الكتاب: العقد الحسيني
المؤلف: والد البهائي العاملي
الجزء:
الوفاة: ٩٨٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تصحيح : السيد جواد المدرسي اليزدي
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: گلبهار - يزد
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

عقد الحسيني (الطهماسبي)
تصنيف
عز الدين الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي
والد الشيخ البهائي رحمهم الله تعالى
المتوفى سنة 984
عنى بتصحيحه وطبعه السيد جواد المدرسي
اليزدي دام أفضاله
چاپ گلبهار يزد
1

بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي
الحمد الله الذي أنزل من السماء ماء طهورا والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله
الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وعلى خلص أصحابه الذين
حفظوا وصيته الله ورسوله في أهل البيت ولم يغيروا تغييرا. وبعد فيقول
فقير رحمة ربه الغني حسين بن عبد الصمد الجباعي الحارثي وفقه الله
لمراضيه وجعل مستقبله خيرا من ماضيه. لما وردت الأوامر العالية
الغالية المسددة المؤيدة الطاهرة القاهرة الباهرة الحيدرية الصفوية
الحسينية أدام الله تسديدها وتأييدها وأجزل على العالمين برها ومزيدها
ولا زالت عالية الأعلام نافذة الأحكام شاملة بعدلها وفضلها كل الأنام
ما دام خطت الأقلام وخطت الإقدام وراق صوب الغمام وشاق صوت الحمام
أن أكتب شيئا يتعلق بالوسواس وبالطهارة وأحكامها التي تعم بها البلوى
بين الناس وما يجوز فيه الصلاة نجسا من البدن واللباس قابلت الأوامر المطاعة
بالقبول وذكرت أشياء مع مأخذها من الأحاديث المطهرة والأصول
واتبعتها بأشياء من طهارة القلب التي توجب إقباله بكليته على الرب
شكرا لما له علي وعلى كل المؤمنين من الوسع والإحسان المتين وسميته
2

بالعقد الحسيني ليدوم الذكر الجميل والأجر الجزيل مقدمة الطهارة
والنجاسة ليس مدارهما على العقل كبعض الأفعال ولا على معنى في ذات
الطاهر يقتضي طهارته وفي النجس يقتضي نجاسته على الظاهر لأنهما ذوات
بل هما تعبد محض متلقى من الشارع لأجل تكليف عباده فيثيب الطائع
ويعاقب العاصي كطهارة العصير أولا ونجاسته إذا غلا وطهره إذا ذهب ثلثاه
ويجوز أن يكون لأمر عارضي وكذلك أكثر العبادات والأحكام التي
لا يعقل معناها كوجوب العدة مع عدم الدخول ووجوب صوم آخر يوم
من رمضان وتحرم صوم العيد واستحباب صوم ما بعده فإن المقصود الباري
من ذلك مجرد الانقياد والتسليم وذكر بعض العلماء أن العبادات التي
لا يعقل معناها أفضل لأن الانقياد والتسليم لأمر الله فيها أكثر فالواجب
علينا أن ندخل البيوت من أبوابها كما أمر الله تعالى ونتلقى ما جائنا به النبي
والأئمة صلوات الله عليهم بالقبول وهذا أول درج الإيمان وليس لنا أن
نحيل ذلك على عقولنا وأوهامنا التي يخيلها لنا الشيطان فنبعد بذلك
عن رضى الرحمن وتشتغلنا بها عن مهمات ديننا ودنيانا لأنه عدونا بل
يجب علنا لانقياد لما قرره لنا الأئمة عليهم السلام فإن ذلك دليل التوفيق
والتأييد ورضى الله عز وجل تنيه نبيه وأما الوسواس في الطاهر والنجس
والنية في العبادات وأفعال الصلاة فقد قرر الأئمة عليهم السلام أنه من الشيطان
وأجمع الناس على ذلك فلا بد للمؤمن الرشيد من دفعه عنه وذلك يكون
بوجهين لأول ما بينه الله تعالى وورد عن الأئمة المعصومين من الدعاء
3

لدفعه قال الله تعالى وأما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع
العليم فأحسن ما يقال لدفعه ما أمرنا الله بقوله وأدبنا به ورويت بسندي
المتصل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال من وجد من هذا الوسواس شيئا فليقل
آمنت بالله ورسله ثلاثا فإن ذلك يذهب عنه ورويت بسندي إلى جعفر الصادق (عليه السلام)
أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لمن شكى إليه كثرة الوسواس حتى لا يعقل ما صلى من
زيادة ونقصان إذا دخلت في صلاتك فاطعن فخذك اليسرى بإصبعك اليمنى
المسبحة ثم قل بسم الله وبالله توكلت على الله أعوذ بالله السميع العليم
من الشيطان الرجيم فإنك تطرده عنه ورويت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن بعض
الصحابة شكا إليه الوسوسة فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الشيطان قد حال
بيني وبين صلاتي يلبسها علي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك شيطان يقال خنزب
فإذا أحسست به فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا قال ففعلت ذلك
فأذهبه الله عني خنزب بخاء معجمة تفتح وتكسر ونون ساكنه وزاء
مفتوحة وباء موحدة ورويت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه شكا إليه
بعضهم الوسوسة فقال إذا وجدت من قلبك شيئا فقال هو الأول والآخر
والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم. وقال العلماء أنفع علاج في
دفع الوسوسة ذكر الله والإكثار منه لأن الشيطان إذا سمع ذكر الله خنس
أي بعد وتأخر فينبغي الإكثار من قول لا إله إلا الله لأنها رأس الذكر و
قد ورد في فضلها وشرافتها وأسرارها من طريق الخاصة والعامة ما لا يكاد
يحصر ولهذا اختارها أهل السلوك لتربية السالكين وتهذيب المريدين
4

وقد جمعت بين النفي والإثبات نفي ألوهية ما سوى الله وإثبات إلوهيته لأن
الإثبات إذا ورد على القلب فلا بد أن يكون خاليا من كل شئ لتستقر فيه
ألوهية الله تعالى وما دام فيه شئ لا تستقر لأن الباري لا يقبل شريكا
فإذا خلا القلب من كل شئ تثبت فيه ألوهية الله تعالى وانقهر الشيطان وتأخر
قال بعض العارفين إذا أردت أن تقطع الوسواس فأي وقت أحسست به
فافرح فإنك إذا فرحت به انقطع عنك لأنه ليس شئ أبغض إلى الشيطان
من سرور المؤمن وإن غممت به زادك قلت هذا يدل على أن الوسواس
إنما يبتلى به المؤمن لأن اللص لا يقصد بيتا خربا لكن دفعه يكون
بكمال الإيمان بالله ورسوله والأئمة الراشدين صلوات الله عليهم
أجمعين الوجه الثاني في دفع الوسواس الفكر والتعقل وذلك
أنه قد علم أنه من عدونا وعدوا بينا من قبل حيث وسوس له وأخرجه من
الجنة والباري عز وجل والأئمة المعصومون عليهم السلام قد بينوا ذلك
وأمرونا بمخالفته واتباع ظاهر الشرع قال الله تعالى لا يفتننكم الشيطان
كما أخرج أبويكم من الجنة فإذا علمنا ذلك واتبعناه نكون قد خالفنا الله
والأئمة المعصومين عليهم السلام واتبعنا عدونا الذي قصده إضرارنا ونكون قد
أدخلنا الضرر على أنفسنا أما في الدنيا فبالتعب والعنا بغير نفع وأما في
الآخرة فلمخالفتنا أوامر الله ورسوله والأئمة المعصومين وهذا لا يفعله
موفق رشيدا جارنا الله وإياكم من ذلك وكان بعض مشايخنا من السادات
يؤدب بعض الموسوسين ويعظه فقال له أنت تخالف الله ورسوله و
تعبد الشيطان بغير فائدة بل للضرر فقال كيف وأنا أؤمن بالله
5

وألعن الشيطان فقال السيد لأن الله ورسوله والأئمة المعصومين قد قرروا
للطهارة والنجاسة قدرا وحدوا لها حدودا وأنت تفعل ذلك كما قرروه
ومقتضاه أن يكون صحيحا أو طاهرا فيقول لك الشيطان هذا باطل لو
نجس فتتبعه وتترك ما قالوه فتعبده وأنت لا تدري فتاب ذلك الموسوس
وترك الوسوسة ببركة السيد قاعدة فوائدها زائدة
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى وقد جاء
هذا المعنى عن الأئمة عليهم السلام في أحاديث متكثرة ورتب الفقهاء
على الحديث من الفروع ما لا يتناهى ومن هنا لم يكفر الإنسان بالسجود
للملوك والأبوين والأخوة كما في إخوة يوسف على قصد الأدب والتعظيم
واعتقاد أنهم عبيد مخلوقون ويكفر لو سجد للصنم وإن قصد التعظيم
لأنه لا عظمة له ولا يعظمه إلا أهل الكفر فالسجود له لا يقع إلا على
وجه واحد ممنوع منه بخلاف الإنسان فإن السجود له يقع على وجه
الأدب والتعظيم فيكون راجحا إذا كان في العرف تركه إهانة
والإنسان أهل التعظيم لأنه عبد الله فتعظيمه تعظيم لله ولهذا ورد
في إكرام المؤمن خصوصا الأنقياء وأهل العلم عن أهل البيت ما لا يتناهى
من الحث والثواب والاهتمام حتى ورد أنه من زار مؤمنا فكأنما
زار الله تعالى وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من سر مؤمنا فقد سرني ومن سرني
فقد سر الله وما ذلك إلا لما قلناه لأن تعظيم العبد تعظيم لمولاه وقال الباقر (عليه السلام)
إذا أردت تعلم أن في قلبك خيرا فانظر إلى قلبك فإن كان تحب أهل طاعة الله
6

وتبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك وإن كنت تبعض أهل طاعته وتحب
أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك والمرء مع من أحب ومن الحديث
السابق أوجب العلماء في العبادات النية لأنها قد تقع لغير القرية كالتبرد وإزالة
الوسخ في الوضوء والرياء فيه وفي غيره من العبادات بخلاف ما لا يقع إلا
على وجه واحد وما هو مقصود الشارع مجرد حصوله كإزالة النجاسة و
حفر القبر وتكفين الميت وإراقة الخمور ونحو ذلك فإن المقصود من إيجابه مجرد
إيجاده لغرض أو مصلحة تتعلق به فعلى أي وجه وقع أجزء لكنه لا يكون
لفاعله ثواب على فعله إذا وقع بغير نية وإن أجزء ولو نوى القربة أثيب
لأنه يصير عبادة لأن الأعمال بالنيات كما تقدم تفريع رفيع ينبغي
للعاقل الرشيد أن ينوي في كل أفعاله القرية ليثاب عليها لأن الباري
سبحانه كريم يقبل الحيلة لكرمه بل هو الذي دلنا عليها ووضع لنا طرقها
حيث إن جميع عباداتنا حيل على كرمه لغناه عنها وقد كلفنا بها فإذا
أكل نوى بأكله القربة في تقوية جسمه على الصلاة والعبادة ودفع
ضرر الجوع لأن دفع الضرر واجب وكذا إذا شرب أو لبس ليقي جسمه
من الحر أو البرد أو نام ليدفع ضرر السهر ويقوم للصلاة نشيطا أو جامع
ليكسر الشهوة الحيوانية ويقبل على ما يهمه من أمور آخرته ودنياه
وعلى هذا المنهج فيصير أفعال الإنسان كلها عبادة ويثاب عليها من
جزيل كرم الله تعالى وهذا هو الرشد الكامل والتجارة التي لن
تبور وفقنا الله لذلك بمنه ويمنه إنه جواد كريم إتمام فيه اهتمام
7

ينبغي لحضرة المولى أدام الله نصره وتأييده وأجزل سعيه فضله ومزيده
زيادة عما قلناه إذا أراد الخروج للناس أن يقصد قضاء حاجات ذوي
الحاجات من المؤمنين فإنها أكبر القربات عند الله وعند رسوله
وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين وقد جاء في ذلك من النص ما لا
يحصى فمن ما رويناه في ذلك عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لقضاء حاجة
المؤمن أحب إلى الله من عشرين حج كل حجة ينفق فيها صاحبها
مائة ألف وقال (عليه السلام) قضاء حاجة للمؤمن خير من عتق ألف رقبة و
خير من حملان ألف فرس في سبيل الله وقال (عليه السلام) ما قضى مسلم لمسلم
حاجة إلا ناداه الله تبارك وتعالى ثوابك علي ولا أرضى لك
الجنة ويقصد أيضا الإحسان لمن جبر عنه من الفقراء المحتاجين
ليسرهم فقد رويت بسندي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال من سر مؤمنا
فقد سرني ومن سرني فقد سر الله وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) الخلق عيال الله وأحب الخلق
إلى الله من نفع عياله وأدخل على أهل بيته سرورا ويقصد أيضا رد الظلم
عن المظلومين وتفريج كربتهم بحسب الممكن فقد رويت بسندي إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها وفرج
كربته لم يزل في ظل الله الممدود عليه الرحمة وقال أيضا (عليه السلام)
من أغاث أخاه اللهفان اللهثان فنفس كربته وأعانه على نجاح
حاجته كتب الله له بذلك اثنين وسبعين رحمة يعجل له منها واحدة
يصلح بها أمر معيشته ويدخر أحد أو سبعين لأفزاع يوم القيمة وأهواله
8

ويقصد أيضا النظر إلى وجوه من بحضرته من طلاب العلم فقد رويت
أن النظر إليهم عبادة ويقصد استفادة بعض المسائل منهم فإن ذلك
من أفضل الأعمال وعلى هذا النهج وبهذا يصير أفعال المولى بلغه الله
آماله وحركاته وسكناته كلها عبادة وينال سعادة الآخرة كما نال
سعادة الدنيا من كرم الله تعالى هذا وأمثاله وما يأتي مما رقمناه
في هذه الرسالة وما ذكره العلماء من العلوم والأعمال والسنن والآداب
إنما هو قطرة من بحار آثار الصادقين المعصومين صلوات الله عليهم
أجمعين فهو أدام الله نصره وأعلى أمره أحق بالعمل به منا
9

لأنه ميراثه جعله الله في الدنيا محفوظا بعنايتهم وفي الآخرة ملحوظا بشفاعتهم
إنه قريب مجيب (1) درة هي للدرر غرة أجمع العلماء على
أن الطهارة من الخبث لا تجب لنفسها وإنما تجب للصلاة والطواف ودخول
المساجد وإن لم تتعد خلافا للمتأخرين وكذلك يجب فيما يؤكل ويشرب
وعن الضرائح المشرفة والمصاحيف ونحو ذلك وكذا الطهارة من الحدث
لا يجب لنفسها وإنما تجب للصلاة والطواف ومس كتابة القرآن ونحو ذلك
مما هو مسطور مشهور وقال بعضهم غسل الجنابة واجب لنفسه وهو فرق
غير وجيه والأصح الأول فلا يجب إزالة النجاسة الخبثية ولا الحديثة إلا

(1) نقل كلام من علامة النجفي كاشف الغطاء ره
يناسب المقام
قال في مقدمات كشف الغطاء البحث الرابع والخمسون
في أن الاحتياط في الجواز والحرمة والطهارة والنجاسة لا يجري
في الأمور العامة لترتب الحرج على الخطاب بها وإن كان ندبيا ويرشد
إلى ذلك في القسم الأول النظر إلى حال الحبوب من حنطة شعيرة و
ذرة وأرز ونحوها وإلى حال الملبوس والمفروش من القطن والكتان
والحرير وحال الصوف والوبر والشعر وإلى حال اللحوم والشحوم و
الأدهان من الحيوانات الأهلية فإن إباحتها موقوفة على سلامة سلسلة
الأصول من يوم ابتداء الخلق إلى زمان الانتفاع من دخول غصب أو حرمان
إرث أو تعلق زكاة أو خمس ونحو ذلك وفي الحيوانات بسلامة الأمهات
كذلك ومما يرشد إلى غير ذلك استمرار سيرة الأجلاء والأولياء من
أصحاب النبي والأئمة عليهم السلام وجميع أهل الإسلام على استعمال
الدارهم المسكوكة بسكة حكام الجور من خاصة أموالهم وعلى أخذ
أموال الأعراب وركوب إبلهم خصوصا في طريق الحجاز والتصرف في
أدهانهم وألبانهم فمن تطلب الحلال الواقعي بأخذ البذر من بلاد الكفار
الحربيين وأراد حصول العلم فقد ضيق على نفسه وتعرض للإتيان بما لم
يسبق به نبي أو وصي أو عالم ورع تقي ثم إنه قد طلب محالا لأنه كيف
يعلم أنه في تضاعيف الطبقات من مبدء خلق الأصول لم يدخل غصب من
مال معصوم من أن أموال المسلمين لم تزل نهبا في أيدي الكفار ولو أن
مثل هذه الأمور يكون لها رجحان ووجه مقبول ما خلت عنه الأخبار
ولظهر منه أثر في الآثار ولم يغفل عنه العلماء الأبرار من قديم الأعصار
وفي القسم الثاني من عدم تحاشى المسلمين من أيام النبي والأئمة
الطاهرين إلى يومنا هذا من استعمال السكر والعقاقير والأقمشة المجتلبة
من الهند ومن المظنون بحيث يقارب القطع أنها مما تعملها الكفار
وعدم التحاشي عما يصنع من الأدهان المتخذة من السمسم ونحوه و
دبس التمر والعنب في مقام واحد برهة من الدهر ومن البعيد جدا أن
لا تصيب محله نجاسته في حين من الأحيان خصوصا يكون البعيد من السمسم
فإنه لا يخلو عن فضلة الفار ونحو ذلك فمن تعاطى غسل الأقمشة
الهندية إذا أراد لبسها وهجر استعمال البرغال والجلد المسمى عند العجم
بالصاغري والأدهان الطيبة المجتلبة من بلاد الهند إلى غير ذلك
طالبا للاحتياط كان آتيا بالمرجوح دون الراجح ثم أيضا قال ره
المقصد الحاد يعشر في الوسواس الذي أمر الاستعاذة منه رب الناس
في سورة الناس وهو عبارة عن حالة في الإنسان تمنعه عن الثبات
والاطمينان وهو كالجنون لها فنون ومنشأه غلبة الوهم واضطراب
الفكر فقد يرى نفسه بأشد المرض وهو في كمال الصحة أو بأشد الخوف
وهو في غاية الأمن ويرى عمله فاسد أو هو صحيح وغير فاعل بشئ
عند الفراغ من فعله ويرى الطاهر نجسا والحلال حراما وبالعكس
فيهما ويقع في المعاملات وإن كان معظم بلائه في العبادات وقد يقع
في العقائد الأصولية فلا تطمئن إليها وفي الدلائل الشرعية فلا يعتمد
عليها وأقوى البواعث على حصوله عاليا في العبادات الرياء ثم
يقوى ويتحكم فيتسلط عليه الشيطان ويرفع عنه الاطمينان وهو
مرض عظيم قد ينتهي بصاحبه إلى الجنون إن وقع في العقائد أفسد
الإعتقاد أو في المعاملات أو في العبادات أورث فيها الفساد فيكرر
القول أو الفعل فبهما ولا يعين القصد بواحد منهما وإن تعلق بالبدن
تمارض طول الزمن أو تعلق بسوء الظن أقام بين الخلق نائرة الفتن
فيجب تصفيته منه وإبعاد الشيطان برفعه عنه هو من ذميم الصفات
المعدودة عند العقل والشرع من المحظورات وفيه مع قبحه في ذاته
مفاسد عظيمه منها أنه حيث كانت عقيدته تصويب فعله وتخطئة
فعل غيره ربما آل أمره إلى إنكار ضروري المذهب أو الدين فإن
من الأمور الضرورية عدم ما أوجبه الوسواسية ومنها القدح في أعمال سيد الأمة
وجميع أفعال الأئمة وهذان الوجهان قاضيان بالخروج عن الإيمان
ومنها أنه يلزمه بالبناء على الحكم بوجوب فعله أو ندبه مثلا
التشريع في الدين والدخول في زمرة العاصين ومنها أنه يتضمن غالبا
سوء الظن بالمسلمين حتى ينجر إلى العلماء العاملين فيحكم بنجاستهم
وبطلان عبادتهم ومنها أنه لا يستقر له عزم أو نية على عمل خاص لأن
تكريره لعبادته أو معاملته باعث على عدم صحة عزمه ونيته ومنها أنه
يكرر العمل في الصلاة فيدخل الفعل الكثير أو القول الماحي لصورة
الصلاة أو الداخل في كلام الآدميين وإن كان من القرآن أو الذكر لتوجه
النهي عنه لكونه وسواسا ومنها أنه كثيرا ما يصدر منه حركات تمحو
صورة العبادة ومنها أنه كثير أما يدعو صاحبه إلى التجري على المعاصي
بتأخير الفرائض عن أوقاتها لطول الاشتغال بمقدماتها أو الشك في
في أوقاتها أو إلى ترك كثير من الواجبات بطول الاشتغال ببعضها أو
إلى كثرة التصرف بالماء حتى يؤل إلى الإسراف أو حتى لا يرضى
صاحب الحمام مثلا أو إلى تمريض البدن بكثرة مباشرة الماء ونحوه
ومنها أنه قد عبد الشيطان أو شركه في عبادة الرحمن ومنها أنه
قد شغل بوسواسه عن الإخلاص في العبودية وتدبر المعاني القرآنية
وغير القرآنية انتهى كلامه رفع مقامه... مصحح
منقول از كتاب كيمياى سعادت أبو حامد غزالي
10

لأحد الأمور المذكورة ومن ذلك الصلاة فتجب طهارة جسم المصلي وثوبه
وموضع سجوده من النجاسة إجماعا إلا ما استثناه الأئمة عليهم السلام
في نصوصهم كالأقل من الدرهم وثوب المربية للصبي وما لا تتمم الصلاة
فيه منفردا كالتاج والتكة والخف سواء كان ملبوسا أو محمولا والنجاسة
المتعذر زوالها على اختلاف أنواعها قلت أو كثرت ودم الجروح والقروح و
الدماميل الدامية فإنه يصح الصلاة في كل ذلك وإن أمكن التطهير تسهيلا و
رفعا للحرج أصل أصيل نفعه جليل قد استفاض النقل من الأئمة
عليهم السلام وأجمع علماء الإسلام على أن الأصل في الأشياء كلها الطهارة
11

حتى تعلم نجاستها فقد روينا بسندنا إلى علي (عليه السلام) أنه قال ما أبالي أبول
أصابني أم ماء إذا لم أعلم وذلك لأن البول ماء والأصل فيه الطهارة حتى
يعلم أنه شرب وصار بولا وأمثال ذلك كثير بل إذا علم نجاسة الماء بعد
ما توضأ منه فإنه لا يجب إعادة الوضوء ولا غسل الأعضاء إذا أمكن أن
يكون وقوع النجاسة بعد الاستعمال فقد رويت عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن
رجل يجد في إنائه فارة وقد توضأ من ذلك الإناء وغسل منه ثيابه و
اغتسل منه وقد كانت الفارة منسلخة فقال إن كان رآها في الإناء قبل أن
يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن
12

يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة
وإن كان إنما رآها بعدما فرغ من ذلك وفعله فلا يمس من الماء شيئا
وليس عليه شئ لأنه لا يعلم متى سقطت فيه ثم قال لعله إنما سقطت
في تلك الساعة التي رآها وعلى هذه القاعة مدار لعلماء في مسائلهم
والمسلمين في طهارتهم وأحوالهم ويتفرع على ذلك أن الخارج
من الذكر بعد الاستبراء طاهر ولا ينقض الطهارة وإن كثر وتفاحش
فقد روينا عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يبول قال ينتره ثلاثا ثم إن سال
حتى بلغ الساق فلا يبالي وروينا عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام)
13

رجل بال ولم يكن معه ماء قال يعصر أصل ذكره ثلاث عصرات وينتر
طرفه ثلاث نترات فإن خرج بعد ذلك شئ فليس من البول ولكنه
من الحبائل ومما يشبه أصل الطهارة أصل براءة الذمة وفرع العلماء
على ذلك ما لا يتناهى من المسائل بل أكثر مدار فروع الفقه عليه
كما نقول الأصل براءة الذمة من وجوب تطهير الشئ والأصل براءة الذمة
من التكليف بهذا الفعل والأصل براءة الذمة من الوجوب إعادة الصلاة
لمن شك في صحتها وأمثال ذلك ومما يجري مجرى الأصل الاستصحاب
وحقيقته ترجع إلى أن الأصل بقاء الشئ على ما كان عليه كما نقول
14

هذا الشئ كان نجسا والأصل بقاء نجاسته حتى يعلم طهره فإذا
طهرناه فالأصل بقاء الطهارة حتى يعلم عروض النجاسة نعم اختلف -
الأصوليون في أن الأصل في الأشياء الحل أم الحرمة وأكثر العلماء
على أن الأصل الحل والدليل بحمد الله قائم عليه وأما أصل الطهارة
وبرائة الذمة فلم يخالف فيه أحد وهذا هو الذين يعبر عنه العلماء
بالدليل العقلي والحاصل أنا إذا حكمنا بنجاسة شئ أو تحريمه
بغير دليل شرعي وقعنا في الإثم لأن ذلك بعدة ودخال في الدين
ما ليس منه وقد نهى الله ورسوله والأئمة المعصومين عليهم السلام عن ذلك
15

دليل جليل إذا تعارض الأصل والظاهر قدم الأصل إلا في
مواضع يسيرة لأن الأصل دليل عقلي وحجة بالإجماع والظاهر كثيرا
ما يخرج الأمر بخلافه فليس حجة وعلى ذلك فرع العلماء طهارة الطريق
وثياب الصبيان والخمارين والقصابين ومن لا يتجنب النجاسة وثياب
الكفار وأوانيهم حتى يعلم عروض النجاسة لذلك وأكد في أكثر
ذلك النص عن الأئمة عليهم السلام رويت بسندي إلى المعلى بن خنيس
قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) قول لا بأس بالصلاة في الثياب التي
يعملها المجوس وهم أجناب وهم يشربون الخمر ونسائهم عليه تلك الحالة
16

ألبسها ولا اغسلها وأصلي فيها قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصا
وخطته وفتلت له إزارا ورداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم الجمعة
حين ارتفع النهار فكأنه علم ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة ومثله كثير (1)
تبيين فيه تزيين قد يقدم الظاهر في موارد منها إذا شك في فعل
شئ بعد تجاوز محله أو بعد خروج وقته فإن الظاهر أنه فعله
إذا الغالب من حال المؤمن فعل الشئ في محله والأصل عدم فعله
فيقدم الظاهر على الأصل ولكن لا طريق للعلماء في ذلك إلا النص
لأن الأصل دليل قوي لا يجوز العدول عنه إلا بدليل أقوى منه كالنص

(1) فصل احتياط به چه شرائطي رواست أين طهارت ظهر اگر چه درجه
باز پسين است فضل وى نيز بزرگست وليكن بشرط آنكه أدب وى نگاه
دارد ووسوسه واسراف را بدان رآه ندهد چون بحد وسوسه واسراف
رسد مكروه وناپسنديده بوده وباشد كه بزه كار گردد وأين احتياطها
كه عادت صوفيا نست از جورب داشتن وازار بسر در گرفتن وآب پاك
به يقين طلب كردن وآفتابه نگاه داشتن تا كسى دست بروى فرانكند
همه نيكوست وكساني را از فقهاء وديگران كه آن نگاه ندارند نيست
كه برايشان اعتراضي كنند إلا بشرطي وايشان را نيز نيست كه
برفقها وديگران كه احتياط نكنند اعتراض كردن أصلا چه آن
احتياطها نيكوست ولكن بشش شرط شرط أول آنكه بسبب روز گاربردن
بدان از كارى فاضل تر از آن باز نماند چه اگر كسى را قدرت
آن باشد كه بآموختن علمي مشغول شود كه آن زيارت كشفي باشد
يا بكسبي مشغول شود كه آن كفايت عيال وى بود تا أو را از خلق
سؤال نبايد كردن واز دست مردمان نبايد خوردن وروزگار بودن
باحتياط طهارت ويرا باز دارد أزين نشايد كه بدين احتياطها
مشغول شده كه أين همه مهمتر است از احتياط طهارت وبچنين سبب
بود كه هرگز صحابه بچنين احتياطها مشغول نشدند كه ايشان
بكسب وجهاد وطلب علم وبكارهاي مهمتر أزين مشغول بود ندو
برأي أين بود كه پاى برهنه برفتندى وبر زمين نماز كردندى وبرخاك
نشستندى وطعام خوردندى ودست بركف پاى ماليدندى واز عرق
ستوان حذر نكرد ندى وجهد بيشتر در پاكى دل كردندى نه در
پاكى تزوجا مه پس اگر كسى بدين صفت بود صوفيا نرا بروى
اعتراض نرسد وكسى كه بكاهلى از احتياط دست بدارد ويرا نشايد
كه بر أهل احتياط اعتراض كند كه كردن احتياط از ناكردن
فاضل تر است شرط دوم آنكه خويشتن از ريا وورعونت أين
نگاه دارد كه هركه احتياط كند از سرتا پاى وى منادى ميكند كه
من پارسا أم كه خويشتن چنين پاك ميدارم ووى را از آن شرفي پديد
آيد اگر پاى برزمين نهد يا از آفتابه ديگرى طهارت كند ترسد
كه از چشم مردمان بيفتد بايد كه خويشتن را درين بيازمايد ودر
پيش مردمان پاى برزمين وراه رخصت سپرد ودر سر تدارك احتياط
بكند اگر نفس وى در أين منازعتي كند بداند كه آفت ريا بوى
رآه ياقته است اكنون بروى واجب بود كه پاى برهنه رود وبر زمين
نماز كند واز احتياط دست بدارد كه ريا حرام است واحتياط سنت
چون از حرام نتواند حذر كرد إلا بترك احتياط بروى واجب بود ترك
احتياط گفتن شرط سيم آنكه گاهگاه نيز رآه رخصت مى رود
واحتياط بر خويشتن فرض نكرداند چنانكه رسول از مطهره مشركي
طهارت كرده است وعمر رضي الله عنه از سبوى زنى ترسا طهارت كرده است
وايشان در بيشتر أحوال بر خاك نماز كردند وكسى كه در
خفتن ميان خويش وميان خاك هيچ حجاب نكردى ويرا بزرگتر
داشتندى پس چون سيرت ايشان را مهجور كند وناشايست دارد
ونفس مسامحت نكند موافقت ايشان را دليل آن باشد كه نفس
درين احتياط شرفي يافته است باشد كه دست أزين بدارد
شرط چهارم آنكه هر احتياطي كه در آن رنج مسلمانى باشد
دست بدارد كه رنجاندن دل خلق حرام است وترك احتياط حرام نيست
چنانكه كسى قصد آن كند كه دست وى بگيرد رد سلام يا معانقه كند
ودست وروى وى عرق دارد خويشتن باز كشد أين حرام باشد بلكه
خلق نيكو وتقرب بدان مسلمان در ينوقت از هزار احتيتط مبارك تر
بود وفاضلتر وهمچنين اگر كسى پاى بر سجاده وى نهد واز آفتابه
وى طهارت كند واز كوزه وى آب خورد نشأ يدكه منع كند وكراهت
اظهار كند كه رسول الله عليه وآله آب زمزم خواست عباس
رضي الله عنه گفت دستهاى بسيار در آب كرده اند وشوريده كرده
تا ترا دلوى خاص طلب كنم وآب بر كشم گفت نى من بركت دست
مسلمانان دوست تر دارم وبيشتر قرا آن جاهل أين دقايق نشناسند و
خويش اندر چينند از كسى كه احتياط نكند ووى را برنجانند وباشد كه
با پدر ومادر ورفيق وبرادر سخنهاى درشت گويند چون دست بافتابه
وكوزه ايشان دراز كرده باشند وأين همه حرام است چگونه روا باشد
بسبب احتياطي كه واجب نيست وبيشتر آن باشد كه قومي كه أين كنند
تكبري در سر اسشان پديد آيد كه منت بر مردمان نهند كه ما خود
چنين ميكنيم وبغنيمت دراند كه خويشتن از كسى فرآهم گيرند تا وى را
برنجانند وپاكى خويش عرضه كنند وفخر خويش پديد آرند وديگران را
نجس نام كنند بدانكه چنانكه صحابه اسان فرا گرفته باشند فراگبرد واگر
كسى در استنجا بسنگك اقتصار كند أين خود از كباير شناسند وأين همه
از خباثث اخلاق است ودليل نجاست باطن است ودل پاك داشتن از أين خباثث
فريضة است أين همه سبب هلاكت است واحتياط دست بداشتن سبب هلاكت
نيست شرط پنجم آنكه در خوردنى وپوشيدنى وگفتنى نگاه دارد كه آن
مهمتر است چون مهمتر دست ندارد دليل آن بود كه أين احتياط برأي رعونت
يا برأي عادت ميكند چنانكه كسى طعام خورد در وقتي كه گرسنگى وى
بضرورت نباشد آن گاه تا دست ودهان نشويد نماز نكند وأين مقدار
نداند كه هرچه نجس است بي ضرورت چرا ميخورد واگر پاكست
دست چرا مىشويد پس با جامه‌اي كه عاميان شسته باشند نماز مى نكند
وطعلعى كه در خانه عاميان پخته باشند چرا ميخورد واحتياط در
پاكى لقمه مهمتر است وبيشتر أين قوم در خانه بازاريان طعام پخته
خورند وبر جامه ايشان نماز نكنند وأين نه نشان صدق باشد در كار
شرط ششم آنكه أين احتياط بمنكرات ومنهيات ادا نكند چنانكه
بر سه بار زيادت كند در طهارت كه بار چهارم نهى است يا طهارت دراز
بكشد ومسلمانى در انتظار وى مى باشد كه أين نشايد يا آب بسيار
بريزد تا نماز أول وقت تأخير كند يا امام باشد أهل جماعت در انتظار
دارد يا مسلمانى را وعده داده باشد بكارى وآن دير مى شد يا بسبب
آن روز كار كسب وى مى بشود وعيال وى ضايع مى ماند كه أين چنين
كارها بسبب احيتاطى كه فريضة نيست مباح مگردد يا سجاده فراخ فروا كند
در مسجد تا كسى جامه بوى نزند كه از أين سه چيز منكر بود يكى
آنكه پاره ء از مسجد غصب كرده باشد از مسلمانان وحق وى بيش از آن
نيست كه وى سجود كند ودوم آنكه صف چنين پيوسته نتوان داشت
وسنت آنست كه كتف بكتف برادر أو روپيوشته سوم آنكه از مسلمانى
حذر مى كند چنانكه از سگك ونجاستها حذر مى كنند وأين نشايد
وهمچنين منكرات بسيار كه بسى قراى جاهل بسبب احتياط ارتكاب
كنند وندانند
تمام شد آنچه مناسب بود نقل آن در أين مقام.. مصحح
17

فقد رويت بطريقي إلى زرارة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل شك
في الأذان وقد دخل في الإقامة قال يمضي قلت رجل شك في الأذان
والإقامة وقد كبر قال يمضي قلت رجل شك في التكبير بعدما قرء
قال يمضي قلت رجل شك في القراءة وقد ركع قال يمضي قلت شك
في الركوع وقد سجد قال يمضي على صلاته ثم قال يا زرارة إذا خرجت
من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ ورويت بسندي إلى
محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال كلما شككت فيه بعد ما فرغت
من صلاتك فامض ولا تعد وريت عن بكير بن أعين قال قلت له الرجل
18

يشك بعدما يتوضأ قال هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك وهذا التعليل
حسن لتقديم الظاهر على الأصل في هذه الصورة وأقول ثانيا يمكن
تعليل ذلك أيضا بلزوم الحرج لأن الإنسان لا يمكن أن يذكر أنه
فعل جميع العبادات الماضية كل عبادة بخصوصها بجميع شرائطها فلو
وجب عليه قضاء ما لا يعلم وقوعه وقع في حرج لا تخلص منه أبدا ومن
صور تقديم الظاهر على الأصل الحكم بنجاسة غسالة الحمام لأجل
رواية لكنها غير صحيحة ولا صريحة في النجاسة إلا أن أكثر العلماء
عملوا بها احتياطا قاعدة صاعدة الأصل في أفعال المسلمين
19

الصحة وهذه قاعدة ورد بها النص عن الأئمة عليهم السلام وأجمع
عليها العلماء الأعلام وعليها مدار تفاريع الأحكام فكل من في يده
شئ جاز شرائه منه وإن لم يسأله بناء على أنه ملكه أو مأذون فيه
للزوم الحرج والضيق لو كلفناه البينة وقد ورد بذلك النص عن الأئمة
عليهم السلام ومن هنا جاز الشراء من الظلمة والفسقة والسراق ومن لا
يتجنب الحرام وأكل طعامهم وقبول هباتهم ما لم يعلم أن الشئ بعينه
حرام وهكذا يحكم بطهارة فقد رويت عن زرارة قال سألت أبا جعفر (عليه السلام)
20

عن شراء اللحم من السوق ولا يدري ما يصنع القصابون قال فقال إذا كان
في سوق المسلمين فكل ولا تسأل عنه ومثله كثير وكذا ما في أيديهم
من الجلود يحكم بأنها ذكية وإن لم تسأل وقد رويت عن الحسن بن
الجهم قال قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) اعترض السوق فاشترى خفا لا أدري
أذكي هو أم لا قال صل فيه قلت والنعل قال مثل ذلك قلت إني أضيق
من هذا قال أترغب عنا كان أبو الحسن (عليه السلام) يفعله قلت قوله (عليه السلام) أترغب
عنا استفهام إنكار وتوبيخ أي إن كنت لا تقبل قولنا ولا تقتدي بنا فقد خرجت عن
ملتنا وهذا تمام الإنكار على الحسن بن الجهم وهو من أكابر أصحاب
21

الرضا (عليه السلام) فكيف حال الواحد منا إذا لم نأخذ بقولهم واختار لنفسه
شرعا آخر نعوذ بالله من ذلك ورويت بطريقي إلى أحمد بن أبي نصر
قال سألته عن الرجل يأتي السوق فيشترى جبة فرو لا يدري أذكية
هي أم غير ذكية أيصلي فيها قال نعم ليس عليكم المسألة إن أبا
جعفر (عليه السلام) كان يقول إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم إن الدين
أوسع من ذلك وهذا ذم عظيم لمن يضيق على نفسه وتشبيهه له بالخوارج
لو أخبر أحد من المسلمين عن شئ كان نجسا إنه طهره قبل قوله لأن الأصل
في قوله الصحة لأن القول فعل لساني والأصل في أفعال المسلمين الصحة
22

حجة تنقذ من لجة اليقين أقوى من الشك فلا يتعارضان
بل متى تيقنا شيئا ثم شككنا في زواله وجب الحكم ببقائه واطراح
الشك طهارة كان أو نجاسة حلا أو حرمة وقد استفاض النقل عن الأئمة
عليهم السلام بذلك وأجمع عليه جميع فرق الإسلام وقد رويت عن الصادق
(عليه السلام) أنه قال لا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه يقين آخر و
رويت عن عبد الله بن سنان قال سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر أن
أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير و
يدره على أفأغسله قبل أن أصلي فيه فقال أبو عبد الله (عليه السلام) صل فيه
23

ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه
نجسه وهذا في الحقيقة راجع إلى أصل بقاء الشئ على ما كان وهو
الاستصحاب كما قدمناه ويتفرع على ذلك كثير من مسائل الفقه كمن
تيقن الطهارة وشك في عروض الناقض لا يلتفت وبالعكس يجب الطهارة
ومن تيقن طهارة بدنه أو ثوبه وشك في عروض النجاسة لا يلتفت و
بالعكس يجب التطهير وهذا وأمثاله مما لا خلاف فيه وأما تخيل أنه خرج
بول أو مني غير أن يجد رطوبة فهذا وهم فاسد وخيال ردئ شيطاني
يتحتم الإعراض عنه بل وإن وجد رطوبة ما لم يعلم أنه بول أو مني
24

كما تقدم فقد رويت بسندي إلى عنبسة بن منصور قال قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) رجل احتلم فلما أصبح نظر إلى ثوبه فلم ير به شيئا قال يصلي فيه
فقلت رجل يرى في المنام أنه احتلم فلما قام وجد بللا قليلا على طرف
ذكره قال ليس عليه غسل إن عليا (عليه السلام) كان يقول إنما الغسل من الماء
الأكبر تبليغ بليغ قال الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلى وسعها فلا تكليف
بما لا يطاق بإجماع المسلمين ويتفرع على ذلك من الفروع الفقهية
ما لا يحصى كجواز الصلاة في النجاسة مع تعذر الإزالة والصلاة قاعدا
أو إيماء وكالصلاة لمن على ثوبه أو بدنه نجاسة لم يعلم بها لأن تكليفه
بإزالة ما لا يعلمه تكليف ما لا يطاق وقد رويت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال الناس في سعة مما لا يعلمون ورويت عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن
رجل صلى وعلى ثوبه عذرة من إنسان أو كلب أو سنورا يعيد صلاته قال إن كان لم يعلم فلا يعيد ولا يجب على الإنسان إذا رأى على بدن أخيه
أو ثوبه نجاسة أن يعلمه بها لأن الأصل عدم الوجوب وهو غير مكلف
بإزالتها لعدم علمه بها وقد رويت عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)
قال سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلي قال لا يؤذيه
حتى ينصرف ورويت عن أبي بصير قال اغتسل يعني المعصوم من الجنابة
فقيل له قد بقيت لمعة من ظهرك فقال له ما عليك لو سكت ثم مسح اللمعة
بيده إجمال فيه جمال قال الله تعالى ما جعل عليكم في الدين
25

من حرج وقال الله تعالى يريد الله بكم اليسر فكل ما فيه حرج وعسر
مرفوع عنا إجماعا وقد استفاض النقل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة عليهم السلام
بذلك ويتفرع على ذلك ما لا يحصى من الأحكام مثل عدم الالتفات مع كثرة
الشك والسهو فقد روينا عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) أنه قال إذا
كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنه يوشك أن يدعك إنما هو الشيطان
وقرر العلماء أن الكثرة تحصل ثلاث مرات فلا يلتفت في الثالثة للحرج
ولا شبهة أن الحرج الحاصل بالوسواس حتى يتوسل به إلى ترك الصلاة
أو تأخرها إلى آخر الوقت ويشتغل به عن مهمات الدنيا والآخرة أكثر
واشق من فعل موجب السهو فإذا لم يلتفت فيه مع قلة الحرج فعدم التفاتة
في الوسوسة أولى ومن هنا أمر الأئمة عليهم السلام بعدم الالتفات لعلمهم بما
فيه من الحرج والصعوبة وتعطيل المؤمن عن مهمات الدنيا والآخرة حتى أنهم تعدوا إلى ما هو أبلغ من ذلك فقد رويت عن الصادق عن أبيه عن
آبائه عليهم السلام قالت كن نساء النبي إذا اغتسلن يبقين صفرة الطيب
على أجسادهن وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرهن أن يصبن الماء على أجسادهن
قلت لعله إنما لم يأمرهن بالدلك وإزالة أثر الطيب لتعلموا أن ذلك
لا يجب مع أنه ليس فيه كثير حرج وليعلموا أن ما فيه الحرج لا يجب
بطريق أولى فبين لنسائه وأمته أن مبنى شرعه على التسهيل وعدم التعسير
فكيف يخالف أمر الأئمة عليهم السلام ويستحق العقاب بفعل شئ فيه غاية الضرر
26

ونحن شيعتهم وهم أشفق بنا من كل أحد ولم يتركوا شيئا من أبواب
الخير والشر إلا بينوه لنا صلوات الله عليهم أجمعين لؤلؤة الواجب أفضل
من الندب إلا في مواضع يسيرة كالإبراء من الدين على المعسر فإنه
مستحب وأمها له واجب والابراء أفضل وإعادة المنفرد مع الجماعة
مستحبة وهي أفضل من الأولى الواجبة والسلام واجب والابتداء به مستحب
وقالوا إنه أفضل من الرد ونحو ذلك وهو قليل ثم الواجب على قسمين
موسع ومضيق فالموسع يجوز للإنسان أن يفعل المستحبات وإن كان
في ذمته واجبات موسعة كقضاء الصلاة فإنه واجب موسع والنوافل سنة
فيجوز فعلها لمن في ذمته قضاء ولكن الأولى الاشتغال بالقضاء الواجب
ولو قضى مع كل فريضته بقدر ما لها من النوافل حصل له ثواب النوافل
وحرج من عهدة قضاء الواجب فيكون قد أجزأ عن الوظيفتين النفل و
القضاء كما نقل عن بعض المتأخرين وهو وجيه وله نظائر صرح بها العلماء
وكرم الله سبحانه وتعالى أوسع من ذلك ولا يضره كون ركعات القضاء
أكثر من النوافل أو أقل فيثاب بقد ما فعل وأما الواجب المضيق فلا
يجوز لمن في ذمته واجب مضيق الاشتغال بالمستحبات ولا الواجبات
الموسعة فإن أخر فعل الواجب المضيق ولو بفعل مستحب أو واجب
موسع أو مباح كان آثما ولم يكن ذلك مقبولا بل يكون
من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم
27

يحسنون صنعا أجارنا الله وإياكم من ذلك جوهرة فاخرة
الأغلب أن الثواب في الكثرة والقلة يتبع العمل في المشقة والسهولة لقولهم
عليهم السلام أفضل الأعمال أحمزها وهذا هو الموافق لعدل الله وحكمته
على قواعد مذهبنا ومذهب المعتزلة ولا يخرج عن هذه القاعدة إلا ما
جاء في نص بخصوصه وهو على قسمين الأول أمران متساويان أحدهما
أفضل كتكبيرة الإحرام مع باقي التكبيرات الواجبة والصلاة في مسجدين
أحدهما أكثر جماعة وبعدهما واحد وسجود الصلاة مع سجود التلاوة
وهكذا حكم كل واجب يساوي الندب كركعتين واجبتين وأخريين
مندوبتين وكذا السجود وهو كثير كذا قيل وأقول أن الواجب أشق
على النفس من المندوب كما يشهد بالعرف والجد حيث إن
الواجب لما لم يكن منه بد يكون أثقل على النفس بخلاف المندوب
الذي الإنسان فيه بالخيار فإنه أخف فكون الثواب على الواجب
أكثر مع التساوي يكون من هذه الحيثية الثاني أمران متغايران
والأقل منهما أكثر ثوابا كتسبيح الزهراء (عليها السلام) مع أضعافه من التسبيح
والتعقيب وكصلاة الفريضة الواحدة مع حفر القبر وأشباه ذلك وهذا أمر
يجعله الله لحكمة ومصلحة وإن كانت قد تخفى عنا في بعض الأوقات و
هو تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد إعلام فيه أحكام
المشتبه بالنجس حكمه حكمه وكذا المشتبه بالحرام فيجب اجتنابها
28

لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال
والنص في ذلك عن الأئمة عليهم السلام كثير ودليله أن اجتناب النجس
والحرام واجب إجماعا ولا يتم إلا بترك المشتبه به وما لا يتم الواجب
إلا به فهو واجب كما تقرر في الأصول فيجب اجتناب الإنائين أو الثوبين
أو الأكثر من ذلك إذا كان أحدهما نجسا بيقين وكذا يجب تطهير الثوب
إذا تنجس بعضه بيقين واشتبه موضع النجاسة ويجب غسل اليد إذا لامسه
برطوبة لأنه يصير لها حكمه خلافا للشيخ علي ره نعم جاء النص عن الأئمة
عليهم السلام باستثناء غير المحصور فلا يجب اجتنابه للمشقة والحرج
إكمال فيه كمال ليس المراد بالمشتبه الذي لا يدري هل هو نجس
أو لا أو الذي يشك هل عرض له نجاسة أم لا فإن هذا وأمثاله ليس
من المشتبه إجماعا لأن الأصل الطهارة والأصل عدم عروض النجاسة
للطاهر وأيضا الشك لا يعارض اليقين كما تقدم وإنما المراد بالمشتبه
إذا كان إنائان أو ثلاثة مثلا وعلمنا يقينا أن أحدهما نجس ولا نعلمه
بعنيه فهذا هو المشتبه الذي يبحث عنه العلماء أو كان أحد الشيئين
حراما يقينا ولا نعلمه بعينه أما ما بأيدي الظلمة وقطاع الطريق مما
لا نعلم بعينه فإن الأصل فيه الحل لأن الأصل في أفعال المسلمين
الصحة والأصل في الأشياء كلها الحل كما تقدم قاعدة واردة
إذا أمرنا الشارع بأمر أو حكم علينا وخاطبنا بلفط فإن كان للفظ
29

حقيقة شرعية حملناه عليها كما إذا قال صلوا فإن الصلاة في اللغة
الدعاء وفي الشرع ذات الركوع والسجود فيحمل على حقيقته الشرعية
وكذا الصوم والحج ونحو ذلك وإن لم يكن للفظ حقيقة شرعية وكذا
الصوم والحج ونحو ذلك وإن لم يكن للفظ حقيقة شرعية وجب حمله
على حقيقته العرفية إن كان في العرف حقيقة وعلى هذا مبنى أكثر
فروع الفقه ومسائله كما قال الشارع لا يجوز الصلاة في الحرير المحض
فما كان محضا عرفا لا يجوز الصلاة فيه وإن كان فيه قليل قطن
مستهلك وقال لا يجوز الطهارة بالماء المضاف فما يسمى مضافا عرفا
لا يجوز فيه وما لا يسمى مضافا عرفا جاز وإن كان في نفس الأمر
مضافا بأن كان فيه قليل ماء ورد لا يصيره مضافا عرفا ومن هنا يجب
الاعتماد على ميزان البلاد ومكياله في إطلاق المعاملات والنذر
واليمين وإن لم يكن له في العرف حقيقة رجعنا فيه إلى الحقيقة
اللغوية كما قال عصير العنب إذا غلا حرم فلا يحرم عصير ما لا يسمى
عنبا لغة ولا عرفا كالزبيب ونحوه وفروع ذلك لا يحصى إرشاد
فيه سداد من الطرق المنجية يقينا التي ينحتم ارتكابها لأهل التقييد
بالشرع الاحتياط بحسب ما يمكن في العبادات والأحكام الشرعية
وهو طريق الأبرار الذين يخافون الله وقد ورد الأمر به عن النبي
وأهل بيته عليهم السلام وأكثروا من ذلك كقولهم دع ما يريبك إلى
30

ما لا يريبك وليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط ونحو
ذلك وقد أجمع العلماء على أنه طريق منج ووافق العقل على ذلك
والاحتياج إليه في زماننا أكثر لفقد المجتهد ظاهرا وكثير منه يقع
مستحبا كصيام آخر يوم من شعبان وترك النجس والمحرم غير
المحصور وإعادة الصلاة لو شك بعد الانتقال في فعل أو بعد الفراغ
أو إعادة الزكاة لو شك في استحقاق والقابض والشك في الحدث بعد تيقن
الطهارة ونحو ذلك وكثير منه واجب كالقول بوجوب السورة
ونجاسته الغسالة وما دون الكران لم يتغير ونحو ذلك مما فيه خلاف
تتمة مهمة ومما يتحتم فعله في زماننا صلاة الجمعة لدفع تشنيع
أهل السنة إذ يعتقدون أننا نخالف الله ورسوله وإجماع العلماء
في تركها وظاهر الحال معهم أما بطريق وجوب التخييري وأما
بطريق وجوب الحتم والإعراض عن الخلاف لقيام الأدلة القاطعة
الباهرة على وجوبها من القرآن وأحاديث النبي والأئمة الكثيرة
الصحيحة الصريحة التي لا يحتمل التأويل بوجه وكلها خالية من
اشتراط الإمام (عليه السلام) والمجتهد بحيث لم يحضرني مسألة من مسائل الفقه
عليها أدلة بقدر أدلة صلاة الجمعة في كثرتها وصحتها والمبالغة فيها
ولم نقف لمن اشترط المجتهد على دليل ناهض فكيف مع معارضة
إطلاق القرآن والأحاديث الصحيحة ولا قال باشتراطه أحد من العلماء
المتقدمين ولا المتأخرين ما عدا الشهيد في اللمعة فقط وفي باقي كتبه
31

وافق العلماء ولم يشترطه نعم تبعه الشيخ علي عفى الله عنه وملخص
الأقوال ثلاثة الوجوب الحتمي من غير تعرض لمجتهد وهو ظاهر كلام
المتقدمين ما عدا سلار وابن إدريس من المتأخرين الثاني الموجوب
التخييري بينها وبين الظهر وهو مذهب المتأخرين وادعوا عليه الإجماع
ولم يشترطوا مجتهد الثالث المنع منها حال الغيبة سواء حضر المجتهد
أم لا وهو مذهب سلار وابن إدريس واتفق الكل على ضعفه فالذي
يصلي الجمعة يكون قد برئت ذمته وأدى الفرض بمقتضى كلام الله
ورسوله والأئمة الهادين وجميع العلماء وخلاف سلار وابن إدريس
والشيخ علي رحمهم الله لا يقدح في الإجماع لما تقرر من قواعدنا أن
خلاف الثلاثة والأربعة بل العشرة والعشرين لا يقدح في الإجماع
إذا كانوا معلومي النسب وهذا من قواعدنا الأصولية الإجماعية وعليه
إجماعنا والذي يصلي الظهر يصح صلاته على مذهب هذين الرجلين
والمتأخرين لقولهم بالتخيير ولا يصح بمقتضى كلام الله ورسوله
والأئمة المعصومين والعلماء المتقدمين فأي الفريقين أحق بالأمن
إن كنتم تعلمون نعم لو أراد أحد تمام الاحتياط للخروج من خلاف
هذين الرجلين صلى الظهر بعدها وليهيئ تاركها الجواب الله تعالى
لو سأله يوم القيمة لم تركت صلاة الجمعة وقد أمرت بها في كتابي العزيز
على أبلغ وجه وأمر بها رسولي الصادق على آكد وجه وأمر بها
32

الأئمة الهادون وأكدوا فيها غاية التأكيد ووقع إجماع المسلمين على
وجوبها في الجملة فهل يليق من عاقل أن يجيب بقوله تركتها لأجل خلاف سلار
وابن إدريس ما هذا إلا بعمى أو تعام أو تعصب مضر بالدين أجارنا الله وإياكم منه
وجميع المسلمين تكميل فيه بيان جليل ما أكد الله في كتابه العظيم
الكريم ولا أكد رسوله الحليم ولا أهل بيته عليهم الصلاة والتسليم على
أمر أكثر من التأكيد على الصلاة ووقع النص والإجماع على أنها أفضل
الأعمال وصلاة الجمعة داخلة في ذلك ثم إن الباري عز وجل ورسوله و
أهل بيته صلوات الله عليهم أكدوا في أمرها بخصوصها أبلغ التأكيد و
أمروا بها على وجه لا مزيد عليه وذهب كثير من العلماء إلى أنها هي الصلاة
الوسطى التي أمر الله سبحانه وتعالى بالمحافظة عليها وأوجبها سبحانه في
كل أسبوع يوما واحدا وهو أفضل الأيام ثم أمروا بالاجتماع لتحصيل
توارد القلوب على الدعاء والإخلاص وينزل عليهم الفيض الإلهي ثم أمروا
بالخطبة ليسمع الناس والوعظ وتلين قلوبهم ويقربوا من الله تعالى ويكون
الفيض منه تعالى واقعا في محله كالأرض اليابسة إذا ورد عليها الماء وصارت
قابلة للزراعة فإذا وقع البذر وقع في محله فينبت ولا شك أن الباري إنما
يكلفنا بما فيه صلاحنا ولولا علمه عز وجل ما في صلاة الجمعة من اللطف
لعباده وصلاح قلوبهم وفيض الرحمة والتوفيقات عليهم باعتبار الاجتماع
العام واستماع الوعظ لما كلفهم ولا حثهم الحث البليغ وليس لنا اليوم
33

بحمد الله في تركها عذر بخلاف من تقدمنا فإن عذرهم كان في تركها
واضحا لأنه كان تنصب الأئمة حكام الجور وكانوا ينصبون الفساق والشيعة
ما كانوا يقدرون على نصب إمام مرضي منهم فهل يليق منا في هذه الدولة
الظاهرة القاهرة وسيوف حضرة الشاه أدام الله نصره وسيوف شيعة أهل البيت
عالية على رؤس أعدائهم وديننا بحمد الله أظهر من الشمس أن نترك هذه الفريضة
العظيمة بمجرد الخيال والوهم ونتعلل بما لا يقبله الله منا ونفوت أنفسنا
الأجر العظيم والمقام الكريم وهل شئ أحسن من أن يأمر الشاه بها في
أيام دولته فيكون ثوابها وثواب من يصليها في صحائفه إلى يوم القيمة ولعل
التوفيقات الإلهية اقتضت كون هذه السنة العظيمة مكتوبة في صحائفه
لا يزال مسددا مؤيدا إلى يوم الذين جوهرة من جواهر
الأشراف لا من جواهر الأصداف أعز الأشياء عند الإنسان
نفسه وهي أمارة بالسوء فإن مكنها من جميع ما تشتهي هلك وكفى بذلك
خسرانا فيجب جهادها بإلزامها بالطاعات واجتناب المنهيات والتوبة والإقبال
على الله تعالى كان علي (عليه السلام) إذا رجع من الجهاد يقول رجعنا من الجهاد
الأصغر إلى الجهاد الأكبر يعني جهاد النفس فيجب تذكيرها قصر هذا العمر
وفناء هذا البدن وأن العمر كل لحظة في نقص وأنا نسير إلى الفناء القريب
الذي لا بد من وقوعه فيجب منعها عن القبائح وتهذيبها بالفكر والمواعظ
ليجتهد في الطاعات ومحاسن الأخلاق والإقبال على الله ونستعين عليها
34

بالقرآن والأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ومواعظهم البليغة
فإن فيها شفاء من كل داء ليسعد بالسعادة الأبدية ولا يكون عمره وبالا عليه
فيقع في الشقاوة السرمدية وبالجملة فأشجع الناس وأعقلهم من اشتغل بجهاد
نفسه فغلبها ذلك هو الموفق من عند الله وأسفه الناس وأجهلهم من غلبته
نفسه فوقع فيما يعبده عن الله ذلك هو المخذول بغضب الله حيث اختار لنفسه
وهي أعز الأشياء عنده الخسارة الكلية السرمدية ياقوتة من يواقيت
الأبرار لا من يواقيت الأحجار قد أنعم الباري علينا
بأنواع النعم التي لا يحصى أو جدنا من العدم ثم صورنا على أحسن صورة
وأكملها وخلق لنا الأعضاء والعروق والأعصاب والقوى والحواس الظاهرة
والباطنة التي تقصر اللسان والفكر عن وصفها ثم خلق لنا ما في الأرض جميعا
من المساكن والملابس والمآكل والمشارب والمراكب والفواكه والملاذ
على اختلاف أنواعها ثم أرسل إلينا رسلا ليدلونا عليه ويؤدبونا ويعلمونا
فرائضه وأحكامه وما ينفعه في ديننا ودنيانا وشرفنا بكلام العظيم
المشتمل على أنواع الحكم والمواعظ والأحكام والأمثال وأهلنا لخدمته
وكلفنا بأحسن التكاليف وأسهلها لقصد نفعنا فينبغي أن نقوم بشكره بكل
ما يمكننا على أحسن الوجوه وأكملها بأن يكون جميع حركاتنا وسكناتنا
وجميع أفعالنا واقعة على وجه رضاه والتقرب إليه كما تقرر ليزيدنا
عز وجل من نعمه وكي لا يسلبنا تلك النعم ويجعلنا من المطر ودين
35

المبعدين لأنه تعالى يقول لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد
والجناب الأعلى أدام الله دولته وأظهر على أهل النفاق صولته قد أنعم الله
عليه بأكمل النعم وأجلها فينبغي أن يكون شكره أتم وأكمل من شكر
كل أحد من المواظبة على وظائف المراقبة لله تعالى والعبادة على النهج
الذي قرره آبائه عليهم السلام خصوصا الصلاة التي هي أفضل الأعمال
ليزده الله من نعمته في الدنيا ويجعله في الدرجة العليا مع آبائه المعصومين
في الأخرى إنه جواد كريم بيان له شأن لينظر العاقل إذا جلس
لقضاء الحاجة ما يشتمل عليه من الأقذار وهو يسترها عن الناس مع أنهم
كلهم يشاركونه في ذلك وقصده الراحة من إزالتها فاشتغال العاقل بإخراج
نحاسات قلبه كالكبر وحب الدنيا أولى لأن الباري مطلع عليها وهي أضر من
كل شئ وكذلك يستر عورتها عن الناس ولهم مثلها فستر العورات الباطنة
بالتوبة وطلب العفو أولى كيف والمولى مطلع عليها وكك النجاسات الخبثية
إذا كنت أمرت بإزالتها عن ثوبك وبدنك حالة الصلاة فاشتغالك بتطهير
ذلك وقلبك من الأدناس أولى وإنما كلفنا بتطهير الأعضاء الظاهرة بالوضوء
إذا حصل أحد الأحداث لأنها نشأت عن اللذات الدنيوية كالمأكل والمشرب
فأمرنا بتطهير تلك الأعضاء المباشرة لتلك الأمور الدنيوية عند الاشتغال بعبادة
الله تعالى والإقبال عليه وأمر بغسل جميع البدن عند الجماع لأن الإنسان
ينغمس في اللذة ويشتغل جميع جوارحه فيغسل كل بدنه ليصلح لمناجاة الله تعالى
36

في العبادة وإذا كان كذلك فوجوب غسل القلب من الصفات الدنية
والإقبال على الدنيا التي يبعد عن الله تعالى غاية البعد أولى لأن القلب
هو الرئيس الأعظم لهذه الأعضاء وهو موضع نظر الرب ومناجاة الباري تعالى
لأنه لا ينظر إلى الصور الظاهرة فيجب غسله من تلك الأدناس ليصلح
لمناجاة الرب والوقوف بين يديه ويستلذ بالمناجاة العبادة
ويقع في حيز القبول لأن الباري طيب طاهر لا يقبل إلا الطيب الطاهر
وأما إذا بقي على نجاسته وكدروته فإنه لا يصلح لمناجاة الحق
سبحانه ولا لخدمته فيتحقق عدم القبول بل يستحق الطرد والعقاب
لدخوله من غير الباب وإنما أمرنا بالتيمم بالتراب عند فقد الماء
وضعا لتلك الأعضاء الشريفة وهضما لها بتطهيرها بالتراب الخسيس
وكذا القلب إذا لم يمكن تطهيره من الأخلاق الرذيلة وتحليه بالأوصاف
الجميلة وجب أن يقوم في مقام الذل والانكسار والاعتراف بالعجز
والقصور فيطلع عليه مولاه الرحيم وهو منكسر متواضع متذلل فمسى
أن يهبه نفحة من نفحات نوره وقضية جوده لأنه عند القلوب المنكسرة
وهذه الإشارات والمعارف وما نورده بعد ذلك أنما أخذناه من كلام الأئمة
المعصومين عليهم السلام لأنه قد ورد عنهم أن الطهارة عن الحدث
والخبث أمر مجازي ظاهري وإنما أوجبه الباري سبحانه ليكون
طريقا ودليلا على وجوب الطهارة الحقيقة وهي طهارة القلب لأنه
37

مدار التكليف والباري لا ينظر إلا إليه وهذا أصل مدار علوم السالكين
ومقامات العارفين من الأنبياء والأئمة المعصومين والأولياء المقربين
صلوات الله عليهم أجمعين لعل من لعال السالك لا من
للعال الهالك السعادة التامة والتشرف مرضي الباري
عز وجل ونيل المنزلة عنده إنما يحصل بالإقبال بالقلب حال العبادة
وإلا كانت كالجسد من غير روح والكلام من غير معين فإذا وقفت
في صلاتك بين يدي ربك فاعلم أنك بحضرته وهو يراك فألزم قلبك
الخشوع والتذلل والخوف وبدنك السكون قال الله تعالى والذين هم
في صلاتهم خاشعون والباري عز وجل ملك الملوك وجبار الجبابرة
وهو مطلع على سريرتك فكما نهيت في الصلاة من الالتفات يمينا وشمالا
كذلك يجب عدم الالتفات بالقلب إلى سواه ولنوضح ذلك بمثال لو كان
زيد وعمر ومتساويان في المرتبة وأقبل زيد على عمر ويحدثه
وينادمه ويعظه وينصحه ويعلمه ولم يقبل عمرو عليه ولا أعطاه أذنه
ولا قلبه وجعل يشتغل حال كلام زيد ببعض مهماته الدنية الحقيرة
وأقبل على شخص آخر هو في المرتبة أدنى من زيد فلا شك
أن زيدا يمتلي غضبا وحنقا ويعد عمروا مسيئا للأدب وربما لا يكلمه
أصلا وربما يهينه إذا قدر على إهانته هو مثله في المرتبة فكيف
برب الأرباب وملك الملوك ونحن وقوف بين يديه في الصلاة وهو
38

أقرب إلينا من حبل الوريد وهو يخاطبنا بكلامه الكريم وقلوبنا
مشغولة عنه بما لا يجدي من أمور الدنيا ولا نستحي منه بخطابنا
ونعرض عنه وهو مطلع على قلوبنا أو لا نخاف أن يعرض عنا ويمنعنا
التوفيق ويبعدنا عنه ونصير من المطرودين الذين خسروا الدنيا والآخرة
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ومن هنا كان الأئمة إذا وقف
أحدهم للصلاة تغير لونه واصفر وجهه وارتعدت فرائصه وتغيرت أحواله
فإذا سئل عن سبب ذلك قال ألا تدرون بين يدي من أقف وهكذا
مقامات الأولياء كل من علمه بالله وقربه منه اشتد خوفه وكثرت
مراقبته كما نجده من خدام الملوك فإنهم إذا كانوا بحضرته يظهرون
أنواع الأدب والمراقبة ولا كذلك إذا بعدوا عنه لؤلؤة من لؤلؤ
الأخيار لا من لؤلؤ البحار الباري عز وجل لم يخلقنا عبثا
ولا أرسلنا كالبهائم هملا فيكون لاعبا قال الله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وليست العبادة لنفعه لأنه غنى مطلق بل إنما
كلفنا لقصد نفعنا ليجعلنا مستحقين للثواب كرما منه وفضلا فينبغي للعاقل
الرشيد أن يدخل في العبادة بقلبه بتمام الإقبال والرغبة والسرور
خصوصا الطهارة التي هي إشارة إلى طهارة القلب ووسيلة إلى الصلاة
التي هي أفضل الأعمال وعمود الدين ومناجاة الرب وأول ما يسأل عنه
الإنسان فإن قبلت قبل سائر عمله وإن ردت رد والله الموفق
39

لطيفة شريفة أن الملك العظيم إذا أمر أحد بخدمة فإنه
يحصل له غاية السرور والابتهاج والفخر بين الناس ويفعل تلك
الخدمة بتمام الإقبال ويبذل في تحسينها وإتقانها غاية الجهد
ويجعلها ما أمكن ليقع ذلك في قلب الملك موقعا حسنا رجاء أن ينفعه
بشئ مع أن الملك عبد مثله من عبيد الله الضعفاء لا يستطيع أن ينفعه
بشئ إلا أن يشاء الله وإن نفعه بولاية أو سلطنة ربما كان فيها
هلاكه لأن ذلك الملك لا يعلم الغيب ولا يستطيع دفع الضرر عن نفسه
وإن نفعه بشئ وليس فيه هلاكه فهو شئ حقير يسير من حطام الدنيا
ولا بقاء له وأما رب الأرباب وموجد الموجودات فقد شرفنا بخدمته
وأكرمنا بها من غير احتياج منه إليها بل بمجرد صلاحنا في الدنيا
والآخرة وهو صادق القول وقادر وقد وعد على تلك الخدمة الثواب
الجزيل أو النفع الدائم في جنات النعيم الذي لا تساوي الدنيا وما
فيها أيسر يسير منه فكيف يليق من العاقل الرشيد أن يتكاسل في
تلك الخدمة خصوصا الصلاة ويؤخرها إلى آخر أوقاتها ثم يدل فيها
بغير قلب ولا رغبة بل مستقلا بها مستثقلا لها مشتغلا بها بجسمه وقلبه وفكره
مشغول بمهمات الدنيا الفانية وتغفل عن أن هذا الصلاة خدمة للرب
وامتثال لأمره ووقوف بين يديه لمناجاته وهو مطلع على السرائر
فينبغي أن يكون بتمام الخشوع والإقبال والمراقبة وحضور القلب
40

وغفلته عن ذلك من علائم الخذلان وغرر الشيطان نعوذ بالله تعالى توضيح
فصيح إذا تيسر لأحد مجالسة الملك العظيم الشأن ومحادثته ومصاحبته
وسؤال حاجاته يعد ذلك من أكبر النعم والفخر ويحصل له به غاية السرور
والابتهاج والباري عز وجل ملك الملوك وسلطان السلاطين ونحن نتمكن
كل ساعة من مناجاته وسؤال حوائجنا بل ندبنا بذلك وحثنا عليه بل
أوجبه علينا كل يوم خمس مرات قيل لبعض الأولياء المواظبين على الخلوة
والعزلة ألا تستوحش فقال كيف ذلك وأنا جليس الله لأن الباري يقول
في الحديث القدسي أنا جليس من ذكرني فإذا أردت أن أكلمه دعوته
وإذا أردت أن يكلمني قرأت القرآن والحاصل أن الباري جل وعز
حاضر معنا في كل آن وكل مكان للمنادمة وسؤال الحاجات وهذا
من أكبر النعم التي تقصر الألسن والفكر عن وصف أدنى مراتبها والأنبياء
والمرسلون والأئمة المعصومون والأولياء والمقربون لما لاحظوا هذه النعمة
وادركوا هذه اللذة والبهجة كانوا يجدون العمر فرصة ويصرفون كل
أوقاتهم في عبادة الله ومناجاته وملازمة الأدب في حضرته وكانوا يلتذون
بالعبادة والإقبال على الله تعالى غاية اللذة ويبتهجون بها غاية الابتهاج
كما يلتذ العاشق بمحادثة معشوقه ولا يسأمون منها أصلا لأن المحب لا
يسأم من محادثة محبوبه وكانوا يعدونها من أكبر النعم خصوصا الصلاة
لأنها من أحسن العبادات إلى الله تعالى فكانوا يختارون لها السور الطويلة
41

ويطيلون القنوت والذكر في الركوع والسجود والدعاء في خلال
الصلاة والبكاء والخشوع وفي صلوات النفل يقرؤون سورا متعددة حتى أن بعضهم كان يقرأ القرآن كله في ركعة أو ركعتين وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
يشتاق إلى الصلاة كاشتياق العاشق إلى محبوبه أو العطشان إلى الماء و
لهذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) قرة عيني في الصلاة وكان يتهيأ لها بالوضوء قبل وقتها
ويجلس في المسجد ينتظرها انتظار المشتاق إليها ويقول لمؤذنه أرحنا
أي أنظر إلى الوقت وأذن في أعجل ما يمكن فالموفق من عند الله المؤيد
من فضل الله من اشتاق إلى صلاته وانتظرها وتهيأ لها ودخل فيها بتمام
الإقبال والابتهاج بها والالتذاذ بالمناجاة والمخذول من لم يعتن بأمرها
وآخرها إلى آخر أوقاتها وضيع الفضل العظيم ورضى الرب الكريم
الحاصل بالتقديم ونحن نجد من باع سلعة بدرهم وقيمتها مأة درهم
يعده الناس سفيها أو مجنونا فما ظنك بمن ضيع من الثواب ورضى
رب الأرباب ما تصغر الدنيا وما فيها عن أقل قليل منه إن هذا إلا غفلة
نشأت عن خذلان وعدم توفيق نسأل الله العفو والعافية إيضاح فيه
إنصاح لو كان للملك غلمان غير صالحين لخدمته والتشرف بحضرته
لأجل نقصهم وجهلهم بآداب! لخدمة وكان يحسن إليهم حتى يتكملوا
ويصيروا أهلا لخدمته فإذا تكمل واحد منهم فقربه الملك وألبسه
خلع الرضا وأوقفه في خدمته وشرفه بحضور حضرته ومجالسته ومحادثته
42

كل وقت فلا شك أن ذلك الغلام يحصل له بذلك تمام السرور والفخر
ويبالغ في الخدمة بكل جهده ويتقنها غاية ما يمكنها ويشكر مولاه
على ذلك أن كان عاقلا رشيدا ولا شك أنه إن قصر في الخدمة أو بعض
شرائطها أو تضجر منها أو أخرها إلى آخر أوقاتها عد غير رشيد ولا عاقل و
استحق العزل والإهانة وكذا الإنسان قبل بلوغه غير صالح لخدمة الباري
عز وجل لمنقصته فإذا بلغ فقد كمل وحينئذ يكلفه مولاه ويأمره بخدمته
والتشرف بمناجاته في حضرته فينبغي أن يعد ذلك من أكبر النعم وأن
يبالغ في إتقان الخدمة وتعجيلها والالتفات إليها بقلبه لأن الباري مطلع
عليه ويديم الشكر ويسأل الله أن لا يسلبه هذه النعمة ولا يعزله عن
هذه الخدمة ليدوم له التشرف بها وليزيد الله من فضله قربا وشوقا
ولا شك أنه إن لم يراع هذه النعمة ولم يشكرها أو استثقل بها أو أخرها و
فعلها بتكلف وتضجر فإنه يستحق العزل وسلب النعمة تتميم نفعه
عميم نحن نجد ملوك الدنيا وهم مثلنا عبيد عاجزون يحتجبون
عن الناس أمانها راقبا لحجاب والبوابين وأما ليلا فبغلق الأبواب والحراس
المتكثرين وإذا جلس للناس لا يمكن أن يدخل إليهم أكابر الناس
إلا بمشقة وصبر طويل وملازمة لخدامهم وتحف يهدونها إليهم ليستأذنوا
لهم وأما أدنى الناس وأوساطهم فقد لا يتيسر لهم ذلك فإذا أرسل ملك
منهم عظيم الشأن إلى أحد أن احضر عندي غدا حتى أنادمك وسلني حوائجك
43

لأقضيها لك وأحسن إليك فلا شك أن ذلك الرجل يسر بذلك غاية السرور
ويتهيأ لملاقاة الملك فيلبس أحسن الثياب ويصلح ظاهره لأنه موضع
نظر الملك ويهيأ أحسن الكلام الذي يقرب به من خاطر الملك فإذا تيسر
له مجالسة الملك ومحادثته ساعة أظهر غاية الأدب وإحضار القلب وحفظ
جوارحه من العبث فإذا قضى حوائجه أو شيئا منها أو أعطاه شيا من حطام الدنيا
الفانية حصل له غاية الابتهاج والسرور وإذا لم يمتثل أمر الملك ولا
اعتنى به ولم يحضر عنده أو أخر الحضور إلى آخر النهار من غير عذر
أو حضر بتكاسل ولبس ثيابا وسخة دنية تدل على عدم اعتنائه بالملك
فلا شك أنه لا يكون إلا سفيها وغير رشيد ولا شك أن الملك يهمله
ويعرض عنه ولا يقضي حوائجه ولا يأذن له بحضور مجلسه بعد ذلك
ونحن نجد ملك الملوك وسلطان السلاطين حاضرا معنا كل وقت وناظر
إلينا كل آن يسمع كلامنا ويعلم ما في نفوسنا ليس له حاجب ولا بواب
وقد دعانا إليه وإلى مناجاته وسؤال الحوائج في كل آن وهو أكرم
من كل كريم لا ينقصه البذل ولا تسأم من كثرة السؤال بل أحثا على
سؤاله كل يوم ووعدنا على ذلك الثواب العظيم الذي تصغر الدنيا وما فيها
عن أقل قليل منه ثم توعدنا على تركه بالعقاب وخوفنا من عذابه الأليم
كل ذلك مبالغة في الكرم والتفضل فهل يكون أحد أكرم منه وهل
يكون أحد أشد سفها وأكثر جهلا ممن يغفل عن ذلك ويؤخر العبادة
44

أو يحضرها بغير قلب أو يكون قلبه مكدرا منجسا بالرذائل الدنيوية
وهو يعلم أن الباري مطلع عليها ثم يدعوه إليه وهو يعرض عنه الله
إن الإنسان ليستحي من مثله أن يفعل ذلك أو لا يخاف أن يعرض الباري
عنه ويعزله عن خدمته ويبعده عن مقامات الرضا ويجعله من المطرودين
عن موائد الكرم فيكون من الذين خسروا الدنيا والآخرة ما هذا إلا غفلة
وغرور من الشيطان الرجيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ختم امتثاله حتم لا يخفى على العاقل الرشيد أن الملك والسلطنة
وتعلقات الدنيا لا يمنع الحازم من توجه القلب إلى الله تعالى في أكثر الأوقات
أو قليلها خصوصا حال العبادة فإن نبينا (صلى الله عليه وآله) كان كثير التعلقات
بجهاد الكفار وترتيب الجيوش والاستعداد للحرب وتعلقات أصحابه ونسائه
وخدامه ولهذا قال الله تعالى أن لك في النهار سبحا طويلا وهكذا وأكثر
الأنبياء كسليمان وموسى وباقي أولي العزم فإنهم مع كثرة تعلقاتهم بأمور
الدنيا كان لم تعلقات وتوجهات إلى الله تعالى وكانوا يخلون قلوبهم مما
عد الله تعالى ولا يتعلقون بسواه في أكثر الأوقات وبالخصوص حال العبادة
وأما في بعض الأوقات فكانوا ذوي جهتين قلوبهم متعلقة بالله وظاهرهم
متعلق بتدبير مهماتهم الدنيوية وذلك لكمال نفوسهم وقد ورد عن نبينا
(صلى الله عليه وآله) ما معناه أن لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب
ولا نبي مرسل فينبغي للحازم اللبيب أن يجعل لله تعالى من قلبه نصيبا
45

وافرا خصوصا حال عبادته ولا يمكن الشيطان من الاستيلاء عليه في كل الأوقات
فيصير عبد سوء ويبعد عن رضا الله وثوابه ويحرم التوفيقات الإلهية و
يصير من الأخسرين أعمالا نعوذ بالله من ذلك ولا يخفى أن كثرة التعلقات
الدنيوية لا يحصل معها تمام الإقبال على الله تعالى إلا للمؤيدين من عنده
كالأنبياء والمرسلين والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين فإنهم
ما كانوا يشغلهم عن الله شاغل أصلا لصفاء نفوسهم وعلو همتهم وكثرة علمهم
بعظم الله وجلاله وأما من عداهم فبقدر تعلقهم بالدنيا يبعدون عن الله وتعالى
لقصور نفوسهم ولهذا كان بعض الملوك والأكابر إذا كثر علمهم بالله وعلمت
همتهم ولحظتهم العناية الربانية تركوا الدنيا وتعلقوا بالله وحده كإبراهيم بن
أدهم وبشر الحافي وأهل الكهف فإنهم لكمال رشدهم لا يرضون
أن يشتغلوا قلوبهم بغير الله لحظة عين ولكن هذه مقامات مات آخر ورفعنا
بعضهم فوق بعض درجات ولا يسقط الميسور بالمعسور والحاصل أنه بقدر
همة الإنسان ورشده يكون تعلقه بالله تعالى سواء كان مع ذلك تعلق بالدنيا
أم لا قل ذلك التعلق أم كثر هذا آخر ما تيسر كتابته امتثالا للأوامر
العالية لا زالت عالية إلى يوم الدين كتبناه عجالة الوقت مع شغل البال
وتشتت الحال ليكون أنموذجا للحضرة المؤيدة المسددة ليترقى بفكره
الصائب وفهمه الثاقب إلى ما هوا على مرتبة من ذلك فإنه غصن الشجرة
النبوية بل ثمرة تلك الأغصان العلوية جعله الله في الدنيا محفوظا برعاية
46

آبائه الطاهرين وفي الآخرة ملحوظا بالعناية في الدرجة العالية مع الأولياء
والمقربين وإذا يسر الله تعالى كتبنا ما هو أكمل من ذلك بحيث يكون طريقا
للمؤمنين وتذكرة للساكنين وسلما يرتقي به ذوي الهمم العالية إلى
منازل المقربين وفقنا الله لذلك والعمل بما يحب ويرضى إنه جواد كريم
صورة خط المصنف ره أنهاه كاتبه أدام تسديده وتأييده وأجري
عليه فضله ومزيده قراءة وتصحيحا في مجلسين آخرهما يوم الجمعة تاسع
رجب المرجب من شهور سنة سبعين وتسعمأة من الهجرة النبوية على
مشرفها السلام مؤلف الفقير حسين بن عبد الصمد الجباعي بلغه الله آماله
وأصلح في الدارين أعماله إنه جواد كريم صورة خط الكاتب ره وفرغ
من مشقه يوم الخامس من العشر الأول من الشهر الثامن من السنة السابعة من العشر
الثالثة من المأة الثانية من الألف الثاني من الهجرة النبوية المصطفوية على
هاجرها ألف ألف سلام وكتب بيمناه الدائرة أحوج الخلائق إلى رحمة
الملك الخلائق محمد سامع عفى عنه بمحمد وآله الطاهرين
تم طبع الكتاب المستطاب الموسوم بالعقد الحسيني من النسخة
المنسوبة إلى المصحح بعد المقابلة مع النسخة المحفوظة بمكتبة
سپهسالار تهران واسم الكتاب على هذه النسخة العقد الدرر
الطهماسبي والحمد لله
47