإن دارت السفينة فليدر مع القبلة إن قدر على ذلك وإن لم يقدر على ذلك فليثبت على مقامه وليتحر القبلة بجهده
407

وقال يصلي النافلة مستقبل صدر السفينة وهو مستقبل القبلة إذا كبر ثم لا يضر حيث دارت. [الثالث] إذا صلى بالسفينة ولم يجد ما يسجد
عليه سجد على خشبها فإن كان مقيرا وضع ثوبا وسجد عليه فإن لم يكن معه ثوب سجد على القير وقد أجزأه لأجل الضرورة المبيحة لذلك. [الرابع]
لا بأس بالجماعة فيها عملا بعموم الأحاديث الدالة على فضيلة الجماعة ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن شعيب عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: لا بأس بالصلاة في جماعة في السفينة وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن قوم صلوا جماعة
في سفينة أين يقوم الامام وإن كان معهم نساء كيف يصنعون أقياما يصلون أم جلوسا؟ قال: يصلون قياما فإن لم يقدروا على القيام صلوا
جلوسا ويقوم الامام أمامهم والنساء خلفهم وإن ماجت السفينة قعدن النساء وصلى الرجال ولا بأس أن يكون النساء بحيالهم لا يقال معارض ذلك ما رواه
الشيخ عن أبي هاشم الجعفري قال كنت مع أبي الحسن عليه السلام في السفينة فحضرت الصلاة فقلت جعلت فداك يصلي في جماعة قال فقال لا يصلي في
بطن واد جماعة لأنا نقول أنه محمول على الكراهية وعلى حال يتمكن فيها من استيفاء الأفعال على أن طريقها لا يخلو من ضعف. [الخامس]
روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال أصحاب السفن يتمون الصلاة في سفنهم وهذه رواية صحيحة موافقة للمذهب.
[السادس] قال الشيخ إذا تمكن من الخروج والصلاة على الأرض كان أفضل وهو جيد لان استيفاء الأفعال حينئذ يكون (يمكن).
[المقصد الثامن]
في الخلل الواقع في الصلاة وفيه مباحث {الأول} ما يجب من إعادة الصلاة، * مسألة: من
أخل بواجب عمدا بطلت صلاته سواء كان جزءا منها أو شرطا كالطهارة والقبلة وستر العورة أو كيفية كالطمأنينة عالما أو جاهلا لان الاخلال
بالجزء إخلال بالحقيقة المجتمعة من الاجزاء فلا يخرج عن العهدة والاخلال بالشرط يقتضي إبطال المشروط وإلا لم يكن شرطا للاختلاف
بين أفعال الصلاة وكيفياتها في ذلك الجهر والاخفات فإن أخل بالواجب منهما عمدا عالما بطلت صلاته وجاهلا يكون معذورا بلا خلاف
بين الموجبين لها ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه لو أخفى فيما لا ينبغي
الاخفاء فيه فقال إن فعل ذلك متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة وان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه وكذا لو فعل في الصلاة
ما لا يجوز فعله فيها من تروكها السائغة وجب عليه الإعادة على ما سلف. * مسألة: ولو أخل بركن في الصلاة سهوا فإن كان محله باقيا
أتى به بلا خلاف بين أهل العلم لان الاتيان به ممكن على وجه لا يريد ولا إخلالا بنية الصلاة ولما رواه الجمهور عن المغيرة بن سعيد عن النبي
صلى الله عليه وآله قال إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستقم قائما فليجلس فإذا استقام قائما فلا يجلس وسجد سجدتي السهو رواه أبو داود ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمران الحلبي قال قلت الرجل يشك وهو قائم فلا يدري أركع أم لا؟ قال: فليركع فإن تجاوز المحل حتى دخل في ركن آخر بطلت
صلاته كمن أخل بالقيام حتى نوى بالنية حتى يكبر الافتتاح أو بالتكبير حتى يقرأ أو بالركوع حتى سجد أو بالسجود حتى ركع قال بعض الجمهور
إن ذكر في الصلاة أتى به وإن ذكر بعد التسليم أتى به أيضا ما لم يطل الفصل. لنا: قوله عليه السلام: لا يقبل الله صلاة امرء حتى يضع الطهور مواضعه
ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر ويقول شامل للعمد والسهو مما فعله أو لا يكون مقبول ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أيقن الرجل أنه يدرك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين ويركع الركوع استأنف الصلاة وفي
الصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألت عن رجل نسي أن يركع حتى يسجد يقوم قال يستقبل في الصحيح عن إسحاق بن عمار قال سألت
أبا إبراهيم عن الرجل نسي أن يركع فلا يستقبل حتى يضع كل شئ من ذلك موضعه وفي الموثق عن أبي بصير قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن
رجل نسي أن يركع قال عليه الإعادة ولأنه أخل بجزء من الصلاة فلا يكون آتيا بها فبقي في عهدة الامر احتج الجمهور بأنه لو ترك بركعة أو ركعتين
وسلم أتى بالفائت فبالركن أولى والجواب: أن الاخلال في الصورة صلاة الأولى لا يغير هيئة الصلاة إذا فعل بخلاف الصورة الثانية فلم
لا يجوز أن يكون هذا الفرق مبطلا للالحاق. فروع: [الأول] الأركان قد ذكرنا أنها خمسة القيام والنية والتكبير والركوع و
السجدتان وزاد بعض أصحابنا وقد سلف ذلك. [الثاني] لا فرق بين الركعتين والأخيرتين في بطلان الصلاة بإخلال ركن
فيهما خلافا للشيخ فإنه قال لو أخل بالركوع أو بالسجدتين في الأولتين أعاد ويلفق في الأخيرتين من الرباعيات فيحذف السجود وباقي (يأتي) بالركوع و
كذا لو يأتي بالسجود وبعض أصحابنا يلفق مطلقا لا يقيد الزيادة وهو قول للشيخ أيضا. لنا: أنه أخل بركن في الصلاة حتى دخل في آخر فلو أعاد الأول
زاد ركن ولو لم يأت به نقص ركنا وكلا القسمان مبطلان على ما يأتي ولان الزيادة حينئذ لا يكون من الصلاة وهو فعل كثير ويؤيده ما تقدم من
الروايات الدالة على الإعادة مطلقا سواء كان الاخلال من الأولتين أو من الأخيرتين احتج الشيخ بما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في
رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع فإن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة فيهما ويبني على صلاته على التمام وإن لم يستيقن إلا بعد ما فرغ
وانصرف فليقم فليصل ركعة ويسجد سجدتين ولا شئ عليه وفي الصحيح عن العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي ركعة
من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر أنه لم يركع قال يقوم فيركع ويسجد سجدتي السهو والجواب: أنهما غير دالين على مطلوب الشيخ من التخصيص والفرق
408

بين الأولتين والأخيرتين فيما تركه الظاهر عنده وتأويله يفسد لعدم الدليل ومع ذلك فهما معارضتان بما قلناه من الأحاديث وبدليل الاحتياط. [الثالث]
لو ترك ركعة من الرباعيات ولم يدر من أي الرباعيات فعلى ما اخترناه يعيد وعلى مذهب القائلين بالتلفيق مطلقا
يضيف إليها ركعة لأنه بمنزلة من
صلى ثلاثا وعلى قول الشيخ يعيد أيضا لاحتمال أن تكون من الأولتين أما لو تيقن أنها من الأخيرتين فعلى قوله يلفق إليه (إليهما). [الرابع] لو ترك سجدتين من
ركعة واحدة ولم يدر من أي الأربع هي أعاد على قولنا وعلى القائلين بالتلفيق مطلقا يتم له ثلاث ويضيف إليها رابعة وعلى قول الشيخ يعيد
إلا أن يعلم أنها من الأخيرتين فيجعل الرابعة ثالثة ويتم بركعة ويسقط حكم الركوع المتخلل لأنه وقع عن سهو. * مسألة: ولو زاد ركوعا
عمدا أو سهوا أعاد وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد يعيد عمدا لا سهوا بل يسجد له. لنا: أنه بغير هيئة الصلاة المطلوبة وخروج عن ترتيبها المراد
فيبطل معه الصلاة كالعمد ولأنه فعل كثير ليس من أفعال الصلاة ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا
استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعذره واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا وعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل
صلى وذكر أنه ذات سجدة فلا يؤيد الصلاة من سجدة ويؤيدها من ركعة وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل استيقن أنه زاد سجدة
قال لا يؤيد الصلاة من سجدة ويؤيدها من ركعة احتجوا بقوله عليه السلام إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس رواه مسلم ولان النبي صلى الله
عليه وآله صلى الظهر خمسا فلما قيل له سجد للسهو. والجواب عن الأول: أنه لا عموم له فيحمل على الصور التي يجب فيها سجدتا السهو، وعن الثاني: أنه حكاية حال
فلعله عليه السلام لم يتيقن بما قالوه فأحدث شكا والشك في الزيادة غير مبطل وهو موقت للسجود وعلى أن الحق عندنا أن النبي صلى الله عليه وآله
لا يلحقه السهو. * مسألة: ولو زاد سجدتين أعاد لما ذكرناه من أنه تغير للهيئة وكونه فعل كثير أو لأنه ركن زاد في الصلاة فالواجب الإعادة
كالركوع. * مسألة: ولو زاد خامسة فإن لم يجلس عقيب الرابعة بقدر التشهد أعاد وبه قال علماؤنا أجمع وهو مذهب أبي حنيفة و
إن جلس عقيب الرابعة فللشيخ قولان، أحدهما: يعيد واختاره في الخلاف، والثاني: لا يعيد ذكره في التهذيب وقال الشافعي صلى تامة على التقديرين
ويسجد للسهو وبه قال علقمة والحسن وعطا وأبو هريرة والنخعي والليث ومالك وإسحاق وأبو ثور. لنا: على تقدير تلك الجلوس ان الزيادة حينئذ
مغير لهيئة الصلاة فيكون مبطلة ويؤيده ما رواه الشيخ عن زرارة وبكير بن أعين عن جعفر عليه السلام قال إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعذره
استقبل صلاته استقبالا إذا كان يقينا وعن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام من زاد في صلاته فعليه الإعادة وليأتي الثاني ما رواه
أبو سعيد الخدري فيمن سجد سجدتين فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتين رواه أبو داود ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن رجل صلى خمسا فقال إن كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته وعن محمد بن
مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل استيقن بعد أن صلى الظهر انه صلى خمسا قال وكيف استيقن قلت اعلم إن كان علم أنه كان جلس في الرابعة
فصلاته الظهر تامة وليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة والسجدتين فيكونان ركعتين نافلة ولا شئ عليه ولأنه أتى بالأركان فلا يؤثر ترك
بعض الواجبات سهوا والتشهد والتسليم ليسا بركنين فلا يبطل الصلاة بتركهما. فروع: [الأول] هل يضيف إليها ركعة أخرى ويصليها
نفلا فعلى ما تضمنته رواية محمد بن مسلم يضيف ركعة أخرى ويجعلهما نفلا وعندي فيه تردد. [الثاني] لو ذكر الزيادة بعد القيام قبل الركوع
قعد وتشهد وسلم وسجد سجدتي السهو لأنه لم يفت المحل ولو شك بعد الركوع وقبل السجود فعلى ما تضمنته الرواية ينبغي القول بجواز فعلى
السجدتين والآتيان بالأخرى. [الثالث] التشهد المأتي به والتسليم ليسا من الصلاة لأنها تمت محل وفات التشهد والتسليم فيما يأتي به
بعد ذلك يكون من النافلة. * مسألة: ولو سلم ثم تيقن النقيصة كمن سلم في الأوليين من الثلاثيات أو الرباعيات وصلاة ركعة من
الغداة وسلم ساهيا أتى ما نقص وتشهد وسلم وسجد سجدتي السهو إلا أن يفعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا كالحديث والالتفات
إلى ما روائه فإنه يبطل صلاته حينئذ وإن فعل ما يبطل الصلاة عمدا لا سهوا كالكلام ففيه خلاف بين علمائنا فبعضهم أبطل الصلاة وأوجب
الإعادة وبعضهم لم يبطلها والقولان للشيخ والأقرب الثاني لأنه فعل صدر عن سهو فلا يكون مبطلا ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح
عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى ركعة من الغداة ثم انصرف وخرج في حوائجه ثم ذكر أنه صلى ركعة قال فليتم
ما بقي وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سئل عن رجل دخل مع الامام في صلاته وقد سبقه بركعة فلما فرغ الامام خرج مع
الناس ثم ذكر أنه فاتته ركعة قال يعيد ركعة واحدة يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة فإذا حول وجهه فعليه أن يستقبل
الصلاة استقبالا وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة
وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل بعد الركعتين فقال يتم ما بقي من صلاته ولا شئ عليه ونحوه رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وفي
الصحيح عن جميل قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى ركعتين ثم قام قال يستقبل ما لم يبرح من مكانه وهذا كله يدل على وجوب
الإعادة مع الاستدبار وفي الموثق عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي الغداة بركعة ويتشهد ويسلم
409

ويذهب ويجئ ثم يذكر بعد أنه إنما يصلي ركعة قال يضيف إليها ركعة وهذه محمولة على حال عدم الاستقبال. * مسألة: ولو شك في الركوع
وهو قائم ركع لأنه في محله فإن ذكر وهو راكع أنه كان قد ركع فقال ابن أبي عقيل منا وقال (سقط دار) لو أرسل نفسه ولا يرفع رأسه فإن رفع أعاد لأنه زاد
ركوعا والأقرب الأول لان الركوع هو الانحناء وليس رفع الرأس جزاء من المسمى فيصدق عليه أنه زاد ركوعا وزيادة الركوع مبطلة ولو ذكر
بعد رفع رأسه أعاد على القول. * مسألة: ولو شك في عدد الثنائية كالصبح وصلاة السفر والجمعة والكسوف وفي الثلاثية كالمغرب أو
في الأولتين من الرباعيات أعاد ذهب إليه علماؤنا أجمع إلا ابن بابويه فإنه جوز له البناء على الأقل والإعادة وقال الشافعي يبني على الأقل ويأتي
بالتمام وبه قال مالك وإسحاق وأبو نور وأحمد في المتعرو (المنفرد) خاصة وفي الامام عنه روايتان، أحدهما: أنه يبني على الأقل، والثانية: أنه يبني على غالب
ظنه وقال أبو حنيفة إن كان أول ما أصابه أعاد الصلاة وإن تكرر وتحرى وعمل على ما يؤديه الحرية إليه وعن الثوري روايتان، أحدهما: يتحرى
والثانية: يبني على اليقين وقال الحسن البصري سجد سجدتي السهو ويجزيه. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا غرار في
الصلاة يعني التعزير مطلقا فيتناول صورة النزاع ويخرج عنه ما أثبتنا عليه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت
أبا جعفر عليه السلام عن رجل شك في الركعة الأولى قال يستأنف وفي الصحيح عن موسى بن بكير قال سألت الفضيل عن السهو فقال إذا شككت في
الأولتين فأعد ومثله رواه عن عتبة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه السلام وفي الصحيح عن رفاعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل لا يدري
أركعة صلى أم ثنتين قال يعيد وفي الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا سهوت في الأولتين فأعدهما حتى تبينهما وفي الصحيح عن
الفضيل بن عبد الملك قال قال لي إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك وفي الصحيح عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال رجل لا يدري
أواحدة صلى أم اثنتين قال يعيد وأما الذي يدل على وجوب الإعادة في الغداة والمغرب فما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن
حفص بن البختري وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا شككت في الغداة فأعد وعن يونس عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال ليس في المغرب والفجر
سهو وفي الصحيح عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام إذا سهوت في المغرب فأعد الصلاة وأما الذي يدل على الباقي فما تقدم وما رواه الشيخ
في الحسن عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي ولا يدري أواحدة صلى أم اثنتين قال: يستقبل حتى يستيقن أنه قد أتم
وفي الجمعة وفي المغرب وفي الصلاة في السفر وفي (ففي) الصحيح عن العلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يشك في الفجر قال: يعيد قلت المغرب
قال نعم والوتر والجمعة من غير أن أسأله وعن سماعة قال سألته عن السهو في صلاة الغداة قال إذا لم يدر واحدة صلت أم ثنتين فأعد الصلاة
أولها والجمعة أيضا إذا سها فيها الامام فعليه أن يعيد لأنها ركعتان والمغرب إذا سها فيها فلم يدر كم صلى فعليه أن يعيد الصلاة ولان
الذمة مشغولة بيقين وما أتى به تحمل الصحة والبطلان فيكون الاشتغال باقيا وبيان احتمال الدين أنه بتقدير البناء على الأقل يحتمل الزيادة
وبتقدير البناء على الأكثر يحتمل النقصان وكلاهما مبطل احتج ابن بابويه بما رواه الحسين بن أبي العلا في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال
سألته عن الرجل لا يدري أركعتين صلى أم واحدة وقال يتم وما رواه الشيخ عن عبد الله بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرجل لا يدري
أركعة صلى أم ثنتين قال يبني عن الركعة وفي الموثق عن عبد الله بن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يدري أركعتين صلى
أم واحدة فقال يتم بركعة احتج الشافعي بما رواه أبو داود بإسناده عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله إذا شك أحدكم في صلاته فليبلغ
الشك وليبن على اليقين وإذا استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت تماما كانت الركعة نافلة والسجدتان وإن كانت ناقصة كانت الركعة تمام الصلاة
وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان وعن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا شك أحدكم في الثنتين والواحدة فليجعلها واحدة
وإذا شك في الثنتين والثلاث فليجعلها ثنتين وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثا ثم يتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في
الزيادة ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم واحتج الحسن البصري بما رواه أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يأتي الشيطان
أحدكم فثلثين عليه صلاته فلا يدري إذا دام نقص فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس واحتج أبو حنيفة بما رواه ابن مسعود أن
النبي صلى الله عليه وآله قال إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليبن عليه ويسلم ويسجد سجدتين والجواب: عن احتجاج ابن بابويه بضعف سند
أحاديثه فإن ما قلناه أحوط وباحتمال أن يكون الأحاديث التي ذكرناها وردت في النافلة لأنها مطلقة واختيارنا مقيدة بالفرائض فالعمل
به أولى ومن احتجاج الشافعي باحتمال وروده في النافلة وحجة الحسن البصري مجملة وما قلناه مفصل فالعمل عليه وحجة أبي حنيفة ضعيفة لأنها محمولة
على الشك في الاخرتين من الرباعيات وتحرى الصواب هو البناء على الأكثر فإنه مجمل ولاحتماله فلا دلالة عليه. * مسألة: ولو لم يدركم
صلى لعاد وعليه علماؤنا لأنه لا طريق له إلى براءة ذمته المشغولة إلا بذلك ولان ذلك يستلزم الشك في الأولتين وقد بينا وجوب الإعادة
منه ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا شك فلم تدر في ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة
أو أربع فأعد ولا تمض على الشك وعن صفوان عن أبي الحسن عليه السلام قال إن كنت لا تدري كم صليت ولم يبلغ وهمك على شئ فأعد الصلاة لا
410

يقال يعارض ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا يدري كم صلى واحدة أو ثنتين أو ثلاثا قال يبني
على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد خفيفا وعن علي بن حمزة عن رجل صالح قال سألته عن الرجل يشك فلا يدري واحدة صلى أو اثنتين أو
ثلاثا أو أربعا يلتبس عليه صلاته قال كل ذا قال قلت نعم قال فليمض في صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان فإنه يوشك أن يذهب عنه لأنا نقول
أنهما محمولان علي بن بكير سهوه بحيث يعود ويتواسا فإنه لا يلتفت إلى الشك لما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة وأبي بصير قالا قلنا له الرجل يشك
كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه قال يعيد قلت فإنه يكثر عليه ذلك كلما ادعا الشك قال
يمضي في شكه ثم قال لا تعود والخبيث من أنفسكم نقض الصلاة
فتطمعوه فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقص الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك قال زرارة
ثم قال إنما يريد الخبيث أن يطاع فإذا عصى لم يعد إلى أحدكم. * مسألة: ولو كان في الصلاة فلم يدر صلى أم لا فليعد لما تقدم ويؤيده
ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فلا يدري صلى شيئا أم لا قال يستقبل.
* مسألة: لو صلى بغير طهارة أو قبل دخول الوقت أو في ثوب نجس مع تقدم العلم أو في مكان مغصوب أو ثوب مغصوب مع علمه بغصبيتها
أعاد الصلاة وقد تقدم بيان ذلك كله. {البحث الثاني} فيما لا حكم له، * مسألة: من كثر سهوه وتواتر لم يلتفت إليه و
يبني على ما شك فيه بأنه واقع ولا يسجد للسهو لان وجوب تداركه يقتضي الحرج وهو منفي لأنه يقع في ورطة يتعذر معها الصلاة وسجدة
السهو تكليف ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة وأبو بصير قالا قلنا له الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدرى كم صلى ولا ما بقي عليه؟ قال: يعيد قلنا
يكثر عليه ذلك كلما أعاد الشك قال يمضي في شكه ثم قال لا يعود والخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطعموا فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود
فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقض الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك قال زرارة ثم قال إنما يريد الخبيث أن يطاع فإذا
عصي لم يعد إلى أحدكم وعن ابن سنان عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك وفي الصحيح عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن كثر السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك إنما هو من الشيطان. فرع: قال الشيخ رحمه الله أن حد الكثرة أن
يسهو ثلاث مرات قال ابن إدريس حده أن يسهو في شئ واحد أو في فريضة واحدة ثلاث مرات أو يسهو في ثلاث فرائض من الخمس وهذا كله لم
يثبت والتقدير الشرعي مفقود وعادة الشرع في مثل هذا والناس على العادات. * مسألة: ولا حكم للسهو في السهو وعليه فتوى علمائنا
لأنه لو جبره أمكن أن يسهو ثانيا وهكذا فلا يتخلص عن السهو وذلك يقتضي المشقة فيسقط اعتباره في نظر الشرع ولان توصلي (التوصل) إلى
إزالة حكم السهو فلا يكون سببا لثبوته ويؤيده ما رواه الشيخ عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ولا على السهو سهو
ولا على الإعادة إعادة ومعنى قول الفقهاء ولا سهو في السهو أي لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو كمن شك بين الاثنين
والأربع فإنه يصلي ركعتين احتياطا على ما يأتي فلو سهى فيهما ولم يدر صلى واحدة أو ثنتين لم يلتفت إلى ذلك وقيل معناه أن
من سهى فلم يدر هل سهى أم لا لا يعتد به ولا يجب عليه شئ والأول أقرب. * مسألة: ولو شك في شئ بعد انتقاله عنه لم يلتفت و
استمر على فعله سواء كان ركنا أو غير ركن مثل أن يشك في تكبيرة الاحرام وهو في القراءة أو في القراءة وهو في الركوع أو في الركوع
وهو في السجود أو في السجود وقد قام أو في التشهد كل ذلك لا اعتبار بالشك فيه وإلا لزم الحرج المنفي لأن الشك يعرض في أكثر الأوقات
بعد الانتقال فلو كان معتبرا لأدى إلى الحرج ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال كلما شككت
فيه مما قد مضى فامضه كما هو وفي الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة قال يمضي قلت رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر قال يمضي قلت
رجل شك في التكبيرة وقد قرأ قال يمضي قلت شك في القراءة وقد ركع قال يمضي قلت شك في الركوع وقد سجد قال يمضي على صلاته ثم قال يا زرارة
إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشككت فليس بشئ أما لو شك في شئ وهو في محله كمن شك في القراءة وهو قائم أو في الركوع كذلك أو في
السجود وهو جالس فإنه يأتي به لان الاتيان به ممكن من غير اختلال بشئ من هيئات الصلاة والأصل عدم الفعل فيجب عليه الاتيان به
لان الأصالة لعدم الفعل ثابتة في الصورتين فما الفارق لأنا نقول عارضها في الصورة الأولى أصالة كون الانسان لا ينتقل عن شئ إلا بعد
فعل ما سبقه غالبا والشك فيه مع فعله غالبا بخلاف الصورة الثانية ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمران الحلبي قال قلت الرجل يشك
وهو قائم فلا يدري أركع أم لا قال فليركع وعمران ثقة فالظاهر إسناده في ذلك إلى إمام وفي الصحيح عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل شك وهو قائم فلا يدري أركع أم لم يركع؟ قال: يركع ويسجد وقد روى الشيخ عن الفضل بن يسار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
ستقيم قائما فلا أدري ركعت أم لا؟ قال: بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان وتأوله الشيخ بأن القيام المذكور كان في الرابعة
والشك في ركوع الثالثة ويمكن أن يقال أن في الطريق أبان بن عمر وفيه قول. فروع: [الأول] لو شك في السجود وهو في الحال
فسجد ثم ذكر أنه كان سجد لم يعد الصلاة بخلاف الركوع لو ركع ثم شك أنه كان قد ركع أو لا فإنه يعيد والفرق أنه زاد هنا ركنا بخلاف
411

الصورة الأولى ويؤيده ما رواه الشيخ عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن رجل صلى فذكر أنه زاد سجدة؟ قال: لا يعيد صلاته
من سجدة سجدها من ركعة ونحوه روى عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام. [الثاني] لو شك في الركوع وهو قائم أتى
به أما لو ذكر وهو راكع أنه قد كان ركع بطلت صلاته على قولنا خلافا للشيخ والسيد المرتضى وقد سلف. [الثالث] لو شك في السجود
وقد قام قال الشيخ يرجع ويسجد ثم يقوم والأقرب عندي أنه لا يلتفت. لنا: أنه انتقل من حالة إلى أخرى فلا اعتداد بالشك السالف و
يؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن شك في الركوع بعد ما يسجد فليمض وإن شك في السجود
بعد ما كان قام فليمض كل شئ شك فيه مما جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه احتج الشيخ بما رواه في الموثق عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل ينهض من سجود فيشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: سجد وهو غير دال على محل النزاع إذ الانتقال عن الحالة الأولى
لا يتحقق إلا مع الانتصاب والحكم في الرواية معلق على الشك قبل الاستواء. [الرابع] قال رحمه الله لو شك في قراءة الفاتحة وهو في السورة
قرأ الفاتحة وأعاد السورة لان محل القرائتين واحد ويعارض ذلك ما رواه عن بكر بن أبي بكر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني ربما
شككت في السورة فلا أدري قرأتها أم لا فأعيدها قال إن كانت طويلة فلا وإن كانت قصيرة فأعدها وفي سند هذه الرواية توقف
فالأولى ما قاله الشيخ. [الخامس] لو شك في التشهد وهو جالس يتشهد لأنه في حالة التشهد أما لو شك بعد قيامه إلى الثالثة ففي الصحيح
لا يلتفت من الاخبار. * مسألة: ولا سهو في النافلة بل للمصلي الخيار فيها ما أراد لأنها لا يجب بالشروع فيها عينا استصحابا للحال
الأولى وكان الخيار في ذلك إلى المصلى نعم يستحب البناء على الأقل لأنه المتيقن ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما
عليهما السلام قال سألته عن السهو في النافلة فقال ليس عليك شئ ولان إيجاب الاحتياط الذي ما ذكرناه هو بدل مع استحباب الأصل متنافيان.
* مسألة: لو نسي عن تسبيح الركوع حتى قام أو السجود حتى رفع رأسه لم يلتفت ولا يسجد للسهو ذهب إليه أكثر علمائنا وبه قال أكثر الجمهور
وقال آخرون من أصحابنا يسجد للسهو. لنا: أن التسبيحات هيئة للركوع والسجود وقد فات محلها فيفوت لفواته ولان الأصل براءة الذمة
فإيجاب السهو شغل يحتاج إلى دليل ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبد الله القداح عن جعفر عن أبيه عليه السلام أن عليا عليه السلام سئل عن
رجل ركع ولم يسبح ناسيا قال: تمت صلاته وعن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه وسجوده قال لا
بأس بذلك ولو وجب عليه سجود لبينه احتج الموجبون بما رواه الشيخ عن سفيان السمط عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اسجد سجدتي السهو
في كل زيادة يدخل عليك أو نقصان والجواب: بعد تسليم صحة السند أنه عام وما ذكرناه خاص فيكون مقدما. * مسألة: ولو ترك الجهر
أو الاخفات ناسيا لم يلتفت وهو قول علمائنا وبه قال الشافعي والأوزاعي وقال أبو حنيفة إن كان إماما سجد وقال مالك يسجد مطلقا
عن أحمد روايتان. لنا: أن إيجاب السجدتين شغل للذمة بعد سلامتها فيتوقف على الشرع ولأنه هيئة للقراءة فيسقط لفوات محله. احتج
المخالف بما رواه ثوبان عن النبي صلى الله عليه وآله قال لكل سهو سجدتان والجواب: أن إسناده ليس بصحيح. * مسألة: ولو ترك شئ من
الأفعال المندوبة كالتكبيرات الركوع والسجود فلا شئ عليه ولا يسجد له ذهب إليه علماؤنا وأكثر الجمهور ونقل عن الأوزاعي أنه قال يقضي
إذا ذكرها وقال أبو حنيفة لو ترك تكبيرات العيدين خاصة سجد لها. لنا: أنها أفعال مندوبة فقضاها بعد فوات محلها والسجود لها موقوف على
الشرع ولم يثبت احتج أبو حنيفة بأنه لو ذكر كبر في محل واحد فيسجد له كالتشهد والجواب: بنقض ما ذكره بدعاء الاستفتاح. * مسألة: ولا سهو على
المأموم ذكره الشيخ في الخلاف وقال السيد المرتضى في المصباح ليس على المأموم إذا سهى سجدتا السهو وأطبق الجمهور على ذلك إلا مكحول والذي نذهب
إليه فيجب أن المأموم إذا انفرد وكان فيما يبطل الصلاة كسهوه عن النية أو عن تكبيرة الاحرام بطلت صلاته وإن كان فيما يوجب سجدتي السهو سجد
كالكلام ناسيا. لنا: أنه سهو موجب للاحتياط والإعادة فيثبت مسببه كغير المأموم ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول أتموا صفوفكم قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين فقلت سجدتي السهو
قبل التسليم هما أو بعد قال: بعد والظاهر أن القائل مأموم وعن منهال القصاب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أسهو في الصلاة
وأنا خلف الإمام قال فقال إذا سلم فاسجد سجدتين ولا تهب وعن عمار بن موسى الساباطي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل سهى
خلف الامام فلم يفتتح الصلاة قال يعيد الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح احتج المخالف بما رواه عمران الحلبي عن النبي صلى الله عليه وآله قال ليس على ما خلف
الامام سهو الامام كافيه ولأنه معاوية بن الحكم السلمي شك ولم يأمره النبي صلى الله عليه وآله بسجود السهو لأنه كان خلفه مأموما احتج
الشيخ بما رواه حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس على الامام سهو وعلى من خلف المأموم سهو وما رواه محمد بن سهل عن
الرضا عليه السلام الامام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبير الافتتاح وعن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل ينسى و
هو خلف الامام أن يسبح في السجود أو في الركوع أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا فقال ليس عليه شئ وعن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
412

قال سألته عن رجل سهى خلف إمامه بعد ما افتتح الصلاة فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى يسلم فقال جازت صلاته وليس عليه
إذا سهى خلف الامام سجدتا السهو لان الامام ضامن لصلاة من خلفه. والجواب عن الأول: أنه محمول على السهو في العدد والشك فيه
لان الامام كافيه في ذلك لا في أفعال الصلاة كالنية وتكبيرة الاحرام وغيرهما، وعن الثاني: بالمنع من عدم الامر وعن أول أحاديث
الشيخ الطعن في السند فإن حفص بن البختري فيه قول على أن ذلك محمول على السهو في العدد ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن
جعفر عن أخيه قال سألته عن رجل يصلي خلف إمام لا يدري كم صلى هل عليه سهو قال لا وما رواه عن يونس عن رجل عن أبي عبد الله
عليه السلام قال ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه من سهوه باتفاق منهم وليس على من خلف الامام سهو إذا لم ينتبه الامام فإذا
اختلف على الامام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والاخذ بالجزم ومن هذا أمران الأخبار المطلقة في نفي السهو عن الإمام والمأموم
إنما هي مقيدة بحفظ واحد منهم، وعن الثاني: بالحمل على الوهم في العدد والضمان المراد به في القراءة
خاصة لما رواه الشيخ
في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له أيضمن الامام الصلاة قال ليس بضامن وفي الصحيح وعن معاوية بن وهب
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يضمن الامام صلاة الفريضة قال هؤلاء يزعمون أنه يضمن فقال لا يضمن أي شئ إلا أن يصلي
بهم جنبا أو على غير طهر وعن الحسين بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام فقال: إن الامام ضامن
للقراءة وليس يضمن الامام صلاة الذين خلفه وإنما يضمن القراءة، وعن الثالث: بضعف السند مع القول بالموجب فإن هذه الأشياء
المتروكة المنسية لا يستعقب سجودا على ما سلف، وعن الرابع: بضعف السند والمعارضة بالأحاديث الدالة على انتفاء؟ النسيان؟. فروع:
[الأول] لو سهى الامام خاصة أنفرد بمقتضاه من السجود له أو التلافي ولا يجب على المأموم متابعته خلافا لفقهاء الجمهور كافة. لنا:
أن السجود وجب على الامام بمعنى لم يوجد في المأموم فلا يثبت حكمه المقتضي للإعانة احتج المخالف بقوله عليه السلام إنما جعل الامام
المتابعة به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وقوله عليه السلام ليس على من خلف الامام سهو فإن سهى إمامه فعليه وعلى من خلفه و
الجواب عن الأول: أن المراد بذلك السجود والذي في صلب الصلاة بدليل قرينة الركوع، وعن الثاني: أن المراد بذلك إذا اشترك في السهو فإن
الظاهر من قوله فإن سهى إمامه أي إمام من سهى خلف الامام. [الثاني] لو اشترك السهو بين الإمام والمأموم اشترك حكمه فيهم ولا نعلم
فيه خلافا روى الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يدخل مع الامام وقد سبقه الامام بركعة أو أكثر فسهى الامام كيف يصنع
الرجل قال: إذا سلم الامام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه وإذا قام وبنا على صلاته وأتمها وسلم سجد الرجل سجدتي السهو ولان
المقتضى مشترك فيشترك الاقتضاء. [الثالث] لو سهى المأموم خاصة لم يجب على الامام سجود السهو بلا خلاف وهل يجب عليه السجود
فيه خلاف بيناه. [الرابع] لو اشترك السهو فلم يسجد الامام سجد المأموم وبه قال الشافعي ومالك والأوزاعي والليث و
أبو ثور وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى: لا يسجد المأموم وبه قال أبو حنيفة وإبراهيم النخعي وحماد والمزني. لنا: ثبوت المقتضي في
كل واحد منهما غير مشروط بثبوته في حق الآخر والإرادة فيثبت الاقتضاء كذلك ولان نقصان الصلاة ثابت في حقه فإذا لم يجبر الامام
جبره المأموم احتج المخالف بأن المأموم إنما سجد فإذا لم يسجد المأموم لم يوجد المقتضي. والجواب: المنع من التبعية على ما سلف. [الخامس]
المسبوق إذا سهى إمامه فيما سلف لم يتبعه في حكمه لا لعدم المقتضي عنه خلافا لأكثر الجمهور وإن سهى المأموم بعد تسليم الامام فيما بقي عدله
لأنه بالمعارفة (بالمفرقة) خرج عن الاتمام وقد (لم) يثبت المقتضي. [السادس] المأموم إذا أدرك ركعة مع الامام فإنه يتم صلاته ولا يسجد للسهو
عند علمائنا، وهو قول الفقهاء الأربعة وقال ابن عمر وابن الزبير وعطا وطاوس ومجاهد وإسحاق: سجد للسهو. لنا: قوله عليه السلام: وما فاتكم فأتموا
ولم يأمر بسجود ولان المقتضي هو السهو وهو منفي هنا، احتج المخالف بأنه جلس للتشهد في غير موضع التشهد. والجواب: المتابعة في الجلوس لا
يستلزم التشهد. * مسألة: ولا حكم للشك بعد الفراغ من الصلاة بلا خلاف، لأنه شك بعد انتقال فلا التفات ولان اعتباره عسر فيكون
منفيا ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: كلما شككت فيه بعد ما يفرغ من صلاتك فامض ولا
تعد. * مسألة: لو ترك القراءة ناسيا قرأ ما لم يركع فإذا ركع استمر ولا شئ عليه عندنا إلا على قول بعض أصحابنا أن سجود السهو يجب لكل
زيادة ونقيصة وقال الشافعي يبطل صلاته. لنا: قوله عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ولا ينقص بالركوع والسجدتين لأنهما ركن
فلا يصح الصلاة من دونه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام فمن ترك القراءة متعمدا أعاد
الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شئ على وإيجاب السجدتين تخصيص للنفي من غير دليل مناف للتمام احتج المخالف بقوله
عليه السلام لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب والجواب: أن الخطاب يستدعي الاستحضار. * مسألة: وكذا لو نسي الذكر في الركوع والطمأنينة فيه أو رفع الرأس منه أو الطمأنينة في
الانتصاب والسجود على الأعضاء السبعة أو الطمأنينة فيه أو الذكر فيه أو رفع الرأس منه أو للتشهد كل ذلك إذا ذكر في المحل أتى به ولو فات
413

على شئ عليه وقال الشافعي: الطمأنينات أركان في الصلاة تبطل بفواتها. لنا: أن التكليف مع السهو متنافيان ولأنها هيئات الأفعال فيفوت بفواتها
وفي رواية القداح عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن علي عليهما السلام أنه سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا قال تمت صلاته. {البحث الثالث}
فيما يوجب التدارك والاحتياط والجبران، * مسألة: لو سهى عن قراءة الحمد فذكر وهو في السورة رجع فقرأ الحمد ثم قرء السورة
لان المحل باق ولو سهى عن قراءة السورة ثم ذكر قبل أن يركع قرأ السورة وركع أما لو ذكر في الموضعين بعد الركوع فإنه يمضي في صلاته على ما بيناه
ولو سهى عن تسبيح الركوع وهو راكع سبح ولو ذكر بعد الرفع فلا التفات وكذا في تسبيح السجود وروى الشيخ عن سماعة قال سألته عن الرجل نسي
فاتحة الكتاب في صلاته فليقرأها ما دام لم يركع فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات لأنه في محل الاتيان بالواجب ولم يأت به فبقي في العهدة.
* مسألة: لو سهى عن الركوع فذكر وهو قائم أنه لم يركع ركع بلا خلاف لأنه في محل الواجب فيجب فعله ولأنه مع الشك يجب عليه الركوع
على ما بيناه فمع الذكر أولى أما لو ترك سجدة فذكر وهو قائم فإنه يسجد ثم يقوم بغير خلاف لأنه قبل الركوع لم يشرع في ركن آخر فكان محل ذكر
السجود باقيا ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر و
هو قائم أنه لم يسجد قال فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء. فروع: [الأول]
لو ذكر ترك السجود بعد أن ركع استمر في صلاته فإذا سلم قضى السجدة وسجد سجدتي السهو ذهب إليه الشيخ رحمه الله في الخلاف سواء كانت السجدة
في الأوليتين أو في الاخرتين وقال بعض أصحابنا إن كان السهو في الأوليين أعاده لان كل سهو يلحق الأوليين يجب نية الإعادة وقال يرجع
إلى السجود ما لم يسجد في الثانية فإن سجد في الثانية قضا فيما بعد وسجد سجدتي السهو وقال الشافعي: يرجع ما لم يسجد للثانية فإذا سجد للثانية ثم ذكر فإن
السجدة التي سجدها يقع عن الأولى وبطل عمله في الثانية وقال مالك: إن ذكر قبل أن يطمئن راكعا رجع فسجد وإن ذكر بعد الطمأنينة في الركوع
بطلت الأولى وتمم الركعة الثانية وقال أحمد إذا ذكرها بعد القراءة بطلت الأولى وتمم الثانية. لنا: على وجود العود قبل الركوع اتفاق
العلماء ولان القيام ليس ركنا يمنع من العود إلى السجود وكذلك القراءة فبطل قول أحمد أما إذا ركع فإن الاتيان بالسجدة أو التلفيق يغيران هيئة
الصلاة ويقتضيان زيادة ركن فيها وقد بينا البطلان بذلك ويؤيده رواية إسماعيل بن جابر وقد تمت. [الثاني] لو ذكر أنه قد ترك سجدتين
وهو قائم قبل الركوع رجع فسجدهما ثم قام لان محل السجود باق ولهذا صح الرجوع في السجدة الواحدة أما لو ذكر بعد الركوع فإنه يعيد الصلاة
لأنه ترك ركنا وذكر بعد فعل آخر. [الثالث] لا فرق بين أن يقوم عقيب السجدة الأولى ناسيا وبين أن يقوم عقيب الجلسة الفاصلة بين
السجدتين فإنه إن ذكر قبل الركوع رجع فسجد من غير جلوس في البابين وقال بعض الشافعية يجب عليه أن يجلس في الصورة الثانية ثم يسجد. لنا:
أن الأصل براءة الذمة ولان الغرض من الجلوس الفصل وقد حصل بالقيام احتج المخالف بأنها واجبة فليفعل كالسجدة والجواب: وجوب
فعلها تابع لمحلها وقد فات. [الرابع] لو ترك أربع سجدات من أربع ركعات قضاهن بعد الفراغ وسجد للسهو وهو قول علمائنا إلا من يبطل
الصلاة بالسهو العارض في الأوليين وبه قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي والحسن البصري وقال الشافعي إن ترك السجدة خاصة حصل
له ركعة لان الأولى تمت بالثانية والثالثة والرابعة وإن ترك الجلسة معها فإن كان جلس للتشهد الأولى فقد صحت له ركعتان إلا سجدة
لان المتعهد الأولى قام مقام جلسة الفصل للركعة الأولى فوقع السجدة الأولى في الركعة الثالثة تمامها فصحت له ركعة ثالثا وصحت الرابعة
سجدة واحدة فيبني على ذلك وإن لم يجلس للتشهد الأولى صحت له ركعة واحدة إلا سجدة جلس في الرابعة فيسجد أخرى ويتم له ركعة ويبني عليها
وقال مالك يصح الرابعة إلا سجدة ويبطل ما لنا أن يرى كل سجدة غير مبطل للركعة فيصح الجميع الترتيب بينه وبين ما بعده والجواب ترتيب
السجدة على الركوع غير معتبر في النسيان فلا يبطل ما تخللها من أفعال الصلاة ومع قضاء السجدات يكمل صلاته والجلوس غير معتبر مع الفوات
على ما بان. [الخامس] لو ترك سجدة ولم يدر من أي الركعات هي وعلى ما قلناه يقضيها بعد التسليم ويسجد للسهو وعلى قول من أبطل الصلاة
بالسهو العارض في الأوليين مبطل صلاته هنا لأنه لا يؤمن أن يكون من الأوليين ومع الشك يحصل البطلان وقال الشافعي يأتي بركعة
لأنه يحتمل أن يكون الترك من الأخيرة فيأتي سجدة وأن يكون مما قبلها فيأتي بركعة وقد سلف بطلان ذلك وكذا لو ترك السجدتين ولم يدر من
أي الركعتين هي أما لو ترك سجدتين ولم يدر أهما من ركعتين أو من ركعة أعاد الصلاة احتياطا لاحتمال أن يكون من ركعة فيكون قد ترك
ركنا. * مسألة: ولو نسي التشهد فذكر وهو قائم رجع ما لم يركع فيتشهد ثم يقوم ولا سهو عليه وإن ركع مضى في صلاته وقضاه بعد
التسليم وعليه سجدتي السهو وبه قال الحسن البصري وقال الشافعي إن ذكر قبل انتصابه عاد إليه وإن انتصب مضى في صلاته وقال مالك
في رواية ابن المنذر عنه إن فارقت أليتاه الأرض مضى ولا يرجع وقال النخعي: يرجع ما لم يفتتح القراءة وقال أحمد إن ذكر قبل أن يستوي قائما
وجب أن يرجع وإن ذكره بعد القيام قبل القراءة تخير والأولى (الرجوع) يرجع. لنا: أن القيام غير مانع من العود إلى السجود فلا يمنع من العود إلى التشهد
لان محله أقرب من القيام لأنه ترك واجبا وذكر قبل فعل ركن غيره فيجب عليه الاتيان به كما لو لم ينتصب أو لم يفارق أليتاه الأرض أو لم يفتتح
414

بالقراءة ويؤيده ما رواه الشيخ عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عليه السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوليين فقال إن ذكر قبل
أن يركع فليجلس وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى لو فرغ فليسلم ويسجد سجدتي السهو وفي الصحيح عن؟ الحسين ابن العلا؟ قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يصلي الركعتين من المكتوبة لا يجلس بينهما حتى يركع في الثالثة قال فليتم صلاته ثم ليسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل أن يتكلم ومثله رواه في الصحيح عن
ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام احتج المخالف بما رواه المغيرة بن سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا قام أحدكم في الركعتين فليتم
قائما فليجلس فإذا استتم قائما فلا يجلس وسجد سجدتي السهو والجواب: لما تعارضت الأحاديث فك به من الجمع والحديث الذي ذكرناه أولا عن
أهل البيت عليهم السلام مفصل فيحكم حديثكم عليه فيعول معنى قوله فإذا استتم قائما أي بعد الركوع وفيه حصول المطلوب. فروع: [الأول]
لو ذكر قبل الركوع فجلس وتشهد ففي وجوب السجود للسهو خلاف أقربه عدم الوجوب عملا بالأصل ويعضده ما رواه الشيخ في الموثق عن محمد بن
علي الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسهو في الصلاة فنسى التشهد فقال يرجع فيتشهد فقلت أسجد سجدتي السهو فقال لا
ليس في هذا سجدتا السهو وحمله الشيخ على الذكر قبل الركوع وهو حسن أما لو ذكر بعد الركوع فإنه يجب عليه قضاؤه وسجدتي السهو لما تقدم
من الأحاديث. [الثاني] لو نسي التشهد الثاني حتى يسلم قضاه وسجد للسهو. [الثالث] لو أخلى بالتشهد الأخير حتى يسلم وأحدث قال
بعض أصحابنا يعيد الصلاة لان التسليم وقع في غير موضعه وحصل الحدث في الصلاة ليس بجيد لان التسليم
مع السهو وقع في موقعه
ويقضي السهو لما رواه الشيخ عن حكم بن حكيم عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي من صلاته ركعة أو سجدة أو الشئ منها ثم يذكر بعد ذلك
فقال يقضي ذلك بعينه فقلت أيعيد الصلاة قال: لا. [الرابع] لو كان هذا الناسي إماما ونسي المأمومون معه ثم ذكروا حال القيام وجب عليه
ما ذكرناه فلو لم يرجع الإمام وجب على المأمومين الرجوع خلافا للشافعي. لنا: أنه قد ذكر واجبا فلا يصح إمامه (ايتمام) احتج الشافعي بأنه ذكر سنة إلى واجب و
الواجب قد بينا وجوب التشهد فيما مضى ولو ذكر بعد الانتقال إلى حاله لا يجوز الرجوع فيها كالركوع عندنا واستتمام القيام فرجع لم يجز
للمأمومين متابعته لأنه إن كان عامدا بطلت صلاته وكذا إن كان ناسيا. [الخامس] لو ذكر الامام حال وجوب الرجوع وقد انتقل المأمومون
إلى حال الحدث فيها الرجوع وجب على الامام أن يرجع وهل يجب على المأمومين ذلك ويمكن أن يقال بالوجوب إن سبقوا الامام بالركوع
سهوا لان الواجب عليهم المتابعة فركوعهم السابق كعدد أما في العهد لاسهل فيه أقوى وبالجملة فأنا في هذا من المتوقفين. [السادس]
لو ذكر المأمومون قبل الانتقال إلى حال المنع من العود وقد انتقل الامام إليه فالوجه أنه يجب عليه المأمومين الجلوس والتشهد ثم القيام.
* مسألة: لو نسي الصلاة على النبي وآله صلى الله عليهم وذكر بعد التسليم قضاهما لأنه فعل واجب جزء من التشهد فلا يسقط بالتسليم
ويؤيده رواية حكم بن حكيم. فروع: [الأول] لو نسي الصلاة على النبي وآله عليهم السلام في التشهد الأولى وذكر قبل الركوع فالوجه
وجوب العود والجلوس للصلاة وهل يجب إعادة التشهد الوجه أنه لا يجب. [الثاني] لو ذكر بعد الركوع مضى بلا خلاف وهل يجب مع
القضاء سجود السهو فيه تردد أقربه الوجوب. [الثالث] روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله الحلبي قال سألته عن رجل سهى في ركعتين من النافلة
فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة قال يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ويستأنف الصلاة بعد وروى عن الحسن الصيقل عن أبي
عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي الركعتين من الوتر يقوم فنسى التشهد حتى يركع فيذكر وهو راكع قال يجلس من ركوعه فيتشهد ثم
يقوم فيتمم قال قلت أليس قلت في الفريضة إذا ذكر بعد ما يركع مضى ثم يسجد سجدتين من بعد ما ينصرف يتشهد فيهما قال ليس النافلة
مثل الفريضة. * مسألة: لو حصل عدد الأوليين من الرباعيات وشك في الزائد فإن غلب على ظنه أحد الاحتمال يبني عليه سواء كان ذلك مرة أو يكرر
وقال أبو حنيفة إن عرض ذلك أول مرة استأنف الصلاة وإن تكرر يبني على ظنه وقال الشافعي يبني على اليقين. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه قال إذا شك أحدكم في صلاته فليتخير الصواب وليبن عليه ويسجد سجدتين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن
سبابة وأبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا لم يدر ثلاثا صليت أو أربع ووقع وهمك على الثلاث فابن عليه وإن وقع وهمك على الأربع
فسلم وانصرف وإن اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس احتج الشافعي بما رواه أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى
الله عليه وآله إذا شك أحدكم في صلاته فليبلغ الشك وليبن على اليقين أنه غير متناول بصورة النزاع إذ البحث في الظن بوقوع أحد الطرفين
والحديث يتناول الشك. * مسألة: ولو تساوت الاحتمالات بنا على الأكثر فإذا سلم صلى ما شك فيه وقال الشافعي يبني على اليقين
ويطرح الشك وخير بين القولين ابن بابويه من علمائنا. لنا: أن البناء على الأقل فساد لاحتمال زيادة الركعة في الصلاة وهي مبطل عمدا
وسهوا والقول بالإعادة باطل إجماعا فتعين ما صرنا إليه لا يقال يلزمكم النقيصة في الصلاة وهي مبطلة لأنا نقول وقوع التسليم في غير
موضعه سهوا غير مبطل فكذا هنا لاستوائهما ويؤيده ما رواه الشيخ عن عمار بن موسى الساباطي قال قال أبو عبد الله عليه السلام كلما دخل عليك
من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر قال فإذا انصرفت قائم (فأتم) بما ظننت أنك نقصت احتج الشيخ بالحديث أبي سعيد الخدري وقد تقدم واحتج ابن
بابويه بما رواه سهل بن اليسع قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا يدري ثلاثا صلى أم اثنتين قال يبني على النقصان ويأخذ بالجزم و
415

يتشهد بعد انصرافه تشهدا خفيفا كذلك في أول الصلاة وآخرها. والجواب عن الأول: أنه محمول على النوافل، وعن الثاني: أنه محمول على ما إذا غلب
ظنه طرف النقصان. فروع: [الأول] لو تساوت الاحتمالات بين الاثنين والثلاث وأتم الصلاة ثم صلى ركعة من قيام أو ركعتين
من جلوس لان البناء على الأكثر معلوم مما تقدم وما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قلت رجل لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا
قال: إذا دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثم صلى الأخرى ولا شئ عليه ويسلم وأما وجوب الاحتياط بما ذكرناه فلحديث
عمار ولأنه لا يؤمن النقصان فلا بد من الجبران لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن
رجل لم يدر صلى ركعتين أم ثلاثا قال يعيد لأنا نقول يحتمل أن يكون المراد بذلك المغرب ذكره الشيخ في التهذيب ويحتمل أيضا إن لم يكون المراد
إذا لم يكمل الثالثة فيكون في الحقيقة كأنه شك بين الأولة والثانية. [الثاني] لو شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع وسلم ثم صلى
ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس لما تقدم ويؤيده رواية عبد الرحمن بن سبابة وأبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام وما رواه في
الحسن عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن استوى وهمه في الثلاث والأربع سلم وصلى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة
الكتاب وهو جالس يقصر في التشهد وعن جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال فيمن لا يدري أثلاثا صلى أما أربعا ووهمه
في ذلك سواء قال فقال: إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قام وإن شاء صلى ركعتين وأربع سجدات
وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أن اتفاق القائلين بالبناء على الأكثر على التخيير المشتملة عليه ويؤيدها. [الثالث] لو شك بين الاثنين و
الأربع بنى على الأربع وسلم ثم صلى ركعتين من قيام لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى
ركعتين فلا يدري أركعتين هي أو أربع قال يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهد وينصرف وليس عليه شئ وفي الصحيح عن أبي
بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا لم يدر أربعا صليت أو ركعتين فقم وأركع ركعتين ثم سلم فاسجد سجدتين وأنت جالس ثم سلم
بعدهما وفي وجوب السجدتين نظر ويحتمل أن ينزل على ما إذا تكلم لما رواه الشيخ عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
لا يدري ركعتين صلى أم أربعا قال يتشهد ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين وأربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهد ويسلم فإن
كان قد صلى أربعا كانت هاتان نافلة وإن كان قد صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة وإن تكلم فليسجد سجدتي السهو وما رواه
الشيخ في الحسن عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال قلت له سألته من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين قال يركع بركعتين وأربع
سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شئ عليه وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شئ عليه
ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه فلا يعتد بالشك في حال
من الحالات لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألته عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم أربعا قال يعيد الصلاة لأنا
نقول أنه محمول على الشك في صلاة الغداة والمغرب وذكره الشيخ وهو حسن لندرته ومنافاته لما ثبت في الأخبار المتقدمة ولان محمدا
لم يسنده إلى إمام ويحتمل وقوع الشك قبل إكمال الاثنتين. [الرابع] لو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع بنى على الأربع وسلم ثم
قام فصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس فإن كان قد صلى ركعتين كانت الركعتان من قيام تمام الصلاة والركعتان من جلوس
نافلة وإن كان قد صلى ثلاثا انعكس الحال وإن كان قد صلى أربعا كان أكمل نافلة روى ذلك الشيخ في الحسن عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابه
عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل صلى فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا قال يقوم فيصلي ركعتين من قيام ويسلم ثم يصلي ركعتين من جلوس ويسلم
فإن كان قد صلى أربعا كانت الركعتان نافلة وإلا تمت الأربع وقد تعرض الاشتباه ها هنا لبعض الفقهاء في وجوب النافلة وليس
ها هنا نافلة واجبة بل النافلة في نفس الامر واجبة عندنا والاستحالة فيه كالصلاة المشتبهة الفائتة. [الخامس] لو شك بين الاثنين
والثلاث وهو قائم كأنه يقول قيامي لا أدري الثانية هو أم الثالثة بطلت صلاته لأنه في الحقيقة شك بين الواحدة والاثنتين لان
التثنية في الحقيقة إنما ثبت بعد إكمال الأول ولو قال لا أدري قيامي هذا الثالثة أم الرابعة فهو في الحقيقة بين الاثنين والثلاث يتمم تلك الركعة
ويصلي الرابعة ثم يفعل ما فعل الشاك بين الاثنين والثلاث ولو قال لا أدري قيامي هذا الرابعة أو الخامسة فهو في الحقيقة شك بين الثلاث
والأربع يجلس ويتشهد ويسلم ثم يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس وكذا الحكم لو شك بعد انتصابه من الركوع كأن يقول لا أدري
انتصابي هذا من ركوع الثانية أو الثالثة وعلى هذا إلا في الأخيرة فإنه يحتمل أن يكون انتصابه من الرابعة فيجب عليه الاتمام بسجدتين و
التسليم ويحتمل أن يكون من الخامسة فالأولى ها هنا الاستيناف لأنه لو أمرناه بالاتمام احتمل أن يكون قد صلى خمسا وباقي (يأتي) ما بيناه أولا من
البناء على الأكثر وإن أمرنا بالجلوس والتشهد والتسليم لم يأمن أن يكون قد صلى ثلاثا ونقص السجدتين فلهذا أوجبنا عليه الإعادة
قال الشيخ في الخلاف ولو شك بين الأربع والخمس وهو قائم قعد ويبنى على الأربع وسلم وليس بجيد. [السادس] يجزي قراءة الفاتحة
416

في الاحتياط لأنها معروضة لا يكون بدلا فلا يزيد حكمها على حكم المبدل ولرواية محمد بن مسلم وهل يتعين الفاتحة أو يكون مخيرا بينها وبين التسبيح
قيل بالأول لأنها صلاة تعين فيها الفاتحة وقيل بالثاني لأنها أما نافلة فلا الفاتحة أو ثالثة أو رابعة فلا يتعين أيضا والأول أقرب ولا فرق
في ذلك بين الركعة من قيام أو ركعتين من جلوس. [السابع] لو فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط قيل بطلت الصلاة وسقط الاحتياط
لاحتمال أن يكون تماما والحدث منه مانع وقيل لا يبطل لأنه بدل لا يجب مساواته في كل حكم بمبدله. * مسألة: ولو تكلم في الصلاة
عمدا بطلت صلاته وقد تقدم ولو تكلم سهوا لم يبطل ويسجد للسهو وعليه علماؤنا أجمع خلافا لأبي حنيفة. لنا: قوله عليه السلام رفع عن
أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولان الجمهور رووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سلم في الأولتين ساهيا وتكلم مع ذي
اليدين ولم يعد ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألته عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل
يتكلم ناسيا في الصلاة يقول أقيموا صفوفكم قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين فقلت سجدتي السهو قبل التسليم بهما أو بعد قال بعد احتج
أبو حنيفة أنها صلاة ليس فيها شئ من كلام الناس ولان ما أوجب البطلان أوجبه سهو كالحدث والجواب عن الأول: أنه دال على
أنه ليس في الصلاة شئ من كلام الناس لا على البطلان وقياسه باطل لان الصلاة بطلت هناك لبطلان الطهارة التي هي شرط
بخلاف صورة النزاع لان النهي عن الكلام متحقق في العمد لا السهو لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في
الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شئ عليه وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في
رجل صلى ركعتين من المكتوبة وهو يرى أنه أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل عن ركعتين فقال يتم ما بقي
من صلاته ولا شئ
عليه لأنا نقول المراد ها هنا أنه لا شئ عليه من الاثم لا مع نفي السجود مسلم (فسلم) ولو سلم في غير موضعه كالأوليين من الرباعيات والثلاثة
والأولة من سهو أتم صلاته وسجد للسهو وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ثلاثا رواه أبو هريرة أن النبي
صلى الله عليه وآله انصرف من اثنتين فقال ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال أصدق ذو اليدين فقال الناس نعم
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى اثنتين أخرتين ثم سلم ثم كبر ثم سجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع ومن طريق الخاصة ما تقدم
في حديث زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام وعن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام رجل صلى ثلاث ركعات وظن أنها أربع ركعات
فسلم ثم ذكر أنها ثلاث قال بنى على صلاته ويصلي ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو. * مسألة: ولو شك بين الأربع والخمس
وهو جالس سلم وسجد سجدتي السهو قاله الشيخ في النهاية والمفيد وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وقال في الخلاف ولا يجب عليه السجود
بل أوجب الإعادة. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدري قال إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر خمسا صلى أو أربعا فليطرح الشك وليبن
على اليقين ثم يسجد سجدتين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت لا تدري أربعا
صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما وهذا نص في الباب ولان الشك بين الأربع والخمس لا يبطل الصلاة
إذ هو شك بعد الفراغ ولا يوجب تلافيا لحصول اليقين بتمام العدد فيجزي سجدتي السهو. * مسألة: ولو قعد في حال قيام أو قام في حال
قعود ساهيا قال الشيخ لا يسجد إذا تلافاه وقال السيد المرتضى يسجد سجدتي السهو وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والأقرب الأول. لنا: الأصل
براءة الذمة ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتشهد في الصلاة فينسى التشهد فقال:
يرجع فيتشهد فقلت اسجد سجدتي السهو؟ فقال: لا ليس (في) هذا سجدتا السهو وهذا في صورة النزاع وفي الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتي السهو احتج السيد المرتضى بما رواه عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن السهو
ما يجب فيه سجدتا السهو قال إذا أردت أن تقعد فقمت أو أردت أن تقوم فقعدت أو أردت أن تقرأ فسبحت أو أردت أن تسبح فقرأت فعليك سجدتا السهو وليس في شئ مما يتم به الصلاة سهو والجواب: الطعن في السند واحتجاج الشافعي
بقوله عليه السلام لكل سهو سجدتان مخصوص فيمنع تناوله محل النزاع. * مسألة: وقد اتفق علماؤنا على إيجاب سجدتي السهو فيمن سهى
عن السجدة وذلك بعد الركوع ومن تكلم ناسيا ومن سلمه في غير موضعه وذهب السيد المرتضى وابن بابويه وأبو الصلاح وسلار إلى إيجاب
السجدتين فيمن قام في حال قعوده أو بالعكس وذهب الشيخ في النهاية إلى أن من شك بين الأربع والخمس يسجد أيضا وهو قول السيد المرتضى
وابن أبي عقيل قال الشيخ في الخلاف لا يجب سجدتي السهو إلا في أربعة مواضع من تكلم ناسيا أو سلم في غير موضعه أو نسي السجدة
أو تشهد حتى ركع ولا يجب فيما عدا ذلك زيادة كان أو نقصانا متحققة أو متوهمة وعلى كل حال وابن بابويه أوجب السجود لكل زيادة أو نقصان
ولم يعتمد على هذا القول الشيخ عملا ببراءة الذمة والصائرون إليه استدلوا بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة فتشهد فيهما تشهدا خفيفا
وقد مضى البحث في ذلك كله. * مسألة: ولو سهى في النافلة بما يوجب السجدتين في الفريضة لم يجب عليه السجود وهو قول ابن سيرين. لنا:
417

أن الأصل مندوب فالبدل غير واجب وكذا الجواب وباقي الجمهور على خلاف ذلك مستدلين بقوله عليه السلام إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين والجواب:
أنه مخصوص ومعارض بما قلناه من طريق الأصحاب من قولهم عليهم السلام لا يسهو في النافلة. فرع: لو قام إلى الثالثة في النافلة فركع
ساهيا أسقط الركوع وجلس وتشهد وقال مالك يتمها أربعا ويسجد للسهو. لنا: أن القيام في الثالثة غير معتد به لأنه خارج عن الصلاة
فلا يمنع من المعاودة كما لو لم يركع أو قام عن سجدة واحدة ولم يركع ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله الحلبي قال سألته عن رجل
سهى في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع الثالثة قال يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ويستأنف الصلاة بعد. * مسألة:
ولا سجود للسهو في صلاة الجنازة لأنها ليست ذات سجود فجبرانها أولى بالعدم ولا في السجود للتلاوة ولا في سجود السهو كأنه (لأنه) لو شرع ذلك
لزم أن يكون الجبران زائدا على الأصل في الأولى والتسلسل في الثاني ويعضده قولهم عليهم السلام لا سهو في سهو ولا نعلم في هذا الاحكام
خلافا. * مسألة: ويجب في سجود السهو النية لأنه طاعة وعبادة وكل عبادة بنية ولأنه فعل يفعل على وجوه فلا يتخصص بدون النية
ويجب فيه السجدتان على أعضاء السبعة لان المعهود من السجود في الشرع ذلك فيصرف إليه عند الاطلاق ويجب فيه التشهد
ذهب إليه علمائنا أجمع وبه قال ابن مسعود والنخعي وقتادة والحكم والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي وقال أنس والحسن
وعطا ليس فيه تشهد وبه قال ابن سيرين. لنا: ما رواه الجمهور عن عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وآله نسي فسجد سجدتين ثم تشهد
ثم سلم رواه أبو داود والترمدي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام يتشهد فيهما تشهدا خفيفا
ولأنه سجود يشتمل على التسليم فيجب فيه التشهد كسجود الصلاة احتج المخالف بحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله سجد سجدتين ثم
سلم والجواب: لا يدل على ترك التشهد على أنه عليه السلام لم يفعله لا يقال قد روى الشيخ عن عمار الساباطي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال ولا فيهما
تشهد بعد السجدتين لأنا نقول المراد بذلك التشهد البالغ بل الواجب التشهد الخفيفة قال الشيخ على أن سند هذه الرواية ضعيف فلا يعارض
الرواية الصحيحة ويجب فيه التسليم ذهب إليه علماؤنا أجمع وأكثر الجمهور خلافا لأنس والحسن البصري وعطا. لنا: حديث ابن مسعود وابن الحصين
وقد تقدما ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا
فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما. * مسألة: قال الشيخ إذا أراد أن يسجد للسهو كبر فإن أراد الشيخ بذلك الوجوب فهو في
موضع المنع وإن أراد الاستحباب فهو مسلم وقال أكثر الجمهور بالوجوب. لنا: الأصل براءة الذمة ويؤيده ما رواه الشيخ عن عمار بن موسى
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح فقال لا إنما هما سجدتان فقط وأما الاستحباب فلانه ذكر لله تعالى
ولأنه سجود فاستحب فيه التكبير كسجود الصلاة احتج المخالف بما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال ثم كبر وسجد والجواب هذا الحديث عندنا
باطل لاستحالة السهو عن النبي صلى الله عليه وآله ومع تسليمه فغير دال على الوجوب إذ هو عليه السلام كما كان يأتي بالأفعال الواجبة فكذا كان
يأتي بالمندوبة. * مسألة: ويقول فيهما بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته أو بسم الله وبالله اللهم صلى على محمد وآل
محمد وقال الشافعي وأبو حنيفة يسبح فيهما كما يسبح في سجدات الصلوات احتج أصحابنا بما رواه الشيخ عن عبد الله الحلبي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول في سجدتي السهو بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد قال سمعت مرة أخرى يقول فيها بسم الله وبالله والسلام عليك أيها النبي و
رحمة الله وبركاته وبعض متأخري أصحابنا قال إن هذه الرواية منافية للمذهب لاشتمالها على سهو الامام وليس كذلك لاحتمال أن يكون مراد
الحلبي أن الصادق عليه السلام أخبر بأن يقال في السجود كذا لأنه سجد للسهو احتج المخالف بأنه سجود مشروع فأشبه سجود الصلاة والجواب أنه قياس من
غير جامع والفرق أن سجود الصلاة جزء وسجود السهو جبران خارج فلا يتساويان. فرع: هذا الذي (الذكر) هل هو واجب أم لا الأقرب أنه مستحب
عملا بالأصل المعتضد برواية عمار قال سألت الصادق عليه السلام عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير وتسبيح قال لا إنما هما سجدتان فقط. فرع:
قال الشيخ في الخلاف هما واجبان وشرط في الصلاة وبه قال مالك وقال الكرخي أنهما واجبتان وليستا شرطا وكونهما شرطا عندي فتوقف. * مسألة:
والسجود للسهو بعد التسليم والفراغ من الصلاة سواء كان لزيادة أو نقصان وهو قول أكثر علمائنا وبه قال علي عليه السلام وابن مسعود وعمار
وسعد بن أبي وقاص والنخعي وابن أبي ليلى وأبو حنيفة والثوري وقال بعض أصحابه إن كان السجود لنقصان فقبل التسليم وإن كان لزيادة
فبعده وبه قال مالك والمزني وإسحاق وأبو ثور وأحمد في إحدى الروايات وقال بعض أصحابنا أنهما قبل التسليم مطلقا وبه قال أبو هريرة وأبو سعيد
الخدري وسعيد بن المسيب وربيعة والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن جعفر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله من سهى في صلاة فليسجد سجدتين بعد ما يسلم رواه أبو داود وعن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
لكل سهو سجدتان بعد التسليم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له سجدتي
السهو قبل التسليم أم بعد قال بعد وفي الموثق عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام عن علي عليه السلام قال سجدتا السهو
418

بعد التسليم وقبل الكلام وأنهما ليستا من الصلاة إجماعا فزيادتهما يستدعي زيادة ركن وهو مبطل لما تقدم ولأنه يغير هيئة الصلاة فإن السجود
يتبع التشهد في شئ من صورة الصلاة احتج المفصلون من أصحابنا بما رواه الشيخ في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري قال قال الرضا عليه السلام في سجدتي
السهو إذا نقصت قبل التسليم وإذا زدت بعده احتج مالك بأن النبي صلى الله عليه وآله سجد للنقصان في الصلاة وللزيادة بعدها واحتج الآخرون
من أصحابنا لما رواه الشيخ عن أبي الجارود قال قلت لأبي جعفر عليه السلام متى أسجد للسهو قال قبل التسليم فإنك إذا سلمت فقد ذهبت حرمة صلاتك واحتج الشافعي
بما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سجد قبل التسليم ثم سلم وعن الزهري قال كان آخر الامرين سجود قبل التسليم والجواب عن الأول: أنه نادر
مع ما نقلناه فالترجيح لذكره (لما ذكرناه) ويحتمل أن يكون ذلك خرج مخرج التقية قاله الشيخ وقول مالك باطل لاستحالة السهو على النبي صلى الله عليه وآله
وعن حديث أبي الجارود ضعيف عندنا ويحتمل أن يكون للتقية ذكره الشيخ وخبر الشافعي لا حجة فيه لاحتمال أن يكون الإشارة بالسجود قبل التسليم
أي تسليم سجدتي السهو والزهري اعتبره (لا اعتباره) بقوله لأنه ليس بصحابي. * مسألة: ولو نسي سجدتي السهو سجدهما متى ذكر سواء تكلم أو لم يتكلم وسواء
ذكر بعد مدة طويلة أو قصيرة وسواء خرج من المسجد أو لم يخرج وبه قال الشافعي في القديم والأوزاعي وقال في الجديد ما لم يبطل الفصل وقال أبو
حنيفة ما لم يتكلم وقال مالك إن كان لزيادة سجدهما ولو بعد شهر وإن كان لنقصان فإن ذكرهما قريبا أتى بهما وإن تطاول أعاد الصلاة
وقال ابن شبرمة إذا خرج من المسجد أعاد الصلاة وقال الحسن البصري وابن سيرين إذا صرف وجهه عن القبلة لم يسجد وقال أحمد إن لم يطل الفصل
أتى وإن طال لم يأت. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سجد بعد التسليم والكلام رواه مسلم وعن ابن مسعود أن النبي
صلى الله عليه وآله صلى الظهر خمسا ثم أقبل علينا بوجهه فقيل أخذت في صلاة شئ فقال وما ذلك فقالوا صليت خمسا فثنى رجليه واستقبل القبلة
فسجد بهم سجدتين ولأنه مأمور بالسجود بقوله عليه السلام لكل سهو سجدات فيبقى في العهدة حتى يأتي به ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل ينسى سجدتي السهو قال يسجدهما متى ذكر ولأنه جبران يفعل لنقصان عبادة فلا يبطل بتطاول الفصل كجبران
الحج. * مسألة: ولا يتداخل سجود السهو لو تعدد السبب سواء اختلف أو اتفق وقال أكثر الجمهور بتداخل مطلقا وقال الأوزاعي إن
تجانس السبب تداخل وإلا فلا. لنا: إن كل واحد من الأسباب بإنفراده سبب ومع الانضمام لا يخرج المالية عن حقيقتها فلا يخرج عن الاقتضاء
لأنها على خلاف الأصل وأيضا ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لكل سهو سجدات رواه أبو داود احتجوا بأن النبي صلى
الله عليه وآله سهى فسلم في غير موضعه وتكلم ثم أتم وسجد سجدتين والجواب: هذا الحديث عندنا باطل لاستحالة السهو على الأنبياء وبيانه في
علم الكلام ويعضده ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام هل سجد رسول الله صلى الله عليه وآله سجدتي السهو
قط فقال لا ولا سجدهما تقية. * مسألة: ولا يسجد لشئ من الأفعال إذا تركه عمدا لأنه اما واجب فيبطل الصلاة أو مندوب فلا سهو فيه
وقال الشافعي يسجد لترك التشهد والقنوت عمدا لان ما تعلق الجبران بسهوه تعلق بعمده كالحج وهو مباشرة من غير جامع فلا يدفع ما قلنا
ولان هذا السجود مضاف إلى السهو فيختص به كسجود التلاوة. * مسألة: إذا حصل ركعة ثم صلى إمام فضم صلاته إلى صلاته ففي الجواز نظر
والتفريع عليه إذا سهى المأموم فيما انفرد به ثم سهى إمامه فيما تبعه فيه فلما فارق الامام فهل يكفيه سجدتان أم لا يبني على القول بالتداخل وعلى
أن المأموم يأتي بالجبران وقد مضى البحث فيهما ولو كان هذا السابق صلاته أطول من صلاة الامام كالمقيم إذا صلى خلف المسافر فسهى أولا
منفردا ثم سهى مع الامام ثم سهى ثالثا فإنه يسجد ست سجدات على ما بيناه من التخريج وقيل (تفريعا) سريعا على التخريج ست سجدات لان السهو هنا جنسان
في الأولة والآخرة انفراد وسهو الامام والوجه الأول أما على القول بالتداخل أو على أن المأموم لا اعتبار بسهوه وإن سهى الامام
في الواجب فسجدتان لا غير. فروع: [الأول] لو قلنا بأن السجود قبل التسليم لو سجد للسهو ثم سهى فقام قبل أن يسلم ثم ذكر
فجلس فهل يعيد سجود السهو أم لا فإذا قلنا بعدم التداخل أنه يجب الإعادة قطعا وأما مع القول بالتداخل فالوجه أنه يعيده أيضا لان
سجدة السهو يجبر ما قبله لا ما بعده فيحتاج إلى السجود لسهوه بعده. [الثاني] لا سجود في حديث النفس بلا خلاف بين العلماء وإلا لزم الحرج
لعدم انفكاك صلاته فيه. [الثالث] لو سهى في صلاة الجمعة فسجد للسهو فيما بنى على القول بالجواز فدخل وقت العصر أتم بأجمعه
وسلم وقال الشافعي يجعلها ظهرا أربعا ويعيد السجدتين في آخر صلاته لأنها حصلت في وسط الصلاة ونحن قد بينا أن مع خروج
الوقت والتلبس بركعة يتمها جمعة لا ظهرا. [الرابع] المسافر إذا سهى فسجد قبل التسليم بناء على الجواز فنوى الإقامة أو دخلت السفينة
بلدا قامته أتمها أربعا ولا يعيد السجود لأنه واجب قد أتى به وقال الشافعي يعيد لأنها حصلت في وسط الصلاة والجواب التأخير إلى
قبل التسليم. [الخامس] يجوز للرجل تعداد الركعات بأصابعه أو بشئ يكون معه من الحصا والنوى لأنه أمر مطلوب لا يتم إلا بذلك
فكان سائغا ويؤيده ما رواه الشيخ عن حبيب الخثعمي قال شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام كثرة السهو في الصلاة فقال احص صلاتك
بالحصا أو قال احفظها بالحصا. [المقصد التاسع] في القضاء، * مسألة: لا يجب القضاء على من فاته الصلاة وهو طفل
419

لم يبلغ؟ الحالم؟ أو مجنون بلا خلاف بين علماء الاسلام وكذا الاجماع واقع على عدم وجوب القضاء لمن فاته الصلاة وهو كافرا صلى قال رسول الله
صلى الله عليه وآله رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وقال عليه السلام يجب ما قبله وقال تعالى: قل للذين كفروا أن ينتهوا تعفر لهم ما
قد سلف) ولان جماعة من الكفار أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يأمرهم بالقضاء ولان إيجاب القضاء يوجب الشعر وهو غير مراد
للشارع واختلف العلماء في أن الكافر هل هو مخالف بالعبادات الفرعية أم لا مع الاتفاق على عدم وجوب قضائها إذا كانت حالة الكفر
وقد مضى البحث في ذلك. فرع: لو أسلم في دار الحرب وترك صلاة كثيرة أو صياما لا يعلم وجوبهما عليه وجب عليه القضاء قال الشافعي
وأحمد وقال أبو حنيفة لا يجب. لنا: أنها عبادة تلزمه مع العلم فيلزمه مع الجهل كما لو كان في دار الاسلام ولأنه مخاطب بالصلاة. * مسألة:
ولا يجب الصلاة على الصبي حتى يبلغ وقال أحمد في إحدى الروايتين يجب إذا بلغ عشرا لنا: قوله عليه السلام رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ولأنه
غير مكلف بغير الصلاة فلا يكون مكلفا بها ثم يستحب أمره بالصلاة حينئذ وقيل ذلك روى الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن
أبيه عليه السلام قال إنا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا سبع سنين أما رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في صبياننا متى يصلى فقال
إذا عقل الصلاة قلت متى يعقل الصلاة ويجب عليه فقال ست سنين ورواية معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام في كم توجه
الصبي بالصلاة فقال فيما هو سبع سنين وست سنين فإنهما وإن كانتا صحيحي السند فإن المقصود بالوجوب هنا شدة الاستحباب و
إلزام الولي الصبي بالصلاة تمرينا وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.
* مسألة: ويجب قضاء الفائتة من الفرائض اليومية على كل ما من
فاته بالغا عاقلا متمكنا من الطهور وبغير خلاف بين أهل العلم لقوله عليه السلام من فاتته صلاة فريضة فليقضها إذ أذكره وكذا يجب عليه
قضاؤها لو فاتت نسيانا أو لنوم بلا خلاف قال عليه السلام من قام (نام) عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكره فذلك وقتها وروى الشيخ في الصحيح
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه سأل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها قال يقضها إذا ذكرها في أي ساعة
ذكرها من ليل أو نهار. * مسألة: ولا يجب قضاء ما فات بالاغماء المستوعب لوقت الصلاة إلا أن يدركه الطهارة وصلاة ركعة و
به قال مالك والشافعي إلا أنهما قالا لو أفاق في جزء من وقتها قضاه وقال أحمد يجب عليه القضاء مطلقا وقال
أبو حنيفة إن أغمي عليه
خمس صلوات قضاها وإن زادت سقط فرض القضاء في الكل. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وآله
عن الرجل يغمى عليه فترك الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه فيفيق في وقتها فيصليها ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار قال سألت عن المغمى عليه يوما وأكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا فكتب لا يقضي الصوم
ولا يقضي الصلاة ومثله رواية عن علي بن محمد بن سليمان عن أبي الحسن العسكري عليه السلام ورواه في الصحيح أيضا عن أيوب بن نوح عن أبي الحسن الثالث
عليه السلام وفي الصحيح عن إبراهيم الخراز عن أبي أيوب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أغمي عليه أياما لم يصل ثم أفاق أيصلي ما فاته قال لا شئ
عليه وعن معمر بن عمر قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن المريض يقضي الصلاة إذا أغمي عليه فقال: لا ولان التكليف منوط بالعقل وهو زائل بالاغماء
فيكون ساقطا والقضاء تابع ولأنها صلاة سقط وجوبها أداء فيسقط قضاها كالصبي والمجنون أما الصلاة التي يفيق فيها فإنه يجب عليه
قضاؤها لان الشرط وهو العقل قد حصل ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن المريض يغمى
عليه ثم يفيق كيف يقضي صلاته قال يقضي الصلاة التي أدرك وقتها وفي الصحيح عن عبد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن المريض
هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه قال لا إلا الصلاة التي أفاق فيها وعن حفص عن أبي عبد الله عليه السلام قال يقضي الصلاة التي أفاق فيها احتج أحمد بما روي
عن عمار أغمي عليه ثلاثة أيام لا يصلي ثم استفاق بعد ثلاث فقال هل صليت فقالوا ما صليت منذ ثلاث فقال اعطوني ماء فتوضأ ثم صلى
تلك الليلة احتج أبو حنيفة بأن عليا عليه السلام أغمي عليه يوم وليلة فقضى وعمر أغمي عليه أكثر من يوم وليلة فلم يقض ولان ما زاد على يوم وليلة
يدخل في حد التكرار الذي هو حد الكثرة فيكون قضاؤه عشرا. والجواب عن الأول: أنه فعل صحابي ليس بحجة ويحتمل أن يكون فعله استحبابا
وهو الجواب عن فعل علي عليه السلام وقد روت الأصحاب أيضا ذلك وحمله الشيخ على الاستحباب وروى في الموثق عن زرعة عن سماعة قال سألت
عن المريض يغمى عليه قال إذا جاز ثلاث أيام فليس عليه قضاء وإذا أغمي عليه ثلاثة أيام فعليه قضاء الصلاة فيهن وعن حفص قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن المغمى عليه قال فقال يقضي صلاة يوم وفي الموثق عن فضيل قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يغمى عليه يوما
إلى الليل ثم يفيق قال إن أفاق قبل غروب الشمس فعليه قضاء يومه هذا فإن أغمي عليه أياما ذوات عدد فليس عليه أن يقضي إلا آخر أيامه إن أفاق
قبل غروب الشمس وإلا فليس عليه قضاء وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل شئ تركت من صلاتك لمرض أو أغمي عليك
فيه فاقضه إذا أفقت وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل يغمى عليه ثم يفيق قال يقضي ما فاته يؤذن للأولى
ويقيم في البقية وعن منصور بن حازم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام في المغمى عليه قال: يقضي كل ما فاته وفي الصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام
420

قال سألته عن المغمى عليه شهرا ما يقضي من الصلاة قال يقضها كلها ان أمر الصلاة شديد والوجه في هذه الأحاديث كلها والحمل على الاستحباب
جمعا بينها وبين ما تقدم اختلاف التوقيف دليل على عدم الوجوب. * مسألة: ويقضي السكران كلما فاتته وإن كان غائبا بالسكر ولا
نعلم فيه خلافا لان سبب زوال العقل منه فلا يسقط الفرض ولان النوم يجب معه القضاء وهو مباح فمع السكر المحرم أولى وكذا البحث فيمن
شرب دواء مرقدا وإن تطاول الزمان الاغماء به أما إذا أكل غداء مؤديا مال إلى الاغماء فإنه لا يقضي. * مسألة: ويقضي المرتد كلما فاته
زمان ردته ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وقال أبو حنيفة ومالك لا يقضي وهو رواية الأخرى لأحمد. لنا:
أنه مخاطب بها وقد فاتت فيدخل تحت عموم قوله عليه السلام من فاتته صلاة فليقضها إذا أدركها ولأنها عبادة وجبت عليه بعد اعتقاد وجوبها
عليه فيجب عليه قضاؤها مع الفوات كالمسلم ولأنه مكلف بالصلاة قادر على سببها فيجب قضاؤها مع الفوات كالمحدث ولانا نأمره بأدائها
زمان ردته فنأمره بقضاء حال الاسلام احتج المخالف بقوله عليه السلام الاسلام يجب ما قبله ولأنها عبادة تركها في حال كفره فلا يجب
قضاؤها كالأصل. والجواب عن الأول: أنه مخصوص بالحقوق المالية فكذا ما نحن فيه بسبيله، وعن الثاني: بالفرق فإن الأصل لم يؤيد وجوب
الصلاة عليه ولا المسامحة في حقه بعد إسلامه أليق من المرتد ومع الفرق يبطل الالحاق. فروع: [الأول] لا يقضي المرتد ما فعله
زمان إسلامه لأنه فعل ما وجب عليه وفيه شروطه فيخرج عن العهدة وقال الشافعي يقضي لقوله تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك والجواب أن
ذلك مشروطة بالموافات. [الثاني] لو ترك شيئا زمان إسلامه وجب عليه قضاؤه خلافا لأحمد. لنا: أنه مكلف معتقد وجوب الصلاة عليه
فلا يسقط بالكفر المعتقب كالمسلم واحتج بقوله عليه السلام الاسلام يجب ما قبله والجواب ما تقدم. [الثالث] لا يقضي المرتد ما فاته زمان
إغمائه أو جنونه حال الارتداد وقال الشافعي يقضي. لنا: أنه حينئذ غير مكلف فلا قضاء عليه احتج بأن الشرك سبب الارتداد فيسقط اعتبار
الاغماء والجواب: أن القضاء يجب فيما يجب أوله ولا وجوب مع الجنون والاغماء أما لو سكر أو شرب مرقدا فإنه يجب عليه قضاءها فإنه فيها كالمسلم
* مسألة: ولا يقضي الحائض ولا النفساء الصلاة إجماعا وقد سلف ومن فقد المطهر المائي والترابي حتى خرج وقت الصلاة ففي سقوط
القضاء عنه خلاف بين علمائنا قال الشيخ والسيد المرتضى يسقط القضاء وقال المفيد يقضي والأقرب الأول لأنها صلاة مشروطة
بالطهارة فلا يصح بدونها وسقوط أدائها يستلزم سقوط قضائها. * مسألة: الحواضر مرتبة كالظهر على العصر والعصر على المغرب والمغرب
على العشاء بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك لان النبي صلى الله عليه وآله رتب وقال: " صلوا كما رأيتموني أصلي " وما ثبت بالنقل عن أهل
البيت عليهم السلام إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذه وإذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه
قبل هذه. * مسألة: ويرتب الفوائت بعضها على بعض كالحواضر ذهب إليه علماؤنا وبه قال أحمد وأبو حنيفة يرتب ما لم يدخل في التكرار
وقال الشافعي لا يرتب. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه فاتته أربع صلوات فقضاهن مرتبات وقال: " صلوا كما رأيتموني
أصلي " فيجب متابعته ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء
وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة ولأنها فاتت مرتبة فيجب قضاؤها
كذلك لقوله عليه السلام من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته احتج الشافعي بالقياس على رمضان والجواب: أنه خال عن الجامع ومعارض للنص
فلا يسمع والفرق موجود لان ترتب الفرائض أحرمها ويرتب أيام رمضان ليحصل منافية لا لنفي يختص برتب الامام وفرق أبي حنيفة بين
ما يدخل في التكرار وما لا يدخل فيه لا وجه له. * مسألة: اختلف علماؤنا في تقديم الفائتة على الحاضرة إذا كان الوقت واسعا فقال الشيخان
والسيد المرتضى وأتباعهم بوجوب التقديم سواء تعددت الفائتة أو اتحدت ما لم يتضيق الحاضرة وقال أبو جعفر بن بابويه الأولى تقديم الحاضرة
والأقرب عندي تقديم الفائتة سواء تعددت أو اتحدت وسواء كانت فوائت يوم أو أكثر استحبابا لا وجوبا وبه قال الشافعي وبالأول قال أبو حنيفة
ومالك وأحمد. لنا: قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) وهذا الامر يتناول من عليه القضاء فيدخل تحت حكمه من التوسعة وما
رواه الجمهور عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها وهو في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي فوقها فإذا
فرغ منها صلى التي نسي لا يقال هذا يختص بمن ذكر وهو في الحاضرة أما من يصل شئ من الحاضرة فلا يتناوله هذا الحديث لأنا نقول كل من
قال بالترتيب قال بالعدول كما هو مذهب أكثر أصحابنا أو بإتمام الحاضرة ثم صلاة الفائتة ثم إعادة الحاضرة كما هو مذهب أحمد فالقول بالاتمام
ثم صلاة الفائتة خاصة لم يقل به إلا نحن ونحن لا نقول بالترتيب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال إن نام رجل ونسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كليهما فليصلهما وإن خاف أن يفوته أحدهما
فيبدأ بالعشاء وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس ومثله رواه في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام وعن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يفوته المغرب حتى يحضر العتمة فقال إن حضرت العتمة وذكر أن
421

عليه أن صلاة المغرب فإن أحب أن يبدأ بالمغرب بدء وإن أحب بدأ بالعتمة ثم صلى المغرب بعده وعن إسماعيل بن همام عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال في الرجل
يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر أنه يبدأ بالعصر ثم يصلي الظهر وعن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له يفوت الرجل
الأولى والعصر والمغرب وذكر عند العشاء الآخرة قال يبدأ بالوقت الذي هو فيه فإنه لا يأمن الموت ويكون قد ترك صلاة فريضة في وقت
قد دخلت ثم يقضي ما فاته الأول فالأول ولان الوجوب مشترك بين الحاضرة والفوائت فتقدم إحديهما إلى الأخرى يحتاج إلى دليل ولان
الأصل عدم وجوب الترتيب احتج المخالف بقوله عليه السلام من فاتته صلاة فوقها حتى يذكرها وقوله عليه السلام من نام عن صلاة أو نسيها
فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن رجل صلى
بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها فقال يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار فإذا دخل وقت الصلاة
ولم يتم ما قد فاته فليقض ما يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت وهذه أحق بوقتها فليقضها فإذا قضاها فليصل ما قد
فاته مما قد مضى ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة ولأنه مأمور بها والامر على التضيق فيقدم على الموسع ولأنها مترتبة وترتب على الحاضرة
وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى
في وقت فابدأ بالتي فاتتك فإن الله عز وجل يقول أقم الصلاة لذكري وإن كنت تعلم أنك إذا دخلت التي فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت
في وقتها وقم للأخرى والجواب عن الأحاديث أنها أخبار فإن عورضت بمثلها فسلم استدلالنا بعموم القرآن فدليل الأصل وأيضا فهي غير دال على صورة
النزاع إذ البحث في وجوب الترتيب وأخبارهم دالة على وجوب قضاء الفائتة ما لم يتضيق الحاضرة ونحن نقول به لكنه لا يدل على الترتيب وسقوط
وجوب الحاضرة وجواب قولهم الامر على التضيق المنع من ذلك على ما تحقق في الأصول من أن الامر المطلق لا يتقيد بقيدي الفور والتراخي إلا
بخارج ولو قلنا أن الامر هنا للتضيق لزم الحرج العظيم وهو عدم التشاغل بشئ من الأشياء إلا بالفوائت إلا الأمور الضرورية وأن لا يأكل الانسان
إلا قدر الضرورة ولا يسعى إلا في تحصيل الرزق الضروري لذلك اليوم وذلك منفي بالاجماع على أنه قد ورد اجتناب القضاء في أوقات الكراهية
روى الشيخ عن الحسين بن زياد الصيقل قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي الأولى حتى صلى ركعتين من العصر قال فليجعلها الأولى وليستأنف
العصر قلت فإنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثم ذكر قال فليتم صلاته ثم ليقض بعد المغرب قال قلت له جعلت فداك قلت حتى نسي
الظهر ثم ذكر وهو في العصر يجعلها الأولى ثم يستأنف وقلت بهذا يتم صلاته بعد المغرب
فقال ليس هذا مثل هذا إن العصر ليس بعدها صلاة
والعشاء بعدها صلاة وفي الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته
إحدى الصلاتين فليصل المغرب و
يدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصلها ولو وجب القضاء على التضيق لما جاز ذلك وإن احتجوا بقوله عليه السلام لا صلاة
لمن عليه صلاة فالجواب بعد التسليم النقل أنه خرج عن حقيقته ولأنه لا بد من إضمار فبقي مجازا من جهتين. فروع [الأول] ترتيب الفوائت
على الحواضر وإن لم يكن واجبا على ما بيناه لكنه مستحب لما تقدم من الأحاديث. [الثاني] لو قلنا بوجوب الترتيب اشترطنا الذكر فلو
صلى الحاضرة ناسيا ثم ذكر الفائتة بعد الفراغ صحت صلاته واشتغل بقضاء الفائتة خلافا لبعض الجمهور. لنا: أنه ناس فلا يكون مؤخذا.
[الثالث] لو دخل في صلاة فذكر ان عليه فائتة عدل بنية ما دام العدول ممكنا استحبابا على ما قلناه وجوبا على ما اختاره الشيخ روى
الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى
ثم صلى العصر فإنما هي أربع مكان أربع وإن ذكرت أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الأولى ثم صل الركعتين
الباقيتين وقم فصل العصر وإن كنت قد ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب وإن
كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر وإن كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر (ثم قم فأتمها ركعتين) ثم تسلم ثم تصلي المغرب وإن كنت
قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم ثم صل المغرب وإن كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء
الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل
العشاء الآخرة وإن كنت قد ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة وأذان أقم وإن كانت المغرب و
العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثم العشاء الحديث ولا نعلم خلافا بين أصحابنا في جواز العدول. [الرابع]
لو ذكر بعد فوات وقت التدارك أتم صلاته ثم اشتغل بالقضاء كما لو ذكر المغرب وهو في رابعة العشاء فإن العدول هنا غير ممكن وكذا لو ذكر
بعد الفراغ من الحاضرة فأما ما تضمنه حديث زرارة من أنه لو ذكر الظهر بعد الفراغ من العصر فإنه يجب التي صلاها الظهر ثم يصلي
العصر فإن المراد بذلك ما إذا قارب الفراغ ولو قبل التسليم ذكره الشيخ في الخلاف وهو حسن. [الخامس] لو صلى فائتة قضاء فذكر أن
422

عليه أخرى سابقة عدل أيضا ما دام العدول ممكنا لان الترتيب واجب في الفوات على ما بيناه. [السادس] لو فاته ظهر وعصر من يومين قضا
الفائت أولا وإن كان عصرا ولو نسي السابق ففي سقوط الترتيب نظر من حيث أن الترتيب واجب مع الذكر للسابق أما مع النسيان فهو تكليف
بغير المقدور ويمكن أن يقال بوجوبه لأنه يمكن الاتيان به بأن يصلي الظهر ثم العصر ثم الظهر ولو فاتته الظهر والعصر والمغرب من أيام
ونسي الترتيب فها هنا يحتمل أن يكون كل واحد من الثلاث أولا ووسطا وأخيرا وعلى كل تقدير يحتمل أن يكون ما يقضيها إحدى الباقيتين فيصلي الظهر ثم العصر ثم الظهر ثم المغرب ثم الظهر ثم العصر ثم الظهر و
كذا البحث لو فاتته صلوات سفر وحضر وجهل المتقدم فإن قلنا بوجوب الترتيب قضا الرباعيات من كل يوم مرتين تماما وقصرا.
[السابع] لو صلى نافلة فذكر أن عليه فريضة أبطلها واشتغل بالفريضة ولا يجوز العدول هنا لان الصلاة افتتحت على النفل وقال عليه السلام
الصلاة على ما افتتحت عليه ونية الفرض شرط. * مسألة: ولو نسي صلاة من يوم ولم يعلمها بعينها قال الشيخان والسيد المرتضى يصلي
ثلاثا وأربعا واثنين ينوي بالثلاث المغرب وبالاثنين الصبح وبالأربع ما في ذمته أما ظهرا أو عصرا أو عشاء وقال أبو الصلاح
يقضي صلاة يوم بأجمعه وهو قول أكثر الجمهور والأقرب الأول. لنا: أن الواجب صلاة واحدة فلا يشغل الذمة بغيرها إلا إنا أوجبنا
عليه الثلاث باختلافها فاحتاط بالاتيان بالمختلف ليحصل براءة الذمة والتعيين في النية ليس شرطا مع النسيان فلا يجب الزائد ويؤيده
ما رواه الشيخ عن علي بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال من نسي صلاة من صلاة يومية واحدة ولم يدر
أي صلاة هي صلى ركعتين وثلاثا وأربعا واحتج أبو الصلاح بأن الذمة قد اشتغلت بيقين وإنما يحصل البراءة اليقينية بأداء خمس والواجب
المنع من ذلك بل يحصل بالثلاث لأنه في كل صلاة لا يتقين أنها الفائتة في ذمته فإذا صلى الأربع ونوى ما في ذمته انصرف إلى الفائتة
قطعا فكان متبريا بيقين. فروع: [الأول] لو نسي صلاة كثيرة لم يعلم عددها فإن علم تعينها صلى من تلك الصلوات إلى أن يغلب
على ظنه الوفاء لاشتغال ذمته بالفائت ولا تبرء ذمته إلا لذلك. [الثاني] لو فاته صلوات لا يعلم عددها ولا تعينها صلى أيام كثيرة
حتى يغلب على الظن الوفاء. [الثالث] لوفاته صلاة واحدة من يوم ولا يعلم عددها ولا عينها صلى ثلاثا وأربعا واثنتين حتى يغلب على
ظنه الوفاء. * مسألة: يستحب قضاء نوافل المرتبة مع الفوات وعليه فتوى علمائنا لأنها صلاة مؤقتة لم تفعل في وقتها فيشرع فيها القضاء
كالواجبة ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن يحيى بن خبيث قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام تكون علي الصلاة النافلة متى أقضيها فكتب
أي ساعة شئت من ليل أو نهار. فروع: [الأول] لوفاته نوافل كثيرة لا يعلمها صلى إلى أن يغلب على الظن الوفاء كالواجب روى
الشيخ عن إبراهيم بن عبد الله بن سام قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته كيف يصنع قال
فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها فيكون قد قضى بقدر ما عليه من ذلك ثم قال (قلت له لا يقدر على القضاء من شغله قال) إذا كان شغله في طلب معيشة لا بد
منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شئ عليه وإن كان شغله للدنيا والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضا وإلا لقى الله مستخفا ومتهاونا مضيعا لسنة
رسول الله صلى الله عليه وآله قلت فإنه لا يقدر على القضاء فهل يصلح (يجزء) أن يتصدق فسكت مليا ثم قال
نعم ليتصدق بصدقة قلت وما يتصدق
قال بقدر قوته فأدنى ذلك مد لكل مسكين مكان كل صلاة قلت وكم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين فقال لكل ركعتين من
صلاة الليل مد ولكل ركعتين من صلاة النهار مد فقلت لا يقدر فقال إذن مد لكل أربع ركعات من صلاة النهار وأربع ركعات من صلاة الليل فقلت لا يقدر فقال إذن مد لصلاة الليل ومد لصلاة النهار والصلاة
أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل. [الثاني] لو فاتت النافلة بالمرض لم يتأكد استحباب القضاء لأنها فاتت لعذر من قبل الله تعالى فيفارق الفوات بقدر (بعذر) العبد
ويؤيده ما رواه الشيخ عن مرازم قال سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليه السلام فقال أصلحك الله إن علي نوافل كثيرة فكيف أصنع فقال:
أقضها فقال له انها أكثر من ذلك فقال اقضها قال لا أحصيها قال نوح قال مرازم وكنت مرضت أربعة أشهر لم أتنفل فيها فقلت جعلت
فداك إني مرضت أربع أشهر لم أصل نافلة فقال ليس عليك قضاء إن المريض ليس كالصحيح كلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر فيه. [الثالث]
يجوز للرجل أن يقضي أوتارا جماعة في ليلة واحدة روى الشيخ في الصحيح عن عيسى بن عبد الله القمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان أبو جعفر
عليه السلام يقضي عشرين وترا في ليلة وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا اجتمع عليك وتران وثلاثة وأكثر من ذلك
فاقض ذلك كما فاتك تفصل بين كل وترين بصلاة الحديث. * مسألة: ولا يجب القضاء أكثر من مرة واحدة بغير خلاف بين علماء
الاسلام لان القضاء تابع لوجوب الأداء والأصل واحد وكذا البدل ولقوله عليه السلام من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها
لم يزد على ذلك ولأنه عليه السلام لم يقض أكثر من مرة واحدة عليما نقله الجمهور وروى عمران بن حصين حين ناموا عن صلاة الفجر فقلنا يا
رسول الله ألا نصلي هذه الصلاة لوقتها قال لا لا نهاكم الله عن الرياء ويقبل منكم. * مسألة: ويجب قضاء الفائت كما هو فلو فاته الصلاة
في الحضر فسافر قضى أربعا بلا خلاف بين العلماء وإن فاتته سفرا قضى في الحضر ركعتين لا غير وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام وبه قال
مالك والثوري وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه وقال في الأخرى يصليها أربعا وبه قال أصحاب الظاهر. لنا: أن القضاء إنما
423

هو لما فات والفائت ركعتان ولان فرض المسافر القصر وكما لا يجب الأداء تماما فكذا القضاء ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة قال
قلت له رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحسن فقال يقضي ما فاتته كما فات إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها وإن كانت
صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو
في السفر فأخر الصلاة حتى قدم فهو يريد يصليها إذا قدم إلى أهله فينسى حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها قال يصليها ركعتين صلاة المسافر لان الوقت
دخل وهو مسافر كان ينبغي له أن يصلي عند ذلك وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو
مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص من نسي أربعا فليقض أربعا حين تذكرها مسافرا كان أو مقيما وإن نسي ركعتين صلى
ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما ولأنها فاتت في إحدى الحالتين فيقضي كما فاتت كالحالة الأخرى احتج الشافعي بأن القصر رخصة
في السفر فيختص به ولأنها وجب في الحضر وقوله عليه السلام فليقضها إذا ذكرها. والجواب عن الأول: أنه وإن كان رخصة لكنه وجب على ما
بيناه ولان القضاء يدل والأصل مساواته للمبدل وقد ثبت الترخص في الأصل فيثبت في التابع، وعن الثاني: أن الامر بالصلاة إنما هو
للفائت التي هي ركعتان لان الوجوب هنا ليس ابتداء بالاجماع بل قضاء القضاء تابع. فروع: [الأول] لو فاته سفرا فذكر ما فيه
قضاها قصرا عندنا بلا خلاف لما مر وقول أهل الظاهر والشافعي في أحد القولين وقال في الآخر يتم لان صلاة السفر مقصورة من
أربع إلى ركعتين فكان من شرطها الوقت كالجمعة وهو غلط لان اشتراط ما لا يشترطه الشارع تحكم والشارع إنما شرط في التقصير المسافة
وكون السفر مباحا أما الوقت فلا والقياس على الجمعة غير صحيح لان الجمعة لا يقضى ويشترط فيه الخطبتان والعدد والاستيطان فجاز اشتراط
الوقت فيها بخلاف القصر. [الثاني] لا فرق بين أن يدركها في ذلك السفر بعد نية خروج وقتها أو في سفر آخر وتخلل بينهما حضر في
قضاها قصرا سواء ذكرها في الحضر المتخلل أو لا خلافا لبعض الجمهور فإنه أوجب التمام في السفر الثاني لأنه ذكرها في الحضر فوجبت أربعا
فإذا سافر قضاها أربعا والجواب: الأصل فساد وقد تقدم. [الثالث] لو سافر وقد بقي من الوقت ما يصلي فيه فلم يفعل حتى خرج
الوقت فهل يخرج يقصر أم لا فيه وجهان يبتنيان على وجوب الاتمام في حقه أو التقصير وكذا البحث فيما لو حضر وقد تخلف من الوقت مما يمكنه
الأداء فلم يفعل حتى خرج وقد مضى البحث في ذلك. [الرابع] يستحب الأذان والإقامة للقضاء كما يستحب للأداء وقوله عليه السلام ليقضها كما فاتته
وروى الشيخ عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سأل عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة قال نعم أما لو كثرت فإنه يجزي
بالأذان والإقامة في أول ورده والإقامة لكل صلاة طلبا للتخفيف ويؤيده رواية زرارة عن الباقر عليه السلام وأبدأ بأولهن فأذن لها و
أقم ثم صلها ثم ما بعدها بإقامة إقامة لكل الصلاة. [الخامس] لو فاتته الصلاة جهرية فالوجه أنه يجب عليه قضاؤها كذلك سواء قضاها
نهارا أو ليلا وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور وقال الشافعي إن ذكرها بالنهار لا يجهر وإن ذكرها بالليل جهر وقال الأوزاعي إن ذكرها
نهارا لم يجهر وإن ذكرها ليلا يجهر. لنا: أنها فاتت جهرا فتقضى كذلك لان القضاء تابع احتج الشافعي بأن الجهر للوقت فيفوت بفواته والجواب:
المنع من كون الجهر للوقت ولأنه لو جاز ذلك لجاز أن يقال الصلاة للوقت وقد فات ولا تقضي أما لو فاتته صلاة إخفاتية فإنه لا يجهر فيها
قولا واحدا لان القضاء لا يزيد على حكم الأداء ويمكن أن يعارض الشافعي ها هنا فيقال لو كان الجهر لأجل الوقت لوجب عنها الجهر إذا
فعلت ليلا. * مسألة: من ترك الصلاة مستحلا قتل بلا خلاف لأنه جحد ما يعلم من الدين ضرورة فيكون مرتدا أما لو تركها جهلا بوجوبها
فإن كان مما يتصور الجهل في حقه بأن يكون قريب العهد بالاسلام أو نشأ في بادية لم يسمع تفاصيل التكاليف فإنه لا يجب قتله ويؤمن
بها ولو تركها تهاونا وتكاسلا أمر بالصلاة وجوبا لقوله عليه السلام لتأمرن بالمعروف فإن قبل وتاب فلا يجب وإن استمر على الترك عزر أول
مرة فإن تاب وإلا عزر ثانيا وإلا عزر ثالثا فإن تاب وإلا قتل ذكره الشيخ في المبسوط وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يستمر حتى يصلي. لنا: قوله تعالى:
(فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) دل على مفهومه عليه لمن لم يقم بالصلاة وروى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله
قال من ترك الصلاة فقد برئت منه الذمة وعنه عليه السلام نهيت عن قتل المصلين دلت بمفهومه على إباحة قتل من لم يصل ومن طريق الخاصة
ما نقله الشيخ عن أهل البيت عليهم السلام أن أهل الكبائر يقتلون في الرابعة ولأنها ركن من أركان الاسلام لا يدخلها النيابة ولا بنفس مال
فيقتل تاركها كالشهادتين احتج أبو حنيفة بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله إذا قال لا يحل دم أمر مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا
بعد إحصان أو قتل نفس ولأنه لو شرع القتل لكان للمزجر عن ترك الصلاة ولا يجوز شرع زاجر يحقق المزجور عنه والقتل يمنع فعل الصلاة
دائما فلا يكون مشروعا والجواب عن الأول: أنه مخصوص بما قلناه من الأحاديث وعن الثاني أن من علم أنه يقتل لو ترك الصلاة
فإنه لو (لا) تركها خصوصا مع التوبة ثلاثة أيام وأيضا فوات صلاة هذا مع تحصيل صلاة غيره أولى من فوات الجميع. فروع: [الأول]
من ترك الصلاة مستحلا فهو كافر إجماعا لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين وينتقل ماله إلى ورثته المسلمين فإن
424

لم يكن له وارث مسلم انتقل إلى الامام. [الثاني] لو تركها معتقدا لوجوبها لم يكفر وإن استحل القتل بعد ترك ثلاثة صلوات والتعزير
فيهن وليغسل ويكفن ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين وينتقل ماله إلى من قتله إلى ورثة المسلمين وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة
وأحمد في إحدى الروايتين وقال في الأخرى يقتل لا حدا بل لكفره. لنا: أنه مسلم بالأصالة مقر بوجوب الصلاة فلا يخرج عن إسلامه بقتله كالزاني
وما رواه الجمهور عن حذيفة أنه قال يأتي على الناس زمانا لا يبقى معهم من الاسلام إلا قول لا إله إلا الله فقيل له وما تنفعهم قال ينجيهم
من النار لا أنالك وعن النبي صلى الله عليه وآله ان الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله ينبغي بذلك وجه الله وعن عبد الله بن صامت
عن النبي صلى الله عليه وآله قال خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة فمن جاء بهن لم يضع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له
عند الله أجر أن يدخل الجنة ولم يأت بهن وليس له عند الله أجر إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة وذلك لا يصح إلا في الكافر وقد روى
هذا الحديث ابن بابويه أيضا وروى عن الصادق عليه السلام أنه قال من قبل الله له صلاة واحدة لم يعذبه احتج أحمد بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال بين العبد والكفر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر والجواب: المراد بذلك أن حكمه حكم الكافر كما روي عنه عليه السلام أنه قال: قتال المسلم كفر.
[الثالث] لا يقتل عندنا أول أمره ولا إذا ترك الصلاة ولم يعزر وإنما يجب القتل إذا تركها مرة فعزر ثم تركها ثانية فعزر ثم تركها ثالثة
فعزر وإذا تركها رابعة فإنه يقتل وإن تاب وقال بعض الجمهور يقتل بأول مرة. لنا: أنه مسلم معصوم الدم فلا يتهجم على قتله إلا بيقين وما
أجمعنا عليه متيقن. [الرابع] لو ترك شرطا من شروطها مجمعا عليه مستحلا فهو كافر كما لو ترك الوضوء أو الركوع أو السجود وإن كان لا مستحلا
لحكمه ما تقدم أما لو ترك ما اختلف في اشتراطه فإنه لا يقتل بذلك ولو اعتقد تحريمه فكذلك ويلزمه إعادة الصلاة.
[المقصد العاشر]
في الجنائز وفيه مباحث {الأول} في المقدمات، * مسألة: يستحب الانسان الاكثار من ذكر الموت والاستعداد
له لان فيه إيقاظا ومنعنا للنفس عن الشهوات والاقبال بالكلية إلى الآخرة روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: أكثر من ذكر
دم اللذات فما ذكر في كثير إلا قلله ولا في قليل إلا كثره وقال الصادق عليه السلام: من عد غدا من أجله فقد أساء صحبه الموت وقال رسول الله صلى
الله عليه وآله في آخر خطبة خطبها: من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه ثم قال: وإن السنة لكثير ومن تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه،
ثم قال: وإن الشهر لكثير ومن تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه، ثم قال: وإن يوما لكثير ومن تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه، ثم قال: وإن
الساعة لكثير ومن تاب وقد بلغت نفسه هذه وأومى بيده إلى حلقه تاب الله عليه ويستحب للمريض الصبر والدعاء بطلب العافية وإن لا يشكو المرض
على أحد إلا مع الحاجة كالطبيب روى الزيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال أمر الناس بخصلتين فضيعوهما فصاروا منهما على غير شئ
الصبر والكتمان وروى يعقوب بن يزيد بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: عودوا مرضاكم وسلوهم الدعاء فإنه يعدل دعاء الملائكة ومن مرض
ليلة فقبلها بقبولها كتب الله له عبادة ستين سنة قلت ما معنى قبولها؟ قال: لا يشكو ما أصابه فيها إلى أحد وعن معمر بن خالد عن أبي الحسن عليه السلام
قال رأى علي بن الحسين عليهما السلام رجلا يطوف بالكعبة وهو يقول اللهم إني أسألك الصبر، فقال: يا هذا أتدري ما تقول إنما تسأل ربك البلاء
قل اللهم إني أسألك العافية وشكر العافية والاشتكاء هو أن يقال ابتليت بما لم يبتل به أحدا وأصابني ما لم يصب أحد فاما أن يقول حميت
البارحة مثلا فلا ويكره له أن يتمنى الموت لضر ما نزل به فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله: لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل وليقل اللهم
أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وينبغي للمريض أن يحصل (يحسن) ظنه بالله
تعالى روى جابر قال قال رسول الله صلى الله
عليه وآله قبل موته: لا يموتن أحدكم إلا وهو حسن الظن بالله. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن يزيد بن معاوية العجلي عن أبي
جعفر عليه السلام قال وحدثنا في كتاب علي بن أبي طالب عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال وهو على منبره والله الذي لا إله إلا هو ما أعطي
مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ورجائه له وحسن خلقه والكف عن اغتياب المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو لا يعذب
الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله عز وجل ويقصره من رجاءه لله وسوء خلقه واغتيابه للمؤمنين والله الذي لا إله إلا
هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان لله عز وجل عند ظن عبده المؤمن لان الله كريم بيده الخير ان يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن
به الظن ثم يخلف ظنه ورجائه له فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه. * مسألة: ويستحب عيادة المريض بالاجماع روى الجمهور عن البراء قال
أمرنا النبي صلى الله عليه وآله باتباع الجنائز وعيادة المريض وعن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ما من رجل يعود مريضا مساء
إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه قال قال أمير المؤمنين عليه السلام ضمنت ستة
الجنة رجل خرج بصدقة فمات فله الجنة، ورجل خرج يعود مريضا فمات فله الجنة، ورجل خرج مجاهدا في سبيل الله فمات فله الجنة، ورجل
خرج حاجا فمات فله الجنة، ورجل خرج إلى الجمعة فمات فله الجنة، ورجل خرج في جنازة مسلم فمات فله الجنة وعن الباقر عليه السلام قال:
كان فيما ناجى به موسى بن عمران ربه أن قال يا رب ما يبلغ من عيادة المريض من الاجر فقال الله تعالى أوكل به ملكا يعوده في قبره إلى يوم محشره ويستحب
425

له أن يدعو للمريض روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إذا دخلتم على المريض فيشفعوا له في الاجل فإنه لا يرد من قضاء الله شيئا وأنه يطلب
نفس المريض ويستحب للمريض أن يأذن للعايدين فربما كان فيهم من هو مستجاب الدعوة ولا عيادة في وجع العين ويستحب تخفيف العيادة
وتعجيل القيام إلا أن يكون المريض يحب الإطالة ويكره عيادة أهل الذمة لمنافاتهم للدين ولأنه أمرنا بإهانتهم بالمعروف ويجب على المريض
الوصية إن لم يكن فعلها أولا لقوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على
المتقين). * مسألة: ويستحب أن يتولى أحوال المريض أرفق أهله به وأشفقهم عليه لتذكرة أمر ربه والندم على المعصية ويلقنه
قول لا إله إلا الله ويكررها عليه إذا تكلم بغيرها ليكون ذلك آخر كلامه فقد روى عن معاذ بن جبل أنه لما حضرته الوفاة فقال اجلسوني
فأجلسوه قال كلمة سمعتها رسول الله صلى الله عليه وآله كنت أخفاها ولولا ما حضرني من الموت ما أخبرتكم بها سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول من كان آخر قوله عند الموت أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الا هدمت ما كان قبلها من الخطايا
والذنوب فلقنوها موتاكم فقيل يا رسول الله كيف هي للاحياء قال هي أهدم وأهدم ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وقال الباقر عليه السلام انكم تلقنون موتاكم لا إله إلا الله عند الموت
ونحن نلقن موتانا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ولا ريب أن هذا أجود ليكون مقرا بالشهادتين وعن الصادق عليه السلام قال: ما من أحد
يحضره الموت إلا وله إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشككه في دينه حتى يخرج نفسه فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة أن لا إله
إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يموتوا وقال الصادق عليه السلام اعتقل لسان رجل من أهل المدينة على عهد رسول الله صلى الله
عليه وآله في مرض الذي مات فيه فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: قل لا إله إلا الله فلم يقدر عليه فأعاد عليه رسول الله صلى
الله عليه وآله فلم يقدر عليه وعند رأس الرجل امرأة فقال لها هل لهذا الرجل أم قالت نعم يا رسول الله أنا أمه فقال لها أفراضية أنت عنه أم لا فقالت بل ساخطة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله اني أحب أن ترضي عنه فقالت قد رضيت عنه
لرضاك يا رسول الله فقال له قل لا إله إلا الله فقال لا إله إلا الله فقال قل يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير أقبل مني اليسير واعف عني الكثير انك أنت
العفو الغفور فقالها فقال له ماذا ترى قال أرى أسودين قد دخلا علي قال أعدها أعادها فقال ما ترى قال قد تباعدا عني ودخل
الأبيضان وخرج الأسودان فما أراهما؟ دون؟ الأبيضان مني الآن يأخذان بنفسي فمات من ساعة. * مسألة: ويستحب أن يلقن كلمات الفرج
عن الصادق عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع فقال له قل لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله
إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين فقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله الحمد لله الذي استنقذه من النار ويلقن أيضا الأئمة عليهم السلام واحدا
واحدا لأنه أصل في العقيدة فكان كالشهادتين روى الشيخ عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: لقنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله
إلا الله والولاية. * مسألة: وإذا تضيقت عليه خروج الروح نقل إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا عسر على الميت موته ونزعه قرب إلى المصلى الذي كان يصلي فيه وفي الحسن عن زرارة قال إذا
اشتد عليه النزع فنقله في مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه ويستحب أن يقرأ عند المريض والصافات ويس وقال بعض التابعين الرعد
روى الشيخ عن سليمان الجعفري قال رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القسم قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك والصافات صفا حتى تستتمها فقرأ فلما بلغ
أهم أشد خلقا أمن خلقنا قضى الفتى فلما سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له كنا نعهد الميت إذا
نزل به الموت نقرء عنده يس والقرآن الحكيم
فصرت تأمرنا بالصافات صفا فقال يا بني لم تقرأ عند مكروب ومن موت قط إلا عجل الله راحته ويكره أن يحضره جنب أو حائض روى الشيخ عن علي بن أبي
حمزة قال قلت لأبي الحسن عليه السلام المرأة تقعد عند رأس المريض وهي حائض في حد الموت فقال لا بأس أن تمرضه فإذا خافوا عليه وقرب ذلك
فلتنح عنه وعن قربه فإن الملائكة تتأذى بذلك وعن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تحضر الحائض الميت ولا الجنب
عند التلقين ولا بأس أن يليا غسله وإذا حرك المريض في حال النزع سيأتي أعضائه بدنه أو رجليه أو رأسه فلا يمنع من ذلك كما يفعل
جهال الناس رواه ابن بابويه في كتابه. * مسألة: ويجب في حال الاحتضار أن يستقبل بالميت إلى القبلة بأن يجعل مستلقيا على
قفاه ووجهه وباطن قدميه إليها قاله الشيخ في النهاية والمفيد وقال علم الهدى الاستقبال إلى القبلة حالة الاحتضار مستحب واختاره
الشيخ في الخلاف وابن إدريس وهو قول أكثر أهل الجمهور وأنكره سعيد بن المسيب فإنه لما أرادوا أن يحلوه إلى القبلة قال ألم أكن إلى القبلة إلى يومي
هذا. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: خير المجالس ما استقبل به القبلة وعن حذيفة أنه قال وجهوني ولان فعلهم سعيد
ذلك دليل على أنه كان معروفا بينهم مشهورا بفعله المسلمون كلهم بموتاهم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إبراهيم الشعيري عن غير
واحد عن أبي عبد الله عليه السلام في توجيه الميت فقال تستقبل بوجهه القبلة ويجعل قدميه مما يلي القبلة وعن معاوية بن عمار قال سألت أبا
426

عبد الله عليه السلام عن الميت فقال: استقبل بباطن قدميه مما يلي القبلة وفي الصحيح عن سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا مات لأحدكم
ميت فنحوه تجاه القبلة وكذلك إذا غسل فيحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبل القبلة باطن قدميه ووجهه إلى القبلة وهذا
أوامر يدل على الوجوب احتج السيد المرتضى بأن الأصل عدم الوجوب فيحمل الامر على الاستحباب والجواب الأصل إنما يصار إليه مع عدم الامر
الدال على الوجوب. * مسألة: ولو مات ليلا استحب الاسراج عنده إلى الصباح ثم يؤخذ في تجهيزه لما رواه الشيخ عن عثمان بن عيسى عن عدة
من أصحابنا قال لما قبض أبو جعفر عليه السلام أمر أبو عبد الله عليه السلام بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد الله عليه السلام ثم أمر أبو
الحسن عليه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله عليه السلام حتى أخرج به إلى العراق ثم لا أدري ما كان ولا يترك الميت وحده بل يكون عنده من القرآن
لما رواه الشيخ عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس من ميت يموت وترك وحده إلا لعب الشيطان في جوفه. * مسألة: فإذا
قضى نحبه فليغمض عيناه ولا خلاف في استحباب ذلك لما رواه الجمهور عن أم سلمة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على أبي سلمة
وقد شق بصره فأغمضه ثم قال إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال لا يدعو على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون
على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المقربين المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين فاغفر لنا يا رب العالمين وافتح له في قبره
ونور فيه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة قال ثقل ابن لجعفر وأبو جعفر عليه السلام جالس في ناحية فكان إذا دنا منه انسان
قال لا تمسه فإنه إنما يزداد ضعفا واضعف ما يكون في هذه الحال ومن مسه على هذه الحال أعان عليه فلما قضى الغلام أمر به فغمض عيناه ثم شد
لحياه ثم قال لنا ان نجزع ما لم ينزل أمر الله فإذا نزل أمر الله فليس لنا إلا التسليم ولأنه لا يؤمن من دخول الهوام إليها ويكون مشبها
بالغنايم. * مسألة: ويستحب أن يطبق فوه وتشد لحيه بعصابة لئلا يسترخي لحياه ويفتح فوه ويدخل الهوام إلى جوفه ويفتح بذلك
منظره ولا خلاف في استحباب ذلك ويؤيده ما تقدم من حديث زرارة ويستحب أن يمد يداه إلى جنبه وساقاه لأنه يعين الغاسلة ويستحب أن يغطى
بثوب فإنه استر له ولا خلاف في استحباب ذلك روى الجمهور عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله سجى بثوب حيرة ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ عن أبي كهمش قال حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله عليه السلام عنده جالس فلما حضره الموت شد لحييه وغمضه وغطا عليه بالملحفة
ثم أمر بتهيئة فلما فرغ من أمره دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله. * مسألة: ولا يترك على بطنه حديد ولا
شئ يثقل به خلافا للجمهور. لنا: أن الرفق بالميت مأمور به وذلك مناف لما قالوه ولان استحباب ذلك تشريع فيقف على الدليل ولم نجده
ولم ينقل في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله ولا عن أحد من الأئمة عليهم السلام والصحابة حديث في ذلك وما يعللونه بأنه لا يؤمن
علو بطنه فضعيف لأنا نأمر بالمسارعة في تجهيزه ويستحب أن يقال عند موت الميت (إنا لله وإنا إليه راجعون) الآية وقول ابن بابويه رحمه الله
يجب أن يقال ذلك أراد به شدة الاستحباب. * مسألة: وإذا تيقن الموت استحب تعجيل تجهيزه بلا خلاف بيننا وهو قول أكثر الجمهور
خلافا للشافعي. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فأدنوني به وعجلوا به فإنه لا ينبغي
يجد به مسلم أن يحبس بين ظهراني أهله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
يا معشر الناس لا ألقين رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح ولا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس
ولا غروبها عجلوا بهم إلى مضاجعهم يرحمكم الله قال الناس وأنت يا رسول الله يرحمك الله وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال
قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا مات الميت أول النهار فلا يقبل إلا في قبره احتج الشافعي بأنه ربما عرضت له غشوة فيستحب تأخيره
والجواب: البحث مع اليقين. * مسألة: وينتظر بصاحب الذرب والغريق والمصعوق والمهدوم عليه إلى أن تيقن موته ويصير عليه
يومين وثلاثة ولا ينتظر به أكثر من ذلك للعلم بأنه إذا لم يحصل منه أفعال الحياة من الحسن والحركة في هذه المدة فإنه يكون ميتا
روى الشيخ عن إسماعيل بن عبد الخالق بن أخي شهاب أن عبد ربه قال قال أبو عبد الله عليه السلام خمس ينتظر بهم الغريق والمصعوق والمبطون
والمهدوم والمدخن وفي الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي الحسن عليه السلام في المصعوق والغريق قال ينتظر به ثلاثة أيام إلا أن يتغير قبل ذلك
ويستبرأ بعلامات الموت في غير هؤلاء إذا أشتبه موته ولا يعجل عليه. * مسألة: ويسارع في قضاء دينه فإنه روي عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ولو تعذر استحب لأوليائه أن يتكلفوا به فإنه روي عن النبي صلى الله عليه
وآله أتى بجنازة فقال هل على ميتكم دين فقالوا نعم فقال صلوا عليه فقال علي عليه السلام على دينه يا رسول الله فتقدم فصلى عليه ويسارع
في إنفاذ وصاياه ليستعجل بالصواب بجريانها على الموصى له.
{البحث الثاني} في التغسيل، وهو فرض على الكفاية إذا قام به
بعض سقط عن الباقين بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله لما سقط الأعرابي عن بعير
فوض فمات اغسلوه بماء سدر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته
427

عن غسل الميت فقال اغسله بماء وسدر الحديث. * مسألة: وفي تغسيله ثواب كثير روى ابن بابويه عن الباقر عليه السلام قال قال فيما ناجى الله به
موسى بن عمران ربه أن قال يا رب فما لمن غسل الموتى قال اغسله من ذنوبه كما ولدته أمه وعن الباقر عليه السلام قال من غسل ميتا مؤمنا فأدى
فيه الأمانة غفر الله له قيل وكيف يؤدي الأمانة قال لا يخبر بما رأى وحده إلى أن يدفن الميت وقال الصادق عليه السلام أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلبه اللهم هذا
بدن عبدك المؤمن وقد أخرجت روحه منه وفرقت بينهما فعفوك عفوك عفوك إلا غفر له ذنوب سنة إلا الكبائر وعنه عليه السلام من غسل ميتا فستر
وكتم خرج من الذنوب كما ولدته أمه وعنه عليه السلام ما من مؤمن يغسل مؤمنا ميتا فيقول وهو يغسله رب عفوك عفوك إلا عفى الله عنه.
* مسألة: وإذا أعد الغاسل الكفن أخذ في تغسيله فيضعه على ساجد أو سرير بلا خلاف لأنه إذا كان على الأرض سارع إليه الفساد ويأتيه
الهوام ويستقبل به القبلة كما وضعه حال الاحتضار وجوبا روى الشيخ في الحسن عن سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
وكذلك إذا غسل يحفر له موضع الغسل تجاه القبلة فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه القبلة وعن عبد الله بن الكاهلي قال سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن غسل الميت فقال استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة ويستحب أن يغسل تحت سقف ولا يجعل
تحت السماء لأنه أستر للميت ويؤيده ما رواه ابن بابويه عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الميت في الفضاء قال لا بأس
وأن يستر بستر فهو أحب إلي ويستحب أن يلف مفاصله ليكون أمكن في الغسل وبه قال بعض الجمهور وأنكره بعض الشافعية. لنا: ما تقدم وما رواه
الشيخ عن عبد الله الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام في وصف غسل الميت ثم يلف مفاصله فإن كان امتنعت عليك فلفها. * مسألة:
ثم نزع قميصه من تحت فوقه إلى سرته يفتق جنبه وترك على عورته ما يسترها اختاره المفيد والشيخ رحمه الله وقال ابن بابويه نزع قميصه إلى سرته ويجمع على
عورته وتركه إلى أن يفرغ من غسله والأقرب ما ذهب إليه الشيخان من تحرير الميت وإن ترك على عورته خرقة تستره بها وبه قال مالك وأبو
حنيفة واستحب الشافعي غسله في قميصه وهو مذهب أحمد. لنا: أنه أبلغ في التطهير فكان أولى ولان الحي لو غسل الحي فالميت أولى ويؤيده
ما رواه الشيخ عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن غسل الميت فقال ابتدأ فتطرح على سوأته خرقة الحديث ومثله روى
عبد الله بن عبيد عنه عليه السلام وما ذكره ابن بابويه فقد رواه يونس عنهم عليه السلام قالوا إذا أردت غسل الميت فضعه على المغتسل مستقبل
القبلة فإن كان عليه قميص فاخرج يديه من القميص واجمع قميصه على عورته وارفعه عن رجليه إلى فوق الركبة وإن لم يكن عليه قميص
فالق على عورته خرقة احتج الشافعي بما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله غسل في قميصه وقدر روي ذلك من طرق الأصحاب وروى الشيخ
في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت يكون عليه ثوب إذا غسل قال: إذا استطعت أن يكون قميصه تغسله من تحته وفي الحسن
عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر عورته اما قميص واما غيره. فروع: [الأول]
ستر العورة واجب كالحي لأنها عورة فيحرم النظر إليه ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال ثم ادخل يدك
من تحت الثوب الذي على فرج الميت فاغسله من غير أن يرى عورته. [الثاني] روى الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد
الله عليه السلام قال أحب لمن يغسل الميت أن يلف على يده الخرقة حتى يغسله. [الثالث] الصبي كالكبير في الغسل. [الرابع] لو كان القميص
ضيقا فشق أكمامه وغسله من تحتها ولو ضاق عن ذلك جرده منه وترك على عورته شيئا يستر به. * مسألة: ويستحب أن يتولى تغسيله أولى
الناس به لكثرة مطالعته على أحواله في حياته وفي حال الموت ربما ظهر للغريب من العيوب ما هو مستور عنه ولهذا أمر الغاسل بالتحفظ
عن ذكر ما يراه من العيوب ويؤيده ما رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: يغسل الميت أولى الناس به أو من يأمره الولي بذلك. * مسألة:
ثم يبدأ بإزالة النجاسة عن بدنه إن كان عليه نجاسة وجوبا بلا خلاف ثم يبدأ لفرجه فيغسله بماء السدر والحرض ثلاث مرات وأكثر من ذلك على
جهة الاستحباب لأنهما محل الأخباث ويؤيده رواية عبد الله الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله
ثلاث غسلات وأكثر من الماء ويستحب أن يمسح بطنه مسحا رقيقا فإن كان هناك خبث خرج ليأمن خروج شئ
عنه بعد تكفينه ولا يعنف
به وقال الشافعي يمسحه مسحا بليغا وما ذكرناه أنسب بأحوال الميت وقد رواه الشيخ عن الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام لما علمه
تغسيل الميت وامسح بطنه مسحا رقيقا. * مسألة: ويأخذ السدر فيطرحه في آنية نظيفة ويضربه ضربا جيدا حتى يرغو فيأخذ رغوته فيضعه
على رأس الميت ويغسله ويغسل لحيته يبدأ بشق رأسه الأيمن فيغسله ثلاث غسلات ثم يبدأ بشق رأسه الأيسر كذلك ليذهب ما في رأسه من الوسخ
فيكون التطهر أبلغ ويؤيده رواية الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام ثم تحول إلى رأسه فابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه ثم يبدأ بشقه الأيسر
من رأسه ولحيته ووجهه فاغسله برفق وإياك والعنف واغسله غسلا ناعما ولو تعذر السدر أخذ شيئا من الخطمي وشبهه واعتاض به عن السدر
لأنه يفيد فائدته ويؤيده ما رواه الشيخ عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام وإن غسلت رأسه ولحيته بالخطمي فلا بأس. * مسألة: فإذا فرغ
من غسل رأسه أضجعه على شق الأيسر ليبدو له الأيمن فيغسله من قرنه إلى قدمه بماء السدر وجوبا ذهب إليه أكثر علماؤنا وقال سلار ولا يجب ماء
428

السدر. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله لما توفت ابنته اغسلها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك واثنين بماء وسدر واجعله في
الآخرة كافورا وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال اغسلوه بماء وسدر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الكاهلي عن أبي عبد
الله عليه السلام لما علمه غسل الميت ثم أضجعه على شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثم يغسله من قرنه إلى قدمه بماء وسدر وفي الحسن عن الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام ويغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ثم سائر جسده وابدء بشقه الأيمن وفي الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سألته عن غسل الميت قال اغسله بماء وسدر الحديث ولأنه أبلغ في التطهير فكان العمل به أحوط واحتجاج سلار بالأصل مدفوع بذلك فان
فرغ من غسل جانبه الأيمن فيبدو له الأيسر فيغسله من قرنه إلى قدمه بماء السدر أيضا لقول أبي عبد الله عليه السلام ثم رده على جنبه الأيمن حتى يبدو
لك الأيسر فاغسله من قرنه إلى قدمه. فروع: [الأول] الواجب من السدر أقل ما يطلق عليه الاسم وقيل سبع ورقات رواه
الشيخ عن عبد الله بن عبيد عن أبي عبد الله عليه السلام. [الثاني] يستحب أن يغسل كل جانب منه بماء السدر ثلاث مرات ذكره الشيخ وعليه
حديث الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام ثم اغسله من قرنه إلى قدمه وامسح يدك على ظهره وبطنه ثلاث غسلات وكذا الأيسر. [الثالث]
الترتيب واجب في هذه الغسلات بأن يبدأ برأسه ثم بجانبه الأيمن ثم الأيسر لأنهم عليه السلام كذا علموا الغسل فيجب اتباعهم فيه لان بيان للواجب
ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال غسل الميت مثل غسل الجنب وإن كان كثير الشعر فرد عليه ثلاث مرات. [الرابع]
ينبغي لمن يصيب الماء أن لا يقطعه بل يصيب متواليا فإذا بلغ حقويه أكثر من الماء لان الاستطهار هناك أتم. * مسألة: فإذا فرغ
من غسله بماء السدر غسله بماء الكافور وجوبا كما غسله بماء السدر والواجب فيه غسل الرأس أولا ثم الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر خلافا
لسلار وقال الشافعي هو مستحب. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لام عطية واجعله في الآخرة كافورا والامر للوجوب
ولأنه بيان الواجب فكان واجبا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في حديث عبد الله الكاهلي لما علمه أبو عبد الله عليه السلام تغسيل الميت ثم رده
على قفاه فابدأ بفرجه بماء الكافور فاصنع كما صنعت أول مرة اغسله ثلاث غسلات بماء الكافور والحرض وامسح يدك على بطنه مسحا رقيقا
ثم تحول إلى رأسه فاصنع كما صنعت أولا بلحيته من جانبيه كليهما ورأسه ووجهه بماء الكافور ثلاث غسلات ثم رده إلى جانبه الأيسر حتى يبدو لك
الأيمن ثم اغسله من قرنه إلى قدميه ثلاث غسلات ثم رده إلى جانبه الأيمن حتى يبدو لك الأيسر فاغسله من قرنه إلى قدميه ثلاث غسلات وادخل يدك تحت منكبيه وذراعيه ويكون الذراع والكف مع جنبه طاهرة كلما غسلت شيئا
منه أدخلت يدك تحت منكبيه وفي باطن ذراعيه وفي الحسن عن الحلبي فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخرى بماء وكافور وبشئ
من حنوطه وفي الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن غسل الميت قال اغسله بماء وسدر ثم اغسله على أثر ذلك غسلة أخرى بماء
وكافور وذريرة إن كانت. فروع: [الأول] الترتيب واجب في هذه الغسلة كما تقدم. [الثاني] تأخير هذه الغسلة عن الغسلة بماء
السدر واجب لان الاخبار دلت على ذلك فإن لفظة ثم للترتيب ولان قوله عليه السلام ثم افعل به كما فعلت في الأول يدل على الترتيب قطعا. [الثالث]
المجزي من الكافور أقل ما يطلق عليه الاسم قال المفيد يكون بصفة مثقال وذلك على الاستحباب وفي رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قدر نصف
حبة. * مسألة: يستحب للغاسل أن يمسح بطنه في هذه الغسلة أيضا برفق استطهارا في استخراج ما هناك من الخبث ويؤيده ما رواه
يونس عنهم عليهم السلام. * مسألة: فإذا فرغ من غسله بماء الكافور غسله ثالثة بماء القراح وجوبا بلا خلاف لأنه نجس فيغسل بالقراح كغيره
من النجاسات إذا أريد تطهيرها ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ثم اغسله بماء بحت غسلة أخرى ونحوه رواه
عبد الله الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام. فروع: [الأول] الترتيب في هذه الغسلة واجب يبدأ برأسه ثم بجانبه الأيمن ثم الأيسر.
[الثاني] تأخير هذه الغسلة عن الغسلتين الأولتين واجب لما تقدم من قوله عليه السلام ثم اغسله بماء القراح وفي حديث عنهم عليهم السلام
واغسله بماء القراح كما غسلت في المرتين الأولتين وفي الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام واغسله الثالثة بماء قراح.
[الثالث] أكثر أصحابنا على أن هذه الغسلات الثلاث واجبة بماء السدر أولا ثم بماء الكافور ثم بالماء القراح وقال سلار: الواجب
مرة واحدة وفي استدلالاتنا المتقدمة ما هو حجة عليه واحتجاجه بالأصل ضعيف مع وجود الدلالة المنافية له. [
الرابع] لا يمسح الغاسل
بطنه في هذه الغسلة بخلاف الأولتين لان المسح هناك يستعقب الغسل فإذا خرج منه شئ أزاله ماء الغسل المستعقبة بخلاف الأخرى.
[الخامس] روي استحباب عصر البطن وروي عدمه ووجه الجمع أن يحمل العصر على المسح فيكون مأمورا به والنهي يتناول العصر بعنف. [السادس]
يستحب أن يغسل لكل غسلة ثلاث مرات فيغسل بماء السدر رأسه ثلاث مرات وكذا كل جانب ويغسل بماء الكافور كذلك وبالماء القراح أيضا
فإنه أبلغ في التطهير وأكثر استطهارا ويؤيده الروايات عن أهل البيت عليهم السلام. [السابع] روي استحباب أن يوضع مع الكافور في
الغسلة الثانية شئ من الذريرة رواه الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام ثم اغسله على أثر ذلك غسلة أخرى
بماء وكافور وذريرة إن كانت وإنما قلنا أنه مستحب لان غير ذلك من الروايات يضمن الامر بالغسل بماء الكافور من غير التعرض
429

لغيره. [الثامن] لو لم يوجد السدر والكافور وجب أن يغسل بماء القراح وفي عدد غسله حينئذ إشكال ينشأ من سقوط الغسلة بعدم ما يضاف إليه
لأنه المأمور به ولم يوجد فيسقط الامر ومن كون الواجب الغسلة بماء الكافور والسدر فهما واجبان في الحقيقة ولا يلزم من سقوط أحد الواجبين
للعذر سقوط الأخرى. [التاسع] يكره لان يمسح بطن الحامل في كل غسلة احتراما للميت ويؤيده ما رواه الشيخ عن أنس بن مالك أن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال إذا توفيت المرأة فإذا أرادوا أن يغسلوها فليبدو ببطنها وليمسح مسحا رقيقا إن لم يكن حبلى وإن كانت حبلى فلا
يحركها الغاسل. [العاشر] روى الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام ثم ميل برأسه شيئا فتنفضه حتى يخرج من منخريه ما
يخرج. [الحادي عشر] غسل الصبي كغسل البالغ لعموم الامر. * مسألة: يكره أن يرسل ماء الغسل في الكنيف لأنه محل الأخباث فالأولى اجتنابه
ولا بأس بالبالوعة لأنها أخف في ذلك ويستحب أن يحتفر حفيرة ويصيب الماء إليها روى الشيخ عن سليمان بن حماد قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: إذا مات لأحدكم ميت فنحوه تجاه القبلة وكذلك إذا غسل يحفر له موضع الغسل تجاه القبلة فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه القبلة
وفي الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار قال كتبت إلى أبي محمد العسكري عليه السلام هل يجوز أن يغسل الميت وماؤه الذي يصبب عليه يدخل
إلى بئر كنيف فوقع عليه السلام يكون ذلك في بلاليع. * مسألة: يكره ان يسخن الماء للميت ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي وأحمد وقال
أبو حنيفة يستحب الاسخان لان النبي صلى الله عليه وآله لم يعلمه الصحابة لما علمهم تغسيل الميت فلم يكن مشروعا ولان الماء البارد يفيده
استمساكا والحار يفيده استرخاء فكانت الأولى أولى ولهذا يطرح الكافور في الماء ليفيده زيادة التبريد ويؤيده ما رواه الشيخ في
الصحيح عن زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام لا يسخن الماء للميت لا يعجل له النار ولا يخيط بمسك وعن عبد الله بن المغيرة عن رجل عن أبي
جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقرب الميت ماء حميما احتج أبو حنيفة بأن المسخن ينقي ما لا ينقي البارد والجواب: المعارضة بما
تقدم والانقاء يحصل بالسدر والحرض وكثرة العدد. فرع: لو خاف الغاسل على نفسه من البرد زالت الكراهية بلا خلاف. * مسألة:
ولو لم يوجد الماء يتيمم الميت كما يتيمم الحي لأنه بدل من غسل واجب فكان واجبا كما في غسل الجنابة ولا نعرف فيه خلافا بين علمائنا. * مسألة:
يكره إقعاد الميت عند تغسيله وقبله وبعده وقال الجمهور يستحب إقعاده عند غسله. لنا: انه أضر به وقد نهى عن ذلك ويؤيده ما رواه
الشيخ عن عبد الله الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام وإياك أن تقعده وقد روى الشيخ عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته
عن غسل الميت فقال اقعده واغمز بطنه غمزا رقيقا كان الشيخ في هذا الحديث خرج مخرج التقية. * مسألة: ويكره أن يوضع على بطن الميت
حديد خلافا للجمهور. لنا: أنه نوع إهانة وترك تعظيم للميت وهو منهي عنه ولم نقف في ذلك على أثر. * مسألة: ويكره أن يخلل أظفاره
خلافا للجمهور لان النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر بذلك ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام ولا يخلل
أظفاره. * مسألة: وفي وضوء الميت خلاف بين علمائنا أقربه الاستحباب وبه قال الشيخ في الاستبصار وقال في المبسوط وقد روي أنه يوضى
الميت قبل غسله فمن عمل بها كان جائزا غير أن عمل الطائفة على ترك العمل بذلك وقال بعض أصحابنا بالوجوب وأطبق الجمهور على الوضوء.
لنا: أن فائدة الوضوء استباحة الصلاة وهي غير متحققة في طرف الميت ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال غسل الميت مثل غسل الجنب وقد بينا سقوط الوضوء هناك احتج المخالف بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث أم سليم
فإذا فرغت من غسل شغلها غسلا نقيا بماء وسدر فوضتها وضوء الصلاة ثم اغسلها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن
حريز قال أخبرني أبو عبد الله عليه السلام قال: الميت يبدأ بفرجه ثم توضأها وضوء الصلاة الحديث ومثله رواه عن عبد الله بن عبيد عن أبي عبد
الله عليه السلام وفي الحسن عن حماد بن عثمان أو غيره عن أبي عبد الله عليه السلام في كل غسل وضوء إلا الجنابة ولأنه مشروع للحي فيكون مشروعا
للميت والجواب عن الأحاديث: أنها محمولة على الاستحباب لما بيناه من الأحاديث الدالة على عدم الوجوب وعن القياس بالفرق فإنه
شرع فيه لمعنى مفقود في الميت. فرع: يكره المضمضة والاستنشاق للميت وبه قال أبو حنيفة وأحمد وقال الشافعي: هما مستحبان.
لنا: إن إدخال الماء إلى فيه وأنفه لا يؤمن مع الوصول إلى الجوف فربما خرج منه شئ في الكفاية ولان ذلك غير ممكن لان المضمضة
إدارة الماء في اللهوات ومجه والاستنشاق استجلاب الماء وجذبه بالأنف وذلك غير ممكن في طريق (حق) الميت ويؤيده ما رواه الشيخ
عن يونس عنهم عليهم السلام واجهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه احتج الشافعي بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لام عطية حين
غسلت بنتها ابدأ بميامنها ومواضع الوضوء منها. والجواب: المراد بذلك المواضع الظاهرة جمعا بين الأدلة. * مسألة: وينبغي للغاسل
كما غسل الميت غسل يديه إلى المرفقين وغسل الإجانة بماء قراح ليطرح فيها ماء آخر للغسلة المستأنفة استطهارا في التطهير ورواه
الشيخ عن يونس عنهم عليهم السلام وينبغي أن يدخل الغاسل يده في كل غسلة تحت منكبي الميت وذراعيه ويكون الذراع والكف من تحته
طاهرا كل ما غسل شيئا منه أدخل يد تحت منكبيه وباطن ذراعيه رواه عبد الله الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام وينبغي للغاسل
430

أن لا يركب الميت بل يقف على أحد جانبيه فإنه أبلغ للتطهير ولو فعل خلافه جاز لما رواه الشيخ عن علا بن سبابة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا
بأس أن تجعل الميت بين رجليك وأن تقوم من فوقه فتغسله إذا قلبته يمينا وشمالا لا يضبطه رجليك كي لا يسقط لوجهه. * مسألة: قال
علماؤنا: لا يجوز قص شيئا من شعر الميت ولا من ظفره ولا يسرح رأسه ولا لحيته متى سقط منه شئ جعل في أكفانه أما قص الشعر فقد
وافقنا فيه أبو حنيفة ومالك والثوري وقال الشافعي في الجديد: لا بأس بخف الشارب وقال أحمد: هو مستحب. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة أنها رأت
ميتا يسرح ناصيته فقالت للقوم علام تقصون صاحبكم وهو يدل بمفهومه على صورة النزاع ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن
عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يمس الميت شعر ولا ظفر وإن سقط منه شئ فاجعله في كفنه وأما قص
الأظفار فقد وافقنا فيه أبو حنيفة واستحب الشافعي قصها وعن أحمد روايتان. لنا: ما تقدم احتج الشافعي بقوله عليه السلام اصنعوا بموتاكم
كما تصنعون بعروسكم. والجواب: أنه محمول على التطهير والتنظيف بالكافور والذريرة دون النقصان كما أنه لا يخفى وإن كان مشروعا في
الاحياء وأما تسريح الرأس واللحية فقد ذهب إليه الشافعي ووافقنا أبو حنيفة على تركه. لنا: ما تقدم. فروع: [الأول] حلق العانة
عندنا مكروه وبه قال أبو حنيفة ومالك وابن سيرين وقال أحمد: يستحب حلقها وبه قال الشافعي وإسحاق. لنا: ما تقدم ولان أخذها
إنما يكون بعد الاشراف على عورة الميت وهو حرام احتج المخالف بأن سعد بن أبي وقاص حلق عانة ميت، والجواب: لا اعتداد بفعل سعد.
[الثاني] لا فرق بين أن يكون الأظفار طويلة أو قصيرة وبين أن يكون تحتها وسخ أو لا في كراهية القص. [الثالث] لا فرق في المنع من
حلق العانة بين أن يكون طويلة أو لا تكون عملا بمقتضى الأدلة السابقة ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي الجارود قال سألت أبا جعفر عليه السلام
عن الرجل يتوفى أيقلم أظافيره أو ينظف إبطيه ويحلق عانته إن طال به مرض فقال لا. [الرابع] نتف الإبط مكروه لما تقدم خلافا للجمهور. [الخامس]
لا يجوز حلق رأس الميت سواء كان على رأسه جمة أو لم يكن وقال إسحاق: إن لم يكن على رأسه جمة حلق كالعانة وإلا فلا. لنا: ما تقدم والقياس
باطل والحكم في الأصل ممنوع. [السادس] لا يجوز ختن الميت إذا لم يكن مختونا بالاجماع ولما تقدم وروى الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي
عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلم قال: لا يمس منه شئ اغسله وادفنه وذلك عام
في جميع أجزائه. [السابع] لو جبر عظم نجس كعظم الكلب مثلا فانجبر ثم مات لم يزل سواء أمكنت إزالته من غير مثله أو لم يمكن إلا بمثله لأنه
قد صار جزء منه ولو قيل بإزالته إذا أمكنت من غير مثلة كان حسنا. [الثامن] لو كان على الميت جبيرة نزعت وغسل لأنها خارجة عنه
فأشبهت الثوب سواء كان نزعها يؤدي إلى مثله أو لا. [التاسع] لا يستحب صغر (قص) شعر الميت وبه قال الأوزاعي وأصحاب الرأي وقال الشافعي
وأهل الظاهر: إذا كان شعر المرأة معقوصا يقص ثم غمس ثم ظفر ثلاثة قرون قرينها وناصيتها ويلقى من خلفها. لنا: أن ذلك يتعذر
من دون التسريح ولأنه يسقط شئ من الشعر وذلك منهي عنه. [العاشر] لو سقط من الميت شئ من شعره أو من أجزائه وجب جعله
معه في أكفانه لأنه جزء منه فكان له حكم الكل لاستواهما في صفة الموت ويؤيده حديث عبد الرحمن بن أبي عبد الله. * مسألة:
ولو خرجت منه نجاسة بعد غسله غسلت ولم يعد الغسل عليه وبه قال الثوري وأبو حنيفة وقال أحمد يعاد غسله وجوبا وقال
أبو إسحاق: يوضأ الميت خاصة وللشافعي قولان. لنا: ان خروج النجاسة من الحي لا يبطل غسله فكذا من الميت لان الغسل المقصود
منه التطهر وقد حصل وخروج النجاسة يوجب تنجيس المحل فيقتصر عليه في الغسل ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي عبد الله بن
يحيى الكاهلي والحسين بن المختار قالا سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن الميت يخرج منه النجاسة بعد ما فرغ من غسله قال يغسل ولا
يعاد عليه الغسل ونحوه رواه روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله عليه السلام احتجوا بأن القصد من غسل الميت أن يكون خاتمة أمره بالطهارة
الكاملة وهي إنما تحصل بإعادة الغسل والجواب: المنع من الحصر. فروع: [الأول] لا فرق بين أن يخرج النجاسة من غير السبيلين
أو منهما. [الثاني] لا فرق بين قليل النجاسة وكثيرها. [الثالث] لو تكاثر خروج النجاسة وجب الغسل إلى أن ينقطع ويجوز حشو
الموضع بالقطن لينقطع ذلك مع التكفين. [الرابع] لو خرجت النجاسة منه بعد وضعه في أكفانه لم يجب إعادة الغسل عليه في قول أهل
العلم كافة لان ذلك حرج عظيم ويحتاج اخراجه من أكفانه إلى مشقة عظيمة. [الخامس] لو أصابت النجاسة كفنه غسلت من الكفن
إن لم يوضع في القبر ويقرض بالمقاريض إن وضع فيه قال ابن بابويه رحمه الله والشيخ أوجب قرضها مطلقا. لنا: أن حالة التكفين حالة
الغسل وكما يغسل النجاسة عن جسده لو أصابه قبل وضعه في الكفن فكذا الكفن ولان قرضها حينئذ تضييع
بخلاف ما لو جعل في القبر فإن
الغسل هناك متعذر وإزالة النجاسة لا بد منها فتعين القرض ولان قوله عليه السلام إن بدأ من الميت شئ بعد غسله فاغسل الذي بدا
منه ولا تعد الغسل يتناول صورة النزاع احتج الشيخ بما روي في الصحيح عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشئ ء بعد الغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض بالمقارض وبما رواه عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد عن
431

غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا خرج من الميت شئ بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن والجواب: يحمل ذلك
على ما إذا جعل في القبر جمعا بين الأدلة. * مسألة: ويستحب للغاسل أن يدعو في حال غسله لأنه مقام اتعاظ فالدعاء فيه مستجاب وقد روى
الشيخ عن سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه السلام قال: أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلبه اللهم هذا بدن عبدك المؤمن وقد أخرجت روحه منه
وفرقت بينهما فعفوك عفوك عفوك إلا غفر الله له ذنوب سنته إلا الكبائر. * مسألة: وليس لاستعمال الماء في ذلك حد محدود بل الواجب
غسله ثلاث مرات لأنه المأمور به وكتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام كم حد الماء الذي يغسل به الميت
كما رووا إن الجنب يغسل بستة أرطال من ماء والحائض بتسعة أرطال فهل للميت حد من الماء الذي يغسل به فوقع عليه السلام (حد غسل الميت) يغسل حتى يطهر
إن شاء الله وذلك يدل على عدم التقدير وقد روى الشيخ عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه
وآله لعلي يا علي إذا نامت فاغسلني لسبع قرب من بئر غرس وروي عن فضيل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك هل للماء حد محدود
قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام إذا نامت فاستق لي ست قرب بماء بئر غرس فاغسلني وكفني وحنطني فإذا فرغت من غسلي
وكفني وتحنيطي فخذ بمجامع كفني وأجلسني ثم سلني عما شئت فوالله لا تسألني عن شئ إلا أجبتك فيه وهذا التقدير على جهة الاستحباب. * مسألة:
والحائض والجنب إذا ماتا غسلا كغيرهما من الأموات مرة واحدة وقد أجمع عليه كل أهل العلم إلا الحسن البصري فإنه أوجب غسلين. لنا: الاجماع
وخلاف الحسن لا اعتداد به ولان غسل الجنابة والحيض من باب التكليف وهو ساقط عن الميت ولان المقتضي له استباحة الدخول في
الصلاة وهو غير ثابت في حق الميت وإنما الغسل من الميت نوع تعبد أو يكون خروجه من الدنيا على أبلغ أحواله في الطهارة وهو يحصل
بغسل واحد قال سعيد بن المسيب ما مات ميت إلا جنب وفي أخبار الأصحاب ما يدل عليه روى الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سأل ما بال الميت يمنى قال النطفة التي كان خلق منها يرمى بها ويؤيده ما ذكرناه ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز قال قلت لأبي جعفر
عليه السلام ميت مات وهو جنب كيف يغسل وما يجزيه من الماء؟ فقال: يغسل غسلا واحدا يجزي ذلك للجنابة ويغسل الميت لأنهما حرمتان
اجتمعتا في حرمة واحدة وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في الجنب إذا مات قال: ليس عليه إلا غسل واحد وعن عمار الساباطي عن أبي
عبد الله عليه السلام أنه سئل عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف يغسل قال غسل الطاهر وكذلك الحائض وكذلك الجنب إنما يغسلان غسلا واحدا
ولا يعارض ذلك ما رواه عيص بن القسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن رجل مات وهو جنب قال يغسل غسلة واحدة بماء لم يغسل
بعد ذلك لأنا نحمله على الاستحباب قال الشيخ ويحتمل أيضا أن يكون المراد الامر بعد غسل الجنابة إنما توجه إلى غاسله واحتج بما رواه في
الصحيح عن عيسى بن القسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا مات الميت وهو جنب غسل غسلا واحدا ثم اغتسل بعد ذلك قال ويكون الراوي قد غلط
ويعضده أن الراوي واحد. * مسألة: وغسل المرأة مثل غسل الرجل سواء ولا نعلم فيه خلافا وقد روى الشيخ عن عبد الله الكاهلي
عن أبي عبد الله عليه السلام لما علمه غسل الميت قال وكذلك غسل المرأة. * مسألة: ولا نعرف خلافا في أن غسل الطفل كغسل البالغ أما
السقط وهو الذي تضعه المرأة ميتا أو تضعه غير تام فإن كان له أربعة أشهر فما زاد غسل وكفن ودفن ولو كان دونها لف في خرقة ودفن من
غير غسل وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى وجوب تغسيل السقط إذا تم له أربعة أشهر وللشافعي قولان. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله
عليه وآله أن المولود إذا بقي في بطن أمه أربعة أشهر نفخ الله فيه الروح فحينئذ يتحقق الموت في طرفه فيجب تغسيله عملا بالعمومات ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد عمن ذكره قال إذا تم للسقط أربعة أشهر غسل وعن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن السقط
إذا استوت خلقته عليه الغسل واللحد والكفن قال نعم كل ذلك يجب عليه إذا استوى أما من قصر عن أربعة أشهر فإنه لا يجب غسله بغير خلاف
وقد روى الشيخ عن محمد بن الفضيل قال كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن السقط كيف يصنع به فكتب إليه السقط يدفن بدمه في موضعه
وهذا الحديث مع الاخبار المقيدة بأربعة أشهر يدل على المطلوب. * مسألة: ويغسل المحرم كالحلال إلا أنه لا يقرب طيبا ولا كافورا
ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال علي عليه السلام وابن عباس وعثمان وعطا والثوري والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين وقال في
الأخرى لا يغسل لتغسيل الحلال ويصب عليه الماء صبا وقال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي يصنع به كما يصنع بالحلال ويقرب. لنا:
ما رواه الجمور عن ابن عباس أن رجلا وقصه بعيره ونحن مع النبي صلى الله عليه وآله فقال النبي صلى الله عليه وآله غسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا
تمسوا طيبا فإن الله يبعثه يوم القيامة طيبا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبي عبد
الله عليه السلام عن المحرم يموت كيف يصنع به؟ فقال: ان عبد الرحمن بن الحسن مات بالأبواء مع الحسين عليه السلام وهو محرم مع الحسين عليه السلام
عبد الله ابن العباس و عبد الله بن جعفر وصنع به كما يصنع بالميت وغطا وجهه ولم يمسه طيبا وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام وأبي
عبد الله عليه السلام قال سألتهما عن المحرم كيف يصنع به إذا مات قال يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يقرب طيبا احتج أبو حنيفة
432

بأن الاحرام عبادة شرعية فتبطل بالموت كسائر العبادات والجواب: القياس لا يعارض النص وما ذكره يبطل بالايمان فإن حكمه
ثابت بعد الموت. * مسألة: والشهيد الذي قتل بين يدي إمام عادل لا يغسل ذهب إليه علماؤنا أجمع ولا نعرف فيه خلافا بين علماء
الأمصار إلا الحسن البصري وسعيد بن المسيب فإنهما قلا يغسل. لنا: ما رواه الجمهور وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم
ولم يغسلهم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبان بن تغلب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسل
ويكفن ويحنط؟ قال: يدفن كما هو في ثيابه إلا أن يكون به رمق ثم مات فإنه يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه أن رسول الله صلى الله عليه
وآله صلى على حمزة وكفنه لأنه كان جرد وفي الحسن عن إسماعيل بن جابر وزرارة جميعا عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له كيف رأيت الشهيد
يدفن بدمائه؟ قال: نعم في ثيابه بدمائه ولا يحنط ولا يغسل ويدفن كما هو وعن عمار الساباطي عن أبي جعفر عليه السلام أن عليا عليه السلام
لم يغسل عمار بن ياسر ولا هاشم بن عتبة المرقال ودفنهما في ثيابهما ولان الاجماع حجة عليهما ولا اعتداد بخلافهما بعد انعقاده احتجا بأنه
لا يموت ميت إلا جنبا والجواب: المنع من ذلك على أن حكم الجنابة ساقطه عنه ولان الشهداء ربما يكثرون ويكون الحي جرى فسقط غسلهم
للمشقة ولان فيه إزالة لاثر أشق العبادات المطلوبة فإنه جاء عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: والذي نفسي بيده لا نكلم أحد في سبيل الله والله
أعلم بمن تكلم في سبيل الإخاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك رواه البخاري. فروع: [الأول] لو كان الشهيد جنبا
لم يغسل وبه قال مالك وقال أبو حنيفة وأحمد: يغسل وللشافعي قولان. لنا: عموم الاخبار ولأنه غسل ينوب عنه التيمم فيسقط بالشهادة
كغسل الميت احتج المخالف بما روي أن حنظلة بن الراهب قتل فقال النبي صلى الله عليه وآله لأهله ما شأن حنظلة فإني رأيت الملائكة تغسله
فقالوا انه جامع ثم سمع صنعه (صوت) فخرج إلى القتال ولأنه غسل واجب لغير الموت فلم يسقط بالموت كغسل النجاسة. والجواب عن الأول:
أنه حجة. لنا: فإنه لو كان واجبا لم يسقط إلا بفعلنا وفعل الملائكة ليس دليلا على وجوبه علينا، وعن الثاني: أنه قياس في مقابلة النص فلا
يكون مسموعا. [الثاني] الحائض إذا طهرت والنفساء إذا انقطع دمها ثم استشهدنا لم تغسلا كالجنب لعموم الاخبار ومن أوجب الغسل
على الجنب أوجبه هنا. والجواب: ما تقدم أما لو صلت في حيضها أو نفاسها فإنه لا يجب غسلها إجماعا لان شرط الغسل انقطاع الحيض والنفاس
ولو أسلم ثم استشهد لم يجب الغسل إجماعا وأما عندنا في انتفاء الغسل عن الشهيد ولا يجب للتوبة غسل وأما عند المخالف فلان بعض منى
عبد الأشهل اشهد يوم أحد عقيب إسلامه ولم يؤمر بغسله. [الثالث] لا فرق بين البالغ وغيره قال الشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد وأبو
ثور وقال أبو حنيفة لا يثبت بغير البالغ حكم الشهادة. لنا: أنه مسلم قتل في معركة المشركين بقتالهم فأشبه البالغ ولأنه تساويه في
أحكام الميت من الغسل والتكفين والصلاة فيساويه هنا ويؤيده ما تقدم في حديث أبان فإنه يتناول البالغ وغيره ولأنه قد كان
في شهداء أحد وبدر حارثة بن النعمان وعمرو بن أبي وقاص أخو سعد وهما صغيران احتج أبو حنيفة أنه ليس من أهل القتال. والجواب: أنه
منقوض بالنساء. [الرابع] لا فرق بين الرجل وغيره ولا بين المرأة والرجل ولا بين الحر والعبد في الشهادة عملا بالعمومات. [الخامس]
لا فرق بين من قتل بين يدي إمام عادل أو من نصبه الامام لان يد النائب يد المنوب. [السادس] لو حمل من المعركة وبه رمق ثم
مات نزع منه ثيابه وغسل وكفن سواء أكل أو شرب أولا أو وصى أو لم يوص وسواء طالت مدة حياته أو لم تطل وبه قال الشافعي
وأحمد وقال مالك إن أكل وشرب وبقي يومين أو ثلاثة غسل وإلا فلا قال أصحاب أبي حنيفة: إن أكل أو شرب ووصى غسل وإلا فلا.
لنا: أنه مات غير قتيل ولا يثبت له حكم الشهادة كما لو أوصى أو بقي يومين ولان بقاء حياته رجوع إلى أحوال الدنيا وصيرورة إليها
كالأكل والشرب والوصية وبقاء اليومين ويؤيده رواية أبان بن تغلب وما رواه الشيخ عن أبي مريم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: الشهيد إذا كان به رمق غسل وكفن وحنط وصلى عليه وإن لم يكن به رمق دفن في أثوابه. [السابع] لو خرج من المعركة ومات
قبل أن ينقضي الحرب ينقل عنها فهو شهيد قال الشيخ وهو حسن لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال يوم أحد: من ينظر ما فعل سعد بن
الربيع فقال رجل انا أنظر لك يا رسول الله فنظر فوجده جريحا به رمق فقال له أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني أن انظر في الاحياء أنت أم
في الأموات فقال أنا في الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله عني السلام قال ثم لم أبرح ان مات ولم يأمر النبي صلى الله عليه وآله بغسل
أحد منهم. [الثامن] لو قتل الشهيد نفسه خطأ بأن عاد إليه سلاحه فقتله ثبت له حكم الشهادة خلافا لبعض الجمهور. لنا: ما رواه أبو داود
عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله قال اعبرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فضربه فأخطأ به فأصاب نفسه
بالسيف وقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله عليه
وآله بثيابه ودمائه وصلى عليه فقالوا يا رسول الله أشهيد هو قال نعم وانا له شهيد. ومن طريق الخاصة حديث أبان بن تغلب فإنه يتناول
صورة النزاع وأنه مقتول في سبيل الله ولأنه شهيد المعركة فأشبه قتل الكفار. [التاسع] قال الشيخ إذا وجد في
المعركة ميت وليس به
433

أثر حكم به بحكم الشهيد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأحمد: يغسل حجة الشيخ أنه يحتمل أنه مات بسبب من أسباب القتال فيكون شهيدا ولأنه
مات في المعركة فأشبه ما لو وجد عليه أثره حجة أبي حنيفة أن الحكم معلق على من وجد فيه يحكم (الشهيد) لقوله عليه السلام ادفنوهم بدمائهم والأصل وجوب
الغسل فلا يسقط بالاحتمال وكلام أبي حنيفة عندي قوي. [العاشر] كل قتيل في المعركة فإنه يحكم له بالشهادة عمدا قتل أو خطأ بسلاح أو
غير سلاح شوهد قاتله أم لم يشاهده لعموم الاخبار وكذا لو حمل عليه المشركون فتردى في بئر أو سقط من مرتفع فمات أو سقط من فرسه
أو ترفه من فرس أو غير ذلك من أسباب القتل قال الشيخ ولو وجد غريق أو محترق في حال القتال حكم له بالشهادة وإن خرج بعد القتال
وبقي ولو كانت ساعة أو أوصى أم أكل وجب غسله. [الحادي عشر] قتيل أهل البغي كقتيل المشركين لا يغسل ولا يكفن ولا يصلي عليه ويدفن
وعليه فتوى علمائنا أحتج وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في إحدى القولين وفي الآخر قال: يغسل. لنا: ما رواه الجمهور أن عليا عليه السلام
لم يغسل من قتل معه وعما رآه صبي أن لا يغسل وقال ادفنوني في ثيابي قال مخاصم وأوصى أصحاب الجمل انا مستشهدون غدا فلا ينزعوا عنا
ثوبا فلا يغسلوا؟ عنادها؟ ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام لم يغسل عمارا ولا
هاشم بن عتبة ودفنهما في ثيابهما ولأنه ندب عن الدين فأشبه قتل المشركين ولأنه شهيد المعركة فأشبه قتيل الكفار احتج الشافعي بأن
أسماء بنت أبي بكر غسلت ابنها عبد الله بن الزبير والجواب: أنه أخذ وسلب فهو مقتول في غير المعركة. [الثاني عشر] المقتول من أجل
البغي يغسل وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وقال أبو حنيفة لا يغسل. لنا: عموم الامر بالتغسيل ولأنه مسلم قتل بحق فأشبه الزاني والقاتل
احتج أبو حنيفة بأنهم جماعة لهم متعة (سعة) وقوة باينوا أهل الحق جدال وقتال (بالجدال والقتال) فلا يغسلون كالمشركين والجواب: الفرق بالاسلام. [الثالث عشر]
كل مقتول سوى من قتل بالمعركة فإنه يغسل ويكفن سواء قتل بحديد أو لا وعليه فتوى علمائنا وبه قال الحسن البصري ومالك والشافعي
وأحمد في إحدى الروايتين وقال في الأخرى لا يغسل المظلوم كمن قتل ظلما أو دون ماله أو دون نفسه أو أهله وبه قال الشعبي والأوزاعي
وإسحاق وقال أبو حنيفة من قتل ظلما بحديد لا يغسل. لنا: عموم الامر بالتغسيل خرج عنه المجمع عليه ولان رتبة هؤلاء دون رتبة الشهيد
فلا يساويهم في الحكم ولان عمر بن الخطاب قتل بحديد وغسل. [الرابع عشر] الشهيد بغير قتل كالغريب والنفساء والمبطون وغيرهم من
حكم بأنهم يموتون شهداء يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم بلا خلاف إلا ما حكي عن الحسن البصري أنه قال: النفساء لا يصلى عليها. لنا: عموم
الامر بذلك ولان النبي صلى الله عليه وآله صلى على امرأة ماتت في نفاسها وصلى المسلمون على علي عليه السلام وهو شهيد وروى عمار الساباطي
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف يغتسل؟ قال: مثل ما يغسل الطاهر وكذلك الحائض الجنب يغسل غسلا
واحدا. [الخامس عشر] ولو وجد ميت ولم يعلم أمسلم هو أم لا فإن كان عليه علامة الاسلام كالختان أو كان في دار الاسلام غسل
وصلي عليه وإلا فلا. [السادس عشر] لو وجد في المعركة قطعة فيها عظم كان حكمها حكم الجملة في الغسل. [السابع عشر] المقتول فورا
أو مرجوما يؤمر بالاغتسال والتحنيط والتكفين ثم يقتل ويصلى عليه ويدفن وروى ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: المرجوم و
المرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان ويصلي عليهما والمقتص منه أبمنزلة ذلك يغتسل ويحنط ويلبس الكفن ثم يصلى
عليه ورواه الشيخ عن كردين عن أبي عبد الله عليه السلام. [الثامن عشر] لا يترك المصلوب على خشبة أكثر من ثلاثة أيام وترك بعد ذلك قال
المفيد رحمه الله: فتوارى حينئذ جسده بالتراب وقال ابن بابويه غسل ودفن وروى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله
عليه وآله لا يقروا (يعزب) المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل ويدفن. [التاسع عشر] من وجب قتله بغير القود هل يؤمر بالاغتسال ويكون حكمه
حكمها؟ الأقرب أنه ليس كذلك لعدم ورود النص بذلك والقياس باطل ويدخل عموم الامر بالتغسيل بعد الموت وقد أطلق بعض الأصحاب ذلك
وعندي فيه نظر. * مسألة: ولو وجد بعض الميت اما بأن أكله سبع أو احترق بالنار أو غير ذلك فإن كان فيه عظم وجب غسله بغير خلاف
بين علمائنا ويكفن وإن كان صده صلى عليه وإلا فلا. لنا: ما رواه الجمهور أن طاير القد بمكة من معه الحمل فعرفت بالخاتم فكانت يد عبد
الرحمن بن عتاب بن أسيد يغسلها أهل مكة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال
سألته عن الرجل يأكله السبع والطير فيبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به قال يغسل ويكفن ويصلى عليه يدفن فإذا كان الميت نصفين
صلى على النصف الذي فيه القلب ولأنه جزء من ميت فكان له حكم كله كالدفن أما لو لم يكن فيها عظم فإنه لا يجب غسلها وكان حكمها حكم السقط
قبل أربعة أشهر وكذا البحث لو أبينت القطعة من حي. * مسألة: ويصب الماء على المحترق والمجدور وصاحب القروح ومن يخاف تناثر جلده
من المس لأجل الضرورة روى الشيخ عن ضريس عن علي بن الحسن أو أبي جعفر عليهما السلام قال المجدور والكبير والذي به القروح يصب عليه
الماء صبا وعن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام أنه سئل عن الرجل احترق بالنار فأمرهم أن يصبوا عليه الماء صبا وأن
يصلى عليه. فرع: ولو خيف من ذلك أيضا تيمم بالتراب لأنه في محل الضرورة أشبه بالحي ويؤيده ما رواه الشيخ عن زيد بن علي عن آبائه
434

عليهم السلام عن علي عليه السلام أن قوما أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله مات صاحب لنا وهو مجدور فإن غسلناه انسلخ فقال
عليه السلام: تيمموه. * مسألة: ولد الزنا يغسل ولا نعرف فيه خلافا إلا من قتادة. لنا: أنه مسلم فيدخل تحت العموم. * مسألة: وإذا أريد
غسل المقتول بدا أولا بغسل دمه لأنه نجاسة فبدا بإزالتها كالحي ثم يصب عليه الماء صبا ولا يدلك جسده ويبدأ بيده ودبره ويربط
جراحاته بالقطن والقصب وكذلك موضع الرأس ويجعل عليه زيادة قطن وإن كان الرأس قد بان من الجسد وهو معه غسل الرأس أولا
ثم الجسد ويضع القطن فوق الرقبة ويضم إليه الرأس ويجعل معه في الكفن وكذلك إذا أنزله إلى قبره يتناوله مع الجسد وأدخله الجلد ووجهه
إلى القبلة. * مسألة: الحبلى إذا ماتت ولم يمت ولدها شق بطنه من جانبها الأيسر وأخرج الولد وخيط الموضع وغسلت وكفنت
بعد ذلك وبه قال الشافعي وقال أحمد لا يشق بطنها بل يدخل القوابل أيديهن في فرجها ويخرجن الولد وإن لم يكن قوابل تركت الأم حتى يموت
الولد ثم يغسل ويكفن ويدفن. لنا: إن اخراجه باليد لا يؤمن معه الجناية عليه وتلفه وتركه حتى يموت إتلاف له فهما محرمان وإتلافه
جزء من الميت لا بقاء حياته أولى كما لو خرج بعضه حيا ولم يكن اخراجه إلا بالشق فإنه يشق الموضع إجماعا ويؤيده ما رواه الشيخ
في الصحيح عن علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن المراة يموت ولدها في بطنها يتحرك قال يشق عن الولد وعن علي بن أبي حمزة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن المرأة يموت ويتحرك الولد في بطنها أيشق بطنها ويخرج الولد قال نعم ومثله رواه وهب بن وهب عن أبي
عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام. فروع: [الأول] لو مات الولد ولم تمت أدخلت القابلة أو من يقوم مقامه يدها في فرجها وقطعت
الميت وأخرجته قطعة قطعة ولو لم توجد المراة فعل ذلك الرجل لأنه في محل الضرورة ويؤيده ما رواه الشيخ عن وهب بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام
عن أمير المؤمنين عليه السلام في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها قال لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه إذا لم يرفق به النساء.
[الثاني] لو ماتت ومات الولد بعد خروج بعضه أخرج الباقي وغسل وكفن ودفن وإن لم يكن اخراجه إلا بالشق ترك على تلك الحال
وغسل مع أمه لان الشق هتك حرمة الميت من غير ضرورة. [الثالث] إذا خرج بعضه ومات ولم يتمكن من اخراجه فقد قلنا أنه يغسل
مع أمه ولا يحتاج إلى التيمم لان الخارج له حكم من مات بعد خروجه في وجوب التغسيل وما بطن له حكم من مات في بطن أمه. [الرابع]
لو بلع الميت مالا فإن كان له لم يشق بطنه لان أتلفه في حياته ولا يستعقب العزم على نفسه ويحتمل أن يقال إن كان كبيرا ساغ الشق وإخراجه
لان فيه حفظا للمال عن الضياع وعونا للورثة وإن كان لغيره فإن كان بإذنه فهو كماله وإن كان بغير إذنه كان كالغاصب فيمكن أن يقال
لا يشق بطنه ويؤخذ من تركته احتراما للميت وتركا للمثلة به ويمكن أن يقال بالشق لان فيه حفظا للمال ونفعا لصاحبه يرده إليه وللورثة
ترك أخذ بعض التركة. [الخامس] لو كان في إصبع الميت أو اذنه أو يده شئ من الحلي وجب أخذه وإن لم يكن ذلك يرد وأخذ من غير تمثيل
بالميت. * مسألة: ولا يغسل الكافر وإن كان قريبا وبه قال مالك وقال الشافعي يغسل قرابته من المشركين وعن أحمد روايتان. لنا:
أنه لا يصلى عليه ولا يدعو فلا يغسله ولأنه نجس في حياته لا يطهر بالغسل فكذا بعد الموت ويؤيده ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي
عبد الله عليه السلام أنه سئل عن النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت قال لا يغسله مسلم ولا كرامة بدفنه ولا يقوم على القبر وإن
كان أباه احتج ا لشافعي بأن النبي صلى الله عليه وآله أمر عليا عليه السلام بمواراة أبيه. والجواب: نقلت الشيعة على اختلاف طبقاتهم أنه مات
مسلما أما المخالف فيكره للمؤمنين تغسيله فإن اضطر غسله غسل أهل الخلاف ولا يجعل معه الجريدة وأما الخوارج والغلاة
فلا يجوز تغسيلهم لأنهم يجحدون ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة. * مسألة: ولو مات جماعة في وقت واحد يبدأ بتغسيل من يخشى عليه
الفساد فإن لم يخف ذلك قال الشيخ فالأولى تقديم الأب ثم الابن وابن الابن ثم الجد ولو كانا أخوين متساويين في الدرجة قدم
الأسن فإن تساويا أقرع. * مسألة: ولا يجب في غسل الميت النية ولا التسمية وعن أحمد روايتان والأصح الوجوب. لنا: أنه غسل واجب
فهو عبادة وكل عبادة تجب فيها النية احتجوا بأن الأصل عدم الوجوب والتنفل لا يثبت إلا بالشرع احتج أحمد بأنه غسل يجب تعبدا
عن غير نجاسة فوجهه باقية كالجنابة ولما تعذرت النية والتسمية من الميت اعتبرت في الغاسل والجواب: المعارضة بأن نقول غسل وجب تعبدا
عن غير نجاسة فلا تجب النية على الغير كالجنابة قيل أن الميت ينجس بالموت وقد بيناه فيما مضى فغسله يجري مجرى غسل النجاسات.
* مسألة: ويستحب للغاسل إذا فرغ من غسل الميت أن ينشفه بثوب ولا نعلم فيه خلافا لأنه إذا لم ينشفه ابتلت أكفانه فأسرع إليها
الفساد ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام حتى إذا فرغت من ثلاث غسلات جعلته في ثوب نظيف ثم
جففته وعن يونس عنهم عليهم السلام ثم ينشفه بثوب طاهر. * مسألة: ويكره أن يقرب الميت بخور خلافا للشافعي. لنا: أن الاستحباب تعبد شرعي
فثبت على الشرع ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة قال قال أبو عبد الله عليه السلام لا تقربوا موتاكم النار يعني الدخنة احتج الشافعي
لنا بأنه يخفى ما ظهر من الميت من النجاسات والجواب: أنه يزول بالغسل وهو نادر أيضا. * مسألة: ويجوز لأهله أن يتغروه بعد الموت
435

ولا يمنعوا من ذلك روى الجمهور عن جابر قال لما قتل أبي جعلت اكشف وجهه وأبكي والنبي صلى الله عليه وآله لا ينهاني وعن عائشة قال رأيت
النبي صلى الله عليه وآله يغسل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس به بأس وفي الموثق عن
السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن رسول
الله صلى الله عليه وآله قبل عثمان بن مظعون بعد موته. * مسألة: ويغسل الميت أولى الناس به روى الشيخ عن غياث بن إبراهيم الرازي عن
جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: يغسل الميت أولى الناس به والأولى ها هنا المراد به المستحق للميراث فإن تعددوا وتشاحوا أقرع بينهم.
* مسألة: الرجل إذا مات لا يغسله إلا الرجال روى الشيخ في الصحيح عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرجل يموت في
السفر في أرض ليس معه إلا النساء قال: يدفن ولا يغسل. فروع: [الأول] يجوز للمرأة أن تغسل زوجها وإن كان هناك رجال ذهب
إليه العلماء وعن أحمد روايتان. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة قالت لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرناه ما غسل رسول الله صلى
الله عليه وآله غير نسائه ووصى أبو بكر أن يغسله امرأته أسماء بنت عميس ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: المرأة تغسل زوجها لأنه إن مات كانت في عدة منه وعن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته من غسل
فاطمة عليها السلام قال ذاك أمير المؤمنين عليه السلام وإذا ثبت ذلك في طرف المرأة فكذا في حق الرجل وعن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عن علي بن
الحسين عليهما السلام وصا أن يغسله أم ولده إذا مات فغسلته. [الثاني] إنما يغسله المرأة من فوق الثياب لئلا ينظر إلى شئ من عوراته
وقد انقطعت العصمة عنها روى الشيخ عن سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مات وليس عنده إلا نساء قال يغسله امرأة
ذات محرم منه ويصب النساء عليها الماء صبا ولا يخلع ثوبه. [الثالث] ذات الرحم المحرم كالمرأة في ذلك أما ذات الرحم غير المحرم
كبنت العم وبنت الخال فهي كالأجنبية. [الرابع] لو مات رجل مسلم بين رجال كفار ونساء مسلمات لا ذات رحم له فيهن أمر
بعض النساء رجالا من الكفار بالاغتسال وتعلمه تغسيل أهل الاسلام وفعله وبه قال السفيان الثوري خلافا لباقي الجمهور. لنا: ان تركه من غير
تغسيله مع إمكانه حرام وإطلاع الأجنبيات على عورته وتغسيله مع وجود الرجال غير جائز فيتعين ما قلناه احتجوا بأن الغسل عبادة
والكافر ليس من أهلها والجواب: المنع. [الخامس] لو مات بين النساء أباعد ولا رجل معهن مسلم ولا كافر دفنه من غير غسل وقال
سعيد بن المسيب يؤمم وبه قال النخعي وحماد ومالك وأصحاب الرأي وقال الحسن البصري يغسل من فوق الثياب وعن أحمد روايتان. لنا: روى أن
اطلاع الأجنبية عليه حرام وصب الماء عليه من غير عصر الثوب غير مطهر فلا اعتداد به ويؤيده رواية أبي الصباح الكناني وقد روى
الشيخ عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهن امرأته ولا ذو محرم من نسائه قال يوزرنه
إلى الركبتين ويصببن الماء عليه صبا ولا ينظر إلى عورته ولا يلمسنه بأيديهن ويطهرنه وعن أبي سعيد قال قال أبو عبد الله عليه السلام
يحل لهن ان يمسن منه ما كان يحل لهن أن ينظرن منه إليه وهو حي فإذا بلغن الموضع الذي لا يحل لهن النظر إليه ولا تمسه وهو حي صببن الماء
عليه صبا وحملها الشيخ على الاستحباب قال لان الممنوع منه إنما هو لهن حال التغسيل فأما صب الماء فلا. [السادس] لا بأس بأن يغسل
النساء والصبي وهو قول العلماء كافة واختلفوا في حده فالذي اختاره الشيخ جواز أن يغسل ابن ثلاث سنين وقال المفيد: ابن خمس و
قال أحمد: ابن سبع وقال الحسن البصري: إذا كان فطيما أو فوقه وقال الأوزاعي: ابن أربع أو خمس وقال أصحاب الرأي: الذي لم يتكلم. لنا: أن ما ذكرناه
متفق عليه فيعمل به وما عدا الأول فيه اتباع عمومات الأوامر ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي النمير مولى الحرث بن المعتبر البعري قال قلت لأبي
عبد الله عليه السلام حدثني عن الصبي إلى كم يغسله النساء؟ فقال: إلى ثلاث سنين قال الشيخ ويغسل مجردا من ثيابه. * مسألة: والزوج أحق
بالمرأة من كل أحد في كل الاحكام روى الشيخ عن عمار بن إسحاق عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها.
فروع: [الأول] للزوج أن يغسل امرأته وإن كان هناك نساء مسلمات وبه قال أكثر علمائنا وعطا وجابر بن زيد و
الشافعي ومالك وإسحاق وداود وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته وبه قال الشيخ في التهذيب
وعن أحمد روايتان. لنا: ما رواه الجمهور أن عليا عليه السلام غسل فاطمة عليها السلام وأشهر بين الصحابة ولم ينكر فكان إجماعا وعن النبي صلى
الله عليه وآله قال لعائشة: لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك والأصل في إصابة النقل إليه أن يكون للمباشرة ومن طريق الخاصة ما
رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال في المرأة إذا ماتت يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها وفي الصحيح عن محمد بن
مسلم قال سألت عن الرجل يغسل امرأته من وراء الثياب وعن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته من غسل فاطمة عليها السلام قال ذاك أمير المؤمنين عليه
السلام وفي الحسن عن محمد بن مسلم قال سألته عن الرجل يغسل امرأته قال نعم إنما يمنعها أهلها تعصبا ولأنه أحد الزوجين فجاز أن يغسل الآخر كالزوجة احتج المخالف
بأن هذا الفرقة يبيح نكاح الأخت فوجب أن يحرم النظر إليها كما لو طلقها قبل الدخول واحتج الشيخ بما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي
جعفر عليه السلام قال لا يغسل الرجل المراة إلا أن لا يوجد امرأة. والجواب عن الأول: أن التغسيل لا يستلزم النظر وبهذا يقول (ولهذا نقول) روى الشيخ
436

في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سأل عن الرجل يغسل امرأته قال نعم من وراء الثوب ولا ينظر إلى شعرها ولا إلى شئ منها وعن الثاني:
بالطعن في السند فإن في طريقه محمد بن سنان وفيه قول وأما رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يموت وليس مع إلا نساء قال
يغسله امرأته لأنها منه في عدة وإذا ماتت لم يغسلها لأنه ليس منها في عدة فإنها وإن كانت صحيحة السند فإن التعليل فيه نظر قال الشيخ ذلك
محمول عن النهي عن التغسيل مع التجرد من الثياب وهو جيد ويؤيده التعليل وما رووا من الأخبار الدالة على التغسيل من وراء الثوب.
[الثاني] لا خلاف بين علمائنا في جواز تغسيل الرجل امرأته والمراة زوجها إذا لم يوجد رجل أو امرأة لأنه في محل الضرورة. [الثالث]
هل يجوز للرجل أن يغسل المرأة إذا كان رحما محرما كالبنت والأخت في حال الاختيار فيه قولان لأصحابنا والأقرب عندي الجواز من فوق
الثياب. لنا: الأصل وما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان عن منصور قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته
يغسلها قال نعم وأمه وأخته ونحوهما يلقي على عورتها خرقة. [الرابع] لو لم يوجد النساء ولا هناك ذو رحم ولا زوج قال الشيخ المذهب
أنه لا يجوز لاحد أن يغسلها ولا يؤممها ويدفن بثيابها وبه قال الأوزاعي وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي في إحدى الروايتين يؤمم
وقال النخعي والشافعي في الوجه الآخر وأحمد في الرواية الأخرى يغسل احتج الشيخ بأنهم أجانب فلا يجوز لهم تغسيلها ولا أن يؤمموها لأنه
يستلزم الاطلاع المحذور ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري قال سألته عن امرأة ماتت مع رجال
قال تلف وتدفن ولا تغسل ونحوه رواه عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام وكذا روي في الصحيح عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام
وقد روى المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام يغسلون بطن كفيها ووجهها وفي رواية زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام قال
يؤمموها. [الخامس] قال الشيخ الزوج أولى من الأقارب والرحم المحرم كالأب والابن أولى من الرحم غير المحرم كابن العم وكذا العم أولى
من بنت العم وبنت العم أولى من الأجانب. [السادس] لو طلق الرجل امرأته فإن كان رجعيا ثم مات أحدهما ففي جواز تغسيل الآخر
له نظر أما لو كان الطلاق باينا فإنه يحرم ذلك لوقوع البينونة حالة الحياة فهما كالأجنبي. [السابع] لو مات أم ولده أو أمته فله غسلها
وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز. لنا: أنها منكوحة وله الاطلاع على عوراتها حال الحياة فكذا بعد الموت كالزوجة احتج أبو
حنيفة بأن عتقها قد حصل بالموت ولا عليه هناك من ميراث وغيره وكانت كأجنبية والجواب: الميراث ليس بمقتضي لجواز التغسيل ولا
عدمه مانع بدليل أما لو كان أحد الزوجين مملوكا. [الثامن] لو مات سيد الأمة فهل لها أن تغسله قال بعض الجمهور ليس لها ذلك
لأنها بموته انتقلت إلى غيره ولم يكن بينهما من الاستمتاع ما يضر (يصر) في معنى الزوجات وعندي فيه توقف. [التاسع] لو مات وله زوجة غير مدخولة
بها كان لها أن يغسل خلافا لبعض الجمهور عملا بالعمومات. [العاشر] لو كانت الزوجة ذمية يمكن لها أن تغسل زوجها المسلم إلا مع
عدم المسلمين وليس له أن يغسلها لان المسلم لا يغسل كافرا. [الحادي عشر] لو مات وله أم ولد قيل لا يجوز أن يغسله لأنها تعتق
بموته (فصادت) كالأجنبية قاله أبو حنيفة ولو قيل لها أن يغسلها لأنها لو ماتت غسلها كان وجها ويؤيده رواية إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه أن
علي بن الحسين عليهما السلام أوصى أن يغسله أم ولد له إذا مات فغسلته. [الثاني عشر] لو ماتت المرأة بين رجال مسلمين لا رحم لها فيهم
ولا زوج ونساء كافرات أمر بعض المسلمين بعض النسوة بالأغسال ثم يعلمها تغسيل أهل الاسلام وتغسلها لما قلناه في الرجل ويؤيده
ما رواه الشيخ عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم
من ذي قرابتها ومعها نصرانية ورجال مسلمون وليس بينها وبينهم قرابة قال: تغتسل النصرانية ثم تغسلها. [الثالث عشر] الخنثى المشكل لو مات وله رحم
محرم من الرجال والنساء جاز له أن يغسله وإن لم يكن فالأقرب جواز صب الماء عليه للرجل والمرأة من فوق الثياب وليس لأحدهما أن يغسله
مجردا يجوز (لجواز) أن يكون رجلا إن كان الغاسل امرأة أو امرأة إن كان رجلا. [الرابع عشر] يجوز للرجل أن يغسل الصبية إذا كانت
بنت ثلاث سنين مجردة من ثيابها وعن أحمد روايتان. لنا: ثلاث سنين فما دون فجاز أن يغسله مخالفه في الوصف كالصبي و
لو كانت أزيد من ذلك صبوا عليها الماء صبا ولا يجردوها. [الخامس عشر] يجوز للصبي العاقل أن يغسل الميت لأنه من أهل الطهارة
فجاز له أن يطهر غيره كالرجل.
{البحث الثالث} في التكفين، وهو فرض على الكفاية بلا خلاف بين العلماء وفيه
فضل كثير روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال: من كفن مؤمنا فكأنما ضمن كسوته إلى يوم القيامة ويستحب للانسان أن يعد كفنه لنفسه في
حياته لان فيه بذكر الآخرة وتعجيلا لتحصيله بعد وفاته روى الشيخ عن محمد بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال من كان كفنه معه
في بيته لم يكتب من الغافلين وكان مأجورا كلما نظر إليه. * مسألة: والكفن المفروض ثلاثة أثواب مئزر وقميص وإزار ذهب إليه
أكثر علمائنا وقال سلار: الواجب واحد والثلاث مستحب وهو قول الجمهور كافة. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة قالت كفن رسول الله صلى الله
عليه وآله في ثلاثة أثواب وذلك يدل على رجحانها وعلة الوجوب ما رواه الجمهور عن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال في الذي وقصت به
437

راحلته كفنوه في ثوبين اللذين مات فيهما والامر للوجوب ووجوب الثوبين يستلزم وجوب الثالث إجماعا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام (ثوب) لا أقل منه يواري فيه جسده كله فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة فما زاد
فمبتدع والعمامة سنة ولأنه أبلغ في الستر فكان أولى. فروع: [الأول] لو لم يوجد إلا ثوب واحد أجزأ لأنه في محل الضرورة ولو لم يكن الثوب
شاملا ستر رأسه وطرح على رجليه جريشا كما فعل النبي صلى الله عليه وآله بخمرة ولو لم يوجد إلا ساترة العورة وجب. [الثاني] يستحب أن
يزاد الرجل حبرة عبرية غير مطرزة بالذهب وخرقة لفخذيه يكون طوله ثلاثة أذرع ونصف في عرض شبر
تقريبا يشد طرفاها على حقويه
ويلف بالمسترسل منها فخذاه لفا شديدا بعد أن يجعل بين أليتيه شئ من القطن. [الثالث] يستحب أن يزاد الرجل عمامة وليست من الكفن
روى الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كتب أبي في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة كان يصلي
فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص فقلت لأبي لم تكتب هذا فقال أخاف أن يقلبك الناس فإن قالوا كفنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل وقال عممه
بعد بعمامة وليست يعد العمامة من الكفن إنما يعد ما يلف به الجسد وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الميت يكفن في ثلاثة سوى
العمامة والخرقة يشد بها وركيه لكيلا يبدو منه شئ والخرقة والعمامة لا بد منهما وليستا من الكفن. [الرابع] كفن المرأة المفروض مثل الرجل
لعموم قوله عليه السلام إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب. [الخامس] يستحب أن يزاد المرأة على كفن الرجل المستحب لفافة لثديها ونمطا ويعوض عن العمامة
بقناع قاله الشيخ في أكثر كتبه فيكون المستحب للرجل من الكفن خمسة أثواب عدا العمامة والمرأة سبعة عدا العمامة وقال الشيخ في الاقتصار (الاستبصار) النمط
هو الحبرة لان الحبرة بكسر الحاء وفتح الباء سبعة من التي شئ والتحسين وكذلك النمط. [السادس] لو تشاح الورثة في الكفن اقتصر
على المفروض منه خلافا للشافعي. لنا: أنه الواجب وما زاد مستحب وفعل مستحب مع كراهية المالك غير سائغ وكذا لو كان الوارث طفلا.
[السابع] ما زاد على ما ذكرناه سرف لا يجوز فعله لأنه إتلاف للمال. * مسألة: ولا يجوز أن يكون في الحرير ذكره الجمهور. لنا: أنه
محرم عليه في حال الحياة فكذا بعد الموت ويؤيده ما رواه الشيخ عن الحسين بن راشد قال سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصف اليماني
من فرو قطن هل يصلح أن يكفن فيها الموتى قال إذا كان القطن أكثر من الفرو فلا بأس وتعليق الحكم على الشرط يدل على النفي عند انتفاء
الشرط قضية الشرط وعن عبد الملك قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشترى من كسوة الكعبة شبرا فقضى ببعضه حاجته وبقي
بعضه في يده هل يصلح بيعه قال يبيع ما أراد ويهب ما لم يرده ولينتفع به ويطلب بركته وقلت أيكفن به الميت قال لا والظاهر أن النهي إنما كان
لكونه من الإبريسم ولا يعارض ذلك ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن آبائه عن علي عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله
عليه وآله نعم الكفن الحلة ونعم الأضحية الكبش الأقرن لأنه خير شاة لم يعمل به أحد من الأصحاب ولا أحد من الجمهور لاتفاقهم على كراهية
الإبريسم وفي طريقه ضعف. فروع: [الأول] هل يحرم تكفين النساء فيه عندي إشكال ينشأ من جواز لبسهن له في الصلاة بخلاف
الرجل ومن عموم النهي. [الثاني] يستحب أن يكون الكفن قطنا محضا روى الشيخ عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال الكتان
كان لبني إسرائيل يكفنون به والقطن لامة محمد صلى الله عليه وآله والأقسام دليل الرحمان وفي رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام أن الكفن
يكون بردا فإن لم يكن بردا فاجعله كله قطنا فإن لم يجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريا وكفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاث أثواب
في بردين ظفريتين من ثياب اليمن وثوب كرسف وهو ثوب قطن. [الثالث] يكره أن يكفن في الكتان لان القطن أكثر بقاصة ويؤيده
ما رواه الشيخ عن يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يكفن الميت في كتان وكذا يكره أن يكون في الممتزج
من الحرير وغيره من الاخبار. [الرابع] يكره أن يكون في الثوب الأسود ولا نعرف فيه خلافا روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال خير ثيابكم
البياض فالبسوها أحياكم وكفنوا فيها موتاكم وكفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب بيض ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يكفن الميت في السواد وعن الحسين بن المختار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يحرم الرجل في ثوب أسود قال لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفن به وقيل يكره أن
يكون في الثوب المعصفر والمصبوغ إلا ما كان من القصب وهو نبت ينبت باليمن قاله الأوزاعي ولا بأس بذلك لما فيه من منافاة فعل النبي
صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام. * مسألة: قد بينا أن غسل مس الميت واجب فإذا فرغ الغاسل من تغسيله يستحب له أن يغتسل ثم
يكفنه فإن لم يتمكن فيكون على أبلغ أحواله من الطهارة المزيلة للنجاسة العينية والحكمية عند تكفين البالغ في الطهارة فإن لم يتمكن
من ذلك استحب له أن يتوضأ لأنه إحدى الطهارتين وكان مستحبا كالآخر وتقريبا عليه لنقصانه عنه ويكفيه أن يغسل يديه إلى
المرفقين ثم يكفنه روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال قلت فالذي يغسله يغتسل قال نعم قلت فيغسله ثم يلبسه
أكفانه قبل أن يغتسل قال يغسله ثم يغسل يديه من العاتق ثم يلبسه أكفانه ثم يغتسل وفي رواية عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام
ثم تغسل يديك إلى المرفقين ورجليك إلى الركبتين ثم تكفنه وفي رواية يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح عليه السلام ثم يغسل الذي
438

غسله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرات ثم إذا كفنه اغتسل. فرع: لو خاف على الميت من ظهور حادثة سارع في تجهيزه واستحب
تقديم الكفن على الاغتسال. * مسألة: فإذا أراد تكفينه أخذ قطن وترك عليه شيئا من الذريرة المعروفة بالقحجة ووضعه على
فرجيه قبله ودبره ويحشو القطن في دبره لئلا يخرج منه شئ وقت تحريكه عند حمله ولا نعلم خلافا في استحباب ذلك ويؤيده ما رواه
الشيخ عن يونس عنهم عليهم السلام ويعمد إلى قطن فذر عليه شيئا من حنوطه ووضعه على فرجه قبله ودبره ويحشى القطن في دبره لئلا
يجري منه شئ. فروع: [الأول] إنما يستحب وضع القطن بين الأليتين فأما الحشو في الدبر وإنما يستحب عند خوف خروج شئ منه وأنكره
المزني. لنا: أن في حشو القطن مصلحة لا يصلح بدونه فكان مشروعا ويؤيده ما تقدم في الرواية عن يونس
احتج فيه تناولا بحرمة الميت
والجواب: أن في تركه تناولا بحرمته أيضا لجواز ظهور حادثة به وما ذكرناه أولا حكاية عن أكثر الناس. [الثاني] يكره أن
يجعل في سمعه وبصره شيئا من القطن والكافور خلافا للجمهور. لنا: أن تسويغ ذلك يتوقف على الشرع ولم يثبت ويؤيده ما رواه
الشيخ عن يونس عنهم عليهم السلام ولا يجعل في منخريه ولا في بصره ومسامعه ولا وجهه قطنا ولا كافورا وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال
قال: لا تجعل في مسامع الميت حنوطا وعن عثمان الثوري عن أبي عبد الله عليه السلام ولا تمس مسامعه بكافور. [الثالث] لو خاف من خروج
شئ من هذه المواضع استحب فيه جعل القطن والكافور بلا خلاف لان فيه منعا عن خروج شئ من الميت فأشبه القطن في الدبر ويؤيده
ما رواه عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام واجعل الكافور في مسامعه واثر سجوده منه وفيه وأقل من الكافور واجعل على عينيه قطنا وفيه
وأذنيه شيئا قليلا وفي رواية عبد الله الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام وإياك أن تحشو في مسامعه شيئا فإن خفت أن يظهر من المنخرين شئ
فلا شئ عليك أن تصير ثم قطنا فإن لم تخف فلا تجعل فيه شيئا. [الرابع] الذريرة وقال الشيخ هي قطاب قصب الطيب وهو قصب يؤتى به من الهند
يشابه قصب الثياب. * مسألة: ثم يأخذ الخرقة التي لفخذيه ويشدها من حقويه ويضم فخذيه ضما شديدا ويلفها في فخذيه بيده ثم
يخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن ويغمزها في الموضع الذي لف فيه الخرقة ويلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا
ولا نعلم خلافا في ذلك روى الشيخ عن يونس عنهم عليهم السلام وحد خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه وضم فخذيه ضما شديدا ولفها
في فخذيه ثم أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجناب الأيمن إذا غمزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة ويكون لف فخذيه من حقويه
إلى ركبتيه لفا شديدا. فروع: [الأول] هذه الخرقة مستحبة بلا خلاف وقد تقدم بيانه. [الثاني] روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن
سنان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف أصنع بالكفن قال تأخذ خرقة فتشد على مقعدته ورجليه قلت فالإزار قال إنها لا يعد شيئا
إنما يصنع ليضم ما هناك لئلا يخرج منه شئ وما يصنع من القطن أفضل منها. [الثالث] المستحب ضم الفخذين وشدهما معا بالخرقة لا شد
كل واحد من الفخذين والساقين وحده لان الفرض من ذلك التحفظ من خروج شئ من دبره وإنما يحصل بضم الفخذين ضما شديدا.
* مسألة: ثم يؤخذ المئزر فيوزره به من سرته إلى حيث يبلغ من ساقيه كما يأتزر الحي فيكون فوق الخرقة التي شدها على القطن وهذا
المئزر واجب عند أكثر علمائنا وقد سلف. * مسألة: ثم تعمد إلى الكافور الذي أعده أولا بحنوطه فيسحقه بيده ويضع منه على مساجده
السبعة وطرف أنفه فإن فضل من الكافور شئ كشف قميصه وألقاه على صدره ولا خلاف في ذلك وقد اتفق علماؤنا على وجوبه
وروى الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد إلى الكافور فامسح به آثار السجود منه ومفاصله
كلها ورأسه ولحيته وعلى صدره ومن الحنوط للرجل والمرأة سواء قال وأكره أن يتبع بمجمرة وعن عبد الله الكاهلي وحسين بن المختار عن
أبي عبد الله عليه السلام قال يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد وعلى اللبة وباطن القدمين وموضع الشراك من القدمين وعلى
الركبتين والراحتين والجبهة واللبة. فروع: [الأول] نهاية الفضل في الكافور ثلاثة عشر درهم وثلاث روى الشيخ عن علي بن
إبراهيم رفعه قال: السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهم وثلاث أكثره وقال أن جبرئيل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله بحنوط
وكان وزنه أربعين درهما فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة أجزاء جزءا له وجزءا لعلي عليه السلام وجزءا لفاطمة عليها السلام ويليه في
الفضل أربعة مثاقيل روى الشيخ في الموثق عن عبد الله بن يحيى الكاهلي والحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليه السلام قال الفضل من
الكافور أربعة مثاقيل قيل وثلث واحد روى الشيخ عن ابن أبي نجران عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال أقل ما يجزي من
الكافور للميت فقال مثقال وفي رواية أخرى مثقال ونصف والمراد من المثقال ها هنا الدرهم فالواجب أقل ما يمكن مسح المساجد به. [الثاني]
المحرم لا يقرب الكافور بلا خلاف وقد تقدم. [الثالث] اختلف أصحابنا في الكافور الذي يجعل في الماء للغسلة الثانية هل هو من
هذا المقدار أم لا؟ الأقرب أنه غيره. * مسألة: ثم يلبسه القميص وأكثر أصحابنا على وجوبه وقد تقدم ذلك وفي رواية عمار بن موسى عن
أبي عبد الله عليه السلام ثم القميص يشد الخرقة على القميص يحتال الفرج حتى لا يظهر منه شئ. * مسألة: ثم يضعه في الإزار ثم يضعه في الحبرة
439

والإزار واجب والحبرة مستحب وقد تقدم بيان ذلك وفي رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التكفين أن يبدأ بالقميص ثم بالخرقة فوق
القميص على أليتيه وفخذيه وعورته ويجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصف وعرضها شبر ونصف ثم تشد الإزار به ثم اللفافة ثم العمامة ويلقي
طرفا العمامة على وجهه ويستحب أن يطوي جانب اللفافة الأيسر على الأيمن والأيمن على الأيسر لئلا يسقط عنه إذا وضع على شقه الأيمن
في قبره ويستحب أن يشتد اللفافة والحبرة عند رأسه ورجليه ليمنع السقوط عند الحمل. * مسألة: ويستحب أن يوضع معه جريدتان خضراوان
من النخل وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام خلافا للجمهور أما ما رواه الجمهور أن سفيان الثوري سأل يحيى بن عبادة المكي عن التخضير فقال إن
رجلا من الأنصار هلك فاذن رسول الله صلى الله عليه وآله بموته فقال عليه السلام لمن يليه من قرابته خضروا صاحبكم فما أقل المخضرين يوم القيامة قال وما التخضير
قال جريدة خضرة توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الحسين بن زياد الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام
قال توضع للميت جريدتان واحدة في الأيمن والأخرى في الأيسر قال وقال الجريدة تنفع المؤمن والكافر وفي الحسن عن حريز وفضيل و عبد الرحمن بن أبي
عبد الله قال قيل لأبي عبد الله عليه السلام لأي شئ توضع مع الميت الجريدة قال إنه يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة. فروع: [الأول] يستحب
أن يكون طول كل واحدة من الجريدتين قدر عظم الذراع قال ابن بابويه وإن كانت قدر ذراع أو قدر شبر فلا بأس. [الثاني]
يستحب أن يوضع إحدى الجريدتين من جانبه الأيمن ترقوته فليلصقها بجلده والأخرى بين القميص والإزار. [الثالث] يستحب أن يتخذ من النخل
فإن لم يجد فمن السدر فإن لم يجد فمن الخلاف فإن لم يجد فمن شجر رطب لأنه في محل الضرورة فقام غيره مما يناسبه مقامه كغيره من ذوات الابدال
ويؤيده ما رواه الشيخ عن سهل بن زياد عن غير واحد من أصحابنا قالوا قلنا له جعلنا الله فداك إن لم تقدر على الجريدة فقال عود السدر قلت
فإن لم تقدر على السدر فقال عود الخلاف وعن علي بن مالك بلال أنه كتب إليه عليه السلام يسأله عن الجريدة إن لم يجد يجعل بدلها غيرها في موضع
لا يمكن النخل فكتب يجوز إذا اعوزت الجريدة والجريدة أفضل وبه جاءت الرواية وروى علي بن إبراهيم أنه يجعل بدلها عود الرمان. [الرابع]
يستحب أن تكونا رطبتين لان العلة في وضعها رفع العذاب عن الميت مدة رطوبتها فلا فائدة في غيره وقد أشار الأئمة عليهم السلام إلى هذه العلة
ويضيق عليها ويؤيده ما رواه الشيخ عن علي بن عيسى قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن السعفة اليابسة إذا قطعها بيده هل يجوز للميت توضع
معه في حفرته قال لا يجوز اليابسة. [الخامس] لو حضر من يتقيه ولم يتمكن من وضع الجريدة مع الميت من أكفانه فليدفنها في قبره لأنه
محل الضرورة ويريده ما رواه الشيخ عن سهل بن زياد رفعه قال قيل له جعلت فداك ربما حضرني من أخافه فلا يمكن وضع الجريدة
على ما روينا فقال ادخلها حيث ما أمكن وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجريدة توضع في القبر قال
لا بأس. [السادس] لو لم توضع الجريدة في الكفن جاز وضعها في القبر عملا بهذه الرواية ويؤيده ما رواه ابن بابويه قال مر رسول
الله صلى الله عليه وآله بقبر يعذب صاحبه فدعا بجريدة فشقها نصفين فجعل واحدة عند رأسه والأخرى عند رجليه قال وروي أن صاحب
القبر كان قيس بن فهد الأنصاري وروي قيس بن قمر وأنه قيل له لم وضعهما فقال إنه يخفف عنه العذاب ما كانتا خضراوين. [السابع] قال
الشيخان الأصل في وضع الجريدة أن آدم لما أهبطه الله تعالى من الجنة إلى الأرض استوحش فسأل الله تعالى أن يؤنسه بشئ من أشجار الجنة فأنزل الله عليه النخلة وكان يأنس بها
في حياته فلما حضرته الوفاة قال لولده إني كنت أنس بها في حياتي وأرجو الانس بها بعد وفاتي فإذا مت فخذوا منها جريدا وشقوه بنصفين
وضعوهما معي في أكفاني ففعل ولده ذلك وفعله الأنبياء بعده ثم اندرس ذلك في الجاهلية فأحياه النبي صلى الله عليه وآله وفعله وصارت
سنة متبعة قال الشيخ سمعت ذلك مذاكرة من الشيوخ مرسلا ولم يحضرني إسناده. [الثامن] قد بينا أنه يستحب أن يوضع الجريدتان إحديهما
من جانبه الأيمن عند من الترقوة يلصقها بجلده والأخرى بين القميص والإزار وروي أن إحديهما من توضع ترك بين الركبتين نصفا يلي الساق و
نصفا يلي الفخذ والأخرى تحت إبطه الأيمن. * مسألة: ويستحب أن يعد الكفن أولا قبل التغسيل لأنه أسرع في التجهيز فإذا حصل الكفن
وفرغ من تغسيله وضع الحبر واللفافة التي هي بدل منها وهي أحسن الثياب وأوسعها أولا و (ثم) سطها لأنها الظاهر واستحب أن يكون أحسن ثيابه
كالحي وينثر عليها الذريرة ثم يوضع اللفافة والأخرى عليها وينثر عليها شيئا من الذريرة وهذه اللفافة هي الإزار ثم يضع فوقها لقميص
وينثر عليه شيئا من الذريرة ويكثر من ذلك لأنه ملاصق لجسد الميت فاستحب فيه التطيب كالحي وقال عليه السلام اصنعوا موتاكم كما تصنعوا
عرايسكم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كفنت الميت فذر على كل ثوب شيئا من ذريرة و
كافور ثم يرجع إلى الميت فينقل من الموضع الذي اغتسل فيه حتى يضعه في قميصه ولو فعل ما ذكرناه من وضع الثياب ونثر الذريرة
قبل تغسيله كان أفضل ويكفنه وهو موجه إلى القبلة كما كان في حال تغسيله. فرع: لا يستحب نثر الذريرة على اللفافة والظاهرة
ولا على الجنازة وروى الجمهور عن أبي بكر قال لا تجعل على الحاكر حنوطا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يوضع على النعش الحنوط. * مسألة: ويستحب العمامة وهو مذهب علمائنا
440

أجمع خلافا لبعض الجمهور. لنا: أنها يجد للحي فكذا للميت ويؤيده ما رواه الشيخ عن يونس عنهم عليهم السلام يؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه
بالتدوير ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ثم يمد على صدره وفي رواية عثمان الثوري عن أبي عبد الله عليه السلام وإذا عممه فلا
يعممه عمر (عمامة) الأعرابي قلت كيف أصنع قال خذ طرف العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها إلى خلفه واطرح طرفها على ظهره وفي رواية
معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام يكفن الميت في خمسة أثواب وعدها ثم قال وعمامة يعمم بها ويلقى فضلها على وجهها (صدره) والأقرب أن
يعمم كما يعم الحي ويحنكه بالعمامة ويجعل لها طرفي على صدره قاله المفيد رحمه الله. فرع: العمامة ليست من الكفن لان الكفن هو ما يلف به جسد الميت
روى ذلك الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام. * مسألة: ويستحب أن يكتب على القميص والإزار والحبرة واللفافة القائمة
مقامها والجريدتين باسم الميت وأنه يشهد الشهادتين ويعد الأئمة عليهم السلام روى الشيخ عن أبي كهمش قال حضرت موت إسماعيل عليه السلام وأبو عبد
الله عليه السلام جالس عنده فلما حضره الموت شد لحيته وغمزه وغطا عليه الملحفة ثم أمر بتهيئة فلما فرغ من أمره دعا بكفنه فكتب في جانب
الكفن إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله. فروع: [الأول] يستحب أن يكتب ذلك بتربة الحسين عليه السلام لأنه
يتخذ للبركة وهو مطلوب
حينئذ. [الثاني] قال المفيد (ره) في رسالة إلى ولده بل التربة ويكتب بها وباقي الأصحاب أطلقوا ذلك ولا منافاة قال سقط
الثالث لو لم يوجد تربة كتب بالإصبع ويكره أن يكتب بالسواد لان فيه خروجا عن التكفين من البياض ومخالفة للنهي عن التكفين
بالسواد وكذا لا يكتب فيه شئ فيه صبغ من الأصباغ قال المفيد. * مسألة: ذهب أكثر علمائنا إلى كراهية تجمير الأكفان وقال ابن بابويه
يجمر الكفن وهو قول الجمهور. لنا: ما رواه الشيخ عن الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يجمر الكفن
وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور
فإن الميت بمنزلة المحرم ولان حال الاحرام أكمل أحوال الحي وهو لا يطيب ثيابه وكذا حالة الموت أشبه بها خروج الكافور وبالإجماع لفائدة
اكتساب الوردة منه فيبقى على المنع احتج ابن بابويه بما رواه غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام أنه كان يجمر
الميت بالعود فيه المسك وربما جعل على النعش الحنوط وربما لم يجعله وكان يكره أن يتبع الجنازة بمجمرة (الميت بالمجمرة) وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بدخنة كفن الميت وينبغي للمرء المسلم أن يدخن ثيابه إذا كان يقدر وعن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: وجمر ثيابه بثلاثة أعواد ولان الحي يستحب له أن يجمر ثيابه فكذا الميت ولأنها يخفى رائحته ما يخرج من الميت. والجواب عن الأول: أنه غير
دال على صورة النزاع إذ يدل على تجمير الميت وهو قد كرهه، وعن الثاني أنه إجمار عرض بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة قال قال أبو جعفر
عليه السلام لا تقربوا موتاكم النار يعني الدخنة، وعن الثالث: بضعف السند، وعن الرابع: بأن التطيب حصل بالكافور والذريرة واعلم أنه
يمكن الجمع بين الروايات فنقول كراهية التحمل إذا لم يخف خروج شئ من الميت وباستحبابه عن الخوف. فرع: لا يقرب الميت بطيب غير
الكافور والذريرة لرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال ابن بابويه أن رسول الله صلى الله عليه وآله حنط بمثقال
من مسك غير الكافور وقد روى الشيخ في الصحيح عن داود بن سرحان قال قال أبو عبد الله عليه السلام في كفن أبي عبيدة الحذاء إنما الحنوط
الكافور ولكن إذهب فاصنع كما يصنع الناس. * مسألة: قد بينا أن المرأة يستحب أن تزاد على كفن الرجل لفافة ونمطا ويستحب أيضا
أن يزاد من القطن المحتشي به قبلها لأنها لا يؤمن خروج شئ منه ويؤيده ما رواه الشيخ عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام
لما علمه تغسيل الميت قال ويحتاج المرأة من القطن لقبلها قدر نصف من وعن سهل بن زياد رفعه قال ويصنع لها القطن أكثر مما
يصنع للرجال ويحشى القبل والدبر بالقطن والحنوط ثم يشد عليها الخرقة شدا شديدا. فرع: ولا فرق بين الكبيرة والصغيرة في
ذلك ولا بين الحرة والأمة في الاحكام كلها وقال أحمد: يكون البالغة بخمار دون الطفل. لنا: العموم واحتج أحمد بأن ابن سيرين كفن
بنتا قد أعصرت إلى أقاريب المختص بغير خمار فاسد لأنه لا حجة في عمل ابن سيرين ولان الخمار عندنا غير واجب فيجوز تركه لا لأنه غير مشروع.
* مسألة: ويستحب اتخاذ الكفن من أفخر الثياب وأحسنها روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله ذكر رجلا من أصحابه قبض وكفن في غير
طائل فقال إذا كفن أحدكم أخاه فليخلق كفنه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن يونس بن يعقوب قال قال أبو عبد الله عليه السلام
ان أبي أوصاني عند الموت يا جعفر كفني في ثوب كذا وكذا واشتر لي بردا واحدا وعمامة واجدهما فإن الموتى يتباهون بأكفانهم وفي الصحيح
عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تتوقوا في الأكفان فإنكم تبعثون بها ويستحب أن يكون بيضاء بلا خلاف وروى الشيخ
عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وآله ليس من لباسكم أحسن من البياض فالبسوا وكفنوا فيه موتاكم. * مسألة:
ويستحب أن يكون في الجديد بلا خلاف لان النبي صلى الله عليه وآله كذا كفن والأئمة عليهم السلام ولو كفن في قميص له مخيط كان سائغا وينزع
أزراره وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيد قال سألت أبا جعفر عليه السلام أن يأمرني بقميص أعده لكفني فبعث به إلي فقلت
441

كيف أصنع قال انزع أزراره وفي رواية سهل بن اليسع عن الرضا عليه السلام قال سألته عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أيكفن فيها قال
أحب ذلك الكفن يعني قميصا قلت يدرج في ثلاثة أثواب فلا بأس به والقميص أحب إلي ولا يعارض ذلك ما قلناه أولا لان القميص ها هنا موصوف
والصلاة والصوم فيه ولا يلزم من أولوية الثوب المتعبد به أولوية غيره. * مسألة: ويكره أن يتخذ للأكفان الأكمام مبتدئة ولو كفن في قميص
مخيط لم يكن مكروها ولم ينزع منه روى الشيخ عن محمد بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يكون له القميص أيكفن
فيه فقال: اقطع أزراره قلت وكمه قال لا إنما ذاك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له أكماما فأما إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه إلا الأزرار.
* مسألة: ويكره أن يقطع الأكفان بحديد قاله المفيد رحمه الله وقال الشيخ سمعنا ذلك مذاكرة من الشيوخ رحمهم الله وعليه كان عملهم و
يكره أن يخاط بخيوط من غيره ويكره أن يبتل الخيوط بالريق. * مسألة: والكفن واجب بلا خلاف لان النبي صلى الله عليه وآله أمر به ولان ستره
واجب في الحياة وكذا بعد الموت ويؤخذ من أصل التركة مقدما على الديون والوصايا والميراث بلا خلاف لان حمزة ومصعب بن عمر لم يؤخذ
لكل واحد منهما إلا ثوب وكفن فيه نقله الجمهور ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثمن الكفن
من جميع المال ولان لباس المفلس مقدم على ديونه فكذا بعد الموت. فروع: [الأول] لا ينتقل إلى الورثة من التركة إلا ما يفضل عن
الكفن المفروض وكذلك موته ودفنه وتجهيزه أما ما زاد على الكفن المفروض أو الحنوط الواجب فإنه لا يؤخذ إلا مع انفاق الورثة ويبدأ
بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث. [الثاني] كفن المرأة على زوجها وإن كان لها مال ذهب إليه علماؤنا وهو قول بعض الشافعية
وإحدى الروايتين عن مالك وقال أبو حنيفة يؤخذ من مالها. لنا: أن كسوتها ومؤنتها واجب عليه في حال الحياة وكذا بعد
الموت كسيد العبد والوالد ولأنها لو تركت مالا ورثه فكذا عليه ما يتركه من غرامة ومؤنة ليتحقق قوله عليه السلام الخراج بالضمان ويؤيده
ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عليهم السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال على الزوج كفن امرأته إذا ماتت احتجوا بأن الزوجية انقطعت
بينهما ومع انتفاء السبب ينتفي الوجوب والجواب حكم الزوجية باق هذا كان أولى بها من كل أحد وساغ له النظر إليها وترثها لو تركت مالا
ولو انقطعت العصمة لم يثبت هذه الأحكام. [الثالث] لا فرق بين أن يكون لها مال أو لم يكن في وجوب المؤنة على الزوج كما لو كانت
حية ذات مال فإن النفقة يجب على الزوج وقال أبو يوسف إن لم يكن لها مال كانت مؤنتها على الزوج وإن كان لها مال كان في مالها وقال
أحمد يجب على من يلزمه نفقتها من الأقارب والكل باطل على ما تقدم. [الرابع] لو لم تجد للميت مالا استحب إعانته بالكفن ولا يجب ذلك
ولو لم يوجد باذل وكان هناك بيت مال وجب أن يؤخذ منه ولو لم يوجد دفن عريانا وكذا لو لم يوجد له ما شرى به كافور وسدر وقد
روى الشيخ عن الفضل بن يوسف الكاتب قال سألت أبا الحسن الموسى (ع) فقلت له ما ترى في رجل من أصحابنا يموت ولو يترك شيئا
يكفن به اشترى له كفنه من الزكاة فقال اعط عياله من الزكاة قدر ما يجهز موته فيكونون هم الذين يجهزونه قلت فإن لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره فأجهزه
انا من الزكاة قال كان أبي يقول أن حرمة بدن الميت كحرمته حيا فوار بدنه وعورته وجهزه وكفنه وحنطه واحتسب بذلك من
الزكاة وشيع جنازته قلت فإن اتجر عليه بعض إخوانه بكفن آخر وكان عليه دين أيكفن بواحد ويقضي دينه بالآخر قال لا ليس هذا ميراثا
تركه إنما هو شئ صار إليه بعد وفاته فليكفنوه بالذي اتجر عليه ويكون الآخر لهم يصلحون به شأنهم. [الخامس] لو أخذ السيل
الميت أو أكله السبع وبقي الكفن كان للورثة دون غيرهم إلا أن يكون قد تبرع به رجل فإنه يعود إليه ولو غصب ثوب وكفن به ميت جاز
لصاحبه نزعه ويستحب له أن يتركه عليه ويأخذ قيمته. [السادس] إنما يجب على الزوج القدر الواجب من الكفن لان الزائد مستحب له تركه
وهل يجب على الانسان كفن ولده أو والده أو من يجب النفقة عليه غير الزوج فيه توقف أقربه عدم الوجوب. * مسألة: ويكفن الصبي
كالبالغ بلا خلاف والسقط إذا تم له أربعة أشهر فصاعدا كفن كالرجل وإن كان لدونها لف في خرقة وقد تقدم ذلك. * مسألة:
والشهيد لا يكفن ولا يحنط بل يدفن بثيابه ولا نعرف فيه خلافا بين العلماء روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في شهداء أحد
زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يحشرون يوم القيامة بأوداجهم تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح المسك ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبان بن تغلب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسل ويكفن ويحنط قال: يدفن كما
هو في ثيابه لأنه فعل أعظم العبادة أن ثوابا وهو قتل نفسه في سبيل الله وكان على أبلغ أحواله في الكمال فاستحب دفنه كذلك. فروع:
[الأول] دفنه بثيابه وترك نزع شئ منه واجب وبه قال أبو حنيفة ومالك وقال أحمد والشافعي هو أولى أن ينزع عنه ثيابه
ويكفنه بغيرها. لنا: ظاهر الاخبار احتج أحمد بما روى أبو حنيفة أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وآله ثوبين ليكفن فيهما خمرة والجواب: أن خمرة
كان قد جرد فالنبي صلى الله عليه وآله كفنه وستر عورته. [الثاني] لو كان الشهيد مجردا من الثياب كفن لهذا الحديث ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على حمزة وكفنه لأنه كان
442

جرد وذكر التعليل يشعر بالتعدية. [الثالث] كل من وجب تغسيله من الشهداء وغيرهم يجب تكفينه ومن لا فلا. [الرابع] ينزع عن الشهيد
كل ما عليه من الحديد والسلاح بلا خلاف لأنه ليس بكفنه ولا ما يشبهه فكان تركه إضاعته أما ما ليس بسلاح ولا هو مما يعتاد لبسه كالجلود
الفرو والحشو والحفر (الخف) فقد اختلفوا فيه فالذي عليه الشيخ أنه لا ينزع منه شئ من ذلك إلا الحفر وقال المفيد يدفن بثيابه وينزع من حملتها
السراويل إلا أن يكون أصابه دم فلا ينزع عنه وكذلك ينزع عنه الفرو والقلنسوة فإن أصابهما دم دفنتا معه وقال مالك كقول الشيخ
وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بقول المفيد والأول أولى لقوله عليه السلام ادفنوهم بثيابهم وهو عام في الجميع وكذا قول الصادق عليه السلام يدفن
كما هو بثيابه احتج المخالف بما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله أمر في قتلى أحد بأن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفن بدمائهم
وثيابهم واحتج المفيد رحمه الله بما رواه عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام ينزع عن الشهيد الفرو والخف
والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل إلا أن يكون أصابه بدم فإن أصابه دم ترك ولا ترك عليه شئ معقود إلا حل. والجواب عن الأول:
إنا نقول بموجبه فإن الحديد ينزع عنه والجلود يجوز أن يكون إشارة إلى الخفين، وعن الثاني: بضعف السند. * مسألة: والمحرم
يكفن كالحلال ذهب إليه علماؤنا أجمع إلا أنه لا يقرب الكافور ولا شيئا من الطيب وقد تقدم ذلك بقي البحث منها عن تغطية رأسه فالذي
ذهب إليه علماؤنا أنه يغطى رأسه قالت عائشة وابن عمر وطاوس ومالك والأوزاعي وأبو حنيفة وقال عطا والثوري والشافعي وأحمد لا يغطى
رأسه. لنا: الأصل بطلان هذه العبادة بالثوب فلا يلحقه أحكامها والطيب أخرجناه لدليل أن صح بطل الالحاق
وإلا منعنا الحكم في الأصل و
يؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام أن الحسين بن علي عليهما السلام صنع بعبد الرحمن بن الحسين
ما صنع بالميت غطى وجهه وفي رواية أبي مريم عنها عليه السلام وخمر وجهه ورأسه وفي رواية محمد بن مسلم عنهما عليهما السلام يغطى وجهه وكذا في رواية
سماعة عنه عليه السلام احتجوا بما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال في حق الأعرابي الذي وقص به بعيره ولا تخمروا رأسه فإن الله تعالى
يبعثه ملبيا. والجواب: انه معارض بما قلناه من الأحاديث ويحتمل أن يكون ذلك خاصا به. فروع: [الأول] لا بأس أن يكفن في
المخيط خلافا لأحمد. لنا: الأصل وما ورد من استحباب التكفين في قميص يصلى فيه واحتجاج أحمد بأنه محرم خطأ قد مر بطلانه. [الثاني]
يجب تغطية رجليه وعن أحمد روايتان. لنا: ما تقدم ولأنه لا يمنع من تغطيتهما في حياته وإحرامه الحقيقي فكذا بعد وفاته وإحرامه التقديري
بل ذلك أبلغ. [الثالث] يغطى وجهه وقال أحمد في إحدى الروايتين لا يجوز. لنا: ما تقدم. [الرابع] لو كانت الميت الحرة محرمة ألبست
القميص جوازا بلا خلاف وخمرت ولا يقرب طيبا ويغطى وجهها خلافا لأحمد. * مسألة: فإذا فرغ الغاسل من تكفينه وضعه على
سريره ليصلى عليه ولا نعلم خلافا في ذلك فلا بأس بالنعش وهو التابوت وكرهه الشافعي. لنا: ما رواه الجمهور ان فاطمة عليها السلام هي أول من صنع
لها ذلك بأمرها وهي لا تأمر إلا بالراجح ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن أول
من جعل له النعش قال فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ولان ذلك أستر للميت فكان أولى احتج الشافعي بأن سعد بن أبي وقاص نهى
أن يجعل له ذلك والجواب: لا حجة بفعل سعد.
{البحث الرابع} في الصلاة عليه، وهي فرض على الكفاية إذا قام به البعض
سقط عن الباقين وإن لم يقم به أحد استحق بأسرهم العقاب بلا خلاف بين العلماء في ذلك وفيها فضل كثير وثواب جزيل وقال أمير
المؤمنين عليه السلام من شيع جنازة كتب له أربعة قراريط لاتباعه إياها وقيراط للصلاة عليها وقيراط للانتظار حتى يفرغ من دفنها وقيراط
للتعزية وقال الباقر عليه السلام من شايع جنازة حتى يصلي عليها ثم رجع كان له قيراط فإذا شايعها حتى يدفن كان له قيراطان القيراط مثل
جبل أحد وعنه عليه السلام من شيع جنازة أمرء مسلم أعطي أربع شفاعات يوم القيامة ولم يقل شيئا إلا قال الملك ولك مثل ذلك وقال عليه السلام
من شيع جنازة مؤمن حتى يدفن في قبره وكل الله به سبعين ملكا من المشيعين يشيعونه ويستغفرون له إذا خرج من قبره إلى الموقف
وقال عليه السلام أول ما يتحف به المؤمن في قبره أن يغفر لمن شيع جنازته وقال عليه السلام إذا دخل المؤمن قبره نودي إلا أن أول حبائك الجنة
ألا وأول من شيعك المغفرة. * مسألة: ويستحب الاسراع بالجنازة وهو قول العلماء وروى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أسرعوا
الجنازة فإن يكن صالحة فخير بعد موتها إليها وإن كان غير ذلك فشر يضعونه عن رقابكم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن السكوني
عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا مات الميت أول النهار فلا قيل إلا من قبره وعن جابر عن
أبي جعفر عليه السلام لا تنظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها وعجلوا بهم إلى مضاجعهم رحمكم الله وعن السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه
عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرما الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء والذي يقول قفوا والذي يقول
استغفروا غفر الله لكم ولان الابطاء مظنة للفساد فكان مكروها. فرع: المراد بالاسراع هنا أسرع لا يخرج عن المشي المعتاد وبه قال الشافعي
وقال أبو حنيفة يجب ويرمل. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه مر عليه بجنازة يمحض محضا فقال عليكم بالقصد
443

في جنائزكم وعن ابن مسعود قال سألنا عن النبي صلى الله عليه وآله عن المشي بالجنازة فقال ما دون الجنب ولان الشرع المقيد (..) و
يفسد ويؤذي الحامل والمشيع واحتج أبو حنيفة بقول أبي بكر كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله نرمل رجلا والجواب: يجوز أن يكون ذلك بفساد
عرض من الميت والخوف منه إذا ثبت هذا فلا خلاف في الاسراع بقدر الطاقة لو خيف الفساد على الميت من الابطاء. * مسألة: وحمل الجنازة
مستحب لما فيه من التوسل إلى الطاعة وقد فعله جماعة من الصحابة رواه الجمهور ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام
قال من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر له أربعين كبيرة وعن الصادق عليه السلام من أخذ قوائم السرير غفر الله له خمسة وعشرين كبيرة فإذا
ربع خرج من الذنوب إذا ثبت هذا فاستحب عندنا التربيع في الجملة وبه قال النخعي والحسن البصري والثوري وأبو حنيفة وأحمد وقال الشافعي
حمل الجنازة بين العمودين أولى من حملها من الجوانب الأربعة. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن مسعود أنه قال إذا تبع أحدكم جنازة فليأخذ
بجوانب السرير الأربعة ثم ليتطوع بعد أو ليدر فإنه من السنة ومن طريق الخاصة ما تقدم احتج المخالف بما روي أن عثمان حمل سريرا فيه بين
العمودين وحمل سعد بن أبي وقاص سرير عبد الرحمن بن عوف بين العمودين وحمل أبو هريرة سعد بن أبي وقاص كذلك. والجواب: ما نقلناه أولى لان
الظاهر من قول بن مسعود السنة أي من سنة الرسول الله صلى الله عليه وآله وأحاديث أهل البيت عليهم السلام دالة على ما قلناه وعملهم
أولى من عمل ما ذكر. فرع: التربيع المستحب عندنا أن يبدأ الحامل مقدم السرير الأيمن ثم يربعه ويدور من خلفه إلى الجانب الأيسر
فيأخذ رجليه اليسرى ويمر معه إلى أن يرجع إلى المقدم كذلك دور الرحاء وحاصل ما ذكرناه أن يبدأ فيضع قائمة السرائر التي يلي اليد اليمنى
للميت فيضعها على كتفه الأيسر ثم ينتقل فيضع القائمة التي يلي رجله اليمنى على كتفه الأيسر ثم ينتقل فيضع القائمة التي يلي رجله اليسرى
على كتفه الأيمن ثم ينتقل فيضع القائمة التي يلي يده اليسرى على يكتفه الأيمن وهكذا ورواه إسحاق وأحمد في إحدى الروايتين وابن مسعود وابن عمر وسعيد بن جبير وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في
رواية أخرى أنه يضع قائمة أيسر والأيسر على كتفه اليمنى من عند رأس الميت ثم يضع القائمة اليسرى من عند الرجل على الكتف اليمنى ثم
يعود إلى القائمة التي من عند رأس الميت فيضعها على كتفه اليسرى ثم ينتقل إلى اليمنى من عند رجليه. لنا: أن ما ذكرناه أخف فيكون أولى
ويؤيده ما رواه الشيخ من فضل بن يونس قال سألت أبا إبراهيم عن تربيع الجنازة قال إذا كنت في موضع تقية فابدأ باليد
اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم ارجع من مكانك إلى ميامن الميت لا تمر خلف رجليه البتة حتى تستقبل الجنازة فتأخذه بيده اليسرى ثم رجله اليسرى ثم ارجع من
مكانك لا تمر خلف الجنازة البتة حتى تستقبلها تفعل كما فعلت أولا فإن لم يكن موضع تنقى فيه فإن تربيع الجنازة التي جرت به السنة
أن يبدأ باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم بالرجل اليسرى ثم باليد اليسرى تدور حولها وعن العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
تبدأ في حمل السرير من الجانب الأيمن ثم تمر على من خلفه إلى الجانب الآخر حتى ترجع إلى المقدم كذلك دور الرحا عليه وليس هذا الحمل
بواجب بالاجماع ويؤيده ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد عن الحسين قال كتبت إليه أسأله عن سرير الميت يحمل له جانب يبدأ به في الحمل
من جوانبه الأربع وما خف على الرجل يحمل من أي الجوانب شاء فكتب من أيها شاء. * مسألة: وتشييع الجنازة مستحب بلا خلاف
روى الجمهور عن البراء قال أمرنا النبي صلى الله عليه وآله باتباع الجنائز وعنه صلى الله عليه وآله قال من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط
ومن شهد حتى يدفن فله قيراطان قيل وما القيراطان قال مثل الجبلين العظيمين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الأصبغ قال
قال أمير المؤمنين عليه السلام من تبع الجنازة كتب له أربع قراريط قيراط باتباعه إياها الحديث ولأنه فرض فكان مأمورا به كالصبي. فروع:
[الأول] لو دعا إلى جنازة ووليمة كان المضي إلى الجنازة وتشييعها أولى ولأنها فرض كفاية فلا يؤمن العقاب بتقدير ترك الجميع
ويؤيده ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن رجل يدعى إلى وليمة وإلى جنازة
فأيهما أفضل وأيهما يجيب قال يجيب الجنازة فإنها تذكر الآخرة وليدع الوليمة فإنها تذكر الدنيا. [الثاني] يستحب إشعار المؤمنين بموت
المؤمن ليتوقروا على تشييعه فيحصل لهم الثواب وله الرحمة بكثرة الدعاء ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي ولاد و عبد الله بن
سنان جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته فيشهدون جنازته ويصلون
عليه ويستغفرون له فيكتب لهم الاجر ويكتب للميت الاستغفار ويكتسب هو الاجر فيهم وفيما اكتسب له من الاستغفار. [الثالث]
روى الشيخ عن عتبة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من استقبل جنازة أو رآها فقال
الله أكبر هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا إيمانا وتسليما الحمد لله الذي تعززنا بالقدرة وقهر العباد
بالموت لم يبق في السماء ملك يكبر رحمة لصوته وروي عن أبان عن أبي حمزة قال كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا رأى جنازة قد أقبلت
قال الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم. [الرابع] روى عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الجنازة إذا
حملت كيف يقول الذي يحملها قال يقول بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات. [الخامس] يستحب
444

للمشيع التفكر في الموت والتخشع وذكر الله تعالى والاستغفار من الذنوب والاتعاظ بما يصير إليه الموت ولا يضحك ولا يتحدث بشئ من
أمور الدنيا ولا يهتم بها لقوله عليه السلام وأنها تذكرة الآخرة. [السادس] أدنى مراتب التشييع أن يتبعها إلى المصلى فيصلي عليها ثم ينصرف
وأوسطه يتبع الجنازة إلى القبر ثم يقف حتى يدفن وأكمله الوقوف بعد الدفن ليستغفر له ويسأل الله تعالى الثبات على الاعتقاد
عند سؤال الملكين روى الجمهور في حديث البراء ومن شهد حتى يدفن كأنه (كان له) قرطان وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان إذا دفن ميتا وقف
وقال استغفر له واسأل الله التثبيت فإنه الآن يسأل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة قال حضر أبو جعفر عليه السلام
جنازة رجل من قريش وأنا معه وكان فيها عطا فصرخت صارخة فقال عطا لتسكتن أو لنرجعن قال فلم يسكت فرجع عطا قال فقلت لأبي
جعفر عليه السلام أن عطا قد رجع قال ولم قلت صرخت هذه الصارخة فقال لها لتسكتن أو لنرجعن فلم يسكت فرجع فقال امض بنا فلو انا إذا
رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم قال فلما صلى على الجنازة قال وليها لأبي جعفر عليه السلام ارجع مأجورا
رحمك الله فإنك لا تقوى على المشي فأبى أن يرجع قال فقلت له قد أذن لك في الرجوع ولي حاجة أريد أن أسألك عنها فقال امض فليس
بإذنه جئنا لا بإذنه نرجع إنما هو فضل وأجره إلينا فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك وفي حديث الأصبغ عن أمير المؤمنين
عليه السلام قال وقيراط بالانتظار حتى يفرغ من دفنها. [السابع] لو رأى منكرا مع الجنازة أو سمعه فإن قدر على إنكاره وإزالته فعل وإزالة
وإن لم يقدر على إزالته استحب له التشييع ولا يرجع لذلك خلافا لأحمد. لنا: عموم الامر واتباع الجنائز ويؤيده رواية زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام وقد علل ترك الرجوع فقال عليه السلام فلو إنا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم. * مسألة:
يستحب المشي مع الجنائز ويكره الركوب وهو قول العلماء كافة روى الجمهور عن ثوبان قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في
جنازة فرأى ناسا ركبانا فقال ألا تستحيون أن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي
بصير قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول من مشى مع جنازة حتى يصلى عليها ثم يرجع كان له قيراط والمشي إنما ينصرف حقيقة في غير الركوب وفي
الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مات رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له
بعض أصحابه ألا تركب يا رسول الله فقال إني لأكره أن أركب والملائكة يمشون ولأنها طاعة وعبادة والمشي فيها أشق فيكون أكثر ثوابا
لقوله عليه السلام أفضل الأعمال أحمزها. * مسألة: ويكره المشي أمام الجنازة للماشي بل المستحب أن يمشي خلفها أو من أحد جانبيها
وهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال الأوزاعي وأصحاب الرأي وإسحاق وقال الثوري الراكب خلفها والماشي حيث شاء وقال أصحاب الظاهر
الراكب خلفها أو بين جنبيها والماشي أمامها وقال الشافعي وابن أبي ليلى والمالك المشي أمامها أفضل للراكب والراجل وبه قال عمر وعثمان
وأبو هريرة والقاسم بن محمد وابن الزبير وأبو قتادة وشريح وسالم والزهري. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدري قال سألت عليا عليه السلام
فقلت أخبرني يا أبا الحسن عن المشي مع الجنازة فقال فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع فقلت أتقول لهذا
برأيك أم سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لا بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وعن ابن مسعود عن النبي صلى
الله عليه وآله قال الجنازة متبوعة ولا تتبع ليس منها من يقدمها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي
عليهم السلام قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول أتبعوا الجنائز ولا تتبعكم خالفوا أهل الكتاب وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال مشى النبي
صلى الله عليه وآله خلف جنازة فقيل له يا رسول الله ما لك تمشي خلفها فقال إن الملائكة رأيتهم يمشون أمامها ونحن نتبع لهم وعن سعيد
عن أبي جعفر عليه السلام قال من أحب أن يمشي مشي الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير ولأنها متبوعة فينبغي أن يقدم كالامام والراكب
احتج المخالف بما رواه ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله مشى أمام الجنازة ولأنهم شيعا له فيتقدمون عليه والجواب عن الأول: أنه معارض
بما ذكرناه من الاخبار من طرقهم فيبقى ما ذكرناه من طرقنا سليما عن المعارض، وعن الثاني: أنه معارض بقياسنا. فروع: [الأول]
لو مشى أمامها لم يكن به بأس وروى الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها
ولا بأس بأن يمشي بين يديها وروى ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن المشي مع الجنازة فقال بين
يديها وعن يمينها وعن شمالها وخلفها. [الثاني] يستحب لمن شيع الجنازة أن لا يجلس حتى يوضع وبه قال الحسن بن علي عليهما السلام وابن
عمر وأبو هريرة وابن زبير والنخعي والشعبي والأوزاعي وأهل الظاهر وأصحاب الرأي وقال الشافعي لا يكره له الجلوس وبه قال مالك. لنا:
ما رواه الجمهور عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى يوضع ومثله رواه جابر ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال ينبغي لمن يشيع جنازة أن لا يجلس حتى يوضع في لحده فإذا وضع في
لحده فلا بأس بالجلوس ولان ما ذكره مناسب بالأمر بالمسارعة إلى الدفن احتج الشافعي بما رواه علي عليه السلام قال قام رسول الله صلى
445

الله عليه وآله وأمر بالقيام ثم جلس وأمر بالجلوس وزعم الشافعي أن هذا ناسخ لما تقدم والجواب أن إسحاق قال معناه أنه قام ثم ترك ذلك
بعد وحينئذ لا دلالة فيه لان المعنى أنه عليه السلام كان يقوم للمختار (للجنازة) إذا رآها ثم يقعد وإذا احتمل ما ذكره إسحاق لم يبق دليلا على النسخ
وأيضا فإن قوله عليه السلام كان يقوم يشعر بالله القيام وها هنا أنها وجدت منه منه الاستدامة. [الثالث] المستحب عندنا أن لا يجلس
حتى يوضع في لحده وهو قول أحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى حتى توضع عن أعناق الرجال. لنا: ما رواه أبو معاوية عن النبي صلى الله
عليه وآله إذا وضعتم الجنازة فلا يجلس حتى يوضع في اللحد ومن طريق رواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام. [الرابع] إذا
مرت به جنازة لم يستحب القيام لها إذا لم يرد تشييعها وبه قال الفقهاء وذهب جماعة من أصحابه كأبي مسعود البدري وغيره إلى وجوب
القيام وعن أحمد رواية بالاستحباب. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وآله
ترك القيام لها وفي حديث أن يهوديا رأى النبي صلى الله عليه وآله قام للجنازة فقال يا محمد هكذا تصنع فترك النبي صلى الله عليه وآله
القيام لها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال كنت عند أبي جعفر عليه السلام وعنده رجل من الأنصار فمرت به
جنازة فقام الأنصاري ولم يقم أبو جعفر عليه السلام فقعدت معه ولم يزل الأنصاري قائما حتى مضوا بها ثم جلس فقال له أبو جعفر عليه السلام ما
أقامك قال رأيت الحسين بن علي عليهما السلام يفعل ذلك فقال أبو جعفر عليه السلام والله ما فعله الحسين عليه السلام ولا قام لها أحد منا أهل
البيت عليهم السلام قط فقال الأنصاري شككتني أصلحك الله قد كنت أظن اني رأيت احتج المخالف بما رواه أبو سعيد الخدري يقول النبي صلى
الله عليه وآله إذا رأيتم الجنازة فقوموا الامر للوجوب واحتج أحمد بقول علي عليه السلام قال قام رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قعد و
الجواب عن الأول: أن المراد بذلك الامر بالقيام للاتباع ولأنها منسوخ وقد بيناه، وعن الثاني: بذلك أيضا على أنه يحتمل ما
نقله الأصحاب روى الشيخ عن موسى الخياط عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان الحسين بن علي عليهما السلام جالسا فمرت عليه جنازة فقام الناس
حين طلعت الجنازة فقال الحسين عليه السلام مرت جنازة يهودي وكان رسول الله صلى الله عليه وآله على طريقها فكره أن؟ تعلو؟ رأسه جنازة
يهودي فقام لذلك. [الخامس] يكره أن يتبع الميت بنار وهو قول كل من يحفظ عنه العلم روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا يتبع
الجنازة بصوت ولا نار ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يتبع
جنازة بمجمرة وعن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام أنه كان يكره أن يتبع الجنازة بالمجمرة. [السادس]
قد بينا كراهية تتبع الجنازة راكبا أما لعود فلا بأس به راكبا وهو عمل قول العلماء روى الجمهور عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله
عليه وآله اتبع جنازة من الدحلاح ماشيا فرجع على فرس ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله
عليه السلام عن أبيه عن علي عليهما السلام أنه كره أن يركب الرجل مع الجنازة في بدأته إلا مع عذر وقال يركب إذا رجع. [السابع] يكره
رفع الصوت عند الجنازة لأنه منافي الاتعاظ وقد روى الجمهور نهى النبي عليه السلام عن ذلك. [الثامن] يكره أن يقال خلف الجنازة
استغفر له وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وإبراهيم النخعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي روى الجمهور أن ابن عمر سمع قائلا يقول استغفر
له غفر الله لكم فقال له لا غفر الله لك رواه سعيد ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه قال ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرما الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء والذي يقول قفوا والذي يقول استغفروا له غفر الله
لكم ويكره أن يقول أيضا سلم سلمك الله وسلم رحمك الله قال أحمد أنه بدعة بل الأولى ما نقلناه عن أهل البيت عليهم السلام. [التاسع]
مشى الجنازة بالأيدي والأكمام ليس بمستحب ليوقعه على الدلالة ولم يثبت بل ربما كان مكروها لاشتماله على إفساد الميت. [العاشر]
يكره أن يمشي مع الجنازة بغير رداء لحديث السكوني أما صاحب المصيبة فإنه ينبغي له أن يضع ردائه ليتميز عن غيره فيقصده الناس
للتعزية روى الشيخ عن الحسين بن عثمان قال لما مات إسماعيل بن أبي عبد الله عليه السلام خرج أبو عبد الله عليه السلام بغير حذاء ولا رداء.
[الحادي عشر] يكره للنساء اتباع الجنائز ذكره الجمهور لأنهن أمرن بترك التسريح والحبس في البيوت وروت أم عطية عن اتباع الجنائز
ولم يعزم علينا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس ينبغي للمرأة الشابة يخرج إلى الجنازة
وصلى عليها إلا أن يكون امرأة قد دخلت في السن وفي رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا صلاة على جنازة
معها امرأة قال الشيخ المراد بذلك تعين الفضيلة لأنه يجوز لهن أن تخرجن ويصلين فإنه روى يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله عليه السلام
أن زينب بنت النبي صلى الله عليه وآله توفت وأن فاطمة عليها السلام خرجت في نسائها فصلت على أختها. [الثاني عشر] قد بينا
ان اتباع الميت بالنار مكروه أما لو كان ليلا فاحتج إلى ذلك لم يكن بأس بلا خلاف لأنه في محل الضرورة روى الجمهور أن النبي صلى الله عليه
وآله دخل قبر ليلا فأسرج به فيه سراج ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الجنازة يخرج معها بالنار
446

فقال إن ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله اخرج بها ليلا ومعها مصابيح. [الثالث عشر] يجوز حمل ميتين على سرير واحد وإن كان
مكروها وأشد منه كراهية حمل رجل وامرأة روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار قال كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أيجوز أن يجعل الميتين
على جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلة الناس؟ البيان؟ رجل وامرأة يحملان على سرير واحد ويصلى عليهما فوقع عليه السلام لا يحمل الرجل مع
المرأة على سرير واحد وقال الشيخ ولا يجوز حمل ميتين على سرير واحد لأنه بدعة. * مسألة: ويجب الصلاة على الميت البالغ من المسلمين
بلا خلاف روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال صلوا على من قال لا إله إلا الله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن طلحة بن
زيد عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال صلي على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله. فروع: [الأول]
المسلم ها هنا هو كل مظهر للشهادتين ما لم يعتقد خلاف ما علم بالضرورة ثبوته من الدين كالعارضي في علي عليه السلام أو أحد الأئمة عليهم السلام
كالخوارج أو من غلا فيه كالبصرية والسابئية والخطابية فهؤلاء لا يجب عليهم الصلاة لأنهم جحدوا ركنا من الدين واعتقدوا ما علم
بالضرورة بطلانه ويجب الصلاة على من عداهم. [الثاني] يجب الصلاة على أهل الكبائر والمرجوم في الزنا والمقتول في حد خلافا
لمالك فإنه قال: لا يصلى على من قتل في حد. لنا: ما رواه الجمهور من قوله عليه السلام صلوا على من قال لا إله إلا الله وذلك عام وعن أبي
جميلة أن النبي صلى الله عليه وآله خرج إلى قبا فاستقبل رهط من الأنصار يحملون جنازة على مات فقال النبي صلى الله عليه وآله ما هذا
قالوا مملوك لآل فلان قال كان يشهد أن لا إله إلا الله قالوا نعم ولكن كان وكان فقال أكان يصلي فقال قد كان يصلي ويدع فقال لهم
ارجعوا به فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه والذي نفسي بيده لقد كان من الملائكة يحول بيني وبينه ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له شارب الخمر والزاني والسارق يصلى عليهم إذا ماتوا فقالوا نعم و
عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله صلوا على المرجوم من أمتي وعلى القاتل نفسه من أمتي
لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة. [الثالث] من قتل نفسه يصلى عليه وهو قول علمائنا خلافا لعمر بن عبد العزيز
والأوزاعي. لنا: أنه بذلك لا يخرج من كونه مسلما فيدخل تحت عموم الامر بالصلاة على المسلمين وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه قال: صلوا على كل بر وفاجر ومن طريق الخاصة حديث السكوني. [الرابع] ويصلي الامام على
من قتل نفسه وقال أحمد لا يصلي
عليه الامام ويصلي عليه غيره. لنا: العموم احتج المخالف بما روى جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله جاءه برجل قتل نفسه بمشاقص فلم
يصلي عليه والجواب: يحتمل أن يكون ذلك بسبب غير القتل. [الخامس] القتال وهو الذي يكتم غنيمته أو بعضها ليأخذ لنفسه ويختص به يصلى
عليه إذا كان مسلما الامام وغيره في ذلك سواء وقال أحمد لا يصلي الامام عليه ويصلي عليه غيره. لنا: عموم الامر بالصلاة على المسلم ولم يخرج
بذلك عن الاسلام احتج أحمد بما رواه زيد بن خالد الجهني قال توفى رجل من جهنية يوم خيبر فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله
فقالوا صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه القوم فلما رأى ملتهم قال إن صاحبكم غل من الغنيمة والجواب: ترك الصلاة عليه لا يدل على المنع منها
لأنها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقي وقد علم النبي صلى الله عليه وآله أن جماعة من المسلمين يصلون عليها فسقط
عنه الفرض فجازت ترك منه عليه السلام لهذا الذنب الذي صدر عنه لان صلاته (ع) سكر له ولا يلزمه مساواة غيره عليه السلام له
فكيف يجوز يسبح الامر بالصلاة على أصحاب الكبائر بمثل هذا المحتمل أو تخفيفه به. [السادس] صاحب البدعة إن كفر ببدعته
لم تجب الصلاة عليه كالخوارج وبه قال أحمد ومالك وإن لم يكفر بها صلى عليه خلافا لأحمد. لنا: أنه مع الكفر لا يدخل تحت المسلمين
فلا يتناوله عموم الامر بالصلاة عليه ومع عدم التكفير يكون داخلا. [السابع] لا يجوز الصلاة على أحد من المشركين لقوله
تعالى: (ولا يصلي على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره). [الثامن] أطفال المشركين لا يصلى عليهم ما لم يسلم أحد أبويه ولا اعتبار
بالسابي وقال أحمد إن سبي منفردا أو مع أحد أبويه صلى عليه. لنا: أنهم بحكم آبائهم في الاحكام فهكذا في الصلاة عليهم. * مسألة:
والشهيد يصلى عليه وجوبا ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الحسن البصري وسعيد بن المسيب والثوري وأبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايات
وفي أخرى قال يصلي يستحب أن يصلي عليه وفي الثالثة أنه لا يصلى عليه وبه قال مالك والشافعي وإسحاق. لنا: ما رواه الجمهور عن عقبة أن النبي
صلى الله عليه وآله خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى الميت وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله
صلى على قتلى أحد وكان بعدمهم كذا ليس عايرهم وقوله عليه السلام صلوا على من قال لا إله إلا الله وذلك عام يتناول صورة النزاع و
الامر للوجوب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبان بن تغلب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يقتل في سبيل
الله أيغسل ويكفن ويحنط قال يدفن كما هو يدفن في ثيابه إلا أن يكون به رمق ثم مات فإنه يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه أن رسول
الله صلى الله عليه وآله صلى على حمزة وكفنه لأنه كان جرد وفي الحسن عن إسماعيل بن جابر وزرارة عن الباقر عليه السلام أن رسول الله
447

صلى الله عليه وآله دفن عمه حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها وزاد النبي صلى الله عليه وآله بردا فقصر رجليه فدعى له بإذخرة فطرحه عليه
وصلى عليه سبعين صلاة وكبر عليه سبعين تكبيرة ولأنه فاقد للحياة طالب للدعاء والاستغفار لان الشهادة لا تسقط عنه ذنوبه وجبت
الصلاة عليه كالميت احتج المخالف بما رواه جابر أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلهم ولم يصل عليهم ولأنه
لا يغسل مع إمكان غسله فلا يصلي عليه والجواب عن الأول: ان أحاديثنا أولى بالعمل لأنها مسببة، وعن الثاني: أن المنع مع التغسيل لأنه متضمن
إلقاء أثر أشرف العبادات وهو غير موجود في الصلاة. فروع: [الأول] كل من وجب تغسيله من الشهداء وجب الصلاة عليه.
[الثاني] النساء يصلى عليها لقوله عليه السلام صلوا على كل ميت رواه الجمهور ومن طريق الخاصة ما تقدم من العمومات وقال الحسن البصري
لا يصلى عليها وهو خطأ لما تقدم. [الثالث] ولد الزنا يصلى عليه وقال قتادة لا يصلى عليه وهو خطأ لعموم الامر. * مسألة:
ويجب الصلاة على من بلغ ست سنين فصاعدا ولا خلاف في ذلك إلا من سعيد بن جبير فإنه قال لا يجب الصلاة عليه حتى يبلغ. لنا: الاجماع ولا
اعتداد بمخالفته وما رواه الجمهور من العمومات الدالة على الوجوب وهي يتناول صورة النزاع ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن
عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الصلاة على الصبي متى يصلى عليه قال إذا عقل الصلاة قلت متى يجب الصلاة عليه
فقال إذا كان ابن ست سنين والصيام إذا أطاقه ولأنه مسلم يصح منه الصلاة والصوم شرعا فوجبت الصلاة عليه كالبالغ.
فروع: [الأول] لا يجب الصلاة على من لم يبلغ ست سنين ذهب إليه علماؤنا وهو قول سعيد بن جبير خلافا لباقي الجمهور.
لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله لم يصلي على ابنه إبراهيم عليه السلام رواه الجمهور ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام لما مات عبد الله ولد أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال إنه لم يكن يصلي على الأطفال إنما كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمر
بهم فيدفنون ولا يصلى عليهم وإنما صليت عليهم من أجل أهل المدينة كراهية أن يقولون لا يصلون على أطفالهم وفي الصحيح عن
علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألت عن الصبي أيصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين قال إذا عقل الصبي صلى عليه
ولأنها استغفار للميت وشفاعة ومن لا يؤمن بالصلاة وجوبا ولا ندبا لا يتحقق في طرفه الاستغفار له والشفاعة فيه ويسقط وجوبها
لسقوط المقتضي احتج المخالف بما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا سهل السقط صلى عليه والجواب: إذا وقع التعارض
فلا بد من التوفيق فيحمل ما ذكرناه على نفي الوجوب وما ذكروه على الاستحباب. [الثاني] يصلى على من لم يبلغ ست سنين استحبابا
أو تقية لما رواه الجمهور في حديث ابن عباس ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا يصلى على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهل ولم يصح ولم يورث من؟ البهيمة؟ ولا من غيرها وإذا استهل فصل عليه وورثه وعن
ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال لكم يصلى على الصبي إذا بلغ من السنين والشهور قال يصلى عليه على كل حال إلا أن يسقط لغير تمام وإنما قلنا إن هذه الأوامر للاستحباب للجمع بينهما
وبين ما تقدم وأما جواز الصلاة للتقية فلما تقدم في حديث زرارة عن الباقر عليه السلام. [الثالث] لو خرج بعضه واستهل
ثم مات استحب الصلاة عليه ولو خرج أقله وقال أبو حنيفة لا يصلى عليه حتى يكون أكثره خارجا. لنا: أن المقتضي هو الاستهلال فلا
اعتبار بكثرته ولا قلته. [الرابع] لو وضعته سقطا لدون أربعة أشهر لم يصلى عليه استحبابا ولا وجوبا بلا خلاف. * مسألة: ويصلى
على الصدر لو وجد منفردا ذهب إليه علماؤنا وبه قال أحمد في إحدى الروايتين والشافعي. لنا: إجماع الصحابة على ذلك فقد صلى أبو
أيوب على رجل وصلى عمر على عظام بالشام وصلى أبو عبيدة على رؤس بالشام رواه الجمهور وإذا ثبت الحكم في هذه الأعضاء ثبت في صورة
النزاع لعدم الفاصل ولأنه أولى لأنه محل العلوم والآداب على رأي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عليه السلام
عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن الرجل يأكله السبع والطير فيبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به قال يغسل ويكفن ويصلى عليه
ويدفن فإذا كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب وعن عبد الله ابن الحسين عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا
وسط الرجل بنصفين صلى على النصف الذي فيه القلب ولأنه بعض الميت وكان له حكمه لافتقاره إلى الشفاعة والاستغفار كالجميع
فروع: [الأول] لو وجد الأعظم من النصف ولا يكن في الصدر لم يصلى عليه عندنا وبه قال أحمد في إحدى الروايتين وقال
في الأخرى يصلى عليه وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك. لنا: ان الاعتبار بما فيه الصدر لأنه محل العلوم والاعتقادات والإرادات
فكان له حكم الجميع بخلاف غيره احتجوا بما تقدم والجواب يجوز أن يكون قد فعل ذلك استحبابا. [الثاني] لو وجد لحم بلا عظم دفن
بلا خلاف بيننا ولا يجب غسله ولا تكفينه ولا الصلاة عليه. [الثالث] لو وجد عضو فيه عظم غسل وكفن ولم يصلى عليه بل يدفن
وهو قول علمائنا وقال أبو حنيفة ومالك إن كان أكثر من النصفين صلى عليه وإلا فلا وقال أحمد في إحدى الروايتين والشافعي
يصلى عليه. لنا: أنه بمنزلة اللحم والجماد لعدم حلول الشعور فيه فلا يجب الصلاة عليه ولأنه كان يلزم الصلاة على العضو المقطوع من
448

الحي وليس ذلك لأنه ليس أهلا للاستغفار وقد روى الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا قتل فلم يوجد إلا لحم بلا
عظم لم يصل عليه فإن وجد عظم بلا لحم صلى عليه وعن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام وجد قطعا من ميت فجمعت ثم
صلى عليها ثم دفنت وعن محمد بن خالد عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا وجد الرجل قتيلا فإن وجد له عضو من أعضائه تام صلى
على ذلك العضو ودفن وإن لم يوجد له عضوا تام لم يصل عليه ودفن وذلك يتناول الصدر وغيره ولو قيل بالصلاة عليه استحبابا لهذه الأخبار
كان حسنا وليس المراد بذلك الوجوب لما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يصلي على عضو رجل من رجل أو يدا ورأس
منفردا وإذا كان البدن فصل عليه وإن كان ناقصا من الرأس واليد والرجل. * مسألة: ولا يصلى على الغائب عن بلد المصلي ذهب إليه علماؤنا
وبه قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي يجوز ذلك وعن أحمد روايتان. لنا: لو جاز ذلك لصلى على النبي صلى الله عليه وآله أعيان الصحابة في
الأمصار ولو فعل ذلك نقل ولان استقبال القبلة بالميت شرط ولان الحاضر في البلد لا يجوز له أن يصلي عليه مع الغيبة عنه ففي غير البلد
أولى احتج الجمهور بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه ففي النجاشي
صاحب الحبشة اليوم الذي مات فيه وصلى بهم في المصلى وكبر أربعا. والجواب: أن الأرض رويت (طويت) للنبي صلى الله عليه وآله فصلى عليه لأنه حاضر عنده
بخلاف غيره ولأنه حكاية فعل فلا يقتضي العموم ولأنه يمكن أن يكون الدعاء له لا أنه صلى عليه وأطلق على الدعاء اسم الصلاة وبالنظر إلى الحقيقة
الأصلية وقد ورد هذا في أخبار أهل البيت عليهم السلام روى الشيخ عن محمد بن مسلم وزرارة قال قلت له في النجاشي لم يصل عليه النبي صلى
الله عليه وآله فقال لا إنما دعا له. * مسألة: ولو اختلط قتلى المسلمين بالمشركين قال الشيخ روى أن أمير المؤمنين عليه السلام قال ينظر
إلى موردهم فمن كان صغير الذكر دفن قال فعلى هذا يصلى على من هذه الصفة وإن قلنا أنه يصلى على كل واحد منهم منفردا بشرط إسلامه كان احتياطا
قال وإن قلنا يصلي عليهم صلاة واحدة وينوي بالصلاة الصلاة على المؤمنين كان قويا وقال الشافعي مثل القول الأخير وهو جيد وبه قال
مالك وأحمد وقال أبو حنيفة إن كان المسلمون أكثر صلى عليهم وإن كانوا أقل لم يصل. لنا: على الأول بأن العلامة على الدفن علامة على الصلاة
لاشتراكها في الانعقاد، والثبوت وعلى الثاني الاحتياط، وعلى الثالث: حصول المقصود وهو الصلاة على المسلمين ولا اعتبار باختلاطهم
لتوجه القصد إلى المسلمين خاصة ولأنه أختلط من يصلى عليه بمن لا يصلى عليه فوجب الصلاة بالقصد إلى المسلمين كما لو كان المسلمون أكثر
احتج أبو حنيفة بأن الاعتبار بالأكثر فإن دار الحرب الظاهر فيها الكفر للكثرة ودار الاسلام الظاهر فيها الاسلام للكثرة والجواب: هذا حكم حصل مع الاشتباه أما مع اليقين
فلا ونحن نعلم وجود المسلمين في هذه الجملة فيجب الصلاة عليه وكما جاز أن يستثنى كافرا واحدا من ألف مسلم بالنية فكذا العكس وما ذكروه
ينتقض بالأخت لو اشتبهت مع عشرة فإنهن يحرمن كلهن والغالب هنا لم يعتد به. * مسألة: ولو صلى على جنازة قال الشيخ يكره له أن
يصلي عليها ثانيا وبه قال علي عليه السلام وقال علي عليه السلام وابن عمر وعائشة وأبو موسى وذهب إليه الأوزاعي وأحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة وقال ابن
إدريس يكره له ولغيره جماعة فأما فرادى فلا بأس. لنا: أن الصلاة الأولى سقط بها الفرض وما رواه الجمهور عمن ذكرنا من الصحابة ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على جنازة فلما فرغ
جاء قوم فقالوا فاتتنا الصلاة عليها فقال صلى الله عليه وآله أن الجنازة لا يصلى عليها مرتين ادعو له وقولوا خيرا وليس المراد بالنهي
ها هنا التحريم لما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على حمزة سبعين تكبيرة وصلى علي عليه السلام على سهل بن حنيف خمس صلوات و
كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة روى الشيخ في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كبر أمير المؤمنين عليه السلام على سهل بن حنيف
وكان بدريا خمس تكبيرات ثم مشى ساعة ثم وضعه وكبر عليه خمسا أخرى يصنع ذلك حتى كبر خمسا وعشرين تكبيرة وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام
قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج على جنازة امرأة من بني نجار فصلى عليها فوجد الحفرة لم يمكنوا فوضعوا الجنازة فلم يجئ
قوم إلا قال لهم صلوا عليها. فرع: لو صلى على جنازة فحضر قوم لم يصلوا عليها لم يكره لهم الصلاة عليها على إشكال وقال أبو حنيفة
لا يصلى عليها مرة ثانية إلا أن يكون الولي غائبا فيصلي غيره فيعيدها الولي فإن أراد بذلك الوجوب
فهو ممنوع لسقوط الفرض بالأدلة وإن أراد الجواز فمسلم. * مسألة: ولو دفن الميت من غير صلاة يصلي على قبره يوما وليلة فإذا
مضى ذلك قال المفيد رحمه الله في المقنعة لا يجوز الصلاة عليه واختاره الشيخ في المبسوط وقال في الخلاف يصلي عليه يوم وليلة وأكثره ثلاثة أيام
وقال أبو حنيفة ومالك والنخعي والثوري لا يصلي على القبر إلا الولي إذا كان غائبا وقال أحمد والشافي والأوزاعي يصلي إلى شهر وقال
بعض الشافعية يصلي أبدا وقال بعضهم ما لم يبل جسده ويذهب وقال بعضهم يجوز لمن كان في وقته من أهل الصلاة. لنا: على جواز
الصلاة عليه ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه ذكر له رجل مات قال فدلوني على قبره فأتى قبره فصلى عليه وعن ابن
449

عباس أنه مر مع النبي صلى الله عليه وآله على قبر منبوذ فإنهم صلوا خلفه وصلى على قبر سكينة ودفنت ليلا ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس أن يصلي الرجل على الميت بعد ما يدفن وعن مالك مولى الجهم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: فإذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن وعن عمر بن جميع عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا فاتته الصلاة على الميت صلى على القبر ولأنه ميت من أهل الصلاة فكانت الصلاة
عليه مشروعة بعد الدفن كالولي احتج أبو حنيفة بأنه لو صلى على القبر لكان قبر النبي صلى الله عليه وآله يصلى عليه في جميع الأمصار والجواب: إنما سوغنا
ذلك مدة يوم وليلة لمن لا يصلى عليه. فروع: [الأول] الأقوى عندي أن الصلاة بعد الدفن ليست واجبة لأنه بدفنه خرج
عن أهل الدنيا فيتناول البالي في قبره ويؤيده ما رواه الشيخ عن جعفر بن خنيس قال قدم أبو عبد الله مكة فسألني عن عبد الله بن
أعين فقلت مات فقال مات فقلت نعم قال فانطلق بنا إلى قبره حتى نصلي عليه قلت نعم قال ولكن يصلى عليه ها هنا فرفع يديه و
اجتهد في الدعاء وترحم عليه وفي الحسن عن زرارة قال الصلاة على الميت بعد ما دفن إنما هو الدعاء قلت فالنجاشي لم يصل
عليه النبي صلى الله عليه وآله فقال لا إنما دعا له وعن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يصلى على الميت بعدما يدفن فظهر من
هذه الأحاديث عدم الوجوب ومن الأدلة الرجحان فيبقى الاستحباب. [الثاني] لم نقف على مستند في التقديرات التي ذكرناها
عن الأصحاب وكلام الجمهور ضعيف. [الثالث] روى الشيخ عن علي بن إبراهيم عن أبي هاشم الجعفري قال سألت الرضا عليه السلام عن المصلوب فقال
أما علمت أن جدي عليه السلام صلى على عمه قلت اعلم ذلك ولكن لا أفهمه مبينا فقال أبينه لك إن كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن
وإن كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر فإن بين المشرق والمغرب قبلة وإن كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر وإن كان منكبه الأيمن إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر
وكيف كان منحرفا فلا تزايلن مناكبه وليكن وجهك إلى ما بين المشرق والمغرب ولا تستقبله ولا تستدبره البتة قال أبو هاشم وقد فهمت
إن شاء الله وقد فهمت والله. [الرابع] العريان يجب أن يستر عورته ثم يصلى عليه فإن لم يكن ساتر حفر له ووضع في لحده ووضع اللبن
على عورته فيستر عورته باللبن والحجر ثم يصلى عليه ثم يدفن ولا يدفن قبل الصلاة عليه روى الشيخ ذلك عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله
عليه السلام. * مسألة: والولي أحق بالصلاة على الميت من الوالي ذهب إليه علمائنا وبه قال الشافعي في الجديد وقال في القديم الوالي أولى
وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق. لنا: أنها ولاية يعتبر فيها ترتيب عصبات فقدم فيها الولي على الوالي كالنكاح ويؤيده ما رواه الشيخ
عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام عن آبائه عليهم السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق
بالصلاة عليها إن قدمه ولي الميت وإلا فهو غاصب احتج المخالف بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يؤم الرجل في سلطانه وما
رواه أبو حازم قال شهدت الحسين عليه السلام حين مات الحسن عليه السلام وهو يدفع بعجز في قفا سعيد بن العاص ويقول تقدم فلولا السنة لما قدمتك
وسعيد أمير المدينة. والجواب عن الأول: أنه محمول على غير صلاة الجنائز لأنها لا يتبادر إلى الفهم، وعن الثاني: بما قاله الشافعي أنه عليه السلام
أراد بذلك إطفاء الفتنة ومن السنة إطفاء الفتنة. فرع: أما الأصل أحق بالصلاة على الميت إذا قدمه الولي ويجب عليه تقديمه
لقوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) وإلا ما ثبت له ما ثبت للنبي صلى الله عليه وآله من الولاية وروى الشيخ عن طلحة بن
زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا حضر الامام الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة عليها ولا يجوز لغيره أن يتقدم عليه قال الشيخ فإن لم
يفعل الولي لم يزد له أن يتقدم أما لو لم يحضر الإمام العادل وحضر رجل من بني هاشم معتقد للحق كان أولى من غيره إذا قدمه الولي
ويستحب له تقدمه. * مسألة: وأحق الناس بالصلاة عليه أوليهم بالميراث قاله علماؤنا لقوله تعالى: (وأولو الأرحام بعضهم أولي
ببعض) ولأنه أولى به في أخذ ماله فيكون أولى به في الصلاة عليه ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي
عبد الله عليه السلام قال يصلى على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يجب. فروع: [الأول] إذا جمع الأب والولد فإن الأب أولى قاله
الشيخ وبه قال أكثر الفقهاء وقال مالك الابن أولى. لنا: استويا في الأولياء إلى الميت فان قال كل واحد منهما يدلي نفسه والأب أحق إلى
الولد وأشفق ودعائه له أقرب إلى الإجابة وشفاعته أولى بالقبول فكان أولى بالصلاة. [الثاني] لا خلاف في أن الأب أولى من غيره
من الأقارب عدا الابن على ما تقدم لان غير الابن يدلي أما بالأب أو بالابن وقد بينا أن الأب أولى من الابن فهو أولى من يتقرب به وبالأب.
[الثالث] قال الشيخ رحمه الله الابن أولى من الجد خلافا للجمهور. لنا: أنه أولى منه بمنزلة فقد ثبت اختصاصه بهذه المنزلة فكان أولى من الجد لأنه
معه كأجنبي في الميراث فكذا في الصلاة. [الرابع] قال رحمه الله ابن الابن أولى من الجد وخالف يه الجمهور وقد تقدمت دليله. [الخامس]
قال رحمه الله الجد من قبل الأب أولى من الأخ من قبل الأب والأم وبه قال أكثر الفقهاء وقال مالك الأخ أولى. لنا: ان دعاء الجد أسرع
إجابة من ولده فكان أولى بالصلاة احتج مالك بأن الأخ يدلي بنوه أبيه إليه والجد يدلي بأخوة أبيه إليه والبنوة عنده أولى من الأبوة والجواب: ما
450

قدمناه من الأولوية للأب. [السادس] الأخ من الأب والأم أولى من الأخ لأحدهما وبه قال الشافعي في أحد قوليه وفي الآخر أنهما يساويان.
لنا: أنه أكثر نصيبا في الميراث ولأنه يتقرب بسببين فهو أولى ممن يتقرب بأحدهما. [السابع] الأخ من قبل الأب أولى من الأخ من قبل الأم
لأنه أكثر نصيبا منه في الميراث ولان الأم لا ولاية لها في الصلاة فمن يتقرب به أولى. [الثامن] قال رحمه الله: الأخ من الأم أولى من العم
ثم العم أولى من الخال ثم الخال أولى من ابن العم وابن العم أولى من ابن الخال وبالجملة من كان أولى بالميراث كان أولى بالصلاة عليه. [التاسع]
يلزمه على قوله رحمه الله أن العم من الطرفين أولى من العم من أحدهما وكذا الخال ولو اجتمع ابنا عم أحدهما أخ لام كان الأخ من الأم على
قوله رحمه الله أولى من الآخر وهو أحد قولي الشافعي. [العاشر] لو لم يوجد أحد من الأقارب وكانت الولاية للمعتق لقوله عليه السلام لولا لحمة كلحمة
النسب ولو فقد المعتق فلا ولادة وإن فقدوا فللامام. [الحادي عشر] الزوج أولى من كل أحد من الأقارب وقال أبو حنيفة ولا ولاية للزوج
وعن أحمد روايتان. لنا: ما رواه الجمهور أن أبا بكر صلى على امرأة ولم يستأذن أخوتها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إسحاق بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له المرأة
تموت من أحق الناس بالصلاة عليها قال زوجها قلت الزوج أحق من الأب والأخ والولد قال نعم ويغسلها وقد روى أن الأخ
أحق من الزوج وروى الشيخ عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة
على المرأة الزوج أحق بها أو الأخ قال الأخ وعن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها
أيهما يصلي عليها؟ فقال: أخوها أحق بالصلاة عليها والرواية الأول أشهر بين الأصحاب فالعمل على مضمونها أولى قال الشيخ هذان الخبران
محمولان على التقية. [الثاني عشر] لو تساوى الأولياء كالاخوة والأولاد والعمومة قدم الأقرأ فالأفقه فالأسن قاله الشيخ رحمه الله
وللشافعي قولان أحدهما تقدم الأسن وعن أحمد روايتان. لنا: عموم قوله عليه السلام يؤمكم أقرأكم بكتاب الله ولان العلم أرجح من السن وقد
رجحها الشارح في المكتوبات احتج المخالف بأن المطلوب هنا إجابة الدعاء وهي حاصلة في الأسن والجواب لا نسلم ذلك فإن العالم الأصغر
أفضل من الجاهل الأسن فيكون دعاؤه أولى بالإجابة ولو تساووا في الصفات أقرع بينهم كما في الفرائض. [الثالث عشر] الحر أولى من العبد
وإن كان الحر بعيدا والعبد أقرب لان العبد لا ولاية له في نفسه ففي غيره أولى ولا نعلم فيه خلافا والبالغ أولى من الصبي كذلك والرجل أولى
من المرأة كل ذلك لا خلاف فيه ولو اجتمع صبي ومملوك ونساء فالمملوك أولى لأنه يصح أن يكون إماما بخلاف الآخرين فهو أولى منهما ولو
اجتمع النساء والصبيان فالنساء لان (أولى) الجماعة يصح منهن. [الرابع عشر] لا يؤم الولي إلا مع استكماله لشرائط الإمامة السابقة في باب الجماعة
وهو اتفاق علمائنا ولو لم يكن بالشرائط قدم غيره. [الخامس عشر] لو أوصى الميت ممن يصلي عليه لم يقدم على الأولياء وبه قال
الشافعي ومالك وأبو حنيفة وقال أحمد يقدم على الوالي والولي. لنا: أنها ولاية يترتب ترتيب العصبات فالولي فيها أولى بالنكاح ولان
تصرفه انقطع بالموت ووصيته لا أثر لها في حياته احتج المخالف بأنه حق للميت فيقدم وصيته فيها كتفريق ثلثه. والجواب: أن ولاية التدين
لا يثبت للعصبات بخلاف ملتنا (ما قلنا). * مسألة: ولو لم يوجد الرجال وهناك نساء صلين عليه وتؤمهن المرأة تقف بينهن ولا تبرز عنهن
وبه قال أبو حنيفة وأحمد وقال الشافعي يصلين منفردات وإن جمعن جاز. لنا: أنهن من أهل الجماعة فصلين عليه جماعة كالرجال ويؤيده ما
رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت المرأة تؤم النساء قال لا إلا على الميت
إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن
في الصف فتكبر ويكبرن. فرع: العراة يصلون على الميت كالنساء يقوم الامام في وسطهم لئلا يبدو عورته. * مسألة: وهي
خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية وعليه علماؤنا أجمع وبه قال زيد بن أرقم وحذيفة بن اليماني وقال الشافعي يكبر أربعا وبه قال الأوزاعي
والثوري وأبو حنيفة ومالك وداود وأبو ثور وقال محمد بن سيرين وأبي الشعبا جابر بن زيد أنه يكبر ثلاثا ورواه الجمهور عن ابن عباس
وقال عبد الله بن مسعود يكبر ما كبر الامام أربعا وخمسا وسبعا وتسعا عن أحمد روايات إحديهما يكبر أربعا والأخرى يتابع الامام إلى
خمس وأخرى يتابعه إلى سبع. لنا: ما رواه الجمهور عن زيد بن أرقم أنه كبر على جنازة خمسا وقال كان النبي صلى الله عليه وآله يكبرها رواه مسلم
ورواه سعيد بن منصور عن زيد بن أرقم أنه كبر خمسا فسئل عن ذلك فقال نبه رسول الله صلى الله عليه وآله والرد (روى) عن عيسى مولى الحذيفة
أنه كبر على جنازة خمسا فقيل له فقال مولى ولي نعمتي صلى على جنازة وكبر عليها خمسا وذكر حذيفة أن النبي صلى الله عليه وآله فعل ذلك وعن علي
عليه السلام أنه صلى على سهل بن حنيف وكبر عليه خمسا ورأى (روى) الابرم أن عليا عليه السلام كان يكبر على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله غير أهل بدر خمسا
وكان أصحابه معاد يكبرون على الجنائز خمسا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التكبير
على الميت خمس تكبيرات وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال كبر رسول الله صلى الله عليه وآله خمسا وفي الحسن عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال التكبير على الميت خمس تكبيرات وعن قدامة بن زيد قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على ابنه
451

إبراهيم وكبر عليه خمسا وفي الصحيح عن أبي ولاد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التكبير على الميت فقال خمسا وعن أبي بكر الحضرمي قال قال أبو جعفر
عليه السلام يا أبا بكر تدري كم الصلاة على الميت قلت لا قال خمس تكبيرات فتدري من أين أخذت الخمس قلت لا قال أخذت الخمس تكبيرات من الخمس صلوات من
كل صلاة تكبيرة وروى ابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال لما مات آدم فبلغ إلى الصلاة عليه قال هبة الله لجبرئيل
عليه السلام تقدم يا رسول الله صلى الله عليه وآله فصل على نبي الله فقال جبرئيل أن الله عز وجل أمرنا بالسجود لأبيك فلسنا نتقدم أبرار ولده
وأنت من إبراهيم فتقدم فكبر عليه خمسة عدة الصلوات التي فرضها الله عز وجل على أمة محمد صلى الله عليه وآله وهي السنة الجارية في ولده
إلى يوم القيامة احتج الجمهور بما رواه عن ابن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال إن الملائكة صلت على آدم فكبرت عليه أربعا وقالت
هذه سكنتم يا بني آدم وأن رسول الله صلى الله عليه وآله كبر على عمر بن مطعون أربعا وكبر على النجاشي أربعا. والجواب: أنها معارضة بما
ذكرنا من الاخبار ومن طرقهم فبقي ما رويناه من طرقنا أولى ولان رواياتنا قد اشتملت على التعليل من كون كل تكبيرة بدلا عن صلاته
فيكون أولى وبالجملة نقل أهل البيت عليهم السلام هو المعتمد عليه ولان رواياتنا قد اشتملت على الزيادة ويكون أولى لجواز سهو
الراوي ويحتمل أن يكون الراوي لم يسمع التكبيرة الخامسة لأنه قد روى أن الرسول عليه السلام كان يصلي على المنافق أربعا فإذا صلى
خمسا على غيره توهم الراوي المساواة لعدم سماعه ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان وهشام بن سالم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبر على قوم خمسا وعلى الآخرين أربعا فإذا كبر على رجل أربعا اتهم يعني بالنفاق فلانه لا يدعو
له بالرابعة فيسقط التكبيرة التي يعقبها الدعاء للميت ويؤيده ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن همام عن الرضا عليه السلام قال أبو عبد الله عليه السلام
ان رسول الله صلى الله عليه وآله كبر على جنازة فكبر خمسا صلى على جنازة وكبر عليه أربعا فالتي كبر عليها خمسا فحمد الله ومجده في الأولى ودعا
في الثانية للنبي صلى الله عليه وآله وفي الثالثة للمؤمنين والمؤمنات، وفي الرابعة للميت وانصرف في الخامسة والتي كبر عليها أربعا حمد الله
ومجده في التكبيرة الأولى، ودعا في الثانية لنفسه وأهل بيته ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة، وانصرف في الرابعة فلم يدع له لأنه كان منافقا وفي الرواية عمر بن
شمر عن جابر عن الباقر عليه السلام أنه ليس فيه شئ؟ موت؟ كبر رسول الله صلى الله عليه وآله أحد عشر وتسعا وستا وخمسا وست وأربعا و
عمر ضعيف فلا تعويل على ما ينفرد به. * مسألة: ولا قراءة فيها وعليه فتوى علمائنا أجمع وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري و
الأوزاعي وقال الشافعي يجب فيها قراءة الفاتحة وبه قال أصحاب الظاهر وروى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وابن زبير والحسن
البصري. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوقت. لنا: فيها قولا ولا قراءة. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة قالا سمعنا أبا جعفر عليه السلام يقول ليس في صلاة الميت قراءة ولا دعاء مؤقت إلا أن تدعو بما بدا لك
وأحق الأموات أن يدعى له وأن تبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وعن محمد بن مهاجر عن أمه أم سلمة قالت سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى على ميت كبر وتشهد ثم كبر وصلى على الأنبياء ودعا ثم كبر ودعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة
ودعا للميت ثم كبر الخامسة وانصرف فلما نهاه الله عز وجل عن الصلاة على المنافقين كبر وتشهد ثم كبر فصلى على النبيين عليهم السلام ثم كبر ودعا للمؤمنين
ثم كبر الرابعة وانصرف ولم يدع للميت وفعله عليه السلام بيان للواجب فلو كانت القراءة واجبة لما أخل عليه السلام بها ولأنها لا ركوع فيها فلا قراءة كسجود
التلاوة احتج المخالف بما رواه جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله كبر على الميت أربعا وقرأ بعد التكبيرة الأولى بأم القرى ولقوله عليه السلام
لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ولأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة كسائر الصلوات والجواب عن الأول: أن وقوع ذلك مرة
مع عدم الفاتحة في كل الأوقات لا يدل على الوجوب ونحن لم نوظف فيها شيئا بل المستحب الشهادة ومعناها موجود في الفاتحة فجاز أن يقرأها
عليه السلام وتركها في بعض الأوقات ليعلم عدم التوقيف في ذلك، عن الثاني أنه يطلق على الحقيقة الشرعية وهي ذات الركوع والسجود
ولهذا لو حلف لا يصلي فصلى على الجنازة لم يحنث عندهم، وعن الثالث: بالفرق لأنها ليست صلاة كاملة ولهذا لا يجب فيها ركوع ولا
سجود ذكر العلم يدل على بطلانها. فروع: [الأول] قال الشيخ في الخلاف يكره القراءة في صلاة الجنازة وقال الشافعي يجب وهي شرط
وأبطل قوله بما تقدم وقد روى الشيخ عن علي بن سويد عن الرضا عليه السلام قال فيما أعلم قال الرضا عليه السلام في الصلاة على الجنازة تقرأ في
الأولى بأم الكتاب قال الشيخ وهذه الرواية ضعيفة لان الراوي وهو علي بن سويد قد شك وكما يجوز أن يكون الشك في المنقول منه يجوز
أن يكون في المتن قال وقد روى هذا الراوي أيضا عن أبي الحسن الأول يعني الكاظم عليه السلام ذلك بعينه وهذا يدل على اضطرابه فلا يعمل
عليه ورواية عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان إذا صلى على ميت يقرأ بفاتحة الكتاب لا تعويل
عليها لشذوذها وانفرادها قال الشيخ هي محمولة على التقية. [الثاني] لا يستحب فيها الاستفتاح وهو قول أكثر أهل العلم وقال الثوري
يستحب وعن أحمد روايتان. لنا: أن الاستفتاح منوط بالقراءة وقد بينا سقوطها ولأنها مبنية على التخفيف وقد أمر بالاسراع
452

وذلك ينافي التطويل ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله ولا عن أحد من الصحابة ذلك احتج الثوري بأنه ذكر مستحب في غير صلاة الجنازة
فاستحب فيها. والجواب: الفرق لان المطلوب هنا التخفيف ويؤيد ما ذكرناه ما تقدم في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ولا يعارض ذلك
ما رواه الشيخ عن يونس عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال الصلاة على الجنائز التكبيرة الأولى استفتاح الصلاة لعدم الوثوق وصحة
السند ومخالفتها للروايات الشهيرة. [الثالث] لا يستحب فيها التعوذ ذهب إليه علماؤنا وبه قال أكثر الفقهاء وقال أحمد يستحب. لنا: أن التعوذ
للقراءة وهي منفية هنا ولان منبئ هذه الصلاة على التخفيف لما تقدم من الأحاديث. * مسألة: وليس فيها تسليم ذهب إليه علماؤنا أجمع
وبه قال النخعي وأكثر الجمهور على مشروعية التسليم. لنا: رواية ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لم يوقف في صلاة الجنازة قولا
ولا قراءة أخبر من طيب القول ما شئت ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله
عليه السلام قالا ليس في الصلاة على الميت تسليم وعن الحلبي قال قال أبو عبد الله عليه السلام ليس في الصلاة على الميت تسليم وعن إسماعيل بن
سعيد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سألته عن الصلاة على الميت فقال أما المؤمن فخمس تكبيرات وأما المنافق فأربع ولا سند
فيها وفي رواية زرعة عن سماعة قال سألت عن جنائز الرجال والنساء إلى أن قال فإذا فرغت سلمت عن يمينك ولا تعويل على هذه
الرواية لان زرعة وسماعة واقفيان مع عدم إسنادهما إلى إمام. * مسألة: وإذا ثبت عدم التوقيت فيها فالأقرب ما رواه محمد بن
مهاجر وقد تقدم وحمله ذلك أنه يكبر الأولى ويشهد الشهادتين وخالف فيه الجمهور وأوجبوا قراءة الحمد وقد سلف البحث معهم وقال أبو
حنيفة يحمد الله ويثني عليه. لنا: أن الشهادتين أفضل من التحميد فكان أولى. فروع: [الأول] يجب النية فيها لأنها عبادة فيفتقر إلى النية ولا نعلم
فيه خلافا سواء كان إماما أو مأموما. [الثاني] القيام واجب لأنها صلاة فيجب فيها القيام كغيرها ولان النبي صلى الله عليه وآله هكذا
صلى. [الثالث] يقول في تشهده اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله روى ذلك الشيخ عن زرعة عن
سماعة وقد روى عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال يكبر ثم يقول " إنا لله وإنا إليه راجعون إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين
أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد
مجيد اللهم صل على محمد وعلى الأئمة المسلمين اللهم صل على محمد وعلى إمام المسلمين اللهم عبدك فلان وأنت أعلم به اللهم ألحقه بنبيه وافتح
له في قبره ونور له فيه وصعد روحه ولقه حجته واجعل ما عندك خيرا له وارجعه إلى خير مما كان فيه اللهم عندك تحية فلا تحرمنا أجره
ولا تفتنا بعده اللهم عفوك عفوك اللهم عفوك عفوك " يقول هذا كله في التكبير الأولى وقال ابن أبي عقيل يكبر ويقول " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صلى على محمد وآل محمد واعل درجته وتبيض وجهه كما بلغ رسالاتك وجاهد في سبيلك ونصح لامته
ولم يدعهم سدا مهملين بعده بل يصيب لهم الداعي إلى سبيلك الدال على النبيين عليه من حلالك وحرامك داعيا إلى موالاته ومعاداته
ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وعبدك حتى أقام اليقين فصلى الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين " ثم يستغفر للمؤمنين
والمؤمنات الاحياء منهم والأموات ثم يقول " اللهم عبدك وابن عبدك تنحى من الدنيا واحتاج إلى ما عندك ونزل بك وأنت خير منزول به
افتقر إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت اعلم به منا فإن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فاغفر
له ذنوبه وارحمه وتجاوز عنه اللهم ألحقه بنبيه وصالح سلفه اللهم عفوك عفوك " ثم كبر ويقول هذا في كل تكبيرة وفي رواية أبي ولاد
قال سألت أبي عبد الله عليه السلام عن التكبير على الميت فقال خمس تكبيرات يقول إذا كبرت " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد
أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد " ثم يقول اللهم إن هذا المسجى قدامنا عبدك وقد قبضت روحه إليك وقد احتاج
إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه اللهم ولا نعلم من ظاهره إلا خيرا وأنت أعلم بسريرته اللهم إن كان محسنا
فضاعف إحسانه وإن كان مسيئا
فتجاوز عن إسائته " ثم يقول ذلك في كل تكبيرة قال الشيخ وهذا الخبر لم يتضمن الفصل بين الشهادتين والدعاء بالتكبير بالتعويل على الخبر
الذي فيه التفصيل وهو حديث محمد بن مهاجر. * مسألة: ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وعليهم السلام ولا نعرف خلافا في
ذلك روى الجمهور عن ابن عباس أنه صلى على النبي وآله عليهم السلام في التكبيرة الثانية ورواه الأصحاب في خبر محمد بن مهاجر وغيره من الاخبار
ولان تقديم الشهادتين يستدعي تعقب الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وعليهم كما في الفرائض وينبغي أن يصلي على الأنبياء
لان في حديث محمد بن مهاجر ثم كبر الثانية وصلي على الأنبياء وفي غيره بين الاخبار ثم كبر ودعا لنفسه وأهل بيته قال ابن بابويه يقول إذا كبر
الثانية " اللهم صلى على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ".
* مسألة: ثم يكبر الثالثة ويدعو للمؤمنين والمؤمنات وأطبق الجمهور على أنه يدعو للميت أيضا. لنا: أن الواجب خمس تكبيرات والدعاء
للميت في الثالثة يستلزم إخلاء الدعاء عقيب الآخرين ويؤيده حديث محمد بن مهاجر قال ابن بابويه ويقول " اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات
453

والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والأموات ". * مسألة: ثم يكبر الرابعة ويدعو للميت وأكثر الجمهور على أن الرابعة لا يتعقبها دعاء
وعن أحمد روايتان. لنا: أنه قيام في صلاة فشرع فيه الذكر الذي قبله ولانا بينا أن الثالثة يدعى فيها للمؤمنين خاصة ويعقب الرابعة للدعاء
للميت ويؤيده حديث محمد بن مهاجر عن الصادق عليه السلام في كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وآله. فروع: [الأول] الدعاء للميت واجب لان وجوب
صلاة الجنازة معلل بالدعاء للميت وشفاعة فيه (عنه) ذلك لا يتم بدون وجوب الدعاء وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن علي بن سويد عن الرضا عليه السلام وتدعو في الرابعة لميتك.
[الثاني] لا يتعين هاهنا الدعاء أجمع أهل العلم على ذلك ويؤيده أحاديث الأصحاب. [الثالث] وقال ابن بابويه يقول " اللهم إن
هذا عبدك بن عبدك ابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا اللهم إن كان محسنا فزد
في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له اللهم اجعله عندك في أعلى عليين واخلف على أهله في الغابرين وارحمه برحمتك
يا أرحم الراحمين " وفي حديث كليب الأسدي عن أبي عبد الله عليه السلام " اللهم عبدك احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه اللهم إن كان
محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فاغفر له ". [الرابع] لو لم تعرفه لم تقل اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا لأنه يكون كذبا بل يقول ما رواه
الشيخ عن ثابت أبي المقدام قال كنت مع أبي جعفر عليه السلام فإذا بجنازة لقوم من جيرته فحضرها وكنت قريبا منه فسمعته يقول " اللهم
إنك خلقت هذه النفوس وأنت تميتها وأنت تحييها وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها منا ومستقرها ومستودعها اللهم وهذا عبدك
ولا أعلم منه سوء وأنت أعلم به وقد جئناك شافعين له بعد موته فإن كان مستوجبا فشفعنا فيه واحشره مع من كان يتولاه " وكذلك
من علم منه الشر لا يقول ذلك في حقه لأنه يكون كذبا. [الخامس] هذا القول لمن علم منه الخير وإن لم يكن واجبا لكنه مستحب روى الجمهور
عن النبي صلى الله عليه وآله قال ما من عبد مسلم يموت يشهد له اثنان من جيرانه إلا دين بخبر إلا قال الله تعالى قد قبلت شهادة عبادي
على ما علموا وغفرت له ما أعلم ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عمر بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إذا مات
المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين وقالوا اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا قال الله تبارك وتعالى قد أجزت
شهادتكم وغفرت له ما علمت مما لا يعلمون. [السادس] لو كان الميت غير مؤمن دعا عليه ولعنه لأنه أهل لذلك روى الشيخ في الحسن
عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما مات عبد الله بن أبي سلول حضر النبي صلى الله عليه وآله جنازته فقال عمر لرسول الله صلى الله
عليه وآله يا رسول الله صلى الله عليه وآله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره فسكت فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله ألم ينهك الله من تقوم على قبره
فقال له ويلك وما يدريك ما قلت إني قلت اللهم احش جوفه نارا واملا قبره نارا واصله نارا وعن عامر بن السبط عن أبي عبد الله عليه السلام أن رجلا
من المنافقين مات فخرج الحسين عليه السلام يمشي معه فلقيه مولى له فقال له الحسين عليه السلام أين تذهب يا فلان فقال مولاه فر من جنازة هذا المنافق
أن أصلي عليها فقال له الحسين عليه السلام انظر أن تقوم على يميني فما يستمعني أقول فقل مثله فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين عليه السلام الله أكبر اللهم العن فلانا عبدك ألف
لعنة موتلفة غير مختلفة اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك واصله حر نارك وألقه شر عذابك فإنه كان يتولى أعدائك ويعادي أوليائك
ويبغض أهل بيت نبيك وزاد ابن بابويه في حديث آخر عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا صليت على عدو الله فقل اللهم ضيق عليه قبره وإذا رفع
فقل اللهم لا ترفعه ولا تركه. [السابع] لو كان مستضعفا دعا بما رواه الشيخ في الحسن عن الفضل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا
صليت على المؤمن فادع له واجتهد في الدعاء وإن كان واقفا مستضعفا فكبر وقل " اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذابك الجحيم ".
[الثامن] لو كان طفلا قال " اللهم هذا الطفل كما خلقته قادرا وقبضته طاهرا فاجعله لأبويه فرطا لغد وارزقنا أجره ولا تفتنا بعده " قال المفيد رحمه الله
وروى الشيخ عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال في الصلاة على الطفل أنه كان يقول " اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا " و
الفرط بفتح الفاء والراء هو المتقدم على القوم ليصح لهم ما يحتاجون إليه في أصل الوضع قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا فرطكم على الحوض
وهذا كلها إذا كان مندوبة لا واجبة. * مسألة: ثم يكبر الخامسة ويقول " عفوك عفوك " وقد بينا وجوب الخمس وخالف فيه بعض الجمهور
وقد سلف البحث معهم وينصرف ولا يحتاج إلى التسليم على ما تقدم. فرع: يستحب أن لا يبرح من مكانه حتى يرفع الجنازة على أيدي الرجال
لأنهم شافعون فيه فلا ينصرفون قبل انفصاله عنهم ويؤيده ما رواه الشيخ عن حفص بن غياث عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام أن عليا عليه السلام
كان إذا صلى على جنازة لم يبرح من مصلاه حتى يراها على أيدي الرجال. * مسألة: ويستحب الاسرار بالذكر في صلاة الجنازة وبه قال
أبو حنيفة وقال الشافعي يسر بها نهارا ويجهر ليلا. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عباس أنه جهر ثم قال إنما جهرت لتعلموا لا أنه مسنون و
لأنه دعاء في الحقيقة فكان الاخفاء فيه أقرب إلى الإجابة لبعده عن الرياء. * مسألة: ويستحب رفع اليدين في أول تكبيرة وهو قول أهل العلم
كافة أما رفع اليدين في باقي التكبيرات فقد اختلف علماؤنا فيه فالذي اختاره الشيخ رحمه الله في المبسوط والنهاية والمفيد والسيد المرتضى
454

ترك الرفع استحبابا وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة وقال الشيخ في كتابي التهذيب والاستبصار باستحباب الرفع في الجميع وبه قال الشافعي والأوزاعي
وعطا وإسحاق والزهري وأحمد وهو الأقوى عندي. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرفع يديه في كل تكبيرة
وان بن عمر وأنس كانا يفعلان لك والظاهر أنه كان توقيعا من الرسول صلى الله عليه وآله ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن الغرري
عن أبي عبد الله عليه السلام قال صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام على جنازة فكبر خمسا يرفع يديه في كل تكبيرة وعن يونس قال سألت الرضا عليه السلام عن ذلك فقال ارفع يدك في كل
تكبيرة وعن محمد بن عبد الله بن خالد مولى بني الصيد أنه صلى خلف جعفر بن محمد عليهما السلام على جنازة فرآه يرفع يديه في كل تكبيرة ولان الرفع في الأولى دليل
الرجحان فشرع في الباقي تحصيلا للأرجحية ولأنها تكبيرة تقع في حال الاستقرار فاستحب فيها الرفع كالأولى احتج الأصحاب بما رواه غياث بن
إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام عن علي عليه السلام أنه كان لا يرفع يده في الجنازة إلا مرة واحدة يعني في التكبير ونحوه رواه عن إسماعيل بن إسحاق بن
أبان الوراق عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام واحتج أبو حنيفة بأن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة ولا يرفع الأيدي في جميع الركعات والجواب
عن الحديثين الأولين: أنهما مرجوحان لان أحاديثنا مثبتة فتكون أولى لاشتمالها على زيادة يمكن غفلة الراوي عنها ولان الرفع مستحب فجاز
تركه في بعض الأوقات لئلا يوهم المداومة عليه الوجوب وعن قياس أبي حنيفة بمنع الحكم في الأصل وبقيام الفرق. فرع: إذا كبر
ووضع يديه لم يستحب له وضع اليمنى على الشمال خلافا للجمهور. لنا: ان ذلك مبطل في الفرائض فلا يكون مشروعا هنا ولو فعل ذلك معتقدا
للمشروعية كان مبدعا ولا تبطل صلاته. * مسألة: ويستحب أن يصلي بطهارة وليست شرطا ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشعبي و
محمد بن جرير الطبري وقال الشافعي هي شرط وإليه ذهب أكثر الجمهور. لنا: أنها دعاء للميت وشفاعة فيه فلا يشترط فيه الطهارة كغيرها من الأدعية
ويؤيده ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء فقال:
نعم إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء احتج المخالف بقوله عليه السلام لا صلاة إلا بطهور ولأنها صلاة
فأشبهت بقية الصلوات. والجواب عن الأول: ان الاطلاق ينصرف إلى الحقيقة وصلاة الجنازة تسمى صلاة بالمجاز الشرعي، وعن الثاني:
بالفرق لان الصلاة هناك أكمل لاشتمالها على أذكار معينة وركوع وسجود بخلاف صورة النزاع. فروع: [الأول] الطهارة وإن لم
تكن شرطا هي مستحبة لأنه ذكر ودعاء وشفاعة فاستحب في فاعله أن يكون على أبلغ أحواله وأكملها ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبد
الحميد بن سعد قال قلت لأبي الحسن عليه السلام الجنازة يخرج بها ولست على وضوء فإن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة أتجيزني أصلي
عليها وأنا على غير وضوء فقال تكون على طهر أحب إلي. [الثاني] يجوز للحائض والجنب أن يصليا على الجنائز لأنها دعاء لا يشترط فيها
الطهارة فاستوى فيه المكلفون كغيره من الأدعية ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبد الله بن المغيرة عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سألته عن الحائض تصلي على الجنازة؟ فقال: نعم، ولا تقف معهم والجنب يصلي على الجنازة وعن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: الطامث تصلي على الجنازة لأنه ليس فيها ركوع ولا سجود والجنب يتيمم ويصلي على الجنازة. [الثالث] يستحب للحائض إذا صلت
انفردت عن المصلين لأنها غير مكلف بالصلاة المكتوبة ففارقت غيرها حكما فاستحب لها المفارقة صورة ويؤيده حديث ابن المغيرة وما رواه
الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحائض تصلي على الجنازة؟ قال: نعم ولا تقف معهم. [الرابع] يستحب
لغير المطهر أن يتيمم وإن كان واجدا للماء ذهب علماؤنا إليه وبه قال أبو حنيفة خلافا للشافعي. لنا: أنه بدل في حال الضرورة عن الطهارة
الواجبة فكان بدلا مع الاختيار عن المستحبة ويؤيده ما رواه الشيخ عن سماعة قال سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير طهر كيف يصنع قال كيف يصنع
يضرب يديه على حائط لبن فيتيمم. [الخامس] يستحب للجنب والحائض أن يتيممان لاستحباب الطهارة هنا ويعذرها من الحائض فانتقلت
إلى البدل ولأنها غير شرط فاكتفى بأضعف الطهارتين وإن لم يكن رافعا كالمحدث ويؤيده ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام عن
المرأة الطامث إذا حضرت الجنازة فقال تيمم وتصلي عليها وتقوم وحدها بارزة عن الصف وفي حديث حريز والجنب يتيمم ويصلي
على الجنازة. [السادس] لو صلى من غير طهارة صحت صلاته وصلاة المأمومين إن كان الامام محدثا لأنها غير مشروطة بالطهارة على
ما تقدم والشافعي لما اشترط الطهارة أبطل الصلاة هنا. * مسألة: ويستحب التحفي في صلاة الجنائز روى
الجمهور عن النبي صلى الله
عليه وآله قال من اغبرت قدماه في سبيل الله حرم الله على النار ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سيف بن عميرة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا يصلي على الجنائز بحذاء ولا بأس بالخف ولأنه موضع اتعاظ فكان التذلل فيه أنسب بالخشوع. * مسألة: ولو أدرك بعض التكبيرات
مع الامام وفاته البعض دخل مع الناس في الصلاة عليه بلا خلاف بين العلماء في ذلك روى الجمهور عن عائشة عن رسول الله صلى الله
عليه وآله قال ما سمعت وكبرى وهو يتناول صورة النزاع ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة قال يتم ما بقي ولأنها صلاة فرض فاستحب الدخول مع الجماعة
455

فيها كغيرها. فروع: [الأول] لا ينتظر تكبير الامام بل يكبر قبل تكبير الامام في الخلف لو جاء والامام داع وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة:
لا يكبر وينتظر الامام وعن مالك وأحمد روايتان. لنا: أنه أدرك الامام وقد فاته بعض صلاته فلا ينتظر كسائر الصلوات بل يدخل معه احتج
المخالف بأن التكبيرات تجرى مجرى الركعات بدليل قضائها بعد فراغ الامام وإذا فاته بعضها لم يستقبل بقضائها كما إذا فاته ركعة مع الامام
والجواب: ينتقض ما ذكره بتكبيرة العيدين فإنه يقضيه عنه في حال الركوع ولا يجري مجرى الركعات ولان هذا لو جرى مجرى الركعات فكان المأموم
إذا حضر وقد كبر الامام قبل أن يكبر هو لا يكبر حتى يكبر أخرى كما لو حضر ولم يدخل مع الامام حتى صلى ركعة فإنه لا يشتغل بقضائها. [الثاني]
إذا فاته بعض التكبير قضاه بعد فراغ الامام وبه قال الشافعي ومالك والثوري وأصحاب الرأي وقال الأوزاعي لا يقضي وعن أحمد روايتان. لنا: ما
رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال ما أدركتم فصلوه وما فاتكم فأتموه وفي رواية فاقضوه ومن طريق الخاصة ما تقدم في حديث
العيص بن القاسم وعن زيد الشحام قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة على الجنائز إذا فات الرجل منها التكبيرة أو الثنتين أو الثلاث
قال يكبر ما فاته وبالقياس على سائر الصلوات احتج المخالف بأنها تكبيرات متوالية فإذا فاتته لم يقضها كتكبيرات العيدين والجواب الفرق فإن هذه تجري
مجرى أفعال الصلاة لأنه لا يجوز الاخلال بها وتكبيرات العيدين مسنونات إذا فات مجملا سقطت. [الثالث] يقضي الفائت متتابعا لان الأدعية
فات مجملها فيفوت أما التكبير فلسرعة الاتيان به ووجوبه كان مشروع القضاء ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا أدرك الرجل التكبير والتكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا وفي رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام
أن عليا عليه السلام كان يقول لا يقضي ما سبق من تكبير الجنائز وحمل الشيخ على القضاء متتابعا بمعنى أنه لا يقضي كما فات مفصولة وبينها الأدعية بل
متتابعا ولما خالف الاتيان به ثانيا ما فات نفى اسم القضاء عنه. [الرابع] لو ضاق الوقت عن التكبير كبر وإن رفعت الجنازة على أيدي الرجال
كبر وهو يمشي معها ولم لم يدرك كبر على القبر وإن أدركهم بعد الدفن كبر على القبر رواه القلانسي عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام. [الخامس] إذا
فاته تكبيرة مثلا كبر أوله وهي ثانية الامام يتشهد هو ويصلي الامام فإذا كبر الامام الثالثة ودعا للمؤمنين كبر هو الثانية وصلى فإذا
كبر الامام الرابعة ودعا للميت كبر هو الثالثة ودعا للمؤمنين وكذا لأنا قد بينا في الفرائض أن المسبوق يجعل ما يخلفه أول صلاته.
[السادس] لو كبر قبل الامام استحب له إعادة التكبير قاله الشيخ في المبسوط وهو جيد لان المأموم لا يسبق الامام. * مسألة: الذي
يقتضيه المذهب وجوب القيام هنا لان النبي صلى الله عليه وآله هكذا صلى وفعله بيان للواجب وقال عليه السلام: " صلوا كما رأيتموني أصلي " ولأنها صلاة
واجبة فيجب فيها القيام كغيرها من الصلاة وكذا لا يجوز فعلها للراكب إلا مع العذر. * مسألة: ولا يصلي على الميت بعد تغسيله وتكفينه
إلا أن يكون شهيدا ولا نعلم فيه خلافا لان النبي صلى الله عليه وآله هكذا فعل بيان للواجب وكان واجبا ولو صلى عليه قبل ذلك
لم يعتد بها لأنه فعل غيره مشروع فيبقى في العهدة. * مسألة: ويستحب أن يقف الامام عند وسط الرجل وصدر المرأة قال الشيخ في المبسوط
وأبو الصلاح وشيخنا المفيد رحمه الله وبه قال مالك وقال الشيخ في الخلاف ويقف عند رأس المرأة والرجل وقال الشافعي يقف عند صدر
الرجل وصدر المرأة وبه قال أحمد وللشافعي قول آخر: أنه يقف عند رأس الرجل وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: يقف عند صدر الرجل
ووسط المراة. لنا: أن الأول اجتناب مجاز هنا والساعة عنها فإنه أبرأ وأسلم وأبعد من وساوس النفس ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبد الله بن
المغيرة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام من صلى على امرأة فلا يقوم في وسطها ويكون مما يلي صدرها
فإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه وعن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقوم من الرجل بحيال السرة ومن النساء دون
ذلك قبل الصدر احتج الشافعي بما رواه سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها احتج أبو حنيفة
بأنها سوى فإذا وقف عند صدر الرجل فكذا المرأة والجواب عن الحديث الأول: المعارضة بما قلناه ولان الراوي يحتمل أن يخفى عليه ذلك بخلاف
رواياتنا فإنها متعلقة بالمقال دون الفعل على أن ذلك مستحبة فجاز تركه في بعض الأوقات فيدل عليه السلام على عدم وجوبه، وعن الثاني:
بالفرق بين المرأة والرجل بما قلناه ولأنهما افترقا في الموقف فجاز الافتراق هنا. فروع: [الأول] هذه الكيفية مستحبة بلا خلاف عندنا
وقد روى الشيخ عن موسى بن بكر عن أبي الحسن عليه السلام قال إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها وإذا صليت على الرجل فقم عند صدره والكل جائز.
[الثاني] لو اجتمعت جنازة رجل وامرأة جعل وسط الرجل عند صدر المرأة وعن أحمد روايتان، إحديهما: مثل ما قلناه والأخرى: أنه يستوي
رأس أحدهما مع رأس الآخر. لنا: أن ما ذكرناه أولى لأنه موقف الفضيلة في الرجل والمرأة والاجتماع لا ينافي ذلك. [الثالث] لا فرق
بين كبير الرجل أو صغيرهم ولا بين حرهم وعبدهم وكذا النساء. * مسألة: ولو حضرت جنائز تخير الامام في الصلاة على كل واحدة
بإنفرادها وعلى الجميع دفعة واحدة وإن يجمع بعضا ويصلى عليهم ويفرق آخرين كما فعل النبي صلى الله عليه وآله بشهداء أحد ولا نعرف خلافا.
فروع: [الأول] لو خيف على بعضهم الفساد قدم في الصلاة ولو خيف على الجميع صلى عليهم صلاة واحدة. [الثاني] لو اجتمع
456

جنازة الرجل والمرأة جعل الرجل مما يلي الامام والمرأة مما يلي القبلة قال علماؤنا أجمع وبه قال الفقهاء وقال الحسن البصري بالعكس. لنا: ما رواه
الجمهور عن عمار بن أبي عمار قال شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وابنها زيد بن عمر فوضع الغلام بين يدي الامام والمرأة
خلفه وفي الجماعة الحسن والحسين عليهما السلام وابن عباس وابن عمر وثمانون نفسا من الصحابة فقلت ما هذا فقالوا هذه السنة ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن الرجال والنساء كيف يصلى عليهم قال الرجل أمام النساء مما يلي
الامام يصف بعضهم على أثر بعض وفي الصحيح عن زرارة والحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرجل والمرأة كيف يصلى عليهما فقال يجعل
الرجل والمرأة ويكون الرجل مما يلي الامام وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عليه السلام قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جنائز الرجال والنساء
إذا اجتمعت فقال يقدم الرجال في كتاب علي عليه السلام ولان الرجل أشرف من المرأة وما يلي الامام أكمل احتجوا بأن أشرف المواضع ما يلي القبلة. والجواب:
الاعتبار بالقرب من الامام. [الثالث] هذه الكيفية والترتيب ليس واجبا بلا خلاف روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله الحلبي قال سألت
عن الرجل والمرأة يصلى عليهما قال يكون الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة وفي الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال
لا بأس بأن يقدم الرجل ويؤخر المرأة ويؤخر الرجل ويقدم المرأة يعني في الصلاة على الميت. [الرابع] لو كانوا رجالا ترد إلى الامام
أفضلهم لأنهم أفضل من الآخر فأشبه الرجل مع المرأة. [الخامس] لو اجتمع رجل وامرأة وصبي يجب الصلاة عليه وخنثى وعبد قدم الحر
أولا إلى ما يلي الامام ثم العبد ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة أما لو كان الصبي ممن لا يجب الصلاة عليه فإنه يؤخر عن المرأة وقال الشافعي يجعل الصبي
إلى الامام والمرأة إلى القبلة كيف كان. لنا: أنه لا يجب الصلاة عليه فكان الاعتبار بتقديم من يجب الصلاة عليه أولى فيكون قربته أقرب إلى الامام
أما إذا كان الصبي ممن يجب الصلاة عليه فإنه تقدم إلى الامام قبل المرأة قاله الشيخ في الخلاف ويؤيده ما رواه الشيخ عن بكر عن بعض أصحابه
عن أبي عبد الله عليه السلام في جنائز الرجال والصبيان والنساء قال يوضع النساء مما يلي القبلة والصبيان دونهم والرجال دون ذلك ويقوم
الامام مما يلي الرجال احتج الشافعي بأن ابن أم كلثوم بنت علي عليه السلام قدم عليها وجعل مما يلي الامام والجواب ذلك جائز مستحب خلافه فجاز فعله
تارة وفعل الراجح أخرى وفي رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان إذا صلى على المرأة والرجل قدم المرأة وأخر الرجل فإذا صلى على
العبد والحر قدم العبد وأخر الحر وإذا صلى على الصغير والكبير قدم الصغير وأخر الكبير وأخر الخنثى عن الرجل لجواز أن يكون امرأة وقدم على المرأة لجواز
أن يكون رجلا أما لو اجتمع عبد كبير وحر صغير فالأقرب تقديم الكبير لأنه يقدم في الامام فكذا هنا. [السادس] روى الشيخ عن عمار بن موسى
عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي على ميتين أو ثلاثة موتى كيف يصلي عليهم؟ قال: إن كان ثلاثة أو اثنتين أو عشرة أو أكثر من ذلك فليصلي عليهم صلاة
واحدة يكبر عليهم خمس تكبيرات كما يصلي على ميت واحد ومن صلى عليهم جميعا يضع ميتا واحدا ثم يجعل الآخر إلى (الية) الأول ثم يجعل الرأس الثالث
إلى الية الثاني شبه المدرج حتى يفرغ منهم كلهم ما كانوا فإذا سواهم هكذا فأقام في الوسط فكبر خمس تكبيرات يفعل كما يفعل إذا صلى على ميت واحد
سئل فإن كان استوى الموتى رجالا ونساء قال يبدأ بالرجال فيجعل رأس الثاني إلى الية الأول حتى يفرغ من الرجال كلهم ثم يجعل رأس المرأة إلى الية الرجل الأخير ثم يجعل رأس المرأة الأخرى إلى ألية
المرأة الأولى حتى يفرغ منهم كلهم فإذا سوى هكذا قام وسط الرجال فكبر عليهم وصلى عليهم كما يصلي على ميت واحد. [السابع]
لو اختلف الأولياء فقال كل منهم أنا أصلي عليهم فالأقرب عندي تقديم من هو أولى بالإمامة في الفرائض وقال الشافعي يقدم من سبق ميته
فإن استووا فالقرعة. لنا: أنهم مع تساويهم في الاستحقاق شابهوا الوليين إذا تساووا في الدرجة ولو أراد كل واحد منهم أن ينفرد منه
بصلاة جاز. * مسألة: ويجب أن يكون رأس الميت إلى يمين الامام ورجلاه إلى يساره لان المنقول عن النبي صلى الله عليه وآله في صلاته
هو هذا وفي حديث الحلبي ويكون رأس الرجل مما يلي يمين الامام ولو تبين أنه مغلوب أعيدت الصلاة عليه أما (لو يدفن) لأنه مخالف لما ثبت في السنة
(المنيعة) فلا اعتداد به ويؤيده ما رواه الشيخ عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن ميت صلى عليه فلما سلم الامام فإذا الميت مغلوب
رجلاه إلى موضع رأسه قال يستوي وتعاد الصلاة عليه وإن كان قد حمل ما لم يدفن فإن كان قد دفن فقد مضت الصلاة عليه ولا يصلى عليه وهو مدفون.
* مسألة: فأقل من يجزي صلاته على الميت شخص واحد وللشافعي قولان أحدهما مثل ما قلناه والثاني إن أقل المجزي ثلث رجال
لنا: أنها صلاة لا تفتقر إلى الجماعة فلا يشترط إليها العدد كغيرها من الصلوات أو لأنها فرض كفاية يكتفي فيه وفعل واحد كغيره من خروق الكفار و
يؤيده ما رواه الشيخ عن القاسم بن عبد الله القمي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يصلي على جنازة وحد قال نعم قلت فاثنان يصليان
عليها قال نعم ولكن يقوم أحدهما خلف الآخر ولا يقوم بجنبه احتج المخالف بقوله عليه السلام: صلوا على من قال لا إله إلا الله وهذا جمع أقله ثلاثة
والجواب: أن الجمع في الخلاف لا يستلزم الجمع في الفعل وإلا لوجب الاشتراط المذكور في قوله تعالى: (
أقيموا الصلاة وأتوا الزكاة) وهو باطل بالاجماع.
فروع: [الأول] لو صلى على الميت اثنان وقف المأموم خلف الامام ولا يقف عن يمينه بخلاف الفرائض لرواية القاسم بن عبد الله القمي
عن أبي عبد الله عليه السلام. [الثاني] لو صلى جماعة استحب أن يقف المأموم خلف الامام ويقدمهم الامام ولو كان فيهم نساء وقفن آخر
457

الصفوف ولو كان فيهن حائض انفردت بارزة عنهم وعنهن. [الثالث] الصف الأخير في الصلاة على الجنائز أفضل من الصف الأول روى الشيخ
عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال النبي صلى الله عليه وآله خير الصفوف في الصلاة المقدم وخير الصفوف في الجنائز المؤخر قيل يا رسول الله صلى
الله عليه وآله ولم قال صار سترة للنساء. [الرابع] ينبغي أن لا يتباعد عن الجنازة بل يقف قريبا منها وأن يصلي جماعة ولو صليت فرادى جاز كما صلي
على النبي صلى الله عليه وآله. * مسألة: ولو صلى على جنازة فحضرت أخرى قبل الاتمام تخير في الاتمام على الأولى واستيناف الصلاة على الثانية وفي استيناف الصلاة
عليهما معا لان مع كل واحد من هذين الامرين يحصل الصلاة عليهما وهو المطلوب لما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليه السلام قال سألته عن قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو ثنتين ووضعت معها أخرى كيف يصنعون؟ قال: إن شاؤوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من
التكبير على الأخيرة وإن شاؤوا وقفوا الأولى فأتموا التكبير على الأخيرة كل ذلك لا بأس به. * مسألة: ويصلى على الجنائز في كل وقت
ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يكره الصلاة عليها عند طلوع الشمس وغروبها
ونصف النهار وبه قال ابن عمر وعطا والنخعي والأوزاعي والثوري وإسحاق وعن أحمد روايتان. لنا: ما رواه الجمهور أن أبا هريرة صلى على الجنازة والشمس
على أطراف الجدر وعنه أنه صلى على عقيل حين اصفرت الشمس ولم ينكر عليه ذلك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام قال يصلى على الجنازة في كل ساعة أنها ليست بصلاة ركوع ولا سجود وإنما يكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها
الخشوع والركوع والسجود ولأنها تغرب بين قرني الشيطان وعن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام هل تمنعك شئ من هذه الساعات
عن الصلاة على الجنائز فقال لا وفي الصحيح عن عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس وحين
تطلع إنما هو استغفار ولأنها صلاة مفروضة فلا تكره في هذه الأوقات ولأنها صلاة ذا سبب فجاز فعلها في الوقت منهي عنها كما يجوز بعد
العصر احتج المخالف بما رواه عقبة بن عامر قال ثلث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وآله ينهنا أن يصلي فيهن وأن نقبر فيه موتانا وذكر هذه الساعات
الثلث والجواب: أنه محمول على أنه نهى أن يتحرى ذلك الوقت بالصلاة على الجنازة وقد روى الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: يكره الصلاة على الجنائز حين تصفر الشمس وحين تطلع وهو خبر شاذ وفي طريقه أبان وفيه قول فلا اعتداد به في مخالفة الأحاديث
الصحاح. فروع: [الأول] لا يكره الصلاة عليها ليلا وقال الحسن البصري يكره. لنا: ما تقدم وما رواه الجمهور أن سكينة صلى عليها ليلا
ودفنت ليلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فلم ينكر فقال الا أذيتموني فقالوا كرهنا أن نوقظك وصلى على قبرها ومن طريق
الخاصة ما رووه من الصلاة على فاطمة عليها السلام ليلا. [الثاني] لو حضرت الجنازة والمكتوبة تخير في تقديم أيهما شاء وقال أحمد يبدأ
بالمكتوبة إلا الفجر والعصر لان ما تقدم وقت منهي عن الصلاة فيه. لنا: أنهما صلوتا فرض فلا أولوية ويؤيده ما رواه الشيخ عن هارون
بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فابدأ بها قبل الصلاة على الميت إلا أن يكون مبطونا أو نفسا ونحو ذلك
وعن جابر قال قلت لأبي جعفر عليه السلام إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ فقال عجل الميت إلى قبر إلا أن تخاف
أن يفوت وقت الفريضة فلا تنتظر بالصلاة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته
عن الصلاة على الجنائز إذا أحمرت الشمس أيصلح أو لا قال: لا صلاة في وقت صلاة وقال إذا (رجت) الشمس فصل المغرب ثم صل على الجنائز و
مع وقوع التعارض ثبت التخيير. [الثالث] لو خيف فوت أحدهما تعين السبق فلو تضيق وقت الحاضرة بدأ بها ولو خيف على الميت
بدأ بالصلاة عليه لان المبادرة إلى ما يخاف فوته يحصل الجمع بين الواجبين فيكون متعينا أما لو تضيق معا فالأقرب المبادرة إلى الفريضة
لان مع تأخير الجنازة يكون المحذور أقل مما يحصل لو أخرت الفريضة. * مسألة: ويكره الصلاة على الجنائز في المساجد والأفضل
الاتيان بها في المواضع المختصة بذلك المعتاد بها إلا بمكة وبه قال مالك وأبو حنيفة وقال الشافعي وأحمد ولا يكره في المساجد. لنا: ما رواه
الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من صلى على الجنازة في المسجد فلا شئ له ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي بكر بن عيسى بن
أحمد العلوي قال كنت في المسجد وقد جئ بجنازة فأردت أن أصلي عليها فجاء أبو الحسن الأول عليه السلام فوضع مرفقه في صدري وجعل يدفعني حتى أخرجني
من المسجد ثم قال يا أبا بكر ان الجنازة لا يصلى عليها في المسجد ولأنها مخالفة للفرائض اليومية فاستحب تجنب المساجد عنها كالعيدين ولأنه لا يؤمن على
الميت من الانفجار فتجنب المسجد عنها استطهارا احتج المخالف بأن سعيد بن أبي وقاص لما مات قالت عائشة أدخلوه المسجد لأصلي عليه فأنكروا عليها
ذلك فقالت أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على سهل بن بيضا في المسجد ولأنها صلاة فأشبه بغيرها من الصلاة والجواب عن الأول:
أنه لا حجة فيه أما أولا فلانه فعل عائشة فجاز أن يكون غير راهن لنا. ثانيا: فلان الصحابة أنكروا عليها ذلك ولو لم يعلم كراهية ذلك
لم ينكروها. وأما ثالثا فلانها امرأة مأمورة بترك الخروج من منزلها وقد (أرادت) الصلاة عليه فأمرهم لهذه الفائدة وفعل النبي صلى الله
عليه وآله ذلك في واقعة سهل يدل على الجواز ونحن نقول به والقياس باطل لوقوع الفرق بما قلنا من عدم الامن من الانفجار. فروع: [الأول]
458

مكة كلها مسجد فلو كرهت الصلاة في بعض مساجدها لزم التعميم فيها أجمع وهو خلاف الاجماع. [الثاني] لا فرق بين المساجد كلها في ذلك إلا مكة
وقال أبو حنيفة لا يكره في مسجد اتخذ لذلك. لنا: أن الصلاة على الجنازة في المسجد مكروهة فاتخاذ مسجد لذلك مكروه. [الثالث] ما ذكرناه
من الأخبار الدالة على النهي المراد بها نهي الكراهية إجماعا ولما رواه الشيخ عن الفضل بن عبد الملك قال سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يصلى على
الميت في المسجد؟ قال: نعم وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام مثل ذلك. [الرابع] هل يكره الصلاة في المقبرة عندي فيه تردد ينشأ من صلاة النبي صلى الله
عليه وآله على قبر سكينة وهو في المقبرة ومن النهي عن الصلاة في المقابر والأقرب في ذلك الكراهة لان النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي في المصلى
ولم يكن مقبرة والمداومة تدل على الرجحان.
{البحث الخامس} في الدفن، وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن البعض
وإن لم يقم به أحد لحق جميع من علم به الاثم والذم بلا خلاف بين العلماء في ذلك وفيه فضل كثير روى الشيخ عن سعد بن طريف عن أبي جعفر
عليه السلام قال من حفر لميت قبرا كان بواه بيتا موافقا إلى يوم القيمة والحق والجواب مواراته في الأرض مع المكنة بلا خلاف وأن يضجعه على
جانبه الأيمن مستقبل القبلة روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه ومن طريق الخاصة ما رواه العلا بن
(سبابة) عن أبي عبد الله عليه السلام وأدخلته اللحد ووجهته القبلة ولقوله عليه السلام خير المجالس ما استقبل فيه القبلة وهو في حال يطلب له فيه الخير ولأنه
أولى من حال التغسيل والاحتضار وقد بينا وجوب الاستقبال هناك والاستقبال به هنا أن يوضع كما توضع وقت الصلاة عليه. * مسألة:
يستحب أن يوضع دون القبر ثم نزل إلى القبر في ثلاث دفعات بأن ينقل قليلا ثم يوضع ثم ينقل ثم يوضع ثم ينقل ويجعل في القبر روى الشيخ
في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي أن يوضع الميت دون القبر ثلاثة ثم (واره) وعن محمد بن عجلان قال سمعت
صادقا يصدق على الله يعني أبا عبد الله عليه السلام قال: إذا جئت بالميت إلى قبره فلا (تفدحه) بقبره ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة أذرع
ودعه حتى يتأهب للقبر ولا تفدحه به. * مسألة: ويستحب أن يوضع رأس الميت عند رجلي القبر ثم (يسل سلا) إن كان الميت رجلا وإن كان
امرأة وضعت قدام القبر مما يلي القبلة قال علماؤنا وبه قال ابن عمر والنخعي والشعبي والشافعي وأهل الظاهر قال أصحاب الرأي يوضع الجنازة
على جانب القبر مما يلي القبلة مطلقا. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن سريد الأنصاري أن الحارث أوصى أن يليه عند موته فأدخله
القبر من قبل رجلي وقال هذه السنة وقال ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله سل من قبل رأسه سلا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أتيت بالميت المقبرة فسله من قبل رجليه وعن محمد بن مسلم قال سألته أحدهما عليهما السلام
فقال سل من قبل الرجلين وعن حمير بن نصر الحضرمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أن لكل بيت بابا وأن باب القبر من قبل الرجلين وأما
اختصاص هذا الحكم بالرجال فلما رواه الشيخ عن عبد الصمد بن هارون رفع الحديث قال قال أبو عبد الله عليه السلام إذا دخل الميت القبر إن كان
رجلا سل سلا والمرأة تؤخذ عرضا وأنه أستر وعن زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال سل الرجل سلا واستقبل
المرأة استقبالا احتج أبو حنيفة بما رواه إبراهيم النخعي قال حدثني من رأى أهل المدينة في الزمن الأول يدخلون موتاهم من قبل القبلة وأن
السل شئ أخذته أهل المدينة. والجواب: أن هذا ضعيف لان النخعي يذهب إلى خلاف ما رواه فلا تعول عليه على أن ذلك خبر واحد لا يعارض ما
اتفق أهل الحرمين عليه. * مسألة: يستحب أن ينزل إلى القبر الولي أو من يأمره الولي إن كان رجلا وإن كان امرأة لا ينزل إلى قبرها إلا زوجها
أو ذو رحم لها وهو وفاق العلماء روى الجمهور عن علي عليه السلام أنه قال أن يلي الرجل أهله ولما توفي النبي صلى الله عليه وآله أتخذه العباس
وعلي وأسامة رواه أبو داود ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد بن عجلان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سله سلا رقيقا فإذا وضعته في
لحد فليكن أولى الناس به مما يلي رأسها الحديث وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام مضت السنة من رسول الله
صلى الله عليه وآله أن المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها في حياتها ولأنها حالة يطلب (الخط) للميت والرفق به فكان ذو الرحم أولى. فروع:
[الأول] الرجال أولى بدفن الرجال بلا خلاف بين العلماء في ذلك لأنه فعل يحتاج إلى من يكون له بطش وقوة والنساء ليس كذلك. [الثاني]
الرجال أولى بدفن النساء أيضا وبه قال الشافعي وعن أحمد روايتان. لنا: ما قدمناه من احتياج البطش والقوة ولان النبي صلى الله عليه وآله لما
ماتت ابنته أمر أبا طلحة فنزل في قبرها ولأنه لم يفعل في عهد النبي صلى الله عليه وآله في عهد واحد من أصحابه احتج أحمد بأنهن أولى بالغسل
فكذا بالدفن والجواب: الفرق أن الغسل يمكنهن فعله ولا يحتاج إلى القوة والبطش ويفتقر إلى عورة الميتة فمنع الرجال منه بخلاف صورة النزاع
ولأن المرأة تحتاج إلى كشف وجهها وساعدها وغير ذلك مع مباشرتها للدفن وهو وإنما يحضر الرجال فمتفق منه. [الثالث] الأقارب
هنا يترتبون كما في الصلاة لأنه ولاية فيكون الأقرب أولى وقد بيناه في باب الصلاة والزوج أحق من الأقارب كما تقدم ويؤيده ما رواه
الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبره. [الرابع] لو تساوى الأولياء في الأولى إلى
الميت قدم الأعلم بالفقه ولأنه يحتاج إلى معرفة مما يفعله في الدفن. [الخامس] لا توقيف في عدد من ينزل القبر وبه قال أحمد وقال الشافعي
459

يستحب أن يكون العدد وترا. لنا: أن الاستحباب حكم شرعي فيقف عليه ولم يثبت المقبر ما يحتاج الميت إليه
باعتبار نقله ودفنه وقوة الحامل وضعفه ويؤيده
ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القبر كم يدخله قال ذلك إلى الولي إن شاء ادخل وترا وإن شاء شفعا احتج
الشافعي بأن النبي صلى الله عليه وآله أدخله إلى القبر علي عليه السلام والعباس واختلف في الثالث فقيل الفضل بن العباس وقيل أسامة بن زيد و
الجواب: يغسل ذلك وقع اتفاقا ومع ذلك فقد روى أبو مرحب بن عبد الرحمن بن عوف قال فكأني أنظر إليهم أربعة. [السادس] لو لم يوجد رجلا تولت
المرأة دفن الرجل وكذا لو لم يوجد امرأة تولى الرجل دفن المرأة لأنه في محل الحاجة ولا خلاف فيه. * مسألة: ويستحب لمن نزل القبر أمور. {أحدها}
التحفي لأنه موضع اتعاظ والحفا أنسب بالخشوع وقد روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن المشي في المقابر بالنعلين فالدخول بهما
أولى في باب النهي ويؤيده الشيخ عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا ينبغي أن يدخل القبر في نعلين ولا خفين ولا رداء
ولا قلنسوة. فرع: لا بأس بالخف في حال التقية والضرورة لأنه (مخل) مع الحاجة ويؤيده ما رواه الشيخ عن سيف بن عمير وعن أبي عبد الله عليه السلام
قال لا بأس بالخف لان في خلع الخف شفاعة وعن أبي بكر الحضرمي عنه عليه السلام قال لا بأس بالخف في وقت الضرورة والتقية وليجهد في ذلك
جهده. {ثانيها} كشف الرأس لأنه أنسب إلى الخشوع وأقرب إلى الذلة ويؤيده ما رواه الشيخ عن سيف بن عميرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا
تدخل القبر وعليك نعل ولا قلنسوة ولا رداء ولا عمامة. {ثالثها} (حل) الأزرار إن كان في ثوبه لأنه أنسب بإذلال ولأنه فيه تعايلا ويؤيده ما
رواه الشيخ عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وحل أزرارك ولا يعارض ذلك ما روي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال رأيت أبا الحسن
عليه السلام دخل القبر ولم يحل أزراره لأنه مستحب فجاز تركه في بعض الأوقات للتشعير بعدم الوجوب. {ورابعها} الدعاء فيقول إذا عاين " اللهم أجعلها
روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران " ويقول إذا نزل القبر " بسم الله وبالله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله " ويقول إذا تناول الميت " بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله "
اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك هذا ما وعدنا الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا إيمانا وتسليما " وقد روى الشيخ في
الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا سللت الميت فقل " بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم إلى رحمتك لا إلى
عذابك " ويقول إذا وضعه في اللحد ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وضعته في اللحد فضع فمك على أذنيه وقل
" الله ربك والإسلام دينك ومحمد نبيك والقرآن كتابك وعلي إمامك " ففي رواية محمد بن عجلان عن أبي عبد الله عليه السلام فإذا وضعته في
لحده فليكن أولى الناس به مما يلي رأسه ليذكر اسم الله ويصلي على النبي وآله ويتعوذ من الشيطان ليقرأ فاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله
أحد وآية الكرسي وفي الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام فإذا وضعته في قبره فحل عقدته وقل " اللهم يا رب عبدك بن عبدك نزل
بك وأنت خير منزول به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وصالح شيعته واهدنا
وإياه إلى صراط مستقيم اللهم عفوك عفوك ". {وخامسها} التلقين إذا وضعه في القبر قبل تشريح اللبن فيقول يا فلان بن فلان أذكر العهد الذي
خرجت عليه من دار الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين يذكر
الأئمة إلى اخرهم أئمتك أئمة الهدى الأبرار لأنه وقت المسائلة فاحتاج إلى التذكير بالتكرير ويؤيده رواية الشيخ عن محفوظ الإسكاف عن أبي
عبد الله عليه السلام ويقول اسمع افهم ثلث مرات الله ربك ومحمد نبيك والإسلام دينك وفلان إمامك اسمع وافهم واعدها ثلث مرات
هذا التلقين وفي رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ثم يقال يا فلان بن فلان إذا سئلت الله ربي ومحمد نبيي والإسلام
ديني والقرآن كتابي وعلي إمامي حتى تسوق الأئمة ثم تعيد عليه القول أفهمت يا فلان وقال صلى الله عليه وآله فإنه يجيب ويقول نعم ثم يقول ثبتك الله
بالقول الثابت وهداك الله إلى صراط مستقيم وجمع الله بينك وبين أوليائك في مستقر من رحمته ثم تقول اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد بروحه
إليك ولقنه منك برهانا اللهم عفوك عفوك. {وسادسها} الذي ابتدأ التلقين فيقول إذا شرح عليه اللبن ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن
أبي عبد الله عليه السلام فما دمت تصنع الطين واللبن يقول اللهم صل وحدته وآنس وحشته وآمن روعته واسكن إليه من رحمتك رحمة (تغنيه بها)
عن رحمة من سواك فإنما رحمتك للظالمين ثم تخرج من القبر وتقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم ارفع درجته في أعلا عليين واخلف على عقبه
في الغابرين وعبدك تحتسبه يا رب العالمين. {وسابعها} يستحب له أن يخرج من قبل الرجلين لأنه قد استحب الدخول منه قبل الرجلين فكذا
الخروج ولقوله عليه السلام باب القبر الرجلين ويؤيده ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليه السلام أنه قال من دخل القبر فلا يخرج
منه إلا قبل الرجلين. * مسألة: ويستحب له أن يحل عقد الأكفان من عند رأس الميت ورجليه لان العلة في عقدها خفوف الانتشار
قد زالت بوضعه في القبر ويؤيده ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لما مات نعم بن مسعود نزع الأخلة بقية ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة قال قلت لأحدهما عليهما السلام يحل كفن الميت قال نعم ويبرز وجهه وفي الصحيح عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن عقد كفن الميت قال إذا أدخلتها القبر فحلها. فروع: [الأول] الشق مكروه لما فيه من إضاعة المال من غير نفع وقد أمره (يتحم) الأكفان
460

وبتحريفها يزول جمالها والأحاديث الدالة على الشق مثل ما رواه الشيخ عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال يشق الكفن
إذا أدخل الميت في قبره من عند رأسه وما رواه عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام قال يشق الكفن من عند رأس الميت إذا
أدخل قبره فإنها مع ضعف سندها محمول على الحل لما اشتركا من آبائه أحد القسمين عن صاحبه أو على تقدير الحل. [الثاني] يجب أن يضع خده
على التراب لقول أبي عبد الله عليه السلام إن قدر أن يجر عن خده ويلزمه بالأرض فعل ذلك حديث آخر وليكشف عن خده الأيمن حتى (يفضي)
به إلى الأرض وقد روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: البرد لا يلف ولكن يطرح عليه طرحا وإذا أدخل القبر
وضع تحت خده وتحت جنبيه. [الثالث] يستحب أن يوسد رأسه بلبنة أو حجر أو تراب لان الحي يفعل به ذلك إذا نام ويؤيده ما رواه ابن بابويه
عن سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه يجعل له وسادة من تراب ويكره إدخال ما مسته النار من الآجر لأنه من بناء المترفين ولان فيه (تفاولا)
اما اللبن فلا بأس به ويكره أن يدفن في تابوت لأنه من عمل الدنيا ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله ولان الأرض يتسرب بالاجزاء الرطبة
من الميت. [الرابع] يستحب أن يجعل معه شيئا من تربة الحسين عليه السلام طلبا للبركة والاحتراز من العذاب (والستر) من العقاب فقد روى أن امرأة
كانت تزني تضع أولادها فتحرقهم بالنار خوفا من أهلها ولم يعلم به غير أمها فلما ماتت دفنت فانكشف التراب عنها ولم تقبلها الأرض
فنقلت عن ذلك الموضع إلى غيره فجرى لها ذلك فجاء أهلها إلى الصادق عليه السلام وحكوا له القصة فقال لامها ما كانت تصنع هذه في حيوتها من المعاصي
فأخبرته بباطن أمرها فقال عليه السلام أن الأرض لا تقبل هذه لأنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين عليه السلام
ففعل ذلك فسترها الله تعالى. [الخامس] لو كان القبر ناديا لم يكن بأس يفرش بالساج وشبهه لأجل الضرورة ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن محمد
قال كتب إليه علي بن بلال أنه ربما مات عندنا الميت فيكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو بطين عليه فكتب يجوز ذلك. * مسألة:
ويستحب أن يكون قدر عمق القبر قامة أو إلى الترقوة وبه قال الحسن وابن سيرين وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى أنه يعمق قدر قامة ومنطو به
قال الشافعي وقال عمر بن عبد العزيز لا يستحب التعميق بل الحفر إلى السرة. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال احفروا وأوسعوا
وعمقوا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حد القبور إلى الترقوة وقال بعضهم
إلى الثدي وقال بعضهم قامة الرجل ولان ذلك أبلغ في حفظه من نبش السباع والهوام وأبعد في انقطاع الرائحة وأعسر على من نبشه وأما قولي
الشافعي فضعيف لان فيه خروجا عن المعتاد وربما أنها أن القبر واحتجاجه بقوله عليه السلام وعمقوا فاسد لأنه ليس فيه بيان لقدر العميق فيحتمل على
ما نقله أهل البيت عليهم السلام لأنه المعتاد ويؤيده ما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يعمق القبر
فوق ثلاثة أذرع ولان يتناول الميت بغيره حينئذ فكان اجتنابه أولى ولا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك بلا خلاف. * مسألة: واللحد أفضل
من الشق وهو قول العلماء وروى الجمهور عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال اللحد لنا والشق لغيرنا رواه أبو داود والنسائي
والترمذي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله لحد له أبو طلحة الأنصاري وفي الصحيح
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام فإذا وضعته في اللحد فضع فمك على أذنه ولأنها أستر للميت وأبعد من أن يناله الهوام. فروع:
[الأول] لا بأس بالشق لان الواجب مواراته في الأرض وهو يحصل معه ويؤيده ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال قال أبو جعفر عليه السلام حين أحضر إذا أنا مت فاحفروا (وشقوا لي شقا) فإن قيل لكم أن رسول الله صلى الله عليه وآله لحد له فقد صدقوا والسند
ضعيف فالأولى اللحد كما بيناه. [الثاني] معنى اللحد أنه إذا بلغ أرض القبر حفر في جانبيه مما يلي القبلة مكانا توضع الميت فيه ومعنى الشق أن
يحفر في أرض القبر شقا يوضع الميت فيه ويشق عليه ومن ذلك يختلف باختلاف الأراضي في القوة والضعف فالمستحب في الأرض القوية
اللحد وفي الضعيفة الشق للأمن من الانخساف وعليه يحمل حديث الباقر عليه السلام وإن كان ضعيف السند. [الثالث] يستحب أن يكون اللحد
واسعا يتمكن الرجل فيه من الجلوس لما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام وأما اللحد فبقدر ما
يمكن فيه الجلوس. [الرابع] يستحب أن يسند الميت بشئ يمنعه من الاستلقاء ليحصل الاستقبال الدائمة ويؤيده ما رواه ابن بابويه
عن سلام بن مكرم عن أبي عبد الله عليه السلام ويجعل خلف ظهره لئلا يستلقي. [الخامس] إذا وضعه في اللحد أضجعه على جانبه الأيمن وجعل رأسه مما
يلي يمين المصلي كما في حال الصلاة وجوبا ويضع خده على التراب مستحبا. [السادس] إذا وضعه في اللحد شرح عليه من اللبن لئلا يصل التراب إليه
ولا نعلم فيه خلافا ويقوم مقام اللبن مساواته في المنع من تعدي التراب إليه كالحجر والقصب والخشب إلا أن اللبن أولى من ذلك كله لأنه المنقول
عن السلف والمعروف في الاستعمال وينبغي أن يسد الخلل بالطين لأنه أبلغ في المنع وروى ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام. * مسألة: فإذا فرغ من شرح اللبن أهال التراب عليه ويستحب ذلك لمن حضر الدفن بظهور أكفهم قائلين إنا لله وإنا إليه راجعون
هذه ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا إيمانا وتسليما لما رواه الشيخ عن محمد بن الأصبغ عن بعض أصحابنا قال رأيت أبا
461

الحسن عليه السلام وهو في جنازة فحثا التراب على القبر بظهر كفيه وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا حثوت التراب على الميت فقل " إيمانا بك وتصديقا
بنبيك هذا ما وعد الله ورسوله صلى الله عليه وآله " وقال أمير المؤمنين عليه السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من حثى على ميت وقال
هذا القول أعطاه الله بكل ذرة حسنة. فروع: [الأول] يستحب أن يحثو ثلث خفيات بظهر كفه لما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال كنت مع
أبي جعفر عليه السلام في جنازة رجل من أصحابنا فلما أن دفنوه قام عليه السلام إلى قبره فحثا عليه مما يلي
رأسه ثلثا (بكفه). [الثاني] يكره للأب أن يهيل
التراب على ولده وبالعكس وكذا ذو الرحم لرحمه لأنه يورث القساوة روى الشيخ في الحسن عن عبيد بن زرارة قال مات لبعض أصحاب أبي عبد الله عليه السلام
ولد فحضر أبو عبد الله عليه السلام فلما ألحد تقدم أبوه فطرح عليه التراب فأخذ أبو عبد الله عليه السلام بكفيه وقال لا تطرح عليه التراب ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب فإن رسول الله نهى أن يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب، فقلنا
يا بن رسول الله (أتنهانا) عن هذا وحده فقال أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم فإن ذلك يورث القسوة في القلب ومن قسى قلبه بعد
من ربه. [الثالث] يكره أن ينزل الوالد إلى قبر ولده لهذه العلة من ذكرنا أن نزل القبر أيضا لعله وقد ورد جواز نزول الولد إلى قبر والده روى الشيخ في الموثق عن عبد الله بن
محمد بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال الوالد لا ينزل على قبر ولده والولد ينزل قبر والده وعن عبد الله العنبري قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الرجل يدفن ابنه فقال لا يدفنه في التراب قال قلت فالابن يدفن أباه قال نعم لا بأس. * مسألة: ثم يتم القبر من ترابه ولا يطرح فيه غيره لان طهارته
أبلغ ولا نعرف فيه خلافا روى الجمهور عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن تزاد على القبر على حقويه ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يزاد على القبر تراب ثم يخرج منه ولأنه ربما إن
زاد علوه على القدر المطلوب شرعا فكان اجتنابه أولى. فروع: [الأول] يستحب أن يرفع من الأرض مقدار أربع أصابع منفرجات و
هو قول العلماء روى الجمهور عن الشافعي وكتابه عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبي عبد الله عليه السلام عن جابر قال لحد رسول الله صلى الله
عليه وآله وانصب عليه اللبن نصبا ورفع قبره على الأرض قدر شبر وعن القسم بن محمد قال قلت لعائشة يا أمة الله ينبغي لي عن قبر رسول الله صلى
الله عليه وآله وصاحبه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا سرفة ولا لاطية مبطوحة بطحا الفرضة الحمراء ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن
عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال لي أبي ذات يوم في مرضه يا بني ادخل أناسا من قريش من أهل المدينة حتى أشهدهم قال
فأدخلت عليه أناسا منهم فقال يا جعفر إذا نامت فغسلني وكفني وأربع قبري أربع أصابع ورشه بالماء فلما اخرجوا قلت يا أبه لو أشرتني بهذا
صنعته ولم ترد أن يدخل عليك قوما تشهدهم قال يا بني أردت أن لا ينازع وفي الحسن عن عبد الله الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات وذكر أن الرش بالماء حسن وقال توضأ إذا أدخلت الميت القبر ولان ذلك يشعر
المارة به فيرحمون عليه ويمنعون من نبشه ودفن آخر غيره في موضعه. [الثاني] قد روي استحباب ارتفاعه أربع أصابع مفرجات وهو في رواية الحلبي
ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام وروى أربع أصابع مضمومات رواه الشيخ عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال يستحب أن يدخل معه في قبره
جريدة رطبة وترفع قبره من الأرض مقدار أربعة أصابع مضمومة وينضح عليه الماء ويخلى عنه والكل جائز. [الثالث] يكره أن يرفع أكثر من ذلك
وهو فتوى العلماء روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبر مشرفا إلا سويته رواه مسلم
وغيره والمشرف ما رفع كثيرا وقيل المراد بذلك المسنم وتسويته تسطيحه ومن طريق الخاصة ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام وتلزوا القبر
بالأرض لأربع أصابع مفرجات وتربع قبره. * مسألة: والتسطيح أفضل من التسنيم وعليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي وقال ابن أبي هريرة السنة
التسطيح إلا أن الشيعة استعملته فعدلنا عنه إلى التسنيم قال وكذلك الجهر بسم الله الرحمن الرحيم وهذا كما تراه ترك للسنة مخالفة للحق إلا هوية وقال مالك و
أبو حنيفة والثوري وأحمد السنة التسنيم. لنا: ما رواه الجمهور عن رسول الله صلى الله عليه وآله سطح قبر ابنه إبراهيم وعن القاسم بن محمد قال رأيت قبر
النبي صلى الله عليه وآله وقبر أبي بكر وعمر مسطحة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام وقال يرفع قبره وعن
الأصبغ بن نباتة قال أمير المؤمنين عليه السلام من حدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الاسلام قال سعد بن عبد الله من علمائنا حدد بالحاء غير
المعجمة أي سنم قال الشيخ واختلف أصحابنا في رواية هذا الخبر وتأويله فقال محمد بن الحسن الصفار من جدد " بالجيم " لا غير وكان يقول أنه لا يجوز تجديد
القبر وتطين جمعه بعد مرور الأيام عليه وبعد ما طين في الأول ولكن إن مات ميت فطين قبره فجاز أن يرم سائر القبور من غير أن يجدد وقال
سعد بن عبد الله من حدد " بالحاء " على ما نقلناه وأراد به التسنيم وقال أحمد بن أبي عبد الله البرقي إنما هو من (جدث) قبرا " بالجيم والثاء " المنقطة من فوقها
ثلث نقطة ولم يفسر معناه قال الشيخ ويمكن أن يكون المعنى بهذه الرواية النهي أن يجعل القبر دفعة أخرى قبرا لإنسان آخر لان الحديث هو القبر فيجوز أن يكون
الفعل مأخوذ منه وقال محمد بن علي بن الحسين بن بابويه إنما هو جدد " بالجيم " قال ومعناه نبش قبرا لان من نبش قبرا فقد جدده فأخرج بجديده وقد جعله حدثا محفورا
وقال المفيد رحمه الله أنه خدد " بالخاء المعجمة والدالين غير المعجمين " وهو مأخوذ من قوله تعالى: (قتل أصحاب الأخدود) والخد هو الشق فقال خددت الأرض خدا أي
شققته قال وعلى هذه الرواية يكون النهي يتناول شق القبر أما ليدفن فيه أو على جمعه النبش على ما ذهب إليه ابن بابويه احتج أبو حنيفة بما رواه إبراهيم النخعي
462

قال من رأى قبر النبي صلى الله عليه وآله وصاحبه متم والجواب: أنه مرسل فلا يعتمد. * مسألة: ويستحب رش الماء على القبر وعليه فتوى العلماء روى
الجمهور عن أبي رافع قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله (مقداد) ورش على قبره ماء وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله أن يرش على قبره ماء
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن جابر بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام لما وصاه أبوه عليه السلام رش قبره بالماء وفي حديث الحلبي
ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر أن الرش بالماء حسن ولأنه يعيد التراب استمساكا عن الشيب عند هبوب الرياح والبراق أجزائه
بعضها ببعض ولان فيه نقالا ببلوغ المراد من أهل الجنة. فروع: [الأول] يستحب أن يبدأ بالرش من عند
الرأس إلى أن ينتهي إليه وأن يستقبل
القبلة عند ابتدائه روى الشيخ عن موسى بن أكيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال السنة على القبر أن تستقبل القبلة وتبدأ من عند الرأس إلى
عند الرجل ثم تدور مع القبر ملء لجانب الآخر ثم يرش على وسط القبر وكذلك السنة فيه. [الثاني] لو فضل من الماء شيئا صبه على وسطه. [الثالث]
يستحب أن يجعل عليه الحصا الصغار الحمراء رواه الجمهور في حديث القسم بن محمد أن قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وصاحبه متطوعه ببطحاء الوجه الحمراء
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال قبر رسول الله صلى الله عليه وآله يحصب حصبا
حمراء والحصبا هي الحصا الصغار ولو كتب اسم الأئمة عليهم السلام بذلك لم أكرهه خلافا للشافعي. [الرابع] يستحب وضع اليد عليه مفرجة الأصابع
بعد رش الماء والترحم عليه روى الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصنع بمن مات من بني
هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين كان إذا صلى على الهاشمي ونضح قبره بالماء وضع رسول الله صلى الله عليه وآله كفه على القبر
حتى ترى أصابعه في الطين فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة ويرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول
من مات من آل محمد عليه السلام وعن محمد بن مسلم قال كنت مع أبي جعفر عليه السلام في جنازة رجل من أصحابنا ثم ذكر إلى أن قال ثم بسط كفه على القبر
ثم قال اللهم جاف الأرض على جنبيه واصعد إليك روحه ولقه منك رضوانا واسكن قبره من رحمتك ما يغنيه به من رحمة من سواك ثم
مضى وفي الصحيح عن الباقر عليه السلام فإذا حثى عليه التراب ورفع قبره فضع كفك على قبر عند رأسه وفرج أصابعك واغمز كفك عليه
بعد ما ينضح بالماء. [الخامس] يستحب أن يوضع عند رأسه لبنة أو لوح نقله به روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله لما دفن عمر بن مظعون
أمر رجلا أن يأتيه بحجر فلم يستطع حملها فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وجر عن ذراعيه ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال اعل بها
قبر أخي وادفن إليه من مات من أهلي ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب قال لما رجع أبو الحسن موسى عليه السلام من بغداد ومضى
إلى المدينة ماتت ابنة له بنته له يقبله فدفنها وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها ويكتب على لوح اسمها ويجعل في القبر. * مسألة: ويستحب معاودة
التلقين بعد انصراف الناس عنه يتأخر الولي أو بعض المؤمنين إن لم يوجد الولي وينادي بأعلى صوته إن لم يكن في موضع تقية يا فلان بن فلان
الله ربك ومحمد نبيك والقرآن كتابك والكعبة قبلتك وعلي إمامك والحسن والحسين ويذكر الأئمة واحدا واحدا أئمتك أئمة الهدى
الأبرار وعليه علماؤنا وأنكره الجمهور. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا مات أحدكم فسوهم عليه التراب
فليقم أحدكم عند رأس قبره ثم ليقل يا فلان بن فلان فإنه يسمع ولا يجب (لم) يقول يا فلان بن فلانة الثانية فتستوي قاعدا ثم ليقل يا فلان بن فلانة
فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله ولكن لا تسمعون فيقول أذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك
رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن كتابا وبعلي إماما منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما فيقول انطلق فما سعدنا عند
هذا وقد لقن في حجته ويكون الله تعالى حجته فقال يا رسول الله فإن لم يعرف أمة قال فلينسبه إلى حوا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن جابر بن
يزيد عن أبي جعفر عليه السلام قال ما على أحدكم إذا دفن ميته وسوى عليه وانصرف عن قبره أن يتخلف عند قبره ثم يقول يا فلان بن فلان أنت على
العهد وعلى الذي عهدناك به من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وأن عليا أمير المؤمنين إمامك وفلان وفلان
حتى أتى على آخرهم فإنه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه قد كفينا الدخول إليه ومسئلتنا له فإنه قد لقن فينصرفان عنه ولا يدخلان عليه
وروى ابن بابويه ما يقارب هذا. * مسألة: ويكره تجصيص القبور وهو فتوى العلماء لأنه من زينة أهل الدنيا وروى الجمهور عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه نهى أن يجصص القبور وأن يبنى عليه وأن يقعد عليه ورواه مسلم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن علي بن جعفر
قال سألت أبا الحسن موسى عليه السلام على البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح قال لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه. فرع:
لا بأس بتطيينها ابتداء لان في تخصيص النهي بالتجصيص إشعارا بالرخصة في التطيين في حديث السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تطينوا القبر من غير
طينة إشعار بالجواز من طينة عليه يحمل حديث علي بن جعفر ويحمل التجصيص الذي أمر به أبو الحسن عليه السلام بعض مواليه لما فاتت ابنته على التطيين. * مسألة:
ويكره البناء على القبر والصلاة عليه والقعود وروى ذلك يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلى
على قبر أو يقعد عليه أو تبنى عليه ولان في ذلك اتباعا لأهل الدنيا في زينتهم وقلة احترام الموتى والمراد بالبناء على القبر أن يتخذ عليه بيت أو (قينة)
463

لان في ذلك تضيقا على الناس ومنعا لهم عن الدفن وهذا مختص بالمواضع المباحة المسبلة أما الاملاك فلا ويكره المقام عندها ذكره الشيخ وتجديدها
بعد اندراسها والاتكاء على القبر والمشي عليه وأن يتخذ على القبر مسجدا ويصلى عليه. * مسألة: ويكره نقل الميت من الموضع الذي مات فيه إلى
بلد آخر لان النبي صلى الله عليه وآله أمر بالمسارعة بدفنه ولأنه لا يؤمن عليه الفساد أما إذا نقل إلى بعض مشاهد الأئمة عليهم السلام فلا بأس بل ذلك
مستحب لما فيه من طلب الشفاعة منه عليه السلام ولو دفن في موضع لم يجز بعد نقل ذلك إلى غيره قال الشيخ وقد روى أنه لا يجوز نقله بعد الدفن إلى بعض
مشاهد الأئمة عليهم السلام سمعناها مذاكرة. * مسألة: ويستحب أن يدفن الميت في أشرف البقاع فإن كان بمكة دفن في مغربها وكذا بالمدينة والمسجد
الأقصى وكذلك مشاهد الأئمة عليهم السلام وكذا كل بلد فيه مقبرة يذكر بخير وفضيلة من مشهد الصالحين أو مقام لاحد الأئمة عليهم السلام ولو كان في بلده
غير هذه المواضع استحب نقله إلى أحد المشاهد الأئمة عليهم السلام والدفن في المقابر أفضل من الدفن في المنزل لان النبي صلى الله عليه وآله اختار لأصحابه الدفن في المقابر و
لأنها ذات حرمة بخلاف المنزل ولأنها يزاد ويدعى فيها وأبعد من حصول النجاسة فيها من بول وغائط ولا نبش وقد يحصل في المنزل ذلك كله. فروع:
[الأول] لا بأس أن يدفن ميتان في قبر واحد مع الضرورة والحاجة إليه ويكره مع عدم الحاجة. [الثاني] إذا تنازع اثنان في الدفن في الأرض المباح
فالسابق أولى ولو اتفقا دفعه أقرع بينهما لعدم الأولوية. [الثالث] لو دفن ميت فأريد حفر قبره ودفن آخر قال الشيخ أنه مكروه ذكره في
النهاية وقال في المبسوط متى دفن في مقبرة مسبلة لا يجوز لغيره أن يدفن فيه إلا بعد إندراسها ويعلم أنه قد صار رميما وذلك على حسب الأهوية والتراب فإن
بادر انسان فنبش قبرا فإن لم يجد فيه شيئا جاز أن يدفن فيه وإن وجد فيه عظاما أو غيرها رد التراب فيه ولم يدفن فيه وكلام الشيخ في المبسوط
جيد. [الرابع] يجوز أن يعير الانسان أرضه لغيره يدفن فيها ميته بلا خلاف ويجوز للمعير الرجوع قبل الدفن إجماعا أما لو دفن فإنه لا
يجوز له الرجوع والمطالبة بنقل الميت لان العارية جائزة بحسب العادة وهي قاضية بتأبيد الميت إلى أن يبلى فإذا بلى جاز له التصرف في أرضه
بالزراعة وغيرها لان أجزاء الميت قد استحالت إلى الأرض. [الخامس] لو غصب أرضا فدفن فيها ميتا جاز لصاحب الأرض قلع الميت ونقله عن
أرضه لأنه تصرف غير مأذون فيه ويستحب للمالك تخليته لان فيه حفظا لحرمة الميت أما لو غصب كفنا فكفن به فدفن لم يكن لصاحب الكفن قلعه بأخذ
كفنه بل يرجع إلى القيمة والفرق بينهما تعذر تقويم موضع الدفن وحصول الضرر به بخلاف الكفن. [السادس] لو خلف وارثين أحدهما غائب
فدفنه الحاضر في المنزل جاز للغائب بعد حضوره قلعه والأفضل له عدم القلع. [السابع] لو تشاح الورثة فقال بعضهم يدفن في ملكه وقال
آخرون يدفن في دفن المسبلة لأنه بموته انتقل إلى الورثة ولو اتفقوا على الدفن في ملكه جاز ولو قال بعضهم أنا أكفنه من مالي وقال آخرون يكفن من ماله
كفن من ماله ولم يجبر الممتنع على تكفينه من مال الباذل ويخالف إجابة الطالب للدفن في المسبلة لان ذلك لا منة فيه على واحد منهم. [الثامن] لو
قال بعضهم أنا أدفنه في ملكي وقال آخرون في المسبلة يدفن في المسبلة أجيب الطالب للمسبلة دون الطالب بملكه للمنة ولو اتفقوا على دفنه في
موضع ثم أراد أحدهم نقله عنه لم يجز له ذلك. [التاسع] لو بادر واحد منهم فدفنه في ملك الميت كان للباقي قلعه ودفنه في المسبلة على كراهية
ولو بادر ودفنه في ملك نفسه أو كفنه في ماله ثم دفنه لم ينقل ولم يسلب أكفانه لأنه ليس في نيته اسقاط حق أحدهم وفي نقله هتك حرمته.
[العاشر] يستحب أن يكون له مقبرة ملك يدفن فيها أهله وأقاربه ويجوز له أن يشتري موضع قبره ويوصي أن يدفن فيه ولو أوصى أن يدفن
في ملكه مضت وصيته إن خرجت من الثلث. [الحادي عشر] لو دفن الميت في أرض فبيعت قال الشيخ جاز للمشتري نقل الميت عنها الأفضل
تركه وأطلق والوجه عندي التفصيل وهو ثبوت هذا الحكم لو دفن في ملك الغير بغير إذنه أما لو أذن ثم باع الأرض فإن علم المشتري قبل البيع لزم
البيع ولا يجوز له نقله وإن لم يعلم كان مخيرا بين فسخ البيع وإلزامه وليس له نقل الميت في الحالين. * مسألة: الذمية إذا كانت حاملا من مسلم
وماتت ومات حملها دفنت في مقابر المسلمين لحرمة ولدها لأنه يلحق بأبيه في الاسلام فيلحقه في الدفن وشق بطن الأم لاخراجه هتك لحرمة الميت
وإن كان ذميا لغرض ضعيف ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن (أثيم) عن يونس قال سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يكون له الجارية اليهودية والنصرانية
فيواقعها فتحمل ثم يدعوها إلى أن تسلم فتأبى عليه فدنى ولادتها قد ماتت وهي تطلق والولد في بطنها ومات الولد أيدفن معها على النصرانية أو يخرج منها
فيدفن على فطرة الاسلام فكتب يدفن معها قال علماؤنا ويجعل ظهرها إلى القبلة في القبر ويكون الجنين مستقبلا لها لأنه متوجه إلى ظهر أمه.
* مسألة: ولو مات في البحر ولم يوجد أرض يدفن فيها غسل وكفن وصلي عليه وثقل وألقي في البحر ليترسب إلى القرار ذهب إليه علماؤنا وبه قال
عطا والحسن البصري وأحمد وقال الشافعي يربط بين لوحين ليحمل البحر إلى الساحل فربما وقع إلى قوم يدفنونه وما ذكرناه أولى لان القصد من الدفن وهو
الستر حاصل هنا أما لو جعله بين اللوحين ففيه تعريض له بالتعسر والضنك فإنه ربما بقي عريانا على الساحل غير مدفون وربما ظفر به المشركون
وما ذكرناه أولى ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبان عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في الرجل يموت مع القوم في البحر فقال يغسل ويكفن
ويصلي عليه ويثقل ويرمى به في البحر. فروع: [الأول] قال بعض الجمهور يترك يوما أو يومين ما لم يخف عليه الفساد ثم ينقل به ما ذكرناه
لجواز جدار الأرض وهو حسن. [الثاني] يجوز أن يثقل بحجر في رجليه ويرمى به لان المقصود حاصل به وروى الشيخ عن وهب بن وهب العريني عن
464

أبي عبد الله عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا مات الميت في البحر غسل وكفن وحنط ثم يصلى عليه ثم وثق في رجليه حجر ويرمى به في الماء. [الثالث] يجوز أن يجعل في جانبيه
ويرمى به لحصول المقصود ورواه الشيخ عن أيوب بن الحسن قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به قال يوضع
في جانبه ولو كان رأسها ويطرح في الماء. [الرابع] لا فرق بين الأنهار الكبار والجداول (الضيقة) والبحار إذا لم يتمكن من الشط للدفن وكذا لو خاف
اللصوص والسباع لو دفنه في الشط. * مسألة: ولو سقط في بئر فمات فيها فإن أمكن اخراجه وجب ليغسل ويكفن ويصلى عليه ولو كانت البردات
نفس وأمكن معالجتها بالأكسية المبلولة تدار فتجذب بخارها فعل ذلك ولو لم يعلم هل نفى فيه نجار أم لا أنزل إليه مصباح فإن انتفى فالبخار باق فقد
قيل لا يثبت النار إلا فيما نفس فيه الحيوان وإن لم يكن اخراجه طمست عليه (البز) فجعلت قبرا له لأجل الضرورة ويؤيده ما رواه الشيخ عن العلاء بن سيابة
عن أبي عبد الله عليه السلام في بئر مجرح دفع فيه رجل فمات فيه فلم يمكن اخراجه من البئر أيتوضأ في تلك البر قال لا يتوضأ فيه يعطل ويجعل قبر وإن أمكن اخراجه أخرج
وغسل ودفن قال رسول الله صلى الله عليه وآله حرمة المرء المسلم ميتا كحرمته وهو حي سواء. * مسألة:
لو دفن من غير غسل أولى غير القبلة أو بلغ شيئا قيمة نبش
قبره وغسل وكفن وصلي عليه ودفن وبه قال الشافعي وأبو ثور وقال أبو حنيفة لا ينبش لأنه إخلال بواجب وقد أدركه (ممكن). فروع: [الأول] لو تقطع
في القبر لم ينبش لأجل الغسل لسقوطه حينئذ للتعذر و [الثاني] لو لم يصل عليه لم ينبش وصلى على القبر وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وعن أحمد
روايتان. لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على قبر السكينة ولم ينبشها احتج أحمد بأنه دفن قبل واجب فيجري مجرى دفن قبل الغسل والجواب الفرق لان الواجب هنا
يمكن تداركه. [الثالث] لو دفن بغير كفن لم ينبش وعن أحمد روايتان. لنا: أن القصد الستر وقد حصل بالدفن والنبش مثله فلا يجوز فعلينا احتج
أحمد بأنه دفن قبل واجب فجرى مجرى الدفن قبل الغسل والجواب المقصود هنا الستر وقد حصل بخلاف المقيس عليه لان القصد هناك الطهارة.
* مسألة: ولا يكره الدفن ليلا وهو قول أكثر الفقهاء وقال الحسن البصري: يكره ليلا وعن أحمد روايتان. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة قالت
كنا نسمع صوت الساجي من آخر الليل في دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بدفن (ذي) البحارين ليلا وقام
عنه مستقبل القبلة وقال اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله دخل قبرا ليلا ويسرج له مصباح
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا معشر الناس لا (ألفين) رجلا مات له ميت
ليلا فانتظر به الصبح ولا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل لا تنتظروا (موتاكم) طلوع الشمس ولا غروبها (عجلوهم) إلى مضاجعهم
يرحمكم الله قال الناس وأنت يا رسول الله يرحمك الله وان عليا عليه السلام دفن فاطمة عليها السلام ليلا رواه الجمهور ولان أحد الزمانين
جاز الدفن فيه كالآخر احتج المخالف بما رواه مسلم ان النبي صلى الله عليه وآله وجران بدفن الرجل بالليل إلا أن يضطر انسان إلى
ذلك والجواب أنه محمول على التأديب فإن الدفن نهارا أسهل على متبعها وأكثر لهم وأمكن في اتباع الشئ في دفنه. * مسألة: لا يجوز
الدفن في المساجد لأنها وضعت للعبادة وذلك مما يمنع أن يكره أن يصلى عليها (والتبه) ولو قيل بالكراهية كان أولا.
{البحث السادس} في التعزية وأداء حقها، * مسألة: التعزية مستحبة قبل الدفن وبعده بلا خلاف بين العلماء في ذلك إلا الثوري
فإنه قال: لا يستحب التعزية بعد الدفن. لنا: قوله عليه السلام من عزا مصابا فله مثل أجره رواه الجمهور وعنه صلى الله عليه وآله ما من تعزى أخاه
بمصيبته إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة وعنه عليه السلام من عزى ثكلى كسا بردا في الجنة وهذا يتناول بعمومها صورة النزاع ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم قال رأيت موسى بن جعفر عليه السلام يعزى قبل الدفن وبعده وروى ابن بابويه عن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال من عزى حزينا كسي في الموقف حلة (يجلل) بها وعن الصادق عليه السلام قال التعزية الواجبة بعد الدفن (ولا) فالتعزية
تسلية أهل الميت واشتغالهم بذكر أهوالهم عن ذكر ميتهم وتحسين الصبر لهم وذلك الثواب عليه وإحباطه بالجزع وتذكرهم لأوجه (اسبقيه)؟؟ لأشرف
البرية في فقدان الحياة وقضاء حقوقهم والتقرب إليهم وذلك مما يسمى الحاجة إليه بعد الدفن كما هو قبل فيكون مشروعا احتج الثوري
بأن الدفن آخر مرة والجواب: المقاصد في التعزية حاصلة بعد الدفن بل هو أولى فإنه وقت مفارقة شخصية والانقلاب عنه فيستحب التعزية.
* مسألة: ويستحب لجميع أهل المصيبة كبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم عملا بالعموم وينبغي أن يخص أهل الفضل والعلم والخير والمنظور
إليهم من بيتهم (بمزية) ليتأسى به غيره والضعيف عن تحمل المصيبة بحاجة إليها ولا ينبغي أن يعزى للنساء الأجانب خصوصا الشواب بل يعز منهم نساء
مثلهم. * مسألة: ولا يجوز تعزية أهل الذمة وقال الشافعي يجوز وعن أحمد روايتان. لنا: أنه مأمور بإحسانهم وقال عليه السلام لا يبدؤهم بالسلام
وهذا في معناه احتج أحمد بأنه يعاد في المرض فإنه روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله (أتى) غلاما من اليهود يعوده كان قد مرض فقعد
عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال أطع أبا القاسم فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله الحمد لله الذي أنقده من
النار وإذا كان يعاد فكذا يعزى والجواب: عيادته لمعنى وهو دعائه إلى الاسلام وذلك متفق عليه. فروع: [الأول] لو كان في تعزيته
مصلحة دينية أو دنيوية استحب. [الثاني] لا يجوز تعزية الكفار والمنافقين للحق. [الثالث] يجوز تعزية المسلم بأبيه الذمي والعكس
465

للمصلحة. [الرابع] يدعو الذمي إذا عزاه بإلهام الصبر والبقاء بالأجر ويقول للمسلم في عزا أبيه النصراني أعظم الله أجرك وأخلف عليك أي كان النية
عليك ولو عزى ذميا بمسلم قال غفر الله لميتك وأحسن عزاك. * مسألة: ولا نعلم في التعزية شيئا محدودا غير أنه قد نقل عن أهل البيت عليهم السلام
أشياء ينبغي ذكرها روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنه عزى رجلا بابن له فقال الله خبر لابنك منك وثواب الله خير لك منه فلما بلغه شدة
جزعه بعد ذلك عاد إليه فقال له قد مات رسول الله صلى الله عليه وآله فما لك به أسوة فقال أنه كان مراهقا فقال إن أمامه ثلث خصال
شهادة أن لا إله إلا الله ورحمة الله وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله فلن تفوته واحدة منهن إن شاء الله وعزى رسول الله صلى الله
عليه وآله نفسه لما مات إبراهيم عليه السلام حزنا عليك يا إبراهيم وإنا لصابرون بحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما يسخط الرب ويكفي في التعزية أن
يراه صاحب المصيبة رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام ويمسح رأس اليتيم ويسكنه بلطف رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام ما من عبد يمسح يده على
رأس يتيم ترحما له إلا أعطاه الله عز وجل بكل شعرة نورا يوم القيامة وعنه عليه السلام قال إذا بكا اليتيم اهتز له العرش فيقول الله تبارك وتعالى
من هذا الذي يبكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره فوعزتي وجلالي وارتفاعي في مكاني لا يسكنه عبد مؤمن إلا وجبت له الجنة. * مسألة:
قال الشيخ في المبسوط: يكره الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة وخالف فيه ابن إدريس وهو الحق إذ لا يقتضي الكراهية في جلوس الانسان في داره
للقاء إخوانه والدعاء لهم وتسلية واشتغال صاحب المصيبة بمجاورتهم ومذاكرتهم ويؤيده ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال ليس لأحد
أن يجد أكثر من ثلاثة أيام إلا المرأة على زوجها حتى ينقضي عدتها احتج الشيخ بأن فيه تحديدا بالمصيبة والجواب: أن فيه تسلية المصاب
ويستحب أن لا يبرح حاضر المصيبة إلا أن يؤذن له في الانصراف فإن كان مصاحبها جاهلا أي ينبغي له من الاذن بالانصراف انصرف بغير أذنه
وكذا لو حصل له حاجة أو ضرورة يدعوه إلى الانصراف. * مسألة: ويستحب أن يصنع لأهل الميت طعام وسعت به إليهم وهو وفاق أهل العلم
روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لما جاء (نعي) جعفر بن أبي طالب قال عليه السلام: اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم عنه ومن
طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن الباقر عليه السلام قال: يصنع للميت ثلاثة أيام من يوم مات وأوصى عليه السلام بثمان مئة درهم لمأتمه وكان يرى
ذلك أن السنة لان رسول الله صلى الله عليه وآله قال اتخذوا لآل جعفر بن أبي طالب طعاما فقد شغلوا وقال الصادق عليه السلام: الأكل عند أهل
المصيبة من عمل أهل الجاهلية والسنة البعث إليهم بالطعام على ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله في آل جعفر بن أبي طالب عليه السلام لما جاء نعيه وقال عليه السلام: لما قتل جعفر بن
أبي طالب أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن تأتي أسماء بنت عميس وهي نسائهم وتقيم عندها تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام فجرت السنة بذلك
ولأنه من البر والتقرب إلى الجيران فكان مستحبا. فروع: [الأول] لا يستحب لأهل الميت أن يصنعوا طعاما ويجمعوا الناس عليه لأنهم
مشغولون بمصابهم ولان في ذلك تشبها بأهل الجاهلية على ما قال الصادق عليه السلام. [الثاني] لو دعت الحاجة إلى ذلك جاز كما لو حضرهم
أهل القرى والأماكن البعيدة واحتاجوا إلى البعث عندهم فإنه ينبغي ضيافتهم. [الثالث] ينبغي أن يفعل لهم الطعام ثلاثة أيام لأنه
المنقول وينبغي لذلك بجيرانه وأقربائه. * مسألة: البكاء على الميت جائز غير مكروه إجماعا قبل خروج الروح وبعده إلا الشافعي فإنه
كرهه بعد الخروج. لنا: ما رواه الجمهور عن أنس قال شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله جالس على فرأيت عينيه يدمعان وقيل النبي صلى الله عليه وآله عثمان بن مظعون
وهو ميت ورفع رأسه وعينه يهراقان وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وآله أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب وأن عيني رسول الله صلى الله عليه وآله
ليهرقان ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال أن النبي صلى الله عليه وآله حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام وزيد بن جابر
كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا ويقول كانا يحدثاني ويؤنساني فذهبا جميعا ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله من واقعة
أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيلا نوحا وبكاء ولم يسمع من دار حمزة عمه فقال عليه السلام لكن حمزة لا بواكي له قال أهل المدينة
أن لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه حتى يبدوا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه فهم إلى اليوم على ذلك وقال الصادق عليه السلام من خاف على نفسه من
وجد بمصيبته فليفض من دموعه فإنه يسكن عنه فذلك عام احتج الشافعي بما رواه عبد الله بن عتيك قال جاء رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى عبد الله بن ثابت يعوده فوجده قد غلب (فصاح) به فلم يجبه فاسترجع وقال علينا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل بين عتيك يسكنهن
فقال له النبي صلى الله عليه وآله ودعهن فإذا وجب فلا يبكين باكية يعني إذا مات والجواب: أنه محمول على رفع الصوت والندب والصياح المرتفع
الخارج غير المعتاد. فروع: [الأول] الندب لا بأس به وهو عبارة عن تقدير محاسن الميت وما يلقون بعقده بلفظ النداء أبوا
مثل قولهم وا رجلاه وا كريماه وا انقطاع ظهراه وا مصيبتاه غير أنه مكروه لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله ولا من أحد عن أهل البيت عليهم السلام.
[الثاني] النياحة بالباطل محرمة إجماعا أما بالحق فجائز إجماعا روى الجمهور عن فاطمة عليها السلام قالت يا أبتاه من ربي ما أدنى يا أبتاه
إلى جبرئيل (أنعاه) يا أبتاه أجاب ربا دعاء وعن علي عليه السلام أن فاطمة عليها السلام أخذت قبضة من تراب قبر النبي صلى الله عليه وآله فوضعتها على عينيها
ثم قالت ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مد الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام (صرن لياليا) ومن طريق
466

الخاصة ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أن سئل عن أجر النائح فقال: لا بأس به قد ينح رسول الله صلى الله عليه وآله وروي أنه قال لا بأس بكسب النائحة
إذا قالت صدقا وفي خبر آخر قال يستحل بضرب إحدى يديها على الأخرى وذلك يستلزم المطلوب. [الثالث] يحرم ضرب (الخدود) ونتف الشعور وشق
الثوب إلا في موت الأب والأخ وقد سوغ فيها شق الثوب للرجل روى وكذا يكره الدعاء بالويل والثبور وروي أن أهل البيت إذا دعوا بالويل
وقف ملك الموت في عتبة الباب وقال إن كان صيحتكم علي فإني مأمور وإن كان صيحتكم على ميتكم فإنه معبور وإن كانت على ربكم فالويل لكم و
الثبور وإن لي منكم لعودات ثم عودات وروى ابن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لفاطمة عليها السلام حين قتل جعفر بن أبي طالب عليه السلام لا تدعى بذل ولا ثكل
ولا حزن وما قلت فيه فقد صدقت ذلك قال لما قبض علي بن محمد العسكري عليهما السلام روى الحسن بن علي عليهما السلام وقد خرج من الدار وقد شق قميصه من خلف وقدام.
[الرابع] ينبغي لصاحب المصيبة الصبر على البلية والاسترجاع قال الله تعالى: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا
إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) وروى الجمهور من أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول
ما من عبد يصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم (آجرني) في مصيبتي واخلف لي خيرا منها علي أجزاه الله في مصيبته وخلف له خيرا
منه قالت فلما مات أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله فأخلف الله لي خيرا لي منه رسول الله صلى الله عليه وآله ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه
عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال أربع من كن فيه كان في نور الله الأعظم من كان عصمة أمره شهادة أن
لا إله إلا الله واني رسول الله ومن إذا أصابته
مصيبة قال إنا لله وإنا إليه راجعون ومن إذا أصاب خيرا قال الحمد لله رب العالمين ومن إذا أصاب خطيئة قال استغفر الله وأتوب إليه وقال أبو جعفر عليه السلام
ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند مصيبته ويصبر حين تفجأ المصيبة إلا غفر الله له ما مضى من ذنوبه إلا الكبائر التي
أوجب الله عز وجل عليها النار وكلما ذكر مصيبة فيما يستقبل من عمره فاسترجع عندها وحمد الله عز وجل غفر الله له كل ذنب اكتسبه
فيما بين الاسترجاع الأول إلى الاسترجاع الأخير إلا الكبائر من الذنوب وقد ورد حصول الثواب وإن لم يصبر روى ابن بابويه عن الصادق
عليه السلام قال من أصيب بمصيبة جزع عليه أو لم يجزع صبر عليها أو لم يصبر كان ثوابه من الله الجنة وقال عليه السلام ثواب المؤمن من
ولده الجنة صبرا ولم يصبر وهذا أمر معقود أيضا لحصول الاسم بالبعد المستلزم للعوض. [الخامس] روى عمر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إن الميت يتعذب ببكاء
أهله عليه وأنكره ابن عباس قالت عائشة والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وآله أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ولكن قال الله تعالى ويزيد الكافر عذابا
ببكاء أهله عليه قالت عائشة وحسبكم القرآن قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وإنكارها يدل على بطلانه وقد ورد في أحاديث أهل
البيت ضد هذا فقد روى ابن بابويه أن الباقر عليه السلام أوصى أن يندب في (المواسم) عشر سنين وعن محمد بن الحسن الواسطي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال إن إبراهيم خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته وقد تأول هذا الحديث على تقدير صحته وقيل أن الجاهلية كانوا ينوحون
على موتاهم ويعذرون أفعالهم التي هي قتل النفس والغارة على الأموال فأراد عليه السلام أنهم يعذبون بما يبكون به عليهم. * مسألة: ويستحب زيارة
المقابر للرجال وهو قول العلماء كافة روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال كتب يمينكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها
يذكركم الموت رواه مسلم ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الموتى تزورهم
فقال نعم فقلت فيعلمون بنا إذا أتيناهم فقال أي والله انهم ليعلمون بكم ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم وقال الرضا عليه السلام من زار قبر
مؤمن فقرأ عنده إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات غفر الله له ولصاحب القبر وعن سماعة بن مهران أنه سئل الصادق عليه السلام من
زيارة القبور وبناء المساجد فيها فقال أما زيارة القبور فلا بأس ولا يبنى عندها مساجد ولان ذلك يتضمن الاتعاظ وذكر الموت و
كثر النفس عن اتباع الهوى وسؤال الرب الرحمة له وللميت والاستغفار. فروع: [الأول] يستحب تكرار ذلك في كل وقت روى
ابن بابويه عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن المؤمن يزور أهله فقال نعم فقال في كم قال على قدر مصايبهم منهم من يزور كل يوم ومنهم
من يزور في كل يومين ومنهم من يزور في كل ثلاثة أيام قال ثم رأيت في مجرى كلامه أنه يقول أدناهم جمعة فقال له في أي ساعة
قال عند زوال الشمس أو قبل ذلك وبعث الله ملكا يريه ما يسر به ويسترعيه فأنكره فيرى سرورا ويرجع إلى قرة عين. [الثاني]
يستحب أن يقال في زيارة القبور ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام روى ابن بابويه عن جراح المدائني أنه سئل أبا عبد الله عليه السلام كيف التسليم على
أهل القبور فقال يقول السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين رحم الله المتقدمين منا والمتأخرين وإنا إن شاء الله بكم
لاحقون وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا مر على القبور قال السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين وإنا إنشاء الله بكم لاحقون وقال الصادق عليه السلام
إذا دخلت المقابر فقل السلام على أهل الجنة وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قل اللهم جاف الأرض من جنوبهم وصاعد إليك أرواحهم
ولقهم منك رضوانا واسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم وتؤنس به وحشتهم إنك على كل شئ قدير. [الثالث] لا بأس بالقراءة
عند القبر بل هو مستحب وعن أحمد روايتان، إحديهما: أنه بدعة. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من دخل المقابر فقرأ سورة يس
467

خفف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات وعنه صلى الله عليه وآله قال من زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده أو عندهما يس غفر له ومن طريق الخاصة ما رواه
ابن بابويه عن الرضا عليه السلام من زار قبر مؤمن فقرأ عنده إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات غفر له ولصاحب القبر. [الرابع] يجوز للنساء زيارة
القبور وعن أحمد روايتان إحديهما الكراهية. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله كتب يمينكم عن زيارة القبور فتزورها وهو بعمومه يتناول النساء وعن ابن أبي
مليكة أنه قال لعائشة يا أم المؤمنين أين أقبلت قالت من قبر أخي عبد الرحمن فقلت لها قد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن زيارة القبور قالت نعم قد نهى
ثم أمر بزيارتها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن يونس عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن فاطمة عليها السلام كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت فتأتي
قبر حمزة وترحم عليه وتستغفر له. [الخامس] كل قربة فيجعل ثوابها للميت المؤمن فإنها ينفعه والاختلاف في الدعاء والصدقة والاستغفار وأداء الواجبات
التي يدخلها النيابة قال الله تعالى: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان) وقال: (فاستغفر لذنبك
وللمؤمنين والمؤمنات) روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سأله رجل فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله ان أمي ماتت أفننفعها إن تصدقت عنها قال: نعم وجاءت
امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله أن أبي أدركته فريضة الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أما أحج عنه فقال
أفرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته قالت نعم قال فدين الله أحق أن يقضى وقال عليه السلام لعمرو بن العاص لو كان أبوك مسلما فأعتقتم عنه و
تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال إن الميت ليفرح بالرحم عليه والاستغفار له كما يفرح
الحي بالهدية يهدى له وقال عليه السلام ستة يلحق الميت بعد وفاته ولد يستغفر له، ومصحف يخلفه، وغرس يغرسه، وصدقة ما يجزيه، وقليب يحفره، وسنة يوجدها
من بعده وقال عليه السلام من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف له أجره وينفع الله به الميت. [السادس] الصلاة يصل ثوابها إلى الميت
خلافا لقوم من الجمهور. لنا: أنها قربة وطاعة وعبادة بدينه فأشبهت الحج ويؤيده ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي
عبد الله عليه السلام يصلي على الميت فقال نعم حتى أنه ليكون في ضيق فيوسع على ذلك الضيق ثم يؤتى فيقال له خفف بيتك هذا الضيق بصلاة
فلان أخيك عنك قال فقلت فاشترك بين رجلين ركعتين قال نعم وقال عليه السلام يدخل على الميت في قبر الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر و
الدعاء ويكتب أجره للذي فعله وللميت. [السابع] قال الشافعي ما عدا الواجبات والصدقة والدعاء والاستغفار لا يفعل عن الميت ولا يصلى وليس بجيد ولان الباق
مجموعون على الاجماع بقراءة القرآن وإهدائه إلى الأموات من غير إنكار وما تقدم في الأحاديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه وآله من طرق
الجمهور وأهل البيت عليهم السلام احتج الشافعي بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلث صدقة جارية وعلم ينتفع به (لغد)
أو ولد صالح يدعو له ولأنه نفعه لا يتعدى فاعله فلا يتعداه ثوابه. والجواب عن الأول: أنه يدل على انقطاع عمله ونحن نقول بموجبه لأنه
ليس من حمله، وعن الثاني: أن تعدى الثواب ليس يفرغ لتعدي النفع بالصوم والحج والدعاء. * مسألة: ويستحب خلع النعال إذا دخل المقابر ولو
لم يفعل لم يكن مكروها لان النبي صلى الله عليه وآله روى عنه أنه قال إذا وضع المرء في قبره وتولى عنه أصحابه أنه يسمع نزع نعاليهم ولا ريب أن خلع النعال أقرب إلى
الخشوع وأبعد من الخيلا ولو كان هناك مانع من خلع النعلين لم يستحب خلعها. فروع: [الأول] يكره المشي على القبور قاله الشيخ وقد روى
عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لئن أمشي على (جمرة) أو صيف أو خصف نعلي برجلي أحب إلى من أن أمشي على قبر مسلم وقد روى ابن بابويه عن أبي
الحسن موسى عليه السلام قال إذا دخلت المقابر (فطأ) القبور فمن كان مؤمنا استراح إلى ذلك ومن كان منافقا وجد (ألمه). [الثاني] يكره الجلوس عليها
والاتكاء والصلاة إليها روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها وروى ابن بابويه عن النبي صلى الله عليه وآله قال لا تتخذوا قبري
قبلة ولا مسجدا فإن الله عز وجل لعن اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. [الثالث] يكره الضحك بين القبور لأنه يباح الاتعاض وقد
روى ابن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال إن الله تبارك وتعالى كره لي ست خصال وكرهتهن للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي العبث في الصلاة،
والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة، وإتيان المساجد جنبا، والتطلع في الدور، والضحك بين القبور. * مسألة: ويحلل قبر المرأة بثوب إذا أريد
دفنها وهو قول العلماء روى الجمور عن علي عليه السلام أنه مر بقوم دفنوا ميتا وبسطوا على قبره الثوب فحدثه فقال إنما يصنع هذا بالنساء وهو
يدل على المشروعية ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن جعفر بن سويد من بني جعفر بن كلاب قال سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول يغشى
قبر المرأة بالثوب ولا يغشى قبر الرجل وقد مد على قبر سعد بن معاذ ثوب والنبي صلى الله عليه وآله شاهد فلم ينكر ذلك ولأن المرأة عورة وحرمتها كحية وربما
ظهر من عورتها بشئ وربما (جرا منها) أمر يشاهده الحاضرون فاستحب الستر لهذا المعنى ولا اعتبار بمخالفة بعض المتأخرين في هذا وكونه لم يوجد في
كتاب مع أن الشيخ رحمه الله رواه في التهذيب وأفتى به في الخلاف والمفيد رحمه الله ذكر في كتاب أحكام النساء أن المرأة يستحب أن يحلل قبرها عند الدفن بثوب
مع أن هذين هما العمدة وعليهما المعول في نقل المذهب. فرع هل يستحب أن يفعل ذلك بالرجل أفتى في الخلاف بالاستحباب مطلقا وهو كما
يتناول المرأة يتناول الرجل ولم يكرهه الشافعي وأصحاب الرأي وأبو ثور وكرهه أحمد احتج الشافعي بأن النبي صلى الله عليه وآله لما دفن سعد بن معاذ نشر قبره بثوب و
قد نقله الخاصة عن الصادق عليه السلام ولأنه يحتاج إلى الرجل عقد الكفن وتسويته فالمستحب ستره واحتج بحديث علي عليه السلام. * مسألة: ويستحب لصاحب
468

المصيبة أن يتميز عن غيره لتعزية الناس ويعرفونه فيقصدون إليه وروى ابن بابويه عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال ينبغي لصاحب الجنازة أن لا يلبس رداء
وأن يكون في قميص حتى يعرف ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله ردائه في جنازة سعد بن معاذ رحمه الله غسل عن ذلك فقال رأيت الملائكة قدر وضعت (أرديتها)
فوضعت ردائي روى الشيخ عن الحسين بن عثمان قال لما مات إسماعيل بن أبي عبد الله عليه السلام خرج أبو عبد الله عليه السلام فيقدم السرير بلا حذاء ولا
رداء وفي الحسن عن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع ردائه حتى يعلم أنه صاحب المصيبة.
فرع: قال الشيخ في المبسوط يجوز لصاحب الميت أن يتميز من غيره بإرسال طرف العمامة وأخذ
من فوقها على الأب والأخ فأما غيرهما فلا يجوز
على حال وسوى بن إدريس في المنع بين الأب والأخ وغيرهما والأقرب عندي ما قاله الشيخ لأنه قد ورد استحباب التميز بنزع الرداء وكذا بإرسال طرف
العمامة وأخذ منه (ووقفوها) ويؤيد تعليل الصادق عليه السلام حديث آخر روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال ملعون ملعون من وضع ردائه في مصيبة (عين بها)
يشتمل على فصول روى الشيخ أنه يستحب أن يوضع عند الجريدة مع الميت كتاب يقول قبل أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم أشهد أن إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ثم يكتب
بسم الله الرحمن الرحيم شهد الشهود المسلمون في هذا الكتاب أن أخاهم في الله عز وجل فلان بن فلان ويذكر اسم الرجل أشهدهم واستودعهم
وأقر عندهم أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله وأنه مقر بجميع الأنبياء والرسل وأن عليا عليه السلام ولي
الله وإمامه وأن الأئمة من ولده أئمته وأن أولهم الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي
وعلي بن محمد والحسن بن علي ومحمد بن الحسن القائم الحجة عليهم السلام وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور
وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله جاء بالحق وأن عليا ولي الله والخليفة من بعد رسول الله صلى الله
عليه وآله ومستخلفه في أمته مؤديا لأمر ربه تبارك وتعالى وأن
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وابنيها الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسبطاه وإماما الهدى وقائدا الرحمة وأن عليا ومحمدا وجعفرا وموسى وعليا
ومحمدا وعليا وحسنا والحجة القائم عليهم السلام أئمة وقادة إلى الله جل وعلا وحجة على عباده ثم يقول للشهود يا فلان ويا فلان للمسلمين في هذا
الكتاب أثبتوا لي هذه الشهادة عندكم حتى يلقوني بها عند الحوض ثم يقول الشهود يا فلان يستودعك الله والشهادة والاقرار والآحاد
موعود عند رسول الله صلى الله عليه وآله ويقرأ عليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم يطوي الصحيفة ويطيع بخاتم الشهود وخاتم الميت ويوضع على قبر
الميت مع الجريدة ويكتب الصحيفة بكافور وعود على جبهة غير مطيب. فصل: روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام ما من أحد يموت أحب إلى
إبليس من موت فقيه وسئل عن قوله تعالى: (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) فقال فقد العلماء وسئل عن قوله تعالى: (أو لم
نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) فقال توبيخ لابن ثمانية عشر سنة. فصل: وروى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال ما يخرج مؤمن من الدنيا إلا برضا
وذلك أن الله تبارك وتعالى يكشف الغطاء حتى ينظر إلى مكانه من الجنة وما أوعد الله له فيها وينصب له الدنيا كأحسن ما كانت له ثم يخير فيختار
ما عندنا ويقول ما أصنع بالدنيا وبلاها فلقنوا موتاكم كلمات الفرج وقال عليه السلام: الموت كفارة ذنب كل مؤمن. فصل: وروى أيضا عن الصادق
أن ولاية علي عليه السلام براءة في ثلاثة مواطن حيث يسره عند الموت وعند الصراط وعند الحوض وملك الموت يدفع الشيطان عن المحافظة
إلى الصلاة ويلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله في تلك الحالة العظيمة وقال أمير المؤمنين عليه السلام أن العبد إذا كان في آخر
يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة مثل له ماله وولده وعمله فليلتفت إلى ماله فيقول والله إن كنت عليك لحريصا فماذا عندك فيقول
خذ مني كفنك فيلتفت إلى ولده فيقول والله إن كنت لكم لمحبا وإن كنت عليكم لمحاميا فماذا عندكم فيقولون نؤديك إلى
حفرتك ونواريك فيها فيلتفت إلى عمله فيقول والله إن كنت علي لثقيلا وإن كنت فيك لزاهدا فماذا
عندي فيقول أنا قرينك في قبرك ويوم حشرك حتى أعرض أنا وأنت على ربك. فصل: وروى ابن
بابويه أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال من مات يوم الجمعة وليلة الجمعة رفع عنه عذاب القبر
وقال الصادق عليه السلام من مات ما بين دفنه إلى الشمس من يوم الخميس إلى زوال الشمس
يوم الجمعة ومن ضغط القبر وقال عليه السلام ليلة الجمعة ليلة (غراء) ويومها
يوم أزهر وليس على الأرض يوم يعرف فيه الشمس أكثر
معتقا من النار من يوم الجمعة ومن مات يوم الجمعة كتبت له براءة من عذاب القبر ومن مات يوم الجمعة عتق من النار. فصل: وروى ابن بابويه
عن الصادق عليه السلام من مات محرما بعثه الله ملبيا وقال عليه السلام من مات في أحد الحرمين أمن من الفزع الأكبر يوم القيمة وقال عليه السلام إذا ماتت المرأة
في نفاسها لم ينشر بها ديوان يوم القيمة وقال عليه السلام موت الغريب شهادة وقال عليه السلام إذا مات المؤمن لبكت عليه بقاع الأرض التي كان يعبد الله فيها والباب
الذي كان يصعد فيه عمله وموضع سجوده. تم الجزء الثاني من كتاب منتهى المطلب في تحقيق المذهب ويتلوه الجزء الثالث بعون الله تعالى
469

كتاب الزكاة
بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب الثالث، في الزكاة والخمس وفيه مقدمة ومقاصد أما المقدمة ففيها فصول:
{الفصل الأول}، في ماهيتها: الزكاة في اللغة يقال بمعنى الزيادة والنمو، والثاني التطهر يقال زكا المال إذا نما وقال الله تعالى: (أقتلت
نفسا زكية) أي مطهرة وفي الشرع عبادة عن حق ثبت في المال لشرائط يأتي ذكرها وقولنا ثبت يناول الوجوب والندب وهو أولى من قول من قال حق يجب في
المال لأنه يخرج منه الزكاة المندوبة إذا ثبت هذا فنقول الترجيح الشرعي (لمح) فيه المعنى اللغوي لزيادة الثواب وتطهير المال من حق المساكين وتطهير
المؤدى من الاثم فإذا طلعت فيهم منها المغني الشرعي لا غير. {الفصل الثاني}، في وجوبها: وهي واجبة بالكتاب والسنة والاجماع قال الله تعالى:
(وآتوا الزكاة) وقال: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) والآيات في ذلك كثيرة وبعث النبي صلى الله عليه وآله معاذ إلى اليمن فقال أعلمهم
أن الله فرض عليهم صدقة ويؤخذ من أغنيائهم فترد في فقراءهم وروى الجمهور عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول
ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيمة شجاعا أقرع يفر منه وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه ثم قرأ علينا: (سيطوقون ما (بخلوا) به يوم
القيمة) ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال من تمام الصوم عطاء الزكاة كالصلاة على النبي
صلى الله عليه وآله من تمام الصلاة ومن صام ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا ومن صلى ولم يصلى على النبي صلى الله عليه وآله وترك ذلك
متعمدا فلا صلاة له ان الله عز وجل بدأ بها قبل الصلاة فقال: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) وعن ابن مسكان عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام
قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في المسجد إذ قال قم يا فلان حتى اخرج خمسة نفر فقال اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون
وروى ابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أن الله تعالى فرض الزكاة كما فرض الصلاة الحديث وقد أجمع المسلمون
كافة على وجوبها. {الفصل الثالث}، في حكم نفي الزكاة: من منع الزكاة جاهلا عرف وجوبها دين له والزم بأدائها فإن امتنع فويل على
ذلك وهذا حكم من نشأ في بادية لم يخالط أهل الاسلام أو كان قريب العهد بالاسلام أما من نشأ بين المسلمين وعرف أحكامهم إذا أنكر
وجوبها جهلا به كان مرتدا عن الاسلام لانكاره ما علم من الدين بالضرورة ثبوته أما لو منعها عالما بوجوبها غير مستحل بل معتقدا لتحريم ما
ارتكبه فإنه يؤخذ منه من غير زيادة عليها وهو قول علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم وقال إسحاق بن راهويه يؤخذ منه وشطر ماله وبه قال النخعي
في القديم. لنا: قوله عليه السلام: ليس في المال حق سوى الزكاة وقوله عليه السلام لا يحل مال امرء مسلم
إلا عن طيب نفس منه خرج منه مالها أجمع على اخراجه
لخروجه عن كونه مالا له فيبقى الباقي حينئذ على المنع احتج إسحاق والشافعي بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال في كل أربعين من الإبل السائمة
بنت لبون من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرتها ومن منعها فأنا أخذوها وشطر ماله (عزمه) من غير ما من ربنا ليس لآل محمد فيها شئ والجواب اتفق
العلماء على نسخه فقد روى أنه كان في ابتداء الاسلام والعقوبات في المال ثم نسخ ذلك. * مسألة: ومانع الزكاة مانع لفريضة معلومة من فرائض
470

الاسلام وعقابه عظيم قال الله تعالى: (ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) وقال تعالى: (ولا تحسبن الذين يبخلون بما (آتاهم) الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم
سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمة) وروى الجمهور عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل
له يوم القيمة شجاعا أقرع يفر منه وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه ثم قرأ علينا: (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمة) ومن طريق الخاصة ما رواه
ابن بابويه عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر وسلط عليه
شجاعا أقرع يريده وهو (يحيد) عنه فإذا رأى أنه لا يتخلص منه أمكنه من يده (فقضمها) كما يقضم الفحل ثم يصير طوقا في عنقه وذلك قول الله عز وجل:
(سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمة) وما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيمة بقاع قرقر تطأه كل ذات ظلف
بظلفها وتنشه كل ذات ناب بنابها وما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاته إلا طوقه الله عز وجل ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم
القيامة وروى الشيخ عن ابن مسكان عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في المسجد إذ قال قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان
حتى أخرج خمسة نفر فقال اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنت لا تزكون وفي الحسن عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
ما من رجل يمنع درهما في حقه إلا اتفق اثنين في غير حقه وما من رجل يمنع حقا في ماله إلا طوقه الله عز وجل به حية من نار يوم القيمة وروى ابن بابويه
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال ما من عبد منع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله ذلك يوم القيمة ثعبانا من نار مطوقا وعنقه ينهش من
لحمه حتى يفرغ من الحساب وهو قول الله عز وجل: (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمة) يعني ما بخلوا من الزكاة وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم وسئل الرجعة عند الموت وهو قول الله تبارك وتعالى: (إذا جاء أحدكم الموت قال رب ارجعون
لعلي أعمل صالحا فيما تركت) وقال عليه السلام ما ضاع مال في بر أو بحر إلا بتضييع الزكاة والاخبار في ذلك كثيرة مشهورة * مسألة: (ويقاتل) مانع
الزكاة حتى يؤديها وهو قول العلماء روى الجمهور أن أبا بكر قاتل مانع الزكاة وأنكر عليه عمر وقال له أتريد أن تقاتل العرب وقال رسول الله صلى الله
عليه وآله: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموني في دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله فقال أبو بكر الزكاة من
حقها ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دمان في الاسلام حلال من الله تبارك وتعالى لا يقضي فيهما
أحد حتى يبعث الله قائمنا أهل البيت فإذا بعث الله عز وجل قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم الله تعالى الزاني المحصن يرجمه ومانع الزكاة يضرب عنقه ولان
المنع فسوق فيجب على الامام إزالته مع القدرة. فروع: [الأول] القتال وإن كان مباحا إلا إنا لا نحكم بكفره وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى
الروايتين وفي الأخرى يكفر. لنا: أن عمر وغيره من الصحابة امتنعوا من القتال ولو كانوا كفرة تقاتلوهم أما لو علم منه إنكار وجوبها فإنه يكون كافرا.
[الثاني] لا يحل سبي ذراري المانعين وإن حل قتالهم لان الجناية من غيرهم ولان سبي المانع حرام فسبي ذراريه أولى بالتحريم. [الثالث]
إن ظهر المانع للامام دون ماله ضيق إليه وحبسه حتى يظهره وإن ظهره ماله ضيق عليه حتى يؤدها فإن امتنع أخذها الامام قهرا. [الرابع] ليس
في المال حق سوى الزكاة والخمس والثاني يأتي البحث فيه وقال الشيخ في " الخلاف " يجب اخراج الصعب والكفر عند الصرام والحصاد وبه قال مجاهد والشعبي
والأقرب الاستحباب وليس من الزكاة. لنا: قوله عليه السلام: " ليس في المال حق سوى الزكاة " واحتج الشيخ بقوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) والزكاة لا
تؤتى وقت الحصاد والجواب: المراد بذلك إيجاب الحق يوم الحصاد ولو سلم المغايرة فالامر هنا للندب. {الفصل الرابع}، في بيان فضلها: وهي
من أركان الدين والفرائض المجمع عليها وقد ورد في فضلها شئ كثير روى الشيخ عن معلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام أن الله لم يخلق شيئا
إلا وله خازن يخزنه إلا الصدقة فإن الرب يليها بنفسه وكان أبي إذا تصدق بشئ وضعه في يد السائل ثم ارتده منه فقبله وشمه ثم رده في يد السائل
ان صدقة الليل تطفى غضب الرب تعالى وتمحو الذنب العظيم وتهون الحساب وصدقة النهار (تنمي) المال
وتزيد في العمر وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الصدقة بعشرة والقرض ثمانية عشر وصلة الاخوان
بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين وعن سالم بن أبي حفصة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله تعالى يقول: ما من شئ إلا وقد كلت به
من يقبضه غيري إلا الصدقة فإني (أتلقفها) بيدي تلفقا حتى أن الرجل يتصدق بالتمرة أو بشق التمرة فأربيها كما يربي الرجل فلوه وفصيله يلقاها
يوم القيامة وهي مثل جبل أحد وأعظم من أحد وفي الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال من أحب الأعمال إلى الله عز وجل إشباع
جوعة المؤمن أو تنفس كربته أو قضاء دينه وعن عبد الله بن سنان قال أبو عبد الله عليه السلام قال من أحب الأعمال داووا مرضاكم بالصدقة وادفعوا
البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة فإنها (تغل) سبع مائة شيطان وليس شئ أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن وهي تقع في يدي
الرب قبل أن تقع في يد العبد والاخبار في ذلك كثيرة شهيرة.
{الفصل الأول} فيمن تجب الزكاة عليه، * مسألة: يشترط في وجوب
زكاة الغير التكيف وهو يتضمن العقل والبلوغ فلا يجب زكاة العين من الذهب والفضة على الصبي والمجنون
ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال
الحسن البصري وسعيد بن المسيب وسعد بن جبير والنخعي وأبو حنيفة وقال الشافعي يجب الزكاة في مالها وبه قال جابر وابن سيرين وعطا ومجاهد
471

وربيعة ومالك وأحمد وإسحق وأبو ثور وروي عن ابن مسعود والثوري والأوزاعي أنهم قالوا يجب الزكاة ولا يخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون.
لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال رفع القلم عن ثلث عن الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له في مال اليتيم عليه زكاة فقال إذا كان موضوعا فليس عليه زكاة فإذا علمت به فأنت له ضامن والربح لليتيم وفي الصحيح
عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألت عن حال اليتيم فقال ليس فيه زكاة وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ليس في مال
اليتيم زكاة ولأنهما ليسا من أهل التكليف فلا وجوب عليهما فلا يجب في مالهما ولان الزكاة عبادة مختصة تفتقر إلى النية فلا يجب على من يقدر
عليه النية ولأنها عبادة فلا يجب عليهما كالصلاة والحج احتج المخالف بما رواه الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وآله قال من ولى ميتها له
مال فليتحر له ولا يزكه حتى يأكل الصدقة وعن علي عليه السلام أنه كان عنده مال لأيتام بني أبي رافع فلما بلغوا سلمه إليهم وكان قدره عشرة ألف دينار
فوزنوه فنقص فعادوا إليه وعليه السلام فقالوا انه ناقص قال أفحسبتم الزكاة قالوا لا قال فاحسبوها فاحسبوها فخرج المال مستويا فقال
علي عليه السلام أيكون عندي مال لا أؤدي زكاته ولان من يجب العشر في ورقه كالبالغ ولأنها حق في المال فيجب اخراجها من مالهما كالنفقة
وقيل؟ أتلفها؟ والجواب عن الأول أن بعض رواية الحديث قال أنه حديث موقوف على عمر فيبقى حجة وفي طريقه المزني بن الصباح وفيه ضعف
وعن الثاني: بعد تسليم السند أنه محمول على أنه عليه السلام رفعه إليهم بعد بلوغهم (بسنة) له فالتحصيل الايناس بالرشد أو لأنهم تزكوه بعد بلوغهم
عنده فتعلقت الزكاة به وعن الباقي بالمنع من وجود الجامع في الفرع مع التسليم ثبوت الفرق فإن العشر يجب مرة واحدة فلا يأكله
الزكاة بخلاف العين ولا يلزم من وجوب الزكاة مع أدنى الضررين وجوبها مع أعلاها وعن الرابع: بأن النفقة لا يحتاج إلى النية
وقيم المتلقات ترتب على الاتلاف وإن فقد القصد كما في حق النائم. مسألة: ويستحب لولي الطفل والمجنون إذا اتجر لهما نظرا وارفاقا
بهما أن يخرج عنهما زكاة التجارة وعليه فتوى علمائنا أجمع روى الشيخ في الصحيح عن يونس بن يعقوب قال أرسلت إلى أبي عبد الله عليه السلام
أن لي أخوة صغار فمتى يجب عليهم الزكاة قال إذا أوجبت عليهم الصلاة وجبت الزكاة قال قلت فإن لم يجب عليهم الصلاة قال إذا أتجر به فزكاة
وعن سعيد السمان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به فالربح لليتيم وإن وضع فعلى الذي
يجرد في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام امرأة من أهلنا مختلطة عليها مالها فقال إن كان عمل به فعليها زكاته وإن
لم يعمل فلا وعن موسى بن (أبكر) قال سألت أبا الحسن عن امرأة (مصابة) ولها قال في يد اخذها أعليه زكاة إن كان أخوها ليتجر به فعليه زكاة
ولان العذر المخرج من الزكاة يتجر بالتجارة فاستحب الاخراج كالبالغ العاقل. فروع: [الأول] لو ضمن ولي المال واتجر لنفسه وكان
صبيا كان الربح له وعليه زكاة التجارة استحبابا قاله الشيخ ورواه عن منصور الصيقل قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مال اليتيم يعمل به
قال إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن المال وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن من المال. [الثاني]
لو لم يكن مليا أولم يكن وليا خمس المال والربح لليتيم ولا زكاة هنا على واحد منهما وروى الشيخ عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام
قال قلت له الرجل يكون عنده مال اليتيم يتجر به أيضمنه قال نعم قلت فعليه زكاة قال لا لعمري لا أجمع عليه خصلتي الضمان والزكاة. [الثالث]
قال الشيخ إذا كان وليا واتجر اليتيم كان الربح له ويأخذ منه قدر كفايته روي عن أبي الربيع قال سأل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون
في يده مال لأخ له يتيم وهو وصيه أيصلح له أن يعمل به قال نعم كما يعمل بمال غيره والربح بينهما قال قلت فهل عليه ضمان قال لا إذا كان ناظرا له.
* مسألة: واختلف علماؤنا في وجوب الزكاة في غلاة الأطفال والمجانين فأثبته الشيخان وأتباعها وبه قال فقهاء الجمهور ونقلوه
أيضا عن علي عليه السلام والحسن بن علي عليهما السلام وجابر بن زيد وابن سيرين وعطا ومجاهد وإسحق وأبو ثور وقال السيد المرتضى وسلار والحسن بن أبي
عقيل وابن الجنيد وابن إدريس بالاستحباب وهو الوجه. لنا: عموم قوله عليه السلام رفع القلم عن ثلث وما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سمعت يقول ليس في مال اليتيم زكاة وليس عليه صلاة وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة وإن بلغ اليتيم فليس عليه ما مضى
زكاة ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة وكان عليه مثل ما على غيره من الناس وعموم قوله عليه السلام ليس في مال اليتيم زكاة
ولان وجوب الزكاة نوع تكليف وهو ساقط عنهم احتج الشيخ بما رواه في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله
عليه السلام قال مال اليتيم ليس عليه في الدين والمال الصامت شئ تاما الغلات فإن عليها الصدقة واجبة والجواب المراد بالوجوب هنا شدة الاستحباب
جمعا بين الأدلة. * مسألة: ولا تجب الزكاة في مواشي الأطفال والمجانين وهو اختيار جماعة من أصحابنا وقال الشيخان يجب الزكاة في مواشيهم.
لنا: ما تقدم من الأدلة فإنها عامة للمواشي وغيرهم ولا نعرف للشيخين حجة في ذلك والقياس باطل عندنا مع أن الفرق موجود فإن النمو في الغلات
أكثر منه في المواشي ولا يلزم من إيجاب الزكاة هناك إيجابها هنا على أن الأصل ممنوع وقد تقدم. * مسألة: الجزية شرط في وجوب الزكاة
فلا يجب على المملوك وهو مبني على أن العبد هل يملك فمن الأصحاب من قال أنه يملك فاضل الضربية وأرش الجناية فعلى هذا التقدير
472

يجب الزكاة في ماله وقال الشيخ أنه لا يملك شيئا وهو الحق لقوله تعالى: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) وقال تعالى: (ضرب لكم مثلا من
أنفسكم هل لكم مما ملكت إيمانكم من شركاء فيما رزقناكم) ولأنه مال فلا يملك شيئا وحينئذ لا يجب الزكاة عليه ويجب على السيد لأنه مالك متصرف في المال
كيف شاء ولو ملكه مولاه شيئا لم يملكه لأنه مال فلا يملك بالتمليك كالسهم قاله أصحابنا فلا يجب الزكاة على العبد ويجب على السيد وللشافعي قولان
ففي القديم: أنه يملك وبه قال ابن عمر وجابر وأبي هريرة وقتادة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين وفي الجديد: أنه لا يملك وبه قال سفيان الثوري
وإسحاق وأصحاب الرأي وأحمد في الرواية الأخرى فعلى القول الأول لا زكاة على العبد لان العبد وإن كان مملك لأنه أدى يملك لنكاح
فيملك المال كالحر لأنه بالآدمية يتمهد للملك لان الله تعالى خلق المال لبني آدم ليستعينونه على القيام بوظائف العبادات فبالآدمية يتمهد
للملك كما يتمهد للتكليف والعبادة لأنه ملك ناقص وشرط الزكاة تمام الملك ولا على السيد لان المال لغيره وهو العبد ولا يجب على الانسان
زكاة غيره وعلى القول الثاني لا يجب الزكاة على العبد ويجعل على السيد لأنه المالك وقد جعل المال في يد غيره فجرى مجرى الوكيل. فروع:
[الأول] لو كان نصفه حرا ونصفه عبدا وملك من كسبه بقدر حريته فإنه بلغ نصابا وجبت عليه الزكاة خلافا للشافعي. لنا: أنه يملك
بجزئه الحر ورث عنه ويتصرف فيه كيف شاء فالملكية كاملة فيه فوجبت عليه الزكاة كالحر الكامل احتج بأن الرق الذي فيه يمنع من تمام ملكه
والجواب: المنع من عدم التمامية. [الثاني] المدبر وأم الولد كالقن سواء يقدم خروجهما لوضعيهما عن الرقية. [الثالث] ولا زكاة
على المكاتب المشروط ولا المطلق إذا لم يتحرر منه شئ وهو قول أبي حنيفة فإنه أوجب الزكاة في غلته وأبو ثور أوجب الزكاة في ماله. لنا: ما رواه
الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا زكاة في مال المكاتب ولان الزكاة يجب بطريق المواساة فلا يجب في مال المكاتب لنفقة الأقارب ولأنه
ممنوع من التصرف في ماله فملكيته غير تامة لا يقال ينتقض بالمحجور عليه والمال المرهون لأنا نقول الفرق بينهما أن الملك هناك تامة والنقص
إنما حصل في الصرف أما في مال المحجور فلبعض تصرفه وأما في المرهون فالمنع بعقد فلا يسقط حق الله بخلاف صورة النزاع فإن المكاتب منع
من التصرف لبعض ملك وأما سقوط الزكاة عن المولى فلانه ممنوع من التصرف فيما في يد المكاتب فالملكية ناقصة فيه. [الرابع] إذا عجز
المشروط عليه ورد في الرق زال المنع عن السيد ويصرف فيه كيف شاء واستقر الملك في يده واستقبل الحول وضمه إلى ماله كالمال الواحد.
[الخامس] إذا أدى المكاتب نجوم كتابه تحرر واستقر الملك له واستقبل الحول فيجب الزكاة عليه إذا بلغ ما في يده نصابا ولا يزكيه عما مضى
بخلاف الضال لان الملك هناك تام لم يزل بالاختفاء وإنما تعذر للتصرف فيه فاستحب الزكاة فيه بخلاف المكاتب لنقصان ملكه. * مسألة: وليس
الاسلام شرطا في الوجوب بل تجب الزكاة على الكافر إذا اجتمعت الشرائط فيه عملا بعموم الأوامر وقد تقدم في الأصول ما يدل على كون الكفار
مخاطبين بالعبادات نعم لا يصح منه أداؤها لأنها مشروطة بنية القربة وهي لا تصح منه فإذا أسلم فلا قضاء عليه بل سقطت عنه لقوله عليه السلام
الاسلام يجب ما قبله ويستأنف الحول عند الاسلام.
[المقصد الثاني] ما يجب فيه وما يستحب وفيه مباحث {الأول} تجب
الزكاة في تسعة أصناف هي أنعام وأثمان وأثمار فأنعام ثلاثة الإبل والبقر والغنم والأثمان الذهب والفضة والأثمار الحنطة والشعير والتمر و
الزبيب وقد اتفق علماء الاسلام على وجوب الزكاة في هذه الأصناف ولا تجب في غيرها ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال ابن عمر وموسى بن طلحة والحسن
البصري وابن سيرين والشعبي والحسن بن الصالح بن حي وابن أبي ليلى وابن المبارك وأبو عبيدة وأحمد في إحدى الروايتين وللجمهور هنا مخالفة في مواضع.
الأول: قال الشافعي لا تجب الزكاة في شئ من الثمار إلا التمر والزبيب واللوز والفستق والبندق. لنا: ما رواه الجمهور عن عبد الله بن عمر
قال إنما سن رسول الله صلى الله عليه وآله الزكاة في هذه الأربعة الحنطة والشعير والزبيب والتمر وعن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ أن
رسول الله صلى الله عليه وآله بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة الحنطة و
الشعير والتمر والزبيب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير ويزيد بن معاوية العجلي والفضل بن يسار عن أبي
جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال أفرض الله الزكاة مع الصلاة في الأموال وسنها رسول الله صلى الله عليه وآله في تسعة أشياء وعفا عما
سواهن في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب
وعفا عما سوى ذلك وعن زرارة قال سألت أبي جعفر عليه السلام عن صدقات الأموال قال: في تسعة أشياء ليس في غيرها شئ في الذهب والفضة والحنطة
والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم السائمة وهي الراعية وليس في شئ من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شئ وكل شئ كان
من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شئ حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج ولان الأصل عدم الوجوب فيصار إليها إلى أن يظهر المنافي ولان
غير هذه من الثمار غير منصوص عليه ولا مجمع عليه ولا هو في معناهما في علة الأصناف وكثرة النفع بها فلا يصح قياسه عليهما واحتجاجهم بقوله عليه السلام
فيما سقت السماء العشر بعد تسليم عمومه أنه مخصوص بما تلوناه من الأحاديث. [الثاني] لا تجب الزكاة في الزيتون وعليه علماؤنا
أجمع وبه قال ابن أبي ليلى والحسن بن صالح والشافعي في الجديد وقال في القديم فيه الزكاة وبه قال الزهري والأوزاعي والليث ومالك
473

والثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد روايتان. لنا: ما تقدم من الأحاديث ولأنه ليس بمقتات في الاخبار فلا يجب فيه الزكاة كالتين ولأنه
لا يدخر يابسا فأشبه الخضراوات احتجوا بقوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) عقيب قوله والزيتون والرمان والجواب إنما يدل الآية على الأشياء
فيما يثبت فيه الحصاد ولهذا لا يجب الزكاة في الرمان وإن ذكر بعد الزيتون على أنه قد قيل أن الآية مكية والزكاة فرضت في المدينة وقيل أنها منسوخة
قال النخعي ومع هذه الاحتمالات فلا حجة فيها على مطلوبهم. [الثالث] لا تجب الزكاة في شئ من الحبوب إلا الحنطة والشعير ذهب إليه
علماؤنا أجمع وبه قال أحمد في إحدى الروايتين وقال الشافعي يجب في كل مقتات يدخر من جنس ما يزرعه الآدميون وهي القطان كالعدس والماش
والحمص وأشباهها وسميت قطنة لأنها تقطن في البيت أي مكث وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد. لنا: ما تقدم والقياس
على الحنطة والشعير بالاقتتات لا يعارض النص مع أن المعنى المقصود في الأصل أتم منه في الفرع ولا يتعدى الحكم. [الرابع] قال أبو حنيفة
تجب الزكاة في كل ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلا الحطب والقصب والحشيش لقوله عليه السلام فيما سقت السماء العشر وقال علماؤنا
إنما تجب فيما عددناه من الأربعة المزروعة خاصة عملا بما تقدم من الأحاديث وحديث أبي حنيفة عام فيكون اخبارنا مقدمة عليه ويعارضه
ما رواه الجمهور عن علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ليس في الخضراوات صدقة وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر صدقة ولأنه لا نصاب في الغالب ولا يجب فيه العشر كالحشيش والقصب. [الخامس] لا زكاة في الورس
ذهب إليه علماؤنا وبه قال الشافعي في الجديد وقال في القديم يجب فيه الزكاة. لنا: ما تقدم ولأنه غير مقتات فلا يجب فيه الزكاة كالشاب
احتج أن أبا بكر بعث إلى قوم ان أدوا زكاة الذرة والورس والجواب: لا حجة في ذلك يجوز أن يكون عن رأي أو يكون على جهة الاستحباب. [السادس]
الزعفران لا زكاة فيه ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال أكثر الجمهور وللشافعي قولان. لنا: ما تقدم ولأنه ليس له أصل ثابت فلا يقاس على غيره.
[السابع] حبة العصفور وهو القرطم لا زكاة فيه ذهب إليه علماؤنا أجمع وللشافعي قولان. لنا: ما تقدم ولأنه ليس بمقتات ففارق الغلات الأربع
ولان السمن لا تجب فيه الزكاة فهذا مثله بل دهنا ينتفع من دهنه. [الثامن] لا زكاة في القطن وهو قول علماؤنا أجمع وعن أحمد روايتان. لنا: ما تقدم.
[التاسع] حب البقول كالرشاد وحب (الفجل) والقرطم لا زكاة فيه وعن أحمد روايتان. لنا: ما تقدم. [العاشر] لا زكاة في البذر كبذر الكتان
(والقثا) والخيار وعليه علماؤنا خلافا لأكثر الجمهور والحجة ما تقدم. [الحادي عشر] لا زكاة فيما ينبت في القاع الذي لا يملك إلا بأخذه كالعظم
والمقتص وهو قول علماؤنا وأكثر الجمهور لما تقدم وخالف فيه قوم من المحققين. [الثاني عشر] لا زكاة في العسل وهو قول علمائنا أجمع وللشافعي
قولان وقال أحمد تجب فيه مطلقا وقال أبو حنيفة إن كان في غير أرض الخراج وجب فيه العشر. لنا: ما تقدم احتجوا بأن رجلا يقال له هلال أدى إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله عشور نحل له والجواب الأداء لا يستلزم الوجوب. [الثالث عشر] لا زكاة في الخضراوات كالبطيخ والباذنجان والبقول ولا
في الورق كورق السدر والآس ولا في الادهان كدهن البنفسج والشيرج ولا في شئ من الادهان كالعصفر والزعفران ولا فيما ليس يجب كالقطن و
الكتان وعليه علماؤنا أجمع خلافا لبعض الجمهور. لنا: ما رواه الجمهور عن علي عليه السلام قال ليس في الخضراوات صدقة ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس على الخضر ولا على البطيخ ولا على البقول وأشباهه زكاة إلا ما اجتمع عندك من غلته فبقي
(سنبله) وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال أعفي رسول الله صلى الله عليه وآله عن الخضر قلت وما الخضر قال كل شئ لا
يكون له بقاء كالبقل والبطيخ والفواكه وشبه ذلك مما يكون سريع الفساد قال زرارة قلت لأبي عبد الله عليه السلام هل في القصب شئ قال لا وفي
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه سئل عن الحضر فيه زكاة وأن بيع بالمال العظيم قال لا حتى يحول عليه الحول. [الرابع عشر]
العلس قال الشيخ أنه نوع من الحنطة يقال إذا يبس ففي كل حبتين في كمام ثم لا يذهب ذلك حتى يدق أو يطرح في رحا حقيقة لا يبقى بقاء الحنطة
ونقارها في كمام ويزعم أهلها أنها إذا حرست أو طرحت في رحا حقيقة خرجت على النصف فإذا كان كذلك يجز أهلها بين أن يلقى عنها الكمام
ويكال على ذلك فإذا بلغت النصاب أخذ منها الزكاة أو يكال على ما هي عليه ويؤخذ من كل عشرة أوسق زكاة ولو أجمع عنده حنطة أو علس ضم
بعضه إلى بعض لأنها كلها حنطة وعلى قول الشيخ أنه نوع من الحنطة يجب فيه الزكاة ويضم إلى الحنطة كما قال. [الخامس عشر] السلت قال الشيخ
أنه نوع من الشعير يجب فيه الزكاة كالشعير ويضم إليه إذا بلغا نصابا وجب الزكاة وعندي في هذين إشكال. [السادس عشر] لا زكاة في
جميع ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والعنبر وغير ذلك بل يجب فيه الخمس على ما يأتي وقال عبيد الله الحسن العنبري يجب الزكاة في جميع ما يستخرج
من البحر غير السمك. لنا: ما تقدم وما رواه الجمهور عن ابن عباس أنه قال لا زكاة في العنبر وعن عائشة قالت ليس في اللؤلؤ زكاة ولم يخالفها
أحد من الصحابة ولأنه ليس بعام فأشبه السمك احتج بأنه قال فخرج من معدنه فوجبت فيه الزكاة كالذهب والفضة والجواب يبطل قياسهم بالسمك.
[السابع عشر] لا زكاة في شئ من الحيوان إلا الثلاثة الأصناف التي ذكرناها فلا يجب في البغال والحمير والرقيق ولا يستحب ولا يجب في الخيل
ويستحب في إناثها السائمة عن كل عنق ديناران وعن كل برذون دينار واحد وقال أبو حنيفة يجب في الخيل الإناث والمجتمع منها ومن
474

الذكور في كل فرس دينار ولا يجب في الذكور والمنفردة وأنكر ذلك الشافعي ومالك وأحمد. لنا: على عدم الوجوب ما تقدم من الأخبار الدالة على أن رسول
الله صلى الله عليه وآله عفى عما سوى التسعة وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس على المسلم في فرسه وغلامه زكاة وعنه عليه السلام قال
ليس في الجهنة ولا في الكسفة ولا في مولد النخة صدقة والجهنة الخيل والكسفة الحمر والنخة الرقيق وقيل البقر العوامل وعلى الاستحباب ما رواه الشيخ في
الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام هل في البغال شئ فقال لا قلت فكيف صار على الخيل
ولم يصر على البغال فقال لان البغال لا تلقح و
الخيل الإناث ينتجن وليس على الخيل الذكور شئ قال قلت فما في الحمير قال ليس فيها شئ قال قلت هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبها شئ فقال لا ليس على ما يعلف شئ إنما الصدقة على
الصائمة المرسلة في مرحها عامها الذي (يقتنيها) فيه الرجل فأما سوى ذلك فليس فيه شئ وفي الحسن عن محمد بن مسلم وزرارة عن أحدهما عليهما السلام قالا
وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين وجعل على البراذين دينارا احتج أبو حنيفة بما روى جابر قال في الخيل السائمة في كل فرس
دينار ولأنه حيوان يطلب نماؤه فكان كالنعم. والجواب عن الأول: إنا نقول بموجبه وبحمله على الاستحباب، وعن الثاني: الفرق فإن فائدة الخيل أضعف من فائدة
غيرها ومعارض بالنص والعمل عليه. [الثامن عشر] تجب الزكاة في بقر الوحش وهو قول الفقهاء وقال أحمد في إحدى الروايتين تجب فيها محتجا بقوله عليه السلام
في ثلث من البقر يتبع وهو خطأ لأنه ينصرف بإطلاقه إلى الأهلية ولأنه حيوان وحشي لا يجري في الأضحية ولا يسام في العادة فلا يجب فيه الزكاة.
* مسألة: الملك شرط وجوب الزكاة وهو قول العلماء كافة فلا تجب الزكاة على غير الملك والتملك من التصرف شرط أيضا فلا تجب الزكاة
في مال المغصوب والمسروق والمحجوب والضال والموروث عن غائب حتى يصل إلى الوارث أو وكيله والساقط في البحر حتى يعود إلى مالكه ويستقبل به الحول
وعليه فتوى علمائنا وبه قال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الراويتين والثانية عليه زكاة وللشافعي قولان. لنا: أنه ممنوع من التصرف فيه فليس محلا
للزكاة كالمكاتب ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك
حتى يقع في يديك احتجوا بأنه مال مملوك ملكا تاما فيجب فيه الزكاة كما لو نسي عند من أودعه أو حبس أو أسر دونه والجواب الملك وإن كان موجود
إلا أن أثره وفائدته مفقود أن يجري مجرى مال المكاتب والمقيس عليه يمنع ثبوت الحكم فيه. فروع: [الأول] إذا عاد المغصوب والضال إلى
ربه استحب له أن يزكيه لسنة واحدة ذهب إليه علماؤنا وقال مالك يجب. لنا: أن المقتضي للسقوط في السنين المتقدمة موجود في السنة فبعث الحكم
كغيرها وأما بيان الاستحباب فلانه بر فيدخل تحت قوله تعالى: (وتعاونوا على البر) ويؤيده ما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في
رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال لا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعام واحد فإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه
الزكاة لكل ما مر من السنين وفي الحسن عن رفاعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يغيب ماله عنه خمس سنين ثم يأتيه ولا يزيد على رأس
المال كم يزكيه قال سنة واحدة ودل على أن الامر هنا للاستحباب ما تقدم احتج المالك بأن ابتداء الحول كان في يده ثم حصل بعد ذلك في يده فوجب لا يسقط
الزكاة عن حول واحد ولا يعتبر ما يحلل ذلك وهذا غلط لان المانع من وجوب الزكاة إذا وجد في بعض الحول منع كنقصان النصاب. [الثاني]
قال الشيخ لو كان عنده أربعون شاة فضلت واحدة ثم عادت قبل حول الحول بعده وجب عليه فيها شاة لان النصاب والملك وحول الحول قد حصل فيه
فإن لم يعد إليه أصلا فإن انقطع الحول بنقصان النصاب فلا يلزمه شئ وإن قلنا أنه حين ضلت انقطع الحول لأنه لم يمكن من التصرف فيها مثل مال
الغائب فلا يلزمه شئ وإن عادت كان قويا وما قواه الشيخ عندي هو الوجه. [الثالث] لا فرق بين أن يكون الضال من النعم سائما أو غير سائم
ولا فرق بين السائم وغيره عند الغاصب أو عند المالك أو عندهما في سقوط الزكاة لعدم الشرط وهو إمكان التصرف نعم على تقدير الاستحباب إذا
كانت سائمة عندهما استحب الزكاة وإن كانت معلوفة عند المالك وسائمة عند الغاصب ففي استحباب الزكاة تردد ينشأ من كون المالك لم يرض
بسومها فلا يستحب بفعل الغاصب ومن كون الشرط وهو السوم موجودا من الغاصب فلا يسقط الاستحباب كما لو غصب حبا من رجل فبذره فإن
كان الزكاة يجب فيه مع التمكن وكذا لو تناثر الحب من مالكه فأنبته السنبل وإن كان بالعكس ففيه احتمال استحباب الزكاة لأن علة الغاصب
محرم فلا يسقط المستحب والعدم لان الشرط وهو السوم لم يوجد ولو كان معلوفة عندهما لم يستحب الزكاة هذا كله على تقدير اشتراط السوم
فالاستحباب وفيه إشكال. [الرابع] لو أسر في بلد الشرك وله مال في بلد الاسلام لم يجب عليه زكاة وللشافعي قولان. لنا: أنه غائب عن ماله و
الغيبوبة يتحقق من الطرفين فيسقط وجوب الزكاة عنه. [الخامس] الوقف من النعم السائمة لا زكاة فيه لنقصان الملك فجرى مجرى
المكاتب فإنه لا يمكنه التصرف فيه بغير الاستنماء ولان الزكاة تجب في العين ولو أخرجها أخرج الوقف عن كونه وقفا وهو باطل. * مسألة:
المرتد ضربان عن فطرة وعن غيرها فالأول: يجب قتله على كل حال وأبين منه زوجته من حين الارتداد وتزول أمواله وينتقل إلى ورثته
إذا ثبت هذا فيما بعد إن شاء الله فإن حال الحول على ماله ثم ارتد وجبت الزكاة فيه تؤخذ منه وإن لم يحل الحول على ماله انتقل إلى ورثته
استقبلوا الحول من حين ارتداده. [الثاني] لا يجب قتله إلا بعد امتناعه من التوبة إذا عرضت عليه ولا تزول أمواله إلا بعد قتله أو فراره
إلى دار الحرب فإن حال الحول على ماله وجب عليه الزكاة وإن لم يحل عليه الحول ولم يحصل موجب الانتقال عهد الحول فإذا تم وجبت الزكاة
475

وإن حصل أحد الموجبين انتقل ماله إلى ورثته واستأنف الحول حينئذ وبما قلناه قال الشافعي في أحد أقواله وفي الآخر لا زكاة لأنه لارتداد إذا زال
ملكه عنه وفي الثالث إن أسلم ما أن ملك لم يزل وإن قتل على الردة بينا زوال ملكه والبحث ها هنا مبني على زوال ملك المرتد وسيأتي.
فروع: [الأول] الكافر الأصلي تحب عليه الزكاة بعموم الخطاب ويسقط عنه بالاسلام لقوله عليه السلام الاسلام يجب ما قبله. [الثاني]
لو ارتد بعد الحول لم تسقط الزكاة عنه وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة تسقط عنه. لنا: انه حق مال وجب فلا يسقط بالارتداد كالدين
احتج أبو حنيفة بأن من شرطها النية والجواب لا يسقط بعدم الشرط مع إمكان حصوله. [الثالث] لو أخذ الامام الزكاة ثم أسلم سقطت
عنه لأنه واجب أخرج على وجهه فلا يتعقب القضاء وخالف فيه بعض الجمهور اعتبارا بالنية وجوابه أن نية الامام كافية وكذا البحث في نائب الامام
أما لو أخذهما غيرهما فإنه لا يسقط عنه لان الاخذ لا ولاية له على الاخذ فلا يقوم مقام المالك. [الرابع] لو أديها بنفسه في حال ردته لم يجز
عنه لعدم نية المعتبرة من المالك ومن يقوم مقامه. [الخامس] من أخفى ماله أو نصفه حتى لا يؤخذ منه صدقة عذر إلا أن يدعي الشبهة المحتملة
ويؤخذ منه الزكاة من غير زيادة. [السادس] المتغلب إذا أخذ الزكاة لم يجز عن المالك ويجب عليه إعادتها إلى مالكها لأنه طالب قال الشيخ
روي أنه يجزيه والأول أحوط مسألة: واختلف علماؤنا في وجوب الزكاة في الدين على قولين أحدهما الوجوب ورواه الجمهور وعن علي
عليه السلام وبه قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي وجابر وطاوس والنخعي والحسن والزهري وقتادة وحماد والشافعي وأحمد وإسحاق والثاني: عدم الوجوب
وبه قال عكرمة وعائشة وابن عمر والشافعي في القديم وقال سعيد بن المسيب يزكيه لسنة واحدة والأقرب عندي عدم الوجوب. لنا: أنه ملك لا يفي فأشبه
عروض الغيبة ولأنه غير متعين إلا بالقبض فيكون كغير المملوك ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال قلت له ليس في الدين زكاة قال لا وفي الصحيح عن إسحاق بن عمار وصفوان بن يحيى قال قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الدين عليه زكاة فقال لا حتى يقبضه
قال قلت فإذا قبضه أيزكيه قال لا حتى يحول الحول في يده احتج الشيخان بأنه مال مملوك اجتمعت فيه شرائط الوجوب فثبت الوجوب وبما رواه درست عن أبي عبد
الله عليه السلام قال ليس في الدين زكاة إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه وعن عبد
العزيز قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له الدين أيزكيه قال كل دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته وما كان لا يقدر على أخذه
فليس عليه زكاة والجواب عن الأول: المنع من اجتماع الشرائط فإن الدين غير متعين على ما قلناه وعن الروايتين أن سند روايتنا أصح فالعمل عليها
مع موافقتها للأصل. فروع: [الأول] استحباب الشيخان إنما أوجب الزكاة في الدين على تقدير أن يكون التأخير من جهة صاحبه بأن يكون
على (لي باذل) وهو حال ما لو كان التأخير من جهة وعليه الدين بأن يكون المدين عاجزا عنه أو يكون ممكنا إلا أنه جاحدا ويكون غير حال فإن
الزكاة ساقطة هنا وقال أبو يوسف إذا كان جاحدا في الظاهر معترفا به في الباطن لا يجب عليه الزكاة وقال الشافعي يجب عليه الزكاة وعن
أحمد روايتان. لنا: تفريعا على القول بالوجوب أنه لا يقدر على قبضه فكان كالمجحود عليه احتج الشافعي بأنه ملى معترف به في الباطن فأشبه المعترف به
ظاهرا والجواب الفرق أن التمكن مفقود هنا ولو كان جاحد في الظاهر أو كان معترفا به وهو معسر فلا زكاة وللشافعي قولان وعن
أحمد روايتان. لنا: أنه غير متمكن والتمكن شرط ولو كان له بينة أو كان الحاكم يعلمه فعلى القول بالوجوب ينبغي الوجوب هنا لأنه متمكن من أخذه في الظاهر
وقال محمد بن الحسن ان (علمه) الحاكم وجب وإن كان له بينة لم يجب لان الحاكم قد يقبلها وقد لا يقبلها وهو ضعيف لأنه إذا ترك إقامة البينة حتى مضى حول
فقد ترك الاخذ مع الامكان. [الثاني] الدين المؤجل لا زكاة فيه وللشافعي قولان. لنا: أنه غير مقدور عليه ولا يحل المطالبة به قبل الاجل فلا
يجب فيه احتجوا بأنه مملوك له فأشبه الدين الحال والجواب التمكن من التصرف شرط وقد فقد. [الثالث] قال الشيخ لو كان له مال ودين ضم
أحدهما إلى صاحبه وهو بناء على أصله من وجوب الزكاة في الدين ونحن لما لم نوجبها فيه لم يجب الضم عندنا. [الرابع] يستحب له إذا قبضه
أن يزكيه بسنة واحدة لأنه يجري مجرى المغصوب والمفقود. [الخامس] اللقطة بعد الحول يملكها الملتقط إذا نوى التملك وكانت
في غير الحرم إذا ثبت هذا فالزكاة إنما تجب عليه إذا استقبل بها حولا آخر ومضى ولا يجب الحول الأول لأنه غير مالك فيه فإذا حال بها
وأخذها فلا زكاة عليه وجوبا ويستحب له أن يزكيها عن الحول الذي منع الملتقط منها فيه واعلم أن الملتقط يجب عليه بعد الحول ونية
التملك ضمانها بالمثل والقيمة ولا يجب عليه ردها على مالكها وبه قال الشافعي وسيأتي البحث فيه فحينئذ يقول هو مالك بعد الحول فيجب الزكاة
فخالف فيه بعض الجمهور وبناء على أن الدين يمنع من الزكاة وليس بشئ. [السادس] صداق المرأة إذا قبضته وحال عليه الحول وجبت الزكاة فيه
لأنه مملوك لها وسواء دخل بها أو لم يدخل ولو طلقها قبل الدخول انقطع الحول في النصف وتمت الحول في المتخلف إن بلغ نصابا وإن لم يقبضه
كان بمنزلة الدين وقد مضى البحث فيه ولو انفسخ النكاح لعيب فسقط المهر كله خلا زكاة إذا لم يكن مقبوضا لا وجوبا ولا استحبابا ولو كان
مقبوضا فعليه إشكال أقربه الوجوب ويضمن مهر المأخوذ في الزكاة ولو كان الصداق دينا على الزوج فحال عليه الحول وهو نصاب وجبت
الزكاة على أحد القولين لأصحابنا وعلى القول الآخر استحب فلو سقط بعضه بالطلاق قبل الدخول (فنصف النصف واستحب الزكاة فيه
476

خاصة ولا يجب فيما لم تقبضه لأنه دين لم يتعوض منه ولم تقبضه فأشبه التألف إذا ثبت هذا فالزكاة في الصداق إنما في المقبوض (لا ما) سقط بالطلاق
فلو كان كله نصابا وحال عليه الحول ثم طلقا (طلقها ظ) فسقط نصفه فعليها زكاة المقبوض خاصة أما وجوبا أو استحبابا على أحد القولين لان الزكاة وجبت
فيه ثم سقطت عن نصفه لمعنى اختص به فلا يتعدى السقوط ولو أصدقها نصابا معينا ليس بدين ملكه بالعقد فإن دخل استقر في ملكها ووجبت
الزكاة يستقبل الحول من حين العقد قبل القبض وبعده ولأنه حين الملك فلو لم يدخل عاد النصف إليه بالطلاق فإن طلق قبل الدخول فلا زكاة في
نصفه ويجب في نصفه إن بلغ نصابا وإن طلق بعد فإن كانت قد أخرجت الزكاة من العين رجع عليها بالنصف مؤخرا وكان المأخوذ من حصتها
لأنه نصف ما أعطاها وإن أخرجت من غيرها رجع عليها بالنصف أيضا وإن لم يكن قد أخرجت شيئا أخذ الزوج النصف مؤخرا وكان عليها حق الفقراء
ولو ملك النصف أخذ الساعي الزكاة من نصيب الزوج لأنها تجب في العين ورجع الزوج عليها بالمأخوذ لأنه
تلف في يدها وقال الشافعي إذا طلقها
قبل الدخول وكان الجميع باقيا أخذ الزوج نصف الموجود ورجع عليها بنصف قيمة المخرج لنا: قوله تعالى: فنصف ما فرضتم ولأنه يمكنه أخذ العين فلا
يجب الرجوع إلى القيمة كما لو لم يأخذ (الصداق) شيئا احتج الشافعي بأنه لو تلف الجميع رجع بنصف القيمة فكذا لو تلف البعض. والجواب: الفرق التعذر من الرجوع
في الغير هناك بخلاف صورة النزاع ولو طلقها قبل الدخول بعد الحول وقبل الاخراج لم يخرج من العين إلا بعد القسمة لأنه مشترك بينهما ولو كان الصداق
دينا (فأبر) ذمته بعد الحولين تثبت الزكاة عليها وجوبا أو استحبابا على الخلاف لأنها المتلفة وقال أحمد يجب الزكاة على الزوج لأنه مالك له
لم يزل عنه وهو خطأ لان الزوج لم يملك شيئا وإنما سقط الدين عنه مسألة: القرض يملك بالقبض فإن تركه المقترض بحاله وهو مما يجب الزكاة
حتى حال عليه الحول وجب الزكاة على القرض لوجود المقتضي ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال قلت له رجل
دفع إلى رجل مالا قرضا على زكاته على المقرض أو على المقترض قال لا بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حر لا على المقترض قال قلت فليس على المقرض
زكاتها قال لا يزك المال من وجهين في عام واحد وليس على الدافع شئ لأنه ليس في يده شئ لان المال في يد الآخر فمن كان المال في يده زكاة قال قلت أفيزكي
مال غيره من ماله فقال إنه ماله ما دام في يده وليس ذلك المال لاحد غيره ثم قال يا زرارة أرأيت في وضيعة ذلك المال وربحه لمن هو وعلى من قلت للمقترض
قاله فله الفضل وعليه النقصان وله أن يلبس وينكح ويأكل منه ولا ينبغي له أن يزكيه فإنه عليه وفي الصحيح عن الحسين بن عطية قال قلت لهشام بن أحمد أحب
أن تسأل لي أبا الحسن عليه السلام أن لقومي عندي قرضا وليس يطلبونها مني أفعلي زكاة فقال: لا تقضي ولا تزكي ذلك وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلث أو ما شاء الله على من الزكاة على المقترض أو على المستقرض فقال
على المستقرض لأنه له نفعه وعليه زكاته. فروع: [الأول] لو لم يترك المستقرض بحاله بل أداره في التجارة استحب الزكاة عليه على ما
يأتي في باب التجارة. [الثاني] لو أخذه المقترض لم يجب عليه الزكاة حتى يحول عليه الحول لأنه لم يتمكن منه إلا وقت الاخذ فإذا تم الحول وجبت
الزكاة لوجود المقتضي ويؤيده ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الرجل يكون له الوديعة والدين فلا
يصل إليهما ثم يأخذهما متى يجب عليه الزكاة قال إذا أخذهما ثم يحول عليه الحول يزكي. [الثالث] لو أدى القارض الزكاة عن المقترض برئت
ذمته لأنه بمنزلة قضاء الدين عنه ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل استقرض مالا حال
عليه الحول وهو عنده قال إن كان الذي اقترضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه وإن كان لا يؤدي أدى المستقرض. [الرابع] قال الشيخ لو اشترط المقترض
الزكاة على القارض فليس بوجه والأقرب وجوب الزكاة على المقترض شرط أو أطلق مسألة: وشرط وجوب الزكاة أن يكون الملك تاما فلو وهب
له نصابا لم يعتبر الحول إلا بعد القبض سواء كانت الهبة لرحم أو لأجنبي لان الهبة بمجردها لا يقتضي الملك وإنما يقتضيه بعد القبض وكذا لو أوصى له
بنصاب لم يجر في الحول إلا بعد القبول والوفاة لان الوصية بمجردها لا يوجب الملك. فروع: [الأول] لو رجع الواهب في هبته في موضع
له الرجوع فيه على ما يأتي فإن كان قبل الحول سقطت الزكاة قولا واحدا وإن كان بعد الحول وجبت الزكاة وهل يضمنها الموهوب الأقرب أنه لا
يضمن لان استحقاق الفقراء جرى مجرى الاتلاف. [الثاني] إذا باع بخيار له ان أريد من الحول فحال الحول في يد المشتري ثم فسخ البائع فالبحث
فيه كما في الهبة الرجوع فيها وقال بعض الشافعية يجب الزكاة على البائع مع تسليم القول بالانتقال إلى المشتري لان الفسخ استند إلى العقد
بالشرط المذكور وفيه الوجه ما قلناه الثالث الغانمون يملكون أربعة أخماس الغنيمة بالحياضة فإذا بلغ حصة الواحد منهم نصابا وحال
عليه الحول وجبت الزكاة وهل يتوقف الحول على القسمة الوجه ذلك لأنه قبل القسمة غير متمكن فلا يكون الشرط موجودا سواء كانت الغنيمة من
جنس واحد أو أجناس من مختلفة وقال الشافعي أنهم يملكون التملك لان الواحد منهم لو أسقط حقه من الميراث فإذا اختاروا التملك ملكوا
فإن كانت الغنيمة جنسا واحدا وبلغ النصيب النصاب وجبت الزكاة بعد الحول وإن كانت أجناسا كإبل وبقر وغنم وذهب وفضة لم تجب الزكاة
مطلقا لان للامام أن يقسم بينهم قسمة يحكم فيعطى كل واحد من أي أصناف المال شيئا فلم يعم ملكه على شئ معين بخلاف الورثة إذا ملكوا بالإرث
أجناسا لان كل واحد منهم ملك جزأ من كل عين فلا يخصص فهو قوي فإذا عزل الامام لبعض المقابلة قسطا من الغنيمة وحال عليه الحول
477

وجبت الزكاة إن كان حاضرا لتمكنه وإن كان غائبا لم يجب لعدم التمكن من التصرف ويجري الحول عند وصوله إليه أو وكيله أما الخمس الباقي فللامام
ثلاثة أسهم ان بلغت نصابا فوجبت الزكاة فيها والأصناف الثلاثة ثلاثة أخرى لا يجب فيه الزكاة لان أربابه غير معين والأنفال للامام خاصة
إن بلغت نصابا وجبت فيه الزكاة وإلا فلا. [الرابع] الوقف لا يجب فيه الزكاة وإن كان من جنس ما يجب فيه الزكاة لنقصان ملكه باعتبار مشاركة غيره من الطبقات في الاستحقاق
قال الشيخ فإن ولدت الغنم الموقوفة وبلغ الأولاد نصابا وحال عليه الحول وجبت الزكاة إلا أن يكون الواقف شرط أن يكون الغنم وما يتوالد
منها وقفا وإنما الوقوف المنافع من اللبن والصوف. [الخامس] لو خلف لأهله نفقة قدر النصاب فما زاد وحال عليه الحول قال الشيخ وجبت
الزكاة إن كان حاضرا وإن كان غائبا لم يجب وهو اختيار المفيد رحمه الله ومنع بعض المتأخرين الفرق وسوى بين الوصفين في الوجوب وعدمه
لنا: أنه مع الحضور مالك متمكن من التصرف فيجب عليه الزكاة لوجود المقتضي وانتفاء المانع أما مع الغيبة فإنه غير متمكن من التصرف إذ قد سلط
أهله على اتلاف عينه فجرى مجرى المغصوب ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال قلت له رجل خلف
عند أهله نفقة ا لغير لسنتين هل عليها زكاة قال إن كان شاهدا فعليه زكاة وإن كان غائبا فليس عليه زكاة وفي الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال قلت له الرجل يخلف لأهله نفقة ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين عليه زكاة قال: إن كان شاهدا فعليها زكاة وإن كان غائبا فليس
فيها شئ احتج بأن الشرط إن وجب وجب في الصورتين وإلا فلا والجواب الشرط موجود في الصورتين دون الأخرى. [السادس] لو نذر الصدقة
بالنصاب في الحول سقطت الزكاة لخروجه عن ملكه قبل استيفاء الحول وتعيينه للصدقة أما لو نذرها بعد الحول أخرجت الزكاة وتصدق بالباقي
في النذر. [السابع] إذا اشترى بخيار ملك بالنقد سواء اشترك الخيار أو اختص بأحدهما وجبت الزكاة بعد الحول وإن كان الخيار باقيا
وهو قول أحمد في إحدى الروايتين والشافعي في أحد أقواله وقال الشيخ إن كان الخيار للبائع أولهما لزم للبائع الزكاة وإن كان للمشتري استأنف
الحول بناء على أن الانتقال لا يحصل إلا بعد انقضاء الخيار وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين وقال أبو حنيفة لا ينتقل إن كان للبائع
وإن كان للمشتري خرج عن البائع ولم يدخل في ملك المشتري وللشافعي قول بأن كمالك وثالث أنه مراعي أن فسخا بيننا أنه لم ينتقل وإن أمضاه
بيننا الانتقال. لنا: أن المقتضي وهو ثابت فيترتب عليه الحكم ولان النماء للمشتري فالمبيع له وسيأتي إن شاء الله فإن اشتراه البائع أو رد عليه
استأنف حولا (لتجدد) الملك. فرع: على قول الشيخ رحمه الله حال الحول في الخيار المشترك أو خيار البائع وجب الزكاة على البائع لعدم انتقال ملكه عنه
فإن خرج من غيرها فالبيع باق وإن أخرج من العين بطل من المخرج وثبت للمشتري الخيار ولو أنقضت مدة الخيار لزم البيع فيه فإن لم يكن قد
أخرج فالوجه الاخراج من العين لاستحقاق الفقراء قبل الانتقال والزكاة يجب في العين. [الثامن] إمكان التصرف شرط في الضمان و
الوجوب وقد سلف وإمكان الأداء شرط في الضمان لا الوجوب فلو تلف من النصاب شئ قبل التمكن من الاخراج سقط من الفريضة بحسابه. [التاسع]
لو كان له (نصابان) فأقرض آخر أو رهن الأول وجبت عليه الزكاة بعد الشرائط في القرض على المقترض لما تقدم ولا زكاة عليه في الرهن لعدم تمكنه
من التصرف ولا زكاة على القارض لانتقال مال القرض إلى المقرض وعدم دخول الرهن في ملكه واختاره الشيخ في موضع من المبسوط وقال في آخر منه لو رهن
قبل الوجوب فحال الحول وهو رهن وجبت الزكاة وإن كان رهنا لان ملكه حاصل ويكلف الراهن اخراج الزكاة من غيرها إن كان مؤسرا ومنه معسرا.
[العاشر] لو كان له أربعون شاة فاستأجر راعيا بشاة منها ملك المستأجر الشاة بالعقد ولا زكاة هنا لنقصان النصاب وكذا لو استأجر ناظر
المثمرة بشئ منها فنقصت عن النصاب أما لو استأجر بشاة في الذمة أو مثمرة في الذمة فالزكاة ثابتة على المستأجر لان الدين لا يمتنع من الزكاة. [الحادي عشر]
لو استأجر نصاب معين وجبت الزكاة على الأجير ولو استأجر في الذمة ابتنى على القول بالزكاة في الدين وقد مضى. * مسألة: واختلف علماؤنا
في وجوب الزكاة في مال التجارة على قولين والأكثر على الاستحباب وأنها غير واجبة وهو قول مالك وداود ونقل ابن عباس وقال بعض أصحابنا
بالوجوب وهو قول الفقهاء السبعة سعد بن المسيب وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وخارجة بن زيد والقسم بن محمد و عبد الله بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال
غفرت لكم عن صدقة الخيل والرقيق وقوله عليه السلام ليس في الجهة ولا في التحة ولا في الكسفة صدقة وانتفاء الزكاة عن هذه مطلقا يستلزم الانتفاء
في غيرها لعدم القائل بالفصل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يشتري (الوصيفة) ثيبها
عند التزيد وهو يريد بيعها على ثمنها زكاة قال لا حتى يبيعها قلت فإن باعها أيزكي ثمنها قال لا حتى يحول عليه الحول وهو في يده وفي الصحيح عن زرارة قال
كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه السلام وليس عنده غير أبيه جعفر عليه السلام فقال يا زرارة أن أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله فقال عثمان كل مال من ذهب أو فضة يدار به ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول فقال أبو ذر أما ما يتجر به أو دين وعمل به فليس فيه زكاة
إنما الزكاة فيه إذا كان ركاز أو كنز موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة واختصما في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال القول
ما قال أبو ذر وفي الحسن عن سليمان بن خالد قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعا ثم وضعه فقال
478

هذا متاع موضوع فإذا أحببت بعته فيرجع إلى رأس مالي وأفضل منه هل عليه فيه صدقة وهو متاع قال لا حتى تبيعه قال فهل يؤدى عنه إذا باعه لما مضى
إذا كان متاعا قال لا وفي الموثق عن عبد الله بن بكير وعبيد وجماعة من أصحابنا قالوا قال أبو عبد الله عليه السلام ليس في المال المضطرب به زكاة
ولأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله عما عما عدا التسعة ولا فارق ولان الوجوب منا والأصل وشاغل الذمة بعد يقين البراءة
فيتوقف على الدليل ولأنه مال فلا يحل إلا عن طيب نفس صاحبه لقوله عليه السلام لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيب نفسه احتج الموجبون من أصحابنا بما
رواه الشيخ عن أبي ربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه وقد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه
فقال إن كان أمسك متاعه ينبغي به رأس ماله فليس عليه زكاة وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال قال وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل
بها فقال إذا حال عليه الحول فليزكها واحتج الموجبون من الجمهور بما رواه أبو ذر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في الإبل صدقتها
وفي البقر صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البر صدقته وعن ثمرة بن جندب قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأمرنا أن نخرج الزكاة مما تعده
للنفع ولان عمر أمرنا بالزكاة فيها ولم يعارضه أحد فكان إجماعا والجواب عن الحديثين الأولين: أنهما محمولان على الاستحباب وأحاديثنا أصح طريقا مع
اعتقادنا بالأصل، وعن الثالث: أنه معارض برواية أهل البيت عليهم السلام عن أبي ذر وهو أولى بالعمل على
أنا نقول بموجبه فإنا ثبت الصدقة
على جهة الاستحباب وعن الرابع: أنه لم ينقل كلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلعله يوهم ما ليس بأمر أمرا ولعله أمره على جهة الاستحباب وبالجملة فإن
الاستدلال به لا يخلو عن وهن على أنه محمول على الأجناس التسعة فإن الزكاة تجب فيها وإن كانت معدة للتجارة وعن الخامس: ان ابن عمر ليس
بحجة على أنه قد خالفه ابن عباس وأنكر الوجوب وأبو ذر وهما من علماء الصحابة. فروع: [الأول] الزكاة وإن لم تكن واجبة هنا فإنها مستحبة
ولا نعلم فيه خلافا ويدل عليه الأحاديث المتقدمة. [الثاني] إنما يستحب الزكاة إذا طلب برأس المال أو بزائد على ما يأتي في الشروط. [الثالث]
روي استحباب الزكاة عن سنة واحدة لو مضى على الحال سنون ثم يصيب رأس ماله فيها. {البحث الثاني} في زكاة الإبل، * مسألة:
وقد أجمع المسلمون على وجوب الزكاة في الإبل وقد تقدم والشرط فيه الملك والنصاب والسوم والحلول بلا خلاف بين العلماء في ذلك وشرط
أيضا إمكان التصرف وكمال العقل على خلاف قد تقدم وأول نصب الإبل خمسة فلا شئ فيما دون الخمس بلا خلاف بين العلماء وروى الجمهور
عن النبي صلى الله عليه وآله قال من لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس عليه فيها صدقة إلا أن يسار بها وقال عليه السلام ليس فيما دون خمس إبل صدقة
وقال عليه السلام فإذا بلغت خمسا ففيها شاة وفي طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الزكاة
فقال ليس فيما دون خمس من الإبل شئ فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشرة فإذا كانت عشرة ففيها شاتان إلى خمس عشرة فإذا كانت خمس
عشرة ففيها ثلث من الغنم إلى عشرين فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس وعشرين فإذا كانت خمسا وعشرين ففيها خمس من
الغنم فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاص إلى خمس وثلثين فإن لم يكن ابنة مخاض وابن لبون ذكر فإذا زادت واحدة على خمس وثلثين
ففيها ابنة لبون أنثى إلى خمس وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا
زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومأة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشأ المصدق ويعد صغيرها
وكبيرها وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال في خمس (قلائص) شاة وليس فيما دون الخمس شئ وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياة
وفي عشرين أربع شياة وفي خمس وعشرين خمس وفي ستة وعشرين ابنة مخاض إلى خمس وثلثين فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين إلى تسعين فإذا كثرت الإبل
ففي كل خمسين حقة ولان وجوب الزكاة مناف للأصل فثبت في المتفق عليه. * مسألة: وفي عشرة شاتان وفي خمس عشرة ثلث شياة وفي عشرين أربع
شياة بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك لما تقدم من الأحاديث وليس فيما بين الخمس والعشر شئ وكذا في العشر والخمس عشرة وكذا في الخمس عشرة
والعشرين بلا خلاف ثم ليس فيها شئ بعد العشرين إلى أن يبلغ خمسا وعشرين بلا خلاف فإذا بلغت ذلك وجبت فيها خمس شياة ذهب إليه أكثر
علمائنا وقال ابن أبي عقيل منافيها بنت مخاض وهو مذهب الجمهور وقال ابن الجنيد من أصحابنا يجب فيها بنت مخاض أو ابن لبون فإن تعذر فخمس
شياة. لنا: ما رواه الجمهور عن زهير عن ابن إسحاق الشعبي عن قاسم بن حمزة عن علي عليه السلام قال في خمس وعشرين من الإبل خمس شياة ومن طريق الخاصة
ما تقدم من حديثي أبي بصير و عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام وما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا ليس في
الإبل شئ حتى يبلغ خمسا فإذا بلغت خمسا ففيها شاة ثم في كل خمس شاة حتى تبلغ خمسا وعشرين فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض ولان الخمس الزائدة على العشرين
كالمتقدمات ولانا لا ننتقل من الشاة إلى الخمس بزيادة خمس من نصب الزكاة احتج ابن أبي عقيل بما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي
بصير وبريد العجلي والفضيل كلهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قالا في صدقة الإبل في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغت
ذلك ففيها ابنة مخاض احتج الجمهور بما روي عن أبي بكر أنه كتب لأنس لما وجهه إلى البحرين فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلثين ففيها ابنة مخاض
ولأنه ليس في النصب نصابان متواليان والجواب عن الأول: أنه محمول على (الاضمار) ومعناه فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة ففيها ابنة مخاض ذكره الشيخ
479

قال لان قوله عليه السلام في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين يقتضي التسوية في الحكم ووجوب الشاة في كل خمس إلى هذا العدد ثم قوله بعد ذلك
فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض أرادوا زادت واحدة فأهل ذلك يفهم المخاطب ولو صرح فقال في كل خمس شاة إلى خمس وعشرين ففيها خمس
شياة فإذا بلغت خمس وعشرين وزادت واحدة ففيها ابنة مخاض لم يكن فيها تناقض وكلما لو خرج به لم يحصل مع التناقض جاز تقديره ولم يقدر
إلا ما دلت الاخبار المفصلة عليه وهذا تأويل جيد ليس ببعيد كما توهمه بعض المتأخرون ويقربه مع ما ذكره الشيخ قولهما عليهما السلام اعلم
في تتمة الحديث وليس فيها شئ حتى تبلغ خمس وثلثين فإذا بلغت خمس وثلثين ففيها ابنة لبون ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا وأربعين فإذا بلغت خمسا وأربعين ففيها حقة
طروقة الفحل ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ ستين فإذا بلغت ستين ففيها جذعة ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا وسبعين فإذا بلغت خمسا وسبعين
ففيها ابنتا لبون ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا بلغت عشرين ومائة
فإذا بلغت عشرين ففيها حقتان طروقتا الفحل فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفى كل أربعين بنت لبون واضمان ما ذكره الشيخ واجب في كل عدد ذكراه عليهما السلام لوقوع الاتفاق على أن بنت اللبون انما تجب
في ستة وثلثين وأن الحقة إنما تجب في ست وأربعين وهكذا الخ على ما يأتي وتأول الشيخ الرواية بتأويل الآخر وهو الحمل على التقية ويؤيده ما رواه
عبد الرحمن بن الحجاج في حديث الذي تلوناه وفي خمس وعشرين شاة وفي ست وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلثين وقال عبد الرحمن هذا فرق بيننا
وبين الناس ثم ساق الحديث والأول أقرب وبالجملة فهذا خبر شاذ ولا يعارض ما تقدم من الأحاديث الصحاح
المعتضدة بعمل الأصحاب قال
السيد المرتضى رحمه الله إجماع الإمامية يقدم ما خالف وتأخر عنه وابن الجنيد إنما عول في هذا المذهب على بعض الاخبار المروية عن الأئمة
عليهم السلام ومثل هذه الأخبار لا يعول عليها ثم قال ويمكن أن يحمل ذكر بنت المخاض وابن اللبون في خمسة وعشرين على أن ذلك على سبيل القيمة لما هو
الواجب وخمس شياة وعندنا أن الغنم يجوز أخذها في الصدقات وعن الثاني: أن ما ذكرناه من الأحاديث أولى لجواز أن يكون أبو بكر قاله عن رأي
فارقا (نوان) النبي صلى الله عليه وآله كتبه لأبي بكر وأبو بكر كتبه لأنس (احسان أن) عليا عليه السلام خالف في ذلك ولو صح ذلك لما خالف فيه وقول ابن المنذر
أنه لم يصح النقل عن علي عليه السلام بذلك وقول الثوري إنما هو من غلط الرخامي ضعيفان لما ثبت من النقل من أهل البيت عليهم السلام وعن الثالث:
بالمعارضة بما قلناه أولا. * مسألة: فإذا بلغت ستا وعشرين ففيها بنت مخاض بلا خلاف أما عندنا فلانه النصاب أما عند المخالف يجب إلى
ست وثلثين ثم ليس في الزائد شئ حتى تبلغ ستا وثلثين ففيها بنت لبون ثم ليس في الزائد شئ حتى تبلغ ستا وأربعين ففيها حقة ثم ليس في
الزائد شئ حتى تبلغ إحدى وستين ففيها جذعة ثم ليس في الزائد شئ حتى تبلغ ستا وسبعين ففيها بنتا لبون ثم ليس فيها شئ إلى أن تبلغ
إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى مائة وعشرين بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك روى الجمهور عن أبي بكر لما كتب لأنس حين وجهه إلى
البحرين فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلثين ففيها بنت مخاض أنثى فإذا بلغت ستا وثلثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل فإذا
بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها ابنا لبون فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين
ومائة ففيها ابنتا لبون فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين
بنت لبون وفي كل خمسين حقة ومن طريق الخاصة ما تقدم من الأحاديث. * مسألة: قال علماؤنا إذا زادت على مائة وعشرين واحدة
أخذ من كل أربعين بنت لبون ومن كل خمسين حقة بالغا ما بلغ فيكون في مائة وإحدى وعشرين ثلث بنات لبون وفي مائة وثلثين حقة وبنتا لبون
وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون وفي مئة وخمسين ثلث حقاق وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ وبه قال الشافعي والأوزاعي وأبو ثور
وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى أنه لا ينفر العرض إلى مائة وثلثين وهو الظاهر من كلام السيد المرتضى في الاستبصار ورجع
إلى ما أحضرناه في المسائل الناصرية وهو الظاهر من كلامه في الجمل واختار مالك في إحدى الروايتين كلام السيد في الانتصار وفي أنه إذا
زادت واحدة تخير الساعي بين الحقين وثلاث بنات لبون وقال الثوري والنخعي وأبو حنيفة في مائة وعشرين حقتان فإذا زادت استوقفت
الفريضة فيجب في الخمس شاة ففي مائة وخمس وعشرين حقتان وشاة وفي مائة وثلثين حقتان وشاتان وفى مائة وخمس وثلثين حقتان
وثلث شياة وفي مئة وأربعين حقتان وأربع شياة وفي مئة وخمسة وأربعين حقتان وابنة مخاض وفي مائة وخمسين ثلث حقاق فتستأنف الفريضة فيجب
في الخمس شاة وفي مائة وستين ثلث حقاق وشاتان وفي مئة وخمس وستين ثلث حقاق وثلث شياة وفي عامة وسبعين ثلث حقاق وأربع شياة
وفي مئة وخمس وسبعين ثلث حقاق وابنة مخاض وفي مائة وست وثمانين ثلث حقاق وابنة لبون وفي مئة وست وتسعين أربع حقاق
وفي مئة أربع حقاق وهكذا ثم استأنف الفريضة. لنا: ما رواه الجمهور في حديث أبي بكر فإذا بلغت مائة وعشرين وزادت واحدة ففي كل أربعين
بنت لبون وفي كل خمسين حقة وفي حديث آخر فإذا زادت على مئة وعشرين ففيها ثلث بنات لبون ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن
أبي بصير عن الصادق عليه السلام إلى عشرين ومأة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة ومثله في رواية عبد الرحمن بن الحجاج وزرارة عنهما عليهما السلام
ولان سائر ما جعله النبي صلى الله عليه وآله للفرض إذا زاد عليه واحد (صغير) الفرض وكذا هنا احتج مالك بأن الخبر أقتصر زيادة بكون
480

الحقة وبنت اللبون وأقله إذا بلغت مائة وثلثين ولان الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة كسائر الفروض احتج أبو حنيفة بأن النبي صلى الله عليه وآله
كتب لعمر بن حازم كتابا ذكر فيه الصدقات والديات وغيرها فذكر فيه أن الإبل إذا زادت على مائة وعشرين استوقفت الفريضة في كل خمس شاة وفي
عشر شاتان والجواب عن الأول: أن أحد الخبرين فإذا زادت واحدة، وفي الثاني: فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها ثلث بنات لبون وهذان
ينافيان ما ذكره مالك وعن الثاني: بالمنع من الحكم ومنع حكم الأصل كما بينا في الانتقال من خمس وعشرين إلى ست وعشرين وأيضا الانتقال هنا لم يحصل
بالواحدة بل بها مع ما قبلها كالواحدة مع التسعين وغيرها، وعن الثالث: أن عمر بن حازم اختلف روايته فقد روى عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن
عمرو بن حازم اللباب مثل ما قلناه وهو أقرب إلى الأصل والقياس فإن الجنس إذ أوجبت فيه من جنسه لا يجب في غير جنسه وإنما جاز في الابتداء
لعدم احتمال وجوب الجنس فيه بخلاف صورة النزاع لزيادة المال وكثرته وأيضا فإنه من حقتين وبنت مخاض بزيادة خمس إلى حقة ثالثة وهي
زيادة يسيرة لا تقتضي الانتقال إلى ذلك فإنا لم ننتقل عن بنت مخاض إلى حقة في محل الوفاق لا الزيادة إحدى وعشرين وقد تأول الحديث
بأن معنى قوله استوقفت الفريضة أي استقر به على هذين الشيئين وقوله في كل خمس شاة يحتمل أن يكون تفسير الراوي بظنه ذلك.
فروع: [الأول] لو كانت الزيادة على مائة وعشرين نحو من (يغير) لم يتغير به الفرض ولا نعلم فيه خلافا إلا من أبي سعيد الإصطخري فإنه قال الزيادة
مغيرة للفرض لأنها مطلقة في الحديث وليس بصحيح لان في الحديث الذي احتج به فإذا زادت واحدة ولان سائر الفروض لا يتغير بالخبر وكذا هنا.
[الثاني] لو اجتمع في مال ما يمكن اخراج الفريضتين كالمائتين يتخير المالك ذهب إليه علماؤنا إن شاء أخرج الحقاق الأربع وإن شاء أخرج خمس
بنات لبون وبه قال الشافعي في إحدى القولين وأحمد في إحدى الروايتين وفي القول الآخر للشافعي والرواية الثانية عن أحمد أنه يخرج الحقاق
وجوبا وللشافعي قول ثالث أن الساعي يأخذ أحظهما (أنفعهما) للفقراء. لنا: ما رواه الجمهور في قول النبي صلى الله عليه وآله في كتاب الصدقات فإذا كانت
مأتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي الصنفين وجدت أخذت وقوله عليه السلام لمعاذ إياك وكرائم أموالهم ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ في الحسن عن زيد بن معاوية قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له (انطلق) يا عبد الله
وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له ولا تؤثرن دنياك على آخرتك وكن حافظا لما ائتمنتك عليه راعيا لحق الله فيه حتى تأتي بادي بني فلان
فإذا قدمت فأنزل بمائهم من غير أن تخالطه (أبنائهم) ثم امض إليه بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ثم قل لهم يا عباد الله أرسلني
إليكم ولي الله لاخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه فإن قال لك قائل لا فلا تراجعه وإن أنعم لك منعم منهم فانطلق
معه من غير أن (تخيفه) أو تعد الأخير فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له فقل يا عبد الله أتأذن لي في دخول مالك فإن أذن لك فلا
تدخل دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرض له ثم اصدع الثاني صدعين
ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له ثم لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله تأخذ حق الله في ماله فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه وإن استقالك
فأقله ثم اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله من ماله فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشئ منه
ثم احدر ما اجتمع عندك من كل (باد) إلينا تصير حيث أمر الله عز وجل فإذا انحدر بها رسولك (فاوعن)؟؟ إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها
ولا يفرق بينهما ولا يمصرن لبنها فيضر ذلك بفصيلها ولا يجهد ركوبا وليعد بينهن في ذلك وليوردهن كل ما يمر به ولا يعدل بهن عن نبت الأرض
إلى جواد الطرق في الساعة التي فيها ريح وتضيق وليرفق بهن جهده حتى تأتينا بإذن الله سبحانه (سمانا) غير متعبات ولا مجهدات فيقسمهن بإذن الله على
كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله على أولياء الله فإن ذلك أعظم لاجرك وأقرب لرشدك ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك و (نصحتك)
لمن بعثك وبعثت في حاجته فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما ينظر الله عز وجل إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة لامامه إلا كان (معنا)
في الرفيق الأعلى ولان الامتثال يحصل مع اخراج المالك أي النصفين شيئا فيخرج به عن العهدة ولأنها زكاة ثبت فيها الخيار فكان ذلك للمالك كالخيرة
في الخبران بين الشاتين والعشرين درهما وبين النزول أو الصعود وتعيين الفريضة احتج المخالف بقوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه ينفقون) ولان الخيرة
ثابتة فتتعلق بالمستحق والثابت كالفعل الموجب للقصاص أو الدية ولان الفرض ينفر بالسين في فرائض الإبل أكثر من يعتبره بالعدد فإن في مئة وستين
أربع بنات لبون كلما زاد عشرة زاد شئ ففي مائة وتسعين ثلث حقاق وبنت لبون فإذا زاد عشرة فيجب أن يصير أربع حقاق. والجواب عن الأول:
إنا نأخذ الفرض نصفه المال فيأخذ من الكرائم وغيرها من وسطها فلا يكون خبيثا لان الأدنى ليس بخبيث، وعن الثاني: بالمنع من التخيير في الأصل
وبالعفص (بالنقض) بشاة الجبران وقياسنا أولى لان الأصل فيه وبه قصاص، وعن الثالث: أن المئة والتسعين وغيرها مما تقدم لم يوجد إلا عدد الفرض الواجب
فيه خاصة وكل موضع يغير الفرض بالسن لقصوره عن إيجاب عدد الفرض يخالف صورة النزاع. [الثالث] قال الشيخ رحمه الله أن يؤخذ أرفع
الأسنان يعني الحقاق ولا يتشاغل بكثرة العدد. [الرابع] إذا كان عنده أحد الصنفين يعني للاخراج وإن شاء المالك اشترى النصف الآخر
لأنه مخير ولو لم يكن عنده من الصنفين تخير في شراء أيهما كان والأولى أن يشتري الحقاق لأنها أرفع في السن. [الخامس]
481

على قول الشيخ رحمه الله ليس لولي الطفل والمجنون أن يخرج أعلى الوصفين بل أدناهما لأنه هو القدر الواجب والولي منصوب لمصلحة المولى عليه ولا مصلحة
في اختيار الأعلى. [السادس] لو كان عنده أربع مئة جاز للمالك أن يخرج عشر بنات لبون أو ثماني حقاق ويجوز أن يخرج خمس بنات لبون وأربع
حقاق خلافا لأبي سعد الإصطخري. لنا: أن كل واحد من المأتين منفردة بنفسها مستقلة بفرضها فمع الاجتماع ثبتت الخيرة كما ثبتت حالة الانفراد احتج بأن نية
تفريق الفريضة فلا يجوز كما في المأتين والجواب: إن كل واحدة من المأتين غير مستقلة بنفسها فإنه لو أخذ من واحدة حقتين لم يكن عليه ثلث بنات لبون
من الأخرى ولا يدفع بنت لبون منها بخلاف صورة النزاع. [السابع] لو كان أحد الفرضين ناقصا والآخر كاملا كما لو كان عنده خمس بنات
لبون وثلاث حقاق يعني الكامل للاخراج ولو أراد اخراج الحقاق وبنت لبون مع الجبران الشرعي لم يكن له بملك لأنه بدل الشرط له عدم (لعدم ظ)
المبدل نعم له الاخراج بالقيمة السوقية لان القيمة عندنا تجزي مع وجود الفريضة وكذا ليس له أن يدفع أربع بنات لبون وحقة ويطالب بالجبران
الشرعي. [الثامن] لو كان الفرضان ناقصين كما لو كان عنده ثلث حقاق وأربع بنات لبون تخير في اخراج أيهما شاء مع الجبران فله اخراج بنات
اللبون وحقة واستفادة الجبران الشرعي وإخراج ثلاث حقاق وابنة لبون ودفع الجبران الشرعي وهل له دفع حقة وثلاث بنات لبون
مع الجبران لكل واحدة فيه إشكال ينشأ من جواز ذلك مع كل واحدة ذلك مع انفرادها ومن كون الفرض موجودا فلا يعدل إلى الجبران الشرعي والأخير أصح. [التاسع]
لو كان الفرضان معدومين أو معنيين (وإبله) صحاح فإن اشترى أحد الفرضين خرج عن العهدة وكذا لو دفع القيمة ولو دفع الأعلى لسن أو لا تزل
بها مع الجبران الشرعي جاز فإن شاء أخرج أربع جذعات واسترجع ثماني شاة وثمانين درهما وإن شاء دفع خمس بنات مخاض ومعها عشر شياة
أو مائة درهم لان له الخيرة في الصعود والنزول ولو أراد الصعود من بنات اللبون إلى الجذع واستعاده جبرانين شرعيين أو النزول من الحقاق
إلى بنات المخاض ودفع الجبرانين الشرعيين لم يكن له ذلك أما على قول المقتصرين في الجبران على الدرجة
الواحدة فظاهر وأما على قول المسوغين
للتعدي عن الواحدة فلان بنات اللبون الخمس منصوص عليهن في هذا الباب فلا ينزل النهي بجبران وكذلك الحقاق فالفرض يستقل بجبران واحد فلا
حاجة إلى الجبرانين والخيار في الصعود ههنا إلى رب المال لا إلى الساعي لما تقدم. * مسألة: ولا يجب الزكاة فيما دون خمس من
الإبل ولا في ما بين النصف من الأشناق أما ما دون الخمس فبالاجماع فقد سلف وأما ما عداه من الأشناق فهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال أبو
حنيفة وأهل العلم إلا الشافعي في أحد قوليه ومحمد بن الحسن. لنا: ما رواه الجمهور عن يحيى بن الحكم أن معاذا قال بعثني رسول الله صلى الله عليه
وآله أصدق أهل اليمن وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلثين تبيعا ومن كل أربعين سنة وأمرني أن لا آخذ مما بين ذلك شيئا ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد العجلي والفضيل كلهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا ليس على (النيف) شئ
ولا على الكنوز شئ ولان تقدير النصب يتعلق بالفريضة هنا فالزائد عفو ولأنه عدد ناقص عن نصاب يجب فيه الزكاة فلا يتعلق
به الوجوب كالأربعة احتج الشافعي بحديث أنس فإنه قال فيه فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلثين ففيها بنت مخاض ولأنه حق
يتعلق بالنصاب فوجب أن يتعلق به وما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة والجواب عن الأول: أن ألقابه ليس المراد
منها إثبات الوجوب في الجميع وتعلقه به وإن المراد إثبات الواجب في العدد الذي تعلق به الوجوب ولا يحصل الانتقال إلى ألقابه الأخرى
وعن الثاني: بالفرق فإن القطع بنصاب المنقطع لدلته وإنما زاد عليه لاشتماله على النصاب ولا يتغير الحكم بتغير الزيادة بخلاف صورة
النزاع. فروع: [الأول] لا تجب الزكاة في الأشناق لا منضمة ولا منفردة ولا تجب الأزيد من السن الواجب باعتباره. [الثاني]
لو كان معه تسع من الإبل فتلفت منها أربع وجبت الشاة بكمالها سواء تلفت قبل الحول أو بعده قبل إكمال الأداء أو بعده لان الحول
حال على نصاب كامل والزائد عفو فلا اعتداد به ولا أنزلته حالتي وجده وعدمه. [الثالث] لو ملك من التسع خمس فإن كان قبل الحول
فلا شئ لنقصان النصاب قبل الحول ولو كان بعد الحول سقط من الشاة خمسها إن تلفت قبل إمكان الأداء ولو كان بعده وجبت الشاة
بكمالها وعند الشافعي سقط خمسة إتساعها وقد تقدم بطلانه. [الرابع] لو كان معه ست وعشرون فهلك منها ست بعد الحول فإن كان قبل
إمكان الأداء سقط من بنت المخاض بنسبة التالف وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجب أربع شياة لان التالف كالمعدوم. لنا: أن الواجب بحول
الحول بنت مخاض وبتلف البعض لا يتغير الواجب بل يسقط منه بنسبة التالف لان التلف منه ومن المساكين. [الخامس] لو كان معه ثمانون
شاة فتلف منها أربعون وجبت عليه الشاة كاملة سواء كان التلف قبل الحول أو بعده قبل إمكان الأداء أو بعده لان النصاب باق والزائد
عفو للشافعي قولان في أحدهما يجب نصف شاة وقد سلف بطلانه. * مسألة: الشاة المأخوذة في الزكاة قال الشيخ ينبغي أن يكون
الجذعة من الضأن أو الثلاثة من المعز وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة الواجب الثلاثة فيها وقال مالك الواجب الجذعة فيها. لنا: ما رواه
الجمهور عن سويد بن غفلة قال أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وآله قال نهينا أن نأخذ الفرائض وأمرنا بجذعة والثلاثة ولان التصفيق بأحدهما
ينافي الأخرى في أنهما اخراج أجزاه. فروع: [الأول] شاة الجبران كذلك تجزي أما أنثى من البقر أو الجذع من الضأن. [الثاني] يجزي
الذكر والأنثى في ذلك سواء كانت الإبل ذكورا أو إناثا قاله الشيخ وبه قال الشافعي في أحد الوجهين وقال في الآخر بغير كونها أنثى. لنا:
482

أن الواجب ما سمي شاة وهو يتناولها معا فيخرج عن العهدة بأيهما شاء. [الثالث] يجزي أن يخرج من غنيمة أو غير غنيمة لان كلا منهما يتناول
اسم الشاة. [الرابع] قال الشيخ يؤخذ من نوع البلد لا من نوع بلد آخر لان الأنواع مختلف فالمكية يخالف العربية والعربية يخالف النبطية وكذلك الشامية
والعراقية وبه قال الشافعي والأقرب عندي جواز الاخراج من أي نوع شاء لما تقدم ولأنه لو أخرج ضأنا وغالب غنم البلد المعز أجزأه إجماعا وكذا بالعكس
فما ذكرناه أولى لان التناسب بين الشاتين من الضأن إذا اختلف بلدهما أقرب من التناسب بين الضأن والمعز. [الخامس] يجوز أن يخرج عن
الإبل الكرام الشاة الكريمة واللئيمة والسمينة والمهزولة لتناول الاسم ولا يؤخذ المريضة من الإبل الصحاح ولو كانت مراضا فإن اخرج
صحيحة فلا يجب وإن لم يفعل أخذ شاة بقيمة المراض بأن يقوم الخمس صحيحة ومريضة ويؤخذ الشاة ناقصة عن بدل الصحاح بنسبة النقصان.
[السادس] لو أخرج بعيرا عن الشاة لم يجزه وبه قال مالك وداود وقال الشافعي وأبو حنيفة يجزي وعن أحمد روايتان. لنا: إن أخرج
غير الواجب فلا يجزه ولان النص ورد بالشاة فلا يجوز التخطي كما لو أخرج بعيرا عن أربع شياة نعم إن أخرج البعير بالقيمة السوقية أجزأه لا لما
يأتي من جواز اخراج الغنم احتج المخالف بأنه يجزي عن خمسة وعشرين والخمسة داخلة والمجزي عن المجموع مجز عن الأقل والجواب: المنصوص
عليه الشاة وجاز أن يكون أكثر قيمة فإذا أخرج الأقل يكون فيه نقصا على الفقر لا يقال إذا أجزأ عن الأكثر أجزأ عن الأقل لأنا نقول الأوصاف
التي هي غير مضبوطة لا يجوز رد الاحكام إليها لما فيها من الاضطراب بل يجب الرجوع إلى أوصاف مضبوطة يناط بها الاحكام إذا ثبت هذا
فنقول لما كان البعير في الغالب أكثر قيمة من الشاة وجب في الأكثر ولم يجب في الأقل الارفاق ولكن قد يمكن فرض زيادة قيمة الشاة على قيمة
البعير فلو أخذ البعير في الأقل عن الشاة في هذه الصورة كان إجحافا بالفقراء وعلى هذا التحرير لو كانت (النس) الواجبة في ست وعشرين مثلا أقل
قيمة من الشاة جاز اخراج الشاة عنهما وبالجملة فالاعتبار بالقيمة في الابدال إلا ما نص عليه. [السابع] إذا كان البعير بقيمة الشاة فأخرجه
أجزأ عندنا وعند الشافعي أما نحن فللمساواة في القيمة وأما عنده فلانه يحضر ولا يعتبر القيمة بل لو كان البعير أقل قيمة من الشاة أجزأ عنده وأثبت
هذا فإذا أخرج البعير كان كله واجبا لأنه بدل الواجب وللشافعي قولان أحدهما مثل ما قلناه تخير بين الشاة والبعير فأيهما أخرج كان
واجبا والثاني أنه خمس واجبة والباقي تطوع لأنه واجب في خمسة وعشرين وليس بواجبة وإلا لأجزأه خمس بعير وليس كذلك إجماعا. [الثامن]
كما لا يجزي البعير عن الشاة إلا بالقيمة السوقية فكذا لا يجزي عن غيره من الإبل ولا عن خمسة عشر ولا عن عشرين وقد خالف الشافعي
في ذلك كله والأصل ما قدمناه. [التاسع] لو لم يجد شاة اشترى شاة أو أخرج قيمتها على ما يأتي والاعتبار بالقيمة السوقية ولا يجزيه عشرة
دراهم إذا كانت أدون قيمة خلافا لبعض الجمهور حيث قاس على شاة الجبران وهو باطل لأنه وافق على أن الشاة الواجبة في الغنم لا يجزي عنها
القيمة الشرعية. * مسألة: أول الفرائض الإبل المأخوذة بنت المخاض وهي التي كملت لها سنة ودخلت في الثانية سميت بذلك لان أمها
ماخض أي حامل والمخاض اسم جنس لا واحد له من لفظة واحدة والواحدة خلعة ثم بنت اللبون وهي التي تم لها سنتان ودخلت في الثالثة سميت لأنها
أمها ولدت وصارت ذات لبن، ثم الحقة وهي التي كملت لها ثلث سنوات ودخلت في الرابعة فاستحقت للحمل أو لطرق الفحل، ثم الجذعة بفتح الذال
وهي الكاملة أربعا ودخلت في الخامسة لأنها تجذع أي يسقط سنها وهي أعلى أسنان الزكاة كما أن بنت المخاض أصغر أسنانها فإذا تعددت
الخامسة ودخلت في السادسة فهي الثنية، وإن دخلت في السابعة فهو الرباع والرباعية، وإن دخل في الثامنة فهو سدس وسديس، فإذا دخل
في التاسعة فهو باذل أي طلع نابه ثم يقال بعد ذلك باذل عام وباذل عامين والباذل والمحلف واحد ويقال له أول انفصاله بالولادة فصيل
وصرار ثم بنت المخاض وعلى ما قلنا في الترتيب. * مسألة: من وجب عليه سن وفقدها ووجد الأعلى بدرجة دفعها واسترد شاتين
أو عشرين درهما ولو وجد الأدون دفعها ودفع شاتين أو عشرين درهما فمن وجب عليه بنت مخاض وليست عنده ولا ابن لبون ذكر وعنده
بنت لبون دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهما من المصدق بتشديد الدال خاصة وكذا لو وجب عليه بنت لبون وفقدها وعنده
حقة وعنده جذعة الحكم في ذلك سواء ولو وجب عليه جذعة وفقدتها ووجد الحقة دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما وهكذا إلى آخر المراتب
ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي والنخعي وأحمد وابن المنذر ومالك وقال الثوري يخرج شاتين أو عشرة دراهم وقال أصحاب الرأي يدفع
قيمة ما وجب عليه أو دون السن الواجب مع فاضل ما بينهما من الدراهم. لنا: ما رواه الجمهور عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال ومن بلغت
عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها يقبل من الحقة ويجعل معها شاتين ان استيسرنا له أو عشرين درهما
ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها يقبل منه بنت لبون وتعطى شاتين أو عشرين درهم ومن بلغت صدقة
بنت لبون وعنده حقة فإنها يقبل منه الحقة وتعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده
وعنده بنت مخاض فإنها (تصل) منه بنت مخاض وتعطي معها عشرين درهما أو شاتين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبد الله بن زمعة عن أبيه عن جده عن جد أبيه
أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب له في كتابه الذي كتبه له بخطه حين بعثه على الصدقات من بلغت عنده من الإبل الصدقة الجذعة وليس عنده
483

جذعة وعنده حقة فإنه يقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده جذعة
فإنه يقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ومن بلغت صدقته حقة وليست عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنه يقبل منه ابنة لبون أو يعطى معها
شاتين أو عشرين درهما ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده حقة فإنه يقبل منه الحقة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين
درهما ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنه يقبل منه ابنة مخاض ويعطى معها شاتين أو عشرين درهما ومن
بلغت صدقته ابنة مخاض وليست عنده ابنة مخاض وعنده ابنة لبون فإنه يقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ومن لم يكن
عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون وليس معه شئ ومن لم يكن معه إلا الأربعة من الإبل وليس معه قال
غيرها فليس فيها شئ إلا أن يشار بها فإذا بلغ ماله خمسا من الإبل ففيه شاة ولان مبني الزكاة على التخفيف والمواساة وفي تكليف المالك
شراء الفرائض نوع إضرار احتج الثوري بما رواه عاصم بن حمزة عن علي عليه السلام فإذا أخذ الساعي من الإبل سنا فوق سن أعطى شاتين وعشرة
دراهم ولان الشاة في الشرع قيمتها عشرة دراهم فإن نصاب الغنم أربعون ونصاب الدراهم مائتان واحتج أبو حنيفة بأن ما ذكره مخلص للفريضة
من الضرر فيكون متعصبا متعينا والجواب عن الأول: أن عاصم بن حمزة مطعون فيه وقد بلغنا نحن عن علي عليه السلام ما ينافي ذلك، وعن الثاني: أنه لا اعتبار
بذلك فإن نصاب الإبل خمسة ونصاب الذهب عشرون وليس المعتبر مقوما بأربعة، وعن الثالث: أن مراعاة المالك أولى ولا ضرر مع نص الشارع.
فروع: [الأول] لو وجب عليه بنت مخاض وعدمها وكان عنده ابن لبون وذكر أجزأه ولما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر ومن طريق الخاصة ما رويناه في حديث علي عليه السلام فإن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها
وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون وليس معه شئ ولان علو السن يوجب اتصاف البعير بالرعي وامتناعه من السباع وهو
أفضل بالسن وذلك يقاوم فضل الأنوثة. [الثاني] لا يجري ابن اللبون مع وجود بنت مخاض لاشتراط الفقدان في الخبر. [الثالث]
لو كانت عنده ابنة مخاض معينة وعنده ابن للبون أجزأه وتعين عليه اخراجه لان المعينة لا تجزي في الفرض
فجرى مجرى المعدومة ولقول
علي عليه السلام فإن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها. [الرابع] لو أن عنده بنت مخاض على صفة من الواجب وعنده ابن لبون لم يجزه
اخراجه لأنه وجد لبنت مخاض على وجهها ويخير بين اخراجها من غير أخذ جزء بين شراء محرمة. [الخامس] لو عدم بنت المخاض وابن
اللبون أجزأه شراء أيهما كان وبه قال الشافعي وقال مالك وأحمد يتعين شراء بنت مخاض ولا يجزي ابن لبون. لنا: قوله عليه السلام فإن
لم يكن في إبله ابنة مخاض فابن لبون ذكر وشرائه لم يكون واجدا لابن اللبون فيجزيه احتج مالك بأنهما استويا فوجب بنت مخاض كما
إذا استويا في الوجود وهذا قياس باطل لان مع الوجود شرط إجزاء ابن اللبون مقصود بخلاف العدم [السادس] لا يتعدى الحكم بجبران
علو السن في الذكر للأنوثة مع نزول السن في غير بنت مخاض وابن لبون فلو وجبت عليه بنت لبون لم يجزه أن يخرج حقه ولو وجبت
عليه حقة لم يجزه جذعا إلا بالقيمة السوقية خلافا لبعض الجمهور. لنا: أن الواجب بنت اللبون فإخراج غيره مع احتمال نقص قيمته عنه
غير مبرئ للذمة ولان تخصيص ابن اللبون بالذكر يشعر بانتفاء الحكم من غيره احتج المخالف بأن التنصيص على العالي في السن في ابن اللبون
يدل بالتنبيه على أجزاء الحقة عن بنت اللبون والجواب أنه يدل بدليل الخطاب على انتفاء الاجزاء على أن التنبيه مقصود هنا لأنا صرنا في المجمع عليه لمعنى
فإن علو السن هناك مقتضية الاستغناء عن الامر بالرعي وورود الماء والامتناع عن السباع بخلاف الحقة وابنة اللبون فإن بنت اللبون ممتنعة
عن السباع وترعى وترد الماء فلم يكن لعلو السن هنا أثره هناك. [السابع] لو أخرج عن ابن اللبون حقة أو جذعا أجزأه ولأنه أعلى سنا
مع مساواته للمبدل منه في الذكورية. [الثامن] لو خرج عن بنت المخاض بنت اللبون أو عن بنت اللبون حقة أو عن الحقة جذعة أجزأه فإنه روى عن
رسول الله صلى الله عليه وآله أنه بعث أبي بن كعب مصدقا قال فمررت برجل جمع لي مال لم أجد عليه فيه إلا بنت مخاض فقلت له أد بنت مخاض فإنها صدقة فقال ذاك لا مال
ليس فيه ولا ظهر لك هذه الناقة (فتية) عظيمة سمينة فخذها فقلت ما أنا بآخذ ما لم أومر به وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله منك قريب فإن
احقت أن تأتيه فتعرض عليه ما أعرضت علي فافعل فإن قبله منك قبلت وإن رده عليك رددته قال فأتى فاعل فأخرج معي وخرج بالناقة
التي عرض علي حتى قدمنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي وأيم الله ما قام في مال رسول
الله صلى الله عليه وآله ولا رسوله قط قبله فجمعت له مالا فزعم أن ما علي فيه بنت مخاض وذلك ما لا ليس فيه مالا ظهر وقد عرضت
عليه ناقة فتية سمينة عظيمة ليأخذها فأبى وهي (ذه) قد جئتك تأخذها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذاك الذي وجب عليك فإن
تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك قال فما ذي رسول الله صلى الله عليه وآله قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بقبضها ودعا
له في ماله بالبركة ولأنها تجزي مع أخذ الجبران فمع عدمه أولى. [التاسع] لا يجوز أن يؤخذ أنزل من بنت المخاص للجبران بل بالقيمة السوقية
وكذا لا يجوز أخذ ما فوق الجذعة إلا كذلك لعدم النص واحتمال الاضرار بالمالك أو بالفقراء لأنا مع القيمة السوقية فالمحذور مندفع
484

[العاشر] لو عدم السن الواجبة وما يليها ارتفاعا ونزولا لم ينتقل إلى الثالثة يتضاعف الجبران كمن عدم مخاض وقد وجبت عليه
ولم يكن عنده إلا حقة أو بالعكس اختاره ابن المنذر وقال الشافعي ينتقل مضاعف الجبران وهو مذهب بعض علمائنا. لنا: أن الانتقال عن الواجب على
خلاف مقتضى الدليل فيصار إليه مع النص في صورة وجوده أما مع عدمه فلا تعليل لمخالفة الدليل ولان بنت المخاض بالنسبة إلى الحقة في عدم النص
كالتي دون بنت المخاض احتج بأن بنت اللبون تجري عن الحقة بجبران إذا كانت موجودة وبنت المخاض تجزى عنها مع عدمها مع
الجبران فيكون مجزية عن الحقة. والجواب الاجزاء هناك للتخفيف مع قلة ضرر الفقراء بخلاف صورة النزاع فإنه يجوز أن يكون ذلك
أضر بهم أما لو وجبت الحقة ولم توجد ووجدت بنت لبون فليس له النزول إلى بنت المخاض يضاعف الجبران قولا واحدا وعلى قياس الشافعي
يجوز النزول إلى بنت المخاض لمن وجب عليه الجذعة مع دفع الجبران وكذا بالعكس واختاره بعض أصحابنا ولا يخلو عن قوة. [الحادي عشر] لو أراد
أن يجزيه وعشرة دراهم لم يجز لان النص ورد بشاتين أو عشرين درهما فالتبعيض لا يجوز كما في الكفارة. [الثاني عشر] لو أخرج عن الجذعة
بنتي لبون أو بنتي مخاض فإن كانتا أكثر قيمة أو مساوية أجزأت قطعا ولو عجزتا عنها فالوجه عدم الاجزاء لأنهما غير الواجب وبدله. [الثالث
عشر] لو كانت إبله مراضا والفريضة معدومة وعنده أدون وأعلى دفع الأدون والجبران وليس له أن يدفع الأعلى ويأخذ الجبران لجواز
أن يكون الجبران خيرا من الأصل والنبي صلى الله عليه وآله جعل ذلك الجبران بدلا المرضين الصحيحين قد اندفعه من المريضين لان فيهما أقل من
قيمة الصحيحين ولذلك قيمة ما يليهما ولو كان المخرج ولي اليتيم على القول بثبوت الزكاة يتعين عليه شراء الفريضة مريضة وليس له دفع الناقص
والجبران لان إضرارا باليتيم ولا العكس لأنه إضرار بالفقراء ولو انتفى الضرر جاز. [الرابع عشر] لا يثبت الجبران في غير الإبل فإن الغنم
لا يتفاوت كثيرا بتفاوت أسنانها وما بين الفريضتين من البقر يخالف ما بينهما من الإبل امتنع القياس والاقتصار على النصوص خاصة فإذا
عدم فريضة البقر والأنزل ووجد دفعها وتمم القيمة السوقية ولو دفع الأعلى متطوعا كان أفضل. [الخامس عشر] (نجاتي) الإبل
وعرابها وسخيتها وكريمها ولئيمها سواء في وجوب الزكاة بضم بعضها إلى بعض فإذا بلغت نصابا أخرج منه الفريضة فإن تطوع بالأجود فلا
يجب وإلا لم يكن له دفع الأنقص بل يؤخذ من أوسط المال فيخرج عن النجاتي نجته وعن العرابي عربية وعن وعن السمان سمينه ولو قيل باخراج ما شاء
إذ جمع الصفات المشترط كان وجها. * مسألة: ولا يؤخذ المريضة من الصحاح ولا الهرمة من غيرها ولا الهرمة الكبيرة ولا ذات العوار
من السليم وذات العوار هي المعيبة ولا نعلم فيه خلافا قال الله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وروى الجمهور عن النبي صلى الله
عليه وآله أنه قال لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا بئس إلا أن يشاء المصدق ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس
عن أبي عبد الله عليه السلام قال ولا يؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق ولان في ذلك ضررا للفقراء. فروع: [الأول]
لا يؤخذ الربى وهي الوالدة التي يربي ولدها إلى خمسة عشر يوما وقيل إلى خمسين لما في ذلك إضرار بولدها ولا الأكولة وهي السمينة المتخذة للأكل
لأنه إضرار للمالك وقال عليه السلام للمصدق وإياك وكرائم أموالهم ولا فحل الضراب لان فيه نفعا للمالك وهو من كرائم المال إذ المعد بذلك
إنما هو الجيد غالبا ولا الحامل لان النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يأخذ شافعا أي حاملا. [الثاني] لو تطوع المالك جاز بلا خلاف لان النهي
في ذلك منصرف إلى الساعي لتفويت المالك النفع وللارفاق به لا لعدم إجزائها. [الثالث] لو كانت إبله مراضا كلها لم يجب عليه شراء صحيحة ذهب
إليه علماؤنا وبه قال الشافعي وقال مالك يجب عليه أن يشتري صحيحة وعن أحمد روايتان. لنا: قوله عليه السلام إياك وكرائم أموالهم نهاه عن إجزاء
الكريمة وإن وجدت (أدواؤه) وتكليف شراء صحيحة عن المعيبة ينافي ذلك وقال عليه السلام فإن الله لم يسألكم بخيره ولم يأمركم بشره ولان بناء
الزكاة على المواساة وبشراء صحيحة عن المعيبة يبطل ذلك ولان المال إذا وجب فيه من جنسه لم يجب الجيد من الردي كالحبوب احتج مالك بقوله
عليه السلام لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولأنه لو كان بعض المال صحاحا وجب صحيح وكذا لو كان الجميع مراضا. والجواب عن الأول: أن المراد به
لا يؤخذ من الصحيح صرفا للاطلاق إلى المعتاد وعن الثاني: بالمنع. [الرابع] لو لم يكن في إبله المراسن الفريضة كلف شراؤها ولا يجب شراء صحيحة
فلو اشترى مريضة أجزأه ولان الواجب عليه وكذا لو أخرج قيمة المريضة ولو تطوع بالصحيح كان أفضل. [الخامس] لو كانت إبله صحاحا ومراضا
كلف فهنا صحيحا بقيمة صحيح فيقال لو كان النصف صحاحا وقيمة الفرض بالصحيح عشرون والمريض عشرة أخرج مريضا قيمة خمسة عشر.
[السادس] إذا كانت إبله مراضا كلها والفرض صحيح فإن أخرجه فلا بحث وإن أخرج مريضا لم يجز لأنه في إبله صحيحا بل يشتري بقيمة
الصحيح والمريض فإذا كان الفرض بنت لبون كلف شراء بنت لبون صحيحة بقيمة جزء من ستة وثلثين جزءا من صحيحة وخمسة وثلثين جزء من مريضة.
[السابع] لو كان إبله صحاحا كلها والفرض مريض كلف شراء صحيح على ما تقدم بعد اسقاط التفاوت بين الصحيح والمريض من الفرض.
ليس للساعي أن يأخذ الحامل إلا برضاء المالك وقال داود: لا يجزيه لو أخرجها المالك وكذا لا يجزيه السن الأعلى وهو (سملو) ينقص علينا
يكون الحبل عينا في الأمة ولا يذبح في الأضحية حاملا لان كون الحبل عينا مخصوص (بالماء) والأضحية المراد منها اللحم والغرض من الزكاة
485

منفعة للفقراء والحامل أنفع لحصول الدور والنسل ولو لم يظهرها حمل ولكن طرقها الفحل لم يكن للساعي أخذها إلا برضاء المالك. [التاسع] لو كانت
أمراضها متبانية أخذ من وسطها لا الأجود ولا الأردى * مسألة: المأخوذ في الزكاة يسمى فريضة وما يتعلق له بفريضة يسمى نصابا وما
نقص عن النصاب سمي في الإبل شنقا وقد ظهر مما تقدم أن نصب الإبل ثلث عشر خمسة متجانسة وثمانية مختلفة والأوقاص أيضا ثلاثة عشر خمسة
منها متجانسة وثمانية مختلفة والأوقاص أيضا ثلاثة عشر خمسة منها متجانسة أربعة أربعة واثنان تسعة تسعة ما بين ست وعشرين إلى ست و
ثلثين وما بينهما وبين ست وأربعين وثلث بعد ذلك كل واحد أربع عشرة ما بين ست وأربعين إلى إحدى وستين وما بين إحدى وستين إلى ست و
سبعين وما بين ست وسبعين إلى إحدى وتسعين وأحد تسع وعشرون وهو ما بين إحدى وتسعين إلى مائة وإحدى وعشرين وواحد ثمانية ما
بين مائة وإحدى وعشرون إلى مائة وثلثين ثم بعد ذلك. * مسألة: والاشناق تسعة تسعة لا إلى نهاية وقد بينا ذلك كله فيما تقدم وشرائط
زكاة الإبل قد بيناها أنها أربعة الملك والنصاب والسوم والحول أما الملك والنصاب فقد تقدما وأما الباقيان فسيأتي البحث فيهما إن شاء الله تعالى وينبغي أن يزاد مع الشروط
إمكان التصرف والتكليف وقد سلف. * مسألة: والسوم شرط في الأصناف الثلاثة من الحيوان أو عليه فتوى علمائنا أجمع فلا يجب في المعلوفة
ولا العوامل وبه قال علي عليه السلام ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله ومن التابعين سعيد بن جبير وعطا ومجاهد والحسن البصري والنخعي وبه
قال في الفقهاء أبو حنيفة والشافعي والثوري والليث بن سعيد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وقال مالك يجب في العوامل والمعلوفة وبه قال
ربيعة ومكحول وقتادة وقال داود يجب في عوامل الإبل والبقر ومعلوفتها دون الغنم. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: في
أربعين من الغنم السائمة شاة وتقييد الحكم بالوصف يدل على يقينه عما عداه وروى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
ليس في البقر العوامل صدقة وكذا رووه عن علي عليه السلام ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد العجلي
والفضل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: ليس على العوامل شئ إنما ذلك على السائمة الراعية قال قلت ما في (النجت) السائمة قال مثل
ما في الإبل العربية ولان مبنى الزكاة على المساواة والتخفيف وإنما يجب فيما بطلت فماؤه ونتاجه والعلف يستوعب النماء فلو أوجبنا الزكاة
في المعلوفة لزم الاضرار بالمالك احتج المخالف بظاهر قوله عليه السلام في أربعين شاة شاة وفي ثلثين من البقر تبيع والجواب: دلايلنا أخص فتقيد به
العام على إنا نمنع العموم وهو ظاهر. فروع: [الأول] لو علفها بعض الحول قال الشيخ يعتبر الأغلب فإن كان الأغلب السوم وجبت الزكاة
وإن كان الأغلب العلف سقطت وقال الشافعي ينقطع الحول بالعلف ولو يوما إذا نوى العلف وقال بعض أصحابنا
إن علفها ثلاثة أيام
انقطع حكم السوم وإلا فلا لأنها لا يعتبر ثلاثة أيام غير العلف احتج الشيخ بأن اسم السوم لا يزول بالعلف اليسير وبأن الأغلب بالنسبة إليه
يسر ولان اعتبار السوم في جميع الحول يقتضي اسقاط الزكاة غالبا ولان (خفة) المؤنة موجودة هنا فأشبه السائمة في جميع الحول ولان
الأغلب معتبر في سقي الغلات فكذا يعتبر في السوم واحتج الشافعي بأن السوم شرط كالملك والحول ينقطع بزواله ولو يوما فكذا السوم ولان
السوم موجب والعلف فسقط الاجتماع ينسب مقتضى المسقط كما لو كان معه أربعون سائمة إلا واحدة معلوفة فإن الزكاة يسقط هنا
واسم السوم ليس بثابت حال العلف فلا يطلق عليه اسم في جميع الحول والأقرب عندي اعتبار الاسم وما ذكره الشافعي ضعيف فإنه يلزم لو اعتلفت
بخط واحدة أن يخرج عن اسم السوم وليس كذلك ولو تساويا سقط الزكاة. [الثاني] لو اعتلفت من نفسها حتى خرجت عن اسم السائمة انقطع الحول
لانتفاء الشرط. [الثالث] لو منعها مانع من الثلج أو غيره عن السوم فعلفها المالك ومن يأمره بإذنه أو بغير إذنه حتى خرجت عن السوم
انقطع الحول. * مسألة: والحول شرط في الانعام الثلث والذهب والفضة وهو قول أهل العلم كافة إلا ما حكي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا:
إذا استفاد المال زكاة في الحال ثم تكرر بتكرر الحول. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا زكاة في مال حتى يحول عليه
الحول وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس في مال المستفيد زكاة حتى يحول عليه الحول ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن
عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد والفضيل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه حتى
يحول الحول فإذا حال عليه الحول وجب عليه وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول أو يحركه
وفي الصحيح عن محمد الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يفيد المال قال لا يزكيه حتى يحول عليه الحول وفي الحسن عن زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام قال قلت له رجل كان عنده مائتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر فكملت عنده مائتا
درهم أعليه زكاتها قال لا حتى يحول عليها الحول وهي مائتا درهم وعن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: ليس في شئ من الحيوان زكاة غير هذه
الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم وكل شئ من هذه الأصناف من العوامل فليس فيها شئ وما كان من هذه الأصناف فليس فيها شئ حتى يحول
عليه الحول منذ وينتج والاجماع دال عليه وخلاف المذكورين قد انقرض فلا اعتداد به احتجا بأنه مال مستفاد فيجب الزكاة حين الاستفادة
كالحبوب والثمار والجواب: الفرق فإن نماء الثمار يتكامل دفعة واحدة ولهذا يجب الزكاة مرة واحدة وهذه الأموال نماؤها بعلفها فاحتاجت
486

إلى الحول وأن المال الذي يجب فيه الزكاة من الغلات نماء لا غير وغيرها مال معد للنماء. فروع: [الأول] إذا أهل الثاني عشر فقد حال على المال
الحول، ذهب إليه علماؤنا ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض
إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر فقال: إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه فيها الزكاة.
[الثاني] الملك والنصاب معتبران من أول الحول الخ وحكي عن أبي حنيفة اعتبار وجود النصاب طرفي الحول فيجب الزكاة ولو نقص في وسط. لنا:
قوله عليه السلام لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال قلت
رجل كان عنده مائتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر فكملت عنده مائتا درهم أعليه زكاة؟ قال: لا حتى يحول
عليه الحول وهي مائتا درهم ثم قال فإن لم يمض عليها جميعا الحول فلا شئ عليه فيها. [الثالث] القول قول المالك في حولان الحول وعدمه
لأنها عبادة شرعية فرجع إلى قوله فيها وقال عليه السلام: لا تدخل عليهم دخول متسلط ولا يلزمه يمين ولا يقبل قول الساعي عليه منهم لو شهد
عليهم عدلان بحول الحول قبل ذلك وأخذ منه الحق. [الرابع] إذا مات المالك انتقل النصاب إلى الوارث واستأنف الحول حين الانتقال.
[الخامس] ولو كان معه خمس من الإبل وحال الحول فإن أخرج من العين أو لم يخرج حتى حال الحول الثاني وجب عليه الشاة الواحدة لا غير
ولو أخرج من غيرها وبقيت نصفه الواجب وجب عليه شاتان ولو كان معه أزيد من نصاب وحال الحول وجب الزكاة متعددة عن كل سنة
بعد اسقاط ما يجب في النية المتقدمة عن نصاب المتأخرة إلى أن ينقص عن النصاب فلو كان معه ستة وعشرون وحال عليه حولان وجب
عليه بنت مخاض وخمس شياة ولو حال عليه ثلاثة أحوال وجب عليه بنت مخاض وتسع شياة فإن حال عليه أربعة أحوال وجب عليه بنت مخاض
عن السنة الأولى وخمس شياة عن السنة الثانية وأربع عن الثالثة ثم إن نقصت عن العشرين وجبت عليه في الرابعة ثلث شياة وإن لم
ينقص وجب عليه أربعة أخرى وهكذا. {البحث الثالث} في زكاة البقر وقد أجمع المسلمون على وجوب الزكاة فيها،
قال الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) وروى الجمهور عن أبي ذر رحمه الله أنه دخل المسجد بالمدينة فأسند إلى ساري من سوار المسجد فاحتوشه الناس
وقالوا له حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في البقر صدقتها الحديث وعن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: من كان له بقر لا يؤدي زكاتها (يلج) لها يوم القيامة بقاع قرقر أوقر ما يكون يطأه بأظلافها و (ينطحه) بقرونها كلما بعدت
آخر أخلف عليه أولاها ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من ذي مال أو بقر أو غنم يمنع زكاة
ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر يطأه كل ذات ظلف يظلفها وينهشه كل ذات ناب بنيابها وفي أحاديث كثيرة أن رسول الله صلى الله
عليه وآله أوضع الزكاة على تسعة أصناف وعد من جملتها البقر والاجماع دال عليه. * مسألة: والشرط هنا كما في الإبل والنصاب مختلف فلا
يجب الزكاة في شئ من البقر إلى أن بلغ ثلثين بلا خلاف بين العلماء في ذلك إلا الزهري وسعيد بن المسيب فإنهما قالا: في كل خمس شاة
فإذا بلغت ثلثين ففيها تبيع أو تبيعة. لنا: ما رواه الجمهور عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وآله أمره أن يأخذ من كل ثلثين تبيعا ومن كل
أربعين مسنة وانى بما دون فقال أومر في الأوقاص شئ ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير
وبريد بن معاوية العجلي والفضيل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا في البقر: في كل ثلثين بقرة تبيع حولي وليس في أقل من ذلك شئ وفي
أربعين بقر مسنة وليس فيما بين الثلثين إلى الأربعين شئ حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة وليس فيما بين الأربعين إلى
الستين شئ فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى السبعين فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة إلى الثمانين فإذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها ثلث تبايع حوليات فإذا بلغت عشرين
ومأة ففي كل أربعين مسنة ثم ترجع البقر على أسنانها وليس في النيف شئ ولا على الكسور شئ ولا على العوامل إنما الصدقة على السائمة الراعية
وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه حتى يحول عليه الحول فإذا حال عليه وجب فيه ولان النصب أمور تقديرية ولا مجال للفعل
فيه فلا يثبت إلا بالنص والتوفيق وما ذكره لا نص فيه ولان الأصل عدم شغل الذمة فيعمل به إلى أن يظهر الثاني ولان الاجماع
من الصحابة واقع على انتفاء ما ذكراه فلا اعتداد بمخالفتهما ولان خلافهما فلا يعرض فلا اعتبار به احتج المخالف بأن البقر عدلت الإبل
في الهدي والأضحية فكذا في الزكاة. والجواب: القياس هنا باطل ومع ذلك فهو منصوص عندهم بخمس وثلثين من الغنم فإنها تعدل خمسا
من الإبل في الهدي ولا زكاة فيها. * مسألة: فإذا بلغت ثلثين ففيها تبيع أو تبيعة وهو الذي تم له سنة فدخل في الثانية يسمى
بذلك لأنه تبيع أمه في الرعي وقيل لأنها قرنه يتبع اذنه لتساويهما ويسمى جذعا والأنثى جذعة ثم ليس فيها شئ إلى أن يبلغ أربعين وفيها
حينئذ مسنة وهي التي تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة وهي الثنية ولا يؤخذ في البقر غيرهما فإذا استكمل ثلثا ودخل في الرابعة فهو رباع ورباعية
فإذا دخل في الخامسة فهو سديس وسديسة فإذا دخل في السادسة فهو صالغ بالصاد غير المعجمة والغين المعجمة ولا اسم له بعد ذلك بل يقال صالغ
عام وصالغ عامين وهكذا إذا ثبت هذا فنقول أجمع المسلمون على وجوب التبيع أو التبيعة في الثلثين ووجوب السنة في الأربعين و
487

أجمعوا على أن هذين الشيئين هي المفروضة في زكاة البقر ويدل عليه ما تقدم من الأحاديث ثم كلما زاد زكاته على هذا الحساب. فروع:
[الأول] نصب البقر أربعة الأول: ثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة، والثاني: أربعون وفيه مسنة، والثالث: ستون وفيه تبيعان أو تبيعتان، والرابع: ما زاد
يؤخذ من كل ثلثين تبيع أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة والأوقاص أربعة، الأول: تسع وعشرون، والثاني: تسعة ما بين ثلثين إلى أربعين، والثالث: تسعة عشر ما بين أربعين إلى
ستين، والرابع: تسعة بالغا ما بلغ وقد جرت العادة أن يسمى ما لا يتعلق به الزكاة من البقر وقص بإسكان القاف وقيل بفتحها لأنه جمع على
أوقاص وأفعال جمع فعل لا جمع فعل وهو ضعيف لان أكثر أهل اللغة على التسكين وقد جاء أفعال جمعا لفعل كزند وأزناد وفرخ وأفراخ
وفرد وأفراد وأنف وأناف وكبر واكبار قال الأصمعي الشنق بفتح النون يختص بأوقاص الليل والوقص مشترك بين البقر والغنم وقال غيره لا
فرق بين الشنق والوقص. [الثاني] لا شئ في الزائد على الأربعين إلى أن يبلغ ستين وهو قول علمائنا أجمع وبه قال مالك والشافعي وأبو
يوسف ومحمد واحمد وأبو حنيفة في إحدى الروايات وفي الثانية: أن ما زاد بحسابه في كل بقرة ربع عشر منه وفي الثالثة: لا شئ فيها حتى يبلغ
خمسين فيكون فيها مسنة وربع. لنا: ما رواه الجمهور عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وآله قال له: خذ من كل ثلثين تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين
مسنة وهكذا نص في الاعتبار هذين القدرين ومن طريق الخاصة ما تقدم عن الباقر والصادق عليهما السلام وليس فيها بين الأربعين
إلى الستين شئ ولان هذه الزيادة لا يحصل بها يتمم أحد القدرين فلا يجب بها شئ كما إذا زاد على الثلثين ولم يبلغ الأربعين ولأنها أحدها
ثم الانعام فلا يجب الكسور في فريضتها كغيرها ولا ينتقل من فرض إلى غيره وقص كغيرها احتج أبو حنيفة على الرواية الثانية أن جعل الوقص
تسعة عشر مخالف لغيره من الأوقاص وجعله تسعة يكون إماما للوقص بالقياس فيجب في الزيادة يخصها وعلى الثالثة بأن سائر الأوقاص تسعة
كذلك ها هنا والكل ضعيف فإن أوقاص الإبل مختلفة بل أوقاص البقر نفسها فيبطل القياس. [الثالث] لو اتفق في النصاب الفرضان كمائة
وعشرين يخير المالك بين اخراج أربع تبايع وثلث مسناة والبحث فيه والتفريق عليه كما تقدم في الإبل. [الرابع] لو وجب عليه تبيع
أو تبيعة فأخرج مسنة أجزأه إجماعا لأنه أعلى من الواجب ولو وجب عليه مسنة فأخرج تبعين أو تبيعتين ففي الاجزاء نظر ينشأ
من إجزائه عن الستين ففي الأربعين أولى ومن التخطي عن الواجب عن دليل والأقرب اعتبار القيمة السوقية. [الخامس] الفريضة
المأخوذة في الإبل والبقر إنما هي الإناث خاصة إلا ابن اللبون وليس أصلا بل هو بدل والتبيع في البقر خاصة ولا خلاف وفي الأخرى
التبيعة عن الثلثين للأحاديث ولأنها أفضل بالدور والنسل فلو أعطى مسنا بدل مسنة لم يجزها قولا واحدا لأنه دونها أما لو كان إبله
ذكورا كلها ففي تكليفه الأنثى نظر الأقرب اخراج الذكور لا المعيب. [السادس] لو فقد السن الواجب في البقر لم يكن له الصعود أو النزول
بالجبران الشرعي في الإبل تكلف شراء السن أو يدفع بالقيمة السوقية لان ذلك خلاف الأصل فصير إليه بالنص فلا تعدي خصوصا مع عدم الجامع
الصالح للعلة ومن علل بأن الإبل يجب الغنم فيها ابتداء فجاز أن يدخل في جبرانها بخلاف البقر أخطأ لان تعليله
ينكسر بالدراهم في
الجبران. * مسألة: ولا شئ في المعلوفة ولا العوامل على ما تقدم خلافا لمالك والبحث فيه كما في الإبل. * مسألة: والبقر والجواميس
جنس واحد فيهما الزكاة مع الشرائط ويضم أحدهما إلى الآخر لو نقص عن النصاب وهو قول أهل العلم كافة لأنها نوع من أنواع البقر
كما أن النجاتي نوع من أنواع الإبل ويؤخذ من كل نوع بحصته فإن تطوع المالك بالأعلى فلا بحث وإن ماكس أخذ منه الفريضة بالنسبة
إلى الجيد والردى فإن كانت الجواميس عشرة والبقر عشرين نظر في قيمة الفريضة منها فإذا كانت قيمتها ستة دنانير ومن البقر ثلاثة
كلف جاموسة بأربعة أو بقرة بها وقيل يؤخذ من الجنس الغالب ذكره الشافعي وليس بجيد وكذا لو كانت البقر مختلفة بأن يكون بعضها
عرابا فهي الحر والمتلبس الحسان وبعضها ليس كذلك أما لو كانت جيدة كلها والفريضة ردية فإن كانت معيبة لم يجز وإن كانت صحيحة ففي
الاجزاء نظر وقد سلف البحث فيه. فروع: [الأول] الخيار إلى رب المال لا إلى الساعي نعم لا يجوز لرب المال دفع الأنقص ولا بالقيمة.
[الثاني] لا زكاة في بقر الوحش وهو قول العلماء كافة وقال أحمد يجب وقد سلف البحث فيه. [الثالث] المتولد بين الوحشي والانسي قال أحمد
يجب فيها الزكاة وقال مالك وأبو حنيفة إن كانت الأمهات أهلية وجبت فيه وقال الشافعي لا زكاة فيها والأقرب عندي اعتبار الاسم. لنا: أن
الزكاة وجبت فيما يسمى بقرا وغنما والاطلاق ينصرف إلى المعهود وغيره مجاز فإن صدق اسم الحقيقة على المتولد وجبت الزكاة فيه وإلا فلا احتج
أحمد بأنها متولد بين ما يجب فيه الزكاة مطلقا أو بين ما يجب فيه وما لا يجب فيها كالمتولدة بين السائمة والمعلوفة ولان غنم مكة متولدة
من الظبا والغنم ويجب الزكاة فيها احتج أبو حنيفة بأن ولد البهيمة يتبع أمه واحتج الشافعي بأنها متولدة من وحشي فأشبه المتولدة من وحشين
وكلام أحمد ضعيف لان السوم والعلف معتبر بما يجب فيه لا بأصله بخلاف صورة النزاع فإنه لو علفها المتولدة من السائمة أو سام المتولدة من
المعلوفة أوجبت الزكاة في الثاني دون الأول ولم يعتبر الأصل ولم يقع ما ذكره عن غنم مكة وإلا يحرم ذبحها كالمتولدة من الوحشي و
الانسي على إنا نقول إنما وجبت فيها الزكاة لاطلاق الاسم عليها حقيقة وكلام أبي حنيفة ضعيف لا بالمنع التبيعية إذا كذب الاسم وكذا قول الشافعي
488

ضعيف لوقوع الفرق وبالجملة فالاسم عنها هو المراعى. [الرابع] الزكاة إنما تتعلق بالنصاب لا بالأوقاص وقد سلف البحث فيه.
{البحث الرابع} في زكاة الغنم، والزكاة فيها ثابتة بالنص والاجماع قال الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) وروى الجمهور عن
النبي صلى الله عليه وآله قال في الغنم صدقتها وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: كل صاحب غنم لا يؤدي زكاتها (ولا بقر) يصح إليها يوم القيامة
بقاع قرقر تمسي عليه يطأه بأظلافها وينطحه بقرونها كلما انقضى آخرها وأولها حتى يقضي الله تعالى بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين
ألف سنة ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلا
حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر تطأه كل ذات ظلف بظلفها وتنهشه كل ذات ناب (بنابها) وتواترت الاخبار عن الأئمة عليهم السلام أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وضع الزكاة على تسعة أشياء وعفى عما سوى ذلك ولا نعلم خلافا في وجوب الزكاة فيها. * مسألة: والشرط هنا كما في الإبل
والبقر الملك والنصاب والسوم والحول إلا أن أمر النصاب هنا مخالف له هناك وقد أجمع كل من يحفظ عنه العلم أن أول نصب الغنم أربعون فلا
يجب في سائمة الغنم إلا إذا بلغها ففيها شاة ثم لا يجب فيها شئ حتى يبلغ مائة وإحدى وعشرون ففيها شاتان ثم مائتان وواحدة ففيها ثلث
شياة وهذا كله وفاق إلا ما حكاه الشعبي عن معاذ قال في مأتين وأربعين ثلث شياة وفي ثلث مائة وأربعين أربع شياة وهي شاذة مخالفة
للاجماع مع أن الشعبي لم يلق معاذا فهي إذن ساقط. * مسألة: قال علماؤنا ليس فيها شئ بعد المأتين وواحدة إلى ثلاثمائة وواحدة بلا
خلاف بيننا ثم اختلفوا إذا بلغت ثلاثمائة وواحدة فقال المفيد رحمه الله والسيد المرتضى رضوان الله عليه يجب في كل مائة شاة ثم كلما زادت مئة كان فيها شاة
ففي أربعمائة أربع شياة وفي خمس مئة خمش شياة وهكذا بالغا ما بلغت وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايات وقال
الشيخ رحمه الله ومن تابعه إذا بلغت ثلامائة وواحدة ففيها أربع شياة ثم ليس فيها شئ إلى أن بلغ أربع مئة فإذا بلغها ففي كل مئة شاة بالغا
ما بلغ وقال النخعي والحسن بن صالح بن حي إذا بلغت ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياة إلى أربع مئة وواحدة ففيها خمس إلى خمس مئة ففي كل مئة
شاة وهو رواية عن أحمد والأقرب عندي خيرة المفيد. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله لمالك لكنا الذي للسعاة أن في الغنم السائمة
فإذا زادت ففي كل مئة شاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس سعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس فيما دون الأربعين
من الغنم شئ فإذا كانت أربعين ففيها شاة وإلى عشرين ومأة فإذا زادت واحة ففيها شاتان إلى المأتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلث
من الغنم إلى ثلث مائة فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدقة ولا يفرق بين المجتمع ولا يجمع بين
المتفرق يعد صغيرها وكبيرها وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام إلى مأتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلث شياة
إلى ثلاثمائة فإذا كثرت الغنم أسقط هذا كله وأخرج من كل مائة شاة ولان الأصل براءة الذمة وإيجاب أربع في ثلاثمائة وواحدة شغل لها بالزائد
فيقف على الدلالة احتج الشيخ بما رواه في الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد العجلي والفضيل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا
الشاة في كل أربعين شاة وليس فيما دون الأربعين ثم ليس فيها شئ حتى يبلغ عشرين ومائة فإذا بغلت عشرين ومائة ففيها شاتان وليس
فيها أكثر من شاتين حتى بلغ مأتين فإذا بلغت المأتين ففيها مثل ذلك فإذا زادت على المأتين شاة واحدة ففيها ثلث شياة ثم ليس فيها شئ
أكثر من ذلك حتى يبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلث شياة فإذا زادت واحدة ففيها أربع حتى يبلغ أربعمائة فإن تمت أربعمائة
كان على كل مائة شاة وسقط الامر الأول وليس على ما دون المائة بعد ذلك شئ وليس في النيف شئ وقالا: كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه
فلا شئ عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه ولان الاحتياط يقتضي ذلك فيصار إليه ليحصل يقين البراءة. والجواب عن الأول: أن طريق حديثنا
أصح من طريق حديثهم واعتضد بالأصل متعين العمل به والاحتياط لا يقتضي إيجاب ما ليس بواجب فإن الواجبات لا يثبت احتياطا بالشك و
لهذا من تيقن الطهارة وشك في الناقض لا يجب عليه الطهارة. فروع: [الأول] ظهر أن النصب في الغنم أربعة، الأول: أربعون وفيها شاة،
والثاني: مئة وواحدة وفيها شاتان، والثالث: مائتان وواحدة ففيها ثلث شياة، الرابع: ثلث مائة وواحدة فيؤخذ من كل مائة شاة بالغا ما
بلغ وما يتعلق به الزكاة في الغنم سمي عفوا وهو أربع أيضا، الأول: تسعة وثلاثون، الثاني: ثمانون وهو ما بين أربعين إلى مئة وواحدة وعشرين،
الثالث: تسعة وسبعين وهو ما بين مئة وواحدة وعشرين إلى مائتين وواحدة، الرابع: تسعة وتسعين وهو ما بين مأتين وواحدة إلى
ثلاثمائة وواحدة ثم يستقر العفو على تسعة وتسعين وعلى قول الشيخ النصب خمسة والعفو خمسة قال الشيخ في الجمل العفو الثالث ثمانون
وهو ما بين مئة وواحدة وعشرين إلى مائتين وواحدة وليس بجيد بل هو كما قلنا وقال الشيخ أيضا في المبسوط وفي بعض نسخ الجمل ثمانون إلا
واحدة وهو صحيح فلعل اسقاط الاستثناء من النساخ. [الثاني] ما بين النصب لا يجب الزكاة وقد سلف البحث فيه. [الثالث] الضأن
والمعز سواء يضم أحدهما إلى الآخر كالصنف الواحد لا نعلم فيه خلافا ويؤخذ من كل شئ نفسه ولان تطوع المالك بالأعلى فهو أفضل فإذا
كان عنده عشرون من المعز وعشرون من الضأن فإذا كان قيمة الثنية من المعز عشرون والجذع من الضأن ثلاثة عشرا خذ ثنية قيمتها
489

تسعة عشر أو جذعا قيمة ذلك ولو قيل له اخراج ما يسمى شاة كان حسنا. [الرابع] الظبا لا زكاة فيه بلا خلاف وفي المتولد منها ومن الغنم
خلاف قال الشيخ لا يجب فيه مطلقا وقال أحمد يجب مطلقا وقال أبو حنيفة تتبع الأمهات فالأصح اعتبار الاسم وقد سلف. [الخامس] قيل في مائتين و
واحدة شياة وفي ثلث مئة ثلث شياة ولا يعتبر الفرض إلى أربع مائة وكذا على مذهب الشيخ في ثلث مئة وواحدة أربع شياة وأربعمائة شياة ولا يتعلق الفرض إلى خمسمائة في العادة في ذلك قلنا الفائدة
تظهر مع التلف فإنه لو كان معه مأتان وعشرون مثلا فتلف فيها تسعة عشر وجب عليه ثلث شياة لبقاء النصاب والزكاة عندنا لا يتعلق بالعفو ولو كان معه ثلث مائة وواحدة وتلف منها تسعة عشر مثلا
سقط عنه من الثلث الواجبة بقدر التالف. [السادس] لو ملك أربعين شاة فحال عليها ستة أشهر ثم ملك أربعين أخرى وجب عليه
شاة عند تمام حول الأولى فإذا تم حول الثانية فهل يجب فيها الزكاة أم لا قيل يجب فيها شاة لقوله عليه السلام في أربعين شاة شاة ولأنه نصاب
كامل وجبت الزكاة فيه بنفسه إذا انفرد فيجب مع الانضمام وقيل لا يجب فيها شئ لأنه لا يتم لها نصاب والثمانين لواحد فلا يجب فيها إلا شاة واحدة
كما لو ملكها دفعة وهو أقرب وقوله عليه السلام في كل أربعين شاة شاة يريد به النصاب المبتدأ إذ لو ملك ثمانين دفعة واحدة لم يجب عليه
شاتان إجماعا وقولهم يجب مع الابراز فيجب مع الانضمام مدفوع بأنها يجب لو ملكها دفعة واحدة فكذا بالتفريق. [السابع] أو ملك
أربعين شاة ستة أشهر مثلا ثم ملك تمام النصاب الثاني وزيادة واحدة مثلا وجب عليه عند تمام حول الأول شاة وهل يحصل ابتدا انضمام
نصاب الأول إلى النصاب الثاني عند ملك الثاني أو عند أخذ الزكاة من الأول الأقرب الأول لأنه صدق عليه وقت ابتداء الملك أنه ملك مائة
وإحدى وعشرين فحينئذ إذا مضت سنة من ابتداء ملك الزيادة وجب عليه شاتان فيجب عليه في سنة ونصف ثلث شياة إلا أنه تبعا في إشكال من حيث
أن النصاب الأول أخرج عنه الزكاة منفردا فلا يجوز اعتباره منضما مع الغير في ذلك الحول ولو قيل بسقوط الحكم النصاب الأول عند ابتداء
ملك تمام النصاب الثاني وصيرورة الجميع نصابا واحدا كان حسنا أما لو ملك تمام نصاب الثاني بغير زيادة مثلا ملك أحد وثمانين بعد مضي
ستة أشهر على الأربعين لم يجب عليه عند تمام سنة الزيادة شئ لنقصان النصاب عند استحقاق الفقراء من الأربعين. * مسألة: وليس
التمكن من الأداء شرطا في الوجوب ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال أبو حنيفة وقال مالك التمكن شرط فيه وللشافعي قولان. لنا: قوله
عليه السلام لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول فجعله غاية للوجوب وما بعد الغاية مخالفا لما قبلها ولان المالك لو أتلف المال بعد
الحول لم يسقط فلو لم يجب عليه لسقطت كما لو أتلفها قبل الحول ولأنه لو مضى عليه أحوال ولم يتمكن من الاخراج ثم تمكن أخرج زكاة
ما تقدم من الأحوال ولا يجب فروض في نصاب واحد في ماله واحدة ولان إطلاق النص يقتضي عدم الاشتراط احتج المخالف بأن الزكاة
عبادة مشترطة في وجوبها إمكان أدائها كالصلاة والصوم والحج ولان المال لو تلف قبل إمكان الأداء سقطت عنه فدل على أنها لم
يجب والجواب عن الأول: أنها عبادات كلف فعلها فإذا تعذر لم يجب في إمكان الأداء شرط في استقرارها بصورة النزاع فإن مشاركة الفقراء
في ماله ممكن قبل أدائه فيجب وليس البحث في التسليم بل في استقرار الفريضة في المال وليس التمكن شرطا فيه، وعن الثاني: أنه أمين بالتلف
لا يقتضي عدم الوجوب لأنه كالمدفوع. فروع: [الأول] إمكان الأداء شرط في الضمان وهو فتوى علمائنا وعن أحمد روايتان. لنا:
أن الزكاة تجب في العين فإذا تلف الواجب قبل إمكان أدائه لم يجب على المالك العوض لأنه كالأمانة نعم لو فرط أو أتلف ضمن بلا خلاف.
[الثاني] لو تلف النصاب كله قبل التمكن من الأداء من غير تفريط لم يضمنه المالك ولو تلف بعضه فسقط من
الواجب بقدر نسبته من التالف
[الثالث] يجوز للمالك أن ينوى الاخراج بنفسه وأن يدفعها من الامام أو نائبه على ما يأتي فإن كان الأداء (وجود) الامام أو نائبه أو
أهل السهمين سواء كان المال ظاهرا أو باطنا وبه قال الشافعي في الحديد وقال في القديم يجوز له أن يفرق الأموال الباطنة كالذهب والفضة
بخلاف الظاهرة وبه قال أبو حنيفة ومالك فإمكان الأداء في الظاهرة على القديم وجود الامام أو نائبه وسيأتي البحث في ذلك. [الرابع]
لو تمكن من الدفع إلى الامام أو النائب ولم يدفع فتلف ضمن سواء طالبه الامام أو النائب أم لا وبه قال الشافعي وقال أكثر الحنفية لا يضمن
إلا بعد المطالبة من الامام أو الساعي. لنا: أنها زكاة واجبة يمكن من أدائها فيضمن مع التلف كما لو طولب احتج المخالف بأنه أمين فلا يضمن
قبل المطالبة كالوديعة والجواب: الفرق فإن الوديعة لا يجب دفعها قبل المطالبة بخلاف صورة النزاع. [الخامس] لو فات المالك بعد
إمكان الامام لم يسقط الزكاة وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يسقط. لنا: أنه حق وجب في المال للفقراء فلا يورث ولا يسقط بالموت
كالوديعة والديون احتج المخالف بأنها عبادة من شرطها النية فسقط بالموت كالصلاة والجواب النية معتبرة في الاخراج لا في الوجوب
فلا يسقط لو فات المخرج على أنا نمنع سقوط الصلاة مع الوصية ولو قيل بإمكان الأداء بعد الحول فكذلك لا يسقط الزكاة لان إمكان الأداء
ليس شرطا عندنا في الوجوب. [السادس] لو دفع المالك الزكاة على الساعي فتلفت في يده من غير تفريط أجزأت عن المالك لأنه فعل المأمور
به من القبض للوكيل ويد الوكيل يد الموكل في سائر الأموال. * مسألة: أول ما يلدها الشاة يقال لولدها سخلة للذكر والأنثى في الضأن
والمعز ثم يقال بهمة كذلك فإذا بلغت أربعة أشهر فهي من المعز جفر بالجيم المفتوحة والفاء الساكنة والراء غير المعجمة والأنثى جفرة والجمع
جفار فإذا جاءت أربعة أشهر فهي عنود وجمعا عناد وعريض جمعها عراض ومن حين يولد إلى هذه الغاية يقال لها عتاق للأنثى وجدي للذكر
490

فإذا استكملت سنة في الأنثى غز والذكر تيس فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة والذكر جذع فإذا دخلت في الثالثة فهي الثنية والذكر ثنى فإذا
دخلت في الرابعة فرباع ورباعية فإذا دخلت في الخامسة فهي سديس وسدس فإذا دخلت في السادسة وهي صالغ ثم لا اسم له بعد ذلك
بل يقال صالغ عام وصالغ عامين وعلى هذا أبدأ وأما الضأن فالسخلة والبهمة كما في المعز ثم هو حمل للذكر والأنثى دخل في سبعة أشهر
فإذا بلغت سبعة أشهر فهو جذع إن كان بين شاتين وإن كان بين هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل ثمانية سحم هو جذع إلى سنة فإذا
دخل في الثانية فهو الثني والثنية ثم يلتحق بالمعز في الاسم على ما قلناه وأخذ في الزكاة الجذع من الضأن لأنه إذا بلغ سبعة أشهر كان له يرد
ضراب والثني من المعز لأنه لاسرو؟؟ إلا في السنة الثانية ولهذا أقيم الجذع من الضأن مقام الثني من المعز في الأضحية ذكر ذلك كله الشيخ رحمه الله.
* مسألة: ولا تجب الزكاة في السخال حتى يحول عليها الحول وليس حول أمهاتها حولها وعليه فتوى علمائنا أجمع وبه قال الحسن البصري
وإبراهيم النخعي وقال أكثر الجمهور أن السخال يضم إلى الأمهات في حولها بثلث شرائط الأول يكون متولدا منها، الثاني: أن يكون الأمهات نصابا
الثالث: أن يؤخذ معها في بعض الحول فلو كانت متولدة من غيرها أو كان النصاب ناقصا فكملت بها أو وجدت بعد حولان الحول لا يضم إلى
الأمهات إجماعا إلا أبا حنيفة فإنه اشترط الأول. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ليس في صغار الإبل والبقر والغنم شئ إلا ما حال عليه الحول وفي الصحيح عن زرارة
ومحمد بن سليم وأبي بصير وبريد العجلي والفضيل بن يسار عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: ليس على العوامل من الإبل والبقر شئ إنما
الصدقات على السائمة الراعية وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه فيه وإن حال عليه الحول
وجب عليه وعن زرارة عنهما عليهما السلام قالا: وما من هذه
الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم فليس فيها شئ حتى يحول عليها الحول ولأنها أحد الانعام فلا يجب فيها الزكاة إلا بعد الحول كالأمهات
ولان مبنى الزكاة على التخفيف والمساواة وذلك ينافي وجوب الزكاة فيها من دون الحول احتج المخالف بما روته عن علي عليه السلام أنه قال السائمة
اعتد به عليهم بالصغار والكبار وعن أبي بكر والله لو منعوني عناقا كانوا أو دونها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لقايلهم عليها وهو يدل
على أنهم كانوا يودون العناق ولأنه لما تابع الأصل في الملك فيتبعه في الحول كأموال التجارة والجواب عن الأول: أن المراد بالصغار إذا حال
عليه الحول جمعا بين الأدلة وعن الثاني: أن الحديث روى لو منعوني عقالا ومع اختلاف الرواية فلا حجة على أن المراد بذلك المبالغة في أخذ
الواجب ويؤيده ما نقلناه، وعن الثالث: بالمنع من الحكم في الأصل. فروع: [الأول] لو كان معه دون النصاب فيجب الحول حتى يحمل النصاب
استأنف الحول عند كمال النصاب وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال مالك يعتبر الحول من حين ملك الأصول وعن أحمد
روايتان. لنا: أنه ماله لم يحل عليه الحول فلا يجب الزكاة فيه كما لو تمت بغير سخالها احتج مالك بالقياس على أرباح التجارات والجواب
المنع من الأصل. [الثاني] لو ملك نصابا من الصغار انعقد عليه الحول من حين الملك وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجب في العجاجيل
ولا الفصلان ولا صغار الغنم حتى يكون معها كبار وعن أحمد روايتان. لنا: أنها تعد مع غيرها فتعد منفردة كالأمهات ويؤيده قول الصادق
عليه السلام وما كان من هذه الأصناف الثلاثة ليس فيه شئ حتى يحول عليه الحول منذ ينتج احتج المخالف بقوله عليه السلام ليس في السخال زكاة وقال لا يأخذ
من راضع لبن ولبن السن معنى يتغير الفرض وكان لنقصان ما ليس في الزكاة كالورد وكلام أبي حنيفة لا يخلو من قوة لأنا قد بينا أن السوم شرط
ويؤيده ما رواه ابن بابويه عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن السخل متى يجب فيه الصدقة وقال إذا جذع. [الثالث]
إذا قلنا أن الزكاة يجب في السخال المفردة مع الحول أخذ منها وبه قال الشافعي وقال مالك لا يجزيه إلا الكبيرة وعن أحمد روايتان. لنا: أن الزكاة
تجب في العين ومبناها على التسهيل فلا (تكليف) الزائد احتج مالك بقول النبي صلى الله عليه وآله إنما حقا في الجذعة والثنية والجواب أنه محمول
على من عنده كبار. [الرابع] لو كان معه سبعون شاة فحال عليها الحول فولدت شاة منها ثم حال عليها الحول الثاني ثم ولد شاة ثانية ثم
حال عليه ثالث وجب عليه ثلاث شياة لان النقصان باستحقاق الشاة في كل حول (؟ * * * * *) [الخامس] إذا حال على أربعين الحول وقد نتجت
قبل الحول أربعين وبلغت الأمهات قبل إمكان الأداء سقطت الزكاة فيها ولا تجب الزكاة في السخال وانقطع حول الأمهات واستؤنف
حول السخال [السادس] لو كان عنده أربعون شاة فمات واحدة قبل الحول بعد أن نتجت واحدة استأنف الحول منه وقت الولادة لان
الحول لم يجب على نصاب والحال عندنا لا تعد من الأمهات فإن ماتت بعد الحول وإمكان الأداء وجبت الشاة وإلا سقط منها بقدر التالف
{البحث الخامس} في زكاة الذهب والفضة، وهي واجبة بالنص والاجماع قال الله تعالى: (والذين يكنزون الذهب و
الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) وقال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) وروى الجمهور عن أبي هريرة قال قال رسول الله
491

صلى الله عليه وآله ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فاحمه عليها في نار جهنم جنبه وجنبيه و
ظهره وصلبه كلما بردت اعترت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن حريز
عن الصادق عليه السلام قال ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر وسلط عليه شجاعا أقرع يريده وهو (يحيد)
عنه فإذا رأى أنه لا يتخلص منه أمكنه من يده (فقصمها) كما يقصم (الفجل) ثم يصير طوقا في عنقه وذلك قول الله عز وجل: (سيطوقون ما بخلوا به يوم
القيامة) وقد أجمع المسلمون على وجوب الزكاة في الذهب والفضة. * مسألة: والشرط وجوب الزكاة فيهما أربعة الملك والنصاب والحول بلا
خلاف وكونهما مضروبين منقوشين بسكة المعاملة أو ما كان يتعامل بها دراهم أو دنانير فإن النقار والسبايك لا يجب فيها الزكاة لأنها
ليست تمام في نفسها ولا متخذة له فجرت مجرى الأمتعة ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السلام قال قلت له انه
يجتمع عندي الشئ الكثير قيمة نحوا من سنة (أنزكيه) فقال لا كل ما لم يحل عندك عليه الحول فليس عليك فيه زكاة وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه
شئ قال قلت وما الركاز قال الصامت المنقوش ثم قال إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة من زكاة وعن جميل بن
دراج عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن عليهما السلام قال: ليس على التبر زكاة إنما هي على الدنانير والدراهم. * مسألة: أكثر علمائنا على أن أول
نصب الذهب عشرون دينارا فلا يجب فيما دون ذلك شئ وبه قال عطا وطاوس وزهري وسليمان بن حرب وقال الفقهاء الأربعة وأكثر
الجمهور بما قلناه أولا. لنا: ما رواه الجمهور عن عاصم بن ثمرة عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس عليك في الدنانير
شئ حتى يكون لك عشرون دينارا ففيها نصف دينار وما زاد فبحساب ذلك وعن علي عليه السلام: لا شئ في الدنانير حتى تبلغ عشرون مثقالا
فإذا بلغها ففيها نصف دينار وعن سعيد عن علي عليه السلام على كل أربعين دينارا دينار وفي كل عشرين دينارا نصف دينار ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار وليس فيما دون العشرين شئ وعن علي بن
عقبة وعدة من أصحابنا عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام قالا: ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شئ فإذا كملت عشرين مثقالا
ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين فإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين وعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة
وعن يحيى بن أبي العلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في عشرين دينارا نصف دينار ولان المقتضي للعمومات وجوب الاخذ من كل قليل وكثير ترك العمل
به في المجمع عليه فيبقى الباقي على العموم ولأنه أحوط وكان أولى ولان مأتي درهم بقدر عشرين مثقالا أو أقل غالبا فلما وجب في تلك وجب في
هذه احتج ابن بابويه بما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم وأبي بصير وبريد والفضيل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: في الذهب في كل أربعين
مثقالا مثقال وفي الدراهم في كل مأتي درهم خمسة دراهم وليس في أقل من أربعين مثقالا شئ ولا في أقل من مأتي درهم شئ وليس
في النيف شئ حتى يتم أربعين فيكون فيه واحد ولان الأصل براءة الذمة واحتج عطا وأصحابه بأن الأموال الزكوية لم (ينل) في شئ منها
بالكسر فبقي أن يكون الذهب كذلك فلا يجب إلا دينار والجواب عن الأول: أن في طريقه ابن فضال وهو ضعيف وإبراهيم بن هاشم لم ينص أصحابنا
على تعديله صريحا قال الشيخ يحتمل أن يكون المراد بقوله وليس فيما دون الأربعين شئ ففي الدينار لان الشئ محتمل للدينار والزائد
والناقص مما يحتاج إلى بيان وقد بينا أن في عشرين نعاس دينار فيحتمل النفي على ما ذكرنا ولا ريب في بعد هذا التأويل وعن الثاني
أن البراءة منفية مع ورود العمومات كقوله تعالى: (خذ من أموالهم) ومن قوله عليه السلام هاتوا ربع عشر أموالكم وعن الثالث: أنه لا اعتبار
بذلك خصوصا مع النصوص. فروع: [الأول] إذا بلغ الذهب عشرين مثقالا وجب فيه نصف دينار فقد تقدم دليله. [الثاني]
إذا بلغ الذهب عشرين وجبت الزكاة ولا اعتبار بتقديره بالفضة وهو قول أهل العلم إلا ما حكي عن طاوس ومجاهد وعطا أنهم قالوا
هو معتبر بالفضة فما كان قيمته مأتي درهم ففيه الزكاة وإلا فلا. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة أن رسول
الله صلى الله عليه وآله كان يأخذ
من عشرين دينارا فصاعدا نصف دينار ومن أربعين دينارا دينار وعن عمر بن سعيد عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال ليس
في أقل من عشرين مثقالا من الذهب ولا في أقل من مأتي درهم صدقة ومن طريق الخاصة ما تقدم من حديث زرارة عن الباقر عليه السلام
وغيره من الأحاديث ولان (أفعال) لأموال الزكوية يجب في عينه فلا بقية بغيره كغيره منها احتج المخالف بأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه
وآله تقدير في نصابه فيحمل على الفضة والجواب: يبطل ذلك بما ذكرنا من الأحاديث لا يقال قد روى الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الذهب كم عليه من الزكاة فقال إذا بلغ قيمته مأتي درهم فعليه الزكاة لأنا نقول لا منافاة بين هذا الحديث وما ذكرناه
أولا لان الدينار في ذلك الزمان قد كانت قيمته عشرة دراهم ولهذا (أخبر) في الرباب وغيرها بين الدينار وعشرة الدراهم فهو عليه السلام أخبر
عن ذلك الوقت لان المأتين أصل والذهب فرع عليه. [الثالث] لو نقص النصاب عن العشرين لم تجب الزكاة سواء كان النقص يسيرا أو كثيرا
وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو حنيفة وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايات وقال مالك تجب الزكاة وإن نقص شيئا يسيرا كالحبة والحبتين لنا: قوله
492

عليه السلام ليس عليك في الذهب شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا احتج مالك بأنها تؤخذ أخذ الوازنة فأشبهت الوازنة وهو ضعيف لأنها إذا
أخذت أخذ الوازنة لا يدل على وجوب الزكاة كما أن أربعة أوسق من الزنى خير من خمسة من أرداء الدمل ولا يجب هناك ويجب هنا.
[الرابع] لو اختلف الموازين فنقص النصاب في بعضها دون بعض بما جرت العادة به وجبت الزكاة أما لو تساوت الموازين في النقيصة لم
يجب لما تقدم. * مسألة: ولا زكاة في الفضة حتى يبلغ مأتي دراهم وقد أجمع المسلمون على ذلك روى الجمهور عن أبي سعيد الخدري أن النبي
صلى الله عليه وآله قال ليس فيما دون خمسة أواقي من الأوق صدقة والأوقية بالحجاز أربعون درهما وعن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله
عليه وآله هاتوا ربع العشور من كل أربعة درهما درهما وليس عليك شئ حتى يبلغ مأتي درهم فإذا بلغها ففيها خمسة وما زاد فبحسابه ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: ليس في الفضة زكاة حتى تبلغ مأتي درهم فإذا بلغت مأتي درهم ففيها خمسة
دراهم فإذا زادت فبحساب ذلك في كل أربعين درهم وليس في الكسور شئ وفي الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام وفي الفضة إذا
بلغت مأتي درهم خمسة دراهم وليس فيما دون المأتين شئ فإذا زادت تسعة وثلثين فليس فيها شئ حتى تبلغ الأربعين وليس في شئ
من الكسور شئ حتى تبلغ الأربعين. فروع: [الأول] الدراهم في بدو الاسلام كانت على صنفين نعلية وهي السود وطبرية وكانت
السود كل درهم منها ثمانية دوانيق والطبرية أربع دوانيق فجمعا في الاسلام وجعلا درهمين متساويين ووزن كل درهم ستة دوانيق فصار
وزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الذهب وكل درهم نصف مثقال أو خمسة وهو الدرهم الذي قدر به النبي صلى الله عليه وآله
المقادير الشرعية في نصاب الزكاة والقطع مقدار والذباب والحي وغير ذلك. [الثاني] الاعتبار في بلوغ النصاب بالميزان لا بالعدد وهو قول
العلماء وحكي عن أهل الظاهر اعتبار العدد وهو خطأ لمخالفة الاجماع ولما رواه أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال ليس فيما دون
خمسة أواقي من الأوق صدقة والأوقية أربعون درهما لما روت عائشة قالت كان صداق زواج النبي صلى الله عليه وآله اثني عشر أوقية ونشا أتدرون
ما النش هو نصف أوقية عشرون درهما. [الثالث] لو نقص النصاب عن المأتين شئ سقطت الزكاة قليلا كان النقصان أو كثيرا وبه قال
الشافعي وأبو حنيفة وقال مالك إذا نقصت نقصانا يسيرا يؤخذ كما تؤخذ الوازنة وجبت الزكاة وعن أحمد روايتان لنا ما تقدم. * مسألة:
وليس فيما زاد على العشرين من الذهب شئ حتى يبلغ أربعة دنانير ففيها قيراطان وهكذا كلما زاد أربعة كان فيها قيراطان بالغا ما بلغ وكذا ليس فيما
زاد على المأتين في الفضة شئ حتى يبلغ أربعين ففيها درهم وأحمد وهكذا كلما زاد أربعين كان فيها درهم بالغا ما بلغ ذهب إليه علماؤنا
أجمع وبه قال أبو حنيفة وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطا وطاوس والحسن والشعبي ومكحول والزهري وعمرو بن دينار وقال عمر بن عبد العزيز و
النخعي ومالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور كلما زاد على عشرين دينارا وجبت فيه الزكاة قل أو كثر يجب
فيه ربع العشر وكذا يجب ربع العشر في كل ما زاد على مأتي درهم. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال في كل أربعين درهما أو أربعة دنانير
في مقدار أربعين درهما والدرهم في مقدار قيراطين فيدخل تحت هذا النص ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا زاد على المأتي درهم أربعون درهما ففيها درهم وليس فيما دون الأربعين شئ فقلت فما في تسعة وثلثين درهما قال ليس على
التسعة والثلثين درهما شئ وعن زرارة وبكير بن أعين أنهما سمعا أبا جعفر عليه السلام يقول وليس في مأتي درهم وأربعين درهما غير درهم إلا
خمسة دراهم فإذا بلغت أربعين ومأتي درهم ففيها ستة دراهم فإذا بلغت ثمانين ومأتي درهم ففيها سبعة دراهم وما زاد فعلى هذا الحساب وكذلك
الذهب وعن علي بن عقبة وعدة من أصحابنا عنهما عليهما السلام قالا: ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شئ فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف
مثقال إلى أربعة وعشرين فإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين ففي هذا الحساب كلما زادت أربعة لأنه أخذ الأموال
الزكوية ومتخذة للنماء ليس نماء في نفسه وله عفو في الابتداء فكان له عفو بعد النصاب كالماشية احتج المخالف بما روى الحرث عن علي عليه السلام أنه قال
هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهما وليس عليك شئ حتى يتم مأتين فإذا كانت ثلثين درهما ففيه خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك ولأنه
عليه السلام وابن عمر ذهبا إليه ولم يخالفهما أحد من الصحابة فكأنها إجماع ولأنه قال (يتحرى) فلم يكن له عفو بعد النصاب كالحبوب والجواب عن الأول: إنا نقول
بموجبه فإن المراد وما زاد من الأنصاب فبالحساب ويؤيد تقديم قوله عليه السلام من كل أربعين درهما درهما وما نقلناه من طريق الخاصة وعن الثاني بالمنع
من ذلك فإن أهل البيت عليهم السلام نقل عن علي عليه السلام ما ذهبنا إليه وهم أعرف بمذهبه، وعن الثالث: أن التجربة والتنقيص لا مدخل لهما في التعليل
فيبقى القياس خاليا عن الجامع بخلاف ما ذكرناه نحن فإن الجامع فيه صالح للعلية. فروع: [الأول] ظهر مما ذكرناه أن لكل واحد من الذهب
والفضة نصابين وعفوين فأولهما في الذهب عشرون دينارا فلا يجب فيما قل وثانيهما فيه أربعة وأولهما في الفضة مأتا درهم فلا يجب فيما نقص
عنهما، وثانيهما أربعون درهما والعفو الأول في الذهب ما نقص عن عشرين والثاني: ما نقص عن أربعة وفي الفضة ما نقص عن المأتين وما
نقص عن الأربعين. [الثاني] المال الذي تجب الزكاة في عينه كالذهب والفضة والانعام إذا نقص في أثناء الحول انقطع فإذا تم استونف
493

به الحول وبه قال مالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة إذا نقص في أثناء الحول وكمل في طرفيه وجبت فيه الزكاة بشرط بقاء شئ منه جميع الحول فمتى زال ملكه
عن جميع النصاب انقطع الحول. لنا: قوله عليه السلام لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد الحلبي قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يفيد المال قال لا يزكيه حتى يحول عليه الحول وفي الحسن عن الباقر عليه السلام فإن كانت مئة وخمسين فأصاب خمسين
بعد أن يمضي شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المأتين الحول ولان الناقص لم يحل عليه الحول فبطل الحول كما لو زال ملكه عن الجميع احتج بأن النصاب
وجد في طرفي الجواز مع وجود شئ منه في جميعه فوجبت الزكاة كمال التجارة والجواب: بالمنع من ثبوت الحكم في الأصل على ما يأتي. [الثالث]
ليس في العفو شئ كما قلنا في الانعام فلو ملك أحدا وعشرين وجبت الزكاة في العشرين لا في العفو وتظهر الفائدة مع التلف بمعنى أنه لو تلف الزائد
لم يسقط من الواجب شئ وقد مضى الخلاف فيه. [الرابع] لو ملك دينارا أو مر عليها نصف الحول فملك أربعة أخرى أكملنا حول النصاب
الأول وأخرجنا منه نصف دينار ثم استونف فيه حول العشرين لحصول الجبران مع الأربعة وسقط اعتبار النصاب الثاني أما لو ملك في نصف الحول
خمسة دنانير مثلا أخذنا الواجب من العشرين عند إكمال حولها وابتدئ بحول الزائد من حين الملك وأخذ منه الواجب. * مسألة: لا يجب في الذهب (المغشوش)
أو الدراهم المغشوشة زكاة إلا أن يبلغ ما فيها النصاب وبه قال مالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة يعتبر الأغلب فإن كان الفضة وجبت
الزكاة وإن غلبه الغش كان كالفروض بعينه بالقيمة. لنا: قوله عليه السلام ليس فيما دون خمسة أواقي من الورقة صدقة وما تقدم من الأحاديث
الدالة على سقوط الزكاة في الفضة حتى يبلغ مأتي درهم. فروع: [الأول] يحرم انفاق الدراهم المغشوشة إلا بعد إبانة حالها ولو كانت
عليه دين دراهم جيدة فدفع المغشوشة لم تبرء ذمته إجماعا. [الثاني] إذا بلغ صافي المغشوشة نصابا وجبت الزكاة فإن أخرج عنها جيدا
بمقدار المغشوشة فقد أدى الواجب وزيادة وفعل الأفضل وإن أخرج من العين فإن كان الغش لا يختلف أجزاه لأنه يكون مخرجا ربع العشر فإن
اختلف فإن أخرج الأجود فقد فعل الواجب وزيادة فإن لم يخرج الأجود فإن علم مقدار الغش كما لو كان معه ثلاثون دينارا مغشوشة ثلثها غش
فإن أخرج من الجيد عشر عشرين نصف مثقال أجزأه لأنه القدر الواجب في العشرين والغش لا زكاة فيه إلا أن يكون مما يجب فيه الزكاة ويبلغ
نصابا وإن لم يخرج من الجيد واخرج من الغير ما يحصل به الاستظهار في البراءة أجزأه أيضا وإن لم يعلم معه والغش استظهر في الاخراج
أما من غير العين أو منها ما يحصل اليقين بالبراءة وإن لم يفعل الاحتياط قال الشيخ يؤمر بسبكها وبه قال الشافعي لاشتغال الذمة بيقين ولا يحصل
بيقين البراءة إلا بالسبك فيجب وفيه إشكال من حيث أنه إضرار بالمالك فلو قيل يخرج ما يتعين لاشتغال الذمة بيقين ولا يحصل يقين البراءة
إلا بالسبك فيجب فيه إشكال من حيث أنه إضرار بالمالك فلو قيل يخرج ما تيقن شغل الذمة به أما من العين أو من الخالص وترك المشكوك فيه لعدم
العلم باشتغال الذمة به كان وجها. [الثالث] لو كان المغشوش نصابا لا غير لم يجب فيه الزكاة خلافا لأبي حنيفة لنقصان الصافي عن النصاب.
[الرابع] لو لم يعلم أن الخالص من المغشوش بلغ نصابا استحب له أن يخرج احتياطا واستظهارا للبراءة وإن لم يفعل لم يؤمر بالسبك ولا الاخراج
لان بلوغ النصاب شرط ولم يعلم حصوله. [الخامس] لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس وبلغ كل واحد من الغش والمغشوش نصابا
أوكل به ما معه من غير المغشوش نصابا وجب لزكاة منها أو في البالغ. [السادس] لو كان معه نصاب خال من الغش فأخرج منه مغشوشا فإن كان أزيد من الخالص بحيث يبلغ
في القيمة مبلغه أجراه وإلا فلا خلافا لأبي حنيفة. [السابع] لا اعتبار باختلاف الرغبة في السكة مع تساوي الجوهرين في العيار فإذا كان
معه دراهم جيدة الثمن مثل الرضوية والراضية ودراهم دونها في القيمة ومثلها في العيار ضم بعضها إلى بعض وأخرج منها الزكاة ويجب باخراج
الأعلى أو من وسطها وإن افتقر على الاخراج من الأدون أجزأه ولو أخرج من الأعلى بقدر قيمته الأدون مثلا يخرج ثلاث دينار جيد قيمة
النصف دينار أدون لم يجزئه لان النص يتناول نصف دينار ويكون لها وقال بعض الجمهور لا ربا هنا لان الزكاة حق الله ولا ربا بين العبد و
سيده ولان المساواة في المقدر معتبر في المعاوضات والفضة في الزكاة والمساواة وشكر نعمة الله تعالى. [الثامن] قال الشيخ رحمه الله الزكاة تجب
في المكسور من الدراهم والدنانير بعد ضربها ونقشها وهو جيد لاطلاق اسم الدراهم والدنانير عليها وليست حليا ولا سبائك. * مسألة:
الحلي لا زكاة فيه وإن تضاعفت قيمته محللا كان كالخلخال والسواد والخاتم والقرطة والدملج للمرأة والمنطقة والسيف وخاتم الفضة
للرجل أو محرما كحلي الرجل للمرأة وحلي المرأة للرجل وبه قال الحسن بن عبد الله بن عتبة وقتادة قال أحمد
بن حنبل خمسة من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وآله يقولون ليس في الحلي زكاة وقال أبو حنيفة يجب الزكاة في المحلل والمحرم وقال الشافعي يجب الزكاة في المحرم وله في المحلل
قولان وقال مالك ترك فأما واحدا وعن أحمد روايتان كأبي حنيفة والشافعي لنا: ما رواه الجمهور عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال
ليس في الحلي زكاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الحلي فيه زكاة فقال لا وفي الحسن
عن رفاعة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام وسأله بعضهم على الحلي فيه زكاة فقال: لا وإن بلغ مئة ألف وعن أبي الحسن قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الحلي عليه زكاة قال: أنه ليس فيه زكاة وإن بلغ مئة ألف درهم كان أبي يخالف الناس في هذا وما تقدم من قولهم عليهم السلام إنما هي على الدراهم والدنانير
494

فلانه متخذ للاشتغال فلا يجب فيه الزكاة كالعوامل ولأنه ليس بنماء ولا متخذ له فكان كثياب الغنية احتج أبو حنيفة بعموم قوله عليه السلام في الرقة ربع العشر
وقوله ليس فيما دون خمس أواق صدقة مهومة ثبوتها في الخمس وما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أتت امرأة من أهل اليمن رسول الله صلى الله
عليه وآله ومعها ابنة لها في يديها مسكتان من ذهب فقال هل تعطى زكاة هذا فقالت لا فقال أيسرك أن يسور الله بسوارين من نار فخلعها وألقاها
إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت هما لله ولرسوله ولأنه من جنس بلا ثمان فأشبه التبر والسبائك، والجواب عن الأول: أن الرقة هي الدراهم
قال أبو عتبة لا نعلم هذا الاسم في الكلام المنقول عند العرب إلا على الدراهم المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس وكذلك الأواقي ليس
معناها إلا الدراهم كل أوقية أربعون درهما وعن الثاني بالطعن في سنده قال أبو عبيدة حديث المسكين لا نعلم إلا من وجه قد تجمل الناس فيه
قديما وحديثا قال الزهري ليس بصحيح في هذا الباب شئ ويحتمل أن يكون المراد بالزكاة هنا العارية قال أحمد ذهب خمسة من الصحابة إلى أن
زكاة الحلي إعارته وقد روى ذلك في أحاديثنا ويحتمل أن يكون عملا من ذهب وجبت فيه الزكاة ولم يؤد عنه وعن القياس بالمنع من ثبوت
الحكم في الأصل وقد تقدم. فروع: [الأول] إن زكاة الحلي إعارته رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي
عبد الله عليه السلام قال زكاة الحلي أن تعار وليس المراد بذلك وجوب العارية لأنها مستحبة. [الثاني] لا فرق بين كثير الحلي وقليله في الإباحة
والزكاة وقال بعض الجمهور إذا بلغ ألف مثقال حرم وفيه الزكاة وهو خطأ لعموم قوله عليه السلام ليس في الحلي زكاة وقول الصادق عليه السلام ليس فيه زكاة
وإن بلغ مائة ألف ولان الشارع أباح الحلي مطلقا والتقييد مناف احتج المخالف بما رواه عمرو بن دينار قال سألت جابر عن الحلي هل فيه زكاة قال
لا فقيل له ألف دينار فقال إن ذلك كثير، والجواب: أن ذلك لا يدل على التحريم ولا على وجوب الزكاة أقصى ما في الباب أنه يدل على استكثار هذا المقدار أما
على التحريم فلا ويعارضه ما رواه ابن الزبير قال سألت جابر بن عبد الله عن الحلي فيه زكاة قال: لا قلت إن الحلي يكون فيه ألف دينار قال: وإن كان فيه يعد
ويلبس ومع ذلك فقول الصحاف ليس بحجة مع عدم المعارض فكيف مع وجوده. [الثالث] لا فرق بين أن يتخذ الحلي للاستعمال أو للإعارة أو للإجارة
أو غيرها من وجوه الاكتساب في سقوط الزكاة وللشافعي في المتخذ للإجارة قولان أحدهما يجب فيه الزكاة وبه قال أحمد بن حنبل والثاني لا زكاة
فيه وبه قال مالك. لنا: العمومات الدالة على السقوط في الحلي احتج المخالف بأنه من صيد النماء فيجب فيه كمال التجارة والجواب: المنع من حكم الأصل على
ما يأتي والفرق أن النماء يسير هنا لا يتعلق به وجوب الزكاة فكان كالمواشي المعدة للكري. [الرابع] لا فرق بين أن يكون الحلي متخذا للذخيرة
أو للاستعمال في سقوط الزكاة وقال الشافعي يجب فيما يعد للذخيرة. لنا: أن العمومات احتج بأنه غير معد للاستعمال مباح فأشبه المحرم. والجواب: المنع
في الأصل على ما مضى وبالفرق بعدم التحريم هنا بخلاف المقيس عليه. [الخامس] ما يجري على السقوف والحيطان من الذهب حرام سوى الكعبة
والمساجد وغيرها في ذلك واختاره الشيخ في بعض كتبه ورجح في الخلاف الإباحة وبالأول قال ابن إدريس من أصحابنا وعلى القول لا زكاة فيه
سواء بلغ النصاب أو لا وقال الشافعي وأكثر الفقهاء لو جمع وسبك وبلغ نصابا وجبت الزكاة. لنا: ما تقدم من اشتراط النقش والضرب
ومع عدم الشرط يسقط الوجوب. [السادس] حلية السيف واللجام بالذهب حرام قال الشيخ وابن إدريس وبه قال الشافعي وعن أحمد روايتان.
لنا: ما رواه علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه خرج يوما وفى يده قطعة حرير وقطعة ذهب فقال هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها
ولأنه من الخيلاء والسيوف فسقط عنه الزكاة لأنا قد يبدأ التساوي في المحرم والمحلل في السقوط ولأنه غير متخذ للنماء فأشبه الأمتعة. [السابع] قال الشيخ في الخلاف لا نظر لأصحابنا في تذهيب
المحاريب وتعصيفها وتحلية المصاحف وربط الأسنان بالذهب والأصل الإباحة واختلف أصحاب الشافعي في ذلك في المباح لا يجب فيه الزكاة ويجب في المحرم عندهم وعندنا لا زكاة في الجميع. [الثامن] لا بأس بما يجري من الفضة على الحيطان وإن كان مكروها
كون تحلية السيف بها واتخاذ الخواتيم منها وتحلية المنطقة والسيف واللجام وتردد بينهما الشيخ ولا زكاة في ذلك كله قال الشيخ لا يجب أن يحلى المصحف بعضه لأنه حرام وعندي فيه إشكال. [التاسع]
يحرم اتخاذ الأواني من الذهب والفضة وقد سلف البحث فيه ولا زكاة فيها لعدم الشرط وأوجب الجمهور الزكاة أما تصيب الأواني بالفضة
فمكروه للحاجة وغير الحاجة قال الشيخ رحمه الله. [العاشر] الحلي الموروث ولا زكاة فيه وكذا المشترى سواء يحلى به أو لا يحلى به أهله وأعاره
أو لا أعده للادخار أو لا لما تقدم خلافا للشافعي. * مسألة: ولو قصد الفرار بالسبك أو يجعل الدراهم الدنانير والدنانير حليا أو
أواني فإن كان بعد الحول وجبت الزكاة إجماعا لثبوت المقتضي فلا أثر للسبك بعد تحقق الوجوب ولو كان قبل الحول لم يجب الزكاة عند
الحول وبه قال الشيخ رحمه الله في النهاية والتهذيب والاستبصار والسيد المرتضى رحمه الله في المسائل الطبرية والمفيد وابن البراج وابن إدريس وبه قال الشافعي
وأبو حنيفة وقال الشيخ في الجمل والسيد المرتضى في جمل العلم والعمل يجب فيه الزكاة وبه قال مالك وأحمد.
لنا: قوله عليه السلام ليس فيما دون خمسة أواق
من الورق صدقة وهو إنما يتناول المغشوشة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السلام قال وكل
ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شئ ء قال قلت وما الركاز قال الصامت المغشوش ثم قال إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب و
نقار الفضة شئ من الزكاة فإرشاده عليه السلام إلى سقوط الزكاة بالسبك نص في الباب وما رواه في الحسن عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال قلت له ان أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة وأنه جعل ذلك المال حليا أراد أن يفر به من الزكاة أعليه زكاة؟ فقال:
ليس على الحلي زكاة وما ادخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة ولان شرط الوجوب منتف فينتفي
الوجوب ولأنه غير منقوش ولا مضروب فأشبه الأمتعة في عدم الانتفاع بها (والاستعمال) احتج أصحابنا بما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال سألت أبا
495

عبد الله عليه السلام عن الحلي فيه زكاة قال لا إلا ما فر به من الزكاة وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يعمل لأهله الحلي من مائة دينار
وأراني قلت ثلاثمائة فعليه الزكاة؟ قال: ليس فيه زكاة قال قلت له فإنه فر من الزكاة فقال إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه
زكاة ولأنه قصد اسقاط الزكاة فلا يسقط كما لو طلق في مرضه فرارا من مشاركة الزوجة في الميراث للورثة كما لو قتل مورثه ليتعجل الميراث والجواب
عن الحديثين: أنها محمولان على ما إذا فعل ذلك بعد الحول ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان أباك قال
من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها قال صدق أبي إن عليه أن يؤدي ما وجب عليه وما لم يجب عليه فلا شئ عليه منه ثم قال لي رأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما
ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤديها قلت لا قال إلا أن يكون أفاق من يومه ثم قال لي رأيت لو أن رجل مرض في شهر رمضان
ثم مات فيه أكان يصام عنه قلت لا قال وكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا ما حل عليه وعن الثاني: تسليم حصول القصد إلى الاسقاط بمنع عدم الاسقاط
والقياس على المريض باطل لثبوته حق الوارث بما زاد على الثلاث التركة ولهذا منع من الوصية بالزائد على الثلاث ولهذا منع من الوصية بالزائد
على الثلث والطلاق مسقط (لتائب) فلا يقبل منه بخلاف الزكاة فإنها لم يثبت هنا فلا يكون اسقاطها للتائب والقياس على القتل باطل لان التبع
في الميراث يحمل على النقل وهو مرادا لعدم لله تعالى فالمنع من الميراث مناسب لمراد الله تعالى بخلاف تصرف المالك في ماله. فروع: [الأول] لو فعل ذلك
لا فرارا بل لغرض صحيح سقط الزكاة عنه قطعا إن كان قبل الحول. [الثاني] لا يضم النقار إلى الفضة ولا السبائك إلى الذهب خلافا للجمهور. لنا: أنه
ضم ما لا يجب فيه الزكاة إلى ما يجب فلا يتعلق الزكاة كما لو ضم الأمتعة. [الثالث] لا يضم عروض التجارة إلى الذهب ولا إلى الفضة خلافا للجمهور. لنا: أنهما مالان مختلفا
فلا يضم أحدهما إلى الآخر كالأجناس المختلفة من الزكويات احتجوا بأن الزكاة تجب في قيمة العروض والجواب: القيمة ليست كالعين فإن القيمة غير المملوكة
مع بيان العروض فلا يضم إلى المملوك. [الرابع] لو كان له إناء من فضة وزنه مائتا درهم وقيمته لأجل الصنيعة ثلاثمائة فلا زكاة فيه عندنا ومن
أوجب الزكاة من أصحابنا من الفرار هل يجزيه أن يخرج خمسة دراهم عنده الوجه عدم الاجزاء لان الصنيعة قسط من الثمن ولهذا (برئة ثوبتها)
ويضمن الغاصب إتلافها وبه قال الشافعي ومحمد وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجزيه لأنه يجزيه أن يمزج المغشوشة عن الجياد عندهما إذا
ثبت أنه لا يجزيه فإن طلب كسره ورفع ربع عشرة لم يجز لأنه إتلاف لماله ومال الفقراء وإن أخرج خمسة دراهم قيمتها سبعة دراهم وخف أجزأه
متضاعفة كانت أو مضروبة لأنه القدر الواجب فإن دفع سبعة دراهم ونصف لم يجز لأنه ربا قال الشيخ وإن دفع ذهبا أو غيره قيمته سبعة
دراهم ونصف أجزأه ولأنه جعل للفقراء أربع عشرها إلى وقت بيعها قبل هذا إن قلنا إن اتخاذ الأواني من الذهب والفضة مباح ولان
المحرم هو الاستعمال أما إذا قلنا إن اتخاذها محرم فإذا طلب كسرها أحب إليه ولو كسرها غاصب لم يضمن القيمة. [الخامس] قد بينا أنه إذا
أخرج المغشوشة عن الجياد لم يجزه وهل له أن يرجع في المغشوشة قال بعض الجمهور ليس له ذلك لأنه أخرج المعيب في حق الله تعالى فأشبه ما إذا وجبت
عليه عتق عبد فأعتق معيبا لا يجزي وقال بعضهم له الرجوع لان أخرجه بشرط الاجزاء فإذا لم يجزه كان له استرجاعه كما لو سلف الزكاة فتلف
ماله ويفارق العتق إلا أنه إتلاف هذا دفعها وقال هذه زكاة هذا المال بعينه وما لو أطلق لم يرجع وهذا عندنا ساقط إنما يجوز اخراج القيمة
فالجواب عليه أما دفع الناقص بالغش من الجياد بحيث بحمل المخرج جيدا وأما أن يخرج جيدا فحينئذ يرجع على أحسن الوجهين. [السادس] لو انكسر الحلي لم يجب
فيه الزكاة سواء انكسر كثيرا متعذرا معه اللبس ولا يمكن إلا بإعادة صياغته أو لا يتعذر ولو ينوي كسره أو لم ينو خلافا للشافعي لعدم الشرط وهو الضرر و
النقش. {البحث السادس} في زكاة الغلات، وهي واجبة بالنص والاجماع قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما
كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) والزكاة تسمى انفاقا لقوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) وقال الله تعالى:
(وآتوا حقه يوم حصاده) قال ابن عباس حقه الزكاة المفروضة وقال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) وروى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال فيما
سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاء العشر وقال المعاذ لما بعثه إلى اليمن خذ الحب ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن حريز عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: ما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاته إلا طوق الله تعالى ربعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة وقد أجمع المسلمون
على وجوب الزكاة في الأجناس لأربعة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وألغوا إلحاق العلس والسلت بها في الوجوب. * مسألة: والشرط هنا اتيان
الملك والنصاب ويعتبر مباشرة النمو على الملك ولا يعتبر الحول هنا بلا خلاف أما الملك فلا خلاف في اشتراطه وأما النصاب فقد اتفق أكثر أهل العلم
عليه لا نعلم فيه خلافا إلا من مجاهد وأبي حنيفة فإنهما أوجبا الزكاة في قليل الغلات وأكثرها وباقي العلماء اشترطوا بلوغها خمسة أوسق فلا يجب فيما
دونها شئ. لنا: ما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ما (أنبتت) الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق والوسق ستون صاعا فذلك ثلث
مائة صاع ففيه العشر وما كان منه يسقى بالرشا والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر وما سقت السماء أو ا لسيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما وليس فيما دون ثلاثمائة صاع
شئ وليس فيما أنبتت الأرض شئ إلا في هذه الأربعة أشياء وعن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام قال في زكاة الحنطة
496

والشعير والتمر والزبيب ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة ولأنه مال يجب فيه الزكاة فيشترط فيه النصاب كغيره من أموال الزكاة احتج أبو حنيفة بقوله عليه السلام
فيما سقت السماء العشر لأنه مال لا يعتبر فيه الحول فلا يعتبر فيه النصاب. والجواب عن الأول: أن أحاديثنا أخص فيعمل عليها ويخصص بها هذا
العموم كما في قوله عليه السلام في الرقة ربع العشر وقد خص بقوله عليه السلام ليس فيما دون مأتي درهم صدقة وقياسه باطل لان العلة فيه عدمية لم يشهد (حملناه)
شئ من الأصول (بالباين) مع إنا نقول الزرع يكمل نماؤه عند الانعقاد فلا يعتبر فيه الحول أما غيره فإن الحول مظنة لاستكمال النماء غالبا مع
الفرق باقيا شئ. * مسألة: والوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وآله يكون مقدار النصاب ثلاثمائة صاع والصاع أربعة أمداد
وهذا الحكمان مجمع عليهما والمد رطلان وربع بالبغدادي يكون الصاع تسعة أرطال وهو قول أكثر علمائنا وقال ابن أبي بصير منا المد رطل وربع
وقال الشافعي رطل وثلث وقال أبو حنيفة رطلان. لنا: الأصل عدم الوجوب واعتبار الأكثر في النصاب موافق لهذا الأصل فيصار إليه وقد روى
الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف و
الصاع ستة أرطال بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي ولان النصاب شرط وبالتقدير الأدون لا يتعين حصوله والأصل عدم شغل
الذمة فيقف الوجوب على الأعلى احتج ابن أبي بصير بما رواه سماعة قال كان الصاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة أمداد والمد
قدر رطل وثلثة أواق واحتج الشافعي بأن أبا يوسف دخل المدينة فسألهم عن الصاع فقالوا خمسة أرطال وثلث فسألهم عن الحجة فقالوا (غدا)
فجاء من الغد سبعون شيخا كل واحد منهم أخذ صاعا تحت ردائه فقال صاعي وزنه هذا واحتج أبو حنيفة بأن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى
الله عليه وآله يتوضأ بالمد وهو رطلان ويغتسل بالصاع. والجواب عن الأول: أن سماعة فطحي ومع ذلك فلم يسنده إلى إمام ومع ذلك فإنه حكم
بأن الصاع خمسة أمداد فيكون مقاربا لما قلناه من أن الصاع أربعة أمداد والأرطال هنا بمعيار المدينة وعن الثاني: بضعف هذه الرواية فإن الباقر
عليه السلام ما كان يخفى عنه صاع المدينة وهو بعيد علمائنا وإمامهم وقد أخبر مالك أن عبد الملك تجزي صاع عمر وقد كان ينبغي له أن يتحرى صاع
النبي صلى الله عليه وآله، وعن الثالث: أنها معارضة بما رواه الشافعي فيجب التوقف فيهما والمصير إلى غيرهما وذلك موجب للاخذ برواياتنا وقد
كتب موسى بن جعفر عليه السلام الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي وذلك نص في الباب. فروع: [الأول] الرطل العراقي مائة
درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وهو سبعون مثقالا والمثقال درهم وثلثة أسباع درهم وقد روى الشيخ عن سليمان بن
حفص المروري عن أبي الحسن عليه السلام أن الصاع خمسة أمداد والمد وزن مأتين وثمانين درهما والدرهم وزن ستة دوانيق والدانق ست حبات
والحبة وزن حبتين من شعير من أوسط الحب لا من صغاره ولا من كباره. [الثاني] هذا التقدير تحقيق لا تقدير ولو نقص النصاب عن خمسة
الأوسق ولو قليلا سقطت الزكاة خلافا لبعض الشافعية. لنا: ما رواه الجمهور عن عائشة قالت خرجت السنة أنه ليس فيما دون خمسة أوسق من
التمر صدقة والوسق ستون صاعا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لي في النخل صدقة حتى تبلغ
خمسة أوساق والعنب مثل ذلك وعن أبي بكر عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام قال: ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة ولأنه نصاب يتعلق به وجوب
الفرض فكان محددا كغيره ولان الظاهر غير معتبر في الشرع لعدم ضبطها فلا بد من ضابط وهو ما قلناه احتج المخالف بأن الوسق في اللغة الحمل
وهو يزيد وينقص والجواب التحديد الشرعي (حظر) الزيادة والنقصان. [الثالث] النصب معتبر في الكيل بالأصواع واعتبر الوزن للضبط
والحفظ فلو بلغ الكيل النصاب بالكيل والوزن معا وجبت الزكاة قطعا ولو بلغ بالوزن دون الكيل فكذلك لو بلغ بالكيل دون الوزن كالشعير
فإنه أخف من الحنطة مثلا لم يجب الزكاة على الأقوى وقال بعض الجمهور ويجب وليس بالوجه. [الرابع] لو تساوت الموازين في النقصان اليسير
كالرطل مثلا لم يجب الزكاة خلافا لبعض الشافعية لما تقدم من أن التقدير تحقيق لا تقريب ولو اختلف الموازين الصحيحة لم يؤثر النقص اليسير في الوجوب.
[الخامس] لو شك في وجوب الزكاة فيه وليس هناك مكيال ولا ميزان ولم يوجدا لم يجب الزكاة لوقوع الشك في بلوغ النصاب والأحوط الاخراج.
[السادس] إنما يعتبر الأوساق عند الجفاف فلو بلغ الرطب النصاب أو العنب لم يعتبر ذلك واعتبر النصاب عند جفافه وتمرا أو زبيبا وهو إجماع.
* مسألة: لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلا إذا تمت على ملكه فلو ابتاع غلة أو وهب أو ورث بعد بدو الصلاح لم يجب عليه الزكاة فهو
قول العلماء كافة وإذ أخرج الزكاة منها لم يكرر عليه وإن بقيت أحوالا وهو إجماع العلماء إلا الحسن البصري ولا اعتداد بخلافه لأنها غير معدة
للنماء فلا يجب فيها الزكاة كالنبات ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة وعبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال أيما رجل كان له حرث أو ثمرة
فصدقها فليس فيه عليه شئ وإن حال عليه الحول عنده إلا أن يحول مالا فإن فعل في ذلك فحال عليه الحول عنده
فعليه أن يزكيه وإلا فلا شئ عليه
ولو بقيت ألف عام إذا كان بعينه ولنا: عليه فيه صدقة العشر فإذا أداها مرة واحدة فلا شئ عليه فيها حتى يحوله مالا ويحول عليه الحول وهو عنده.
فروع: [الأول] لو (ابتاع) عنها للتجارة تعلق زكاة التجارة بها أما وجوبا أو استحبابا على الخلاف. [الثاني] لو اشتراها قبل بدو الصلاح
كالمعدومة فكأنها تمت في ملكه وسقطت الزكاة عن البائع ولو عاد البائع اشتراها بعد بدو الصلاح وجبت الزكاة على البائع الثاني كما باعها
497

المالك أولا بعد بدو الصلاح. [الثالث] لو اشترى نخلا أو ثمرته قبل بدو الصلاح فالزكاة على البائع لما تقدم. * مسألة: لو مات المالك
وعليه دين فظهرت الثمرة وبلغت لم يجب الزكاة على الوارث لتعلق الدين بها ولو قضى الدين وفضل منها النصاب لم يجب الزكاة لأنها على حكم
مال الميت أما لو صارت تمرا والمالك في) (تم) مات وجبت الزكاة وإن استغرق الدين التركة ولو قصرت التركة قدمت الزكاة وقيل يقع التحاص والوجه الأول لتعلق
الزكاة بالعين قبل تعلق الدين بها. * مسألة: فإذا بلغت النصاب وجبت فيها لعشر إن لم يفتقر سقيها إلى مؤنة كالسقي سيحا أو بعلا أو
عدنا وإن افتقر سقيها إلى مؤنة كالدوالي والنواضح وجب فيها نصف العشر وعليه فقهاء الاسلام روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله فيما سقت
السماء والعيون أو كان عشر العشر وما تسقى بالنضح نصف العشر وروى مسلم عنه عليه السلام فيما يسقى بالسائبة نصف العشر وعن معاذ قال بعثني رسول الله صلى الله
عليه وآله إلى اليمن فأمرني أن أخذ مما سقت السماء أو سقي بعلا العشر وما سقي بدواليه نصف العشر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح
زرارة عن الباقر عليه السلام قال ما كان منه سقى بالرشاء والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر
تاما وعن بكر عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام والزكاة فيها العشر فيما سقت السماء أو كان سيحا ونصف العشر فيما سقي بالقرب والنواضح وفي الصحيح
عن زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام قال في الزكاة ما كان يعالج بالرشا والدوالي والنضح ففيه نصف العشر وإن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو
بعلا أو سماء ففيه العشر كاملا وعن معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا فالعشر فأما ما سقت السواقي
والدوالي فنصف العشر ولان الكلفة تسقط أصلا كالمعلوفة فالبعض ولان التمر شرط في الزكاة غالبا ولهذا لا يجب في غير الباقي وللكلفة مأثر
في تعليله فأثرت في تعليل الواجب لا يقال قد روى الشيخ عن (زرعة) عن سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الزكاة في التمر والزبيب فقال:
في كل خمسة أوساق والوسق ستون صاعا والزكاة فيهما سواء وعن عثمان بن عيسى عن سماعة قال سألته عن الزكاة في الزبيب والتمر فقال في
كل خمسة أوساق والوسق ستون صاعا والزكاة فيهما سواء فأما الطعام فالعشر فيما سقت السماء وأما ما سقي بالقرب والدوالي فإنما عليه نصف العشر لأنا نقول
الحديثان ضعيفان (وزرعة) وسماعة فطحيان والحديث الثاني لم يسنده سماعة إلى إمام فلا يعارض بهما ما ثبت بالاجماع والأحاديث الصحاح. فروع: [الأول]
قال أبو عبيد العري ما يسقيه السماء وتسميه العامة العذى والسواقي هي النواضح وهي الإبل تستقر بها لشرب الأرض والغدى ما سقت
والبعل ما شرب بعرقه من غير سقي لقرب الماء الأرض أو كانت تصل إلى نهر أو ساقية. [الثاني] لا يؤثر حفر الأنهار والسواقي واحتاجها إلى ساق
لسقيها ويحول الماء من موضع إلى آخر في نقصان الزكاة لان للمرسا حمله إحياء الأرض ولا يتكرر كل عام والساقي لا بد منه في كل سقي فجرى مجرى الحرث
ولو كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الأرض ويسقى في مكان قريب من وجهها ولا يصعد إلا ماله فهو من الكلفة المسقطة. [الثالث] قيل لا
يوجب في التفريق بين ما سقي بالسماء أو بالآلة لان الزكاة عندكم يجب بعد المؤنة وحينئذ يتساوى ما خرج عليه المؤنة وما لم يخرج قلنا جواز الاخراج
بعد المؤنة لكن تعجيل البعث والخسارة كافية في الفرق. [الرابع] لو منع سقي نصف السنة تكلفه ونصفها بغير كلفة خرج من النصف العشر ومن النصف
نصف العشر فيجب عليه ثلاثة أرباع العشر وهو إجماع العلماء لان دوام كل واحد منهما في جمع السنة يوجب مقتضاه فإذا وجد في نصفه أوجب نصفه و
يؤيده ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له في الأرض يكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء وتسقى سيحا فقال:
إذا ليكون عندكم كذلك قلت نعم قال النصف والنصف نصف بنصف العشر ونصف بالعشر. [الخامس] لو غلب أحد الامرين على الآخر فإن الاعتبار له
وبه قال أبو حنيفة وعطا والثوري وأحمد وللشافعي في أحد القولين وفي الآخر يؤخذ بالسقط فإن شرب السيح ثلث السقي مثلا كان في
ثلاثة العشر أو الربع كان فيه العشر وعلى هذا لنا: أن اعتبار النصاب وتقسيط الزكاة تعددها مما يسق حدا فيسقط اعتباره كالعدل إذا كانت طاعاته
أكثر لم يعتد بالمعصية الأقل في سقوط عدالته ويؤيده ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام قلت الأرض تسقى بالدوالي
ثم يزيد الماء فيسقى السقية والسقيتين سيحا قال: وكم تسقى السقية والسقيتين سيحا قلت في ثلثين ليلة أربعين ليلة وقد مكث قبل ذلك في الأرض
ستة أشهر سبعة أشهر قال نصف العشر احتج المخالف بأن التقسيط ثابت مع النقيصة وكذا مع الزيادة والجواب مع النصف الأولوية ولا
مشقة في ضبط الشيخ من غيره بخلاف الأغلبية. [السادس] لو سقى بالسيح والدولاب ولم يعلم الأغلب جعلهما نصفين واحد من كل واحد
بالحصة وقال أحمد يؤخذ العشر. لنا: تساويهما في الاحتمال فيسقط عليها بالسوية كما لو تنازعا دارا لعدم المرجح احتج أحمد بأن الأصل وجوب العشر
ومع عدم تحقق المسقط يكون ثابتا ولان الكلفة مشكوكة فيها فلا يعتبر مع الشك والجواب الأصل براءة الذمة والشك في الكلفة يقتضي الشك
في عدمها فلا ترجيح. [السابع] لو كان له ذراعان يسقى أحدهما سيحا والآخر ناضحا ضما في تكميل النصاب واحد منهما ما وجب فيه. [الثامن] لو
تنازع المالك والساعي في أيهما سقى أكثر كان القول قول المالك بغير يمين لان المصدق لا يحلف على صدقه. * مسألة: وما زاد على النصاب
وجب فيه العشر أو نصف العشر على التفصيل المتقدم قل أو كثر بلا خلاف بين العلماء في ذلك ولأنه نماء في نفسه فلم يعتبر له نصاب وقال وقد ظهر من
هذا أن الغلات الأربع نصاب واحد وهو خمسة أوسق وعفو واحد وهو ما نقص عن ذلك. * مسألة: قال الشيخ ويتعلق الوجوب الحبوب
498

إذا اشتدت وبالثمار إذا بدا صلاحها وهو قول أكثر الجمهور وقال بعض أصحابنا إنما يتعلق الوجوب بها إذا صار الزرع حنطة أو شعير أو الثمار تمرا أو
زبيبا وكان والدي رحمه الله يذهب إلى هذا والوجه عندي الأول لأنه قد ورد وجوب الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوسق زبيبا ولان النص يتناول
الحنطة والشعير والتمر والزبيب ولا ريب في تسمية الحب إذا اشتد بالحنطة والشعير وفي تسميته البسر بالتمر فإن أهل اللغة نصوا على أن البسر نوع من التمر
وكذا نصوا على أن الرطب نوع من التمر والفائدة تظهر فيما لو تصرف قبل صيرورته تمرا أو زبيبا لم يضمن على القول الثاني ويكون ضامنا على قولنا
لتحقق الوجوب وقد اتفق العلماء على أنه لا يجب الاخراج بالحبوب إلا بعد التصفية وفي التمر إلا بعد التشميس الجفاف. فروع: [الأول] لو تلف قبل
الجفاف بتفريط ضمن وإن كان بغير تفريط لم يضمن أما الأول: فعلى قولنا خاصة وأما الثاني: فإجماع ولو تلف بعد الجفاف بتفريط ضمن إجماعا
وإن كان بغير تفريط فإن تمكن من الأداء ضمن أيضا وإلا فلا لما تقدم من إمكان الأداء شرط في الضمان. [الثاني] إنما يعتبر النصاب في التمر و
الزبيب بعد الجفاف فلو بلغ العنب والرطب نصابا لم يعتد به وإن تعلقت الزكاة بجنسه بل إن بلغ مع القسمين والجفاف نصابا وجب فيه الزكاة
وإلا فلا. [الثالث] لو قطع التمرة قبل أن يبدو صلاحها لحاجة فلا زكاة عليه إجماعا وذلك كما لو أصابها عطش أو احتاج إلى سقيها طلعا
أو خلالا ولا يكره له ذلك لأجل الحاجة أما لو فعل فرارا من الزكاة فإن الزكاة لا تجب عليه أيضا ويكون قد فعل مكروها وقال مالك وأحمد يجب
عليه الزكاة وليس بالمعتمد. [الرابع] لو قطع طلع الفحال لم يجب عليه شئ إجماعا لأنه لا يحيى منه شئ تجب الزكاة فكان بمنزلة الثمار التي لا زكاة
فيها. [الخامس] لو نبت بعض الثمرة بعد بدو الصلاح قبل الجداذ بغير تفريط فإن كان الباقي نصابا وجبت الزكاة فيه إجماعا ولا يضمن حصة
التالف قولا واحدا وإن لم يكن الباقي نصابا وجبت الزكاة فيه أو كان قبل التلف نصابا على ما اخترناه يجب فيه بقدره لان المسقط اختص بالبعض
فاختص السقوط به كما لو تلف بعض الماشية لعدم تعلق الوجوب بها وعلى قول بعض أصحابنا لا شئ عليه لان التلف وقع قبل تعلق الوجوب
والباقي ليس بنصاب. [السادس] الذمي وإن وجبت الزكاة عليه عندنا إلا أنها لا تؤخذ منه إذا ثبت هذا فإذا باعه المسلم زرعا قبل بدو صلاحه
فزكه الذمي حتى اشتد لم يؤخذ منه الزكاة ولا من البائع لأنه حين وجوب الزكاة كان ملكا للكافر ولو رده الذمي لعيب فيه بعد اشتداده لم
تجب الزكاة عليه أما ظهر فساد البيع من أصله فإن ظهر استحقاق الثمن المعين هل تجب الزكاة فيه تردد أقربه عدم الوجوب على البائع لعدم تمكنه
من التصرف ظاهرا. [السابع] لو مات المدين قبل إطلاع النخل تعلق الدين بالنخل فإن قلنا أن الدين لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة فإذا اطلع
وبدأ صلاحه وجبت الزكاة فيه لحدوثها في ملكهم وإن قلنا بالمنع من الانتقال فلا زكاة هنا أما لو مات بعد الاطلاع فإن الدين يتعلق بالأصول والثمرة
وينتقل الأصول والثمرة إلى الوارث إن قلنا أن الدين لا يمنع الانتقال فإذا بدأ صلاحها وجبت الزكاة هكذا قاله الشيخ وليس بالوجه لان إمكان التصرف
شرط في الوجوب. [الثامن] لو كان له رطب لا تحقق مثليه كالهليليات والرين فإن هذا لا يخفف في العادة وجبت الزكاة فيه لقوله عليه السلام فيما سقت
السماء العشر ويعتبر بلوغه خمسة أوسق ثمرته هل يعتبر بنفسه لو تغير جنسه قال بعض الجمهور ويعتبر بأقرب الأرطال إليه مما يخفف الوجه عندي اعتبار
نفسه. * مسألة: ولو كان له نخل تفاوت إدراكه بالسرعة والبطؤ بأن يكون في بلدين مزاج أحدهما اسحق من الآخر فيدرك التمرة في الاستحقاق
قبل إدراكها في الآخر فإنه يضمن الثمر بأن إذا كان لعام واحد وإن كان بينهما شهرا أو شهران أو أكثر لان اشتراك إدراك الثمار في الوقت الواحد
متعذر وذلك يقتضي اسقاط الزكاة غالبا ولا نعرف في هذا خلافا. فروع: [الأول] لا فرق بين الزرع والنخل والكرم في ذلك فلو أدرك
بعض الزرع في بعض الأمكنة دون بعض صححنا مال المالك الواحد فإن بلغ النصاب وجب الزكاة وإلا فلا. [الثاني] لو كان له نخل في بعضها
رطب وفي بعضها بسر وفي بعضها (بلح) فخذ الرطب فإن كان نصابا اخذت الزكاة منه وإذا أدرك الباقي أخذت الزكاة منه مطلقا قل أو كثر وإن لم
يبلغ نصابا ضممناه إلى الباقي فإذا بلغ البسر والبلح وجبت الزكاة إن بلغ الجميع نصابا وإلا فلا. [الثالث] لو كان له نخيل يطلع بعضها قبل
ضممنا الجميع فإنه كما لم يشترط التوافق في زمن الادراك فكذا لا يشترط التوافق في زمن الاطلاع. [الرابع] لو كان له نخل بتهامة ونخل
بنجد فأثمرت التهامية وجبت ثم بلغت النجدية فإنها تضم إلى التهامية بلا خلاف وإن اطلعت التهامية مرة ثانية في ذلك العام قبل أن يجد النجدية
ضمت إحديهما إلى الأخرى خلافا للشيخ والشافعي. لنا: أنهما ثمرة عام واحد فأشبه ما لو اتفقا في الاطلاع احتج بأنا لو ضممناها إلى النجدية لوجد
ضمها إلى التهامية فيكون قد ضمها ثمرة نخلة إلى ثمرتها مرة أخرى ويجب بذلك ضم ثمرة عام إلى ثمرة عام آخر والجواب المنع من الملازمة. [الخامس]
لو كان له نخيل تطلع في السنة مرتين قال الشيخ لا تضم إحديهما إلى الأخرى لأنها في حكم ثمرة سنتين وليس بالوجه والأقرب الضم لأنهما ثمرة عام
واحد. * مسألة: وإن كان النخل جيدا كالبردي وهو أجود نخل بالحجاز أخذ من ثمرها وكان تساويا جاز وإن كان أردى لم يجز لقوله تعالى:
(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وإن كان كله رديا كالجعرور ومصران العادة أخذ منه وأجزأ لان ا لحق يجب فيه فلا يكلف غيره ولو كان له جيد
وردئ أخرج ما يسمى تمرا وإن تطوع الأجود فهو أفضل ولو أخرج من كل نوع بقسطه فهو حسن روى الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم قال
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التمر والزبيب ما أقل ما يجب فيه الزكاة فقال خمسة أوساق ويترك (المعافارة
) وأم جعرور ولا يزكيان وإن كثرا والوجه في هذه
499

الرواية أنه لا يزكى منهما لا أنه لا يجب فيهما الزكاة أو بلغا النصاب. * مسألة: وزكاة الزرع والثمار بعد المؤنة كأجرة السقي والعمارة والحصاد والجدات
والحافظة وبعد حصرته وبه قال أكثر أصحابنا واختار الشيخ أيضا في النهاية وذهب إليه عطا وقال في المبسوط والخلاف المؤنة على رب المال دون الفقراء وهو
قول الفقهاء الأربعة والأقرب الأول. لنا: أنه مال مشترك بين المالك والفقراء فلا يختص أحدهم بالحيازة عليه كغيره من الأموال المشتركة ولان
المؤنة سبب في الزيادة فيكون على الجميع ولان إلزام المالك بالمؤنة كلها حيف عليه وإضرار به وهو منفي ولان الزكاة مساواة فلا يتعقب الضرر ولأنها
في الغلاة يجب في النماء وإسقاط حق الفقراء من المؤنة مناف احتج المخالف بقوله عليه السلام فيما سقت السماء العشر ولقوله عليه السلام ليس فيما دون خمسة أوساق
زكاة والجواب: العشر إنما يجب في النماء والفائدة وذلك لا يتناول المؤنة ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال
ويترك للحارس الغدق والغدقان والحارس يكون في النخل ينظره فيترك ذلك لعياله وإذا ثبت ذلك في الحارس ثبت في غيره ضرورة عدم القائل بالفرق. فروع:
[الأول] البذر من المؤنة لان الزكاة إنما تجب في النماء وليس هو منه ولان إيجاب الزكاة في البذر يستلزم تكرير وجوب الزكاة في الغلات وقد اجتمع
المسلمون على خلافه. [الثاني] المؤنة تخرج وسطا من المالك والفقراء فما فضل وبلغ نصابا أخذ من العشر ونصفه. [الثالث] خراج الأرض
يخرج وسطا ثم يترك ما بقي إن بلغ نصابا إذا كان المالك مسلما وهو مذهب علمائنا وأكثر الجمهور وقال أبو حنيفة لا زكاة في الأرض الخراجية.
لنا: قوله تعالى: (وما أخرجنا إلى الأرض) وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال فيما سقت السماء العشر وذلك عام ومن طريق الخاصة
ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنهما قالا له هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها فقال كل أرض دفعها
إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك بما أخرج الله منها الذي قاطعتك عليه وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر إنما العشر عليك فيما يحصله
في يدك بعد مقاسمته لك وعن صفوان ابن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر قال وما أخذ بالسيف فذلك إلى الامام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى الله
عليه وآله بخيبر قبل سوادها وبياضها يعني أرضها ونخلها والناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل وقد قيل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر على المسلمين
سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم ولأنهما حقان مختلفان لمستحقين متغايرين يجوز وجوب كل واحد منهما على المسلم فجاز اجتماعهما
كالعادة والقيمة في الصيد المملوك احتج المخالف بقوله عليه السلام لا يجمع العشر والخراج في أرض مسلم ولأنهما حقان سبباهما متنافيان فلا يجتمعان
لزكاة السائمة والتجارة وبيان الثاني أن الخراج وجب عقوبة لأنه جزئه الأرض والزكاة وجب شكرا والجواب عن الأول: رواية عنبسة وهو ضعيف
ومع ذلك فهو محمول على الخراج الذي هو جزئه حينئذ لا يجتمعان وليس البحث فيه لأنه يتكلم في زرع المسلم وعن الثاني: بالفرق بين زكاة التجارة والسائمة
وصورة النزاع لان التجارة وزكاة السوم زكاتان ولا يزكى المال من وجهين أما الخراج فليس زكاة لان الخراج يلزم الأرض والزكاة في الردع والمستحقان
مختلفان وقوله الخراج وجب عقوبة مسلم في حق الذي أما في حق المسلم فهو خراج وليس عقوبة قال قد روى الشيخ في الصحيح عن رفاعة بن موسى
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه فيها عشر قال لا وعن أبي كهمش عن أبي عبد الله عليه السلام قال من أخذ من السلطان
الخراج فلا زكاة عليه في جميع ما يخرج الأرض بل يجب عليه بعد الخراج. * مسألة: ويجوز الخرص على أرباب النخل والكرم وتضمنهم الخارص حصة
الفقراء وبه قال أكثر الفقهاء وقال أبو حنيفة لا يجوز الخرص. لنا: ما رواه الجمهور عن عتاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث على الناس من
يخرص عليهم كرومهم وثمارهم وخرص رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى امرأة بوادي القرى حديقة لها وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله بن رواحة
إلى يهود فخرص عليهم النخل حتى يصيب قبل أن يؤكل منه ولان أرباب الثمار يحتاجون إلى الأكل والتصرف في ثمارهم فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر احتجوا بأن
الخرص تخمين وحرز فلا يجوز العمل به والجواب أنه تخمين مشروع لأنه إجهاد في مؤنة القدر فجرى مجرى تقويم المتسلقات. فروع: [الأول] وقت الخرص
بدو الصلاح لأنه وقت الامن الحاجة وذهاب الثمار ولان فائدة الخرص معرفة الزكاة وأطلق أهل الثمرة في التصرف وذلك إنما يحتاج إليه حين وجوب
الزكاة وهو بدو الصلاح ولان النبي صلى الله عليه وآله إنما كان يبعث الخارص ذلك الوقت. [الثاني] قال الشيخ يجزي الخارص الواحد وبه قال المالك
وأحمد والشافعي في أحد القولين في الآخر قال لا يجزي إلا الاثنان. لنا: ما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله بعث عبد الله بن رواحة خارصا ولم يذكر معه غيره
ولأنه يقدر على حسب اجتهاده فهو بمنزلة الحاكم احتج المخالف بأن النبي صلى الله عليه وآله بعث عبد الله بن رواحة وغيره ولان الخارص يقدر الواجب
فجرى مجرى التقويم والجواب: المعارضة بما رويناه ويحتمل أن يكون الآخر معينا وكاتبا ويحتمل أن يكون ذلك في وقت آخر ولأنه جائز والبحث
في الوجوب والفرق بين الخارص والمقوم أن المقوم ناقل إلى الحاكم فاعتبر العدد كالشهادة. [الثالث] يفتقر كون الخارص أمينا لعدم الوثوق
بقول الفاسق ولو كانا اثنين كان أفضل لزيادة الظن حينئذ. [الرابع] إن كانت الثمرة نوعا واحدا طاف الخارص بكل نخلة أو شجرة وقدرها
فيها رطبا وعنبا ثم جمع الكل وقدره تمرا أو زبيبا وإن كانت أنواعا مختلفة خرص كل نوع على حده لاختلاف الأنواع في كثرة التمر وقلته
فإن الطبرزد سيكثر ثمره لكثرة تخمه وقلة رطوبته والتزين بعكس ذلك فإذا بلغ الأوساق وجب الزكاة وإلا فلا. [الخامس] إذا عرف الخارص
المقدر تخير المالك بين تركه في يديهم أمانة إذا كانوا أهلا لذلك ويكن تضمينهم حق الفقراء ويضمن الملاك حقوقهم فإن ضمنوا تصرفوا كيف شاءوا
500

وبالبيع والهبة والأكل وغير ذلك لان فائدة الضمان جواز التصرف وإن اختاروا الأمانة لم يكن لهم التصرف بالأكل والبيع والهبة لان حق المساكين ثابت فيها ولا
يجوز للشريك التصرف من دون شريكه. [السادس] ينبغي للخارص أن يخفف عن المالك ولا يجحف ولا يستقصي به بل يقدر ما يكون المالك به مستظهرا وما
يجعل للمسار وما يتساقط فيأكله الهوام وما ينتابه الطير وقال أحمد بن حنبل بترك الثلاث وليس بالمعتمد لها على التخفيف ما رواه مكحول أن رسول الله صلى
الله عليه وآله كان إذا بعث الخراص قال خففوا على الناس فإن مال القربة والواطية والآكلة والواطية السايلة سموا بذلك لوطيهم بلاد الثمار
مجتازين والأكل أرباب الثمار وأهلهم ولان استيفاء الكل في الخرص إضرار بالمالك لما يفتقر الثمار ومن النقص واحتج أحمد بما رواه سهل بن
أبي حتمة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إذا خرصتم فدعوا الثلث فالربع والجواب: يحتمل الامر بانزاع الثلث لتفرقه المالك بنفسه في أهله
وجبرانه لنا: في ترك الثلث من الاضرار بالفقراء وهو منفي بالأصل إذا ثبت هذا فإن النظر إلى الخارص في تقدير المتروك باعتبار كثرة يده
وقلتهم أما التعدية بالثلث والربع فلا. [السابع] الخرص مع التضمين ولا يعتد الضمان لأنهما في يده أمانة كالوديعة ويقول الساعي لا يصير
مضمونة وإن اختار المالك الضمان كالوديعة لا يضمن بالشرط وفائدة الخرص أن المالك إذا تصرف في الثمرة بمنع أو أكل أو غير ذلك ولم يعلم
قدر ما تصرف فيه وجب عليه اخراج الزكاة بحكم الخرص. [الثامن] إذا بلغت الثمرة بغير تفريط من المالك كالآفات السماوية والأرضية سقطت
الحصة المضمونة بالخرص ولو بلغت البعض سقط من الواجب بقدره وبه قال الشافعي وأحمد وقال مالك يضمن ما قال الخارص. لنا: ما تقدم من كون
الزكاة أمانة فلا يضمن بالشرط كالوديعة أحتج مالك بأن الحكم انتقل إلى ما قال الساعي والجواب المنع. [التاسع] إذا اختار المالك الحفظ ثم أتلف
الثمرة وبلغت بتفريطه ضمن حصة الفقراء بالخرص ولو أتلفها أجنبي ضمن المتلف بالعجمة فكذا قاله فبعض الجمهور وليس عندي بالوجه والأقرب التسوية لأنا قد
بينا أن الخرص يسار إليه مع جهالة بالمتناول أما مع العلم به فلا احتج بأن المالك يجب عليه تخفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبي فصار كمن أتلف أضحية
يجب عليه أضحية ولو أتلفها أجنبي وجب عليه القيمة والجواب: أن ذلك غير مؤثر في الفرق. [العاشر] لو أدعى المالك التلف أو أتلف البعض بعد الخرص
فإن كان بسبب ظاهر كالبرد ووقوع الجراد قال بعض الجمهور يجب عليه إقامة البينة وليس عندي بالوجه لأنه أمين فلا يكلف البينة على التلف فإنه أتهم
الساعي في ذلك قال الشيخ حلفوا وعندي فيه إشكال إذ لا يمكن في الصدقة فإذا أوجبنا التمر أخذت منه الزكاة مع الامتناع وإن قلنا بالاستحباب التمر
لم يجب عليه شئ بالامتناع أما لو ادعى التلف شئ خفي فالقول قوله إجماعا وهل يحلف وجوبا أو استحبابا أولا يحلف على ما تقدم إذا ثبت هذا فما زادت
تلف البعض سقط من الواجب بحسابه وأخذ من الباقي بقدر نصيبه ولو قال أكملت البعض وبلغت البعض وبقي البعض الآخر ضمها المأكول إلى الباقي وسقط
النصب من التالف. [الحادي عشر] لو أدعى المالك غلط الخارص بأن ادعى بالمحتمل قبل قوله وهل يحلف أم لا؟ فيه التردد فإن حلف مع القول
به صدق وإن نكل فإن قلنا اليمين واجبة سقطت دعواه وإن قلنا بالاستحباب فلا وإن أدعى غير المحتمل مثلا أدعى الغلط بالنصف والثلث لم
يسمع دعواه لتحقق الكذب أما لو قال أخذت كذا وبقي كذا ولا أعلم شيئا سوى ذلك قبل قوله وإن كان ذلك مما لا يقع غلطا في الخرص بعدم إسناد النقصان
هنا إلى غلط الخارص فيجوز أن يذهب بسب. [الثاني عشر] لو زاد الخرص فهو للمالك ويستحب للمالك بذل الزيادة قاله ابن الجنيد ولو نقص
فعليه وفيه إشكال من حيث أن الحصة أمانة فلا يستقر ضمانها كالوديعة. [الثالث عشر] لو اختار المالك الحفظ أو الضمان ولم يتصرف
وحفظها إلى وقت الاخراج وجب عليه زكاة الموجود خاصة زاد الخرص أو نقص وبه قال الشافعي وقال مالك لزمه ما قال الخارص وعن أحمد روايتان.
لنا: أنها أمانة فلا يضمن بالشرط. [الرابع عشر] لو لم يخرج الامام خارصا جاز للمالك اخراج خارص وأن يخرص بنفسه ويحتاط في
التقدير والخرص لأنا قد بينا أن فائدة الخرص بالتوسعة للمالك في أخذ شئ من الثمار والبناء عليه عند عدم العلم بالمقدار لا أنه عليه في التضمين.
[الخامس عشر] لو أدعى المالك السرقة بعد وضعها في التبادر فإن كان بعد إمكان الأداء إلى المستحقين أو إلى الساعي ضمن إجماعا وإن كان
قبله فالقول قوله لأنه أمين وفي توجيه اليمين إشكال. [السادس عشر] لو اقتضت المصلحة تخفيف الثمرة بعد بدو صلاحها بأن يصيب الأصول
عطس وترك الثمرة بأجمعها مما يضر بالنخلة وشر ما حملها (خففت) قولا واحدا لان الزكاة تجب مواساة فلا تكليف المالك ما هلك أصل مما له ولان
التخفيف فيه إصلاح المالك بحفظ نخله وإصلاح حال الفقراء بتكرار الزكاة كل سنة موفرة فصاروا بمنزلة الشركاء. [السابع عشر] لو لم يكن التخفيف
واحتاج إلى القطع قطت مراعاة المصلحة فإذا قطعها تخير الساعي بين القسمة مع المالك على النخل أو على الأرض وبين بيع نصيب المساكين من
المالك وغيره ويجوز للمالك تقويم نصيب الفقراء من غير اختيار الساعي لان القيم مجزية عندنا. [الثامن عشر] يجوز للمالك قطع الثمرة وإن لم
يتأذن الخارص سواء ضمن أو لم يضمن ومنع الشيخ في المبسوط ذلك إلا مع ضمان الخرص. لنا: أنه مؤتمن عن الحفظ فله التصرف بما يراه من المصالح احتج بأنه
تصرف في مال الغير فيقف على الاذن والجواب المشترط المصلحة. [التاسع عشر] الأقرب اختصاص الخرص بالنخل والكرم وبه قال مالك وأحمد واختاره
ابن الجنيد لأنه نوع يخمر و (صرد) ولا يثبت إلا في الموضع المنصوص عليه والتشبيه بالنخل والكرم قياس فاسد مع وقوع الفرق وهو من وجهين أحدهما أن
الزرع قد يخفى خرصه لاستتاره بمعصيته وتبدده وعدم اجتماعه وقلة التطلع على مقدار كل سنبلة منه بخلاف النخل فإن ثمرته طاهرة مجتمعة يمكن
501

الخارص من إدراك كل عذب منها وكذا الكرم الثاني: أن الحاجة بالنخل والكرم ناشئة إلى الخرص لاحتياج أربابها إلى تناولها رطبة غالبا قبل الجذاذ
والاقتطاف بخلاف الزرع فإن الحاجة إلى تناول القربات قليلة جدا. [العشرون] لا يجوز للساعي أخذ الرطب عن التمر فإن أخذ اعتبر حاله عند الجفاف
فإن كان لعذر واجب أجزأ وإن زاد رد الفاضل وإن نقص أخذ من المالك النقيصة ولو دفع المالك الرطب عن
التمر لم يجزه ولو كان عند
الجفاف بقدر الواجب إلا بالقيمة السوقية لأنه غير الواجب وعندي فيه إشكال من حيث تسمية الرطب تمرا لغة فإذا أخرج ما لو جف كان بقدر الواجب
فالأقرب الاجزاء فإذا قلنا لا يجزي وجب على الساعي دفعه إلى المالك فإن هلك في يده أعاد الساعي مثله والقيمة عند تعذر المثل. [الحادي
والعشرون] تظم الزروع بعضها إلى بعض إذا كان المالك واحدا وإن تباعدت أمكنتها سواء اتفقت في الادراك أو اختلفت أو كانت لعام
واحد. [الثاني والعشرون] لو أكل المالك رطبا فإن كان بعد الخرص والتضمين جاز إجماعا لان فائدة الخرص إباحة التناول وإن كان
بعد الخرص وقبل التضمين بأن خرص عليه الخارص ولم يرض يخرصه جاز أيضا إذا ضمن نصيب الفقراء وكذا لو كان قبل الخرص إذا خرصها هو
بنفسه أما مع عدم الخرص فلا ولو كان رطب لا يصير تمرا غالبا استحب للمالك إعلام الوالي بذلك لتخرصه عليه ويجوز له قسمته حملا ومقطوعا لان القسمة
عندنا تميز حق لا مع. * مسألة: ولو استأجر أرضا فزرعها كان العشر على المستأجر ذهب إليه علماؤنا وبه قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة تجب على صاحب الأرض. لنا: أن المستأجر هو المالك للزرع والزكاة تجب على المالك احتج أبو حنيفة بأن الأجرة عوض عن منفعة
الأرض فإذا حصلت وجب الزكاة عليه كما لو زرعها والجواب: أن الزكاة لا تجب المنفعة بالأرض وإنما تجب في الزرع فإنه يختلف باختلاف أجناسه ولان
الزرع قد يكسرون العشر على الأجرة وذلك يستلزم الحساب الزائد وعلى النفع على المالك وهو خطأ ولكان متعذر بعقد الأرض لا بقدر الأرض الزرع ولو
وجب صرفه إلى أرباب الزكاة ويوجب على الذمي كالخراج وليس كذلك إجماعا. فروع: [الأول] لو استعار أرضا فزرعها فالزكاة عليه لا على المالك
على ما تقدم. [الثاني] لو غصب أرضا فزرعها فالزكاة عليه سواء أخذ زرعه بعد حصاده أو أخذ المالك أرضه قبل اشتداده وجب الزكاة على المالك وكذا
إن أخذها بعد اشتداده أما إذا أخذ الغاصب زرعه بعد حصاده وجبت الزكاة على الغاصب. لنا: أن نماء على ملك الغاصب فالزكاة عليه المالك وغصب الأرض لا يخرج الزرع عن ملك الغاصب. [الثالث]
لو زارع مزارعة فاسدة وجبت الزكاة على مالك الحب إن بلغ النصاب وإن كانت المزارعة صحيحة وجبت الزكاة على كل واحد فيهما في قدر نصيبه إن بلغ نصابا
ولو تلفت حصة أحدهم وجبت الزكاة على الآخر. [الرابع] يجوز إجارة الأرض بالحنطة والشعير
فلو استأجر أرضا بغلة منها بطلت الإجارة وعليه أجرة المثل وزكاة الغلة وإن استأجر بغلة من غيرها صحت الإجارة ولا يلزم الزكاة لأنها انتقلت إليه
أجرة ولا زكاة في الأجرة. [الخامس] لو اشترى ثمرة بشرط القطع قبل بدو الصلاح فلم يقطعها حتى بدأ صلاحها فإن طالب البائع بالقطع أو اتفقا
أو طالب المشترى جاز ذلك لان يقال التمرة في رؤس النخل غير مشروع إلا برضاء المالك ولا يجب على المشتري السفيه مع رضاء المالك أيضا إذا ثبت
هذا فهل تسقط الزكاة هنا قال الشيخ تسقط وهو مشكل على مذهبه من تعلق الزكاة بالمجاز إذا بدا صلاحها ولو قيل بوجوب الزكاة على المشتري
كان وجيها أما لو اتفقا على التبعية أو بعثت برضاء البائع حتى جذب وجبت الزكاة على المشتري قولا واحدا. [السادس] المكاتب المشروط
عليه لا زكاة عليه لأنه مملوك وكذا المطلق إذا لم يؤد من مكاتبته شيئا وإن أدى وبلغ ما يصيبه بقدر حريته نصابا وجبت الزكاة عليه في ذلك النصيب.
[السابع] إذا وجب العشر كان لرب المال تسعة وأخذ المصدق واحدا وإذا وجب نصف العشر كان للمالك تسعة عشر وللمصدق واحدا إذا وجب ثلاثة أرباع
العشر كان لرب المال سبعة وثلاثين وللمصدق واحد ويبدأ بالأخذ صاحب المال ويترك المكيال ما يحتمله من الحب. {البحث السابع} في اللواحق.
* مسألة: لو تم النصاب قبل الحول سقطت الزكاة سواء فعل ذلك فرارا من الوجوب أو لغرض صحيح وقد تقدم البحث في ذلك. فروع: [الأول]
لو بادل جنسا تجب الزكاة فيه بجنس مخالف كإبل ببقر أو بقر بغنم أو ذهب بعد الحول وجبت الزكاة عليه ولم يصح التبادل في نصيب الفقراء
أما لو فعل ذلك قبل الحول سقطت الزكاة عن المبادل استأنف الحول في المبادل من حين المبادلة سواء اتفق الجنس أو اختلف وسواء قصد
الفرار أو لم يقصد وسوى الماشية في ذلك أو غيرها وقال الشيخ رحمه الله إن بادل بالمخالف ولم يقصد الفرار سقطت الزكاة وإن قصد وجبت وإن بادل
بالموافق لزمت الزكاة والشافعي اختار قولنا وقال أبو حنيفة فيها الماشية مثل ما قلنا أما في الذهب والفضة فإنه بنى حول أحدهما على الآخر
وقال مالك إن بادل الجنس بنا على حوله وإن يعتبر الجنس ففيه روايتان إذا كان من الحيوان وكان من الأثمان لم يبن على الحول وقال أحمد يبني
حول الجنس على جنس من الحيوان ولا يبني على غير جنسه منه ويبني حوله الذهب على الفضة إذا بادل. لنا: قوله عليه السلام لا زكاة في مال حتى يحول عليه
الحول ولأنه مال يجب الزكاة في عينه فلم يبن حوله على غيره كالجنسين احتج المخالف بأن الذهب والفضة ما لان زكاتهما واحد فيبقى حول أحدهما
على الآخر كعروض التجارة والجواب المعتبر في التجارة بالقيمة بخلاف صورة النزاع فإن المعتبر العين. [الثاني] لو بادل عينا بعين وكانت المبادلة
صحيحة سقط حول الأول واستأنف الحول الثاني فلو وجد به عيبا قبل الحول رده واسترجع النصاب واستأنف الحول في الراجع لعذر ملكه حين الفسخ
ولهذا لا يملك النماء الحاصل في يد المشتري وإن وجد بعد الحول فأما أن يكون قبل أداء الزكاة أو بعدها فإن كان قبل الأداء لم يكن له الرد بالعيب
502

بالعيب أما على قولنا من وجوب الزكاة في العين فلا استحقاق والفقراء اخر أين المال والشركة عيب حدث في يد المشتري فليس له الرد بالسابق وأما
على قول من أوجب الزكاة في الذمة فلان فور الزكاة من العين مرهون فلا يملك الرد كما لو اشترى شيئا ثم رهنه ثم وجد به عيبا وإذا بطل حقه
من الرد يعين له أخذ الأرش ووجبت عليه اخراج الزكاة وإن وجد العيب بعد الاخراج فإن أخرج من العين لم يكن له الرد لتصرفه في البيع وله
الأرش وإن أخرج من غيرها كان له الرد لبقاء النصاب بحاله وما تعلق به الزكاة فقد زال باخراج المالك من غير النصاب وقال بعض الجمهور
ليس له الرد لأنه زال ملكه فرجع إليه وليس بجيد لما قلناه من بقاء البيع بحاله وينزل ذلك منزلة من اشترى شيئا
ووجد فيه عيبا ثم حدث فيه عيب آخر
ثم زال العيب الحادث فإن له أن يرد بالسابق وقال بعض الجمهور وإذا أخرج من العين جاز له الرد بناء على تعريف الصفة فحينئذ يرد ما بقي و
سقط من الثمن بقدر حصة الشاة المأخوذة فيقوم ويقوم الباقي ويقسط على النصاب الذي بادل به فيما يخص الشاة المأخوذة يرجع به ولو اختلفا في قيمة الشاة المأخوذة ففيه وجها، أحدهما:
أن القول قول المشتري لان الشاة تلفت في يده فالقول قوله، والثاني: القول قول البائع لأنه يجري مجرى العادم لأنه إذا كثرت قيمتها قل
ما يعزمه فإذا قلت كثر ما يعزمه وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى. [الثالث] لو كانت المبادلة فاسدة قال الشيخ لم يزل مال واحد منهما عنه وهو جائز
في حوله فإذا تم حوله وجبت عليه الزكاة وعندي فيه تردد ينشأ من عدم إمكان التصرف فيجري مجرى المغصوب والضال ومن كون المغصوب
والضال قد حيل بينه وبين المالك فها هنا لم يحصل الحيلولة إنما اعتقد أنه غير مالك ولو طالب لاخذ فكان كالعارية. [الرابع] لو
باع النصاب قبل الحول انقطع وكذا لو باع بعضه سواء قصد الفرار أو لا وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وقال مالك وأحمد إذا فعله فرارا
وجبت الزكاة إلا إذا كان ذلك في ابتداء الحول. لنا: ما تقدم احتجوا بقوله تعالى: (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا
يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم) عاقبهم الله تعالى بذلك لفرارهم من الصدقة والجواب: إنما كان ذلك
لأنهم لم يستغنوا بالمشية. [الخامس] لو باع بعد الحول قبل الأداء قال الشيخ مضى البيع في نصيبه وبطل في نصيب الفقراء ولان أدى الزكاة من
غيره صح البيع في الجميع وللشافعي قولان أحدهما بطلان البيع لان الزكاة إن وجبت في العين فقد باع ما لا يملك ويبني على القول بتفريط
الصفقة ان وجب في الذمة فقدر الزكاة مرتهن ومع الرهن غير جايز والثاني الصحة لان الزكاة ان وجبت في الذمة والعين مرتهن فالتعليق
يعني اختياره فلا يمنع صحة البيع كالجناية إذا تعلقت بالعبد فإنه يجوز بيعه بخلاف الرهن لأنه تعلق باختياره وإن وجبت في العين
فملك المساكين غير مستقر له اسقاط يدفع غيره فصار البيع اختيارا منه لدفع غيره والأقرب عندي أنه يصح البيع في نفسه ويكون في نصيب الفقراء
موقوفا فإن أدى من غيره صح وإلا بطل إذا ثبت هذا فنقول إن أدى هذه الزكاة من غير المال لزم البيع وإن لم يؤد كان للمشتري الفسخ لتبعيض الصفقة
عليه وله الامساك بحصة من الثمن. [السادس] لو باع نصيبه بعد عزل حصة الفقراء صح البيع وللشافعي وجهان. لنا: أنه باع بالملك
التصرف فيه فيصح احتج بأنه العزل لا يتعين زكاة كما لو عزل الزكاة من غيره والجواب المنع من الحكم في الأصل فإنه نقول لو عزل الزكاة من غيره
صح البيع. * مسألة: لو أصدق امرأة نصابا من الماشية فحال عليه الحول وجبت الزكاة فيه سواء كان في يد الزوج أو المرأة وقد سلف بيان
ذلك وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة لا يجب فيه الزكاة إلا بعد القبض. لنا: أنها استحقه بالعبد وملكته فإذا وجبت فيه الزكاة بعد القبض
وجبت قبله احتج أبو حنيفة بأنه يدل عما ليس بمال فلا يجب فيه الزكاة قبل قبضه كمال الكتابة والجواب مال الكتابة غير معين وهو دين فلا يجب فيه الزكاة
ولأنه لم يستحق قبضه لان المكاتب أن يعجز نفسه بخلاف الصداق فإن المرأة يملك القبض. * مسألة: ولو رهن نصابا بعد الحول ففي صحة الرهن
تردد أقربه صحته في نصيب المالك وكون نصيب المالك وكون نصيب الفقراء موقوفا إن أداء المالك الزكاة من غيره صح وإلا فلا إذا ثبت هذا فإن لم يؤد المالك
الزكاة من غيره أخذ الساعي الزكاة منه وصح الرهن في الباقي وللشافعي قولان أحدهما فساد الرهن تفريق الصفقة كالبيع الثاني والصحة والفرق
بأن تفريق الصفقة في البيع مبطلة بجهالة العوض فيما يصح العقد فيه بخلاف الرهن فإنه لا يقابله عوض إذا فسد الرهن في الزكاة فإن لم يكن
الرهن شرطا في بيع لم يكن للمرتهن مطالبة الرهن بشئ لأجل الفساد الرهن وإن كان شرطا في بيع فهل يفسد البيع بفساد الرهن فيه إشكال وسيأتي
البحث فيه إن شاء الله وللشافعي قولان أحدهما أنه يفسد بفساده كغيره من الشروط والثاني لا يفسد لان الرهن عند منفرد يجري مجرى الصداق مع
النكاح ينعقد بعده وينفرد عنه إذا ثبت هذا فنقول إذا قلنا بفساد البيع رجع كل عوض إلى صاحبه وإن قلنا بعدمه فللبائع الخيار لأنه لم يرض بذمة
المشتري من غير وثيقة. فرع: قد قلنا أن الرهن لا يجب فيه الزكاة لعدم إشكال التصرف وللشافعي قولان فعلى القول بالصحة لا تجب على المالك
فيجب دفع الزكاة من غير العين خلافا للشافعي لأنها تجب في العين احتج الشافعي بأنها من مؤنة الرهن والمؤنة على الراهن والجواب على المنع من كون
الزكاة مؤنة إذا ثبت هذا فإن وجب الزكاة في الجنس أخذت منه وكان الباقي وهنا وإن وجب من غيره كالشاة في الخمس بيع منها بقدر الشاة فإن
بيع بغيره وليشتري منه شاة وكان الباقي رهنا. * مسألة: ولا يسقط الزكاة بموت المالك ويخرج من ماله سواء أوصى بها أو لم يوص
وعليه فتوى علمائنا وبه قال عطا والحسن والزهري وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وقال الأوزاعي والليث يؤخذ
503

من الثلث مقدما على الوصايا ولا يجاوز الثلث وقال الشعبي والنخعي وحماد بن أبي سليمان والثوري: لا يخرج إلا مع الوصية وبه قال أصحاب الرأي. لنا:
أنها انتقلت من ملكه إلى الفقر الحولان الحول فلا ينتقل إلى الوارث ولأنها حق واجب يصح الوصية به فلا يسقط بالموت كدين الآدمي ولأنها حق
مال واجب فلا يسقط بموت من هو علة كالدين احتجوا بأنها عبادة تفتقر إلى نية فيسقط بالموت كالصوم والجواب: المنع من ثبوت الحكم في الكل مع
الفضة وبالفرق بين العبادة المالية والبدنية. * مسألة: ولو تلف المال من غير تفريط سقطت الزكاة وإن كان بتفريط أو بعد إمكان الأداء
لم يسقط ذهب إليه علماؤنا وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد في إحدى الروايتين وفي أخرى لا يسقط مطلقا وقال أبو حنيفة: يسقط مطلقا
إلا أن يكون الامام قد طالبه فمنعه. لنا: أنها أمانة في يده فيسقط بالتلف من غير تفريط كغيرها من الأمانات ويجب مع التفريط الضمان كغيرها أو مع إمكان
الأداء لأنه بمنزلة مطالبة صاحب الوديعة والمنع ولأنها عبادة يتعلق وجوبها بالمال فيسقط فرضها بتلفه قبل إمكان أدائها كالحج احتج أبو حنيفة بأنها
تلف قبل محل الاستحقاق فسقطت كما لو تلف الثمرة قبل الجذاذ والجواب: أنها يحولان الحول مستحقة واحتج أحمد على روايته الثانية بأنها تجب بالذهب فلا
يسقط بتلف المال كالدين والجواب سيأتي بما يجب في العين إن شاء الله. * مسألة: ويجوز اخراج القيمة في الزكاة سواء كان ما وجبت الزكاة فيه
ذهبا أو فضة أو أحد الغلات أو أحد الحيوانات وهو اختيار الشيخ رحمه الله وأكثر علمائنا وهو مذهب أبي حنيفة وقال المفيد رحمه الله يجوز اخراج القيمة
في الذهب والفضة والغلات والحيوان أو قال الشافعي لا يجوز اخراج القيمة في الجميع وبه قال مالك وأحمد. لنا: ما رواه الجمهور عن معاذ أنه كان يأخذ
من أهل اليمن الثياب في الصدقات عوضا عن الزكاة على سبيل القيمة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن البرقي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام
من كل شئ ما فيه فأجاب عليه السلام أيما تيسر يخرج وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و
عن الدنانير دراهم بالقيمة أيحل ذلك له قال لا بأس به وفي الصحيح عن محمد بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام ليأخذ صدقته يعني المصدق فإذا أخرجها فليقمها فمن
يريد فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها وإن لم يردها فليبعها وإنما يكون أحق بها لو جاز له العدول إلى القيمة وفيه نظر ولان الزكاة
يجب على طريق المساواة تسامح صاحبها وفي تعيين المعنى ضيق بالمالك فإنه ربما احتياج إلى العين ولان القصد بيع الفقراء وذلك متساويا
بالنسبة إلى العين والقيمة احتج الشافعي بأنه عدل من النصوص عليه إلى غيره بقيمته فلم يجر والجواب لا نسلم عدم النص في القيمة أما الشيخ المفيد رحمه الله فإنه استدل
بالحديثين الأولين على جواز وإخراج القيمة فيما ذكره ولم يجد دلالة على الجواز في الباقي والقياس باطل والحديث الثالث لا يدل ظاهرا على جوازه
فافتقر بالجواز على ما عينه ونحن قد بينا وجهة الدلالة وأن المراد بالزكاة بعد الحلة ودفع الحاجة وهو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين. فروع:
[الأول] يجوز اخراج مهما شاء قيمة. [الثاني] القيمة تخرج على أنها قيمة لا أصل وبدل وبه قال أبو حنيفة وفي أصحابه من قال الواجب أحد
الشيئين فإن ما كان خرج أصلا وقال به مالك يخرج الذهب عن الفضة وبالعكس على وجه البدل لا القيمة وعن أحمد روايتان لنا ان المنصوص عليه
العين والأحاديث انما دلت على القيمة على أنها قيمة لا بدل وأصل في نفسها. [الثالث] هل يجوز اخراج المنافع كسكنى الدار الأقرب عندي
الجواز خلافا للجمهور. لنا: أنه حق مالي فجاز اخراجه قيمة كالأعيان. * مسألة: ولا اعتبار بالخلطة في الزكاة بل يخرج كل واحد من المالكين ما يحضر
من ماله إن بلغ نصابا وإلا فلا شئ عليه ولو بلغ المجموع النصاب أو أكثر سواء كانت خلطه أعيان أو أوصاف وبه قال أبو حنيفة والثوري وقال الشافعي
إن الخلطتين يزكيان زكاة الواحد خلطه أعيان كانت أو خلطة أوصاف فإذا كان بين اثنين بأربعين من الغنم أو أكثر من اثنين وجبت عليه شاة
وإن كانت ثمانون بين جماعة أو ثنتين لكل واحد أربعون وجبت فيهما شاة أيضا وبه قال الأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق وقال مالك يصح الخلطة
إذا بلغ مال كل واحد نصابا مع الاشتراك في المرعى والراعي وقال عطا وطاوس المعتبر بخلط الأعيان دون الأوصاف. لنا: ما رواه الجمهور عن
أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها وعنه عليه السلام من لم يكن له
إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبد الله بن زمعة عن أبيه أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب له في كتابه ومن
لم يكن معه إلا أربعة من الإبل وليس له مال غيرها فليس فيها شئ إلا أن يشاء ربها فإذا بلغ ماله خمسا من الإبل ففيها شاة ولان النصاب شرط
كالحول ولا يبني حول انسان على غيره وكذا النصاب احتج المخالف بقوله عليه السلام لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع الصدقة ولان في الخلطة
تخفيف المؤنة فجاز أن يؤثر في وجوب الزكاة كالسوم والجواب عن الأول: أنه حجة. لنا: إن المراد لا يجمع بين متفرق في الملك ولا يفرق بين مجتمع
فيه ولا اعتبار بالمكان وإلا لزم أن لا يجمع بين مال الواحد إذا تفرق في الأمكنة وهو منفي إجماعا وقوله ويراد أن الفصل أراد بذلك إذا
اشتركا في الأعيان مثلا لأحدهما ستون والآخر أربعون فإن المصدق يأخذ شاتين من الوسط فرجع صاحب الأكثر على صاحبه لا يقال الخلطة لا يكون
إلا بالأوصاف لأنا نقول الخلطة الحقيقة يطلق على الاشتراك في الأعيان أما في الأوصاف فبالمجاز لا يقال قد روى سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع حسنة الصدقة والخليطان ما اجتمعا في الخوص والفحل والراعي لأنا نقول حديث
504

لا يعرف صحته من طريق صحيح وقد طعن فيه أبو حنيفة ومالك فلا احتجاج به ومع تسليمه احتمل أن يكون من استكمل هذه الصفات يسمى خليطا ولا
يلزم منه وجوب الزكاة مع القصور على النصاب كما أنه لا يلزم وجوب الزكاة مع التسمية خليطا إذا كان أحدهما دينار وإن سمي خليطا. فروع:
[الأول] خليطة الأعيان هي أن يكون الماشية مشتركا بينهما لكل واحد منهما نصيب متاع بأن يرثا نصابا أو يشترياه أو يوهب لهما وخلطة الأوصاف
أن يكون مال كل واحد منهما مثمرا في دابته ومشتركا من الآخر في المسرح والمبيت والمحلب والمشرب والفحل وشرط آخرون الراعي ومالك اعتبر الراعي
والمرعى لا غير ولا أثر لذلك عندنا على ما مضى. [الثاني] كما لا أثر للخلطة في إيجاب الزكاة مع نقصان النصاب لكل واحد فكذا لا أثر لها وإسقاط
بعض حق الفقراء لو زاد على النصاب فلو كان لثلاثة مئة وعشرين شاة وجب عليه ثلث شياة والقائلون بالخلطة أوجبوا شاة واحدة وهو مذهب مالك
وقد ألزم التناقض فإنه أثبت حكم الخلطة فيما زاد على النصاب فقيل له إذا كان الناصب كل واحد منهم إذا خلط بنصاب الآخر نقصت زكاتهم فكذلك
إذا كان لكل واحد منهم أقل من نصاب فإذا خلطوا جعل كمال الواحد ووجبت الزكاة كما جعلته في الزائد وأسقطت حق الفقراء ونحن لا اعتبار
عندنا بذلك الثالث كما لا اثر للحنطة في الماشية فكذا في غيرها وللشافعية في غير الماشية قولان أحدهما لا اثر
لها فيه وبه قال مالك والثاني
انها معتبرة وعن أحمد روايتان. [الرابع] لو كان له أربعون شاة ضياع نصفها بعد ستة أشهر بطل الحول وسقطت الزكاة عندنا وقال الشافعي عليه
نصف شاة بعد إتمام حوله وعلى شريكه نصف شاة بعد إتمام حوله اعتبارا بالخلطة هذا إذا خرج الأول من عين العين أما لو أخرج منها أو من غيرها
سقطت عن الثاني لنقصان النصاب. [الخامس] لو كان له أربعون شاة مفردة وبينه وبين آخر أربعون أخرى وجب على صاحب الستين شاة ولا
يبنى على صاحب العشرين وقال الشافعي تجب على صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة وصاحب العشرين ربعها اعتبارا بالخلطة. [السادس] لو كان له ستون
خالطة لكل رجل بعشرين وجب عليه شاة ولا يبني على الشركاء وقال الشافعي يجب عليه نصف شاة وعلى كل واحد يدها اعتبار بالخلطة. [السابع]
لو كان له أربعون من الغنم في بلدين في كل واحد منهم عشرون وجبت عليه شاة سواء تباعد البلدان أو تقاربا وبه قال الشافعي وقال أحمد لا يجب فيها شئ
إذا تباعد البلدان. لنا: أنه مالك للنصاب فيجب عليه الزكاة لقوله عليه السلام في أربعين من الغنم شاة ولم يفصل ولان النصاب جميعه ملك لواحد فأشبه
ما إذا كانا في بلدين متقاربين احتج بقوله عليه السلام لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع والجواب: المراد منه في الاملاك التفرقة. [الثامن] إذا كان
له ثمانون في بلدين متباعدين أو متقاربين وجب عليه شاة واحدة وقال أحمد يجب عليه شاتان والاحتجاج لنا وله. والجواب: ما تقدم. * مسألة:
الزكاة تجب في العين لا في الذمة ذهب إليه علماؤنا أجمع سواء كان المال حيوانا أو غلة أو أثمانا وبه قال أكثر أهل العلم وللشافعي قولان وعن أحمد
روايتان. لنا: قوله عليه السلام في أربعين شاة شاة وفي خمس من الإبل شاة وفي ثلاثين من البقر تبيع وفيما سقت السماء العشر وقوله في عشرين مثقالا
نصف مثقال وفي الرقة ربع العشر ولفظه في ينظر فيه وهي تدل على الوجوب في العين وإخراج القيمة إن كان ارفاقا وتسهيلا للمالك ولأنها
تجب نصفه المال وتسقط بتلف ولأنها مطهرا للمال فكانت في عينه لخمس الغنائم والزكاة واحتج الشافعي بأنها لو وجبت في العين لوجب الاخراج
منها وضع المالك من التصرف فيها وتسلط المستحق على إلزام المالك بالأداء من العين وتسقط الزكاة بتلف العين من غير تفريط والتوالي
(باماله) فالمقدم مثله ولأنها زكاة فيجب في الذمة كالفطرة. والجواب: عن الملازمة الأول أن الزكاة وجبت معونة وإرفاقا فجاز العدول عن العين تسهيلا
للمالك وتحقيقا عنه ليشهد عليه دفعها وهو الجواب عن الملازمتين الاخرتين وعن الرابعة بتسليم الملازمة والمنع من بطلان الثاني وعن
القياس بالفرق فإن زكاة الفطرة مطهرة للبدن فوجبت في الذمة بخلاف زكاة المال. فروع: [الأول] فائدة الخلاف تظهر فيما إذا حال على
نصاب حولان ولم يؤد زكاته فعلى قولنا سقط الزكاة في الحول الثاني لنقصان المال عن الحول باستحقاق الفقراء في الحول الأول بجزء من العين وعلى
قول المخالف يجب عليه زكاتان لعدم النقصان إذ الزكاة تجب في الذمة. [الثاني] لو كان معه أكثر من نصاب فحال عليه حولان وأزيد ولم يؤد وجبت
عليه زكاة الأحوال حتى ينقص النصاب بحصول الجبران بالثاني لو كان عنده خمس من الإبل فجاز عليها حولان فإن لم يؤد في الأول وجبت عليه شاة
واحدة وإن أدى وجبت عليه مئة أخرى لعدم نقصان عين النصاب بالاخراج وقال بعض الجمهور من أوجب الزكاة في العين لو مضى عليه أحوال
لم يؤد زكاته وجب عليه مئة على كل سنة لان الفرض يجب من غيرها وهو خطأ لأنه لو كان معه خمس وعشرون وليس فيها بنت مخاض وحال
عليها أحوال أن يجب عليه في كل سنة بنت مخاض وهولا يقول بذلك بل أوجب في السنة الأولى بنت مخاض وفي كل سنة أربع شياة وإن فرق بأنه تجوز أن
يخرج أكثر من بنت مخاض فيمكن تعلق الزكاة (ففيها) الامكان الأداء منها احتسابا به يجوز أن يخرج بغير أكثر من قيمة الشاة عنها فيمكن الأداء
من العين. [الثالث] ولا يضم جنس إلى غيره في تكملة النصاب وقد أجمع العلماء كافة على ذلك في غير الحبوب والأثمان فمن كان عنده أربع من
الإبل وتسعة وعشرون من البقر لا يجب عليه شئ إجماعا فكذا من كان عنده أربعة أوسق من الحنطة ومثلها من الزبيب لا يجب عليه
شئ وإنما الخلاف في الحنطة والشعير والذهب والفضة فالذي عليه علماؤنا أجمع أنه لا يضم جنس من يده إلى غيره وبه قال عطا ومكحول وابن أبي
ليلى والأوزاعي والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال بعضها إلى بعض وعن أحمد روايتان. لنا: قوله عليه السلام ليس فيما دون خمس
505

أواق من الورق صدقة ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الصحيح عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل له مئة درهم وعشرة دنانير عليه زكاة قال لا إن كان فر بها من الزكاة فعليه
الزكاة قلت لم يفر بها ورث مئة درهم وعشرين دنانير قال ليس عليه زكاة قلت فلا يكسر الدراهم على الدنانير ولا الدنانير على الدراهم قال لا
ولأنهما مالان مختلفان في الجنس والنصاب فلا يضم أحدهما إلى الآخر كما في الماشية احتج المخالف بأنها منفعة في كونها أثمانا دار (وساق قيما)
للمتسلقات والحنطة والشعير منفعة في كونهما قوتا فيضم أحدهما إلى الآخر كالعلس والسلت والجواب: الاشتراك فيما ذكرتم لا يستلزم الضم من غيره
دلالة والسلت والعلس ضما للارفاق في الاسم. * مسألة: الدين لا يمنع الزكاة سواء كان للمالك مال سوى النصاب أو لم يكن وسواء استوعب الدين
أو النصاب لم يستوعبه وسواء كانت أموال الزكاة ظاهرة كالنعم والجواب أو باطنة كالذهب والفضة وعليه علماؤنا أجمع وبه قال حماد بن أبي سليمان وربيعة بن
أبي عبد الرحمن والعاصي ابن أبي ليلى والشافعي في الجديد وقال في القديم إذا لم يبق بعد قدر الدين نصاب لم يجب الزكاة وبه قال الحسن البصري والليث
والثوري وإسحاق وأحمد في الأموال الباطنة وعنه في الظاهرة روايتان وقال مالك الدين يمنع الزكاة في الذهب والفضة دون غيرهما وقال أبو حنيفة
الدين الذي يتوجه فيه المطالبة يمنع وجوب الزكاة في سائر الأموال إلا الحبوب والثمار لأنها خراج الأرض عنده. لنا: عموم الامر بالزكاة فلا يختص تقديم حالة الدين
إلا بدليل ولم يثبت ولأنه حر مسلم ملك نصابا حولا فوجبت الزكاة عليه كمن لا دين عليه ولان سعاة النبي صلى الله عليه وآله كانوا يأخذون الصدقات
من غير مسألة عن الدين ولو كان مانعا فسألوا عنه ولان كل مال وجب فيه الزكاة مع عدم الدين وجبت فيه مع الدين كالأموال الظاهرة مع مالك
ومع أبي حنيفة الحبوب والثمار والدين إذا كان عن كفارة أو نذر أو حج احتج المخالف بما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا كان لرجل ألف درهم وعليه ألف درهم
فلا زكاة عليه وبقوله عليه السلام أمرت أخذ الزكاة من أعيانكم فأردها على فقرائكم والمدين فقير لأنه يعطي الزكاة ولأنه محتاج إلى قضاء الدين فصرف المال
فيه أولى من الزكاة والجواب عن الأول: أنه خبر واحد فيما يعم به البلوى مع عدم اعتضاده بدليل فلا يكون مقبولا مع أن جماعة من العلماء أنكروا هذا الحديث
على أنه يحتمل أن صاحب الدين طالبه به قبل الحول وعن الثاني ان اختصاص القي بذلك عرف بدليل الخطاب وهو غير منقول عن المحققين ومع تسليمه فإن
الزكاة قد تجب على من يأخذها كمن ملك مأتي درهم وهي لا يقوم به وكذا لا يجب زكاة المال على من يقبل زكاة الفطرة إذا كان المال يعجز عن مؤنته وعن
الثالث أنه يجب عليه قضاء دينه من ماله لا من ملك الفقراء. فروع: [الأول] لا فرق بين حقوق الله تعالى ودين الآدمي في عدم المنع من الزكاة.
[الثاني] لو كان له مال تجب فيه الزكاة كان الدين فيما لا زكاة عليه ووجبت في الآخر ولو كان له نصابا وعليه دين بقدر أحدهما وجبت الزكاة أيضا
وكان المانعون من جنس أحدهما وجبت الزكاة في الآخر وإن لم يكن من جنسهما روعي حق الفقراء في ذلك. [الثالث] لو حجر الحاكم على الدين وإن
كان قد فرق المال بين غرمائه ثم حال الحول فلا زكاة لاستحقاق الغرماء المال قبل الحزل فإن حجر ثم حال عليه الحول ولم يفرق المال ولا عينه فلا زكاة
أيضا لعدم إمكان التصرف. [الرابع] لو أقر بالزكاة قبل الحجر قبل قوله سواء أصدقه الغرماء أو لم يصدقه من غير يمين أما لو أقر بعد الحجر فالأقرب القبول
أيضا لأنه أمين فيه فيكون قوله مقبولا الغرماء بل يأخذ الغرماء المال وثبت الزكاة في ذمته. [الخامس] لو استأجر أربعين شاة راعيا بشاة في
الذمة موصوفة في حال الحول وليس له ما يزيد على الأربعين وجبت الزكاة عليه عندنا لان الدين لا يمنع الزكاة والقائلون بالمنع أسقطوا الزكاة
هنا لنقصان النصاب بمال الإجارة. [السادس] لو استقرض ألفا رهن عليه ألفا وجبت الزكاة على مال القرض وهل يجب في الرهن فيه تردد
الشيخ في المبسوط الخلاف بين الوجوب لأنه مال مملوك قادر على التصرف فيه فجرى مجرى الغائب في يد الوكيل وبين السقوط لأنه ممنوع منه والقائلون
بمنع الدين أوجبوا الزكاة في ألف واحد. [السابع] لو التقط نصابا وحال عليه الحول بعد التعريف سنة فإن كان قد نوى بعد حول التفريق التملك
وجبت الزكاة في الحول الثاني وإن لم يكن له سواه والقائلون بأن الدين مانع أسقط الزكاة منها إذا لم يكن له سواه لوجوب مثله عليه لصاحبه وهل
تجب الزكاة في المثل الذي في ذمته فيه قولان إن قلنا بوجوب الزكاة في الدين وجبت هنا إلا فلا وإن لم ينو التملك لم تجب الزكاة على واحد
منها. [الثامن] إذا نذر الصدقة ببعض النصاب فإن كان بعد الحول لم تسقط الزكاة ولم يتداخلا إلا أن ينوي في نذر الصدقة بالزكاة فإن كان قبل
الحول سقطت الزكاة فلو معه مائتان فحال عليها بعض الحول قبل بمائة أو حال الحول فلا زكاة وللشافعي قولان وقال محمد بن الحسن
يخرج خمسة دراهم من كل مائة درهمان ونصف ويتصدق سبعة وسبعين درهما ونصف. لنا: أن النذر تعلق بالعين فخرج عن ملكه فلا يبقى
النصاب تاما. [التاسع] لو حال الحول على مأتين فتصدق بها فإن نوى الزكاة صح وإن لم ينو صح وضمن حصة الفقراء وللشافعي قولان أحدهما
كما قلنا والثاني يقع قدر الزكاة على الفرض والباقي عن النفل. لنا: أن الزكاة تفتقر إلى النية فلا يصح بدونها والوجه عندي أن نصيب الفقراء لا تصح
الصدقة به ولا ينتقل إلى المتصدق عليه إلا أن يضمن المالك.
{البحث الثامن} فيما يستحب فيه الزكاة، * مسألة: مال التجارة
هو المال المنتقل بعقد معاوضة قصد به الاكتساب عند التملك ولا يكفي بمجرد النية من دون الشراء فلو انتقل إليه هبة أو ميراث أو نوى العينة فلا زكاة فيه
فإنما ثبت الزكاة مع تحقق ما قلناه إذا ثبت هذا فنقول اختلفوا علماؤنا في وجوب الزكاة فقال أكثرهم بالاستحباب وقال آخرون بالوجوب وقد سلف
506

تحقيق المذهب في ذلك وقد اتفق علماؤنا على ثبوت الزكاة أما وجوبا أو استحبابا مع شرائطه فهنا مسائل. * المسألة الأولى: الحول شرط في زكاة
التجارة سواء قلنا بالوجوب أو الاستحباب وهو قول علماء الاسلام روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ومن
طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله بن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها فقال
إذا حال الحول فليزكها ولأنه مال يثبت فيه الزكاة فيعتبر فيه الحول كزكاة العين. فروع: [الأول] لو كان عنده متاع قيمته نصاب فزاد في أثناء
الحول لم يبن حول الزيادة على الأصل بل ثبتت زكاة المال عند تمام حول الاجل وفي الزيادة عند تمام حولها إذا بلغت نصابا سواء نقص في أثناء
الحول لو لم ينقص وقال مالك وإسحاق وأبو يوسف وأبو حنيفة يبني حول الزيادة على حول الأصل وقال الشافعي أن نص المال لم يبن حول الزيادة
على حول الأصل وإن لم ينص يبن. لنا: قوله عليه السلام لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول وهو صادق على الزيادة لصدقه على الأصل احتجوا بالقياس على
(الساح) والجواب قد بينا منع الحكم في الأصل. [الثاني] لو اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو دنانير قال الشيخ لا ينقطع حول الدراهم بل يبني حول العرض
على حول الأصل وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد لان المعتبر في زكاة التجارة القيمة وهي تثبت فيها فكانا كالمال الواحد ولان العلة في إيجاب الزكاة
النمو وهو إنما يثبت في حال التجارة بالتقليب والمبادلة فلو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي وجب فيه الزكاة لأجله مانعا. [الثالث]
قال الشيخ رحمه الله لو اشترى بنصاب من غير الأثمان مثل خمس من الإبل أو ثلثين من البقر أو أربعين من الغنم استأنف الحول لأنه مردود إلى القيمة بالدراهم
والدنانير لا إلى أصله وللشافعي قولان. لنا: أنه مال لم يحل عليه الحول فلا يجب فيه الزكاة قال الشيخ وإذا
كان معه سلعة ستة أشهر ثم تلفها بني
على حول الأصل لان له ثمنا وثمنه من جنسه. [الرابع] لو اشترى سعلة للتجارة بسلعة للعيبة جرت في الحول من حين انتقالها إليه وبه قال الشافعي
وأبو حنيفة وأحمد وقال مالك لا يجزي في الحول حتى يكون ثمنه عينا. لنا: عمومات الأدلة المقتضية لثبوت الزكاة في عروض التجارة يدل على صورة النزاع
ولأنه شراء للتجارة فوجب أن يجري في الحول كما لو اشتراه بالعين احتج بأن زكاة التجارة تبع لزكاة العين وبمجرد النية لا يجب كما لو ورث أو غنم أو استوهب
ونوى به التجارة والجواب: الفرق بأن الصور التي ذكرتموها لم يؤخذ فيها إلا مجرد النية وهيهنا وجدت التجارة مع النية قطعا. [الخامس] عروض
التجارة بين حول بعضها عن بعض فلو كان في يده عرض للتجارة يثبت فيه الزكاة إن قام في بلده ستة أشهر ثم اشترى به عرضا آخر للتجارة وأقام في بلده
ستة أشهر أخرى ثبت الزكاة بخلاف إذا ما بادل أحد النصب بغيره من جنسه ومن غير جنسه لان الزكاة هناك تجب في العين وههنا الاعتبار بالقيمة وكذا
العراض المال بنى حول العرض. [السادس] زكاة التجارة تثبت في كل حول وبه قال بعض أصحابنا والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي و
أحمد وقال مالك لا يزكيه إلا لعام واحد وبه قال قوم من أصحابنا. لنا: أنه مال ثبت فيه الزكاة في الحول الأول لم ينقص ولم يتبدل صفته فيثبت به الزكاة
في الحول الثاني كما لو نص في أوله وكزكاة العين. [السابع] لو اشترى سلفا في أوقات متعاقبة فإن كانت قيمة كل واحدة نصابان كل سلعة عنه
تمام حولها وإن لم يكن شئ منها نصابان كل سلعة عنه تمام حولها وإن لم يكن شئ منها نصابا وكان المجموع نصابا زكاة إذا حال عليه أجمع
الحول ولو كان الأول نصابا وليس الباقي كذلك فكل ما حال عليه الحول ضم إلى الأول وزكى كالمال الواحد. * المسألة الثانية: ويشترط
في ثبوت الزكاة بلوغ النصاب وهو قول علماء الاسلام فلو ملك دون النصاب وحال عليه الحول لم يثبت الزكاة إجماعا وهو يشترط وجود
النصاب في جميع الحول أم لا فالذي عليه علماؤنا اشتراط وجوب النصاب في جميع الحول فلو كان في ابتداء الحول دون النصاب ثم كمل نصابا زاد قيمة
السوقية أو بما يبلغ نصابا أو ملك عرض آخر للتجارة حتى بلغ النصاب اعتبر بالحول منذ كمل النصاب وكذا لو ملك التجارة نصابا ثم نقص في وسطه
الحول ثم بلغ نصابا في آخره فإنه لا اعتبار بذلك بل المعتبر حولان الحول على نصاب كامل فيه قال من الشافعية أبو العباس بن شريح وأحمد وقال
الشافعي المعتبر بلوغ النصاب آخر الحول وبه قال مالك وقال أبو حنيفة يعتبر النصاب طرفي الحول. لنا: أنه ناقص عن النصاب فلا يثبت فيه الزكاة
ولا يعيد عليه الحول كزكاة العين ولأنه مال يعتبر له الحول والنصاب فيجب اعتباره كمال النصاب في جميع الحول كغيره من الأموال ولأنه
لو وجبت الزكاة مع نقصانه في وسط الحول لوجبت في الزيادة المتحدة إذا لم يحل عليه الحول احتجوا بأنه يشق التقويم في جميع الحول فيسقط اعتباره
والجواب: لا نسلم ثبوت المشقة مع المعرفة بالأسواق وقيم المبيعات خصوصا للمقارن النصاب فإنه يسهل فيه التقويم أما غير المقارن فلا يحتاج إلى التقويم
لو سلم فالمالك يأخذ بالاحتياط كما لو قلنا في زكاة العين أو براءة الذمة على ما تقدم. فروع: [الأول] لو نقصت السلعة عن النصاب من يوم
وحال عليها الحول على النقصان فلا زكاة إجماعا فلو زادت القيمة بعد شهر وبلغت نصابا لم يثبت الزكاة حينئذ بل ابتدأ بالحول من حين البلوغ
وقال أبو علي بن أبي هريرة يجب فيه الزكاة لأنه يصيبه أول للحول بعد الشراء الشهر لان شرط الزكاة قد وجد وهو خطأ لان الحول الأول لم يبلغ فيه
نصابا فسقط حكمه فيه واستؤنف به الحول. [الثاني] وعلى مذهبنا فالبحث أظهر لو اشترى شقصا للتجارة بعشرين فحال عليه الحول وهو يساوي بأنه وقد حال عليه الحول في الزيادة
أيضا فعليه زكاة بأنه فإذا قدم الشفيع أخذ بالعشرين لان الشفعة تملك في حال الاخذ بها فالثمن الأول. [الثالث] لو اشترى شقصا فحال عليه
الحول ثم وجد به عيبا فرده به ثبت الزكاة عليه لان الرد استحداث زوال ملك لا إبطال الملك من رأس. [الرابع] لو باع السلعة في أثناء الحول قال
507

الشيخ في الخلاف استأنف حول الثمن عند من لا يوجب زكاة التجارة وبنى على قول من يوجب لان الزكاة تجب في القيمة فكانا مالا واحدا وقيل بالاستيناف
على التقديرين لان الحول معتبر في السلعة والثمن مغاير فلا يكون حول أحدهما حول الآخر ولأنهما زكاتان متغايرتان فلم يكن حول إحديهما حول الأخرى
كما لو كان الأصل فأشبه وهو الأقرب عندي. [الخامس] يقوم السلعة بعد الحول بالثمن الذي اشتريت به سواء كان نصابا أو أقل ولا يقوم بنقد البلد وقال الشافعي
إن اشتراه بعض بعوض المعينة قوم بنقد البلد وإن اشتراه بدنانير أو بدراهم قومها إن كان الثمن نصابا وإن كان دون النصاب ففيه وجهان أحدهما يقوم بالثمن و
الثاني يقوم بنقد البلد وقال أبو حنيفة وأحمد يعتبر الأحط للفقراء. لنا: أن نصاب السلعة يبنى على ما اشتريت به وذلك يقتضي اعتبار به ويؤيده ما رواه الشيخ
عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سألته سعيد الأعرج وأنا أسمع فقال انا نكبس الزيت والسمن نطلب به التجارة فربما مكث عندنا السنة والسنتين هل عليه
زكاة قال فقال إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاته وإن كنت إنما تربص به لا * * * لا تجد إلا وضيعة فليس عليك زكاة حتى
يصيرها ذهبا أو فضة فإذا صار ذهبا أو فضة فزكه للسنة التي اتجرت فيهما واعتبار رأس المال أو الربح إنما يعلم بعد الاعتبار بما قومت به احتجوا بأنه يقومها بالأحط فيه
يقع للفقراء والجواب أن فيه إضرارا بالمالك. [السادس] قال الشيخ رحمه الله لو بادل ذهبا بذهب أو فضة بفضة بناء على حول الأصل ولو بادل بغير
الجنس انقطع الحول بقوله عليه السلام الزكاة في الدنانير والدراهم وهو عام للبدل والبقاء والجواب الحول معتبر بالاجماع فيبقى العموم فالحق انقطاع الحول
كما لو بادل بغير الجنس. [السابع] لو تلفت السلعة قصار أحد النقدين دون الآخر يثبت الزكاة لأنه يصدق عليها بلوغ النصاب كما لو كان
غنيا. * المسألة الثالثة: نية الاكتساب عند التملك شرط لثبوت الزكاة وجوبا أو استحبابا وهو قول العلماء كافة فلو نوى العينة
وقت الشراء لم يثبت الزكاة قولا واحدا ولو نوى التجارة بعد ذلك أو ورث مالا أو استوهب وقصد أنه للتجارة بمجرد النية وعن أحمد روايتان. لنا: أن
الأصل العينة والتجارة عارضة ولا نعرف إليها بمجرد النية كما لو نوى الحاضر السفر لم يلتفت له حكمه بمجرد النية وكما لو نوى عموم المعاملة ولم يسمها احتج
أحمد بما رواه سمرة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نخرج الصدقة مما يقدم المبيع وبالنية يصير كذلك والجواب المنع من صيرورته كذلك وثالثة.
* المسألة الرابعة: يشترط أن يكون الاكتساب بفعله كابتياع والاكتسابات المحلة فلو ملك ميراث لم يصر للتجارة وإن نواه لها على ما مضى
وهل يشترط أن يكون التملك بعوض الأقرب أنه شرط فلو ملكه بالهبة أو باحتطاب أو الاحتشاش أو النكاح أو الخلع أو قبول الوصية لم تثبت الزكاة
لأنه لم يملكه بعوض فأشبه الموروث ويؤيده رواية سعيد الأعرج وقد تقدمت فإنه اشترط رأس المال أو الربح وهو إنما يتحقق مع العوض.
* مسألة الخامسة: يشترط في وجوب الزكاة أو استحبابها على الخلاف وجود رأس المال طول الحول فلو نقص رأس ماله ولو حبة في الحول أو
بعضه سقطت الزكاة وإن كان ثمنه أضعاف النصاب وإذا بلغ رأس المال استأنف الحول ذهب إلى ذلك علماؤنا أجمع خلافا للجمهور. لنا: أن الزكاة مثبتة
على المواساة ومشروعة الارفاق بالمساكين فلا تثبت مع الاضرار بالمالك ومع الخسران تخص الضرر ولا ينتقض بزكاة العين لأنها يجب في المتخلف
إذ هو قائم مقام النما بخلاف مال التجارة ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى متاعا
فكسد عليه ولمتاعه وقد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه فقال إن كان أمسك متاعه ينبغي به رأس ماله فليس عليه زكاة وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس
ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال وعن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه وقد كان زكى
ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حين بيعه فقال إن كان أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة. فرع: لو اشترى مأتين ففي مائة
درهم فبعد حولان الحول نقصت مئة فإن كان بعد إمكان الأداء لم يسقط الزكاة في الناقص الفه حصل بتفريطه بعد ثبوت الزكاة في المأتين
وإن كان قبل إمكان الأداء لم يضمن النقصان لعدم التفريط ولزمه خمسة أقفزة وقيمتها درهم ونصف وقال أبو حنيفة يلزمه خمسة دراهم أو خمسة
أقفرة لأنه القدر الواجب عند الحول وهو ضعيف لان النقصان من غير سنة فلا يضمن كزكاة العين أما لو زادت القيمة فصارت إلى الربع مئة تخير بين
خمسة دراهم أو قفيزين ونصف لان الواجب هو الدراهم عند الحول والمبدل يراعى قيمته وقت العطاء وقال محمد وأبو يوسف يخرج عشرة دراهم
أو خمسة أقفزة لان المعتبر بالقيمة وقت الاخراج. قال الشيخ رحمه الله زكاة التجارة تتعلق بالقيمة ويجب فيها وهو قول أحمد والشافعي في أحد
قوليه وقال في الآخر هو مخير بين الاخراج من العين ومن القيمة وبه قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد الواجب الاخراج من العين واحتج
الشيخ رحمه الله بأن النصاب معتبر من القيمة ويعتبر النصاب منه وجب الزكاة فيه كسائر الأموال وبما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال كل عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير واحتج أبو حنيفة بقوله عليه السلام وفي البر صدقته بالرأس ولأنها زكاة مال فيجب في عينه كغيره والجواب
عن الأول: بمنع الحديث وعن الثاني: بالمنع من وجوب الزكاة في المال وإنما وجبت في قيمته. فرع: يجوز بيع عروض التجارة قبل أداء
الزكاة لأنها تجب في القيمة بخلاف زكاة العين. * مسألة: زكاة التجارة لا تمنع زكاة الفطرة فلو اشترى رقيقا للتجارة وجب على المالك
زكاة الفطرة وبلغت التجارة أيضا وبه قال الشافعي ومالك وقال أبو حنيفة لا يجتمعان فتسقط زكاة الفطرة. لنا: أنه من أهل الفطرة
بمؤنة من يجب على الفطرة مع القدرة فيجب عليه الاخراج عنه لو كان للعينة احتج بأنهما زكاتان فلا تجبان بسبب مال واحد كالسوم والتجارة
508

والجواب: الزكاة في الفطرة تتعلق بالبدن دون المال وزكاة التجارة تتعلق بالمال فافترقا لافتراق الحمل بخلاف زكاة السوم والتجارة. * مسألة:
ولا يجمع زكاة العين والتجارة في مال واحد إجماعا لقوله عليه السلام لا شئ في الصدقة إذا ثبت هذا فلو ملك أربعين شاة سائمة للتجارة وحال الحول وقيمتها
نصاب سقطت زكاة التجارة على قولنا باستحبابها ويثبت زكاة العين لان الواجب يقدم على المستحب أما على قول من قال بالوجوب ففيه خلاف بينهم قال
الشيخ تجب زكاة العين دون التجارة وبه قال مالك والشافعي في الجديد وقال في القديم يزكيها زكاة التجارة وبه قال أبو حنيفة والثوري وأحمد احتج الشيخ
بأن زكاة العين أقوى للاجماع على وجوبها ووقوع الخلاف منا ولأنها تتعلق بالعين فيكون أولى واحتج أبو حنيفة بأن زكاة التجارة أحط للمساكين
لأنها يجب فيما زاد في الحساب ولقائل أن يقول على الأول لا نسلم وقوع الاجماع منها وفي غيره هذه الصورة لا يعتد القوة على أن القائل بالوجوب موجب كما
يوجب زكاة المال فلا رجحان عنده وعلى الثانية باحتمال أولوية ما سلف في القيمة وعلى الثالثة: بالمنع من مراعاة الأحط للفقراء فإن الزكاة
مساواة وعفو المال فلا يكون سببا لاضرار الملك ولا موجبا للحكم في ماله. فروع: [الأول] لو كانت قيمة الأربعين دون النصاب فحال
الحول على النقصان وجبت زكاة المال وسقطت زكاة التجارة لثبوت المقتضي لزكاة المال مع انتفاء المانع وهو وجوب زكاة التجارة. [الثاني] لو سبق
حول زكاة المال على حول زكاة التجارة مثلا اشترى بمئة وخمسين أربعين من الغنم فضمت ستة أشهر ثم بلغت القيمة مائتين فالوجه وجوب زكاة المال
عند الحول لوجوب المقتضي من غير معارضة فإذا تم حول التجارة ثبت الزكاة في الزائد على النصاب لوجود المقتضي ولا تجب الزكاة بإكمالها كما تقدم.
[الثالث] لو سبق حول زكاة التجارة كما لو اشتراه بمأتي درهم حال عليها بعض الحول وقلنا أن حول الأصل من الاتيان بنا عليه حول العرض
تثبت زكاة التجارة وسقطت زكاة المال خلافا للشافعي في أحد قوليه لثبوت المتقضي عند تمام حول التجارة وانتفاء المانع. [الرابع] لو اشترى
أرضا للتجارة فزرعها أو نخلا لها فأثمر فإذا وجبت الزكاة العين في الزرع والثمر أخرجها وهل تسقط زكاة التجارة في الأرض النخل للشافعي قولان
أحدهما السقوط واختاره الشيخ لان المقصود بالأرض الزرع وبالنخل التمر وقد ركب الثاني الثبوت في قيمة
النخل والأرض لان المخرج من التمر والزرع
والثابت في القيمة للأرض النخل فلم يتنافيا كالاخراج وهذا الأخير عندي أقرب. [الخامس] لو كان مكان النخل عرسا لا زكاة فيه أو زرعا
لا يثبت فيه الزكاة تثبت زكاة التجارة إجماعا لثبوت المقتضي وانتفاء مانعية وجوب زكاة العين كما لو اشترى معلومة للتجارة وكذا لو كانت
العين لا تبلغ نصابا إلا بالقيمة كما لو ملك ثلثين من الغنم للتجارة قيمتها مأتي درهم ولو ملك نصابا سائما قيمته أقل من نصاب الأثمان وجبت
زكاة العين إجماعا. [السادس] لو كان معه مأتي درهم فاشترى بمائة وخمسين عرضا فلما تم الحول قوم العرض ولم ينقص عن القيمة
نعم إلى الخمسين وثبتت الزكاة وإن لم يبلغ قيمته سقطت الزكاة. [السابع] لو كان معه مئة درهم فاشترى عرضا قيمته وسط الحول مائة و
خمسين واستعار خمسين درهما أخرى ضمها الجميع من حيث بلوغ النصاب واستأنفتا حولا. * مسألة: إذا دفع رجل إلى غيره ألف درهم قرضا
على النصف فربح ألفا ضمها حصة المالك من الربح إلى رأس ماله وأخذ الزكاة منه هذا اتفق الربح والأصل في الحول أما لو لم يتفقا
أخذنا منه زكاة رأس المال فإذا حال الحول على الزيادة أخذنا الزكاة من حصته والباقي على العامل إن قلنا أن له قسطا من الربح وهو المشهور في
المذهب وإن أوجبنا له أجرة المثل فزكاة الجميع على المالك والشافعي وإن أثبت للعامل حصة اختلف قوله فتارة أوجب زكاة الجميع على المالك لان
للعامل أن يملك بعد القسمة وتارة أوجب على العامل زكاة نصيبه لأنه يملكها بالطهور والصحيح بناء على القول بإسقاط زكاة ما نصب العامل
من الربح عن المالك لأنه متردد بين أن يكون للمالك وبين أن يسلم العامل فإلزام المالك بما ليس له بوجه النية باطل. فرع: إذا قلنا إن
العامل بملك الحصة متى يخرج تردد الشيخ بين تعجيل الاخراج وتأخيره إلى القسمة ووجه التردد أن الربح وقاية لرأس المال فيتأخر الاخراج
حتى يقسم لأنه يعرضه الذهاب ولهذا منع من التصرف فيه بحق نفسه والاختصاص به ولأنه لو ملك ملكا مستقرا لاختص بربحه فليس كذلك فإنه لو كان
رأس المال عشرة فربح عشرين ثم اتجر فربح ثلثين كان ربح الخمسين بينهما ولو كان يملك الحصة بالاستقرار بمجرد ظهور الربح لكانت له عشرة
من العشرين الأولى واختص بربح عشرة من الثلثين بقسطها وقسمت العشرين الباقية بينهما نصفين فتملك المضارب ثلثين ورب المال
مثلها وليس كذلك إجماعا وبين حصول الملك للعامل بظهور الربح ويملك الفقراء حصتهم منه فلا يكون دمائه والأقرب عندي الأول. فرع:
لو أذن كل واحد من الشريك لصاحبه في اخراج زكاة أو أذن كل واحد غير الشريك للآخر في اخراج زكاته وزكاة صاحبه دفعة واحدة قيل
يضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه لان كل واحد منهما انعزل حكما من حيث أن الموكل فعلى ما تعلقت الزكاة به فإن عزل الوكيل والوجه أن يقال
إن علم المخرج باخراج صاحبه ضمن وإن لم يعلم فإنا قلنا الوكيل لا ينعزل قبل العلم بالعزل لم يضمن أيضا وإن قلنا أنه ينعزل بالعزل وإن لم
يعلم فهل يضمن أم لا الأقرب عدم الضمان لأنه عبرة بتسليطه على الاخراج والأمن به ولو أخرج أحدهما قبل الآخر فلا ضمان على المتقدم ولا على المتأخر
على الخلاف فيه. فرع: لو كان عنده نصاب للتجارة فنوى في وسط الحول العينة فإن كان سائما من أول الحول إلى آخره فالأقرب البناء على ما تقدم
من الحول وقال أبو حنيفة يبتدئ حولا من حين نية (الافنا) لها وجود المقتضي والسوم ثابت فيثبت الحكم. فرع: إذا اشترى سلعة بدراهم فحال
509

عليه الحول أو باعها بالدنانير قومت السلعة دراهم وأخرج منها الزكاة لان الزكاة تجب في ثمنها وقد كان دراهم ولو باعها قبل الحول بدنانير وحال
الحول قومت الدنانير دراهم لأنها ثمن الدراهم التي حال عليها الحول. فرع: لو نتج مال التجارة كان النتاج مال التجارة أيضا وللشافعي وجهان و
يجبره نقصان الولادة في نصاب التجارة وليس حوله حول الأصل خلافا للشافعي. * مسألة: ويستحب الزكاة في الخيل على ما تقدم ولها شروط
أربعة. الأول: الملك فلا يستحب في المستعار والشرط تمامه ولو كانت مغصوبة أو ضالة لم يستحب الزكاة أيضا. الثاني: السوم فلا يستحب في المعلوفة زكاة.
الثالث: الحول فلا يستحب إلا بعد الحول. الرابع: الأنوثة فلا يستحب الزكاة. والأول: مجمع عليه بين القائلين بالوجوب أو الاستحباب و
كذا الثاني، لان العلف يستوعب الفائدة فإيجاب الزكاة زيادة إضرار فتسقط به الزكاة كالانعام ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح
عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما بشئ؟ فقال: لا ليس على ما يعلف شئ إنما الصدقة على السائمة
المرسلة في مرحها عامها الذي (يقتنيها) فيه الرجل فأما ما سوى ذلك ليس فيه شئ. وأما الثالث: فهو مجمع عليه بين القائلين سواء الزكاة وجوبا أو استحبابا
لقوله عليه السلام لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول. وأما الرابع: فهو إجماع علمائنا وأبو حنيفة في الذكور مع الإناث ولو انفردت من الذكور
أو الإناث روايتان. لنا: أن النتاج في الحيوان معتبر في إيجاب الزكاة وليس ذلك موجودا في الذكور ويؤيده ما
رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام هل في البغال شئ فقال لا قلت وكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال فقال إن البغال
لا تلقح والخيل الإناث يلقحن وليس على الخيل الذكور شئ. * مسألة: ويخرج من كل عتيق في كل سنة ديناران وعن كل برذون في كل عام دينار
ذهب إليه علماؤنا أجمع وقال أبو حنيفة تخير أربابها بين أن يؤدوا عن كل فرس دينارا واحدا ويقوم الجمع ويؤخذ من كل مأتي درهم خمسة دراهم
ولم يفصل. لنا: أن العتق أشرف من البرذون والبيع به أكثر وزيادة النمو تناسب زيادة في الاخراج ويؤيده ما رواه الشيخ في
الحسن عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قالا: وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام
دينارين وجعل على البراذين دينار احتج أبو حنيفة بكتاب عمر إلى أبي عبيدة في صدقة الخيل فإنه لم يفصل فيه والجواب خبرنا أرجح لان فيه تفصيلا و
يحتمل رواية عمر على البراذين. * مسألة: ويستحب الزكاة في كل ما يخرج من الأرض غير الغلات الأربع
التي يجب فيها الزكاة بشرط الكيل والوزن
كالأرز والسمسم والعدس والذرة وأشباهها لأنه نام فاستحب اخراج الزكاة منه شكرا لله تعالى فيه ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن
مسلم قال سألته عليه السلام عن الحرث ما يزكى منه؟ فقال: البر والشعير والذرة والدخن والأرز والسلت والعدس والسمسم كل هذا يزكى وأشباهه وفي الصحيح
عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال كلما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وآله الصدقة في كل شئ
أنبتته الأرض إلا الخضر والبقول وكل شئ يفسد من يومه وقلنا الزكاة هنا على الاستحباب لما تقدم من سقوط الزكاة فيما عدى التسع. فروع:
[الأول] الشرط هنا كما في الغلات الأربع من الملك والنصاب بقوله عليه السلام ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وحديث زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
ولا نعلم فيه خلافا. [الثاني] القدر المخرج العشر إن كان سقي سيحا أو شبهه ونصف العشر إن كان سقي بالدوالي والنواضح وأشباههما بلا خلاف.
[الثالث] البحث في اختلاف السقي واتفاقه كما تقدم في الغلات الأربع بلا خلاف. [الرابع] الزكاة في الخضر كالبقول والبطيخ وأشباهه إلا
أن يباع ويحول على ثمنه الحول إذا كان الثمن من أموال الزكاة بلا خلاف روى الشيخ في الصحيح عن جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا عفى
رسول الله صلى الله عليه وآله الخضر قلت وما الخضر قال كل شئ لا يكون له بقاء كالبقل والبطيخ والفواكه وشبه ذلك مما يكون سريع الفساد وقال
زرارة قلت لأبي عبد الله عليه السلام هل في القصب شئ؟ قال: لا وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن الخضر فيها زكاة وإن بيع بالمال
العظيم فقال: لا حتى يحول عليه الحول. * مسألة: ويستحب الزكاة في المساكن والعقارات والدكاكين إذا كانت للغلة يخرج من غلتها الزكاة أما إذا
لم يكن دار غلة ولا عقارا متخذا للأجرة لم يستحب الزكاة إجماعا ولا يستحب أيضا في الأقمشة والأثاثات والفرش والأواني والرقيق والأشبه
عدا ما تقدم.
[المقصد الثالث] في وقت الوجوب والمتولي للاخراج والكلام في النية وفيه مباحث {الأول}
لا يجب الزكاة في الانعام حتى يحول عليها الحول إحدى عشر شهرا ثم يهل الثاني عشر وهي على الشرائط طول الحول وقد تقدم بيان ذلك كله فإذا
أهل الثاني عشر وجب دفع الزكاة على الفور وكذا إذا صفت الغلة واقتطعت الثمرة وجب الاخراج على الفور وهو قول علمائنا وبه قال الشافعي
وأحمد وقال أبو حنيفة بالتأخير ما لم يطالب وبه قال أبو بكر الرازي من أصحاب أبو حنيفة. لنا: قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) والامر
عند بعض أصحابنا وعندهم على الفور ولان الفقراء بحاجتهم يطلبون بشاهد الحال فيجب التعجيل كالوديعة والدين المال ولان الدينية معينة
ثابتة دالة على الفور وهو حاجة الفقراء فإنها تأخر فثبت الفور لان فيه دفعا للحاجة تأخرا ولأنها عبادة تتكرر فلا يتأخر إلى وجوب مثلها
كالصلاة والصوم والصلاة ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يكون عنده المال أيزكيه إذا مضى نصف السنة
فقال لا ولكن حتى يحول عليه الحول ويحل عليه أنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا في وقتها وكذلك الزكاة ولا يصوم أحد شهر رمضان إلا في شهر
510

إلا قضاء وإنما تؤدى إذا حلت والاستدلال به من وجوه. {أحدها} قوله حتى يحول عليه الحول جعله غاية لعدم الوجوب بقوله أيزكيه والجواب:
يتضمن السؤال فكأنه في تقدير نعم يزكيه بعد الحول والامر للوجوب. [الثاني] التشبيه بالصوم فكما منع عليه السلام من التقديم سببا بالصلاة فكذا في التأخير
عملا بقوله عليه السلام وكذا الزكاة الدال على الشبهة. [الثالث] يشبهه عليه السلام بالصوم ويؤكده قوله إلا قضاء وفي الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها. فروع: [الأول] إذا بعث إليه زكاة ليفرقها ووجد المستحق واخر ضمن
بالتلف لان التأخير مع إمكان الدفع تفريط وكذا لو خشي إذا أخر الدفع لما أوصى إليه بدفعه الامكان ويؤيده ما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي
عبد الله عليه السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت فقال ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان قلت فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت
وتغيرت أيضمنها قال لا ولكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها. [الثاني] لو كان عليه ضرر في الاخراج جاز
له التأخير إجماعا لان الزكاة معونة فلا يعود بالضرر على المالك ولان تأخير دين الآدمي جائز مع الضرر فكذا حق الله تعالى. [الثالث]
لو أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها كالقرابة أو ذي الحاجة الشديد مع وجود المستحق ضمن قليلة كانت أو كثيرة لأنه قد فعل حراما وقال أحمد يجوز
في القليلة دون الكثيرة. لنا: أنه أخر الواجب على الفور عن وقته فلا يجوز كالكبيرة. [الرابع] يجوز التخصيص والاشتراك على ما يأتي فلو
كثر المستحقون في البلد وتمكن من الدفع إليهم جاز له التأخير في الاعطاء لكل واحد بمقدار ما يعطي غيره وفي الضمان حينئذ تردد. * مسألة:
ويجوز للمالك عزل الزكاة بنفسه وتعينها وإفرادها من دون إذن الساعي لان له ولاية الاخراج بنفسه فيكون له ولاية التعيين قطعا ولان
الساعي يجبر المالك في اخراج أي فرد شاء من أفراد الواجب ولأنه أمين على حفظها إذ الزكاة تجب في العين فيكون أمينا على بقيتها و * * * * * * ولان
له دفع القيمة وتملك العين فله إفرادها ولان منعه من إفرادها ينبغي منعه من التصرف في النصاب وذلك ضرر عظيم ولان له دفع أي قيمة شاء فيتخير في
الأصل ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا حال الحول فإخراجها من مالك ولا تخلطها بشئ
وأعطها كيف شئت. فروع: [الأول] لو أخرجها عن ملكه ولم يسلمها إلى الفقراء ولا إلى الساعي مع المكنة ضمن بالتأخير ولا يكفي التعيين
والافراد لأنا قد بينا وجب الاخراج إلى الفقراء على الفور. [الثاني] لو أخرجها عن ملكه ولم يجد الساعي ولا الفقير فتلفت من غير
تفريط سقطت عنه وبه قال مالك وقال الشافعي إذا لم يفرط في الاخراج ولا في حفظ المخرج رجع إلى ماله وإن كان الباقي نصابا أخرج الزكاة
وإلا فلا وقال أحمد لا تسقط الزكاة مطلقا وبه قال الثوري والزهري وحماد وقال أبو حنيفة ترك ما بقي إلا أن ينقص عن النصاب فيسقط
الزكاة فرط أو لم يفرط. لنا: أنها تعينت زكاة بتعين المالك وسقطت الزكاة عن المال بالتعيين على ما تقدم فإذا بلغت لم يضمن كالوديعة أما
مع التفريط في الحفظ أو في الاخراج فإنه يضمن كالوديعة إذا فرط في حفظها أو منع الدفع مع المطالبة وإمكانه احتج المخالف بأنها حق على رب المال
تلف قبل وصوله إلى مستحقه فيضمن والجواب المنع من ثبوتها في الذمة على ما سلف. [الثالث] ولو دفع إلى الفقير زكاته فقال له الفقير اشتري بها
ثوبا أو طعاما فلم يقبضها فذهب ضمن المالك لان الفقير إنما يملك الزكاة بالقبض ولم يحصل المتوكل قبل لملك فاسد وقد تمكن المالك من الدفع
إليه ولم يفعل فكان الضمان لازما أما لو قبضها الفقير ثم دفعها ليشتري به لها شيئا فتلفت لم يضمن إلا مع التفريط. [الرابع] روي جواز التأخير
إلى شهر وشهرين مع العزل روى الشيخ عن يونس بن يعقوب في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له زكاتي تحل على شهر يصلح لي
أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدة فقال إن حال الحول فأخرجها من مالك ولا تخلطها بشئ ثم أعطها كيف شيئت
قال قلت وإن أنا كتبتها أثبتهما يستقيم لي قال نعم لا يضرك وعن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها
شهرين والأقرب عندي في هذا الباب أن التأخير إنما يجوز للعذر فلا يتعذر لوقت بل يتقدر بقدرها لما بيناه من وجوبها على الفور
ولو أخرج مع إمكان الأداء ضمن على ما بين ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في
الرجل يخرج زكاته فيقسم بضعها ويبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر قال لا بأس وهذا يدل على جواز التأخير
مع العذر أما مع عدمه فلا لما سبق. * مسألة: ولا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب وبه قال ربيعة ومالك وداود وقال أبو حنيفة
والشافعي وأحمد يجوز إذا كان معه نصابا. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا يؤدي زكاة قبل حلول الحول ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يكون عنده المال أيزكيه إذا مضى نصف السنة قال لا
ولكن حتى يحول عليه الحول ويحل عليه أنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها وكذلك الزكاة ولا يصوم أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء وكل فريضة إنما تؤدى إذا
حلت وفي الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أيزكي الرجل ماله إذ مضى ثلث السنة قال لا يصلي الأولى قبل الزوال والشبه يفهم
منها بالطريق النحوي التعميم من ثلث السنة وغيره ولان الحول شرط فلا يجوز تقديم الزكاة عليه كالنصاب ولأنها عبادة مؤقتة فلا يقدم على
الوقت كالصلاة احتج المخالف بما رواه علي عليه السلام أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وآله في تعجيل صدقته قبل أن يحل فرخص له في ذلك
511

وعن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعمر إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام ولأنه حق آدمي فجاز تعجيله كالدين المؤجل ولان كفارة
الحنث يؤدى قبل الحنث فكذا هنا والجواب عن الحديثين: بأن يحمل التعجيل على سبيل الفرض على الزكاة وأنه زكاة معجلة كما ذهب إليه ابن الجنيد
من علمائنا والشيخ رحمه الله في بعض أقواله وعن الاوقتة (البقية) بالمنع من ثبوت الحكم في الأصول التي ذكروها إلا في الدين المؤجل فإن الحكم ثابت فيه لكن
الفرق ظاهر لأنه مستقر في الذمة وحق ثابت بخلاف الزكاة فإنها لا تجب في الذمة ولا في العين إلا بعد الحول فالتعجيل ثم لما هو في الذمة
فجاز بخلاف صورة النزاع قال المفيد رحمه الله قد جاء رخص عن أهل البيت عليهم السلام في تقديمها شهرين قبل محلها وجاء ثلاثة أشهر وأربعة أشهر عند
الحاجة إلى ذلك رواه في الصحيح معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرم قال: لا بأس
قلت فإنها لا تحل عليه إلا في المحرم فيعجلها في شهر رمضان قال: لا بأس وعن الحسين بن عمر عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يأتيه
المحتاج فيعطيه من زكاته في أول السنة فقال إن كان محتاجا فلا بأس وعن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين
وتأخيرها شهرين وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يعجل زكاته قبل المحل فقال إذا مضت خمسة أشهر فلا بأس قال الشيخ رحمه الله
هذا الروايات منزلة على الفرض فيكون صاحبها ضامنا متى جاء الوقت وقد أيسر المعطي ولا يقض على الاستحقاق واستدل على تأويله بما رواه ابن
أبي عمير عن الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطي قبل رأس السنة قال: يعيد المعطي الزكاة. فروع: [الأول]
لو كان معه أقل من نصاب فأخرج زكاة النصاب ناويا أنه إن تم النصاب كان ما أخرجه زكاة معجلة لم يجز إجماعا لأنه قدم الزكاة على سببها فصار
كما لو قدم الكفارة على اليمين والحنث أما لو كان معه نصاب فأخرج زكاة نصابين معجلة لم يجز عندنا على ما تقدم أما القائلون بجواز التعجيل
فقد اختلفوا هنا فقال الشافعي وأحمد وزفر يجوز من نصاب واحد وقال أبو حنيفة يجوز على النصابين بناء على أصله من أن ما يستفاد ويضم إلى ما عنده
في الحول ووجود النصاب سبب في وجوب الزكاة فيما يستفيده فإذا وجد سبب الوجود جاز التعجيل والوجه ما قاله الشافعي لأنه عجل زكاة مال ليس في ملكه
فلم يجز كالنصاب الأول ولان الزائد من الزكاة سبب للزائد من الملك ولم يوجد. [الثاني] لو كان له مئة شاة تعجل زكاة أربعمائة عن الموجود
وما يتوالد منها فتوالدت أجزأت عند أبي حنيفة وهو ظاهر وتردد الشافعي من حيث أن السخال تابعة للأمهات والوجه عدم الاجزاء لان التبعية
إنما يكون مع الوجود وهي حين التعجيل معدومة ولو كان معه عشرون شاة حوامل فعجل شاة عنها وعن أولادها فتوالدت عشرين لم يجز عند
الشافعي لأنها لا تبيح ما نقص عن النصاب. [الثالث] لو عجل زكاة أربعمأة درهم غير سلعة وللتجارة قيمتها مائتان ثم زادت عنه الحول
أربع مئة فعندنا لا يجوز لان الواجب في قيمة الفرض والاعتبار بالقيمة في آخر الحول عنده بخلاف السخال
فإنها يتعلق
بالعين ولو كان معه أقل من نصاب للتجارة فأخرج عن نصاب أجزأه إذا زادت القيمة وبلغت نصابا عنده. [الرابع] لو عجل زكاة أربعين
شاة ثم تولدت أربعين سخلة فماتت الأمهات قبل الحول وبقيت السخال لم يجز عندنا وتردد الشافعي من حيث أن السخال دخلت في حول
الأمهات وقامت مقامها ومن حيث أنه عجلها قبل ملكها مع تعلق الزكاة بعينها. [الخامس] كما لا يجوز تعجيل زكاة حول واحد عندنا نعدم تعجيل زكاة
حولين أولى واختلف القائلون بالجواز هنا فجوزه قوم لأنه تعجيل لها بعد وجود النصاب فأشبه تقديمها على الحول الواحد ومنع منه آخرون لان النص ورد بتعجيل
زكاة حول واحد. [السادس] اختلفوا في جواز تقديم زكاة الزرع فمنع منه قوم وجوزه آخرون بعد وجود الطلع والحصرم ونبات الزرع
لان وجود الزرع سبب فيها وإدراكه يجري مجرى الحول. * مسألة: ولو قدم الزكاة على سبيل الفرض كما قاله الشيخ بمعنى أنه يستحقه القابض عوضا
عن الزكاة إذ لا استكملت شرائط الوجود والاستحقاق فإن بقي المال على صفة الوجوب والمستحق على صفة الاستحقاق أحب ذلك الفرض من الزكاة
عند حولان الحول وإن تغيرت حال المالك أو حال القابض استعيدت اليمين أن كانت موجودة والقيمة عند البعض إن بلغت ولو زادت العين زيادة متصلة
استعادها المالك زيادة ولو كانت منفصلة كاللبن والصوف والولد قال الشيخ يستعيدها المالك أيضا قيل أنه نماء حصل في ملك القابض فلا يستعيدها
الفرض والجواب المنع من ملك القابض لأنه قبضها على سبيل الزكاة المعجلة في الحقيقة
لان المالك إنما أفرضها كذلك وحينئذ يمنع المالك هنا ولو ملك القابض كما غيره من الفرض لم يكن للمالك استعادة العين. فروع: [الأول]
لو عجل الزكاة على ما قاله الشيخ من كونها فرضا لا أنها زكاة معجلة جاز له استرجاعها عند حولان الحول ودفعها إلى غيره واء تغيرت حاله أو لم تتغير وسواء
تغير حال المالك أو لم يتغير لان الزكاة عندنا لا يجوز تعجيلها والفرض يجوز المطالبة والمجوزون لتقديم الزكاة لم يجعلوا له الاسترجاع إن بقيت الشرائط
على حالها أما لو تغيرت حال الاخذ بموت أو غنى أو ردة فالذي يقتضيه مذهبنا عدم الاجزاء وجواز المطالبة وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأحمد ليس الاسترجاع
لنا إن بقاء صفات الاستحقاق شرط وقد عدم قبل الحول فجرى مجرى لو عدم المال قبله أو مات رب المال احتجوا بأنه حق أداه إلى مستحقه فأجزأه كما لو أدى
الدين المؤجل قبل الاجل والجواب: الفرق بأن الدين مستقر في الذمة بخلاف الزكاة. [الثاني] لو تلف الساعي من غير مسألة المالك ولا الفقراء
فإن حال الحول والمالك والقابض على الصفات المعتبرة وقعت موقعها وإن تغيرت حال الدافع والمدفوع أو حالهما معا استردها الامام بدفعها
512

إلى غيره إن كان التغير من الفقر خاصة وإلا ردها على المالك هذا تغيرت بعد الدفع وإن تغيرت قبل الدفع ضمنها الساعي سواء فرط أو لم يفرط وبه قال
الشافعي وقال أبو حنيفة وأحمد لا يضمن من التفريط. لنا: أنه قبضه من أهل الرشد من غير ولاية وكان ضامنا كالأب يقبض لابنه الكبير احتج المخالف بأن
الساعي له ولاية القبض والجواب المنع من ثبوت الولاية مع عدم وجود الدفع. [الثالث] لو تلفها الساعي بمسئلتها وحال الحول ولم يتغير
الحال وقعت موقعها وإن تغيرت بعد الدفع فالحكم كما تقدم وإن تغيرت قبله وهلكت من غير تفريط قال به الشيخ الأولى أن يكون ضمنها لان كل فرقه إليها
إذن في ذلك ولا ترجيح لأحدهما على صاحبه وللشافعي وجهان أحدهما: أنه من ضمان المالك لأنه أقوى جئنا من الفقراء، والثاني: أنه من ضمان الفقراء
لأنه قبضه لمنفعتهم بإذنهم فكان من ضمانهم وهذا البحث لا يتأتى على الفرض لان الفقراء لا اعتبار بتسليمهم إذ لا يستحقون شيئا على اليقين فيكون
الساعي في الحقيقة وكيلا للمالك في التسليم فيجب عليه الإعادة كما لو بلغت في يد الوكيل. [الرابع] لو تلفها بإذن الفقراء خاصة فإن حال الحول
ولم يتغير الحال وقعت موقعها وإن تغيرت الحال بعد الدفع فالحكم ما تقدم وإن كان قبله وهلكت في يد الساعي قال الشيخ ضمن أهل السهمين لإذنهم
وعلى ما حررناه لا ينافي هذا ولو تلفها بإذن المالك خاصة ولم يتغير الحال وقعت موقعها وإن تغيرت بعد الدفع فالحكم ما تقدم وإن كان
قبله وهلكت في يد الساعي فالمالك ضامن لان الساعي أمين. [الخامس] ما يتعجله المستحقون يقع مترددا بين الزكاة وإن يسترد وبه قال الشافعي
وقال أبو حنيفة هو متردد بين الزكاة والتطوع وليس بالمعتمد لان المالك لم يقصد التطوع فلا ينصرف إلى غير ما قصده إذ ثبت هذا فنقول
إن حال الحول ولم يتغير حال المالك ولا حال الفقراء وقعت الزكاة موقعها أن تغيرت حال المالك بموت أو عدة أو نقص النصاب لم يقع زكاته ويجوز
له استرجاعه وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة ليس له الاسترجاع إلا أن يكون في يد الساعي أو الامام. لنا: مال دفع عوضا عما يستحق
في ذمته في ثاني الحال وقد طوى مانع الاستحقاق فللدافع الاسترداد كما لو دفع أجرة الدار فانهدمت احتج بأنها وصلت إلى يد الفقير فليس له استرجاعها
كما لو شرط أنها زكاة معجلة والجواب أنه مع عدم الاشتراط يحتمل التطوع فلا يقبل قوله في الرجوع بناء على الظاهر أما لو مات الفقير فإنها مجزية
فيحتسب لها من الزكاة لان الدين على الميت يجوز احتسابه من الزكاة إذ لم يخلف شيئا أحد الزكاة لو كان حيا ولو تغيرت حاله بردة أو غنى لم يجزه
وجاز له استرجاعها وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة ليس له الاسترجاع. لنا: أن بقاء حال الفقير على صفة الاستحقاق شرط في الآخر وقد فقد
قبل الحول فلم يجز كما لو مات المالك. [السادس] في كل موضع للمالك الاسترجاع فإنه استرجع العين إن كانت باقية ومثلها إن كانت
تالفة وإن تعذر المثل أو لم يكن من ذوات الأمثال وجبت القيمة يوم التلف أو يوم القبض فيه تردد ينشأ من تملكه للعين
فما زاد نقص فإنما هو في ملكه فالمعتبر وقت القبض كما لو تلف الصداق في يدها ثم طلقها فإنها تضمن النصف يوم القبض ومن كون حقه انتقل
إلى القيمة من العين يوم التلف فكان المعتبر يوم التلف كالعارية بخلاف الصداق فإن الواجب نصف المسمى ولهذا زيادته بالغة من الرجوع
في العين الأخير عندي أقوى. [السابع] لو أيسر الفقير فإن كان بمعنى المدفوع وقعت الزكاة موقعها ولا
يسترجع لأنه وقعت إليه
ليستغني أو يرجع خاصة وقد حصل الفرض فلا يمنع الأخير أما لو استرجعناها منه فصار فقيرا فجاز صرفها بعد ذلك إليه وذلك لا معنى له
وإن أيسر بغيرها كما لو ورث أو غنم أو وجد كنز استرجعت منه لأنا أعطاه على جهة الدين وإنما يجب عليه بعد الحول وحينئذ لا يجوز عنه لأنه
غني أما لو أيسر بنمائها لو كانت له إبلا فتوالدت أو أموالا فاتجر بها قال الشيخ لا يرجع الزكاة أيضا لما ذكرنا من العلة وفيه نظر لان المقبوض
كان قرضا عنده وإنما القرض للمقترض. [الثامن] إذا كان النصاب يتم بالمدفوع فالوجه عندنا سقوط الزكاة لأنه يدفعها قرضا فيخرج عن
ملكه والدين لا يضم إلى العين عندنا أما المجوزون للتعجيل والقائلون بوجوب الزكاة في الدين فالبحث فيه كما لو تم بغيره إذا ثبت هذا فلو كان في يده
أربعون شاة فعجل واحدة منها ثم حال الحول قطت الزكاة عندنا لما قلنا وعند الشيخ ثبتت الزكاة قال لأنها نفد في ملكه ما دامت عليها
باقية فإن أتلفها المدفوع إليه قبل الحول فقد انقطع النصاب ولا يجب على صاحبه زكاة وله استرجاع الثمن وهذا الكلام من الشيخ يدل على أن
المدفوع ليس فرضا محضا ولا زكاة معجلة. [التاسع] لو أيسر بعد الدفع ثم افتقر قبل الحول أو حال الحول وهو فقير قال الشيخ جاز الاحتساب
لان المراعي في صفة المستحق حال حول الحول ولا عبرة بالمتقدم وهو أحد الوجهين للشافعي وفي الثاني لا يجزيه لأنه بالاستيفاء بطل
قبضه فلم يجز كما لو دفعها إلى غني ثم افتقر أما لو دفعها إلى غني ثم افتقر عند الحول قال الشافعي لا يجزيه لان التعجيل للأوقات وهو ليس
من أهله فلا يصح التعجيل وعلى ما قلناه نحن من أن الدفع على سبيل الفرض جاز الاحتساب. [العاشر] إذا دفع القرض فإن ذكر حال الدفع
أنه قرض جاز له الاسترجاع وإن لم يذكر بل قال هذه زكاتي وأطلق بنى على الظاهر من كونه صدقة فلا يرجع فلو اختلفا فأدعي المالك
الذكر فالقول قول القابض مع اليمين وكذا لو قال المالك هذه صدقة لو لم يكن له الاسترجاع لأنها تقع على الواجب والندب وليس له الرجوع
في كل واحد منها إلا مع تقييد التعجيل قال الشيخ ولو كان الدافع هو الوالي لا المالك كان له الاسترجاع أطلق أو قيد وهو جيد لان
التهمة منفية هنا بخلاف المالك فإن الساعي نائب عن الفقراء فقيل قوله عليه بخلاف المالك فإنه يدعي لنفسه. [الحادي عشر] لو دفع خمسة
513

دراهم معجلة عن مأتي درهم ثم أتلف درهما قبل الحول سقطت الزكاة بنقصان النصاب وله الاسترجاع لفقدان الشرط فإن كان قد فرط في ذلك طلبا
للاسترجاع لان الزكاة لم يجب عليه عند التفريط. [الثاني عشر] ما تعجله إلى الفقراء يكون في حكم المفقود ويزول ملكه عنه عندنا وعند أبي
حنيفة خلافا للشافعي إذا ثبت هذا فنقول إذا كان معه أربعون شاة فعجل واحدة ثم حال الحول سقطت الزكاة عنه عندنا وعند أبي حنيفة و
أجزأت عند الشافعي ولو كانت معه مئة وعشرون فجعل شاة ثم نتجت شاة ثم حال الحول لم يجب عليه اخراج آخر عندنا وعند أبي حنيفة خلافا للشافعي
{الثالث عشر} لو كان معه خمس من الإبل فعجل عنها شاة وله أربعون من الغنم فهلكت الإبل فإذا صرف شاة إلى الغنم جاز له ذلك لان له
الاسترجاع على ما قلنا فالصرف أولى {الرابع عشر} إذا مات المالك بعد تعجيل الزكاة انتقل النصاب إلى الوارث وانقطعت الحول وابتدأ
الوارث بالحول وهل يجزى المورث فيه احتمال للاجزاء لان الوارث يقوم مقام الميت في الملك فيقوم مقامه في حقه ولعدمه لأنه يؤدى
إلى تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب فإن قلنا بعدم الاجزاء استرجعوها ان كان الميت اشترط التعجيل وإلا فلا
{البحث الثاني في المتولي
} للاخراج مسألة يجوز للمالك تفريق الزكاة بنفسه سواء كان المال ظاهرا أو باطنا وهو قول أكثر الفقهاء وقال أبو حنيفة
ومالك بالفرق في الأموال الظاهرة الا الامام لنا انه حق لأهل السهام فجاز صرفه إليهم كساير الحقوق ويؤيده ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال لو أن رجلا حمل زكاته على عاتقه فضمها علامة كان ذلك حسنا جميلا احتج أبو حنيفة بقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) ولان أبا بكر
طالبهم بالزكاة وقاتلهم عليها والجواب: إنما ذكرتموه لا ينافي ما قلناه لان الآية تدل على الاخذ ولان للامام ولاية الاخذ ونحن لا نمنع ذلك وقال
ابن بكير إنما كان أهلها منعوها ونحن نقول بموجبه ولان ما ذكره ينتقض بالأموال الباطنة. * مسألة: الأفضل عندنا صرفها إلى الإمام العادل
وبه قال الشافعي والشعبي والأوزاعي وقال الحسن ومكحول وسعيد بن جبير يفرقها المالك وهو إحدى الروايتين عن أحمد وفي الأخرى الأفضل
حمل زكاة الزرع إلى الامام وخاصة. لنا: أن الامام أبصر بمواقعها وأعرف بأحوال المستحقين ولان دفعها إليه متفق عليه وصرفها إلى المستحقين مختلفة
فيه فيكون أولى ولان النبي صلى الله عليه وآله والصحابة كانوا يبعدون السعاة لاخذها ولو كان صرف المالك بنفسه أفضل لكان الأولى أمرهم
بتفريقها ولان أخذ الامام برئه ظاهرا باطنا بخلاف دفعها بنفسه لجواز أن يعطى الظاهر الفقر وإن لم يكن فقيرا فإنه برئه ظاهرا لا باطنا
عندهم احتجوا بأنه أراد دفعها بنفسه إلى المستحقين بيقين البراءة والجواب: أن ذلك يحصل إلى دفعها إلى الامام. * مسألة: ولو لم يجد الإمام العادل
فالأفضل دفعها إلى الفقيه المأمون العدل لما ذكرناه من العلة. * مسألة: ولو أخذ الزكاة الجائر ففيه روايتان إحديهما:
الاجزاء وهو قول الجمهور روى الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام في الزكاة فقال ما أخذ منكم بنو أمية فاحتسبوا به
ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم فإن المال لا يبقى على هذا أن يزكيه مرتين وفي الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن صدقة المال يأخذ السلطان فقال لا أمرك أن تعيد وعن سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام قال إن أصحاب أبي أتوه فسألوه عما
يأخذه السلطان فرق لهم وأنه لهم وأنه ليعلم أن الزكاة لا تحل إلا لأهلها فأمرهم أن يحتسبوه فجال فكري والله فقلت له يا أبه أنهم إن سمعوا ذلك لم
يترك أحد فقال يا بني هي حق أحب الله أن يطهره والرواية الثانية عدم الاجزاء رواها الشيخ عن أبي أسامة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك
هؤلاء المصدقتين يأتونا فيأخذون منا الصدقة فنعطيهم إياها تجزي عنا؟ فقال: لا إنما هؤلاء قوم غصبوكم أو قال ظلموكم أموالكم وإنما الصدقة
لأهلها قال الشيخ رحمه الله الأفضل إعادتها مرة ثانية جمعا بين الاخبار. فروع: [الأول] لا يجوز للمالك دفعها إلى الجائر طوعا ولو دفعها إليه بإحسان
لم يجز عنه وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور أنها تجزي بل قال الشافعي الأفضل وفيها إلى الجائر. لنا: ليس اعلام للآية وهو من أهل الخيانة
وهو غير مأمور بأخذها ولا المالك مأمور بإعطائه فلا يحصل الاجزاء والقياس على التأويل باطل للفرق الظاهر. [الثاني] لو عزلها المالك
فأخذها الظالم أو بلغت لم يضمن المالك إذا لم يفرط لان له ولاية العزل على ما قدمناه فيصير بعد العزل أمانة فلا يضمن مع عدم التفريط أما لو فرط
ضمنها. [الثالث] لو أخذها قبل العزل لم يضمن المالك حصة الفقراء مما أخذ الظالم إجماعا إذا لم يفرط ويؤدي زكاة ما بقي معه على ما
تقدم من الخلاف. * مسألة: ولو طلقها الامام وجب صرفها إليه لان الامر بالأخذ للوجوب وهو يستلزم الامر بالاعطاء وفيه بحث ولان
له ولاية التفريق والتعيين ولو فرقها المالك حينئذ لم يجز عنه لان التقدير وجوب دفعها إلى الامام مع الطلب وعندي في هذا توقف. * مسألة:
قد بينا أنه يجوز للمالك أن يفرقها بنفسه وأن يحملها إلى بعض إخوان المؤمنين ليفرقها فإن فعل ذلك سقط أسهم السعاة لأنهم إنما يستحقون
بالعمل وها هنا لم يعملوا وكذا إذا حملها إلى الامام ففرقها الامام بنفسه سقط سهم العامل أيضا لأنه لم يعمل شيئا ولم يجز للامام أن يأخذ منها
شيئا أما عندنا فلانه هاشمي وهي محرمة عليهم وأما عند المخالف فإنه يأخذ رزقه من بيت المال وكذلك خليفة الامام على إقليم أو بلد إذا عمل
على الصدقات لم يستحق عوضا وإن تطوع جاز لأنه قائم مقام الامام. * مسألة: ويشترط في العامل ست شرائط البلوغ والعقل والحرية
والإسلام والعدالة والفقه لأنها ولاية شرعية فلا يثبت للطالع والمجنون والعبد لا يملك وهؤلاء لم يعمل على والكافر ليس أهلا للأمانة
514

قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) ورفع أبو موسى الأشعري إلى عمر حسابا فاستحسنه فقال من كتب هذا فقال كاتبي فقال فأين هو
قال على باب المسجد فقال أجنب هو قال لا ولكنه نصراني فقال لا تأتمنوهم وقد خونهم الله ولا تقربوهم وقد بعدهم الله ولان ذلك ولاية على
المسلمين وقد قال الله تعالى: (وليس يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) وعن أحمد رواية بجواز تولية الكافر لعموم قوله تعالى: (والعاملين) وهو
ضعيف لا يقدم والعدالة معتبرة لأنه يلي مال غيره والفاسق ليس محلا للأمانة والفقه يشترط بكون علمها بقدر الواجب وعلى من يستحق الزكاة
وعندي في اشتراط الحرية نظر وعمل العبد كعمل المولى مع الاذن. فرع: إنما يشترط الفقه في الزكاة خاصة لا في بقية الاحكام وعندي فيه توقف
أيضا لحصول الاكتفاء لسؤال العلماء. * مسألة: وهل يجوز للهاشمي أن يكون عاملا منع الأصحاب من ذلك وللشافعي قولان. لنا: ان ما يأخذه
زكاة وهي محرمة عليهم ولان الفضل بن العباس والمطلب بن ربيعة سألا النبي صلى الله عليه وآله أن يوليهما العمالة فقال فلهما الصدقة أوساخ الناس
وأنها لا تحل لمحمد وآل محمد قال الشيخ هذا مع تمكنهم من الخمس أما مع قصورهم فيجوز لهم ذلك احتج الشافعي بأن ما يأخذه أجرة عمله فكان بمنزلة
الحافظ والفرق ظاهر فإن ما يأخذ العامل سهم من الصدقة. فروع: [الأول] لو تولى حيازة زكاة الهاشمي فالأقرب جواز أخذ النصب
منها لأنه مسوغ له أخذ زكاة الهاشمي وكذا لو بذل له الامام أجره من غير الزكاة. [الثاني] لو تطوع بالعمالة من غير أجرة ولا سهم جاز ذلك
ولا نعلم فيه خلافا. [الثالث] يجوز لمولى الهاشمي ذلك وبه قال الشافعي في إحدى الوجهين ومنع منه في الآخر وبه قال أبو حنيفة. لنا:
قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء) وهو بعمومه يتناول صورة النزاع ويؤيده ما رواه الشيخ عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يحل لمواليهم
ولا يحل لهم احتجوا بقول النبي صلى الله عليه وآله لأبي رافع أن الصدقة حرام على محمد وآل محمد وأن يتولى القوم من أنفسهم والجواب المنع هنا للكراهية
وبالجملة العمل بعموم الآية أولى. * مسألة: والامام مخير إن شاء استأجر الساعي بأجرة معلومة مدة معلومة وإن شاء جعل له جعالة على
عمله إذا أوفى العمل دفع إليه العوض فإذا عمل العمل إستحق العوض فإن قصر النصيب عنه تمم له من بقية السهام لعموم الآية وهو أحد قولي الشافعي وفي
الاخر من بيت المال لأنه من الصالح وإن فضل دفع الباقي إلى أهل الزكاة ولو قيل أن ذلك ليس بلازم لان الله تعالى جعل له نصيبا
كان حسنا ويؤيده ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قلت ما يعطى المصدق قال ما يرى الامام ولا يقدر له شئ. * مسألة: قال الشيخ ويجب
على الامام أن يبعث ساعيا في كل عام بحسابه الصدقات لان النبي صلى الله عليه وآله كان يبعثهم في كل عام ومتابعته واجبة وما ذكره الشيخ جيدا إذا
عرف الامام أو غلب على ظنه أن الصدقة لا تجمع إلا بالعامل أما لو علم من قوم أداها إليه أو إلى المستحقين فالأقرب عندي عدم الوجوب. * مسألة:
وأجرة الوازن والكيال والناقلة على رب المال وهو أحد قولي الشافعي وفي الأخرى على أهل الصدقة. لنا: أن الواجب على أرباب الأموال دفع
الزكاة ولا يتم إلا بالأجرة فيكون واجبا عليهم كما وجبت على البائع احتج بأن الله تعالى أوجب في المال الزكاة فإيجاب الأجرة زيادة على الواجب
والجواب: إيجاب الزكاة لا يمنع من إيجاب غيرها مع الدليل وقد قام قال الشيخ ويعطى الحاسب والوازن والمكاتب من سهم العاملين والصحيح أن حكم الوازن
ما تقدم. * مسألة: قال الشيخ وليس للساعي أن يفرق الزكاة بنفسه إلا بإذن الامام وهو جيد لان الآتية مقصورة على مقبلة المال أما التفرقة
فمنوط بنظر الامام فإن أذن له جاز ويأخذ سهمه لأنه أخبر ثم يفرق الباقي وينبغي أن يعرف أهل الصدقات بالاسم والنصب والحيلة ويعرف قدر
حاجتهم فإذا أعطى شيئا أبيه وخلا لئلا يتكرر عليه الصدقة من غير شعور ولا ينبغي له أن يؤجر التفرقة مع
الاذن بحصول الحاجة والتخلص من الغرامة
لو تلفت. * مسألة: وإذا أخذ الساعي أو الامام الصدقة دعا لصاحبها قال الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها وتزكيهم وصل عليهم)
وتردد الشيخ في الوجوب فقال في الخلاف به وهو مذهب داود بن علي بن خلف الأصفهاني الظاهر الآية وقال في المبسوط بالاستحباب وهو مذهب أكثر الجمهور
وهو أولى لان النبي صلى الله عليه وآله لما بعث معاذ إلى اليمن قال له أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ترد في فقرائهم ولم يأمره بالدعاء ولو كان واجبا
لذكره ولأنه براءة للذمة ولان الفقراء لو أخذوا الصدقة بأنفسهم لم يجب عليهم الدعاء فتأتيهم أولى ولان هذا أداء عبادة فلا يجب الدعاء لها
كالصلاة والآية محمولة على الاستحباب ولا شئ موقت في هذا الدعاء وأي دعاء ذكره كان حسنا. * مسألة: قال الشيخ ينبغي لوالي الصدقة
أن يسم نعم الصدقة من إبل أو بقر أو غنم وبه قال الشافعي وكرهه أبو حنيفة. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يسم الإبل
في أفخاذها وعن أنس أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يسم الغنم في آذانها واجتماع الصحابة على ذلك ولان فيه فائدة لا
يحصل بدونه وهو تميزها عن غيرها فربما شردت فيعرفها من يجدها فيردها وما رآها صاحب المال فامتنع من شرائها احتج أبو حنيفة
بأن ذلك مثله والجواب فعل النبي صلى الله عليه وآله أولى. فروع: [الأول] ينبغي أن يوسم في أصله موضع واكشف لئلا يضر الوسم بالحيوان
ففي الإبل والبقر على أفخاذها وفي الغنم في أصول آذانها. [الثاني] ينبغي أن يكون ميسم الإبل والبقر أكثر من ميسم الغنم لأنها أضعف. [الثالث]
ينبغي أن يكتب على الميسم ما أخذت له ففي إبل الصدقة أو الزكاة وفي الحرية حرية أو صغار وينبغي أن يكتب فيها اسم الله تعالى بزكاته. * مسألة: وإذا
قبض الساعي الصدقة وحملها إلى الامام أو فرقه إن كان قد أذن له في التفريق فليس له أن ينتفع منها شيئا إلا مع الحاجة والعذر كما إذا مرضت الشاة
515

وخاف عليها التلف قبل إيصالها إلى المستحق أو كان التفريق مخوفا أو احتاج في نقله إلى موته يستوعبه فأما لغير عذر فلا يجوز لقوله عليه السلام
لمعاذ بن جبل أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ولما بعث أمير المؤمنين عليه السلام المصدق قال له ثم أخذ ما اجتمع عندك من كل باد
إلينا يصير حيث أمر الله عز وجل ولما عدل عن البيع الذي هو أرفق إلى الأشق دل على أن الواجب ذلك أما مع العذر فلا بأس لأجل الضرورة وقد
روى الشيخ رحمه الله عن محمد بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام بيع الصدقة وهو محمول على ما قلناه إذا ثبت هذا فإن باع لا للضرورة لم يصح البيع فإن
كانت العين باقية استرجعت وإن نقصت ضمن المشتري الأرش وإن كانت تالفة ضمن المشتري المثل فإن تعذر أو لم يكن مثليه ضمن القيمة. {البحث
الثالث} في النية ذهب العلماء كافة إلا الأوزاعي إلى أن النية شرط في أداء الزكاة لقوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات ولان الزكاة عبادة
فتفتقر إلى النية لقوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) ولأنها عبادة تشتمل على الواجب والندب فافتقرت إلى النية كالصلاة والصوم
ولان الدفع يحتمل وجوبها فلا يقع على أحدنا إلا بالنية احتج الأوزاعي بأنها دين فلا يفتقر إلى النية كسائر الديون ولان ولي اليتيم يخرجها و
الحاكم من الممتنع والجواب الفرق بين الدين والزكاة من حيث أن الزكاة عبادة بخلاف الدين وإن تعلق به حق الله ولهذا يسقط بإسقاط المالك
ولان الدين يتعين للمالك فيكفي قبضه بخلاف الزكاة فإنها لا تتعين للقابض والولي والحاكم ينويان في النية عند الحاجة. * مسألة:
والنية إرادة تفعل بالقلب متعلقة بالفعل المنوي على ما سلف بيانه فإذا اعتقد عند الدفع أنها زكاة واعتقد التقرب إلى الله تعالى كفاه ذلك
وكذا ينوي عن غيره كالولي والحاكم والوكيل ولا بد في النية من القصد إلى الذمة لأنه شرط في العبادة ومن القصد إلى الوجوب أو الندب لان
الفعل صالح لهما فلا يتخلص أحدهما إلا السنة ومن القصد إلى كونها زكاة مال أو فطرة للاشتراك في الصلاحية فلا بد من ما يزد لا يفتقر إلى
تعيين المال بأن يقول هذه زكاة مالي الفلاني إجماعا. * مسألة: إذا دفع المالك الزكاة بنفسه وجبت النية لما تقدم ولو دفعها إلى الامام
ونوى وقت الدفع إلى الامام أجزأت ذلك أيضا لان الامام كالوكيل للفقراء وكذا لو دفعها إلى الساعي سواء نوى الامام أو الساعي حال الدفع
إلى الفقراء أو لم ينو ولو دفع المالك الزكاة إلى وكيل له ليفرقها ونوى حال الدفع إليه ونوى الوكيل حال الدفع إلى الفقراء أجزء إجماعا لوقوع
العبادة على وجهها ولو نوى الوكيل حالة الدفع ولم ينو المالك قال الشيخ لم يجز عنه لان الوكيل ليس بمالك والفرض يتعلق بالمالك والاجزاء
يقع عنه وعندي فيه توقف ولو نوى الموكل حال الدفع إلى الوكيل ولم ينو الوكيل حال الدفع إلى الفقراء فقال الشيخ لم يجز عنه لان المقاربة معتبرة
والوكيل غير مستحق فلا تؤثر النية في الدفع إليه. * مسألة: ولو أخذ الامام أو الساعي الزكاة ولم ينو المالك فإن أخذها كرها أجزأه وذلك
لان النية تعذرت في حقه فصار بحكم الطفل والمجنون من سقوط النية في حقه ولان للامام الولاية على الممتنع فقام نيته مقام نيته كولي الطفل
والمجنون وقال بعض الجمهور ولا يجزي إذا أخذها كرها فإن جاز أخذها لأنها عبادة وجواز أخذها كالصلاة فإنه تجير للمتنع عليها وإن لم يجزه
إذا لم ينو في نفسه وهو ضعيفة لان الزكاة حق مال في يد المالك للفقراء وللامام الاخبار على قسمة المشترك وتسليمها فجاز له إفراد بها امتناع
المالك وتصح النيابة في تسليمها بخلاف الصلاة ولأنها لو لم يجز لم يجز له أخذها أو وجب عليه أخذها ثانية وثالثة حتى يتعدى ماله لان الاخذ إن
كان للأجر فهو لا يحصل بدون النية وإن كان لوجوبها فالوجه باق أما إذا أخذها طوعا ولم يتغير المالك فقد قال الشيخ لا يجزيه
فيما بينه وبين الله تعالى غير أنه ليس للامام مطالبته بها دفعة ثانية وقال الشافعي يجزيه. لنا: أنها عبادة تفتقر إلى النية ولان الامام نائب عن الفقراء
والنية معتبرة إذا رفع المالك إليهم فكذا إلى نائبهم احتج الشافعي بأن الامام بمنزلة القاسم بين الشركاء فلا يفتقر إلى النية ولان له ولاية على الاخذ
ولهذا يأخذ من الجميع والجواب كونه بمنزلة القاسم لا يخرج الزكاة عن العبادة وهو المقتضي لوجوب النية والولاية لا يمنع من وجوب النية أيضا
وما ذكره الشافعي قوي لان الاحرام لو لم يتحقق لا جاز للامام أخذها أو لأحدها دائما والقسمان باطلان وقد تقدم بيان الملازمة ولان الامام
كالوكيل وهذه عبادة تصح فيها النيابة فاعتبرت نية النائب كالحج. * مسألة: وتجب مقارنة النية للدفع وقال أحمد يجوز تقديمها على الفعل بالزمان
اليسير وقال أبو حنيفة يجوز تقديمها مطلقا وللشافعي وجهان. لنا: أنها عبادة ذات وجوه مختلفة لا يتميز أحدها عن صاحبه إلا بالنية وقت الدفع
فلا اعتبار بما تقدم لأنه إن استدام عليه فهو المطلوب وإلا فلا الدفع عن النية احتج المخالف بأنها عبادة يجوز فيها النيابة بغير عذر فجاز تقديم النية
عليها ولان ذلك يؤدي إلى تقرير المالك بماله لان النيابة جائزة والحاجة إليها (ماسة) فإذا دفع الزكاة إلى وكيله توقف الاجزاء على نية الوكيل والجواب
عن الأول: بالمنع من كون ما ذكروه علة، وعن الثاني: بأنه لا تقرير مع القول بضمان الوكيل إذا لم يحصل فيه النية ولو نوى بعد الدفع ففي الاجزاء نظر.
* مسألة: ولو تصدق بجميع ماله ولم ينو شيئا منه الزكاة لم يجزه وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة (جزيه) استحسانا. لنا: أنه لم يؤد الواجب
على ما أمر به فلا يكون مجزيا كمن صلى مئة ركعة بنية التطوع فإن الفرض لا يسقط عنه ذلك احتجوا بأنه تصرف تصرفا لم يتعد به فلا يضمن الزكاة
والجواب: المنع من عدم التعدي لان الواجب عليه التصدق بالزكاة بنية الفرض فإذا نوى به التطوع فلو تعدى ولو تصدق ببعضه قال محمد بن الحسن
أجزأ عن زكاة ذلك البعض وقال أبو يوسف لا يجزيه احتج أحمد بأنه لو تصدق بجميعه أجزأ عن جميعه فإذا تصدق بعضه أجزأ عن ذلك البعض
516

احتج أبو يوسف بأن المقتضي للاجزاء هناك زوال ملكه عن المالك على وجه القربة وهيهنا لم يزل عن جميعه. * مسألة: قد بينا وجوب تعيين الفرض
أو النفل فإذا كان له مال عليه فأخرج زكاته وقال إن كان مالي سالما فهذه زكاته أو تطوع لم يجزه لأنه شرك بين الفرض والنفل فلا يخلص لأحدهما
بعينه وقال الشيخ أنه يجزيه أما لو قال إن كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته وإن كان تالفا فهي تطوع أجزأ عنه إذا كان سالما لأنه لم يشترك بين
الفرض والنفل وإنما ذهب على الفرض ولأنه لو نواها عن ماله أجزأ ويكون حكمه ذلك لأنه مع التلف يكون تطوعا فالتصريح غير متلف
للامر نفسه. فروع: [الأول] لو أخرج مالا ونوى بجميعه الزكاة والتطوع لم يجزه وبه قال الشافعي ومحمد وقال أبو يوسف يجزيه عن الزكاة.
لنا: أنه يشترك بين الفرض والنفل في النية فلا يتخلص النفل الفرض فلا يكون مجزيا احتج بأن النفل لا يفتقر إلى تعيين النية فصار كأنه نوى الزكاة
والصدقة والجواب عدم الافتقار لا ينافي التعيين والتقدير وقوعه. [الثاني] لو كان له مال حاضر أو غائب فأخرج الزكاة وقال هذه
عن أحدهما أجزأه ذلك لأنا قد بينا أنه لا يشترط تعيين الجنس المخرج عنه ولهذا لو أخرج خمسة دراهم عن أربع مئة دراهم أجزأه عن المأتين
وإن لم يكن متعينا. [الثالث] لو قال هذه زكاة مالي الغائب إن كان سالما وإن لم يكن سالما فعن مالي الحاضر أجزأه ذلك لما تقدم. [الرابع]
لو أخرج عن ماله الغائب فبان تالفا قال الشيخ لم يجز له صرفه إلى غيره وبه قال الشافعي والأقرب عندي الجواز. لنا: أنه باق على ملكه إذ الاخراج وقع على
وجه بان بطلانه فيجوز صرفه إلى غير ذلك المال احتج الشيخ بأن وقت النية قد فات واحتج الشافعي بأنه عينه لذلك المال فصار كما لو كان عليه
كفارة فأعتق عبدا عن كفارة أخرى عينها فلم يقع عنه كما لو كان عليه كفارة ظهار فخرج رجلا وقدم العتق على كفارة القتل فسرى المخرج
فإنه لا يجوز له صرفها إلى الظهار وإن كان في الابتداء لا يلزمه تعيين الكفارة بسببها فكذلك الزكاة والجواب عن الأول: بالمنع من فوات الوقت
والثاني المنع من الحكم في الأصل. [الخامس] لو كان له مورث غائب فأخرج زكاة وقال إن كان قد مات مورثي فهذه زكاته لم يجز عنه
عند الشافعي لأنه أخرجها عن غير أصل بيت عليه ما عندنا فالمال الغائب لا يجب فهي الزكاة إلا مع التمكن من التصرف فها هنا لا يجب عليه الزكاة ما لو
يعلم بموت المورث ويتمكن من التصرف في ماله. [السادس] لو دفع الزكاة إلى الوالي تطوعا رفعها وقال هذه عن مالي الغائب فبان تلفه قبل
الوجوب رجع بها عليه إن كانت في يده وإن كان قد فرقها لم يضمنها الساعي لأنه بإعطائه إياها تطوعا جرى مجرى الوكيل له ويرجع هو
على الفقراء.
[المقصد الرابع] في مستحق الزكاة ولواحقه وفيه مباحث {الأول} مستحق الزكاة ثمانية أصناف
بالنص والاجماع قال الله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن
السبيل) وروي أن رجلا قال يا رسول الله اعط من هذه الصدقات فقال إن الله تعالى لم يرض في قسمتها نبي مرسل ولا ملك مقرب حتى قسمها بنفسه
فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك وسأل سماعة أبا عبد الله عليه السلام عن المستحقين فقال هي تحل للذين وصف الله
تعالى في كتابه وعدهم إلى آخرهم ولا خلاف بين المسلمين في ذلك. الصنف الأول والثاني: الفقراء والمساكين والتثنية بينهما مع الانفراد
بل العرب قبل استعملت كل واحدة من اللفظين في معنى الآخر أما مع الجمع بينهما فلا بد من المايز كما في الآية وهو اختلف العلماء في أن أيهما أسوء حالا
من الآخر قال الشيخ في المبسوط والجمل الفقير الذي لا شئ له والمسكين الذي له بلغة لا يكفيه وبه قال الشافعي والأصمعي وقال الشيخ في النهاية: المسكين
أسوء حالا من الفقير وبه قال أبو حنيفة وفرا وثعلب وابن قتيبة وحجة الأولين ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: نعوذ بالله عن الفقراء وقال
اللهم أحيني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ولان العرب يبدأ بالأهم وذكر الفقراء متعديا يدل على شدة حاجتهم وكثرة العناية
بهم ولأنه مشتق من كسر الفقار وهو مهلك فإنه فعيل بمعنى مفعول أي مكسور فقار بظهره ولقوله تعالى: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) و
سفينة البحر يساوي جملة من المال حجة الآخرين قوله تعالى: (أو مسكينا ذا متربة) وهو الطروح على
التراب لشدة حاجته ولأنه يؤكد الفقير به إذا أريد
المبالغة في الحاجة فيقال فقير مسكين ويقول الشاعر أنا الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سيد ولان أهل اللغة نص على ذلك
قال يتقوت رجل فقير له بلغه ومسكين أي لا شئ له وبه قال يونس وأبو زيد وأبو عبيدة وابن دريد وقول هؤلاء حجة قال يونس قلت لاعرابي فقيرا أنت
فقال لا والله بل مسكين وقد روى هذا القول عن أهل البيت عليهم السلام روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الفقير الذي لا يسأل الناس والمسكين
أجهد منه والبائس أجهدهم ولا فائدة في تحقيق الحق من هذين القولين في هذا الباب لان كل واحد منهما له استحقاق ويدع الزكاة إلى كل واحد منهما
بل الأصل في هذا عدم الغناء الشامل للمعنيين إذا تحقق استحق الزكاة بلا خلاف. * مسألة: اختلف العلماء في الغناء المانع من الاستحقاق
فقال الشيخ في الخلاف الغنى من ملك نصابا يجب فيه الزكاة أو قيمته وجعله في المبسوط قولا لبعض أصحابنا وبه قال أبو حنيفة وقال الشيخ في المبسوط
الغني الذي يحرم معه أخذ الصدقة أن يكون قادرا على كفايته وكفاية من يلزم كفايته على الدوام وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين
وفي الأخرى من ملك خمسين درهما أو قيمتها فهو غني وبه قال الثوري والنخعي وإسحاق وأبو عبيدة الغني من يملك أربعين درهما والذي
ذكره الشيخ في المبسوط عندي هو الوجه. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعنقة بن المحارب لا يحل الصدقة إلا لاخذ ثلاثة رجل أصابته
517

فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه قد أصاب فلانا فاقة فحلت المسألة حتى يصيب قواما من عبس أو سدادا من عبس فجعل به إباحة المسألة
وجود القوام والسداد ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن هارون بن حمزة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى فقال لا تصلح لغني قال فقلت له الرجل يكون له ثلاث مئة درهم في بضاعته وله عيال فإن
أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها قال فلينظر ما يفضل منها فيأكل هو ومن يسعه ذلك وليأخذ لمن لم يسعه من عياله وفي
رواية سماعة قال قيل تحل الزكاة لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درهما فقلت له وكيف يكون هذا فقال إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير
فلو قسمها بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله وأما صاحب الخمسين فإنها تحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها
وهو يصيب منها ما يكفيه قال وسألته عن الزكاة هل تصح لصاحب الدار والخادم فقال نعم إلا أن يكون داره دار غلة فخرج له من غلتها دراهم وما يكفيه ولنفسه
عياله فإن لم يكن الغلة يكفيه لنفسه ولعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم في غير إسراف فقد حلت له الزكاة فإن كانت غلتها تكتفيهم فلا ولان الفقر والحاجة مترادفان ويؤيده قوله
تعالى: - يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) أي المحتاجون إليه ومن ليس له كفاية فهو محتاج فيصدق عليه اسم الفقراء واحتج أبو حنيفة بقوله عليه السلام
لمعاذ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فجعل الغنى من يجب عليه الزكاة وذلك يدل على أن من تجب عليه غنى ومن لا
تجب عليه ليس بغني فيكون فقيرا فيجوز له أخذها احتج أحمد بما رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من سئل وله ما يغنيه جاءت
يوم القيامة خموشا أو خدوشا أو كدوحا في وجهه فقيل يا رسول الله ما الغنى قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب ولان عليا عليه السلام قال لا تحل الصدقة
لمن له خمسون درهما أو قيمتها من الذهب احتج الحسن بما رواه أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من سأل وله قيمة أوقية
فقد الخف وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أربعين درهما والجواب عن الأول: أن الحكم بوجوب أخذ الزكاة من الأغنياء
لا يستلزم أنها لا تؤخذ من غيرهم وأيضا يحتمل أنه طلق رسم الأغنياء على المزكين اعتبارا بالأكثر وأيضا المعنى الموجب للزكاة غير المانع منها و
إطلاق اللفظ عليها يجب الاشتراك وإن كان الأصل عدمه فقد يصار إليه لدليل وقد وجد وعن الثاني باحتمال أن يكون صاحب الخمسين يحصل
له معيشته بها ما يكفيه كما ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ومع ذلك فقد طعن سماعة في هذا الحديث بأن رواية حكم بن جبير وكان (شعبه) لا يروي
عنه وذلك يضعفه في الحديث عنده، وعن الثالث: أن لا يخاف في السؤال لا ينافي الاستحقاق وقد ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام بمنع الزكاة
لصاحب الأربعين روى الشيخ عن زرارة وابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يحل لمن كانت عنده أربعين درهما يحول عليه الحول
عنده أن يأخذها وإن أخذها أخذها حراما ولكن هذا الحديث يدل على استغنائه عنها ويدل عليه قوله يحول وذلك دليل على أن المؤنة من غيرها.
فروع: [الأول] قد روي جواز إعطاء الزكاة لصاحب الدار والخادم رواه الشيخ عن عمر بن أذينة عن غير واحد عن أبي جعفر عليه السلام وأبي
عبد الله عليه السلام أنهما سئلا عن الرجل له دار وخادم وعبد يقبل الزكاة فقالا: نعم ان الدار والخادم ليسا ملك وعن سعيد بن يسار قال سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول تحل الزكاة لصاحب الدار والخادم لان أبا عبد الله عليه السلام لم يكن يرى أن الدار والخادم شيئا وإلا ليباعان
في الدين فليس غنيا بهما فجاز له تناول الزكاة. [الثاني] من له كفاية باكتساب أو صناعة أو مال غير زكاتي أو أجرة عقار وغيره لا يحل
له الزكاة وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة يحل له. لنا: قوله عليه السلام لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب وفى حديث آخر لا يحل الصدقة لغني
ولا لذي مرة سوي ولأنه يملك ما يغنيه عن الزكاة فلا يكون محتاجا كمالك النصاب وأبو حنيفة عول على حجته المتقدمة وقد أجبنا عنها. [الثالث]
لو ملك نصابا زكاتنا أو أكثر لا يتم به الكفاية جاز أخذ الزكاة وبه قال الشافعي وأحمد وقال أصحاب الرأي يجوز. لنا: أن مع ملكه لهذه الأشياء يحتاج
فيصدق عليه أنه فقير ولان الغنى لا يتعلق بأعيان معينة فلو كان غنيا بالنصاب لكان غنيا بقيمته وقد وافقنا على بطلان الثاني وحجته أنه غير لا يجب
عليه دفعها وقد سلف البحث في هذا. [الرابع] لو كان له مال معد للارفاق ولم يكن له ذلك ولا صناعة اعتبرت الكفاية حولا ولعياله وبه
قال ابن الجنيد حينئذ لا يسمى فقيرا عادة ولو قصر عن الحول جاز له تناولها ولا ينتظر بإعطائه اخراج ما معه عن الانفاق لما روي من جواز إعطائها
لصاحب ثلاثمائة وسبعمائة لقصوره عن التكسب بها مع وجوده فمع عدم التكسب أولى. [الخامس] لو كانت له دار غلة يكفيه غلتها ولعياله حرمت عليه
الزكاة ولم يكفه جاز له تناولها ولأنه مع الاكتفاء غنى وبدونه محتاج ويؤيده ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم فقال: نعم إلا أن يكون داره دار غلة فيخرج من غلتها دراهم يكفيه لنفسه وعياله فإن لم
يكن الغلة يكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد حلت له الزكاة وإن كانت غلتها تكفيهم فلا. [السادس]
يجوز لصاحب الفرس أخذ الزكاة إذا كان محتاجا وكان له عادة باتخاذ الفرس والركوب لأنه محتاج ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
قال قال أبو جعفر عليه السلام اعط السائل ولو كان على ظهر فرس ولأنه يحتاج إليها فكان كالخادم والدار. [السابع] لو كان معه ما يقصر عن مؤنته
وقومه وقوت عياله حولا جاز له أخذ الزكاة لأنه محتاج ولا يتقدر بقدر وقيل أنه لا يؤخذ زائدا عن تتمة المؤنة حولا وليس بالوجه. [الثامن]
518

لو كان قادرا للتكسب بما فيه كفايته حرمت عليه الزكاة لما تقدم خلافا لأبي حنيفة ولو كان التكسب يمنعه من النفقة فالوجه عندي جواز أخذها لأنه مأمور
بالنفقة في الدين إذا كان من أهله. [التاسع] لا يشترط الزمانة في استحقاق الفقراء ولا التعقب عن السؤال وبه قال الشافعي في الجديد لأنه بدونها
محتاج فيدخل تحت العموم. [العاشر] الزوجة الفقيرة إذا كان زوجها مؤسرا فإن كان ينفق عليها لم يجز له دفع الصدقة إليها إجماعا لأنها
ذات كفاية بنفقته فأشبهت صاحب العقار إذا كانت أجرته يكفيه ولو لم ينفق عليها جاز له أخذ الصدقة من غيره لأنها فقيرة ونفقة الزوج معروف
عنها فأشبهت ما لو تعطلت منفعة العقار وهل يجوز لها منع الاتفاق أخذ الصدقة من غيره الوجه عدم الجواز لان يقصر كالعوض فأشبهت أجرة العقار.
[الحادي عشر] الولد إذا كان مكتفيا بنفقة أبيه أو الأب المكتفي بنفقة الولد هل يجوز له أخذ الزكاة إمامته فلا إجماعا لما يأتي ولأنه يدفع
بذلك وجوب الانفاق عليه وأما من غيره فالأقرب عندي الجواز لأنه فقير ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول
عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوته يكفيه مؤنته أيأخذ من الزكاة فتوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه فقال
لا بأس وفيه إشكال. الصنف الثالث: العاملون على الزكاة وهم جباة الصدقات ولا خلاف في استحقاقهم لقوله تعالى: (والعاملين عليها) وإنما
يستحق الصدقة إذا عمل وأخذ بالخيانة لم يستحق شيئا كما لو دفعها المالك إلى الفقيه أو إلى الامام من غير واسطة الساعي وللامام الخيار بين أن
يقرر له أجرة معلومة عن عدة معينة ويجعل له نصيبا من الصدقات وإذا فرقها الامام بنفسه لم يكن له أخذ شئ منها إلا أن استحقاق سهمه من
الخمس لا يفعله من المصالح وهذا منها وقد وقع الخلاف بين الفقهاء في وجه استحقاقهم فعندنا أنه يستحق نصيبا من الزكاة وبه قال الشافعي
وقال أبو حنيفة يعطى عوضا وأجرة لا زكاة. لنا: قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) والعطف بالواو يقتضي
التسوية في المعنى والاعراب وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أن الله تعالى لم يرض في قسمتها نبي مرسل ولا ملك مقرب حتى قسمها
بنفسه فجزأها ثمانية أجزاء ومن طريق الخاصة ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام قالا قلنا له أرأيت قوله تعالى: (إنما
الصدقات للفقراء) الآية أكل هؤلاء يعطى وإن كان لا يعرف فقال إن الامام يعطي هؤلاء جميعا وعن سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الزكاة لمن يصلح أن يأخذها قال هي
تحل للذين وصف الله تعالى في كتابه للفقراء والمساكين إلى آخرها ولأنه لو استحقها على سبيل الأجرة لافتقر إلى تقدير العمل أو المدة وتعيين الأجرة
وذلك منفي إجماعا لان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بعده لم يعينوا شيئا من ذلك ولأنه لو كان أجرة لما منع منها الهاشمي احتج
أبو حنيفة بأنه لا يعطى إلا مع العمل ولو فرقها المالك أو الامام لم يكن له نصيب ولأنه يأخذها مع الغنى والصدقة لا تحل لغني والجواب كونهم
لا يأخذون إلا مع العمل لا ينافي استحقاقهم منها ونحن ندفعها إليهم على وجه استحقاقهم لها شرط العمل لأنها عوض عن عليهم لعدم اعتبار التقدير
وإعطاؤه لا ينافي غناه لأنه يأخذها باعتبار عمله لا باعتبار فقره كما يعطي ابن السبيل مع غنائه في بلده ويدخل في العاملين الكاتب والقسام
والحاسب والحافظ والعريف أما الامام والقاضي ونائب الامام فلا. الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم واستحقاقهم للسهم ثابت بالنص والاجماع
والمؤلفة قلوبهم هم الذين يستحالون إلى الجهاد ويتألفون بأسهامهم من الصدقة وأجمع علماؤنا على أن المشركين قوم مؤلفة يستحالون
بالزكاة لمعاونة المسلمين في جهاد غيرهم من المشركين أيضا وهل ها هنا مؤلفة غيرهم من المسلمين قال الشيخ في المبسوط ولا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل
الاسلام وقال المفيد رحمه الله المؤلفة ضربان مسلمون ومشركون وبه قال الشافعي وقسمهم الشافعي قسمة أولوية إلى قسمين مسلمين ومشركين فالمشركون
ضربان أحدهما لهم شرف وطاعة للناس وحسن نية في الاسلام مثل صفوان بن أمية فهؤلاء يعطون من غير الصدقة بل منهم للمصالح لما روي أن صفوان
لما أعطاه النبي صلى الله عليه وآله الأمان يوم فتح مكة خرج معه إلى (هوان) واستعاد النبي صلى الله عليه وآله منهم ثلاثين درعا وكانت أول
الحرب على المسلمين فقال قائل غلبت هوازن وقتل محمد صلى الله عليه وآله فقال صفوان لعنك الحجر لرب قريش أحب إلينا من رب هوازن ولما
أعطى النبي صلى الله عليه وآله العطايا قال صفوان مالي فأومى رسول الله صلى الله عليه وآله وأوفيه إبل مجملة فقال هذا لك فقال صفوان هذا عطاء من لا يخشى
الفقر. والثاني مشركون ليس لهم نية حسنة في المسلمين ولا رغبة في الاسلام بل يخاف شرهم ومع العطاء بكفو شرهم وبكفو غيرهم وهؤلاء
إن أعطاهم مدحوا الاسلام وقالوا هذا دين حسن وإن منعهم ذموا وعابوا وهل يعطى هذان الضربان بعد وفاة
الرسول صلى الله عليه وآله فيه قولان أحدهما
الاعطاء إقتداء بالرسول صلى الله عليه وآله ولوجود المقتضي والثاني المنع لان مشركا اليمن من عمر فمنعه وقال من شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر وإذا قيل بالعطاء فمن أين يعطون ولان أحدهما من الزكاة والثاني من المصالح لأنهم مشركون ولا يستحق الزكاة مشرك أما المسلمون
فعلى أربعة أضرب، أحدها: أشراف مطاعون لهم نية حسنة في الاسلام وعلم طاعتهم وثباتهم عليه إلا أنهم نظراء من المشركين إذا أعطوا
رغب نظراؤهم في الاسلام فهؤلاء يعطون لان النبي صلى الله عليه وآله أعطى عدي بن حاتم والزبرقان أين تدر مع ثباتهم وحسن نيتهم،
الثاني: أشراف في قومهم نيتهم ضعيفة في الاسلام إذا أعطوا رجاء حسن نيتهم وثباتهم فهؤلاء يعطون ليقوى ثباتهم مثل أبي سفيان بن
حرب أعطاه النبي صلى الله عليه وآله مئة من الإبل وأعطى عتبة بن حصين مائة وأعطى الأقرع بن حابس مائة وأعطى العباس بن مرداس
519

أقل من مئة فقال عائبا أتجعل نهى ونهب العهد من عتيبة والأقرع وما كان حصين ولا حابس يقومان مرداس في مجمع وما كنت دون أمر منهما ومن
يضع اليوم لا يرفع فتمم عليه السلام المائة وهل يعطون هؤلاء بعد النبي صلى الله عليه وآله فيه قولان أحدهما: المنع وهو اختيار أبي حنيفة لظهور
الاسلام وقوة شوكته ولان الصحابة لم يعطوا شيئا من ذلك بعد الرسول صلى الله عليه وآله والثاني: الاعطاء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله
وإعطاء أبي بكر عدي بن حاتم ثلاثين بعيرا لما قدم عليه ثلاثمائة جمل من الصدقة ومع القول بالعطاء فمن أين فيه قولان، أحدهما: من سهم المؤلفة، والثاني:
من سهم المصالح، الثالث: قوم من المسلمين أعراب أو عجم في طرف من أطراف المسلمين لهم قوة وطاعة ممن ما بينهم من المشركين إن أعطوا قاتلوا عن المسلمين
وإن منعوا لم يقاتلوا أو اخراج الامام في قتلهم إلى مؤنة شديدة ليحسنه الجيوش فهؤلاء يعطون ويتألفون ليقاتلوا المشركين. الرابع: مسلمون من الاعراب
أو غيرهم في طرف بلاد الاسلام ما رأتهم قوم يؤيدون الصدقات خوفا منهم إن أعطاهم الامام جمعوا الصدقات وأخذوها من أهلا وإن لم
يمنعهم لم يجمعوها والاخراج الامام في تحصيلها إلى مؤنة فهؤلاء لا يعطون للمصلح ومن أين يعطون فيه أربعة أقوال، أحدها: سهم المؤلفة
لأنهم يتألفون على ذلك، والثاني: من سهم القرابة لأنهم غزاة أو مشابهون، والثالث: من سهم المصالح، والرابع: المؤلفة وسهمين الغزاة قال الشيخ
وهذا التفصيل لم يذكره أصحابنا غير أنه لا يمنع إلا يقول أن للامام أن يتألف هؤلاء القوم ويعطيهم إن شاء من سهم المؤلفة وإن شاء من
سهم المصالح لان هذا من فرائض الامام وفعله حجة وليس معلق علينا في ذلك حكم اليوم فإن هذا قد سقط وفرضنا يجوز ذلك والشك فيه وما
قاله الشيخ جيد ونقل الشيخ عن علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن العالم عليه السلام أن المؤلفة قلوبهم قوم كفار. * مسألة: قال الشيخ يسقط
سهم المؤلفة الآن لان الذي يتألفهم إنما يتألفهم للجهاد وأمر الجهاد موكول إلى الامام وهو غائب وقال الشافعي وأبو حنيفة انه ساقط لان الله تعالى
أعز الدين وقوى شوكته فلا يحتاج إلى التأليف وكلام الشيخ يدل على سقوطه هذه غيبة الإمام عليه السلام أما مع ظهوره فالتصنيف باق إن احتيج
إلى التأليف وهو جيد لان النبي صلى الله عليه وآله كان سهم المؤلفة إلى حين وفاته والنسخ بعد وفاته عليه السلام باطل فالاستحقاق موجود ونحن
نقول أنه يجب الجهاد في حال غيبة الإمام عليه السلام يدهم المسلمون والعياذ بالله عدو يخاف منه عليهم فيجب عليهم الجهاد لدفع الأذى لا للدعاء
إلى الاسلام فإن احتيج إلى التأليف حينئذ جاز صرف السهم إلى أربابه من المؤلفة. * مسألة: وإذا احتاج الامام في قتال أهل البغي مانعي الزكاة إلى
التأليف استعان بالمؤلفة وصرف السهم كالمؤلفة بجهاد الكفار. الصنف الخامس: الرقاب واستحقاقهم للنصيب ثابت بالنص والاجماع
واختلف الناس في المراد من الرقاب ها هنا فالذي ذهب إليه علماؤنا أنهم المكاتبون والعبيد إذا كانوا في ضر وشدة يشترون ابتداء ويعتقون ويعطى
المكاتبون ما يصرفون في كتابتهم وقال الشافعي أنهم المكاتبون خاصة ونقله عن علي عليه السلام وهو مذهب سعيد بن جبير والنخعي والليث بن سعيد و
الثوري وأصحاب الرأي وقال مالك وأحمد وإسحاق أنهم العبيد خاصة ولم تشترط الضرر والشدة وهو مروي عن عباس والحسن البصري. لنا: قوله تعالى:
(وفي الرقاب) وهو يتناول المكاتب والقن لان المراد قيد الرق وهو مشترك بين القسمين فيتناولهما معا وإنما شرطنا الضرورة والشدة لان المملوك
مع فقدهما غير محتاج إلى العتق مع حاجة الفقراء والمساكين إلى الزكاة فلان دفعها إلى المذكورين أولى ولا ينتقض علينا بالمكاتب لان
الضرر لم يشترط في حقه من حيث أن الحاجة ما من وجهته وجهة المولى فلا حاجة إلى الاشتراط ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي بصير في الصحيح عن أبي
عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمس مائة و (الستمأة) يشترى منها نسمة يعتقها فقال إذن تظلم قوما آخرين حقوقهم
ثم قلت مليا ثم قال إلا أن يكون عبدا مسلما في ضر فيشتريه ويعتقه احتج الشافعي بأن الآية تقتضي الدفع إلى الرقاب كما هو في سبيل الله فإنه يقتضي
الدفع إلى المجاهدين كذلك هنا ولا يجوز الدفع إلى المملوك أما أولا فلانه لا يملك وأما ثانيا فلانه يعود النفع إلى المعطى لثبوت الدلالة ولقوله عليه السلام
فك الرقبة أن تعين في عتقها احتج مالك بأن الرقبة إذا أطلقت انصرفت إلى القن قوله تعالى: فتحرير رقبة والجواب عن الأول: بمنع * * * * * الملك
في كل الأصناف والنفع عندنا لا يعود إلى العتق هنا لان الولاء لأرباب الزكاة على ما يأتي إن شاء الله تعالى وعن الثاني: أن قوله عليه السلام فك الرقبة
أن يعتبر في عتقها لا ينافي ما ذكرناه فإن شراء الجميع معونة في العتق وعن الثالث: بأن الرقبة مشترك بين المكاتب والقن واختصت في الآية
التي ذكروها بالقن لقرينة التحريم. * مسألة: ولو وجبت عليه كفارة ولم يجد شيئا جاز أن يعطى من الزكاة ما يشتري به رقبة ويعتقها في كفارته
ذهب إليه جماعة من أصحابنا قال الشيخ في المبسوط الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لفقره من سهم الفقراء فيشتري هو ويعتق عن نفسه وما
ذكرناه أولى رواه علي بن إبراهيم في كتابه التفسير عن العالم عليه السلام قال وفي الرقاب قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطاء وفي الظهار وفي الايمان
وفي قتل الصيد في الحرم فليس عندهم ما يكفرون به وهم مؤمنون فجعل الله تعالى سهما في الصدقات ليكفر عنهم وهذا يدل على إعطائهم ما يشترون
به الكفارة وإن لم يكن عتقا وقيل أنه يعطي من سهم الغارمين لان القصد إبراء الذمة مما يتعلق بها ويثبت في العهدة ويمكن أن يعطى
من سهم الرقاب لان القصد إعتاق الرقبة. * مسألة: قال أصحابنا إذا لم يوجد مستحق جاز أن يشتري العبد بمال الزكاة ويعتق وإن لم يكن تحت
ضر وشدة لأنه أحد مصارف الزكاة فإذا فقد غيره من أربابها تعين هو كغيره من الأصناف ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله
520

عليه السلام عن رجل أخذ زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف الدرهم التي أخرجها
من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك قال: نعم لا بأس بذلك قلت فإنه لما أعتق وصار حرا اتجر واحترف فأصاب مالا كثيرا ثم مات وليس له وارث فمن يرثه
إذا لم يكن له وارث قال يرثه الفقراء والمؤمنون الذي يستحقون الزكاة لأنه إنما اشترى بمالهم. * مسألة: ويجوز الصرف إلى السيد بإذن المكاتب
وإلى المكاتب بإذن السيد وبغير إذنه ولا يعطى المكاتب من سهم الرقاب إلا إذا لم يكن معه ما يؤد (به) كتابته وهل يعطى قبل حول النجم فيه تردد ينشأ من
عدم الحاجة إليه حينئذ ومن كونه قد يحل عليه وليس معه شئ فيفسح المالك الكتابة فيتحقق الحاجة والأخير أقرب. الصنف السادس: الغارمون
وهم المذنبون في غير معصية أجمع المسلمون على دفع النصيب إلى من هذا شأنه ولو أنفقه في المعصية لم يقبض وهو مذهب علماؤنا أجمع وللشافعي
قولان. لنا: أن ان القضاء حمل له وإغرائه على المعصية وهو قبيح عقلا فلا يكون يتقيد به شرعا ويؤيده ما روي عن الرضا عليه السلام قال يقضي ما عليه
من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في معصية الله فلا شئ له على الامام وقال علي بن إبراهيم بن هاشم في كتاب التفسير عن العالم عليه السلام قال و
الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف فيجب على الامام أن يقضي عنهم ويكفيهم من مال الصدقات ولان الزكاة
إرفاق ومعونة على جهة التقرب إلى الله تعالى وذلك غير حاصل في قضاء دين المعصية. سواء تاب أو لم يتب لوجود المعنى فيهما
وفرق الشافعي بينهما فيجوز القضاء مع التوبة دونها وهو ضعيف لما تقدم ولأنه استدامة المعصية قال يقضى عنه كما لو لم يثبت ولأنه لا يؤمن
عوده إلى الاستدامة للمعصية لأنه إذا علم أنه يقضى عنه عاود الاستدامة نعم لو تاب وهو فقير جاز أن يعطى من سهم الفقراء ويقضي هو الدين
أما لو جهل فيما إذا أنفقه قال الشيخ لا يقضى عنه وخالف فيه ابن إدريس وهو الوجه. لنا: أن الأصل في تصرفات المسلم وقوعها على الوجه
المشروع ولا يحمل أفعاله على المحرم بل على المحلل دائما ولان يتبع فصارف الأموال والتطلع على ما يخرجه المسلم دائما عسر جدا في بعض لعاد الناس
في بعض الأوقات فيكف في حق البيع دائما فلا يجوز اتفاق إعطاء الزكاة عليه احتج الشيخ بما رواه محمد بن سليمان عن أبي محمد رجل من أهل الجزيرة
عن الرضا عليه السلام قلت فهو لا يعلم فيما إذا أنفقه في طاعة أم معصية قال يسعى في ماله فيرده عليه فهو صاغر ولان النفقة في الطاعة شرط
فلا بد من العلم بتحققه والجواب عن الأول: من صحة السند ولأنه يحمل عدم العلم بالنظر إلى عدم التطلع على معرفة وإلى إصالة تصرفات المسلم
وذلك يكون في حق من يعلم منه الاقدام على المعاصي في كل وقت وعدم التجري عن الفسوق ففي حق مثل هذا لا يحمل تصرفاته في مصارف أمواله على
الطاعات دائما، وعن الثاني أن الشرط عدم العلم بالاتفاق في المعصية سلمنا لكن يمنع اشتراط العلم بل عليه الظن كافية وهي حصل بالبناء على
الأصل في تصرفات المسلم. * مسألة: ولو قضى النادم دينه من ماله أو من غيره لم يجز له أخذ عوضه من الزكاة إلا أن يكون قضاه من دين
آخر لفوات المصرف وبقائه مع القضاء من الدين وإذا استغرق السهم الدين جاز للامام أن يدفعه إلى الغرماء وأن يدفعه إلى الغارم ليقضي هو لأنه
قد استحق عليه الدفع وللامام أن ينوب عنه فيه ولو كان السهم يقصر عن الدين فأراد أن يتجر به ليستفضل ما يحصل به تمام الدين ثم استبعد جوازه.
* مسألة: والغارمون صنفان، أحدهما: من يحمل حماله لا عطاء فيه وسكون نائرة الحرب بين المقاتلين فهؤلاء لا يدفع إليه من الصدقة ليؤدي
ذلك لقوله تعالى: (والغارمين) وحديث أبي سعد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو عامل
عليها أو غارم أو قوم تحملوا في ضمان مال بأن يتلف مال الرجل ولا يدري من أتلفه وكاد سنة تبع فتنة فيعمل رجل بهبته وإعطاء الفتنة وسواء كان
يتحمل لاطفاء الفتنة النائرة بالقتل أو بتلف المال وجوز الشافعي إذ ما يحمل بسبب القتل والدم أما لو قامت النائرة بسبب تلف المال فيحمل الغارم ما
يصح به فات النبي لاطفاء الفتنة عنده وجهان والأقرب جواز الاخذ لصدق اسم الغرم للحاجة إلى إصلاح ذات البين ولا اعتبار بالتلف سواء كان
نفسا أو مالا لان الغرض يتعلق بإطفاء الفتنة وهو مشترك الثاني من استدان المسعة (لسعة) نفسه أما للانفاق في الطاعة أو في المباح فإنه يعطى من سهم
الغارمين وقد تقدم البحث فيه أما لو ضمن دينا على زيدا وكان هو والمضمون عنه مؤسرين لم يؤد من سهم الغارم وإن كانا معسرين جاز الأداء
قطعا ولو كان المضمون عنه مؤسرا دون الضامن فالأقرب أنه لا يصر إليه لأنه يعود النفع إلى المضمون عنه وهو مؤسر ولو كان العكس فالأقرب الصرف
إلى الأصل لأنه ممكن ولا يصرف إلى الضامن لا يضاره مع إمكان الصرف إلى الأصل. * مسألة: ويجوز القضاء عن الحي وإن كان فيمن يجب نفقته
مع العجز لعموم اللفظ المشتمل لصورة النزاع ولان القضاء مصرف النصيب لا تمليك المدين ويجوز أن يقاص بما عليه للمزكي من الزكاة أما لو كان الدين
على الميت فإنه يجوز أن يقضى عنه وإن تقلص وإن كان ممن يجب نفقته أيضا خلافا لأحمد. لنا: قوله عليه السلام ورجل يحمل بحماله وهو يصدق على الميت
ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السلام
عن رجل عارف فاضل توفي وترك عليه دينا قد
أبتلي به لم يكن بمفسد ولا مسرف ولا معروف بالمسألة هل يقضى عنه من الزكاة الألف وألفان قال نعم ولان القصد براءة الغارم وإخلاء ذمته من
الغرم وهو مشترك بين الحي والميت ولا يحصل إلا بالقضاء عنه احتج المخالف بأن الغارم هو الميت ولا يمكن الدفع إليه والغريم ليس بغارم
فلا يدفع إليه والجواب قد بينا أن الغرض إخلاء الذمة لا تمليك الغارم ولهذا يجوز للامام أن يقضي ويدفع إلى الغرماء من غير أن يدفع إلى الغارم.
521

الصنف السابع: سبيل الله ولا خلاف في استحقاق هذا الصنف للنصيب من الزكاة وإنما الخلاف في تفسيره فالذي عول عليه الشيخ في النهاية و
الجمل هو الجهاد وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأبو يوسف وقال أحمد ومحمد بن الحسن يجوز أن يصرف في معونة الحاج وقال الشيخ في المبسوط والخلاف
يدخل فيه الغزاة ومعونة الزوار والحاج وقضاء الديون من الحي والميت وبناء القناطير والمساجد وجميع سبيل الخير ومصالح المسلمين واختاره
ابن إدريس وهو الحق. لنا: أن جميع ما ذكرناه يدخل تحت سبيل الله لا سبيل الاشتراك اللفظي البحث لا غير لان الأصل عدمه فيبقى للاشتراك
في المعنى وهو الثواب لان السبيل هو الطريق فإذا أضيف إلى الله تعالى أفاد ما يكون وصلة إلى الثواب ويؤيده ما ذكره علي بن إبراهيم في كتاب
التفسير ورواه عن العالم عليه السلام قال وفي سبيل قوم يخرجون في الجهاد وليس عندهم ما يحجون به أو في جميع سبيل الخير فعلى الامام أن يعطيهم من
مال الصدقات حتى يقووا على الحج والجهاد واحتج الشيخ بأن إطلاق السبيل ينصرف إلى الجهاد فيحمل عليه فعينه (بعينه) لدلالة الحقيقة احتج أحمد بما
روي أن رجلا جعل بعيره في سبيل الله فأمره النبي صلى الله عليه وآله أن يحمل عليه الحاج والجواب عن الأول: بمنع الانصراف إلى الجهاد على أنه
كل المراد وعن الثاني أنه أمره بذلك لدخوله تحت المصالح وسبيل الخير لا لخصوص كونه معونة الحاج. * مسألة: والغزاة قسمان أحدهما المطوعة
الذين ليس بمرابطين ولا اسم لهم في الديوان وليس من حفدة الذين لهم نصيب في الفئ وإنما يغزون إذا نشطوا وبعض الفقهاء يسميهم الاعراب
والثاني: الذين لهم سهم من الفئ وهو صفة الديوان الذين هم برسم الجهاد والغزو فالأولون يأخذون النصيب إجماعا وهل يأخذ القسم الثاني
من الصدقات شيئا غير الفئ أم لا تردد الشيخ في المبسوط بين المنع وهو قول الشافعي وبين الاعطاء لعموم الآية وقوى الثاني وهو الوجه عندي
عملا بعموم اللفظ ولو أراد صاحب الفئ الانتقال إلى الفرد وبالعكس جاز ذلك. الصنف الثامن: ابن السبيل وهو مستحق للنصيب بالنص والاجماع
وإنما الخلاف في تفسيره فالذي اختاره الشيخ أنه المختار بغير بلده المختار به وإن كان غنيا في بلده خاصة ويدخل الضيف فيه وبه قال مالك و
أبو حنيفة وقال الشافعي ابن السبيل المختار والمنشي للسفر واختاره ابن الجنيد منا. لنا: أنه إنما يسمى ابن السبيل لملازمة الطريق وكونه فيه وهو
إنما يتحقق في الخيار أما المنشي فلا يسمى ابن الطريق ويؤيده ما ذكره علي بن إبراهيم في كتاب التفسير عن العالم عليه السلام قال أبناء السبيل أبناء
الطريق الذين يكونون في الاسفار في طاعة الله فيقطع عليهم ويذهب مالهم فعلى الامام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات احتج المخالف بأنه سمي ابن
سبيل لأنه يريد الطريق ولأنه يريد إنشاء سفر في غير معصية فجاز أن يعطى من سهم ابن السبيل كما لو نوى إقامة مدة ينقطع سفره فيها ثم أراد الخروج
فإنه يدفع إليه من الصدقة إن كان منشيا للسفر والجواب عن الأول: إن أردتم بالتسمية على سبيل الحقيقة فهو ممنوع وإن أردتم على سبيل المجاز
تسمية للشئ باسم ما يؤل إليه فهو مسلم ولكن عند الاطلاق وغرامة اللفظ على الدين إنما ينصرف اللفظ إلى الحقيقة مع إمكان إرادتها
وهي مرادة هنا بالاجماع فلا يجوز إرادة المجاز وإلا لزم التناقض وعن الثاني: أن انقطاع السفر فيما ذكرتموه من الصورة حكم شرعي لا عرفي ولا
لغوي ولا يسمى الخارج من غير بلده بعد غير مقام خمسة عشر يوما أو عشرة على اختلاف المذهبين أنه منشى للسفر لغة ولا عرفا. * مسألة: ويجوز
أن يعطى المنشئ للسفر من سهم الفقراء إن كان فقيرا لا من سهم أبناء السبيل ويدفع إلى ابن السبيل ما يكفيه لذهابه وعوده إن كان في أحد
الوجهين أعطاه في السفر المباح. لنا: عموم الآية ولان سفره غير معصية فأشبه سفر الطاعة ولهذا يرخص في السفر كالمطيع احتج بأنه لا حاجة له
إليه وكان كالمعنى والجواب المنع من المساواة. {البحث الثاني} الأوصاف وهي أربعة وقع الاتفاق على ثلاثة منها واختلف في الرابعة ونحن نأتي الجميع
بعون الله تعالى: الوصف الأول: في الايمان وقد اتفق العلماء كافة على اعتباره في غير المؤلفة فلا يعطى كافر إجماعا إلا ما حكي عن
الزهري وابن سمرة أنهما أجازا صرفها إلى المشركين وجوز أبو حنيفة صرف صدقة الظاهر إليهم وهو ضعيف لقوله عليه السلام لمعاذ أعلمهم في أموالهم
صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم والإضافة يدل على الاختصاص. * مسألة: ولا يكفي الاسلام بل لا بد من اعتبار الايمان فلا
يعطى غير الامامي ذهب إليه علماؤنا أجمع خلافا للجمهور كافة واقتصروا على اسم الاسلام. لنا: أن الإمامة من أركان الدين وأصوله وقد علم ثبوتها
من النبي صلى الله عليه وآله ضرورة فالجاحد بها لا يكون مصدقا للرسول عليه السلام في جميع ما جاء به فيكون كافرا فلا يستحق الزكاة ولان الزكاة
معونة وإرفاق فلا يعطى غير المؤمن لأنه يحادد الله ولرسوله والمعونة والارفاق مواده فلا يجوز فعلها مع غير المؤمن لقوله تعالى: (لا يجد قوما
يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) ويؤيده ما رواه الشيخ عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام
قالا: الزكاة لأهل الولاية وقد بين الله لكم موضعها في كفاية وعن إسماعيل بن سعيد الأشعري قال سألت الرضا عليه السلام عن الزكاة هل توضع
فيمن لا يعرف قال لا ولا زكاة الفطرة وعن محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن زيد عن محمد بن عذافر عن عمر بن يزيد قال سألته عن الصدقة على
النصاب وعلى الزيدية فقال لا تصدق عليهم شئ ولا تسقهم من الماء إن استطعت وقال الزيدية هم النصاب وفي الحسن عن زرارة وبكير والفضيل و
محمد بن مسلم ويزيد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية
والقدرية ثم يتوب حتى تعرف هذا الامر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شئ من ذلك قال ليس عليه إعادة
522

شئ من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية والاخبار في ذلك كثيرة مشهورة. فروع:
[الأول] لو أخرج الزكاة إلى غير المستحق ممن لي بمؤمن لم يجز عنها لان أربابها معينون فلا يجوز صرفها إلى غيرهم كالدين إذا دفع إلى غير
صاحبه ولان الايمان شرط وكان حكمه حكم الفقر سواء دفع إليه عمدا أو جهلا ويؤيده ما تقدم في حديث محمد بن مسلم وأصحابه عنهما عليهما السلام وفارقت الصلاة
لأنها حق مالي (للآدميين) بخلاف الصلاة والصوم. [الثاني] لو لم يجد المؤمن هل يصرف إلى غيرهم فيه قولان أصحهما المنع. لنا: ما تقدم من الأحاديث
وهي عامة للوجدان أو عدمه ويؤيده ما رواه الشيخ عن إبراهيم الأوسي عن الرضا عليه السلام قال سمعت أبي يقول كنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال
إني رجل من أهل الري ولي زكاة فإلى من أدفعها؟ فقال: إلينا فقال أليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال: بلى إذا دفعها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا فقال أبي لا أعرف لها أحدا فقال: ما (
تبطن) بها سنة قال فإن لم أصب لها أحدا قال: انتظر بها حتى بلغ أربع سنين ثم قال له إن تصب لها أحدا فصرها (صررا) واطرحها في البحر قال الله عز وجل حرم أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا وهذا
نص في تحريم إعطائهم مع فقد المستحق وأما الامر بالطرح في البحر فيحتمل أن يكون مع السعي لفقد المستحق دائما وإنما الأصل حفظها إلى أن
يوجد المستحق ولا يتقدر بقدر وفي رواية يعقوب بن شعيب عن العبد الصالح قال إذا لم يجد دفعها إلى من لا ينصب ولا تعويل عليها لأنها شاذة
وفي طريقها أبان بن عثمان وهو ضعيف. [الثالث] حكم زكاة الفطرة حكم زكاة المال وجوز أبو حنيفة دفعها إلى المشركين وجوز
بعض أصحابنا دفعها إلى المستضعف ومخالفي الحق مع عدم المستحق والصحيح ما تقدم. لنا: ما تقدم من تعليل مخالفي الحق وهو يمنع من الاستحقاق
وما رواه إسماعيل بن سعد الأشعري قال سألت الرضا عليه السلام عن الزكاة هل يوضع ممن لا نعرف فقال لا ولا زكاة الفطر ولان المستحق لنا قوم
يعينون فلا يخرج عن العهدة بالصرف إلى غيره وفي رواية الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان جدي يعطي فطرته الصعقة ومن لا يتولى وقال هي
لأهلها إن لا تجدهم فإن لم يجد فلمن لا ينصب والأولى أشهر أحتج أبو حنيفة بأن صدقة الفطرة ليس للامام فيها حق القبض فجاز دفعها إلى أهل
الذمة كالتطوع وهذا القياس باطل بالنص وتبطل بالأموال الظاهرة وصدقة التطوع يجوز صرفها إلى الحربي وهذا لا يجوز فيبطل القياس
والثاني لقوله عليه السلام أعطوا أهل الأديان من صدقاتكم والجواب أنه محمول على الطوع جمعا بين الاخبار. [الرابع] يجوز أن يعطي أطفال
المؤمنين وإن كان آباؤهم فساقا اختاره السيد المرتضى في الطبريات والشيخ أبو جعفر الطوسي في التبيان وهو حسن لان حكم أولاد المؤمنين
حكم آبائهم فيما يرجع إلى الايمان والكفر. [الخامس] لا يجوز أن يعطى أولاد المشركين ولا أولاد المخالفين للحق لان حكمهم تابع لحكم آبائهم.
الوصف الثاني: العدالة وقد اختلف علماؤنا في اشتراطها فاشترط الشيخ والسيد المرتضى إلا في المؤلفة اقتصر المفيد وابنا بابويه
وسلار رحمهم الله تعالى على الايمان ولم يشترطوا العدالة وبه قال أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وهو الأقرب واعتبر آخرون من
علمائنا مجانبة الكبائر. لنا: عموم اللفظ المتناول لصورة النزاع والأصل عدم اشتراط الزائد على المنطوق وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله
من قوله لكل كبد حرا اجر وقوله عليه السلام اعط من وقعت في قلبك الرحمة وما رواه الشيخ عن سدير الصيرفي قال قلت لأبي عبد الله أطعم سائلا لا أعرفه
مسلما فقال نعم اعط من لا معرفة بولايته ولا عداوته للحق ولا يطعم من نصب لشئ من الحق أو دعى إلى شئ من الباطل ولأنه بإيمانه يستحق الثواب فيستحق
الزكاة كالعدل احتج السيد المرتضى رحمه الله بالاجماع والاحتياط وما ورد في القرآن والاخبار من المنع من معونة الفاسق وبما رواه داود الصيرفي
قال سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا فقال لا ولا قائل بالفرق وهذا حجة من عول على اشتراط مجانبة الكبائر والجواب أن الاجماع لا
يتحقق مع وجود الخلاف والاحتياط لا يعمل به إذا عارض عمومات القرآن والمنع من معونة الفاسق محمول على معونته على فقه وحديث داود ضعيف
لعدم السند إليه نعم ما قال السيد المرتضى أولى للتخلص من الخلاف ولان غير الفاسق أشرف منه وأولى بالمعونة. الوصف الثالث: لا يكون
ممن يجب نفقته عليه وهو قول كل من يحفظ عنه العلم وقد وقع الاتفاق على وجوب الانفاق على الوالدين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا والزوجة
والمملوك وفي غيرهم خلاف يأتي تحقيقه إن شاء الله فكل من يجب نفقته لا يجوز للمنفق أن يعطيه زكاته لأنهم اعتنا به (لأنه عياله) ولان المالك يجب عليه شيئان
الزكاة والانفاق ومع صرف الزكاة إلى من يجب نفقته يسقط أحد الواجبين فيكون الدفع في الحقيقة عائدا إليه كما لو مضى دين نفسه ويؤيده ما رواه
الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا الأب والأم والولد والمملوك والمرأة وذلك
أنهم عياله لازمون له وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام ولا يعطى الجد ولا الجدة من الزكاة وروي عن أصحابنا عن أبي الحسن موسى عليه السلام
قلت من الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا احتسب الزكاة عليه قال الوالدان والولد لا يقال قد روى الشيخ عن عمران بن إسماعيل القمي قال كتبت إلى أبي
الحسن الثالث عليه السلام أن لي ولد من رجال ونساء فيجوز أن يعطيهم من الزكاة فكتب لي ذلك جائز لك لأنا نقول لو أجرى هذا الخبر على حقيقته لزم مخالفته
للاجماع فلا بد من التأويل وهو من وجوه أحدها يحتمل أن يكون الرجال أو النساء من ذوي الأقارب وأطلق عليهم اسم الولد مجازا بسبب مخالطتهم
للأولاد، وثانيها: بضاعته خمس مائة درهم وهي لا تكفي عياله فلا يجب عليه اخراج الزكاة إلا باعه بل يجوز صرفه إلى أولاد يتمه بمؤنتهم ويكمله لما يحتاجون
إليه ويؤيده رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تعط الزكاة أحدا ممن يعول وقال إذا كان
لرجل خمس مائة درهم وكان عياله كثيرا قال ليس عليه
زكاة ينفقها على عياله يزيدها في نفقتهم وفي كسوتهم وفي طعام لم يكونوا يطعمونه الحديث. وثالثها: يحتمل أنه أراد الزكاة المندوبة. * مسألة: قد بينا
523

أنه لا يجوز للرجل أن يعطي زوجته شيئا من زكاته أما الزوجة فإنه يجوز لها أن تعطي زوجها من زكاتها وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال
أبو حنيفة لا يجوز وعن أحمد روايتان. لنا: ما رواه الجمهور عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت يا نبي الله انك أمرت القوم بالصدقة وكان
عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدق عليهم فقال النبي صلى الله عليه وآله صدق ابن مسعود زوجك وولدك
أحق من تصدقت به عليهم وعن عطاء قال أتت النبي صلى الله عليه وآله امرأة فقالت يا رسول الله إن علي (نذرا) أن أتصدق بعشرين درهما إن لي زوجا
فقيرا أفيجزي أن أعطيه قال نعم لك كفلان من الاجر ولان المقتضي وهو الفقر موجود والمانع وهو وجوب الانفاق مفقود ويجوز الدفع إليه ولأنه
لا يجب عليها بعضه وكان كالأجنبي احتج أبو حنيفة بأن أحد الزوجين فلا يجوز دفع الزكاة إليه كالآخر ولان البيع عائدا إليها في الحقيقة
لأنها يلزمه حينئذ بنفقة المؤسر فجرى مجرى دفع الزكاة إلى المملوك والجواب عن الأول بالفرق فإن الزوجة يجب لها النفقة بخلاف الزوج وعن
الثاني بالمنع كون هذا القدر من البيع موردا في المنع من الزكاة ولهذا جاز لصاحب الدين دفع الزكاة إلى مدينه المعسر والبيع فيحقق بصيرورته غنيا
فحينئذ يجوز له المطالبة بعد أن كانت حراما عليه كما لم يعتد هذا البيع في طرف المدين فكذا في الزوجة. * مسألة: ولا يمنع الزكاة من لا يجب النفقة
وإليه من الأقارب بل صرفها إلى الأقارب أفضل سواء كان وارثا أو لم يكن وبه قال أكثر أهل العلم وقال أحمد في إحدى الروايتين لا يعطى الوارث كالأخ
والعم والخال ويعطى غيره كالأخ مع الولد. لنا: قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء وهو يدل بعمومه على صورة النزاع ولما رواه الجمهور عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال الصدقة على المسكين وهي لذي الرحم اثنتان صدقة وصلة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أحمد بن حمزة قال قلت لأبي الحسن
عليه السلام رجل من مواليك له قرابة كلهم يتولونك وله زكاة أيجوز أن يعطيهم جميعا زكاته قال نعم وعن علي بن مهزيار عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته
عن الرجل يضع زكاته كلها في أهل بيته وهم يتولونك قال نعم وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الزكاة يعطى من الاخر والأخت والعم
والعمة والخال والخالة ولا يعطى الجد والجدة ولأنه ليس من عمودي النسب فأشبه الأجنبي وما أنهم أفضل من غيرهم فلما دل عليه الحديث عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه صلة وما رواه الشيخ عن عدة من أصحابنا عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال قلت لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضل بعضهم على
بعض فيأتيني أبان الزكاة أفاد إليهم منه قال مستحقون لها قلت نعم قال هم أفضل من غيرهم اعطهم احتج أحمد بأن على الوارث نفقة المورث
فدفع الزكاة إليه يعود نفعها إلى الدافع والجواب المنع من إيجاب النفقة على ما يأتي إن شاء الله. * مسألة: ولو كان في عامله من لا يجب النفقة
عليه كنعم أجنبي جاز الزكاة إليه والانفاق عليه من الزكاة وعن أحمد روايتان. لنا: العموم والوارد في القرآن والسنة احتج أحمد بأنه يستغني بها
عن تحمد مؤنته فيعود النفع على المنفق وهذا ضعيف لان مؤنته ليست واجبة عليه فالدفع إليه لا يسقط واجبا ولا يجب نفقا فكان سائغا. الوصف
الرابع: لا يكون هاشميا وقد أجمع علماء الاسلام على أن الصدقة المفروضة عن غير الهاشمي محرمة على الهاشمي روى الجمهور عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه قال أن الصدقة لا ينبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس وقال عليه السلام الصدقة محرمة على بني هاشم وقال عليه السلام فهذه الصدقة
أوساخ الناس فلا يحمل لمحمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وعن أبي هريرة أن الحسن عليه السلام أخذ تمرة من تمر الصدقة فقال له النبي صلى الله عليه وآله كخ كخ ليطرحها
وقال أما يتقرب إنا لا نأكل الصدقة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن أناسا من بني هاشم
أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله عز وجل للعاملين
عليها فنحن أولى به فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا بني عبد المطلب أن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ولكني قد وعدت الشفاعة فما ظنكم يا بني
عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الجنة أترون مؤيدا عليكم غيركم وفي الحسن عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله أن الصدقة أوساخ أيدي الناس فإن الله حرم علي منها ومن غيرها قد حرمه فإن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب ثم قال أما
والله لو قد قمت على باب الجنة ثم أخذت بحلقة لقد علمتم أني لا أوثر عليكم فارضوا لأنفسكم بما رضي الله ورسوله لكم قالوا رضينا يا رسول الله صلى الله عليه وآله
وفي الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تحل الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم لا يقال قد روى الشيخ عن أبي خديجة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها منهم فإنها تحل لهم وإنما يحرم على النبي صلى الله عليه وآله وعلى الامام الذي
يكون بعده وعلى الأئمة عليهم السلام لأنا نقول في طريقه ابن فضال فهو ضعيف فلا يعارض ما ثبت بالاجماع والسنة المتواترة ويحتمل أن يكون ذلك
في حال الضرورة. * مسألة: ولا يحرم مصدقة بعضهم على بعض وعليه فتوى علمائنا خلافا للجمهور كافة إلا أبا يوسف فإنه جوزه. لنا: العموم في
قوله قال إنما الصدقات للفقراء وإنما حرمنا الصدقة على بني هاشم لكونها أوساخ الناس بالنص على النبي صلى الله عليه وآله وهو غير متناول
لصورة النزاع لان الأوساخ كل ذم لمن يضاف إليه فلا يندرج فيها بنو هاشم فلا يكون زكاتهم أوساخا فلا يثبت المقتضي للمنع ويؤيده ما رواه
الشيخ عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحل لهم قال نعم صدقة الرسول صلى الله عليه وآله تحل لجميع الناس
من بني هاشم وغيرهم وصدقات بعضهم على بعض تحل لهم صدقات انسان غريب وعن إسماعيل بن فضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام قلت أفتحل
524

صدقة بعضهم على بعض قال نعم وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام ولم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض وعن جميل بن دراج عن أبي
عبد الله عليه السلام قال سألت هل لبني هاشم الصدقة قال لا قلت تحل لمواليهم قال تحل لمواليهم ولا تحل لهم الصدقات بعضهم على بعض. * مسألة: ولا تحرم
عليهم الصدقة المندوبة ذهب إليه علماؤنا وهو قول أكثر أهل العلم وعن الشافعي قول بالمنع وعن أحمد روايتان. لنا: أنه يعاون على البر والتقوى
فيكون سائغا لقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) وما رواه الجمهور عن علي وفاطمة عليهما السلام أنهما وقفا على بني هاشم والوقف صدقة ولا خلاف في
جواز معونتهم والعفو عنهم وغير ذلك من وجوه المعروف وقد قال عليه السلام كل معروف صدقة وما رووه عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه عليه السلام أنه كان
يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقلت له أتشرب من الصدقة فقال إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن
جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له تحل الصدقة لبني هاشم فقال إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا قال
فأما غير ذلك فليس به بأس ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة هذه المياه عامتها صدقة وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سألت عن الصدقة التي حرمت عليهم فقال هي الصدقة المفروضة ولان المفروضة مطهرة للمال فيبقى الوسخ على المندوبة. * مسألة: وهل تحرم المندوبة
على النبي صلى الله عليه وآله عندي فيه تردد قال أكثر علمائنا بعدمه وللشافعي قولان وعن أحمد روايتان احتج المحرمون بعموم قوله عليه السلام إنا لا نأكل
الصدقة ووصف واصف النبي صلى الله عليه وآله لسلمان لما أسلم فقال له أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وكان إذا أتى بطعام سئل عنه فإن قيل
صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل وإن قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم وقال عليه السلام إني لا أغلب إلى أهل فأجد التمرة ساقطة على فراش فأرفعها لآكلها
ثم أخشى أن تكون صدقة فألقها ولان له مزية على آله عليهم السلام وقد ثبت تحريم المفروضة عليه وعليهم فيختص هو عليه السلام بتحريم المندوبة احتج المجوزون
بأنه عليه السلام كان يقرض ويقبل الهدية وكل ذلك صدقة لقوله على السلام كل معروف صدقة وفيه نظر لان المراد بالصدقة المحرمة ما يدفع من المال
المحاويج على سبيل سد الخلة ومساعدة الضعيف طلبا للأجر أما ما جرت العادة بفعله على سبيل التردد فكالهدية والقرض ولهذا لا يقال للسلطان
إذا قبل هدية بعض أعينه أنه تصدق منه. * مسألة: وقد أجمع علماء الاسلام على تحريم الزكاة على من ولده عبد المطلب وهم الآن بنو أبي طالب من
العلويين والجعفريين والعقيليين وبنو العباس وبنو الحارث وبنو أبي لهب لقوله عليه السلام أن الصدقة لا تحل لي ولا لكم يا بني عبد المطلب وقوله عليه السلام
أن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب وقول الصادق عليه السلام لا تحل لولد العباس ولا لنظرائهم لبني هاشم لا نعرف خلافا في تحريم الزكاة على هؤلاء
واستحقاقهم للخمس وقد وقع الخلاف في بني المطلب وهو عم عبد المطلب فقال المفيد من علمائنا في الرسالة الغرية أنهم يدخلون في حكم بني عبد
المطلب فلا تحل لهم الزكاة ولهم الاخذ من الخمس وبه قال الشافعي وقال أكثر علمائنا لا يدخلون معهم ويجوز لبني المطلب الاخذ من الزكاة ولا يستحقون الخمس وبه قال أبو حنيفة وعن أحمد روايتان. لنا: عموم قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء) خرج منه بنو
عبد المطلب لشدة قربهم وعلو منزلتهم بالاجماع فيبقى الباقي على العموم وقياس بني المطلب باطل لان بني هاشم أقرب وأشرف وهم آل
النبي صلى الله عليه وآله وتخصيص الصادق عليه السلام التحريم يدل على ما نقله عما عدا المخصص وذلك في قوله لا تحل لولد العباس ولا لنظرائهم من بني
هاشم وكذا في قول النبي صلى الله عليه وآله أن الصدقة لا يحل لي ولا لكم يا بني عبد المطلب المراد بذلك كله شرف المنزلة وتعظيم آله عليهم السلام فلو شاركهم
بنو المطلب في ذلك لذكره لأنه في معرض التعظيم لسنة ولان المقتضي لاستحقاق الخمس وهو منع الزكاة إن كان هو القرب في بني المطلب وجب مشاركة
بني نوفل وعبد الشمس في ذلك وقد وافقنا الشافعي وأحمد على عدم استحقاقهم الخمس وجواز إعطائهم الزكاة فكذا مساويهم في القرابة وهم
بنو المطلب احتج المفيد رحمه الله بما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ان الله جعل لهم
في كتابه ما كان فيه سعتهم ثم قال إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة والصدقة لا تحل لاحد منهم إلا أن يجد شيئا ويكون ممن تحل له الميتة وقال رسول الله صلى الله عليه وآله انا وبنو المطلب لم نعرف
في جاهلية ولا إسلام ونحن وهم شئ واحد وهذا حجة الشافعي ولان ذلك حكم يتعلق بقرابة النبي صلى الله عليه وآله فاستوى فيه بنو المطلب وبنو
هاشم والجواب عن الأول: أنه خبر نادر فلا يخص به عموم القرآن ومع ذلك فإن في طريقه علي بن فضال وهو ضعيف ويعارض بالاخبار من أهل
البيت عليهم السلام وقد ذكرنا طرفا منها، وعن الثاني: أن حقيقته غير مرادة وليس له لفظ يدل بالعموم على شئ وظاهره غير مراد ليس أحدها الآخر
مع احتمال إرادة اتحادها في الشرف والتعظيم والمودة والصحبة والعصرة ويؤيده قوله عليه السلام في جاهلية والإسلام فإنه مشعر بالنصرة مع هذه
الاحتمالات فلا حجة فيه، وعن الثالث: بأن مطلق القرابة غير كاف لعدم استحقاق نوفل وعبد الشمس مع مساواتهم لبني المطلب في القرابة. * مسألة:
ويجوز أن يعطى مواليهم من الزكاة ونعني بالموالي أن أعان الهاشمي وعليه علماؤنا وللشافعي قولان. لنا: العموم وما رواه الشيخ في الصحيح عن تغلبة بن ميمون قال
كان أبو عبد الله عليه السلام يسأل شهابا من زكاته لمواليه وإنما حرمت الزكاة عليهم دون مواليهم وعن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته
هل يحل لبني هاشم الصدقة قال لا قلت تحل لمواليهم ولا تحل لهم الصدقات بعضهم على بعض وكان منع الزكاة في مقابلة استحقاق الخمس ومواليهم لا
يستحقون الخمس فلا يمنعون احتج المخالف بقوله عليه السلام موالي القوم منه والجواب لا يدل على المنع من الزكاة يقال قدر روى الشيخ عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال مواليهم منهم ولا يحل الصدقة من القريب بمواليهم لأنا نقول في طريقه ابن فضال وهو ضعيف لأنه محمول على الكراهية أو على الموالي الذين هم
525

مماليك لان نفقتهم واجبة على ساداتهم فيكون في الحقيقة إبطالهم ذكرها الشيخ. * مسألة: ولا يحرم على زوجات النبي صلى الله عليه وآله خلافا
للجمهور. لنا: التمسك بعموم الآية احتج المخالف بما روي أن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى عائشة سفرة من الصدقة فردتها فقالت إنا آل محمد لا تحل
لنا الصدقة. والجواب: المنع من صحة الحديث فإن أكثر الجمهور لم يعملوا به ولو صح لعملوا بموجبه فلا يخص به عموم القرآن. * مسألة: وإذا منع
الهاشميون من الخمس جاز لهم تناول الزكاة وعليه فتوى علمائنا أجمع وبه قال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية وأطبق الجمهور على المنع. لنا: أن
المنع من الزكاة إنما هو لاستغنائهم بالخمس مع تعذر (ومنعي) المقتضي للتحريم فيبقى على أصالة الإباحة ويؤيده ما رواه الجمهور أن النبي صلى الله عليه وآله
قال لفضل بن العباس في خمس الخمس ما يكفيكم عن أوساخ الناس ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال والصدقة لا تحل لاحد منهم الآن إلا يجد شيئا ويكون ممن يحل له الميعة وعن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أعطوا من الزكاة من بني هاشم من أرادها
فإنها تحل لهم وإنما تحرم على النبي صلى الله عليه وآله وعلى الامام الذي يكون بعده وعلى الأئمة قال الشيخ هو محمول على الضرورة وهو جيد جمعا
بين الاخبار بأن المنع ثبت تشريفا وتعظيما وهو موجود مع المنع من حقهم والجواب: قد بينا عليه المنع. فرع: إذا ثبت جواز إعطائهم عند منعهم من
مستحقهم فهل يجوز أن يأخذوا بقدر الحاجة وما يزيد عنها أم لا؟ الأقرب منعهم مما يزيد عن قدر ضرورتهم لأنه مفهوم من المناهي.
{البحث الثالث} في الاحكام، * مسألة: إذا ادعى شخص الفقر فإن عرف كذبه منع وإن عرف صدقه أعطى وإن لم يعلم حاله قبلت دعواه ولم يكلف بينة
ولا يمينا لأنه يدعي الأصل وهو عدم المال والأصل عدالة المسلم فكان قوله مقبولا أما لو عرف أن له مالا وادعا تلفه قال الشيخ تكلف
بينة على التلف لان الأصل بقاء المال والأقرب أنه لا يكلف بينة عملا بعدالته ولو ادعى المريض أو الشيخ أو الشاب الذي هو ضعيف البنية
للعجز عن الحركة والاكتساب قبل قوله إجماعا لأنه يدعي ما يشبهه له الظاهر بصدقه وإن قوى البينة جلد فادعى العجز عن الاكتساب فالأقرب قبول
قوله إجماعا لأنه له الظاهر بصدقه من غير تحر بعد البينة
ولان النبي صلى الله عليه وآله أعطى الرجلين للذين سألاه ولم يحلفهما وقال الشافعي يحلفه لأنه يدعي خلاف الظاهر ولو أدعى عيالا يعجز عن
معونتهم فالأقرب أيضا قبول قوله من غير يمين كما يقبل قوله أنه غير مكتسب وقال الشافعي يطالب البينة لامكانها. * مسألة: ولو أدعى العبد الكتابة
فإن أقام بينة أو علم صدقه فلا يجب وإن لم يقم بينة ولا يعلم صدقه فإن كذبه السيد لم يقبل قوله إلا بالبينة لان الأصل عدم الكتابة وبقاء
رقبته وإن صدقة السيد قبل قوله لان إقرار السيد ها هنا في حقه فكان مقبولا وقال الشافعي لا يقبل لجواز التواطؤ لاخذ الزكاة والأقرب الأول
لان هذا الدفع يقع مراعيا في حق السيد فإن أعتق العبد وإلا طولب بالرد قال الشيخ الأولى الأول فيمن عرف أنه له بعدا والثاني أحوط فيمن
لا يعرف ذلك من حاله ولو لم يعلم حال السيد من تصديق أو تكذيب قال لا أقرب القبول عملا بالعدالة الثابتة بالأصالة للمسلم وقال الشافعي
لا يقبل إلا بالبينة. * مسألة: الغارمون قسمان أحدهما عادم لمصلحة ذات البين وأمره ظاهر مشهور لأنه يحتمل حاله ظاهره فهذا يعطى من الصدقات
والثاني غارم لمصلحة نفسه فإن أقام البينة بأن عليه دينا قبلت وكذا إن علم صدقه وإن لم يحصل أحدهما فإن صدقه المدين فالوجه القبول عملا
بالعدالة كما قلنا في الكتاب وإن كذبه لم يعطه شيئا وإن لم يعلم حاله من تصديق وتكذيب فالأقرب القبول من غير يمين. * مسألة: ابن السبيل
إذا أدعى الحاجة قبل قوله من غير يمين عملا بالأصل وكذا لو قال كان لي مال فتلف وقال الشيخ لا يقبل دعواه إلا بالبينة لامكان إقامتها على التلف
مع مخالفة دعواه لأصلية البقاء والأقرب ما قلناه وكذا لو قال لي مال في بلدي وليس لي هنا شئ. * مسألة: ويجوز أن يعطى أطفال المؤمنين
الزكاة عند الحاجة عملا بعموم الآية ولا يشترط عدالة الأب عملا بالعموم ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت
الرجل يموت ويترك العيال يعطون من الزكاة قال نعم حتى ينشأوا ويبلغوا ويسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم فقلت هم أنهم لا يعرفون
قال يحفظ فيهم منهم ويجب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يتهموا بدينهم وإذا بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم. فروع: [الأول] لا يعطى أولاد
المشركين لان أحكامهم مختلفة بأحكام آبائهم وكذا لا يعطى أولاد المخالفين. [الثاني] لا يعطى المملوك وإن كان طفلا لان الاعطاء في الحقيقة يكون
للمالك. [الثالث] يدفع الزكاة إلى ولي الطفل لأنه المتولي لامره سواء كان رضيعا أو لا وأكل الطعام أو لا ومنع أحمد في إحدى الروايتين من الرضيع.
لنا: العموم ولأنه يحتاج إلى الزكاة في أجرة الرضاع والكسوة والنفقة كأكل الطعام ويجوز أن يدفع إليه إن كان مراهقا. [الرابع] الدفع إلى ولي
المجنون لحاجته إليها. * مسألة: المخالف إذا خرج زكاته إلى أهل نحله ثم استبصر أعاد لان المستحق متعين ولم يصل إليه حقه فيبقى المخرج في
العهدة ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة وبكير وفضيل ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا:
في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الامر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو
زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شئ من ذلك قال ليس عليه إعادة شئ من ذلك غيرا لزكاة ولا بد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وإنما
526

موضعها أهل الولاية. * مسألة: ولو دفع الامام أو نائبه إلى من يظنه فقيرا فبان غنيا لم يضمن الدافع ولا المالك بلا خلاف أما المالك فلانه
أدى الواجب وهو الدفع إلى الامام فيخرج عن العهدة وأما الدافع فلانه نائب عن الفقراء أمين لهم لم يؤخذ منه تفريط من جهة فلا يضمن ولأنه فعل
المأمور به لان الواجب الدفع إلى من يظهر منه الفقر إذ الاطلاع على الباطن متعذر فيطرح عن العهدة ولا نعلم فيه خلافا. فروع: [الأول]
للامام والنائب له أن يسترد ما دفعه من ظهور غناه شرط حال الدفع لك أو لم يشرط أعلمه أنها زكاة أو لم يعلمه لان الظاهر من حال الامام أنه
إنما يعرف الزكاة غالبا فإن وجد المدفوع بعينه استرده وإلا استرد بدله أما المثل أو القيمة بقدر ذلك ذهب من مال المساكين. [الثاني]
لو كان الدافع هو المالك قال الشيخ في المبسوط لا ضمان وبه قال الحسن البصري وأبو حنيفة وقال أبو يوسف لا يجزيه وبه قال الثوري والحسن بن صالح بن
حي وأبو المنذر وللشافعي قولان وعن أحمد روايتان والأقرب سقوط الضمان مع الاجتهاد وثبوته مع عدمه. لنا: أن آمين في بلده مال لغيره فيجب
عليه الاجتهاد والاستظهار في دفعها إلى مالكها ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن عبيد بن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل عارف
أدى الزكاة إلى غير أهلها زمانا هل عليه أن يردها ثانية إلى أهلها إذا علمهم قال نعم قلت فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدها أو لم يعلم أنها عليه
فعلم بعد ذلك قال ليؤدها إلى أهلها لما مضى قال قلت فإن لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل وقد كان طلب واجتهد ثم علم بعد ذلك سوء
ما صنع قال ليس عليه أن يؤديها مرة أخرى وعن زرارة مثله غير أنه قال إذ اجتهد فقد برئ وإن قصر في الاجتهاد والطلب فلا ولأنه مأمور
بالاخراج ومسوغ له التفرقة بنفسه والتكليف بمعرفة الباطن تكليف ما لا يطاق وكان مكلفا بالبناء على الظاهر مع الاجتهاد وقد امتثل
فيخرج عن العهدة ولأنه دفعها إلى من ظاهره الاستحقاق فيجزيه كالامام احتج المخالف بأنه رفع إلى غير مستحقها فلا تقع مجزية كالدين. والجواب: أنه
دفع مشروع فلا يستعقب وجوب القضاء تحقيقا للأخرى وما رواه الشيخ عن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال رجل يعطي زكاة ماله
رجلا وهو يرى أنه معسر فوجده مؤسرا قال: لا يجزي عنه محمول على عدم الاجتهاد والاستظهار لحديث زرارة. [الثالث] إن وجد المالك العين
استرد ما إن كان شرطه وقت الدفع أنها زكاة فرض لعدم تملك من وقعت إليه وبقائها إلى أربابها وإن لم يوجد استرد المثل أو القيمة وإن
تعذر بموت أو فقر فلا ضمان مع الاجتهاد ويضمن مع عمده أما لو لم يشترط فإنه لا يرجع لان دفعه محتمل للوجوب والتطوع فليس له الرجوع. [الرابع]
لو بان المدفوع إليه عبدا فالوجه عدم الاجزاء مطلقا لأنه في الحقيقة دفع إلى المالك. [الخامس] لو دفع إلى من ظاهره الاسلام أو الحرية أو العدالة
فبان كافرا أو رقا أو فاسقا أو هاشميا أو من يجب نفقته قال الشيخ الحكم فيه كما مضى في الغني وقال أحمد لا يجزيه ويجب عليه الإعادة وللشافعي قولان
أحدهما أنه كالفقر والثاني إن كان من المالك أعاد قولا واحدا وإن كان من الامام فقولان. لنا: أن الواجب الدفع إلى من يظهر منه الاستحقاق والتطلع
على الأمور الباطنة غير مأخوذ عليه وإلا وجب فلا يضمن له لعدم التفريط مع الاجتهاد ويؤيده حديث عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام احتج
المخالف بأنه رفعه إلى غير المستحق فيضمن كالدين إذا دفعه إلى غير ماله ولان الفقر يخفى لقوله تعالى: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) بخلاف ما ذكر
فإن الكفر والفسوق والقرابة والاتصال بالرسول صلى الله عليه وآله لا يخفى مع الطلب والاجتهاد. والجواب عن الأول: أن مستحق الدين متعين فلا يرفع إلا مع التعين وعن الثاني:
ان الخفا والظهور مشترك في ذلك كله كيف الاعتقاد من الأمور الباطنة والفسوق قد يخفى خصوصا من المتظاهر بالعدالة. * مسألة: الفقراء
والمساكين العاملون والمؤلفة يعطون عطاء مطلقا متطوعا به لا يراعي ما يفعلون بالصدقة بلا خلاف لان الآية تدل على استحقاقهم بلام
التمليك من غير شرط أما الرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل فإنهم يعطون عطاء مراعيا على خلاف والفرق بين هذه الأربعة
والمتقدمة أن هؤلاء يأخذون الزكاة للغناء فإذا لم يحصل استعيدت أما المتقدمة فإن المقصود حصول بدفعهم وهو غناء الفقراء والمساكين وتأليف
المؤلفين وأداء أجر العاملين ونحن نبين ذلك فنقول الكتاب أن صرف ما أخذه في صرف مال الكتابة وقد عتق فقد وقع إجماعا لحصول المقصود
بالدفع وإن دفعه إلى المالك ولم يقر بما عليه واسترقه سيده فهل يرتجع أم لا؟ قال الشيخ لا يرجع وللشافعي وجهان. لنا: أنه رفعه إليه ليدفعه إلى سيده
وقد حصل فلا يرجع كما حصل العتق احتج الشافعي بأن القصد يحصل العتق له فإذا لم يحصل استرجع والصحيح الأول ولو لم يدفعه إلى المالك بل أداه
المولى أو تطوع عليه عليه متطوع بالأداء عنه أو عجز عنه واسترقه المولى هل يرجع أم لا قال الشيخ لا يرجع والأقرب أنه دفع إليه لتصرفه في الكتابة
ارتجع. لنا: أن الآية دلت على تمليك الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة لأنه تعالى بين استحقاقهم بلام التمليك أما الأربعة
الاخر فإنه تعالى أتى فيهم بقاء الطرفية فجعلهم ظرفا للزكاة لا مستحقين لها ولان المالك تخير في صرف الزكاة إلى من شاء من الأصناف فبالمخالفة
له الاسترجاع والغارم يعطي بقدر دينه فإن صرفه فيه فلا بحث ووقعت الزكاة موقعها وإن لم يصرفه فيه قال الشيخ لا يرتجع وقال الشافعي وهو الوجه لمخالفة
المالك احتج الشيخ بأنه ملكه بالقبض فلا يحكم عليه والجواب ملكه مراعي فإن الملك ملكه لتصرفه في وجه مخصوص فلا يسوغ مخالفته ولو دفع
الغارم الغرم من ماله لم يعط شيئا لأنه قد أسقط العزم والمطالبة أما لو استدان وأداه فإنه يجوز أن يأخذ ويؤد الدين لبقاء العزم والمطالبة
الغازي يعطى ما يحتاج إليه ويقبل قوله إذا قال أريد الفرد إليه ويدفع إليه دفعا مراعى ويختلف قدر كفايته لذهابه وعوده باعتبار كونه فارسا
527

وراجلا فإن صرف ما دفع إليه في الغزو وقع موقعه وإن لم يغير استعيد منه على ما تقدم وإن فضل معه شئ بعد الغزو ولم يستعد لأنا دفعنا إليه قدر كفايته
ولكنه ضيق على نفسه ولا يسترد منه وابن السبيل يدفع إليه قدر كفايته لوصوله إلى بلده مع الحاجة أو قصور النفقة فإن صرفه في ذلك وقع موقعه
وإن صرفه في غيره قال الشيخ لا يرتجع لأنه مستحق بسبب السفر فلا يتحكم عليه والأقرب عندي الاستعادة لان المالك قصد بالدفع المعونة فيقتصر على
قصده ولو فضل معه شئ من الصدقة بعد وصوله إلى بلده استعيد لغنائه في بلده بخلاف الغازي لان المدفوع إليه كالأجرة وها هنا للمعونة والحاجة
وقد زالت. * مسألة: الفقراء والمساكين والرقاب والغارمين أصلحه أنفسهم وابن السبيل المنشئ للسفر من بلده يأخذون الزكاة مع الفقر و
الحاجة ولا يأخذون مع الغناء أما الفقير والمسكين فلزوال وصفها من الغناء وأما الباقي فلقوله عليه السلام أمرت
أن أخذ الصدقات من أغنيائكم
فأضعها في فقرائكم وأما العاملون فإنهم يأخذون الصدقة مع الغنى والفقر عملا بعموم الآية ولان مما يأخذ أجرة من عمله فلا يعتبر فيه الفقر كالحاسب
والحافظ والغارمون لمصلحة ذات البين يأخذون مع الغني والفقر عملا بالعموم السالم عن المخصص وبما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه قال: لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة وذكر رجلا يحمل بحاله ولان يحمله وضمانه إنما يصل إذا أغنيا فالحاجة به ثابت مع الغنا أما الغارم لمصلحة
نفسه فقد بينا أنه يأخذ مع الفقر خاصة والفرق بينهما أنه هنا يأخذ من غير حاجة بنا إليه فاعتبر بفقره كالفقراء والمكاتبين وأبناء السبيل والأول
يأخذ لحاجتنا إليه فلا يشترط فقره كالعامل احتج بأنه يجب عليه الزكاة فلا يدفع إليه كباقي السهمان والجواب: أهل السهمان من يأخذ منهم لحاجتنا
إليه لا يعتبر قوة كالعامل والمؤلفة ولو يأخذ لحاجة إليها يعتبر فقره وابن السبيل المختار يعطى مع الغناء والفقر عملا بالعموم ولان حاجته عندنا
ثابتة ولا يندفع إلا بأخذ الصدقة فسوغت له وماله في بلده غير منتفع به فكان كالفقير. * مسألة: لو كان الأب غازيا أو عاملا أو ابن
سبيل أو مكاتبا جاز أن يدفع إليه من الصنف بصنفه وكذا كل من يجب نفقته عليه لان ما يأخذ الغازي والعامل كالأجرة ولا يجب على الانسان
فك رقبة من يجب نفقته ولا مؤنة السفر الزائد على الحضر إذا ثبت هذا إذا كان من يجب نفقته ابن سبيل رفع إليه ما يحتاج إليه لغيره مما يزيد عن نفقته
الأصلية كالحمولة ومؤنة الطريق ولو كان مملوكه مكاتبا جاز أن يدع إليه المولى من زكاته ما يعينه على فك رقبته وقال لا يعطيه المولى وبه قال
ابن الجنيد. لنا: عموم الآية وقوله وآتوهم من مال الله الذي آتاكم احتج أبو حنيفة بأن ما يعطيه المولى يكون ملكا له فلا يكون مخرجا والجواب أن
تصرفات المولى إن قطعت عن العبد بالكتابة وكان ما يدفعه بمنزلة التكسب ولو سافرت الزوجة بإذنه كان ما يزيد على نفقة الحضر محتسبا من سهم
أبناء السبيل ولو كانت بغير إذنه كانت عاصية فلانسان عليه بالاعطاء ولو كانت مكاتبة جاز أن يدع إليها زوجها ما يعينها على فك رقبتها
لأنه ليس بلازم له وكذا لو كانت غازية * مسألة: ويجوز أن يقتصر بالزكاة على شخص واحد من صنف واحد وبه به قال ابن عباس وحذيفة وعمر وسعيد بن
جبير والحسن البصري والنخعي وعطا والثوري وأصحاب الرأي وروي عن النخعي أنه قال إن كان المال كثيرا يحتمل الأصناف قسمه عليهم وإن كان قليلا
جاز وضعه في صنف واحد وقال مالك يتحرى موضع الحاجة منهم وتعد الأول فالأول وقال الشافعي يجب أن يقسم زكاة كل صنف من ماله على الموجودين
من الأصناف الستة الذين سهامهم ثابتة بالتسوية ولا يصرف حصة كل منهم إلى أقل من ثلاثة وبه قال عكرمة وعن أحمد روايتان. لنا: ما رواه الجمهور
عن النبي صلى الله عليه وآله قال لمعاذ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقراءهم فأخبر بأنه مأمور برد الزكاة بأسرها إلى صنف واحد هم
الفقراء ولم يذكر سواهم ثم إنه عليه السلام جاءه مال فجعل في صنف آخر غير الفقراء وهم المؤلفة كالأقرع بن حابس وعتبة بن حصين وعلقمة وزيد الخيل
قسم منهم الصدقة التي بعث بها علي عليه السلام إليه من اليمن وجاءه مال آخر فجعله في صنف واحد لأنه عليه السلام أعطاه لأنه لقبيصة بن المخارق ولما يحمل حاله
فقال عليه السلام قسم يا قبيصة حتى بينا الصدقة فنأمر لك بها وأمر لسلمة بن الحصر بصدقة قومه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن عبد الكريم بن
عبيد الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم صدقة أهل البوادي وصدقة أهل الحضر ولا يقسمها بينهم
بالسوية إنما يقسمها على ما يحضره منهم وقال ليس في ذلك شئ موقت ولأنه لا يجب صرفها إلى جميع الأصناف إذا أخذها الساعي فلا يجب ذلك إذا
فرقها المالك ولأنه لا يجب عليه تعميم أشخاص كل صنف فجاز الاقتصار على واحد كما لو أوصى بجماعة منتشرين احتج المخالف بقوله تعالى: (إنما الصدقات
للفقراء والمساكين) شرك بينهم فيها فلا يجوز الاقتصار على بعضهم كالخمس والجواب: المراد من الآية بيان الصرف والأصناف التي تصرف الزكاة إليه لا إلى
غيرهم. فروع: [الأول] الأفضل فرقها إلى الأصناف بأسرهم والشريك بينهم لان لكل واحد منهم قسطا ولأنه يخرج به عن الخلاف.
[الثاني] يجوز تفضيل بعضهم على بعض لان حرمان بعضهم سائغ فالتفضيل عليه أولى. [الثالث] يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه وما يزيد
على عبادة وهو قول علمائنا أجمع وبه قال أصحاب الرأي وقال الثوري ومالك والشافعي وأبو نور يعطى قدر ما يغنيه من غير زيادة وبه قال
أحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا يجوز أن يدفع إليه قدر غناه بل دونه. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال خير الصدقة
ما أبقت غنا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سعيد بن عمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة قال اعط
من الزكاة حتى تغنيه وعن زياد بن مروان عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال اعطه ألف درهم وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قلت أعطيته خمس
528

مائة قال نعم حتى تغنيه وعن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل كم يعطى الرجل من الزكاة قال قال أبو جعفر عليه السلام إذا أعطيته فاغنه ولأنه بدون الغنا يستحق الاخذ فيختص
الدفع إليه ولان الغازي يدع إليهم قدر كفاية الفقر وهذا بيان قول أحمد الثاني احتج المانع بأن الغني يمنع ابتدا وكذا مقارنة. والجواب: المنع من
الدفع والمعنى لأنه يستلزم المنع من دفع ما يصير به غنيا. [الرابع] الغارم يعطي ما يدفع قدر حاجته لا غير كثر الدين أو قل ولا يدفع إليه ما يزيد
عن دينه لأنه لو أخرجه في غيره استعيد وكذا المكاتب وابن السبيل يعطى به ما يبلغه بلده والغازي يعطى ما يكفيه بغزوه والعامل يعطى قدر أجرته أو شبهه
فإن قدر له الامام أجرة ولم يبلغ نصيب تلك الأجرة دفع إليه الامام باقي أجرته من بيت المال ولو أعطاه الامام من سهم غيره جاز بناء على مذهبنا
وللشافعي هنا قولان ولو زاد نصيبه عن الأجرة المقررة كان الزائد مصروفا إلى بقية الأصناف. * مسألة: قال بعض علمائنا ويحرم نقل
الصدقة من بلدها مع وجود المستحق فيه وبه قال عمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير وطاوس والنخعي ومالك والثوري وأحمد وقال أبو حنيفة يجوز وللشافعي
قولان حجة أصحابنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لمعاذ فإن أجابوك أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في
فقرائهم وهذا يدل اختصاص فقراء بلدهم وبعث الصدقة من اليمن إلى عمر أنكر ذلك عمر وقال لم أبعثك خائبا وللاخذ حرمة ولكن بعثتك
لتأخذ من أغنياء الناس فترد في فقرائهم فقال معاذ ما بعثت إليك شئ وانا أخذ أحدا يأخذه منى ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن
محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل بعث زكاة ماله لتقسم فضاعف هل عليه ضمانها قال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها لها ضامن حتى يدفعها
وإن لم يجد من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده ولنا: على جواز النقل ما رواه الجمهور عن معاذ أنه قال لأهل اليمن ائتوني بخمسين أو
ليس أخذه منكم في الصدقة فكان الذرة والشعير فإنه أسهل عليكم وأنفع للمهاجرين والأنصار بالمدينة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن درست بن
أبي منصور عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في الزكاة تبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده فقال: لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع الشك
من أبي محمد وعن يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح قال قلت له الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله قال يضعها
في إخوانه وأهل ولايته قلت فإن لم يحضر منهم فيها أحد قال يبعث بها إليهم قلت فإن لم يجد من يحملها إليه قال يدفعها إلى من لا ينصب قلت فغيرهم قال ما لغيرهم
إلا الحجر وعن أحمد بن حمزة قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك قال نعم والجواب
عن الأول: بمنع اقتضاء الإضافة اختصاص نفي المدينة فإن النبي صلى الله عليه وآله قد يضاف إلى غيره بأدنى ملابسة ولهذا يقال لأحدهما حاملي الخشبة
حد طرفك ومع التساوي في الأثمار تصح الإضافة وإنكار عمر ليس بحجة لا تدل على التحريم أقصى ما في الباب يدل على الكراهية لخوف الطريق وتعلق
الضمان وحديث محمد بن مسلم يدل على وجوب الضمان مع التلف ولى موضع النزاع. فروع: [الأول] إذا قلنا جواز النقل كان مكروها فالأولى
صرفها إلى فقراء بلدها دفعا للخلاف. [الثاني] لو نقلها مع وجود المستحق ضمن إجماعا لان المستحق موجود والدفع ممكن فالعدول إلى الغير يقتضي وجوب
الضمان ويؤيده رواية محمد بن مسلم وما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقمها فضاعت
فقال ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان قلت فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت أيضمنها قال لا ولكن إن عرف لها أهل فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن
حتى يخرجها. [الثالث] ولو قلنا بتحريم النقل لنقلها أجزأت إذا وصلت إلى الفقراء ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول أكثر أهل العلم و
للشافعي قولان وعن أحمد روايتان. لنا: أنه دفع المالك إلى مستحقه فيخرج عن العهدة كما لو خرجها في بلدها احتج المخالف بأنه دفع إلى غير من
أمرنا للدفع إليه فأشبه ما لو دفعها إلى غير الأصناف والجواب: المنع من المقدمة الأولى. [الرابع] لو لم يوجد المستحق في بلدها جاز نقلها مع ظن السلامة
ولا يضمن مع التلف حينئذ بلا خلاف لان الدفع واجب ولا يمكن إلا بالنقل فيكون جائزا ولا يضمن لأنه تصرف تصرفا مشروعا مأذونا فيه فلا يترتب
عليه الضمان ويؤيده روايتا محمد بن مسلم وزرارة عن أبي عبد الله عليه السلام. [الخامس] إذا نقلها اقتصر على أقرب الامكان التي يوجد المستحق فيها
استحبابا عندنا ووجوبا عند القائلين بتحريم النقل. [السادس] لو كان المال في بلد وصاحبه في آخر استحب له أن يخرج الزكاة بلد المال ولو كان
بعضه عنده وبعضه في مصر آخر فالأولى أن يخرج زكاة كل مال حيث هو أما زكاة الفطرة فالأولى أن يخرجها في بلده وإن كان المال في غير بلده
لأنه سبب وجوبها فاستحب له اخراجها في بلد السبب. [السابع] لو وجد بعض السهام في بلد فالأولى قسمها أجمع إليه سواء فقد الباقي في كل البلاد
أو لم يفقد والشافعي لما حرم النقل جوزه منها على أحد القولين إن كانوا موجودين في غيره من البلاد كأنه يوجب التشريك وإن فقد وفي الجميع
أخرج الزكاة على الموجودين. [الثامن] لو لم يجد المستحق استحب له عزلها لأنه مال لغيره فلا يتصرف فيه ويؤيده ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب
عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا حال الحول فأخرجها من مالك ولا تخلطها بشئ ثم أعطها كيف شيئت قال قلت فإن أنا كتبتها وأثبتها يستقيم لي قال نعم لا يضرك ويستحب الايصال
بها لأنه ربما أشبهت على الورثة لو فجئته الموت فيكون سببا لمنع المستحق عن جهتها لو أدركته الوفاة ولم يعرض بها وجب عليه الوصية. * مسألة:
ولو اتصف المستحق بصفات مختلفة يستحق بكل واحد منها الزكاة جاز أن يدفع إليه بكل صنف نصيبا فلو كان الفقير غازيا جاز أن يدفع إليه من سهم الفقراء
والغزاة وكذا في الأوصاف وللشافعي قولان. لنا: أن السبب علة في المسبب ولا ينافي بينهما فيؤثر كلا منهما في الاستحقاق كما لو كان في الغانمين ذوي
529

القربى فإنه يدفع إليه سهم المحضور وسهم ذوي القربى احتج الشافعي بقوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) وهو يدل على التغاير والجواب: التغاير ثابت وإن اتحد الشخص باعتبار تغاير الصفة.
* مسألة: وأقل ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأول وهو خمسة دراهم ونصف دينار قاله الشيخان وابنا بابويه وأكثر علمائنا وقال سلار يجوز الاقتصار
على ما يجب في النصاب الثاني وهو درهمان أو قيراطان وبه قال ابن الجنيد ولم يقدر علم الهدى ولا الجمهور والأشهر في الروايات ما ذكره الشيخان روى
الشيخ عن أبي ولاد الخياط عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم وهو أقل ما فرض الله من الزكاة في أموال
المسلمين ولا يعطى أقل من خمسة دراهم فصاعدا وعن معاوية بن عمار و عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قالا قال لا يجوز أن يدفع الزكاة أقل
من خمسة دراهم فإنها أقل الزكاة احتج سلار بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن أبي الصهبان قال كتبت إلى الصادق عليه السلام هل يجوز لي يا سيدي أن أعطي
الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة الدراهم فقد أشتبه ذلك علي فكتب ذلك جائز واحتج السيد المرتضى بقوله تعالى: (وآتوا الزكاة) وهذا
الامر مطلق كما يجوز إعطاء الأكثر فكذا الأقل والجواب عن الأول: ان ما ذكرناه أكثر في الأحاديث ويشتمل على المشافهة وهذا الحديث يتضمن المكاتبة و
المشافهة أولى ويحتمل أن يعطيه من النصاب. الثاني: والثالث: فإنه يجوز إذا أدى ما وجب من الأول لا
الفقير أن يعطى ما وجب في النصاب الثاني إليه أو إلى
غيره بحيث لا يعطى الفقير أقل بما وجب في النصاب الذي أخرج منه الزكاة وعن الثاني: أن الامر بالاتيان يدل على كيفيته فيرجع فيه إلى المنقول ولا حد لأكثر
ما يعطى فإنه يجوز أن يعطى الواحد ما يزيد على غناه دفعة واحدة ولو أعطاه ما يغنيه حرم عليه أن يعطيه الزيادة وقد مضى ذلك. * مسألة: وينبغي أن
يعطى زكاة الذهب والفضة والثمار والزروع أهل الفقر والمسكنة المعروفين بأخذ الزكوات وزكاة النعم أهل التجمل المشرفين فغني عن أخذها روى
ذلك عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام صدقة الظلف والخسف تدفع إلى المتجملين من المسلمين وأما صدقة الذهب والفضة وما كيل بالقفيز مما أخرجت
الأرض للفقراء المدقعين قال ابن سنان قلت وكيف صار هذا هكذا فقال لان المتجملين يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الامرين عند الناس ولو استحيى الفقير من
طلبها استجيب أن يوصل بها ولا يعلم بأنها صدقة لان القدر الواجب الأداء وهو يتحقق بدون الاعلام وفي تركه تعظيم للمؤمن فكان مستحبا ويؤيده
ما رواه الشيخ عن أبي بصير قال قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه من الزكاة ولا أسمي له أنها من الزكاة قال اعطه ولا تسم ولا تذل المؤمن. * مسألة:
ومن أعطي غيره مالا من الزكاة أو غيرها من الصدقات لتفرقها على الفقراء أو غيرهم من الأصناف فكان متصفا بالصفة التي اتصف بها من أمر بالتفرقة
عليهم جاز له أن يأخذ مثل ما يعطى غيره إن لم يكن المالك قد عين له قوما بأعيانهم لأنه مأمور بالايصال إلى المستحقين وهو من جملتهم فكان داخلا
تحت الامر ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن عثمان عن أبي إبراهيم عليه السلام في رجل أعطى مالا بالتفرقة فيمن يحل له أله أن يأخذ منه شيئا لنفسه
ولم يسم له قال قال يأخذ لنفسه مثل ما يعطى غيره وهل له أن يأخذ أكثر مما يعطى غيره أو يأخذ بأيسره ويمنع غيره منع الأصحاب منه لدلالة الحديث أما لو عين
المالك أقواما بأعيانهم لم يجز له التخطي وإعطاء غيرهم ولا أن يشاء منهم إجماعا لان الأغراض قد تخلف وللمالك الخيرة في صرفه إلى من شاء فالتعدي
حرام ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها ويضعها في مواضعها وهو
ممن يحل له الصدقة قال لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره قال ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه. * مسألة: وينبغي
للساعي إذا أراد التفرقة التشريك بين الأصناف ولو خص صنفا بل شخصا واحدا جاز على ما تقدم إلا أن الأفضل التشريك إذا ثبت هذا فإنه ينبغي أن يكتب
أسماء الفقراء عنده ثم سمى الصدقات لان ذلك أحفظ لها فإذا أجباها أخذ سهمه لأنه يأخذ على طريق الأجرة والمعاوضة وكان مقدما على غيره وليس له شئ
موظف بل ما يقدره الامام ينظر من أجرة أو سهم ولو أذن له مطلقا ولم يقدر شيئا أخذ أجرة مثله ثم يعطى كل صنف نصيبه فيقسم عليهم بقدر كفايتهم
فإن فضل نصيب كل صنف نقل الفاضل إلى أقرب المواطن من ذلك البلد وفرقه فيه وإن فضل نصيب بعضهم نقل فاضلهم ولو فضل بعض وقصر لبعض
رد الفاضل على من قصر نصيبه وللشافعي قولان أحدهما هذا والثاني ينقله إلى أقرب البلدان فيفرقه في أرباب أهل النصيب بناء على وجوب الشريك.
* مسألة: ويعطى الغازي ما يشتري به الحمولة إن احتاج إليها وفرسا إن كان فارسا أو احتاج إليها وما يشتري به السلاح ويعطى ابن السبيل
ما يوصل إلى موطنه أو البلد الذي يريده وإن احتاج إلى العود دفع إليه ما يكفيه ذهابا وعودا ولو أقام في البلد الذي قصده أخذ بعضه أيام إقامته إذا لم يزد
على غيره إقامة فإن كانت عشرة فهل يعطى شيئا أم لا؟ فيه تردد وينشأ من خروجه عن اسم السفر إلى كونه مقيما شرعا ومن بقاء الاسم حقيقة وعرفا والأقرب
جواز خلافا للشيخ ولو طلب حمولة أعطي مع الحاجة سواء كان السفر طويلا أو قصيرا وسواء كان ضعيفا أو قويا ولو احتاج إلى كسوة أعطي للصيف والشتاء بحسبها ولو اجمع حق أهل
السهمان في بعير أو بقر أو شاة جاز للامام ببيعه ويعرف عنه فيهم على حسب نظره ويجوز له أن يدفعه إليهم يكون مشتركا بينهم. فرع: أهل السهمان إنما يستحقون
النصيب عند القسمة إذا أخذوا نصيبهم وهو أحد قولي الشافعي وفي الآخر يستحقون وقت الوجوب. لنا: أن للمالك التخصيص وحرمان البعض لما
تقدم والتمليك ينافي ذلك وبناء على أصله من وجوب التشريك وقد أبطلناه فلو مات فقير بعد الزكاة قبل الدفع إليه هل يستحق وإن شيئا وقال الشافعي
يستحق وقد سلف بطلانه. * مسألة: يكره للرجل شراء صدقته واستيهابها وما يحمله تملكها اختيارا ولا بأس بعودها إليه بميراث وشبهه ذلك إليه
علماؤنا أجمع وأكثر أهل العلم وقال مالك وأحمد لا يجوز. لنا: على الجواز قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) والتقدير وجود الرضا
530

من المالك والفقير وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو الغارم أو العامل عليها
أو لرجل اشتراها بماله أو رجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن خالد عن
أبي عبد الله عليه السلام فإذا أخرجها يعني الشاة فليقومها فيمن يريد فإذا قومت على ثمن كان أراد صاحبها فهو أحق بها وإن لم يردها فليبعها ولان
دفع القيمة جائز على ما سلف بيانه فابتياعها أولى احتجوا بما روي عن عمر قال حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذين كان عنده فظننت
أنه باعه برخص فأردت أن اشتريه فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لا تبيعه ولا تعد في صدقتك ولو أعطاك بدرهم فإن العائد
في صدقتك كالكلب يعود في فيه والجواب: الظاهر أن عمر كان وقت ذلك الفرس ولهذا قال لا تعد في صدقتك ولو أعطاك بدرهم فأما الشراء
فليس عودا فيها ويحتمل انصراف النهي إلى الاسترجاع بغير عوض فإن اللفظ لا يتناول الشراء كالعود في الهبة ويعضده قول النبي صلى الله عليه
وآله العائد في هبته كالعائد في فيه ولو اشترى الواهب ما وهبه لم يكن مكروها ويحتمل انصراف النهي إلى الكراهية جمعا بين الأدلة. فروع:
[الأول] الجواز وإن كان ثابتا لكنه مكروه بلا خلاف لأنها طهارة للمال فيكره شراء طهور ماله ولأنه ربما استحى الفقير فيغابن معه وأرخصها
عليه فيكون ذلك وسيلة إلى استرجاع بعضها وربما طمع الفقير في غيرها منه فأسقط بعض منها. [الثاني] لو اشتراه انعقد البيع وملكها المشتري بلا
خلاف بين العلماء إلا من أحمد فإنه قال ببطلان البيع. لنا: ما تقدم من الجواز. [الثالث] لو عادت إليه بميراث لم يكن مكروها بلا خلاف إلا من الحسن بن
حي وابن عمر. لنا: ما رواه الجمهور أن رجلا تصدق على أمه بصدقة ثم ماتت فسأل النبي صلى الله عليه وآله فقال قد قبل الله صدقتك وردها إليك
الميراث. [الرابع] لو احتاج إلى شراها بأن يكون الغرض جرا الحيوان لا يتمكن الفقير من الانتفاع به ولا يشتريه غير المالك أو يحصل للمالك ضررا
بشراء غيره جاز شراءها وزالت الكراهية إجماعا. * مسألة: العبد المبتاع من مال الزكاة إذا مات ولا وارث له ورثه أرباب الزكاة ذهب
إليه علماؤنا لأنه اشترى من مال الزكاة وكان في الحقيقة لأربابها ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته
عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع فيمن يزيده فاشتراه بتلك الألف الدرهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه
هل يجوز ذلك قال نعم لا بأس بذلك قلت فإنه لما إن أعتق وصار حرا اتجر واحترف فأصاب مالا ثم مات وليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث
قال يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة لأنه إنما اشترى بمالهم وها هنا وجه آخر وهو أن يقال ميراثه للامام لان الفقراء إنما يملكونه
لأنه أخذ مصارف الزكاة فيكون ثيابه ويقوى هذا ضعف الرواية لان في طريقها ابن فضال وابن بكير وهما فطحيان غير أن محققي علمائنا
على العمل بها فكان أولى. * مسألة: لو أدعى المالك الاخراج قبل قوله ولم يكلف بينة ولا يمينا وكذا لو قال هي وديعة أو لم يحل على المال
الحول وقال الشافعي إن أدعى خلاف الظاهر كلف اليمين فإن حلف وإلا ألزم. لنا: أنه أمين ولان له ولاية الاخراج فيكون قوله مقبولا كالوكيل
ولأنها عبادة فلا يفتقر أدائها إلى اليمين كغيرها من العبادات ولما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لعامل فإن أجابك منهم يجب فامض
معه وإن لم يجبك فلم تراجعه. * مسألة: وإذا قبض الامام أو الساعي الزكاة دعا لصاحبها إجماعا لقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة
تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم) وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان إذا أتي الصدقة قال اللهم صل على آل فلان وهل هذا الدعاء واجب؟
الأقرب الاستحباب وبه قال الشافعي وقال داود الطاهري أنه الواجب وللشيخ قولان. لنا: الأصل عدم الوجوب وما نقل عن النبي صلى الله عليه وآله لما
أنفذ معاذ وعليه فقال أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم لتوضع في فقرائهم ولم يأمره بالدعاء ولو كان واجبا لم يحل به ولأنه غير واجب على
الفقير المدفوع إليه قياسه أولى احتج الشيخ بظاهر الآية والجواب: أنها محمولة على الاستحباب.
[المقصد الخامس] في زكاة الفطرة وفيه
مباحث {الأول} فيمن تجب عليه وقد أجمع العلماء كافة على وجوب زكاة الفطرة إلا ما نقل عن داود وبعض أصحاب مالك من أنها سنة و
اختلفوا هل هي فرض أم لا فقال الموجبون أنها فرض إلا أبا حنيفة فإنها جعلها واجبة غير فرض ويدل على الوجوب النص والاجماع قال الله تعالى: (قد
أفلح من تزكى) قال علماء أهل البيت عليهم السلام المراد زكاة الفطرة ومثله قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وروى الجمهور عن عبد الله بن عباس
قال فرض رسول الله صلى الله عليه وآله صدقة الفطرة طهرة للصائم من الرفث وطعمة المساكين وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله فرض
صدقة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل من ضمنت إلى عيالك من حرا ومملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه وفي الصحيح عن
صفوان الجمال قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة فقال على الصغير والكبير والحر والعبد عن كل انسان صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع
من زبيب وأما الاجماع فقد اتفق علماء الاسلام على وجوبها وخلاف داود بن حارث لا نام له ومنازعة أبي حنيفة في إطلاق اسم الفرض عليه ضعيف
لأنها معلومة الوجوب. * مسألة: ولا تجب إلا على المكلفين فيسقط عن الصغير والمجنون ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الحسن البصري والشعبي ومحمد بن الحسن
الشيباني وأطبق الجمهور على وجوبها على اليتيم ويخرج عنه الولي. لنا: قوله عليه السلام رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق وهو ظاهر في سقوط
531

الأحكام الشرعية عنهم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن مال اليتيم فقال: ليس فيه زكاة
وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: ليس في مال اليتيم زكاة وعن محمد بن القاسم بن الفضيل البصري قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام
أسأله عن الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا لم يكن لهم مال قال فكتب لا زكاة على مال يتيم وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس في مال
اليتيم زكاة وليس عليه صلاة حتى يدرك فإذا أدرك كان عليه مثل ما على غيره من الناس ولأنه ليس محلا للخطاب فلا يتناوله العموم وإطلاق القرآن
وكذا البحث في المجنون ولأنها جعلت طهرا للصائم من الرفث واللغو وهو إنما يصح في حق البالغ العاقل احتجوا بعموم الامر وجوابه ما تقدم. * مسألة: والحرية
شرط في الوجوب فلا يجب على المملوك ذهب إليه علماؤنا أجمع وأهل العلم كافة إلا داود فإنه قال يجب على العبد ويلزم السيد تمكنه من الاكتساب ليؤد.
لنا: أنه لا مال له والشرط في وجوبها الغنى احتج داود بقوله عليه السلام على كل حر وعبد والجواب قد بينا أن المراد بذلك عن كل حر وعبد. فروع: [الأول]
الأقرب أن الوجوب هنا على السيد ابتدأ وهو إحدى قولي الشافعي وفي الآخر يجب العبد ويتحملها السيد. لنا: أنها يجب في مال السيد فكانت عليه ابتداء كفطرة
نفسه. [الثاني] حكم أم لوالد والمدبر والمكاتب والمشروط عليه حكم العبد القن لأنهم رق لم يتحرر منهم شئ فلا يجب عليهم. [الثالث] المكاتب المطلق
إذا لم يتحرر منه شئ لم يجب عليه الفطرة وإن تحرر بعضه وجب عليه وعمل السيد بالحصص إذا ملك بالحرية ما يجب فيه الزكاة وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى.
* مسألة: ولا تجب إلا على غني فلا تجب على الفقير وهو قول علمائنا أجمع إلا ابن الجنيد ونعني بالغني من يحرم عليه أخذ الزكاة وبه قال أصحاب الرأي و
قال ابن الجنيد يجب على من فضل عن مؤنته ومؤنة عياله ليوم وليلة صاع وبه قال الشافعي وأحمد والشعبي
وعطا والزهري ومالك وأبو ثور. لنا:
قوله عليه السلام لا صدقة إلا على عن ظهر غنى روى الجمهور الفقير لا غنى له فلا يجب عليه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد
الله عليه السلام قال سئل عن رجل يأخذ من الزكاة صدقة الفطرة قال: لا وفي الصحيح عن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت لمن لم تحل الفطرة
قال لمن لا يجد ومن حلت له لم تحل عليه ومن حلت عليه لم تحل له وفي الصحيح عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي إبراهيم عليه السلام على الرجل المحتاج زكاة
الفطرة قال ليس عليه فطرة وعن يزيد بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سمعه يقول من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة والاخبار في ذلك كثيرة ولان
الزكاة معونة للمحتاجين وإرفاق فأخذها من الفقير مضاد للحكمة ومناف للغرض احتج المخالف بقوله عليه السلام أدوا صدقة الفطر عن كل انسان
صغير أو كبير غني أو فقير اما غنيكم فزكاته وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى والجواب: الاخراج عن الفقير لا يستلزم الوجوب عليه. * مسألة:
والغنى الموجب للفطرة من ملك قوت سنة له ولعياله أو يكون ذا كسب أو صنعة يقوم بأوله وأول عياله سنة وزيادة مقدار الزكاة قال
الشيخ في الخلاف من ملك ذلك أو قيمته وقال في المبسوط أن يملك ما يجب فيه زكاة المال وقال ابن إدريس من ملك نصيبا ما يجب فيه الزكاة لا قيمته وأدعى
الاجتماع وقال أبو حنيفة من ملك مأتي درهم أو ما قيمته نصابا غير مسكنة وثياب حسنة وأثاثه وحلا به. لنا: أنه مكتف فلا يحل له أخذ الصدقة فيجب عليه لقول
أبي عبد الله عليه السلام من حلت لعلم تحل عليه ومن حلت عليه لا تحل له احتج الشيخ بأن الزكاة تجب عليه وهي لا تجب إلا على غنى فيلزمه الفطرة وهو ضعيف لأنا
نمنع من استلزام وجوب الزكاة الغني بل من ملك نصابا لا يكفيه لقوته السنة جاز له أخذ الزكاة ولهذا حلت لصاحب سبعمائة درهم وقد سلف تحقيق
ذلك وادعاء الاجماع عن ابن إدريس لا يحققه وأما رواية ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام أعلى من قبل الزكاة زكاة
فقال أما من قبل زكاة المال فإن عليه زكاة الفطرة وليس عليه لما قبله زكاة وليس على من يقبل الفطرة فطرة فمن ضعف سندها محمولة على الاستحباب. * مسألة: ويجب
على الكافر كوجوبها على المسلم ولا يصح منه أداؤها ويسقط بالاسلام فهاهنا أحكام ثلاثة، الأول: الوجوب ويدل عليه عمومات الأدلة ولانا قد بينا
أن الكفار مخاطبون وقد خالف في ذلك أبو حنيفة وأحمد وللشافعي قولان واحتجوا بأنها مطهر والكافر ليس من أهل المطهر ويقول ابن عمر أن النبي
صلى الله عليه وآله أوجبها على كل ذكر أو أثنى من المسلمين. والجواب عن الأول: أنه من أهل المطهر بشرط تقديم الاسلام، وعن الثاني: لا يدل على المراد إلا
بدليل الخطاب وقد بين في الأصول ضعفه وعدم دلالته مع وجود دليل مخالف. الثاني: عدم صحتها منه وذلك لأنه مشروط بالنية لكونها عبادة
يحتمل وجوه واعتبارات لا يتخلص بعضها عن بعض إلا بالنية وهو ليس من أهلها لأنه لا يعرف الله تعالى فلا يصح منه التقرب إليه. الثالث: سقوطها
عنه بالاسلام وذلك مجمع عليه لقوله عليه السلام الاسلام يجب ما قبله هذا إذا أسلم بعد الهلال اما لو أسلم قبله فإنها تجب عليه لان السبب وجود
الهلال. فرع: الكافر لا يصح أن يملك المسلم عندنا بل يباع عليه إذا أسلم عنده خلافا للجمهور وسيأتي البحث فيه إن شاء الله إذا ثبت هذا فإن
أسلم العبد قبل الهلال في آخر جزء ولم يبع لم يكلف مولاه اخراج الفطرة وقال أحمد يكلف. لنا: أن الفطرة عبادة تفتقر إلى النية على ما تقدم ولا
تصح من الكافر ولأنه لا يكلف اخراج الفطرة عن نفسه لمعنى موجود فيه فلا يكلف عن غيره احتج المخالف بأنه من أهل الفطرة فوجب أن يخرج
عنه كما لو كان مولاه مسلما والجواب أنه وإن كان كذلك لكنه فقير فلا يجب عليه ولو قال أنه غني بمولاه منعنا ذلك لأنه لا يفضل عن قوته في ملكه قدر
الزكاة. * مسألة: ويجب على أهل البادية كوجوبها على أهل الحضر ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول أكثر أهل العلم وقال عطا والزهري
وربيعة لا فطرة عليهم. لنا: عموم الأحاديث ولأنه مسلمون من أهل الفطر فتجب عليهم الفطرة كغيرهم. {البحث الثاني} فيمن يخرج عنه، * مسألة:
532

ويجب أن يخرج الفطرة عن نفسه ومن يعوله أي مؤنة ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول أكثر أهل العلم إلا أبا حنيفة فإنه اعتبر الولاية الكاملة فمن لا
ولاية له عليه لا يجب عليه فطرته ولو لم يوجب على الأب فطرة ابنه البالغ ألزم وإن وجبت عليه نفقته وكذا لو يوجب على الابن فطرة أبيه وإن وجب عليه
نفقته اعتبارا بالولاية. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بصدقة الفطرة على الحر والصغير والكبير ممن يموتون
وعن علي عليه السلام أنه قال من جرت عليه نفقته أطعم عنه نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل من ضمنت إلى عيالك من حرا ومملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه وفي الصحيح
عن صفوان الجمال قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة فقال: على الصغير والكبير والحر والعبد عن كل انسان صاع من حنطة أو صاع من
تمر أو صاع من زبيب وفي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك الصغير والكبير والحر والمملوك والغني
والفقير عن كل انسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين وقال التمر أحب ذلك إلي. * مسألة: ولا
فرق بين المسلم والكافر في عائلة الرجل فلو كان بعض عائلته أو كلهم كفارا وجب أن يخرج عنهم ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال عمر بن عبد العزيز
وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وقال الشافعي وأحمد يشترط فيهم الاسلام. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه قال أدوا عن كل حر وعبد وصغير وكبير ونصراني ومجوسي نصف صاع من برد عدم عرفان بعضهم هذا الحديث لا يوجب
الطعن فيه مع نقل الباقين له ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يؤدي الرجل زكاته عن
مكاتبه ورقيق امرأته وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه وما تقدم من العموم في الأحاديث المتقدمة ولان المقتضي للزكاة وجوب النفقة
وهو عام في الكافر والمسلم ولان كل زكاة وجبت بسبب عبده المسلم وجبت بسبب عبده الكافر كالتجارة احتجوا بحديث ابن عمر عن النبي صلى الله
عليه وآله من المسلمين ولان الفطرة طهرة للصائم وهو يتحقق في الكافر. والجواب عن الأول: أنه دال على قولهم بدليل الخطاب وهو مع ضعفه
لا يعمل به مع وجود غيره من الأدلة، وعن الثاني: أنها طهرة في حق من يخرج عنه إذا كان من أهلها وفي حق المخرج إذا لم يكن من أهلها كالطفل
والمجنون فإنه ليس لأحدهما فالوجوب التطهير. * مسألة: ويجب على الزوج اخراج الفطرة عن زوجته ذهب إليه علماؤنا وبه قال مالك والشافعي
وأحمد وإسحاق والليث بن سعد وأبو ثور وقال أبو حنيفة يجب الفطرة في مالها عليها لا على الزوج وبه قال الثوري وابن المنذر. لنا: ما رواه الجمهور
أن رسول الله صلى الله عليه وآله أفرض الفطرة على كل حر وعبد ذكر أو أنثى ممن يموتون وعن علي عليه السلام قال جرت عليه نفقة أطعم عنه
الحديث ومن طريق الخاصة ما تقدم من الأحاديث وما رواه الشيخ عن حماد ويزيد ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالوا
سألناهما عن زكاة الفطرة قالا صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كله حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والبالغ ومن يقول في ذلك سواء ولان النكاح سبب وجوب النفقة فيجب به
الفطرة كالقرابة والملك احتجوا بقول النبي صلى الله عليه وآله صدقة الفطرة على كل ذكر وأنثى ولأنها زكاة فيجب كزكاة المال والجواب
عن الأول: إنا نقول بموجبه إذا لم يحصل يتحمل عنه ولأنه المراد بعلى عن كما في قوله وكبير وعن الثاني: بالفرق فإن زكاة المال لا تحل بالقرابة ولا
الملك بخلاف الفطرة. فروع: [الأول] لو نشزت المرأة قال الشيخ في المبسوط تسقط نفقتها ولا يجب عليه فطرتها وهو قول العلماء إلا من
شذ وقال ابن إدريس يجب عليه الفطرة. لنا: أن النشوز مسقط للنفقة والفطرة تابعة لها فيسقط بسقوطها لقوله عليه السلام ممن يموتون ولقول
أبي عبد الله عليه السلام يخرجها عن نفسه ومن يعوله وادعاء ابن إدريس إجماع أصحابنا على ذلك ضعيف إذ لم يفت به أحد من علمائنا مما يعلم ولا أحد من
الجمهور إلا الشذوذ فكيف يتحقق الاجماع. [الثاني] الزوجة الصغيرة وغير المدخول بها إذا لم يكن من نفسها لا تجب عليه نفقتها أولا فطرتها لما تقدم
خلافا لابن إدريس. [الثالث] الطلاق الرجعي لا يوجب البينونة ولا يسقط به العيلولة أما البائن فإن العصمة منقطعة منه والنفقة ساقطة
إذا ثبت هذا وجبت الفطرة على المطلقة رجعية أما الباين فيجب فطرتها عليها لا على الزوج فإن قلنا النفقة للحمل فلا فطرة أيضا وإلا وجب.
[الرابع] المتمتع بها لا تجب نفقتها على الزوج فلا تجب عليه فطرتها إلا أن يعولها تبرعا. [الخامس] زوجة المعسر إذا كانت مؤسرة أو تحت مملوك
أو أمة تحت مملوك أو معسر سقطت عن الزوج فطرتها لاعتباره وعدم تمكنه وهل يسقط عن الزوجة المؤسرة وعن مولى الأمة قال الشيخ
في الخلاف نعم وللشافعي قولان. لنا: أنها من عيال الزوج ونفقتها عليه وتسقط عنها وعن مولاها ويجب على الزوج فإذا كان فقيرا أو مملوكا سقطت
عنه أيضا لعجزه أحتج الشافعي بأن الزوج العاجز كالمعدوم ولو كان معدوما وجب عليها نفسها فكذا إذا كان عاجزا وما ذكره الشافعي قوي أيضا لأنها
ممن يصح أن يزك والشرط المعتبر موجود فيها وإنما يسقط عنها بوجوبها على الزوج فإذا لم يجب وجب عليها أو على مولاها والأصل في ذلك إن
الوجوب هل يثبت ابتداء على الزوج أو عليها ويتحملها الزوج فإن قلنا بالأول سقط عنها وعن مولاها وإن قلنا بالثاني وجبت عليها. [السادس]
لو أخرجت المرأة الزكاة عن نفسها قال الشيخ إن كان بإذن الزوج أجزأ عنها وإلا فلا وللشافعي قولان أحدهما مثل ذلك والثاني تلزم الزوجة
وإن أذن. لنا: أنه مع الاذن يكون بمنزلة المخرج كما لو أمرها بأداء الدين عنه والعتق احتج المخالف بأنها لازمة للزوجة
533

وساقطة عن الزوجة والجواب: لامتناعه في ذلك غير إنا نقول أنه مع الاذن يكون بمنزلة المخرج. [السابع] المرأة إن لم تكن من أهل الخدام حتى أخذت
خادما فإن عاله الزوج وجب عليه فطرته من حيث العيلولة وإن كانت تبرعا على ما مضى وإن لم يعله لم يجب عليه فطرته أما لو كانت من أهل الخدام فاتخذته
خادما بأجرة لم يجب على الزوج فطرته إذا لم يعله فإن الواجب هو الأجرة لا النفقة وإن كان ملكا لها فطرت وإن اختار الزوج الانفاق عليه
وجبت عليه فطرته لأنه اختار أحد الواجبات المخيرة وإن اختار شراء خادم لها لما يجب عليه فطرة خادمها لان الواجب الاخدام لا الانفاق على خادمها
وكذا لو استأجر لها خادما أو خدمها بنفسه أما لو أستأجرت خادما وشرطت نفقته فإن اختار الزوج ذلك وجب عليه فطرته وإلا فلا. * مسألة:
ويخرج عن ولده إذا كان يعوله صغيرا كان أو كبيرا مؤسرا كان أو معسرا لان المقتضي وهو العيلولة موجود فثبت الحكم أما الولد الصغير المعسر فإن فطرته
على أبيه لأنه من عياله وبه قال الشافعي وأبو حنيفة إلا أن أبا حنيفة جعل المقتضي الولاية فلو كان مؤسرا كانت نفقته في ماله فإذا لم يعلمه الأب
تبرعا هل يسقط عنه فطرته أملا قال الشيخ لا يسقط لأنه من عياله وقال الشافعي يخرج الأب من مال الولد والوجه عندي سقوط الفطرة عن الأب لأنه
غير منفق عليه تبرعا ولا وجوبا وعن الطفل لعدم التكليف أما الكبير فإن كان غنيا وجبت عليه فطرة نفسه كما يجب عليه موردها وإن كان
فقيرا فالنفقة على أبيه ويجب عليه فطرته لوجود المقتضى وكذا البحث في الأبوين والجدين وإن علوا لقوله عليه السلام على الصغير والكبير والذكر
والأنثى فيمن يمونون وحكم ولد الولد حكم الولد سواء كانوا صغارا أو كبارا. فرع: لو كان لابنه الصغير خادم فإن كان الابن محتاجا إليه للزمانة
أو الصغر قال الشافعي يجب فطرته على الأب مع إعسار الولد وعلى الولد إن لم يكن كذلك وعندي فيه توقف. * مسألة: ويجب عليه أن يخرج عن عبده
وقد أجمع أهل العلم كافة على وجوب اخراج الفطرة عن العبيد الحاضرين غير المكاتبين والمغصوبين وإلا بقين وعبيد التجارة صغارا كانوا
أو كبارا لان بعضه واجبة على المولى فيندرج تحت العموم بإيجاب الفطرة عن كل من يعوله وقد روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال كل من ضممت إلى عيالك من حرا ومملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه. فروع: [الأول] العبد الغائب يجب على المولى
فطرته إن علم حياته وكذا الابن والمرهون والمغصوب ذهب إليه علماؤنا وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر العلماء وقال الزهري يجب عليه فطرته إذا علم
مكانه وقال الأوزاعي إن كان في بلاد الاسلام وقال مالك إن كانت غيبته قريبة ولم يوجب أبو حنيفة والثوري وعطا زكاة الفطرة عن
الابن. لنا: أن النفقة واجبة عليه بالرقبة فيجب الزكاة لثبوت المقتضى والمعارض لا يصلح للمانعية لعدم خروج الرقبة وكذا من رد الابن وجبت
على المولى نفقته فالنفقة لازمة احتج بسقوط النفقة كما يسقط عن الناشزة والجواب: المنع من سقوط النفقة والاكتفاء بغير المالك
لا يسقط النفقة كما لو اكتفى بكسبه ولهذا أوجبنا على المالك رد نفقة صاحب الجعالة مع الجعالة. [الثاني] لو لم يعلم حياته قال الشيخ في الخلاف لا
يلزمه فطرته وأوجبها ابن إدريس وللشافعي قولان. لنا: أن الايجاب شغل للذمة لتقدير أنها فتقف على ثبوت المقتضي وهو (الحبوة) وهي غير
معلومة ولان الأصل عصمة قال الغير فيقف أنواعه على السبب ولم يعلم ثبوته احتجوا بأن الأصل بالبقاء فيجب الاخراج عنه وبأنه يجري في الكفارة وهو إنما
يتحقق بعد الحكم ببقائه والجواب عن الأول: أن الأصل معارض بأصل براءة الذمة، وعن الثاني: بالمنع من الاجزاء في الكفارة وبالفرق بأن العتق
اسقاط ما في الذمة حقوق الله تعالى وهو متعين على التحقيق بخلاف الفطرة فإنها إيجاب مال على المكلف لم يثبت سبب وجوبه. [الثالث] العبد
المغصوب يجب أن يخرج عنه المالك وهو قول أكثر العلماء وقال الشيخ في المبسوط لا يجب على الغاصب لأنه غير مالك ولان المالك لعدم تمكنه وليس بالوجه
إذا إيجاب الفطرة لا يقف على التمكين بل على الملكية. [الرابع] لو ملك عبيد أو نوى مال التجارة وجب على المولى فطرتهم ولم يسقط زكاة التجارة
فيهم أما وجوبا أو استحبابا على القولين وبه قال مالك والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وقال عطا والنخعي والثوري وأصحاب الرأي
يسقط الفطرة. لنا: عموم الأحاديث الدال على وجوب الزكاة عن كل حر وعبد ولان النفقة واجبة فيجب الفطرة عنهم كعبيد الغنية ولأنه مسلم يجب مؤنته
فيجب فطرته احتج المخالف بأنها زكاة ولا يجب في مال واحد زكاتان وقد وجب زكاة التجارة فيسقط الأخرى كالسائمة إذا كانت للتجارة والجواب لا تجب
الزكاتان في محل واحد لان زكاة التجارة في القيمة والفطرة عن البدن الطهارة بخلاف السائمة لان المتعلق واحد. [الخامس] لو كان له عبيد
للتجارة في بلد المضارب وجبت فطرتهم على المالك وبه قال الشافعي خلافا لقوم والتحقيق إن الربح ظهر وقلنا أن العامل يملك الظهور فكان حكمهم حكم العبد
المشترك وإلا وجب على المالك. [السادس] لو ملك عبده عبدا فإن قلنا بإحالة المالك فالزكاة على المولى قطعا وإن قلنا بجوازه فهل يجب على
المالك أو على العبد الذي يقتضيه المذهب وجوبها على المولى لأنه المولى لأنه المالك في الحقيقة والعبد مالك لمعنى إشاعة التصرف ولان ملكه ناقص وعن أحمد روايتان.
[السابع] حكم أم الولد المدبر حكم القن في ذلك سواء. [الثامن] المكاتب إن كان مشروطا عليه وجبت فطرته على مولاه لاستقرار ملكه عليه و
كذا المطلق إذا لم يتحرر منه شئ فإن كان قد تحرر منه فإن انفرد المولى بمؤنته لزمته فطرته وإن أنفق من كسبه توزعت الفطرة عليه وعلى المولى بالحصص
قال الشيخ رحمه الله وقال الشافعي لا يجب عليه ولا على السيد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي في رواية أبي ثور عنه يجب على السيد وقال أحمد يجب في
كسبه وقال مالك يجب على المولى والحق ما قاله الشيخ أن ملك المكاتب بالحرية ما يجب عليه الزكاة أما الوجوب فللعموم وأما التسقيا؟؟ فلان نصيب
534

الحرية لا يتعلق به الرقبة لوجه من الوجوه فلا يجب على السيد أداء الزكاة عنه وأما النصيب الآخر فلان المالك يجب نفقته عليه فيه للملك فيجب الفطرة احتج
الشافعي بسقوط النفقة عن المولى العيلولة فتسقط الفطرة واحتج ما لم ببقاء الرقية فتجب على المولى والجواب عن الأول: بالمنع من سقوط
النفقة في نصيبه وعن الثاني: بالمنع من ثبوت الرقية جميعه أما المشروط عليه فإنه عندنا مملوك ما بقي عليه درهم واحد فتجب فطرته على المولى
كسائر عبيده خلافا لمن ذكرنا ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال يؤدي الرجل زكاته عن مكاتبه ورقيق
امرأته ولان ما في يده ملك لمولاه ومنع المولى منه بسبب الكفاية فيدخل تحت من تجب مؤنته على المولى. [التاسع] عبد المكاتب تجب فطرته على المولى
إن كان مشروطا وقال الشافعي لا يجب على المولى ولا على المكاتب وقال أحمد يجب على المكاتب. لنا: أنه ملك المولى كما هو ملك للمكاتب فيلزم فطرته
احتج الشافعي بأنه ليس من عيال المولى وملك المكاتب ناقص واحتج أحمد بأن مؤنته على المكاتب. والجواب: أن المشروط عليه رق فالنفقة المأخوذة
من الكسب في الحقيقة هي من المولى وهو الجواب عن الثاني أما زوجة المكاتب المشروطة عليه فالوجه أنها بمثابة زوجة القن. [العاشر] من نصفه
حر ونصفه مملوك فعلى المولى نصيب الرقية وعلى العبد نصيب الحرية إن ملك بها نصابا وبه قال أحمد والشافعي وأبو ثور وقال مالك على الحر نصيبه
وليس على العبد شئ. لنا: الخطاب متوجه إليه لعمومه وصحة تناوله له وقد ملك ما يجب معه الزكاة فيجب عليه بحصته وعلى المولى حصة الرق كما لو كان
مشتركا بين اثنين ويجب عليها بالحصص ولو كان أحدهما معسرا سقط نصيبه ووجب على الآخر ولو كان بين السيد والعبد وبين أرباب العبد المشترك
لم يدخل الفطرة فيه لان المهاياة معارضة كسب بكسبه والفطرة حق الله تعالى فلا يدخل فيها كالصلاة. [الحادي عشر] العبد إذا تزوج بإذن
مولاه وجبت فطرة المرأة على سيد العبد وقال بعض الجمهور وقال قوم منهم إن كانت حرة وجبت عليها وإن كانت أمة وجبت على سيدها إن نفقتها
واجبة على سيد العبد فيجب الفطرة عليه ولهذا وجب عليه فطرة خادم المرأة وإن لم يملكهما لوجب نفقتها عليه اما لو تزوج بغير إذن مولاه فإن
كانت حرة فالفطرة عليها وإن كانت أمة فعلى سيدها. [الثاني عشر] المملوك الكافر إذا كان له زوجة كافرة وجب على المولى فطرتهما
خلافا للشافعي وأوجب أبو حنيفة الزكاة عن الزوج دون الزوجة لان الفطرة عنده لا يتحمل بالزوجة. لنا:
عموم الأحاديث وما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله أدوا صدقة الفطرة عمن يمونون. [الثالث عشر] لو زوج أمته من عبد أو مكاتب وسلمها إليه وجبت النفقة على سيده
ولسبب المكاتب فيجب على المولى فطرتها وإن زوجها من حر معسر سقطت فطرتها عن السيد لانتقال وجوب النفقة منه بالتسليم وعن الزوج
لإعساره ولو زوجها لموسر أو سلمها إليه وجبت فطرتها على الزوج ولو لم يسلم في المواضع كلها كانت الفطرة على السيد.
[الرابع عشر] لو أوصى لرجل برقبة عبد ولآخر بنفقته كانت الفطرة على مالك الرقبة كما أن النفقة عليه لان الفطرة عن الرقبة فكاتب على
صاحبها ولهذا لو أجر عبده كانت فطرته عليه لا على المستأجر. * مسألة: ويجب فطرة العبد المشترك على أربابه وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن
الحسن وأبو ثور وقال أبو حنيفة لا فطرة على واحد منهم وبه قال الحسن البصري وعكرمة وأبو ثور وأبو يوسف. لنا: قوله عليه السلام الصدقة على كل حر وعبد ممن
يمونون والمؤنة عليها فزكاته عليهما ولأنه عبد مملوك من أهل الفطرة وهو عاجز عنها فتجب على مواليه كالمنفرد احتج أبو حنيفة بأنه ليس لواحد من
الموالى عليه ولاية كاملة فلا يجب عليه كالمكاتب ولان من لا يلزمه جميع الفطرة لا يلزمه بعضها كالوصي والجواب عن الأول: أن المكاتب إن كان مشروطا ففطرته
على مولاه وقد سلف وإن كان قد تحرر بعضه وجبت على مولاه بقدر الرقية فالحكم في الأصل ممنوع ولو سلم فالفرق ثابت لان المكاتب إن لم يجب على مولاه
فطرته وجبت على المكاتب بخلاف المشترك فإن سقطها على المولى لا يتبع وجوبها على العبد فلهذا لم يسقطها عن المولى وعن الثاني: فإن الأقرب تعليل
سقوط الجميع لسقوط البعض ولو سلم فالقياس لا يعارض عموم النص خصوصا إذا كان الجامع سببا. فروع: [الأول] لا فرق بين أن
يكون العبد مشتركا بين اثنين أو ما زاد في إيجاب الزكاة على الجميع وكذا لو كان بين اثنين عبد وجبت عليهما فطرتهم وكذا لو كان بين ثلاثة
فما زاد عبد مشترك أو عبدان. [الثاني] يجب على الشركاء بالحصص فلو كان عبد بين اثنين لكل واحد النصف كان على كل واحد منهما نصف صاع
ولو كان لواحد الثلاث ولآخر الثلاثين وجبت الزكاة كذلك وبه قال أكثر أهل العلم وعن أحمد روايتان إحديهما هذا والثانية إن على كل واحد من
الشركاء صاعا كاملا قلت حصته أو كثرت قل الشركاء أو كثروا. لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله أوجب عن كل صغير وكبير أو أنثى حرا أو عبدا
صاع وهو عام ولان الفطرة تابعة للنفقة وهي تتقسط عليهما بالحصص فكذا الفطرة ولأنه شخص واحد فلا يجب له صاعان كالمفرد احتج أحمد بأنه
طهرة فوجبت تكميلها على كل واحد من الشركاء كطهارة القتل عقوبة يتعلق بفعل الجميع كما يتعلق بفعل البعض بخلاف زكاة الفطرة فإنها طهرة تحصل
بالصاع الواحد فتجب بالحصص كماء الغل من الجنابة لو احتاج المشترك إليه. [الثالث] يجوز أن يتفق الشركاء في جنس المخرج وأن يختلفا لان الواجب
صاع من أحد الأقوات. * مسألة: ولا يجب أن يخرج عن الجنين ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول علماء الأمصار وفي رواية عن أحمد وجوب الاخراج
عنه وهو قول عثمان. لنا: قوله عليه السلام ممن يمونون وهو في بطن أمه لا يصدق عليه هذا الوصف فلا يتعلق به الفرض عملا بالأصل ولان التخصيص
بالوصف يدل ظاهرا على نفي الحكم عما عداه ولان الفطرة طهرة وهي غير متحقق في الجنين في بطن أمه ولأنه غير متيقن الحياة فلا يتعلق الوجوب
535

به ولا بوليه احتج أحمد بأنه يوصى له ويرث فيتعلق به الزكاة كالمولود والجواب: الفرق بأن المولود متيقن الحياة بخلاف الجنين وأما الوصية والميراث فإنما
يملكها مع ولادته حيا ولهذا لو ولد ميتا لم يحكم بانتقال الميراث والوصية إليه لعدم العلم بحياته. * مسألة: المتبرع بالمعونة يجب عليه الفطرة مثل
أن يمون أجنبيا أو يتيما أو ضيفا تبرعا ويهل الهلال عليه وهو في عايلته ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال أحمد في إحدى الروايتين وأكثر الجمهور
على أنه لا يجب عليه فطرتهم. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال صدقة الفطرة عمن يمونون ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل من ضممت إلى عيالك من حر أو عبد فعليك أن تؤدي الفطرة عنه وفي الصحيح عن زرارة
وبكير بن أعين والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام أنهما قالا: على الرجل أن يعطى عن كل
من يعول من حر وعبد صغير وكبير وعن عمر بن يزيد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عنده الضيف عن إخوانه فليحضر يوم الفطر يؤدي
عنه الفطرة؟ قال: نعم الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى صغيرا وكبيرا ومملوك أو حر ولأنه شخص ينفق عليه فيجب الفطرة عنه كالعبد
احتج المخالف بأن نفقته غير واجبة فلا يجب فطرته كما لو لم ينفق عليه والجواب المقتضي هو العيلولة والمؤنة للحديث فكيف يتساوى الحكم مع وجوده
وعدمه والقياس لا يعارض النص. * مسألة: واختلف علماؤنا في الضيافة المقتضية لوجوب الفطرة فقال بعضهم يشترط ضيافة الشهر كله وشرط
آخرون ضيافة العشر الأواخر واقتصر آخرون على آخر ليلة من الشهر بحيث يهل الهلال وهو في ضيافة وهو الأقرب عندي لاطلاق اسم الضيف عليه
عند الهلال ولقوله عليه السلام ممن يمونون وهو صالح للحال والاستقبال وحمله على الحال أولى لأنه وقت الوجوب وإذا علق الحكم على وصف ثبت مع
ثبوته لا قبله ولا بعده. * مسألة: ويستحب للفقراء اخراج الفطرة ذهب إليه علماؤنا أجمع إلا ما شذ ويخرج عن نفسه وعن عياله ولو استحق أحدهما
اخذها ودفعها مستحبا ولو ضاق عليه أدار صاعا على عياله ثم تصدق به على الغير وقال بعض أصحابنا بوجوبها على الفقير وقد بينا بطلان ذلك
وأما الاستحباب فلما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قلت الفقير الذي يتصدق عليه صدقة الفطرة قال نعم يعطى مما يتصدق به عليه وما
رواه إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل لا يكون عنده شئ من الفطرة إلا ما يؤدي عن نفسه من الفطرة وحدها يعطيه غيرها
أو يأكل هو وعياله قال يعطي بعض عياله ثم يعطي الآخر عن نفسه يردونها فتكون عنهم جميعا فطرة واحدة. {البحث الثالث} في قدرها وجنسها،
* مسألة: الجنس ما كان قويا غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن ذهب إليه علماؤنا أجمع وقال الشافعي يخرج
ما كان قوتا من غالب قوت البلد وفي قول آخر من غالب قوت المخرج وله في الأقط قولان وفي اللبن قولان وقال مالك كالقول الأول
للشافعي وقال أبو حنيفة لا يخرج من الأقط الأهلي وجه القيمة وقال أحمد يتعين اخراج الخمسة خاصة الحنطة والشعير والتمر والزبيب والأقط.
لنا: على جواز الأقط ما رواه الجمهور عن ابن سعيد قال كنا نخرج إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله الفطرة صاعا من طعام
أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن محمد الهمداني عن أبي الحسن
العسكري عليه السلام قال ومن سكن البوادي من الاعراب فعليهم الأقط ولأنه معتاد فجاز اخراجه كالبر ولنا: على اخراج اللبن بثبوت المقتضي وهو الاقتتات
بل هو في اللبن أكثر منه في الأقط وهو قوت أهل البادية غالبا بخلاف الأقط فإن اقتتاتهم به نادر ولأنه أكل من الأقط لم كان تحصيل
الأقط منه وغيره ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال الفطرة على قوم ما يغذون عيالاتهم لبن أو زبيب
أو تمرة لأنه قوت فيكون مجزيا لما رواه الشيخ عن يونس عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له جعلت فداك هل على أهل البوادي فطرة
قال فقال الفطرة على كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت ولنا: على اخراج الأرز ما بيناه من كونه معتادا فيكون مجزيا كالبر و
يؤيده ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن محمد الهمداني عن أبي الحسن العسكري عليه السلام قال وعلى أهل طبرستان الأرز. * مسألة: ولو أخرج أحد هذه
الأجناس وكان غالب قوت أهل البلد غيرها جاز بلا خلاف بين علمائنا في ذلك وللشافعي قولان. لنا: ما دل على التحية من طريق الجمهور
والخاصة وهو يدل على عدم التضييق احتج الشافعي بقوله عليه السلام أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم وإنما يحصل ذلك بقوات أهل البلد لأنهم
إذا أخذ وعرفوهم احتاجوا إلى إبداله واحتج على قوله بفاضل قوته أن الواجب فيما فضل عن قوته وجب الاغناء بقوته. والجواب عن الأول: أن
الاغناء عن الطلب يحصل بأحد الأقوات ولا يحتاج إلى إبدال وعن الثاني: أنه لا يعارض ما ذكرناه من النص. * مسألة: وأفضل هذه الأجناس
التمر وبه قال أحمد ومالك وقال الشافعي الأفضل البر. لنا: أن فيه قوتا وحلاوة وهو أسرع تناولا وأقل كلفة فكان أولى ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح
عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التمر في الفطرة أفضل من غيره لأنه أسرع منفعة وذلك أنه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه
وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لان أعطي صاعا من تمر أحب إلي من أن أعطي صاعا من ذهب في الفطرة وعن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التمر أحب فإن لك بكل تمرة نخلة في الجنة احتج الشافعي بأنه يحتمل الاوجار؟؟ والجواب أنه غير مراد في الصدقات. * مسألة:
ويتلو التمر الزبيب لمشاركته في سرعة الانتقال وقلة الكلفة ووجود القوت والحلاوة فيه وقال آخرون البر وقال قوم الأفضل من رأس اخراج
536

ما كان على قيمة وقال آخرون الأفضل ما يغلب على قوت البلد وهو قريب لحديث إبراهيم بن محمد الهمداني عن العسكري عليه السلام في قدر فطرة أهل البلاد
قال كتب عليه السلام ان الفطرة صاع من قوت بلدك على أهل مكة واليمن والطائف وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان التمر و
على أهل أوساطه الشام الزبيب وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبان كلها البر والشعير وعلى أهل طبرستان الأرز على أهل الخراسان البر إلا أهل مرو والري فعليهم
الزبيب وعلى أهل مصر البر ومن سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم ومن سكن البوادي من الأعراف فعليهم الأقط وهذا التفصيل منه عليه السلام على جهة
الاستحباب. * مسألة: وقدرها صاع من جميع الأجناس بصاع الرسول صلى الله عليه وآله وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال سعيد بن
المسيب وعطا وطاوس ومجاهد وعروة بن الزبير وأصحاب الرأي نصف صاع من البر وعن أبي حنيفة في الزبيب روايتان إحداهما صاع والأخرى نصف صاع.
لنا: ما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدري قال كنا نخرج إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله زكاة الفطرة عن كل صغيرا وكبير حرا ومملوك صاعا
من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر وصاعا من زبيب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن سعد بن سعيد الأشعري عن أبي
الحسن الرضا عليه السلام قال سألته عن الفطرة كم يدفع عن كل رأس من الحنطة والشعير والتمر والزبيب قال صاع بصاع النبي صلى الله عليه وآله وفي الصحيح عن
صفوان الجمال قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة فقال الصغير والكبير والحر والعبد عن كل انسان صاع من بر أو صاع من تمر أو صاع من زبيب
وفي الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في الفطرة قال: يعطى من الحنطة ومن الشعير ومن الأقط صاع ولأنه جنس يجوز اخراجه
في زكاة الفطرة فكان متعددا بالصاع كالتمر احتج المخالف بما رواه ثعلبة بن أبي صفر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال صاع من القمح
بين كل اثنين والجواب: أن ابن المنذر أنكر هذا الحديث ولان ما ذكرناه أحوط وأقرب إلى القياس لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة فقال كل من يعول الرجل على الحر والعبد والصغير والكبير صاع من تمر أو نصف صاع من بر والصاع أربعة أمداد وفي
الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في صدقة الفطرة فقال تصدق عن جميع من يعول من صغير أو كبير أو مملوك على كل انسان نصف صاع
من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من شعير والصاع أربعة أمداد وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول الصدقة لمن لم يجب
الحنطة أو الشعير يجزي عن القمح والعدس والذرة نصف صاع من ذلك كله أو صاع من تمر أو زبيب لأنا نقول قد ذكر أصحابنا أن ذلك غير في
زمن عثمان ومعاوية روى الأصحاب عن أبي عبد الله قال صدقة الفطرة صاع فلما كان في زمن عثمان حوله مدين من قمح وروى الجمهور عن أبي سعيد
قال كنا نخرج إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله الفطرة صاعا من طعام أو من شعير أو من تمر أو
زبيب أو أقط فلم يزل يخرجه حتى قدم
معاوية وكان فيما كلم الناس به إني لأدى مدين من سحر النعام يعدل صاعا من تمر فأخذ الناس بذلك قال أبو سعيد ولا زال أخرجه كما كنت أخرجه
وروى أصحابنا عن عبد الرحمن الحذا عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما كان من زمن معاوية عدل الناس ذلك إلى نصف صاع من حنطة وروى
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل عن الفطرة فقال صاع من طعام فقيل أو نصف صاع فقال (بئس الاسم الفسوق بعد الايمان) وإذا كان التغيير حادثا
حملنا الأحاديث من طرقنا على التقية وكان العمل بما ثبت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله متعينا. * مسألة: والصاع أربعة أمداد
والمد رطلان وربع بالعراقي وهو أيضا مائتان واثنان وسبعون درهما ونصف والدرهم ستة دوانيق والدانق ثمانون حبات من أوسط حبات
الشعير يكون مقدار الصاع تسعة أرطال بالعراقي وستة أرطال بالمدني ذهب إليه علماؤنا وقال الشافعي الصاع خمسة أرطال
وثلاث بالبغدادي وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأبو يوسف وقال أبو حنيفة الصاع ثمانية أرطال. لنا: ما نقل الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
يتوضأ بمد ويغتسل بصاع مع أنه صلى الله عليه وآله كان كثيف الشعر تام الخلقة مستطهرا في أفعال الوضوء والغسل فاعلا للمندوب منه من المضمضة
والاستنشاق وتكرار الغسلات ويتقدر فعل هذا كله برطل وثلاث في الوضوء وبخمسة أرطال وثلث في الغسل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن محمد الهمداني عن
العسكري أبي الحسن عليه السلام قال يدفع الصاع وزنا ستة أرطال برطل المدينة والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما وعن علي بن بلال قال كتب
إلى الرجل أسأله عن الفطرة ولم يدفع قال ستة أرطال من تمر بالمدني وذلك تسعة أرطال بالبغدادي وعن جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني عن أبي
الحسن عليه السلام قال كتب إلي الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي وبالوزن ألف ومائة وسبعون وزنة ويؤد ما قلناه أيضا ما
قاله أبو عبيدة أن صاعين ونصفا مكوك بالمعدل الملجم العراقي فيكون الصاع خمسي مكوك وهو يقارب ما قلناه احتج أبو حنيفة بما رواه أنس
عن النبي صلى الله عليه وآله كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع والمد رطلان واحتج الشافعي بأنه لما اجتمع الرشيد مع مالك بالمدينة ومعه
أبو يوسف واختلفوا في قدر الصاع حمل مالك قوما كثيرا وعددا جما معهم أيضع نقلوا عن آبائهم أنهم كانوا يؤدون بها إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله فغيرت فكانت خمسة أرطال وثلثا فرجع أبو يوسف إلى ذلك. والجواب عن الأول: أنه حكاية قال وقوله والمد رطلان من كلام الراوي
فلا حجة فيه مع أن أهل النقل صنعوا فيه وعن الثاني: أنه محمول على أرطال المدينة وذلك مقارب ما قلناه. * مسألة: قال الشيخ في أكثر كتبه
يجزي من اللبن أربعة أرطال بالمدني ولم نقف فيه على مستند سواء ما رواه القسم بن الحسن رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال سأل عن رجل
537

في البادية لا يمكنه الفطرة قال يتصدق بأربعة أرطال من لبن والاستدلال بهذه الرواية باطل من وجهين، الأول: ضعفها وإرسالها، والثاني: أنها
تضمنت السؤال عن فاقد الفطرة ونحن نقول بموجبه إذ لا يجب على من لم يتمكن شئ فإخراج أربعة أرطال على جهة الاستحباب وأما تفسيره بالمدني
فلما رواه الشيخ عن محمد بن الريان قال كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة كم تؤدى فكتب أربعة أرطال بالمدني وضعف هذه الرواية لا يخفى. فروع:
[الأول] الأصل في الاخراج الكيل وقدره العلماء بالوزن لأنه أضبط وليحفظ وينقل. [الثاني] يجزيه الصاع من سائر الأجناس إذا
اعتبر الكيل سواء كان أثقل أو أخف لأنه المقدر في الاخراج وهل يجزيه الوزن من غير الكيل منع منه محمد بن الحسن الشيباني لان في البر ما هو أثقل و
أخف فلو أخرج من الأثقل بالوزن يكون قد أخرج دون الصاع فلا يكون مجزيا فالأحوط عندي أنه أخرج من الأخف كالشعير تسعة أرطال
فقد أجزأه وإن أخرج من الأثقل أن يخرج ما يزيد على المقدر بالوزن ليكون بالغا قدر الصاع. [الثالث] لو أخرج صاعا من جنسين من
الأجناس المنصوصة قال الشيخ لا يجزيه وبه قال الشافعي والأقرب عندي الاجزاء وبه قال أبو حنيفة واحمد لنا اخرج من المنصوص عليه فأجزأه كما
لو أخرج من الجنس الواحد ولان أحد النصفين إن كان أعلى من الاجزاء أجزأه لأنه مع اخراج الأدون يجزي فمع الأعلى أولى وإن كان مساويا
فكذلك خصوصا عندنا بجواز اخراج القيم في الزكوات احتج الشيخ بأنه مخالف للخبر والجواب: المنع من مخالفته للخبر. [الرابع] هل يجوز أن يخرج أقل من
صاع من جنس أعلى إذا ساوى صاعا من أدون كنصف صاع من حنطة إذا ساوى صاعا من شعير في القيمة على سبيل اخراج القيمة فيه
تردد ينشأ من كون الواجب اخراج صاع تام من الأجناس وقيمته وهو يدل على أن القيمة مغايرة ومن كونه قد أخرج قدر الواجب وهو
بدل الصاع المساوي فيكون مجزيا ولم نقف فيه للمتقدمين على قول. [الخامس] لو أخرج صاعين من جنسين أو أصواعا من أجناس مختلفة
عن رؤس متعددة جاز بلا خلاف. [السادس] لو غلب على قوته جنس جاز أن يخرج من جنس آخر ولو كان دونه قيمة والأفضل أن
يخرج الأعلى. [السابع] لا يجزيه الميت كالمسوس من التمر والمدود من الحب ويجوز أن يخرج صاعا من طعام قديم إذا لم يتغير طعمه وإن نقصت قيمته
عن قيمة الحديث لان القديم ليس بعيب. * مسألة: ويجوز اخراج القيمة وهو قول علمائنا أجمع وبه قال أبو حنيفة والثوري والحسن البصري
وعمر بن عبد العزيز ومنع الشافعي ومالك وأحمد من ذلك. لنا: ما رواه الجمهور عن معاذ أنه طلب من أهل اليمن عن معوض وعن عمر بن الخطاب أنه
كان يأخذ العروض في الصدقة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمار الصيرفي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك
ما يقول في الفطرة يجوز أن أؤديها فضة بقيمة هذه الأشياء التي سمتها قال نعم إن ذلك أنفع له يشتري ما يريد وعن إسحاق بن عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال لا بأس بالقيمة في الفطرة ولان القيمة أعم نفعا وأكثر فائدة فكان اخراجها مجزيا ولان القصد دفع الحاجة وهو
غير مختلف باختلاف صورة الأموال بعد اتحاد قدر المال احتج المخالف بأنه عدول عن النص إذ النبي صلى الله عليه وآله فرض الصدقة من هذه
الأجناس والجواب: ليس في ذلك دلالة على المنع من القيمة وإنما خرج ذلك مخرج بيان قدر الواجب لا عنه. * مسألة: والأقرب عندي أنه لا
يتقدر قيمتها بقدر معين بل المرجع فيه القيمة وقد قدره قوم من أصحابنا بدرهم وآخرون بأربعة دوانيق والصحيح خلاف ذلك بل يقوم الواجب
في كل وقت بما تساويه ويخرج القيمة لان الواجب هو العين والقيمة بدل فيعتبر القيمة وقت الاخراج ويؤيده ما رواه الشيخ عن سليمان بن
جعفر المروزي قال سمعت يقول إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة والصدقة بصاع من تمر أو قيمته في تلك البلا
دراهم فإن احتج برواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس أن يعطيه قيمتها درهما أجبنا أولا: بضعف الرواية فإن في طريقها أحمد بن هلال
وهو ضعيف جدا، وثانيها: باحتمال أن يكون قيمة الصاع ما قدره الإمام عليه السلام في ذلك الوقت قال الشيخ هذه رواية شاذة والأحوط أن يعطى قيمة الوقت
قل ذلك أم كثر وهو رخصة لو عمل الانسان بها لم يكن مأثوما. * مسألة: قال الشيخ في الخلاف لا يجزي الدقيق والسويق من الحنطة والشعير
على أنهما أصل ويجزيان قيمة وبه قال الشافعي ومالك وقال أبو حنيفة وأحمد يجوز وبه قال ابن إدريس هنا والأقرب عندي ما قاله الشيخ. لنا: أن النصوص
الأجناس المقدرة فيقتصر عليها وإنما عدلنا إلى القيمة لمساواتها في الأمور المطلوبة ولان مانعه قد نقصت احتج المخالف بما رواه أبو هريرة عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال أدوا الفطرة قبل الخروج فإن على كل مسلم مدين من قمح أو دقيق وما رواه الشيخ عن حماد وبريد ومحمد بن مسلم عن
أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالوا سألناهما عن زكاة الفطرة قالا: صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كله حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت عن
الصغير والكبير والذكر والأنثى والبالغ ومن تعول في ذلك سواء وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته تعطى الفطرة دقيقا مكان الحنطة
قال: لا بأس يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحنطة والدقيق ولأنه أعجل منفعة وأقل مؤنة فكان أولى بالاخراج وإن الاجزاء باقية ولم يحصل غير
تفرقها بالطحن فكان مجزيا كما هو قبل التفريق. والجواب عن الأول: أن لفظة " أو " قد تأتي للتفصيل كما تأتي للتخيير وليس حملها على الثاني أولى من الأول
فيحمل على من لم يجد الأجناس ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول الصدقة لمن لم يجد الحنطة والشعير القمح
والعدس والذرة نصف صاع من ذلك كله أو صاع من تمر أو صاع من زبيب وهو الجواب عن الحديث الثاني، وعن الثالث: أن فيه تنبيها على اعتبار
538

القيمة لأنه عليه السلام ذكر المساواة بين أجزاء الطحن والتفاوت وتعجيل المنفعة يعارض نقلها حينئذ وبقاء الاجزاء مع تفريقها غير كاف لفوات بعض المنفعة
الحاصلة قبل التفرق فبطل الالحاق. فروع: [الأول] في إجزاء الخبر على أنه أصل لا قيمة تردد أقربه عدم الاجزاء خلافا لابن إدريس مع
وقوع الاتفاق على الاخراج بالقيمة. لنا: أن النص يتناول الأجناس المتعينة فلا يصار إلى غيرها إلا بدليل ولم يقم على المتنازع فيه دليل
والقياس على الطعام ضعيف لقيام الفرق وهو إمكان الاذخار والكيل في الأصل دون الفرع. [الثاني] السلت إن قلنا أنه نوع من الشعير أجزأ
على أنه أصل لا قيمة ولا اعتبرت القيمة وكذا البحث في العلس. [الثالث] لا يجوز اخراج الخل والدبس وما أشبههما لأنهما غير منصوصين ولا مشاركين
في معنى الاقتتات. [الرابع] لا يجزي الحب المعيب كالمسلوس والمبلول ولا ما يغير طعمه لتقادم عهده لقوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون)
أما لو تقادم عهده ولم يتغير طعمه فإنه يكون مجزيا وإن كان أدون من الحديث والأفضل اخراج ما عليه قيمته. [الخامس] الطعام الممتزج بالتراب
يجوز اخراجه إذا لم يخرج بامتزاج إلى حد المعيب لان تكليف إزالته مشقة والزيادة على الصاع منفية بالأصل ولو انتفى في أكثره إلى حد
المعيب وجب إزالته أو الزيادة المقاومة المقومة. {البحث الرابع} في الوقت، * مسألة: تجب الفطرة بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان
اختاره الشيخ في الجمل وبه قال ابن إدريس وهو مذهب الشافعي في الجديد وأحمد وإسحاق والثوري وإحدى الروايتين عن مالك وقال الشيخ في النهاية
بطلوع الفجر الثاني يوم الفطرة وبه قال الشافعي في القديم وأبو حنيفة وأصحابه ومالك في الرواية الأخرى وأبو ثور واختاره ابن الجنيد
منا والمفيد وقال بعض أصحاب مالك تجب بطلوع الشمس يوم الفطر. لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله فرض زكاة
الفطرة طهرا للصائم من الرفث واللغو وهو في يوم العيد يكذب عليه اسم الصوم حقيقة والأصل عدم المجاز ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مولد ولد ليلة الفطرة قال لا قد خرج الشهر وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطرة
عليه فطرة قال لا لا يقال قدر روي أن من ولد له مولود قبل الزوال إذا سلم
أخرج عنها وإن كان بعد الزوال فلا لأنا نقول أنه محمول على الاستحباب قاله الشيخ في التهذيب وهو حسن جمعا بين الأحاديث ولأنها يضاف
إلى الفطرة فيجب به زكاة المال لان الإضافة يقتضي الاختصاص والسبب اختص بحكمه من غيره ولأنه طلوع الفجر يستدام فيه الفطر فلا يتعلق به
وجوب الفطرة كما بعده احتج المخالف بقوله صلى الله عليه وآله أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم ورواية ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
كان يأمرنا أن نخرج الفطرة قبل الخروج إلى المصلى وهو لا يأمر بتأخير الواجب عن وقته وبما روي من طريق الخاصة أن من أسلم قبل الزوال وجبت عليه
الفطرة وكذا من ولد له مولود قبل الزوال ولأنها قربة متعلقة بالعيد فلم يتقدم وقتها يوم العيد كالأضحية والجواب عن الأول: أن الأغنياء قد يكون
بغير الزكاة فالصرف إليها يحتاج إلى دليل ولأنه قد يحصل الاغناء بالدفع ليلة الفطر ولان وقت الوجوب عندنا ليلة الفطر ما ذكره غير يدل على الاخراج فلا
ولد فيه حينئذ وعن الثاني: أن الامر بالاخراج قبل الفطر كما يتناول يوم الفطر يتناول ليلته ولأنه من الواجب الموسع عندنا ويتأكد الاخراج قبل الخروج
إلى المصلى ويجوز التأخير في الواجب الموسع إذا اشتمل على المصلحة وهي الجمع بين أبناء الزكاة وأقام الصلاة كما يؤخر كثيرا من العبادات عن
وقتها كالظهر للمتنفل والمغرب في عرفات والجمع للمستحاضة لايقاع الصلاتين بغسل واحد ويتخير ملك من النظائر وأيضا الفقر نهارا أشد حاجة إليها
من الليل فكان دفعها في وقت الحاجة أفضل فلهذا نوع من المصلحة أمر بالتأخير وأيضا الامر بالاخراج قبل الخروج لا يدل على وقت الوجوب بالاجماع
لان وقت الصلاة انبساط الشمس والوجوب عند المخالف يتحقق قبل طلوعها، وعن الثالث: ما تقدم، وعن الرابع: بالفرق فإن الأضحية لا تتعلق
بطلوع الفجر فلا نسبة مسكينا ولا هي واجبة أيضا بخلاف صورة النزاع. فروع: [الأول] لو وهب له عبدا فأهل شوال ولم يقبض فالزكاة
على الواهب عندنا وبه قال الشافعي وقال مالك الزكاة على الموهوب له ومنشأ الخلاف أن القبض عندنا وعند الشافعي شرط في تمليك
الهبة ولم يحصل فهو باق على ملك الواهب فالزكاة عليه وعند مالك أنه ليس بشرط وسيأتي إن شاء الله. [الثاني] لو قبل الموهوب له الهبة و
لم يقبض ومات قبل شوال فقبضه الوارث قال الشيخ في المبسوط يجب الفطرة على الورثة وليس بمعتمد أن القبض شرط في الانتقال ولم يحصل فكيف
ينتقل إلى الوارث. [الثالث] لو ولد له ولد بعد الهلال أو تزوج زوجة أو اشترى مملوكا بعد الهلال لم يجب عليه زكاته ولو كان قبله وجبت
ولو كان قبل الغروب بشئ يسير وعلى القول الآخر لأصحابنا الاعتبار بطلوع الفجر وكذا البحث لو مات له ولدا ومملوك أو طلق زوجته أو باع
عبده فإن كان قبل الغروب فلا زكاة عليه إجماعا وإن كان بعده فعلى الخلاف إن قلنا أن الزكاة يجب بالغروب كما اخترناه وجبت الزكاة وإن
قلنا أنها يجب بطلوع الفجر كان الاعتبار به وكذا لو قلنا أن المعتبر مجموع الوقتين كما هو مذهب الشافعي في أحد أقواله وعلى هذا الثالث لو طلق
زوجته أو زال ملكه وسط الليل ثم عاد في الليل ففي الزكاة وجهان. [الرابع] لو مات العبد بعد الهلال وقبل إمكان أداء الزكاة عنه وجب
أن يخرج عنه الزكاة لأنها تتعلق بالذمة والعبد سبب فيها فلا يسقط بمؤنة كالظهار إذا ماتت المرأة قبل إمكان أداء الكفارة وقال بعض الشافعية
يسقط لأنه قد تلف المال الذي هو سبب وجوبها قبل إمكان أدائها كالنصاب وليس بجيد لان الزكاة تجب في غير النصاب وهنا تجب في الذمة فائضا
539

ان زكاة المال تجب مواساة في المال فإذا تفلت بغير تفريط خرج عن أن يكون من أهل المواساة بخلاف الزكاة هنا فإنها تجب تطهيرا فلا تسقط
بالموت كالكفارة. [الخامس] لو أوصى له بعبد فإن مات الموصي بعد الهلال فالزكاة عليه لبقاء الملك عليه وقت الوجوب وإن مات قبل الهلال
فإن قبل الموصى له قبل الهلال أيضا فالزكاة على الموصى له لوجوبها في ملكه وإن قبل بعده قال الشيخ في المبسوط لا زكاة على أحد لأنه ليس ملكا لاحد وهو
غير مالك وللشافعي ثلاثة أقوال ولي عليه ثلاثة أصول، أحدها: أنه مع القبول ثلاثين. لنا: أن الملك انتقل إليه الموصى فالزكاة على الموصى
له حينئذ، وثانيها: أن يكون على حكم مال الميت وتملك الموصى له من حين القبول فالفطرة في حال الوصي، والثالث: أن الموصى به يدخل في الملك
الموصى له يموت الموصي بغير اختيار الموصى له فالزكاة على الموصى له قيل لو لم يقبل والوجه عندي ما قاله الشافعي ثانيا: وإن كان قول الشيخ لا يخلو من
قوة. [السادس] لو مات الموصى له قام وارثه مقامه في القبول فإن قبلوا قبل الهلال وجبت الفطرة وهل يجب عليهم أو في مال الموصي
قال الشيخ بالأول وهو جيد لأنهم بالقبول ملكوه فكان الميت لم يملك شيئا وعلى الوجه الأول من أقوال الشافعي يكون الفطرة في مال الميت.
[السابع] لو مات وعليه دين بعد الهلال ففطرة عبده في تركته لاستقرار الوجوب عليه ويقع التحاص بينها وبين الديان مع القصور وإن مات
قبل الهلال قال الشيخ لا يلزم أحدا فطرته لأنه ليس ملكا لاحد فالأقرب عندي النصر مع أصل آخر وهو أن التركة هل ينتقل إلى الورثة و
يمنعون من التصرف فيها كالمرهون أو ينتقل إلى الديان استوعبها الديون أو بقدر الدين إن لم يستوعب أو يكون على حكم مال الميت لا ينتقل إلى
أحد إلا بعد قضاء الدين والثاني من هذا الوجه ضعيف ويقوى الأول الميت لو كان له دين وعليه دين فجحد الدين الذي له أخلف الوارث مع شاهده
ولولا الانتقال لم يكن في ذلك وأيضا لو مات بعض الورثة وخلف ورثة قبل انقضاء ثم برأ من الدين الميت كانت التركة للاحياء وورثة الميت
والآية محمولة على القسمة فعلى الأول الفطرة على الورثة وعلى الثاني الزكاة على أرباب الديون وليس بالمعتمد وعلى الثالث لا زكاة. [الثامن]
الولد إذا ملك ليلة العيد قوت يومه سقط عن والده نفقته ذلك اليوم فإذا لم يعلمه فيه لم تجب الزكاة عليه لعدم المقتضي وهو القيلولة
ولا على الولد لعجزه. [التاسع] العبد الذي نصفه حر إذا وقعت بينه وبين مولاه مهاياة فوقع الهلال في قوله أحدهما ففي اختصاصه بالفطرة
وجهان. * مسألة: ويستحب اخراجها يوم العيد قبل الخروج إلى المصلى ويتضيق عند الصلاة لما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله
فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة
فهي صدقة من الصدقات قوله عليه السلام أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن ميمون قال قال أبو عبد
الله عليه السلام الفطرة إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة وإن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة وفي الصحيح عن زرارة ويزيد بن معاوية
عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا يعطي يوم الفطر فهو أفضل ولان المراد إغناء الفقراء عن الطلب فيه والسعي وهو إتمام يتحقق
بإخراجها قبل الصلاة. * مسألة: وفي جواز تقديمها على الهلال قولان قال بعض أصحابنا لا يجوز إلا على الفرض وينوي من الأداء عند الهلال مع بقاء
المقتضي للوجوب وصفة الاستحقاق اختاره ابن إدريس منا وقال أكثر أصحابنا بجواز تقديمها من أول شهر رمضان لا أكثر وبه قال الشافعي وقال
أحمد يجوز تقديمها قبل الهلال بيوم أو يومين خاصة وقال بعض الجمهور يجوز تقديمها من بعد نصف الشهر
وقال أبو حنيفة يجوز تقديمها
من أول الحول. لنا: أن سبب الصدقة الصوم والفطر معا فإذا وجد أحد السببين جاز التقديم كزكاة المال ولان في تقديمها مسارعة إلى الثواب
والمغفرة فيكون مأمورا به ولان خبر حال الفقراء على القطع ومع التأخير على الشك لجواز موته أو فقره فيكون مشروعا ويؤيد ذلك ما رواه
الشيخ في الصحيح عن زرارة وبكير بن أعين والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا: لا على
الرجل أن يعطي عن كل من يعول من حر وعبد وصغير وكبير يعطي يوم الفطر فهو أفضل وهو في سعة أن يعطيها في أول يوم يدخل في شهر رمضان
إلى آخر الحديث ولأن جواز التقديم يوما ويومين يقتضي جوازه من أول الشهر إذ سببه الصوم موجود هنا وأما تقديمها على شهر رمضان فغير جائز عملا
بالأصل السالم عن معارضة سبب الصوم ولان تقديمها قبل الشهر تقديم للزكاة قبل السببين معا فيكون منه كتقديم زكاة المال قبل الحول والنصاب
احتج ابن إدريس بأن شغل الذمة إنما يثبت بعد الهلال فيكون الأداء قبله إبراء للذمة قبل شغلها وهو باطل أو احتج بقوله عليه السلام أغنوهم عن الطلب
في هذا اليوم وهو لا يحصل تقديمها من أول الشهر مع أن الامر للوجوب ولما رواه البخاري عن ابن عمر قال كانوا يعطون قبل الفطرة بيوم أو يومين
وهو إشارة إلى جميعهم ويكون إجماعا واحتج الجمهور لاخراجها بعد نصف الشهر بجواز الخروج من المزدلفة قبل نصف الليل واحتج أبو حنيفة بأنها زكاة
مخرجة عن بدنة فإذا كان المخرج عنه موجودا جاز اخراجها قبل الوقت الموظف لزكاة المال بعد وجود النصاب والجواب عن الأول: بأن شغل الذمي في
صورة التقديم غير متحقق لأنه وقت الدفع مشتغل الذمة وبعده كذلك لسقوطها عنه بالدفع المتقدم والايراد ها هنا تقديري لا أنه ثابت حقيقة
وعن الثاني بأنه متروك الظاهر إذ الواجب ليس إغناء الجميع بل ولا واحد معين ومع خروجه عن حقيقته يسقط دلالته على أنه كما يقتضي المنع من تقديمها
في أول الشهر يقتضي المنع من اخراجها قبله بيوم أو يومين وحديث ابن عمر نحن نقول بموجبه إذ ليس فيه دلالة على المنع من التقديم قبل ذلك
540

وعن احتجاج أبي حنيفة بالفرق بين زكاة المال وزكاة الفطرة لان السبب هناك ملك النصاب وقد حصل في الحول كله فجاز اخراجها فيه وزكاة
الفطرة سببها الفطرة بدليل إضافتها إليه ولان المقصود إغناء الفقراء هناك في الحول وإغنائهم هنا في هذا اليوم. * مسألة: ولا يجوز تأخيرها
عن صلاة العيد اختيارا فإن أخرها أثم وبه قال علماؤنا أجمع والشافعي وقال أحمد يجوز تأخيرها عن الصلاة ويحرم بعد يوم العيد وقال
النخعي وابن سيرين يجوز تأخيرها عن يوم العيد وقال أبو حنيفة ومالك بمثل قول أحمد. لنا: قوله عليه السلام أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم وهو لا يحصل
بالتأخير عن يوم العيد ولا عن الصلاة لفوات بعض اليوم. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القسم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الفطرة متى هي؟ قال: قبل الصلاة يوم الفطر ولأنه تأخير للواجب عن وقته فكان حراما والأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة وتحريم التأخير
عن يوم العيد لما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة متى هي؟ قال: قبل الصلاة يوم الفطر قلت فإن بقي
منه شئ بعد الصلاة فقال لا بأس نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه نعم الاخراج قبل الصلاة أولى لما تضمنه الحديث من الأولوية ولقول أبي
عبد الله عليه السلام في رواية إبراهيم بن ميمون الفطرة إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهو فطرة وإن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة لا يقال
قد روى الشيخ عن الحارث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بأن تؤخر الفطرة إلى هلال ذي القعدة لأنا نقول إنها ضعيفة السند وهي شاذة لم يعمل بها أحد من
علماؤنا فلا تعويل عليها ولأنها محمولة على المنتظر للمستحق قاله الشيخ. * مسألة: ولو لم يتمكن من اخراجها يوم العيد لم يأثم بالتأخير بالاجماع
لعدم التمكن الذي هو شرط في التكليف ثم لا يخلو أما أن يكون قد عزلها فأخرجها مع الامكان لأنها قد تعينت للصدقة فلا يسقط بفوات وقتها كما لو
عدم المستحق في زكاة المال ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في الفطرة إذا عزلتها فلا يضرك من أعطيتها
قبل الصلاة وبعد الصلاة وإن لم يكن قد عزلها ففيها لأصحابنا مثله أقوال أحدها السقوط وبه قال الحسن بن زياد، وثانيها: أنها يكون قضاء ذهب إليه
الشيخان وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد، وثالثها: يكون أداء دائما واختاره ابن إدريس والأقرب عندي مذهب الشيخين. لنا: عدم السقوط أنه حق ثابت في
الذمة للفقراء فيسقط بخروج وقته كالدين وزكاة المال وعلى كونها قضاء أنها عبادة مؤقتة فات وقتها وفعلت بعد فواته فيكون قضاء احتج القائلون
بالسقوط بأنها حق مؤجل فيسقط لفواته كالأضحية ولان الامر لا يقتضي القضاء إلا بأمر متجدد ولقوله عليه السلام هي قبل الصلاة زكاة مقبولة
بعد الصلاة صدقة من الصدقات وهو يدل على أنها ليست زكاة بعد الصلاة بل صدقة مستحبة واحتج القائلون بكونها أداء بأنها زكاة تجب
بوقتها فلا يكون قضاء بفواته كزكاة المال. والجواب عن الأول: بالمنع من السقوط بعد الفوت لتحقق شغل الذمة ولم يثبت المسقط وعن الثاني:
أن الجواز إن كان ذلك لكن الاحتياط يقتضي عدم السقوط وهذا الوجه قوي، وعن الثالث: بالمنع من كونها مستحبة وكونها صدقة لا ينافي وجوبها
ومنع كونها زكاة لان ثوابها يقضي عن ذلك، وعن الرابع: امتداد وقتها إلى العسر ينافي تضييقها عند الصلاة وقد أجمعوا على ذلك ولأنها لو أمتد
وقتها لوجبت أو استحب على من بلغ أو أسلم بعد الزوال كما تجب الصلاة على من أسلم أو بلغ في وقتها. فروع: [الأول] يصح العزل إذا عزلها المالك كزكاة المال. [الثاني] لو عزلها ولم يخرجها فإن لم
يجد المستحق لم (يعتن) بالتأخير وإن وجده ضمن وكذا لو لم يجد أولا ثم وجده وأخرها مع المكنة وقال أحمد يضمنها مطلقا وليس بمعتمد لان القدر مبيح للتأخير فلا
يضمن معه. [الثالث] يجوز له نقلها إلى غير بلده مع عدم المستحق إجماعا ومع وجوده على الخلاف أن يضمن معه لو تلفت ويجوز أن يخرجها عن الغائب عنه
وإن كان الأفضل اخراجها من بلد المال وتفريقها. {البحث الخامس} في المستحق، * مسألة: وتصرف الزكاة إلى من يستحق زكاة المال وهم
ستة أصناف الفقراء والمساكين والغارمين وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل لأنها زكاة فتصرف إلى من يصرف إليه سائر الزكاة ولأنها صدقة فتدخل فيه
تحت قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء) الآية. * مسألة: ولا يجوز صرفها إلى غير المستحق لو كان المال فلا يدفع إلى الذمي إجماعا منا وبه قال
الشافعي ومالك وأحمد وقال أبو حنيفة يجوز أن يعطى منها مع وقوع الاتفاق على أن الحربي لا يعطى شيئا تصدقوا على أهل الأديان ولأنها صدقة
ليس للامام فيها حق القبض فجاز صرفها إلى أهل الذمة كالتطوع. والجواب عن الأول: بالمنع من الرواية أولا ويحملها على صدقة التطوع ثانيا وعلى
زكاة المال أخرى لأنهم من المؤلفة ثالثا وعن الثاني: بأن الجامع عدمي فلا يصح للعلية والنقض بالأموال الباطنة وبأن التطوع يجوز صرفها إلى الحربي
إجماعا وهذا يجوز صرفها إليه. * مسألة: لا يجزي أن يعطى غير المؤمن من الفطرة سواء وجد المستحق أو فقده وينتظر بها ويحملها من بلده مع عدمه
إلى الآخر ولا يعطى المستضعف خلافا للشيخ رحمه الله ولو لم يجد المستحق لم يضمن بالتأخير مع وجود المستضعف وقد سلف بيان ذلك في مستحق
زكاة المال قال الشيخ رحمه الله فإن لم يوجد مستحق من أهل المعرفة جاز أن يعطي المستضعف من غيرهم ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له إلا عند التقية
أو عدم المستحق من أهل المعرفة والأفضل أن يعطي الانسان من يخاف من غير الفطرة في مواضعها والحق ما ذكرناه أولا. * مسألة: ويجوز صرفها
إلى واحد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي يجب صرفها في الأصناف الستة وأقل كل صنف ثلاثة نفر وقد تقدم البحث في ذلك ويجوز للجماعة صرف صدقتهم
إلى الواحد دفعة وعلى التعاقب ما لم يبلغ على حد الغناء بالاجماع ولو أخرجها إلى المستحق فأخرجها أخرها إلى واضعها أو جمعت الصدقة عند الامام
ففرقها إلى المستحقين فرجعت صدقة واحدة إليه لم يكن به بأس وهو يأتي على قولنا بالاستحباب وعلى قول ابن الجنيد هنا ومن تبعه من المخالفين
541

بالوجوب إذا لا يعتبر الغنى لان قبض المستحق أو الامام أخرج المدفوع عن ملكه فإذا عاد إليه سبب آخر ملكه كما لو عادت بالميراث ومنع بعض الجمهور منه لأنها طهرة
له فلا يجوز له أخذها وقد سلف. * مسألة: ويستحب تخصيص الأقارب بها ثم الجيران مع وجود الأوصاف فيهم لقوله عليه السلام لا صدقة وذو رحم محتاج وقوله
عليه السلام أفضل الصدقة وعلى ذي الرحم الكاشح وقوله عليه السلام جيران جيران الصدقة أحق بها وروى الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال قلت له
لي قرابة أنفق على بعضهم فأفضل بعضهم على بعض فيأتيني آيات الزكاة أفأعطيهم منها قال أيستحقون لها قلت نعم قال هم أفضل من غيرهم اعطهم وعن
إسحاق بن مبارك عن أبي إبراهيم عليه السلام وقد سأله عن صدقة الفطرة فقال الجيران أحق بها ولا نعرف في ذلك خلافا ويستحب ترجيح أهل الفضل
في الدين والعلم لأنهم أفضل من غيرهم فكانت العناية بهم أولى ويؤيده ما رواه السكوني قال قلت لأبي جعفر عليه السلام إني ربما قسمت الشئ بين أصحابي امامه
فكيف أعطيهم فقال اعطهم على الهجرة في الدين والنفقة والعقل ويجوز للمالك أن يفرقها بنفسه بغير خلاف بين العلماء كافة أما عندنا فظاهر
وأما عند المخالف فلانها من الأمور الباطنة ويستحب صرفها إلى الامام أو من نصبه لأنه الحاكم وهو أعرف بمواقعها ولما رواه الشيخ عن أبي علي بن
راشد قال سألت عن الفطرة لمن هي قال للامام ولو تعذر ذلك صرفت إلى الفقيه المأموم من فقهاء الامامية فإنهم أبصر بمواقعها وأعرف بالمستحق ولان
فيه إبراء للذمة وتنزيها للغرض فيكون أولى. * مسألة: ويجوز أن يعطي صاحب الخادم والدار والفرس من الفطرة وزكاة المال ولا تكليف له ببيع
ذلك ولا بعضه للحاجة إليها فجرى مجرى الثوب وغيره مما يضطر إليه ويؤيده ما رواه الشيخ عن عمر بن أذينة عن غير واحد عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام لأنهما سئلا عن الرجل له دار وخادم وعبد يقبل الزكاة فقالا نعم وعن سعيد بن يسار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول تحل الزكاة لصاحب
الدار والخادم وقد مضى البحث فيه. * مسألة: قال أكثر علمائنا ولا يعطى الفقير أقل من صاع وأطبق الجمهور على خلافه والأقرب عندي أنه محمول
على الاستحباب لا الوجوب. لنا: أن يدفعها إلى أكثر يكون قد صرف الصدقة إلى مستحق فيكون سائغا كما يجوز صرفها إلى الواحد ولان الامر بالاعطاء
مطلق فيجزي إعطاء الجماعة كما يجزي إعطاء الواحد عملا بالاطلاق ويؤيده ما رواه إسحاق بن المبارك قال سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن صدقة الفطرة
أهي مما قال الله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فقال نعم وقال صدقة التمر أحب إلي لان أبي كان يتصدق بالتمر قلت فيعجل قيمتها فضة
فيعطيها رجلا واحدا أو اثنين فقال يفرقها أحب إلي فلا بأس أن يجعله فضة والتمر أحب إلي وهو يدل بمفهومه على صورة النزاع ولان صدقة المال
لا يتقدر بقدر وجوبا على ما تقدم هكذا صدقة الفطرة احتج المخالف بما رواه أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تعط
أحدا أقل من رأس. والجواب: أنها مرسلة فلا تعويل عليها مع وجود المنافي على أنه يحتمل أن يكون النهي للكراهية فلذلك قلنا بالاستحباب ويجوز أن يعطي الواحد
أصواعا كثيره بغير خلاف سواء كان ن دفاع واحدا أو من جماعة على التعاقب ودفعة واحدة ما لم يحصل الغنى في صورة التعاقب لان المقتضي وهو الفقر
موجود مع الكثير ويؤيده ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس أن يعطى الرجل عن رأسين وثلاثة وأربعة يعني الفطر
ولا نعرف فيه خلافا. * مسألة: لا يسقط صدقة الفطر بالموت ويخرج من أصل التركة كالدين وبه قال الشافعي وأحمد وقال
أبو حنيفة يسقط بالموت إلا أن يوصي بها فتخرج من الثلث حينئذ. ولنا: عموم الامر بالدفع ولأنه حق يتعلق بالذمة فلا يسقط بالموت كالدين ثم
إن خلفت التركة بقي الزكاة أخرجت وإلا أخرجت التركة بأجمعها وإن كان عليه دين فإن وسعت التركة لها أخرجها وإن ضاقت التركة وقع التحاص
وإن كان عليه زكاة المال والفطر والدين فزكاة المال واحد لاتحاد المصرف يتحاصان الدين. * مسألة: ولا يملك المستحق الزكاة إلا مع القبض
من المالك أو نائبه إذ للمالك التخيير في الرفع إلى من شاء فلو مات الفقير لم يكن لورثته المطالبة بها وكذا زكاة المال ومال الغنيمة يملكه الغانمون
بالحيازة ويستقر بالقسمة فلو بلغ نصيبه نصابا لم يجز في الحول على ما تقدم إلا بعد القبض لعدم تمكنه منه ولا
يجب باعتبار زكاة الفطرة.
فصول: في الصدقات المستحبة، يستحب الصدقة المطوعة في جميع الأوقات قال الله تعالى: (ان تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم) وقال
تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه أضعافا كثيرة) والآيات كثيرة في استحبابها وقد روى الجمهور عن أبي هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وآله من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله تعالى إلا طيب فإن الله يقبلها بتمر ثم يراها لصاحبها كما يرى أحدكم ملون حتى يكون مثل الجبل
ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال أرض القيمة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله وقال الباقر عليه السلام
البر والصدقة ينفيان الفقر ويزيدان في العمر ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة بالسوء وعن الصادق عليه السلام الصدقة باليد تقي ميتة السوء وتدفع سبعين نوعا من أنواع
البلا ويفك عن لحى سبعين شيطانا كلهم يأمره أن لا تفعل. فصل: والصدقة باليد أفضل لكثرة المشقة حينئذ ويؤيده ما تقدم ويزاد التأكيد
في المريض ويؤيده ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنه قال يستحب للمريض أن يعطي السائل بيده ويأمر السائل أن يدعو له. * مسألة: وصدقة السر
أفضل من صدقة العلانية بالنص والاجماع قال الله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم سيئاتكم)
ولا خلاف بين المسلم في ذلك روى الجمهور عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وذكر
منهم رجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا يعلم شماله ما ينفق يمينه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ وابن بابويه عن النبي صلى الله عليه وآله
542

قال: صدقة السر تطفئ غضب الرب جل جلاله وعن عمار عن الصادق عليه السلام قال قال: يا عمار الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك والله
العبادة في السر أفضل من العبادة في العلانية وعن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام: صدقة الليل تطفئ غضب الرب تعالى وتمحو الذنب وتهون
الحسنات وصدقة النهار تثمر المال وتزيد في العمر. فصل: والصدقة في رمضان أكثر ثوابا ويستحب الاكثار منها فيه لأنه شهر شريف يضاعف فيه الحسنات، ولا
نعلم فيه خلافا روى ابن بابويه عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من فطر صائما فله أجر مثله ورواه الجمهور أيضا عن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: من فطر في هذا الشهر مؤمنا صائم كان له بذلك عند الله عز وجل عتق رقبة ويغفره لما مضى من ذنوبه، فقيل له يا رسول
الله كلنا نقدر على أن نفطر صائما، فقال: ان الله تبارك وتعالى كريم يعطي هذا الثواب منكم من لم يقدر إلا على مذقة من لبن ففطر بها صائما
أو شربة من مال عذب أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك. فصل: وكذلك كل وقت شريف كالجمع والأعياد وبالخصوص أوقات الحاجات لقوله
تعالى (أو إطعام في يوم ذي مسغبة). فصل: والصدقة على القرابة أفضل من غيرهم بلا خلاف، قال الله تعالى: (يتيما ذا مقربة) وروى الجمهور عن النبي
صلى الله عليه وآله: الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الحرم اثنان صدقة وصلة وعن زينب امرأة ابن مسعود أنها سألت رسول الله صلى
الله عليه وآله هل لها أن تضع صدقتها في زوجها وبني أخ لها يتامى قال: نعم لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
وابن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه سئل أي الصدقة أفضل قال: على ذي الرحم الكاشح وقال عليه السلام: لا صدقة وذو رحم محتاج
وقال عليه السلام ملعون ملعون من ألقى كله على الناس ملعون ملعون من ضيع من يعول. فصل: ويستحب الصدقة على من اشتدت حاجته قال الله تعالى:
(أو مسكينا ذا متربة) ولان شدة الحاجة يستلزم شدة الاستحباب. فصل: وإنما ينبغي الصدقة من فاضل قوت الرجل ومؤنة عياله على الدوام لأنه
يقال ينهى عن التقدير وقال الله تعالى: (ولا تبسطها كل البسط) كل وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى قائدا بمن يعول وعن
الوليد بن صبيح قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فجاءه سائل فأعطاه ثم جاءه آخر فأعطاه ثم جاء آخر فأعطاه ثم جاءه آخر فقال وسع الله عليك
ثم قال: إن رجلا لو كان له مال بلغ ثلاثين أو أربعين ألف درهم ثم شاء أن لا يبقى منها شيئا إلا وضعها في حق لفعل فيبقى لا مال له فيكون من الثلاثة
الذين يرد دعاؤهم قال قلت من هم؟ قال: أحدهم رجل كان له مال فأنفقه في وجهه ثم قال يا رب ارزقني فيقول ألم أرزقك ورجل في بيته ولا يسعى
في طلب الرزق فيقول يا رب ارزقني فيقول ألم أجعل لك سبيلا إلى طلب الرزق ورجل له امرأة تؤذيه فيقول يا رب خلصني منها فيقول عز وجل
ألم أجعل أمرها بيدك. فصل: ولو قصر في نفقته أو نفقة من يلزمه مؤنته أثم بالصدقة لقول النبي صلى الله عليه وآله كفا بالمرء إثما أن يضع من يقوت
ولان في ذلك تقديم النفل على الواجب وهو غير جائز. فصل: فإن كان الرجل وحده أو كان له مؤنة وله كفايتهم وكان ذا كسب وأراد الصدقة بجميع
ماله وثوقا منه بحسن التوكل والسعي في كسبه بقدر كفايته وكفاية من يمونه كان سائغا لقول النبي صلى الله عليه وآله وقد سئل عن أفضل الصدقة
حمد من يقل إلى فقير في السر فإن فقد هذان الوصفان في الرجل كبره له التصدق بجميع ماله لما رواه جابر بن عبد الله قال كنا عند رسول الله صلى
الله عليه وآله إذ جاءه رجل بمثل بيضة من ذهب فقال يا رسول الله هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله
صلى الله عليه وآله ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن وقال مثل ذلك فأعرض عنه ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وآله
يأتي أحدكم بما يملك ثم يقول هذه صدقة لم يقعد يستنكف الناس خير صدقة ما كان عن ظهر غنى ومعنى قوله عليه السلام يستنكف الناس يتعرض
للصدقة ويأخذها ببطن كفه ولان اخراج جميع المال لا يؤمن معه فتنة الفقير فيذهب ماله ويبطل آخره ويصير كلا على الناس. فصل: ويستحب العطاء
من غير مسألة لان في المسألة إذلالا بالمؤمن روى ابن بابويه عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه
بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر البقبقة وكان الرجل ممن يرجو نوافله ويؤمل نائله ورفده وكان لا يسأل عليا عليه السلام شيئا ولا غيره شيئا فقال رجل لأمير
المؤمنين عليه السلام والله ما سألك فلان شيئا ولقد كان يجزيه من الخمسة الأوساق وسق واحد فقال له أمير المؤمنين عليه السلام لا كثر الله من المؤمنين
ضربك أعطي أنا وتبخل أنت إذا أنا لم أعط الذي يرجوني إلا من بعد المسألة ثم أعطيه بعد المسألة فلم أعطه إلا ثمن ما أخذت منه وذلك
لأني عرضته أن يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عز وجل عند تعبده له وطلب حوائجه إليه فمن فعل هذا بأخيه المسلم وقد عرف أنه موضع
لصلته ومعروفه فلم يصدق الله عز وجل في دعائه له حيث يتمنى له الجنة بلسانه ويبخل عليه بالخطأ من ماله ذلك أن العبد يقول في دعائه اللهم اغفر للمؤمنين
والمؤمنات فإذا دعا لهم بالمغفرة فقد طلب لهم الجنة فما أنصف من فعل هذا بالقول ولم يحققه بالفعل. فصل: ويستحب التصدق أول النهار و
أول الليل لاستدفاع بلاء الوقتين بها فقد روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنه قال باكروا بالصدقة فإن البلايا لا يتخطاها ومن تصدق
بصدقة أول النهار دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم ومن تصدق أول الليل دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في تلك الليلة. فصل:
ويكره رد السائل مع القدرة لما فيه من المنع من النفع وإذلال المؤمن ويؤيده ما رواه ابن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا تقطعوا
على السائل مسئلته فلولا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم وعن الباقر عليه السلام قال كان فيما ناجى الله عز وجل به موسى عليه السلام أن قال
543

يا موسى أكرم السائل ببذل يسير وبرد جميل لأنه آتيك من ليس بأنس ولا جان بل ملائكة من ملائكة الرحمن يبلونك فيما خولتك ويسألونك عما تولتك
فانظر كيف أنت صانع يا بن عمران. فصل: ويكره السؤال لان الله تعالى قرن الرزق بالسعي لقوله تعالى: (فاسعوا في مناكبها وكلوا من رزقه) وفي السؤال
مذلة عظيمة ومنع عن السعي لنوع الانسان ويؤيده ما رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ابتغوا قول رسول الله صلى الله عليه
وآله فإنه قال من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر وعن الصادق عليه السلام إياكم وسؤال الناس فإنه ذل في الدنيا وفقر تستعجلونه وحساب طويل يوم القيامة
وروى ابن بابويه قال جاءت فقر من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلموا عليه فرد عليهم السلام فقالوا يا رسول الله لنا إليك حاجة قال هاتوا
حاجتكم قالوا إنها حاجة عظيمة قال هاتوها ما هي قالوا تضمن لنا على ربك الجنة قال فنكس رسول الله صلى الله عليه وآله رأسه ثم نكس في الأرض ثم رفع رأسه فقال افعل ذلك بكم على
أن لا تسألوا أحدا شيئا قال فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لإنسان ناولنيه فرارا من المسألة فينزل فيأخذه ويكون
على المائدة ويكون بعض الجلساء أقرب إلى الماء منه فلا يقول ناولني حتى يقوم فيشرب وقال عليه السلام استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك. فصل:
ويتأكد كراهية السؤال من غير حاجة لما فيه من المذلة بغير ضرورة ويؤيده ما رواه ابن بابويه عن علي بن الحسين عليهما السلام قال ضمت على ربي أنه لا يسأل
أحدا من غير حاجة إلا اضطر له المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة وقال الصادق عليه السلام ما من عبد يسأل من غير حاجة فموت حتى يحوجه الله
عز وجل إليها ويثبت الله بها النار. فصل: والمن يبطل ثواب الصدقة لما يشتمل عليه من كسر قلب المؤمن قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا
صدقاتكم بالمن والأذى) وروى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنه قال المن يهدم الصدقة وقال رسول الله صلى الله عليه وآله أن الله تبارك وتعالى
كره لي ست خصال وكرهتهن للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي العبث في الصلاة، والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة، واتيان المساجد جنبا،
والتطلع في الدور، والضحك بين القبور. فصل: ولا بأس بطلب الدعاء منهم فربما كان فيهم مستجاب الدعاء روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام
أنه قال إذا أعطيتموهم فلقنوهم الدعاء فإنه يستجاب لهم فيكم ولا يستجاب لهم في أنفسهم وقال عليه السلام يستحب للمريض أن يعطي السائل بيده ويأمر السائل أن يدعو له.
فصل: ويستحب الصدقة مطلقا إن كان السائل غير معلوم الحال لأنه من المعروف روى الشيخ عن سدير الصيرفي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أطعم
سائلا ولا أعرفه مسلما فقال نعم اعط من لا تعرفه بولاية ولا عداوة للحق ان الله عز وجل يقول وقولوا للناس حسنا) ولا تطعم من نصب بشئ
من الحق ودعى إلى شئ من الباطل وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن السائل ولا يدري ما هو فقال اعط من وقعت في قلبك له الرحمة وقال
اعط دون الدرهم قلت أكثر ما يعطى قال أربعة دوانيق. فصل: والصدقة على بني هاشم خصوصا العلويون لشرفهم على غيرهم روى الشيخ
عن عيسى بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صنع إلى أحد من أهل بيتي بر أكافيه يوم القيمة وعن إبراهيم بن
هاشم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أنا شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب الدنيا
رجل يعز ذريتي، ورجل يبذل ماله لذريتي عند الضيق، ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا وشردوا وروى
ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد أيها الخلائق انصتوا فإن محمدا يكلمكم فينصت الخلائق فيقوم النبي صلى الله عليه
وآله فيقول يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافيه، فيقولون بآبائنا وأمهاتنا وأي منة وأي معروف لنا
بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق، فيقول: بلى من أوى أحدا من أهل بيتي أو برهم أو كساهم من عري أو شبع جائعهم فليقم حتى
أكافيهم فيقوم أناس قد فعلوا ذلك فيأتي النداء من عند الله يا محمد يا حبيبي قد جعلت مكافاتهم إليك فأسكنهم من الجنة حيث شئتم قال فاسكنهم
في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم. فصل: ويحرم على المعطي كفران النعمة وينبغي الشكر على النعم فإن شكر المنعم
واجب عقلا وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من أتى إليه المعروف فليكاف به وإن عجز فليثن فإن له يفعل فقد كفر النعمة وقال الصادق عليه السلام
لعن الله قاتل سبل المعروف فقيل وما قاتل سبل المعروف قال الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره فيمنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره.
[المقصد السادس] في الخمس ومباحثه أربعة {الأول}، فيما يجب فيه وهو أصناف الأول: الغنائم التي توجد
من
دار الحرب ما يحويه العسكر وما لم يحوه أمكن نقله كالثياب والأموال والأناسي والدواب وغير ذلك ولا يمكن كالأرضين والعقارات وغير
ذلك مما يصح تملكه بشرط أن يكون مما يصح تملكه وأن يكون مباحا في أيديهم لا غصبا من مسلم أو معاهد قليلا كان أو كثيرا أو هذه الغنائم
لم تكن محللة لاحد من الأنبياء عليهم السلام وإنما حلت لرسول الله صلى الله عليه وآله أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبل وذكر فيها وأحلت لي الغنائم
وكانت في بدو الاسلام لرسول الله صلى الله عليه وآله يصنع بها ما شاء ثم نسخ ذلك فصار الأربعة الأخماس للمجاهدين والخمس الباقي للأصناف
المستحقين للخمس وسيأتي بيان ذلك كله إن شاء الله. الثاني: المعادن وهي جمع معدن واشتقاقه من عدن بالمكان يعدن إذا نام به ومنه سميت جنة
عدن لأنها دار إقامة وخلود وهو كلما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة إذا ثبت هذا فنقول لا خلاف في اخراج شئ من
المعادن ويدل عليه النص والاجماع قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) وما رواه الجمهور
544

أن النبي صلى الله عليه وآله أقطع بلالا بن الحارف المزني المعادن العالية جلس ما أو (عوزتها)؟؟ وجبت يصلح للزرع من فدس ولم يعط حق مسلم
واخذ منه الزكاة والعلية منسوبة إلى ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام وجليسها نجدها ونجد تسمى جلس والعلية بالتحريك الأرض التي
تصلح للزراعة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن معادن الذهب والفضة والحديد و
الرصاص فقال عليهم الخمس جميعا وفي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن المعادن كم فيها قال الخمس وقد أجمع المسلمون على ذلك.
* مسألة: والواجب عندنا في المعادن الخمس لا الزكاة وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي أن الواجب زكاة وبه قال مالك وأحمد. لنا: ما رواه الجمهور
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال ما لم يكن في طريق مأتي أو قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس وعنه عليه السلام ما كان في الخراب ففيها وفي الزكاة الخمس و
عنه عليه السلام أنه قال في الزكاة الخمس قيل يا رسول الله ما الزكاة قال هو الذهب والفضة المخلوقان في الأرض يوم خلق الله السماوات والأرض
وهو نص في الباب وعنه عليه السلام أنه قال في المسبوب الخمس قال والسبوب عروق الذهب والفضة التي تحت الأرض ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كلما كان ركازا ففيه الخمس وما تقدم في حديث الحلبي ومحمد بن
مسلم ولأنه مال مستفاد من الأرض فيجب فيه الخمس كالركاز ولأنه مال مظهور عليه بالاسلام لأنه كان في أيدي المشركين حاضرا. لنا: يدهم عنه فيجب فيه
الخمس والغنائم والركاز احتج بقوله عليه السلام في الرقة ربع العشر وبقوله عليه السلام في الركاز الخمس وفي حديث بلال المتقدم ولأنه يحرم على أغنياء
ذوي القربى فكان زكاة. والجواب عن الأول: أنه غير عام بالاجماع فيحمل على الزكاة، وعن الثاني: باحتمال كون الألف واللام في الصدقة
للعهد والمراد الخمس المتقدم وهو نوع من الصدقة أيضا وحديث بلال ليس بحجة لأنه مقطوع برواية ربيعة بن أبي عبد أبي عبد الرحمن عن غير واحد عن النبي صلى الله
عليه وآله ولأنه حكاية فعل النبي صلى الله عليه وآله فلعل الاشتباه من الراوي إذ استعمل لفظ الزكاة في الخمس مجازا وعن الرابع: بالمنع ممن يجزيه عن الأغنياء
على قول بعض علمائنا وبالتسليم له تارة أخرى والحاصل أن الخمس عندنا مختلف فيه هل يعطى الغني أم لا وسيأتي إن شاء الله. * مسألة: وقدر
الواجب في المعدن الخمس ذهب إليه علماؤنا وبه قال أبو حنيفة والمزني والشافعي في أحد أقواله وفي الثاني يجب ربع العشر وبه قال أحمد وإسحاق ومالك في
إحدى الروايتين وفي الثالث إن احتاج إلى مؤنة وتخليص فربع العشر وإلا في الخمس للفرق بين ما احتاج إلى مؤنة وما لم يحتج كالغلات في الزكوات
وهي الرواية الثانية عن مالك مع قطع الشافعي ومالك بأن الواجب زكاة. لنا: ما تقدم من الأدلة فإنها وإن دلت على صفة الواجب من كونه خمسا
فقد دلت على مقداره واحتجاج المخالف، والجواب عنه قد تقدم. * مسألة: ويجب الخمس في كل ما يطلق عليه اسم المعدن سواء كان منطبقا بإنفراده
كالرصاص والنحاس والحديد أو مع غيره كالزئبق أو غير منطبقة كالياقوت والفيروزج والنلخس؟؟ والعقيق أو مائعه كالقار والنفط والكبريت
ذهب إليه علمائنا أجمع وبه قال أحمد إلا أنه جعله زكاة وقال أبو حنيفة يجب في المنطبقة الخمس خاصة وقال الشافعي لا يجب إلا في معدن الذهب والفضة
خاصة على أنه زكاة. لنا: عموم قوله تعالى: (مما أخرجنا لكم من الأرض) وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ما لم يكن في طريق
مأتي أو قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس وغيره من الأحاديث العامة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن الرصاص والصفر والحديد وما كان بالمعادن كم فيه قال يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة وفي الصحيح عن زرارة
قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن المعادن ما فيها فقال كلما كان ركازا ففيه الخمس وعن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن الملاحة فقال
وما الملاحة فقلت أرض سبخة مالحة يجمع فيها الماء فيصير ملحا فقال هذا المعدن فيه الخمس فقلت والكبريت والنفط يخرج من الأرض قال فقال هذا
وأشباهه فيه الخمس ولان معدن فيجب الخمس كالأثمان ولأنه مال لو غنم لو جب فيه الخمس فكذا إذا أخرج من المعدن كالذهب والفضة احتج الشافعي
بقوله عليه السلام لا زكاة في حجر ولأنه مال مقوم مستفاد من الأرض فأشبه الطين والجواب عن الأول: إنا نقوله بموجبه إذ الواجب عندنا
خمس لا زكاة، وعن الثاني: أن الطين ليس بمعدن لأنه تراب والمعدن ما كان في الأرض من غير جلسها وإيجاب الخمس في المكتسب ذي القيمة لا يستلزم
إيجابه في الأدون لعدم تعلق الفرض بالتراب بخلاف المعدن. * مسألة: ويجب الخمس بعد تناوله وتكامل نصابه عند من يعتبره على
ما يأتي إن شاء الله تعالى ولا يعتبر الحول وهو قول عامة الفقهاء وقال إسحاق وابن المنذر ولا شئ في المعدن حتى يحول عليه الحول. لنا:
وجوب الخمس بعد الحول تقييد بعموم الأوامر لا إيجاب مطلقا بغير دليل فيكون منفيا ولأنه مال مستفاد من الأرض فلا يعتبر في وجوب
حقه الحول كالزكاة ولان حول الحول إنما يعتبر فيما يتكامل نماؤه للتزايد وهيهنا لا نماء له فلا اعتبار للحول فيه احتج المخالف بقوله عليه السلام
لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول والجواب: نفي الزكاة لا يستلزم نفي الخمس ونحن نقول بموجب الحديث فإن الزكاة منفية هنا مطلقا. فروع:
[الأول] إن كان في ملك ملكه صاحب الملك فيصرف الخمس لأربابه والباقي له وإن كان في موضع مباح والخمس لأربابه والباقي لمن
وجد. [الثاني] قال الشيخ يمنع الذي من العمل في المعدن فإن أخرج منه شيئا ملكه وهل يؤخذ منه الخمس أم لا؟ قال الشيخ نعم وبه قال أبو
حنيفة قال الشافعي لا يؤخذ منه شئ. لنا: العمومات الواردة بوجوب اخراج من المعادن احتج الشافعي بأن المأخوذ زكاة ولا زكاة على
545

الذمي والمقدمتان ممنوعتان وقد سلف سند المنع. [الثالث] الخمس ونفس المخرج من المعدن وملك المخرج الباقي وقال الشافعي بملك
الجميع ويجب عليه الزكاة. لنا: قوله عليه السلام وفي الركاز خمس ويستوي في ذلك الصغير والكبير عملا بالعموم هذا إذا كان المعدن في موضع مباح فأما
إذا كان في الملك فالخمس لأهله والباقي لمالكه. [الرابع] إذا كان المعدن لمكان وجب فيه الخمس وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يجب. لنا:
أنه من أهل الاكتساب والاغتنام وهذا غنيمة وكسب فيجب عليه الخمس كالحر وعموم قوله عليه السلام وفي الركاز الخمس. [الخامس] العبد إذا استخرج
معدنا ملكه سيده لان منافعه له ويجب على المولى الخمس في المعدن هذا إذا أخرجه على أنه للسيد أو للعبد وقلنا أن العبد لا يملك أما إذا أخرجه لنفسه
لا بإذن المولى وقلنا أن العبد يملك في الصحيح أنه كذلك خلافا للشافعي. لنا: العموم والذمي أيضا يجب عليه الخمس عملا بالعموم على تقدير الملك خلافا
للشافعي حيث لم يوجب عليه الخمس لأنه لا يساوي المسلمين في القسمة ولا يسهم له. [السادس] المعادن يملك بملك الأرض لأنها من أجزائها
فهي كالتراب ويجوز بيع تراب المعدن بغير جلس إذا كان قسما فيه الربا وإن لم يكن جاز بيعه مطلقا والخمس لأربابه فإذا باعه جميعه فالخمس عليه كالزكاة فقد
روى الجمهور عن أبي الحرث المزني أنه اشترى تراب معدن بمائة شاة مبتع فاستخرج منه ثمن ألف شاة فقال له البائع رد البيع فقال لا أفعل فقال لآتين
عليا فلا يستفزنك فأتى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال أن أبا الحارث أصاب معدنا فأتاه علي عليه السلام فقال أين الركاز الذي أصبت قال ما
أصبت ركازا إنما أصابه هذا فاشتريته منه بمئة شاة متسع فقال له عليه السلام ما أداء الخمس إلا عليك إذا ثبت هذا فالواجب خمس المعدن لا خمس
الثمن لان الخمس تعلق بعين المعدن لا بقيمته. الصنف الثالث: الركاز وهو الكنز مشتق من ركز به يركز إذا خفى ومنه الركز وهو
الصوت الخفي والمقصود هنا المدفون في الأرض ويجب الخمس فيه بلا خلاف بين أهل العلم قال الله تعالى: (وأعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه)
الآية وهو من جملة الغنائم عندنا وقال تعالى: (ومما أخرجنا من الأرض) وروى الجمهور عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال
العجماء؟؟ وفي الركاز الخمس ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال كلما كان ركازا ففيه الخمس ولأنه قال
مكتسب فيه الخمس كالغنائم ولأنه مستخرج من أرض الحرب وهو خلاف ما عليه الفقهاء كافة. * مسألة: وموضع الركاز لا يخلو من أقسام أربعة
أحدها: أن يؤخذ في أرض معرات أو غير معهودة بالتملك كآثار الأبنية المتقادمة على الاسلام (والتلول) والجدران الجاهلية وقبورهم.
والثاني: أن يؤخذ في أرض مملوكة. والثالث: أن يؤخذ في أرض مسلم أو ذمي معاهد. والرابع: أن يؤخذ في أرض دار الحرب ثم كل واحد
من هذه الأقسام لا يخلو أما أن يكون عليه أثر الاسلام كالسكة الاسلامية أو ذكر النبي صلى الله عليه وآله أو أحد ولاة الاسلام وأما أن لا
يكون عليه أثر الاسلام فالقسم الأول إن كان عليه أثر الاسلام فهو لقطة يعرف سنة فإن وجد له مالك وإلا ملكه مع الاخبار على ما يأتي إذا
استبقاه أمانة وإن لم يكن عليه أثر الاسلام ملكه وأخرج خمسه والثاني لا يخلو من قسمين أما أن ينتقل إليه بالبيع أو بالميراث فإن
انتقل إليه بالبيع فهو للمالك الأول إن عرفه به وإن لم يعرفه كان للمالك قبلته وهكذا إلى أول مالك فإن لم يعرفه فهو لقطة وبه قال الشافعي
وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى يكون لواجده. لنا: أن المالك الأول يده على دار فكانت يده على ما فيها واليد قاضية بالملك ظاهرا احتج
أحمد بأنه مال كافر مظهور عليه في الاسلام ما كان لمن ظهر عليه كالغنائم والجواب اليد يقضي بالملك ظاهرا فيحكم ولأنه لو ادعاه يقضي لربه إجماعا
فيجب أن يعرف لجواز الفعلة عنه وإن انتقل إليه بالميراث فإن أصرف به الورثة فهو لهم فإن اتفق الورثة على أنه بمورثهم فهو لأول مالك
على ما مضى البحث فيه وإن اختلفت فيحكم المعترف حكم للمالك يكون نصيبه له وحكم المنكر أن يكون نصيبه لأول مالك هذا إذا وجد عليه
أثر الاسلام وإن لم يوجد عليه أثره فللشيخ قولان. أحدهما: أنه لقطة، والثاني: يكون لواجده، والثالث: ما يجده في أرض مملوكة أو معاهد فهي لربها وبه قال
أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى هو لواجده وبه قال أبو ثور والحسن بن صالح بن حي فاستحسنه أبو يوسف. لنا: أن يد مالك الدار
عليها قيده على ما فيها وهو يقتضي بالملكية هذا إن اعترف به المالك وإن لم يعرف به فهو لأول مالك وبهذا التفصيل قاله الشافعي والرابع ما يجده في أرض
دار الحرب فهو لواجده سواء كان عليه أثر الاسلام أولا ويخرج منه الخمس وقال أبو حنيفة إن كان في موات دار الحرب فهو غنيمة لواجده لا الخمس
وقال الشافعي إن لم يكن عليه أثر الاسلام فهو ركاز وإن كان عليه أثر مثل أنه من القرآن أو اسم النبي صلى الله عليه وآله كان لقطة بحسب تعريفها
وإن كان عليه اسم أحد ملوك الشرك أو صور أو صليب فهو ركاز وإن لم يكن مطبوعا ولا أثر عليه فالأقرب أنه ركاز وحكى أبو حامد عنه أنه لقطة.
لنا: أنه وجده في دار الحرب وكان غنيمة كالظاهر ويجب فيه الخمس أما لعموم أنه الصائم أو لعموم كونه
ركازا. فروع: [الأول] لو وجد الكنز في
أرض مملوك الحربي معين كان ركازا وفيه الخمس وبه قال أبو يوسف وأبو ثور وقال الشافعي وأبو حنيفة يكون له ولا يجب عليه الخمس. لنا: أنه من دون
أهل الكفر فأشبه مالا يعرف صاحبه. [الثاني] لو وجده في قبر من قبور الجاهلية فالحكم كما تقدم روى ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول حين خرجنا إلى الطائف: هذا قبر أبي ومال خرج إلى ها هنا فأصيب كما أصيبت أصحابه فدفن ها هنا وأنه لك أنه دفن معه عص من ذهب
فمن نبشه وجده فابتدره الناس فأخرجوه. [الثالث] لو استأجر أجيرا ليحفر له في الأرض المباحة لطلب الكنز فوجده فهو المستأجر لا للأجير لأنه
546

استأجر لذلك فصار بمنزلة ما لو استأجره للاحتطاب والاحتشاش وإن استأجره لا من غير ذلك فالواجد هو الأجير والكنز له. [الرابع] إذا استأجر دارا
فوجد فيها كنزا فهو للمالك وقال بعض الجمهور هو للمستأجر. لنا: أن المالك يده ثابتة على الدار فهي ثابتة على ما فيها فيقضي له به وهذا قول أبي حنيفة
ومحمد بن الحسن واحتج المخالف بأن الكنز لا يملك بملك الدرا وهو وقول أبي يوسف وقد سلف بطلانه. [الخامس] لو اختلف المستأجر والمالك في
ملكه قال الشيخ القول قول المالك وبه قال المزني وللشيخ قول آخر ذكره في الخلاف أن القول قول المستأجر وبه قال الشافعي وعن أحمد روايتان كالقولين والاحتجاج
الأول: أن دار المالك كيده فيقضي له به ولان الدفن تابع للأرض، والثاني: بأنه مال مودع في الأرض وليس منها فيكون القول قول من يده على الأرض
كما في الدار من الأقمشة ولان المالك لا يكرى دارا فيها دفين إلا نادرا أما لو اختلفا في مقداره فالقول قول المستأجر على القول بأنه منكر. * مسألة: ويجب
الخمس في كل ما كان ركازا وهو كل مال مذخور تحت الأرض على اختلاف أنواعه من الذهب والفضة والرصاص والصفر والنحاس والأواني و
غير ذلك وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم وقال في الجديد لا يوجد الخمس إلا من الذهب والفضة. لنا: عموم قوله عليه السلام وفي الركاز الخمس وعموم
قول الباقر عليه السلام كل ما كان ركازا ففيه الخمس ولأنه مال مظهور عليه من مال الكفار فيجب فيه الخمس على اختلاف أنواعه كالغنائم ولأنه مال يجب
بخمسه فيستوي فيه أصنافه كالغنيمة ولأنه غنيمة يجب فيه الخمس مطلقا واحتج الشافعي بأنه زكاة فيجب الخمس في بعض أجناسه. والجواب: المنع من المقدمة
الأولى. * مسألة: ولا يعتبر فيه الحول بل يجب الخمس مع وجدانه وهو قول أهل العلم كافة وإن اختلفوا في المعدن على ما بيناه أولا لعموم قوله
عليه السلام وفي الركاز الخمس وهو يتناول بإطلاقه حالة الوجدان أو الفرق بينه وبين المعدن عند القائلين باشتراط الحول في المعدن إن المعدن قد يطول
العمل فيه ويخرج يسيرا يسيرا فاعتبر فيه الحول كمال التجارة بخلاف الكنز الذي يوجد دفعة فصار بمنزلة الثمار والزروع. * مسألة: ويجب الخمس في
الكنز على من وجده من مسلم أو ذمي وحر أو عبد وصغير أو كبير وذكر أو أنثى وعاقل أو مجنون إلا أن العبد إذا وجد الكنز فهو لسيده وهو قول أهل
العلم فإنهم اتفقوا على أنه يجب الخمس على الذمي إلا الشافعي فإنه قال لا يجب الخمس لا على من يجب عليه الزكاة وله في إيجاب الزكاة على الذمي قولان
سلفا. لنا: عموم قوله عليه السلام وفي الركاز الخمس وقول الباقر عليه السلام وكل ما كان ركازا ففيه الخمس ولأنه مال مظهور عليه فيجب فيه الخمس كالمسلم والغنيمة
واحتجاج الشافعي بأنه زكاة ضعيف. فروع: [الأول] ما يجده العبد من الكنز لمولاه يخرج منه الخمس والباقي له لأنه اكتساب فأشبه الاحتشاش
والاحتطاب والاصطياد لان قوله عليه السلام وفي الركاز الخمس يدل بعمومه على وجوب الخمس في كل ركاز وبمفهومه على أن الباقي لواجده. [الثاني]
المكاتب يملك الكنز لأنه اكتساب فكان كغيره من أنواع الاكتساب ما يخرج منه الخمس والباقي له لان تسلط سيده على ما اكتسب به فيقطع بالكتابة.
[الثالث] الصبي والمجنون يملكان أربعة أخماس الركاز والخمس الباقي لمستحقه يخرجه الولي عنهما عملا بالعموم فكذا المرأة وحكي عن الشافعي أن الصبي و
المرأة لا يملكان الكنز. ولنا: ما تقدم من أنه اكتساب وهما من أهله وبالمفهوم. [الرابع] يجب إظهار الكنز على من وجده وبه قال الشافعي وأبو حنيفة
هو مخير بين إظهاره وإخراج خمسه وبين كتمانه. لنا: قوله عليه السلام: وفي الراكز الخمس فيجب إظهاره وإخراج الخمس منه لان غيره قد استحق عليه فيه حقا فيجب
عليه دفعه إليه. الصنف الرابع: الغوص وكلما يستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر وغير ذلك ويجب فيه الخمس وهو قول علمائنا أجمع وبه قال
الزهري والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك والثوري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي ومحمد بن الحسن وأبو ثور لا شئ
في الغوص وهو قول أحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى أنه فيه الزكاة. لنا: أن الذي يخرج من البحر يخرج من معدن فيجب فيه الخمس عملا بالعموم أو القياس
على المعادن البرية والماء مع ما اشتمل عليه من المصلحة الناشئة من الوجوب فيهما ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سألته عن العنبر وغوص اللؤلؤ فقال عليه الخمس وعن محمد بن علي بن أبي عبد الله قال سألت أبا الحسن عليه السلام عما يخرج من البحر من اللؤلؤ
والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة قال إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس احتج المخالف بقول ابن عباس ليس في العنبر شئ
إنما هو شئ ألقاه البحر ولأنه قد كان يخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وخلفائه ولم يصح عن أحد منهم أخذ شئ منه ولان الأصل عدم
الوجوب والجواب عن الأول: أن قول ابن عباس لا حجة فيه يجوز أن يكون فينا إذ لم يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وعن الثاني: إن عنيتم
بعدم النقل عدمه متواترا فهو مسلم لكن عدم النقل المتواتر لا يستلزم عدم الحكاية إذا كثر القضايا الشرعية منقولة آحاد وإن عنيتم عدمه آحادا
ممنوعا لما نقلناه نقلا مستفيضا عن أهل البيت عليهم السلام وهم أعرف بمأخذ الاحكام، وعن الثالث: أن الأصل يرجع إليه مع عدم النقل أما مع
وجوده فلا. فروع: [الأول] العنبر قال الشيخ أنه نبات من البحر وقيل هو من عين في البحر وقيل العنبر يقذفه البحر إلى جزيرة فلا يأكله شئ إلا
مات ولا ينقره طائر بمنقاره إلا يصل فيه منقاره وإذا وضع رجليه عليه فصلت أظفاره ويموت لأنه إذا بقي بغير منقار لم يكن للطائر شئ
يأكل به. [الثاني] العنبر إن أخذ بالغوص كان حكمه في اعتبار النصاب على ما يأتي وإن أخذ من وجه الماء كان له حكم المعادن. [الثالث] قال
الشيخ الحيوان المعتاد من البحر لا خمس فيه فإن أخرج بالغوص أو أخذ فصا ففيه الخمس وفيه نظر والأقرب إلحاقه بالأرباح والفوائد التي يعتبر فيها مؤنة
السنة لا بالغوص كيف كان. [الرابع] المسك لا شئ فيه وهو قول أهل العلم كافة إلا في رواية عن أحمد وعمر بن عبد العزيز. لنا: أنه صيد فلا شئ
547

فيه كصيد البر. الصنف الخامس: أرباح التجارات والزراعات والصنائع وجميع أنواع الاكتسابات فواضل الأقوات من الغلات والزراعات
عن مؤنة السنة على الاقتصاد وهو قول علمائنا أجمع وقد خالف فيه الجمهور كافة. لنا: قوله تعالى: (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه) الآية ووجه
الاستدلال أنه تعالى أوجب الخمس في كل ما يغنم وهو يتناول غنيمة دار الحرب ويتناول غيرها فالتخصيص من غير دليل باطل وأيضا قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) وقد اتفق أكثر الفقهاء على أن المراد بالمخرج من الأرض المعادن و
الكنوز والمتفق فيها هو الخمس على ما سيذكر وكذا في المعطوف عليه أيضا ما تواتر من الروايات عن أهل البيت عليهم السلام روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن
سنان قال أبو عبد الله عليه السلام على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة عليها السلام وممن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس
فذلك لهم خاصة يضعونه حيث شاء ولو حرم عليهم الصدقة حتى الخياط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق إلا من أحللناه من شيعتنا تطيب
لهم الولادة أنه ليس عند الله شئ يوم القيامة أعظم من الزنا أنه ليقوم صاحب الخمس فيقول يا رب هل هؤلاء فيما أبيحوا وفي الصحيح عن محمد بن الحسن الأشعري قال
كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أخبرني عن الخمس أعلي جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع وكيف ذلك
فكتب بخطه الخمس بعد المؤنة وعن علي بن مهزيار قال قال لي أبو علي بن راشد قلت له أمرتني بالقيام بأمرك أخذ حقك فأعلمت مواليك بذلك فقال بعضهم
وأي شئ حقه فلم أدر ما أيحبسه فقال في أمتعتهم وصنائعهم قلت والتاجر عليه والصانع بيده فقال إذ أمكنهم
بعد مؤنتهم وعن علي بن مهزيار وقد اختلف من قبلها في ذلك فقالوا يجب على الصنائع الخمس بعد المؤنة الصنيعة وخراجها لا مؤنة الرجل وعياله
فكتب وقرأه علي بن مهزيار وعليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان وعن حكم مؤذن بني عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له
(وأعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول) قال: والله الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكى والأحاديث في ذلك
كثيرة تدل على المطلوب ولأنه قال مكتسب فيجب فيه الخمس كالغنائم في الحرب ولأنه نعمة من الله يقال ويقع عاجلا فيجب الشكر عليه بإدائه يقضه إلى مستحق الخمس
كالكنوز وغيرها من المعادن. فروع: [الأول] قال أبو الصلاح الحلبي من علمائنا الميراث والهبة والهدية من الخمس وأنكر ابن إدريس
ذلك وقال هذا شئ لم يذكره أحد من أصحابنا غير أبي الصلاح ويمكن ان يحج أبو الصلاح بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار قال كتبت إلى
أبي جعفر عليه السلام وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة فأما الغنائم والفوائد فهي واجب عليهم في كل عام قال الله تعالى: (وأعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه و
للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ
قدير) والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة التي يغتنمها المرء والفائدة يفيده أو الجائزة من الانسان للانسان لها حظر والميراث الذي لا يحتسبه
من غير أب ولا ابن الحديث. [الثاني] قال ابن الجنيد فأما من ميراث أو كد بدني أو صلاح أو ربح تجارة أو نحو ذلك فالأحوط اخراجه لاختلاف
الرواية في ذلك ولان لفظة فرضه محتمل هذا المعنى ولو لم يخرج الانسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها وقال أبي عقيل الخمس في
الأموال كلها حتى على الخياط والتجار وغلة الدار والبستان والصنائع في كسب يده لان ذلك إفادة من الله وغنيمة ويدل عليه رواية عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله الخياط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق قلنا منه دانق. [الثالث] ولا فرق بين جميع أنواع الاكتسابات
في ذلك فلو زرع غرسا فزادت قيمته لزيادة نمائه وجب عليه الخمس في الزيادة أما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه ولم يبعه لم يجب عليه
شئ روى الشيخ في الصحيح عن الريان بن الصلت قال كتبت إلى أبي محمد عليه السلام ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى أرض قطيعة لي وفي ثمن سمك ويروى و
قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة فكتب يجب عليه فيه الخمس إن شاء الله. الصنف السادس: الحلال إذا اختلط بالحرام ولم يتميز مقدار أحدهما من
الآخر ولا مستحقه أخرج منه الخمس وحل إليك ذكره أكثر علمائنا لان منعه من التصرف فيه ضرر والتسويغ له بالكلية إباحة للحرام و
كلاهما منتفيان فلا بد من طريق إلى التخلص وإنه اخراج خمسه إلى الذرية ويؤيده ما رواه الشيخ عن الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال إن
أمير المؤمنين عليه السلام أتاه رجل فقال يا أمير المؤمنين إني أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه فقال أخرج الخمس من ذلك المال فإن الله تعالى
قد رضى من الخمس واجتنب ما كان صاحبه يعمل وروى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال أتى رجلا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال إني كسبت مالا
أعصبت في مطالبه حلالا وحراما وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه الحرام وقد اختلط علي فقال أمير المؤمنين عليه السلام تصدق بخمس مالك
فإن الله رضى من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال. فروع: [الأول] لو عرف مقدار الحرام وجب عليه اخراجه سواء قل من الخمس أو كثر وكذا
لو عرفه بعينه ولو جهل به غير أنه عرف أنه أكثر من الخمس وجب عليه اخراج الخمس وما يغلب على الظن بالزائد. [الثاني] لو عرف صاحبه صرف
ما يخرج إليه فإن كان حيا دفعه إليه وإن كان ميتا دفعه إلى وارثه فإن لم يجد له وارثا كان للامام. [الثالث] لو ورث مالا ممن لا يتحرز فحل
اكتسابه ويعلم أن فيه حلا وحراما ولم يتميز أخرج منه الخمس أيضا لما تقدم. [الرابع] روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في
الرجل من أصحابنا يكون في أوانهم فيكون معهم فيصيب غنيمة قال يؤدي خمسا ويطيب له وهو دال على ما تقدم من الاحكام أيضا. الصنف السابع:
548

الذمي إذا اشترى أرضا من مسلم وجب عليه الخمس ذهب إليه علمائنا وقال مالك يمنع الذمي من الشراء إذا كانت عشرته وبه قال أهل المدينة وأحمد في
روايته فإن اشترى ما ضوعف العشرة وجب عليه الخمس وقال أبو حنيفة تصير أرض خراج وقال الثوري والشافعي وأحمد في رواية أخرى يصح البيع
ولا شئ عليه ولا عشر أيضا وقال محمد بن الحسن عليه العشر. لنا: أن في اسقاط العشر إضرارا بالفقراء فإذا تعرضوا لذلك ضوعف عليهم فأخرج الخمس ويؤيده ما رواه
الشيخ عن أبي عبيدة الحذاء قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس. فرع: هل هذا الحكم مختص بأرض الزراعة
وهو عام فيها وفي المساكن إطلاق الأصحاب يقتضي الثاني والأظهر أن مرادهم بالاطلاق الأول لا يقال قد روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان
قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة لا قيما عداها لان نقول أيضا بموجب هذا الحديث أو أن لا جميع الفوائد غنيمة قد جعل
تحت هذا الحديث.
{البحث الثاني} في النصاب، * مسألة: النصاب في الكنز عشرون مثقالا فلا يجب فيما دونه خمس ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه
قال الشافعي في الجديد وقال في القديم لا يعتبر فيه النصاب بل يجب في قليله وكثيره وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد لان قوله عليه السلام ليس فيما دون خمس أواق
صرفه وقوله عليه السلام ليس في تسعين ومائة شئ وإذا لم يجب فيما دون النصاب في الذهب والفضة لا يجب في غيرهما لعدم الفاضل ومن طريق الخاصة ما
رواه ابن بابويه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز فقال ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس ولأنه معدن
في الحقيقة فيعتبر فيه النصاب كالمعدن عندهم ولأنهم لا بشرط حق مالي يجب فيما استخرج من الأرض فاعتبر فيه النصاب كالمعدن والزرع سواء احتج المخالف بعموم قوله
عليه السلام وفي الركاز الخمس ولأنه مال فخمس فلا يعتبر فيه النصاب كالغنيمة ولأنه مال كافر مظهور عليه في الاسلام فأشبه الغنيمة والجواب عن الأول: ليس انه
من صيغ العموم وليس كان الركاز مرادا إلا أن يخصصه لما تقدم من الأحاديث وإلا فيه، وعن الثاني بأنه مال فحسن فاعتبر فيه النصاب كالمعدن ثم يقول المناسبة بينه وبين
أهلنا أشد من المناسبة بينه وبين أهلهم فيكون قياسنا أولى، وعن الثالث بذلك أيضا. فروع: [الأول] ليس للركاز نصاب آخر بل لا يجب الخمس
فيه إلا أن يكون عشرين مثقالا فإذا بلغها وجب الخمس فيه وفيما زاد قليلا كان الزائد أو كثيرا. [الثاني] هذا المقدار المعين وهو العشرون
مثقالا معتبر في الذهب والفضة فيها مائتا درهم وما عداهما يعتبر فيه بأحدهما. [الثالث] لو وجد ركازا دون النصاب لم يجب عليه شئ سواء كان معه
مال زكاتي أو لا وسواء استفاد الكنز مع آخر حول المال الزكاتي نصابا أو تم بالركاز خلافا للشافعي فإنه ضمه إليه
إذ جعل الواجب زكاة وإن أوجب الخمس. [الرابع] لو وجد ركازا آخر دون النصاب واجتمعا نصابا ففي وجوب الخمس إشكال أقربه
عدم الوجوب لان الركاز لا يوجب شيئا فكان بمنزلة ما لو التقطه لقطا كثيره كل واحدة أقل من درهم. * مسألة: وفي اعتبار النصاب وفي المعادن
للأصحاب قولان قال الشيخ في النهاية والمبسوط يعتبر وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وقال في الخلاف لا يعتبر وبه قال ابن إدريس وأبو حنيفة. لنا:
ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال ليس عليكم في الذهب شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسن عليه السلام عما أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شئ قال فليس فيه شئ حتى يبلغ ما يكون في مثل الزكاة عشرين
دينارا ولأنه مال مستخرج من الأرض فأشبه الكنوز احتج ابن إدريس بإجماع الأصحاب على إيجاب الخمس في المعادن قليلة كانت وكثيرة واحتج أبو حنيفة
بأنه مال يجب تخميسه فلا يعتبر فيه النصاب. والجواب عن الأول: أن دعوى الاجماع في صورة الخلاف ظاهر البطلان، وعن الثاني: بالفرق فإن الفئ و
الغنيمة لا يستحقان على المسلم وإنما ملكه أصل الخمس من الكفار بمجرد الاغتنام، وعن الثالث: بأن الجامع سلبي مع انتقاضه بصدقات الزرع فإنه لا يعتبر فيهما
الحول مع اعتبار النصاب لنا. * مسألة: وفي قدر النصاب المقدر للعلماء قولان، أحدهما: ما تقدم، والثاني: دينار واحد اختاره ابن بابويه وأبو
الصلاح والمشهور الأول لرواية أحمد بن محمد بن أبي نصر وقد تقدمت احتجوا بما رواه الشيخ عن محمد بن أبي عبد الله عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته
عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فيه زكاة فقال إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس والجواب: يحتمل أن يكون
المراد ما يخرج من البحر واللؤلؤ يتناول المعادن خاصة قال الشيخ وأيضا فإن دلالة حديثنا على ما اعتبرناه من النصاب أقوى من دلالة حديثكم
وأيضا فحديثنا يتناول المعادن خاصة قال الشيخ وهو لقوله عام وحديثكم يتناول معادن الذهب
والفضة خاصة وإذا احتمل كان الاستدلال بحديثنا أولى على أن حديثنا معتضد بالأصل وهو براءة الذمة ونفي الضرر. * مسألة: و
النصاب معتبر بعد المؤنة وقال الشافعي وأحمد: المؤنة على المخرج. لنا: أن الأصل المؤنة وصله إلى تحصيل وتحريف إلى مناوله فكانت عنهما كالشريكين
احتجوا أن الواجب زكاة وهو ممنوع. * مسألة: ويعتبر النصاب فيما أخرج دفعة واحدة أو دفعات لا يترك العمل بينهما ترك المال فلو أخرج دون
النصاب وترك العمل مهملا له ثم أخرج دون النصاب وكملا نصابا لم يجب عليه شئ ولو بلغ أحدهما نصابا أخرج خمسه ولا شئ عليه في الاجزاء ما لو ترك
العمل لا مهملا بل الاستراحة أو لاصلاح إليه أو طلب الكل وما أشبهه فالأقرب وجوب الخمس إذا بلغ القسم النصاب لم يجب عليه في الزائد مطلقا ما لم يتركه
مهملا وكذا لو اشتغل بالعمل فخرج بين المعدتين تراب أو شبهه. * مسألة: النصاب معتبر في الذهب وما عداه معتبر فيه قيمته ولو اشتمل المعدن على
جنسين كالذهب والفضة مثلا ضم أحدهما إلى الآخر وكذا ما عداهما وقال بعض الجمهور لا يضم أحدهما إلى الآخر وقال آخرون لا يضم في الذهب والفضة
549

ويضم فيما عداهما حملا على الزكاة ويجب عندنا المخرج خمس لا زكاة وهو معتبر بالقيمة فلا اعتبار باتحاد
الجنس بخلاف الزكاة. * مسألة: والنصاب في
الغوص دينار واحد فلما بلغ قيمته دينارا وجب فيه الخمس وما نقص عن ذلك ليس فيه شئ ذهب إليه علماؤنا وخالف فيه الجمهور كافة لأنهم بين قائلين بنفي النصاب
وإن أوجبوا فيه. لنا: أن اعتبار النصاب توسعة على أهل الضيق وعدم اعتباره إضرارا بهم فيكون منفيا فلا بد من اعتبار النصاب بنفي بعد المواساة ومما يتسع أهل المضايقة وأرباب الغوص به
ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن عليه السلام قال سألت عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب
والفضة هل فيه زكاة فقال إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس وهو يتناول للغوص خاصة لما بينا من اعتبار النصاب في المعادن وأنه عشرون مثقالا.
فرع: لو غاص فأخرج ما دون ما عن النصاب ثم غاص مرة أخرى فأخرج ما دون النصاب وكمل نصابا ففي وجوب الخمس تردد أقربه الوجوب إن كان تركه في الأول لاستراحة
النفس فهي في الهواء وما أشبهه وعدمه إن ترك بنية الاعراض والاهمال. آخر: لا يعتبر في الزائد نصاب إجماعا بل لو زاد قليل أو كثيرا وجب الخمس. * مسألة:
ولا يجب في فوائد الاكتسابات والأرباح في التجارات والزراعات شئ إلا فيما يفضل عن مؤنته ومؤنة عياله سنة كاملة ذهب إليه علماؤنا وما
رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا صدقة إلا عن ظهر غنى وإيجاب الخمس قبل اخراج المؤنة مناف لهذا الحديث ومن طريق الخاصة ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الأشعري قال كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل
وكثير من جميع الضرب أو على الضياع وكيف ذلك فكتب بخطه الخمس بعد المؤنة وعن علي بن مهزيار عنه عليه السلام أنه كتب وقرأه علي بن مهزيار الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان.
* مسألة: ولا يجب في الفوائد المذكورة من الأرباح والمكاسب على الفور بل تربص إلى تمام السنة ويخرج عن الفاضل خمسه لعدم الدليل
الدال على الفور مع ماله براءة الذمة ولان في الايجاب على الفور ضرر عظيم إذ المؤنة غير معلومة المقدار إلا بعد أن ينقضي المدة لجواز أن
يؤكد له أو تزوج النساء أو يشتري الإماء والمنازل أو يخرب عقاره فيحتاج عادته إلى غير ذلك من الأمور المتجددة مع أن الخمس لا يجب إلا بعد
ذلك كله فكان من عناية الله تعالى بالمكلف تأخير الوجوب إلى تمام الحول نعم لو تبرع تعجيله بأن يجب من أول السنة ما يكفيه عن الاقتصار وأخرج
خمس الباقي كان أفضل لان فيه تعجيلا بالطاعة وإرفاقا بالمحتاج ولان اعتبر الحول في شئ مما يجب فيه الخمس غير ما ذكرناه هنا. * مسألة: ولا
يعتبر في غنائم دار الحرب ولا في مال المختلطة حرام بحلاله ولا في الأرض المبتاعة من الذمي نصاب بل يجب الخمس في قليله وكثيره عملا بالعمومات السالمة عن (منار * *)
بالتخصيص.
{البحث الثالث} في كيفية قسمته وبيان معرفته، يقسم الخمس في الأشهر بين الأصحاب ستة أقسام سهم الله تعالى وسهم لرسوله
وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل وبه قال أبو العالية الرياحي وقال بعض أصحابنا يقسم خمسة أقسام سهم الله
لرسوله صلى الله عليه وآله وسهم لذي القربى لهم والثالثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل وبه قال الشافعي وأبو حنيفة. لنا: قوله تعالى: (وأعلموا إنما
غنمتم من شئ فإن لله خمسه) الآية والعطف يقتضي التشريك وقوله: (ما أفاء الله على رسوله فلله وللرسول) الآية وما رواه الجمهور عن رسول
الله صلى الله عليه آله أنه كان إذا أتى بالغنائم مد يده فيقبض على شئ منه مما حصل في يده جعله في رباح الكعبة ومن طريق الخاصة ما رواه
الشيخ عن حماد بن عيسى قال رواه بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه السلام قال ويقسم الخمس على ستة أسهم وذكرهم بالتعديد
كما تضمنته الآية وعن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام في قول الله تعالى: (وأعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله) الآية قال خمس
الله وخمس الرسول للامام وخمس للقربى لقرابة الرسول للامام واليتامى من يتامى الرسول والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم
إلى غيرهم وفي حديث أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام سئل فما كان لله فلمن هو قال للرسول وما كان للرسول فهو للامام وعن أحمد بن
محمد بن أبي نصر رفع الحديث فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم سهم لله وسهم للرسول صلى الله عليه وآله وسهم لذوي القربى وسهم لليتامى وسهم
للمساكين وسهم لابن السبيل وكذا في رواية يونس احتجوا بما رواه ابن عباس وعمر أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقسم الخمس خمسة أقسام
وبما رواه ربعي بن عبد الله بن جارود عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له
ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ثم يأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله لنفسه ثم قسم
إلى أربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والجواب: فعل رسول الله صلى الله عليه وآله لا يدل على مطلوبكم لجواز
اسقاط بعض حقه وقولهم ان الإضافة للتبرك فللافتتاح باسم الله تعالى مجاز لم يدل عليه قرينة فلا يصار إليه وترك الحقيقة الأصلية
وظهر من هذا سهم الله تعالى وسهم رسوله لرسوله عليه السلام. * مسألة: قال الشيخان المراد بذي القربى الامام خاصة وهو اختيار السيد المرتضى و
أكثر علمائنا وقال بعض أصحابنا المراد به قرابة النبي صلى الله عليه وآله من ولد هاشم وقال الشافعي المراد به قرابة النبي صلى الله عليه وآله من
من ولد هاشم والمطلب أخيه يستوي فيه الصغير والكبير والقريب والبعيد لذكر مثل حظ الأنثيين لأنه ميراث وقال المزني من أصحابه وأبو ثور
الذكر والأنثى فيه سواء لأنه مستحق بالقرابة. لنا: أن ذي القربى في الآية منفرد فلا يتناول أكثر من الواحد حقيقة فيكون هو الامام وإلا
لزم خرق الاجماع وإرادة الجنس من الواحد مجاز وابن السبيل وإن كان منفردا إلا أن المراد به الجنس وإلا لزم الاختلال إذ لا واحد معين
550

هناك بخلاف صورة النزاع وما رواه الشيخ عن يونس فسهم الله وسهم رسوله لولي الأمر بعد الرسول صلى الله عليه وآله في زمانه وسهم له مقسوم
من الله فله نصف الخمس كملا ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته سهم لأيتامهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء
سبيلهم يقسم بينهم على الكفاف وفى رواية
أحمد بن محمد رفع الحديث قال والحجة في زمانه له النصف خاصة والنصف لليتامى والمساكين وابن السبيل من آل محمد صلى الله عليه وآله الذي لا يحل لهم
الصدقة وفي رواية ابن بكير عن بعض أصحابنا قال وخمس ذي القربى لقرابة الرسول صلى الله عليه وآله وهو الامام ثم إن الشيخ ادعى الاجماع
على ذلك احتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم سهم ذي القربى بين بني هاشم والمطلب. والجواب: بالمنع من ذلك فلعله قسم من الخمس قسطا
لأصناف الآخر الباقية. * مسألة: قد بينا أن سهم الله للرسول عليه السلام يصنع في حياته ما شاء من الغنائم في الحرب وهي الأموال المأخوذة بالغلبة
والقهر والقتال وعن الحرب من أنواع الفوائد ومن الفئ وهو المال المأخوذ بغير إيجاف بخيل ولا ركاب كالمال الذي بخلوا عنه خوفا أو بذلوه ليكفوا المسلمين
عن قتالهم وكالجزية والخراج وغير ذلك وبعد وفاته عليه السلام يرجع عندنا إلى الإمام القائم مقامه في مصالح المسلمين وقال الشافعي ينتقل سهم
رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المصالح كبناء القناطير وعمارة المساجد وأهل العلم والقضاة وأشباه ذلك وقال أبو حنيفة سقط بموته عليه السلام.
لنا: أن حق له عليه السلام جعله باعتبار ولايته على المسلمين يصرف بعضه في محاويجهم وبعض في مصالحهم فينتقل إلى المتولي بالنص من قبله عليه السلام و
يؤيده ما تقدم من الأحاديث المنقول عن أهل البيت عليهم السلام ولأنه سهم له من الخمس فيكون باقيا بعد موته ولا يسقط كسائر السهام. * مسألة:
وسهم ذي القربى عندنا الامام بعد الرسول صلى الله عليه وآله فلا يسقط بموت النبي صلى الله عليه وآله وبعدم السقوط قال الشافعي وقال أبو حنيفة
يسقط بموته صلى الله عليه وآله مع اتفاقهما على أن المستحق له قرابة النبي صلى الله عليه وآله. لنا: أنه تعالى أضاف السهم إلى ذي القربى بلام التمليك فلا
يسقط سهمه بموت الرسول صلى الله عليه وآله كغيره من أهل السهمين. * مسألة: المراد باليتامى والمساكين وأبناء السبيل في آية الخمس من اتصف بهذه
الأوصاف من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وهم ولد عبد المطلب بن هاشم وهم الآن أولاد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب خاصة دون غيرهم ذهب إليه
أكثر علمائنا وقال الشافعي سهم ذي القربى لقرابة النبي صلى الله عليه وآله وهم أولاد هاشم وأبي المطلب أخيه وقال أبو حنيفة أنه لأبي هاشم خاصة
مع اتفاقهم على أن اليتامى والمساكين وأبناء السبيل غير مختص بالقرابة بل هو عام في المسلمين وقال ابن الجنيد هنا يدخل بنو المطلب في
الأسهم الثلاثة ويشركهم غيرهم من أبناء المسلمين وأبناء سبيلهم لكن لا يصرف إلى غير القرابة إلا بعد كفايتهم وأطبق الجمهور كافة على تشريك
الأصناف من الثلث من المسلمين في الأسهم الثلاثة. لنا: أن حق الخمس عوض عن الزكاة فيصرف إلى من منع منها ولان بني هاشم شرفا على غيرهم فيخصون
بأشرف الصدقتين كما أختص غيرهم بالأولى ولان اهتمام النبي صلى الله عليه وآله بحسب حال بني هاشم أتم من اهتمامه بعزهم وشرفهم فلو شاركهم
غيرهم لكان الاهتمام بغيرهم أتم إذ قد اختصوا بالزكاة وشاركوهم في الخمس ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زكريا بن مالك الجعفي عن
أبي عبد الله عليه السلام واليتامى أهل البيت وعن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام قال خمس الله للامام وخمس الرسول
للامام وخمس ذي القربى لقرابة الرسول للامام يتامى الرسول والمساكين وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم وعن سليم بن
قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال سمعت يقول كلاما كثيرا ثم قال واعطهم من ذلك كله سهم ذي القربى الذي قال الله تعالى: (إن كنتم
آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) نحن والله الذي عنا الله بذي القربى الذي حرمنا الله بنفسه وبرسوله فقال
(وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فينا خاصة ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت عليهم السلام أن يطعمنا عن أوساخ
الناس وعن أحمد بن محمد قال حدثنا بعض أصحابنا رفع الحديث قال والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى الله عليه وآله
الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس احتجوا بالعموم والجواب: المراد بهم العهد لما بيناه من الأدلة وخلاف ابن الجنيد
لا يعتد به إذ لا يفرق موافقا منا. * مسألة: وفي استحقاق بني المطلب للأصحاب قولان الأظهر أنهم لا يستحقون شيئا في الخمس ويحل لهم الزكاة
وبه قال أبو حنيفة وقال ابن الجنيد أنهم يستحقون نصيبا في الخمس ويحرم عليهم الزكاة وهو أحد قولي المفيد وبه قال الشافعي. لنا: أن بني المطلب وبني
نوفل وعبد شمس قرابتهم واحدة وصلتهم متساوية وإذا لم يستحق بنو نوفل وعبد شمس شيئا فكذا بنو المطلب ويؤيده ما رواه الشيخ عن يونس
عن العبد الصالح عليه السلام قال الذين جعل الله لهم الخمس قرابة النبي صلى الله عليه وآله وهم بنو المطلب الذكر والأنثى منهم ليس فيهم من أهل
بيوتات قريش ولا من أحد والعرب فيهم ولا منهم في هذا الخمس من مواليهم وقد تحل صدقات الناس لمواليهم وهم والناس سواء ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقة تحل له وليس من الخمس
شئ احتجوا بما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال أنا وبنو المطلب لم نفرق في جاهلية ولا إسلام وشبك بين أصابعه وقوله عليه السلام إنما بنو
هاشم وبنو المطلب شئ واحد. والجواب: المراد بذلك التبصرة لاستحقاق الخمس وحرمان الزكاة. * مسألة: وإنما يستحق من بني عبد المطلب من انتسب
إليه بالأب وفي استحقاق من انتسب إليه بالأم قولان أقواهما المنع وهو اختيار الشيخ وهو قول الجمهور وقال السيد المرتضى بالاستحقاق. لنا: أن النسبة ظاهرا
يقتضي الانتساب بالأب كما يقال تميمي لمن النسب إلى تميم بالأب ولان الاحتياط يقتضي المنع من النسب بالأم خاصة إذ وجوب الاخراج معلومة الثبوت
551

في الذمة قطعا واستحقاق من انتسب بالأم غير معلوم قطعا فلا براءة للعهدة ويؤيده ما روي عن العبد الصالح من قوله عليه السلام ومن كانت أمه من
بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقة تحل له وليس له من الخمس شئ لان الله تعالى يقول ادعوهم لابائهم والاحتجاج بقول رسول الله صلى الله
عليه وآله هذان ولداي يعني الحسن الحسين عليهما السلام ضعيف إذ المراد المجاز لا الحقيقة. * مسألة: ويعتبر الايمان في أخذ الخمس عملا بالأحوط في براءة
الذمة ولان الكفر يبطله الاذلال وهو لا يناسب أخذ الخمس ولان فيه مساعدة على كفره وبقوته له وهو منهي عن ذلك ولان فيه مودة لمن عاد الله
ورسوله وقد نهى عن ذلك أما العدالة فإنها غير معتبرة لأنه مستحق بالقرابة وهو موجود في الفاسق وفارق الكافر لما تقدم. * مسألة: ولا
تحمل الخمس عن بلد المال مع وجود المستحق فيه لان المستحق مطالب من حيث الحاجة والفقر فنقله عن البلد تأخير لصاحب الحق عن حقه مع المطالبة
فيكون معاقبا فإن حمله مع وجوده ضمن للتعدي ولو فقد المستحق للضرورة ولان في النقل توصلا إلى إيصال الحق إلى المستحق فيكون سائغا
ولا ضمان حينئذ لعدم التفريط ويعطي من حضر البلد ولا منع من غائب ذهب إليه علماؤنا وهو قول بعض الشافعية وقال الشافعي يقسم في البلدان
كافة وينقل من بلد إلى بلد. لنا: أن يدفعه إلى من حضر فيكون فيه حرمان المستحق احتجوا بأنه مستحق بالقرابة فيكون مشتركا بين الحاضر والغائب
كالميراث والجواب: أن ذلك لا يقتضي التشريك والالزام اختصاص الأقرب كالميراث. * مسألة: سهم ذي القربى عندنا للامام يأخذه مع الحاجة والعسر و
وقال الجمهور المراد بهم قرابة الرسول صلى الله عليه وآله فاختلفوا في استحقاق الفئ حينئذ والوجه عندهم الاستحقاق لأنهم يأخذونه للقربة فأشبه المزني ما إليهم فهو
من الأب له ممن يبلغ الحلم وهو عندنا مختص بالذرية من هاشم على ما تقدم وعند الجمهور أنه عام إذا ثبت هذا فهل يشترط منه الفقر أم لا قال الشيخ في
المبسوط لا يشترط الفقر وهو أحد قولي الشافعي وفي الآخر شرط احتج الشيخ بعموم الآية ولأنه يستحق بالسهم فيستوي فيه الغنى والفقر كذي القربى
عندهم ولأنه جعل شرها فلا يخص بالفقر ولأنه لو اعتبر فيه الفقر لكان داخلا تحت المساكين فلا يحتاج إلى إفراده بالذكر ولم يكن قسما برأسه
خمسه، القول الآخر أن الخمس جعل إرفاقا للمحاويج ومعونة لأهل الخصاصة فيختص به أهل المسكنة اقتصارا بالحكم على محل الغاية ولأنه أحوط إذ البراءة
تحصل معه باليقين بخلاف الدفع إلى الغني ولان الخمس يصرف على قدر الكفاية والغني مكتف بماله غير مساعده الخمس ولان الفقير لو كان له أب له
مال ما يستحق شيئا فإذا كان المال له كان أولى بالحرمان إذ وجوب المال له أنفع من وجوه الأب وأما المسكين فالمراد به المعنى المشترك الشامل له و
الفقر وكذا لو أطلق الفقر من حدها زيد به ذلك المعنى أيضا وإنما يقع الامتياز مع الجمع في الذكر والمراد به قد تقدم في باب الزكاة وأما ابن السبيل
فلا يعتبر فيه الفقر إجماعا نعم يشترط فيه الحاجة في السفر والبحث فيه قد تقدم في باب الزكاة وكذا في تناوله للمنشئ لسفره والتحاز وعدمه. * مسألة:
وهل يجب قسمته في الأصناف الظاهر من كلام الشيخ الوجوب عملا بظاهر الآية ولو منع من ذلك كان وجها والمراد بيان المصرف مع أن الرواية قد دلت
عليه روى الشيخ عن أحمد بن محمد بن أي نصر عن أبي الحسن عليه السلام وسئل عن قوله تعالى: (وأعلموا انما غنمتم من شئ فإن لله خمسه) قال فما كان لله فللرسول
وما كان للرسول لهو للامام قيل أرأيت إن كان صنفه أكثر من صنف أو أقل من صنف كيف يصنع فقال ذلك إلى الامام أرأيت رسول الله صلى الله
عليه وآله كيف صنع إنما كان يعطي على ما ترى كذلك الامام والأحوط قال الشيخ رحمه الله. * مسألة: ومستحق الخمس من الزكاة والمعادن هو المستحق
له من الغنائم ثم ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي مصرفه مصرف الزكاة ولأحمد روايتان. لنا: أنه غنيمة على ما تقدم فيدخل تحت
الغنائم فقد سلف وكذا البحث في بعض الأصناف التي يجب فيها الخمس الجواب: أن عليا عليه السلام أمر صاحب الكنز أن يتصدق به على المساكين وبما رواه عبد
الله بن بشير الخثعمي عن رجل من قومه فقال له أبي خمسه قال سقطت على خبره من دير قديم بالكوفة عند حنانة يشير فيها أربعة ألف درهم فذهبت بها
إلى علي عليه السلام فقال أقسمها خمسة أقسام فقسمتها فأخذ منها علي عليه السلام وأعطاني أربعة أخماس فلما أدبرت دعاني فقال في جيرانك فقراء ومساكين
فقلت نعم فقال فخذها فأقسمها بينهم والجواب يحتمل أنه أمره بصرفه إلى الفقراء والمساكين عن الذرية رخصته عليه السلام أن ها هنا لهم فلا حجة
فيه حينئذ. فرع: لا يجوز صرف حق المعدن إلى من وجب عليه وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وقال أبو حنيفة يجوز ذلك. لنا: أنه مأمور باخراجه
فلا يصرف إليه إذ لا يتحقق الاخراج حينئذ ولأنه حق واجب عليه فلا يصرف إليه كعشر الزرع احتج أبو حنيفة بما رواه جابر قال كنا عند رسول الله صلى الله
عليه وآله فجاء رجل ممثل (بيضة) من ذهب فقال يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة قال مالك غيرها فأعرض عنه النبي صلى الله عليه
وآله فيه ثم أتاه من قبل ركن الأيسر فقال مثل ذلك فأعرض عنه ثم أتاه من خلفه فأخذها فخذفه بها وقال يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه
صدقة ثم يقعد فيستنكف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى والجواب: يحتمل أن يكون البيضة دون النصاب فإن البيض يحتمل قدره ويحتمل
أن يكون قد أدى حق المعدن منها ويحتمل أن يكون عليه السلام أنكر الصدقة بجميعها مع حاجة المتصدق وفقره والواجب عليه خمسها لا غير. * مسألة:
الأسهم الثلاثة التي للامام يملكها ويصنع بها ما شاء في نفقته ونفقة عياله وغير ذلك من المصلحة ومنافعه والثلاثة أسهم الباقي للأصناف
الآخر لا يخص القريب منهم دون البعيد ولا الذكر دون الأنثى ولا الكبير دون الصغير بل يفرق في الجميع ما يراه الامام من تفصيل وتسوية لتناول
الاسم لها تناولا على التساوي ويفرق في الحاضرين ولا يتشفع الأباعد عن البلد وقد سلف فإن فرق في الحاضرين على قدر كفايتهم وفصل منه شئ
552

جاز حمله عن البلد إلى الأباعد لان يرفع كفايتهم صاروا أغنياء فحينئذ يقدم المستحق فيجوز المسافرة به ولا ضمان ومتى حضر الأصناف الثلاثة قال الشيخ لا
ينبغي أن يخص به قوم دون قوم بل يفرق في جميعهم وهو حق وإن لم يحضر في البلد إلا فرقه منهم جاز أن يفرق فيهم ولا ينتظر غيرهم ولا
يحمل إلى بلد آخر.
{البحث الرابع} في الأنفال، والكلام في مستحق الإمام عليه السلام في حالتي الظهور والغيبة الأنفال جمع نفل
بسكون الفاء وفتحها وهي زيادة ومنه سميت النافلة لزيادتها على المطلوب طلبا مانعا من النقيض والمراد به هنا كلما يخض الامام فمنها
كل أرض انجلى أهله فيها أو سلموها طوعا بغير قتال وكل أرض خربة باد أهلها إذا كانت قد جرى عليها ملك
أحد وكل خربة لم يجز عليها ملك
أحد وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب والايجاف السير السريع لقوله تعالى: (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا
ركاب) وما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول أن الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا
وأعطوا بأيديهم وما كان من أرض خربة أو بطون فهذا كله من الفئ والأنفال لله وللرسول فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحب وبطريق آخر عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول الفئ والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة ا لدماء وقوم صولحوا أو أعطوا بأيديهم
وما كان من أرض خربة أو بطن واد فهو كله من الفئ فهذا لله ولرسوله فما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث شاء وهو للامام بعد الرسول
صلى الله عليه وآله وأما قوله مما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب قال ألا ترى هو هذا وأما قوله ما أفاء الله على رسوله
من أهل القرى فهذا بمنزلة المغنم كان أبي يقول ذلك وليس لنا فيه غير سهمين سهم الرسول صلى الله عليه وآله وسهم لذي القربى ثم نحن
شركاء الناس فيما بقي وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الأنفال فقال ما كان من الأرضين باد أهلها. * مسألة:
ومن الأنفال رؤس الجبال والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها لما رواه الشيخ في حماد بن عيسى قال رواه بعض أصحابنا عن العبد الصالح
أبي الحسن الأول عليه السلام قال والأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صولحوا صلحا وأعطوا
بأيديهم على غير قتال وله رؤس الجبال وبطون الأودية والآجام وكل أرض ميتة لا رب لها قال ابن إدريس المراد برؤس الجبال وبطون الأودية
ما كان في ملكه عليه السلام والأرض المختصة به قائلا كان من ذلك في أرض المسلمين ويد مسلم عليه فلا يستحقه عليه السلام. * مسألة: ومن الأنفال
المعادن قاله الشيخان هي للامام خاصة وابن إدريس منع الاطلاق في ذلك بل له من المعادن ما كان في الأرض المختصة به إماما كان
في الأرض المشتركة بين المسلمين أو لمالك معروف فلا اختصاص له بها والوجه ما قاله ابن إدريس ولم نقف للشيخين على حجة في ذلك. * مسألة: ومن
الأنفال صفايا الملوك وقطايعهم مملكان في أيديهم من غير جهة الغصب بمعنى إن كل أرض فتحت من أهل الحرب فما كان يختص بملكهم فهو
للامام إذا لم يكن غصبا من مسلم أو معاهد لان ذلك قد كان للنبي صلى الله عليه وآله وقد ثبت أن جميع ما كان للنبي صلى الله عليه وآله فهو للامام بعده
ويؤيده ما رواه الشيخ عن داود بن فرقد قال قال أبو عبد الله عليه السلام قطائع الملوك كلها للامام ليس للناس فيها شئ وعن حماد بن عيسى
قال رواه لي بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن عليه السلام قال وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأن الغصب
كله مردود وعن سماعة بن مهران قال سألته عن الأنفال فقال كل أرض خربة أو شئ عليه يكون للمملوك فهو خالص للامام وليس للناس
فيها سهم. * مسألة: ومن الأنفال ما يصطفيه من الغنيمة في الحرب مثل الفرس الجواد والثوب المرتفع والجارية الحسنى والسيف القاطع
وما أشبه ذلك ما لو يجحف بالغانمين ذهب إليه علماؤنا أجمع روى الجمهور أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصطفي من الغنائم الجارية
والفرس وما أشبههما في غزوة خيبر وغيرها ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي الصباح قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام نحن قوم فرض
الله طاعتنا لنا الأنفال ولنا صفو المال ونحن الراسخون في العلم ونحن المسجورون (المحسودون) الذين قال الله تعالى فيهم: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم
الله من فضله) وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن صفو المال قال للامام يأخذ الجارية الروقة والمركب الفارهة والسيف
القاطع والدرع قبل أن يقسم الغنيمة هذا صفو المال ولان المقتضى في رسول الله صلى الله عليه وآله وهو تجمله الأنفال غيره واستناد
الناس إليه في دفع ضروراتهم وبعث الجيوش وإقامة العساكر ومقاومة العدو موجود في حق الامام فيكون الحكم ثابتا خلافا للجمهور وحيث قالوا
أنه يبطل بموت النبي صلى الله عليه وآله. * مسألة: ومن الأنفال ميراث من لا وارث له ذهب علمائنا أجمع إلى أنه يكون للامام خاصة ينقل
إلى بيت ماله وخالف فيه الجمهور أنه للمسلمين أجمع فعند الشافعي بالتعصيب عند أبي حنيفة بالموالاة وسيأتي البحث فيه إن شاء الله
تعالى في باب المواريث روى الشيخ عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يموت ولا وارث له ولا مولى وقال هو من أهل هذه
الآية: (يسألونك عن الأنفال) وفي رواية حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح عليه السلام وهو وارث من لا وارث له وسيأتي
تمام الدلالات إن شاء الله ولا فرق بين المسلم والذمي إذا مات ولم يخلف وارثا فإنه يكون للامام. * مسألة: وإذا قاتل قوم من غير
إذن الإمام ففتحوا كانت الغنيمة للامام ذهب إليه الشيخان والسيد المرتضى رحمه الله وأتباعهم وقال الشافعي حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام
553

لكنه مكروه وقال أبو حنيفة هي لهم ولا خمس ولأحمد ثلاثة أقوال كقول الشافعي وأبي حنيفة وثالثها لا شئ لهم فيه احتج الأصحاب بما رواه عباس الوراق
عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للامام وإذا غزوا بأمر الأمير فغنموا كان للإمام الخمس
احتج الشافعي بعموم قوله تعالى: (وأعلموا إنما غنمتم من شئ) الآية وهو يتناول المأذون فيه وغيره احتج أبو حنيفة بأنه اكتساب مباح من غير جهاد فكان
كالاحتطاب والاحتشاش واحتج أحمد على ثالث أقواله بأنهم عصاة بالفعل فلا يكون ذريعة الفائدة التملك الشرعي والجواب عن الأول: أنه غير دال
على المطلوب ولأنه يدل على اخراج الخمس في الغنيمة لا على المالك وإن كان قول الشافعي فيه قويا. وعن الثاني: بالمنع عن المساواة لأنه منهي عنه إلا
بإذنه عليه السلام، وعن الثالث: بالتسليم فإنه دال على المطلوب. * مسألة: ويحرم التصرف فيما يخص الامام حال ظهوره إلا بإذن منه لقوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال عليه السلام لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ
عن محمد بن يزيد الطبري قال كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الاذن في الخمس فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم إن الله
واسع كريم ضمن على العمل الثواب وعلى الخلاف العقاب لا يحل مال إلا من وجه أحله الله إلا الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا وعلى أموالنا وما نبدله
ونشتري من أغراضنا ممن نخاف سطوته لا تزووه عنا ولا تحرموا أنفسكم دعانا ما قدرتم عليه فإن اخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم وما تمهدون
لأنفسكم ليوم فاقتكم والمسلم من يقي الله ما عاهد عليه وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب والسلام وعنه قال قدم قوم من خراسان على
أبي الحسن الرضا عليه السلام فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس فقال ما أمحل هذه تمحضونا المودة بألسنتكم وتزوون عنا حقا فجعله الله لنا وجعلنا
له وهو الخمس لا تجعل لاحد منكم في حل وعن إبراهيم بن هاشم قال كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له
الوقف بقم فقال يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل فإني قد أنفقتها فقال له أنت في حل فلما خرج صالح قال أبو جعفر عليه السلام أحدهم يبت على أموال
آل محمد وأتباعهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثم يجئ فيقول اجعلني من عشرة ألف درهم في حل وإني أنفقها فقال أنت في حل هل
أتراه ظن أني أقول لا أفعل والله ليسألنهم الله تعالى يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا ولأنه مالك مملوك فلا يجوز التصرف فيه بغير إذن
مالكه. * مسألة: ويصرف الخمس إليه مع وجوده كما كان ينقل في زمن الرسول صلى الله عليه وآله فيأخذ له نصفه عليه السلام يفعل به ما شاء والنصف الآخر يصرف
في أصناف الثلاثة وعلى قدر حاجتهم وضرورتهم فإن فضل كان الفاضل له وإن أعوز كان عليه التمام ذكره الشيخان وجماعة من علمائنا وتبعه ابن
إدريس احتج الأولون بأن النظر إلى الامام في قسمة الخمس في الأصناف وتفضيل بعضهم على بعض بحسب ما يراه من المصلحة أو زيادة الحاجة فكان له
التسلط على الفاضل بالتملك إذ هو مستحق النصف عنه فجاز له أخذا لأنه وكما كان له الزائد فعليه الاتمام ويؤيده ما رواه الشيخ عن حماد بن عيسى
قال رواه على بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه السلام قال ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته سهم لأيتامهم وسهم لمساكينهم وسهم
لأبناء سبيلهم فيقسم بينهم على الكفاف والسعة مما يستغنون في سنتهم فإن فصل عنهم شئ فهو للوالي وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان
على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به وإنما صار عليه أن بموتهم لان له ما فضل عنهم الحديث وعن أحمد بن محمد قال حدثنا بعض أصحابنا
رفع الحديث قال والنصف لليتامى والمساكين وابن السبيل وهو تعظيم على قدر كفايتهم فإن فضل شئ فهو له وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه
من عنده وكما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان احتج ابن إدريس بوجه. الأول: أن الأسهم الثلاثة للأصناف بنص القرآن إذ العطف " بالواو "
يقتضي التشريك وإذا كان ملكا لهم لم يجز له عليه السلام التصرف فيه بالتملك سواء فضل أو لا. الثاني: ان فائدة التقدير صرف محل مقدر إلى من قدر
له فلو كان له التسلط بأخذ الفاضل وإتمام الناقص بطلت هذه الفائدة بالكلية. الثالث: أن وجوب الانفاق حكم شرعي والأصل براءة
الذمة منه إلا بدليل ولم يثبت على أنه قد حصر من يجب عليه النفقة وليس هؤلاء من جملتهم ثم طعن في الروايتين بالارسال وضعف سند الثانية
أيضا وتأول كلام أصحابنا لان المنقول من قولهم كان الفاضل له ليس التملك بل القيام بالحفظ والتدبير والقيام عليه كما في قوله تعالى:
(ولا تؤتوا السفهاء أموالكم). والجواب عن الأول: المنع من كونهم مالكين للنصف ولم لا يجوز أن يكون المقصود بيان المصرف دون التملك
كما في آية الزكاة ولهذا جاز للامام أن يفضل بعضهم على بعض بل ويحرم بعضا على قول اعتبارا للمصلحة في سد خلة المحتاج ونظرا إلى
تحصيل الكفاية ولهذا منع الغني منهم بحصول المقصود فيه ويؤيده ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام قال
أرأيت إن كان صنف أكثر من صنف أو أقل من صنف كيف يصنع فقال ذلك إلى الامام أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله كيف صنع
إنما كان يعطي كما يرى وكذلك الامام وإنما ظهر أن الاستحقاق سد الخلة ودفع الحاجة ظهر أنهم غير مالكين بالاستعداد وإن القصد من تقديرهم
بيان المصروف وعن الثاني: بذلك أيضا والتقدير بيان للمصرف لا للمالك وعن الثالث: بأن وجوب الاتمام لا يستلزم وجوب النفقة في أصل ما لان
حصصهم يقسط عليهم بحسب كفايتهم فلا يتحقق وجوب النفقة حينئذ كما أنه لو فضل من صنف من الأصناف شئ صرف في صنفه الآخرين مع أن نفقة
واحد من الصنفين لا يحب على الآخر فكذا الامام وبراءة الذمة بعد ثبوت شغلها بفتوى الأصحاب والنقل عن الأئمة غير ثابت والطعن
554

ضعيف إذ مع الاشتهار لا اعتبار بالرواية وأنها مرسلة أو ضعيفة السند كما أن أكثر مذاهب الشيعة المختص به كالمتعة وشبهها مأخوذة عن أهل
البيت عليهم السلام وإن لم يعلم ما قبلها على التعين وكذا مذهب كل فريق اشتهر به فظهر عنه والإضافة حقيقة في التملك وصرفها إلى ما ذكر
مجاز على أنه لا يختص بالفاصل فهذا خلاصة ما يمكن ذكره من الجانبين وعليك بتحقيق الحق منهما. * مسألة: ويجوز أن يصرف سهم
الأصناف الثلاثة إلى مستحقها مع وجود الامام بنفسه فيما يكتسبه دون الصائم على إشكال وهو قول أصحاب الرأي وابن المنذر وقال أبو ثور لا
يجوز. لنا: أن عليا عليه السلام أمر واجد الكنز بصرف إلى المساكين رواه الجمهور ولأنه أداء الحق إلى مالكه فيخرج عن العهدة كما لو صرف الزكاة بنفسه احتج
أبو ثور بأنه خمس فلا يتولى نفر فيه بنفسه كالغنيمة والجواب: الفرق فإن التسلط في الغنيمة كلها للامام والنظر فيها إليه خاصة دون غيره بخلاف
صورة النزاع. * مسألة: وقد أباح الأئمة عليهم السلام لشيعتهم المناكح في حالتي ظهور الإمام وغيبته وعليه علماؤنا أجمع لأنه مصلحة لا
يتم التخلص من المأثم بدونها فوجب في نظرهم عليهم السلام فعلها والاذن في استباحة ذلك من دون اخراج حقهم
منه لا على أن المواطي يطأ الحصة
بالإباحة قد ثبت أنه يجوز اخراج القيمة في الخمس فكان الثابت قبل الإباحة في الذمة اخراج خمس العين من الجارية أو قيمته وبعد الإباحة
ملكها الواطي ملكا تاما فاستباح وطيها بالملك التام ويؤيده ما رواه الشيخ عن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال من وجد برد حبنا في
كبده فليحمد الله على أول النعم قال قلت جعلت فداك ما أول النعم قال طيب الولادة ثم قال أبو عبد الله عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة أحلي نصيبك من الفئ لآباء
شيعتنا ليطيبوا ثم قال أبو عبد الله عليه السلام إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا وفي الصحيح عن أبي بصير وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام قال قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هلل الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا إلا وإن شيعنا من ذلك و
آبائهم في حل وعن محمد بن الحسن عن أحدهما عليه السلام قال إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول يا رب خمسي وقد طيبنا ذلك لشيعتنا
لتطيب ولادتهم ولتزكوا أولادهم وعن ضريس الكناسي قال قال أبو عبد الله عليه السلام أتدري من أين دخل على الناس الزنا فقلت لا أدري فقال
من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين فإنه يحللهم ولميلادهم وعن أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال
رجلا وأنا حاضر حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله فقال له رجل ليس يسألك أن يعترض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يزوجها أو ميراثا يصيبه
أو تجارة أو شيئا فقال هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب والميت منهم والحي وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال أما والله لا يحل إلا
لمن أحللنا له والأحاديث في ذلك كثيرة. * مسألة: وألحق الشيخ المساكن والمتاجر قال ابن إدريس المراد بالمتاجر أن يستوي الانسان مما في
حقوقهم عليهم السلام ويتجر في ذلك ولا يتوهم متوهم أنه إذا ربح في ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس والدليل على الإباحة ما رواه الشيخ عن أبي
خديجة سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال له رجل وأنا حاضر حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله عليه السلام فقال له رجل ليس يسألك
أن يعترض الطريق إنما يسأله خادما يشتريها أو امرأة يزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيته فقال هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم
والغائب والميت منهم والحي وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال أما والله لا يحل إلا لمن أحللنا له ولا والله ما أعطينا أحدا ذمة وما عندنا للحد عهد
ولا لاحد عندنا ميثاق وعن الحرث بن المغيرة البصري عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك
وقد علمت أن لك حقا فيها قال فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لطيب ولادتهم وكل من والى آبائي فهم في حل مما في أيدهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب.
فرع: ومما يسوغ للإمام عليه السلام أنه يحل في زمانه فكذلك يسوغ له أن يحل بعده وقال ابن الجنيد لا يصح التحليل إلا لصاحب الحق في زمانه
لأنه لا يسوغ تحليل ما يملك غيره وهو ضعيف لأنهم عليه السلام قد أباحوا وجعلوا الغاية قيام القائم في أكثر الأحاديث والامام لا يحل إلا ما يعلم أن له
الولاية في إباحته وإلا لاقتصر على زمانه ولم يقض فيه بالدوام ويؤيده ما رواه أبو خالد الكابلي قال قال إن رأيت صاحب هذا الامر يعطيك ما في بيت
المال رجلا واحدا فلا يدخلن قلبك شئ فإنه إنما يعمل بأمر الله. * مسألة: واختلف علماؤنا في الخمس في حال غيبة الامام فأسقط
قوم عملا بالأحاديث الدالة على ترخيصهم عليهم السلام لشيعتهم فيه ومنهم من أوجب دفنه لما روي أن الأرض يخرج كنوزها عند ظهوره عليه السلام ومنهم من يرى صلة الذرية
وفقراء الشيعة على وجه الاستحباب ومنهم من يرى عزله فإن خشى من الموت وصى به إلى من يثق بدينه وعقله ليسلمه إلى الامام إن أدركه وإلا وصى به كذلك
إلى أن يظهر واختاره المفيد رحمه الله قال لأنه حق مالك لم يوسم فيه ما يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه وجرى مجرى الزكاة عند عدم المستحق فكما لا يحكم بسقوطها ولا التصرف
فيها بل وجب حفظها بالنفس والوصية فكذا هنا قال رحمه الله وإن ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه في النصف الخالص في الامام وصرف النصف الآخر في مستحقه من يتامى آل محمد صلى الله عليه وآله ومساكينهم
وأبناء سبيلهم على ما جاء في القرآن كان على جواز وهذا الأخير اختيار شيخنا أبي جعفر الطوسي وأبي الصلاح وابن البراج وقال المفيد رحمه الله أيضا في المسائل الغرية إذا فقد إمام الحق ووصل إلى انسان ما يجب فيه الخمس فليخرج
إلى يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم وليوفر قسط ولد أبي طالب لعدل والجمهور عن صلتهم ولمجئ الرواية عن أئمة الهدى يتوفر ما يستحقونه من الخمس في هذا الوقت على فقراء أهلهم وأتباعهم وأبناء سبيلهم ومنع ابن
إدريس من ذلك وذهب إلى ما اختاره المفيد رحمه الله أولا والذي ذهب إليه المفيد في الرسالة جيد لما بينا من وجوب الإمام عليه السلام في حال حضوره وإذا وجب في حال حضوره وجب في حال غيبته لان الغيبة ممن عليه الحق لا يسقط عنه احتج ابن إدريس
بأنه مال للغير فلا يجوز التصرف إلا بإذنه ولا إذن إذ التقدير الغيبة والجواب المنع من عدم الإذن لوجوده بما تلوناه من الأخبار الدالة على إتمام ما يعوز الأصناف الثلاثة ولو عمل أحد بقول
جمهور أصحابنا من إيداع حصته عليه السلام وقسمة الباقي في مستحقيه كان حسنا أما للإباحة والتصرف فيه على وجه التمليك كما ذهب إليه بعض أصحابنا فهو غلط. فرع: إذا قلنا يصرف حصته عليه السلام في الأصناف فإنما
يتولاه من إليه النيابة عنه عليه السلام في الاحكام وهو الفقير المأمون الجامع لشرائط الفتوى والحكم على ما يأتي تفصيلها من فقهاء أهل البيت عليهم السلام على جهة التتمة لمن يقصر عنه ما يصل إليه عما يضطر إليه لأنه نوع من الحكم
على الغائب ولا يتولاه غير من ذكره.
(تم كتاب الثالث)
555