الكتاب: روض الجنان (ط.ق)
المؤلف: الشهيد الثاني
الجزء:
الوفاة: ٩٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم المشرفة
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية

روض الجنان
في
شرح إرشاد الأذهان
الشهيد السعيد زين الدين الجبعي العاملي الشامي
مؤسسة آل البيت
لإحياء التراث
1

هذا كتاب روض
الجنان في شرح إرشاد الأذهان للعالم الرباني
الشهيد الثاني ره
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي
الحمد لله المتفضل بشرح معالم شريعته لارشاد الأنام المتطول بإرسال الرسل لتبريز الاحكام وتميز
الحلال عن الحرام مكمل من اختارهم من خلقه بالقيام بوظائف هذا المرام وجاعل أقدامهم واطئة على
أجنحة ملائكته الكرام ومرجح مدادهم يوم القيام على دماء الشهداء الاعلام أحمده سبحانه وأشكره و
أتوب إليه واستغفره من جميع الآثام وأصلي وأسلم على نبيه الذي شيد وأحكم الاحكام أشد تشييد و
أحكم أحكام محمد الذي أزاح بنور غرته غياهب الظلام وأدأب نفسه الشريفة في تبليغ رسالة الملك
العلام ودعى بشريعته المقدسة إلى دار السلام وعلى آله الغر الكرام أئمة الاسلام وحفظة الشرع
الكريم عن تطرق الأوهام صلاة وسلاما لا انقضاء لهما ولا انفصام ما تعاقب الليالي والأيام
وتناوب الشهور والأعوام وبعد فهذا تعليق مختصر كافل بالامداد للمشتغلين بكتاب الارشاد
حققت فيه مقام المقال حسب مقتضى الحال معرضا عن تطويل العبارة بالقيل والقال مكتفيا في الغالب
بالجواب عن السؤال راجيا في تلك وجه الله الكريم وثوابه الجسيم والتقرب إلى نبيه محمد وآله عليهم أفضل
الصلاة والتسليم معترفا بالقصور عن شاؤ هذا الشأن وبأن الانسان محل الخطاء والنسيان ما خلا الذوات
المقدسة الذين هم أعيان الانسان وأي كلام لا يتأتى عليه كلام حاشا كلام الملك العلام وأنبيائه وأوصيائه
عليهم السلام مع إني أرجو ممن اشتمل على الانصاف إهابه وقل في سبيل الحسد ذهابه وقليل ما هم أن يحمد منى ما
يجده في مطاويه ويشكر سعيي عند وقوفه على دقائق مودعة فيه لا يجدها إذا أرادها في كتاب ولا يتبهج بها
إلا المتقون من أولى الألباب والله يحق الحق بكلماته ويبطل الباطل ولو كره المبطلون هذا مع تقسم البال
وتقلقل الحال من تراكم أمواج فتن وأهوال وعلى الله قصد السبيل وإرشاد الدليل وهو حسبي ونعم الوكيل
إعلم أن العلماء رضوان الله عليهم قد استقر أمرهم على أن يبتدؤا في مصنفاتهم بتسمية الله تعالى وتحميده اقتداء
بخير الكلام كلام الملك العلام واستدلالا بأحاديث وردت عن رسوله وآله عليهم السلام فسلك المصنف ره
هذا النهج القويم وقال بسم الله الرحمن الرحيم وتوهم التنافي بين مشهوري خبري البسملة والحمدلة الذين أحدهما
قوله صلى الله عليه وآله كل أمر ذي بال لم يبدء فيه ببسم الله فهو أبتر والثاني كل أمر ذي بال لم يبدء فيه بحمد الله فهو
2

أجذم باعتبار أن الابتداء بمدلول أحدهما يوجب تأخير الاخر يندفع بأن الابتداء هو التقديم على المقصود
الذاتي وهو مسائل الفن والخطبة بأجمعها مقصودة بالعرض والمحل متسع أو بأن الابتداء حقيقي وإضافي فالحقيقي
حصل بالبسملة والإضافي بالحمدلة فهو مبتدء به بالإضافة إلى ما بعده أو أن الحمد هو الثناء بنعوت الكمال واسم
الله المتعال منبئ عن صفات الاكرام ونعوت الجلال فالابتداء بالتسمية يستلزم العمل بالخبرين جميعا والمراد
بالأمر ذي البال ما يخطر بالقلب من الأعمال جليلة كانت أم حقيرة فإن أفعال العقلاء تابعة لقصودهم ودواعيهم
المتوقفة على الخطور بالقلب والأبتر يطلق على المقطوع مطلقا وعلى مقطوع الذنب وعلى ما لا عقب ولا نتيجة
له وعلى ما انقطع من الخير أثره والمعنى على الأول والأخير إن ما لا يبتدء فيه من الأمور بالتسمية مقطوع الخير
والبركة وعلى الثاني يراد به الغاية الحاصلة من البتر وهي النقص وتشويه الخلقة ونقص القدر وفي تخصيص
الوصف بالآخر مع أن الفايت مع عدم التسمية الأول إشارة إلى بقاء اعتبار ما لا تسمية فيه في الجملة وإن كان
ناقصا بخلاف ناقص الرأس مثلا فإنه لا بقاء له والكلام في الثالث نحو الكلام في الأول والأخير فإن ما لا نتيجة له
ولا عقب ناقص البركة مضمحل الفائدة منقطع الخير والتعبير بالابتداء الصادق على القول والكتابة يدخل فيه
ابتداء العلماء بها كتابة وابتداء الصناع بها قراءة فسقط ما قيل أنه إن أراد بالابتداء القراءة لم يكن فيه دلالة
على الاجتزاء بالكتابة فلا يتم تعليلهم ابتداء التصنيف بها لان الكتابة لا تستلزم القراءة وإن أريد الكتابة لم يحصل
امتثال النجار ونحوه للخبر حتى يبتدئ أولا فيكتب بسم الله إلخ لاندفاع ذلك بالتعبير بالابتداء على وجه كلي نعم
ربما استفيد من القرائن الحالية اختصاص كل أمر بما يناسبه من فردي الابتداء فلا يكفي الكتابة لمريد النجارة مثلا
والباء في بسم الله أما صله لا يحتاج إلى ما تتعلق به أو للاستعانة أو للمصاحبة متعلقة بمحذوف اسم فاعل خبر
مبتدأ محذوف أي ابتداي ثابت باسم الله أو فعل أو حال من فاعل الفعل المحذوف أي ابتداي متبركا أو مستعينا
أو مصدر مبتدأ خبره محذوف أي ابتداي باسم الله ثابت ونحوه ولا يضر على هذا حذف المصدر وإبقاء معموله
لأنه يتوسع في الظرف والجار والمجرور ما لا يتوسع في غيرهما وتقديم المعمول هنا أوقع كما في قوله تعالى بسم الله
مجراها وإياك نعبد ولأنه أهم وأدل على الاختصاص وأدخل في التعظيم وأوقف للوجود وإنما كسرت الباء ومن حق
الحروف المفردة أن تفتح لاختصاصها بلزوم الحرفية والجر كما كسرت لام الامر ولام الجر إذا دخلت على المظهر للفرق
بينها وبين لام التأكيد والاسم مشتق من السمو حذفت الواو من آخره وزيدت همزة الوصل في أوله لأنها من
الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السكون وسمى اسما لسموه على مسماه وعلوة على ما تحته من معناه وقيل أصله
وسم وهو العلامة والأول أولى بدليل تصغيره على سمى وجمعه على أسماء ولأن بينه وبين أصله على الأول مناسبة
لفظية ومعنوية بخلاف الثاني فإنها معنوية فقط وإنما علق الجار على الاسم مع إن المعنى إنما يراد تعلقه بالمسمى
للاشعار بعدم اختصاص التعلق بلفظ الله لا غير لأنه أحد الأسماء وللتحرز من إيهام القسم ولقيام لفظ الله مقام
الذات في الاستعمال ومن ثم يقال الرحمن والرحيم وغيرهما اسم من أسماء الله ولا ينعكس ولجريان باقي الأسماء
صفة له من غير عكس والله اسم للذات الواجب الوجود الخالق لكل شئ وهو جزئي حقيقي لا كلي انحصر في فرد
وإلا لما أفاد قولنا لا إله إلا الله التوحيد لان المفهوم الكلى من حيث هو محتمل للكثرة وعورض بقوله تعالى
قل هو الله أحد فإن الله لو كان جزئيا حقيقيا لما حسن الاخبار عنه بالأحدية للزوم التكرار ويجاب بأن
3

الجزئي إنما ينفى الكثرة الخارجية والتعدد الذاتي كزيد مثلا وهو مرادف للواحد فليس فيه إلا نفى الشريك المماثل
مع جواز الكثرة بحسب أجزائه وصفاته بخلاف الأحد فإنه يقتضى نفى التعدد والكثرة (والتكثر خ ل) فيه مطلقا حتى في الصفات
فإنها اعتبارات ونسب لا وجود لها في الخارج كما قال علي عليه السلام وكمال الاخلاص له نفى الصفات عنه سلمنا
لكن المعارضة إنما تتم لو جعلنا هو ضمير الشأن والله أحد مبتدأ وخبرا في موضع خبر هو وليس ذلك متعينا لجواز
كون هو مبتدءا واحد بمعنى المسؤول عنه لأنهم قالوا ربك من نحاس أم من ذهب فعلى هذا يجوز أن يكون الله خبر
المبتدأ واحد بدلا وحينئذ فلا يلزم من تساويهما في المعنى انتفاء كونه جزئيا حقيقيا والرحمن الرحيم إسمان بنيا للمبالغة
من رحم بتنزيله منزلة اللازم أو بجعله لازما ونقله إلى فعل بالضم والرحمة لغة رقة القلب وانعطاف يقتضى
الاحسان فالتفضل غايتها وأسماؤه تعالى المأخوذة من نحو ذلك إنما تؤخذ باعتبار الغاية دون المبدء فالرحمة
في حقه تعالى معناها إرادة الاحسان فتكون صفة ذات أو الاحسان فتكون صفة فعل فهي أما مجاز مرسل في الاحسان
أو في إرادته وأما استعارة تمثيلية بأن مثلت حاله تعالى بحالة ملك عطف على رعيته ورق لهم فغمرهم معروفه
فأطلق عليه الاسم وأريد به غايته التي هي فعل لا مبدؤه الذي هو انفعال والرحمن أبلغ من الرحيم لان زيادة المباني تدل
على زيادة المعاني كما في قطع وقطع وكبار وكبار وتقض بحذر فإنه أبلغ من حاذر وأجيب بأن ذلك أكثري لا كلي وبأنه
لا تنافى أن يقع في الأنقص زيادة معنى بسبب آخر كالالحاق بالأمور الجبلية كشره ونهم وبأن الكلام فيما إذا كان
المتماثلان في الاشتقاق متحدي النوع في المعنى كغرث وغرثان وصد وصديان لا كحذر وحاذر للاختلاف
وإنما قدم والقياس يقتضى الترقي من الأدنى إلى الأعلى كقولهم عالم نحرير وجواد فياض لأنه صار كالعلم من حيث
أنه لا يوصف به غيره أو أنه صفة في الأصل لكنه صار علما بالغلبة كما اختاره جماعة من المحققين قال ابن هشام
ومما يوضح أنه غير صفة مجيئه كثيرا غير تابع نحو الرحمن علم القرآن قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن وإذا قيل لهم
اسجدوا للرحمن انتهى وفيه إمكان بناء ذلك على حذف الموصوف وإبقاء الصفة كقوله تعالى أن أعمل سابغات
وأرسلنا رسلنا بالبينات ويرجح الأول مجازية الاضمار ويبتنى على علميته أنه بدل لا نعت وإن الرحيم بعده
نعت له لا للاسم دونه إذ لا يتقدم البدل على النعت
الحمد وهو لغة الثناء باللسان على الجميل الاختياري على
جهة التعظيم فخرج بالجميل الثناء على غيره على قول بعضهم إن الثناء حقيقة في الخير والشر وعلى رأى الجمهور أنه
حقيقة في الخير فقط ففائدة ذكر ذلك تحقيق الماهية أو دفع توهم إرادة الجمع بين الحقيقة والمجاز عند
مجوزه من الأصوليين وبالاختياري المدح فإنه يعم الاختياري وغيره عند الأكثر وعلى القول بالاخوة بمعنى
الترادف يحذف القيد ليعم وعلى جهة التعظيم يخرج ما كان على جهة الاستهزاء أو السخرية كذق إنك أنت العزيز
الكريم ويتناول الظاهر والباطن إذ لو تجرد عن مطابقة الاعتقاد أو خالفه أفعال الجوارح لم يكن حمدا
بل هو تهكم أو تمليح وهذا لا يقتضى دخول الجوارح والجنان في التعريف لأنهما اعتبرا فيه شرطا لا شطر أو نقض
في عكسه بالثناء على الله تعالى بصفاته الذاتية فإنها ليست اختيارية وأجيب بأنه يتناولها تبعا أو أنها منزلة
منزلة أفعال اختيارية حيث إن ذاته اقتضت وجودها على ما هي عليه أو أنها مبدأ أفعال اختيارية فالحمد
عليها باعتبار تلك الأفعال فالمحمود عليه اختياري في المال تنزيلا للمسبب منزلة السبب والكل تكلف والحمد عرفا
فعل ينبي عن تعظيم المنعم من حيث أنه منعم على الحامد أو غيره سواء كان باللسان أم بالجنان أم بالأركان والشكر
4

لغة هو هذا الحمد وعرفا صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله والمدح لغة الثناء
باللسان على الجميل مطلقا على جهة التعظيم وعرفا ما يدل على اختصاص الممدوح بنوع من الفضائل
نبين كل من الستة والبقية نسبة أما تباين كالحمد اللغوي لا بالنظر إلى شرطه والمدح اللغوي
مع الشكر العرفي لصدقهما بالثناء باللسان فقط والشكر إنما يصدق بذلك مع غيره أو تساو كالحمد العرفي
مع الشكر اللغوي أو عموم وخصوص مطلق كالحمد اللغوي مع كل من المدحين لصدقه بالاختياري فقط وصدقهما
به وبغيره أو مع الشكر العرفي بالنظر إلى شمول متعلق الحمد لله تعالى ولغيره واختصاص متعلق الشكر به تعالى
وكالشكر اللغوي مع الشكر العرفي وكذا بين المدحين وبين الحمد والشكر العرفيين وبين الشكر والمدح كك وبين الحمد
والمدح كك وبين الشكر اللغوي والمدح العرفي أو عموم من وجه كالحمد اللغوي مع العرفي لصدقهما بالثناء باللسان في
مقابلة نعمة وانفراد اللغوي لصدقه بذلك في غيرها والعرفي لصدقه بغير اللسان فمورده أعم ومتعلقه أخص واللغوي
عكسه أو مع الشكر اللغوي كان وكالحمد العرفي والشكر اللغوي مع المدح اللغوي لاجتماعهما معه في الثناء باللسان
على النعمة وانفرادهما عنه أصدقهما بغير اللسان وانفراده عنهما لصدقه بغير النعمة فمورده أخص ومتعلقه أعم وهما بالعكس
واعلم أن نقيض الحمد الذم والشكر الكفران والمدح الهجو والثناء النثاء بتقديم النون لله الجار والمجرور
ظرف مستقر مرفوع المحل على أنه خبر لقوله الحمد وهو في الأصل ظرف لقوله لأنه من المصادر التي تنصب بأفعال
مضمرة كقولهم شكرا وكفرا فكان في الأصل أحمد حمد الله وإنما عدل من النصب إلى الرفع ليدل على ثبات المعنى
واستقراره ومنه قوله تعالى قالوا سلاما قال سلام فزاد إبراهيم عليه السلام تحيته بالرفع لتكون أحسن واللام في الحمد
للاستغراق عند الجمهور وللجنس عند الزمخشري ولا فرق هنا لان لام لله للاختصاص فلا فرد منه لغيره وإلا
لوجد الجنس في ضمنه فلا يكون الجنس مختصا به وللحقيقة عند بعضهم بمعنى أن حقيقة الحمد وطبيعته ثابتة
لله وللعهد عند آخرين وأجازه الواحدي بمعنى إن الحمد الذي حمد الله به نفسه وحمده به أنبياؤه وأوليائه
مختص به والعبرة بحمد من ذكر وإنما قدم الحمد لاقتضاء المقام مزيد اهتمام به وإن كان ذكر الله أهم في نفسه
ولأن فيه دلالة على اختصاص الحمد به وجملة الحمد خبرية لفظا انشائية معنى لحصول الحمد بالتكلم بها ويجوز
أن تكون موضوعة شرعا للانشاء المتفرد بالتاء المثناة من فوق والراء المشددة بعد الفاء ويحتمل على
ضعف أن يكون بالنون مع تخفيف الراء وإنما رجح الأول ليناسب ففتح بقية الفقرات كالمتنزه والمتفضل
والمتطول ولأنه يقتضى المبالغة في الوصف لما مر من أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى بالقدم فلا أول
لوجوده ولا يشركه فيه شئ وهذا الوصف يستدعى كمال قدرته وعلمه لان مشاركة غيره له فيه موجبة لواجبيته
النافية لذلك ويندرج فيه باقي الصفات الثبوتية لزوما وفيه تكذيب للقائل بقدم الأجسام السمائية
كأرسطو وللقائل بأن مادة العالم قديمة كسقراط على اختلاف في تلك المادة والدوام الذاتي فلا
آخر لوجوده ولا يشركه فيه شئ والتقييد بالذاتي يخرج أهل الجنة فإنهم مشاركونه فيه لكن دوامهم
ليس ذاتيا وهذا القيد ليس من لوازم صفاته تعالى وإن لم يصرح به فإنها أمور اعتبارية ومرجعها حقيقة إلى
الذات المقدسة وربما يقال في دفع المشاركة أيضا إن المراد انفراده تعالى بالقدم والدوام معا يجعل الواو
بمعنى مع وأهل الجنة لا يشاركون في الأول والأول أولى وأولوية تقديم هذه الفقرة على ما بعدها مبنى على أشرفية
5

الصفات الثبوتية على السلبية بناء على أنها وجودية والوجود أشرف من العدم وفيه بحث في محل يليق به
ولا يخفى خلو افتتاح المقال من براعة الاستهلال المتنزه من النزاهة بفتح النون وهي البعد أي المتباعد عن مشابهة
الاعراض والأجسام لحدوثهما والله تعالى قديم واجب الوجود كما برهن عليه في محله وتعبيره بالبعد عن المشابهة كناية عن
نفى المشابهة أصلا إلا أن بينهما مشابهة بعيدة وهذه قاعدة معروفة من قواعد العرب يعبرون بهذا وما جرى
مجراه ومرادهم بذلك المبالغة في النفي وتأكيده ومن القاعدة قولهم فلان بعيد عن الخنا وغير سريع إليه قال المرتضى
رضي الله عنه يريدون أنه لا يقرب الخناء لا نفى الاسراع إليه حسب وهكذا القول في البعد عن المشابهة في كلام المصدر
يراد به عدمها أصلا لا حصولها على بعد قال رحمه الله ومنها قوله تعالى الذي رفع السماء بغير عمد ترونها ولا تكونوا أول كافر به
ولا يسئلون الناس إلحافا ومن كلامهم فلان لا يرجا خيره وليس مرادهم أن فيه خيرا لا يرجا وإنما غرضهم أنه لا خير عنده على
وجه من الوجوه وقول بعضهم لا يفزع الأرنب أهوالها ولا يرى الضب بها ينحجر أراد ليس بها أهوال تفزع الأرنب
ولا ضب بها فينحجر وقول الاخر من أناس ليس في أخلاقهم عاجل الفحش ولا سوء الجزع لم يرد أن في أخلاقهم فحشاء آجلا
ولا جزعا غير سئ وإنما أراد نفى الفحش والجزع عن أخلاقهم ونظائر ذلك كثيرة في كلامهم وفي هذه الفقرة إشارة إلى سائر صفاته
السلبية إجمالا المتفضل أي المحسن ومجيئه بصيغة التفعل مبالغة فيه كما سبق بسوابغ الانعام أي بالانعام السوابغ
وأضاف الصفة إلى موصوفها مراعاة للفاصلة وجرى في ذلك على مذهب الكوفيين كجرد قطيفة وإخلاق ثياب وعند
المانعين من إضافة الصفة إلى الموصوف يؤل هنا بما أول به تلك الأمثلة بأنهم حذفوا الانعام هنا حتى صارت السوابغ
كأنها اسم غير صفة فلما قصدوا تخصيصه كونه صالحا لان يكون الانعام وغيرها مثل خاتم في كونه صالحا لا يكون فضة
وغيرها أضافوه إلى جنسه الذي يتخصص به كما أضافوا خاتما إلى فضة فليس إضافته إليها من حيث أنه صفة لها بل من
حيث أنه جنس مبهم أضيف إليها ليتخصص وعلى هذا القياس نظائر كثيرة والسوابغ جمع كثرة لسابغة وهي التامة الكاملة
قال الجوهري يقال شئ سابغ أي كامل واف وسبغت النعمة تسبغ بالضم سبوغا أي اتسعت وأسبغ الله عليه النعمة أي
أتمها ومنه إسباغ الوضوء إتمامه والانعام جمع قلة لنعمة وهي لغة اليد والصنيعة والمنة وعرفا هي المنفعة الحسنة
الواصلة إلى الغير على جهة الاحسان إليه وهي أما ظاهرة أو باطنة قال الله تعالى وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة وربما
تخص الباطنة باسم الآلاء والعموم هنا أبلغ المتطول من الطول بالفتح وهو المن يقال طال عليه وتطول عليه إذا امتنن
عليه أي الممتن بالفواضل جمع فاضلة وهي الاحسان وأبلغ في وصفه مع إتيانه بجمع الكثرة بقوله الجسام بالكسر أي
العظام جمع جسيم يقال جسم الشئ أي عظم فهو جسيم وجسام بالضم وإنما ترك ذكر للتفضل والمتطول عليه لكون
الفرض إثبات الوصف له على الاطلاق ثم مقام الخطابة يفيد العموم في إفراد من يصلح تعلقه به أو للاختصار مع
إرادة التعميم كما تقول قد كان منك ما يؤلم أي كل أحد ومنه قوله تعالى والله يدعو إلى دار السلام أي يدعو كل
أحدا ولمجرد الاختصار كقولك أصغيت إليه أي إذني ومنه قوله تعالى أرني أنظر إليك أي إلى ذاتك وقوله تعالى هذا
الذي بعث الله رسولا أي بعثه الله أو لغير ذلك مما هو مقرر في محله من فن المعاني أحمده بفتح الميم لان ماضيه حمد بكسرها
كعلم يعلم وما في قوله على ما موصولة وصلتها فضلنا والعايد على الموصول الهاء في به ومن في قوله من الاكرام لبيان
الجنس وأشار بذلك إلى قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم إلى قوله وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا والذي كرم به
بنو آدم على ما اختاره محصلوا المفسرين القوة والعقل والنطق والعلم والحكمة وتعديل القامة والأكل باليد و
6

تسليطهم على غيرهم وتسخير سائر الحيوانات لهم وأنهم يعرفون الله وإن جعل محمد صلى الله عليه وآله منهم وغير ذلك
من النعم التي خصوا بها ويحتمل أن يريد المصنف ما هو أخص من ذلك وعلى هذا يجوز كون من تبعيضية لكن الأول أمتن
وأبدع وأشكره على جميع الأقسام أي الأحوال لأنه تعالى في جميع الحالات لا يفعل إلا لفرض تعود مصلحته على العبد
فيستحق الشكر على جميعها وهاتان الفقرتان وإن كانتا خبريتين لفظا لكنهما إنشائيتان معنى فإن الانشاء أكثر فائدة
وأعم نفعا وأقوى حمدا وشكرا ولما فرغ من حمد الله والثناء عليه مما هو أهله توسل في تحصيل مرامه بالدعاء للأرواح
المقدسة المتوسطة بين النفوس الناقصة المنغمسة في الكدورات البشرية وبين المبدء الفياض المتنزه عن شوايب
النقص في استفاضة العنايات والأنوار منه وإفاضتها عليها بقوله وصلى الله من الصلاة المأمور بها في قوله تعالى
صلوا عليه وسلموا وكان الأحسن أن يقول الصلاة عليه صلى الله عليه وآله بالسلام كما يقتضيه ظاهر الآية
لكن أصحابنا جوزوا أن يراد بقوله وسلموا تسليما انقادوا لامره انقيادا كما في قوله فوربك لا يؤمنون إلى
قوله ويسلموا تسليما فلذلك سهل الخطب عندهم في أفراد الصلاة عن السلام وإن احتمل أن يراد به التحية المخصوصة
لعدم تحتم ذلك والصلاة الدعاء من الله وغيره لكنها منه مجاز في الرحمة كما قال بعضهم وقال آخرون هي منه
الرحمة
ويرجح الأول إن أراده وإلا لصار المجاز خير من الاشتراك وقوله تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة فإن العطف يقتضى
المغايرة وربما يرد هذا على الأول أيضا لكن يمكن دفعه بأن التصريح بالحقيقة بعد إرادة المجاز تفيد تقوية المدلول
المجازى ولجأ بعضهم إلى أنها من الله تعالى بمعنى الرضوان حذرا من ذلك والأولى في الجواب عن ذلك المنع من
اختصاص العطف بلزوم المغايرة فإن من أنواع الواو العاطفة عطف الشئ على مرادفه كما ذكره ابن هشام
في المغنى وذكر من شواهده قوله تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وقوله تعالى إنما أشكو بثي وحزني إلى
الله ونحو لا ترى فيها عوجا ولا أمتا وقوله صلى الله عليه وآله ليأتني منكم ذووا الأحلام والنهى وقول الشاعر
وألفي قولها كذبا ومينا وهذه الجملة إنشائية معنى لان الدعاء كله من قبيل الانشاء ووقوعه بصيغة المضي
للتفاؤل بحصول المسؤول والحرص على وقوعه ولمناسبة المقام فلا إشكال في عطفها على ما قبلها من هذا
الوجه نعم تخالف جملة الحمد الأولى في كونها فعلية وفي عطفها على الاسمية كلام والحق جوازه وإن كان مرجوحا
ولو جعلت الواو للاستيناف صح أيضا إلا أنه لا ضرورة إليه على سيدنا محمد عطف بيان على سيدنا أو بدل
منه على ما اختاره ابن مالك من أن نعت المعرفة إذا تقدم عليها أعرب بحسب العوامل وأعيدت المعرفة بدلا
وصار المتبوع تابعا كقوله تعالى إلى صراط العزيز الحميد الله على قراءة الجر ومحمد علم منقول من اسم
المفعول المضعف للمبالغة سمى به نبينا عليه الصلاة والسلام إلهاما من الله تعالى وتفاؤلا بأنه يكثر حمد
الخلق له لكثرة خصاله الحميدة وقال الجوهري المحمد الذي كثرت خصاله المحمودة وقد ورد أنه قيل لجده عبد
المطلب وقد سماه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها لم سميت ابنك محمدا وليس من أسماء آبائك ولا قومك قال
رجوت أن يحمد في السماء والأرض وقد حقق الله رجاءه النبي بالهمز من النباء وهو الخبر لان النبي مخبر عن الله تعالى
ويجوز ترك الهمز وهو الأكثر أما تخفيفا من المهموز بقلب همزته ياء وأما لان أصله من النبوة بفتح النون وسكون
الباء أي الرفعة لان النبي مرفوع الرتبة على غيره من الخلق وهو انسان أوحى إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه
فإن أمر بذلك فرسول أيضا فهارون رسول على الأول دون الثاني ويوشع غير رسول عليهما وقيل أنهما بمعنى
7

وإطلاق الرسول على الملك غير مستعمل هنا فعموم الرسول من هذه الجهة غير مراد المبعوث أي المرسل إلى الخاص
وهم أهله وعشيرته أو العلماء أو من كان في زمانه والعام وهو في مقابلة الخاص بالاعتبارات الثلث وهي مترتبة في
القوة ترتبها في اللفظ وعلى عترته وهم الأئمة الاثنا عشر وفاطمة عليهم السلام قال الجوهري عترة الرجل نسله
ورهطه الأدنون فيدخل في الأول من عدا علي عليه السلام ويدخل هو في الثاني الأماجد جمع أمجد مبالغة في
ماجد يقال مجد الرجل بالضم فهو مجيد وماجد أي كرم الكرام قال ابن السكيت الشرف والمجد يكونان في الاباء
يقال رجل شريف ماجد له آباء متقدمون في الشرف قال والحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم
شرف أما بعدما سبق من الحمد والصلاة وأثر هذه الكلمة للأحاديث الكثيرة إن رسول الله صلى الله عليه وآله
يقولها في الخطبة وشبهها رواه عنه اثنان وثلاثون صحابيا وفيه إشارة إلى الباعث على التصنيف كما هو دأبهم
وأما كلمة فيها معنى الشرط والتقدير مهما يكن من شئ بعد الحمد والصلاة فهو كذا نص عليه سيبويه ولذلك كانت
الفاء لازمة لها قال الشيخ الرضى ره أصل أما زيد فقائم مهما يكن من شئ فزيد قائم أي أن يقع في الدنيا شئ يقع
قيام زيد فهذا جزم بوقوع قيامه وقطع به لأنه جعل حصول قيامه لازما لحصول شئ في الدنيا وما دامت الدنيا
فلا بد من حصول شئ فيها ثم لما كان الغرض الكلى من هذه الملازمة المذكورة لزوم القيام لزيد حذف الملزوم الذي
هو الشرط أعني يكن من شئ وأقيم ملزوم القيام وهو زيد مقام ذلك الملزوم وبقي الفاء بين المبتدأ والخبر
لان فاء السببية ما بعدها لازم لما قبلها فحصل لهم من حذف الشرط وإقامة بعض الجزاء موقعه شيئان مقصودان
أحدهما تخفيف الكلام بحذف الشرط والثاني قيام ما هو الملزوم حقيقة في قصد المتكلم مقام الملزوم في كلامهم
أعني الشرط وحصل أيضا من قيام بعض الجزاء موضع الشرط ما هو المتعارف من شغل خبر واجب الحذف بشئ آخر
وحصل أيضا بقاء الفاء متوسطة في الكلام كما هو حقها انتهى وإنما حكيناه ملخصا مع طوله لعظم قدره ومحصوله
وبعد من الظروف الزمانية وكثيرا ما يحذف منه المضاف إليه وينوى معناه فيبنى على الضم ويجوز في ضبطها
هنا أربعة أوجه ضم الدال وفتحها ورفعها منونة وكذا نصبها ومجموع الكلمتين يسمى بفصل الخطاب وقد اختلف
فيمن تكلم بهذه الكلمة أولا فقيل داود وقيل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وقيل علي عليه السلام وقيل قيس بن
ساعدة وقيل كعب بن لؤي وقيل يعرب بن قحطان وقيل سحبان بن وآيل ولا فائدة مهمة في هذا الخلاف فإن الله
سبحانه كما أوجب على الولد طاعة أبويه بقوله ووصينا الانسان بوالديه ونظائرها والمراد بالأبوين الأب
والأم وجمعهما باسم أحدهما تغليبا ومراعاة لجانب التذكير كما يراعى جانب الأخف مع التساوي فيه كالحسنين و
العمرين ولو تساويا خفة وثقلا جاز جمعهما باسم أيهما كان كالكسوفين والظهرين كذلك أوجب عليهما أي على الأبوين
الشفقة عليه بإبلاغ مراده حذف المفعول في الابلاغ إيجاز أو مبالغة وتفخيما لشأن المريد أي بإبلاغه مراده
في الطاعات وتحصيل مآربه جمع أرب وفيه خمس لغات وهي الحاجة من القربات وأحدها قربة وهي ما يطلب
بها التقرب إلى الله تعالى قرب الشرف لا الشرف ولما حرف وجود لوجود وعند جماعة ظرف بمعنى حين أو بمعنى إذ
استعمل استعمال الشرط يليه فعل ماض مقتض جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود الأولى والفعل الماضي هنا قوله
كثر طلب الولد العزيز وهو هنا الكريم تقول عززت على فلان إذا كرمت عليه محمد بدل من الولد أو عطف
بيان عليه أصلح الله له أمر داريه دنياه وآخرته ووفقه للخير التوفيقي جعل الأسباب متوافقة وحاصله توجيه
8

الأسباب بأسرها نحو المسببات ويقال هو اجتماع الشرايط وارتفاع الموانع وأعانه عليه وأمد أي أمهل
وطول له في العمر السعيد أي الميمون خلاف النحس وإذا كان الوصف للانسان قال الشقي لكن يختلف فيهما
الفعل الماضي فإنه في الأول مفتوح العين وفي الثاني مكسورها قاله الجوهري والعيش الرغيد أي
الطيب الواسع يقال عيشة رغد ورغد أي طيبة واسعة لتصنيف متعلق بطلب والتصنيف جعل الشئ
أصنافا وتمييز بعضها من بعض كتاب فعال من الكتب وهو الجمع بمعنى المكتوب إلا أنه خص استعماله بما فيه كثرة
المباحث يحوي النكت جمع نكتة وهي الأثر في الشئ يتميز به بعض أجزائه عن بعض ويوجب له التفات الذهن
إليه كالنقطة في الجسم والأثر فيه الموجب للاختصاص بالنظر ومنه رطبة منكتة إذا بدأ إرطابها (كذا في الصحاح) ثم عدى
إلى الكلام والأمور المعقولة التي يختص بعضها بالدقة الموجبة لمزيد العناية والفكر فيها فيسمى ذلك البعض
نكتة البديعة وهي فعيلة بمعنى مفعولة وهي الفعل على غير مثال ثم صار يستعمل في الفعل الحسن وإن سبق إليه
مبالغة في حسنه فكأنه لكمال حسنه لم يسبق إليه في مسائل جمع مسألة وهي القول من حيث أنه يسئل عنه
ويسمى ذلك القول أيضا مبحثا من حيث أنه يقع فيه البحث ومطلوبا من حيث يطلب بالدليل ونتيجة من حيث يستخرج
بالحجة ومدعى من حيث أنه يدعى فالمسمى واحد وإن اختلفت العبارات باختلاف الاعتبارات أحكام وأحدها حكم
هو بإضافته إلى الشريعة خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع ويدخل في
الاقتضاء ما عدا المباح من الأحكام الخمسة ويدخل هو في التخيير وفي الوضع السبب والشرط والعلة والمانع و
غيرها من الأحكام الوضعية وبسطه في محله والشريعة فعلية بمعنى مفعولة ما شرعه الله لعباده من الدين و
في بعض النسخ في مسائل الشريعة بغير توسط الاحكام على وجه الايجاز والاختصار فالمعنى واحد وهو أداء
المقصود بأقل من العبارة المتعارفة بين الأوساط الذين ليسوا في مرتبة البلاغة ولا في غاية الفهاهة خال
عن التطويل والاكثار وهما أيضا بمعنى وهو أداء المعنى المقصود بلفظ أزيد من المتعارف بين من ذكر وليس
مطلق التطويل والاطناب واقعا على وجه ينبغي العدول عنه بل مع خلوه من النكتة والفائدة الموجبة
له حسب مقتضى الحال وإلا فقد يكون مقتضى البلاغة استعماله كما قرر في محله ولما كان الغرض من التصنيف
إيصال المعنى إلى فهم المكلف كان التطويل زيادة على ما يحصل به التأدية خاليا عن البلاغة فلا جرم حسن خلو
الكتاب من الاطناب فأجبت جواب لما أي كان ما تقدم سببا لإجابة مطلوبه وفي جعل المجاب هو المطلوب
ضرب من التعظيم للمجاب وصنفت هذا الكتاب وهذا إشارة إلى المدون في الخارج ويناسبه قوله فأجبت
وصنفت فيكون الديباجة بعد التصنيف أو إلى المرتب الحاضر في الذهن والآتيان بصيغة الماضي تفالا
بلفظه على أنه من الأمور الحاصلة التي من حقها أن يخبر عنها بأفعال ماضية أو لاظهار الحرص على وقوعه
لان الانسان إذا عظمت رغبته في شئ كثر تصوره إياه فيورده بلفظ الماضي تخييلا لحصوله ومن هذا القبيل
الدعاء بلفظ الماضي مع أنه من قبيل الانشاء كما هو مقرر في المعاني والتحقيق أنه إشارة إلى المرتب الحاضر في الذهن
سواء كان وضع الديباجة قبل التصنيف أم بعده إذ لا حضور للألفاظ المرتبة ولا لمعانيها في الخارج وتوضيح
ذلك أن الكتاب المؤلف لا يخلو أما أن يكون عبارة عن الألفاظ المعينة أي العبارات التي من شأنها أن
يلفظ بها الدالة على المعاني المخصوصة وهو الظاهر وأما عن النقوش الدالة عليها بتوسط تلك الألفاظ
9

وأما عن المعاني المخصوصة من حيث أنها مدلولة لتلك العبارات أو النقوش فهذه ثلاثة احتمالات بسيطة و
تتركب منها ثلاثة أخرى ثنائية ورابع ثلاثي فالاحتمالات سبعة وأنت خبير بأنه لا حضور في الخارج للألفاظ
المرتبة ولا لمعانيها ولا لما يتركب منهما ولا لما يتركب من النقوش معهما أو مع أحدهما وهذا كله واضح وأما
النقوش الدالة على الألفاظ فيحتمل أن يشار إليها بذلك لكن فيه أن الحاضر من النقوش لا يكون إلا شخصا
ولا ريب في أنه ليس المراد تسمية ذلك الشخص باسم الكتاب بالتسمية نوعه وهو النقش الكتابي الدال على تلك
الألفاظ المخصوصة بإزاء المعاني المخصوصة أعم من أن يكون ذلك الشخص أو غيره مما يشاركه في ذلك المفهوم
ولا حضور لذلك الكلى في الخارج فالإشارة إلى الحاضر المرتب في الذهن أصوب على جميع التقديرات فكأنه نزل
العبارات الذهنية التي أراد كتابتها منزلة الشخص المشاهد المحسوس فاستعمل لفظ هذا الموضوع لكل مشار
إليه محسوس الموسوم أي المسمى يقال وسمت الشئ وسما وسمة إذا أثرت أثرا فيه والهاء عوض من الواو ولما
كانت السمة علامة والاسم علامة على مسماه أشق له منه لفظ وهو أحد القولين في الاسم بإرشاد الأذهان
جمع ذهن وهو قوة للنفس معدة لاكتساب الآراء إلى أحكام الايمان المراد به هنا مذهب الإمامية دامت بركاتهم
مستمدا حال من الضمير في صنفت أي صنفت هذا الكتاب في حالة كوني مستمدا من الله حسن التوفيق وقد
تقدم تعريفه وهداية الطريق إليه سبحانه والمراد بها الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب وقيل الدلالة الموصلة
إلى المطلوب ويؤيد الأول إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم ويرد عليه إنك لا تهدى من أحببت وعلى
الثاني وأما ثمود فهديناهم وأجيب عن الايراد الأول بأن الهداية المنفية في الآية محمولة على الفرد الكامل وهو
ما يكون موصلا بالفعل لمن له الهداية أو يقال الآية من قبيل وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى في تنزيل وجود الشئ
منزلة عدمه فإن النبي عليه السلام لما لم يكن مستقلا بالهداية والدلالة بل دلالته بأقدار الله وتمكينه وتوفيقه
فكأنه ليس بهاد بل الهادي هو الله نعم والحاصل يرجع إلى نفى الاستقلال في الهداية وأورد عليه بأنه يلزم أن
من يكون عارفا بالشريعة متقاعدا عن العمل بمقتضاها مهتد وليس كل واجب بالتزام أنه مهتد بالمعنى
اللغوي أو مهتد بالنسبة إلى العلم وضال بالنسبة إلى مطلوب آخر وهو نيل الثواب والفوز بالسعادة الأخروية
حيث لم يعمل بمقتضى علمه فيصدق الاسمان بالحيثيتين وقد اتسع مسلك الكلام بين العلماء الاعلام من الجانبين
ولا يبعد القول بالاشتراك وأولى منه أنها حقيقة في الأول مجاز في الثاني لأرجحيته على الاشتراك وكثرة
استعمالها فيه وتحقيقه في غير هذا المحل واعلم أن المصنف أضاف الهداية إلى مفعولها الثاني وهي تتعدى بنفسها
إلى المفعول الأول وإلى الثاني بنفسها أيضا وبإلى وباللام ومن الأول قوله تعالى إهدنا الصراط ومن الثاني هداني
ربى إلى صراط ومن الثالث الذي هدانا لهذا والتمست منه أي طلبت ويطلق على الطلب من المتساوي حقيقة أو
ادعاء حسب ما يقتضيه المقام المجازاة على ذلك التصنيف وفي الإشارة إليه بصيغة البعيد توسع بالترحم
على عقيب الصلوات والاستغفار وهو سؤال المغفرة لي في الخلوات فإنها مظنة إجابة الدعوات ونزول
البركات وإصلاح ما يجده في هذا الكتاب بمقتضى السياق ويحتمل أن يريد الأعم منه ومن غيره كما صرح به في
وصية له في آخر القواعد من الخلل والنقصان بينهما عموم وخصوص مطلق فإن كان كل نقصان خلل ولا ينعكس
فإن السهو وهو زوال الصورة عن القوة الذاكرة أو عدم العلم بعد حصوله عما من شأنه أن يكون عالما كالطبيعة
10

الثانية للانسان وتوضيح ذلك أن الطبيعة الأولى للشئ هي ذاته وماهيته كالحيوان الناطق بالنسبة إلى الانسان
وما خرج عن ماهيته من الصفات والكمالات الوجودية اللاحقة لها سمى طبيعة ثانية سواء كانت لازمة كالضحك
والتنفس بالقوة للانسان أم مفارقة كهما بالفعل له وسواء كانت لاحقة بلا واسطة كالتعجب اللاحق للانسان
أم بواسطة أمر خارج عنه مساو له كالضحك اللاحق له بواسطة التعجب أم بواسطة جزئية كالحركة الإرادية
اللاحقة له بواسطة أنه حيوان ثم لما كان السهو ليس طبيعة أولى وهو ظاهر ولا ثانية لأنه أمر عدمي فإن العدم
جزء مفهومه لأنه زوال الصورة العلمية عن القوة الذاكرة أو عدم العلم بعد حصوله عما من شأنه أن يكون
عالما كما تقدم لكنه أشبه الطبيعة الثانية في العروض والكثرة التي تشبه اللزوم كان كالطبيعة الثانية للانسان
خصوصا على التعريف الثاني فإن العدم المنسوب إلى الملكة له خط من الوجود بافتقاره إلى محل وجودي
كافتقار الملكة إليه فإنه عبارة عن عدم شئ مع إمكان اتصاف الموضوع بذلك الشئ كالعمى فإنه عدم البصر لا
مطلقا بل عن شئ من شأنه أن يكون بصيرا فهو يفتقر إلى الموضوع الخاص المستعد للملكة كما تفتقر الملكة إليه بخلاف
باقي الاعدام ثم أكد الاعتذار عما يجده من الخلل بقوله ومثلي ممن لم يتصف بالعصمة من بني آدم والتعبير بالمثل كناية
عن أنى لا أخلو من ذلك من قبيل قولهم مثلك لا ينجل ومثلك من يجود فإنه كناية عن ثبوت الفعل أو نفيه عمن
أضيف إليه لفظ مثل لأنه إذا ثبت الفعل لمن سيد مسده ومن هو على أخص أوصافه أو نهى عنه كان من مقتضى القياس
والعرف أن يفعل هو كذا أو أن لا يفعل ومن لازم هذه الكناية تقديم لفظ مثل كما قرر في المعاني ولفظة يخلو من
قوله لا يخلو ليس بعدها ألف لان الواو فيها لام الفعل المعتل وإنما أثبتوا الألف بعد الواو المزيدة وهي واو الجماعة
فرقا بينها وبين الأصلية كهذه ونظائرها فإتيانه بعدها خطأ من تقصير في اجتهاد لابتنائه على مقدمات متعددة
وقواعد متبددة يحتاج إلى استحضارها في كل مسألة يجتهد فيها وذلك مظنة التقصير ولهذا اختلفت الأنظار
في الفروع التي لم ينص على عينها كما هو معلوم والله الموفق للسداد وهو الصواب والقصد من القول والعمل
قاله في الصحاح فليس المعصوم من بني آدم كما يقتضيه الاستثناء من النفي المستلزم لحصر الاثبات في المستثنى مع الاجماع
على عصمة الملائكة عليهم السلام مع خروجهم عن الأنبياء والأوصياء فلولا التقييد ببني آدم أشكل الحصر إلا من عصمه
الله ومن في قوله من أنبيائه وأوصيائه لبيان الجنس لاتفاقنا على عصمة الجميع والتقدير ليس المعصوم من
نوع الانسان إلا الأنبياء وأوصيائهم عليهم أفضل الصلوات وأكمل التحيات جمع تحية والأصل تحيية نقلت
كسرة الياء إلى ما قبلها وأدغم الياء في الياء واشتقاقها من الحياة لان المحيى إذا حيا صاحبه فقد دعا له بالسلامة
من المكاره والموت من أشدها فدخل في ضمنها واختصت بالاشتقاق منها لقوتها والمراد هنا ما هو أعم من
ذلك ونبدأ في الترتيب وهو جمع الأشياء المختلفة وجعلها بحيث يطلق عليها اسم واحد ويكون لبعضها
نسبة إلى بعض بالتقدم والتأخر في النسبة العقلية وإن لم تكن مؤتلفة وهو أعم من التأليف من وجه لأنه ضم
الأشياء مؤتلفة سواء كانت مترتبة الوضع أم لا وهما معا أخص من التركيب مطا لأنه ضم الأشياء مؤتلفة كانت
أم لا مرتبة الوضع أم لا ومنهم من جعل الترتيب أخص مطا من التأليف ومنهم من جعلهما مترادفين ومنهم من جعل
التركيب والتأليف مترادفين فهذه ألفاظ ثلاثة موضوعة للدلالة على ضم شئ إلى آخر يحسن التنبيه عليها بالأهم
فالأهم أي نبدء بالأهم أولا فإذا فرغنا منه ذكرنا الأهم بالنسبة إلى الباقي فبدء بالعبادات أولا إذ الاحكام الأخروية
11

أهم من الدنيوية لأنها المقصودة بالذات من خلق المكلفين وأتبعها بالعقود لتوقف نظام النوع وقوامه
على معرفتها ثم بالايقاعات لأنها بالنسبة إلى العقود كالفروع فإن الطلاق وتوابعه فرع النكاح والعتق
وتوابعه فرع الملك الحاصل بالابتياع ونحوه وهكذا القول في نظائرها وأخرت الاحكام لأنها خارجة عن
حقيقة مستحق التقدم كالفرايض والجنايات أو لازمة للعقود والايقاعات معا كالقضاء والشهادات واللازم
متأخر عن الملزوم طبعا فأخر وضعا ليطابق الوضع ثم بدء من العبادات بالصلاة لأنها أفضل
وأكثر تكرارا وقدم عليها الطهارة لكونها شرطا فيها والشرط مقدم على المشروط وكان من حقها أن
تجعل بابا من أبواب الصلاة كباقي شروطها كما فعل الشهيد ره في الذكرى لكن لكثرة مسائلها وتشعب
أنواعها أفردها من باقي الشروط في كتاب وقدم منها الوضوء لعموم البلوى به وتكرره ضرورة في كل يوم
بخلاف الغسل والتيمم وقدم بعده الغسل على التيمم لأصالته عليه والتيمم طهارة ضرورية وقدم على إزالة
النجاسات لأنها تابعة للطهارة بالمعنى المعتبر عند علماء الخاصة ثم أتى بالزكاة بعد الصلاة لاقترانها
معها في الآيات الكريمة وتكررها في كل سنة بالنسبة إلى الخمس والحج والخمس والاعتكاف تابعان للزكوة والصوم
من وجه فناسب ذكرهما معهما ثم بالصوم لاختصاصه ببعض هذه العلل ثم بالحج لوقوعه في العمر مرة وأخر الجهاد
لخلو وقتنا منه غالبا وهكذا قرر ما يرد عليك من بقية أجزاء الكتاب لا زلت موفقا لصواب الصواب كتاب
الطهارة خبر مبتدء محذوف أي هذا كتاب الطهارة وكذا القول في بقية الفصول والأبواب والكتاب
اسم مفرد وجمعه كتب بضم التاء وسكونها وهو فعال من الكتب بفتح الكاف سمى به المكتوب كالخلق بمعنى المخلوق
وكقولهم هذا درهم ضرب الأمير وثوب نسج اليمن وقد صرح الجوهري وغيره من أهل اللغة بأنه نفسه مصدر
تقول كتبت كتبا وكتابا وكتابة واستشكل ذلك جماعة من المحققين بأن المصدر لا يشتق من المصدر بل الخلاف
منحصر في أن الفعل هل يشتق من المصدر أو بالعكس كما هو المعلوم وأسند ما يقال في الجواب أن الكلام إنما
هو في المصدر المجرد وأما المزيد فإنه مشتق منه لموافقته إياه بحروفه ومعناه وقد نص على ذلك العلامة
التفتازاني والكتب معناه الجمع تقول كتبت البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة أو سير وكتبت القرية أيضا
كتبا إذا خرزتها ومنه تكتب بنو فلان إذا تجمعوا ومنه سمى الكتاب لأنه يجمع أمورا من علم يعبر عنها تارة
بالأبواب وأخرى بالفصول وغيرها والطهارة مصدر طهر بضم عين الفعل وفتحها والاسم الطهر وهي
لغة النظافة والنزاهة وقد نقلت في الاصطلاح الشرعي إلى معنى آخر بناء على وجود الحقايق الشرعية وقد
اختلف الأصحاب في تعريفها لاختلافهم في المعنى المنقول إليه فكل عرفها بحسب ما ذهب إليه ولا نكاد نجد تعريفا
سليما عن الطعن حتى لجاء بعضهم إلى أن المراد بتعريفها التعريف اللفظي على قانون اللغة وهو تبديل لفظ
بلفظ آخر أجلى منه من دون اشتراط الاطراد والانعكاس وحاصل الخلاف أن منهم من يطلقها على المسح دون
إزالة الخبث ومنهم من يطلقها عليه وعلى إزالة الخبث وعلماؤنا الأكثرون على الأول بناء على أن إزالة الخبث
في الحقيقة أمر عدمي فلا حظ له في المعاني الوجودية ثم هم مختلفون في إطلاقها على الصورة غير المبيحة حقيقة
أو ظاهرا كوضوء الحايض والمجدد والمصنف لم يتعرض لتعريفها في هذا الكتاب لكن استقر أمره تبعا لغيره على
تقييدها بالمبيحة ولو بالصلاحية ومن الاشكال العام أنهم يخرجون من التعريف وضوء الحائض أما لعدم الإباحة به أو للحديث الدال
12

على عدم تسميته طهرا ثم يقسمون الطهارة إلى واجب وندب والندب إلى المجدد وإلى وضوء الحايض وغسل
الجمعة والتيمم لصلاة الجنازة ونحوها فاللازم أما فساد التقسيم أو خلل التعريف وربما اعتذر بأن المقسم
غير المعرف أو بأن ذكر هذه الأشياء في التقسيم لضرب من المجاز والاستطراد ومثله يجوز ارتكابه في التقسيم
بعد سلامة التعريف ولا يخفى بعدهما وقد ناقش شيخنا الشهيد في شرح الارشاد رحمه الله في اخراج وضوء الحائض وإدخال
المجدد بأن التعريف إن كان للطهارة المبيحة للصلاة فينبغي اخراج المجدد منه عند من لا يكتفى بنية التقرب
منفردة لأنه غير صالح للتأثير وإن أريد بالصلاحية ما يعم البعيدة وهو أنه لو اقترن به ما يجب اقتران غيره به لاثر
دخل وضوء الحائض إذ الصلاحية حاصلة لكل وضوء من حيث هو وما بالذات لا يزيله ما بالعرض وإن كان التعريف لهما
يقع عليه لفظ الطهارة صحيحا أم لا مبيحا أم لا فلا معنى للتقييد بالمبيح للصلاة أو بالصالح لها واعتذر عن ذلك بالفرق
بين ما اقترن به ما يمنع الإباحة بحال كما في وضوء الحائض وبين ما أخل فيه بشرط لو أتى به لكان مبيحا فكأنه صالح
بالقوة ومن ثم قال جمع بإباحة المجدد ومنهم من يرى الاكتفاء بالقربة وأنت خبير بأن هذا الاعتذار اقتضى
اختلافهما وإن أحدهما أقوى من الاخر أما جواب ما نحن بصدده فلا لان الكلام إنما هو على القول بعدم رفعه
وعدم الاجتزاء بالقربة و ح فلا دخل له في الإباحة على وجه الحقيقة وإلا فنحن لا ننازع في أنه أقوى وأقرب
إلى الإباحة لكن تعريفهم لا يجتزى بذلك اللهم إلا أن ترتكب في التعريف ضربا من التجوز بأن تحمل الإباحة أو
الصلاحية لها على ما يعم القوة القريبة على معنى أنه لو أتى ببقية الشروط المعتبرة حصلت فيندرج في ذلك
المجدد والأغسال المسنونة ويخرج عنه وضوء الحائض لكن يبقى الكلام في إدخال وضوء الحائض في التقسيم وقد
مر الكلام فيه والنظر يقع في الطهارة من ستة أوجه على وجه الحصر الجعلي الاستحساني لا العقلي والاستقرائي
في أقسامها وأسبابها ويندرج فيها واجباتها وكيفيتها وأحكامها ويقع النظر فيها من ثلاثة أوجه بحسب
تعدد أنواعها وما تحصل به وهو الماء المطلق والتراب على ما يأتي وتوابعها وهي إزالة النجاسات وتعدادها
وبقية المطهرات وأحكام الأواني ووجه ما اختاره من الحصر إن البحث أما عن المقصود بالذات أو لا والأول
أما عن تقسيمه وتفصيله على وجه يصير الشارع فيه على بصيرة منه وهو النظر الأول أو عن كيفيته وما معه من
السبب والحكم وهو الثاني والثالث والرابع حسب تعدد أنواعه وتقديم الثاني والثالث على الرابع ظاهر
لأنه طهارة اضطرارية مشروطة بفقد الاختيارية التي هي المائية والمائية قسمان وضوء وغسل وقدم الوضوء
على الغسل لزيادة الحاجة إليه والثاني أما أن يتوقف عليه المقصود بالذات أو لا والأول هو الخامس وهو
البحث عن المياه وأقسامها وأحكامها وإنما أخره عما سبق مع أنه مادته وهي متقدمة على الصورة لان ما بالذات
أولى مما بالعرض ولما ذكرناه من العلة قدم غيره البحث عن المياه أولا حتى المصنف في غير هذا الكتاب والثاني هو
السادس وهو التابع ورتبته التأخر عن متبوعه ولأنه طهارة لغوية عنده وإنما بحث عنه في كتاب الطهارة
لان النجاسة مانعة من الصلاة ولما بحث عن الطهارة الشرعية التي هي شرط الصلاة بحث عن المانع منها ليتم
للمكلف معرفة ما به يخرج عن التكليف بها ولأنه عند بعضهم طهارة شرعية حقيقة ومجازا عند الباقين
فالمناسبة حاصلة على التقديرين وربما نظر بعضهم إلى أنه يتوقف عليه استعمال ما يتطهر به ليتحقق الخروج عن
العهدة باستعماله فقدم البحث عنه على المقصود بالذات لذلك كما فعل المصنف في القواعد ولكل وجه والمرجح
13

ما يقع في الخلد وقت التصنيف
النظر الأول في أقسامها وهي أي الطهارة منقسمة انقسام الكلى إلى جزئياته
لا الكل إلى أجزائه إلى ثلاثة أنواع وضوء وغسل وتيمم ولما كان هذا الكلى لا وجود له في الخارج إلا في ضمن جزئياته
صدق على كل جزئي من الثلاثة أنه طهارة وينساق إلى هذا ونظائره شك لطيف وهو أن الانقسام لازم لمطلق
الطهارة وهو لازم لكل واحد من أقسامها فيلزم أن يكون الانقسام لازما لكل واحد من أقسامها ويلزم منه انقسام
الشئ إلى نفسه ومباينه أو مساواة الجزئي لكليه وكلاهما فرض محال وجوابه أن المنقسم إلى الثلاثة هو الطهارة
المطلقة أي مقيدة بقيد العموم لا مطلق الطهارة وفرق بين الصيغتين فإن الطهارة من حيث أنها عام موصوفة
بالانقسام كما أن الحيوان من حيث أنه عام موصوف بالجنسية وهي قسم من المطلق وما هو ملزوم للانقسام
ليس هو مطلق الطهارة بل الطهارة المطلقة وفيه بحث أو نقول الانقسام المذكور لازم للطهارة بحسب وجودها
الذهني وهي لازمة لأقسامها من حيث حصولها العيني لا من تلك الحيثية ولازم الشئ باعتبار لا يلزم أن يكون
لازما لملزومه باعتبار آخر كالكلية اللازمة لمفهوم الحيوان اللازم أزيد مثلا واعلم أن الظاهر من هذا الانقسام
أن مقولية الطهارة على أنواعها الثلاثة بطريق الحقيقة لا بالمجاز ولا ريب في ذلك بالنسبة إلى المائية ويؤيده
بالنسبة إلى الترابية قوله الصعيد طهور المسلم وجعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا إلى غير ذلك من
الأحاديث الدالة على إطلاق الطهارة على التيمم لان السياق لإباحة الصلاة بالنسبة إلى الحدث ولصدق التعريفات
بأسرها عليه ثم على تقدير الحقيقة فهل تلك المقولية بطريق الاشتراك اللفظي أو التواطؤ أو التشكيك الظاهر
انتفاء الأول لاشتراك الثلاثة في معنى مشترك بينهما وهو صلاحية الإباحة للصلاة ولو بالقوة القريبة على ما
تقرر وهو ينفى الاشتراك ومحتمل الاشتراك ينظر إلى اختلاف ذاتي المائية والترابية فهي كالعين وهو ضعيف
إذ لا جامع لافراد العين غير اللفظ بخلافه هنا نعم يقع الشك بين الأخيرين لاشتراكهما في هذا الوجه وليس ببعيد
مقوليتها على الثلاثة بالتشكيك وعلى الوضوء والغسل بالتواطؤ فإن إطلاقها على المائية أقوى من الترابية
وفرد المائية متساويان وتظهر فائدة الخلاف في نذر الطهارة وسيأتي كل منها إلى الثلاثة التي هي الوضوء
والغسل والتيمم واجب أما بأصل الشرع أو بالعرض كالنذر وشبهه وندب بالأصالة أو بالعرض أيضا فالأقسام
أربعة ويخرج من ضربها في الأنواع الثلاثة اثنا عشر قسما ذكر المصنف ره منها تسعة الواجبة بأصل الشرع والعارض
والثلاثة المندوبة بأصل الشرع وستراها مفصلة وبقي ثلاثة أقسام وهي المندوب من الثلاثة بسبب من
المكلف وذلك حيث يكون أحدها متعلقا بما يستحب الوفاء به كالنذر المنوي غير المتلفظ به فالوضوء يجب
بأصل الشرع للصلاة والطواف الواجبين أما للصلاة فلقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ولقوله لا
صلاة إلا بطهور وللإجماع ويلحق بالصلاة أجزاؤها المقضية منفردة كالسجدة والتشهد وسجود السهو و
الاحتياط إن لم نجعله صلاة مستقلة لا سجود التلاوة وأما للطواف فلقوله صلى الله عليه وآله الطواف
بالبيت صلاة فيشترط فيه ما يشترط فيها إلا ما أخرجه الدليل ويجب الوضوء أيضا بالأصالة لمس كتابة القرآن
إن وجب المس بنذر وشبهه على الأصح من توقف المس على الطهارة للآية والضابط في وجوب الوضوء ما
كانت غايته واجبة ولما كان الصلاة والطواف واجبين بأصل الشرع جعل الوجوب معهما وصفا ولما لم
يجب المس بالأصل جعل الوجوب فيه شرطا وربما أعيد ضمير وجب إلى الوضوء إشارة إلى الخلاف في وجوب
14

الوضوء على المحدث للمس وفيه بعد لحكم المصنف بوجوبه فلا وجه لتردده هنا بل الوجه ما قلناه ويستحب الوضوء
بأصل الشرع لمندوبي الأولين وهما الصلاة والطواف فإن الغاية لما لم تجب لم يجب شرطها لجواز تركها فكان الشرط
كالغاية إذ لا يتصور وجوب الشرط لمشروط غير واجب لكن مع الشرطية في الصلاة فلا تصح بدونه وقد يطلق عليه هنا الوجوب
لمشابهة الواجب في أنه لا بد منه بالنسبة إلى مشروطه ويعبر عنه بالوجوب الشرطي وكذا بالقول في مس خط المصحف مع
عدم وجوبه وأما الطواف المندوب فهو من كماله على الأصح فيصح الطواف بدونه واشترطها فيه المص في النهاية ودخول
المساجد للخبر ولاستحباب التحية وهي متوقفة على الوضوء وقراءة القرآن وحمل المصحف والنوم وصلاة الجنائز و
السعي في حاجة وزيارة المقابر كل ذلك للنص وفى كل هذه ينوى الاستباحة أو الرفع ويحصلان له عدا النوم ففيه نظر
أما نية الرفع فلا إشكال فيها بعد ثبوت إيقاع هذه الأشياء على طهارة وأما الاستباحة فذكرها الشهيد ره في
بيانه ساكتا عليها وأمرها مشكل فيما عدا الصلاة المندوبة لإباحة هذه الأشياء بدونها فكيف ينوى استباحتها بها
والأولى في النية رفع الحدث أو إيقاع هذه الأشياء على الوجه الأكمل لتوقفه على رفع الحدث وأما النوم فالوضوء له غايته
الحدث فكيف يرفعه وألحقه في المعتبر بالصحيح لأنه قصد النوم على أفضل أحواله ولما في الحديث من استحباب النوم على
طهارة وهو مشعر بحصولها واعترضه شيخنا الشهيد ره بأنه لا يلزم من استحباب النوم على الطهارة صحة الطهارة
للنوم إذ الموصل إلى ذلك وضوء رافع للحدث فلينو رفعه أو استباحة مشروطة به لا منافيا له قال والتحقيق إن جعل
النوم غاية مجازا إذ الغاية هي الطهارة في آن قبل النوم بحيث يقع النوم عليها فيكن من باب الكون على طهارة وهي
غاية صحيحة ونوم الجنب وإنما خصه بالذكر مع دخوله في استحباب الوضوء للنوم لمزيد الاهتمام به ولورود
النص عليه
بخصوصه ولدفع توهم عدم شرعية الوضوء للجنب وجماع المحتلم قبل الغسل وعلل في الخبر بأنه لا يؤمن أن يجئ الولد
مجنونا لو حملت من ذلك الجماع وهو يقتضى تخصيص الكراهة بوقت احتمال الحمل فينتفى بدونه والأولى تعميم الحكم إذ
لا يلزم من تأثيره في الحمل على تقدير كونه مسببا عنه انتفاء الكراهة لو لم يكن والكراهة منوطة بالاحتلام فلا يكره
الجماع من غير وضوء للأصل وذكر الحائض لله تعالى في وقت كل صلاة والخبر ورد في الحائض والظاهر إلحاق النفساء
بها لأنها حائض في المعنى وهذه الثلاثة لا يتصور فيها رفع الحدث لمصاحبته لها وعدم صلاحيته للارتفاع به في هذه
الحالة والكون بالجر عطفا على ما قبله أي ويستحب الوضوء أيضا للكون على طهارة أي للبقاء على حكمها فاندفع توهم
التكرار حيث يصير التقدير يستحب الطهارة للكون على طهارة لان البقاء على حكمها ليس هو نفسها بل لازمها وليس
الكون غاية مستقلة بل مستلزمة للرفع أو الاستباحة إذ لا تحصل إلا بأحدهما فكان المنوي أحدهما ومن ثم صح الوضوء
المنوي به ذلك كما قربه في الذكرى مع أن ذلك وارد في بقية الغايات المستحبة والجواب واحد ويجوز رفع الكون
عطفا على الضمير المستتر في قوله ويستحب أو على الابتداء والخبر محذوف وتقديره مستحب وربما توهم التكرار على
التقدير الأول من هذين بناء على أنه في قوة يستحب الوضوء ويستحب الكون على وضوء ولا وجه له لان المعطوف إليه
ليس هو استحباب الوضوء مطلقا بل للمذكور من الصلاة والطواف المندوبين وغيرهما مما عد ثم إن المكلف إذا أراد
الكون فإن نوى رفع الحدث فلا ريب في الصحة وحصول ما نواه إذ لا يحصل الكون عليها إلا مع ارتفاعه مع الاختيار
وهو إحدى الغايتين وإن نوى الاستباحة لشئ مما يتوقف على الوضوء حصل المقصود أيضا لزوما لكن بكون
الكون ح تابعا وإن نوى الكون على طهارة فقد قرب الشهيد ره الاجزاء كما حكيناه عنه وهو حسن لأنه إحدى الغايات
15

المطلوبة للشارع ولأنه يستلزم الرفع لان الكون على طهارة لا يتحقق إلا معه والتجديد بالجر أيضا عطفا على ما سبق
ولا ينوى هنا الرفع ولا الاستباحة ولا يرفع الحدث على المشهور لعدم نيته وحكى عن الشيخ في ط الرفع وقواه الشهيد
في الدروس لان شرعية المجدد لتدارك الخلل وكمالية الطهارة مع أنهما يشترطان في الوضوء الواجب الاستباحة أو
الرفع وسيأتي في ذلك بحث آخر إنشاء الله ولو اكتفينا في الوضوء بالقربة فلا إشكال ح في رفع المجدد على تقدير الحاجة
إليه ثم إن تجديد الوضوء إن كان بعد إن صلى بالأول ولو نافلة فلا ريب في استحبابه وألحق المصنف في التذكرة الطواف
وسجود الشكر والتلاوة بها ورجح الشهيد عدم اللحاق وهل يستحب قبل الصلاة أو ما يلحق بها جزم به المصنف في
التذكرة للعموم وتوقف الشهيد ويقوى الاشكال في تعدده لصلاة واحدة لعدم النص على الخصوص وتوقف
فيه المصنف في المخ ويمكن دخوله في عموم الاذن فيه من غير تقييد ورجح العدم في الذكرى محتجا بأصالة عدم المشروعية
وأدائه إلى الكثرة المفرطة ويضعف الأول ما ذكرناه والثاني لا يصلح للدلالة والغسل يجب بأصل الشرع لما وجب له
الوضوء وهو الصلاة والطواف الواجبان والمس إن وجب للآية والحديث والاجماع فيشترك مع الوضوء في هذه الثلاثة
ويجب أيضا زيادة على الوضوء لأربعة أشياء الدخول المساجد مع اللبث في غير المسجدين وفيهما يكفي في الوجوب مجرد
الدخول وقراءة سور العزائم الأربع أو شئ منها حتى البسملة إذا قصدها لاحدها والمراد بالعزائم نفس السجدات الواجبة فإطلاقها
على السور من باب حذف المضاف أي سور العزائم وتسميتها عزائم بمعنى إيجاب الله تعالى لها على العباد كما هو أحد معنيي العزيمة
وفى تسميتها عزائم احتراز عن باقي السجدات المستحبة لا بالمعنى المشهور للأصوليين من أن العزيمة ما وجب فعله مع عدم قيام
المانع وهو المعنى المقابل للرخصة إذ لا وجه لاختصاصها بذلك من بين نظائرها هنا من الواجبات وإن كان التعريف
صادقا عليها ومستند الحكم فيهما النص والاجماع وإنما يجب الغسل لهما إذا كانا واجبين بنذر وشبهه إذ لا وجوب لأحدهما
بأصل الشرع كما نبه عليه المصنف بقوله إن وجبا أي كل واحد من الدخول والقراءة بانفراده
وإطلاق الغسل يشمل بظاهره
تحريم هذه الأشياء على محدث يجب عليه الغسل بجنابة أو غيرها فيدخل فيه حدث مس الأموات وهو على إطلاقه في
الغاية التي شارك فيها الوضوء وأما دخول المساجد وقراءة العزائم فعمم المصنف الحكم فيها في التذكرة واستثنى الشهيد ره
ماس الميت من تحريم دخول المساجد وادعى عليه ابن إدريس الاجماع والمنقول منه بخبر الواحد حجة مع اعتضاده بأصالة
البراءة وخلو الاخبار من الدلالة عليه نفيا وإثباثا وأما قراءة العزائم له فليس فيها تصريح لاحد من الأصحاب والظاهر أن
الحكم فيه كك لأصالة البراءة وعدم الدليل المحرم وأما حدث الاستحاضة الموجب للغسل فظاهر عبارة جماعة أنه كالحيض في
منع دخول المساجد وقراءة العزائم مع عدم فعل ما يلزمها من الأغسال والوضوءات أما لو فعلت ذلك استباحت ما
يستبيحه المتطهر وفى الدروس جوز لها دخول المسجد مع أمن التلويث من غير تقييد محتجا بخبر زرارة عن الباقر عليه السلام
وسيأتي الكلام فيه ويجب الغسل أيضا لصوم الجنب إذا بقي من الميل مقدار فعله للاخبار والاجماع وخلاف ابن بابويه لا
يقدح فيه ويلحق به الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما قبل الفجر دون ماس الميت للأصل وعدم النص كما اعترف به
الشهيد في الذكرى قيل عليه إن مطلق صوم الجنب لا يكون مشروطا بالغسل لان من نام بنية الغسل حتى أصبح لا يفسد صومه
وكذا من لم يعلم بالجنابة حتى طلع الفجر أو تعذر عليه الغسل وجوابه إن الحكم بوجوب الغسل أعم من كونه شرطا ويؤيده ما
ذكر من الصور إذ لو كان شرطا لم يصح الصوم على وجه نعم هو واجب موسع قبل النوم وبعده لا تكليف ولأن شرطية الطهارة
قوية لا يعذر فيها الناسي ومقتضى كلامهم أنه شرط على بعض الوجوه لا مطلقا فسقط الايراد كما مر وقد يجاب بأن المفرد المحلى
16

باللام لا يعم عند المصنف فيصدق بجنب ما من غير أن يندرج فيه ما ذكر وأورد العلامة قطب الدين الرازي على المصنف أن قوله
ولصوم الجنب يدل على أن غسل الجنابة واجب لغيره وهو لا يقول به وأجاب المصنف بأن المراد تضيق الوجوب ومعناه أن الصوم
ليس موجبا للغسل بل يتضيق وجوبه بسببه وإنما الموجب به الجنابة فذكره لبيان كيفية الوجوب لا لبيان ماهيته كذا
قرره الشهيد ره وأقره وزيف بأن الغسل شرط للصوم قطعا ووجوب المشروط يقتضى وجوب الشرط ويمكن الجواب
عن الايراد وإن قلنا بالشرطية بعدم المنافاة بين وجوبه لنفسه ووجوبه لكونه شرطا للصوم لان الواجب في نفسه لا يمتنع
جعله شرطا لواجب آخر كستر العورة مع وجود الناظر فإنه واجب في نفسه وشرط للصلاة وكصوم رمضان بالنسبة إلى الاعتكاف
المنذور فيه وحينئذ فيجب لوجوبه قضية للاشتراط ولهذا يتعلق به حكم الوجوب اللاحق كتضيقه بتضيق مشروطه ويجب
الغسل أيضا لصوم المستحاضة مع غمس دمها القطنة سواء سال أم لم يسل فيشمل حاليتها الوسطى والعليا وتخرج
القليلة والمستند بعد الاخبار الاجماع ولا إشكال في الحكم إذا كان الغمس بعد انتصاف الليل وقبل الفجر بالنسبة إلى اليوم
المستقبل وكذا إذا كان بعد الفجر قبل الصلاة على الظاهر لعموم توقف الصوم على الأغسال ويحتمل ضعيفا عدم وجوبه
للصوم هنا وإن وجب للصلاة لسبق انعقاده أما لو كان بعد صلاة الفجر لم يجب الغسل للصوم قطعا لعدم وجوبه بالنسبة
إلى صلاة الفجر ثم إن استمر إلى صلاة الظهر وكان كثيرا توقف عليه الصوم لوجوبه لصلاة الظهر أما لو كثر وانقطع
قبل الظهر نفى إيجابه الغسل خلاف يأتي تحقيقه إنشاء الله ولو تجدد الكثرة بعد صلاة الظهرين لم يتوقف صوم اليوم
الحاضر على الغسل وإن استمرت إلى وقت العشائين مع احتماله والظاهر توقف صوم اليوم المستقبل عليه للعموم وكذا إذا تجددت
الكثرة بعد صلاة العشاء سواء انقطعت قبل الانتصاف أم استمرت والظاهر الاكتفاء ح بغسل واحد قبل الفجر وإن وجب
في السابق أكثر ولو كان متوسطا فإن استمر إلى الفجر فتوقف الصوم عليه ظاهر وإن انقطع قبله فالأجود وجوب الغسل له
وتوقف الصوم عليه للعموم
ويستحب الغسل بأصل الشرع للجمعة على المشهور لقوله صلى الله عليه وآله من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت
ومن اغتسل فالغسل أفضل وقول الكاظم عليه السلام لأنه سنة وليس بفريضة والأخبار الدالة على الوجوب محمولة على تأكد الاستحباب
جمعا بين الاخبار ووقته للمختار من طلوع الفجر ويمتد إلى الزوال لقول الصادق عليه السلام كانت الأنصار تعمل في نواضحها
وأموالها وإذا كان يوم الجمعة جاؤوا المسجد فيتأذى الناس بأرواح إباطهم وأجسادهم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه
وآله بالغسل يوم الجمعة فجرت بذلك السنة وكلما قرب من الزوال كان أفضل لزيادة المعنى عند الحاجة إليه في الأصل ولو
فاته قبل الزوال لعذر وغيره على الأصح استحب فضاؤه إلى السبت ليلا ونهارا مع احتمال عدمه ليلا لظاهر النص ويستحب
تعجيله يوم الخميس مع خوف فوت الأداء وإن علم التمكن من القضاء واحتمل المصنف هنا تحتم القضاء كصلاة الليل وأفضل وقتي
التعجيل والقضاء الأقرب إلى وقت الأداء وهو آخر الأول وأول الثاني ويستحب الغسل أيضا أول ليلة من شهر رمضان
وهو إجماع ورواه عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام وهما واقفيان لكن أيدت الرواية بعمل الأصحاب وليلة نصفه
وهي ليلة الخامس عشر ولم نعلم فيها نصا على الخصوص قال المحقق في المعتبر ولعله لشرف تلك الليلة فاقترانها بالطهر
حسن ويظهر من المصنف في النهاية إن به رواية وليلة سبع عشر وليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلث وعشرين
من شهر رمضان وهو إجماع ورواه محمد بن مسلم عن أحدهما قال الغسل في سبعة عشر موطنا ليلة سبع عشرة
وهي ليلة التقى الجمعان وتسع عشرة فيها يكتب رفد السنة وليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي أصيب فيها
أوصياء الأنبياء ورفع فيها عيسى بن مريم وقبض موسى وثلاث وعشرين يرجا فيها ليلة القدر وليلة الفطر
17

ذكره الشيخان ورواه الحسن بن راشد قال إذا غربت الشمس ليلة العيد فاغتسل الحديث والحسن بن راشد
ضعفه النجاشي ولم يذكر هذا الغسل جماعة لكن أحاديث السنن يتسامح فيها ويومي العيدين وهو إجماعنا ومذهب
الجمهور وحكى عن أهل الظاهر وجوبه فيهما ووقته مجموع النهار عملا بإطلاق اللفظ لكن الأفضل فعله عند الصلاة
للتعليل المذكور في الجمعة ولو فات لم يقض لعدم النص وليلة نصف رجب وهو مشهور لكن لم يعلم فيه خبر وربما كان ذلك
لشرف الوقت كما تقدم وليلة النصف من شعبان رواه أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال صوموا شعبان واغتسلوا ليلة
النصف منه وفي بعض رجالها ضعف وذكر الشيخ في المصباح رواية عن سالم مولى حذيفة عن رسول الله
صلى الله عليه وآله
قال من تطهر ليلة النصف من شعبان فأحسن الطهر وساق الحديث إلى قوله قضى الله له ثلث حوائج ثم إن سأل أن يراني
في ليلة رآني وهذه الرواية أيضا ضعيفة والمعول على الاستحباب اتباعا ويوم المبعث وهو السابع والعشرون
من رجب ذكره الشيخ في الجمل والمصباح ولم يثبت فيه خبر والكلام فيه كنصف رجب ويوم الغدير وهو إجماع منا
ورواه علي بن الحسين العبدي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من
قبل أن تزول بمقدار نصف ساعة إلى قوله ما سئل الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت له كأينا ما كانت
ويوم المباهلة وهو الرابع والعشرون من ذي الحجة على المشهور وقيل الخامس والعشرون واختاره المحقق وروى
سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال غسل المباهلة واجب والمراد تأكيد الاستحباب للاجماع على عدم وجوبه ويوم عرفة عند
الزوال وغسل الاحرام على الأصح وأوجبه ابن أبي عقيل ونقله المرتضى عن كثير منا والأولى حمل لفظ الفرض في الحديث
به على تأكيد الاستحباب أو أن ثوابه ثواب الفرض كما ذكره الشيخ في التهذيب جمعا بين الاخبار مع أن في الرواية ضعفا
وغسل الطواف وغسل زيارة النبي والأئمة عليهم السلام للرواية في ذلك كله وغسل قضاء صلاة الكسوف العارض للشمس
والقمر للتارك عمدا مع استيعاب الاحتراق للقرص كله للخبر واقتصر المفيد والمرتضى على تركها متعمدا وأوجبه سلار
واستقرب المصنف استحبابه لجاهل وجوب الصلاة أيضا وغسل المولود حين ولادته لأنه خرج من محل الخبث وللخبر
وأوجبه ابن حمزة محتجا برواية ضعيفة وغسل السعي إلى رؤية المصلوب مع الرؤية بعد ثلاثة من صلبه وقيل من موته
ولا شاهد له ولا فرق بين مصلوب الشرع وغيره عملا بالاطلاق وربما قيل باستحباب الغسل برؤية مصلوب غير
الشرع من أول يوم لمساواته الأول بعدها في تحريم وضعه على الخشبة وكذا لا فرق بين المصلوب على الهيئة المعتبرة
شرعا وغيره ولو قتل بغير الصلب لم يستحب الغسل للأصل وأول وقته الرؤية ونقل عن أبي الصلاح القول بوجوبه
وللتوبة من فسق أو كفر وإن كان ارتدادا ووقته بعد التوبة والإسلام لتضييقهما وتقييدهم بالفسق يقتضى عدم
الاستحباب للتوبة من صغيرة لا توجبه ويمكن دخوله في العموم والتعليل بالتفاؤل بغسل الذنب والخروج من دنسه
وغسل صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة للخبر وضعفه معتضد بعمل الأصحاب وغسل دخول الحرم والمسجد الحرام
ومكة والكعبة والمدينة ومسجد النبي صلى الله عليه وآله للنص في ذلك كله ولا تتداخل هذه الأغسال عند اجتماع
أسبابها لان كل واحد منه سبب مستقل في استحباب الغسل والأصل عدم تداخلها وإن تداخلت في بعض الصور
فعلى خلاف أصلها لأمر عرضي من نص أو غيره ولاعتبار نية السبب وخصوصا مع انضمام واجب إليها لتضاد وجهي
الوجوب والندب فأما أن ينوى الندب أو الوجوب أو هما ويلزم من الأول عدم ارتفاع الحدث لعدم رفع هذه
الأغسال المندوبة الحدث بل قد تجامعه كما يصح غسل الاحرام من الحائض ومن الثاني نية وجوب ما ليس بواجب ومن
18

الثالث الجمع بين الضدين فإن اجتمعا فظاهر بطلانه وإن حصل أحدهما فهو ترجيح بلا مرجح وألحق التداخل مطلقا
وخصوصا مع انضمام الواجب لما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزءك عنها غسل واحد قال
وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها واحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها والأول شامل لاجتماع المسنونة خاصة
والواجبة خاصة واجتماعهما معا والاخر صريح في الاجتزاء بغسل واحد مع انضمام الواجب لكن مع اجتماع الأسباب المندوبة
والأولى اشتراط نية الجميع لان نية السبب في المندوب مطلوبة إذ لا يراد به رفع الحدث بخلاف الواجبة ولو نوى البعض
فالوجه اختصاصه بما نواه ومع انضمام الواجب يكفي أحد الامرين نية الواجب أو نية الجميع صرح به جماعة ولا يخلو من
إشكال لتضاد الوجه واعتبار نية السبب ويمكن سقوط اعتبار السبب هنا ودخوله تحت الوجوب كما في الأذكار المندوبة
خلال الصلاة الواجبة والصلاة على جنازتي من زاد عن الست ونقص عنها مع إن بعض مشائخنا المعاصرين مع
حكمه بالتداخل مطلقا أسقط اعتبار السبب عملا بظاهر الرواية ولأنه حكم شرعي فلا يتوقف على اختيار المكلف
فيكون معناه سقوط الاستحباب وزيادة ثواب هذا الغسل على غيره وهو قريب
والتيمم يجب بأصل الشرع
للصلاة والطواف الواجبين بل الصواب أنه يجب لما تجب له الطهارتان ويزيد عليهما لخروج الجنب من المسجدين
ليدخل فيه التيمم لمس كتابة القرآن إن وجب وللصوم إن قلنا بوجوب التيمم مع تعذر الغسل لئلا يدخل في قوله و
المندوب ما عداه وشمل قوله لخروج الجنب من أجنب في المسجد باحتلام كما ورد به النص وبغيره ومن دخل مجنبا
لاشتراك الجميع في العلة وهو قطع شئ من المسجدين جنبا فإنه محرم بدون الطهارة مع الامكان وإطلاق الحكم بالتيمم
مبنى على الغالب من عدم وجود ماء في المسجدين يصلح للغسل من غير تلويث المسجد بالنجاسة خصوصا في مورد النص و
هو الاحتلام فيهما فإنه يستلزم النجاسة أو على الغالب من نقصان زمانه على زمان الغسل ولو فرض تساوى
زمانيهما أو نقصان زمان الغسل وأمكن الغسل في المسجد وجب الغسل وإطلاق الخبر بالتيمم مقيد بعدم ذلك جمعا
بينه وبين ما دل على اشتراط عدم الماء في جواز التيمم مع احتمال التيمم مطلقا لظاهر النص في تخصيص التيمم بالذكر
مع حرمة الكون في المسجد ويؤيده ما روى أن الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك وهو دليل على عدم اعتبار
الطهر في هذا التيمم وفي المعتبر نفى الوجوب عن الحائض وإن استحب لأنه لا سبيل لها إلى الطهارة بخلاف الجنب
ورده الشهيد ره بأنه اجتهاد في مقابلة النص ثم عارضه باعترافه بالاستحباب ويشكل بان المحقق طعن فيه في
الرواية بالقطع فلا حجة فيها فيرجع إلى الاجتهاد ويصح استناد الاستحباب إلى الرواية للتسامح في دلائل السنن
ويمكن كون التيمم مبيحا لهذا الجواز وإن كان الحدث باقيا والظاهر إلحاق النفساء بالحائض هنا لأنها حائض في المعنى
دون المستحاضة المخاطبة بالغسل لعدم النص وإنما قيدنا جواز الغسل في المسجد مع إمكانه بمساواة زمانه
لزمان التيمم أو قصوره عنه مع أن الدليل يقتضى تقديمه مطلقا مع إمكانه لعدم العلم بالقائل بتقديمه مطلقا أولا
كان القول به متوجها بقي هنا بحث وهو أن هذا التيمم للخروج من المسجدين هل يبيح الصلاة ونحوها قيل لا
لوجوب الخروج عقيبه بغير فصل متحريا أقرب الطرق فعلى هذا لا ينوى فيه البدلية والتحقيق أن يقال إن كان
الغسل ممكنا في المسجد ولم نقل بتقديمه على التيمم فلا إشكال في عدم إباحة هذا التيمم للاجماع على عدم إباحة الصلاة
بالتيمم مع إمكان الغسل وإن لم يمكن في المسجد فلا يخلو أما أن يكون الغسل ممكنا خارجا كما لو كان الماء موجودا
ولا مانع لهذا المتيمم من الغسل من مرض ولا غيره وهنا يتوجه أيضا عدم إباحته للصلاة لان وقوعها في المسجد
19

ممتنع لوجوب المبادرة إلى الخروج وبعد الخروج يتمكن من الغسل فيفسد التيمم وإنما شرع التيمم هنا مع إمكان الغسل
خارجا لتحريم المرور في المسجدين من دون الغسل أو التيمم فإذا تعذر الغسل داخله قام التيمم مقامه في إباحة قطع
مسافته وإن كان الغسل (غير مقدور خارج المسجد فالوجه كون هذا التيمم مع تعذر الطهارة المائية يبيح صح) إلا على قول ولدا المصنف من عدم إباحة دخول المساجد مطلقا بالتيمم وسيأتي بطلانه ويمنع حينئذ وجوب
المبادرة إلى الخروج وتحرى أقرب الطرق لان ذلك مشروط بإمكان الغسل خارج المسجد جمعا بين قولهم هنا كك و
وقولهم في باب التيمم أنه يبيح ما يبيحه المائية ومن جملة ما يبيحه المائية اللبث في المسجدين وغيرهما فيصح اللبث والصلاة
ولا يلحق باقي المساجد بالمسجدين في شرعية التيمم لعدم النص وقرب في الذكرى استحبابه لها للقرب إلى الطهارة وعدم
زيادة الكون فيها على الكون له في المسجدين والفرق واضح بعد ورود النص ولأن قطع المسجدين مشروط بالغسل
مع إمكانه بخلاف غيرهما من المساجد واستحباب قطعها بالغسل مع عدم اللبث لا يقتضى جوازه هنا مع استلزامه اللبث
المحرم لان ذلك يحصل مع الغسل خارجها فلا يعارض ما دل على تحريم اللبث فيها للجنب ولو سلم فتركه أولى لان ترك ما هو
عرضة للتحريم أولى من الطمع في تحصيل المندوب والتيمم المندوب بأصل الشرع ما عداه فيستحب بدلا من الوضوء المستحب
في كل موضع يكون الوضوء رافعا لتحقق البدلية وهل يستحب بدلا من غير الرافع كنوم الجنب وذكر الحائض يحتمله لحلوله محل
الرافع فغيره أولى والعدم لعدم النص ويستحب أيضا بدلا من غسل الاحرام مع تعذره وهل يستحب بدلا من غيره وجهان
أرجحهما العدم لعدم النص وعلى القول برفع الغسل المندوب الحدث كما ذهب إليه المرتضى لا إشكال في الاستحباب
ويكون مبيحا للصلاة ويستحب أيضا للنوم مع وجود الماء ولصلاة الجنازة على المشهور وادعى عليه الشيخ الاجماع
وحجية المنقول منه بخبر الواحد كما قرر في الأصول يدفع منع المحقق له في المعتبر بعدم معرفته والظاهر في نيتها البدلية
كغيرها لعدم المانع ورجح بعض المحققين عدمها فيهما فهذه ستة أقسام من الاثني عشر واجبة ومندوبة بأصل الشرع
ثم أشار إلى الثلاثة الواجبة بسبب من المكلف بقوله وقد تجب الثلاثة بالنذر وشبهه كالعهد واليمين ويشترط في انعقاد
نذر كل منها أن يكون راجحا لولا النذر سواء كان واجبا أم مندوبا على الأصح في الأول فالوضوء ينعقد نذره
دائما لرجحان فعله دائما وهل ينصرف النذر إلى الرافع للحدث أو المبيح للصلاة أم الأعم وجهان والثاني لا يخلو من قوة
ثم إن أطلق كان وقته العمر ويتضيق عند ظن الوفاة كنظائر من أفراد النذر المطلق وإن قيده بوقت واتفق فيه
محدثا فالامر واضح وإلا بنى على الوجهين فإن لم نعتبر أحد الامرين وجب التجديد وإن اعتبرناه لم يجب الوضوء لامتناع تحصيل أصل
ولا الحدث لعدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط ويجئ على القول برفع المجدد احتمال وجوبه لامكان أن يظهر
بعد ذلك الخلل في الأول بل يحتمل وجوبه وإن لم يظهر ويضعفان معا بأنه الآن غير رافع لاستحالة تحصيل الحاصل
فلا يخاطب به ولو اتفقت المرأة حائضا في الوقت المعين وحضر وقت صلاة بنى على الوجهين أيضا وأما الغسل فإن قيده
في نذره بأحد أسبابه الراجحة انعقد وإن أطلق أوقعه على أحد تلك الأسباب وفي أجزاء الواجب ح منه ومن الوضوء
وجه ثم إن عين زمانا ولم يوجد السبب فيه بطل النذر وأما التيمم فلما كانت مشروعيته مشروطة بعدم الماء أو عدم
التمكن من استعماله اشترط ذلك في انعقاد نذره فيتوقع مع الاطلاق ويبطل مع التعيين حيث لا يتعذر استعمال
المائية ولا يجب عليه تحصيل سببه بالحدث كما مر ويشترط في صحة نذره إطلاقه أو تعليقه بأحد أسبابه الراجحة ففي
الواجب الحكم ظاهر وفي بدل المندوب من الوضوء يشترط كونه رافعا كما تقدم ومن الغسل يختص بغسل الاحرام هذا
كله إذا نذر كل واحد من الثلاثة على حدته أو نذرها بلفظ يشملها كان نذر الطهارة ملاحظا إطلاقها على
20

الأنواع الثلاثة أما لو نذر الطهارة مطلقا ففي تخييره بين الثلاثة أو حمله على المائية خاصة أو على الترابية أوجه مبنية
على ما سلف من الكلام على أن مقولية الطهارة على الثلاثة هل هو بطريق الاشتراك أو التواطؤ أو التشكيك أو
الحقيقة والمجاز فعلى الأولين يبر بكل واحد من الثلاثة لكن يشترط في التيمم تعذر الآخرين وعلى الثالث يحتمل قويا
ذلك أيضا ويحتمل انصرافه إلى الفرد الأقوى وهو المائية خاصة قطعا وقد سبق تحقيقه النظر الثاني في أسباب
الوضوء بضم الواو اسم للفعل مأخوذ من الوضاة بالمد وهي النظافة والنظارة وهو اسم مصدر لان قياس المصدر
التوضؤ كالتعلم والتكلم وتقول توضأت بالهمزة ويجوز على قلة توضيت بالياء وكذا قرأت ونحوهما والوضوء
بفتح الواو اسم
للماء الذي يتوضأ به وقيل هما جميعا بالفتح وقيل بالضم وإطلاق الأسباب على الاحداث المعهودة باعتبار استلزامها
الطهارة أما وجوبا أو ندبا فإن السبب عند الأصوليين هو كل وصف ظاهر منضبط دل الدليل على كونه معرفا لاثبات
حكم شرعي لذاته وهو هنا عبارة عن الوصف الدال على المخاطبة بالطهارة وجوبا أو ندبا ولا يرد حدث الصبي و
المجنون والحائض فإن حدثهم بحسب ذاته دال عليها مستلزم لها وإنما تخلف الحكم لعارض وهو فقد الشرط في الأولين و
وجود المانع في الأخير وتخلف الحكم لفقد الشرط أو وجود المانع لا يقدح في السببية كما قرر في محله وعدم تكليفهما لا
يدل على عدم ترتب حكم السببية ولو بالقوة ولهذا تجب عليهما الطهارة عند الكمال بالسبب الحاصل قبله كما صرح به
الشهيد ره وغيره ويعلم من ذلك أن التعبير عن الاحداث بالأسباب أولى من التعبير بالنواقض والموجبات كما فعله
غيره لان تسميتها نواقض باعتبار تعقبها لطهارة سابقة وظاهر أن الحدث أعم من ذلك وتسميتها موجبات باعتبار
وجودها عند تكليف المكلف بما يشترط فيه الطهارة أو عند وجود السبب فيما وجب منها لنفسه كغسل الجنابة عند
المصنف وغسل الأموات وظاهر أيضا أن الاحداث أعم من ذلك فالأسباب أعم منهما مطلقا أما من النواقض فلاجتماعهما في
حدث تعقب طهارة وتخلف الأسباب فيما عدا ذلك ولا يتصور تخلف ناقض عن سبب بعدما تلوناه وأما من الموجبات فلانه
يصدق على الاحداث السببية عند وجودها حال براءة ذمة المكلف من مشروط بالطهارة ولا يصدق الموجبية حينئذ
وأما النواقض فبينها وبين الموجبات عموم من وجه لصدق الناقض بدون الموجب في حدث تعقب طهارة صحيحة مع
خلو ذمة المكلف من مشروط بها ويصدق الموجب بدون الناقض في الحدث الحاصل عقيب التكليف بصلاة واجبة من
غير سبق طهارة ولا يرد أن الوجوب حاصل من قبل حيث لم يكن متطهرا فيلزم تحصيل الحاصل أو اجتماع علتين على معلول
شخصي لأنا نقول أن كل واحد من الحدث السابق والمفروض لو انفرد كان موجبا وليس للاجتماع مدخل في نفى هذا
الحكم والاحداث كلها معرفات شرعية للأحكام لا علل عقلية ويصدقان معا في الحدث المتعقب لطهارة شرعية
مع اشتغال ذمة المكلف بمشروط بها
ونبحث في هذا النظر أيضا عن كيفيته أي الوضوء وإطلاق الكيفية على الذات
من حيث أنه يسئل عنها بكيف هي أنما يجب الوضوء خاصة من خروج البول والغائط والريح من الموضع المعتاد لخروج هذه
الثلاثة منه وهو المخرج الطبيعي وإطلاق المعتاد عليه باعتبار التعريف لا لملاحظة اشتراط اعتبار الخروج منه فيجب
الوضوء بالخارج منه بأول مرة بمعنى كون الخروج سببا فيه وإن تخلف تأثيره لفقد شرط كالصغر ولو خرجت الثلاثة
من غير الموضع الطبيعي أوجبت إن اعتيد وإلا فلا ويمكن دخوله في العبارة أيضا سواء كان فوق المعدة أم تحتها هذا مع
عدم انسداد الطبيعي ومعه لا يعتبر من غيره الاعتياد ويصير معتادا بالخروج منه مرتين متواليتين عادة ويعلم من الحصر
21

المستفاد بإنما عدم الوجوب بالخارج غير الثلاثة من حب ودود وغيرهما مع عدم مصاحبته لشئ من الثلاثة ومعها ينقض
لا باعتباره بل باعتبار ما خرج معه منها ويستفاد أيضا عدم الوجوب من الريح الخارج من القبل سواء الرجل والمرأة على الأصح والمتعارف
من الخروج ما كان معه انفصال فلو خرجت المقعدة ملطخة بالغائط ثم عادت ولما ينفصل لم يجب الوضوء على الأصح ومن
النوم الغالب غلبة مستهلكة معطلة للحاستين لا مطلق الغلبة على الحاستين وهما السمع والبصر وإنما خصهما بالذكر من بين
الحواس مع اشتراط زوال الجميع قط لأنهما أقوى الحواس فغلبته عليهما تقتضي غلبته على باقي الحواس من غير عكس والمعتبر
في غلبتهما التحقيق على تقدير سلامتهما من الآفة أو التقدير مع عدمها ويجب الوضوء مما يغلب على العقل من الجنون و
الاغماء والسكر واستدل على ذلك بقول الباقر والصادق عليهما السلام (حين عددا موجبات الوضوء والنوم حتى يذهب العقل فيعلم منه حكم مزيل العقل وبقول الصادق عليه السلام صح) إذا خفى عليه الصوت وجب الوضوء وفي الاستدلال
بهما بحث ومن الاستحاضة القليلة خلافا لابن أبي عقيل فإنه لم يوجب بها وإنما خص القليلة بالذكر لان المتوسطة والكثيرة
يوجبان الغسل في الجملة وإن أوجبا الوضوء خاصة على بعض الوجوه ولا يرد ما قيل أنه إن أراد ما يوجب الوضوء خاصة
فكان عليه أن يذكر مع الاستحاضة القليلة قسمي المتوسطة أعني ما عدا الصبح وإن أراد موجب الوضوء في الجملة
فكان عليه أن يذكر الموجبات الأحد عشر لأنا قد بينا أن المتوسطة من حيث هي موجبة للغسل وإن كانت بالنظر إلى بعض
أحوالها موجبة للوضوء خاصة وأيضا فما ذكر لو تم لورد في الكثيرة أيضا لايجابها الوضوء خاصة على بعض الوجوه
وهو لصلاة العصر وصلاة العشاء فلا وجه للنقض بالمتوسطة خاصة والجواب عنهما واحد ثم أكد الحصر بإنما في
إيجاب الوضوء خاصة بهذه الأشياء بقوله لا غير أي لا غير هذه الأشياء الثمانية موجب للوضوء خاصة ويحتمل
ضعيفا إن يتعلق بالاستحاضة القليلة أي لا غيرها من حالتيها المتوسطة والكثيرة وهذا المعنى يحصل على التقدير
الأول مع إفادة ما هو أعم منه فكان الأول أولى ولما كان من ضرورات بعض هذه الأسباب موضع خاص ويلحقه أحكام
خاصة انجر البحث منه إليه هنا
فقال ويجب على المتخلي للبول أو الغائط ستر العورة من ناظر بشرى محترم لقول النبي صلى الله عليه وآله
إحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك وخرج بالمحترم الطفل الغير المميز ومن ذكر في الرواية وما ساواه
كالزوج والمراد بملك اليمين الأنثى غير المزوجة والمعتدة وأمة المرأة بالنظر إليها وعدم استقبال القبلة على حد
ما يعتبر في الصلاة لاتحاد المعنى والدليل ومعنى وجوب عدم الاستقبال إيجاد ضده فإن الاعدام غير مقدورة
والتكليف مقدور كما حقق في الأصولين وعدم استدبارها بالمعنى المذكور في الاستقبال لقوله إذا دخلت المخرج
فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولكن شرقوا أو غربوا والنهى للتحريم والامر للوجوب وهذا الحكم والخبر مطلقان
يتناولان الفعل في الصحارى بفتح الراء على الأفصح جمع صحراء كعذراء وعذارى وربما كسرت في لغة قليلة وهي
البرية والمراد بها هنا ما خرج عن البنيان وفي البنيان فيحرم فيهما لعدم دليل يقيد المطلق وخالف ابن الجنيد فيهما
معا وإنما استحب ترك الاستقبال في الصحراء خاصة وسلار في البنيان وإنما جعل تجبنه أفضل واختلف النقل عن
المفيد في ذلك فنقل عنه المصنف في المخ كراهة الاستقبال والاستدبار معا في الصحارى والمواضع التي يتمكن فيها
من الانحراف عن القبلة وعدمها في دار قد بنى فيها المقعد على استقبال القبلة أو استدبارها قال المصنف بعد حكاية
ذلك عنه وهذا الكلام يعطى الكراهة في الصحارى والإباحة في البنيان قلت وفي إعطائه ذلك نظر واضح ونقل
الشهيد ره في الذكرى عن المفيد الكراهة في الصحارى دون البنيان وأطلق ويفهم من الدروس إن المفيد إنما
خالف في التحريم في الأبنية خاصة والظاهر أنه سهو إلا بتقدير حمله على أنه بالمفهوم فمخالفته في الأبنية لا تدل
22

على عدم مخالفته في الصحارى فإن العمل بالمفهوم ضعيف لكن لا يخفى أنه خلاف الظاهر ونقل المحقق في المعتبر عن سلار
والمفيد الكراهة في البنيان وأطلق وهو يقتضى الكراهة في الصحارى بطريق أولى بل التحريم للاتفاق على أن حكم الصحارى
أغلظ من البنيان فحينئذ يوافق ما نقله عنه في الدروس ويؤيد التحريم إن سلارا مصرح بعدم الترخص في الصحارى فإنه
قال بعد النهى عن الاستقبال والاستدبار هذا إذا كان في الصحارى والفلوات وقد رخص ذلك في الدروس وتجنبه
أفضل تنبيه قال المصنف ره في المخ بعد إن حكى كلام ابن الجنيد بمعن ما حكيناه عنه وهو موافق لكلام المفيد وأنت
خبير باختلافهما من وجهين أحدهما أن المفيد شرك في الكراهة بين الصحارى وبين المواضع التي يتمكن فيها من الانحراف
عن القبلة المراد بها البنيان لأنها قسيمة للصحارى فلا يكون قسما منها وابن الجنيد خص الاستحباب بالصحراء
والثاني أن المفيد عمم الحكم بالكراهة فيما ذكر في الاستقبال والاستدبار وابن الجنيد إنما ذكر الاستقبال خاصة
حكاه المصنف عنه وهو لفظه في كتاب الأحمدي مختصر التهذيب وإنما أطنبنا القول في تحرير هذا الخلاف لكثرة ما قد رأيت
فيه من الاختلاف وما ذكره المصنف في المخ كله منقول بعباداتهم ولا يرد احتمال اختلاف مواضع النقل مع بعد إطلاق
النقل عن أحد بقول له في المسألة خلافه من غير بيان ويجب غسل موضع البول بالماء خاصة عند علمائنا أجمع للأصل
من بقاء حكم النجاسة الشرعية إلى أن يرد المزيل شرعا ولقول الباقر عليه السلام وأما البول فلا بد من غسله وإطلاق الوجوب
هنا باعتبار توقف الصلاة ونحوها على إزالة النجاسة فيكون واجبا موسعا يتضيق بتضيق عبادة متوقفة
على ذلك وإطلاق الوجوب قبل الوقت مجاز وكذا يجب الماء في غسل مخرج الغائط وهو لغة ما انخفض من الأرض
وسمى (الحدث صح) المعلوم غائطا باسم ما كان يفعل فيه لان الرجل كان إذا أراد الحاجة قصد الغائط ولذلك قال تعالى أو جاء
أحد منكم من الغائط مع التعدي للمخرج وهو حواشي الدبر وإن لم يبلغ التعدي إلى الأليين وهذا الحكم إجماعي من الكل
ولقوله يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة وغاية الغسل فيهما حتى يزول العين والأثر وهو الرسم
الدال عليها قيل وهو اللون لأنه عرض لا يقوم بنفسه فلا بد له من محل جوهري يقوم به إذ الانتقال على الاعراض
محال فوجود اللون دليل على وجود العين فيجب إزالته ولا يلزم مثل ذلك في الرايحة لأنها قد تحصل بتكيف الهواء
فوجودها لا يستلزم وجود العين وفيه نظر لان اللون معفو عنه في سائر النجاسات ففي الاستنجاء أولى ولأنه لا يلزم
من عرضية واستحالة الانتقال عليها نجاسته إذ لا تلازم بين عدم قيامه بنفسه وقيامه بالنجاسة لان هنا قسما ثالثا
وهو قيامه بمحل طاهر وهو الجسم ولانتقاضه بالرائحة فإنها من جملة الاعراض ولا تقوم بنفسها والهواء إنما يتكيف
بوصف النجاسة والكلام فيهما واحد ويتخير مع عدمه أي التعدي بين ثلاثة أحجار طاهرة وشبهها من كل جسم طاهر
جاف صلب غير صقيل ولا لزج ولا محترم فخرج النجس ذاتا وعرضا لان النجاسة لا تزال بالنجس وحينئذ يتحتم الماء لان
الحجر رخصة وتخفيف فيما يعم به البلوى فيقف على موردها وهي نجاسة الغائط المختص بالمحل فلا يلحق به غيره واحتمل
واحتمل المصنف بقاء الرخصة لان النجس لا يتأثر بالنجاسة والتفضيل فإن كانت نجاسة بغير الغائط تعين الماء وإلا
اكتفى بثلاثة غيره ويدخل في إطلاق العبارة الحجر الثاني والثالث على تقدير النقاء بدونهما فيجوز استعمالهما مرة أخرى
لحصول الشرط وقطع به المصنف في غير هذا الكتاب وخرج بالجاف الرطب لان البلل الذي عليه ينجس بإصابة النجاسة له
ويعود شئ منه إلى محل النجو فيحصل عليه نجاسة أجنبية فيكون قد استعمل الحجر النجس كذا قرره المصنف في النهاية و
اختاره ورده الشهيد ره بأن النجاسة العارضة للبلل من نجاسة المحل فلا يؤثر وبأنه كالماء لا ينجس حتى ينفصل
23

وسيأتي جوابه وبالصلب الرخو كالتراب والفحم الرخو لالتصاقه بالنجاسة فلا يسقط الفرض به لكن يجزى بعده الحجر ما لم
ينقل النجاسة وينشرها ولو اتفق نقاء العين به هل يجزى أم لا قطع المصنف في النهاية بعدمه ويحتمله لحصول الفرض
وإن ندر وكذا القول في الصيقل (الصقيل خ ل) الذي يزلق عن النجاسة واللزج والمحترم أقسام ما كتب عليه شئ من كلام الله
تعالى أو العلم كالحديث والفقه والتربة المقدسة الحسينية وفي هذه يحكم بكفر الفاعل بها مع علمه فلا يتصور حينئذ
الطهارة بها وأما مع جهله فالظاهر أنها مطهرة وقد صرح به جماعة لعدم المنافاة بين التطهير وبينه والدليل المانع
لا يتناول الجاهل بأصل هذه الأشياء ومن المحترم المطعوم لان له حرمة تمنع من الاستهانة به ولأن طعام الجن
منهي عنه وطعام أهل الصلاح أولى ومنه العظم والروث لاجماع علمائنا وأكثر من خالفنا لقوله صلى الله عليه وآله لا تستنجوا بالعظم
ولا بالروث فإنه زاد إخوانكم من الجن وعن أبي عبد الله عليه السلام لأنهما طعام الجن وذلك مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وآله
ولو استعمل هذه الأشياء فعل حراما وطهر المحل على الأصح لما تقدم ومنعه المحقق في المعتبر والشيخ في ط وابن
إدريس وإنما يكتفى بالثلاثة الأحجار وشبهها مع اتصافها بكونها مزيلة للعين ولا يشترط هنا زوال الأثر كالرائحة
بخلاف الرطوبة قاله في الذكرى وهو يشعر بأن الرائحة من الأثر ويشكل بأن الرائحة لا يعتبر إزالتها بالماء مع اشتراط
إزالة الأثر به إلا أن يريد بذلك أنه لا يجب إزالة الأثر بالأحجار كما أنه لا يجب إزالة الرائحة بها وهو بعيد لما عرفت
من عدم اشتراط زوالها بما هو أقوى من الأحجار وقوله وبين الماء تتمة الفردين المخير بينهما مع عدم التعدي لكن هذا
الفرد أفضل من الاخر لأنه أقوى المطهرين لإزالته العين والأثر ولما نزل قوله تعالى فيه أناس يحبون أن يتطهروا
الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا معشر الأنصار قد أحسن الله عليكم الثناء فماذا تصنعون قالوا نستنجي بالماء وروى
أنهم قالوا نتبع الغائط بالأحجار ثم نتبع الأحجار بالماء فيكون حينئذ دليلا على استحباب الجمع كما يأتي ولو لم ينق المحل
من عين النجاسة بالثلاثة وجب الزائد عليها ولا حد له بل ما يحصل به النقاء لكن يستحب أن لا يقطع إلا على وتر للخبر ولا فرق
في وجوب الزايد بين تحقق عدم النقاء وعدم تحقق النقاء فيجب مع الشك فيه حتى يتيقن ولو نقى المحل منها بالأقل
من الثلاثة وجب الاكمال لها لقوله صلى الله عليه وآله إذا جلست لحاجة فامسح ثلث مسحات وقول سلمان رضي الله عنه نهانا رسول
الله صلى الله عليه وآله أن يستنجى بأقل من ثلاثة أحجار وقول أبى جعفر عليه السلام جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار و
اختار المصنف في المخ الاكتفاء بالواحد لو نقى المحل به تبعا للمفيد وظاهر الشيخ ويكفي ذوا الجهات الثلث على المشهور
لان المراد ثلث مسحات بحجر كما لو قيل أضربه عشرة أسواط فإن المراد عشرة ضربات ولو بسوط ولأن المقصود إزالة
النجاسة وقد حصل ولأنها لو انفصلت لأجزأت فكذا مع الاتصال وأي عاقل يفرق بين الحجر متصلا بغيره ومنفصلا
ولأن الثلاثة لو استجمروا بهذا الحجر لأجزأ كل واحد من حجر وفي الكل نظر أما الأول فلانه ليس بين المشبه والمشبه به
تطابق فإن قوله جرت السنة بثلاثة أحجار ونظائرها لا تطابق أضربه ثلاثة أسواط بل أضربه بثلاثة أسواط
وفرق بين الصيغتين إذ لو كان كك لمنع أن المراد به ثلث ضربات بسوط وقوله أن المقصود إزالة النجاسة إن أراد
إزالتها على الوجه المعتبر شرعا فمسلم لكنه محل النزاع لعدم تحقق نقله شرعا أو مطلقا فهو ممنوع لأنها حكم شرعي
فيتوقف زوالها على الاذن الشرعي وقياس الاتصال على الانفصال استبعاد غير مسموع مع أنه لا ملازمة بينهما
فإن حكم الشارع باجزاء أجزاء الشئ في حال لا يقتضى أجزاءها في كل حال والفرق بين استجمار كل واحد بالحجر واستجمار
الواحد به واضح لصدق العدد في كل واحد فامتثل الامر الوارد بالثلاثة المقتضى للاجزاء بخلاف الواحد لعدم صدق
24

العدد عليه كما قال العلامة قطب الدين الرازي تلميذ المصنف أي عاقل يحكم على الحجر الواحد أنه ثلثه واستدل الشهيد ره
على الاجزاء بحديث المسحات بناء على أن المراد بالأحجار في تلك الأخبار المسحات ولا يخفى ما فيه ويمكن أن يعكس الحكم
إذ لا منافاة بين المسح بثلاثة أحجار وبين المسح ثلث مسحات بخلاف المسحات بالواحد فإنه لا يصدق عليها المسح
بثلاثة أحجار وربما يقال لو كان حديث الأحجار على ظاهره لم يجز ما شابهه من الخزف ونحوها لكن جواز العدول
إلى المشابه قطعا يدل على عدم إرادة الأحجار حقيقة بل المسحات ويجاب بأن المشابه خرج بنص خاص كرواية
زرارة قال يستنجى من البول ثلث مرات ومن الغائط بالمدر والخرق وغيرها فيبقى الباقي على حقيقته والتزم المانع
من أجزاء الحجر الواحد كالمحقق في المعتبر بعدم أجزاء الخرقة الطويلة من جهاتها الثلث إلا بعد قطعها
ويستحب تقديم
الرجل اليسرى دخولا وتقديم الرجل اليمنى خروجا عكس المسجد لان اليسرى للأدنى واليمنى لغيره ولا يختص ذلك
بالبنيان على الأصح فيقدم اليسرى إذا بلغ موضع جلوسه في الصحراء فإذا فرغ ابتدء بنقل اليمنى ويستحب تغطية
الرأس حال التخلي إن كان مكشوفا لأنه من سنن النبي صلى الله عليه وآله وليأمن من وصول الرايحة الكريهة إلى دماغه وروى
التقنع فوق العمامة أيضا والاستبراء من البول وأوجبه الشيخ في الاستبصار وهو الاستظهار في اخراج بقاياه
بأن يمسح بيده من عند المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا (ثم يمسحه ثلاثا صح) وينتره ثلاثا والأفضل في ذلك وضع الوسطى في
الأولى تحت المقعدة والمسح بها إلى أصله ثم يوضع المسبحة تحته والابهام فوقه وينتره باعتماد والاستبراء
ثابت للذكر إجماعا وللأنثى عند جماعة فتستبري عرضا ويلحقها حكم الاستبراء ونفاه المصنف للأصل فلا حكم
للخارج المشتبه منها والدعاء دخولا بقوله بسم الله وبالله اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث
الرجس النجس الشيطان الرحيم وخروجا بقوله الحمد لله الذي رزقني لذته وأبقى في جسدي قوته وأخرج منى أذاه
يا لها نعمة ثلاثا لا يقدر القادرون قدرها وعند الاستنجاء وهو استفعال من النجو وهو الحدث الخارج
والمراد به غسل الموضع أو مسحه كما نص عليه في الصحاح فيستحب الدعاء عنده في الحالين بقوله اللهم
حصن فرجى و
استر عورتي وحرمهما على النار ووفقني لما يقربني منك يا ذا الجلال والاكرام وعند الفراغ منه والظاهر أنه
الدعاء المذكور عند مسح بطنه لأنه الأقرب إلى الفراغ من التخلي وهو الحمد لله الذي أماط عنى الأذى وهناني
طعامي وعافاني من البلوى قال المحقق في المعتبر بعد قوله والدعاء عند الدخول والاستنجاء وعند الفراغ و
أما دعاء الفراغ فروى معوية بن عمار قال إذا توضأت فقل أشهد أن لا إله إلا الله اللهم اجعلني من التوابين
واجعلني من المتطهرين والحمد لله رب العالمين ثم عقبه بدعاء الخروج المذكور (فت‍) ويستحب الجمع بين الماء والأحجار
سواء تعدى أم لا أما مع التعدي فللمبالغة في الاستطهار ولقول الصادق عليه السلام جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة
أحجار أبكار ويتبع بالماء ولما تقدم في حديث أهل قبا من الأنصار ويقدم الأحجار إذا اختار الجمع إذ لا فائدة
فيها بعد إزالة النجاسة وأما مع عدمه فلجمعه بين المطهرين فالحجر يزيل العين والماء يزيل الأثر ويمكن شمول
الخبر لهما ويكره الجلوس للبول والغائط في المشارع جمع مشرعة وهي موارد المياه كشطوط الماء ورؤس
الابار لما فيه من أذى الواردين وفي الشوارع جمع شارع وهو الطريق الأعظم قاله الجوهري والمراد هنا
ما هو أعم منه وخصها في الرواية بالطرق النافذة وهي المستند وفي فئ النزال وهو مرجعهم ومجتمعهم وتحت
الأشجار المثمرة وهي ما من شأنها الثمر وإن لم تكن مثمرة بالفعل لاطلاق الخبر ولأن بقاء المعنى المشتق منه
25

غير شرط في صحة الاشتقاق عندنا وهذا في المملوك والمباح وأما ملك الغير فلا يجوز تحته بغير إذنه مطهر
وفي مواضع اللعن وهي أبواب الدور لما روى عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رجل لعلي بن الحسين عليه السلام أين يتوضأ الغرباء
فقال يتقى شطوط الأنهار والطرق النافذة وتحت الأشجار المثمرة ومواضع اللعن قيل له وأين مواضع اللعن قال
أبواب الدور وروى إن أبا حنيفة خرج من عند أبي عبد الله عليه السلام وأبو الحسن موسى قائم وهو غلام فقال له
أبو حنيفة يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم فقال اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل
النزال ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول وارفع ثوبك وضع حيث شئت واستقبال جرم النيرين الشمس والقمر لا
جهتهما لنهى النبي صلى الله عليه وآله عنه وتزول الكراهة بالحائل ولا فرق بين حالتي ظهور نورهما واستتاره بالكسف ولا يكره
استدبارهما مع احتماله للمساواة في الاحترام واستقبال الريح بالبول والجار متعلق بالمصدر فيشمل الثلاثة وإنما
خص البول لما روى عن أبي عبد الله قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه
وهو يبول وحمل بعضهم الغائط عليه لأنه أغلظ وأما الريح فالرواية به عن الحسن عليه السلام حين سئل ما حد الغائط قال
لا تستقبل الريح ولا تستدبرها شاملة لهما فلا وجه لاختصاصه بالبول وأراد بالغائط التخلي والتعليل بخوف
رده عليه يخص البول ولا فرق بين استقبال الريح واستدبارها للخبر وخص المصنف في النهاية حالة استدباره بخوف
الرد عليه ولا وجه له مع عموم الخبر والبول في الأرض الصلبة بضم الصاد وسكون اللام أي الشديدة لئلا ترده
عليه قال الصادق عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله أشد الناس توقيا من البول كان إذا أراد البول يعمد إلى
مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهة أن ينضح عليه البول وفي ثقوب
الحيوان وهي جحرتها بكسر الجيم وفتح الحاء لنهى النبي صلى الله عليه وآله عنه خوفا من الأذى وقيل لأنها مساكن الجن وفي الماء جاريا و
راكدا والثاني أشد كراهة لقوله لا يبولن أحدكم في الماء الدائم وقول علي عليه السلام نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا
من ضرورة وقال إن للماء أهلا وما روى عن الصادق عليه لسلام لا بأس به في الجاري لا ينافي الكراهة فيضعف قول علي بن بابوية
بعدم الكراهة فيه والنص ورد في البول فلذلك خصه المصنف وألحق به الغائط بطريق أولى ولا فرق في ذلك بين الليل
والنهار وإن كان الليل أشد كراهة لما قيل أن الماء للجن ليلا فلا يبال فيه ولا يفسد حذرا من أصابة آفة من جهتهم
والأكل والشرب في وقت التخلي لتضمنه مهانة النفس ولفحوى ما روى عن الباقر عليه السلام لأنه وجد لقمة في القذر لما دخل
الخلا فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك معه وقال تكون معك لاكلها إذا خرجت فلما خرج قال للمملوك أين اللقمة
قال أكلتها يا بن رسول الله قال إنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة فأذهب فأنت حر لوجه الله
فأني أكره أن أستخدم رجلا من أهل الجنة فإن تأخيره عليه السلام أكلها إلى الخروج مع ما فيه من الثواب (يدل بفحواه صح) على كراهة الأكل حينئذ
ويلحق به الشرب لاشتراكهما في المعنى والسواك لما روى أنه يورث البخر والاستنجاء باليمين لقوله أنه من الجفا ولا
كراهة في الاستعانة باليمين لصب الماء وغيره لعدم تناول النهى له ولا مع الحاجة كتعذره باليسرى لمرض ونحوه
وباليسار بفتح الياء وفيها خاتم بفتح التاء وكسرها مكتوب عليه اسم الله تعالى أو اسم أحد من أنبيائه أو اسم أحد
من الأئمة عليهم السلام والمراد باسم الأنبياء والأئمة عليهم السلام ما قصد به أحدهم لا ما قصد به اسم موافق لهم في الاسم
ولا ما أطلق ولم يقصد به أحد إن اتفق وإنما كره ذلك لاشتماله على ترك التعظيم هذا مع عدم ملاقاته النجاسة
وإلا حرم وكره بعضهم استصحاب ذلك في الخلاء مطهر ويلحق بذلك ما كان فصه حجر زمزم للخبر وروى بدله من حجارة
26

زمرد بفتح الزاي المعجمة وضمها وضم الميم والراء المشددة المهملة والذال المعجمة وهو الزبرجد معرب قال الجوهري
والكلام في حال التخلي لنهى النبي صلى الله عليه وآله عنه وإنما يكره بغير ذكر الله تعالى والحاجة وآية الكرسي لقول الصادق عليه السلام
لم يرخص في الكنيف في أكثر من آية الكرسي وحمد الله أو آية وإما الذكر على الخصوص فروى عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن
موسى قال يا رب تمر بي حالات أستحي أن أذكرك فيها فقال يا موسى ذكرى حسن في كل حال وأما الحاجة فلما في الامتناع
من الكلام عندها من الضرر المنفى بالآية والتقييد بالحاجة يخرج ما لو حصل الغرض بالتصفيق وشبهه لانتفائها
حينئذ ويلحق بذلك رد السلام لعموم الامر به وكذا حمد الله على العطسة لأنه ذكر وكذا تسميت العاطس واستثنى المصنف أيضا
حكاية الأذان وهو حسن في فصل فيه ذكر دون الحيعلات لعدم النص عليه على الخصوص إلا أن يبدل بالحوقلة
كما ذكر في حكايته في الصلاة
ويجب في الوضوء النية وهي لغة مطلق العزم والإرادة وشرعا بالنسبة إلى الوضوء إرادة
الفعل أي الوضوء فاللام للعهد لوجوبه أو ندبه حال كون الفاعل المدلول عليه بالإرادة التزاما متقربا بالفعل إلى
الله تعالى فالإرادة منزلة الجنس يدخل فيها إرادة الفعل والترك وما اشتمل على الوجوه المذكورة وغيره وخرج
بالفعل المعهود غيره من الطهارات والأفعال وشمل الوضوء الواجب والمندوب ويمتاز أحدهما من الاخر بنية الوجوب
أو الندب ويحتمل أن يريد تعريف مطلق النية ويريد بالفعل الأعم من الوضوء وغاية الجميع التقرب إلى الله تعالى بمعنى
موافقة إرادته أو طلب الرفعة عنده تعالى بواسطة نيل الثواب تشبيها بالقرب المكاني وكلتاهما محصلة للامتثال
مخرجة عن العهدة وإن كان بين المنزلتين بعد المشرقين وفي حكم الثانية الخوف من العقاب وإلى الأولى أشار أمير
المؤمنين علي عليه السلام بقوله ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك ويدل على الثانية ظواهر الآيات والاخبار المشتملة على الترغيب والترهيب كقوله تعالى ويدعوننا رغبا ورهبا وقوله
تعالى يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون أي راجين الفلاح أو لكي
تفلحوا والفلاح هو الفوز بالثواب قاله الطبرسي ويحتمل غير ذلك ونقل الشهيد ره في قواعده عن الأصحاب بطلان
العبادة بهاتين الغايتين وبه قطع السيد رضى الدين بن طاوس ره محتجا بأن قاصد ذلك إنما قصد الرشوة والبرطيل
ولم يقصد وجه الرب الجليل وهو دال على أن علمه سقيم وإنه عبد لئيم واختار فيها وفي الذكرى الصحة محتجا بأن قصد
الثواب لا يخرج عن ابتغاء الله بالعمل لان الثواب لما كان من عند الله فمبتغيه مبتغ وجه الله وإن الغرض بها الله في
الجملة ولا يقدح كون تلك الغاية باعثة على العبادة لان الكتاب والسنة مشتمل على المرهبات من الحدود والتعزيرات
والذم والايعاد بالعقوبات وعلى المرغبات من المدح والثناء في العاجل والجنة ونعيمها في الاجل قال ولو قصد المكلف
الطاعة لله وابتغاء وجه الله كان كافيا ويكفي عن الجميع قصد الله سبحانه الذي هو غاية كل مقصد إذا تقرر ذلك
فوجوب نية القربة في الوضوء بل في كل عبادة لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه ومما استدل به عليه قوله تعالى وما أمروا
إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ولا يتحقق الاخلاص إلا بها والضمير لأهل الكتاب ويدل على ثبوت حكمها في حقنا
قوله تعالى بعد وذلك دين القيمة قال الإمام الطبرسي القيمة هي المستمرة في جهة الثواب وحينئذ فلا يصلح (يصح خ ل) النسخ عليها و
قوله تعالى قل الله أعبد مخلصا له ديني والامر للنبي فيجب علينا ذلك للاتباع والتأسي وأما نية الوجوب فلم يعتبرها
الشيخ في النهاية وجماعة منهم المحقق في المعتبر بل اكتفى الشيخ بالقربة لمفهوم الحصر في قوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله
مخلصين فلو زيد عليه لكان نسخا لمنافاة الزيادة له وهو ضعيف لمنع أن مطلق الزيادة مناف للاخلاص بل إنما ينافي
27

الحصر ما ينافي الاخلاص وباقي قيود النية ليست كك والأولى الاستدلال في نصرة هذا القول بأصالة عدم الوجوب
حتى يدل دليل معتبر على مجامعة شئ آخر وسيأتي ما يدل على متمسك من زاد على ذلك وقد قال السيد السعيد جمال الدين أحمد بن
طاوس لم أعرف نقلا متواترا ولا أحادا يقتضى القصد إلى رفع الحدث أو استباحة الصلاة لكن علمنا أنه لا بد من نية
القربة وإلا كان هذا من باب اسكتوا عما سكت الله عنه وجزم المصنف في هذا الكتاب وقبله المحقق في الشرايع بوجوب نية
الوجوب أما لوجوب إيقاع الفعل على وجهه ولا يتم إلا بذلك كما استدل لهم به الشهيد ره في الشرح أو لوجوب التعرض
في النية لتشخيص الواقع على جهات متعددة بنية أحدها ولما كان الوضوء تارة يقع على وجه الندب وأخرى على وجه
الوجوب اشترط تشخيصه بأحدهما حيث يكون ذلك هو المطلوب ولا يخفى ضعف الأول وعدم صلاحيته للدلالة و
تأسيس حكم شرعي حتى قيل أنه كلام شعري وأما الثاني فلا يتم في الوضوء وإن تم في غيره من العبادات لعدم اجتماع
الوضوء الواجب والندب في وقت واحد حتى يحتاج المكلف في نيته إلى تمييز أحدهما عن الاخر لأنه إن كان المكلف مخاطبا
بمشروط بالوضوء فليس له إلا نية الوجوب وإلا فليس له إلا نية الندب ولا ينتقض بالمجدد بتقدير جوازه قبل الصلاة
حيث أنه غير واجب مع أن المجدد مخاطب بمشروط بالطهارة لأنه في وقت إيقاع أحدهما لا يمكن وقوع الاخر إذ قبل
الوضوء الأول الواجب لا يتصور الندب المجدد وعند وضوء التجديد لا يتصور فيه الوجوب فلم يقع أحدهما على وجهين
وربما ذكر في بعض عبارات شيخنا الشهيد ره إن الوجوب لاخراج عبادة الرياء وهو موضع تأمل وربما أخرجها
أيضا بنية القربة فلا وجه للجمع حينئذ ويمكن أن يقال إن الوجوب المذكور هنا وهو لوجوبه علة غائية للفعل لا لاخراج
شئ تحقيقا لقول المتكلمين أنه ينبغي إيقاع الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه وكذا القربة غاية أخرى وهو الحصول
على رضاه والوصول إلى ثوابه كما تقدم وهو موافق للدليل الأول من دليلي الموجبين لكن لا دليل على وجوب ذلك
إلا ما نقل عن المتكلمين وهو غير صالح للدلالة على توقف الفعل عليه وإن أمكن جعل الكمال منسوبا إليه وبالجملة
فمشخصات النية غير القربة لم يرد بها نص على الخصوص فلا بد لمثبت شئ منها من دليل صالح وفي وجوب نية رفع الحدث
أو نية الاستباحة للصلاة أو لمشروط بالطهارة قولان أحدهما العدم وإليه ذهب الشيخان حيث اكتفيا بالقربة
والمحقق في الشرايع ووجهه قد علم مما سلف والثاني الوجوب كما ذهب إليه المصنف في المختلف وغيره والمحقق في المعتبر
إلا أنه أسقط نية الوجوب واكتفى بالقربة واحد الامرين لقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا أي لأجل الصلاة
إذ هو المفهوم لغة من قولهم إذا لقيت الأسد فخذ سلاحك وإذا لقيت الأمير فخذ أهبتك أي لأجل لقاء الأسد و
الأمير ولا معنى لفعله لأجل الصلاة إلا إرادة استباحتها وفيه نظر لمنع إرادة ذلك لغة بل الظاهر إن المعنى لا تلق الأسد
لا بسلاحك والأمير إلا بأهبة (بأهبتك صح) وكذا الآية تقدير الجملة فيها لا تقوموا إلى الصلاة إلا متطهرين وإنما كان هذا هو
الظاهر لأنه لو كان متطهرا في المثال أو آخذ سلاحه وأهبته كفى ذلك في امتثال الامر ولو كان المطلوب إيقاعه لأجله
لم يكف ولا يقال إذا حصل سبب الفعل مع استصحابه يصير حينئذ كأنه واقع لأجله لأنا نمنع ذلك بل ربما كانت الغاية
الأولى منافية للغاية الأخرى كما لو كان قد قصد بأخذ السلاح تأهبه للعدو فإنه يكفي ذلك عن أخذه للأسد
مع عدم صدق الاخذ لأجله وكذا لو نوى بالوضوء إباحة الطواف مثلا ولا يكفي اللزوم لان الآية إنما دلت على
وقوعه لأجلها وظاهر أن اللزوم غير بين فلا يلزم من نية أحدهما نية الاخر وأيضا فإن اللازم من الآية تحتم استباحة
الصلاة كما هو مذهب السيد المرتضى لا التخيير بينها وبين الرفع الذي هو المدعى فما تدل عليه لا يقولون به وما يقولون
28

به لا تدل عليه واعتذر المصنف ره في المخ عن ذلك بأن الاستباحة عنده (عند المحقق صاحب المعتبر خ ل) أحد الامرين الواجبين واحد إفراد الواجب
المخير يصدق عليه الوجوب بقول مطلق وبان نية رفع الحدث يستلزم الاستباحة لأنها نية لإزالة المانع من الدخول
في الصلاة ليدخل المكلف فيها فإنه الغاية الحقيقية فإن إزالة الحدث ليس غاية ذاتية وإنما هو مرادنا بالعرض لأجل
استباحة الصلاة وفيه نظر فإنا لا ندعي أن نية الرفع لا ترفع وجوب الاستباحة أو تنافيها بل نقول إن الرفع لا دليل عليه
وإن الآية إنما تستلزم على ما قررتم الاستباحة لا الرفع وأما استلزام الرفع الاستباحة فحق في حق المختار لكن لا يلزم
من نيته نيتها إلا إذا كان اللزوم بينا بحيث يلزم من تصور الملزوم تصور اللازم وظاهر إن استلزام رفع الحدث
لاستباحة الصلاة ليس كك وإنما يعلم اللزوم مع اقتران وسط وهو آية غير البين كما إذا قيل أن المراد بالاستباحة رفع
المنع من الصلاة وبرفع الحدث رفع المانع ورفع المانع يستلزم رفع المنع وبالعكس في غير المتيمم ودائم الحدث لكن
المفهوم من لزوم أحدهما للاخر كون تصور ماهية كل منهما من حيث هي يستلزم تصور الأخرى وخروج الفردين يستلزم
عدم الاستلزام كذلك إلا أن ينظر إلى التلازم بينهما بعد اخراج الفردين المذكورين ومع ذلك لا بد من اقتران وسط المتيمم ودائم الحدث
ومن هنا ذهب جماعة من أصحابنا إلى وجوب الجمع بين الامرين محتجين على ما حكاه الشهيد ره في الشرح بالجمع بين
أدلة الأقوال ونية كل من الرفع والاستباحة بالمطابقة لان اللزوم غير بين والاتحاد غير حاصل ثم أورد عليهم منع
عدم اللزوم البين لو سلمت المغايرة ولم يذكر للمنع سندا والتحقيق أن اللازم البين له معينان أحدهما ما يلزم تصوره
من تصور الملزوم ككون الاثنين ضعف الواحد فإن من تصور الاثنين إدرك إنهما ضعف الواحد ويقال له البين بالمعنى
الأخص والثاني ما يلزم من تصوره مع الملزوم والنسبة بينهما الجزم باللزوم وهو البين بالمعنى الأعم فعلى المعنى
الأول اللزوم بينهما غير بين كما تقدم لان تصور أحدهما لا يلزم منه تصور الاخر وعلى الثاني يثبت المطلوب فإنه متى
تصور رافع المانع ورفع المنع والنسبة بينهما علم لزوم أحدهما للاخر هذا كله على تقدير دلالة الآية على اعتبار الاستباحة
وقد عرفت ما فيه والكلام في نية استباحة غير الصلاة من المشروط بالطهارة قريب من الكلام في رفع الحدث و
يجب استدامتها أي النية حكما (لا فعلا صح) إلى وقت الفراغ من الفعل بمعنى أن لا ينوى نية تنافي النية الأولى أما لجميعها كما
لو نوى إبطال العمل أو ما يبطله أو لجزئها كما لو نوى ببقية الأعضاء في الوضوء الواجب الندب أو غير ذلك ما ينافي
قيود النية فحينئذ الاستدامة الحكمية من الأمور العدمية لأنها عدم الاتيان بنية تنافي الأولى وربما فسرت بأمر وجودي
وهو البقاء على حكم النية الأولى والعزم على مقتضاها استدلالا بأن مقتضى الدليل الدال على اعتبار النية في
العبادات كقوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات وجوب استصحاب النية فعلا لكن لما تعذر في العبادة البعيدة المسافة
أو تعسر في غيرها اكتفى بالاستمرار الحكمي وفي دلالة الحديث على ذلك نظر لان المراد بالنية أما العزم على الفعل وإن
تقدم كما ذكره أهل اللغة أو إرادته عند الشروع فيه كما اختاره الفقهاء والمراد بالاعمال المعهودة عند الشارع
كالصلاة والصيام ونحوهما أما إطلاق ذلك على أجزائها فليس حقيقيا بل من حيث التسمية لغة وهي غير مرادة
هنا للاكتفاء في كل واحد مما ذكرناه بنية واحدة مع أن مقتضى الدليل وجوب الاتيان بالقدر الممكن سواء كان
مع استصحاب الأولى فعلا أم الرجوع إليها مع إمكانه لعدم الدليل الدال على الاكتفاء بالاستدامة الحكمية بهذا
المعنى حتى يقال إنه بدل مخصوص ولا ينتقل إلى غيره وإن أمكن بل ألحق في توجيه الاستدامة الحكمية أن إرادتي الضدين
لما كانتا متنافيتين أما لذاتيهما أو لأمر عرضي كما قرر في الكلام وكان الواجب إيقاع الفعل بجملته على الوجه المخصوص
29

اقتضى ذلك عدم إيجاد نية تنافي النية الأولى فمتى لم ينو ما ينافي النية حصل له ما نواه ولا يفتقر إلى تجديد العزم
المذكور لعدم الفائدة فيه والدلالة عليه لان دلالة الخبر على الشئ الأقوى وهو النية لا يدل على الاكتفاء بالأضعف
وهو العزم على مقتضاها من غير إحضارها في الذهن وبنى شيخنا الشهيد ره التفسيرين على أن الباقي هل هو مستغن
عن المؤثر أو محتاج إليه وهي مسألة كلامية فعلى الأول الأول ونقله عن الشيخ في المبسوط وعلى الثاني الثاني واختاره
وهو محل نظر حكما وبناء فإن ذلك إنما يتجه أن لو كانت النية بعد إحضارها يحصل منها أثر خارجي يستغنى عن الوجد
أو يحتاج إليه وليست كك بل عند غروبها عن القلب تلحق بالاعدام المفتقرة إلى المؤثر قطعا مع أن اللازم من الاحتياج
إلى المؤثر وجوب إخصار النية بجميع مشخصاتها لا العزم فإنه غير الوجود الأول وغير مستلزم له وإن دخل ضمنا
لكن الدلالة التضمنية ملغاة في هذه الأحكام ونظائرها وعلى كلا التفسيرين لو نوى ما ينافي النية الأولى بطل الوضوء
فلو نوى المكلف بوضوئه بعد النية المعتبرة التبرد خاصة من غير ضم نية الوجوب والقربة أو ضم الرياء إلى الوجوب
والقربة بطل وضوءه للمنافاة للنية الأولى والاخلاص ولأن الأولى قد عدمت حقيقة بالذهول عنها وحصل غيرها
حقيقة فتكون أقوى وإنما قيدنا النية المذكورة ببعدية النية الأولى المعتبرة وإن كان اللفظ أعم من ذلك بل هو ظاهر
في مصاحبة المنافي للنية الأولى لأنه فرعها على الاستدامة حكما وانما يتم التفريع على التفسيرين بفرض طرو النية
المنافية على المعتبرة مع أن الحكم في الطارئ والمصاحب واحد وإن كان الأول وفق لسياق الكلام وظاهر المرتضى أنه
لو نوى الرياء بصلاة لم تبطل بمعنى عدم اعادتها لا بمعنى حصول الثواب وهو يستلزم الحصة مع ضم الرياء إلى التقرب
بطريق أولى وهو مبنى على قاعدته من عدم الملازمة بين قبول الأعمال وصحتها فبالصحة يحصل الامتثال وبالقبول
يستحق الثواب وفي الأصل والفرع منع واعلم أن قطع الاستدامة الحكمية بنية مخالفة إنما تؤثر في بطلان الوضوء
مع فعل شئ منه كذلك أما لو جدد النية الأولى قبل أن فعل شيئا يفيد القطع أو بعده واعاده قبل جفاف ما سبق على
قطع الاستدامة صح الوضوء لان أفعال الوضوء بمنزلة عبادات متعددة لا بتوقف صحة بعضها على بعض ولهذا لو
نكس وضوء أعاد على ما يحصل معه الترتيب ولا يبطل بخلاف الصلاة فإنها تبطل بمنافاة الاستدامة وإن أعاد النية
قبل فعل شئ منها بغير نية معتبرة وهذا كله بخلاف ما لو ضم التبرد بعد النية المعتبرة إليها فإنه لا يضر عند المصنف
لحصوله وإن لم ينوه فنيته لاغية كما لو كبر الامام وقصد مع التحرم إعلام القوم واختار المصنف في غير هذا الكتاب
تبعا لجماعة البطلان هنا للمنافاة أيضا ولأنه لا يلزم من حصوله ضرورة جواز نية حصوله وهل الكلام إلا فيه وهذا
أجود ويجوز كون قوله فلو نوى إلخ تفريعا على النية المذكورة سابقا المشتملة على التقرب وجعل الاستدامة الحكمية
معترضة ووجه التفريع منافاة ذلك كله للقربة ويجوز أن يقارن بها أي بالنية غسل اليدين المستحب له على المشهور
لأنه من جملة الوضوء الكامل وأولى منه عند المضمضة والاستنشاق لقربهما إلى الواجب وجوز ابن إدريس تقديمها
عند غسل اليدين في الغسل دون الوضوء وهو تحكم وتوقف بعض المحققين في الجميع لعدم صدق الوضوء الحقيقي
عليها ولا يجوز تقديمها عند غيرها من مسنونات الوضوء كالسواك والتسمية إجماعا والمراد بالغسل المستحب للوضوء
ما كان لوضوء من حدث النوم أو البول أو الغائط لا من الريح ولا يجوز إيقاعها عند غسلهما من غير ذلك أما
مع استحبابه لأنه كما إذا وقع الوضوء عقيب الأكل أو بعد مباشرة من يتمم بالنجاسة أو مع وجوبه كغسلهما من النجاسة
إذ لا يعد من أفعال الوضوء مع احتماله لأنه أولى بالمراعاة من الندب خصوصا على ما ورد من التعليل في النائم بأنه لا يدرى
30

أين باتت يده فإنه يقتضى أنه لدفع نجاسة موهومة فالمحققة أولى وأولى بعدم الجواز ما لو كان غسلهما لغير الواجب
والندب من باقي الأحكام الخمسة أما الإباحة فكغسلهما من الريح أو التحريم كفعله مع قصر الماء عن الغسلات الواجبة
أو الكراهة كالقصور بسببه عن الغسلات المستحبة إذ لا يعد من السنن فضلا عن سنن الوضوء كل ذلك للخبر واشترط
المصنف ره أيضا كون الغسل من ماء قليل في إناء واسع الرأس بحيث يغترف منه فلو توضأ من نهر أو مصنع أو من إناء لا
يمكن الاغتراف منه لم تجز النية عنده بل لم يستحب غسلهما حينئذ مفهوم قول النبي صلى الله عليه وآله إذا استيقظ أحدكم من
نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها الاناء ثلاثا فإن أحدكم لا يدرى أين باتت يده واستوجه الشهيد ره القول
بالاستحباب في الأخير لان النجاسة الموهومة تزول بالنسبة إلى غسل باقي الأعضاء وإن لم يكن لأجل الماء ويؤيده
إطلاق الروايات كرواية حريز عن الباقر عليه السلام يغسل الرجل يده من النوم مرة ومن البول والغائط مرتين ومن الجنابة
ثلاثا ونحوها واعلم أنه متى قدم النية عند غسل اليدين دخلت نية المندوب تحت الواجب فلا يفتقر في تحصيل
الثواب إلى نية أخرى وإن أخرها إلى أول الفرض أو ما بعده من السنن فلا بد للمتقدم منها عليها من نية على الخصوص
وإلا لم يثب عليها وتتضيق النية عند أول غسل الوجه فلا يجوز تأخيرها عنه لئلا يخلو أول الفرض عن النية
فيبطل إذ ليس للمرء من عمله إلا ما نوى ويجب غسل الوجه بما يسمى غسلا وهو في اللغة إمرار الماء على الشئ على وجه التنظيف
والتحسين وإزالة الوسخ ونحوها والمراد هنا ما يحصل معه الجريان على جميع أجزاء ما يجب غسله وأقله ان يجرى جزء من
الماء على جزئين من البشرة ولو بمعاون فمتى وصل بلل الماء إلى حد لا يقبل الانتقال من محله إلى محل آخر لم يصدق عليه حينئذ
الغسل بل يصير دهنا لا غسلا وأما تمثيل من بالغ في وصف تعليل الغسل بالدهن فهو ضرب من المبالغة في جواز تقليل
الجريان ولا يريد جواز عدمه أصلا لعدم صدق مسمى الغسل حينئذ ولا يجب الدلك لصدق (الغسل صح) بدونه لغة وعرفا وربما استحب
لما فيه من الاستظهار وأوجبه ابن الجنيد فلو غمص الأعضاء في الماء أو صب عليها من غير مس أجزأ
وحد الوجه من
قصاص مثلث القاف والضم أفصح شعر الرأس والشعر بفتح العين وإسكانه والمراد بقصاصه منتهى نبته إلى محادر
شعر الذقن بالذال المعجمة المفتوحة وفتح القاف والمراد إلى طرف الذقن طولا وما دارت عليه الابهام بكسر الهمزة
وهي الإصبع العظمى والجمع الأباهيم والإصبع الوسطى عرضا كل ذلك من مستوى الخلقة وغيره من الأغم والأنزع و
طويل الأصابع وقصيرها يحال عليه فيغسل ما يغسله ولا يجزى غسل الوجه منكوسا بل يجب البدئة بالأعلى
لوصف الباقر عليه السلام وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه غسل وجهه من أعلاه ولأن الوضوء البياني الصادر من النبي صلى الله عليه وآله
الذي قال عنه أن هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به أي بمثله بمنع أن يكون البداة فيه بغير الأعلى وإلا لما جازت
البداة بالأعلى مع إجماع المسلمين على جوازه وهذا الوجه مطرد في جميع المسائل المختلف فيها من نظائر ذلك إلا
ما دل الدليل على خروجه كما تراه مفصلا واستحب السيد المرتضى وابن إدريس البداة بالأعلى لاطلاق الآية وقول
الصادق عليه السلام لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا ولا دلالة في الخبر على مطلوبهما لتغاير حقيقتي الغسل والمسح ومطلق
الآية مقيد بفعله لأنه المبين للناس ولا يجب تخليل اللحية وإن خفت سواء كانت للرجل أو كانت للمرأة لان الوجه
اسم لما يواجه به ظاهرا ولا يتبع غيره ولا يلزم الانتقال إلى الشعر لعدم صدق الوجه عليه عرفا والخفيف وإن لم
يمنع رؤية الجميع لكنه يستر ما تحته فيزول عنه الاسم ولعموم قول الباقر كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن
يطلبوه ولا أن يبحثوا عنه لكن يجرى عليه الماء فإنه شامل للخفيف والكثيف وغيره من الاخبار الشاملة بعمومها
31

لهما وأوجب المصنف في غير هذا الكتاب تخليل اللحية الخفيفة محتجا بأن الوجه ما تقع به المواجهة وإنما ينتقل الاسم إلى
اللحية مع الستر لا مع عدمه فإن الوجه مرأى وهو المواجه دون اللحية ولا ينتقل الاسم إليها وحمل الأخبار الدالة على
عدم الوجوب على الساتر دون غيره وأنت خبير بأن هذه الحجة مع مخالفة مدلولها للأصحاب إنما تستلزم غسل ما لا شعر به
من الوجه لعدم انتقال الاسم عنه لا وجوب غسل ما تحت الشعر الساتر الذي هو المتنازع فدليله لا يطابق مدعاه واعلم
أن الخلاف إنما هو في وجوب تخليل البشرة التي تحت الشعر الخفيف المستورة به أما ما كان منها مرئيا بين الشعر فيجب غسله
قطعا لعدم انتقال اسم الوجه عنه
ويجب غسل اليدين مبتدئا فيهما وجوبا من المرفقين بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس
(؟) بذلك لأنه يرتفق بهما في الاتكاء ونحوه إلى أطراف الأصابع لما تقدم في الوجه ويدخل المرفقين في الغسل إجماعا
منا ومن أكثر مخالفينا أما لان إلى في الآية بمعنى مع وهو كثير كقوله تعالى من أنصاري إلى الله أو لان الغاية تدخل في
المغيا حيث لا مفصل محسوس أو لدخول الحد المجانس في الابتداء والانتهاء مثل بعت الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف
والوضوء البياني أوضح دلالة في ذلك فإنه أدار الماء على مرفقيه مبتدئا بهما ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به
وبالجملة فوجوب غسل المرفق لا خلاف فيه إنما الخلاف في سبب الوجوب هل هو النص كما تقدم أو الاستنباط من باب مقدمة
الواجب بجعل إلى للغاية وهي لا تقتضي دخول ما بعدها فيما قبلها ولا خروجه لورودها معهما أما الدخول فكقولك حفظت
القرآن من أوله إلى آخره ومنه سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وأما الخروج فكاتموا
الصيام إلى الليل وفنظرة إلى ميسرة وحينئذ لا دلالة على دخول المرفق من الآية نصا والبياني أعم منه ومن الاستنباط
وتظهر الفائدة في وجوب غسل جزء من العضد فوق المرفق فيما لو قطعت اليد من المرفق وسيأتي الكلام فيه ولو
نكس الغسل بأن ابتدأ فيه بالأصابع بطل الغسل فإن لم يعده على الوجه المعتبر بطل الوضوء خلافا للسيد المرتضى و
ابن إدريس والكلام فيه كالكلام في البداة بأعلى الوجه حجة وجوابا ولو كان له يد زائدة يجب غسلها إن كانت تحت
المرفق مطهر أو فوقه ولم تتميز عن الأصلية وهذا كله لا خلاف فيه أما لو كانت فوقه وتميزت فالامر فيه كذلك
عند المصنف ولذا أطلق القول هنا وصرح به في المخ محتجا بصدق اسم اليد وبصحة تقسيمها إلى الزائدة والأصلية
ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام التي قسم إليها وبالمعارضة بما تحت المرفق وفيه نظر لوجوب حمل الأيدي
على المعهود المتعارف والاحتجاج باشتراك مورد التقسيم بين جميع أفراد الأقسام مع اشتهاره بين القوم قد أورد
عليه أنه غير لازم فإنا نقسم الحيوان إلى الأبيض وغير الأبيض مثلا مع أن في كل منهما غير الحيوان واعتذر عنه
بأن التقسيم عبارة عن ضم القيود المتخالفة إلى مورد القسمة ليحصل بانضمام كل قيد إليه قسم منه فالقسم عبارة
عن مجموع مورد القسمة مع القيد ولا يتحقق بدون مورد القسمة فلا بد أن يكون المورد مشتركا بين جميع أفراد أقسامه
والقسم في المثال المذكور هو الحيوان الأبيض والحيوان الغير الأبيض وفيه بحث سلمنا لكن صحة التقسيم إنما هو
باعتبار الصورة لا باعتبار المتعارف الحقيقي وإلا لكان لمانع أن يمنع صحته والمعارضة ليست لازمة لان ما تحت المرفق
لم يوجب غسله لكونه يدا بل لأنه في محل الفرض فكان من جملته كغير اليد من الاجزاء التي لا يصدق اسمها عليها حقيقة
ولا مجازا ولو كانت في نفس المرفق فكك عند المصنف أيضا بطريق أولى وكذا عند من أوجب غسل المرفق نصا أما من أوجبه
تبعا من باب مقدمة الواجب فيمكن القول بوجوب غسلها عنده لأنها في محل الفرض ظاهرا وعدمه لعدم كونه كذلك
في نفس الامر وغسل المرفق لاشتباه حد اليد وهو منتف في الخارج عنها وعن مسماها وهو ضعيف وكذا يجب غسل
32

اللحم الزائد الكائن تحت المرفق أو فيه لا فوقه لخروجه عن محل الفرض ومنه ما تدلى من اللحم والجلد من غير محل الفرض
إليه لوجود العلة فيه وكذا الإصبع بمثلث الهمزة مع مثلث الباء الزائدة في محل الفرض ومقطوع اليد من دون المرفق
يغسل الباقي لوجوب غسل الجميع على تقدير وجوده فإذا زال البعض لم يسقط الاخر ويسقط وجوب غسل اليد لو قطعت
من المرفق بناء على أن غسل المرفق إنما وجبت تبعا من باب المقدمة لا أصالة كما يجب غسل جزء من الرأس تبعا للوجه
ليتحقق غسل جميعه وكما في ستر جزء من البدن مع العورة ليتحقق سترها فإذا زال الاشتباه بالقطع من المفصل سقط
الوجوب لظهور خروجه عن الفرض فيلحق بباقي أجزاء البدن ولو جعلنا إلى بمعنى مع وجب غسل رأس العضد أصالة
لأنه جزء من محل الفرض ومما يرجح هذا الوجه مع ما تقدم إن حملها على الانتهاء يوهم ابتداء الغسل من رؤس الأصابع
فالحمل على ما لا يوهم شيئا أولى وعلى هذا لا يسقط غسل موضع القطع لان المرفق هو العظمان المتداخلان فإذا ذهب أحدهما
وجب غسل الاخر إذ لا يسقط الميسور بالمعسور ويزيد الوجوب ما احتج به المصنف على استحباب غسل العضد من الروايات كقول
أبى الحسن الكاظم عليه السلام في مقطوع اليد من المرفق يغسل ما بقي من عضده والظاهر أن المراد به رأس العضد الذي
كان يغسل قبل القطع وأطلق عليه العضد لعدم اللبس للاجماع على عدم وجوب غسل جميع العضد في حال وهو أولى
من حمله على الاستحباب لأنه خبر معناه الامر وهو حقيقة في الوجوب وأوضح دلالة ما روى عن أبي عبد الله عليه السلام في
الأقطع اليد أو الرجل كيف يتوضأ قال يغسل ذلك المكان الذي قطع منه وكذا القول فيما لو قطعت رجله من الكعب وقد
ذكر أيضا في هذه الرواية ولو قطعت اليد من فوق المرفق أو الرجل من فوق الكعب لم يجب الغسل ولا المسح إجماعا وهل
يستحب مسح باقي العضد أثبته جماعة منهم المصنف والشهيد رحمه الله استنادا إلى الرواية السابقة عن الكاظم عليه السلام مع
أنها إنما وردت في القطع من المرفق وعلى ما ذكرناه من توجيهها يسقط الاحتجاج بها رأسا وأما الرجل فلا نص معتبر
على مسح ما خرج عن محل الفرض غير أن الصدوق لما روى عن الكاظم عليه السلام ما تقدم قال وكذلك روى في اقطع الرجلين
ومثل هذا لا يصلح للاحتجاج
ويجب مسح بشرة مقدم الرأس دون وسطه أو خلفه أو أحد جانبيه لان النبي صلى الله
عليه وآله مسح في الوضوء البياني بناصيته وعليه إجماع الإمامية أو شعره أي شعر المقدم المختص به فلا يجزى المسح على
شعر غير المقدم وإن كان موضوعا عليه ولا على شعره غير المختص به كالطويل بحيث لو استرسل لخرج عن حد المقدم و
المراد بالممنوع منه هنا الجزء الخارج بمده عن حده دون أصله وما يتصل به مما لا يخرج به عنه وقوله بأقل اسمه أي
يجب المسح المذكور بأقل اسم المسح وهو أجراء جزء من الإصبع على المحل الممسوح وتخصيص الإصبع في كلامهم بناء على أن أقل
ما يمسح به المكلف بحسب الواقع إذا قلل هو الإصبع فكأنها آلة المسح لا ملحوظة بالتقدير وهذا هو اختيار جماعة المتأخرين
وأوجب المرتضى في مسائل الخلاف وابن بابويه ثلث أصابع مضمومة وتبعهما الشيخ في النهاية وإنما أجزأ ذلك كله لمكان
الباء في قوله تعالى برؤسكم أما عندنا فظاهر للنص عليه في خبر زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الا تخبرني
من أين علمت وقلت أن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين فضحك ثم قال يا زرارة قاله رسول الله صلى الله عليه وآله
ونزل به الكتاب من الله عز وجل يقول اغسلوا وجوهكم فعلمنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال وأيديكم إلى
المرافق ثم فصل بين الكلام فقال وامسحوا برؤسكم فعرفنا حين قال برؤسكم إن المسح ببعض الرأس لمكان الباء
ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال وأرجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلها بالرأس إن
المسح على بعضها وإنما نقلت الحديث بأسره لكثرة الاختلاف في هذه الباء بين الأصوليين وحيث هي منصوصة
33

عندنا عن أئمة الهدى فلا يلتفت حينئذ إلى من منع من الأصوليين ولا إلى إنكار سيبويه أفادتها التبعيض في سبعة
عشر موضعا من كتابه وتبعه على ذلك ابن جنيد مع أنها شهادة على النفي ومعارضة بإقرار الأصمعي وأبى على الفارسي
وابن كيسان والقتيبي وابن مالك من المتأخرين وأكثر عليها من الآيات الإلهية والشواهد الشعرية كقوله تعالى يشرب
بها عباد الله وقول الشاعر شربن بماء البحر ثم ترفعت وقوله شرب النزيف ببرد ماء الحشرج ونقل عن جميع الكوفيين
وحمل النفي للتقدم على أنه عن أهل بلد النافي لا غير كما صرح به ابن جنيد ولما ذكره محققو الأصول من أنها إذا دخلت على
المتعدى بنفسه أفادت التبعيض وإلا لزم عدم فائدتها وللفرق بين مسحت المنديل ومسحت بالمنديل وهذه الحجة قررها
المصنف في كتب الأصول لكن مع ثبوت النص عندنا لا يحتاج إلى ذلك وأما عند غيرنا ممن لم يوجب استيعاب الرأس بالمسح
فلما نقلناه عن أهل العربية والأصول ويدل على عدم وجوب الثلاث قول الباقر عليه السلام في حديث الأخوين إذا
مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزاك فالشئ كما يتناول أقل من
الثلاث يتناول أيضا ما هو أقل من قدر الإصبع عرضا وهو معنى أقل الاسم كما قلنا إذا تقرر ذلك فإن اقتصر المكلف
على الأقل فهو الواجب وإن زاد عليه فلا ريب في استحبابه عينا لكن هل يوصف مع ذلك بالوجوب تخييرا أم لا
الذي
يظهر من المصنف هنا وصرح به في الأصول عدم الوصف بالوجوب محتجا بأنه يجوز تركه لا إلى بدل ولا شئ من الواجب
كذلك فلا شئ من الزائد بواجب وبأن الكلى قد وجد فخرج المكلف به عن العهدة فلم يكن شئ مطلوب منه حتما حتى
يوصف بالوجوب وفيه نظر إذ لا مانع من إلحاقه بالواجبات الكلية كإفراد الواجب المخير والاستدلال بجواز تركه إن
أراد به مطلق الواجب منعت الصغرى لجواز ترك بعض الواجب المخير مع الاتيان بالفرد الاخر وظاهر إطلاق اسم الواجب
على كل واحد منها أو فردا خاصا لم يستلزم المدعى لعدم كلية الكبرى وقد وقع مثل ذلك في التخيير بين القصر والتمام
في أماكن التخيير عندنا ومطلقا عند غيرنا فإن الركعتين الأخيرتين من هذا القبيل ولا امتناع في أن يكون الشئ
مطلوبا وجوبا على وجهين أحدهما أكمل من الاخر كمثال القصر والتمام ومن هذا الباب تكرار التسبيحات الأربع في
الأخيرتين وتكرار التسبيح في الركوع والسجود ونحوها واستقرب شيخنا الشهيد استحباب الزائد عن أقل الواجب
محتجا بجواز تركه كما مر قال هذا إذا أوقعه دفعة ولو أوقعه تدريجا فالزائد مستحب قطعا وهذا التفصيل حسن
لأنه مع التدريج يتأدى الوجوب بمسح جزء فيحتاج إيجاب الباقي إلى دليل والأصل يقتضى عدم الوجوب بخلاف
ما لو مسحه دفعة إذ لم يتحقق فعل الفرد الواجب إلا بالجميع واعلم إن الخلاف المتقدم في تقدير المسح إنما هو في الرأس
أما في الرجلين فقال المحقق في المعتبر يكفي المسح من رؤس الأصابع إلى الكعبين ولو بأصبع واحدة وهو إجماع فقهاء
أهل البيت عليهم السلام فافهم ذلك فإن الاجماع المنقول بخبر الواحد حجة مع أنه لم يدع خلاف ذلك ولا يجزى الغسل
عنه أي عن المسح لأنهما حقيقتان مختلقان لا يدخل إحديهما تحت الامر بالأخرى ولتحريم الماء الجديد وللخبر وهل
اختلاف حقيقتي الغسل والمسح على وجه العموم والخصوص من وجه أم على وجه التباين بحيث لا يجتمعان في مادة يحتمل
الأول لان المراد بالغسل إجراء الماء على العضو وبالمسح إمرار اليد عليه مع وجود بلل الوضوء عليها وهو أعم من
كونه مع ذلك جاريا على العضو وعدمه وحينئذ فيصدق الغسل بدون المسح في إجراء الماء على العضو من دون إمرار اليد و
المسح بدونه مع إمرارها ببلل (غير جار ويجتمعان في إمرارها ببلل صح) يجرى على العضو ويحتمل الثاني لدلالة الآية والاخبار على اختصاص أعضاء الغسل
به وأعضاء المسح به والتفضيل قاطع للشركة فلو أمكن اجتماعهما في مادة أمكن غسل الممسوح فيتحقق الاشتراك
34

ولأن المصنف نقل في التذكرة الاجماع على أن الغسل لا يجزى عن المسح ولا شك أن الماء الجاري على العضو على ذلك الوجه غسل
فلا يجزى إجماعا ولا اعتبار بعدم نية الغسل به لان الاسم تابع للحقيقة لا للنية وتظهر الفائدة فيما لو مسح على العضو
الممسوح ببلل كثير بحيث جرى عليه فعلى الأول يجزى دون الثاني وممن صرح بالاجزاء الشهيد رحمه الله في الذكرى قال
فيها ولا يقدح إكثار الماء لأجل المسح لأنه من بلل الوضوء وكذا لو مسح بماء جار على العضو وإن أفرط الجريان
لصدق الامتثال ولأن الغسل غير مقصود وفي تحقق الامتثال ما مر من المنع وعدم قصد الغسل مع وجوده لا يخرجه
عن كونه غسلا فالمتجه حينئذ عدم الاجزاء ويستحب المسح مقبلا تفصيا من الخلاف فيحصل القطع برفع الحدث معه
وليس بواجب على الأصح خلافا للأكثر لاطلاق الآية والاخبار ولصحيحة حماد بن عثمن عن أبي عبد الله عليه السلام
قال لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا وما تقدم من الاستدلال (بالوضوء البياني صح) من أنه أن كان عليه السلام مسح رأسه منكوسا
تعين ذلك لكن الاجماع على خلافه بل غايته الجواز فدل على مسحه مقبلا فيجب يندفع هنا بدليل خارجي وهو الخبر
المتقدم وحاصله أنه حجة فيما لا يثبت خلافه لاشتماله على مقطوع بعدم وجوبه والعجب أن المرتضى رحمه الله منع من
استقبال الشعر هنا مع تجويزه الاستقبال في الوجه واليدين محتجا هنا بتوقف القطع برفع الحدث عليه ولا يجوز
المسح على حائل كعمامة وغيرها ولو حناء وما ورد من نفى البأس عنه محمول على أثره وهو اللون لإفادة الباء في الآية
الالصاق مع التبعيض إذ لا منافاة فلا يخرج عن العهدة بدونه لقول الصادق عليه السلام حين سئل عن رجل يتوضأ و
ثقل عليه نزع العمامة قال يدخل أصبعه
ويجب مسح بشرة الرجلين بإجماعنا وتواتر الاخبار به عن أئمتنا عليهم السلام
وروى عن النبي صلى الله عليه وآله من طريق العامة في جملة أخبار ولقوله تعالى وامسحوا برؤسكم وأرجلكم بالجر
عطفا على الرؤس لفظا وبالنصب على المحل لان الرؤس في محل نصب بامسحوا وهو أولى من عطف الأرجل على تقدير
النصب على الأيدي للقرب والفصل والايهام المخل بالفصاحة من الانتقال من جملة إلى أخرى قبل إكمالها كقولك ضربت
زيدا وعمروا وأكرمت خالدا وبكرا ويجعل بكرا معطوفا على زيد وعمرو المضروبين وحمل الجر في الأرجل على
المجاورة للمجرور كقوله تعالى عذاب يوم اليم وقراءة حمزة وحور عين إذ ليس معطوفا على لحم طير لعدم كون الحور مطوفا
بهن ضعيف لانكار أكثر أهل العربية الجر بالمجاورة فيضعف جدا إن لم يمنع ولا يليق بكتاب الله مع أنه مشروط عند مجوزه
بعدم الالتباس وعدم العطف وهما مفقودان هنا وما ورد مما يوهم خلاف الشرطين مقرر على وجه يدفع التوهم وجر اليم لا
يلبسه بيوم وحور عين مجرور عطفا على جنات أي المقربون في جنات ومصاحبة حور عين لمنع الجواز (
الجوار صح) مع العطف بالواو
واعلم أنه يستفاد من قوله بشرة الرجلين مع قوله في الرأس كذلك أو شعره المختص أنه لا يجزى المسح على الشعر في الرجلين
بل يتحتم البشرة والامر فيه كذلك بأقل اسمه كما تقدم في مسح الرأس لعطف الأرجل على الرؤس فشاركه في الحكم إلا أنه
لا خلاف هنا في أجزاء المسمى كما ذكره المحقق في المعتبر وحده من رؤس الأصابع إلى الكعبين ولا بد من إدخال جزء من الحدين
لعدم المفصل المحسوس كنظائره وهما أي الكعبان مجمع القدم وأصل الساق على المختار عند المصنف وتبعه الشهيد رحمه
الله في الألفية والمقداد في الكنز مع أن الشهيد رحمه الله في الذكرى ادعى إجماعنا وكثير ممن خالفنا كسائر الحنفية
وبعض الشافعية على إنهما قبتا القدم عند معقد الشراك ولاشتقاقه من قولهم كعب إذا ارتفع ومنه كعب ثدي الجارية
إذا علا قال قد كعب الثدي على نحرها في مشرف ذي صبح نائر فهو بالاشتقاق أنسب وكذلك المحقق في المعتبر ادعى أيضا
اجماع فقهاء أهل البيت عليهم السلام على ذلك وللنقل المتواتر عن أهل البيت عليهم السلام كما روى عن أبي جعفر عليه
35

السلام (أنه وصف الكعب في ظهر القدم وعنه صح) في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ثم وصع يده على ظهر القدم ثم قال هذا هو الكعب قال وأومى بيده
إلى أسفل العرقوب وقال هذا هو الضنبوب ولا ريب أن الكعب الذي يدعيه المصنف ليس في ظهر القدم وإنما هو المفصل بين
الساق والقدم والمفصل بين شيئين يمتنع كونه في أحدهما واحتج المصنف على مذهبه بما رواه زرارة وبكير ابنا
أعين عن أبي جعفر عليه السلام حيث سألاه عن الكعبين فقال ها هنا يعنى المفصل دون عظم الساق وبما تقدم من وصف
الباقر عليه السلام لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن قال ومسح على مقدم رأسه وظهر قدميه وهو يعطى استيعاب
المسح لجميع ظهر القدم وبأنه أقرب إلى ما حدده أهل اللغة وأنت خبير بعدم دلالة الحديث الثاني وقد تقرر وأما حديث
الأخوين فهو وإن لم يناف مدعاه لا ينافي مدعى الجماعة أيضا فيجب حمله على ما يوافق الحديثين المتقدمين جمعا بين
الاخبار وموافقة للاجماع مع أن الشهيد رحمه الله جعله أول الأدلة النقلية على قول جماعة الأصحاب وأما استدلاله
بقربه إلى ما حدده أهل اللغة فقد أجاب عنه في الذكرى بأنه إن أراد بأهل اللغة لغوية العامة فهم مختلفون وإن أراد
لغوية الخاصة فهم متفقون على ما قررناه أولا حتى إن العلامة اللغوي عميد الرؤساء صنف في الكعب كتابا مفردا و
أكثر فيه من الشواهد على أنه قبة القدم والظاهر أن تفسير الشهيد في الألفية بأنه ملتقى الساق والقدم على سبيل
الاحتياط لا الوجوب كما ذكره في البيان لكثرة تشنيعه على الفاضل في القول بذلك حتى ألزمه خرق إجماع الكل وإحداث قول
ثالث مستلزم رفع ما أجمع عليه الأمة الخاصة على ما ذكر والعامة على أن الكعب ما نتا عن يمين الرجل وشماله
والعجب من المصنف حيث قال في المخ إن في عبارة أصحابنا اشتباه على غير المحصل مشيرا إلى أن المحصل لا يشتبه عليه إن مرادهم
بالكعب المفصل بين الساق والقدم وإن من لم يفهم ذلك من كلامهم لا يكون محصلا ثم حكى كلام جماعة منهم والحال أن
المحصل لو حاول فهم ذلك من كلامهم لم يجد إليه سبيلا ولم يقم عليه دليلا وكأنه معرض في ذلك بشيخه أبى القسم حيث ادعى
إجماع علماء أهل البيت على خلاف مدعاه كما تقدم النقل عنه والله أعلم بحقيقة الحال ويجوز المسح على الرجلين منكوسا
بأن يبتدى بالكعب ويختم بالأصابع كالرأس لرواية حماد المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام لا بأس بالمسح في الوضوء مقبلا
ومدبرا وهو شامل بإطلاقه للجميع وفي عبارة أخرى له عنه عليه السلام لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا وغير ذلك من
الاخبار وهي مخصصة أيضا لدليل الوضوء البياني كما تقدم والكلام في إلى في الآية هنا كما مر في احتمال المعية والغاية
فعلى الأول لا دلالة فيها على الابتداء وكذا على الثاني إذا جعلت الغاية للممسوح وأوجب جماعة الابتداء برؤس الأصابع ووافقهم
المرتضى هنا مع مخالفته في غسل الوجه واليدين جعلا لالى على بابها من الانتهاء وأرادوا به انتهاء المسح ولأن في وصف
الباقر عليه السلام وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله مسح قدميه إلى الكعبين ولأن الوضوء البياني لم ينكس فيه وإلا لما
أجزأ خلافه مع جوازه إجماعا والتقريب ما تقدم ولا ريب أنه أولى وأحوط لتحقق الخروج عن العهدة بفعله ولا يجوز المسح على
حائل كخف وغيره اختيار إجماعا منا لعدم مسمى الرجل فيه ولإفادة الباء المقدرة في المعطوف الالصاق ولعدم المسح في
الوضوء البياني المحكوم بأنه لا يقبل الصلاة إلا به على حائل بين البشرة وبينه من خف وغيره إجماعا وقد روى عن علي عليه السلام
ما أبالي أمسح على الخفين أو على ظهر عير بالفلاة بالعين المهملة ثم الياء المثناة من تحت ثم الراء المهملة وهو الحمار ومثله
عن أبي هريرة وعايشة وعنها عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال أشد الناس حسرة يوم القيمة من رأى وضوءه على جلد غيره
وعنها لان تقطع رجلاي بالمواسي أحب إلى من أن أمسح على الخفين وإنكارها يدل على عدم فعل النبي صلى الله عليه وآله
إياه وأما الروايات عن أهل البيت عليهم السلام في ذلك فكثيرة غنية عن الايراد هنا ويجوز ذلك للتقية والضرورة
36

كالبرد ولا يختص بكيفية عندهم كالليس على طهارة ولا كمية كاليوم والليلة للحاضر والثلاثة للمسافر ولا يبطل الوضوء
بزوال التقية والضرورة ما لم يحدث على الأصح لأنها طهارة شرعية ولم يثبت كون ذلك ناقضا ويحتمله لزوال
المشروط
بزوال شرطه وقربه المصنف في التذكرة وتوقف في غيرها ولا يشترط في جواز ذلك ونحوه للتقية عدم المندوحة وهو يؤيد بقاء الطهارة
مع زوال سبب التقية ولو تأدت التقية بأحد الامرين أما المسح على الخف أو غسل الرجلين تعين الغسل لأنه أقرب إلى المفروض
بالأصل ولو غسل رجليه مختارا بطل وضوءه لاختلاف الحقيقة ومخالفة الامر وللإجماع واحترز بالاختيار عن التقية
فيجوز الغسل لها ولا يجب الاستيعاب حينئذ بل لو تأدت بغسل موضع المسح خاصة أجزأ ولو انعكس الحكم بأن مسح في موضع
التقية بطل وضوء أيضا للنهي المقتضى للفساد في العبادة مع احتمال الصحة لان النهى لوصف خارج واعلم أن الحالة الموجبة
للتقية أن يحصل للمكلف العلم أو الظن بنزول المقرر بتركها به أو ببعض المؤمنين قريبا أو بعيدا سواء كان ذلك في
واجب عندهم أم مستحب أم مباح ولو لم يخف ضررا عاجلا ويتوهم ضررا آجلا أو ضررا سهلا استحبت وكذا لو كانت لتقية
في المستحب كغسل الوجه باليدين معا حيث لا ضرر معلوما ولا مظنونا ولا يبطل الفعل بتركها هنا قطعا وقد تكره كالتقية
في المستحب حيث لا ضرر عاجلا ولا آجلا مع خوف الالتباس على عوام المذهب وقد تحرم حيث يتحقق الامن من الضرر بفعل الواجب
عاجلا وآجلا ولا يتصور إباحتها في العبادة وإن أمكنت في الجملة كالتقية في بعض المباحات التي ترجحها العامة
ولا يحصل بتركها ضرر فهي إذن منقسمة بانقسام الأحكام الخمسة ولا اختصاص لها بهذا الباب وإن أمكن فرض الأربعة
فيه
ويجب مسح الرأس والرجلين ببقية نداوة للوضوء لوصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وقيه ثم مسح بقية
ما بقي في يده رأسه ورجليه وغيره من الاخبار وهذا الحكم قد استقر عليه إجماعنا بعد ابن الجنيد مع أنه لم يجوز الاستيناف
مطلقا بل مع جفاف أعضاء الوضوء ومع غسل الأعضاء مرتين مرتين مع أن الحكم الأول (الثاني صح) يأتي عندنا على بعض الوجوه
كشدة الحر وقلة الماء فإن استأنف فأوجه؟ بل أبطل وضوءه لعدم مماثلته للوضوء المحكوم عليه بأنه لا يقبل الصلاة
إلا به فإن جف البلل عن يديه أخذ من لحيته وإشفار عينيه وحاجبيه ومسح به ويجوز الاخذ من هذه المواضع وغيرها
من غير جفاف لاشتراك الجميع في كونه بلل الوضوء ولا يصدق عليه الاستيناف ولاطلاق قول الصادق عليه السلام في ما رواه
مالك بن أعين عنه عليه السلام من نسي مسح رأسه ثم ذكر أنه لم يمسح رأسه فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه وليمسح به
فجوز عليه السلام الاخذ من اللحية من غير تقييد بجفاف اليد فإن جف جميع ذلك أو لم يمكن أن ينفصل عنه ما يتحقق به المسح
بطل الوضوء إلا مع الضرورة كإفراط الحر وقلة الماء فيجوز حينئذ استيناف الماء لكن لو أمكن إبقاء جزء من اليد اليسرى ثم الصب
عليه أو غمسه في الماء وتعجيل المسح به وجب مقدما على الاستيناف
ويجب في الوضوء الترتيب بين الأعضاء المغسولة والممسوحة
يبدأ بغسل الوجه ثم باليد اليمنى ثم باليسرى ثم بمسح الرأس ثم بالرجلين عند علمائنا أجمع لترتيب الوضوء البياني و
لان الفاء في فاغسلوا يفيد الترتيب بين إرادة القيام وبين غسل الوجه فيجب البداة بغسل الوجه وكل من قال بوجوب
البداة به قال بالترتيب بين باقي الأعضاء لان أبا حنيفة ومالكا لا يريان الترتيب فيه ولا في غيره بل يجوزان تأخيره
عن الجميع وصوره مع النكس عندهما سبعمائة وعشرون كلها مجزية وعندنا لا يجزى منها إلا واحدة والروايات عندنا
على وجوبه وتوقف صحة الوضوء عليه متظافرة والمعتبر في الترتيب تقديم المقدم لا عدم تأخيره فلا تجزى المعية بل يحصل
الوجه دخولا واليمنى خروجا فإن أعادها فاليسرى ويجوز المسح بمائها لعدم صدق التجديد عليه ولو أخرجها مرتبا صح
غسل الجميع ولو كان في جار وتعاقبت عليه ثلث جريات أو في واقف وطال المكث صح غسل الوجه واليدين
37

أيضا ولا ترتيب واجب بينهما أي بين الرجلين للأصل ولقوله تعالى وأرجلكم فيصدق مع الترتيب وعدمه إذ لا دلالة للكلى
على الجزئي المعين وأوجبه جماعة لتقريب الدليل في الوضوء البياني وهو أنه لو قدم فيه اليسرى أو مسحهما معا تعين ذلك
وهو خلاف الاجماع فتعين كون اليمين فيه مقدمة وهذا الدليل لا معارض له هنا كما في صورتي نكس المسح فيعمل عليه (فنعمل عمله صح)
والآية كما أنه لا تدل عليه لا تنافيه كجمع الأيدي مع وجوب الترتيب فيها وهذا هو الأجود
ويجب فيه الموالاة ولا خلاف عندنا
في وجوبها ولكن اختلف في معناها على ثلاثة أقوال أحدها أنها مراعاة الجفاف مطلقا فمتى أخر متابعة الأعضاء
على وجه لا يحصل معه جفاف فلا أثم عليه ولا إبطال وهو قول الأكثر ومنهم الشيخ في الجمل وثانيها متابعة الأعضاء
بعضها البعض بحيث إذا فرغ من عضو شرع في آخر في حال الاختيار فإن أخل بها معه أثم ولا يبطل إلا بالجفاف ومع
الضرورة كفراغ الماء ونحوه لا أثم بالتأخير ولا إبطال ما لم يجف وهو قول الشيخين في غير الجمل والمبسوط والمصنف رحمهم الله
وإليه أشار هنا بقوله وهي أي الموالاة المتابعة اختيارا فإن آخر بعض الأعضاء عن بعض فجف المتقدم استأنف وإلا
فلا لكن مع الاثم في حال الاختيار وثالثها المتابعة مع الاختيار فمتى أخل بها معه بطل الوضوء سواء حصل معه جفاف أم لا
وهو قول الشيخ في المبسوط وهذا القول أسقطه المصنف في المختلف وجعل فيها قولين خاصة وقد عرفت أن
الثلاثة للشيخ
رحمه الله وحده فضلا عمن شاركه في بعضها وممن صرح بالثلاثة المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى وكذا في حاشيته
على القواعد وإن كانت لا تخالف من إجمال واستدل المصنف على مذهبه هنا باقتضاء الامر في قوله تعالى فاغسلوا إلخ الفور
لأنه أحوط وبقوله تعالى سارعوا إلى مغفرة من ربكم فاستبقوا الخيرات وبأنه تعالى أوجب غسل الوجه واليدين والمسح
عند إرادة القيام إلى الصلاة بلا فصل وفعل الجميع دفعة متعذر فيحمل على الممكن وهو المتابعة وبما رواه أبو بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام أنه قال إذا توضأت بعض وضوءك فعرضت له حاجة حتى يبس وضوءك فأعد وضوءك فإن الوضوء لا
يتبعض فحكمه عليه السلام بأن الوضوء لا يتبعض يصدق مع الجفاف وعدمه وبقوله عليه السلام اتبع وضوءك بعضه بعضا و
بالوضوء البياني كما تقدم من أنه لو لم يتابعه لوجب التفريق وهو خلاف الاجماع وبأنه أحوط وفي كل واحد من هذه
الوجوه نظر أما الأول فلانه مخالف لمذهبه في سائر كتبه الأصولية حيث ذهب إلى أن الامر لا يفيد الفور ولا التراخي
لاستعماله فيهما بل هو الظاهر من دليله هنا في قوله لأنه أحوط فإن البحث ليس فيه بل في الواجب الذي يحصل الاثم بتركه و
الاستدلال بآية المسارعة أجاب هو عنها في الكتب الأصولية بأن المسارعة إلى المغفرة مجاز إذ المراد ما يقتضيها ولو سلم
كونها للوجوب والفور فلا يدل على فورية مطلق الامر لان المسارعة إلى المغفرة بفعل سببها وهو التوبة وهو واجب
فوري وأما الآية الثانية فنمنع إن الامر فيها للوجوب إذ ليس استباق جميع الخيرات واجبا وأما قوله إن الله سبحانه
أوجب غسل الوجه عقيب إرادة القيام إلى الصلاة بلا فصل بناء على دلالة الفاء على التعقيب بغير مهلة فقد أجيب عنه بأن
الفاء الدالة عليه كذلك هي العاطفة كقولك جاء زيد فعمرو وأما الداخلة على الجزا كقولك إذا جاء زيد فأكرمه فقد
نصوا على عدم إفادتها التعقيب ومع تسليمه يلزم عدم جواز تأخير الطهارة عنها أول الوقت لمن أراد القيام إلى الصلاة
في آخر الوقت مثلا إذ يصدق عليه أنه مريد القيام إلى الصلاة ولم يقل به أحد وأما الخبر فهو بالدلالة
على نقيض المدعى أولى من الدلالة عليه وقوله فيه أن الوضوء لا يتبعض تعليل للإعادة فإن كان المراد به مطلق التفريق
وجب إعادته وهو لا يقول به وإن كان المراد غير ذلك لم يدل على مطلوبه والظاهر أن المراد بالتبعيض فيه الجفاف كأنه
يصير بعضه جافا وهو المتقدم وبعضه رطبا والمراد التبعيض على هذا الوجه وهو مع فرض إهماله حتى يجف جميع ما تقدم
38

لا مطلق التبعيض وأما حديث الامر بالاتباع فإن الظاهر أن المراد فيه الترتيب بمعنى اتباع كل عضو سابقه بحيث لا يقدمه
عليه لأنه كان في سياقه مع أن فيه جمعا بين الاخبار ولأن المتابعة بهذا المعنى لو وجبت لبطل الوضوء بالاخلال بها
لعدم الاتيان بالفعل على الوجه المأمور به وتوهم كونه واجبا لا شرطا يندفع بذلك فيبقى في عهدة التكليف وأما متابعة
الوضوء البياني فمسلمة لكن لو وجب مراعاته بهذا المعنى لوجب علينا المطابقة بين زمان فعلنا والقدر الذي تابع فيه
من الزمان ولم يقل به أحد فسقطت دلالته ولانا بينا أنه إنما يحتج به مع عدم دليل خارجي يقتضى تقييد مطلقه
وليس هنا كذلك للأخبار الدالة على مراعاة الجفاف فالأولى العمل بها واتباع الأكثر واعلم أن المراد بجفاف المتقدم
جفاف جميع الأعضاء المتقدمة لاطباقهم على الاخذ من اللحية ونحوها للمسح ولا بلل هنا على اليدين وقيل المراد به العضو الذي
انتهى إليه الغسل فمتى جف وجب الإعادة وإن كان البلل باقيا على غيره والمعتبر في البلل الحسى فلا اعتبار بتقدير الهوا حال
كونه مفرط الرطوبة بكونه معتدلا ولا بتقييد بعضهم الهوا بالمعتدل ليخرج طرف الافراط في الحرارة فإن زوال البلل حينئذ
مغتفر كما تقدم ولا فرق على تقدير الجفاف في البطلان بين العامد والناسي والجاهل لاطلاق الاخبار وإن سلم الناسي
من الاثم
وذو الجبيرة على عضو كسير من أعضاء الوضوء ونحوها من الخرق المعصوبة على الجرح والقرح ينزعها إن أمكن وكانت
على محل مسح مطلقا لوجوب إلصاق الماسح بالممسوح وإن كانت على عضو مغسول تخير بين أن ينزعها أو يكرر الماء عليها
حتى يصل إلى البشرة ويجرى عليها على الوجه المعتبر في الغسل مع طهارة العضو تحتها وإلا اعتبر مع ذلك إذ يجرى قبله عليها
على الوجه المعتبر في التطهير أيضا هذا إن تمكن من النزع أو إيصال الماء على ذلك الوجه وإلا هذه الكلمة في هذا التركيب
ونظائره هي المركبة من أن الشرطية ولا النافية وجملة الشرط محذوفة أي وإن لم يتمكن من ذلك مسح عليها أي على الجبيرة
إن كان ظاهرها طاهرا أو نجسا بعد تطهيره إن أمكن وإلا وضع عليها شيئا طاهرا ومسح عليه مستوعبا لها إن كانت
على عضو مغسول وإلا أجزاء مسمى المسح كالأصل ولا فرق في أجزاء المسح عليها ووجوبه بين أن يمكن أجرا الماء عليها أو لا لعدم
التعبد بغسلها مع تعذر وصول الماء إلى أصلها ولا بين أن تستوعب الجبيرة عضوا كاملا أو الأعضاء كلها أو لا للعموم
ويمكن استفادة ذلك من إطلاق المصنف هنا ولو لم يكن على الكسر أو الجرح خرقة فإن أمكن غسله أو مسحه إذا كان في موضع
المسح وجب كالجبيرة وإلا غسل ما حوله والأحوط مسحه إن أمكن أو وضع شئ عليه والمسح فوقه مستوعبا أو مبعضا كما مر
ولا يخفى ما في العبارة من الاجمال والقصور عن تحقيق المسألة المؤدى إلى الاختلال وإذا راعيت ما ذكرناه عرفت مواضع
إجمالها ومحال اختلالها وصاحب السلس وهو الذي لا يستمسك بوله يتوضأ لكل صلاة على أصح الأقوال لان الأصل
في الحدث الطارئ بعد الطهارة إيجابها فعفى عنه في قدر الضرورة وهو الصلاة الواحدة فيبقى الباقي على الأصل
وجعله في المبسوط كالاستحاضة بالنسبة إلى الغسل فكما أنها تجمع بين الصلاتين والصلوات بغسل واحد في الوقت فكذا
هنا (يجمع بينهما بوضوء واحد إلا أنه جوز له هنا صح) الجمع مطلقا وهو قياس لا يتم عنده فضلا عن غيره وجوز المصنف في المنتهى له الجمع بين الظهر والعصر خاصة بوضوء
واحد جامعا بينهما وكذا المغرب والعشاء كالمستحاضة استنادا إلى ما روى عن الصادق عليه السلام في الرجل يقطر
منه البول إذا كان حين الصلاة أتخذ كيسا وجعل فيه قطنا ثم علقه عليه وأدخل ذكره فيه ثم صلى يجمع بين الصلاتين
الظهر والعصر يؤخر الظهر ويعجل العصر ويؤخر المغرب ويعجل العشاء ويفعل ذلك في الصبح ووجه الدلالة عدم فائدة الجمع
مع تجديد الوضوء وإن تخصيص الصلاتين بالذكر يدل نفى ما عداهما وفيهما منع إذ لا دلالة فيه على أن الجمع بوضوء
واحد وعدم ظهور فائدة الجمع بين الصلاتين مع التجديد لا يدل على عدمها ولا على نفى جواز ما عداهما وفائدة ذكرهما
39

بالبناء على الغالب بالنسبة إلى الأداء وفي مقطوع سماعة سألته عن رجل أخده تقطر (تقطير خ ل) من فرجه أما دم أو غيره قال فليضع
خريطة وليتوضأ وليصل فإنما ذلك بلاء ابتلي به فلا يعيدن إلا من الحدث الذي يتوضأ منه قال الشهيد رحمه الله
وهو يشعر بفتوى المبسوط وقال بعض المحققين هو دال على ذلك وفيه نظر فإن غايته العفو عما يتجدد في أثناء الصلاة
لا بعدها لان الخارج أن كان بولا كان من الحدث الذي توضأ منه فأقل ما يدل على إعادة الوضوء للصلاة الأخرى
وإن كان دما كما ذكر في الرواية فالامر واضح وأمره بالوضوء والصلاة كما يحتمل شموله للمتعددة يحتمل الامر بالوضوء
لكل صلاة كما تقدم قيل وحسنة منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يعتريه البول ولا يقدر
على حبسه قال إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر يجعل خريطة يشعر بقول الشيخ في المبسوط أيضا لان العذر يشعر بسقوط
حكم الخارج وإلا لم يكن معذورا وفيه أيضا مع تسليمه نظر بل إنما يشعر بالعفو عن الخارج بعد الطهارة بالنسبة إلى الصلاة
لأنه لما دل الدليل على إيجاب كل خارج من الحدث كان قبول العذر فيما نافاه في مواضع الضرورة ومحل قبول العذر
هو الاكتفاء بالوضوء الواحد للصلاة الواحدة كما في المستحاضة فالقياس عليها يوجب تعدد الوضوء لا عدمه كما ذكره الشيخ
إذا تقرر ذلك فالحكم إنما يكون كذلك إذا لم يكن له في الوقت فترة معتادة تسع الطهارة والصلاة وإلا وجب انتظارها
لزوال الضرورة التي هي مناط التخفيف وكذا المبطون وهو من به البطن بالتحريك بحيث يعتريه الحدث من ريح أو غايط على
وجه لا يمكنه دفعه يتوضأ لكل صلاة ثم لا أثر للحدث الواقع بعد ذلك وإن كان في أثناء الصلاة على المختار عند المصنف إذا
لم يمكنه التحفظ بقدر الطهارة والصلاة أما بالشد أو بانتظار فترة معتادة وأوجب الشيخ وجماعة منهم الشهيد في الذكرى
هنا في الحدث الفاجئ في أثناء الصلاة الطهارة والبناء على الصلاة لما روى في الصحيح عن الباقر عليه السلام صاحب البطن
الغالب يتوضأ ويبنى على صلاته وقوله عليه السلام في حديث آخر انصرف ثم توضأ وابن علي ما مضى من صلاتك ما لم تنقض
الصلاة بالكلام متعمدا فإن تكلمت ناسيا فلا شئ عليك وهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا قلت وإن قلب وجهه
عن القبلة قال وإن قلب وجهه عن القبلة وردهما المصنف رحمه الله مع اعترافه بصحتهما واحتمل بعض المحققين في الرواية
الأولى يراد بالبناء فيها الاستيناف إذ لا امتناع في أن يراد بالبناء
على الشئ فعله وفيه نظر بل البناء على الشئ يستلزم سبق شئ منه حتى بيني عليه كان الماضي منه بمنزلة الأساس الذي
يترتب عليه وأورد على الروايتين معا معارضتهما لغيرهما من الأخبار الدالة على إن الحدث يقطع الصلاة وهو ضعيف
لان عام تلك الأخبار أو مطلقها مخصص أو مقيد إجماعا بالمستحاضة والسلس فلا وجه لاخراج (لعدم خراج ط) هذا الفرد مع النص
عليه بالتعيين واستدل المصنف على مذهبه هنا بأن الحدث المتكرر لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة لان شرط صحة الصلاة
استمرار الطهارة وهو مصادرة على المطلوب كما ذكره الشهيد رحمه الله وردها بعض المحققين بأن الطهارة شرط الصلاة
إجماعا والمشروط عدم عند عدم شرطه والحدث مانع اتفاقا لاخلاله بالشرط وليس في هذا مصادرة بوجه وهو ضعيف جدا
فإن المصادرة نشأت من ادعاء الملازمة بين نقض الطهارة وبطلان الصلاة مع ورود النص الصحيح على فساد هذه الملازمة
فلا معنى حينئذ لدفعها بدعوى الاجماع على أن الطهارة شرط الصلاة مع تخلفها في مواضع كثيرة وأجيب بأن الاحتجاج ليس
هو بانتقاض الطهارة هنا الذي هو محل النزاع حتى تكون مصادرة بل بالأدلة الدالة بعمومها على إعادة الصلاة بالحدث
وقد عرفت أن الأدلة التي تدعيها مخصوصة أو مقيدة إجماعا فاندفع الجواب أيضا وقوى وجوب الطهارة والبناء
ولما فرغ من فروض الوضوء وبعض أحكامه أخذ يذكر شيئا من مستحباته فقال ويستحب للمتوضئ وضع الاناء على اليمين إن كان
40

مما يغترف منه باليد لما روى أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحب التيامن في طهوره وشأنه كله ولو كان الاناء لا يمكن الاغتراف
منه وضع على اليسار ليصب منه في اليمين للغسل بها أو للإدارة إلى اليسار والاغتراف بها مطلقا وعند إرادة غسلها يدار منها
إلى اليسار لفعل الباقر عليه السلام ذلك في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وفي حديث عن الباقر عليه السلام
أنه أخذ باليسرى فغسل اليمنى وهو لبيان الجواز والتسمية وهي بسم الله وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من
المتطهرين ولو اقتصر على بسم الله أجزأ ولو نسيها في الابتداء تدارك في الأثناء كما في الأكل وكذا لو تعمد تركها مع
احتمال عدمه هنا وتثنية الغسلات في الأعضاء الثلاثة بعد إتمام الغسلة الأولى على أصح الأقوال ونقل ابن إدريس
فيه الاجماع بناء على عدم قدح معلوم النسب فيه وقد روى عن أبي عبد الله عليه السلام الوضوء مثنى مثنى وليس المراد به
الواجب للاجماع على الاجتزاء بالمرة فتحمل الثانية على الندب ويظهر من الصدوق رحمه الله عدم شرعية الثانية حيث قال
لا يؤجر عليها وهو يقتضى أنها ليست من الوضوء لان أفعاله أما واجبة أو مندوبة وكلاهما محصل للأجر محتجا بما روى عن
الصادق عليه السلام والله ما كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله إلا مرة مرة ونحوه وهو محمول على الوضوء البياني
الذي لا يقبل الصلاة إلا به جمعا بين الاخبار ويؤيده ما روى أن النبي صلى الله عليه وآله توضأ مرة مرة وقال هذا
وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ثم توضأ مرتين وقال هذا وضوء من ضاعف الله له الاجر ولو سلم أنه لغير البيان لم يدل
على تحريم الثانية لان الاقتصار على الواحدة لا يدل على تحريم ما سواها مضافا إلى عدة روايات صحيحة دلت على
شرعية الثانية والدعاء عند كل فعل من أفعال الوضوء الواجبة والمستحبة بما روى عن أبي عبد الله عليه السلام قال بينما
أمير المؤمنين عليه السلام قاعد ومعه ابنه محمد إذ قال يا محمد إيتني بإناء من ماء فأتاه به فصبه بيده اليسرى على يده اليمنى
وقال الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ثم استنشق فقال اللهم لا تحرم على ريح الجنة واجعلني ممن يشم
ريحها وطيبها وريحانها ثم تمضمض فقال اللهم أنطق لساني بذكراك واجعلني ممن ترضى عنه ثم غسل وجهه فقال
اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ثم غسل يمينه فقال اللهم أعطني كتابي
بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا ثم غسل شماله فقال اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا
تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران ثم مسح رأسه فقال اللهم غشني رحمتك وبركاتك وعفوك
ثم مسح على رجليه فقال اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الاقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عنى ثم التفت
إلى محمد فقال يا محمد من توضأ مثل ما توضأت وقال مثل ما قلت خلق الله من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره و
يهلله فيكتب له ثواب ذلك إلى يوم القيمة وزاد المفيد في دعاء الرجلين يا ذا الجلال والاكرام وإذا فرغ من الوضوء قال
الحمد لله رب العالمين اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين وغسل اليدين من الزندين قبل إدخالهما
الاناء والأولى أن يراد به مطلق الاناء سواء كان ماؤه قليلا أم كثيرا لعدم تحقق التعليل بالنجاسة الوهمية بل هو
تعبد محض فيثبت الاستحباب مع تحقق طهارتهما لكن مع الكثرة وسعة رأس الاناء يكفي غسلهما فيه وعلى هذا لا
فرق أيضا بين إمكان وضع اليد في الاناء أولا ككونه ضيق الرأس فيستحب غسلهما حينئذ قبل الاشتغال بباقي الأفعال
وإن كان الأولى اختصاص (الحكم صح) في إيقاع النية عنده بالاناء الواسع المشتمل على الماء القليل كما تقدم وهذا الغسل
يكون مرة من حدث النوم سواء في ذلك نوم الليل والنهار وسواء كانت اليد مطلقة أم مشدودة وسواء كان النائم مسرولا
41

أم لا للعموم وكذا يستحب غسلهما (مرة من حدث البول ومرتين من الغائط وثلثا من الجنابة وذكرها هنا استطرادا ولا يستحب غسلهما صح) من باقي الاحداث كالريح ولو اجتمعت الاحداث تداخلت مع التساوي ومع الاختلاف يدخل
الأقل تحت الأكثر ولو أدخل يده قبل الغسل فعل مكروها ثم إن كان كثيرا وقلنا فيه بالاستحباب حسب بمرة فيبنى عليها
وكذا إن كان قليلا وجعلناه تعبدا وإن كان لدفع نجاسة موهومة لم يستحب بعد ذلك بالنسبة إلى هذا الاناء بل
يستحب العدول إلى إناء آخر أو إلى هذا بعد إزالة ما تعدى إليه من النجاسة الموهومة بوضعه في الكثير وحكم الغمس قبل كمال
العدد حكمه قبل الشروع وهذا الغسل من سنن الوضوء فيستحب فيه النية كما في العبادات ولم يعتبرها المصنف في النهاية
معللا بأنه لدفع وهم النجاسة ولو تحققها لم يشترط النية فمع وأهمها أولى مع أنه اختار في آخر البحث إن الغسل تعبد فلو
تحقق طهارة يده استحب والمضمضة والاستنشاق على المشهور وقول ابن أبي عقيل أنهما ليسا بفرض ولا سنة ضعيف أو مأول
بالسنة المحتمة فيرادف الفرض والجمع بينهما للتأكيد وكثيرا ما يذكر في كتابه السنة ويريد بها الفرض وكيفيتهما إن يبدأ
بالمضمضة ثلثا بثلث أكف من ماء على الأفضل ولو فعلها بكف واحد أجزأ ويدير الماء في فيه إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان
واللثات ممرا مسبحته وإبهامه عليها لإزالة ما هناك من الأذى ثم ليستنشق ثلثا كذلك ويجذب الماء إلى خياشيمه إن لم يكن
صائما والأفضل مج الماء ولو ابتلعه جاز وليكونا باليمين ولو فعلهما على غير هذا الوجه تأدت السنة وإن كان أدون
فضلا ويشترط تقديم المضمضة عليه فلو عكس صحت المضمضة خاصة فيعيده بعدها وجوز المصنف في النهاية الجمع بينهما بأن
يتمضمض مرة ثم يستنشق مرة وهكذا ثلثا سواء كان الجميع بغرفة أم بغرفتين أم بأزيد وإن كان الأول أفضل وبدأة
الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى وبباطنها في الثانية عكس المرأة لقول الرضا عليه السلام فرض الله على
النساء
أن يبدأن بباطن أذرعهن وفي الرجال بظاهر الذراع هكذا احتج عليه المصنف وليس في الرواية تفضيل الغسلتين
كما ذكر بل هي شاملة للغسلتين وجماعة من الأصحاب لم يفرقوا بين الغسلتين لاطلاق الخبر غير أن الشيخ في المبسوط ذكر
الفرق وتبعه عليه جماعة منهم المصنف والمحقق ولم يثبت الوجه فيه والخنثى يتخير في الوظيفتين سواء قلنا بالتفصيل
أم الاطلاق فلو بدأت بظاهرهما فيهما أو بباطنهما لم يحصل السنة على القول بالتفصيل والوضوء بمد لقوله صلى الله عليه و
آله الوضوء بمد والغسل بصاع وسيأتي أقوام بعدي يستقلون ذلك فأولئك على خلاف سنتي والثابت على سنتي معي في
حظيرة القدس والمد يؤدى به سنن الوضوء وفروضه والأغلب زيادته عليهما والظاهر إن ماء الاستنجاء منه لما تقدم
من حديث دعاء الأعضاء عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال فيه أتوضأ للصلاة ثم ذكر الاستنجاء ويمكن العدم لعدم
صدق الاسم عليه وحذف التوضأ للصلاة في بعض نسخ الحديث ويضعف بأن المثبت مقدم ويكره الاستعانة في الوضوء للخبر
في ذلك عن الرضا عليه السلام وتعليله بقوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه إلى قوله ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ثم قال
وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد والمراد بالاستعانة نحو صب الماء في اليد ليغسل
المتوضي به لا صبه على العضو فإنه تولية وهل تصدق بطلب إحضار الماء ليتوضى به يحتمل قويا ذلك لأنه بعض العبادة بل
هو عبادة في نفسه فيشمله التعليل بالآية وكذا القول في طلب إسخانه حيث يحتاج إليه ونحوه كل ذلك بعد العزم على الوضوء
أما لو استعان لا له ثم عرض له إرادة الوضوء لم يكره قطعا وكذا يكره التمندل على المشهور وهو مسح أعضاء الوضوء بالمنديل
ونحوه لقول الصادق عليه السلام من توضأ فتمندل كان له حسنة وإن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضؤه كانت له
ثلاثون حسنة وعلل المصنف الكراهة مع الحديث بأن فيه إزالة أثر العبادة وهو يقتضى تعميم الكراهة بكل ما يحصل به
إزالة الأثر من منديل وكم ونار ونحوها وهو الظاهر وخصه المحقق الشيخ على بالمنديل والذيل لا بالكم لعدم
42

صدق التمندل عليه وهو ضعيف لان التمندل إن لوحظ فيه مأخذ الاشتقاق فلا وجه لتعدية الحكم عن المنديل إذ لا يصدق
على الذيل أنه منديل قطعا وإن كانت العلة إزالة البلل فلا وجه للحصر فيما ذكر والمحقق في الشرايع عبر عن التمندل بمسح
الأعضاء وهو حسن وإن كان التعبير بإزالة البلل أحسن ويحرم التولية اختيارا فيبطل الوضوء بها وهو إجماع إلا من ابن الجنيد
فإنه استحب تركها لنا مع الاجماع قوله تعالى فاغسلوا وامسحوا وإسناد الفعل إلى فاعله هو الحقيقة وتجوز مع الضرورة
بل تجب لان المجاز يصار إليه عند تعذر الحقيقة ويتولى المكلف النية إذ لا عجز عنها مع التكليف ولو نويا معا كان حسنا
ويشترط مطابقة نية المتولي لفعله فينوي أوضي لا أتوضى وكذا المريض ويجب تحصيل المعين مع العجز ولو بأجرة مقدورة
ولو أمكن تقديم ما يغمس المعذور فيه الأعضاء لم تجز التولية ولا يشترط العجز عن الكل فيجوز أن يتبعض
ويجب أي يشترط الوضوء
وجميع الطهارات الشرعية كالأغسال بماء مطلق وسيأتي تعريفه سواء كان مستعملا في الأكبر أم لا للاجماع على بقائه على
الاطلاق وإنما الخلاف في جواز استعماله ثانيا في رفع الحدث ففي العبارة إشارة إلى جوازه طاهر مملوك أو مباح ويدخل
في المباح المأذون فيه مع كونه ملكا للغير وإنما فسرنا الوجوب بالاشتراط لأنه لو تطهر بالمضاف مثلا لم يكن مأثوما
بل طهارته فاسدة لا غير اللهم إلا أن يعتقد شرعية ذلك أو يستمر عليه ويصلى به مثلا فيأثم حينئذ ومع ذلك لا يتوجه
حمل الوجوب على معناه الأصلي لان النهى عن الشئ أمر بضده العام لا المعين
ولو تيقن المكلف الحدث وشك في الطهارة
كأنه تيقن أنه أحدث في الوقت الفلاني وشك الآن أنه هل تطهر بعد ذلك أم لا أو يتقنهما أي الحدث والطهارة في وقت
معين وشك بعده في المتأخر منهما سواء علم أنه كان قبلهما متطهرا أم محدثا أم شك في ذلك أو شك في شئ منه أي من
الوضوء كما لو شك في الاتيان ببعض أفعاله وهو على حاله أي على حال الوضوء لم يفرغ منه بعد أعاد الوضوء في الصورتين
الأولتين والشئ المشكوك فيه في الثالثة وما بعده قضية للترتيب ولا يخفى ما في العبارة من الاجمال والتجوز في إطلاق
العود على الأولى لعدم العلم بسبق طهارة حتى تصدق الإعادة أما وجوب الوضوء في الأولى فظاهر لان يقين الحدث
لا يرفع إلا بيقين مثله فيعمل الاستصحاب عمله وأما الثانية فليحصل يقين الطهارة لاحتمال كون المتأخر هو الحدث
ولا إشكال في ذلك مع عدم علم المكلف بحاله قبلهما فإن تأخر كل منهما محتمل على حد سواء فيتكافأ الاحتمالان
ويتساقطان فيجب الطهارة أما لو علم حاله قبلهما بالطهارة أو بالحدث فالامر فيه كذلك عند المصنف هنا وفي أكثر كتبه
والشيخين وجماعة للاحتمال أيضا فلا يدخل في الصلاة إلا بيقين الطهارة واختار المصنف رحمه الله في المختلف استصحاب
حاله قبلهما فإن كان متطهرا فهو الآن متطهر لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ ولا يمكن أن يتوضأ عن حدث
مع بقاء تلك الطهارة ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه ولا يزول عن اليقين بالشك وإن كان محدثا فهو الآن محدث
لتيقنه انتقاله عن الحدث السابق عليهما إلى طهارة ثم نقضها والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها وهذا القول لا يتم
إلا مع تيقن عدم التجديد وعدم تعقيب حدث لحدث وتساويهما كما في المثال ومع هذه القيود لا تبقى المسألة بعد التروي
من باب الشك في شئ لان علم الترتيب المذكور يحصل اليقين بأحدهما فهو كالشاك في مبدء السعي وهو يعلم الزوجية
أو الفردية فبأدنى توجيه الذهن يعلم المبدأ لكن لما كان الشك حاصلا في في أول الامر قبل التروي جاز عد المسألة
من مسائل الشك كمن شك في صلاته ثم تيقن أحد الطرفين أو ظنه فإنها تذكر في مسائل الشك باعتبار أول أمرها ولما
استشعر المصنف في القواعد عدم تمامية استصحاب الحالة السابقة مطلقا قيدهما بكونهما متحدين متعاقبين ثم حكم
باستصحاب حاله وأراد به لازم الاستصحاب مجازا فإنه إذا حكم بكونه متطهرا مع تخلل الحدث المزيل لحكم استصحاب
43

الطهارة الأولى ثبت لازمه وكذا الحدث والمحقق في المعتبر مال إلى عكس ما ذكره المصنف فإنه قال فيه بعد ما ذكر توجيه
كلام الشيخين ويمكن أن يقال ينظر إلى حاله قبل تصادم الاحتمالين فإن كان حدثا بنى على الطهارة لأنه تيقن انتقاله
عن تلك الحال إلى الطهارة ولم يعلم تجدد الانتقاض فصار متيقنا في الطهارة شاكا في الحدث فيبنى على الطهارة وإن كان
قبل تصادم الاحتمالين متطهرا بنى على الحدث لعين ما ذكرناه من التنزيل انتهى والذي يحصل لنا في المسألة بعد تحرير
كلام الجماعة أنه إن علم التعاقب فلا ريب في الاستصحاب وإلا فإن كان لا يعتاد التجديد بل إنما يتطهر حيث يتطهر طهارة رافعة
للحدث فكلام المحقق مع فرض سبق الحدث أوجه لضعف الحكم بوجوب الطهارة مع العلم بوقوعها على الوجه المعتبر وعدم
العلم بتعقب الحدث لها المقتضى للابطال إذا علم أنه كان قبلهما محدثا ولا يرد حينئذ إن تقين الحدث مكان لتيقين الطهارة
لان الطهارة قد علم تأثيرها في رفع الحدث أما الحدث فغير معلوم نقضه للطهارة لاحتمال أن يقع بعد الحدث الأول قبل
الطهارة إذ الفرض عدم اشتراط التعاقب فلا يزول المعلوم بالاحتمال بل يرجع إلى يقين الطهارة مع الشك في الحدث
وكلام المخ في فرض سبق الطهارة أوجه لان نفى احتمال التجديد يقتضى توسط الحدث بين الطهارتين وإن لم يتفق له
تحقيق هذه القيود بل إنما تحقق الطهارة والحدث وشك في المتأخر منهما من غير تحقيق لحاله كما ذكرناه وجب عليه الطهارة
سواء علم حاله قبلهما أم لا لقيام الاحتمال واشتباه الحال واعلم أن هذه المسألة تتشعب إلى اثني عشر قسما لان الطهارة
والحدث أما أن يتيقنهما متحدين أي متساويين عددا متعاقبين أي لا يتكرر منهما مثلان بل إنما يعقب الطهارة الحدث
أو بالعكس أو لا ولا أو أحدهما خاصة فالصور أربع ثم أما أن يعلم حاله قبل زمانهما متطهرا أو محدثا أو لا يعلم شيئا
ومضروب الثلاثة في الأربعة اثني عشر يعلم حكمها بالتأمل بعد مراجعة ما تلوناه وأما الثالثة وهي الشك في شئ من
أفعال الوضوء وهو على حاله فوجه الإعادة فيه ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام إذا كنت قاعدا على وضوءك
فلم تدر أغسلت ذراعك أم لا فأعد عليها وعلى جميع ما شككت فيه فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت إلى حالة أخرى
في الصلاة أو غيرها وشككت في شئ مما سمى الله عليك وضؤه فلا شئ عليك وهذه الرواية كما يحتمل أن يريد بحاله حال
الوضوء كما قلناه أو لا يحتمل أن يريد به حال المتوضي فيعود الضمير على الفاعل المضمر في قوله ولو شك فعلى هذا يرجع
ما دام على حاله التي توضأ عليها وإن فرغ من أفعال الوضوء لكن يرجح الأول ما رواه عبد الله بن أبي يعفور عنه عليه
السلام إذا شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك شئ إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه والمراد إنما
الشك الذي يلتفت إليه وغيره من الاخبار واحتمال عود الضمير في حاله إلى الشئ المشكوك فيه المذكور قبله صريحا لا
دليل عليه من النقل وإن أمكن بحسب اللفظ ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث أو شك في شئ منه أي من الوضوء
بعد الانصراف عنه حقيقة أو حكما والمراد به الفراغ من أفعاله وإن لم ينصرف عن مكانه لم يلتفت فيهما لما تقدم و
لما رواه بكير بن أعين قال قلت له الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك ولو جدد
المكلف وضوءه ندبا احترازا عما لو جدده وجوبا بالنذر وشبهه فإنه يرفع الحدث عند المصنف في هذا الكتاب
بناء على اشتراط الوجه وعدم اشتراط أحد الامرين ثم ذكر بعد الصلاة الواقعة بعدهما إخلال عضو من إحدى
الطهارتين جهل تعيينه في أحديهما أعاد الطهارة والصلاة لامكان كون الخلل من الطهارة الأولى والمجدد ندبا
غير رافع للحدث عند المصنف لاشتراط نية الوجه في الوضوء فعلى هذا لو اشترك الوضوءان في الرفع والإباحة
مع وجوبهما كما لو توضأ واجبا بعد دخول الوقت ثم نذر التجديد وجدد ثم صلى وذكر الاخلال صحت الصلاة الواقعة
44

بعدهما للقطع بسلامة طهارة مبيحة ولو فرض تخلل صلاة واجبة بينهما وجب إعادتها مطلقا ويمكن تصور وجوب الثاني
بغير النذر بأن ذهل عن الأول فتوضأ واجبا وصلى فإن الوضوء الثاني رافع أيضا للجزم فيه بنية الوجوب و
مطابقة الجزم للواقع أو مع ندبهما كما لو توضأ قبل حصول السبب ثم جدد الوضوء ندبا ثم دخل الوقت فصلى به ثم ذكر
الاخلال المجهول فإن الصلاة صحيحة أيضا لان الجزم حاصل بسلامة طهارة منهما وإلى هذه الصورة أشار المصنف بقوله
إلا مع ندبية الطهارتين كذا فسره شيخنا الشهيد رحمه الله في الشرح وهو الظاهر من كلام المصنف في النهاية ولا
يخل من إشكال ويمكن تفسير الندبين على وجه يرفع الاشكال بأن يتوضأ ندبا قبل السبب ثم يذهل عنه ويتوضأ
ندبا أيضا ثم يصلى به وكذا مع ندب الأول ووجوب الثاني على تقدير الذهول عن الأول الواقع قبل الوقت فتوضأ
واجبا بعده أو نذر تجديد الوضوء الواقع قبل الوقت سواء كان قبله أم بعده مع عدم الذهول عنه هذا كله على
تقدير اشتراط نية الوجه وعدم وجوب نية أحد الامرين الرفع أو الاستباحة أما على هذا التقدير كما هو مختار
المصنف في أكثر كتبه لا يتصور في الواجبين بتقدير نذر التجديد لعدم نية أحدهما في المجدد وإن نذر كما سيأتي تحقيقه ولا
في الواجب بعد المندوب كذلك نعم يتصور على تقدير الذهول في الواجبين والمندوبين والواجب بعد المندوب كما سلف دون العكس
إلا بتقدير توسط صلاة بينهما كما لو توضأ للصبح مثلا وصلاها ثم توضأ ندبا قبل الزوال وصلى الظهر ثم ذكر الاخلال
فإن الظهر واقعة بعد طهارة رافعة ظاهرا وإن وجب إعادة الصبح قطعا لكن في هذا الفرض إشكال يأتي تحقيقه و
الشهيد رحمه الله حكى في الشرح عن شيخه عميد الدين فرض الذهول على هذا التقدير في صورة الندبين ولا فرق بينهما
وبين الأخريين وقال في توجيه إباحة الثاني على تقدير الذهول ولا يرد كونه غير مكلف حالة الغفلة لأنه غير مكلف
بالمذهول عنه وكلامنا في المذكور ولا كونه على حالة لو ذكر لما جزم لأنا نعتبر جزمه حالة النية كما لو شهد العدلان ظاهرا
بالهلال فصام فإنه على حاله لو علم فسقهما لما جزم وقد حكموا بصحة صومه على تقدير ثبوت الهلال بغيرهما بعد ذلك ويمكن فرض
الواجبين كذلك فيمن تيقن الحدث وشك في الطهارة أو تيقنهما ولا يعلم حاله قبل زمان الطهارتين ثم ذكر بعد الطهارة
الثانية تقدم الحدث على الأولى فإنه سوغ له الطهارة بجزم معتبر شرعا واعلم أنه على القول بالاجتزاء بنية القربة تصح
الصلاة على جميع التقادير لسلامة طهارة قطعا وهو واضح وكذا على القول بأن المجدد يرفع الحدث كما اختاره الشيخ في المبسوط
والمحقق في المعتبر والشهيد في الدروس بناء على أنه طهارة شرعية قصد بها تحصيل فضيلة لا تحصل إلا بها فإن شرعية
المجدد لاستدراك ما عساه فات في الأولى فينبغي أن يحصل له ذلك والاستباحة إنما تكون معتبرة مع الذكر أما إذا ظن
المكلف حصولها فلا كيف وهم يعللون مشروعية المجدد بما قلناه ومثله استحباب الغسل أول ليلة من شهر رمضان تلافيا
لما عساه فات من الأغسال الواجبة والاتفاق واقع على أجزاء يوم الشك بنية الندب عن الواجب والصدقة بدرهم تمرا
كفارة لما لعله لزمه في الاحرام وفتح هذا الباب يؤدى إلى سد باب الاحتياط وأقول لابد قبل الحكم برفع الوضوء المجدد
من تحقيق حال نيته فإن الذي يظهر من كلام المصنف في التذكرة والنهاية أنه مقتصر فيه على نية القربة وإن المقصود به
زيادة التنظيف خاصة وعلى هذا فعدم حكمه بأنه رافع متوجه عند من لا يكتفى بها لكن الظاهر من كلام المحقق في المعتبر
بعد حكمه برفعه أنه لا بد فيه من نية استباحة الصلاة فلو نوى وضوءا مطلقا لم يرفع مع أنه حكم فيه بعدم نية الوجوب
في الوضوء الواجب فعلى هذا نية الوضوء المجدد على تقدير الحكم بالرفع كنية الأول و ح يتجه ما تقدم من التعليل
برفعه وهذا هو الظاهر من كلام الشهيد رحمه الله في الذكرى فإنه قال بعد نقله كلام المصنف بعدم رفعه معللا بعدم نية
45

الوجوب فيه ويشكل بأنا نتكلم على تقديرها وقال في موضع آخر أن ظاهر الأصحاب والاخبار إن شرعية التجديد للتدارك
فهو منوى به تلك الغاية وعلى تقدير عدم نيتها لا يكون مشروعا وفي هذا رد على المحقق حيث اقتضى كلامه جواز نية
الاستباحة في المجدد وعدمها وأنه يرفع في الأول دون الثاني وعلى المصنف مطلقا ولو تعددت الصلاة الواقعة بعد
الطهارة المعقبة بالتجديد مع ذكر الخلل المذكور أيضا معناه في هذا التركيب عودا إليه أي عد إلى كذا عودا فالحكم فيه كذلك
فانتصابه على المصدرية المعبر عنها بالمفعول المطلق قال ابن السكيت هو مصدر قولك آض يئيض أي عاد يقال آض فلان إلى
أهله أي رجع أعاد (الطهارة وصح) الصلاتين لما تقدم إذ لا فرق مع تطرق الاحتمال إلى الطهارة بين الصلاة المتحدة الواقعة بعدها
والمتعددة وكذا يعيد الصلاة الواقعة بين الطهارتين أيضا بطريق أولى بل الحكم بإعادتها جار على جميع الأقوال بخلاف
الواقعة بعد الطهارتين ولو تطهر وصلى وحدث والمراد مرتبا كما ذكر وإن كانت الواو لا تفيد الترتيب عند المصنف بل
الجمع المطلق ثم تطهر وصلى كذلك ثم ذكر اخلال عضو من إحدى الطهارتين مجهول بالنسبة إليهما وإن علم عينه في نفسه
كالوجه مثلا أعاد الصلاتين بعد الطهارة إن اختلفتا أي الصلاتان عددا كالمغرب والعشاء لفساد أحديهما يقينا
ولا يمكن الترديد للاختلاف وإلا أي وإن لم يكونا مختلفتين كالظهر والعصر فالعدد أي وجب إعادة فريضة بعدد
أحديهما مطلقة بينهما فيصلى في المثال المذكور رباعية يطلق فيها بين الظهر والعصر لان الفاسد أحديهما خاصة لان
الطهارتين رافعتان والاطلاق محصل لذلك على أصح القولين وأوجب الشيخ في المبسوط قضاء الصلاتين تحصيلا
لليقين حتى أوجب قضاء الخمس لو صلاها بخمس طهارات ثم ذكر الاخلال المذكور في إحدى الطهارات مع تخلل الحدث
بين كل طهارة وصلاة منها وعلى ما ذكره المصنف هنا يجزيه في هذا الفرض ثلث فرايض رباعية كما ذكر ويزيد فيها الاطلاق
على العشاء وصبح ومغرب لان الغاية فريضة واحدة مجهولة من الخمس ويتخير في تقديم أيها شاء وتوسيطه وتأخيره
ويتخير في الرباعية بين الجهر والاخفات لاحتمال كونها إحدى الظهرين أو العشاء ولا يمكن الجمع بين النقيضين ولو
كان الذكر في وقت العشاء نوى بالمغرب الأداء وردد في الرباعية بين الأداء والقضاء مع إن الشيخ رحمه الله وافق
الجماعة في الاجتزاء بثلث فرايض ممن فاته فريضة مجهولة من الخمس معولا على رواية مثل فيها بمن نسي فريضة فلم يقس
عليها لمخالفتها للأصل وهو وجوب الجزم في النية وفي الاطلاق ترديد وأجيب بأن الترديد مشترك الالزام لان من
أعاد الصلاتين يعلم قطعا بأن أحديهما ليست في ذمته للجزم بأن الفساد في إحدى الطهارتين خاصة فعند نية كل منهما
إنما يقصد الوجوب على تقدير الفساد ولا أثر لصورة جزمه لان ذلك هو المراد والجواب عنهما واحد وهو أن الجزم إنما
يعتبر إذا كان ممكنا وللمكلف إليه طريق وهو منفى في المسألتين والخبر ينبه عليه مع أن المتنازع لا يكاد يخرج عن
النسيان واعلم أن الوضوئين هنا يمكن فرضهما واجبين وهو واضح ومندوبين كما إذا توضى برئ الذمة من مشروط
به ثم صلى فريضة في وقتها ثم تأهب للأخرى قبل وقتها وصلى ثم ذكر الاخلال ومتفرقين فمع تقدم الواجب كما
لو توضأ لصلاة في وقتها وصلاها ثم تأهب لأخرى قبل وقتها وبالعكس على العكس واستشكل شيخنا الشهيد رحمه
الله صورة الندبين والندب بعد الواجب لعدم الجزم ببرائة الذمة لما توضأ ندبا ثانيا لجواز أن يكون الخلل من
الأولى فتفسد صلاته وتصير في الذمة فيقع الندب في غير موضعه وللبحث في تأثير ذلك مجال لاستحالة تكليف الغافل
والفرض تجدد العلم بعد الصلاتين ولأنه كان مأمورا بإيقاعه على ذلك الوجه فيقتضى الاجزاء
النظر الثالث
من الأنظار الستة في أسباب الغسل وقد تقدم تحقيق السبب وأنه الوصف الظاهر المنضبط الذي دل الدليل على
46

كونه معرفا لحكم شرعي بحيث يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته إنما يجب الغسل بالجنابة بفتح الجيم والحيض
والاستحاضة على تفصيل يأتي والنفاس بكسر النون ومس الأموات من الناس بعد بردهم بالموت وقبل الغسل للواجب (اختيارا صح)
ويدخل في الغسل من قدم غسله ليقتل فلا يجب بمسه غسل وكذا لا يجب بمس الشهيد لعدم وجوب الغسل عليه وخرج
به المتيمم ولو عن بعض الأغسال فيجب الغسل بمسه لفقد التطهير الحقيقي وخرج بالاختيار مغسل الكافر مع عدم المماثل
لعدم التطهير حقيقة أيضا واطلاق الغسل هنا أما بناء على الغالب أو لعدم إيجاب الغسل بمس المذكور لان فيه خلافا
وهذه الأسباب الخمسة لا خلاف فيها عندنا إلا في غسل المس فمنع السيد المرتضى من وجوبه وسيأتي ما يدل على الوجوب
وقوله وغسل الأموات لا يجوز عطفه على شئ من هذه الأسباب لفساد المعنى ح لأنه يصير التقدير إنما يجب الغسل بالجنابة
إلى آخره وبغسل الأموات فيصير غسل الأموات من جملة الأسباب وهو فاسد بل الأولى عطفه على الضمير المستتر في يجب
ليصير التقدير إنما يجب الغسل بهذه الأشياء وإنما يجب غسل الأموات مضافا إلى الأغسال المسببة عن هذه الخمسة وعلى
كل تقدير فلا تخالف العبارة عن ثقل ويمكن أن يكون قوله وغسل الأموات مبتدأ محذوف الخبر أي واجب وإنما غير
الأسلوب في العبارة لان غسل الأموات ليس على نهج الأغسال السالفة ولو قال بدل غسل الأموات والموت كما صنع شيخنا
الشهيد ليكون معطوفا على الأسباب المتقدمة لأنه بعضها كان أوضح وكل الأغسال لا بد معها من الوضوء قبلها أو بعدها
على المشهور خلافا للسيد المرتضى فإنه اكتفى بالغسل مطلقا استنادا إلى صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال
الغسل يجزى عن الوضوء وأي وضوء أطهر من الغسل بناء على أن هذا اللام للجنس وإن لام الجنس إذا دخل على اسمه
أفاد العموم والمقدمتان ممنوعتان لامكان حمل اللام على العهد ويراد به غسل الجنابة جمعا بينها وبين ما سيأتي
من الأخبار الدالة على اختصاص الحكم بغسل الجنابة نصا إلا غسل الجنابة فإنه لا وضوء معه عندنا وجوبا إجماعا
ولا استحبابا على المشهور لقوله تعالى حتى تغتسلوا غيا المنع بالغسل فلا يتوقف على غيره لوجوب مخالفة ما بعد
الغاية لما قبلها ولئلا يلزم جعل ما ليس بغاية غاية ولقول الصادق عليه السلام في كل غسل وضوء إلا الجنابة
ولصحيح ابن أبي عمير المرسل عن الصادق عليه السلام كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة وقد عمل الأصحاب بمراسيله
وقيل للباقر عليه السلام كان علي عليه السلام يأمر بالوضوء قبل غسل الجنابة فقال كذبوا على علي عليه السلام قال الله
تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا وفي حكايته عليه السلام للآية إشارة إلى أن المراد من الطهارة المأمور بها الغسل وقد
نقل المحقق في المعتبر إجماع المفسرين على ذلك وقد يقرر مع ذلك بأن الله سبحانه أمر مريد الصلاة بالوضوء المعبر عنه
بغسل الأعضاء المخصوصة ومسحها ثم قال وإن كنتم جنبا فاطهروا ولا يجوز أن يراد بالطهارة الوضوء لان التفصيل
قاطع للشركة ولا الوضوء والغسل معا لعدم جواز استعمال المشترك في معنييه عند المحققين ولو سلم فلا دليل على
إرادتهما معا من الآية لان الجواز لا يتحتم المصير إليه بل غيره وهو المتفق عليه أولى فتعين أن يراد به الغسل وحيث
كانت الأسباب الموجبة للغسل ستة كما عرفت فهيهنا مقاصد أربعة تشتمل على بيان الأسباب الستة وجمع بين
الاستحاضة والنفاس في مقصد لقلة مباحثهما بالنسبة إلى غيرهما وكذا جمع المس مع أحكام الميت لقلة أحكامه
المقصد الأول في ماهية الجنابة وأحكامها وهي مصدر قولك أجنب الرجل وجنب وأجتنب جنابة
ومنع بعض أهل العربية من الثاني قال لان معناه إصابته ريح الجنوب وهي في اللغة البعد وشرعا ما يكون سببا
للبعد عن أحكام الطاهرين من غيبوبة الحشفة أو قدرها في قبل أو دبر أو نزول المنى على ما يأتي تفصيله وهي
47

أي الجنابة تحصل للرجل والمرأة بل لجميع الناس على الأصح فلو فرض من الصغير جماع وجب عليه الغسل
عند البلوغ
بسبب الجنابة الأولى فتخلف الحكم عنه لفقد شرط لا يخرجه عن السببية وأما إنزال المنى فقد يفرض مع عدم تحقق الرجولية
ويكون حينئذ سببا فيها لان المنى ليس دليلا على سبق البلوغ بل موجدا له كما سيأتي فالتعبير بالرجولية غير جيد ومثله
القول في المرأة فإنها تأنيث المرء وهو لغة الرجل كما نص عليه أهل اللغة وحصولها بأحد أمرين بإنزال المنى مطلقا
يقظة ونوما بشهوة وبغير شهوة لقوله صلى الله عليه وآله إنما الماء من الماء ولا فرق بين نزوله من الموضع المعتاد
الخلقي أو من غيره مطلقا مع تحقق إنه منى عند المصنف للعموم واختار الشهيد إلحاقه بالحدث الأصغر الخارج من غير
المعتاد فيعتبر فيه الاعتياد أو انسداد الخلقي وإن اعتبرنا هناك العدة احتمل اعتبار الصلب هنا لأنه يخرج منه وقربه
المصنف في النهاية ويعتبر في الخنثى خروجه من فرجيه لا من أحدهما إلا مع الاعتياد ويأتي على إطلاق المصنف المتقدم عدم
اعتبار الاعتياد هنا مع تحقق المنى وبالجماع في قبل المرأة حتى تغيب الحشفة فيه مع سلامتها أو الباقي منها إن لم يذهب
المعظم أو قدرها من مقطوعها لأنه في معناها لقوله عليه السلام إذا التقى الختانان وجب الغسل والمراد بالتقائهما
تحاذيهما لعدم إمكان الالتقاء حقيقة فإن موضع الختان في المرأة على الفرج ومدخل الذكر في أسفله وبينهما ثقبة
البول وذكر الختانين لا ينفى الحكم عما عداهما فلو فرض انتفاؤهما أو أحدهما ثبت الحكم على الوجه المتقدم لقوله عليه السلام
إذا أدخله فقد وجب الغسل والجماع في دبر الآدمي سواء كان ذكرا أم أنثى أم خنثى كذلك أي كالجماع في قبل المرأة وإن
لم ينزل الماء على الأصح أما دبر المرأة فادعى السيد المرتضى عليه الاجماع ولقول الصادق عليه السلام هو أحد الماء تبين
فيه الغسل وما ورد من الاخبار مما يدل بظاهره على عدم الوجوب مأول بما يحصل به الجمع بينهما وذهب الشيخ في الاستبصار
والنهاية إلى عدم الوجوب بالايلاج في دبرها وأما الذكر فاستدل السيد عليه أيضا بالاجماع المركب بمعنى إن كل من قال
بوجوب الغسل في دبر المرأة قال به في دبر الذكر مع أنه نقل في الأول الاجماع ويلزم منه إن لا قائل بعدم الوجوب
في الثاني ورده المحقق في المعتبر وقال لم أتحقق إلى الآن ما ادعاه فالأولى التمسك فيه بالأصل وعنى به عدم وجوب
الغسل لسببه ويندفع بأن الاجماع المنقول بخبر الواحد حجة فكيف بمثل السيد والخنثى لا يخرج عنهما فدليلهما يشمله
واطلاق المصنف الآدمي والمرأة شامل للحي والميت والحكم فيه كذلك للعموم وتقييده بالآدمي يقتضى بظاهره عدم وجوب
الغسل بالايلاج في فرج البهيمة ولا نص فيه على الخصوص وأصالة البراءة يقتضى عدمه واختار المصنف في النهاية
وجوبه لفحوى إنكار علي عليه السلام على الأنصار حيث لم يوجبوا الغسل في وطئ القبل من غير إنزال بقوله أتوجبون
عليه الرجم والحد ولا توجبون عليه صاعا من ماء ويمكن الاحتجاج له أيضا بقوله عليه السلام ما أوجب الحد أوجب الغسل
ولفظة ما وإن كانت من صيغ العموم إلا أنها مخصوصة بما عدا الأسباب الموجبة للحد التي قد أجمع على عدم إيجابها الغسل
كالقذف فيدخل المختلف فيه في العموم وتوقف المصنف في النهاية في وطئ البهيمة مع جزمه بوجوب الغسل لو غاب فرج
الميت أو الدابة في فرجه وفي الفرق نظر وشمل إطلاقه الآدمي والمرأة الحي والميت والفاعل في جميع ذلك كالمفعول
والخنثى باعتبار الدبر كغيره وهو داخل في إطلاق الآدمي كما عرفت فيجب عليه الغسل بإيلاج الواضح في دبره دون
الخنثى لاحتمال الزيادة في الفاعل وباعتبار القبل لا يجب عليه الغسل إلا باستعمال الفرجين معا مع واضح فلو أولج
أحدهما في واضح وأولج في الاخر من واضح وجب عليه الغسل ولا يجب على الواضح على الأصح وأوجبه المصنف في التذكرة
محتجا بصدق التقاء الختانين ووجوب الحد به فيهما منع نعم يصير الواضحان كواجدي المنى في المشترك فيقطع فيهما
48

بجنب كما يأتي ولو توالج الخنثيان فلا شئ للشك في الحدث باحتمال الزيادة والمعتبر في الجماع ما كان محققا فلو رأى في
منامه أنه جامع وانتبه فلم يجد منيا فلا غسل وإن وجد رطوبة لا تشتمل على بعض أوصافه لأصالة الطهارة ولو اشتبه المنى
أي اشتبه الخارج هل هو منى أم لا اعتبر بالشهوة المقارنة له بحيث يتلذذ بخروجه والدفق وهو خروجه في دفعات لقوله
تعالى من ماء دافق وفتور الجسد بعده بمعنى انكسار الشهوة ويعتبر أيضا بالرائحة فإنه يشبه رائحة الطلع والعجين ما دام
رطبا ورائحة بياض البيض جافا وهذه الخواص الأربع متلازمة غالبا ولو فرض انفكاكها لم يشترط في الحكم به اجتماعها
بل يكفي واحدة منها وقوله وفي المريض لا يعتبر الدفق إشارة إلى أنه لا يشترط اجتماعها وهو مبنى على الغالب من عدم انفكاكها
وإن الانفكاك يتفق في المريض وإلا فلو فرض الانفكاك اكتفى بواحدة منها وإن لم يكن مريضا كما قلناه وقد صرح
به المصنف في النهاية لكن يفهم من عدم اعتبار الدفق فيه اشتراط اجتماع الشهوة عنده وانكسارها بعده بالمفهوم المخالف وليس مرادا
بل على تقدير العمل به يبنى على الغالب حتى لو فرض عدم الشهوة في المريض أصلا مضافا إلى عدم الدفق لضعف قوته اعتبر
الخارج بالرائحة خاصة وعلى هذا لو خرج المنى بلون الدم لاستكثار الجماع وجب الغسل تغليبا للخواص مع احتمال
العدم لأنه في الأصل دم فإذا خرج على لونه أشبه سائر الدماء ولو وجد المكلف على شئ من جسده أو ثوبه أو فراشه
المختص بلبسه أو النوم عليه حين الوجدان وإن كان يلبسه أو ينام عليه هو وغيره تناوبا منيا وجب على الواجد الغسل
حينئذ ولو كان صبيا حكم ببلوغه إن كان ذلك في سن يمكن حصوله فيه وهو اثني عشر سنة فصاعدا كما ذكره المصنف
في المنتهى ويحكم بنجاسة الثوب أو البدن في أقرب أوقات احتمال تجدده ويعيد الصلاة ونحوها الواقعة بعد ذلك
الوقت خاصة على الأصح لأصالة عدم التكليف بالزائد واستصحابا ليقين الطهارة فلا يرفعه احتمال الحدث ويعتبر
عن هذا القول بإعادة كل صلاة يعلم عدم سبقها (أو لا يحتمل سبقها صح) وهو آخر نومه أو جنابة ظاهرة واحتاط الشيخ رحمه الله له بإعادة
كل صلاة لا يعلم سبقها وهو من أول نومه أو جنابة ظاهرة وقعت في الثوب لتوقف اليقين بالبراءة عليه هذا كله
بالنسبة إلى الحدث وأما الخبث فيبنى على إعادة الجاهل بالنجاسة أولا فيما حكم بحصوله فيه لكن حكم الخبث هنا يدخل
في حكم الحدث لعدم الانفكاك ولو فرض تمشى الحكم والخلاف ولا يجب الغسل لو وجده في المشترك ثوبا وفراشا نعم
يستحب لهما الغسل وينويان الوجوب كما في كل احتياط ولو علم المجنب منهما بعد ذلك ففي الإعادة نظر تقدم مثله في
الوضوء ويتحقق الاشتراك بالنوم فيه أو عليه دفعة لا بالتناوب كما سبق بل يجب على صاحب النوبة خاصة وإن احتمل
سبقه ولو علم السبق سقط عنه ولم يجب على من قبله ما لم يتحقق أنه منه قيل ولا يقطع بجنب كما في المشترك لأصالة بقاء
الطهارة وعدم الدليل عليه وفيه نظر ولو نسي صاحب النوبة تعينه (يعينه خ ل) الحق بالمشترك ومع تحقق الاشتراك يقطع
بجنب فلا يكمل بالمشترك عدد الجمعة لبطلان صلاة واحد في نفس الامر قطعا ولو أيتم أحدهما بالآخر بطلت صلاة المأموم
خاصة للقطع بحدثه أو حدث أمامه فتبطل صلاته على التقديرين واستوجه المصنف الصحة لسقوط حكم هذه الجنابة في
نظر الشرع ولا ريب في جواز دخول المساجد دفعة وقراءة العزائم ونحوهما
ويحرم عليه أي على الجنب المدلول عليه التزاما
قراءة كل واحدة من سور السجدات العزايم وهي أربع سور سجدة لقمان وحم والنجم واقرأ وكذا يحرم عليه قراءة أبعاضها
حتى البسملة إذا قصدها منها بل لفظة بسم وهو إجماع وكذا يحرم عليه مس كتابة القرآن إجماعا ولقوله تعالى لا يمسه إلا
المطهرون وهو خبر معناه النهى لعدم الفائدة فيها لو أريد بها الخبر ولعدم مطابقة الواقع والنهى للتحريم وللاخبار ولا
فرق في المس بين باطن الكف وغيره من أجزاء البدن لشمول المس له لغة وهل يحرم المس بما لا تحله الحياة من أجزاء البدن
49

كالشعر والظفر الظاهر لا لعدم كونهما محل الحياة وحكم الحدث من توابعها ومن ثم يسقط بالموت وكذا لا يجب الغسل بمس
الميت به وإن نجس كما لا يجب بمسه من الميت ولا يخفى إن التحريم من باب خطاب الشرع المختص بالمكلف فلا يمنع الصبي منه
لعدم التكليف نعم يستحب للولي منعه تمرينا ولا فرق بين المنسوخ حكمه منه وغيره دون المنسوخ تلاوته ولا يلحق بالقرآن
الكتب الدينية كالحديث أو شئ مكتوب عليه اسم الله تعالى ولو كان على درهم أو دينار أو غيرهما لقول الصادق عليه السلام
لا يمس الجنب دينارا ولا درهما عليه اسم الله تعالى وهذه الرواية ذكرها الأصحاب في الدلالة وهي ضعيفة السند
لكنها مناسبة لما ينبغي من تعظيم اسم الله تعالى وأسماء أنبيائه والأئمة عليهم السلام المقصودة بالكتابة لمناسبة التعظيم
أيضا وجوزه هنا المحقق في المعتبر على كراهية لعدم الدليل على التحريم مع أنه قد روى عن الصادق عليه السلام في الجنب
يمس الدراهم وفيها اسم الله أو اسم رسوله قال لا بأس ربما فعلت ذلك وهذه الرواية إنما تدل على جواز مس الدارهم
المكتوب عليها ذلك خاصة ولا يتعدى إلى غيرها وجاز اختصاصها بالحكم لعموم البلوى ودفع الحرج وليست مستند المحقق
ولا مطابقة لقوله لتخصيصه الحكم باسم النبي والامام وتعميمه الرخصة في الدراهم وغيرها وكذا يحرم عليه اللبث بفتح
اللام وسكون الباء على غير قياس في المساجد للخبر ولقوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل والمراد من الصلاة في
صدر الآية مواضع الصلاة لدلالة العجز عليه أو يريد الصلاة ومكانها على طريق الاستخدام كما ذكره بعض أهل البيان
إلا أنه غير الاستخدام المشهور ووضع شئ فيها أي في المساجد على الأصح خلافا لسلار فإنه كرهه خاصة بل كره
اللبث في المساجد أيضا ولم يفرق بين المسجدين وغيرهما ومستند التحريم ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه قال نعم ولكن لا يضعان في المسجد شيئا وخص بعض
المتأخرين تحريم الوضع باستلزام اللبث وهو ضعيف لعموم النص واستلزامه عدم فائدة ذكر الوضع لان اللبث
سبب تام في التحريم سواء حصل معه وضع أم لا والاجتياز أي السلوك في المسجدين مسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه
وآله دون غيرهما من المساجد فإنه يباح الاجتياز فيها على كراهة لما روى عن أبي عبد الله عليه السلام حيث سأل عن
الجنب يجلس في المسجد قال لا ولكن يمر فيها إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ولا يشترط في جواز الاجتياز في
باقي المساجد أن يكون للمساجد بابان يدخل من أحدهما ويخرج من الاخر بل صدق السلوك وعدم اللبث مع احتماله
نعم ليس له التردد في جوانب المسجد بحيث يخرج عن اسم المجتاز قطعا لأنه كالمكث وهذا كله مع الاختيار فلو اضطر جاز
المكث في جميع المساجد تيمما فإن أمكن التيمم خارجا وجب وإلا جاز بتراب المسجد ويعيده كلما الحدث ولو أصغر
ويكره
له الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق أو الوضوء للخبر فإن أكل أو شرب قبل ذلك خيف عليه البرص و
روى أنه يورث الفقر ويتعدد بتعدد الأكل والشرب مع التراخي لا مع الاتصال وكذا يكره له مس المصحف وحمله بغير
علاقة أما بها فلا بأس قاله المصنف وفيه نظر والنوم إلا بعد الوضوء للخبر ولاستحباب النوم على طهارة وإن كانت
ناقصة كالتيمم مع وجود الماء فكذا يكفي فيه الوضوء عن الغسل والغسل أفضل والخضاب له بحناء وغيره وكذا يكره
أن يجنب وهو مختضب وكل ذلك للرواية وقراءة ما زاد على سبع آيات في جميع أوقات جنابته فلا يشترط التوالي قيل
ويصدق السبع ولو بواحدة مكررة سبعا وحرم ابن البراج قراءة ما زاد على السبع ونقل عن سلار في أحد قوليه
تحريم القراءة مطلقا لما روى عنه صلى الله عليه وآله لا يقرء الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن وعن علي عليه السلام
لم يكن يحجب النبي صلى الله عليه وآله عن قراءة القرآن شئ سواء الجنابة قلنا يحمل على الكراهة إن صح السند جمعا بينها وبين
50

غيرها من الاخبار كصحيح الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن وصحيح الحلبي عن
الصادق عليه السلام في الحائض والجنب والمتغوط يقرؤن ما شاؤوا واحتج أيضا باشتهار النهى عن قراءة القرآن للجنب والحائض في
عهد النبي صلى الله عليه وآله بين الرجال والنساء ومن ثم تخلص عبد الله بن رواحة وكان أحد النقباء من تهمة امرأته بأمته
بشعر موهما القراءة فقالت صدق الله وكذب بصري فأخبر النبي صلى الله عليه وآله فضحك حتى بدت نواجده وتشتد
الكراهة بل الظاهر من كلام الشيخ في كتاب الاخبار التحريم فيما زاد على سبعين آية والاحتجاج على تحريم ما زاد بالاذن
في قراءة السبع أو السبعين ضعيف فإن قراءة ما زاد على العدد أعم من التحريم بل يجوز أن يكون مكروها أو مباحا ويجب عليه
أي على المجنب الغسل بسبب الجنابة وإن لم يكن مخاطبا بمشروط بالطهارة عند المصنف فوجوبه عنده لنفسه بمعنى أنه سبب تام
في وجوب الغسل شرها وإن كانت الذمة بريئة من عبادة مشروطة بالغسل محتجا بالأدلة الدالة بإطلاقها أو عمومها على
ذلك كقوله صلى الله عليه وآله إذا التقى الختانان وجب الغسل وإنما الماء من الماء وإن كنتم جنبا فاطهروا ولأنه لو لم يجب
إلا لما يشترط فيه الطهارة لما وجب أول النهار للصوم والثاني باطل إجماعا فالمقدم مثله والملازمة ظاهرة والأكثر على
إن وجوبه مشروط بوجوب شئ من الغايات المتقدمة كباقي أغسال الاحياء إذ لا خلاف بينهم في وجوبها لغيرها ومما
يدل على اشتراك هذه الأغسال غير غسل الميت في تعلق وجوبها بوجوب الغايات تضيقها بتضيق وقتها واتساعها
بسعته فلا وجه لاخراج غسل الجنابة من البين ويدل على الجميع أيضا ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام
أنه قال إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ولا صلاة إلا بطهور وفي إذا معنى الشرط فينتفى المشروط بانتفائه لان مفهوم
الشرط حجة عند كثير من الأصوليين ومنهم المصنف قال الشهيد رحمه الله وهذا الخبر لم يذكره المتعرضون لبحث هذه المسألة وهو
من أقوى الاخبار دلالة وسندا أورده في التهذيب في باب تفصيل واجب الصلاة ويدل على وجوب محل النزاع لغيره وعلى
الخصوص عطفه على الوضوء المشروط بالصلاة إجماعا في قوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا وعطف التيمم عليه المشروط بها
أيضا اتفاقا فلولا كون حكمه كك لزم تهافت كلامه تعالى بتوسيطه معطوفا بين عبادتين مشروطتين كذلك مصرحا
بالاشتراط في أولهن بقوله إذا قمتم والحكم إذا صدر بأداة الشرط لزم من انتفائه انتفاؤة قضية للاشتراط فلا يرد إن
الايجاب لأجل الصلاة لا ينفى الوجوب بدونها والمصنف رحمه الله أجاب عن ذلك بالمنع من مساواة المعطوف للمعطوف عليه
في الحكم مع أنه قد ادعى في غير موضع التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه فمنعه هنا خاصة غريب مع إنك قد عرفت
أنا لو سلمنا عدم لزوم المساواة فالاحتجاج بها باق باعتبار توسط الغسل بين طهارتين مشروطتين ويدل عليه أيضا
صحيح الكاهلي عن الصادق عليه السلام في المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل هل تغتسل قال قد جاءها ما يفسد
الصلاة فلا تغتسل علل عليه السلام عدم الغسل بمجئ ما يفسد الصلاة عاطفا بفاء التفريع فدل بالايماء على أن وجوب الغسل
إنما كان ناشئا عن وجوب الصلاة وإلا لزم عدم مطابقة الجواب للسؤال إذ لا يلزم من إبطال الصلاة إبطال الطهارة
والمسؤول عنه إنما هو فعل الغسل حال الحيض فالجواب عنه بمجئ مفسد الصلاة لو لم يرد ما قلناه غير مطابق سيما والإمام عليه السلام
قد علم من قول السائل بمجئ المفسد لها فهو مثل قوله عليه السلام أينقص إذا جف في الايماء إلى التعليل فدلالة
الخبر حينئذ ليست من باب المفهوم كما أورده المصنف في المنتهى وما ذكر من الأخبار الدالة على أن وجوبه معلق على الالتقاء والماء
ونحوهما غير مقيد باشتراط وجوب عبادة مشروطة بالغسل معارض بالأوامر الدالة على وجوب الوضوء وباقي الأغسال
غير مقيدة بالصلاة كقول النبي صلى الله عليه وآله من نام فليتوضأ وقول علي عليه السلام من وجد طعم النوم وجب عليه
51

الوضوء وقول الرضا عليه السلام إذا خفى الصوت وجب الوضوء وقول الصادق عليه السلام غسل الحايض واجب و
غسل الاستحاضة واجب وغسل من مس ميتا واجب وكالحكم بوجوب غسل الثوب والبدن والاناء من النجاسة مع
الاتفاق
على أن المراد بذلك الواجب المشروط ومهما أجاب عن ذلك فهو الجواب عما احتج به لغسل الجنابة قال في الذكرى والأصل
في ذلك أنه لما كثر علم الاشتراط أطلق الوجوب وغلب في الاستعمال انتهى ولا يرد أن تقييد إطلاق تلك الأخبار ليس
بأولى من تقييد مفهوم خبر زرارة المتقدم ونحوه بما عدا غسل الجنابة فإن المرجح فيه أصالة براءة ذمة المكلف من
الطهارة عند الخلو من مشروط بها مضافا إلى ما ذكر من المعارضة وحديث الملازمة بين وجوبه لغيره وعدم وجوبه
للصوم ممنوع بل قيل أنه من قبيل المغالطة للاجماع من غير الصدوق على اشتراط الصوم بالغسل على بعض الوجوه وقد
تقدم القول فيه وأما غسل الأموات فلا خلاف في وجوبه لنفسه والفرق بينه وبين غيره أن تلك شروط العبادات
مخصوصة تتضيق بتضيق وقتها وتتسع بسعته كما تقدم ولا كذا غسل الأموات بل وجوبه بأصل الشرع ثابت باعتبار
ذاته وتربت الصلاة عليه على الغسل واشتراط صحتها به من قبيل الوجوب المرتب كترتب التكفين على الغسل والدفن
على الصلاة ومن ثم ترى وجوب الغسل منفكا عن وجوب الصلاة في الطفل والصلاة منفكة عن وجوب الغسل في الشهيد
وذلك يدل على عدم الاشتراط وجودا وعدما وباقي الطهارات ليست كك لاستحالة انفكاك المشروط عن الشرط قضية
للاشتراط ولا يلزم مثل ذلك في غسل الجنابة بالنسبة إلى ما يتربت عليه من العبادة لما تقدم من الأدلة ولاشتراط
نية الرفع أو الاستباحة فيه عند مدعى وجوبه لنفسه وهو آية اشتراطها به مع أن القول باخراج غسل الجنابة
من بينها غير معروف لاحد من المتقدمين وإنما هو قول حادث والمصنف اعترف بذلك في المخ والمنتهى حيث أطلق حكاية
الخلاف عن المتأخرين ومن ثم قال شيخه المحقق في المسائل المصرية اخراج غسل الجنابة من بين سائر الأغسال تحكم
بارد وقال الشهيد رحمه الله في البيان تحكم ظاهر وتظهر فائدة القولين في أمرين أحدهما إن الجنابة على الأول سبب تام
في إيجاب الغسل فمتى حصلت للمكلف وجب عليه الغسل وإن كانت ذمته بريئة من عبادة مشروطة به (لكن الوجوب موسع مع عدم تضيق عبادة مشروطة به صح) وعلى الثاني تكون
الجنابة سببا ناقصا وإنما تتم عند شغل الذمة بمشروط به فينوي الوجوب حينئذ ولو أراد الاغتسال بعدها وقبل
اشتغال الذمة بالمشروط به نوى الندب ورفع الحدث أو الاستباحة ويدخل به في الصلاة ونحوها بعد تمام سبب
الوجوب كالوضوء المندوب كذلك وثانيهما لو ظن الوفاة قبل شغل ذمته بالمشروط به وجب عليه المبادرة إلى الغسل على الأول
كما في العبادات الموسعة فلو أخر إلى وقت يظن فيه الموت عصى ولا يجب على الثاني لعدم تحقق الوجوب
ويجب فيه
أي في
الغسل النية المشتملة على التقرب إجماعا والوجه وأحد الامرين على ما فصل في الوضوء وأكثر ما هناك من البحث آت هنا
ويزيد هنا اشتراط أحد الامرين ضعيفا على مذهب المصنف من وجوبه لنفسه باعتبار عدم دلالة إذا قمتم إلى الصلاة عليه
ووقتها فعلا عند الشروع في مستحبات الغسل كغسل اليدين والمضمضة والاستنشاق أو واجباته كغسل الرأس في
الترتيب وجزء من البدن في الارتماس وقد تقدم تفصيله في الوضوء إلا أن المصنف وغيره ذكر أن غسل اليدين هنا غير
مشروط بما ذكر في الوضوء وفيه تأمل مستدامة الحكم بمعنى أن لا ينوى منافيا للنية أو لبعض مشخصاتها أو البقاء
على حكمها أو العزم على مقتضاها كما مر حتى يفرغ من الغسل فلو نوى في الأثناء منافيا بطلت النية فلو عاد استأنف
النية للباقي إن لم يطل الفصل مطلقا أو طال ولم يكن الغسل مما يشترط فيه الموالاة كغسل الاستحاضة وإلا أعاد الغسل
من رأس ولو أخل بالموالاة فيما لا تعتبر فيه ثم عاد إلى الباقي لم يفتقر إلى نية مستأنفة وإن طال الزمان مع بقاء
52

الاستمرار الحكمي وأوجب المصنف في النهاية تجديد النية متى أخر بما يعتد به ليتميز عن غيره وتبعه في الذكرى مع طول
الزمان ولا فرق في تأثير نية المنافى بين وقوعها حالة الذهول والذكر لضعف الاستدامة الحكمية في جانب الابتداء الحقيقي
ويجب غسل بشرة جميع الجسد بأقله أي بأقل الغسل وهو ما اشتمل على الجريان كما في الوضوء تحقيقا لمسمى الغسل فلا يكفي الامساس
من دونه والمراد بالبشرة ظاهر الجلد واحترز بها عن الشعر ولا يجب غسله إلا أن يتوقف غسل البشرة عليه فيجب مقدمة لا
أصالة فلا يجب على المرأة نقض الضفاير إذا وصل الماء إلى ما تحته بدونه وكذا يجب تخليل ماء أي الشئ الذي لا يصل إليه أي
إلى الجسد المذكور وسابقا والمراد ما تحته منه أو يريد بوصوله إليه وصوله إلى ما تحته من البشرة مجازا وليس المراد به ما يظهر
من العبارة من إن أصابة الماء للشئ المخلل يكفي عن وجوب تخليله فإن منه ما لا يجب غسله كالشعر والخاتم ولا يكفي وصول
الماء إليه إلا أن يريد بوصول الماء إليه وصوله إلى جميع أجزائه المستلزم ذلك غالبا غسل ما جاوره من البشرة أو يحمل على
ما يجب غسله كمعاطف الاذنين والإبطين وما تحت ثدي المرأة فإنه يجب تخليله إذا لم يصل الماء إلى جميع أجزائه إلا به
أي بالتخليل وذلك كالشعر سواء خف أم كثف لما روى أن تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة وسقوط
تخليل الكثيف الكاين في وجه المتوضئ لان الامر فيه مختص بالوجه وأخذه من المواجهة فينتقل الاسم إلى الشعر بخلافه في
الغسل لخروجه عن اسم البدن والبشرة وعلى هذا فيجب في الوضوء تخليل شعر اليدين وإن كثف لتوقف غسل اليد عليه
وعدم انتقال الاسم إليه واستقرب في الذكرى غسله أيضا لأنه من توابع اليد وكذا يجب في الغسل الترتيب بين أعضائه
الثلاثة يبدأ في الغسل بالرأس مع الرقبة ثم بالجانب الأيمن ثم الأيسر وهو من تفردات علمائنا ونقل الشيخ إجماعنا
عليه واحتج عليه مع الاجماع بما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام حيث سأله كيف يغتسل الجنب فقال إن
لم يكن أصاب كفه شئ غمسها في الماء ثم بدأ بفرجه فأنقاه ثم صب على رأسه ثلث أكف ثم صب على منكبه الأيمن مرتين
وعلى منكبه الأيسر مرتين فما جرى عليه الماء فقد أجزاه ونحوه رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام وروى العامة عن
عائشة في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله مثله وهذه الروايات دلت صريحا على تقديم الرأس على غيره لعطف اليمين
عليه بثم الدالة على التعقيب وأما تقديم الأيمن على الأيسر فاستفيد من خارج إن لم نقل بإفادة الواو الترتيب كما ذهب إليه
الفراء بل على الجمع المطلق أعم من الترتيب وعدمه كما هو رأى الجمهور إذ لا قائل بوجوب الترتيب في الرأس دون البدن فالفرق أحداث
قول ثالث ولأن الترتيب قد ثبت في الطهارة الصغرى على هذا الوجه وكل من قال بالترتيب فيها قال بالترتيب في غسل الجنابة
فالفرق مخالف للاجماع المركب فيهما وما ورد من الاخبار أعم من ذلك يحمل مطلقها على المقيد
والترتيب واجب في جميع أنواع
الغسل إلا في غسل الارتماس تحت الماء دفعة واحدة عرفية بحيث يشمل الماء البشرة في زمان قليل فإنه يسقط الترتيب فعلا
ونية وحكما وكذا يسقط الترتيب في شبه الارتماس كالوقوف تحت المجرى والمطر الغزيرين كما اختاره المصنف في غير هذا الكتاب
وإن كان ظاهره هنا وجوب الترتيب فيه كما اختاره ابن إدريس ومال إليه المحقق في المعتبر وألحق بعضهم بهما صب الاناء الشامل
للبدن وهو الظاهر من كلام من أطلق القول بشبه الارتماس كالمصنف وغيره وجعله في الذكرى لازما للشيخ حيث صرح بالمطر
والمجرى خاصة ووجه اللزوم مع المساواة في المعنى إن النص إنما ورد في المطر فذكر الشيخ القعود تحت المجرى يدل على التعدية
إلى ما يساوى المطر في المعنى وهذا لازم أيضا في الحقيقة لكل من ذكر مع المطر شيئا من ميزاب أو شبهه أو غيرهما فلا
وجه للتوقف فيه على الخصوص بل ينبغي أما إدخاله أو تخصيص الحكم بالمطر ومستند الأول مع الاجماع قول أبى عبد الله
عليه السلام ولو أن رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزاه ذلك وإن لم يدلك جسده ونحوه والثاني مع مساواته
53

الأول في وحدة شمول الماء عرفا ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام حين سأله عن الرجل يجنب هل يجزيه من
غسل الجنابة أن يقوم في القطر حتى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك قال إن كان يغسله اغتساله بالماء
أجزاه ذلك وأجود ما يقرر في وجه الاستدلال به أنه عليه السلام حكم بصحة الغسل به على تقدير مساواته للغسل بالماء
في غيره ومعلوم أن الغسل بغيره ينقسم إلى ترتيب وارتماس فيلحق بما أشبهه لأنه عليه السلام ألحقه بالمشابه في قوله إن كان
يغسله اغتساله لان كاف التشبيه مقدرة في اغتساله أو يقدر مصدرا موصوفا تقديره إن كان يغسله غسلا مساويا
اغتساله وإن كان كك فإن كان الماء غزيرا بحيث يغسله دفعة عرفية كالمرتمس ارتماسة واحدة كان كالارتماس في
الحكم وإن تراخى وحصل معه الجريان على الأعضاء كان كغسل الترتيب وهذا توجيه واضح وبه يندفع قول المحقق في المعتبر
إن هذا الخبر مطلق فينبغي أن يقيد بالترتيب في الغسل إذ لا مقابل له حتى يقيد بالترتيب للاجماع على صحة الارتماس
وما يتخيل من عدم المساواة لعدم صدق الدفعة هنا بل لا بد في استيعاب جميع البشرة من زمان أطول من زمان الارتماس
يندفع بما ذكرناه من أن المراد به الدفعة العرفية القليلة الزمان لا اللغوية لتخلفها في المرتمس ذي الشعر الكثيف وفي
السمين ذي العكن ببطنه فإن تخليل ذلك لا بد من احتياجه إلى زمان مع الاجماع على جواز الارتماس فيه وكذا من كان
قائما في الماء على شئ لا بد في غسل الملاصق من رجليه من زمان بعد غمس بدنه إلا بتقدير مشقة شديدة لا يدل
عليها ما يدل على أجزاء الارتماس وإن إرادة الوحدة العرفية تدفع ذلك كله مع أن الحقائق العرفية مقدمة
على اللغوية على ما تقرر في الأصول ومنه يعلم عدم وجوب مقارنة النية في الارتماس لجميع البدن بل لجزء منه مع اتباع
الباقي بغير مهلة ويندفع أيضا بما قررناه في توجيه الخبر ما ذكره موجب الترتيب قصدا حيث قال كما حكاه عنه
المصنف في المخ أنه عليه السلام علق الاجزاء على مساواة غسله عند تقاطر المطر لغسله عند غيره وإنما يتساويان لو اعتقد
الترتيب كما أنه في الأصل مرتب وأنت قد علمت أنه أعم من ذلك فلا وجه لهذا التخصيص كما لا دلالة على اعتبار الترتيب الحكمي
وأصالة البراءة وإطلاق الامر في الآية بالتطهير والاجزاء في الخبر يدفعه ونقل الشيخ في المبسوط إن الارتماس يتربت
حكما وأطلق قال في الذكرى وهو يحتمل أمرين أحدهما وهو الذي عقله الفاضل أنه يعتقد الترتيب حال الارتماس و
يظهر ذلك من المعتبر حيث قال وقال بعض الأصحاب يرتب حكما فذكر بصيغة الفعل المتعدى وفيه ضمير يعود إلى المغتسل
والامر الثاني إن الغسل بالارتماس في حكم الغسل المرتب بغير الارتماس وتظهر الفائدة لو وجه لمعة مغفلة فإنه يأتي
بها ولما بعدها ولو قيل بسقوط الترتيب بالمرة أعاد الغسل من رأس لعدم الوحدة المذكورة في الحديث وفيما لو نذر
الاغتسال مرتبا فإنه يبر بالارتماس لا على معنى الاعتقاد المذكور لأنه ذكره بصورة اللازم المستند إلى الغسل أي
يتربت الغسل في نفسه حكما وإن لم يكن فعلا وقد صرح في الاستبصار بذلك انتهى وأورد عليه المحقق الشيخ على الاشكال
من وجهين أحدهما منع الفرق بين عبارة الفاضل وما نقله في المعتبر حيث قارن الشهيد بينهما فجعل ذلك ظاهر
المعتبر وصرح الفاضل باعتبار النقل كما يفهم من قوله وهو الذي عقله الفاضل وعنى هذا المحقق بعبارة الفاضل
قوله في المختلف حكاية عن الشيخ قال وفي أصحابنا (من قال صح) يرتب حكما لأنه ذكره في حاشيته على هذا القول ثم قال والذي
في عبارة الفاضل لا يزيد على ما في عبارة المعتبر لان العبارتين واقعتان بصيغة الفعل المتعدى المشتمل على الضمير
العائد على المغتسل المنتصب بعده حكما على التمييز ولا يمتنع أن يراد به الامر الثاني بمعنى إن المرتمس في حكم المرتب
الثاني قوله إن قول الشيخ يحتمل أمرين فيه نظر لان نقل الشيخ أنه يترتب لا يراد به إلا الامر الثاني لان الترتيب
54

حكما لا ينطبق على اعتقاد الترتيب فإنه أعم منه ولا يحتمل الأول على أنه قد ذكر في توجيه الامر الثاني أنه ذكره بصورة اللازم
إلخ وهو ينافي الاحتمال الأول أقول هذان الايرادان ساقطان أما أولا فلان الشهيد رحمه الله نقل عن الفاضل رحمه الله
التصريح بتفسير الترتيب الحكمي باعتقاده من غير إشارة إلى موضع النقل فمن أين علم المعتر ض أن ذلك هو قوله في المخ وفي
أصحابنا من قال أنه يرتب حكما حتى يدعى مساواة نقله لنقل المعتبر نعم صرح بنقل المعتبر وبلفظه فكيف يتخيل فهم اختلاف
هاتين العبارتين من مثل المحقق الشهيد رحمه الله مع تساويهما فأول ما كان ينبغي عند عدم الوقوف على تصريح الفاضل
أن يشار إلى ذلك لا إلى حصر الحال فيما قبل وأما ثانيا فلان الفاضل قد صرح بذلك في المخ بعد ما نقله عنه المعترض
بأسطر في الاحتجاج لذلك القول بحديث علي بن جعفر المتقدم إلى قوله وجه الاستدلال أنه عليه السلام علق الاجزاء على
مساواة غسله عند تقاطر المطر لغسله عند غيره وإنما يتساويان لو اعتقد الترتيب كما أنه في الأصل مرتب انتهى فهذا
هو الدال على أن الفاضل عقل من معنى الترتيب الحكمي اعتقاده فإن هذا التوجيه لم يذكره الشيخ صريحا وإنما قرره
الفاضل له على هذا الوجه حسب ما فهمه من معناه فظهر الفرق بين عبارة الفاضل والمحقق في المعتبر وإنما جعل الشهيد رحمه
الله ذلك ظاهر عبارة المعتبر لأنه غير ما عبر به الشيخ في المبسوط حيث نقل عنه الشهيد الاتيان بلفظ يترتب بالتاء
المثناة من فوق قبل الراء وبعد الياء بخلاف لفظ المعتبر حيث نقله بلفظ المتعدى وحذف التاء المثناة من فوق وكذا
نقله الفاضل في المخ في الكلام الذي نقله عنه المعترض واتفاق الفاصلين في العبارة عن القول عادلين عن اللفظ اللازم
الذي نقله الشهيد عن المبسوط ثم يصرح الفاضل (رادة خ ل) بالاعتقاد في آخر البحث كما ذكرناه عنه يشعر ظاهرا بتساوي فهم الفاضلين
في ذلك فهذا هو السر في إطلاق الشهيد التصريح عن الفاضل وجعله ظاهر المعتبر وأما ثالثا فلان الاعتراض بأن كلام الشيخ
لا يحتمل إلا الامر الثاني ولا يحتمل الأول مبنى على ما فهمه من عدم العلم بتصريح الفاضل وإن ما حكاه عنه وعن المعتبر يحتمل
المعنى الثاني على أن المرتمس يكون في حكم المرتب وأما على ما بيناه فلا بد من ذكر الامرين أما الأول فلتصريح الفاضل به
وأما الثاني فلانه هو الموافق لتعبير المبسوط بصيغة اللازم وللاستبصار كما حكاه عنه وللأدلة المبينة أيضا بل هو الذي
استنبطه الشهيد رحمه الله من كلام الشيخ وحققه وإنما بدا بالأول لفهم الفاضل له وأما رابعا فلان قوله في
الاستدلال على نفى الأول إن الترتيب حكما أعم من اعتقاد الترتيب ولا يحتمل الأول غريب فإن كونه أعم لا يدل على نفيه بل
غايته عدم الدلالة عليه على الخصوص فكما لا يدل عليه لا ينفيه فيتخصص به بدليل خارجي وأيضا فإنه معارض بمثله
في الثاني فإن اعترافه بأنه أعم من الأول يستلزم أنه أعم من الثاني تحقيقا لمفهوم العموم فلا يدل عليه أيضا خصوصا
وقد بينا إن ذكر الشهيد له لا لترجيحه بل لاختيار الفاضل إياه وأما خامسا فلان قوله على أنه قد ذكر في توجيه الامر
الثاني أنه ذكره بصورة اللازم إلخ وهو ينافي الاحتمال الأول إنما يدل على أن الشهيد رحمه الله مرجح للاحتمال الثاني
ومقرر لما حكاه عن لفظ كتابي الشيخ أنه هو المراد وهذا لا ريب فيه لكن لا ينفى جعل ما فهمه الفاضل وصرح به احتمالا
خصوصا وقد غير عبارة الشيخ إلى صيغة المتعدى تبعا للمعتبر فإن الأصحاب وغيرهم يذكرون الاحتمال وإن ضعف ولم
يقل به أحد فكيف بما فهمه الفاضل العلامة رحمه الله فقوله إن ذكره بصورة اللازم ينافي الاحتمال الأول لا يدل على
نفى الاحتمال الأول في نفسه وإن كان المختار الثاني وإنما أطنبنا القول في هذه المسألة لوجه ما
ويستحب الاستبراء
للرجل المجنب بالانزال فلا استبراء على المرأة عند المصنف كما لا حكم للخارج منها بعده مشتبها فتكون كرجل استبراء
مع احتمال الإعادة لمن لم يستبرء واستحب جماعة استبراءها بالبول أو الاجتهاد وهو ضعيف للأصل وعدم النص و
55

اختلاف مخرجي البول والمنى فلا يفيد وكذا الاستبراء على المجنب بالجماع مع الاكسال لعدم فائدته سواء تيقن عدم الانزال أم جوز الانزال مع عدم
تيقنه وليس الاستبراء واجبا خلافا للشيخ في أحد قوليه والمراد بالاستبراء في عبارة الكتاب الاجتهاد في إزالة بقايا المنى المتخلفة في المحل بالبول أو
الاجتهاد بالاستبراء المعهود مع عدم إمكانه لا الاستبراء المعهود مطلقا بدليل قوله فإن وجد المغتسل للتبري المدلول عليه التزاما بالمصدر المنزل المدلول
عليه بالمقام لان الاستبراء مختص به بللا مشتبها بعده أي بعد الاستبراء والحال أنه بعد الغسل أيضا كما يدل عليه قوله لم يلتفت أي لم يعد الغسل لكن يجب عليه
على تقدير الاستبراء بالبول خاصة الوضوء لزوال أثر المنى بالبول وعدم الاستبراء بعده اقتضى كونه بولا كما قرروه في باب الوضوء وإنما أطلق عدم الالتفات
لان البحث عن الغسل والمراد بالمشتبه إن لا يعلم كونه منيا أو بولا أو غيرهما فلو علم لزمه حكمه وإن اجتهد وبدونه أي بدون الاستبراء المذكور يعيد الغسل ويتحقق
ذلك بعدم البول مع إمكانه وإن استبرأ وعدمهما معا فيعد الغسل في صورتين ولا يجب شئ في صورتين ويجب الوضوء خاصة في صورة وإنما ترك تفصيلها لعدم تعلقها
بباب الغسل وإن اقتضاها التقسيم والضابط أن البول مزيل لاجزاء المنى المتخلفة وكذا الاستبراء المعهود مع عدم إمكان البول والاستبراء بعد البول مزيل لاجزاء
البول وعليه تترتب الأقسام الخمسة ومستند هذه الأقسام أخبار كثيرة كرواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج
منه شئ قال يعيد الغسل قلت المرأة يخرج منها بعد الغسل قال لا تعيد قلت فما الفرق قال لان ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل وعنه في رواية حريز في الرجل
يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شئ قال يغتسل ويعيد الصلاة إلا أن يكون قد بال قبل أن يغتسل فإنه لا يعيد الغسل ودل على إعادته الوضوء خاصة قوله عليه السلام في رواية معوية
بن ميسرة في رجل رأى بعد الغسل شيئا إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضأ وإن لم يبل حتى اغتسل ثم وجد البلل فليعد الغسل ودل على إجزاء الاجتهاد مع عدم التمكن
من البول قوله في رواية جميل بن دراج في الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتى يغتسل ثم برى بعد الغسل شيئا أيغتسل أيضا قال لا قد تعصرت ونزل من الحبائل
ويستفاد حكم القادر على البول من الأخبار الدالة على أن من لم يبل يعيد الغسل فإنها تحمل على القادر على البول جمعا بين الاخبار وكذا يستحب إمرار اليد على الجسد
حال غسلها فيه من المبالغة في إيصال الماء إلى البشرة وهو المعبر عنه بالدلك وتخليل ما أي الشئ الذي يصل إليه الماء بدون التخليل كمعاطف الاذنين والإبطين
وما تحت ثديي المرأة والشعر الخفيف والمراد بوصول الماء إليه وصوله إلى ما تحته من البشرة وقد تقدم الكلام عليه والمضمضة والاستنشاق ثلثا ثلثا بعد غسل اليدين
ثلثا من الزندين وقد تقدم بيان ذلك كله والغسل بصاع هو تسعة أرطال بالعراقي وستة بالمدني للحديث المتقدم في الوضوء وغيره وقد اشتمل على النهى عن الزيادة
وإن مستقلة على خلاف سنته وهذا الصاع يتأدى به واجبات الغسل ومندوباته المتقدمة والمقارنة فيكون في قوة ثلاثة أغسال لاستحباب تثليث الأعضاء ويحرم التولية في
الغسل بصب الماء على الجسد والدلك حيث يحتاج إليه ونحوه ويكره الاستعانة فيه بنحو صب الماء في اليد ليغسل المكلف ونحوه على الوجه الذي تقدم في الوضوء
ولا فرق في الكراهة بين كونها قبل النية الشرعية أو بعدها بل المعتبر كونها بعد العزم على الغسل أو الوضوء والتعبير بالاستعانة وهي طلب الإعانة هنا وفي الوضوء يقتضى
عدم الكراهة لو أعان من لم يطلب منه والأخبار الدالة على الكراهة بدفعة كحديث الوشا أنه أراد الصب على الرضا عليه السلام فقال مه يا حسن فقلت له أتكره أن أوجر فقال
توجر أنت وأوزر أنا وتلا قوله تعالى
56

فمن كان يرجو لقاء ربه الآية فنهيه عليه السلام كان عن الإعانة مع عدم سبق الاستعانة وكذا غيره من الاخبار فلا فرق
في الكراهة بين تقدم الإعانة وعدمه لكن الاستعانة عبارة الأكثر ويمكن أن يقال في شمولها لمطلق الإعانة إن باب
استفعل قد يأتي لغير طلب الفعل بل للفعل نفسه كاستقر واستعلى واستبان بمعنى قر وعلا وبان وكاستيقن واستبان
بمعنى أيقن وأبان فيحمل كلامهم على ذلك وذكر ابن مالك في التسهيل أنها تأتي للاتخاذ كاستأجر ويمكن الحمل عليه أيضا
وذكر جماعة من المفسرين إن معنى قوله تعالى استوقد نارا حتى أوقد فهو حينئذ من هذا الباب إن قيل حمله على ذلك
يوجب اختصاص الكراهة بالمعين لأنه موجد الإعانة والتكليف إنما يتوجه إلى الفاعل قلنا لما دل النص على تعلق النهى
بالمتوضي تعين صرف الحكم إليه بمعنى إنه يكره له طلبها ابتداء وقبولها إن عرضت عليه لان المصدر لا يتحقق في الخارج هنا
اختيارا إلا مع قبول المتوضي وأما العين فيمكن دخوله في العبارة أيضا لأنه موجد الإعانة حقيقة فيتعلق به الكراهة
أيضا ولأنه معين على المكروه وقد قال تعالى تعاونوا على البر والتقوى ومثله البيع بعد الندى يوم الجمعة إذا كان
أحدهما غير مخاطب بها
ولو أحدث المغتسل في أثنائه أي في أثناء غسل الجنابة وما في قوله بما نكرة موصوفة أي بحدث يوجب
الوضوء أعاده أي الغسل من رأس على أصح الأقوال الثلاثة لان غسل الجنابة يرفع أثر الحدث الأكبر والأصغر على تقدير
وجوده قبل الغسل فهو مؤثر تام لرفعهما مع فكل جزء منه مؤثر ناقض في رفعهما بمعنى أن له صلاحية التأثير ولهذا
لو أخل بلمعة يسيرة من بدنه لم يرتفع الحدث أصلا لان كمال التأثير موقوف على كل جزء من الغسل فإذا فرض وعرض
حدث أصغر في أثنائه فلا بد لرفعه من مؤثر تام وهو أما الغسل بجميع أجزائه كما قررناه أو الوضوء والثاني منتفي في
غسل الجنابة للاجماع على عدم مجامعة الوضوء الواجب له وما بقي من أجزاء الغسل ليس مؤثرا تاما لرفعه فلا بد من إعادته
من رأس وهذا الدليل كما دل على وجوب إعادته دل على انتفاء القولين الآخرين وهما الاكتفاء بإتمامه خاصة كما
اختاره ابن البراج وابن إدريس والشيخ على رحمهم الله أو اكماله والوضوء بعده كما ذهب إليه السيد المرتضى والمحقق إن
قيل لا ثم إن الغسل يرفع الحدث الأكبر والأصغر معا بل إنما يرفع الأكبر المنوي رفعه ولهذا لو خلا عن مقارنة الحدث
الأصغر كان رفعه منحصرا في الأكبر والأصغر لا أثر له معه سلمنا إن له أثرا لكن أثره يرتفع على جهة الاستتباع لا على
جهة الاستقلال وإلا لوجب نية لحديث إنما لكل امرئ ما نوى سلمنا لكن عدم تأثير ذلك البعض المتقدم على الحدث الأصغر
في رفعه يقتضى وجوب الوضوء للحدث لا إعادة الغسل وإلا لزم كون الحدث الأصغر من موجبات الغسل لاشتراك الناقض
والموجب في المعنى قلنا لما دلت الأدلة بل الاجماع على أن الاحداث المتعددة سبب في وجوب الطهارة ثبت لها الحكم سواء تعددت
أم اتحدت وتداخلها مع اتفاقها أو دخول الأصغر تحت الأكبر كما في الجنابة مع فرض الاجتماع لا يوجب سقوط ما ثبت
لها من السببية ودل عليه الدليل وانعقد عليه الاجماع فالأصل فيها أن يكون كل واحد منها سببا تاما في سببها
ولا معارض لذلك في غسل الجنابة إلا تخيل الاكتفاء بالغسل لو اجتمع الأكبر والأصغر أو وجد الأكبر خاصة
فيقتضى عدم
الفرق بين وجود الأصغر وعدمه ولا حقيقة لهذا الخيال لان التداخل لما ثبت للمتساويين قوة وضعفا كما في اجتماع
أحداث كثيرة توجب الوضوء واكتفى بوضوء واحد باعتبار ورود النص فيه لم يبعد حينئذ دخول الأضعف تحت الأقوى
حيث يرد به الشرح أيضا كما في غسل الجنابة على تقدير مجامعة للحدث الأصغر ومن هذا يعلم ضعف استلزام تأثير الأصغر
نية رفعه في الغسل إذ لا يجب نية جميع الاحداث المجتمعة حيث يحكم بتداخلها وحديث إنما لكل امرئ ما نوى لا يقولون
به فيما لو اجتمعت أحداث تكفى عنها طهارة واحدة أما لتخصيصه بحديث إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزاك حق واحد
57

منها إلخ وأما لان رفع أحدها يقتضى رفع القدر المشترك بينها لتوقف الخصوصية على رفع الجميع إذ ليس المراد ارتفاع
حقيقة الخارج أو الحاصل بل رفع حكمه وهو شئ واحد تعددت أسبابه وإذا كان كذلك في المتفق فلم لا جاز في المختلف
مع نية رفع الأكبر والأقوى أو نية الاستباحة المطلقة وإنما لم يكتف بنية رفع الحدث الأصغر خاصة على تقدير حصوله
مع الأكبر لعدم دخول الأقوى تحت الأضعف ولهذا حكم جمع بعدم دخول غسل الجنابة ونحوها تحت غسل المستحاضة
لغير الانقطاع والمتحيرة لضعفه باستمرار الحدث مع اشتراكهما في الأكبرية بل قيل إن غسل الجنابة يجزى عن غيره ولا
يجزى غيره عنه لضعفه بافتقار رفع الحدث مطلقا إلى مجامعة الوضوء فهلا كان هنا كذلك مع ما بين الحدثين من
الاختلاف حكما وقوة وأما القول بأن اللازم من رفع تأثير ما مضى من الغسل وجوب الوضوء خاصة لا إعادة الغسل
فقد أشرنا في أول الكلام إلى جوابه بالاجماع على عدم مجامعة الوضوء الواجب لغسل الجنابة وإلا لم يكن لنا عنه عدول
ولهذا يكتفى بإعادة الوضوء لو عرض الحدث الأصغر في أثناء غسل يجامعه الوضوء على تقدير تقدمه عليه أو يكتفى بإكمال
الغسل مع الوضوء إن لم يكن تقدم وقد يتخيل الإعادة هنا وطرد الخلاف بناء على أن كل واحد من الوضوء والغسل
مؤثر ناقض في رفع الحدث مطلقا بتقريب الدليل المتقدم ويندفع بمنع ذلك للاجماع على جواز الصوم بالغسل خاصة
مع توقفه على رفعه الحدث الأكبر غير المس وكذا على جواز دخول المساجد وقراءة العزائم وغيرهما مما لا يتوقف جوازه
على رفع الحدث الأصغر وما يتوقف على الوضوء كالصلاة ومس كتابة القرآن ونحوها يتوقف على الوضوء مع الغسل
وهذا يدل على أن الوضوء ليس له صلاحية التأثير فيما يتوقف على الغسل خاصة هنا ولا جزا من المؤثر فيه فعلم منه
إن حدث الغسل المكمل بالوضوء موجب للوضوء والغسل معا فكان قائما مقام الأصغر والأكبر معا وكل واحد من الوضوء
والغسل الرافعين له منصرف إلى موجبه إلا أن لكل واحد منهما مدخلا في رفع كل منهما وربما بالغ بعضهم في تعدية حال
الإعادة هنا وطرد الخلاف إلى ما لو وقع الحدث الأصغر بعد الغسل قبل الوضوء بناء على ما قررناه من اشتراك الطهارتين
في التأثير في الحدثين وهو باطل قطعا لما قلناه وقوله أن نقض الغسل بهذا الحدث يستلزم كونه موجبا للغسل ضعيف
جدا أما أولا فلانه لم يحصل مسمى الغسل بعد حتى يقال أنه نقض الغسل وإنما يتم ذلك لو كمل وهو عين المتنازع ولو
فرض لم ينقضه إجماعا وإنما حكم بنقض بعض الغسل فلا يتم المدعى واحتج المصنف على مذهبه من وجوب الإعادة بأن الحدث
الأصغر لو تعقب كمال الغسل أبطل حكم الاستباحة ففي إبعاضه أولى فلا بد من تجديد طهارة لها وهو الآن جنب إذ لا
يرتفع إلا بكمال الغسل فيسقط اعتبار الوضوء وهو دليل واضح وعبارته التي حكيناها هنا منقحة وهي عبارته في
النهاية وقد عبر في المخ عن هذا الدليل بلفظ لا يخلو ظاهره من مناقشة وحاصله إن الحدث المذكور لو وقع بعد الغسل
بكماله أبطله فأبعاضه أولى بالبطلان يعيده وأورد عليه بعض المحققين منع الصغرى بأن الحدث الأصغر لو أبطل الغسل
لأوجبه لاشتراك الناقض والموجب في الحكم ومنع مساواة ما بعد الاكمال لما قبله لأنه بعد الاكمال ارتفع الحدث فأمكن
طرو حدث آخر بخلاف الأثناء وبأن أثر الأصغر إنما هو الوضوء فلو سلم تأثيره كان اللازم الوضوء خاصة وجواب الأول
أنه عنى بالابطال إبطال الاستباحة التي هي غايته وهو استعمال شايع وقد صرح به في العبارة التي حكيناها عنه من
النهاية وقد تقدم جواب الثاني فإن الأصل في الحدث التأثير حيث ما وقع والاجتزاء بالغسل عنه مع الجنابة للنص
لا يرفع ما ثبت له من الحكم والأصل في الحدث الأصغر إيجاب الوضوء لكن امتنع هنا للاجماع على عدمه في غسل الجنابة
وقد تقدم تحقيق ذلك واحتج في الذكرى بنحو ما ذكرناه وحاصله أن الحدث لا يخلو عن أثر ما مع تأثيره بعد الكمال
58

والوضوء ممتنع في غسل الجنابة وزيفه ذلك المحقق بأن أثر الحدث الأصغر لا يظهر ما دام الأكبر موجودا وما لم يتم الغسل
فالحدث بحاله ولو سلم فلم لا يكون أثره هنا كأثره قبل الشروع في الغسل وقد تقدم جواب هذا التزييف منقحا قال في
الذكرى وقد قيل أنه مروي عن الصادق عليه السلام في كتاب عرض المجالس للصدوق واعترض بأن مثل هذه الرواية لا اعتبار
بها في الاستدلال وأنت خبير بأن الشهيد رحمه الله لم يخرجها للاستدلال بل لما كان الظاهر أنه ليس في المسألة نص
عن أئمة الهدى عليهم السلام وذكر بعض الأفاضل أن في الإعادة رواية في الكتاب المشار إليه ذكره على جهة
الارشاد
لا على جهة الاستدلال لتحاشيه عن توهم مثل ذلك رحمه الله تعالى
المقصد الثاني من المقاصد الأربعة
المعقودة لبيان أسباب الغسل في بيان ماهية الحيض وبيان أحكامه الخاصة به وهو لغة السيل يقال حاض الوادي
إذا سأل وبعضهم اعتبر في صدق اسمه القوة فأطلقه لغة على السيل بقوة وشرعا دم يقذفه الرحم إذا بلغت المرأة ثم
يعتادها غالبا في أوقات معلومة هذا هو الاصطلاح المشهور من انقسام تعريفه إلى اللغوي والشرعي وللبحث في ذلك
مجال فإن الظاهر من كلام أهل اللغة أن الحيض قد يطلق لغة على هذا الدم المخصوص لا باعتبار سيلانه بقوة أو بغير قوة
بل يطلق ابتداء على مصطلح أهل الشرع فلا يكون بين التعريف اللغوي والشرعي فرق من حيث الماهية قال الجوهري يقال
حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا فهي حائض وحائضة إلى إن قال وحاضت السمرة حيضا وهي شجرة يسيل منها شئ
كالدم وقد أشار إلى ذلك في المعتبر حيث جرى أولا على ما هو المشهور من أنه إنما سمى حيضا من قولهم حاض السيل إذا اندفع
فكأنه لمكان قوته وشدة خروجه في غالب أحواله اختص بهذا الاسم قال ويجوز أن يكون من روية الدم كما يقال حاضت
الأرنب إذا رأت الدم وحاضت السمرة إذا خرج منها الصمغ الأحمر انتهى ومتى ثبت ذلك عن أهل اللغة فهو خير من النقل
كما قرر في الأصول ويمكن الجواب بأن مطلق استعمال أهل اللغة لا يدل على الحقيقة فإنهم يذكرون الحقيقة والمجاز سلمنا
لكن حمله على الحقيقة يوجب الاشتراك والمجاز خير منه واعلم أن الحكمة في الحيض إعداد المرأة للحمل ثم اغتذاؤه به جنينا
ثم رضيعا باستحالته لبنا ومن ثم قل حيض الحامل والمرضع على خلاف في الأول أما المرضع فالاجماع واقع على إمكانه
لها وهو يؤيد إمكانه للحامل إذ يمكن فضل الغذاء في الموضعين مضافا إلى ما دل عليه من الروايات فإذا خلت المرأة
من حمل ورضاع بقي الدم لا مصرف له فيستقر في مكان ثم يخرج غالبا في كل شهر هلالي سبعة أيام أو ستة أو أقل
أو أكثر بحسب قرب مزاجها من الحرارة وبعده عنها وقد يطول احتباسه ويقصر بحسب ما ركبه الله في طبعها وقد عرفه المصنف
بتعريف حسي بخواص يشترك في العلم بها الفقيه والعامي بقوله وهو في الأغلب والتقييد بالأغلبية للتنبيه على أنه قد
يجئ بخلاف ذلك على خلاف الغالب لما سيأتي إن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض كما أن الأسود الحار في أيام الطهر
استحاضة أسود على حذف الموصوف وإبقاء الصفة وهو شايع الاستعمال أي دم أسود ولا يشكل بأن الاضمار معيب في التعريفات
لان ذلك حيث لا قرنية تدل عليه وهي موجودة هنا فالدم المحذوف في التعريف بمنزلة الجنس القريب شامل للدماء الثلاثة
وغيرها وقوله أسود حار يخرج بحرقة بضم الحاء وهي اللذع الحاصل من خروج الدم بدفع وحرارة خاصة مركبة من القيود
المذكورة خرج بها باقي الدماء غير دم الحيض
وقد استفيدت هذه الخواص من الاخبار كقول أبى عبد الله عليه السلام دم الحيض حار تجد
له حرقة وفي حديث آخر عنه عليه السلام دم الحيض حار عبيط أسود له دفع حرارة والعبيط بالعين والطاء المهملتين الخالص
الطري وذكر الحرارة في الحديث الثاني مرتين للتأكيد أو أراد بالثانية معنى الحرقة المذكورة في الحديث الاخر وإنما خصصنا
الثانية بذلك لقرينة الدفع المجاور لها فإن الحرقة كما قدمنا مسببة عنه وعن الحرارة وقوله من الجانب الأيسر جار على
59

المشهور بين الأصحاب وسيأتي تحقيقه وعلى هذا التقدير فهو من جملة الخاصة المركبة فالتعريف حينئذ رسمي لعدم الفصل
القريب وإنما قلنا أن القيود المذكورة خاصة مركبة لا فصول لان كل واحد منها مع كونه من الاعراض اللاحقة للذات أعم
من المعرف وفصوله فإن الأسود مثلا أعم من الدم المطلوب تعريفه بل من سائر الدماء لتعلقه بكل جسم أسود وكذا الحار و
الخارج بحرقة ومن الأيسر لكن جميع هذه القيود من حيث الاجتماع مخرجة ما عدا المعرف وكل هذا إنما هو في أغلب أحواله كما
سبق فإن اشتبه دم الحيض بالعذرة بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة أي بدم العذرة على حذف المضاف لان العذرة
هي البكارة لا دمها وضعت قطنه بعد أن تستلقي على ظهرها وترفع رجليها ثم تصبر هنيئة ثم تخرجها إخراجا رفيقا فإن
خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو دم عذرة وإلا أي وإن لم تخرج القطنة مطوقة بل مستنقعة بالدم فحيض ومستند
ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السلام لكن في بعضها الامر باستدخال القطنة من غير تقييد بالاستلقاء وفي بعضها
إدخال الإصبع مع الاستلقاء وطريق الجمع حمل المطلق على المقيد والتخيير بين الإصبع والكرسف لان الكرسف أظهر في
الدلالة وفي حديث خلف بن حماد عن أبي الحسن الثاني في حديث طويل أن هذا الحكم سر من أسرار الله فلا تذيعوه ولا
تعملوا هذا الحلق أصول دين الله بل ارضوا لهم ما رضى الله لهم من ضلال والمحقق في المعتبر قطع بالحكم للعذرة بالتطوق
ونفى الحكم للحيض بالاستنقاع محتجا بأنه محتمل وجوابه منع الاحتمال مع ورود النص والحال أنه جامع للصفات غير أنه مشتبه
بالعذرة خاصة ولا احتمال ح وما أي والدم الخارج من المرأة ولو على الوجه المتقدم قبل إكمال التسع سنين القمرية
لا الشمسية والخارج من الجانب الأيمن على أشهر القولين والخارج بعد بلوغ المرأة سن اليأس من الحيض أو الولد و
الخارج أقل من ثلاثة أيام بلياليها متوالية لا في جملة عشرة على أصح القولين والزائد عن أكثره أي أكثر الحيض والزائد
عن أكثر النفاس وسيأتي بيانه ليس بحيض خبر ما الموصولة أي ليس جميع ما ذكر حيضا وإن كان بصفة دم الحيض أما الأول
فلما تقدم من أن دم الحيض إنما خلقه الله تعالى لحكمة إعداد الرحم للحمل وتربية الولد حملا ثم رضيعا وذلك كله معقول
في الصغيرة التي لم تكمل التسع ولقول أبى عبد الله عليه السلام حين سئل عن حدها إذا أتى لها أقل من تسع سنين فإذا كمل
لها تسع سنين أمكن حيضها والاجماع نقله في المعتبر عن أهل العلم كافة وشرطنا إكمال التسع لعدم صدقها حقيقة
بدونه ولقوله عليه السلام إذا كمل لها تسع إلخ فلا يكفي الطعن في التاسعة والتقييد بالقمرية لأنه المتعارف المستعمل
شرعا والأقرب أنه تحقيق لا تقريب مع احتماله فلو قلنا به فإن كان بين رؤية الدم واستكمال التسع ما لا يسع
الحيض والطهر كان الدم حيضا ولا فرق في ذلك بين البلاد الحارة والباردة بقي هنا بحث وهو أن المصنف وغيره
ذكروا أن الحيض للمرأة دليل على بلوغها وإن لم يجامعه السن وحكموا هنا بأن الدم الذي قبل التسع ليس بحيض فما
الدم المحكوم (المحكوم عليه بحيض بكونه حيضا ط) به حيض حتى يستدل به على البلوغ قبل التسع وجمع بعض من عاصره بين الكلامين بحمل الدم المحكوم
بكونه حيضا دالا على البلوغ على الحاصل بعد التسع وقبل إكمال العشر وتحريره إن البلوغ بالسن لها قيل بالتسع وقيل
بالعشر وعلى القولين لو رأت دما بشرائط الحيض بعد التسع حكم بالبلوغ ولا يخفى ما في هذا الجمع من البعد بل الأولى
في الجمع بين الكلامين أنه مع العلم بالسن لا اعتبار بالدم قبله وإن جمع صفات الحيض ومع اشتباه ووجود الدم في
وقت إمكان البلوغ يحكم بالبلوغ ولا إشكال حينئذ وأما الحكم الثاني وهو أن الدم الخارج من الجانب الأيمن ليس بحيض
فقد اختلف فيه كلام الأصحاب بسبب اضطراب الرواية فذهب الأكثر ومنهم المصنف في جميع كتبه إلى ما ذكر هنا وإن الخارج
من الأيسر حيض ومن الأيمن ليس بحيض وذهب أبو علي ابن الجنيد إلى أن الحيض يعتبر من الجانب الأيمن واختلف كلام
60

الشهيد رحمه الله ففي بعض كتبه عمل بالأول وفي بعضها بالثاني ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف متن الرواية فروى في
الكافي عن محمد بن يحيى رفعه عن أبان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام فتاة منا بها قرح في جوفها والدم سائل
لا تدرى من دم الحيض أو من دم القرحة قال مرها تستلقي على ظهرها وترفع رجليها وتستدخل إصبعها الوسطى فإن خرج
الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة وعلى هذا المعنى عمل ابن الجنيد وأما التهذيب
فالذي نقله الشهيد في الذكرى عن كثير من نسخه أن الرواية فيه كما في الكافي بلفظها بعينه والموجود في بعض نسخه في الرواية
بعينها إلى أن قال فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة وعلى هذه النسخة
عمل المصنف ونقلها في احتجاجه عن التهذيب ساكتا عليها وبمضمونها أيضا أفتى الشيخ في النهاية وهو يؤيد صحتها لان عمله
في النهاية إنما هو على ما صح عنده من الرواية واعترضها السيد جمال الدين بن طاوس صاحب البشرى بعد اعترافه
بوجودها في بعض نسخ التهذيب بأن ذلك تدليس وفيه إن التدليس إنما يكون في إسناد دون المتن كما يروى عمن
لقيه ولم يسمع منه موهما أنه سمع منه أو يروى عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه لقيه وسمع منه فالأسند حينئذ ما ذكره
المحقق في المعتبر والشهيد في الدروس أن الرواية مضطربة فإن الاضطراب كما يكون في الاسناد يكون في المتن واعترض
إن الاضطراب إنما يصدق إذا تساويا أما إذا ترجح أحدهما بمرجح فلا والمرجح هنا موجود مع رواية الأيسر بأنه حيض لفتوى
الشيخ بمضمونها في النهاية قيل ولا يعارضها رواية محمد بن يعقوب لها بخلاف ذلك لان الشيخ أعرف بوجوه الحديث و
أضبط خصوصا مع فتوى الأصحاب بمضمونها وفيه الشك في كون ذلك ترجيحا مع ما قد عرفت من أن أكثر نسخ التهذيب
موافقة للكافي فيعارض مرجح عمل الشيخ بمضمونها أمران أحدهما أكثرية النسخ بخلافه والثاني مخالفة الكافي وإذا
لم يحصل بهما الترجيح فلا أقل من المساواة الموجب للاضطراب هذا كله مع أن الرواية مرسلة أرسلها محمد بن يحيى عن
أبان فلذلك أطرحها المحقق في المعتبر وقال أن الرواية مقطوعة مضطربة ولا أعمل بها فعنده هذه العلامة مطرحة
وأجيب بان عمل الأصحاب بمضمونها واستشهارها بينهم جابر لوهن إرسالها وقد اعترف بذلك المحقق في غير موضع من
الكتاب بقي هنا شئ وهو أن الرواية مع تسليم العمل بها إنما دلت على الحكم للحيض عند اشتباهه بالقرحة لا مطلقا وكذلك
عبارة أكثر الأصحاب حتى المصنف في كثير من عباراته وظاهره في هذا الكتاب اعتبار الجانب سواء حصل اشتباه بالقرحة أم
لا وتظهر الفائدة فيما لو انتفت القرحة وخرج الدم من الجانب المخالف بأوصاف الحيض وشرائطه فإن مقتضى الرواية
وكلام الجماعة أنه حيض لامكانه ويمكن حمل كلام من أطلق الحكم على ذلك نظرا إلى المستند مع أن النظر لا يأبا الاطلاق
لان الجانب إن كان له مدخل في حقيقة الحيض وجب إطراده وإلا فلا لكن الوقوف على ظاهر النص وكلام الأكثر يقتضى
تخصيص مدخليته بمصاحبة القرحة وبالجملة فللتوقف في هذه المسألة وجه واضح وإن كان ولا بد فالعمل على ما
عليه الأكثر وهو الحكم للحيض بخروجه من الجانب الأيسر وأما الحكم الثالث وهو أن الخارج بعد سن اليأس لا يكون
حيضا فمما لا خلاف فيه بين أهل العلم كما نقله المحقق في المعتبر مضافا إلى ذلك ما دل عليه من الاخبار وإن اختلف
في تقديره وسيأتي الكلام فيه وأما الرابع وهو اشتراط عدم قصوره عن ثلاثة أيام متوالية فعليه إجماع أصحابنا
وبعض من خالفنا كأبي حنيفة ومستنده روايات من طرقنا وطرقهم ولفظ الاخبار ثلاثة أيام والليالي معتبرة
فيها أما لكونها داخلة في مسماها بناء على أن اليوم اسم الليل والنهار أو للتغليب وقد صرح بدخولها في بعض الاخبار
وفي عبارة بعض الأصحاب وادعى المصنف في المنتهى عليه الاجماع وأما قيد التوالي فعليه الأكثر وخالف فيه الشيخ في النهاية
61

واكتفى بحصولها في جملة عشرة استنادا إلى رواية منع من العمل بها شذوذها وإرسالها فالعمل على ما عليه الأكثر ودل
عليه ظاهر النص من اعتبار الثلاثة من غير تقييد لكن ما المراد من التوالي ظاهر النص الاكتفاء بوجوده في كل يوم من
الثلاثة وإن لم يستوعبه لصدق رؤيته ثلاثة أيام لأنها ظرف له ولا تجب المطابقة بين الظرف والمظروف وهذا هو
الظاهر من كلام المصنف وربما اعتبر مع ذلك في تحققه أن يتفق ثلاثة دماء وما بينها في ثلاثة أيام من غير زيادة ولا
نقصان فيعتبر في ذلك أنها إذا رأته في أول جزء من أول ليلة من الشهر تراه في آخر جزء من اليوم الثالث بحيث يكون
عند غروبه موجودا وفي اليوم الوسط يكفي أي جزء كان منه وربما بالغ بعضهم فاعتبر فيه الاتصال في الثلاثة بحيث
متى وضعت الكرسف تلوث به في جميع أجزائها وقد صرح بهذا الاعتبار الشيخ جمال الدين بن فهد في المحرر والمحقق
الشيخ على في الشرح وزاد فيه إن الاكتفاء بحصوله فيها في الجملة رجوع إلى ما ليس له مرجع وأما الحكم الخامس والسادس وهو
أن الزائد عن أكثره وأكثر النفاس ليس بحيض فالوجه في الأول ظاهر وفي الثاني ما هو مقرر من أن النفاس حيض
محتبس ومن ثم شاركه في معظم الاحكام ولا بد من تخلل عشرة هي أقل الطهر بين النفاس والحيض ليكون ما قبله وما بعده
حيضا أو كالحيض وإنما جمع بين الامرين مع اشتراكهما في العلة ورجوع الثاني إلى الأول لافتراقهما اسما وحكما من حيث
الجملة فلا يلزم حينئذ من نفى كون الزائد عن أقصى مدة الحيض حيضا ففي كون الزائد عن أقصى مدة النفاس حيضا ولما
حكم بان الخارج بعد سن اليأس لا يكون حيضا أراد أن يبين السن الذي تصير به المرأة يائسة
فقال وتيأس المرأة
غير القرشية وهي المنسوبة إلى قريش بأبيها خاصة على المشهور واحتمال الاكتفاء بالأم هنا أرجح من غيره في نظائره
لان للام مدخلا شرعيا في لحوق حكم الحيض في الجملة بسبب تقارب الأمزجة ومن ثم اعتبرت الخالات وبناتهن في المبتدأة
كما سيأتي والمراد بقريش القبيلة المتولدة من النضر بن كنانة بن خزيمة وجل هذه القبيلة الهاشميون والنبطية وهي المنسوبة
إلى النبط وهم على ما ذكره في الصحاح قوم ينزلون بالبطايح بين العراقين قال وفي كلام أيوب بن القرية أهل عمان عرب
استنبطوا وأهل البحرين نبط استعربوا ببلوغ أي بإكمال خمسين سنة هلالية فلا يكفي الطعن في السنة الأخيرة فإن
الاعتبار هنا تحقيق لا تقريب وأحديهما أي القرشية والنبطية ببلوغ ستين وهذا التفصيل هو المشهور ومستنده في غير
النبطية صحيحة ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش
وما ورد في بعض الاخبار من إطلاق الحكم بالستين والخمسين مقيد بهذا التفصيل جمعا بين الاخبار وحكم المصنف في المنتهى بإطلاق
الأول والشيخ في النهاية بالثاني والتفصيل طريق الجمع مع أن في خبر الستين ضعفا وما يوجد في بعض القيود من الحكم
باليأس بالخمسين بالنسبة إلى العبادة مطلقا وبالستين بالنسبة إلى العدة مطلقا ليس له مرجع يجوز الاعتماد عليه ولا فقيه
يعول على مثله يستند إليه واشتماله على نوع من الاحتياط غير كاف في الذهاب إليه وربما استلزم نقيض الاحتياط في
بعض موارده وأما النبطية فذكرها المفيد رواية وتبعه جماعة بحيث صار إلحاقها بالقرشية هو المشهور لكن لم يوجد بها
خبر مسند ومن ثم تركها المحقق في المعتبر وخص الحكم بالقرشية واستوجه المحقق الشيخ على إلحاقها بها مستندا مع
الشهرة إلى أن الأصل عدم اليأس فيقتصر فيه على موضع الوفاق والاحتياط في بقاء الحكم بالعدة وتوابع الزوجية
استصحابا لما كان لعدم القطع بالمنافي وأنت خبير بأن هذا الأصل قذ انتفى بما ورد من النصوص الدالة على الحكم أما
بالتفصيل القاطع للشركة أو بالاطلاق المتقدم والاحتياط المذكور يعارض بمثله فإن الحكم بصحة الرجعة ولحوق
أحكام الزوجية مع وجود الدليل الدال على نفيهما يوجب التهجم على الفروج والأموال بما لا يصلح سندا والاستصحاب
62

المدعى قد انقطع بالدليل بقي هنا شئ وهو أنك قد علمت أن المراد بالقرشية من انتسبت إلى النضر بن كنانة فهي حينئذ أعم
من الهاشمية فكل امرأة علمت انتسابها إليه أو انتفائها فحكمها واضح ومن اشتبه نسبها كما هو الأغلب في هذا الزمان
من عدم العلم بنسب غير الهاشميين غالبا فالأصل يقتضى عدم كونها قرشية والاحتياط الذي ذكره الشيخ المحقق يوجب
إلحاقها به وقد عرفت أن الاحتياط لا يسلم في جهة واحدة فالأخذ بالأصل متعين وإن حصل الاتفاق من الزوجين على
الاحتياط بأن تتعبد فيما بين الخمسين والستين في أيام الدم المحتمل كونه حيضا وتعتد بالأشهر إن طابقت الأطهار المحتملة
وإلا فأكثر الامرين ولا يراجعها الزوج في هذه العدة إلى غير ذلك من الاحكام كان حسنا وحينئذ يتمشى ذلك في النبطية
وفي تمشيه حينئذ في التفصيل المتقدم المزيف بالنسبة إلى القرشية نظر وأقله أي الحيض ثلاثة أيام والاخبار من طرقنا
على ذلك متظافرة مضافا إلى إجماعنا ورواه (روى خ ل) العامة عن واثلة بن الأصقع وأبى أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وآله
قال أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام متواليات فلا يكفي كونها في جملة عشرة خلافا للشيخ في أحد قوليه وابن
البراج وقد عرفت إن مستندهما رواية مرسلة فلا تكون حجة مزيلة لحكم الأصل وهو عدم الحيض ولأن العبادة ثابتة
في الذمة بيقين فلا يسقط التكليف إلا مع تيقن السبب وعلى هذا القول لو رأت الأول والخامس والعاشر فالثلاثة
حيض لا غير فإذا رأت الدم يوما وانقطع فإن كان يغمس القطنة وجب الغسل لأنه إن كان حيضا فقد وجب الغسل للحكم
بأن أيام النقاء طهر وإن لم يكن حيضا فهو استحاضة والغامس منها يوجب الغسل وإن لم يغمسها وجب الوضوء خاصة
لاحتمال كونه استحاضة فإن رأته مرة ثانية يوما مثلا وانقطع فكذلك فإذا رأته ثالثة في العشرة ثبت أن الأولين
حيض وتبين بطلان ما فعلت بالوضوء إذ قد تبين أن الدم حيض يوجب انقطاعه الغسل فلا يجزى عنه الوضوء ولو
اغتسلت للأولين احتياطا ففي أجزائه نطر وأكثره عشرة أيام باتفاقنا فما زاد عن ذلك ليس بحيض قطعا وما
ورد في بعض الاخبار من كون أكثره ثمانية أما مطرح لشذوذه أو محمول على من تكون عادتها ذلك وتعبر رؤيتها العشرة
وهي أي العشرة أقل الطهر باتفاقنا وللنص ولا حد لأكثره خلافا لأبي الصلاح حيث حده بثلاثة أشهر وادعى المصنف على
الأول الاجماع وحمل قول أبى الصلاح على الغالب وألحق إن دعوى الاجماع هنا لا يتوقف على حمل كلام أبى الصلاح
لان المنقول منه بخبر الواحد حجة ومخالفة معلوم النسب لا يقدح فيه ومعنى حمله على الغالب عدم زيادته على الثلاثة
غالبا لان الغالب كونه ثلاثة فإن الأغلب كون الستة والسبعة في الشهر الهلالي حيضا وباقيه طهرا وما أي والعدد
الذي بينهما أي بين الثلاثة والعشرة يجوز أن يكون حيضا فيحكم به بحسب العادة المستقرة بما أشار إليه بقوله وتستقر أي
العادة بشهرين متفقين في حصول الحيض فيهما عددا أي في عدد أيام الحيض ووقتا أي في وقت حصوله فإذا وقع في
الشهر الأول في السبعة الأولى ووقع في السبعة الأولى من الشهر الثاني فقد استقرت العادة عددا ووقتا فإذا
رأت في أول الثالث تحيضت برؤيته ولو تجاوز العشرة رجعت إلى ما استقر لها من العدد ولو رأت الدم الثالث في
آخر الشهر الثاني تحيضت بالعدد أيضا مع عبوره العشرة لكن هذه تستظهر بثلاثة في أوله وجوبا أو استحبابا بالتقدمة
على وقت العادة كما سيأتي إن شاء الله وقد علم من ذلك أنه لا يشترط في استقرار العادة استقرار عادة الطهر خلافا
للشهيد رحمه الله فإنه اشترط في الذكرى استقرار عادة الطهر في تحقق العادة عددا ووقتا فبدونه يستقر العدد لا غير
فحينئذ تستظهر برؤية الدم الثالث إلى ثلاثة وإن كان في وقت المتقدم بناء على استظهار المبتدأة والمضطربة ولو
عبر العشرة رجعت إلى العدد قطعا وإنما اشترط في تحققها الشهران ولم يكتف بالرؤية مرة واحدة لان العادة مأخوذة
63

من المعاودة ولا تحصل بالمرة الواحدة ولا تطلق إلا مع التكرار ولقوله صلى الله عليه وآله دعى الصلاة أيام أقرائك
أو تحيضي أيام أقرائك وأقل ما يراد بهذه اللفظة اثنان أو ثلاثة لكن الثلاثة منفيا بالاتفاق ولقول الصادق عليه السلام
فإن انقطع لوقته من الشهر الأول حتى توالت عليه حيضتان أو ثلث فقد علم أن ذلك صار لها وقتا وخلقا
معروفا وروى سماعة قال سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض يختلف عليها قال تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى
الدم ما لم يجز العشرة فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك عادتها وما ذكره المصنف رحمه الله من استقرار العادة
باتفاق الوقت والعدد ليس على جهة الانحصار بل هو أحد أقسام العادة وأنفعها ولو فرض اختلاف الوقت مع اتفاق
العدد كما لو رأت في أول شهر خمسة وفي وسط الثاني خمسة استقرت عادتها عددا فإذا رأت في شهر ثالث دما و
عبر العشرة تحيضت بالخمسة المستقرة لكن هذه تستظهر في أوله لعدم استقرار الوقت بناء على استظهار المضطربة
ولو انعكس الفرض بأن استقر لها الوقت دون العدد كما لو رأت سبعة أول شهر وثمانية في أول الثاني تحققت العادة
بالنسبة إلى الوقت فتترك العبادة برؤية الدم في الثالث في الوقت لكن هل تكون مضطربة بالنسبة إلى العدد
فتتحيض بثلاثة أو يثبت لها أقل العددين لتكرره وجهان اختار ثانيها المصنف في النهاية والشهيد في الذكرى وأولها
الشيخ على رحمه الله لعدم صدق الاستواء والاستقامة وهو أجود إذا تقرر ذلك فما المراد بالشهر المعتبر في تحقق العادة
هل هو الهلالي كما هو الشائع في الاستعمال المتبادر إلى الافهام الغالب وقوع الحيض فيه مرة واحدة للنساء أم ما يمكن
أن يفرض فيه حيض وطهر صحيحان المعبر عنه بشهر الحيض الذي صرح به المصنف في النهاية هو الثاني قال فيها بعد قوله و
تثبت العادة بتوالي شهرين ترى فيهما الدم أياما سواء والمراد بشهرها المدة التي بها فيها الحيض وطهر وأقله عندنا
ثلاثة عشر يوما وهكذا نقحه ولده فخر المحققين على هذه العبارة ونظائرها وكتبه الشهيد رحمه الله على قواعده ناقلا له
عنه وعبارات الأصحاب محتملة لهما وإن كان فهم الشهر الهلالي من الاطلاق أغلب ويرجح اعتبار الهلالي أيضا إن اتفاق
الوقت بدمين فيما دونه لا يتفق إلا مع تكرر الطهر وهو خروج عن المسألة لكن قبل تكرر الطهر تثبت العادة
بالعدد
خاصة فترجع في الثالث إليه مع عبوره العشرة بعد احتياطها بالصبر ثلاثة في أوله وفرع المحقق الشيخ على اختياره إرادة
الشهر الهلالي إن العادة الوقتية لا تحصل إلا بالشهرين الهلاليين محتجا بأن الشهر في كلام النبي والأئمة عليهم السلام
إنما يحمل على الهلالي نظرا إلى أنه الأغلب في عادات النساء وفي الاستعمال قال فلو رأت ثلاثة ثم انقطع عشرة ثم رأت
ثلاثة ثم انقطع عشرة ثم رأته وعبر العشرة فلا وقت لها لعدم تماثل الوقت باعتبار الشهر وفيما ذكره نظر لان تكرر
الطهر يحصل الوقت كما قلناه وقد صرح بذلك في المعتبر والذكرى وحكاه فيه عن المبسوط والخلاف ناقلا عبارتهما
في ذلك واحتجاجه بأن الشهر في كلامهم عليهم السلام يحمل على الهلالي إنما يتم لو كان في النصوص المقيدة الدالة على العادة
ذكر الشهر وقد بينا في أول المسألة حكايتها خالية من ذكر الشهر فيما عدا الحديثين الأخيرين وفي الاحتجاج بهما
إشكال لضعف أولهما بالارسال وثانيهما بجرح سماعة وانقطاع خبره والصفرة والكدرة بحذف المضاف وإقامة اسم
المصدر مقامه أي والدم ذو الصفرة وهي لون الأصفر وذو الكدرة وهي ضد الصفا على ما ذكره الجوهري الواقعتين
في أيام الحيض يحكم بأنهما حيض والمراد بأيام الحيض ما يحكم على الدم الواقع فيها بأنه حيض سواء كانت أيام العادة أنه غيرها
فتدخل المبتدأة ومن تعقب عادتها دم بعد أقل الطهر وضابطه ما أمكن كونه حيضا وربما فسرت بأيام العادة والنصوص
دالة بعمومها على الأول كما أن الدم الأسود الحار الواقع في أيام الطهر يحكم بأنه فساد أي استحاضة وإنما سماها فسادا
64

لأنها مرض مخصوص بخلاف الحيض فإنه دال على اعتدال المزاج ومن ثم كان عدم الحيض في الجارية ستة أشهر ممن شأنها
ذلك عيب ترد به ولم تحد المستحاضة إذا وجب عليها الحد حتى تبرأ وإنما حكم بذلك مع مخالفتهما لأوصاف الدم الملحقين
به لان تلك الأوصاف مبنية على الغالب كما تقدم وعبر بالمصدر في الشق الأول دون الثاني للفرق بين ما ورد في لفظ الرواية
وما أكمله المصنف من لفظه قال الصادق عليه السلام السنة في الحيض أن تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيام الحيض إذا عرفت
حيضا كله (كلها ط) واعلم أن الدم المحكوم بكونه حيضا متى انقطع على العشرة فما دون حكم كونه حيضا كله سواء في ذلك من ابتدأها
الحيض والمعتادة بأقسامها والمضطربة العادة ولو تجاور الدم عشرة أيام فقد امتزج الحيض بالطهر لما علمت من أن
الحيض لا يزيد عن عشرة فلا يخلو حينئذ أما أن تكون مبتدأة وذات عادة مستقيمة محفوظة أو مضطربة ناسية لعادتها
وقتا وعددا أو وقتا خاصة أو عددا خاصة أو لم تستقر لها عادة أصلا وربما خصت هذه خاصة باسم المضطربة و
سيأتي أنها داخلة في قسم المبتدأة وعلى التقادير الستة فأما أن يكون لها تمييز أو لا فالأقسام اثني عشر تعلم مفصلة
إن شاء الله فإن كانت ذات عادة محفوظة رجعت ذات العادة المستقرة إليها ومعنى رجوعها إليها إن تجعل مقدار
العادة حيضا وما زاد استحاضة فتقضى ما تركته فيه من صوم وصلاة لثبوت كونها طاهرة فيه وما احتملته من كونه
حيضا قد تبين فساده ويستفاد من إطلاق الحكم برجوع ذات العادة إليها مع تقديمها وجعلها قسيمة لرجوع ذات التمييز
إليه أنه لو عارض العادة تمييز قدمت العادة عليه وهذا هو أصح القولين وأشهرهما ومختار المصنف ومستنده الأخبار الدالة
على اعتبار العادة مطلقا من غير تقييد بانتفاء التمييز كقوله صلى الله عليه وآله دعي الصلاة أيام إقرائك وقول الصادق
عليه السلام في صحيحة إسحاق بن جرير حيث سأله عن امرأة يستمر بها الدم الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع قال تجلس أيام
حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين وترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يدل على العموم في المقال ورجح الشيخ في النهاية
التمييز لقول الصادق عليه السلام في صحيح معوية بن عمار دم الحيض حار وقوله عليه السلام في حسنة حفص دم الحيض حار
عبيط أسود له دفع وحارة وهو دال على اعتبار التمييز من غير تقييد وحمل هذه الأخبار على غير المعتادة طريق الجمع بينها
وبين ما دل على اعتبار العادة مطلقا ولقوة العادة المتكررة ولا يقال إن صفة الدم علامة فتصير إليها عند الاشتباه
كالصفة في المنى عنده لان صفة الدم يسقط اعتبارها في العادة لأنها أقوى من الوصف ولرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام في المرأة ترى الصفرة في أيامها قال لا تصلى حتى تنقضي أيامها فإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت
وربما فرق بعضهم بين العادة المستفادة من الاخذ والانقطاع والمستفادة من التمييز فقدم الأولى عليه دون الثانية
لأنها فرعه فلا تزيد على أصله هذا كله مع عدم إمكان الجمع أما لو أمكن كما لو تخلل بينهما من الدم الضعيف أقل الطهر حكم
به في العادة والتمييز لامكانه نص عليه المصنف في النهاية ونبه عليه في الذكرى ولو لم تكن ذات عادة مستقرة محفوظة بل
كانتا أحد الأقسام الاخر فلا يخلو أما أن يكون لها تمييز أو لا فإن كان لها تمييز رجعت ذات التمييز إليه والتمييز مصدر
قولك ميزت الشئ أميزه تمييزا إذا فرزته وعزلته والمراد بها هنا التي ترى الدم على نوعين أو أنواع أحدها أقوى
فتجعله حيضا والباقي استحاضة وله شروط اختلاف صفته كما قلناه فلو كان بصفة واحدة فلا تمييز وكون ما هو
بصفة الحيض أو الأقرب إليه لانتقص عن ثلاثة أيام ولا يزيد عن عشرة أيام لان الحاقة به يوجب ذلك وكون الضعيف لا ينقص
عن أقل الطهر ويضاف إليه أيام النقاء إن اتفق لان جعل القوى حيضا يوجب جعل الضعيف طهرا لأنه مقابله
وربما احتمل
هنا عدم الاشتراط لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله دم الحيض أسود يعرف (يحرق خ ل) وبالاشتراط جزم المصنف في النهاية ولا يشترط
65

في التمييز التكرار لأنه علامة فتكفي حصولها بخلاف العادة وهل يشترط في الدم المحكوم بكونه حيضا أن يتوالى الوصف
المجعول علامة ثلاثة بحيث لا يتخللها وصف ضعيف أو يكفي وجود القوى في كل يوم من الثلاثة ولو لحظة يبنى على ما سلف
من تفسير التوالي ويعتبر القوة والضعف بثلاثة اللون فالأسود قوى الأحمر وهو قوى الأشقر وهو قوى الأصفر وهو قوى
الأكدر والرائحة فذو الرائحة الكريهة أقوى مما لا رائحة له هكذا عبر المصنف عنه في النهاية ومثله في المؤخر ولو كان أحدهما
أنتن رائحة من الاخر فالظاهر قوته عليه لكنه لا يدخل فيما حكيناه من القوم والقوام فالثخين قوى الرقيق ولا يشترط
في القوة اجتماع صفاته فذو الثلث أقوى من ذي الاثنتين وهو أقوى من ذي الواحدة وهو أقوى من العادم ولو استوى
العدد وإن كان مختلفا فلا تمييز وقد يتفق لذات التمييز ترك العبادة شهرا متواليا فما زاد بأن ترى الأحمر عشرة
فإنها تجلس فيها لامكان كونه حيضا أو بعد الثلاثة على تقدير الاستظهار ثم ترى بعده أقوى منه عشرة فتجلس الأقوى
وتتبين أن الأول استحاضة ثم ترى بعده أقوى منهما وهكذا قال في المعتبر ولو قيل هنا تحتاط إذا تجاوزت من أول
الدم عشرة بالصوم والصلاة فإن انقطع الأسود على عشرة فما دون فهو حيض وقضت الصوم كان حسنا ويستفاد
من إطلاق رجوع ذات التمييز إليه وجعله قسيما للمعتادة إن المضطربة إذا ذكرت العدد خاصة أو الوقت خاصة ووجدت
تمييزا في بعض أيام الشهر تحيضت به ولا بعد فيه في الأولى من جهة إطلاقهم تخييرها في تخصيص العدد بأي وقت شاءت فإنه
يقيده بعدم التمييز جمعا بين الاطلاقين لكن المحقق الشيخ على استشكل الامر فيها وقال ما هذا لفظه الحكم برجوع المضطربة
إلى التمييز لا يستمر لان ذاكرة العدد الناسية للوقت لو عارض تمييزها عدد أيام العادة لم ترجع إلى التمييز بناء على ترجيح
العادة على التمييز وكذا القول في ذاكرة الوقت ناسية العدد قال ويمكن الاعتذار بان المراد برجوعها إلى التمييز ما إذا
طابق تمييزها العادة بدليل ما ذكره من ترجيح العادة على التمييز انتهى كلامه وأقول أن الاشكال في ذاكرة العدد خاصة
غير واضح وتحقق المعارضة فيها بين التمييز وأيام العادة غير متحقق فإنها بسبب نسيان الوقت لا تتخصص عادتها بأيام
معينة حتى يعارضه التمييز بل يجوز كون أيام التمييز هي العادة فترجيح التمييز فيها باق على حاله وإنما ترجيح العادة
على التمييز مع العلم بوقتها نعم قد يتوهم التعارض على تقدير اختيارها عددا من الشهر ثم يطهر التمييز في غيرها وهنا ينبغي
عدم الاشكال في تقديم التمييز لما علمت من عدم انتظام هذه في سلك المعتادة بل هي مضطربة يتأخر اختيارها العدد
على التمييز وإنما يقع الاشكال هنا فيما لو زادت أيام التمييز عن العدد المحفوظ وكأنه رحمه الله أراد بالتعارض هذا
المعنى ولم يتحقق إلى الآن تصريحا لاحد من الأصحاب بشئ غير أن إطلاق كلامهم تقديم العمل بالتمييز يقتضى جعل أيام
التمييز كلها حيضا وكذا الاشكال لو انعكس الفرض بأن نقصت أيام التمييز عن العدد لكن العمل هنا على العدد أقوى ترجيحا
لعدد العادة على التمييز بناء على ترجيحها ولا يرد مثله في الأول لان العادة إنما تقدم على التمييز مع التعارض ومع
زيادة أيام التمييز على العدد وانقطاعه على العاشر فما دون إذ هو الفرض لأنه من شروط التمييز لا تعارض بل يمكن الجمع
بينهما بجعل الجميع حيضا فإن مثل هذا آت في ذاكرة الوقت والعدد مع عبور الدم العشرة فإنهم ذكروا هنا أنه مع إمكان
الجمع بينهما يجمع ويجعل ما زاد من أيام التمييز عن عادتها حيضا وقد أشرنا إليه فيما سلف لكن المصنف في النهاية استقرب في
ذاكرتهما مع زيادة التمييز على العادة ومجاوزة العشرة اختصاص الحيض بالعادة وعلى هذا يمكن اختصاص العدد وفي
المبنى عليه منع وأما ذاكرة الوقت خاصة فكلامه رحمه الله فيها وجيه لامكان فرض تحقق المنافاة باعتبار علمها بالوقت
فهي من هذه الجهة معتادة في المعنى ومع عدم منافاة التمييز لوقتها يمكن أن يفيدها التمييز زيادة على العدد المأمور به
66

أو نقصانا عنه سواء أو جنبا عليها الرجوع إلى الروايات أم جوزنا لها الاقتصار على ثلاثة فيصلح ذلك لحمل كلام المصنف
في تقديم التمييز على ما علمته من الوقت لا بمعنى عدم الالتفات إلى الوقت بل بمعنى عدم الالتفات إلى ما فرض لها من العدد
عند البحث عنه من الرجوع إلى الروايات أو إلى غيرها ولا بأس بإمعان النظر في هذه المسألة واستبرأ (استقراء خ ل) كلام الأصحاب
ليتضح الحال فيها فإنها لا تستفاد إلا من عام أو مطلق فإن فقدا أي العادة المستقرة والتمييز رجعت المبتدأة
بكسر الدال اسم فاعل بمعنى التي ابتدأت الحيض ويجوز فتحه ليصير اسم مفعول بمعنى التي ابتدأ بها الحيض ويتحقق حكم
الابتداء برؤية الدم مرة ومرتين أو بشهرين عند الاحتياج إلى استقرار الطهر وهل يتحقق فيما زاد حتى يدخل
فيها كل من لم يستقر لها عادة ولو باضطراب دورها الظاهر من كلام المصنف والشهيد رحمه الله وجماعة في تقاسمهم ذلك
حيث يخصون المضطربة بذات العادة المنسية بأحد وجوهها
وقال في المعتبر المبتدأة وهي التي رأت الدم أول مرة إذا تجاوز
دمها العشرة ولم يتميز رجعت إلى عادة نسائها ثم قال المبتدأة إذا لم يكن لها نساء أو كن مختلفات والمضطربة وهي
التي لم يستقر لها عادة عددا ولا وقتا إلخ ومقتضاه اختصاص المبتدأة بأول مرة وإن التي لم تستقر لها عادة بعد مضطربة
وتظهر الفائدة في رجوع هذا النوع من المضطربة إلى عادة نسائها أم لا فعلى الأول ترجع وعلى قول المعتبر إنما ترجع
بعد التمييز إلى الروايات كناسية العادة وكلام المعتبر أدخل في اسم المضطربة والترجيح مع الأول بندور المخالف واستلزام
قوله جعل المبتدأة في الدور الثاني الذي به يتحقق العادة مضطربة وبأن الحكمة في رجوع المبتدأة إلى النساء موجودة
فيمن لم تستقر لها عادة دون المضطربة الناسية وهي إن الأولى لم يسبق لها عادة ترجع إليها بخلاف الناسية التي قد
سبق لها عادة وهذه الوجوه لا تفيد القطع والعمل على المشهور وخبر السنن يدل حصره بظاهره عليه فإن أبا عبد الله عليه السلام
قال فيه إن جميع حالات المستحيضة يدور على السنن الثلث لا تكاد أبدا تخلو من واحدة منهن إن كانت لها أيام معلومة
فهي على أيامها ثم قال وإن لم يكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت أول ما رأت فوقتها سبع وطهرها ثلث وعشرون
فإن استمر بها الدم أشهرا فعلت في كل شهر كما قال لها وإن انقطع الدم في أقل من سبع أو أكثر من سبع فإنها تغتسل
ساعة ترى الطهر وتصلى فلا تزال كذلك حتى تنظر ما يكون في الشهر الثاني فإن انقطع لوقته في الشهر الأول سواء حتى توالى
عليها حيضتان أو ثلث فقد علم الآن أن ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه ثم قال وإن اختلط
عليها أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على حد ولا من الدم على لون عملت بإقبال الدم وإدباره الحديث ومراده
باختلاط الأيام نسيان العادة لأنه موضح للسنن المتقدمة في أول الحديث التي من جملتها وأما سنة التي قد كانت لها
أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم وزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها من الشهر إلى آخره ووجه
دلالته على ما نحن فيه أنه حصر أقسامها في الناسية والذاكرة والمبتدأة ولا يخفى أن من لم تستقر لها عادة بعد لا تدخل
في الناسية ولا في الذاكرة لعادتها فلو لم تدخل في المبتدأة بطل الحصر الذي ذكره ولا يقال أن قوله عليه السلام
في تعريفها وإن لم يكن أيام قبل ذلك واستحاضت أول ما رأت يدل على خلاف مطلوبكم لأنه فسر المبتدأة بأنها من تستحاض
في أول الدور لأنا نقول إن أول التعريف صادق على المدعى وإن أجرى آخره وهو أنها التي استحاضت أول ما رأت على
ظاهره بطل الحصر فلا بد من حمله على وجه يصح معه الحصر وهو أن يريد بالأولية ما لا يستقر منها العادة بعد وهو أول
إضافي يصح الحمل عليه وقد دل عليه مواضع من الحديث منها ما هو داخل فيما حكيناه من لفظه ومنها ما أضربنا عن
حكايته لطوله وهو حديث شريف يدل على أمور مهمة في هذا الباب وسيأتي الكلام على سنده إن شاء الله ويمكن أن
67

يكون بيانا لبعض أفرادها أو للأغلب منها فإن العادة مع استواء الدم تستقر في أيام يسيرة والغالب أن المرأة إذا
استقام لها حيضة في الابتداء في شهر يتم لها ذلك في الشهر الثاني وأما إن عرض لها ما يمنع استقرار العادة في هذه
المدة اليسيرة فالأغلب وقوع العارض من أول الامر وبالجملة فلا بد من تصحيح الحصر بوجه وبأي معنى فسرنا بالمبتدأة فإنها
متى فقدت التمييز رجعت إلى عادة أهلها وهن أقاربها من الطرفين أو من أحدهما كالأخت والعمة والخالة وبناتهن
لتقارب الأقارب في الأمزجة غالبا ولا اختصاص للعصبة هنا لان الطبيعة جاذبة من الطرفين وهذا هو المشهور بين
الأصحاب وعليه علمهم والموجود على وفقه روايتان أحديهما رواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال
المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم وفي طريقها علي بن الحسن بن فضال
وهو فطحي لكن المصنف اختار في الخلاصة الاعتماد على روايته وذكره في القسم الأول والثانية مقطوعة سماعة أنه
سأله عن المبتدأة فقال أقراؤها مثل أقراء نساءها فإن اختلفن فأكثر جلوسها عشره أيام وأقله ثلاثة وهذه
الرواية وإن اعتراها نقص بالقطع لكن الشيخ رحمه الله في الخلاف استدل على صحة مضمونها بإجماع الفرقة فإن
تم ذلك فالاعتماد على اتفاق الأعيان على الفتوى بمضمونها كما نبه عليه في المعتبر ولا فرق بين الحية من الأهل والميتة
المعلومة عادتها ولا بين المساوية في السن للمبتدأة والمخالفة ولا بين البلدية لها وغيرها للعموم ورجح الشهيد رحمه الله
في الذكرى اعتبار اتحاد البلد في الأهل والأقران محتجا بأن للبلدان أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة وفي معارضته لعموم
النص نظر واعتبر شيخنا السيد حسن رحمه الله اعتبار البلد فإن فقد فأقرب البلدان إلى بلدها فالأقرب وكل هذه
الأمور تثمر الظن بتقارب الأمزجة إلا أنها لا تصلح لتخصيص عموم النص وتتخير في وضع الأيام حيث شاءت من الشهر لعدم
الأولوية وإن كان وضعها في أول الشهر أولى هذا كله مع اتفاق عادتهن ووجودهن فإن اختلفن أو فقدن
أما بعدمهن أصلا أو بموتهن وعدم علمها بعادتهن أو لم يمكنها استعلام حالهن لبعد ونحوه رجعت إلى أقرانها أما
مع فقدهن فظاهر وأما مع اختلافهن فذكر الحكم بذلك جماعة من غير تقييد بتساوي المختلفات وصرح المصنف
في النهاية بالحكم مطلقا قال فيها حتى لو كن عشرا فاتفق منهن تسع رجعت إلى الاقران واختار الشهيد رحمه الله
ومن تبعه اتباع الأغلب مع الاختلاف والتحقيق إنا إن اعتمدنا في الحكم على مقطوعة سماعة فما قاله الجماعة
أوجه لتصريحه فيها بأن الاختلاف موجب للانتقال عنهن وإن اعتمدنا على الحديث الأول فلا وجه للتخصيص
بالأغلب لأنه دل بظاهره على الاكتفاء بواحدة من نسائها وحمله شيخنا الشهيد رحمه الله على غير المتمكنة من معرفة عادات
جميع نسائها فتكتفي بالبعض الممكن والوجه اتباع الأغلب لدلالته عليه وخروج ما دونه بالاجماع فيكون
كالعام المخصوص في كونه حجة في الباقي وعلى هذا فلا فرق في اتباع الأغلب مع اختلاف أسنانهن وبلدانهن بين كون
الأغلب مخالفا في السن والبلد أو موافقا للعموم مع احتمال تقديم الأقرب إليها سنا وبلدا فالأقرب لقوة الظن
بتقارب
الطباع مع تقاربهما أو اتحادهما واستقرب المصنف في النهاية مع اختلافهن في السن ردها إلى من أقرب إليها مع حكمه
بانتقالها إلى الاقران عند اختلافهن وإن اتفق الأكثر وبين الحكمين في بعض الوارد بون كثير وأما رجوعها إلى الاقران
فاشتهر الحكم به بين الأصحاب وحكى المصنف في المنتهى عن المرتضى وابن بابويه عدم ذكر الاقران ومال إليه وأنكره المحقق في
المعتبر مطالبا بدليله وفارقا بينهن وبين الأهل (بأن بينها وبين الأهل صح) مشاكلة في الطباع والجنسية والأصل فقوى الظن مع اتفاقهن بمساواتها
لهن ولا كذا الاقران إذ لا مناسبة تقتضي ذلك لان النسب يعطى شبها دون المقارنة وأجاب في الذكرى بأن لفظ نسائها
68

في الخبر صادق عليهن فإن الإضافة تصدق بأدنى ملابسة ككوكب الخرقاء قال ولما لابسنها في السن والبلد صدق عليهن
النساء وأما المشاكلة فمع السن واتحاد البلد تحصل غالبا قال وليس في كلام الأصحاب منع منه وإن لم يكن فيه تصريح
به نعم الظاهر اعتبار اتحاد البلد في الجميع لان للبلدان أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة انتهى وفيه نظر لان هذه الملابسة
لو اكتفى بها لم يتم اشتراط اتحاد البلد والسن بل كان يكتفى بأحدهما لصدق الملابسة معه وتمامية المشاكلة ومقاربة
المزاج بهما لا تصلح مؤنة لحكم شرعي مخصصة لعام النساء إن تم الاكتفاء بإضافته بأدنى ملابسة بل لا ينحصر الصدق
أيضا في البلد وحده والسن وحده لان وجوه أدنى الملابسة متكثرة ضرورة وفتح هذا الباب يخرج إلى تناول اللفظ
ما هو منفى بالاجماع ويمكن الجواب بنحو ما قلناه في الاختلاف وهو أن الاجماع على نفى الحكم عما عدا المتنازع مخصص فتبقى
صورة النزاع داخلة في العموم لكن يبقى اشتراط اتحاد البلد فإن الأكثر لم يعتبروه وتقويته للمشاكلة المفيدة للظن بتقارب
الأمزجة لا تصلح للتخصيص شرعا كما لا يخفى على العالم بمدارك الاحكام إذا تقرر ذلك فما القدر الذي يتحقق به الاقران
من لبس السن في كلام الأصحاب تعيين له وفى الصحاح القرن مسلك في السن والظاهر الرجوع في ذلك إلى العرف وهو دال على
أن من ولدن في السنة الواحدة إقران ولى ما زاد عنها إشكال من دخوله في صدق لفظ النساء وخروجه عن صدق الاقران
فإن اختلفن أي الاقران ولو بواحدة منهن كما تقدم أو فقدن بأحد المعنى المتقدمة تحيضت المبتدأة في كل شهر هلالي
بسبعة أيام أو ستة لورودها مع السبعة في حديث السنن أو بثلاثة أيام من شهر وعشرة أيام من شهر آخر وتخير في
في الابتداء بأيهما شاءت وهذه الأمور الثلاثة هي بعض الاعداد المعبر عنها بالروايات لورودها فيها والمشهور بين الأصحاب
اختصاص الحكم بهذه الثلاثة ومستند الستة والسبعة حديث السنن والثلاثة والعشرة رواية عبد الله بن بكير عنه عليه السلام
وضعف المحقق في المعتبر حديث السنن بأن رواية محمد بن عيسى عن يونس وقد استثنى الصدوق من مرويات يونس ما
انفرد به محمد بن عيسى وبإرسال يونس له والثاني بأن عبد الله بن بكير فطحي ثم اختار أخذها ثلاثة لأنها المتيقن و
تتعبد بقية الشهر وأجاب في الذكرى بأن الشهرة في النقل والافتاء بمضمونه حتى عد إجماعا يدفعهما قال ويؤيده أن
حكمة الباري أجل من أن تدع أمرا مبهما تعم به البلوى في كل زمان ومكان ولم يبينه على لسان صاحب الشرع مع لزوم
العسر والحرج فيما قالوه وهما منفيان بالآي والاخبار وغير مناسب للشريعة السمحة
والمضطربة الناسية لعادتها وقتا
وعددا وهي المعبر عنها بالمتحيرة لتحيرها في نفسها والمحيرة للفقيه في أمرها لا ترجع عند فقد التمييز إلى أهل ولا أقران
بل تتحيض بالسبعة أو الثلاثة والعشرة أو السنة وإنما خصصنا بهما اللفظ لان ناسية أحدهما خاصة لا ترجع إلى الروايات
عند المصنف وسيأتي الكلام فيها وهل أخذها بأحد الاعداد الثلاثة على جهة التخيير أو الاجتهاد بمعنى أن مزاجها إن كان
الغالب عليه الحرارة أخذت السبعة أو البرودة فالستة وإن كان معتدلا فالثلاثة والعشرة وجهان اختار ثانيهما المصنف
في النهاية محتجا بلزوم المحذور في التخيير بين فعل الواجب وتركه وينقص بيومي الاستظهار بعد العادة وبالتخيير
بين القصر والاتمام في الأماكن الأربعة والتسبيح بدل الحمد واختار الشهيد رحمه الله والمحقق في المعتبر وجماعة
التخيير وهو الظاهر لدلالة أو على التخيير في سياق الطلب أو فيما يمتنع فيه الجمع ومتى اختارت عددا جاز لها وضعه حيث
شاءت من الشهر لعدم الترجيح في حقها ولا يتعين أوله وإن كان أولى ولا اعتراض للزوج هذا في الشهر الأول وما
بعده يجب موافقته للأول في الوقت لبعد اختلاف مرات الحيض ولأن ذلك قائم مقام العادة في المعتادة مع احتمال
بقاء التخيير للعموم ولأن العادة تتقدم وتتأخر وكذا القول في التخيير في الاعداد بالنسبة إلى الدور الثاني إذا لم يوجد
69

ما هو أولى منه من تمييز أو عادة نساء تعذر علمها في الدور الأول هذا هو المشهور وعليه العمل ونقل المصنف عن الشيخ أن له
قولا بأنها مأمورة بالاحتياط فتفعل من أول الشهر إلى آخره ما تفعله المستحاضة وتغتسل بعد الثلاثة لكل صلاة
لاحتمال انقطاع الدم عندها إذ ما من زمان بعد الثلاثة إلا ويحتمل الحيض والطهر والانقطاع وجعله المصنف في القواعد
أحوط ويتفرع على هذا القول فروع جليلة ومسائل مشكلة لكن قال في الذكرى والقول بالاحتياط عسر منفى
بالآية والخبر وفي البيان الاحتياط هنا بالرد إلى أسوء الاحتمالات ليس مذهبا لنا وإن جاز فعله أشار بذلك إلى أنه مذهب العامة
ولو ذكرت المضطربة الوقت دون العدد فلا يختلف أما أن تذكر أوله أو آخره أو وسطه أو شيئا منه في الجملة فإن ذكروا
أول الحيض أكملته أقله وهو ثلاثة ليتقنه حينئذ ويبقى سبعة بعدها مشكوك فيها بين الحيض والطهر فيحتمل أن تجعل طهرا بناء
على أن تلك الثلاثة هي وظيفة الشهر والحيض المتيقن وهو اختيار الشهيد في البيان ويقوى رجوعها إلى الروايات السابقة
فلها جعله عشرة أو سبعة أو ستة لصدق النسيان الموجب للحكم في حديث السنن واختاره الشهيد أيضا ويحتمل أمرها
بالاحتياط إلى تمام العشرة بالجمع بين التكاليف وهو اختيار المصنف ولو ذكرت آخره فهو نهايتها أي الثلاثة فتجعلها حيضا والكلام
في السبعة السابقة كما تقدم وتعمل في باقي الزمان الزائد على الثلاثة في الصورتين ما أي العمل الذي تعمله المستحاضة بناء
على الاحتياط وتغتسل لانقطاع الحيض في كل وقت تحمل انقطاعه فيه وهو في الصورة الأولى بعد انتهاء الثلاثة وعند كل
صلاة وفعل مشروط بالطهارة لأنه محل وجوب الطهارة وإن كانت العبارة أشمل لان كل وقت يحتمل الانقطاع وإن لم
تحضر غاية مشروطة بالطهارة للاجماع على عدم وجوب غسل الحيض لنفسه فيجب عليها خمسة أغسال للصلوات الخمس قيل
ولا تداخل هنا بين هذه الأغسال وما يجب للاستحاضة فيجتمع عليها ثمانية أغسال مع كثرة الدم لان استمرار الحدث يمنع
التداخل وفيه نظر فإن قلنا به تخيرت بين تقديم أيهما شاءت وكذا الوضوء والأصح تداخل الأغسال مطلقا وعلى الأول
يجب عليها المسارعة بين الصلاتين إلى الغسل الثاني كما تجب عليها المسارعة إلى الوضوء لو كانت مستحاضة فإن أخلت بها
اغتسلت للاستحاضة أيضا ويجب عليها مع ذلك أن تترك الحائض بناء على القول بالاحتياط فيجتمع عليها تكاليف
الحائض والمستحاضة المنقطعة وفي الصورة الثانية وهي ما لو علمت آخره إنما تغتسل لانقطاع الحيض في آخره لكن تجمع
في السبعة السابقة بين تكليفي الحائض والمستحاضة دون المنقطعة لعدم الاحتمال وفي دخول هذه الصورة في قول المصنف
وتغتسل في كل وقت محتمل نوع من اللطف وعلى القول برجوعها إلى الروايات تضم إلى الثلاثة الأخيرة تمام ما اختارته
منها متصلا بها ولو ذكرت وسطه خاصة بالمعنى المعروف لغة وهو ما بين الطرفين أي عرفت أثناء الحيض فإن ذكرت يوما
واحدا حفته بيومين حيضا بيقين وضمت إلى الثلاثة تمام ما تأخذه من الروايات قبل المتيقن أو بعده متفرقا وإن ذكرت
يومين حفتهما بيومين آخرين فيتحقق لها أربعة حيضا وتضم إليها تمام الرواية وعلى الاحتياط تكمل ما تحققته عشرة قبله
أو بعده أو بالتفريق ولو ذكرت ثلاثة كذلك تحققت خمسة وأكملتها إحدى الروايات التي فوقها أو عشرة على الاحتياط
ولو ذكرت أربعة تحقق لها ستة واقتصرت عليها وأكملتها وهكذا ولو ذكرت الوسط بمعنى المحفوف بمتساويين فإن كان
يوما فالحكم فيه ما تقدم في اليوم غير أنها لا تختار من الروايات زوجا ليتحقق (لتحقق صح) تساوى الحاف بل تأخذ أما السبعة أو
الثلاثة وعلى ما اختاره المصنف من الاحتياط تضم إلى الثلاثة المتيقنة ثلاثة أخرى قبلها وثلاثة بعدها وتكتفي بالتسعة
للعلم بانتفاء العاشر حينئذ وإن كان الذي ذكرته وسطا يومين جعلت قبلهما يوما وبعدهما يوما وليس لها أن تختار من
الروايات السبعة لعدم إمكان كون اليومين وسطا لها بالمعنى المذكور بل أما الستة فتجعل يوما قبل الأربعة المتيقنة
70

ويوما بعدها أو العشرة فتجعل قبلها ثلاثة وبعدها ثلاثة لكن في الشهر الثاني ليس لها الاقتصار على الثلاثة وإن
كانت قسيمة العشرة لتيقنها الزيادة عليها فتقتصر على الأربعة وعلى الاحتياط تعمل كما تقدم في اختيار العشرة ولو علمته ثلاثة
تحقق لها خمسة وتختار من الروايات السبعة خاصة وعلى الاحتياط تكملها تسعة تجعل يومين قبلها ويومين بعدها
ولو علمته أربعة تحقق لها ستة وحفتها بأربعة اختارت رواية العشرة فيستوى في الشهر الأول القول بالرواية والاحتياط
وفي الشهر الثاني كذلك على الاحتياط وتقتصر على الستة على الروايات وعلى القول بالاقتصار على الثلاثة في الصورة الأولى
تقتصر في جميع هذه الصور على ما تيقنه ولو اختارت هذه رواية الستة اقتصرت على ما تيقنته في الشهرين وهكذا فهذه
ثمان صور مكلمة لما ذكره المصنف من الصورتين يتم بها مع ما بعدها أقسام المسألة إن شاء الله ولم أقف فيما قررته على كلام
للأصحاب غير إن الأصول تقتضيه ولو ذكرت وقتا في الجملة فهو الحيض المتيقن فعلى الروايات تكمله أحدها إن قصر عنها
قبله أو بعده أو بالتفريق وإن ساوى أحدها أو زاد اقتصرت عليه حسب ما يتصور وعلى الاحتياط تكمله عشرة أو تجعله نهاية
عشرة وهذا القسم إذا أخذت فيه الأيام كاملة احتمل تسع صور وإن لحظ فيه الكسر لم يتناه وحكمه أجمع داخل فيما ذكرناه
من العبارة واعلم إن كل عدد متأخر عن ما تيقنته في جميع الأقسام تجمع فيه بين أفعال المستحاضة والمنقطعة مع تروك
الحائض وكل عدد متقدم عليه لا يحتاج فيه إلى أفعال المنقطعة وهو واضح كل ذلك على القول بالاحتياط وإن كل
موضع أمرت فيه بالعشرة أو برواية مشروط بعدم علمها بقصور عدد حيضها عنها فلو علمت شيئا علمت به فلو تيقنت قصوره
عن العشرة اقتصرت على التسعة وهكذا وتقضى ذاكرة الوقت خاصة على القول بالاحتياط صوم أحد عشر يوما من شهر
رمضان لاحتمال الكسر وهو طرو الحيض في أثناء اليوم فيكمل في أثناء الحادي عشر ويفسد اليومان إلا أن تعلم عدم الكسر
فتقتصر على قضاء عشرة وعليه يحمل إطلاق الشيخ بقضاء عشرة ولو ذكرت المضطربة العدد خاصة فإن لم تعرف قدر
الدور وابتدأه لم تخرج عن التخيير المطلق إلا في نقصان العدد وزيادته عن الروايات كما لو قالت كان حيضي سبعة
لكن لا أعلم في كم أضللتها أو قالت مع ذلك ودوري ثلاثون لكن لا أعلم ابتداءه أو قالت دوري يبتدى يوم كذا ولا
أعرف قدره ففي هذه الصور ترجع إلى الروايات لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع في كل وقت وإن حفظت قدر الدور
وابتداءه مع العدد كما لو قالت حيضي سبعة في كل شهر هلالي فقدر العدد من أوله لا يحتمل الانقطاع لكن يحتمل الحيض
والطهر وبعده يحتمل الثلاثة إلى آخر الدور إن كان الاضلال فيه أجمع وإن تيقنت سلامة بعضه كالعشرة الأخيرة من
الشهر مثلا حكمت بكونها طهرا وجاء في العشرين ما مر والمختار حينئذ عند المصنف في غير الكتاب وجماعة اختصاص الحيض
بالعدد ولها تخصيصه كما تقدم في ناسيتهما وتجعل باقي الدور استحاضة وإن أمرناها بالاحتياط كما اختاره الشيخ عملت
في كل وقت من أوقات الضلال ما تعمله المستحاضة وتركت تروك الحائض ولزمها مع ذلك تكليف المنقطعة وهو إن تغتسل
للحيض في كل وقت يحتمل الانقطاع وهو ما زاد من العدد من أول الدور لعدم إمكان الانقطاع قبل انقضائه لان
غايته الابتداء في أول الدور فينتهي على العدد والمراد بالاغتسال في كل وقت بعد ذلك الاغتسال لكل صلاة وعبادة
مشروطة به كما تقدم وتقضى هذه صوم عادتها خاصة وهي العدد الذي حفظته إن علمت عدم الكسر وإلا لزمها قضاء
يوم آخر هذا وهو لزوم الاحتياط في جميع الوقت وعدم تحقق الحيض إنما يتم إن نقص العدد الذي ذكرته عن نصف الزمان
الذي أضلته فيه كما لو أضلت سبعة في شهر أو ساواه كما لو أضلت خمسة في العشرة الأولى من الشهر ولو زاد العدد
عن نصف الزمان فالزائد وضعفه حيض من وسط الزمان كالخامس والسادس لو كان العدد الذي أضلته ستة في
71

العشرة الأولى من الشهر مثلا لاندراجهما حتما تحت تقدير تقدم الحيض وتأخره وتوسطه ويبقى لها من العدد
أربعة فعلى القول بالتخيير تضمها إلى الخامس والسادس متصلة بهما متقدمة أو متأخرة أو بالتفريق وعلى الاحتياط
تجمع في الأربعة الأولى بين تكليف المستحاضة وتروك الحائض وتزيد في الأربعة الأخيرة الاغتسال لكل صلاة
وعبادة مشروطة بالطهارة ولو أضلت خمسة في التسعة الأولى فالخامس خاصة حيض لان العدد يزيد عن نصف الزمان
بنصف يوم فهو مع ضعفه يوم كامل حيض ولو أضلت سبعة في العشرة فالمتحقق حيضا أربعة وهو الرابع والسابع
وما بينهما وهكذا هذه وقاعدة كلية ترجع إليها المسائل المعروفة بفروع الامتزاج فنذكر منها أمثلة للتدرب بها في (تحصيل صح) نظائرها
إذ لا حصر لها فلو ذكرت ذات العشرة مزج امتزاج أحد نصفي الشهر بالآخر بيوم فقد أضلتها في ثمانية عشر فالزائد من العشرة عن
نصفها وهو يوم وضعفه حيض في وسط وقت الضلال وهو ما بين السادس والخامس والعشرين فالخامس عشر والسادس
عشر حيض متيقن كما أن الستة الأولى من الشهر والأخيرة طهر متيقن ويتعلق احتمال الانقطاع بالسادس عشر إلى الرابع
والعشرين فعلى الاحتياط تغتسل عليهما للحيض وتجمع في الثمانية السابقة على اليومين واللاحقة لهما بين أفعال للمستحاضة
وتروك الحائض وعلى الاحتياط تضم أي الثمانيتين شاءت إلى اليومين ولو علمت امتزاجهما بيومين فالرابع عشر والسابع
عشر وما بينهما حيض متيقن لاضلال العشرة في ستة عشر وهي ما بين السابع والرابع والعشرين والسبعة الأولى و
الأخيرة طهر متيقن والباقي مشكوك واحتمال الانقطاع يتعلق بالسابع عشر إلى الثالث والعشرين وقس عليهما
مزج ما زاد ولو علمت إن الثاني عشر حيض فلا يقين بغيره لاضلالها العشرة في تسعة عشر وهي ما بين الثاني والثاني
والعشرين فالزائد عن نصفها وهو نصف يوم وضعفه حيض فهو الثاني عشر واحتمال الانقطاع يتعلق بآخره إلى
آخر وقت الضلال والأولان والتسعة الأخيرة طهر متيقن والباقي محل الاحتياط ولو علمت مزح إحدى العشرات بيوم
فلا يقين لها بالحيض لزيادة نصف الزمان على العدد لكن يتحقق طهر الأول والأخير ويتعلق احتمال الانقطاع بالحادي
عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين والتاسع والعشرين ولو كان المزج بيومين فمثلهما طهر من أوله وآخره والباقي
مشكوك فيه واحتمال الانقطاع تالي الحادي عشر والحادي والعشرين ومتلو الآخرين وقس عليهما مزح ما زاد ولو
مزجت ذات الخمسة إحدى العشرات بيوم فالستة الأولى والأخيرة والخامس عشر والسادس عشر طهر متيقن ولا يقين
بالحيض أيضا ويتعلق احتمال الانقطاع بالحادي عشر والرابع عشر والحادي والعشرين والرابع والعشرين و
الباقي مشكوك فيه بين الطهر والحيض ومن فروع القاعدة ما لو علمت ذات الثمانية إن لها في كل شهر حيضتين فملاحظة
أقل الطهر بينهما توجب انحصار الثمانية الأولى في الاثني عشر الأولى والأخيرة في الأخيرة وهي تزيد على نصفها بيومين فالأربعة
الوسطى من كل واحدة حيض بيقين والطرفان مشكوك فيهما وما بينهما من الشهر وهو الستة التي أولها الثالث عشر وآخرها
الثامن عشر طهر بيقين لأنه لا يمكن تأخر الحيض الأول عن أول الخامس ولا تأخر الثاني عن الثالث والعشرين والمتيقن
من الأولى من أول الخامس إلى آخر الثامن وفي الثانية من الثالث والعشرين إلى السادس والعشرين فالمتيقن ثمانية
والضال ثمانية تضعها حيث شاءت مما لا يدخل في الطهر المتيقن وهو الأربعة الأولى والأخيرة ومن التاسع إلى
آخر الثاني عشر ومن التاسع عشر إلى آخر الثاني والعشرين ورتب على هذه الفروع ما يرد عليك من نظائرها وكل
دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض سواء كان بصفة دم الحيض أم لا كما صرح به المصنف في غير هذا الكتاب وغيره وقد
تقدم إن الصفرة والكدرة في أيام إمكان الحيض حيض
فلو رأت ثلاثة إلى العشرة ثم انقطع عشرة ثم رأت ثلاثة
72

فهما حيضان والامكان أما باعتبار المرأة كالبلوغ وعدم اليأس أو المدة كعدم نقصه عن ثلاثة وعدم زيادته على
عشرة أو المحل كخروجه من الجانب الأيسر مع اعتباره مطلقا أو عند الاشتباه بالقرحة أو دوام الوقت كتوالي الثلاثة
أو الحال كعدم الحمل إن لم نقل بحيض الحامل أو تأخر الولادة عنه عشرة فصاعدا إن قلنا به لاستحالة قصور الطهر
عن أقله والنفاس كالحيض هنا وكذا ما يتعقب النفاس من الدم يعتبر في الحكم بكونه حيضا مضى أقل الطهر وقد نبه عليهما
المصنف في النهاية أو أوصاف الدم كالحمرة مع السواد حيث يتحقق التمييز وإنما يعتبر الامكان بعد استقرار الحال فيما يتوقف
عليه فلا يرد النقض بيومي الاستظهار مع عبور الدم العشرة فإنهما وإن أمكن كونهما حيضا قبل التجاوز لكن الحكم
فيهما موقوف على اعتبار التجاوز وعدمه وكذا القول في أول رواية الدم مع انقطاعه دون الثلاثة ونحوه ولا يخفى
افتقاد العبارة في تأدية ذلك إلى فضل تكلف ولو رأت المرأة ثلاثة أيام وانقطع ثم رأت اليوم العاشر خاصة
بأن انقطع عليه وإن تجدد بعد ذلك فالعشرة حيض سواء في ذلك المعتادة وغيرها وكذا الحكم لو انقطع على ما دون العشرة
بطريق أولى والضابط إن كل دمين فصاعدا في العشرة تخللهما نقاء أو أكثر وحكم على الأول بكونه حيضا فإن
الجمع حيض وإن عبر الثاني العشرة فالحيض الأول خاصة إن لم تكن ذات عادة أو كانت ولم يصادف الدم الثاني
جزأ منها ولو صادف فجميع العادة حيض أما زمان الدمين فظاهر وأما النقاء فلكونه محفوفا بدى الحيض ولو تعدد
النقاء مع تجاوز أحد الدماء فما في العشرة من الدماء المنقطعة والنقاء حيض ويجب عليها الاستبراء وهو طلب براءة الرحم
من الدم عند الانقطاع لدون العشرة بأن تضع قطنة وتصبر عليها ثم تنظر فإن خرجت القطنة نفية فطاهر يجرى
عليها الاحكام وفي رواية شرحبيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت كيف تعرف الطامث طهرها قال تعمد برجلها اليسرى
الحائط وتستدخل الكرسف بيدها اليمنى فإن كان مثل رأس الذباب خرج على الكرسف وكلام المصنف خال عن الكيفية
ويدل على إطلاقه رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة فإن
خرج عليها شئ من الدم فلا تغتسل وإن لم تر شيئا فلتغتسل ولا استظهار حينئذ خلافا لظاهر المختلف وإلا أي وإن
لم تخرج القطنة نقية من الدم بأي لون اتفق صبرت المعتادة عددا ووقتا أو عددا خاصة بعد عادتها يومين
وهما المعبر عنهما بيومي الاستظهار وهو طلب ظهور الحال في كون الدم حيضا أو طهرا ولها الاقتصار على يوم لوجوده
مع اليومين في خبر محمد بن مسلم وغيره وفي بعضها أو ثلاثة وفي خبر يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السلام تنتظر
عادتها ثم تستظهر بعشرة أيام والمراد إلى تمام العشرة واختاره المرتضى وابن الجنيد وقواه في الذكرى مطلقا وفي البيان
مقيدا بظنها بقاء الحيض وكأنه يريد به ظن الانقطاع على العشرة وإلا فمع التجاوز ترجع ذات العادة إليها وإن
ظنت غيرها ودلالة الاخبار على التخيير بين الجميع ظاهرة والاستظهار المذكور على سبيل الاستحباب عند الأكثر لقوله
عليه السلام تحيضي أيام أقرائك ومفهومه الصلاة بعدها وأوضح منه دلالة خبر ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام المستحاضة
إذا مضى أيام أقرائها اغتسلت وغيرهما من الأخبار الدالة على الاذن في العبادة بعد العادة ولا فرق في الاستظهار
والرجوع إلى العادة بين تقدمها وتأخرها أو أن ترى قبلها وبعدها وفيها والتقييد بالمعتادة يقتضى عدم استظهار
المبتدأة والمضطربة إذا لم ينقطع دمهما على العدد الذي تحيضتا به وصرح الشهيد في الدروس باستظهارهما وفي الذكرى
باستظهار المبتدأة بيوم لرواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام ثم بعد الاستظهار المذكور تغتسل وتصوم وتتعبد
فإن انقطع الدم على العاشر تبين أن الجميع حيض وإن ما عملته في أيام الاستظهار موافق للواقع وما فعلته بعد الاستظهار
73

باطل لوقوعه في الحيض لكن لا حرج عليها فيما فعلته من صلاة وصوم ووقاع للاذن فيه ظاهرا وقضت ما صامت من
العشرة بعد الاستظهار وإلا أي وإن لم ينقطع على العاشر فلا قضاء لما صامت لتبين وقوعه في الطهر ولا ريب في قضاء
صوم أيام الاستظهار لوجوبه على تقديري الحيض والطهر وكذا صلاته على المشهور لظهور طهر ما زاد على العادة وجواز تركها
ارتفاقا من الشارع بحالها لاحتمال الحيض لا يمنع من وجوب القضاء إذا تبين فساد الاحتمال بعبور العشرة ولعموم من فاته
صلاة ونقل عن المصنف أنه أفتى في المنتهى بعدم الوجوب وجعل احتمالا في النهاية لأنها مأمورة بالترك أما وجوبا أو
استحبابا فلا يتعقب القضاء وقد عرفت جوابه ولأن وجوب القضاء لا يتبع وجوب الأداء وإنما يجب بأمر جديد وهو موجود
هنا هذا حكم المعتادة وأما المبتدأة فإنها تصبر حتى تنقى أو تمضي العشرة فإذا مضت ولم ينقطع رجعت حينئذ إلى التمييز
ثم إلى ما بعده فتقضى العبادة على وفق ما قرر لها هذا في الشهر الأول وفي الثاني إن وجدت تمييزا عملت به وإن كانت
في الأول قد أخذت بما بعده لعدمه فلو رأت في الأول أحمر وعبر العشرة فرجعت إلى نسائها وأخذت السبعة مثلا وفي
الشهر الثاني رأت خمسة سوادا ثم أحمر وعبر العشرة أخذت الخمسة عملا بالتمييز وإن فقدته اغتسلت وتعبدت بعد تمام
العدد المأخوذ المستفاد من عادة نساء أو رواية ثم إن عبر العشرة ظهر صحة عملها وقعودها وإن انقطع عليها تبين إن الجميع
حيض فتقضى ما صامت كالمعتادة وظهر بطلان الغسل ولا أثم في الصلاة والصوم الوقاع بعد الغسل كما مر
وكذا القول
فيما بعده من الأدوار وأما المضطربة فتغتسل بعد ما تأخذه من الروايات مع عدم التمييز ويجئ عند انقطاعه على العشرة
ما ذكر وقد تقدم اختيار الشهيد رحمه الله استظهارهما كالمعتادة بعد العدد المأخوذ ولو رأت ذات العادة الدم في
العادة وفي الطرفين قبلها وبعدها أو رأته في العادة وفي أحدهما ولم يتجاوز الجميع عشرة أيام فالجميع وهو العادة
وما قبلها وما بعدها حيض لامكانه ولأن كل دم ينقطع على العشرة فما دون لا يفرق فيه بين المعتادة وغيرها في الحكم
بكونه حيضا وإلا أي وإن تجاوز العشرة فالعادة حيض دون الطرفين لما تقدم من أن الدم متى تجاوز العشرة رجعت
ذات العادة إليها ولا فرق في اختصاص العادة بالحيض بين إمكان ضميمة الطرف الأول إليها وعدمه لما تقدم ولاستواء
نسبة الطرفين إلى العادة فضم الأول إليها خاصة ترجيح من غير مرجح ولا يقال أن المرجح هو قولهم كل دم يمكن أن يكون
حيضا فهو حيض وضميمة الأول إذا لم يستلزم عبور العشرة منه لان ذلك مقيد بعدم عبوره العشرة وإلا لوجب الحكم
بالعشرة مع العبور مطلقا للامكان بهذا المعنى واعلم أنه مع روية المعتادة الدم قبل العادة كما هو المفروض هنا هل
تترك العبادة بمجرد رويته أم يجب الصبر إلى مضى ثلاثة أو وصول العادة يبنى على إيجاب الاحتياط بالثلاثة على المبتدأة
والمضطربة وعدمه فإن لم توجبه عليهما كما هو اختيار المصنف في المختلف لم يجب عليها بطريق أولى وإن أوجبناه كما اختاره
المرتضى وابن الجنيد والمحقق في المعتبر احتمل إلحاقها بهما لان تقدمه على العادة الملحقة بالأمور الجبلية يوجب الشك في
كونه حيضا فتكون فيما سبق على أيام العادة كمعتادة العدد مضطربة الوقت ولظاهر قول الصادق عليه السلام إذا رأت
الدم أيام حيضها تركت الصلاة إذ الظاهر أن المراد بأيام حيضها العادة ومثله قوله عليه السلام المرأة ترى الصفرة
أيام حيضها تصلى ولا يحتمل قويا عدمه لصدق الاعتبار عليها
ولأن العادة تتقدم وتتأخر ولعموم رواية منصور بن حازم عنه عليه السلام أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر ومثله
خبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام تفطر إنما فطرها من الدم وهذان الحديثان كما يشملانها يشملان المبتدأة والمضطربة
والخبران الأولان لا ينافيانهما لما تقدم من اختيار أن المراد بأيام إمكانه وأجاب في المعتبر بأن الحكم بالافطار
74

عند الدم مطلقا غير مراد فيصرف إلى المعهود وهو دم الحيض ولا يحكم بكونه حيضا إلا إذا كان في العادة فيحمل على
ذلك وفيه منع لان اللام مع عدم سبق عهدها يحمل على الجنسية أو الاستغراق وكلاهما محصل للمدعى ولو
فرض خروج بعضه الافراد بنص خاص بقي الاستغراق حجة على الباقي ولو سلم حملها على العهد لم يضرنا لان المراد
به ما يمكن كونه حيضا لا ما تحقق كونه حيضا للقطع بأن تحقق الحيض لا يتفق في أول روية الدم كما هو المفروض
في الرواية وإن كان في أيام العادة لامكان انقطاعه قبل الثلاثة وإمكان الحيض مشترك بين المعتادة وغيرها
واختار الشهيد في البيان عدم وجوب الاحتياط على المضطربة إذا ظنت الدم حيضا وحمل عليه رواية إسحاق بن عمار عن
الصادق عليه السلام في المرأة ترى الصفرة إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض وهو عجيب فإن المضطربة ليس لها أيام
للحيض حتى يسبقها الدم المذكور بيومين بل هو دال على ما قدمناه من روية المعتادة الدم قبل عادتها إلا أنه لا
يدل على حكم ما زاد على اليومين ويمكن أن يقال جواز ترك العبادة قبل العادة بيومين يستلزم جوازه مطلقا
لانحصار الخلاف في المنع مطلقا والجواز مطلقا فالتقييد باليومين إحداث قول ثالث
ويجب عليها الغسل عند الانقطاع
وجوبا مشروطا بوجوب ما لا يتم إلا به كالصلاة والطواف للاجماع على وجوب هذا الغسل لغيره وإنما علق الوجوب
على الانقطاع لأنه وقت تمام السبب فأطلق الوجوب عند حصوله وإن كان وجوب المسبب معلقا على الشرط كما تقول يجب
على الحائض القضاء وإن كان لا يتحقق إلا مع الطهر وكيفيته كغسل الجنابة ترتيبا وارتماسا فيلحقه أحكامهما
لكن لا بد معه من الوضوء سابقا على الغسل أو لاحقا له والأول أفضل وتتخير بين الرفع والاستباحة فيهما في الحالين
ويحرم عليها في زمان رؤية الدم فعل كل مشروط بالطهارة كالصلاة الواجبة والمندوبة والطواف الواجب دون
المندوب خلافا للمصنف في النهاية كما تقدم وكذا يحرم عليها مس كتابة القرآن لقوله تعالى لا يمسه إلا المطهرون وهو
خبر معناه النهى وفي معناه اسم الله تعالى وأسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام وفاطمة عليها السلام كما تقدم ولا
يصح منها الصوم في زمان رؤية الدم أيضا لقوله صلى الله عليه وآله إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم وإنما غير
الأسلوب في الصوم من التحريم إلى عدم الصحة لينبه على اختلاف حكم الثلاثة المتقدمة وحكم الصوم فإن مشروطيتها بالطهارة
أقوى منه للاجماع على عدم صحتها بعد النقاء قبل الغسل والخلاف فيه وكذا القول في تحريم طلاقها وكذا لا يصح طلاقها
في زمان رؤية الدم مع الدخول بها وحضور الزوج عندها حكمه أي حكم الحضور وهو قربه منها بحيث يمكنه استعلام حالها
أو غيبته عنها من دون يعلم انتقالها من الطهر الذي فارقها فيه إلى غيره بحسب عادتها الغالبة فغير المدخول بها يصح طلاقها
في حال الحيض وكذا من غاب عنها زوجها مع العلم المذكور أو كان في حكم الغائب وهو القريب منها مع عدم إمكان استعلام
حالها كالمحبوس ولا تقدير للغيبة المجوزة للطلاق شرعا فيرجع فيها إلى العرف لأنه المرجع عند تعذر الحقيقة الشرعية
وتقريبه كل من ليس من شأنه الاطلاع على أحوالها عادة لبعد المنزل أو حكمه وينبغي مراعاة الاحتياط في مواضع الاشتباه
حفظا لحرمة الفروج والأنساب ويشترط أيضا في عدم صحة طلاقها انتفاء حملها فلو كانت حاملا صح طلاقها وإن كانت
حايضا بناء على إمكان اجتماعهما وسيأتي في باب الطلاق وجه ذلك كله ويحرم عليها اللبث بفتح اللام وسكون الباء
في المساجد وهو المكث مثلث الميم وهذا في غير المسجدين الحرمين وفيهما يحرم الدخول مطلقا رواه محمد بن مسلم عن
الباقر عليه السلام والذي دلت عليه الأخبار كخبر محمد بن مسلم وظاهر الآية الاذن في الاجتياز وعبور السبيل وهما
يقتضيان المرور من أحد بابي المسجد إلى الاخر ويلحق باللبث التردد في جوانب المسجد لان التردد في غير جهة الخروج كاللبث
75

كما نبه عليه المصنف في النهاية ولا فرق في الجواز بين أن يكون لها سبيل إلى المقصد غير المسجد أو لا يكون للعموم كما في الجنب
لاشتراكهما في الحدث ودليل المنع والإباحة ويحرم عليها وضع شئ في المساجد أيضا كالجنب رواه زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام قال سألته كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه قال لان الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها
في غيره ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلا منه وعد سلار اللبث في المساجد للجنب والحائض ووضع شئ فيها مما يستحب تركه ولم
يفرق بين المسجدين وغيرهما ويدفعه النص والاجماع وكذا يحرم عليها قراءة العزائم الأربع وأبعاضها للنص والاجماع
ولو فرض منها تلاوة أحدها وجب عليها السجود وإن أثمت كما أشار إليه بقوله وتسجد وهو خبر معناه الامر بالسجود لو تلت
إحدى السجدات أو استمعت لمن يقرأها ولا تحريم فيه والمراد بالاستماع الاصغاء وكذا تسجد لو سمعت السجدة من غير قصد
لاشتراك الجميع في المقتضى وعدم علاقة الحيض للمانعية أما الأول فلما روى في الصحيح عن الباقر عليه السلام حيث سئل
عن الطامث تسمع السجدة قال إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها ولما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام قال
إذا قرئ شئ من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت المرأة لا تصلى وأما
الثاني فلان احتمال المنع إنما نشأ من كون السجود جزأ من الصلاة المشترطة بالطهارة كما هو حجة الشيخ على عدم السجود
وهو ممنوع لان المساواة في الهيئة لا تقتضي المشاركة في الشرائط ولأن اشتراط المجموع بشئ لا يقتضى اشتراط الاجزاء
بذلك وما ورد من قوله عليه السلام في خبر عبد الرحمن في الحائض تقرأ ولا تسجد محمول على السجدات المستحبة بدليل
قوله تقرأ فلا تصلح حجة للشيخ وإنما ترك مسألة السماع لان بحثه عن الوجوب لدلالة ظاهر الامر عليه والسماع لا يوجب
عنده ولأن القصد التنبيه على خلاف الشيخ رحمه الله وقال الشهيد رحمه الله في بعض تحقيقاته إن المصنف إنما ترك السماع
لأنه مدلول عليه بالالتزام وفي تحقيق اللزوم نظر واعلم إن هذه الأمور المحرمة عليها ليست غاية زوال التحريم فيها واحدة
بل منه ما غايته الطهارة كالصلاة والطواف ومس كتابة القرآن ودخول المساجد وقراءة العزائم ومنه ما غايته انقطاع
الدم كالطلاق فإن تحريمه مرتفع بالنقاء وإن لم تغتسل ومنه ما اختلف في إلحاقه بأحد القسمين وهو الصوم فالمشهور
إلحاقه بالصلاة فلا يصح الصوم بدون الغسل وإن لم يتوقف على الوضوء واختار المصنف في النهاية تبعا لابن أبي عقيل انتهاء
غاية التحريم فيه إلى النقاء وإن لم تغتسل ولم يذكر في النهاية عليه دليلا لكنه مذهب العامة وهو بأصولهم أشبه لعدم
اشتراط الطهارة في الصوم عندهم لصحته من الجنب والترجيح مع المشهور بأمور أحدها أن الحيض مانع من الصوم في الجملة
فيستصحب حكم المنع إلى أن يحصل المنافى له شرعا باليقين وهو غير حاصل قبل الغسل لعدم الدليل الصالح على ذلك
ولا يعارض بأن عموم الأوامر بالصوم يدخل المتنازع ولا يخص إلا بدليل وليس المتنازع كذلك لان الحائض قد خرجت
من عموم الأوامر بحصول الدم المحكوم بكونه حيضا فلا تعود حتى يتحقق ارتفاع المانع وهو إنما يتم بالغسل وثانيها إن الصوم
من الحائض غير صحيح قطعا والوصف ثابت بعد النقاء بل وبعد الغسل لما تقرر في الأصول من أنه لا يشترط لصدق الاشتقاق
بقاء المعنى المشتق منه لكن خرج من ذلك ما أخرجه الدليل وهو ما بعد الغسل فيبقى الباقي على أصله وثالثها إن المستحاضة
الكثيرة الدم لا يصح صومها بدون الغسل إجماعا مع أنها أخف حدثا من الحائض قطعا فعدم صحة صوم الحائض قبله أولى
وليس هذا من باب القياس الممنوع بل من باب مفهوم الموافقة وكذا القول في النفساء بعد النقاء بتقريب الدليل ويحرم
على زوجها وطؤها قبلا في زمان الدم بإجماع المسلمين حتى إن مستحله كافر مرتد لانكاره ما علم من الدين ضرورة
فيجرى عليه أحكامه ما لم يدع شبهة ممكنة في حقه كقرب عهده من الاسلام ونشوة في بادية بعيدة عن العلم بمعالم الدين ولو
76

كان غير مستحل فإن كان عالما بالحيض والتحريم فعل محرما فيعزر كما في كل فاعل محرم عالم به بما يراه الحاكم ونقل عن أبي
علي بن الشيخ أبى جعفر تقديره بثمن حد الزاني ولا نعلم المأخذ فالمرجع فيه إلى رأى الحاكم كما في غيره من التعزيرات
غير المنصوصة ولو جهل الحيض أو التحريم أو نسيهما فلا شئ عليه لرفع حكم الخطاء والنسيان ويجب القول من المرأة
لو أخبرت بالحيض إن لم تتهم بتضييع حقه لقوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن الآية ولولا وجوب القبول لما
ظهر لتحريم
الكتمان فائدة ولو اشتبه الحال فإن كان لتحيرها فقد تقدم حكمه وإن كان لغلبة ظنه لكذبها فقد أوجب المصنف في
النهاية والمنتهى والشهيد في الذكرى الامتناع وفيه نظر ولو اتفق الحيض في أثناء الوطئ وجب التخلص منه في الحال فإن
استدام فكالمبتدئ ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة فيجب عليها الامتناع بحسب الامكان فتعزر أيضا مع المطاوعة لكن
لا كفارة عليها إجماعا ولأصالة البراءة وعصمة المال وهل يجب عليه مع ذلك كفارة قيل لا بل يستحب الكفارة كما اختاره
المصنف والشيخ في النهاية وجماعة من المتأخرين والمشهور خصوصا بين المتقدمين كالمفيد والمرتضى وابن بابويه وغيرهم الوجوب
حتى ادعى الشيخ فيه الاجماع ومنشأ القولين من اختلاف الروايات فالأول استند مع أصالة البراءة إلى ما رواه
الشيخ في الصحيح عن عيص بن القسم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل واقع امرأته وهي طامث قال لا تلتمس فعل
ذلك قد نهى الله أن يقربها قلت فإن فعل عليه كفارة قال لا أعلم شيئا يستغفر الله تعالى هذا الخبر دال على عدم
الكفارة ب
بلغ وجه لان ما لا يعلم الامام وجوبه لا يكون واجبا وإلا لعلمه لامتناع أن يخفى عليه شئ من الاحكام والحال أنه
حافظا للشرع وإلى غيره من الأخبار الدالة على عدم الكفارة صريحا مع صحة سندها واستند الثاني إلى روايات ضعيفة
الاسناد مختلفة التقدير موجبة على تقدير دلالتها على الوجوب لتأخر البيان عن وقت الحاجة فحملها على الاستحباب أوجه
فإن اختلاف التقادير في المستحب واقع كتصدقوا بتمرة وبشق تمرة وبصاع وبنصف صاع ولا ريب إن الاحتياط طريق
اليقين ببرائة الذمة وعلى تقديري الوجوب والاستحباب فالكفارة في الوطئ في أوله وهو ثلثه الأول على المختار كالأول
لذات الثلاثة بدينار أي مثقال ذهبا خالصا مضروبا كانت قيمته في زمانه صلى الله عليه وآله عشرة دراهم فلا تجزى
القيمة ولا التبر لعدم تناول النص لهما كباقي الكفارات ولو طرأ نقصان قيمته أو زيادتها على ما كان في عهده صلى الله عليه وآله
كهذا الزمان احتمل بقاء حكم القيمة واعتبار الدينار بالغا ما بلغ وفي الذكرى نسب تقديره بشعرة دارهم إلى
الشيخين وهو يشعر بتوقفه فيه وأن يراد به المثقال ومع الوطئ في أوسطه وهو الثلث الأوسط كالثاني لذات الثلاثة
بنصفه أي بنصف الدينار كما تقدم ومع الوطء في آخره وهو الثلث الأخير بربعه ومستند التفصيل رواية داود بن فرقد
المرسلة عن أبي عبد الله عليه السلام ولا راد لها ولا معارض وحيث كان الاعتبار في الأول والوسط والأخير بالعادة فتخلف
باختلافها فالأول لذات الثلاثة اليوم الأول ولذات الأربعة هو مع ثلث الثاني ولذات الخمسة هو مع ثلثيه ولذات
الستة اليومان الأولان وعلى هذا القياس ومثله الأوسط والأخير وقال سلار الوسط ما بين الخمسة إلى السبعة واعتبر
الراوندي العشرة دون العادة وعليهما قد يخلو بعض العادات عن الوسط والاخر ورجوع الضمير في قوله عليه السلام يتصدق
إذا كان في أوله بدينار إلى الحيض من غير تفصيل يدفعهما مع ندورهما والنفساء في ذلك كالحائض غير أنه قد يمكن اجتماع
زمانين أو ثلاثة في وطئ واحد بالنسبة إلى النفساء وحينئذ فيحتمل تعدد الكفارة لصدق الأزمنة لغة واختاره الشهيد في
الذكرى واحتمله في البيان وعدمه لعدم صدقها عرفا وهو مقدم على اللغة مع أصالة البراءة وفي شهادة العرف بذلك
نظر ولو تم لم يكن بد من القول به لتقدمه عليها ومصرف هذه الكفارة الفقراء والمساكين من أهل الايمان ولا يجب التعدد
77

فيكفي الواحد ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة الحرة والأمة للعموم وهل يلحقها الأجنبية المشتبهة أو المزني
بها وجهان منشأهما استلزام ثبوت الحكم في الأدنى ثبوته في الأعلى وعدم النص مع احتمال كون الكفارة مسقطة للذنب
فلا تتعدى إلى الأقوى واختاره الأولى المصنف والشهيد رحمه الله ويشهد له أيضا رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام من
أتى حائضا حيث علق الحكم عن المطلق من غير تقييد فكان كالعام ولو كانت الحائض الموطوءة أمته تصدق بثلاثة إمداد
من طعام على ما اختاره المصنف تبعا للشيخ في النهاية والصدوق وجوبا أو استحبابا والمستند رواية لا تنهض بحجية المدعى
ولا فرق حينئذ بين أول الحيض وأوسطه وآخرة لاطلاق الرواية والفتوى ولا بين الأمة القنة والمدبرة وأم الولد والمزوجة
وإن حرم الوطئ وفي المكاتبة المشروطة والمطلقة وجهان مبنيان على الأجنبية وأولى بالوجوب أما المعتق بعضها فكا
لأجنبية مع احتمال التقسيط وإعطاء كل من الجهتين حكمها فرع لو كرر الوطئ ففي تكرر الكفارة مطلقا وعدمه مطلقا
أو تكررها مع اختلاف الزمان أو سبق التكفير لا بدونهما أقوال اختار أولها الشهيد في مختصريه وشهد له كون كل
وطئ سببا في الوجوب وتداخل الأسباب على خلاف الأصل وإنما الأصل إن اختلاف الأسباب يوجب اختلاف المسببات
وعلى هذا فيصدق تكرر الوطئ بالادخال بعد النزع في وقت واحد ويتحقق الادخال بغيبوبة الحشفة لأنه مناط
الوطئ شرعا واستند ابن إدريس في عدم التكرر مطلقا إلى أصالة براءة الذمة فشغلها بواجب أو ندب يحتاج
إلى دلالة شرعية واستشهد عليه بعدم تكرر الكفارة على من كرر الأكل في شهر رمضان اتفاقا وقد عرفت جواب
الاستدلال بالبراءة فإن تعليق الحكم في النصوص على الوطئ وجعله سببا أوجب شغل الذمة فمدعى التداخل يحتاج
إلى الدليل والقياس على تكرر الأكل في الصوم إن كان مع تكرر الأيام فالاتفاق على عدم التكرر فيه ممنوع بل المختار
فيه التكرر وإن عنى به مع (فساد؟) اليوم هو أخص من الدعوى مع أنه عين المتنازع وإن لم يكن عليه إجماع فالمختار
فيه كما هنا والثالث اختار المصنف والشهيد في الذكرى استنادا مع تغاير الوقت إلى أنهما فعلان مختلفان في الحكم
فلا يتداخلان كغيرهما من العقوبات المختلفة على الأفعال المختلفة ومع تخلل التكفير إلى أن الكفارة إنما تجب أو تستحب
بعد موجب العقوبة فلا تؤثر المتقدمة في اسقاط ما يتعلق بالفعل المتأخر وفي عدم التكرر مع عدم الامرين إلى
أن الكفارة متعلقة على الوطئ من حيث هو هو فكما أن يصدق في الواحد يصدق في المتعدد فيكون الجزاء واحدا وجوابه أما
عن الأول فبمنع أن عدم التداخل ثم معلل باختلافها في الحكم والاستشهاد بالعقوبات قياس لا نقول به بل الوجه
في ذلك إنما هو كون تداخل الأسباب على خلاف الأصل وهو ثابت مع اتفاق الحكم ومثله القول في التعليل الثاني و
عن الثالث بأنه لو تم للزم مثله مع تغاير الوقت فإن وجوب الكفارة إن كان معلقا على الوطئ من حيث هو هو
بحيث لا مدخل للافراد لم يؤثر في ذلك تغاير الوقت على وجه يقتضى التعدد ثم يمكن القول بموجب دليله وسوقه
على وجه يستلزم التعدد مطلقا بأن يقال الكفارة مسببة عن الوطئ وصدقه في المتعدد كصدقه في كل واحد من آحاده
فيتكرر السبب والأصل فيه وعدم التداخل فقد ظهر إن القول الأول أوجه ومثله القول في تكرر الافطار في شهر رمضان مطلقا
ويكره وطئ الحائض بعد انقطاعه سواء كان في زمان العادة أم لا قبل الغسل من غير تحريم على أشهر القولين
لدلالة القرآن والاخبار عليه أما الأول فقوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن والاستدلال
به من وجهين أحدهما دلالة صدر الآية على اختصاص النهى بزمان الحيض وبمكانه فإن المحيض أما بمعنى الزمان أو المكان كالمجئ
والمبيت أو أنه مصدر يقدر معه الزمان أو المكان وإنما يكون كذلك مع وجود الدم والتقدير عدمه فينتفى التحريم والثاني
78

جعله سبحانه غاية لتحريم خروجهن من الحيض بقوله حتى يطهرن بالتخفيف كما قرأ به السبعة أي يخرجن من الحيض يقال طهرت
المرأة إذا انقطع حيضها فيثبت الحل بعده مقتضى الغاية ولا يعارض بقراءة التضعيف حيث أن ظاهرها اعتبار التطهير أعني
الاغتسال لامكان حملها على الطهر توفيقا بين القراءتين فقد جاء في كلامهم تفعل بمعنى فعل مثل تطعمت الطعام وطعمته
وقطعت الحبل فتقطع وكسرت الكوز فتكسر فإن الثقيل في هذه الأمثلة بمعنى الخفيف ومثله للتكبر في أسماء الله تعالى
فإنه بمعنى الكبر أو تحمل قراءة التضعيف على الاستحباب صونا للقراءتين عن التنافي كما ذكره في المعتبر ولا يعارض أيضا بمفهوم الشرط
في قوله تعالى فإذا تطهرن فأتوهن لان غايته تعارض مفهوم الغاية والشرط فيتساقطان ويرجع إلى حكم الأصل
وهو الحل حتى يقوم الدليل على التحريم أو أنه مستأنف منقطع عما قبله ولا تكون غاية الزمان الحظر ولا شرطا لإباحة قربهن
أو أن المراد به غسل الفرج وأما الاخبار فمنها ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال المرأة ينقطع عنها
دم الحيض في آخر أيامها قال إن أصابه شبق فليأمرها بغسل فرجها ثم يمسها إن شاء ومنها ما رواه علي بن يقطين
عن أبي الحسن قال سألته عن الحائض ترى الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل فقال لا بأس وبعد
الغسل أحب إلى وهذا الحديث دال على الكراهة وذهب الصدوق أبو جعفر محمد بن بابوية إلى التحريم محتجا بالآية مفسرا معنى
يطهرن مخففا ومثقلا بمعنى يغتسلن وبمفهوم الشرط وبما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن
امرأة كانت طامثا فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل قال لا تغتسل وبما رواه سعيد بن يسار عنه عليه السلام
إلى قوله لزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل قال لا حتى تغتسل وأجيب بالحمل على الكراهة توفيقا بين الاخبار
كما وفق بين القرأتين هذا أقصى ما وجهوا به القولين حجة وجوابا وأقول في حجة الحل نظر من وجوه الأول
الطهر مطلقا على انقطاع الدم مع أنه حقيقة شرعية في أحد الثلاثة أعني الوضوء والغسل والتيمم كما لا يخفى وغاية ما
ذكروه أن يكون ثابتا في اللغة والحقايق الشرعية مقدمة على اللغوية والعرفية فقراءة التخفيف وإن صلحت لهما لغة لكنها
محمولة شرعا على الحالة الحاصلة لهن بعد فعل الطهارة الشرعية وقراءة التشديد كالصريحة فيها الثاني حمل
قراءة التشديد على التخفيف استنادا إلى الشواهد المذكورة مع ما هو معلوم من القواعد العربية من أن كثرة المباني
تدل على كثرة المعاني وهذا هو الكثير الشائع وما وقع من اتفاقهما نادرا لا يوجب المصير إليه وترك الأكثري مع أن
أكثر الشواهد ليست مطابقة فإن باب تفعل الجاري عليه كسرت الكوز فتكسر ونحوه قطعت الحبل فتقطع ليس مما
نحن فيه الثالث أن صدر الآية وهو قوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن إنما دل على تحريم الوطئ في وقت الحيض ولا
يلزم منه اختصاص التحريم بوقته إذ لا يلزم من تحريم شئ في وقت أو مكان مخصوص اختصاص التحريم به لأنه أعم
منه ولا دلالة لعام على أفراده المعينة نعم ربما دل بمفهوم الوصف على الاختصاص وهو ليس بحجة عند المصنف والجماعة
فكيف يحتجون به الرابع قولهم في جواب الغاية والشرط أنه قد تعارض مفهومان إلح لا يتم بعد ما قررناه فإنه
لو حمل على الطهارة الشرعية أعني الغسل لم يفع تناف أصلا واستغنى عن التكلف ويؤيده قوله في آخر الآية أن الله
يحب التوابين ويحب المتطهرين فإن الموصوف بالمحبة من فعل الطهارة بالاختيار حتى يستحق المدح والثناء وأما من حصل
له الطهارة بغير اختياره كانقطاع الدم لا يستحق لذلك الوصف بالمحبوبية خصوصا وقد قرنها بالتوبة الصادرة عن الاختيار
ولو سلم فمفهوم الشرط أقوى الخامس اعتمادهم في رفع التنافي على كون قوله تعالى فإذا تطهرن كلاما مستأنفا
كما قرره المصنف في المخ لا يدفع التنافي بوجه لان الحجة ليست في كونه معطوفا على ما قبله حتى يدفعه الحمل على الاستيناف بل في تصديره
79

بأداة الشرط الدالة على اشتراط الآيتان بالتطهر السادس حمل الطهارة على غسل الفرج كما حمله المصنف فيه أيضا
لا يوافق مذهبه فإنه لا يشترط في الإباحة غسل الفرج فلا وجه لجعله شرطا مع مخالفته لمدلول الطهارة شرعا وعرفا
وإن حمل غسل الفرج على كونه شرطا في الاستحباب كما ورد في بعض الاخبار عورض بأن حمله على الغسل أولى فإن استحبابه
ثابت عنده فيكون أوفق بظاهر اللفظان لم يتعين المصير إليه السابع حمل قراءة التضعيف على الاستحباب بمعنى
توقف الوطئ على الغسل استحبابا عدول من الحقيقة والظاهر فإن صدر الآية النهى عن القرب المعين بالطهارة والنهى
دال على التحريم فكيف يعلق على المستحب الثامن حمل الأخبار الدالة على النهى الذي هو حقيقة في التحريم على
الكراهة جمعا بين الاخبار غير مطابق لوجهين أحدهما إن هذه الروايات دلت على الخطر وما ذكروه من الروايات
دل على الإباحة وإذا تعارض خبر الخطر والإباحة قدم الخبر الدال على الخطر كما قرر في الأصول الثاني إن ذلك إنما
يكون مع تكافؤ الاخبار والحال إن أخبار الحظر أقوى وأكثر يعلم ذلك من راجع فيه كتب الحديث والذي استفيد
من ذلك كله قوة ما ذهب إليه الصدوق رحمه الله لدلالة الآية ظاهرا عليه وورود الأخبار الصحيحة به وإن عارضها
ما لا يساويها اللهم إلا أن يدعى الاجماع على خلافه بناء على عدم العلم بموافق له وكونه معلوم النسب فلا يقدح فيه
كما قرر في الأصول أو يدعى انعقاد الاجماع بعده فإن الأئمة الذين تصدوا لنقل الخلاف لم يذكروا له موافقا على ذلك
فيجاب بمنع الاجماع إذ لم يدعه أحد وبانا كما لا نعلم له موافقا لا نعلم انتفاء الموافق وهو كان في عدم انعقاد الاجماع
على خلافه ومثل هذا القدر كان في الحجة وقد أشار إليه المحقق في المعتبر في مسألة وجوب الكفارة بوطئ الحائض
حيث نقل عن الشيخ والمرتضى دعوى الاجماع على وجوبها ثم قال ما هذا لفظه أما احتجاج الشيخ وعلم الهدى
بالاجماع فلا نعلمه وكيف يتحقق الاجماع فيما يتحقق فيه الخلاف ولو قال المخالف معلوم قلنا لكن لا يعلم أنه لا مخالف
غيره ومع الاحتمال لا يبقى وثوق في خلافه انتهى فانظر كيف لم يعتمد المحقق على الاجماع المنقول بخبر هذين الكبيرين
وجعل احتمال الموافقة للمعلوم كافيا في القدح فيه فكيف في مسألة لم يدع أحد فيها الاجماع وهذه فائدة
تتمشى في كثير من المسائل التي يظن من لا تحصيل له صحة دعوى الاجماع عليها مع علمه بمخالفة الواحد والأكثر متوهما
ما سلف مع أنه يمكن المعارضة بمثله بان يقال المخالف في الجانب الاخر جماعة كلهم معلومو الأصل والنسب فلا
عبرة بخلافهم فيمكن دعوى الاجماع في الجانب الاخر وقد قال المحقق في المعتبر أيضا الاجماع عندنا حجة بانضمام المعصوم
فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجة ولو كان في اثنين لكان قولهما حجة فلا تغتر إذا بمن يتحكم فيدعى
الاجماع باتفاق الخمسة والعشرة من الأصحاب مع جهالة قول الباقين إلا مع العلم القطعي بدخول الامام انتهى و
هذا يدلك على تعذر دعوى الاجماع الآن إلا ما نقله الأصحاب منه أو واحد منهم فإن المنقول منه بخبر الواحد حجة
كما حقق في محله فتأمل وقد أفردنا لتحقيق الاجماع في حال الغيبة رسالة تنفع في هذا المقام من أرادها وقف
عليها وإنما أطنبنا القول في هذه المسألة لفوائد فيها وشدة الحاجة إليها والله الموفق وبعد ذلك كله فالقول
بالكراهة أقوى لان هذه الأدلة وإن دلت على التحريم لكن يلزم من القول به إطراح الأخبار الدالة على الإباحة
أصلا ومنها ما هو صحيح وغير هي جائز مع إمكان الجمع وهو هنا ممكن بحمل أخبار النهى على الكراهة كما تقدم بخلاف
العكس فإنه لا يتوجه معه حمل أخبار الإباحة على وجه يحصل معه الجمع وما تقدم من وجوه الترجيح إنما يتم مع تحقق
التعارض بحيث لا يمكن الجمع وحينئذ يتعين الجمع بين القراءتين بما ذكر وإن بعد حذرا من معارضة الكتاب للسنة
80

وكما يجب الجمع بين أجزاء الكتاب كذا يجب الجمع بينه وبينها وفيه مع ذلك موافقة لأكثر الأصحاب وكبرائهم واعلم
أن الأكثر نقلوا عن الصدوق القول بالمنع من الوطئ قبل الغسل من غير تفصيل ونقل المصنف في المخ عنه القول
بأنه مع عدم الغسل إذا غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها وفى بعض الاخبار التي استدل بها المجوزون دلالة على
هذا التفصيل لكن يبقى على هذا النقل القول بالمنع مطلقا لا يعلم به قائل فيشكل المصير إليه وإن قويت الدلالة
عليه ثم على القول بالتحريم بوجه من الوجوه هل يتوقف حل الوطئ على التيمم بدلا من الغسل الظاهر نعم وبه صرح
في الذكرى والدروس وفي بعض الاخبار عن الصادق عليه السلام دلالة عليه لكن في طريقه ضعف وكذا تزول الكراهة
بالتيمم عند تعذر الغسل عند المجوزين واستقرب المصنف في النهاية عدم وجوب التيمم وإن قلنا بوجوب الغسل
ولم يذكر له سندا ولو قلنا بوجوب التيمم وتعذر الصعيد فهل يباح الوطئ من غير شبق أو معه عند من أطلق القول
بالمنع استقرب المصنف في النهاية عدمه لفقد الشرط واستحب المصنف وأكثر المجوزين غسل الفرج عند عدم الغسل قال في
المعتبر ومن الأصحاب من أورد ذلك بلفظ الوجوب فإن أراد به الصدوق وإلا فهو قول آخر بوجوب غسل الفرج عند غلبة
الشهوة دون الغسل ويمكن دلالة خبر محمد بن مسلم عليه ولا فرق في جواز الوطئ بعد الانقطاع عند المجوزين بين
انقطاعه لأكثر الحيض أو لأقله ولا بين انقطاعه على العادة أو بعدها بل الدليل والفتوى شاملان للانقطاع
قبلها أيضا وربما استشكل الحكم هنا إلا أن هذا الاشكال لا يزول بالاغتسال قبل العادة لاحتمال معاودة
الدم فيها ولا يقال لو أثر هذا الاحتمال لتمشي فيما بعد العادة قبل الوصول إلى الأكثر لاحتمال معاودته أيضا و
الانقطاع على العشرة لان قيام الاحتمال في زمان العادة الملحقة بالأمور الجبلية أقوى ولا ريب أن الاحتياط
طريق البراءة وإن كان لظاهر الحكم أمر آخر ويكره أيضا لها الخضاب بحناء وغيره جمعا بين الأخبار الدالة على النهى
عنه والمصرحة بنفي البأس وعلل في بعضها بأنه يخاف عليها من الشيطان عند ذلك وليست العلة منعه من وصول
الماء إلى البشرة التي عليها الخضاب كما ذكره المفيد لان ذلك لو تم لاقتضى التحريم لا الكراهة ويمنع كون اللون
يحجب ما تحته من البشرة عن وصول الماء إليه لأنه عرض وحمل المصحف بغير علاقة أما بها فقد نفى المصنف الكراهة فيه
عن الجنب ولا فرق لكن ظاهر النص والفتوى يتناولهما وادعى المحقق في المعتبر إجماع الأصحاب على كراهة حمل المصحف
بعلاقة لها ولمس هامشه من غير أن تمس الخط كل ذلك للتعظيم وحرمه المرتضى لها كما حرمه للجنب وقد روى من أبى الحسن
موسى عليه السلام قال المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خيطه ولا تعلقه أن الله يقول لا يمسه إلا المطهرون
قال في المعتبر ونزل على الكراهة نظرا إلى عمل الأصحاب ولا بأس بتقليبه بعود ونحوه لعدم صدق المس والجواز وهو المرور
من غير لبث في المساجد غير المسجدين للتعظيم هذا مع أمن التلويث وبدونه يحرم ومثلها السلس والمبطون والمجروح و
الصبي النجس والدابة التي لا توكل وألحق جماعة من الأصحاب المشاهد بالمساجد وهو حسن بل الامر في المشاهد أغلظ
لتأديتها فائدة المسجد وتزيد شرف المدفون بها وقراءة القرآن غير العزايم الأربع من غير تحريم بلا خلاف بين أصحابنا
في ذلك وحرمها الجمهور لنا قوله تعالى إقرؤا ما تيسر منه والامر مطلق فلا يتقيد بالطهارة وما روى عن أبي جعفر عليه
السلام قلت الجنب والحائض يقرآن شيئا قال نعم ما شاءا إلا السجدة ويذكران الله على كل حال والاستمتاع منها بما
بين السرة والركبة لأنه حريم الفرج ومن رتع حول الحمى يوشك أن يخالطه ويستثنى من ذلك موضع الدم والقول
بالكراهة هو المشهور وقد ورد التصريح به في عدة أخبار ويدل عليه أيضا نفى اللوم عن استمتاع الأزواج في الآية
81

كيف كان خرج منه موضع الدم بالاجماع فيبقى الباقي ونحوه فأتوا حرثكم أنى شئتم وحرم المرتضى الاستمتاع منها
بما تحت الميزر وعنى به ما بين السرة والركبة لقوله تعالى ولا تقربوهن خرج منه ما أجمع على جوازه فيبقى الباقي لصدق
القرب عليه ولقول الصادق عليه السلام تتزر إلى الركبتين وتخرج سرتها ثم له ما فوق الإزار وجوابه أن حقيقة القرب
ليست مرادة من الآية إجماعا فيحمل على المجاز المتعارف وهو الجماع أو يراد به قرب مخصوص وهو القرب الذي يكون منه إرادة الجماع
لأنه وسيلة المحرم فيكون محرما لكن يشكل هنا تحريم القرب نفسه لان المحرم إنما هو الجماع ولقول النبي صلى الله عليه وآله
إفعلوا كل شئ إلا الجماع ولعل القرب كناية عنه عدولا عن التصريح بما يستهجن التصريح به كالعدول عن اسم الحدث
إلى مكانه ومثل ذلك كثير والاخبار معارضة بأقوى منها فتحمل على الكراهة جمعا بين الاخبار مع أن في دلالتها على
مطلوبه نظرا فإن كون ما فوق الإزار له لا يدل على نفى ما عداه إلا بمفهوم اللقب ونحوه غيره من الأحاديث التي استدل
بها فالعمل على المشهور وهو الكراهة لاتفاق المجوزين عليه كما نقله عنهم في المعتبر بقي هنا شئ وهو أن الحد الفاصل
بين المكروه وغيره وهو السرة والركبة هل هو داخل في المكروه أم في غيره الذي يقتضيه قولهم ما بين السرة والركبة خروجهما
منه وفي كلام الصادق عليه السلام المتقدم إشارة إليه لأنه أذن في اخراج سرتها وهي أقوى الحدين وفي المعتبر لا بأس
بالاستمتاع منها بما فوق السرة وما تحت الركبة وهو دال بمفهومه على دخولهما لكن الحكم مدلول عباراتهم للخبر ولموافقة
صاحب المعتبر لهم في التعبير بالبينية فيه وفي غيره ويستحب لها أن تتوضأ عند أي في وقت كل صلاة ولا فتوى لهذا الوضوء رفع
الحدث ولا استباحة الصلاة لعدم حصولهما لها لاستمرار حدثها بل تنوي به القربة أو تضيف إليها غاية الكون والذكر و
تجلس في مصلاها إن كان لها موضع معد لها تبعا للشيخ والجماعة وقال المفيد تجلس ناحية من مصلاها والاخبار
وكلام جماعة من الأصحاب خالية من تعيين المكان قال في المعتبر وهو المعتمد وفي خبر زرارة جلست في موضع طاهر و
في خبر زيد الشحام ثم تستقبل القبلة ذاكرة في حال جلوسها لله تعالى بتسبيح أو تحميد أو تهليل وغيرها رواه زرارة
عن الباقر عليه السلام وليكن مقدار الصلاة للخبر وللتمرين على العبادة بقدر الامكان لئلا يشق تكلفها عند الوجوب
بسبب اعتياد البدن الترك فإن الخير عادة وهذا من تفردات الامامية رحمهم الله تعالى ويجب عليها قضاء الصوم الذي
فات في أيام حيضها من شهر رمضان إجماعا وفي قضاء المندوب أو شبهه الذي أوفق الحيض وجهان أقربهما عند المصنف
عدم الوجوب واختار الشهيد رحمه الله الوجوب دون قضاء الصلاة اليومية بإجماع علماء الاسلام وفي عدة من الاخبار
تصريح بعدم تعليل ذلك وأنه محض تعبد وفي بعضها انه دليل على بطلان القياس لان الصلاة أفضل من الصوم و
روى الحسين بن راشد عن أبي عبد الله عليه السلام حيث سأله عن الوجه في ذلك فقال أن أول من قاس إبليس وقد تمحل
للفرق بعضهم بأشياء مدفوعة بما أوردناه وهل يلحق اليومية غيرها من الصلوات الواجبة عند عروض أسبابها في
وقت الحيض كالكسوف وجهان أقربهما ذلك ويستثنى من ذلك الزلزلة فإن وقتها العمر وأما ركعتا الطواف فلاحقتان
بالطواف ولو عرض الحدث بعد دخول الوقت الموسع بمقدار ما تسع الصلاة وشرائطها وجب قضاؤها لتفريطها
في أول الوقت ولو انقطع وقد بقي من الوقت قدر ركعة بعد تحصيل الشرائط المفقودة وجب الأداء ومع الاخلال
القضاء وهنا أقوال أخر هذا أجودها
المقصد الثالث في الاستحاضة والنفاس أما
الاستحاضة فهي في الأصل استفعال من الحيض يقال استحيضت المرأة بالبناء للمجهول فهي تستحاض لا تستحيض إذا
استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة ذكره الجوهري وكان بناءه للمعلوم غير مسموع واشتقاقها من الحيض مبنى
82

على الغالب فلا يشترط فيها إمكان الحيض فالصغيرة واليائسة يمكن فيهما الاستحاضة دون الحيض والأكثر إطلاق والاستحاضة
على كل دم يخرج من الرحم وليس بحيض ولا نفاس ولا قرح ولا جرح سواء اتصل بالحيض كالمتجاوز لأكثره أم لا كالذي تراه
الصغيرة فإنه وإن لم يوجب الاحكام في الحال لكن عند البلوغ يجب عليها الغسل أو الوضوء لان الاحداث من قبيل
الأسباب التي هي من باب خطاب الوضع ولا يشترط فيها التكليف وقد يتخلف المسبب عن السبب لفقد شرط وقد يتعلق به
في الحال أحكام الاستحاضة كنزح الجميع به وغسل الثوب من قليله وكثيره وربما خص اسم الاستحاضة بالدم المتصل
بدم الحيض ويسمى ما عدا ذلك دم فساد لكن الاحكام فيهما لا تختلف
والمصنف جرى هنا على المشهور فقال دم الاستحاضة
في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج من الرحم بفتور وضعف لا بدفع فهو يقابل الحيض في أوصافه غالبا وقيد بالأغلب لأنه
قد يكون بهذه الصفة حيضا وقد يكون بصفة الحيض استحاضة كما تقدم والخارج الناقص عن ثلاثة أيام متوالية
مما ليس بقرح ولا جرح والزائد عن أيام العادة مع تجاوز العشرة والزائد عن أيام النفاس وسيأتي بيانها والخارج
مع سن اليأس استحاضة خبر الجميع وقيد في العادة بتجاوز العشرة لان الدم لو انقطع على العاشر كان الجميع حيضا وقد
تقدم وجه ذلك كله في الحيض ثم دم الاستحاضة ينقسم بحسب كثرته وتوسطه وقلته إلى ثلاثة أقسام لأنه أما أن يكون بحيث
إذا وضعت الكرسف يظهر عليه من داخل الفرج ولا يثقبه إلى خارجه أو يثقبه ولا يسيل عنه أو يسيل فهذه ثلاثة أقسام
يختلف الاحكام فيها فيجب على المستحاضة وضع القطنة واعتبار حالها وإن كان الدم لا يغمس القطنة أي لا يثقبها إلى
خارج وإن دخل في باطنها كثيرا وجب عليها ثلاثة أشياء الوضوء لكل صلاة لأنه في هذه الحالة حدث أصغر وتغيير
القطنة لما سيأتي من عدم العفو عن هذا الدم في الصلاة قليله وكثيره وللإجماع كما نقله المصنف في المنتهى وهذا بخلاف
السلس والمبطون والمجروح لعدم وجوب ذلك عليهم وإن كان أحوط تقليلا للنجاسة والفرق ورود النص على المستحاضة
دونهم كما ذكره المصنف ويمكن الفرق بالاجماع المذكور عليها دونهم وغسل ما ظهر من الفرج وهو ما يبدو منه عند الجلوس على
القدمين إن أصابه الدم وهذا هو المشهور في هذا القسم ومستنده أخبار كثيرة دلت على الوضوء دون الغسل وفيه قولان
آخران أحدهما قول ابن أبي عقيل وهو أنها لا يجب عليها وضوء في هذه الحالة ولا غسل استنادا إلى ظاهر رواية عبد الله بن
سنان عن الصادق عليه السلام حيث لم يذكر فيها الوضوء لكن ذكره في غيره من الاخبار كاف في الدلالة ويجب حمل المطلق
على المقيد والثاني قول ابن الجنيد وهو وجوب غسل واحد هنا لليوم والليلة استنادا إلى رواية سماعة وهي لا تدل
على مطلوبه صريحا بل هي أعم منه فيحمل على ثقب الدم الكرسف وهي الحالة الوسطى جمعا بينها وبين غيرها وإن غمسها
ظاهرا وباطنا وجب عليها مع ذلك المذكور في القسم الأول شيئان آخران أحدهما تغيير الخرقة أو غسلها إن كانت و
أصابها الدم وإلا فلا والثاني الغسل لصلاة الغداة فيجب عليها خمسه أشياء على المشهور وابن أبي عقيل على أصله المتقدم
من عدم إيجاب الوضوء وإن وجب الغسل وأوجب هو وابن الجنيد هنا الأغسال الثلاثة واختاره المحقق في المعتبر والمصنف في المنتهى
وأكثر الأخبار الصحيحة تدل على ذلك كصحيحة معوية بن عمار عن الصادق عليه السلام إذا ثقب الكرسف اغتسلت للظهرين تؤخر
هذه وتعجل هذه وللعشائين كذلك وتغتسل للصبح وصحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام تصلى كل صلاة بوضوء ما لم
ينفذ الدم فإذا نفذ اغتسلت وصلت وحملها على النفوذ المشتمل على السيلان إنما يتم لو دل على الغسل الواحد
للحالة المتوسطة خبر صحيح ولم يوجد من الاخبار المفيدة لذلك إلا موقوف سماعة قال المستحاضة إذا ثقب الكرسف
اغتسلت الثلاثة وإن لم يجز الدم الكرسف فالغسل لكل يوم مرة وقريب منه موقوف زرارة الآتي وفي دلالتهما مع تسليمهما
83

على ذلك نظر وبالجملة فالاخبار الموجودة في هذا الباب مختلفة على وجه لا يكاد يمكن الجمع بينها ففي خبر الصحاف عن الصادق
عليه السلام تعليق وجوب الأغسال الثلاثة على السيلان وعدم وجوب الغسل بل الوضوء لكل صلاة على عدمه وخبر معوية
بن عمار وزرارة المتقدمان علق فيهما الحكم بالثلاثة على النفوذ وروى حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال في
النفساء تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت فإن جاز
الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل وإن لم يخبر الدم
الكرسف صلت بغسل واحد وقريب منه خبر سماعة وحمل أكثر الأصحاب هذين الخبرين على الغمس وإن كان عدم جواز
الكرسف أعم منه فدلا على الحالة الوسطى لعدم التصريح بها في خبر على الخصوص لكنها موقوفان كما عرفت
وقد استبعد
أصحاب التفصيل رواية زرارة مع فضله وثقته عن غير إمام وصحيحة عبد الله بن سنان دلت على الاغتسال ثلاثا
من غير تفصيل أصحاب القول المشهور جمعوا هذه الأحاديث بما ذكروه من الحالات الثلث وفيه نظر وإن سال الدم
عن الكرسف وجب عليها مع ذلك المذكور في الحالتين وهو خمسة أشياء شيئان آخران غسل للظهر والعصر تجمع بينهما
بأن تؤخر الأولى إلى اخر وقت فضيلتها وتقدم الثانية في أول وقتها كذلك على الأفضل وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما
في آخر وقت الأولى وأول وقت الثانية كذلك وهذه الحالة لا خلاف في وجوب الأغسال الثلاثة فيها وإنما الخلاف في
الوضوء فذهب ابن أبي عقيل إلى عدم وجوب الوضوء هنا كما سلف وكذلك السيد المرتضى بناء على أصله من عدم إيجاد
الوضوء مع غسل من الأغسال وذهب المفيد إلى الاكتفاء بوضوء واحد للظهرين كالغسل ومثله للعشائين والأخبار الصحيحة
دلت على المشهور واعلم أن وجوب الأغسال الثلاثة في هذه الحالة إنما هو مع استمرار الدم سائل إلى وقت العشائين
فلو طرأت القلة بعد الصبح فغسل واحدا وبعد الظهرين فغسلان خاصة وهو ظاهر وإن اعتبار الجمع بين الصلاتين إنما
هو للاكتفاء بغسل واحد لهما فلو فرقتهما واغتسلت لكل واحد غسل صح أيضا بل ربما كان أفضل كما تراعى
معاقبة الصلاة للغسل كذلك تراعى معاقبتها للوضوء على أحوط القولين لان العفو عن حدثها المستمر الواقع في
الصلاة أو بينها وبين الطهارة انما وقع للضرورة فيقتصر على ما يقتضيه وما لا يمكن الانفكاك عنه واعتبار الجمع بين
الفرضين بغسل يدل عليه ويقدح في ذلك الاشتغال بعده بالستر وتحصيل القبلة والأذان والإقامة لأنها
مقدمات الصلاة ولا انتظار الجماعة على ما اختاره المصنف في النهاية والشهيد في الدروس وربما منع ذلك لعدم الضرورة
ومنع المصنف في المختلف من اعتبار معاقبة الصلاة للوضوء محتجا بعموم الأدلة على تجويز فعل الطهارة في أول الوقت
وعلى توسعة الوقت وعدم دلالة الاخبار على ذلك إذ في بعضها تتوضأ عند وقت كل صلاة وفي بعضها الوضوء لكل
صلاة وفي بعضها صلت كل صلاة بوضوء وأجيب بما تقدم وبأن الصلاة بالحدث مخالف للأصل فتجيب تقليله ما أمكن وفيه
منع لخروج المستحاضة من البين بالنص الخاص الذي لا يدل على ذلك ولا ريب أن الاحتياط طريق البراءة يقينا
بقي هنا أمور لا بد من التنبيه عليها ليتم بها أحكام المستحاضة أحدها إن الاعتبار في كمية الدم بالنسبة إلى أحواله
الثلاثة هل هو في جميع الأوقات بمعنى أن الكثرة مثلا متى حصلت كفت في وجوب الغسل وإن كانت منقطعة في وقت
الصلاة فلو حصلت بعد صلاة الفجر مثلا وانقطعت قبل الظهر وجب الغسل لها وكذا يكفي طروها بعد الظهرين إلى
وقت صلاة العشائين كما يشعر به خبر الصحاف في قوله عليه السلام فلتغتسل وتصلى الظهرين ثم لتنظر فإن كان الدم
لا يسيل فيما بينها وبين المغرب فلتتوضأ ولا غسل عليها وإن كان إذا أمسكت يسيل من خلفه صبيبا فعليها الغسل
84

ثلاثا إلخ ولأنه حدث فيمنع سواء كان حصوله في وقت الصلاة أم في غيره أو اعتباره إنما هو عند وجوده في أوقات الصلوات
لأنها أوقات الخطاب بالطهارة فلا أثر لما قبلها ظاهر المصنف والشهيد في البيان الأول ولا يخفى قوته وظاهر الدروس
الثاني وفي الذكرى حكاه بلفظ قيل بعد أن ادعى فيها أن ظاهر خبر الصحاف يشعر به وقد عرفت أنه إنما يشعر بخلافه
ويتفرع عليها ما لو كثر قبل الوقت ثم طرأت القلة فعلى الأول يجب الغسل للكثرة المتقدمة وإن كانت قد اغتسلت في
أثنائها لان المتأخر منها عن الغسل كان في السببية وعلى الثاني لا غسل عليها ما لم توجد في الوقت متصلة أو
طارية ولو طرأت الكثرة بعد صلاة الظهرين فلا غسل لهما بل للعشائين على الأول دون الثاني إلا مع استمرارها إلى
وقتهما وهل يتوقف صوم اليوم الحاضر على هذا الغسل الطارئ سببه بعد الظهرين الظاهر لا على القولين أما
على الثاني فظاهر لأنه لم يوجب الغسل إلا بعد وجوده في وقت العشائين وقد انقضى الصوم وأما على الأول فلانه وإن حكم
بكونه حدثا في الجملة لكنهم حكموا بصحة الصوم مع إتيانها بالأغسال والغسل لهذا الحدث إنما هو في الليلة المستقبلة
ولا يتوقف عليه صوم اليوم الحاضر واختار في الذكرى وجوبه هنا للصوم في سياق التفريع على أن الاعتبار في كميته
بأوقات الصلوات وتوقف المصنف في التذكرة الثاني لو أرادت ذات الدم المتوسط أو الكثير التهجد بالنوافل ليلا قدمت
الغسل على الفجر واكتفت به وينبغي الاقتصار في التقديم على ما يحصل به الغرض ليلا فلو زادت على ذلك هل تجب
إعادته يحتمل لما مر في الجمع بين الصلاتين به وعدمه للاذن في التقديم من غير تقييد وكذا تقدمه الصايمة كما سيأتي
الثالث لو نسيت ذات الأغسال أو الغسل غسلا حتى خرج وقت الصلاة أو نامت كذلك فهل يتوقف الصوم الحاضر
على الغسل بعد الوقت أو يكفي الغسل للصلاة الأخرى إن وجب يبنى على ما سبق فيما لو طرأت الكثرة بعد الظهرين وأولى
بالوجوب هنا إن أوجبنا تم وعدم الوجوب فيهما أقوى اعتبارا بالأغسال المعهودة للصلاة وهي منتفية في الحالين ولا بعد في
الحكم بكونه حدثا مانعا من العبادة على بعض الوجوه دون بعض لظاهر النص والفتوى وهي مع فعل ذلك المتقدم
من الغسل والوضوء تغيير القطنة وغسل المحل بحسب حال الدم بحكم الطاهر فيصح منها جميع ما يصح من الطاهر من الأمور
المشروطة بالطهارة كالصلاة والطواف والصوم ومس كتابة القرآن ودخول المساجد وقراءة العزائم والوطئ كذا قاله
المصنف في النهاية والظاهر عدم توقف دخول المساجد لها على ذلك مع أمن التلويث وأما الوطئ فاشترطه الشيخ وجماعة
بالغسل لما رواه عبد الملك بن أعين عن الصادق عليه السلام قال سألته عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها قال تنطر
الأيام التي كانت تحيض فيها فلا يقربها ويغشاها فيما سوى ذلك ولا يغشاها حتى يأمرها بالغسل ولوجود الأذى فيه
كالحيض ويظهر من بعضهم اشتراط الوضوء أيضا (لقولهم صح) يحل وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة ولما رواه زرارة قال
المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها وتستظهر بيوم أو يومين وإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها وطؤها وفي
إذا معنى الشرط فينتفى الوطئ عند انتفاء حل الصلاة وهي مشروطة بالوضوء معه وبالغ المفيد رحمه الله فحرم الوطئ قبل
نزع الحرق وغسل الفرج بالماء أيضا لأنها من محللات الصلاة واستقرب في المعتبر كون المنع على الكراهة المغلظة
لأنه دم مرض وأذى فالامتناع فيه عن الزوجة أولى وليس بمحرم واختاره الشهيد لعموم فإذا تطهرن فأتوهن
يريد اغتسلن من الحيض ونساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وإلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير
ملومين ولما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال سمعته يقول المستحاضة لا بأس أن يأتيها بعلها
إلا أيام قرئها ولما روى أن حمنة بنت جحش كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها وكذا أم حبيبة ولأن الوطئ لا
85

يشترط فيه خلو الموطوءة من الحدث كالمرأة الجنب إلا ما خرج بنص خاص كالحائض والمنقطعة على الخلاف ولأصالة
الحل السالم عن المعارض الشرعي فإن قيل ما ذكرتموه من الأحاديث دال على جواز وطئ المستحاضة ونحن نقول به
لكن مع فعل ما يجب عليها فما المانع من كون ما تضمنه من الحل مشروطا بذلك قلنا الألفاظ مطلقة والأصل عدم الاشتراط
والجواب عن الرواية الأولى بحمل الغسل فيها على غسل الحيض بل هو الظاهر لعدم دلالته على غسل الاستحاضة وعن
الثانية بأن المراد بحل الصلاة الخروج من الحيض أو الغسل منه لان الحيض لما كان مانعا من الصلاة كان حل الصلاة
بالخروج منه كما يقال لا تحل الصلاة في الدار المغصوبة فإذا خرج حلت فإن معناه زوال المانع الغصبي وإن كان بعد الخروج
يفتقر إلى الطهارة وغيرها من الشروط وهذا وإن لم يكن معلوما لكنه محتمل ومع الاحتمال لا يكون دليلا ويحمل
عليه وإن كان دليلا جمعا بينه وبين غيره من الأدلة وعن كونه أذى بأنه قياس لا يأتي عندنا وأما توقفه على الوضوء
وباقي الأفعال ففي غاية البعد إذ لا تعلق لها بالوطئ قال في الذكرى وما أقرب الخلاف هنا من الخلاف في وطئ الحائض
قبل الغسل وقربه غير واضح وإن ناسبه بوجه ما واعلم أنه يستفاد من قوله أنها مع فعل ما يجب عليها بحكم الطاهر
فتستبيح الصلاة وغيرها عدم تأثير الحدث الواقع بعد الطهارة في الاستباحة سواء وقع قبل الصلاة أم فيها مع
مراعاة ما تقدم من عدم التشاغل بما ليس من أسبابها ويجب تقييده بأمرين أحدهما كون الحدث الطارئ من جنس
المبحوث عنه فلو تعقب الطهارة ريح ونحوه لزمها الوضوء وحينئذ فالأجود وجوب تجديد القطنة والخرقة ولو انتقض
ببول وجب تجديدهما أيضا لان نجاسته غير ما ابتليت به والثاني أن لا يطرأ بعد ذلك انقطاعه للبرء قبل الصلاة
فإنه يجب حينئذ تجديد الطهارة وهي ما أوجبه الدم منها قبل الانقطاع لا الوضوء خاصة خلافا للمصنف تبعا للشيخ رحمه الله
لان انقطاع الدم يظهر معه حكم الحدث وإنما أبيحت الصلاة مع الدم للضرورة وقد زالت وكذا لو انقطع له في أثناء
الصلاة وإنما وجب من الطهارة ما كان قبله لان دم الاستحاضة في نفسه حدث يوجب الوضوء تارة والغسل أخرى
فإذا انقطع وجب ما كان يوجبه والطهارة السابقة أباحت بالنسبة إلى ما سلف قبلها من الدم قال في الذكرى و
هذه المسألة لم نظفر فيها بنص من قبل أهل البيت عليهم السلام ولكن ما أفتى به الشيخ هو قول العامة بناء منهم على
إن حدث الاستحاضة يوجب الوضوء لا غير فإذا انقطع بقي على ما كان عليه ولما كان الأصحاب يوجبون به (الغسل صح) فليكن مستمرا
انتهى وهو في غاية الوضوح ونظيره ما سبق من حكم المصنف بعدم اشتراط الغسل في صوم منقطعة الحيض فإنه لا يتم إلا
على مذهب العامة لا على أصولنا ولو كان انقطاعه بعد الطهارة وقبل الصلاة لغير البرء بل انقطاع فترة أما لاعتيادها (لاعتقادها صح)
ذلك أو بأخبار عارف لم يؤثر في الطهارة مطلقا عند الشهيد لأنه بعوده بعد ذلك كالموجود دائما واعتبر المصنف في
ذلك قصور الفترة عن الطهارة والصلاة فلو طالت بقدرهما وجبت الإعادة لتمكنها من طهارة كاملة فلو لم تعدها
وصلت واتفق عوده قبل الفراغ على خلاف العادة وجب عليها إعادة الصلاة لدخولها فيها مع الشك في الطهارة
ومثله ما لو شكت في الانقطاع هل هو للبرء أم لا أو هل يطول زمانه بمقدار الطهارة والصلاة أم لا فيجب إعادة الطهارة
لأصالة عدم العود لكن لو عاد قبل إمكان فعل الطهارة والصلاة فالوضوء بحاله لعدم وجود الانقطاع المانع من الصلاة
مع الحدث وإنما قال المصنف إنها مع فعل ما يجب بحكم الطاهر ولم يقل أنها طاهر لاستمرار حدثها ولا تكون طاهرا حقيقة
لكنها بحكم الطاهر في استباحة ما تستبيحه وربما علل ذلك بهذيانات لا يخفى فسادها على من له أدنى تمييز ولو أخلت المستحاضة
بالأغسال الواجبة عليها في حال التوسط والكثرة لم يصح منها الصوم للنص ويظهر من المبسوط التوقف فيه حيث أسنده
86

إلى رواية الأصحاب لكن مع إخلالها بالغسل إنما يجب عليها القضاء دون الكفارة وهو اختيار المصنف في التذكرة و
الشهيد وجماعة لأصالة عدم وجوبها وعدم الدليل وكذا القول في الحائض والنفساء بطريق أولى لما تقدم من الخلاف
في اشتراط صومهما بالغسل دونها وأوجب المصنف في المختلف عليها الكفارة والمراد بالأغسال المشترطة في صحة الصوم
الأغسال النهارية ولا يشترط في صحة صوم يوم غسل الليلة المستقبلة لسبق تمامه وقد تقدم وهل يشترط في اليوم
الحاضر غسل ليلته الماضية وجهان والحق أنها إن قدمت غسل الفجر ليلا أجزأ عن غسل العشائين بالنسبة إلى
الصوم وإن أخرته إلى الفجر بطل الصوم هنا وإن لم نبطله لو لم يكن غيره واعلم إن إطلاقهم الحكم بتوقف الصوم
على الأغسال المعهودة يشعر بعدم وجوب تقديم غسل الفجر عليه للصوم لان المعتبر منه للصلاة ما كان بعد الفجر
فليكن للصوم كذلك لجعلهم الاخلال به مبطلا للصوم ولا يبعد ذلك وإن كان دم الاستحاضة حدثا في الجملة لمغايرته
لغيره من الاحداث على بعض الوجوه ويحتمل وجوب تقديمه على الفجر هنا لأنه حدث مانع من الصوم فيجب تقديم
غسله عليه كالجنابة والحيض المنقطع ولأن جعل الصوم غاية لوجوب غسل الاستحاضة مع الغمس يدل عليه لان
ما كان غايته منها الفعل يقدم عليه ولأن اغتفاره في بعض الأحيان بالنسبة إلى العبادات للمشقة لا يوجب
القياس عليه وقطع الشهيد رحمه الله بوجوب تقديمه وتوقف المصنف في النهاية وعلى القول بوجوب التقديم هل
يراعى في فعله تضيق الليل لفعله بحيث يجب الاقتصار من التقديم على ما يحصل به الغرض أم يجوز فعله فيه مطلقا
لا ريب أن مراعاة التضيق أحوط تقليلا للحدث بينه وبين الصلاة بحسب الامكان ولأن اغتفار الحدث الطارئ
بينه وبينها رخصة فيقتصر فيها على مواضع الضرورة وحكمهم بتقديمه من غير تقييد يشعر بعدم اعتباره وجعله
في الذكرى مع الصوم كغسل منقطعة الحيض وهو يشعر أيضا بعدم اعتبار التضيق ويستفاد من توقف الصوم
على الأغسال دون الوضوءات كون الوضوء المصاحب للغسل المكمل به ليس جزأ من المؤثر في رفع الحدث الأكبر وإلا لتوقف
الصوم عليه أيضا لتوقفه على ارتفاع حكم الحدث الأكبر بتمامه وربما قيل بتوقف رفع الأكبر عليهما فيحكم بفساد
الصوم بالاخلال بالوضوء وهو ضعيف ويتفرع على ذلك عدم إعادة وجوب الغسل المتخلل بالحدث الأصغر إذ لا
دخل للوضوء في رفع الحدث الأكبر ولا يوجب الأصغر سوى الوضوء فيكفي إعادة الوضوء بعد الغسل إن كان قدمه
عليه وإنما لم يثبت هذا الحكم في غسل الجنابة لعدم مجامعته للوضوء وامتناع خلو الحدث عن أثر وعدم صلاحية ما بقي
من أفعال الغسل لكمال التأثير وقد تقدم تحقيق ذلك كله ولو أخلت بالوضوء المصاحب للغسل أو المنفرد عنه أو
أخلت بالغسل أو بباقي ما يجب عليها من الأفعال كتغيير القطنة والخرقة وغسل ما ظهر من المحل لم تصح صلاتها
لتوقف الصلاة على رفع الحدث والخبث معا على هذا الوجه فمع إخلالها ببعض ما ذكر أما محدثة أو ذات نجاسة لم
يعف عنها وبما ذكرنا يظهر قصور العبادة وإن ترك ذكره للاخلال بالأفعال لا وجه له والطواف حكمه حكم الصلاة
فيبطله الاخلال بشئ من الأفعال والظاهر إن حكم اللبث في المساجد غير المسجدين مع أمن التلويث وقراءة العزائم
حكم الصوم فيعتبر فيهما الغسل خاصة إن لم يجوز لها دخول المساجد مطلقا وإن كان ما تقدم من العبارة يوهم
توقفهما على جميع الأفعال وغسلها كالحائض في جميع الأحكام حتى في الاحتياج معه إلى الوضوء على أصح القولين
قبله على الأفضل أو بعده وفي جواز نية الرفع فيهما والاستباحة إذا وقعا بعد الانقطاع أما قبله فيتعين
الاستباحة على المشهور وفيه بحث لا يدخل هذا المقام ويستثنى من ذلك وجوب الموالاة فإنها معتبرة في هذا الغسل
87

خاصة إذا لم يكن للبرء تقليلا للحدث ولا تجمع بين الصلاتين بوضوء رد بذلك على المفيد حيث اكتفى بوضوء واحد
للظهرين ووضوء للعشائين كالغسل وهذا كالتكرار لقوله قبل والوضوء لكل صلاة وإن كان قد تعين وعنه
بأن وجوب الوضوء لكل صلاة أعم من جواز الصلاة بدون الوضوء فإن مطلق الوجوب لا يقتضى الشرطية فذكره
هنا تنبيها على الاشتراط مع الوجوب وما يقال من أن وجوب الطهارات بمعنى الشرط للصلاة أمر مشتهر غنى من
الايضاح لا يدفع أصل الاحتمال وتوهم كونه أعم من الشرط فلا يدل عليه بالخصوص وعلى كل حال فليس للمستحاضة
إن تجمع بين صلاتين بوضوء واحد سواء في ذلك الفرض والنفل بل لا بد لكل صلاة من وضوء أما غسلها فللوقت
تصلى به ما شاءت من الفرض والنفل أداء وقضاء مع الوضوء لكل صلاة وتغيير القطنة والخرقة وغسل المحل إن
أصابها الدم ولو أرادت الصلاة في غير الوقت اغتسلت لأول الورد وعملت باقي الأفعال لكل صلاة وكذا القول
لو أرادت صلاة الليل لكن يكفيها الغسل عن أعادته للصبح على ما مر من التفصيل تنبيه يجب على المستحاضة
الاستظهار في منع الدم من التعدي بحسب الامكان وقد ورد ذلك في خبر معاوية بن عمار قال تحتشي وتستثفر والاستثفار
مأخوذ من ثفر الدابة يقال استثفر الرجل بثوبه إذا رد طرفه بين رجليه إلى معقد إزاره والمراد به هنا التلجم بأن
تشد على وسطها خرقه كالتكة وتأخذ خرقة أخرى وتعقد أحد طرفيها بالأولى من قدم (مقدم خ ل) وتدخلها بين فخذيها
وتعقد الطرف الآخر من خلفها بالأولى كل ذلك بعد غسل الفرج وحشوه قطنا قبل الوضوء ولو احتبس الدم بالحشو
خاصة اقتصرت عليه كل ذلك مع عدم الضرر باحتباس الدم وإلا سقط الوجوب للحرج وكذا يجب الاستظهار على السلس و
المبطون لرواية حريز عن أبي عبد الله عليه السلام إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان في الصلاة أتخذ
كيسا وجعل فيه قطنا ثم علقه عليه ثم صلى يجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان وإقامتين ويؤخر المغرب ويجعل
العشاء بأذان وإقامتين ويفعل مثل ذلك في الصبح ولاشتراك الجميع في النجاسة فيجب الاحتراز منها بقدر الامكان
فلو خرج الدم أو البول بعد الاستظهار والطهارة أعيدت بعد الاستظهار إن كان لتقصير فيه وإلا فلا للحرج ويمتد
الاستظهار إلى فراغ الصلاة ولو كانت صائمة فالظاهر وجوبه جميع النهار لان تأثير الخارج في الغسل وتوقف
الصوم عليه يشعر بوجوب التحفظ كذلك وبه قطع المصنف أما الجرح الذي لا يرقأ وما ماثله فلا يجب شده بل يجوز الصلاة
وإن كان سائلا ويفارق السلس والمبطون والمجروح المستحاضة في عدم وجوب تغيير الشداد عند كل صلاة عليهم
دونها لاختصاصها بالنص والتعدي قياس لا يتم عندنا وجعل في الذكرى وجوب تغييره للسلس والمبطون أحوط
وأما
النفاس بكسر النون فدم الولادة مأخوذ من تنفس الرحم بالدم أو من النفس التي هي الولد لخروج الدم عقيبه يقال
نفست المرأة ونفست بضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما وفي الحيض بفتح النون لا غير والولد منفوس ومنه الحديث
لا يرث المنفوس حتى يستهل صائحا والمرأة نفساء بضم النون وفتح الفاء والجمع نفاس بكسر النون مثل عشر أو عشار
ولا ثالث لهما ولا خلاف عندنا في كونه دم الولادة فلو ولدت ولم تر دما فلا نفاس بل ولا حدث لأصالة البراءة
من ثبوت الاحكام المترتبة عليه وعدم الدليل والمراد بدم الولادة الخارج معها وتصدق المعية بمقارنته خروج جزء
مما يعد آدميا أو مبدء نشو آدمي وإن كان مضغة مع اليقين أما العلقة وهي القطعة من الدم الغليظ فلا لعدم اليقين
وألحقها المصنف في النهاية بالمضغة مع شهادة القوابل وقال في الذكرى ولو فرض العلم بأنه مبدأ نشو انسان بقول
أربع من القوابل كان نفاسا وتوقف فيه بعض المحققين لانتفاء التسمية ولا وجه له بعد فرض العلم ولانا إن
88

اعتبرنا مبدأ النشو فلا فرق بينها وبين المغضة مع العلم نعم قد يناقش في إمكان العلم بذلك وهو خارج عن الفرض
وتصدق المعية بخروج الجزء وإن كان منفصلا ولو لحقه الباقي كان كولادة التوأمين فابتدأ النفاس من الأول و
غايته من الأخير وسيأتي تحقيقه وهذا الحكم وهو كون الخارج مع الولادة نفاسا هو المشهور لتناول إطلاق النصوص
له وحصول المعنى المشتق منه فيه وخالف فيه السيد المرتضى وخصه بالخارج بعدها ولا فرق عند غيره بين الخارج
معها أو بعدها لكنه هنا إجماع ويتحقق البعدية بخروج الدم بعد تمام الولد أو ما هو مبدأ نشوه كما تقدم ولا
يتحقق النفاس بخروج الدم قبلها وإن كان في زمن الطلق بل هو استحاضة يلحقه أحكامها إلا مع إمكان كونه حيضا
بناء على إمكان حيض الحامل كما هو الأصح لكن هل يشترط فيه كونه حيث يتخلل بينه وبين النفاس أقل الطهر أما بنقاء
أو بما يحكم بكونه استحاضة كالخارج بعد العادة متجاوزا لأكثره يحتمله لحكمهم بأن النفاس كالحيض ولأنه حيض محتبس و
عدمه لعدم كون النفاس حيضا حقيقيا وعدم استلزام المشابهة اتحاد الحقيقة وعموم الاحكام بل فيما حصلت به
المشابهة فالمتصل بل لولادة مما دون العشرة استحاضة وإن كان بصفة الحيض على الأولى وحيض مع بلوغه أقله
فصاعدا على الثاني واستقرب المصنف في النهاية الأول والوجهان إتيان في الدم المعقب للنفاس متصلا به مع اتصافه
بصفة الحيض أو وقوعه في العادة أو منفصلا من دون انقضاء أقل الطهر لكن في الأخبار الصحيحة دلالة على اشتراط
تخلل الطهر بين النفاس والحيض المتعقب له فيحكم به ويلزم مثله في الأول إذ لا قائل بالفرق وفي حديث عمار الساباطي
في أطلق ما يدل على الأول أيضا ولا حد لأقله فجاز أن يكون لحظة باتفاقنا بل يجوز عدمه أصلا كالمرأة التي ولدت
في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فسميت الجفوف وتقدير القلة باللحظة لا يفيد التقدير لعدم انضباط زمانها
وإنما يذكر مبالغة في القلة كقوله عليه السلام تصدقوا ولو بتمرة ولو بشق تمرة فإن ذلك ليس لتقدير الصدقة المندوبة
إذ لا تقدير لها شرعا وإنما يذكر ذلك مبالغة في قبول التقليل واختلف في أكثره والذي دلت عليه الأخبار الصحيحة ما
اختاره المصنف هنا وهو إن أكثره عشرة أيام للمبتدأة في الحيض والمضطربة العادة فيه أما بنسيانها وقتا وعددا أو عددا
وإن ذكرت الوقت
أما ذات العادة المستقرة في الحيض فأيامها تجعلها نفاسا والباقي إن اتفق استحاضة كل ذلك
مع تجاوز دمها العشرة وإلا فالجميع نفاس مطلقا وقد نبه المصنف على ذلك في غير هذا الكتاب وفي قوله بعد وإن رأت
العاشر فهو النفاس من غير تفصيل إيماء إليه أيضا وسيأتي توضيحه ويجوز لذات العادة دون العشرة الاستظهار
بيوم أو يومين كما تقدم في الحائض وقد ورد ذلك في عدة أحاديث ويجوز لها الاستظهار إلى تمام العشرة والحائض
وقد ورد ذلك في بعض الأحاديث عن الصادق عليه السلام ولا اعتبار بعادة النفاس اتفاقا ولقوله عليه السلام
تكف عن الصلاة أيام أقرائها التي كانت تمكث فيها ونحوه وهو صريح في عادة الحيض واعلم إن الأخبار الصحيحة لم يصرح
فيها برجوع المبتدأة والمضطربة إلى عشرة بل إنما صرح فيها بأنه لذات العادة في الحيض عادتها ولكن فيها إشعار بذلك
لأنه ورد في بعضها الاستظهار إلى العشرة كالحائض فلو كان أكثره أقل منها لم يستظهر إليها وقال الشيخ في التهذيب
جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس عشرة وعليها أعمل لوضوحها عندي وذكر الاخبار التي لم تصرح إلا
بالرجوع إلى العادة وجعل المصنف في المخ أكثره لذات العادة عادتها للاخبار المومى إليها وللمبتدأة ثمانية عشر لما روى
إن أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله إن تغتسل لثمانية عشر وغيره من الاخبار وحملت على التقية
وفي بعض الاخبار عن الصادق عليه السلام إن سؤال أسماء كان عقيب الثمانية عشر فأمرها بالغسل ولو سألته قبلها
89

لأمرها قال الشيخ رحمه الله بعد اختياره العشرة بالاخبار المعتمدة وما فيه الزيادة عن العشرة فالكلام عليه من وجوه
أحدها إنها أخبار أحاد مختلفة الألفاظ تضادة المعاني لا يمكن العمل على جميعها لتضادها ولا على بعضها لأنه
ليس بعضها بالعمل عليه أولى من بعض والثاني أنه يحتمل أن يكون خرجت مخرج التقية لان كل من يخالفنا يذهب
إلى إن أيام النفاس أكثر مما نقوله ولهذا اختلفت ألفاظ الأحاديث كاختلاف العامة في مذاهبهم فكأنهم عليهم السلام
إفتوا كل قوم منهم على حسب ما عرفوا من رأيهم ومذاهبهم والثالث أنه لا يمتنع أن يكون السائل سألهم عن امرأة
أتت عليها هذه الأيام فلم تغتسل فأمروها بعد ذلك بالاغتسال وأن تعمل كما تعمل المستحاضة ولم يدل على أن ما فعلت
المرأة في هذه الأيام كان حقا قال والذي يكشف عما قلناه ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه قال
سألت امرأة أبا عبد الله عليه السلام فقالت أنى كنت أقعد في نفاسي عشرين يوما حتى أفتوني بثمانية عشر يوما
فقال
أبو عبد الله عليه السلام ولم أفتوك بثمانية عشر يوما فقال الرجل للحديث الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر فقال أبو عبد الله عليه السلام إن أسماء سألت رسول الله صلى الله عليه وآله
وقد أتى لها ثمانية عشر يوما ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل كما تفعل المستحاضة ثم ساق
أحاديث كثيرة تدل على ذلك وأما حمل المصنف لحديث أسماء على المبتدأة فبعيد جدا لأنها تزوجت بأبي بكر بعد موت
جعفر بن أبي طالب وولادتها من جعفر عدة أولاد ويبعد حينئذ عدم حيضها في جميع هذه المدة مع ولادتها عدة أولاد
وإن كان ذلك داخلا في حيز الامكان وحكمها كالحائض في كل الاحكام الواجبة والمندوبة والمحرمة والمكروهة
والغسل والوضوء لأنه في الحقيقة دم حيض احتبس إلا في أمور الأول الأقل فإن الاجماع على أن أقل الحيض ثلاثة
في الجملة ولا حد لأقل النفاس الثاني في الأكثر للخلاف في أكثره كما عرفت والاتفاق على أكثر الحيض الثالث
إن الحيض دليل على سبق البلوغ بخلاف النفاس فإن الدلالة حصلت بالحمل لأنه أسبق من النفاس فدل على سبق
البلوغ على الوضع بستة أشهر فما زاد وهذا الوجه ذكره المصنف في النهاية وتبعه عليه في الذكرى وفيه نظر لان
دلالة الحمل عليه لا يمنع من دلالة النفاس أيضا لامكان اجتماع دلالات كثيرة فإن هذه الأمور معرفات شرعية
لا علل عقلية ولا يمتنع اجتماعها كما أن الحيض غالبا لا يوجد إلا بعد سن البلوغ بغيره الرابع إن العدة تنقضي
بالحيض دون النفاس غالبا وخرج من الغالب ما لو طلقت الحامل من زنا فإن النفاس ح يعد قرأ فإن رأت قرئين
في زمان الحمل انقضت العدة بظهور النفاس أو انقطاعه على الخلاف ولو لم يتقدمه قرءان عد في الأقراء الخامس
إن الحائض ترجع إلى عادتها في الحيض عند التجاوز بخلاف النفساء فإنها إنما ترجع إلى عادة الحيض لا النفاس السادس
إن الحائض ترجع إلى نسائها في الحيض على بعض الوجوه ولا ترجع النفساء إليهن في النفاس إلا على رواية شاذة
السابع إن النفساء لا ترجع إليهن أيضا في الحيض إذا كانت مبتدأة ولا هي والمضطربة إلى الروايات ولا هما
وذات العادة إلى التمييز الثامن قيل لا يشترط أن يكون بين الحيض والنفاس أقل الطهر سابقا ولاحقا بخلاف
الحيضتين وقد تقدم الكلام فيه التاسع أنه لا يشترط في النفاسين أقل الطهر كما في التوأمين بخلاف
الحيضتين أيضا العاشر في نية الغسل إذا أرادت تخصيص الحدث الموجب للغسل فإن هذه تنوي النفاس
وتلك الحيض فهذه اثنا عشر فرقا لان السابع يشتمل على ثلاثة تنبيه مما يترتب على أفعالهما في الاحكام
غير ما ذكر إن النفساء لو استحيضت بأن تجاوز دمها العشرة فإن كانت مبتدأة أو مضطربة جعلتا ما بعد العشرة
90

استحاضة حتى يدخل الشهر المتعقب للذي ولدتا فيه فترجعان في الدم الموجود في الشهر الثاني إلى التمييز ثم ترجع
المبتدأة إلى نسائها ثم ترجعان إلى الروايات وإن كانت ذات عادة جعلت بقدر عادتها في الحيض من الدم نفاسا
والباقي استحاضة إلى تمام طهرها المعتاد ثم ما بعده حيضا اللهم إلا أن يتغير لون الدم بحيث تستفيد منه تمييزا
لا ينافي أيام النفاس فتجعل أيام التمييز حيضا كما لو رأت بعد عشرة أيام فصاعدا من انقضاء أيام النفاس دما أسود
بعد أن كانت نراه أحمر أو دونه واستمر السواد ثلاثة فما زاد ولم يعبر عشرة إلى آخر ما ذكر في التمييز فتجعل السواد حيضا
لان أيام النفاس قائمة مقام العادة في الحيض وقد أسلفنا في الحيض إن العادة تقدم على التمييز مع تنافيهما لا مع إمكان
الجمع بينهما وعلى ما فرضناه يمكن الجمع هذا كله مع استمرار الدم أما لو انقطع ثم عاد بعد مضى أقل الطهر من انقضاء
النفاس قالعا كل حيض مع إمكانه وإن كان في شهر الولادة فتأمل ذلك فقل ما يستفاد بأجمعه من كلام مجتمع مع
عموم البلوى به
ولو تأخرت ولادة أحد التوأمين وهما الولدان في بطن واحد يقال هذا تؤم هذا وهذه تؤمة
هذه فعدد أيامها من التوأم الثاني لصدق الولادة عنه فما بعده دم الولادة قطعا وابتداؤه أي ابتدأ نفاسها
من ولادة الأول لصدق الاسم فيه غايته تعدد العلة وظاهر العبارة كونهما نفاسا واحدا وهو مبنى على الغالب من
تعاقب ولادتهما فيتحد النفاس بحسب الصورة وفي التحقيق لكل واحد نفاس مستقل لانفصال كل من الولادتين
عن الأخرى فإن وضعت الثاني لدون عشرة أمكن اتصال النفاسين ولو تراخت ولادة الثاني بحيث يمكن فرض
استحاضة بين النفاسين حكم به بل يمكن فرض حيض أيضا وإن بعد ويتفرع على كونهما نفاسين ما لو ولدت الثاني
لدون عشرة من ولادة الأول ولم تر بعد ولادة الأول إلا يوما واحدا مثلا وانقطع في باقي الأيام المتخللة بينهما
فإنه يحكم بكونها طهرا وإن رأت بعد ولادة الثاني في العشرة وانقطع عليها بخلاف ما لو حكم بكونهما نفاسا واحدا
كما يقتضيه ظاهر العبارة فإنه يلزم كون الدمين والنقاء المتخلل بينهما نفاسا كما سيأتي وتردد المحقق في المعتبر في كون
الدم الحاصل قبل ولادة الثاني نفاسا من حيث أنها حامل ولا نفاس مع الحمل ثم اختار كونه نفاسا أيضا لحصول مسمى
النفاس وهو تنفس الرحم به بعد الولادة فيكون لها نفاسان ولو رأت الدم اليوم العاشر خاصة فهو النفاس لما تقدم
من أنه متى انقطع على العشرة فما دون فالجميع نفاس كالحيض ولما كان النفاس هو الدم ولم يوجد إلا في العاشر كان
هو النفاس خاصة ولو فرض رؤية العاشر وتجاوزه لم يتم ما ذكر إلا عند من يرى أكثره عشرة مطلقا أما على مذهب المصنف
فإنما يحكم بكونه نفاسا مع التجاوز للمبتدأة والمضطربة ولمن عادتها عشرة أما لو كان عادتها أقل لم يكن لها نفاس
إلا مع رؤيته في جزء من العادة فيكون هو النفاس خاصة وهذا كله واضح وإن كان العبارة لا تفي به ولو رأته
أي العاشر والأول خاصة فالعشرة نفاس كما إن الحائض لو رأته ثلاثة وانقطع ثم رأت العاشر وانقطع فالدمان
وما بينهما حيض هذا مع انقطاعه على العاشر كما تقدم ولو تجاوزه فرض العشرة فكذلك إن كانت مبتدأة أو مضطربة أو
عادتها عشرة وإلا فنفاسها والأول خاصة إلا أن يصادف الثاني جزءا من العادة فجميع العادة نفاس لكن يجب عليها
الاستبراء بالقطنة والاغتسال مع النقاء بعد الانقطاع الأول والعبادة لجواز عدم عورة وأصالة عدمه فإذا عاد
في العشرة كما ذكر تبين بطلان ما فعلت فمقتضى صومه (صومها ط) وحكمها في هذا النقاء في اغتفار الوطئ والعبادة كما تتقدم في
الحائض ويتفرع على الحكم بكون الأول خاصة نفاسا إمكان الحكم بالحيض من الثاني عشر فصاعدا إن استفادت
منه
تمييزا أو لم تر في العاشر ورأت الثاني عشر وما بعده ثلاثة فإنه يحكم بكونه حيضا لامكانه ولو فرض رؤيتها لحظة
91

بعد الولادة وانقطع ثم عاد بعد لحظة من الحادي عشر واستمر ثلاثة فصاعدا ولم يتجاوز العشرة حكم بكونها حيضا أيضا
المقصد الرابع في غسل الأموات وما يتبعه من التكفين والتحنيط والدفن وما يندرج فيه من غسل
المس وإنما عنون هذا المقصد بغسل الأموات وذكر في المقاصد السابقة ماهيات الأسباب الاشتراك الأغسال السابقة
في الماهية فاكتفى بذكرها في الجنابة وبحث في الباقية عن الأسباب بخلاف غسل الأموات لمغايرته لها في الكيفية والحكم
فعنون المقصد به وهو أي غسل الأموات فرض واجب على الاحياء المكلفين إجماعا وفيه مع وجوبه أجر جزيل وفضل عظيم
روى الشيخ أبو جعفر الكليني بإسناده إلى سعد الإسكاف عن الباقر عليه السلام قال أيما مؤمن غسل مؤمنا فكان
إذا قلبه اللهم إن هذا بدن عبدك المؤمن قد أخرجت روحه منه وفرقت بينهما فعفوك عفوك إلا غفر الله عز وجل
له ذنوب سنة إلا الكبائر وعنه عليه السلام من غسل مؤمنا فأدى فيه الأمانة غفر له وهو أن لا يخبر بما يرى وعنه عليه السلام
فيما ناجى به موسى ربه تبارك وتعالى يا رب ما لمن غسل الموتى قال اغسله من ذنوبه كما ولدته أمه ووجوبه على الكفاية
لا على الأعيان لان الغرض إدخاله في الوجود وهو يحصل بالوجوب الكفائي ولا غرض يتعلق فيه بالمباشر المعين وكذا
القول في باقي الأحكام المتعلقة بالميت من توجيهه إلى القبلة وتكفينه وتحنيطه وحفر قبره ونقله إليه لا بذل الكفن
والحنوط وماء الغسل فإنه مستحب كما سيأتي والمراد بالواجب الكفائي هنا مخاطبة كل من علم بموته من المكلفين ممن يمكنه
مباشرة ذلك الفعل به استقلالا أو منضما إلى غيره حتى يعلم تلبس من فيه الكفاية به فيسقط حينئذ عنه سقوطا مراعى
باستمرار الفاعل عليه حتى يفرغ ولولا اعتبار المراعاة لزم عدم وجوب الفعل عند عروض مانع للفاعل عن الاكمال وهو
باطل واعتبر المصنف وجماعة في (سقوط ط) التكليف به الظن الغالب لان العلم باقي الغير يفعل كذا في المستقبل ممتنع ولا تكليف به
والممكن تحصيل الظن ولاستبعاد وجوب حضور جميع أهل البلد الكثير عند الميت حتى يدفن ونحو ذلك وفرعوا عليه أنه
لو ظن قوم قيام غيرهم به سقط عنهم ولو ظنوا عدمه وجب عليهم حتى لو ظن كل فرقة قيام غيرهم سقط عن الجميع كما أنهم
لو ظنوا عدم القيام وجب عليهم عينا ويشكل بأن الظن إنما يقوم مقام العلم مع النص عليه بخصوصه أو دليل قاطع و
ما ذكر لا تتم به الدلالة لان تحصيل العلم بفعل الغير في المستقبل ممكن بالمشاهدة ونحوها من الأمور المثمرة له (وإلا؟)
غير مسموع وباستلزامه سقوط الواجب عند عدم العلم بقيام الغير به وامتناع نية الفرض من الظأن عند إرادته
المباشرة وبأن الوجوب معلوم والمسقط مظنون والمعلوم لا يسقط بالمظنون وقال بعض المحققين من تلامذة المصنف إن
كان الظن مما نصبه الشارع حجة كشهادة العدلين جاز الاستناد في اسقاط الوجوب إليه وإن كان دون ذلك كشهادة
الفاسق بل العدل الواحد فلا لما مر وفيه إن شهادة العدلين إن كانت بأن الفعل قد وقع فمسلم وإن كانت أنه
أنه يقع أو تلبس به فجميع ما مر آت فيه وتنقيح هذه المسألة في الأصول وفرض الغسل متحقق لكل ميت مسلم ومن هو
بحكمه كالطفل والسقط لأربعة أشهر والبالغ مجنونا إذا كان أحد أبويه مسلما ولقيط دار الاسلام أو دار الكفر وفيها
مسلم صالح للاستيلاد بحيث يمكن إلحاقه به وفي كون الطفل المسبى إذا كان السابي مسلما والطفل المتخلق من ماء الزاني
المسلم بحكم المسلم فيجب تغسيله نظر من الشك في تبعية المسبى في جميع الأحكام وإنما المعلوم تبعيته في الطهارة وعدم
لحوق الثاني بالزاني شرعا ومن إطلاق الحكم بالتبعية وكون الثاني ولدا لغة فيتبعه في الاسلام كما يحرم نكاحه
أما البالغ الظهر للاسلام فإنه يغسل قطعا لصحته منه ويدخل في الكلية جميع فرق المسلمين فيجب تغسيل الميت منهم
وإن كان مخالفا للحق عدا الخوارج وهم أهل النهروان ومن دان بمقالتهم وتطلق هذه الفرقة على من كفر عليا عليه السلام
92

والموجود منهم من ذكر والغلاة جمع غال وهو من اعتقد إلهية أحد من الناس والمراد هنا من اعتقد إلهية علي عليه السلام
واستثناءهم من المسلمين باعتبار تسترهم بظاهر الاسلام وإلا فليسوا منه على شئ وكان انقطاع الاستثناء بالنسبة
إليهم أولى وكذا يجب استثناء كل من حكم بكفره من المسلمين كالنواصب والمجسمة بل كل من قال أو فعل ما يقتضى كفره
منهم وترك ذلك خلل في العبارة وخرج بالمسلم أنواع الكفارة ممن لا ينتحل الاسلام وأولادهم يتبعونهم في ذلك
ولا فرق بين القريب منهم والبعيد والزوجة وغيرها ولا ريب في عدم جواز تغسيل من ذكر وإن كان الاستثناء في
العبارة إنما دل على نفى الوجوب وكما يحرم تغسيلهم يحرم باقي الأفعال من التكفين والدفن والصلاة للآية ولقوله
تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم ولأن ذلك إكرام لا يصلح للكافر ولرواية عمار عن الصادق عليه السلام عن النصراني
يموت مع المسلمين لا تغسله ولا كرامة تدفنه ولا تقوم على قبره وإن كان أبا وجوز المرتضى مواراته إذا لم يكن له من
يواريه لئلا يضيع ويغسل المخالف غسله إن أراد المؤمن تغسيله أما لتعينه عليه أولا على كراهة في الثاني
والمراد بغسله الثابت في مذهبه ولو لم يعرف كيفية الغسل عندهم جاز تغسيله غسل أهل الحق ومنع المفيد من
تغسيله إلا لضرورة كتقية فيغسله غسل أهل الخلاف ولا يترك معه جريدة وعلله الشيخ في التهذيب بأن المخالف
للحق كافر فيجب أن يكون حكمه كحكمهم إلا ما خرج بالدليل والكافر لا يجوز تغسيله ونحوه قال ابن البراج ولا يخفى
إن المراد بالمخالف غير الناصبي وما ماثله والمشهور الجواز على كراهية
ويجب على من حضر عند المريض بل على من سمع به
عند الاحتضار وهو السوق سمى به لحضور المريض الموت أو لحضور إخوانه وأهله عنده أو لحضور الملائكة عنده لقبض
روحه توجيهه إلى القبلة وكيفيته أن يوضع على ظهره ويجعل باطن قدميه إلى القبلة بحيث لو جلس كان مستقبلا
لها والحكم بوجوب الاستقبال هو المشهور خبرا وفتوى ومستنده من الاخبار السليمة دلالة وسندا ما رواه محمد بن
يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن سليمن بن خالد قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبلا
بباطن قدميه ووجهه إلى القبلة وأما غيره من الاخبار التي استدل بها على الوجوب فلا تخلو من شئ أما في السند أو
في الدلالة أما لعدم التصريح بالأمر أو لوروده في واقعة معينة وعلل في بعضها بأنه إذا استقبل به أقبلت عليه
الملائكة روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله قاله في هاشمي كان في السوق واختار الشيخ في الخلاف الاستحباب
وتبعه في المعتبر ناقلا له عن سائر الجمهور خلا سعيد بن المسيب فإنه أنكره مستضعفا للروايات الدالة على الوجوب ولأن
التعليل في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله كالقرينة الدالة على الفضيلة مع أنه أمر في واقعة ونحن قد ذكرنا
ما هو المستند وقد تقدم إن فرض الاستقبال به كفاية كباقي أحكامه ويسقط الاستقبال به مع اشتباه القبلة
لعدم إمكان توجيهه في حالة واحدة إلى الجهات المختلفة واحتمله في الذكرى والأولى عود ضمير توجيهه إلى المسلم
ومن في حكمه المذكور سابقا ليفيد اختصاص الحكم به كما هو الواقع لا إلى الميت لاحتياجه حينئذ إلى التقييد ولا فرق بين
الصغير والكبير في هذا الحكم للعموم ولقد كان ينبغي اختصاص الحكم بوجوب الاستقبال بمن يعتقد وجوبه فلا يجب
توجيه المخالف إلزاما له بمذهبه كما يغسل غسله ويقتصر في الصلاة عليه على أربع تكبيرات وهل يسقط الاستقبال
بالموت أو يجب دوام الاستقبال به حيث يمكن كل محتمل ووجه الثاني عموم الامر وعدم ذكر الغاية وينبه عليه ذكره
حال الغسل في الخبر السابق ووجوبه حال الصلاة والدفن وإن اختلفت الهيئة وفي الذكرى إن ظاهر الاخبار
93

سقوط الاستقبال بموته وإن الواجب أن يموت إلى القبلة قال وفي بعضها دوام الاستقبال وفي استفادة سقوط
الاستقبال بموته منها نظر ويستحب التلقين للمحتضر بالشهادتين والاقرار بالأئمة عليهم السلام وكلمات الفرج و
المراد بالتلقين التفهيم يقال غلام لقن أي سريع الفهم فعن الصادق عليه السلام ما من أحد يحضره الموت إلا
وكل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشككه في دينه حتى تخرج نفسه فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه
فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يموت وفي رواية يلقنه كلمات
الفرج والشهادتين ويسمى له الاقرار بالأئمة واحدا بعد واحد حتى ينقطع منه الكلام وعن أبي بكر الحضرمي أنه
لقن رجلا الشهادتين والاقرار بالأئمة رجلا رجلا فرأى الرجل بعد وفاته فقال نجوت بكلمات لقنيهن أبو بكر
ولولا ذلك كدت أهلك في حديث طويل وقال الصادق عليه السلام اعتل رجل من أهل المدينة على عهد رسول
الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي مات فيه فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له قل لا إله إلا
الله فلم يقدر عليه فأعاد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقدر عليه وعند رأس الرجل امرأة فقال لها هل
لهذا الرجل أم فقالت نعم يا رسول الله أنا أمه فقال لها راضية أنت عنه أم لا فقالت بل ساخطة فقال
صلى الله عليه وآله أنى أحب إن ترضى عنه فقالت قد رضيت عنه لرضاك يا رسول الله فقال له قل لا إله إلا
الله فقال لا إله إلا الله فقال قل يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير إقبل منى اليسير واعف عنى الكثير إنك أنت
العفو الغفور فقالها فقال له ماذا ترى قال أسودين قد دخلا على قال فأعدها فأعادها فقال ما ترى قال قد
تباعدا عنى ودخل الأبيضان وخرج الأسودان فما أراهما ودنا الأبيضان منى فأخذا نفسي فمات من ساعته ولا بد
من متابعة المريض بلسانه وقلبه إن أمكن وإلا عقد بها قلبه لقوله صلى الله عليه وآله من كان آخر كلامه لا إله
إلا الله دخل الجنة وقوله صلى الله عليه وآله من كان آخر قوله (كلامه خ ل) عند الموت أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له إلا هدمت ما قبلها من الخطايا والذنوب فلقنوها موتاكم فقيل يا رسول الله كيف هي للاحياء قال هي أهدم وأهدم
وروى أنه صلى الله عليه وآله حين دخل على رجل من بنى هاشم وهو في النزع فلقنه كلمات الفرج إلى قوله وسلام على
المرسلين والحمد لله رب العالمين فقالها قال صلى الله عليه وآله الحمد لله الذي استنقذه من النار وينبغي أن
يكون ذلك من الملقن بلطف ومداراة من غير تكرار يوجب الاضجار وليكن آخره لا إله إلا الله ونقله إلى مصلاه
وهو الموضع الذي أعده في بيته للصلاة أو الذي كان يكثر فيه الصلاة أو عليه أن تعسر عليه الموت واشتد به النزع
لا مطلقا وإن كانت العبارة تحتمله لقول الصادق عليه السلام إذا عسر على الميت موته قرب إلى مصلاه الذي كان يصلى
فيه وفي حديث زرارة قال إذا اشتد عليه النزع فضعه في مصلاه الذي كان يصلى فيه أو عليه وعن أبي عبد الله عليه السلام
إن أبا سعيد الخدري قد رزقه الله هذا الرأي وأنه اشتد نزعه فقال احملوني إلى مصلاي فحملوه فلم يلبث أن
هلك وفي حديث آخر عنه عليه السلام إن أبا سعيد الخدري كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان مستقيما
فنزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حمل إلى مصلاه فمات فيه والتغميض لعينيه بعد موته معجلا لقوله صلى الله عليه
وآله إذا حضرتم موتاكم غمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح ولأن فتح عينيه يقبح منظره ويجوز معه دخول الهوام
إليهما وبعد الاغماض يشبه النائم وإطباق فيه بعده كذلك للاتفاق عليه ولئلا يقبح منظره بدونه ويدخل الهوام
إلى بطنه وكذا يستحب شد لحييه بعصابة لأمر الصادق عليه السلام به في ابن له وفعله في ابنه إسماعيل ولئلا تسترخي
94

لحياه فينفتح فوه ويلزم ما تقدم ومد يديه إلى جنبيه وساقيه إن كانتا منقبضتين ذكره الأصحاب قال المحقق
في المعتبر ولم أعلم في ذلك نقلا عن أهل البيت عليهم السلام ولعل ذلك ليكون أطوع للغاسل وأسهل للدرج
وتغطيته بثوب لان النبي صلى الله عليه وآله سجى بحبرة وغطى الصادق عليه السلام ابنه إسماعيل بملحفة ولأن فيه
سترا للميت وصيانة والتعجيل لتجهيزه للاجماع ولقول النبي صلى الله عليه وآله عجلوا بهم إلى مضاجعهم وقوله إذا مات الميت
لأول النهار فلا يقيل إلا في قبره وقوله صلى الله عليه وآله كرامة الميت تعجيله وقد ورد استحباب إيذان إخوان الميت
بموته لقول النبي صلى الله عليه وآله لا يموت منكم أحدا إلا أذنتموني وقول الصادق عليه السلام ينبغي لأولياء
الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت يشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له فيكتب لهم الاجر وللميت الاستغفار
ويكتب هو الاجر فيهم وفيما كتب (إكتسب خ ل) له من الاستغفار ولو كان حوله قرى أوذنوا كما فعل الصحابة من إيذان قرى المدينة
لما مات رافع بن خديج وينبغي الجمع مراعاة بين السنتين فيؤذن من المؤمنين والقرى من لا ينافي التعجيل عرفا ولو نافي
إعلام بعضهم تعجيله على وجه لا يلزم منه فساد الميت ولا تشويه خلقته ففي تقديم أيهما نطر ولعل مراعاة التعجيل
أولى جمعا بينه وبين أصل سنة الايذان بخلاف ما لو انتظر الجميع فإن سنة التعجيل تفوت أما لو استلزم الانتظار
وقوع أحد الوصفين بالميت فلا ريب في تضيق وجوب التعجيل إلا مع الاشتباه فلا يجوز التعجيل فضلا عن رجحانه
بل يرجع إلى الامارات أو يصبر عليه ثلاثة أيام إلا أن يتغير قبلها لئلا يعان على قتل امرء مسلم لقول الصادق
عليه السلام خمسة ينتظر بهم إلا أن يتغيروا الغريق والمصعوق والمبطون والمهدوم والمدخن وعنه عليه السلام وقد
سئل كيف يستبرئ الغريق يترك ثلاثة أيام قبل أن يدفن إلا أن يتغير فيغسل ويدفن وروى عن الكاظم عليه السلام
إن أناسا دفنوا أحياء ما ماتوا إلا في قبورهم قال المصنف في النهاية شاهدت واحدا في لسانه وقفة فسألته عن
سببها فقال مرضت مرضا شديدا واشتبه الموت فغسلت ودفنت في أزج ولنا عادة إذا مات شخص فتح عنه باب
الأزج بعد ليلة أو ليلتين أما زوجته أو أمه أو أخته أو بنته فتنوح عنده ساعة ثم تطبق عليه هكذا يومين أو
ثلاثة ففتح على فعطست فجاءت أمي بأصحابي فأخذوني من الأزج وذلك منذ سبع عشرة سنة والمراد بالامارات
نحو انخساف صدغيه وميل أنفه وامتداد جلدة وجهه وانخلاع كفه من ذراعه واسترخاء قدميه وتقلص أنثييه إلى
فوق مع تدلى الجلدة قيل ومنه زوال النور من بياض العين وسوادها وذهاب النفس وزوال النبض ونقل في الذكرى
عن جالينوس إن أسباب الاشتباه الاغماء ووجع القلب وإفراط الرعب أو الغم أو الفرح أو الأدوية المخدرة فيستبرأ
بنبض عروق بين الأنثيين أو عرق يلي الحالب والذكر بعد الغمز الشديد أو عرق في باطن الالية أو تحت اللسان
أو في بطن المنخر ومنع الدفن قبل يوم وليلة إلى ثلاثة واعلم إن الاستحباب في هذه المواضع كفائي فلا يختص بالولي
وإن كان الامر فيه آكد وفي بعض الاخبار وعبارات الأصحاب ما يدل على اختصاصه بذلك ويكره طرح الحديد على
بطنه ذكر ذلك الشيخان وجماعة من الأصحاب قال الشيخ في التهذيب سمعناه مذاكرة من الشيوخ رحمهم الله واحتج
في الخلاف على الكراهة بإجماعنا وكما يكره طرح الحديد عليه يكره غيره أيضا ذكره المصنف وجماعة وقال ابن الجنيد يضع
على بطنه شيئا يمنع من ربوها والاجماع على خلافه وحضور الجنب والحائض عنده لثبوت النهى عنه في الاخبار وفي بعضها
إن الملائكة تتأذى بذلك والظاهر اختصاص الكراهة بزمان الاحتضار إلى أن يتحقق الموت لأنه وقت حضور الملائكة
ولقول الصادق عليه السلام لا تحضر الحائض الميت ولا الجنب عند التلقين ولا بأس أن يليا غسله وقال علي بن حمزة
95

للكاظم عليه السلام المرأة تقعد عند رأس المريض وهي حائض في حد الموت فقال لا بأس ان تمرضه فإذا خافوا عليه
وقرب ذلك فلتتنح عنه وعن قربه فإن الملائكة تتأذى بذلك ويحتمل استمرار كراهة الحضور والكراهة في الحائض مستمرة
حتى تطهر وتغتسل وهل يزول في الجنب بالتيمم عند تعذر الغسل وفيها بعد الانقطاع مع تعذره نظر من إباحته
ما هو أقوى من ذلك كالصلاة ومن إن التيمم لا يرفع الحدث عنهما وأنه لا يشترك في صدق المشتق (بقاء المعنى المشتق صح) منه عندنا فيطلق
عليهما حائض وجنب معه بل بعد الغسل لكن خرج ما بعده بالاجماع فيبقى الباقي
وأولى الناس بغسله بل بجميع أحكامه
أولاهم بميراثه لعموم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ولقول علي عليه السلام يغسل الميت أولى الناس به والمراد بتقديم
الأولى بالميراث إن كل مرتبة من مراتب الإرث أولى مما بعدها إن كان وأما تفصيل تلك المرتبة في نفسها فلا تعرض
إليه في هذه العبارة وسيأتي التنبيه على بعضه هنا والباقي في الصلاة عليه وقد ذكر المصنف وغيره هنا وفي الصلاة إن
الرجال أولى من النساء مطلقا فلو كان الميت امرأة لا يمكن الولي الذكر مباشرة تغسيلها إذن للماثل فلا يصح فعله
بدون إذنه وربما قيل إن ذلك مخصوص بالرجل أما النساء فالنساء أولى بغسلهن ولم يثبت وامتناع المباشرة لا
يستلزم انتفاء الولاية ومهما امتنع الولي من الاذن أو فقد سقط اعتبار إذنه فيأذن الامام ثم الحاكم قيل ثم
المسلمون والزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها في كل أحكام الميت لقول الصادق عليه السلام في خبر إسحاق بن عمار
الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها ولا فرق بين الدائم والمنقطع للاطلاق
ويشترط المماثلة بين الغاسل
والمغسول في الذكورة والأنوثة مع الاختيار فيجب أن يغسل كل من المرأة والرجل مثله واتفاقا واستثنى من ذلك مواضع
أحدها الزوجية فلا منع فيها بل يجوز لكل من الزوجين تغسيل الاخر اختيارا على أشهر القولين لان فاطمة
عليها السلام أوصت أن تغسلها أسماء بنت عميس وعلي عليه السلام وغسلت أسماء زوجها بوصيته ولقول النبي صلى الله عليه وآله
لبعض نسائه لو مت قبلي لغسلتك وروى محمد بن مسلم قال سألته عن الرجل يغسل امرأته قال نعم إنما
يمنعها أهلها تعصبا وشرط الشيخ في كتابي الاخبار في جواز تغسيل كل منهما صاحبه الضرورة وتبعه جماعة وما
تقدم من الاخبار وغيرها حجة عليهم والمشهور في الاخبار والفتوى أنه من وراء الثياب ويجب حمل ما أطلق من الاخبار عليه
لوجوب حمل المطلق على المقيد والمراد بالثياب المعهودة وفي بعضها من فوق الدرع وذلك يقتضى استثناء
الوجه والكفين والقدمين فيجوز أن تكون مكشوفة وهل يطهر الثوب بصب الماء عليه من غير عصر مقتضى المذهب
عدمه وبه صرح المحقق في المعتبر في تغسيل الميت في قميصه من مماثله ومنع في الذكرى من عدم طهارته بالصب لاطلاق
الرواية قال وجاز أن يجرى مجرى ما لا عين؟ عصره واختار المصنف رحمه الله جواز التجريد فيهما كما لو غسله مماثله
ويختص اللمس بما جاز نظره من الأعضاء سواء جوزنا التجريد أم لا ولا فرق في الزوجة بين الحرة والأمة والمدخول
بها وغيرها والمطلقة رجعية زوجة بخلاف البائن ولا يقدح انقضاء العدة في جواز التغسيل عندنا بل لو تزوجت
جاز لها تغسيله وإن بعد الفرض واعلم الاستدراك في قوله ويجوز لكل من الزوجين إلخ بعد قوله والزوج أولى
لما تقدم من أن الولاية لا تستلزم جواز المباشرة ولأن الزوجة لم يستو لها ذكر وثانيها المملوكية على وجه
فيجوز للسيد تغسيل أمته غير المزوجة ومدبرته وأم ولده لأنهن في معنى الزوجة دون المكاتبة لتحريمها عليه بعقد
الكتابة سواء المطلقة والمشروطة ولو كانت الأمة مزوجة أو معتدة لم يجز له تغسيلها وفي المولى منها والمظاهر
منها ومن الزوجات نظر وجزم المصنف والشهيد في الذكرى بعدم المنع وأما تغسيل المملوكة لسيدها فإن كانت أم ولد
96

جاز لبقاء علاقة (علقة خ ل) الملك من وجوب الكفن والمؤنة والعدة ولايصاء زين العابدين عليه السلام أن يغسله أم ولده
وأما غير أم الولد من المملوكات ففي جواز تغسيلها إياه نظر من استصحاب حكم الملك ولأنها في معنى الزوجة في
إباحة اللمس والنطر فيباح وهو اختيار المصنف ومن انتقال ملكها إلى الوارث فيمتنع واستقربه شيخه في المعتبر و
هو قوى والخلاف في غير المزوجة والمعتدة والمكاتبة والمرتدة والمعتق بعضها فإنها كالحرة
وثالثها اشتباه
الحال في الذكورية والأنوثية لفقد موضع العلامات فيغسله محارمه من وراء الثياب وكذا يغسل الخنثى
المشكل بالنصب محارمه بالرفع من وراء الثياب لعدم إمكان الوقوف على المماثل في الموضعين هذا مع زيادة سنه
على ثلاث سنين وإلا لم يتوقف على المحرم كما سيأتي والمراد بالمحرم هنا هو المبحوث عنه في باب النكاح لجواز النظر إليه
بما عدا العورة وهو من حرم نكاحه مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة كالأم والأخت وبنتها وزوجة الأب والولد
واحترز بالتأبيد عن أخت الزوجة وبنت غير المدخول بها فإنهما ليستا من المحارم لعدم التحريم المؤبد بل هما بحكم
الأجانب وتوقف نكاحهما على مفارقة الأخت والأم لا يقتضى حل النطر ودخولهما في اسم المحارم وإلا لزم كون
نساء العالم محارم للمتزوج أربعا لتوقف نكاح واحدة منهن على فراق واحدة وقد صرح بهذا القيد جماعة من
الأصحاب ومن تركه منهم فإنما هو لظهوره بناء على أن التحريم العارضي بغير تأبيد لا يفيد المحرمية كتحريم الأجانب واعلم
إن المصنف في كثير من كتبه والمحقق في المعتبر وغيرهما لم يذكروا المصاهرة هنا في تعريف المحرمية ووجهه غير واضح ولو لم
يكن له محرم ففي دفنه بغير غسل أو شراء أمة من تركته تغسله فإن لم يكن له تركة فمن بيت المال أو استصحاب
حاله في الصغر فيغسله الرجل والمرأة أوجه ويضعف الثاني بانتقال التركة عنه بموته مع الشك في جواز تغسيل
الأمة كما مر والثالث بانتفاء الصغر المزيل للشهوة والاشكال آت أيضا في العضو الملقوط الذي لا يعلم ذكوريته ولا
أنوثيته حيث يجب تغسيله ولو كان الميت من محارم الخنثى جاز للخنثى تغسيله مع فقد المماثل من وراء الثياب وهو
أولى من باقي المحارم غير المماثلين لامكان مماثلته للميت ورابعها من لم يزد سنه على ثلاث سنين من الذكور و
الإناث وهذا أيضا لا تجب فيه المماثلة بل يجوز أن يغسل الرجل الأجنبي بنت ثلث سنين فما دون في حال كونها
مجردة وكذا المرأة يجوز لها تغسيل ابن ثلث سنين فما دون مجرد اختيارا وشرط في النهاية عدم المماثل ومنع في
المعتبر من تغسيل الرجال فارقا بينها وبين الصبي بأن الشرع أذن في إطلاع النساء على الصبي لافتقاره إليهن في التربية
وليس كذلك الصبية والأصل حرمة النظر وجوز المفيد وسلار تغسيل ابن خمس سنين مجردا والصدوق تغسيل بنت أقل
من خمس سنين مجردة والكل ضعيف وبالجملة فجواز تغسيل النساء لابن ثلث إجماعي بل ادعى المصنف في التذكرة و
النهاية إجماعنا أيضا على تغسيل الرجل الصبية وكأنه لم يعتبر خلاف المحقق أو أنه لم يتحققه فإنه لم يصرح به وإنما
يدل عليه حجته ولهذا قال في الذكرى وظاهر المعتبر أنه لا يجوز للرجال تغسيل الصبية والنصوص دالة على
جواز القسمين مضافا إلى الاجماع ولو قدم المصنف تغسيل المرأة على الرجل ثم عطفه عليها كان أجود لان حكمها أقوى
منه فكان أولى بالتقديم وكونه متبوعا لا تابعا وكما يجوز التجريد فيهما لا يجب ستر العورة لانتفاء الشهوة في
مثل ذلك ولأن بدن البنت عورة في أصله فلو لا جواز كشف العورة الخاصة لم يجز تجريدها وقد جاز بالاجماع و
إعلم أن المفهوم من تجديد السن هنا وفي الصلاة عليه أن منتهاه الموت فلا اعتبار بما بعده وإن طال فيمكن على
هذا حصول الموت على نهاية الثلث ووقوع الغسل بعد ذلك فلا يشترط في صحة الحكم وقوع الغسل قبل تمام
97

الثالثة فلا يتوجه حينئذ ما قاله المحقق الشيخ على من أن الثلث إذا كانت نهاية الجواز فلا بد من كون الغسل واقعا
قبل تمامها فإطلاق ابن ثلث يحتاج إلى التنقيح قال إلا أن يصدق على من شرع في الثالثة انه ابن ثلث انتهى هذا
كما عرفت إنما يتوجه لو جعلنا غاية التحديد الغسل كما لموت وهو غير واضح
وخامسها المحرمية مع تعذر المماثل
فيغسل كل من الرجل والمرأة الاخر إذا كان محرما له لتسويغ النظر واللمس وشرط الأصحاب كونه من وراء الثياب
محافظة على ستر العورة ولا تلازم بين جواز لمس ما عدا العورة ونظره في حال الحياة وجوازه هنا وقد تقدم
مثله في الزوج مع أن شأنها بالنسبة إلى الزوج أعظم ولو فقد المحرم لم يخبر لغير المماثل الأجنبي تغسيل الميت على
المشهور رواية وفتوى ولكن تأمر المرأة الأجنبية مع فقد المسلم وذات الرحم الرجل الكافر بالغسل لنفسه ثم يغسل
الميت المسلم غسله وكذا يأمر المسلم الأجنبي المرأة الكافرة بأن تغتسل ثم تغسل الميتة المسلمة غسل المسلمات مع فقد
المسلمة وذي الرحم على المشهورين الأصحاب ورواه عمار عن الصادق عليه السلام وعمرو بن خالد بإسناده إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله ومنعه المحقق في المعتبر محتجا بتعذر النية من الكافر مع ضعف السند وأجيب منع لزوم النية
أو الاكتفاء بنية الكافر كالعتق منه وعمل الأصحاب يجبر ضعف السند والحاصل أن المراد من هذا الغسل الصوري لا
الشرعي لنجاسة الكافر فلا يفيد غسله تطهرا فلا إشكال حينئذ لكونه تعبدا كالتعبد بتقديم غسله مع أنه لا
يطهر أو لكونه مزيلا للنجاسة الطارية فلا يسقط الغسل بمسه حينئذ لعدم التطهير الحقيقي لم يوجد وتعذر للضرورة
لا يقتضى سقوطه مطلقا وما وقع بدله للضرورة لم يقتض سقوطه بناء على أن فعل البدل عند التعذر فخرج عن
العهدة لعدم انحصار التكليف فيما وقع بدلا فإن الكافر عندنا مخاطب بفروع الاسلام وهو قادر على إيقاعها على
وجهها بالاسلام فما وقع منه بدلا لم ينحصر فيه إلا تكليف المسلم لا مطلق التكليف الذي لا يتم المصنف بدونه ولا يرد أن
انحصار تكليف المسلم به كاف مع عدم إسلام الكافر فلا يتوجه إعادة الغسل بدون إسلامه لما بيناه من أن الخروج
عن العهدة المسقط للتدارك مع القدرة إنما يتحقق بفعل الغسل ولو كان جانب الكافر غير مراعى في ذلك لزم عدم
إعادته لو امتنع الكافر من تغسيله وإن قدر المسلم عليه بعد ذلك لانحصار الوجوب حينئذ في أمر المسلم خاصة وقد حصل
مع أن بدلية غسل الضرورة عن الغسل الحقيقي غير معلومة إذ لا دليل يدل عليها وكذا سقوط وجوب الأول إذ لا
يلزم من امتناع التكليف بفعل واجب في بعض الأزمنة لضرورة سقوط وجوبه مطلقا وحيث منعنا مباشرة الكافر
أو تعذر دفن الميت بثيابه بغير غسل ولا تيمم لاستلزامه النظر واللمس المحرمين وذهب الشيخان وجماعة إلى
تغسيل الأجانب لها والأجنبيات له من فوق الثياب وأوجب بعضهم تغميض العينين استنادا إلى روايات معارضة
بما هو أصح إسنادا وأشهر رواية وروى أنهم يغسلون المحاسن الوجه واليدين واختاره الشيخ في النهاية ويجب إزالة
النجاسة العرضية عن بدنه أولا لتوقف تطهيره عليها وأولوية إزالتها على الحكمية ولخبر يونس عنهم عليهم السلام
فإن خرج منه شئ فانقه كذا عللوه والأولى الاستناد إلى النص وجعله تعبدا إن حكمنا بنجاسة بدن الميت به كما
هو المشهور وإلا لزم طهارة المحل الواحد من نجاسة دون نجاسة وأما على قول السيد المرتضى فلا إشكال لأنه
ذهب إلى كون بدن الميت ليس بخبث بل الموت عنده من قبيل الاحداث كالجنابة فحينئذ يجب إزالة النجاسة الملاقية
لبدن الميت كما إذا لاقت بدن الجنب ثم تغسيله بماء قد وضع فيه شئ من السدر أقله مسماه وأكثره ما لا يخرج الماء
بمزجه به عن الاطلاق لدلالة قول الصادق عليه السلام في خبر سليمان بن خالد يغسل بماء وسدر ثم بماء وكافور
98

ثم بماء عليه ولأن المقصود التطهير والمضاف غير مطهر ويستحب كونه بقدر سبع ورقات وينبغي كونه مطحونا أو ممروسا
في الماء بحيث تظهر به الفائدة المطلوبة منه وهي التنظيف وفي وجوب ذلك نظر وهذا الغسل في كيفيته وترتيبه كالجنابة
ويستفاد منه جواز الارتماس فيه في ما لا ينفعل بالملاقاة وإن الواجب الترتيب بين الأعضاء بان يبدأ برأس الميت
ورقبته ثم بميامنه ثم بمياسره لا فيها فلو غسل العضو من أسفله أجزا كما تقدم في الجنابة ومستند ذلك كله بعد
الاجماع عليه كما نقله في المعتبر والذكرى وغيرهما الاخبار كخبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام غسل الميت مثل
غسل الجنب وهو كما يدل على وجوب الترتيب فيه وعلى سقوطه بالارتماس يدل على عدم وجوب الوضوء أيضا
ثم بماء الكافور كذلك أي مرتبا كالجنابة وما قلناه في السدر من الاكتفاء بالمسمى قلة وعدم خروج الماء به عن
الاطلاق كثرة معتبر في الكافور أيضا ثم بالقراح بفتح القاف وهو الماء الخالي من السدر والكافور لا من كل شئ
كما توهمه بعضهم بناء على ما ذكره أهل اللغة من أن القراح الذي لا يشوبه شئ حتى التجأ إلى أن الماء المشوب بالطين كماء
السيل ونحوه لا يجوز تغسيل الميت به لعدم تسميته قراحا لغة وإن جاز التطهير به في غيره لأنهم اعتبروا في تطهير
غير الميت المطلق لا القراح وهو فاسد لان اسم القراح إنما أخذ في هذا الماء باعتبار قسيميه حديث اعتبر فيهما المزج لا
مطلقا وقد نبه على ذلك في خبر سليمان بن خالد المتقدم في قوله ثم بماء فإنه راعى فيه إطلاق الاسم ولا ريب أن
الممتزج بالطين المذكور ماء لأنه المفروض فلهذا جاز التطهير به في غيره وغسله بالقراح كذلك أي كغسل الجنابة
في الأحكام المذكورة ويستفاد من تشبيه كل غسل من الأغسال الثلاثة بغسل الجنابة وجوب النية لكل غسل
وهو أصح القولين لتعدد الأغسال اسما وصورة ومعنى واكتفى في الذكرى بنية واحدة محتجا بأن الغسل واحد
وإنما تعدد باعتبار كيفيته وربما قيل بالتخيير بين النية الواحدة والثلث لأنه في المعنى عبادة واحده وغسل
واحد مركب من غسلات ثلاث وفي الصورة ثلاثة فيجوز مراعاة الوجهين وتردد في المعتبر في وجوب النية في هذا
الغسل مطلقا لأنه تطهير للميت من نجاسة الموت فهو إزالة نجاسة كغسل الثوب ثم احتاط بوجوبها واعلم إن
الغاسل إن اتحد وجب عليه النية فلو نوى غيره لم يجز ولو اشترك جماعة في غسله فإن اجتمعوا في الصب اعتبرت
النية من الجميع لاستناده إلى الجميع فلا أولوية ولو كان بعضهم يصب والاخر يقلب وجبت على الصاب لأنه الغاسل
حقيقة واستحبت من المقلب واستقرب في الذكرى أجزاءها منه أيضا محتجا بأن الصاب كالآلة وفيه نطر لان حقيقة
الغسل هو جريان الماء على المحل والغاسل حقيقة من صدر عنه ذلك وهو الصاب فغيره ليس بغاسل وإن (لو خ ل) ترتبوا
بأن غسل كل واحد منهم بعضا اعتبرت النية من كل واحد عند ابتداء فعله لامتناع ابتناء فعل مكلف على نية
مكلف آخر ويحتمل الاكتفاء بنية الأول لان النية إنما تعتبر عند الشروع ويستفاد من عطف بعض الأغسال
الثلاثة على بعض ثم وجوب الترتيب بينها على الوجه المذكور فلو غير الترتيب لم يخبر لعدم الامتثال هذا إن وجد
الخليط أعني السدر والكافور وإن فقد السدر والكافور غسل ثلثا بالقراح على أصح القولين لان الواجب تغسيله
بماء وسدر وبماء وكافور كما تقدم في الخبر فالمأمور به شيئان فإذا تعذر أحدهما لم يسقط الاخر لان الميسور لا يسقط
بالمعسور كما ورد في الخبر أيضا ولقوله صلى الله عليه وآله إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وقيل تجزى غسلة
واحدة وهو أحد قولي الشهيد للأصل والشك في وجوب الزائد فلا يجب ولأن المراد بالسدر الاستعانة على النظافة
وبالكافور تطييب الميت وحفظه من تسارع التغير وتعرض الهوام فكأنهما شرط في الماء فيسقط الماء عند
تعذرهما
99

لانتفاء الفائدة ولأنه كغسل الجنابة قلنا الأصل قد عدل عنه للدليل وزال الشك فكما أن للسدر والكافور
مدخلا في النظافة وفيما ذكر كذلك لمائهما مدخل في زيادة النظافة ولهذا كان القراح أخيرا وفائدة التطهير في غسل
الميت أوضح مما ذكر ولو سلم كونه مرادا لم يلزم سقوط الماء لأنه مراد أيضا ويمنع كونهما شرطا في الماء مطلقا بل
مع وجودهما وكونه كغسل الجنابة إن أراد به إن كل واحد من الثلاثة كذلك لم يتم مطلوبه وإلا منعنا صحته وكما
لا تسقط الغسلتان بفوات ما يطرح فيهما كذا لا تسقط أحديهما بفقد خليطها فيغسل بالقراح خاصة في الفايت
ولا تتغير غسلة الخليط عن محلها ولو انعكس الفرض فإن كان المفقود ماء غسلتين مع وجود الخليط قدم السدر
لوجوب البداة به واختار في الذكرى القراح لأنه أقوى في التطهير ولعدم احتياجه إلى شئ آخر وهو ضعيف لوجوب
امتثال الامر بحسب الممكن والخليط مأمور به مع إمكان الجمع بينه وبين الماء ولوجوب مراعاة الترتيب فيستصحب ولو وجد
الماء لغسلتين قدم الكافور على القراح على ما بيناه وعلى ما اختاره رحمه الله يقدم السدر لوجوب البداة به قال
ويمكن الكافور لكثرة نفعه ويغسل الثانية بالقراح والمايز بين الغسلات على تقدير عدم الخليط النية فتجب
مراعاتها بأن يقصد تغسيله بالقراح في موضع ماء السدر وكذا في ماء الكافور ومع فقد أحد الأغسال يجب أن
ييمم عنه لاستقلاله بالاسم والحكم ولأن وجوب التعدد في المبدل منه وعدم أجزأ أحد أقسامه أو القسمين عنه يوجب
عدم أجزائهما أو أحدهما عن بدله وهو اختيار الشهيد في البيان وفي الذكرى أسقط وجوب التيمم (وهو مبنى على عدم وجوب التعدد في التيمم صح) عند تعذر
الأغسال كما اختاره فيها ويلزم منه عدم التيمم مع مسمى الغسل لأنه بدل منه فلا يجمع بين البدل والمبدل
وهو ضعيف وسيأتي بقية الكلام فيه واعلم أن هذه الأغسال الناقصة بوجه لا يحكم معها بتطهير الميت على وجه يسقط
الغسل بمسه لعدم وقوع الغسل على الوجه المعتبر ولأنه غسل ضرورة ولهذه تجب إعادته أو إكماله إذا أمكن قبل الدفن
وكذا القول في كل غسل شرع للضرورة وأولى منه التيمم ولو خيف من تغسيله تناثر جلده كالمحترق والمجدور وهو
من به الجدري بضم الجيم وفتحها والملسوع يتمم لكونه بدلا من الغسل حيث يتعذر وبه أخبار ضعيفة يؤيدها الشهرة
حتى نقل الشيخ في تيمم المحترق إجماعنا وإجماع المسلمين عليه ويعتبر فيه الضرب على الأرض مرتين أحدهما لوجهه والأخرى
لظاهر كفيه لأنه بدل من الغسل والأولى تطهير يد اللامس بعد كل لمس حيث يمكن والضرب والمسح بيد المباشر ولو يمم
الحي العاجز فالضرب والمسح بيدي العاجز بإعانة القادر ولو تعذر المسح بيدي العاجز فكالميت فعلم من هذا إن قولهم
في الميت يمم كالحي العاجز يحتاج إلى التقييد وهل التيمم ثلثا لأنه بدل عن ثلاثة أغسال أو مرة لأنه غسل واحد تعدد
باعتبار كيفية الأجود الأول وهو اختيار المصنف في النهاية لاطلاق الاسم على كل واحد وكون الثلاثة بحيث يطلق عليها
اسم واحد لا يخرجها عن التعدد في أنفسها وإذا وجب التعدد في المبدل منه مع قوته نفى البدل الضعيف أولى وأجدر و
يتفرع على ذلك تعدد نية الغسل والتيمم وقد تقدم
ويستحب وضعه على ساجة وهي لوح من خشب مخصوص والمراد وضعه
عليها أو على سرير حفظا لجسده من التلطح وليكن ذلك على مرتفع لئلا يعود إليه ماء الغسل وليكن مكان الرجلين
منحدرا لئلا يجتمع الماء تحته وليكن في حال الغسل مستقبل القبلة استحبابا وفاقا للمرتضى في الناصرية والمحقق
لخبر يعقوب بن يقطين سألت الرضا عليه السلام عن الميت كيف يوضع على المغتسل موجها وجهه نحو القبلة أو يوضع
على يمينه ووجهه نحو القبلة قال يوضع كيف تيسر وللأصل واختار جماعة وجوب الاستقبال هنا كالاحتضار لقول
الصادق عليه السلام حين سئل عن غسل الميت استقبل بباطن قدميه حتى يكون وجهه مستقبل القبلة قيل ولا منافاة
100

بينه وبين الخبر السابق لان ما لا يتيسر لا يجب قطعا ويضعف بأن ذلك يتم مع تيسر جهة واحدة أما مع إمكان
القبلة وغيرها ففي الخبر دلالة على التخيير وهو ينافي الوجوب فيمكن حينئذ الجمع بينهما بحمل الامر على الاستحباب
وليكن تحت الظلال للخبر وللإجماع قال في المعتبر والتذكرة ولعل الحكمة فيه كراهة مقابلة السماء بعورته ووقوف
الغاسل على يمينه لقول الصادق عليه السلام ولا يجعله بين رجليه بل يقف من جانبه كذا استدل في النهاية وهو
أعم من المدعى وغمز بطنه وهو مسحها في الغسلتين الأوليين بضم الهمزة واليائين المثناتين من تحت تثنية أولى
وليكن قبلهما والغرض بذلك التحفظ من خروج شئ بعد الغسل لعدم القوة الماسكة ونقل الشيخ فيه الاجماع وأنكره
ابن إدريس لمساواة الميت للحي في الحرمة ولا يستحب المسح في الثالثة إجماعا بل يكره وعلى كل حال فلو خرج منه نجاسة بعد
الغسل أو في أثنائه غسلت ولا يعاد الغسل للامتثال وللاخبار وهذا الحكم ثابت في كل ميت إلا في الحامل التي مات
ولدها في بطنها حذرا من الاجهاض ولو اتفق الاجهاض بسببه لزم الفاعل عشر دية أمه نبه عليه في البيان والذكر
لله تعالى حال الغسل ويتأكد الدعاء بالمأثور وقد تقدم وصب الماء إلى حفيرة وليكن تجاه القبلة كما تضمنه خبر
سليمان بن خالد ويكره إرساله في الكنيف وهو الموضع المعد لقضاء الحاجة ولا بأس بالبالوعة وهي ما يعد في المنزل
لصب الماء ونحوه وأما بالوعة البول فملحقة بالكنيف وتليين أصابعه برفق على المشهور ومنع منه ابن أبي عقيل لقول
الصادق عليه السلام ولا تغمز له مفصلا ونزله الشيخ على ما بعد الغسل وغسل فرجه أراد به الجنس إذ يستحب غسل
فرجيه بماء قد مزج بالحرض بضم الحاء والراء أو سكونها وهو الأشنان بضم الهمزة سمى به لأنه يهلك الوسخ قال
تعالى حتى تكون حرضا أي مقاربا للهلاك والسدر بأن يمزجهما جميعا معا بالماء ويغسل فرجيه ويغسل رأسه
برغوة السدر خاصة كل ذلك أولا قبل الغسل بالسدر وكما يستحب غسل الفرجين بماء الحرض والسدر قبل الأولى
يستحب غسلهما بماء الكافور والحرض قبل الثانية ثم غسلهما بماء القراح وحده قبل غسله كل ذلك ثلثا ثلثا وتكرار غسل
كل عضو من أعضائه ثلثا وإن يوضأ قبل الغسل بعد إزالة النجاسة العرضية ومقدما الغسل ولا مضمضة قبله
ولا استنشاق وأوجبه جماعة لقول الصادق عليه السلام في كل غسل وضوء إلا الجنابة وهو معارض بعدة أخبار
دلت على عدم الوضوء فضلا عن وجوبه ولا يلزم من كون الوضوء في الغسل أن يكون واجبا بل يجوز كون غسل
الجنابة لا يجوز فعل الوضوء فيه وغيره يجوز ولا يلزم منه الوجوب بل يستفاد من خارج و (تنشيفه صح) ينشفه بعد الفراغ من
غسله بثوب للخبر ولئلا يسرع الفساد إلى الكفن مع البلل ويكره إقعاده للخبر ولأن فيه أذى من غير حاجة وقص
أظفاره بفتح الهمزة جمع ظفر بضم أوله وترجيل شعره وهو تسريحه ولو فعل ذلك دفن ما ينفصل من الأظفار
والشعر معه وجوبا ونقل الشيخ الاجماع على تحريمهم وكذا قال في تنظيف أظفاره من الوسخ بالخلال والمشهور الكراهة
في الأولين أما الوسخ تحت أظفاره فلا بد من إظهاره ولنورد هنا حديثين يأتيان على جميع ما تقدم مع زيادة يحتاج
إليها ويوضح بهما كيفية التغسيل ذكرهما في الكافي والتهذيب أحدهما خبر عبد الله الكاهلي قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن غسل الميت فقال استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة ثم تلين مفاصله
فإن امتنعت عليك فدعها ثم أبدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلث غسلات وأكثر من الماء وامسح بطنه مسحا
رفيقا ثم تحول إلى رأسه فابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه ثم تثنى (ثن خ ل) بشقه الأيسر من رأسه ولحيته ووجهه فاغسله
برفق وإياك والعنف واغسله غسلا ناعما ثم أضجعه على شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثم اغسله من قرنه إلى
101

قدمه وامسح يدك على ظهره وبطنه ثلاث غسلات ثم رده على جنبه (جانبه خ ل) الأيمن حتى يبدو لك الأيسر فاغسله بماء من قرنه
إلى قدمه وامسح يدك على ظهره وبطنه ثلاث غسلات ثم رده على قفاه فابدأ بفرجه بماء الكافور فاصنع كما صنعت أول
مرة اغسله ثلث غسلات بماء الكافور والحرض وامسح يدك على بطنه مسحا رفيقا ثم تحول إلى رأسه فاصنع كما صنعت
أولا بلحيته من جانبيه كليهما ورأسه ووجهه بماء الكافور ثلث غسلات ثم رده إلى الجانب الأيسر حتى يبدو لك الأيمن
فاغسله من قرنه إلى قدمه ثلاث غسلات وادخل يدك تحت منكبيه وذراعيه ويكون الذراع والكف مع جنبه ظاهرة (طاهرة خ ل) كلما
غسلت شيئا منها أدخلت يدك تحت منكبه وفي باطن ذراعيه ثم رده على ظهره ثم اغسله بماء القراح كما صنعت أولا
تبدء بالفرج ثم تحول إلى الرأس واللحية والوجه حتى تصنع كما صنعت أولا بماء قراح ثم أذفره بالخرقة ويكون تحتها
القطن تذفره به إذفارا قطنا كثيرا ثم شد فخذيه على القطن بالخرقة شدا شديدا حتى لا يخاف أن يظهر شئ وإياك
أن تقعده أو تغمز بطنه وإياك أن تحشو في مسامعه شيئا فإن خفت أن يظهر من المنخر شئ فلا عليك أن تصير ثم
قطنا وإن لم تخف فلا تجعل فيه شيئا ولا تخلل أظفاره وكذلك غسل المرأة والثاني رواه يونس بن عبد الرحمن رحمه
الله عنهم عليهم السلام قال إذا أردت غسل الميت فضعه على المغتسل مستقبل القبلة فإن كان عليه قميص فاخرج
يده من القميص واجمع قميصه على عورته وارفعه عن رجليه إلى فوق الركبة وإن لم يكن عليه قميص فالق على عورته خرقة
واعمد إلى السدر فصيره في طست وصب عليه الماء واضربه بيدك حتى ترتفع رغوته واعزل الرغوة في شئ وصب
الاخر في الإجانة التي فيها الماء ثم اغسل يده ثلث مرات كما يغسل الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع واغسل
فرجه وانقه ثم اغسل رأسه بالرغوة وبالغ في ذلك واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه ثم أضجعه على جانبه
الأيسر وصب الماء من نصف رأسه إلى قدمه ثلث مرات وادلك بدنه دلكا رفيقا وكذلك ظهره وبطنه ثم أضجعه على
جانبه الأيمن فافعل به مثل ذلك ثم صب ذلك الماء من الإجانة واغسل الإجانة بماء قراح واغسل يديك إلى المرفقين
ثم صب الماء في الآنية والق فيه حبات كافور وافعل به كما فعلت في المرة الأولى أبدا بيديه ثم بفرجه وامسح ببطنه
مسحا رفيقا فإن خرج شئ فانقه ثم اغسل رأسه ثم أضجعه على جانبه الأيسر كما فعلت أول مرة ثم اغسل يديك إلى
المرفقين والآنية ثم صب فيه ماء القراح واغسله بماء القراح كما غسلت في المرتين الأوليين ثم نشفه بثوت طاهر
واعمد إلى قطن فذر عليه شيئا من حنوط وضعه على فرجه قبل ودبر واحش القطن في دبره لئلا يخرج منه شئ وحد خرقة
طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه وضم فخذيه ضما شديدا ولفها في فخذيه ثم اخرج رأسها من تحت رجليه
إلى الجانب الأيمن واغمرها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة ويكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقوه إلى ركبتيه
لفا شديدا فإذا فرغت من غسله وجب تكفينه في ثلاثة أثواب مع الاختيار لقول الباقر عليه السلام في خبر زرارة إنما
الكفن المفروض ثلاثة أثواب (وثوب تام صح) لا أقل منه يوارى به فيه جسده كله فما زاد فهو سنة كل إن حتى يبلغ خمسة واستدل بأن النبي صلى الله عليه وآله
كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية بالسين المفتوحة ثم الحاء المهملة قيل منسوب إلى سحول
قرية باليمن وفي دلالته على الوجوب نظر ويجزى عند الضرورة ثوبان بل لو لم يوجد إلا ثوب واحد كفى لان الضرورة
تبيح دفنه بغير كفن فببعضه أولى واكتفى سلار بالواحدة اختيارا للأصل ولقول الباقر عليه السلام في خبر زرارة
المتقدم إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تام لا أقل منه يوارى به جسده كله وجوابه إن الأصل عدل عنه الدليل
ويمكن أن يكون هو الاجماع ولفظ ثوب في الرواية محذوف من كثير من النسخ ولو تم فظاهره وجوب الأربعة ولم يقل
102

به أحد فالأولى تنزيله على كونه بيانا لاحد الثلاثة وهو الإزار لأنه يجب ستره لجميع البدن فيكون كعطف خاص على
العام أحد الثلاثة مئرز بكسر الميم ثم الهمزة الساكنة وربما عبر عنه بالإزار وهو ثابت لغة والمفهوم في تقديره
عرفا
أن يستر ما بين السترة والركبة ويجوز كونه إلى القدم بأذن الوارث أو وصية الميت النافذة ويحتمل الاكتفاء فيه
بما يستر العورة لأنه موضوع ابتداء لسترها ويستحب أن يكون بحيث يستر ما بين صدره وقدمه والثاني قميص وهو ثوب
يصل إلى نصف الساق لأنه المتعارف ويجوز إلى القدم مع مراعاة ما تقدم ويمكن جوازه مطلقا وهل يتعين القميص
أو يقوم مقامه ثوب شامل الجميع البدن الأكثر على الأول لما روى أن النبي صلى الله عليه وآله كفن في قميص ولخبر معوية
بن وهب عن الصادق عليه السلام يكفن الميت في خمسة أثواب قميص لا يزر عليه واختار المحقق في المعتبر تبعا لابن الجنيد
الثاني لخلو أكثر الروايات من تعيينه فيثبت التخيير وقد تقدم منها حديث زرارة وعن محمد بن سهل عن أبيه
قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الثياب التي يصلى الرجل فيها يكفن بها قال أحب ذلك الكفن يعنى قميصا قلت
يدرج في ثلاثة أثواب قال لا بأس والقميص أحب إلى والثالث إزار بكسر الهمزة وهو ثوب شامل لجميع البدن ولا بد
من زيادته على ذلك بحيث يمكن شدها من قبل رأسه ورجليه والواجب فيه عرضا أن يشمل البدن كذلك ولو
بالخياطة وينبغي زيادته بحيث يمكن جعل أحد جانبيها (جانبه خ ل) على الاخر كما تشهد به الاخبار وأما كونها لفافة فلا يدل على
ذلك خصوصا بل على الأعم منه ومما تقدم لان المعتبر فيها لف البدن وهو يحصل بهما قال المحقق الشيخ على رحمه
الله ويراعى في جنس هذه الأثواب التوسط باعتبار اللائق بحال الميت عرفا فلا يجب الاقتصار على أدون المراتب و
إن ماكس الورثة أو كانوا صغارا حملا لاطلاق اللفظ على المتعارف وهو أحسن لان العرف هو المحكم في أمثال ذلك
مما لم يرد له تقدير شرعي والمفهوم من خبر زرارة المتقدم الاكتفاء بمواراة البدن بالثلاثة فلو كان بعضها رفيقا
بحيث لا يستر العورة ويحكى البدن لم يضر مع حصول الستر بالمجموع والأجود اعتبار الستر في كل ثوب لأنه المتبادر وليس
في كلامهم ما يدل عليه نفيا ولا إثباتا ويعتبر في الأثواب كونها بغير الحرير المحض سواء في ذلك الرجل والمرأة باتفاقنا
كما حكاه في الذكرى واحترز بالمحض عن الممتزج به بحيث لا يستهلكه الحرير فإنه يجوز التكفين فيه كما تجوز الصلاة
ويعتبر فيها أيضا كونها مما تصح فيها الصلاة فلا يجوز التكفين بالمتخذ من شعر ووبر ما لا يوكل لحمه وإن كانت
العبارة تشمله أما شعر ووبر وصوف ما يؤكل لحمه فلا بأس ولا عبرة بمنع ابن الجنيد منه إذ لا يعلم سنده وأما الجلد
فلا يصح التكفين فيه مطلقا لعدم إطلاق اسم الثوب عليه ولوجوب نزعه عن الشهيد فهنا أولى وكذا لا يصح في المغضوب
والنجس لعدم الصلاة فيهما هذا مع الاختيار أما مع الضرورة فلا يجوز في المغصوب قطعا وفي غيره ثلاثة أوجه
المنع لاطلاق النهى والجواز لئلا يدفن عاريا مع وجوب ستره ولو بالحجر ووجوب ستر العورة لا غير حالة الصلاة ثم
ينزع بعد قال في الذكرى تفريعا على الاحتمالين الآخرين فالجلد مقدم لعدم صريح النهى فيه ثم النجس لعروض المانع
ثم الحرير لجواز صلاة النساء فيه ثم وبر غير المأكول قال وفي هذا الترتيب للنظر مجال إذ يمكن أولوية الحرير على
النجس لجواز صلاتهن فيه اختيارا انتهى ونوقش في باقي المراتب أيضا أما في الجلد فلان الامر بنزعه عن الشهيد
يدل على المنع في غيره بمفهوم الموافقة وهي أقوى من الصريح ولم يدل دليل على الجواز فيه والتكفين بالممنوع منه
بمنزلة العدم شرعا والقبر كاف في الستر والامر التعبدي متعذر على كل تقدير ومثله القول في الحرير وجواز
صلاة النساء لا يقتضى جواز التكفين به لعدم الملازمة على أنه لو تم لزم اختصاص الحكم بالنساء وظاهر كلامه الاطلاق
103

ووبر غير المأكول بعد من الجميع أما النجس فيدل على جوازه مع الضرورة عدم وجوب نزعه عن الميت لو استوعبته
النجاسة وتعذر غسلها وقرضها (ضه خ ل) وأنه آيل إلى النجاسة عن قريب فأمره أخف فظهر المنع مطلقا في غير النجس وفي البيان
قطع بالتكفين فيما لا يمتنع الصلاة فيه من الجلود عند الضرورة وتوقف في الباقي
ويجب تحنيطه وهو أن يمسح مساجده
السبعة بالكافور ووجهه مع النص والاجماع إن فيه تطييبا لموضع العبادة وتخصيصا لها بمزيد العناية ويجتزى
في المسح بأقله وهو ما يحصل به مسماه لصدق الامتثال وقيل أقله مثقال وقيل مثقال وثلث وبه روايات محمولة
على الفضيلة واختصاص التحنيط بالسبعة هو المشهور وزاد المفيد وابن أبي عقيل الانف والصدوق الصدر والسمع والبصر و
الفم والمغابن وهي الإباط وأصول الأفخاذ والاخبار مختلفة والعمل على المشهور ولا يجب استيعاب المساجد بالمسح بل يكفي
منها مسماها أيضا وسيأتي إضافة الصدر إليها استحبابا وهذا الحكم ثابت لكل ميت إلا المحرم فلا يجوز تحنيطه بالكافور
ولا وضعه في ماء غسله بل يدفن بغير كافور ولا غيره من أنواع الطيب لقوله صلى الله عليه وآله لا تقربوه طيبا فإنه يحشر
يوم القيمة ملبيا ولا يمنع من المحيط ولا يكشف رأسه وظاهر قدميه وإن اعتبر ذلك في المحرم لقول أحدهما عليها السلام
وقد سأله محمد بن مسلم عن المحرم كيف يصنع به إذا مات قال يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يقرب طيبا
ومنع المرتضى من تغطية رأسه ولا فرق بين الاحرامين للعموم ولو أفسد حجه بالجماع فكالمحرم الصحيح لوجوب الاتمام و
مساواته له في الاحكام ولا فرق بين موته قبل الحلق أو التقصير أو بعده قبل طواف الزيارة لان تحريم الطيب إنما
يزول به أما لو مات بعد الطواف ففي تحريمه حينئذ نظر من إطلاق اسم المحرم عليه وإباحة الطيب له حيا فهنا
أولى واختار
المصنف في النهاية الثاني ولا يلحق به المعتدة والمعتكف وإن حرم عليهما الطيب حيين لعدم النص وبطلان القياس ولأن
الحداد للتفجع على الزوج وقد زال بالموت ويستحب أن يكون قدر كافور الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلثا ومستنده إن
جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وآله بأربعين درهما من كافور الجنة فقسمه النبي صلى الله عليه وآله
بينه وبين على وفاطمة عليهما السلام أثلاثا وظاهر العبارة أن هذا القدر مختص بالحنوط وإن كافور الغسل غيره
وهو قول الأكثر وهو مصرح في مرفوعة علي بن إبراهيم قال في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث ولا فرق في ذلك بين
الرجل والمرأة واعلم أن ظاهر العبارة أن التكفين مقدم على التحنيط لتقديمه عليه في الذكر وإن كانت الواو لا تدل
على الترتيب وفي النهاية قدم نقله إلى أكفانه المبسوطة المعدة له قال ثم يحنطه واجبا وهو صريح في الترتيب وفي خبر يونس
عنهم عليهم السلام قال في تحنيط الميت وتكفينه ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليها الإزار ثم ابسط القميص عليه ثم اعمد
إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته إلى أن قال ثم يحمل فيوضع على قميصه ويرد مقدم القميص عليه الحديث وهو دال
صريحا على تقديم الحنوط على التكفين وإن تأخر عن البسط وبمثله عبر في الذكرى والبيان والظاهر عدم الترتيب
بينه وبين التكفين والنية معتبرة فيهما لأنهما فعلان واجبان لكن لو أخل بها لم يبطل الفعل وهل يأثم بتركها يحتمله
لوجوب العمل ولا يتم إلا بالنية لقوله عليه السلام لا عمل إلا بنية وعدمه أقوى لان القصد بروزهما للوجود
كالجهاد والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وقضاء الدين وشكر النعمة ورد الوديعة فإن هذه الأفعال كلها يكفي
مجرد فعلها عن الخلاص من تبعة الذم والعقاب ولكن لا يستتبع الثواب إلا إذا أريد بها التقرب إلى الله تعالى
كما نبه عليه الشهيد رحمه الله في القواعد ومن هذا الباب توجيهه إلى القبلة وحمله إلى القبر ودفنه فيه ورد
السلام وإجابة المسمت والقضاء والشهادة وأدائها أما غل الميت فلا ريب في اشتراط النية فيه إذا لم نجعله
104

إزالة نجاسة فلا يقع معتبرا في نظر الشرع إلا بها كنظائره من الأغسال واغتسال الغاسل قبل التكفين إن
أراد هو التكفين والمراد به غسل المس أو الوضوء الذي يجامع غسل المس للصلاة وعلل ذلك في التذكرة بأن
الغسل من المس واجب فاستحب الفورية فإن لم يتفق ذلك أو خيف على الميت غسل الغاسل يديه من المنكبين
ثلثا ثم يكفن للخبر حيث كان هذا الوضوء هو الوضوء المجامع للغسل فلا بد فيه من نية الاستباحة أو الرفع
على القول به والوجوب إن كان في وقت واجب مشروط به وإلا الندب وقد تقدم أن ما يتوقف كمال فعله على
الوضوء كقرائة القرآن لو نوى ذلك في الوضوء رفع الحدث أيضا على الخلاف فليكن هنا كذلك وزيادة حبرة بكسر
الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة ثوب يمنى غير مطرزة بالذهب بامتناع الصلاة فيه حينئذ للرجال وزاد في الذكرى
المنع من المطرزة بالحرير أيضا لأنه إتلاف غير مأذون فيه وزاد المصنف في غير هذا الكتاب وغيره في وصف الحبرة
أن تكون عبرية وهي بكسر العين منسوبة إلى بلد باليمن أو جانب واد وقد ورد في حديث زرارة من أبى جعفر عليه السلام
كفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثوب يمنى عبرى وفي بعض الاخبار أفضلية الحبر قال الباقر عليه
السلام كفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب برد عبرة أحمر وثوبين أبيضين صحاريين وقال الحسن
بن علي عليه السلام كفن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة وإن عليا عليه السلام كفن سهل بن حنيف ببرد أحمر
ولو تعذرت الأوصاف أو بعضها كفت الحبرة المجردة وعبارة المصنف تقتضي الاكتفاء بها مطلقا فإن لم يوجد فلفافة
أخرى
وزيادة الحبرة للرجل لظاهر الأخبار المتقدمة والمشهور استحبابها للمرأة أيضا لعدم ما يدل على التخصيص و
الأخبار المذكورة لا تنفيها ويزاد الرجل أيضا بل تزاد المرأة أيضا لاطلاق الميت في خبر معاوية بن وهب عن الصادق
عليه السلام خرقة لفخذيه تسمى الخامسة طولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض شبر إلى شبر ونصف يلف بها فخذاه لفا
شديدا وإنما اعتبرنا في العرض التقريب لتحديده بشبر في خبر يونس وبشبر ونصف في خبر عمار عن الصادق عليه السلام
واختلاف الخبرين في القدر يدل على إرادة التقريب وإن الأقل مجز والأكثر أكمل واعلم إنا لم نظفر بخبر شاف ولا فتوى
يعتمد عليها في كيفية شدها على التفصيل أما الاخبار فقد تقدم في حديث عبد الله الكاهلي أنه يذفر بها
إذفارا قال في الذكرى هكذا وجد في الرواية والمعروف يثفر به إثفارا من أثفرت الدابة إثفارا ثم يشد فخذيه
بالخرقة شدا شديدا وفي خبر يونس خذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه وضم فخذيه ضما شديدا و
لفها في فخذيه ثم اخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن واعمزها في الموضع الذي لفقت نية الخرقة وعبارات الأصحاب
أكثرها مشتملة على أنه يلف بها فخذاه من غير تفصيل والذي يمكن استفادته من الرواية الأولى إن كان المراد من
الأذفار هو الأثفار كما ذكره الشهيد أن يربط أحد طرفي الخرقة على رسله أما بشق رأسها أو بأن يجعل فيها خيط ونحوه
يشدها ثم يدخل الخرقة بين فخذيه ويضم بها عورته ضما شديدا ويخرجها من الجانب الاخر ويدخلها تحت الشداد
الذي على وسطه وهذا هو المراد من الأثفار كما تقدم بيانه في المستحاضة ثم تلف حقويه وفخذيه بما بقي منها لفا
شديدا فإذا انتهت أدخل طرفها تحت الجزء الذي انتهى عنده منها وهذا هو الذي ينبغي العمل عليه وإن كان ظاهر خبر
يونس ينافي بعضه وهو قوله بعد لف فخذيه ثم اخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن إلح ويمكن الجمع فيهما بنوع
تكلف ولو شد بها فخذيه على غير هذا الوجه بأي وجه اتفق أمكن الاجزاء كما في خبر معاوية بن وهب يعصب أوسطه
ولظاهر الفتوى ويعمم الرجل بعمامة محنكا بها ويجعل لها طوفان يخرجان من الجانبين ويلقيان على صدره مع مراعاة
105

كون الخارج من الأيمن على الأيسر وبالعكس كما في خبر يونس يؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير ثم يلقى
فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ثم يمد على صدره ولا تقدير لطول العمامة شرعا فيعتبر فيه ما يؤدى
هذه الهيئة وفي العرض ما يطلق معه عليها اسم العمامة وتزاد المرأة لفافة أخرى لثدييها لتضمهما إلى صدرها
وتشد على الظهر كما ورد في خبر سهل ولا تقدير لهذه اللفافة طولا ولا عرضا بل ما يتأدى به الغرض المطلوب منها
وتزاد المرأة أيضا نمطا وهو لغة ضرب من البسط والجمع أنماط قاله الجوهري وزاد ابن الأثير له خمل رقيق وهو ثوب
من صوف فيه خطط مأخوذ من الأنماط وهي الطرائق وهو غير الحبرة والإزار خلافا لابن إدريس حيث جعل الحبرة
تبعا للشيخ في الاقتصار ومحله فوق الجميع ومع عدمه يجعل بدله لفافة أخرى كما يجعل بدل الحبرة عند جماعة
فيكون للمرأة ثلث لفائف وفي كلام جماعة من الأصحاب استحباب النمط للرجل أيضا وقناعا عوض العمامة لقول الصادق
عليه السلام تكفن المرأة في خمسة أثواب أحدهما الخمار وهو القناع لأنه يجز به الرأس أي يستر ويستحب الذريرة للميت
بأن يطيب بها كفنه وكيفيته على ما ورد في الاخبار وذكره المصنف في النهاية أن يبسط أحسن اللفائف وأوسعها أولا
ليكون الظاهر للناس أحسنها كالحي يظهر أفخر ثيابه ويجعل عليها الذريرة والكافور ثم يبسط الثانية التي تليها
في الحسن والسعة ويجعل فوقها ذريرة وكافور أيضا ثم يبسط القميص كذلك وروى سماعة عن الصادق عليه السلام
قال إذا كفنت الميت فذر على كل ثوب شيئا من ذريرة وكافور وكذا يستحب جعلها على القطن الذي يوضع على (القربين؟)
وفي المنتهى لا يستحب نثرها على اللفافة الظاهرة وما نقلناه ينافيه وقد اختلفت عبارة الأصحاب في الذريرة
اختلافا كثيرا أضبطه ما ذكره المصنف في التذكرة تبعا للمحقق في المعتبر أنها الطيب المسحوق وقال الشيخ في التبيان
هي فتات قصب الطيب وهو قصب يجاء به من الهند كأنه قصب النشاب وفي المبسوط والنهاية يعرف بالقمحة بضم القاف
وتشديد الميم المفتوحة والحاء المهملة أو بفتح القاف وتخفيف الميم واحدة القمح وابن إدريس هي نبات طيب غير
الطيب المعهود سمى القمحان بالضم والتشديد قال في المعتبر هذا التفسير خلاف المعروف بين السلماء وقال الذي سما اللغوي
هي فعيلة بمعنى مفعولة ما يذر على الشئ وقصب الذريرة دواء يجلب من الهند واليمن يجعلون إخلاطا من الطيب يسمونها
الذريرة ووجدت بخط شيخنا الشهيد رحمه الله نقلا عن بعض الفضلاء أن قصب الذريرة هي القمحة التي يؤتى بها من
ناحية نهاوند وأصلها قصب نابت في أجمة في بعض الرساتيق يحيط بها معيات والطريق إليها على عدة عقبات
فإذا طال ذلك القصب ترك حتى يجف ثم يقطع عقدا وكعابا ثم يعبى في الجوالقات فإذا أخذ على عقبة من تلك العقبات
المعروفة عفن وصار ذريرة ويسمى قمحة وإن سلك به على غير تلك العقبات بقي قصبا لا يصلح إلا للوقود قال المحقق
الشيخ على في توجيه القول الأول اللفظ إنما يحمل على المتعارف الشائع الكثير إذ يبعد استحباب ما لا يعرف ولا يعرفه
إلا الافراد من الناس وفي كلام المعتبر في الرد على ابن إدريس إيماء إلى ذلك وكذا يستحب الجريدتان من النخل للميت
المؤمن واحدها جريدة وهي العود الذي يجرد عنه الخوص ولا يسمى جريدا ما دام عليه الخوص وإنما يسمى سعفا وعلى
استحباب الجريدتين إجماع الإمامية وقد ورد بهما الاخبار من طرق العامة أن النبي صلى الله عليه وآله قال خضروا
موتاكم فما أقل المختضرين وأسند سفيان الثوري من العامة إلى الباقر عليه السلام حين سأله عن التخضير فقال جريدة
خضراء توضع من أصل الثدي إلى أصل الترقوة والأصل في شرعيتهما مع ذلك أن آدم عليه السلام لما هبط من لبنة
خلق الله تعالى من فضل طينته النخلة فكان يأنس بها في حياته فأوصى بنيه أن يشقوا منها جريدا بنصفين ويصيروه معه
106

في أكفانه وفعله الأنبياء عليهم السلام بعده إلى أن درس في الجاهلية فأحياه نبينا صلى الله عليه وآله وفي صحاح
العامة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان بكبير (بكثير صح) أما أحدهما فكان
لا يتنزه من البول وأما الاخر فكان يمشي بالنميمة وأخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين وغرز في كل قبر واحدة
وقال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا وفي أخبارنا أنه صلى الله عليه وآله مر على قبر يعذب صاحبه فشق جريدة بنصفين
فجعل واحدة عند رأسه والأخرى عند رجليه وقال يخفف عنه العذاب ما كانتا خضراوين وعن الباقر عليه السلام إنما الحساب
والعذاب كله في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم وإنما جعلت السعفتان لذلك فلا
يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفافهما إن شاء الله تعالى قال المرتضى رضي الله عنه في الرد على منكرهما من العامة
التعجب من ذلك كتعجب الملاحدة من الطواف والرمي وتقبيل الحجر بل من غسل الميت وتكفينه مع سقوط التكليف
عنه وكثير من الشرائع مجهولة العلل إذا تقرر ذلك فقد علم مما سلف من الاخبار كونهما من النخل وإلا أي وإن
لم يوجد النخل فمن السدر وإلا فمن الخلاف بكسر الخاء وتخفيف اللام وهذا الترتيب ورد في خبر سهل بن زياد عن عدة
وإلا فمن شجر رطب ذكره الأصحاب وروى علي بن إبراهيم أنها إذا فقدت من النخل يبدل بغيرها من غير ترتيب وفي رواية
أخرى عنه يبدل بالرمان والجمع بينهما وبين خبر سهل بتأخير الرمان عن الخلاف كما صنع الشهيد رحمه الله في
الدروس فإن فقد الرمان فعود أخضر وعليه يحمل إطلاق البدل في الرواية السالفة لما روى عن الكاظم عليه السلام
لا يجوز اليابس والتعليل المتقدم يدل عليه وأما قدرهما طولا فالمشهور كونه قدر عظم الذراع وروى قدر
ذراع وفي آخر قدر شبر وقيل أربع أصابع فما فوقها قال في الذكرى والكل جائز لثبوت الشرعية مع
عدم القاطع على قدر معين قال وهل تشق أو تكون صحيحة الخبر دل على الأول والعلة تدل على الثاني والظاهر
جواز الكل وفي دلالة بالعلة على الثاني نظر لما تقدم من أن العذاب والحساب كله في يوم واحد أو أقل والخضرة
لا تزول في هذه المدة وإن شقتا قطعا ولكن استحب الأصحاب جعلهما في قطن محافظة على الرطوبة وهو يدل
على استمرار النفع بهما زيادة على ما ذكر وهو موافق لطول وحشة البرزخ وأهواله وأما محلهما فالمشهور أن
أحديهما من جانبه الأيمن لاصقة بجلده من ترقوته والأخرى من ترقوه جانبه الأيسر بين القميص والإزار وقيل
أن اليسرى عند وركه ما بين القميص والإزار وفي خبر يونس يجعل له واحدة بين ركبتيه نصف فيما يلي الساق ونصف
فيما يلي الفخذ ويجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن واختاره بعض الأصحاب وروى عن الصادق عليه السلام حين سأله
بعض أصحابه عن الجريدة توضع في القبر قال لا بأس قال المحقق في المعتبر مع اختلاف الروايات والأقوال يجب الجزم
بالقدر المشترك بينها وهو استحباب وضعها مع الميت في كفنه أو في قبره بأي هذه الصور شئت انتهى هذا مع إمكان
ذلك ومع تعذره للتقية توضع حيث يمكن لخبر سهل وإطلاق العبارة بل كلام الأصحاب والاخبار تقتضي عدم
الفرق في ذلك بين الصغير والكبير والعاقل والمجنون إقامة للشعار وإن كان التعليل قد يوهم خلاف ذلك و
ممن صرح بوضعها مع الصغير والمجنون الشهيد في البيان وكتبة اسمه وأنه يشهد الشهادتين والاقرار بالنبي
والأئمة عليهم السلام على اللفافة والأولى أن يراد بها الجنس فيشمل الحبرة والإزار وعلى القميص والإزار وهو المئزر
لاطلاقه عليه لغة هذا أن جعلنا اللفافة للأعم من الإزار بحيث يشمله ويمكن أن يريد بها الحبرة ويريد بالإزار
المعروف منه وهو اللفافة الواجبة وفي الدروس جمع في الكتابة بين الحبرة واللفافة والإزار وهو دال على ما
107

قلناه من إرادة المئزر وعلى كل حال فاستحباب الكتابة ثابت عند الأصحاب على هذه المذكورات وعلى الجريدتين
وأما النمط فيمكن دخوله في اللفافة كما فسرناها به وأضاف جماعة منهم الشهيد والشيخ في المبسوط وابن البراج العمامة
معللا بعدم تخصيص الخبر وهو يقتضى استحباب الكتابة على جميع الكفن ولا بأس به لثبوت أصل الشرعية وليس في
زيادتها إلا زيادة الخبر والأصل في الاستحباب ما روى أن الصادق عليه السلام كتب على حاشية كفن ولده إسماعيل
(إسماعيل صح) يشهد أن لا إله إلا الله وزاد الأصحاب وأن محمدا رسول الله وأسماء الأئمة عليهم السلام وظاهر الشيخ في الخلاف دعوى
الاجماع عليه ولم يذكر الأصحاب استحباب كتبة شئ غير ما ذكر قال في الذكرى فيمكن أن يقال بجوازه قضية للأصل
وبالمنع لأنه تصرف لم يعلم إباحة الشرع له قلت ذلك لو تم لم تجز الزيادة على كتبة الشهادة بالوحدانية لاعترافهم
بعدم النص على الزيادة وعدم تكريرها على قطع الكفن فتفصيل الأصحاب بمجال الكتابة وتعديتها إلى ما ذكره وإنما
هو لاستيناسهم بسهولة الخطب في ذلك وأنه خير محض وليكن الكتابة بالتربة الحسينية لبركتها وشرفها ومع
عدمها بطين أبيض وماء ولم يعين ابن بابويه ما يكتب به لعدم النص على الخصوص وينبغي بل التربة لتؤثر الكتابة حملا
على المعهود منها ولو عدم ما يكتب به فبالإصبع ذكره الأصحاب وسحق الكافور باليد خوفا من الضياع ذكره جماعة
من الأصحاب قال في المعتبر بعد أن أسنده إلى الشيخين ولم أتحقق مستنده وجعل فاضله على صدره كما ورد في خبر الحلبي
عن الصادق عليه السلام وعلل أيضا بأنه مسجد في سجدة الشكر وخياطة الكفن بخيوطه قاله الشيخ وجماعة الأصحاب
ولم يوجد به الآن خبر والتكفين بالقطن لقول الصادق عليه السلام الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به والقطن
لامة محمد صلى الله عليه وآله وأفضله الأبيض في غير الحبرة لقول النبي صلى الله عليه وآله ليس من لباسكم أحسن من
البياض فالبسوه وكفنوا به موتاكم وعنه صلى الله عليه وآله إلبسوا البياض فإنه أطهر وأطيب وكفنوا فيه موتاكم
ويكره الكتان بفتح الكاف لما تقدم ولقول الصادق عليه السلام في رواية يعقوب بن يزيد (زيد خ ل) لا يكفن الميت في كتان
والأكمام المبتدأة للقميص قاله الجماعة وبه خبر مرسل واحترز بالمبتدأة عما لو كفن في قميصه فإنه لا يقطع كمه بل يقطع
منه الإزار خاصة وهو في الرواية المرسلة أيضا والكتابة بالسواد قاله الأصحاب وكما يكره به فكذا بغيره من الأصباغ
غير الأبيض وجعل الكافور في سمعه وبصره خلافا للصدوق حيث استحبه استنادا إلى رواية معارضة بأصح منها
وأشهر وتجمير الأكفان بالمجمرة وهو ما يدخن به الثياب وعلى كراهته إجماع علمائنا نقله في المعتبر ويؤيده أنه فعل
لم يأمر به الشرع فيكون تضييعا ولقول علي عليه السلام لا تجمروا الأكفان ولا تمسوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور فإن
الميت بمنزلة المحرم
وكفن المرأة الواجب على زوجها والأصل فيه بعد الاجماع ما رواه السكوني عن الصادق عليه السلام
عن أبيه أن عليا عليه السلام قال على الزوج كفن امرأته إذا ماتت وعلله المصنف في التذكرة بثبوت الزوجية إلى حين
الوفاة وبأن من وجبت نفقته وكسوته حال الحياة وجب تكفينه كالمملوك فكذا الزوجة ويضعف الأول بعدم
دلالة ما قبل الوفاة على ما بعدها أما المطابقة والتضمن فظاهر وأما الالتزام فلعدم الملازمة فيما ذكر لاستلزام
الموت عدم كثير من أحكام الزوجية ولهذا جاز له تزويج أختها والخامسة والثاني بانتقاضه بواجب النفقة
من الأقارب فإنه لا يجب تكفينهم على القريب وإن وجبت عليه نفقتهم وعلل في الذكرى بأنها زوجة لآية الإرث فيجب
مؤنتها لأنها من أحكام الزوجية وقريب منه تعليل المعتبر وفيه أنه لو تم لاقتضى اختصاص الحكم بالزوجة الدائمة
الممكنة ولا يجب للمستمتع بها ولا الناشزة مع أنه في الذكرى توقف في حكمهما وقال التعليل بالانفاق ينفى وجوب
108

الكفن للناشز وإطلاق الخبر يشمله وكذا المستمتع بها والخبر ضعيف بالسكوني لكن ربما انجبر بالشهرة والأولى الاستناد
إلى الاجماع فقد نقله الشيخ وناهيك به وهو مطلق في الزوجة وكذا الخبر فيدخل فيهما الناشز والمستمتع بها
والتعليلات ليست معلومة الاطراد وإن وجدت في أكثر الافراد وحل الأخت والخامسة لا يقتضى خروج الزوجية
بل ضعفها وهو غير كاف في الحكم بل الواقع بقاء أصل الحقيقة ولهذا جاز تغسيلها ولا فرق فيها بين الحرة والأمة والمطلقة
رجعية زوجة بخلاف البائن
وكما يجب الكفن يجب أيضا مؤنة التجهيز كالحنوط وغيره من الواجبات صرح بذلك
جماعة من الأصحاب ولا فرق أيضا بين أن يكون لها مال أو لا فيجب عليه وإن كانت موسرة مع يساره أما لو أعسر عن
الكفن بأن لا يفضل له شئ غير قوت يوم وليلة له ولعياله وما يستثنى في الدين سقط عنه وكفنت من تركتها
إن كان ولو أعسر عن البعض أكمل من تركتها كل ذلك مع عدم وصيتها به أما لو أوصت بالكفن الواجب كانت الوصية
من ثلث مالها وسقط عنه إن نفذت ولو ماتا معا لم يجب عليه كفنها لخروجه عن التكليف حينئذ كما اختاره
في الذكرى بخلاف ما لو مات بعدها ولو لم يكن إلا كفن واحد اختص به لعدم تعلقه بالعين قبل وفاته والوجوب
المطلق سقط بطرو عجزه بموته المقتضى لتقدم تكفينه على جميع الديون وكفنها ليس أقوى منها نعم لو كان موته
بعد وضعه عليها وقبل الدفن أمكن اختصاصها به أما لو كان بعد الدفن فلا إشكال في الاختصاص وقد
تقدم أن واجب النفقة لا يلحق بالزوجة ويستثنى منه المملوك للاجماع عليه وإن كان مدبرا أو مكاتبا مشروطا
أو مطلقا لم يتحرر منه شئ أو أم ولد ولو تحرر منه شئ فبالنسبة ولو لم يتحصل من جزاء الرقية ما يستر العورة
ولم يحصل بجزء الحرية شئ يتم به ذلك أمكن سقوطه عن المولى لعدم الفائدة ولو كان مال الزوج أو المولى
مرهونا سقط لامتناع تصرفه في الرهن إلا أن يبقى بعد الدين بقية يمكن التوصل إلى صرفها في الكفن فيجب ذلك
بحسب المكنة من باب المقدمة كما في النفقة فرع لو وجد الكفن ونبش منها ففي كونه ميراثا لورثتها أو عوده إلى
الزوج وجهان من ثبوت استحقاقها له وعدم القطع بخروجه عن ملكه ولو كان من مالها رجع ميراثا ولو كان من
الزكاة أو بيت المال أو من متبرع عاد إلى ما كان لأنه مشروط ببقائه كفنا وقد زال الشرط ويقدم الكفن على
الديون والوصايا والإرث من الأصل للاجماع ولقول النبي صلى الله عليه وآله في الذي وقصت (رفضت خ ل) به راحلته كفنوه
في ثوبيه (ثوبه خ ل) ولم يسئل عن ثلثه ولقول الصادق عليه السلام ثمن الكفن من جميع المال والمراد بالكفن الواجب دون ما زاد
فإن الدين يقدم عليه وإن كانت ثياب التجمل مقدمة على الدين لحاجة الحي إلى التجمل والميت إلى براءة ذمته أحوج و
لو أوصى بالمندوب فهو من الثلث وبدونها موقوف على تبرع الوارث حتى لو أوصى باسقاطه فالامر إلى الوارث وقيل
تنفذ وصيته وليس بشئ والعبارة تقتضي بعمومها تقديمه على حق المرتهن والمجني عليه وغرماء المفلس واطلاق الاخبار
وكلام الأصحاب يؤيده ولعدم خروج المال عن الملك بذلك وهو خيرة البيان ويحتمل تقديم حق المرتهن والمجني عليه
لاقتضائهما الاختصاص والمنع من المؤنة في حال الحياة وهي متقدمة على الدين وتقديم المجني عليه دون المرتهن
لاخذه العين واستقلاله بالأخذ بخلاف المرتهن هذا كله مع عدم تأخر الجناية والران عن الموت أما لو تأخرا قدم
الكفن قطعا لسبق سببه وأما غرماء المفلس فالكفن مقدم عليهم قطعا ثم يقدم بعد الكفن ومؤنة التجهيز مدين
ومنه الحقوق المالية كالزكاة والخمس والكفارة والمشوبة به وبالبدن كالحج الواجب سواء أوصى بها أم لم يوص
ولو أوصى بالخصلة العليا من الكفارة المخيرة ففي نفوذ الزائد منها عن قيمة الدنيا من الأصل أو الثلث وجهان
109

ذكرهما المصنف في التذكرة ولم يرجح شيئا ثم بعد الدين الوصية المتبرع بها تخرج من الثلث وفي حكمها العبادة البدنية
المحضة كالصلاة والصوم فإنها مع الوصية بها تخرج من الثلث وإن كانت واجبة لعدم تعلقها بالمال لولا الوصية
بل الأصل فيها وجوبها على الولي وهو أكبر أولاده على ما يأتي فيكون الوصية بالأجرة تبرعا عن الوارث فأخرجت من الثلث
أما لو أوصى بصلاة مندوبة أو باليومية احتياطا مع فعله لها فخروج أجرتها من الثلث واضح وعلى هذا فحكمها حكم غيرها
من الوصايا في مزاحمة الثلث والقرعة عند الجمع والتعارض والتوزيع وتقديم الأول مع ترتبها بالفاء أو ثم
والواو على الأصح وسيأتي تحقيق ذلك كله في الوصايا إنشاء الله تعالى والباقي من التركة عن جميع ذلك كله ميراث
يقسم على الورثة حسب ما قرر لهم ويستحب للمسلمين بذل الكفن للميت لو فقد الكفن أما لعدم ترك الميت مالا لو لمانع
من تكفينه به كالمرهون أن قدمنا حق المرتهن ولو فقد البعض استحب لهم بذله وفيه فضل جزيل روى سعد بن طريف
عن أبي جعفر عليه السلام من كفن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيمة وكذا القول في باقي مؤن تجهيزة من السدر
والكافور والماء ولا يجب ذلك عليهم لأصالة البراءة بل مع فقده يدفن عاريا بعد أن تستر عوراته ويصلى عليه قبل
الدفن فان تعذر الستر قبله وضع في القبر وسترت بتراب ونحوه وصلى عليه ولو كان للمسلمين بيت مال موجود
أخذ الكفن وجوبا وكذا باقي المؤن لأنه معد للمصالح ويجوز أخذه من سهم الفقراء والمساكين من الزكاة لان الميت
أشد فقرا من غيره وكذا من سهم سبيل الله إن لم نخصه بالجهاد وهل يجب ذلك الظاهر نعم للامر به في خبر الفضل بن
يونس عن الكاظم عليه السلام حين سأله عن رجل مات من أصحابنا ولم يترك ما يكفن به اشترى له كفنه من الزكاة فقال
إعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه فيكونون هم الذين يجهزونه قلت فإن لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره
فأجهزه أنا من الزكاة قال كان أبى يقول إن حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته حيا فوار بدنه وعورته وجهزه وكفنه
وحنطه واحتسب ذلك من الزكاة وهذا الحديث كما دل على الامر بذلك دل أيضا على تقديم الدفع إلى الوارث إن
أمكن والظاهر أنه على سبيل الأفضلية لا الوجوب لعدم القائل به
ولو خرج منه نجاسة بعد التكفين وأصابت الكفن
قبل وضعه في القبر غسلت من جسده وكفنه لوجوب إزالة النجاسة ولا يجوز قرضها حينئذ استبقاء للكفن مع إمكان غسله
وللنهي عن إتلاف المال حيث يمكن حفظه ولو لم تصير الكفن اقتصر على تطهير محلها ولو أصابت الكفن وضعه في القبر قرضت
للمشقة في غسلها حينئذ فيسقط للحرج وإذا قرضت فإن أمكن جمع جوانبه بالخياطة وجب وإلا مد أحد الثوبين على الاخر
ليستر المقطوع إن كان هناك غيره وأطلق الشيخ قرضها لصحيح الكاهلي عن الصادق عليه السلام والمشهور ما فصله المصنف
لكن التعليل المتقدم للمنع من القرض قبل وضعه في القبر يقتضى اشتراط تعذر غسلها في جواز القرض بعده والجماعة
أطلقوا الجواز هذا كله مع عدم تفاحش النجاسة بحيث يؤدى القرض إلى إفساد الكفن وهتك الميت ومعه قال في الذكرى
فالظاهر وجوب الغسل مطلقا استبقاء للكفن لامتناع إتلافه على هذا الوجه ومع التعذر يسقط للحرج ويجب أن يطرح
معه في الكفن كل ما يسقط من شعره وجسمه للاجماع عليه كما نقله المصنف في التذكرة وليكن ذلك بعد غسله ويقبل
التطهير كأصله
والشهيد وهو المسلم ومن بحكمه الذي يموت في معركة قتال أمر به النبي صلى الله عليه وآله أو الامام
أو نائبهما الخاص وهو من (في خ ل) حزبهما بسببه فخرج بقيد المسلم الكافر المساعد لأهل الحق إذا قتل كذلك فإنه ليس بشهيد و
بقيد الموت في المعركة من جرح فيها ثم نقل منها وبه رمق ثم مات فإنه لا يثبت له هذه الأحكام وظاهر الروايات
إن إدراك المسلمين له وبه رمق كاف في عدم لحوق الاحكام والتقييد بالقتال الذي أمر به النبي أو نائبه يخرج من قتل
110

في غير ذلك وإن كان الجهاد سائغا كما لو دهم على المسلمين من يخاف منه على بيضة الاسلام فاضطروا إلى جهادهم بدون
الامام أو نائبه فإنه لا يعد شهيدا بالنسبة إلى الاحكام وإن شارك الشهداء في الفضيلة على ما اختاره المصنف و
جماعة ولكن إطلاق الاخبار وعموم بعضها مثل قول الصادق عليه السلام الذي يقتل في سبيل الله يدفن بثيابه
ولا يغسل يقتضى كونه شهيدا وثبوت الاحكام له واختاره الشهيد والمحقق في المعتبر وهو حسن قال في المعتبر ما ذكره
الشيخان من اعتبار القتل بين يدي النبي أو الامام زيادة لم يعلم من النص وأما المقتول دون ماله وأهله في حرب
قطاع الطريق فليس بشهيد بالنسبة إلى الاحكام إجماعا وإن ساوى في الفضيلة إذ لا يعد ذلك جهادا ومحاماة عن
الدين وإطلاق الشهادة في الاخبار عليه وعلى المطعون والمبطون والغريق والمهدوم عليه والنفساء لا للمشاركة للشهيد في
الاحكام بل للمساواة أو المقاربة له في الفضيلة وقوله في التعريف وهو من حزبهما يخرج به المسلم الباغي المقتول
في المعركة كذلك فلو لا القيد لدخل في التعريف وقوله بسببه أي بسبب القتال يخرج به ما لو مات حتف أنفه وشمل
التعريف الصغير والكبير والرجل والمرأة والحر والعبد والمقتول بالحديد والخشب والصدم واللطم والمقتول بسلاح نفسه
وغيره حتى الموجود في المعركة ميتا وعليه أثر القتل أما لو خلا عنه فحكم المصنف وجماعة بكونه شهيدا أيضا عملا بالظاهر
ولأن القتل لا يستلزم ظهور الأثر وقيل ليس بشهيد للشك في الشرط وأصالة وجوب الغسل وحكم الشهيد المذكور
أن يصلى عليه من غير غسل ولا كفن بل يدفن بثيابه للاجماع نقله المصنف في النهاية ولفعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك
بشهداء أحد وقال رملوهم بدمائهم فإنهم يحشرون يوم القيمة وأوداجهم تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح
المسك ولا فرق في سقوط تغسيله بين الجنب وذات الدم وغيرهما على الأقوى للعموم خلافا للمرتضى حيث أوجب تغسيل
الجنب لاخبار النبي صلى الله عليه وآله بغسل الملائكة حنظلة بن الراهب لمكان خروجه جنبا وأجيب بعدم استلزامه
تكليفنا بذلك فلعله تكليف الملائكة ويعارض بخبر زرارة عن الباقر عليه السلام في الميت جنبا يغسل غسلا واحدا يجزى
للجنابة ولغسل الميت وعدم تكفينه مشروط ببقاء ثيابه أو شئ منها فلو جرد منها كفن كما فعل النبي صلى الله عليه
وآله بحمزة لما جرد فإنه كفنه وصلى عليه بسبعين تكبيرة ولا فرق في دفنه بثيابه بين إصابة الدم لها وعدمها
حتى السراويل لأنها من الثياب وينزع عنه الفرو والجلود كالخفين لعدم صدق اسم الثياب عليها ولا تدخل في
النص المتقدم فيكون دفنها معه تضييعا وقد روى أن النبي صلى الله عليه وآله أمر في قتلى أحد أن ينزع عنهم
الجلود والحديد ودعوى إطلاق اسم الثوب على الجلد مندفعة بأن المعهود عرفا هو المنسوخ فينصرف الاطلاق إليه
ولا فرق في نزعها عنه بين إصابة الدم لها وعدمها إلا على رواية ضعيفة برجال الزيدية تضمنت دفها معه إن
أصابها الدم ودفن الثياب معه واجب فلا تخيير بينها وبين تكفينه بغيرها عندنا وصدر الميت كالميت في جميع
أحكامه فيجب تغسيله وتغسيل الجزء الذي فيه الصدر وتكفينه والصلاة عليه وفي وجوب تحنيطه نظر من الحكم بكونه
كالميت ومن فقد مواضع الحنوط الواجبة وإطلاق المصنف هنا جريان الاحكام يقتضى الجزم بالحنوط فإن قلنا
به أجزاء وضع مسمى الكافور عليه ويمكن جريان الاشكال في تكفينه بالقطع الثلاثة لعدم وجوب ستر المئزر
للصدر لكن يزول بجوازه أو استحبابه وبأن بعض الأصحاب يرى جواز كون الثلاثة لفائف تستر جميع البدن ولا
يقال لو كان جواز ستر الصدر بالمئزر كاف في وجوب تكفين الصدر بالثلاثة لزم مثله في الحنوط لاستحباب
تحنيط الصدر فضلا عن جوازه خاصة لأنا نجيب بالفرق بين الفردين فإنه في المئزر محكوم عليه بالوجوب سواء
111

زاد أم نقص غايته أنه فرد كامل للواجب بخلاف تحنيط الصدر فإن وجوبه منتف قطعا ويمكن أن يقال في عدم وجوب
التحنيط أن الحكم بكون الصدر أو ما فيه الصدر بحكم الميت من كلام الأصحاب والموجود في النصوص إنما هو وجوب
الصلاة والأغسال والتكفين بل في مرفوعة البزنطي في الميت إذا قطع أعضاء يصلى على العضو الذي فيه القلب و
ألحق بها الغسل لزوما فيبقى وجوب التحنيط يحتاج إلى دليل مع خلو الجزء الموجود من موضعه ومن ثم قال الشهيد
رحمه الله في بعض تحقيقاته على استشكال المصنف التحنيط إن كانت محال الحنوط موجودة فلا إشكال في الوجوب
وإن لم تكن موجودة فلا إشكال في العدم وهو متجه والقلب كالصدر لظاهر الرواية المتقدمة ومثلها رواية علي بن
جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في الرجل يأكله السبع فتبقى عظامه بغير لحم قال يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن
فإذا كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب ولأن الصلاة بنيت لحرمة النفس والقلب محل العلم وموضع
الاعتقاد الموصل إلى النجاة فله مزية على غيره من الأعضاء وفي حكمهما عظام الميت جميعها لرواية علي بن جعفر المتقدمة
وأما أبعاضها فألحقها في الذكرى بها آخذا بأنها من جملة ما يجب غسلها منفردة وفي الحكم والسند منع ظاهر ولا
يلحق بهما الرأس لعدم النص والقطعة من الانسان ذات العظم غير ما ذكر والسقط لأربعة أشهر كذلك يجب تغسيلهما بالغسل
المعهود وتكفينهما بالقطع الثلث على الظاهر ويمكن اعتبار القطعة حال الاتصال فإن كانت القطع الثلث تنالها
حينئذ وجب ولو نالها منها اثنتان كفتا ولو لم ينلها إلا واحدة كفت والأول أولى للاطلاق ولامكان إجزاء الثلاثة
ساترة للميت حال الاتصال وينسحب في تحنيطها الاشكال المتقدم إلا في الصلاة فإنها لا تشرع إلا على المولود حيا
كما سيأتي
أما القطعة ذات العظم من الميت فذكرها الشيخان واحتج عليها في الخلاف بإجماعنا ولم نقف لها على نص
بالخصوص ولكن نقل الاجماع من الشيخ كاف في ثبوت الحكم بل ربما كان أقوى من النص قال في الذكرى ويلوح ذلك
من حديث علي بن جعفر المتقدم لصدق العظام على التامة والناقصة ويشكل ذلك بأن الخبر تضمن وجوب الصلاة
عليها ولا صلاة عندنا على الأبعاض غير ما ذكر وبأن المذكور في الرواية في الرجل يأكله السبع وتبقى عظامه بغير لحم
وقد تقرر في الأصول إن الجمع المضاف يفيد العموم فلذلك قلنا أن حكم عظام الميت جميعها حكمه للرواية وإطلاق المصنف
القطعة ذات العظام يشمل المبانة من الحي والميت وقد صرح باتحاد حكمهما فيما بعد واستقربه في الذكرى وقطع
في المعتبر بدفن المبانة من الحي بغير غسل وإن كان فيها عظم محتجا بأنها من جملة لا تغسل ولا يصلى عليها بخلاف
المبانة من الميت وأجاب في الذكرى بأن الجملة لم يحصل فيها الموت (بخلاف المبانة من الميت صح) ومختار المعتبر أوجه لعدم النص المقتضى للالحاق
فيبقى التمسك بأصالة البراءة وخروج المبانة من الميت إنما ثبت بالاجماع المذكور وإلا لكان الأصل عدم ثبوت
أحكام الجملة للاجزاء نعم به رواية مرسلة سيأتي ذكرها لو تم الاحتجاج بها لم يثبت الحكم للمبانة من الحي كالميت
وأما السقط إذا استكمل أربعة أشهر فمستنده ما رواه الأصحاب عن أحمد بن محمد عمن ذكره قال إذا تم للسقط أربعة
أشهر غسل وما رواه زرعة عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب
عليه الغسل واللحد والكفن (قال نعم كل ذلك يجب عليه إذا استوى صح) وقطع الأولى وضعف سماعة في سند الثانية مغتفر بقبول الأصحاب مع عدم المعارض
ويجب بمسه الغسل وأما الصلاة فمنتفية بالاجماع نقله في المعتبر والقطعة الخالية من عظم تلف في خرقة وتدفن
من غير غسل وكذا السقط لأقل من أربعة أشهر لا يجب تغسيله بل يلف في خرقة ويدفن وجوبا لان المعنى للموجب الغسل
هو الموت وهو مفقود هنا ولرواية محمد بن الفضل قال كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن السقط كيف
112

يصنع به قال السقط يدفن بدمه في موضعه وليس في الخبر ذكر الخرقة بل ظاهره أنه يدفن مجردا لكن ما اختاره
المتأخرون أولى بل يظهر من المصنف دعوى الاجماع عليه
ويؤمر من وجب قتله بالاغتسال أولا غسل الأموات
بالخليطين وكذا بالتحنيط والتكفين ثم لا يغسل بعد موته بذلك السبب الذي اغتسل له ووجوب القتل في العبارة
أعم من أن يكون في حد أو قصاص والنص عن الصادق عليه السلام في خبر مسمع ورد في المرجوم والمرجومة أنهما يغتسلان
ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك والمقتص منه بمنزلة ذلك فالحقه الأصحاب به والامر له هو الامام أو نائبه قال في
الذكرى ولا نعلم في ذلك مخالفا من الأصحاب فلا يضر حينئذ ضعف طريق الرواية إلى مسمع وإنما وجب عليه تكرار الاغتسال
مع أنه حي لان المأمور به غسل الأموات غايته أنه مقدم بدليل التحنيط والتكفين بعده مع احتمال الاكتفاء بغسل واحد
لما ذكر ولأن الامر لا يقتضى التكرار وإنما لم يغسل بعد ذلك للامتثال ولا يقدح في الاجتزاء به الحدث تخلل أو تأخر للامتثال
واحتمل في الذكرى إلحاقه بغسل الجنابة في الحدث المتخلل ولا يدخل تحته شئ من الأغسال الواجبة بل يتعين فعل ما وجب
منها أما عدم دخولها تحته فلعدم نية الرفع أو الاستباحة فيه وأما عدم دخوله تحتها فللمغايرة كيفية وحكما وتردد
في الذكرى لظاهر الأخبار الدالة على الاجتزاء بغسل واحد كخبر زرارة عن الباقر عليه السلام في الميت جنبا يغسل غسلا واحدا
يجزى للجناية ولغسل الميت ولأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة والخبر ليس مما نحن فيه في شئ ويمنع اجتماع الحرمتين
لأصالة عدم تداخل المسببات مع اختلاف الأسباب وتداخلها في بعض الموارد لنص خاص وفي تحتمه عليه أو التخيير بينه وبين
غسله بعد الموت لقيامه مقامه نظر هذا بالنسبة إلى الامر أما المأمور فيجب عليه امتثال الامر إن وجد ولو سبق موته
قتله أو قتل بسبب آخر لم يسقط الغسل سواء بقي الأول كالقصاص مع ثبوت الرجم أم لا كما لو عفى عن القود لوجوب تجديده
حينئذ وأصالة عدم إجزاء الغسل للسبب الاخر ولا يجب الغسل بعد موته لقيام الغسل المتقدم مقام الغسل المتأخر عن الموت
لاعتبار ما يعتبر فيه ولا يرد لزوم سبق التطهير على النجاسة لان المعتبر أمر الشرع بالغسل وحكمه بالطهر بعده وقد وجد
الأمران وليست نجاسة الميت بسبب الموت عينية محضة وإلا لم يطهر فعلم من ذلك أن تقديم الغسل يمنع من الحكم
بنجاسته بعد الموت لسقوط غسله بعده وما ذلك إلا لعدم النجاسة ولما فرغ من أحكام الأسباب الخمسة للغسل شرع في
حكم السبب السادس وهو المس وأدرجه في غسل الأموات لقلة أحكامه ولأن غسل المس من لوازم تغسيل الميت غالبا
فبيان أحكامه كالمتمم لاحكام غسل الأموات فقال ومن مس ميتا من الناس بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل
أو مس قطعة ذات عظم أبينت منه أي من الميت أو أبينت من انسان حي وجب عليه أي على اللامس لواحد مما ذكر الغسل
على أشهر القولين واحترز بالبرد عما لو مسه في حال حرارته الباقية عقيب خروج روحه فإنه لا غسل إجماعا وهل يجب عليه
غسل ما مسه به قيل لا لعدم القطع بنجاسته حينئذ وأصالة البراءة ولأن نجاسته ووجوب الغسل متلازمان إذ الغسل لمس
النجس وهو اختيار الشهيد رحمه الله واختار المصنف الوجوب للحكم بأن الميت نجس وأجاب في الذكرى بأنا إنما نقطع بالموت
بعد البرد وفيه نظر لمنع عدم القطع قبله ولا لما جاز دفنه قبل البرد ولم يقل به أحد خصوصا صاحب الطاعون وقد
أطلقوا الفول باستحباب التعجيل مع ظهور علامات الموت وهي لا تتوقف على البرد مع أن الموت لو توقف القطع به
على البرد لما كان لقيد البرد فائدة بعد ذكر الموت ونمنع التلازم بين نجاسته ووجوب الغسل لان النجاسة علقها
الشارع على الموت والغسل على البرد وكل حديث دل على التفصيل بالبرد وعدمه دل على صدق الموت قبل البرد كخبر
معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام إذا مسه وهو مسخن فلا غسل عليه وإذا برد فعليه الغسل فإن ضمير مسه يعود
113

على الميت وعن عبد الله بن سنان عنه عليه السلام يغتسل الذي غسل الميت وإن غسل الميت انسان بعد موته وهو حار
فليس عليه غسل ولكن إذا مسه وقبله وقد برد فعليه الغسل ولا بأس أن يمسه قبل الغسل ويقبله وهذا الحديث
كما يدل على صدق الموت قبل البرد كذلك يدل على جواز تغسيله قبله أيضا وكذلك يدل على وجوب غسل المس وهو مع
ما قبله حجة على المرتضى القائل بعدم وجوب غسل المس وكذا غيرهما من الأحاديث الصحيحة ومما يدل على وجوب الغسل
بمسه قبل البرد ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت قال يغسل
ما أصاب الثوب فيه وما رواه ميمون بن إبراهيم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت قال
إن كان غسل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه وإن كان لم يغسل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك وهذان الخبران
دلا على نجاسة الميت مطلقا من غير تقييد بالبرد فمدعى التقييد يحتاج إلى دليل عليه ودلا أيضا على أن نجاسة
الميت تتعدى مع رطوبته ويبوسته للحكم بها من غير استفصال وقد تقرر في الأصول أن ترك الاستفصال
في حكاية الحال مع قيام الاحتمال يدل على العموم في المقال وإلا لزم الاغراء بالجهل ويندرج في قبلية التطهير
بالغسل الميمم ولو عن بعض الغسلات ومن فقد في غسله الخليطان أو أحدهما فإن الأصح وجوب الغسل بمس كل واحد
منهم ومغسل الكافر ومن تعذر تغسيله لكن يندرج في العبارة الشهيد فإنه لم يطهر بالغسل بل هو طاهر في نفسه
ولا يجب بمسه غسل فكان عليه إن ينبه على حكمه وظاهر العبارة أن وجوب الغسل بالمس مغيى بكمال الغسل لعدم
صدق اسمه عليه قبل إكماله فيجب عليه
قبل كماله ورجح المصنف في غير هذا الكتاب والشهيد وجماعة عدم وجوب الغسل بمس عضو كمل غسله لان الظاهر أن
وجوب الغسل تابع لمسه نجسا للدوران وقد حكم بطهارة العضو المفروض ونجاسة الميت وإن لم تكن عينية محضة
لا أنها عينية ببعض الوجوه فإنها تتعدى مع الرطوبة وأيضا فقد صدق كمال الغسل بالإضافة إلى ذلك العضو ولأصالة
البراءة من وجوب الغسل وفيه نظر لان الحكم لا يتم إلا مع جعل نجاسته عينية محضة أما الحكمية فلا دليل على
تبعضها بل الأصل كون هذا الغسل كغسل الاحداث فيكون مجموع الغسل هو السبب التام في رفع النجاسة الحكمية
ولهذا وجبت النية في غسله نعم لو جعلناها عينية محضة كما ذهب إليه المحقق فلا إشكال في عدم الوجوب ونمنع
كون الغسل تابعا لمسه نجسا بل لمسه بعد البرد بل ذلك عين المتنازع وعليه الدوران ممنوعة وينتقض على مذهب
الشهيد بمس العظم المجرد فإنه يوجب به الغسل مع أنه قد يكون طاهرا بل قد يطهر قبل مسه فإنه قابل للطهارة
من الخبث ولا يتعلق به الحدث منفصلا لأنه جزء لا تحله الحياة وقد أجمع الأصحاب على طهارة ما لا تحله الحياة من
غير نجس العين ومنه العظم فإيجابه الغسل بمسه ينقض دوران وجوب الغسل مع نجاسة الممسوس وأما قوله وقد
حكم بطهارة الجزء المفروض إلخ فجوابه أن الغسل المجعول غاية لنجاسة الميت هو غسل الميت لا عضو من أعضائه قطعا
وأصالة البراءة قد انتفت بالأدلة نعم يبقى هنا إشكال وهو أن مقتضى القواعد الفقهية أن طهارة المحل من الخبث
تحصل بانفصال الغسالة عن المغسول ولا يتوقف بعدها على تطهير جزء آخر فعلى هذا إذا كمل غسل عضو وجب الحكم
بطهارته من الخبث بحيث لا يجب غسل اللامس له بعد ذلك الغسل الجنتي إذ لو توقف طهارة ذلك العضو من الخبث على
طهارة المجموع لزم مخالفة القاعدة السالفة وحينئذ يبعد الحكم بوجوب الغسل بمسه دون غسل العضو اللامس إذ
لم يعهد انفكاك الغسل عن الغسل إلا على مذهب الشهيد ره من وجوب الغسل بمس العظم المجرد مع أنه قد يكون طاهرا
114

من الخبث لأنه مما لا تحله الحياة ويندفع بأن الاستبعاد مع قيام الدليل غير مسموع كيف وقد وقع مثله على مذهب
الشهيد رحمه الله ولزم من ذلك أن بين نجاسة المحل (العضو خ ل) اللامس ووجوب الغسل بالمس عموما وخصوصا من وجه يجتمعان
في من الميت بعد البرد وقبل التطهير وينفرد نجاسة العضو اللامس (عن الغسل صح) بالمس قبل البرد على ما مر وينفرد الغسل عن نجاسة
اللامس بمس العظم المجرد مع عدم الرطوبة أو مع إزالة الخبث عنه وفي العضو الممسوس (الملموس خ ل) بعد كمال غسله وقبل كمال
غسل الميت وبالجملة فالمسألة من المشكلات وللتوقف في حكمها وجه وما ذكره الجماعة متجه غير أن الأدلة النقلية
الحاصة لا تساعد عليه والله أعلم وأما مس القطعة ذات العظم فقد تقدم الكلام فيها وأن الشيخ ادعى الاجماع على
وجوب الغسل بمسها إذا أبينت من ميت وبه مع ذلك رواية مرسلة رواها أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي
عبد الله عليه السلام قال إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة فإذا مسه انسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على
من مسه الغسل وإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه وهذه الرواية قد تدل بإطلاقها على حكم المبانة من الحي والميت
وإن كان الأصحاب قد ذكروها في الميت خاصة وردها المحقق بالارسال ويمكن أن يقال أن هذه القطعة من شأنها
الحياة فإذا قطعت صدق اسم الميت عليها لان الموت عدم الحياة عما من شأنه أن يكون حيا فكلما دل على حكم الميت
دل عليها فإن تم ذلك ثبت الحكم في القطعتين من غير فرق ولا ريب أن وجوب الغسل بمسهما أولى وأحرى خصوصا
مع حكم أجلاء الأصحاب بالتسوية بينهما في الوجوب كالمصنف في سائر كتبه والشهيد وغيرهما ودعوى الشيخ الاجماع
مع أن المنقول بخبر لو أخذ حجة عند المحققين فلا عبرة بقدح المحقق فيه وضعف الخبر قد ينجبر بالشهرة وقبول الأصحاب
وهل العظم المجرد من اللحم بحكم ذات العظم سواء اتصل أم انفصل قيل نعم لدوران الغسل معه وجودا وعدما وهو اختيار
الشهيد رحمه الله ويضعف بمنع عليه الدوران وبجواز كون العلة هي المجموع المركب منه ومن اللحم ولأن العظم طاهر في
نفسه إذ لا تحله الحياة فلا يفيد غيره نجاسة ولو فرضت نجاسته فهي عرضية خبثية تزول بتطهيره كباقي المنجسات بالخبث
نعم هو على تقدير اتصاله تابع للميت كما يتبعه شعره وظفره أما حال الانفصال فلا فالحاقه حينئذ بباقي الاجزاء التي لا
تحلها الحياة أوجه وإن كان القول بوجوب الغسل بمسه أحوط وهذا في غير السن والضرس أما فيهما فالقول بالوجوب
أشد ضعفا لأنهما في حكم الشعر والظفر هذا مع الانفصال أما مع الاتصال فيمكن المساواة والوجوب لأنه جزء من جملة
يجب بمسها الغسل كل ذلك مع عدم طهارته بالغسل أما معه ولو بالقرينة كالموجود في مقبرة المسلمين فلا غسل بمسه
بخلاف الموجود في مقبرة الكفار ولو تناوب عليها الفريقان تعارض أصالة عدم الغسل والشك في الحدث ورجح الشهيد
سقوط الغسل وفيه نظر ولو جهلت تبعت الدار واعلم أن كل ما حكم في مسه بوجوب الغسل مشروط بمس ما تحله
الحياة من اللامس لما تحله الحياة من الملموس فلو انتفى أحد الامرين لم يجب الغسل فإن كان تخلف الحكم لانتفاء الأول خاصة
وجب غسل اللامس خاصة وإن كان لانتفاء الثاني خاصة فلا غسل ولا غسل مع اليبوسة وكذا إن كان لانتفاء الامرين
معا هذا كله في غير العظم المجرد كالشعر والظفر ونحوهما أما العظم فقد تقدم الاشكال فيه وهو في السن أقوى ويمكن
جريان الاشكال في الظفر أيضا لمساواته العظم في ذلك ولا فرق في الاشكال بين كون العظم والظفر من اللامس أو الملموس
ولو خلت القطعة المبانة من حي أو ميت من عظم أو كان الميت الممسوس من غير الناس مما له نفس سائلة غسل اللامس يده
بل العضو اللامس خاصة أما عدم الغسل ففي الأخبار السابقة ما يدل عليه وأما وجوب غسل اليد في القطعة الخالية من
العظم فظاهر مع الرطوبة لنجاسة ميت الآدمي وتنجس الملاقي لها برطوبة وأما مع عدمها فلان نجاسة الميت عند المصنف
115

حكمية بالنسبة إلى تنجيس الملاقي لها مطلقا ويدل عليه أيضا ما تقدم من خبر الحلبي وإبراهيم بن ميمون عن الصادق
عليه السلام حيث دلا على نجاسة الثوب الملاقي لبدن الميت من غير تقييد بالرطوبة وعدمها وأما حكم الميت من غير
الناس مما له نفس فإن نجاسته تتعدى مع الرطوبة قطعا لما مر أما مع عدمها فكذلك عند المصنف ومن ثم أطلق الحكم
هنا لاطلاق قول الصادق عليه السلام ولكن يغسل يده ويحتمل العدم كباقي النجاسات وهو اختيار الشهيد رحمه الله
وفي حكم هذين الامرين مس الميت قبل البرد فإنه يوجب غسل ما مسه به خاصة عند المصنف مطلقا وقد تقدم تحقيقه
واعلم أن الذي استفيد من الاخبار واختاره جماعة من الأصحاب أن نجاسة الميت عينية من وجه حكمية من آخر أما
الأول فلحكمهم تبعيتها إلى غيرها كما دل عليه إطلاق الاخبار كخبر الحلبي وإبراهيم بن ميمون والحكمية الحدثية ليست كذلك وأما
كونها حكمية من وجه فلزوالها بالغسل وافتقاره إلى النية كالجنابة وغيرها وأما حكم المنتقلة منها إلى اللامس فإن كان
مع الرطوبة فهي عينية محضة فلو لمس اللامس له برطوبة آخر برطوبة نجس أيضا وهلم جرا وخلاف ابن إدريس في ذلك
ضعيف وإن كان مع اليبوسة فقيل هي حكمية محضة أي محكوم بوجوب تطهير اللامس ولا يتعدى النجاسة إلى غيره فلو
مسه بغير رطوبة ثم مس رطبا لم ينجس الثاني وهو اختيار المصنف في القواعد وفيه نظر لاطلاق النصوص المتقدمة بوجوب
غسل الملاقي لبدن الميت وما ذاك إلا لنجاسته ومن حكم النجس تنجيسه لغيره مع ملاقاته له برطوبة فالظاهر حينئذ
كون نجاسة اللامس له مطلقا عينية محضة فينجس الملاقي لها (له خ ل) مع الرطوبة ويعتبر في إزالتها ما يعتبر في إزالة العينية
النظر الرابع في أسباب التيمم المسوغة له وكيفيته وهي بيان أفعاله على وجه التفصيل وقوله يجب التيمم لما تجب له
الطهارتان ليس من الأسباب والكيفية وإنما ذكره استطرادا وقد تقدم الكلام عليه في أول الكتاب في باب بيان أقسام الطهارة
وهذه العبارة أجود مما تقدم هناك في قوله والتيمم يجب للصلاة والطواف إلخ والمندوب ما عداه لاستلزام ما تقدم
كون التيمم للبث في المساجد مع الاحتياج إليه وللصوم مع تعذر الغسل ولمس خط المصحف كذلك مندوبا بخلاف قوله
هنا بل هو كالمنافي لما تقدم لكن لا مشاحة في اللفظ مع الاتفاق على المعنى وإنما يجب التيمم عند العجز عن الماء فمسوغه
في الأصل شئ واحد للآية لكن للعجز أسباب فقد الماء بأن لا يوجد مع طلبه على الوجه المعتبر وسيأتي بيانه أو الخوف
على النفس أو المال من استعماله مع وجوده المعبر عنه بقوله أو تعذر استعماله للمرض أي لحصول مرض مانع من استعمال
الماء بأن يخاف زيادته أو بطؤ برئه أو عسر علاجه أو لخوف حصول المرض بسبب الاستعمال وإن لم يكن موجودا حال الاستعمال
ولا فرق في ذلك بين المرض العام لجميع البدن والمختص بعضو ولو كان المرض يسيرا بحيث يتحمل مثله عادة كالصداع
ووجع الضرس فظاهر العبارة عدم جواز التيمم لعدم التعذر عادة وصرح به في غير هذا الكتاب وفي النهاية علق
الجواز على مطلق المرض وهو ظاهر اختيار الذكرى محتجا بالعسر والحرج وبنفي الضرر في الخبر مع أنه لا وثوق في المرض
بالوقوف على الحد اليسير ولأن ضرر ما ذكر أشد من ضرر الشين وقد أطبقوا على جواز التيمم لخوفه وفي حكم المرض
وخوفه العجز عن الحركة التي يحتاج إليها في تحصيل الماء لكبر أو مرض أو ضعف قوة فيباح له التيمم إلا أن يجد معاونا
ولو بأجرة مقدورة وكذا العجز بسبب ضيق الوقت بحيث لا يدرك منه بعد الطهارة قدر ركعة فإنه يتيمم وإن قدر على الماء
بعد الوقت خلافا للمحقق رحمه الله ولو أمكن زوال الضرر بالاسخان وتمكن منه ولو بعوض مقدور وإن كثر لم يجز
التيمم ولا فرق في ذلك بين متعمد الجنابة وغيره على الأشبه لاطلاق النصوص ونفى الضرر خلافا للمفيد وجماعة
حيث ذهبوا إلى عدم جواز التيمم حينئذ وإن خاف على نفسه وللشيخ في النهاية حيث جوزه عند خوف التلف وأوجب الإعادة
116

استنادا إلى اخبار لو سلم دلالتها كانت معارضة بأقوى منها وأظهر دلالة أو تعذر استعماله للبرد المؤلم في
الحال ألما شديدا لا يتحمل مثله عادة مع أمر العاقبة فإنه سوغ له التيمم حينئذ كما صرح به المصنف في المنتهى والنهاية
لعموم قوله صلى الله عليه وآله لا ضرر أما لو تألم بالبرد الماء يمكن تحمله عادة لم يجبر التيمم قطعا لانتفاء الضرر وعليه
يحمل الخبر باغتسال الصادق عليه السلام في ليلة باردة وهو شديد الوجع ويمكن المنع من التيمم مع البرد الذي
لا تخشى عاقبته مطلقا لظاهر الخبر وهو الظاهر من اختيار الشهيد رحمه الله وحكم الحر في ذلك حكم البرد وإنما خصه
بالذكر لأنه الأغلب في المنع وكذا لو كان تعذر استعماله لسبب الشين وهو ما يعلو البشرة من الخشونة المشوهة
للخلقة وربما بلغت تشقق الجلد وخروج الدم وإنما كان مانعا لأنه نوع من الأمراض خصوصا مع تشقق الجلد
ولا فرق في الشين بين شدته وضعفه للاطلاق وصرح به المصنف في النهاية وقيده في المنتهى بكونه فاحشا لقلة
ضرر ما سواه وهو أولى والمرجع في ذلك كله إلى ما يجده من نفسه ظنا أو تجربة أو إلى أخبار عارف ثقة أو من
يظن صدقه وإن كان فاسقا أو صبيا أو امرأة أو عبدا أو كافرا لا يتهمه على دينه ولا يشترط التعدد ولا فرق
في ذلك بين الطهارتين ومتى خشى شيئا من ذلك لم يخبر استعمال الماء لوجوب حفظ النفس فلو خالف واستعمله ففي
الاجزاء نظر من امتثال أمر الوضوء أو الغسل ومن عدم الاتيان بالمأمور به الآن فيبقى في العهدة والنهى عن استعماله في
الطهارة المقتضى للفساد في العبارة وهو أقرب أو خوف العطش الحاصل أو المتوقع في زمان لا يحصل فيه الماء عادة
أو بقرائن الأحوال له أو لغيره من النفوس المحترمة التي لا يهدر اتلافها إنسانية أم حيوانية ولا اعتبار بغيرها كالمرتد
عن فطرة والحربي والكلب العقود والخنزير وكل ما يجوز قتله سواء وجب كالزاني المحصن أم لا كالحية والهرة الضارية
ولا فرق في خوف العطش بين الخوف على النفس أو شئ من الأطراف أو خوف مرض يحدث بسببه أو يزيد أو خوف ضعف
يعجز معه عن المشي حيث يحتاج إليه أو مزاولة أمور السفر التي لا يتم بدونها لان ذلك كله ضرر ولا فرق في تقديم دفع
العطش على الطهارة بين أن يكون عنده ماء نجس يمكنه دفع العطش به والطهارة بالطاهر أولا لان رخصة التيمم أولى
من رخصة استعمال النجس نعم لو أمكن أن يتطهر به ويجمع المتساقط من الأعضاء للشرب على وجه يكتفى به وجب جمعا بين
الحقين ولو تطهر به في موضع العطش فالظاهر البطلان كما لو تطهر به مع خوف الضرر بالمرض للنهي المقتضى للفساد
واستقرب المصنف في النهاية الاجراء لامتثال أمر الوضوء وفيه نظر لان مطلقه مقيد بالقدرة على استعمال الماء وهو منتف
هنا أو خوف اللص أو السبع في طريق الماء على النفس المحترمة أو شئ من الأطراف كذلك أو المال المحترم له أو لغيره
فيسقط عنه السعي إليه وإن كان قريبا منه لنفى الحرج والنهى عن الالقاء في التهلكة ولقول الصادق عليه السلام لا أمره
أن يضرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع والخوف من وقوع الفاحشة كذلك سواء الذكر والأنثى وكذا الخوف على العرض
وإن لم يخف على البضع وفي إلحاق الخوف على الدابة بذلك نظر والظاهر الالحاق لدخول الفاحشة والخوف مع عدم سبب
موجب له بل بمجرد الخبر كالخوف للسبب عند المصنف وجماعة لاشتراكهما في الضرر بل ربما أدى الجبن إلى ذهاب العقل الذي
هو أقوى من كثير مما يسوغ التيمم لأجله أما الوهم الذي لا ينشأ عنه ضرر فلا أو الخوف من ضياع المال بسبب السعي و
إن لم يكن من اللص أو السبع ويمكن أن يريد بخوف اللص أو السبع على النفس وبقول أو ضياع المال ذهابه بسببهما
والأول أمثل ولا فرق بين المال القليل والكثير لاطلاق الامر بإصلاحه أو عدم الآلة المحتاج إليها في تحصيل الماء
والدلو والرشا حيث يحتاج إليها والقادر على شد الثياب بعضها ببعض والتوصل إلى الماء بها ولو بشق بعضها
117

وإن نقصت أثمانها متمكن مع عدم التضرر بذلك ويتحقق عدم الآلة والماء بعدم وجودهما معه أو مع باذل ولو بعوض
أو إعارة لها أو هبة له لعدم المنة الكثيرة في ذلك أو بوجود هما مع من إلا يبذلهما إلا بثمن مع عدم الثمن في الحال أو
في المال حيث يمكن تأجيله إليه وكذا لو وجدت الآلة بأجره مع عدمها كذلك ولا يتحقق بوجودها هبة أو وجود ثمنها
أو ثمن الماء كذلك لان ذلك كله مما يمتن به عادة ويحصل به ضرر وغضاضة وامتهان على نفوس الأحرار ولا
فرق في ذلك بين القليل والكثير لعدم انضباط أحوال لقلق في ذلك فاعلا وقابلا فربما عد بعضهم القليل كثيرا
وشق على بعضهم تحمل القليل كالكثير فالمرجع في ذلك إلى جنس ما يمتن به عادة كما لم يفرق بين كثير الماء وقليله في
وجوب قبوله اعتبارا بالجنس هذا إذا كان البذل على وجه التبرع كالهبة ونحوها أما المنذور على وجه يدخل
فيه المحتاج ويفتقر إلى القبول فإن قبوله واجب كما يجب التكسب له لوجوب تحصيل شرط الواجب المطلق وانتفاء المنة
ولو كان النذر لا يحتاج إلى قبول فوجوب أخذه أولى لان الملك فيه حينئذ قهري والمنة منتفية وكما لا يجب قبول الهبة
كذا لا يجوز مكابرة مالك الماء والآلة عليهما لانتفاء الضرورة بخلاف الماء للعطش والطعام في المجاعة ولو وجده
أي الثمن وخاف الضرر على نفسه أو غيره من الأموال المحترمة كما تقدم بدفعه عوضا عن الماء أو الآلة لم يجب دفعه في ذلك
بل لم يجز لأنا سوغنا ترك استعمال الماء لحاجته وهو غير المطهر فترك بدله مع الحاجة أولى وجاز حينئذ التيمم لصدق
العجز عن تحصيل الماء فرع للمصنف رحمه الله لو وجد ماء موضوع في الفلاة في حب أو كوز ونحوه للسابلة جاز له
الوضوء ولم يسغ له التيمم لأنه واجد إلا أن يعلم أو يظن وضعه للشرب ولو كان كثيرا دلت الكثرة على تسويغ الوضوء
منه ذكر ذلك كله في النهاية وللنظر في بعض قيوده بحال ولو وجده أي الماء بثمن لا يضره في الحال يمكن أن يريد به الزمان
الحاضر فلا عبرة بخوف ضرره في المآل لامكان تجدد ما يندفع به الضرورة ولعدم الضرر بذلك حينئذ والأولى أن يراد
به حاله أي حال نفسه فيجعل اللام عوضا عن المضاف إليه ليعم الضرر الحاضر والمتوقع حيث يحتاج إلى المال المبذول
في مستقبل الزمان الذي لا يتجدد له في مال عادة فمتى لم يضره بذل الثمن في الحال أو المآل على ذلك الوجه وجب
الشراء لانتفاء الضرر الذي باعتباره ساغ التيمم وإن زاد الثمن المقدور عليه المفروض عدم التضرر به مطلقا عن ثمن
المثل أضعافا مضاعفة على المشهور لأنه متمكن والفرض انتفاء الضرر ولوجوب تحصيل شرط الواجب المطلق بحسب الامكان
ولقول الكاظم عليه السلام وقد سئل عمن وجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو وأجد لها يشترى قد
أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضأت على إشكال ذلك ناشئ مما ذكرناه ومن أن خوف فوات المال اليسير بالسعي إلى الماء
مجوز للتيمم فكيف يجب بذل الكثير على هذا الوجه فيه ولتساوي الحكم في تضييع المال القليل والكثير وكفر مستحله وفسق
غاصبه وجواز الدفع عنه وهو اختيار ابن الجنيد وجوابه الفرق بين جميع ما ذكر وموضع النزاع بالنص وبالمنع من
مساواة ما يبدله المكلف باختياره وبين ما ينهب منه قهرا لما في الثاني من لزوم الغضاضة والإهانة الموجبة للضرر
بخلاف الأول لان الفرض انتفاء الضرر فيه وفرق المصنف بينهما بأن اللازم في الفرع إنما هو الثواب لأنه عبادة اختيارية
مطلوبة للشارع وهو أضعاف ما دفع واللازم في الأصل إنما هو العوض وهو مساو لما أخذ منه فلم يتم القياس و
ستضعفه الشهيد رحمه الله استنادا إلى أنه إذا ترك المال لابتغاء الماء دخل في حيز الثواب وهو حسن بل يجمع به حينئذ
بين العوض والثواب وهو أعظم من الثواب وحده فالأولى الاستناد في الفرق إلى النص والغضاضة المذكورة والاعتبار
في ثمن المثل بالنسبة إلى الماء بحسب الزمان والمكان لأنه متقوم في نفسه وربما احتمل اعتبار أجرة تحصيل الماء
118

خاصة بناء على أن الماء لا قيمة له وقد عرفت ضعفه وإطلاق العبارة يقتضى عدم الفرق بين المجحف وغيره وما تقدم
من الأدلة يشمله وقيد المصنف في التذكرة والشهيد في الذكرى وجوب الزائد عن ثمن المثل بعدم الاجحاف بالمال وإن
كان مقدورا للحرج ولو بذل بثمن إلى أجل يقدر عليه عند الحلول فقد صرح المصنف وجماعة بالوجوب لان له سبيلا إلى
تحصيل الماء وربما أشكل بأن شغل الذمة بالدين الموجب للذلة مع عدم الوثوق بالوفاء وقت الحلول وتعريض
نفسه لضرر المطالبة وإمكان عروض الموت له مشغول الذمة ضرر عظيم وفي حكمه الاقتراض للشراء وتقدم النفقة
على شراء ماء الطهارة أما الدين مع عدم المطالبة فيبنى على ما ذكر وكذا القول في الآلة يجب شراؤها وإن زاد ثمنها
كما تقدم ولو تعذر الشراء وأمكن الاستيجار تعين ولو أمكنا تخير كل ذلك من باب المقدمة ولو فقده أي الماء
وجب عليه الطلب من أصحابه ومجاوريه في ركب أو رحله فإن لم يجده وجب عليه الطلب غلوة سهم بفتح الغين وهي مقدار
الرمية من الرامي المعتدل بالآلة المعتدلة في الأرض الحزنة بسكون الراء المعجمة خلاف السهلة وهي المشتملة
على نحو الأشجار والأحجار والعلو والهبوط ويجب مراعاة هذا القدر من كل جانب بحيث يستوعبها وقدر غلوة سهمين
من كل جانب في الأرض السهلة بسكون الهاء وكسرها وهي خلاف الحزنة ولو اختلفت الأرض في السهولة والحزونة
توزع الحكم بحسبها ولو علم عدم الماء في بعض الجهات سقط الطلب فيه أو مطلقا فلا طلب لانتفاء الفائدة وتحقق شرط
جواز التيمم كما أنه لو علم الماء قبل أو ظنه في أزيد من النصاب كقرية ونحوها وجب قصده مطلقا ما لم يخرج الوقت ويجوز
الاستنابة في الطلب بل قد يجب ولو بأجرة لوجوب تحصيل شرط الواجب المطلق ويشترط عدالة النائب إن كانت الاستنابة
اختيارية وإلا اشترطت مع إمكانها ويحتسب لهما على التقديرين ويجب طلب التراب لو فقده حيث يجب التيمم لأنه شرط
الواجب المطلق كالماء ولو فات بالطلب غرض مطلوب كما في الحطاب والصائد ففي وجوبه لقدرته على الماء أو سقوطه
دفعا للضرر وجهان ولو حضر الفرض الثاني حدد الطلب له إن لم يعلم عدم الماء بالطلب الأول أو بالانتقال إلى محل يعلم
عدمه فيه وليكن الطلب بعد دخول الوقت ولو سبق وأفاد العدم يقينا كفى وإلا فلا
ولو وجد ماء بالتنوين ويجوز
كونه نكرة موصوفة أي وجد من الماء شيئا لا يكفيه للطهارة تيمم ولا تتبعض الطهارة بأن يغسل بما يجده ثم يتيمم على العضو
الباقي عندنا لانحصار الطهارة في أقسامها الثلاثة والملفقة ليست أحدها وربما حكى عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض
وهو مذهب العامة وهذا بخلاف ما لو كان عليه طهارتان كما في الأغسال المجامعة للوضوء فوجد من الماء ما يكفي أحدهما
فإنه يستعمله ويتيمم عن الأخرى فإن وسع لكل منهما على البدل قدم الغسل ولو كان على بدن المحدث أو ثوبه أو ما يتوقف
صحة الصلاة على طهارته نجاسة ووجد ما يكفيه لإزالة النجاسة خاصة أزالها وتيمم والمراد أنه وجد من الماء ما لا
يكفيه لإزالة الحدث والخبث معا بل ما يكفي أحدهما فإنه يزيل النجاسة ويتيمم ولا يخفى قصور العبارة عن تأدية هذا المعنى
وإنما قدمت إزالة النجاسة لان للطهارة المائية بدلا وإزالة النجاسة لا بدل لها فيجمع بين الحقين ويستفاد من ذلك
إن الحكم مشروط بوجود ما يتيمم به فلو فقده قدم الطهارة المائية لانتفاء البدل حينئذ واشتراط الصلاة بالطهارة مطلقا
بخلاف إزالة النجاسة وقد صرح بذلك جماعة ولا بد في تقييد الحكم بتقديم إزالة النجاسة بكونها غير معفو عنها وكون
الثوب مع ذلك مما يحتاج إلى لبسه في الصلاة إن كانت فيه أما لعدم الساتر أو للاضطرار إلى لبسه لبرد ونحوه وهذا
على سبيل الاستحقاق لا الأفضلية ولا يجوز المخالفة ولو خالف وتطهر أساء وفي صحتها نظر من الطهارة بماء مملوك
مباح فيصح ومن النهى عن الطهارة اللازم من الامر باستعمال الماء في إزالة النجاسة إذ الامر بالشئ يستلزم النهى عن ضده
119

والنهى في العبادة يدل على الفساد وفي توجيه النطر من الجانبين نطر أما الأول فلمنع كلية الكبرى المطوية لأنها محل
النزاع ولانتقاضها بمن تطهر بما ذكر مع يقين الضرر لمرض ونحوه وأما الثاني فلما تحقق في الأصول من أن الامر
بالشئ إنما يستلزم النهى عن ضده العام وهو مطلق الترك لا الأضداد الخاصة فلا يتم الدليل وعلى كل حال فالوجه
عدم الاجزاء لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه فلم يتحقق الاجزاء كما تحقق في الأصول واستقرب المصنف في التذكرة الاجزاء
إن جوز وجود المزيل في الوقت وإلا فلا ولا يصح التيمم إلا بالأرض لقوله تعالى فتيمموا صعيدا وقول الصادق عليه السلام
إنما هو الماء والصعيد وإنما للحصر
والصعيد عندنا هو وجه الأرض وهو أحد التفسيرين ونقل عن جماعة من أهل
اللغة ذكر ذلك الخليل وتغلب عن ابن الأعرابي ويدل عليه قوله تعالى فتصبح صعيدا زلقا أي أرضا ملسه (ملساء صح) مزلقة
فيتناول جميع أصنافها كالتراب وإن كان نديا والحجر بأنواعه والمدر وأرض النورة وأرض الجص قبل إحراقهما
لوقوع اسم الأرض عليهما حينئذ وإن كانا قد يؤولان إلى المعدن لعدم تناول المعدن لهما قبله ومنع ابن إدريس منهما
لكونهما معدنا وشرط في النهاية في جواز التيمم بهما فقد التراب وهما ضعيفان أما بعد الاحراق فلا يجوز للاستحالة
خلافا للمرتضى وتراب القبر الملاصق للميت وإن تكرر النبش لأنه أرض والأصل عدم مخالطتها شيئا من النجاسات
نعم لو علم ذلك كما لو كان الميت نجس العين لم يخبر ولا يضر اختلاطه باللحم والعظم الطاهرين بالغسل مع استهلاله
لهما وأما تراب القبر الذي لا يلاصق الميت فإنه وان جاز التيمم عليه لكن لا وجه لتخصيصه بالذكر في سياق أنواع الأرض
والمستعمل لبقاء الاسم وعدم رفع التيمم الحدث والمراد به الممسوح به أو المتساقط عن محل الضرب بنفسه أو بالنفض لا
المضروب عليه إجماعا بل هو كالماء المغترف منه ولا يصح التيمم بالمعادن كالكحل والزرنيخ وتراب الحديد ونحوها لعدم
وقوع اسم الأرض عليها والرماد سواء كان رماد الخشب أم التراب لعدم تسميته أرضا واستقرب المصنف في النهاية جوازه
برد ما الأرض والأشنان بضم الهمزة والدقيق لعدم التسمية كذلك والمغصوب للنهي عن استعماله المقتضى للفساد في العبادة
والمراد به ما ليس بمباح ولا مملوك ولا مأذون فيه صريحا أو ضمنا كالمأذون في التصرف فيه أو فحوى كالمأذون في دخوله
وجلوسه ونحوهما عموما أو خصوصا أو شاهد الحال كالصحارى المملوكة حيث لا ضرر على المالك ومثله جدار الغير من خارج
حيث لا يتوجه عليه ضرر كذلك نعم لو ظن الكراهة أو صرح بها المالك امتنع ويتحقق النهى عن المغصوب مع الاختيار
قطعا أما لو حبس المكلف في مكان مغصوب ولم يجد ماء مباحا أو وجد ولزم من استعماله إضرار بالمكان فهل
يجوز التيمم بترابه الطاهر مع عدم وجود غيره كما يجوز الصلاة فيه لخروجه بالاكراه عن النهى فصارت الأكوان مباحة
لامتناع التكليف بما لا يطاق أم لا يجوز لافتقاره إلى تصرف في المغصوب زائد على أصل الكون وجهان وهذا بخلاف
الطهارة بالماء المغصوب لأنه يتضمن إتلافا غير مأذون فيه ولا تدعو إليه ضرورة نعم لو ربط في ماء مغصوب
وتعذر عليه الخروج ولم يلزم من الاغتسال به زيادة إتلاف أمكن تمشى الوجهين والنجس لقوله تعالى فتيمموا
صعيدا طيبا قال المفسرون معناه الطاهر ولقوله صلى الله عليه وآله وترابها طهورا والنجس لا يعقل كونه مطهرا
لغيره ويجوز التيمم بالوحل مع عدم التراب والمراد عدم إمكان تجفيفه وجمعه في مكان ثم الضرب عليه إذ لو قدر على
ذلك لم يفرض عدم التراب لأنه تراب حقيقة لكن على تقدير عدم إمكان تجفيفه إنما يجوز التيمم به مع فقد الغبار
على الثوب ونظائره فكان ينبغي تأخيره عنها كما ورد في الاخبار عن الصادق عليه السلام ويشترط في الوحل كون أصله
مما يصح التيمم عليه وإلا لم يخبر التيمم به مطلقا صرح به المصنف في النهاية وكذا يجوز التيمم بالحجر معه أي مع وجود التراب
120

لما تقدم من أن الصعيد وجه الأرض والحجر أرض إجماعا كما نقله في المعتبر ولأنه تراب اكتسب رطوبة لزجة وعملت
فيه الحرارة فإفادتاه استمساكا ويتناول الحجر جميع أنواعه من رخام وبرام وغيرهما ورد بذلك على الشيخ وجماعة حيث شرطوا
في جواز استعماله فقد التراب استنادا إلى أن المراد بالصعيد في الآية التراب كما هو أحد التفسيرين عند أهل اللغة
والحجر ليس بتراب وجوابه إنا قد بينا أن المراد بالصعيد الأرض وهو من جملة أصنافها ولأنه لو لم يكن الحقيقة باقية
فيه لم يكن التيمم به مجزيا عند فقد التراب كالمعدن والتالي باطل إجماعا ولا يعارض بالتيمم بالوحل ونحوه لدخوله
بنص خاص بخلاف الحجر وفي حكمه الخزف لعدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض كالحجر وإن خرج عن اسم التراب خلافا
لابن الجنيد والمحقق في المعتبر مع تجويزها التيمم بالحجر وهو أقوى خروجا عن اسم التراب وهذا الخلاف غير جار في
السجود عليه لان باب السجود أوسع من باب التيمم ولاجماعهم على أن محله الأرض لا التراب وقد تقرر أن الحجر من أصنافها
وقد أجمعوا على جواز السجود عليه وهو أقوى بعدا عن التراب من الخزف وصرح المحقق في المعتبر بجواز السجود عليه مع
منعه من التيمم به بناء على خروجه بالطبخ عن اسم الأرض قال المصنف في التذكرة وهو ممتنع ولهذا جاز السجود عليه (وهو ممنوع صح) ويكره التيمم
بالسبخة بالتحريك والتسكين وهي الأرض المالحة النشاشة على أشهر القولين لأنها أرض ومنع ابن الجنيد من التيمم
بها لأنها استحالت فأشبهت المعادن وهو ممنوع نعم لو علاها الملح لم يجز حتى يزيله وعرفها المصنف في النهاية بأنها
التي لا تنبت وهو بعيد والرمل لشبهه بأرض المعدن ووجه الجواز إطلاق اسم الأرض عليه لو فقده أي جميع ما تقدم
ولا يجوز عود الضمير إلى التراب لأنه أخص مما يجوز عليه التيمم والأرض مؤنثة سماعية إلا يحسن عود الضمير إليها تيمم
بغبار ثوبه ولبد سرجه وعرف دابته مخيرا في ذلك إلا أن يختص أحدها بكثرة الغبار فيتعين وذكر الثلاثة لكونها
مظنة للغبار لا للحصر فلو كان معه بساط وما شاكله فما يجمع الغبار تيمم به لقول الصادق عليه السلام فإن كان في ثلج
فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شئ مغبر ويجب نفض محل الغبار حتى يعلو ظاهره ويضرب عليه إلا أن يتلاشى
به فيقتصر على الضرب عليه ولو فرض عدم الغبار فيها أصلا لم يجز الضرب عليها لأن الاعتبار بالغبار لا بها ومن
هنا ضعف قول الشيخ بتقديم غبار عرف الدابة والسرج على الثوب وابن إدريس بالعكس ويشترط كون الغبار
من جنس ما يصح التيمم به كغبار التراب لا غبار الدقيق وشبهه ولو فقد الغبار تيمم بالوحل كما تقدم فلو قدمه على
الغبار لم يصح لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى في العهدة واعلم أن التيمم لا يجوز قبل وقت الموقتة إجماعا
ولأنه طهارة ضرورية ولا ضرورة قبل دخول الوقت لعدم التكليف حينئذ ويجوز بل يجب فعله مع الضيق إجماعا ولأنه
لولاه لزم الاخلال بالصلاة والمراد بالضيق أن لا يبقى من الوقت سوى مقدار فعل الصلاة وما لا بد منه فيها
وهل يجوز فعله في حال السعة أقوال ثلاثة أحدها وهو المشهور خصوصا بين القدماء حتى ادعى الشيخ والسيد المرتضى
عليه الاجماع المنع منه مطلقا ومستنده مع الاجماع المقبول ما نقل منه بخبر الواحد فضلا عن نقل هذين الامامين
صحيحة محمد بن مسلم قال سمعته يقول إذا لم تجد الماء وأردت التيمم فآخر التيمم إلى آخر الوقت فإن فاتك الماء
لم تفتك الأرض والامر للوجوب وحسنة زرارة عن أحدهما عليهما السلام إذا لم يجد المسافر ماء فليطلب ما دام في
الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فلتيمم وليصل في آخر الوقت والامر للوجوب أيضا وتأينها جوازه مع السعة
مطلقا واختيار الصدوق لعموم فلم تجدوا ماء وقوله صلى الله عليه وآله أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت
ودلالة أخبار صحيحة على عدم إعادة واجد الماء في الوقت وهو مستلزم للتيمم مع السعة كصحيح زرارة عن الباقر
121

عليه السلام قلت إن أصاب الماء وقد صلى تيمم وهو في وقت قال تمت صلاته ولا إعادة عليه ومثله عن معاوية
بن ميسرة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل في السفر لا يجد الماء ثم صلى ثم أتى بالماء وعليه شئ من
الوقت أيمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد الصلاة قال يمضى على صلاته فإن رب الماء رب التراب
وثالثها
التفصيل بالعلم باستمرار العجز وعدمه فيجوز مع السعة في الأول دون الثاني وهو اختيار المصنف والمحقق وابن الجنيد
إلا أن ابن الجنيد اكتفى بظن الاستمرار والمصنف صرح بالعلم ولعله أراد بالعلم ما يعم غلبة الظن كما هو بعض إطلاقاته
وصرح به في المخ جمعا بين الأدلة وقول المصنف والأولى تأخيره إلى آخر وقت الصلاة يشعر باختيار السعة مطلقا
لان الأكثر استعمال الأولى في موضع الاستحباب لكنه غير معهود من مذهبه وإن حمل على الوجوب كان اختيار المراعاة
الضيق مطلقا وهو غير المعهود من مذهبه أيضا ويمكن حمله على التفصيل باستعمال الأولوية في القدر المشترك
بين الراجح المانع من النقيض وغير المانع وأقل أحوال استعمال المشترك في معنييه أنه مجاز أو كون التأخير أولى
بالنظر إلى جميع أفراده وذلك لا ينافي وجوب بعضها كما في استحباب الإقامة بمنى أيام التشريق مع وجوب إقامة بعضها
وعلى كل حال فالقول باعتبار التضيق مطلقا أقوى للنص والاجماع والشهرة والاحتياط وما ورد من الاخبار
التي استدل بها مجوز التقديم لم يدل نصا على جواز التقديم بل على إمكان وقوعه ونحن نقول به فإن المعتبر
في الضيق الظن فلو انكشف خلافه أجزأ للامتثال ولمفهوم الأخبار المذكورة وحملها على ما إذا علم أو ظن عدم
الماء
إنما يتم لو دلت على جواز التقديم نصا والتقدير عدمه بخلاف أخبار التضيق وقد تقرر في الأصول ما دل نصا
مرجح على غيره مع التعارض وعلى ما حققناه لا تعارض ومنه يظهر ضعف حمل أخبار التضيق على الاستحباب ترجيحا
لجانب التوسعة والقول بالتفصيل بالعلم وعدمه متوجه لعدم الفائدة في التأخير على تقديره لكن قوة الدليل
النقلي لا تساعد عليه فإن قيل ما ذكرتم من النصوص إنما دلت على وجوب التأخير لفاقد الماء ولا دلالة لها
على وجوب تأخير غيره من ذوي الأعذار فيرجع إلى الأدلة الأخرى خصوصا مع عدم رجاء زوال العذر فلم قلتم بوجوب
التأخير مطلقا قلنا الاجماع منعقد على عدم التفصيل بالتأخير للفاقد دون المريض خالف الضرر بل أما الجواز
مطلقا أو وجوب التأخير مطلقا مع الرجاء أو بدونه فالقول بالتفصيل على هذا الوجه إحداث قول مبطل لما حصل عليه
الاجماع وتحقيق المسألة في الأصول وهل التضيق شرط في دوام الإباحة كما هو في ابتدائها إشكال فلو دخل الوقت
على المكلف وهو متيمم لسابقه هل يجوز أن يصلى الحاضرة في أول الوقت ولا يعتبر الضيق هنا بناء على أنه متطهر و
الوقت سبب فلا معنى للتأخير كما اختاره الشيخ في المبسوط مع اختياره مراعاة التضيق في فعله أم يتمشى الأقوال فيه
أيضا كما هو ظاهر المصنف والمحقق لقيام علة التأخير فيه نظر ومختار المبسوط لا يخلو من قوة لان النصوص المتقدمة
إنما دلت على غير المتطهر مضافا إلى ما ذكر فالوسيلة إلى التيمم حينئذ في حال سعة وقت الحاضرة أن يتيمم لمضيق ثم يبقى
عليه إلى أن يدخل وقت الموسع ولو أراد إحداث التيمم في حال سعة وقت الحاضرة فلينذر صلاة ركعتين في تلك
الحال ويتيمم لهما ثم يصلى الحاضرة مع السعة ولو دخل مسجدا فالظاهر جواز التيمم لصلاة التحية لان وقتها
بعد الدخول مضيق وكذا لو ضاق وقت نافلة الحاضرة فتيمم للنافلة وصلاها جاز أن يصلى الفريضة بعدها ولو
لم يكن في عزمه فعل النافلة لم يصح التيمم أما لو تيمم مع العزم على فعلها ثم طرأ له العزم على تركها توجه جواز
فعل الفريضة حينئذ ويجب فيه النية للفعل إجماعا منا ومن علماء الاسلام إلا من شذ لدلالة فتيمموا على القصد أن
122

لم يكن عينه ويعتبر فيها قصد الفعل لوجوبه إن كان واجبا كما لو توقفت عليه عبادة واجبة أو ندبه إن كان مندوبا
في الكلام في اعتبار نية الوجوب أو الندب فيه قريب من الكلام في نية الوضوء وكذا غيرهما من المميزات فليحظ هناك
مقام حال من الفاعل القاصد المدلول عليه بالقصد التزاما ولا ريب في اعتبار القربة في هذه النية كغيرها وقد
سيف معناها ووجه وجوبها ويجب مع ذلك نية البدلية عن الأكبر أو الأصغر لاختلافها حقيقة فلا بد من تمييز
أحدهما عن الاخر بالنية وهذا يتم مع اجتماعهما عليه كمن عليه غسل ووضوء وتعذر عليه فعلهما أما من عليه أحدهما
خاصة فيشكل وجوب التمييز لعدم إمكان وقوع الاخر منه ليميزه عنه وقدم التنبيه عليه في مميزات الوضوء ولا
يجوز للمتيمم نية رفع الحدث لامتناعه منه إذ التيمم إنما يزيل المنع من الصلاة الذي هو أثر المحدث لا المانع الذي
هو المؤثر ولهذا ينتقض بالتمكن من استعمال الماء مع أنه ليس من قبيل الاحداث وإنما يظهر به تأثير الحدث السابق
الذي كان قد تخلف عنه أثره بواسطة التيمم وقد ادعى جماعة منهم المحقق في المعتبر إجماع العلماء كافة على عدم
رفعه الحدث ومتى لم يرفعه امتنعت نيته لعدم اعتبار نية الممتنع شرعا وكذلك ادعى في المعتبر الاجماع على
أن وجود الماء ليس حدثا ولأنه لو كان حدثا لوجب استواء المتيممين في موجبه ضرورة استوائهم فيه لكن هذا
باطل لان الحدث لا يغتسل والمجنب لا يتوضأ ولأن النبي صلى الله عليه وآله قال لعمر وقد تيمم عن الجنابة من شدة
البرد صليت بأصحابك وأنت جنب فلو ارتفع بالتيمم لما سماه جنبا كما لا يسمى بذلك بعد الغسل ولو لوحظ هنا عدم
اشتراط بقاء المعنى المشتق منه في صدق المشتق تساوى ما بعد التيمم ما بعد الغسل وقد تقرر انتفاؤه بعد الغسل
فيدل على عدم اعتبار ذلك المعنى شرعا كما امتنع تسمية المسلم عن كفر كافرا ورجح الشهيد في قواعده جواز نية
رفع الحدث بناء على أن التمكن من استعمال الماء جاز أن يكون غاية للرفع كما يكون طريان الحدث غاية له
في التيمم وغيره وفي الذكرى جواز نية رفع المانع من الصلاة لأنه في معنى الاستباحة وفي الدروس أنه أن نوى رفع
الماضي صح كما يصح ذلك من دائم الحدث وفي الجميع منع أما الأول فلان رفع الحدث في الطهارة المائية ليس
مغيى بغاية أصلا وإنما المانع أعني الحدث الموجب للطهارة مرتفع بها وزائل بالكلية حتى كأنه لم يكن ثم لا يعود
ذلك المانع بعينه إلى الوجود مرة أخرى بل الحاصل بالحدث الطارئ مانع آخر غير الأول غايته أنه مبطل
لفائدة الطهارة لأنه من نواقضها ولا كذلك التيمم فإن إزالة المانع ليست إزالة كلية بل إنما رفع أثره
إلى أحد معين مضروب وهو أما طرو حدث أو التمكن من استعمال الماء فإذا وجد أحدهما عاد الأول بعينه حتى
كأنه لم يزل ولهذا يجب الغسل على المتيمم بدلا منه عند التمكن ولو كان رافعا لما وجب إلا بحدث آخر موجب للغسل
نعم ربما تمشى ذلك على مذهب المرتضى القائل بأن من تيمم بدلا من غسل الجنابة ثم أحدث أصغر ووجد من الماء
ما يكفيه للوضوء توضأ به لان حدثه الأول قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى فإن ذلك يشعر بكون التيمم رافعا
وسيأتي بيان ضعف هذا القول وأما الثاني فلان رفع المانع هو بعينه رفع الحدث إذ ليس المراد به نفس
الخارج الناقض وإن كان قد يطلق عليه اسم الحدث لان الحدث بهذا المعنى يستحيل رفعه لأنه قد صار رافعا
ويمنع رفع الواقع وإنما المراد بالحدث أثر الخارج وهو المانع الحاصل بسببه والفرق بينه وبين الاستباحة
أن المراد بالرفع إزالة أثر الواقع بالكلية حتى كأنه لم يكن والاستباحة رفع المنع منه أعني استعادة (استفادة صح) جواز
فعل المشروط بالطهارة سواء زال المانع بالكلية ولم يقارنه مانع آخر كطهارة المختار فإن الرفع أو الاستباحة
123

بالنسبة إليه متلازمان أم لم يزل بالكلية بل إلى أمد مضروب كما في التيمم فإنه لا يزيل أثر الواقع صلا ولهذا
ينتقض بوجود الماء والتمكن من استعماله مع الاجماع على كونه ليس بحدث أم زال بعضه بالكلية دون البعض كما في
طهارة دائم الحدث فإن المانع الحاصل في الحال يزول بعضه وهو أثر الحدث السابق وأما الثالث فهو مبنى على
على اتحاد حكم المتيمم ودائم الحدث وقد عرفت ما بينهما من الفرق فإن الدائم الحدث حدثا سابقا ومقارنا وطهارته
مائية صالحة لرفع الحدث حيث يمكن وإمكانه في السابق خاصة لان القارن والمتأخر يمتنع تأثير النية فيه بخلاف
التيمم فإنه لا يصلح للرفع مطلقا كما حققناه ويجوز له نية الاستباحة لمشروط بالطهارة كالصلاة لامكانها
وقد عرفت الوجه مما سلف والمتبادر من الجواز عدم وجوب نية الاستباحة عنده وقد تقدم في الوضوء ما يدل
عليه مع أنه توقف في وجوب أحد الامرين فيه ويمكن حمل الجواز هنا على المعنى الأعم وهو القدر المشترك بين ما عدا
الحرام كما هو أحد معنييه فلا ينافي الحكم بالوجوب ليوافق مختاره في كثير من كتبه
ويجب إحضار النية فعلا حتى يقارن
بها الضرب على الأرض وبعده يجب كونها مستدامة الحكم إلى آخر التيمم بمعنى أن لا ينوى في أثنائه نية تنافي النية
الأولى أو بعض مميزاتها وقد تقدم تحقيق الاستدامة الحكمية محررا وأوجب المصنف في النهاية استدامتها فعلا
إلى مسح الجبهة فلو غربت قبله بطل وهو ضعيف ثم يضرب بيديه معا بعد إحضار النية بقلبه على التراب وفي التعبير
بثم الموجبة للتعقيب المتراخي تساهل فإن الواجب مقارنة النية للضرب على الأرض لأنه أول أفعاله فلو تقدمت
عليه لم يخبر قطعا لأنه حينئذ عزم لا نية وكذا لا يجوز تأخيرها إلى مسح الجبهة على أصح القولين لخلو بعض الأفعال
وهو الضرب عن النية وجزم المصنف في النهاية بالاجزاء تنزيلا للضرب منزلة أخذ الماء للطهارة المائية فكما تجرى
النية ثم تجزى هنا والفرق بين الموضعين واضح فإن أخذ الماء غير معتبر لنفسه ولهذا لو غمس الأعضاء فيه أجزأ بخلاف
الضرب ومن ثم لو تعرض لمهب الريح أو وضع جبهته على الأرض ناويا لم يخبر اتفاقا وفرق في الذكرى بينهما أيضا
في تعليل الرد على المصنف بأنه لو أحدث بعد أخذ الماء لم يضر بخلاف الحدث بعد الضرب وهو غير وارد عليه لأنه جزم
بتساويهما في ذلك أيضا قال في النهاية ولو أحدث بعد أخذ التراب لم يبطل ما فعله كما لو أحدث بعد أخذ الماء في كفه
وعلى كل حال فمختار المصنف ليس بجيد بعد موافقته للجماعة على وجوب الضرب على الأرض المعبر عنه في كتبه بنقل التراب
وأنه لو تعرض لمهب الريح أو معك وجهه في التراب لم يجزء ولو كان كما ذكر لم يجز مقارنة النية للضرب بل كان الواجب
مقارنتها لمسح الجبهة لأنه حينئذ أول الأفعال وليس ذلك كغسل اليدين والمضمضة والاستنشاق في الطهارة المائية لان
تلك سنة خاصة دخلت بوجه خاص ومن ثم لم يجز النية عند غيرها من السنن كالتسمية والسواك بل الضرب عند
المصنف كنقل الماء في الطهارة المائية فكما لا تجزى النية عنده فكذا يلزم عدم الاجزاء عند الضرب وهنا مباحث الأول
معظم الأصحاب والاخبار عبروا بلفظ الضرب وهو يقتضى وجوب اعتماد يحصل به مسلما عرفا وما فيه لفظ الوضع مبهما
كعبارة الشيخ في النهاية وحديث عمار حيث إصابته جنابة فتمعك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله تمعكت
كما تتمعك الدابة أفلا صنعت كذا ثم أهوى بيديه على الأرض فوضعهما على الصعيد لا ينافي الضرب لأنه أعم منه والعام
يحمل على الخاص لأنه طريق الجمع وفي الذكرى الظاهر أن الضرب باعتماد غير شرط لان الغرض قصد الصعيد وهو حاصل
بالوضع والمحقق الشيخ على جزم في الشرح بالاكتفاء بالوضع مستدلا بأن اختلاف الاخبار وعبارات الأصحاب
في التعبير بالضرب والوضع يدل على أن المراد بهما واحد وفي التعليلين نطر أما الأول فلمنع انحصار الغرض في قصد
124

الصعيد فإنه عين المتنازع كيف وقد اعترف بأن أكثر الاخبار والأصحاب على التعبير وقد بينا إمكان الجمع
بين الكل بالحمل على الضرب لأنه وضع وزيادة وأما الثاني فيعلم مما قلناه فإن مجرد الاختلاف لا يدل على كونهما واحدا
وإنما يدل على الواحدة وجوب تقرير النصين ما أمكن وحمل العام على الخاص ولا شك أن حمل الضرب على الوضع ليس
بتام لما بيناه من المغايرة وإنما بصح بضرب من التجوز بل حمل الوضع على الضرب صحيح لاستلزام الضرب الوضع وزيادة
وبالجملة فالدليل النقلي لا يساعد على الاكتفاء بالوضع بل على اشتراط الضرب الثاني قد بينا اشتراط مقارنة
النية للضرب أو الوضع لأنه أول أفعاله فتأخير النية عنه تأخير لها عن أول العبادة كما في تقديمها لكن لو وضع
اليدين ثم نوى في حال استدامة الوضع هل يكفي يحتمله لان الاستدامة أقوى من الابتداء ولأن ما مضى من زمان
الوضع غير منصرف إلى الأفعال لخلوه عن النية بل ما بعدها كما لو نوى الوضوء أو الغسل وهو تحت الماء ويحتمل
عدم الاجزاء واختاره المحقق الشيخ علي لعدم المقارنة للوضع حينئذ ومثله يأتي في نية السجود للسهو أو قضاء السجدة
المنسية والحق أنا أن أوجبنا الضرب تعين الاحتمال الثاني لعدم تحقق مسماه بالاستدامة له فإنه ينقضي بعد
وصول اليد إلى الأرض وإن اكتفينا بالوضع جاء الاحتمالان وربما قوى الأول لصدق الوضع بعد وصول اليد ولو
ضرب بإحدى يديه واتبعها الأخرى مقارنا للنية بالثانية ففيه الوجهان لان المفهوم من الاخبار كقوله في
حديث عمار ثم أهوى بيديه ورواية زرارة فضرب بيديه الأرض وغيرهما كونهما دفعة فيأتي فيه اعتبار ابتداء
الوضع أو الاكتفاء باستدامة الثالث اعتبار الضرب باليدين معا مقيد بعدم المانع منه فلو قطعت أحديهما
بحيث لم يبق من محل الفرض شئ سقط الضرب بها واقتصر على الضرب بالأخرى ومسح الوجه بها ويسقط مسح اليدين معا
لتعذره ولو قطعت من مفصل الزند (فهل يجب الضرب بما بقي من المفصل صح) ومسحه لم لا يبنى على ما لو قطعت اليد من المرفق في الوضوء وقد تقدم ما يدل
على الوجوب ولو قطعتا معا مسح وجهه بالتراب إذ لا يسقط الميسور بالمعسور مقارنا بالنية مسح جبهته بمحل الضرب هو
اختيار المصنف في غير هذا الكتاب ونقل في المخ عن المبسوط سقوط فرض التيمم عنه محتجا بأن الدخول في الصلاة إنما يسوغ
مع الطهارة المائية فان تعذرت فمع مسح الوجه والكفين ولا يزول المنع إلا بالمجموع ورده بأن التكليف بالصلاة
غير ساقط وإلا لسقطت الطهارة المائية لو انقطع أحد العضوين وليس كذلك إجماعا وإذا كان التكليف ثابتا وجب
فعل الطهارة وليس بعض أعضائها شرطا في الاخر فيجب الاتيان بالممكن منها وحمل كلام الشيخ على أن المراد سقوط
فرض التيمم عن اليدين أو سقوط جملة التيمم من حيث هو وما حكاه عنه من الدليل ينافي التأويل وفي حكم القطع ما
لو كان ببدنه جراحة تمنع من الضرب بهما ونحوها والحق به في الذكرى ربط اليدين وليست نجاسة اليدين وإن
تعذرت
إزالتها عذرا في الضرب بالجبهة بل ولا في الضرب والمسح بظاهر الكفين بل يتعين الضرب والمسح بهما ما لم تكن النجاسة
متعدية لئلا يتنجس التراب فلا يفيد غيره طهارة فيضرب بالظهر حينئذ إن خلا منها كذلك وإلا فبالجبهة وفي حكم المتعدية
الحائلة على ما اختاره في الذكرى ورد بجواز المسح على الجبيرة وخصوصية النجاسة لا أثر لها في المنع إلا إذا تعدت
نعم لو أمكن إزالة الجرم ولو بنجاسة أخرى كالبول تعين ولو كانت نجاسة محل الضرب يابسة لا تتعدى إلى التراب
ونجاسة محل المسح متعدية ففي صحة التيمم تردد من عدم نجاسة التراب وعدم تأثير غيره في المنع ومن عدم النص على مثله
الرابع هل يشترط مقارنة النية لوضع جميع اليدين على الأرض أم يكفي وضعهما عليها وإن لم يقارن النية
وضع مجموع أجزائهما كل محتمل وإطلاق الأدلة يرجح الثاني ويظهر الفائدة فيما لو كان في التراب يسير من أجزاء
125

ما لا يجوز التيمم عليه كالتبن أو كان في الحجر شقوق وتضاريس تمنع من إمساس الكف له دفعة فعلى الثاني يصح التيمم
عليه مع مقارنة النية لوضع اليدين معا دون الأول الخامس تعبير المصنف بالضرب على التراب على وجه المثال
لا الانحصار إذ ليس مذهبا له كما سلف ولو عبر بالأرض لكان أولى لكنه رحمه الله لا يتحاشى من ذلك في عباراته كما
عبر في المسألة بثم في الضرب باليدين ثم يمسح بهما أي باليدين جميعا فلا يجزى المسح بواحدة خلافا لابن الجنيد حيث اكتفى
بالمسح باليمنى جبهته وحدها من القصاص وهو منتهى منبت الشعر من مقدم الرأس إلى طرف الانف الأعلى وهو الذي
يلي آخر الجبهة وهذا القدر متفق عليه وزاد الصدوق مسح الحاجبين أيضا وفي الذكرى لا بأس به وزاد بعضهم مسح
الجبينين وهما المحيطان بالجبهة يتصلان بالصدغين لوجوده في بعض الاخبار والزيادة غير المنافية مقبولة ولا
أمر به
ولا يجب استيعاب الوجه على المشهور لدلالة أكثر الاخبار على مسح الجبهة ونقل المرتضى في الناصرية إجماع الأصحاب عليه
ويدل عليه الباء في قوله تعالى وامسحوا برؤسكم لما تقرر من أنها إذا دخلت على المتعدى تبعيضية كما اختاره جماعة
من الأصوليين وأهل العربية وقد نص على ذلك الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام في حديث زرارة
المتقدم في الوضوء وقد سبق تحقيق المسألة وقال علي بن بابوية يجب مسح الوجه جميعه استنادا إلى روايات بعضها
ضعيف السند ويمكن حملها على الاستحباب واختار المحقق في المعتبر التخيير بين مسح جميع الوجه وبعضه لكن لا يقتصر
على أقل من الجبهة عملا بالاخبار من الجانبين ونقله عن ابن أبي عقيل ولا بد من إدخال جزء من غير محل الفرض من باب
المقدمة من جميع الجهات في جميع الأعضاء ويجب البداة في مسح الجبهة بالأعلى فلو نكس بطل أما لمساواة الوضوء
أو تبعا للتيمم البياني ثم يمسح ظهر كفه اليمنى وحده من الزند بفتح الزاء وهو موصل طرف الذراع في الكف إلى أطراف
الأصابع عند الأكثر للآية والاخبار ولأن اليد حقيقة في ذلك وإن كانت تقال على غيره فيقتصر على المتيقن لأصالة
عدم وجوب الزائد خلافا لابن بابوية والاستدلال والجواب كما سبق والأولى حمل الأخبار الدالة على استيعاب الوجه
واليدين إلى المرفقين على التقية لأنه مذهب العامة وليكن المسح ببطن اليسرى مع الامكان ولو تعذر المسح بالبطن
لعارض من نجاسة أو غيرها اجتزأ بالظهر لصدق المسح ثم يمسح ظهر اليد اليسرى ببطن اليمنى كذلك ويجب البداة بالزند
إلى رؤس الأصابع فيهما ولو كان له يد زائدة فكما سلف في الوضوء وما ذكر في العبارة من الاكتفاء بضربة واحدة
وهي المقارنة للنية إنما يكفي إذا كان التيمم بدلا من الوضوء وإن كان التيمم بدلا من الغسل ضرب للوجه ضربة وهي
المقارنة للنية ولليدين أخرى على المشهور واجتزا جماعة منهم المفيد والمرتضى بضربة واحدة لهما فيهما استنادا
إلى أحاديث صحيحة وأوجب المفيد ضربتين فيهما استنادا إلى روايات أخرى وجمع الأكثر بين الاخبار بالتفصيل
لان اختلاف الأحاديث يقتضى اختلاف الحكم صونا لها عن التناقض والوضوء مخفف الحكم والغسل مثقلة فيكون
الضربة للوضوء لأنه أخف قال في الذكرى وليس التخيير بذلك البيد إن لم يكن إحداث قول أو يحمل المرتان على الندب
كما قاله المرتضى واستحسنه في المعتبر واعلم أنه على القول المشهور لا تجزى ضربة في بدل الغسل قطعا وهل يجزى في
بدل الوضوء ضربتان ظاهر كلامهم عدم مشروعية الثانية فيأثم بها لكن لا يبطل التيمم إلا أن يخرج بها عن الموالاة
ويجب الترتيب فيه بين الأعضاء كما وقع في الذكر يبدأ بالضرب ثم بمسح الجبهة ثم اليد اليمنى ثم اليسرى للاجماع نقله المصنف
في التذكرة وغيره وللاخبار فلو أخل به استدرك ما يحصل معه الترتيب إن لم يطل الزمان كثيرا بحيث يفوت الموالاة وإلا
وجب الاستيناف من رأس ولم يذكر المصنف وجوب الموالاة ولا بد منه وقد صرح به في التذكرة وأسنده في الذكرى إلى الأصحاب
126

ويدل عليه العطف بالفاء في قوله تعالى فتيمموا فامسحوا لدلالتها على التعقيب بغير مهلة في مسح الوجه بعد تيمم
الصعيد الذي هو قصده والضرب عليه فيلزم فيما عدا ذلك من الأعضاء لعدم القائل بالفصل وللمتابعة في التيمم
البياني عن النبي وأهل بيته عليهم السلام فيجب التأسي والأولى الاستناد إلى الاجماع والمراد بالموالاة هنا هي المتابعة
عرفا ولا يضر التراخي اليسير الذي يخل بصدق التوالي عرفا لعسر الانفكاك منه ولو أخل بها فالظاهر البطلان وفاء
لحق الواجب ويحتمل الصحة وإن أثم لصدق التيمم مع عدمها وهو ضعيف وكذا يجب الاستيعاب للأعضاء
الممسوحة بالمسح
وقد علم ذلك من التحديد المتقدم ولا خلاف في وجوب استيعاب ما ذكر إنما الخلاف في الزائد عليه وأما الأعضاء الماسحة
فلا يجب استيعابها بحيث مسح بجميع بطن الكف للأصل ولقول الباقر عليه السلام في قصة عمار ثم مسح جبينه بأصابعه
ولا يشترط فيه أي في التيمم ولا في الوضوء طهارة بدن المتطهر غير أعضاء الطهارة التي هي محل الفرض من النجاسة لعينية
الخشية أما الوضوء فظاهر لجوازه مع السعة فيمكن إزالة النجاسة بعد الوضوء في الوقت وكذا القول في التيمم مع
القول بجوازه مع السعة مطلقا أو بالتفصيل كما هو مذهب المصنف في أكثر كتبه إذا كان التيمم لعذر غير مرجو الزوال في
الوقت وأما على القول بمراعاة التضيق أو كان العذر مرجو الزوال فيحتمل وجوب تقديم إزالة النجاسة على التيمم ليتحقق
الضيق إذ لا بد على تقدير تقديم التيمم من زيادة الوقت على وقت التيمم والصلاة لاستلزام إزالة النجاسة وقتا فيلزم
وقوع التيمم في السعة واختاره الشيخ في النهاية والمحقق في المعتبر ويحتمل جواز تقديم التيمم بناء على أن المراد بالضيق
غلبة ظن المكلف بمساواة ما بقي من الوقت للصلاة وشروطها وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن من جملة الشروط
فيجب أن يستثنى وقته مع وقت الصلاة ولا ينافي التضيق على القول به كستر العورة واستقبال القبلة وهذا هو الظاهر
هو إطلاق عبارة الكتاب ويظهر من الذكرى أنه لا خلاف في عدم وجوب تحصيل القبلة والساتر قبل التيمم فإن تم
ذلك لم يكن بد من جواز تقديم التيمم على إزالة النجاسة لعدم الفرق بين مقدمات الصلاة واعلم أن إطلاق الطهارة
في العبارة على إزالة النجاسة مجاز مشهور لأنها حقيقة في أحد الثلاثة كما تقدم ولو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت
وتيمم وصلى ثم وجد الماء مع أصحابه الباذلين أو في رحله أعاد الصلاة ولو استمر الحال مشتبها لم يعد لسقوط
السعي بالضيق وإطلاق الإعادة على القضاء مع ظهور خلل في الأداء غير مشهور خصوصا عند المصنف فإنه يخص الإعادة
في كتبه الأصولية بفعل الشئ تأنيا في وقته نعم هو مصطلح لبعض الأصوليين ولو كانت الصلاة مع ظن الضيق
ثم تبين السعة ووجد الماء فكذلك وإطلاق الإعادة تام عند الجميع وإنما يقع التكلف في استعمال لفظ الإعادة
في القضاء على ما قيدنا به العبارة ولولا التقييد كانت مستعملة في بابها ومستند الحكم خبر مروي عن الصادق عليه السلام
وضعفه منجبر بالشهرة كما نبه عليه في الذكرى وفي حكم الرحل والأصحاب ما لو وجده في الغلوات لان مناط الإعادة
وجدانه في محل الطلب وإنما قيدنا المسألة بالضيق تبعا للرواية وفتوى الأصحاب ولأنه لو تيمم كذلك مع السعة بطل تيممه
وصلاته وإن لم يجد الماء بعد ذلك لمخالفة الامر وإن جوزنا التيمم مع سعة الوقت بعد الطلب وإنما أطلق المصنف الحكم
ولم يقيد بالضيق كما قيده في غير هذا الكتاب لما أسلفه فيه من اعتبار التضيق في فعل التيمم مطلقا ولو جعلنا
الأولوية للاستحباب فلا بد من تقييد العبارة هنا بالضيق لئلا يتناول الصحة مع السعة حيث لا يتحقق وجود
الماء على ذلك الوجه واعلم أن الأصل يقتضى عدم وجوب إعادة الصلاة مع مراعاة التضيق وإن أساء بترك الطلب
لايجابه الانتقال إلى طهارة الضرورة لكن لا سبيل إلى رد الحديث المشهور ومخالفة الأصحاب فإنهم بين موجب للإعادة
127

مطلقا كالشيخ رحمه الله حيث حكم بأنه من أخل بالطلب ويتمم وصلى فتيممه وصلاته باطلان للمخالفة ولم يقيد بالسعة
وبين موجب للإعادة على تقدير ظهور الماء على الوجه المذكور وهم المصنف والجماعة العاملين يقتضى الخبر ويتفرع على ذلك
ما لو كان الماء موجودا عنده فأخل باستعماله حتى ضاق الوقت عن الطهارة به والصلاة فهل يتيمم ويؤدى أم يتطهر
به ويقضى ظاهر إطلاق الشيخ بطلان التيمم والصلاة قبل الطلب للفاقد يقتضى الثاني بطريق أولى وبه صرح المحقق
بل بما هو أبلغ منه حيث قال من كان الماء قريبا منه وتحصيله ممكن لكن مع فوات الوقت لم يجز التيمم ويسعى إليه لأنه
واجده واختار المصنف في المنتهى والتذكرة الأول قال فيها بعد حكاية هذا الفرع الوجه عندي وجوب التيمم لتعذر استعماله
نعم لو تمكن من استعماله وركعة لم يجز التيمم وفرق المحقق الشيخ على بين ما لو كان الماء موجودا عنده بحيث يخرج الوقت لو
استعمله وبين من كان الماء بعيدا عنه بحيث لو سعى إليه لخرج الوقت ما وجب الطهارة المائية على الأول دون الثاني
مستندا إلى انتفاء شرط التيمم وهو عد الوجدان في الأول وعدم صدق الوجدان في الثاني وأنت خبير بأن المراد بوجدان
الماء في باب التيمم وفي الآية فعلا أو قوة ولهذا يجب على الفاقد الطلب والشراء لصدق الوجدان ولو كان المراد بالوجدان
بالفعل لم يجب عليه ذلك لأنه تعالى شرط في جواز التيمم عدم الوجدان فلا يتم ح ما ذكره من الفرق لصدق الوجدان في
الصورتين بالمعنى المعتبر شرعا فلا بد من الحكم باتفاقهما أما بالتيمم كما ذكره المصنف أو بالطهارة المائية كما ذكره المحقق
وقريب من ذلك ما لو ضاق الوقت عن إزالة النجاسة وستر العورة
ولو عدم الماء والتراب الطاهرين وما في حكم التراب
من غبار ووحل سقطت الصلاة أداء وقضاء أما سقوطها أداء فهو ظاهر الأصحاب بحيث لا نعلم فيه مخالفا لان الطهارة
شرط للصلاة مطلقا لقوله صلى الله عليه وآله لا صلاة إلا بطهور وقد تعذر فيسقط التكليف به لامتناع التكليف
لما ليس بمقدور ويلزم من سقوط التكليف بالشرط سقوط التكليف بالمشروط وإلا فإن بقي الاشتراك لزم تكليف
ما لا يطاق وإن انتفى خرج المشروط المطلق عن كونه مشروطا مطلقا وهو باطل وأما القضاء ففيه قولان أحدهما وهو
الذي اختاره المصنف سقوطه لانتفاء المقتضى لوجوبه فإن القضاء إنما يجب بأمر جديد على أصح القولين
للأصوليين
ولم يثبت الامر في المتنازع ولأن الأداء لم يتحقق وجوبه فلا يجب القضاء وفي الدليلين ضعف أما الأول فلثبوت الامر
الجديد في قوله صلى الله عليه وآله من فاته فريضة وسيأتي تحقيقه وأما الثاني فلعدم الملازمة بين وجوب الأداء والقضاء
وجودا وعدما والثاني واختاره الشهيد رحمه الله وجوب القضاء لقوله صلى الله عليه وآله من فاته صلاة فريضة فليقضها
كما فاتته وهو شامل لصورة النزاع لان من من أدوات العموم وأجيب بأن المراد من فاته فريضة يجب عليه أداء لها
فليقضها إذ من لا يجب عليه الأداء لا يجب عليه القضاء كالصبي والمجنون ويؤيده إن الفريضة فعلية بمعنى مفعولة أي مفروضة
وهي الواجبة ويبعد أن يراد وجوبها على غيره (بأن يكون التقدير من فاته صلاة مفروضة على غيره صح) لان ذلك خلاف الظاهر من حيث أن المتبادر غيره وأنه يحتاج إلى زيادة
التقدير وفيه نظر لان القضاء قد يجب على من لا يجب عليه الأداء كما في النائم وشارب المرقد فإن القضاء يتبع سبب الوجوب
كالوقت مثلا لا الوجوب كما حقق في الأصول وأما استفادته من الفريضة فبعيد لان هذا اللفظ قد صار علما على الصلوات
المخصوصة التي من شأنها أن تكون مفروضة مع قطع النظر عمن فرضت عليه إلا ترى كيف يطلقون (عليها صح) هذا الاسم من غير نظر
إلى الفاعل فيقولون الصلوات المفروضة حكمها كذا وعددها كذا وصلاة فريضة خير من كذا ويتبادر المعنى إلى ذهن السامع من غير
ملاحظة من فرضت عليه وهما آية الحقيقة ولفظ الفريضة وإن كان وصفا في الأصل فقد صار علما بالغلبة وليس
128

بل بتحتم إرادته لأنه المتبادر إلى الافهام الشايع في الاستعمال ومن هنا قال المصنف في الخ بعد جوابه بأن المراد من فاته
صلاة يجب إداؤها ولقائل أن يقول وجوب القضاء معلق على الوجوب مطلقا والتخصيص بوجوب الأداء لم يدل اللفظ
عليه وإخراج الصبي والمجنون بدليل خاص وهو قوله صلى الله عليه وآله رفع القلم عن ثلاثة لا يوجب اخراج غيرهما
وهو موافق لما ذكرناه مع تحقيق زيادة للمقام فيما قررناه وسيأتي في قضاء الصلوات إن شاء الله زيادة تحقيق
لهذا المحل وشواهد من الاخبار على وجوب القضاء غير هذه الرواية
وينقضه أي التيمم كل نواقض الطهارة الكبرى و
الصغرى ويزيد نواقض التيمم على نواقضها وجود الماء مع تمكنه من استعماله في الطهارة التي تيمم عنها بحيث لا يكون
له مانع حسي كما لو وجد الماء وله مانع من استعماله كمتغلب نزل على نهر فمنع من وروده أو كان في بئر ولا وصلة
له إليه أو كان الماء بيد من لا يبدله أصلا أو بعوض غير مقدور أو شرعي كما لو كان به مرض يخشى عليه من الماء
أو يخشى حدوث مرض وخرج بقيد استعماله في الطهارة التي تيمم عنها ما لو تمكن من استعماله في الوضوء وهو متيمم
عن الجنابة فإن تيممه لا ينتقض كما لا ينتقض في الصور المتقدمة لعدم التمكن وعدم صدق الوجدان ولو كان متيمما عن
الطهارتين فتمكن من أحديهما خاصة انتقض تيممها دون الأخرى وهل يشترط في انتقاضه مضى مقدار زمان الطهارة
متمكنا من فعلها أم ينتقض بمجرد وجود الماء مع التمكن من استعماله وإن لم يمض الزمان المذكور ظاهر عبارة الكتاب
وغيره وإطلاق الاخبار مثل قول الباقر عليه السلام ما لم يحدث أو يصب ماء الثاني ولأن توجه الخطاب إلى الطهارة المائية
ينافي بقاء التيمم ولعدم الجزم بالنية على هذا التقدير ويشهد للأول استحالة التكليف بعبادة في وقت لا يسعها
ويدل عليه حقيقة التمكن من فعلها للقطع بأنه لو علم من أول الامر أنه لا يتمكن من الاكمال لم ينتقض تيممه وتوجه الخطاب
إنما هو بحسب الظاهر فإذا تبين فوات شرطه انتفى ظاهرا وباطنا فيراعى الخطاب بفعل الطهارة المائية بمضي زمان
يسعها فإذا مضى تبين استقرار الوجوب ظاهرا وباطنا وإلا تبين العدم ومثله ما لو شرع المكلف في الصلاة أول
الوقت فإنه لا يعلم بقوله مكلفا إلى آخر الصلاة وكذا الشارع في الحج عام الاستطاعة فإنه يجوز تلف المال وعروض
الحصر والصد قبل الاكمال مع نية الوجوب مبنية على أصالة البقاء فإذا استمرت الشرائط كشف عن مطابقة
الفعل للواقع وإلا تبين عدم الوجوب وتظهر الفائدة فيما لو تلف الماء قبل إتمام الطهارة فالتيمم بحاله على الأول
دون الثاني وحيث كان وجود الماء مع التمكن من استعماله ناقضا للتيمم فإن وجده قبل دخوله في الصلاة انتقض
تيممه إجماعا وتطهر فلو أهمل ثم فقده بعد ذلك بحيث لو ابتدأ الطهارة لأكملها أعاد التيمم كما أسلفناه وإن وجده
وقد تلبس بالصلاة ولو بالتكبيرة أتم صلاته سواء ركع أم لا على المشهور لعموم قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم ولما
رواه محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام في المتيمم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال يمضى في الصلاة وقال
الشيخ في النهاية يرجع ما لم يركع لقول أبى عبد الله عليه السلام إن كان لم يركع انصرف وليتوضأ وإن كان قد ركع
فليمض في صلاته وقيل ما لم يركع للثانية وقيل ما لم يقرأ وشهرة الأول ترجح العمل به ورجح في المعتبر روايته
مع الشهرة بأن ابن حمران أشهر في العلم والعدالة وحيث قلنا لا يرجع فهو للتحريم للنهي عن إبطال العمل وتفرد المصنف
بجواز العدول إلى النقل جمعا بين صيانة الفريضة عن الابطال وأدائها بأكمل الطهارتين ورد بأنه في معنى الابطال
لان النافلة يجوز قطعها وجواز النقل في موضع لدليل كناسي الأذان والجمعة لا يقتضى الجواز مطلقا والقياس باطل
ولو خاف الوقت حرم قطعا فرع على القول باكمال الصلاة بالتيمم أما مطلقا أو لتجاوزه محل القطع فهل يعيد التيمم
129

لو فقد الماء بعد الصلاة قيل نعم لأنه متمكن عقلا من الماء ومنع الشرع من الابطال لا يخرجه عن التمكن فإنه صفة حقيقية
لا تتغير بالأمر الشرعي أو النهى وعدم فساده بالنسبة إلى الصلاة التي كان فيها للاذن في إتمامها حذرا من إبطال العمل أما غيرها
فلا مانع من بطلانه بالنسبة إليه وهو ضعيف لان الاذن في إتمامها يقتضى بقاء الإباحة فلا يجتمع الصحة والفساد في (عبادة صح) طهارة
واحدة والمنع الشرعي كاف في عدم النقض كالمرض فهو بمنزلة المنع الحسى بل أقوى ولأن التيمم لم ينتقض بوجود الماء فبعد
فقده أولى ولأن صحة أداء الصلاة يقتضى عدم ثبوت المنع من فعلها وهو أمر مشترك بين جميع الصلوات فعدم النقض أصح
ولا فرق في الصلاة بين الفرض والنقل
ويستباح به كلما يستباح بالطهارة المائية من صلاة وطواف واجبين أو ندبين
ودخول مسجد ولو كان الكعبة وقراءة عزيمة وغير ذلك من واجب ومستحب لقوله تعالى ولكن يريد ليطهركم وقوله صلى الله
عليه وآله وطهورا ويكفيك الصعيد عشر سنين ومنع فخر المحققين ولد المصنف من استباحة المساجد به للجنب لقوله تعالى
ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا حيث جعل غاية التحريم الغسل فلا يزول بالتيمم وكذا مس كتابة القرآن به
معللا بعدم فرق الأمة بينهما هنا ويلزمه تحريم الطواف للجنب أيضا بالتيمم لاستلزامه دخول المسجد وإن لم يصرح
به وهو ضعيف لمعارضته بقوله صلى الله عليه وآله لأبي ذر يكفيك الصعيد عشر سنين فإن اطلاقه يقتضى الاكتفاء
به في العبادات إذ لو أراد الاكتفاء به في الصلاة في البيت لوجب البيان حذرا من الاجمال في وقت الخطاب الموجب للاغراء
وبقول الصادق عليه السلام إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا وقوله عليه السلام التراب أحد الطهورين
ولأن إباحة الصلاة المشترطة بالطهارة الصغرى والكبرى أعظم من دخول المساجد فإباحتها يستلزم إباحته بطريق أولى
وذكر الغسل في الآية لكونه أصلا اختياريا وهو لا ينفى الاضطراري إذا دخل بدليل آخر واعلم أن هذه العبارة أيضا
أوفى مما في صدر الكتاب من قوله والتيمم يجب للصلاة والطواف إلخ وقد بيناه هناك ولا يعيد المتيمم تيمما مشروعا ما صلى
به لان امتثال المأمور به على وجهه يقتضى الاجزاء ولا فرق في ذلك بين متعمد الجنابة حال عجزه عن الغسل وغيره ولا
بين من منعه زحام الجمعة عن الخروج للطهارة المائية فتيمم وغيره لتحقق الامتثال في الجميع وما ورد خلاف ذلك ضعيف أو
معارض بما هو أشهر منه ويدخل في إطلاقه من صب الماء في الوقت ثم تيمم وصلى وفي حكمه نقله عن ملكه حيث يتم الملك
ومروره على نهر ونحوه وتمكنه من الشراء وقبول الهبة فلم يفعل وجنابته فيه عمدا إذا كان عنده ما يكفيه للوضوء
خاصة أو كان متطهرا وحدثه كذلك فلا يجب القضاء في جميع ذلك وقد صرح بعد القضاء في الأصل وهو إراقة الماء
في الوقت في التذكرة واختاره الشهيد رحمه الله لكونه مأمورا بالتيمم في آخر الوقت لعدم وجدانه الماء فيقتضى الاجزاء
وإن أساء قبل ذلك واختار في القواعد وجوب القضاء لمخاطبته بعد الوقت بفعل الصلاة بالطهارة المائية لأنه متمكن
منه فإذا تيمم وصلى بعد الإراقة لم يخرج من العهدة إذ لم يأت بالمأمور به على وجهه فيجب الإعادة وهذا إنما يتم إذا لم
يكن مأمورا بالتيمم والصلاة آخر الوقت أما مع الامر به فيتعين الاجزاء كما قلناه وحيث كان المأمور به الثاني بدلا
من المأمور به الأول سقط اعتبار الأول وإن أساء لاستحالة الامر بالبدل والمبدل معا مع ثبوت البدلية ومتى
قلنا بالإعادة فإنما يعيد ما أراق الماء في وقتها ولو كان في وقت مشترك أعاد صلاتيه معا والظاهر إن الصوم
كالصلاة في ذلك ولكن لم يصرحوا به واشتراطه بالطهارة يلحقه بها ولو اجتمع جنب ومحدث حدثا أصغر وميت
وعندهم من الماء ما يكفي أحدهم خاصة فإن كان الماء لأحدهم اختص به ولا يجوز له بذله لغيره مع تضيق وقت
مشروط بها عليه أو اتساعه وعدم رجاء غير هذا الماء لان الطهارة قد تعينت عليه وهو متمكن من الماء فلا يعدل
130

إلى التيمم والمخاطب بذلك في الميت وليه ولو كان الماء مباحا استوى الجبان وولى الميت في إثبات اليد عليه ولم يكف
إلا لواحد منهم أو مع مالك يسمح ببذله لأحدهم أو منذورا أو موصى به للأحوج فالمشهور أنه يخص الجنب بالماء المباح
والمبذول للأحوج ويتيمم المحدث وييمم الميت لصحيحة الحسن الأرمني عن الرضا (الصادق خ ل) عليه السلام في القوم يكونون في السفر فيموت
منهم ميت ومعهم جنب ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهم أيهم يبدأ به قال يغتسل الجنب ويترك الميت ويؤيدها
أنه متعبد بالغسل والميت قد خرج عن التكليف بالموت وقوة حدثه بالنسبة إلى المحدث قال في الذكرى وفيه إشارة
إلى عدم طهورية المستعمل وإلا لأمر بجمعه وفيه نظر لان جمعه لا يلزم منه أن يجتمع منه ما يكفي واحدا فإنه أعم من ذلك
ولا دلالة للعام على الخاص وجاز أن يعلم عليه السلام منه عدم اجتماع ما يرفع حدثا آخر اللهم إلا أن يستدل بترك
الاستفصال وفي رواية محمد بن علي عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام أن الميت أولى منه وعمل بمضمونها بعض
الأصحاب ويؤيدها إن غسل الميت خاتمة طهارته فينبغي إكمالها والجنب قد يستدرك مع وجود الماء وأيضا فالقصد
في غسل الميت التنظيف ولا يحصل بالتيمم وفي الحي الدخول في الصلاة وهو يحصل به والرواية الأولى أرجح لعمل
الأكثر واتصالها وإرسال الثانية وهذا الاختصاص المذكور في العبارة بالنسبة إلى المباح بالمعنى المذكور
المبذول على سبيل الاستحباب لاشتراك الواردين في تملكه باستوائهم في حيازته والفرض أن حصة كل واحد لا تفي
بحاجته فيستحب له بذلها للأحوج وهو الجنب مع عدم رجاء ما به يحصل الاكمال ولو خص غيره جاز وكذا القول في المال
الباذل ولو تغلب أحدهم على حيازته بعد استوائهم في الوصول إليه أثم وملك وبه جزم المصنف في التذكرة والمحقق في
المعتبر لان الوصول لا يفيد الملك لافتقار تملك المباحات إلى الحيازة مع النية ولم يحصل الشرطان إلا للمتغلب واستشكله
في الذكرى بإزالة أولوية غيره وهي في معنى الملك قال وهذا مطرد في كل أولوية كالتحجر والتعشيش ودخول الماء
وقد عرفت ما فيه ولو سبق أحدهم اختص ولا يجوز بذله لغيره كالمالك له ابتداء وأما المنذور والموصى به للأحوج
فإن الجنب يختص به على المشهور على وجه الاستحقاق لا الاستحباب ولو دفع لغيره لم يجز إن كان للحي قطعا وإن كان
للميت بني على أن غسله هل هو طهارة حقيقية وإن اشتملت على تنظيف أو هو تنظيف كما اختاره في المعتبر أو إزالة
نجاسة فعلى الأول يبطل الغسل ويتيمم الحيان ويتيمم الميت وعلى الآخرين يأثم المتولي مع علمه ويجزى ولو أمكن
الجمع بأن يتوضأ المحدث ويجمع ماء الوضوء ثم يغتسل الجنب الخالي بدنه عن نجاسة ثم يجمع ماءه ويغسل به الميت (؟)
لان المستعمل باق على حاله عندنا وقد يجب الجمع ولو لم يكف الماء إلا للمحدث بالأصغر خاصة فهو أولى لعدم المشاحة و
عدم تبعض الطهارة خصوصا مع إمكان تمام الإباحة بالنسبة إلى بعضهم ولو لم يكن جنب فالميت أولى لشدة حاجته
ولحديثه المرسل ولو جامعهم ماس ميت لم يتغير الحكم لان حدثه ضعيف بالنسبة إلى حدث الجنب ولو جامعهم حايض
أو نفساء فلا نص فيه لكن قيل يقدم الجنب لضعف حدثهما حيث أن انقطاع دمهما يبيح ما لا يستبيح الجنب بدون والغسل
وللاكتفاء بغسله في استباحة الصلاة وبه قطع الشهيد في الذكرى قال ولو قلنا بتوقف وطئ الزوج على الغسل
أمكن أوليتهما (أولويتهما من الجنب صح) على الجنب لقضائهما حق الله تعالى وحق الزوج وهذا التعليل إنما يتم في ذات الزوج الحاضر أو
في حكمها وكانت خالية أو كان غائبا عنها بحيث لا يحضر حتى تتمكن من الغسل غالبا قدم وكما يرجح الجنب عليهما
يرجح على المستحاضة بطريق أولى لضعف حدثها بالنسبة إليها وفي ترجيحها على المستحاضة وجه يظهر من المصنف في
النهاية اختياره وفي ترجيح الميت عليهن أو بالعكس وجهان وكذا في ترجيحهن على الماس والمحدث بالأصغر وإن كان
131

الترجيح أوجه لقوة حدثهن بالنسبة إليهما والظاهر تقديم الماس على المحدث ومزيل الخبث عن الحي مقدم على الجميع
لما تقدم من أن للماء في رفع الحدث بدلا دون الخبث ويجب تقييده بإمكان التراب وحكمه وإلا قدم رفع الحدث لقوة
شرطيته في العبادة ومزيل الخبث عن الميت أولى قال المصنف في النهاية قيل ومزيل الطيب عن المحرم أولى منهما العطشان
أولى من الجميع قطعا والمعصوم أولى مطلقا
ولو أحدث المجنب المتيمم أعاد بدلا من الغسل وإن كان الحدث أصغر لان
التيمم لا يرفع الحدث إجماعا وإنما يفيد الإباحة فإذا بطل بالحدث أعاده بدلا من الغسل لبطلان التيمم بالحدث
الطارئ وحدث الجنابة باق فلا حكم للحدث الأصغر وقال المرتضى لو وجد هذا المحدث ما يكفيه للوضوء توضأ
به لان حدثه الأول قد ارتفع بالتيمم وإلا لما جاز الدخول في الصلاة به رجاء ما يوجب الصغرى وقد وجد من الماء ما يكفيه
لها فيجب عليه استعماله ولا يجزيه تيممه فعلى هذا لو لم يجد ماء للوضوء تيمم بدلا منه وهو ضعيف للاجماع على عدم ارتفاع
حدثه الأول قال في الذكرى ويمكن أن يريد بارتفاع حدثه استباحة الصلاة وإن الجنابة لم تبق مانعة فلا ينسب إلى
مخالفة الاجماع وهذه الإرادة لا تدفع الضعف لان الاستباحة إذا لم تستلزم الرفع فبطلانها بالحدث يوجب تعلق
حكم الحدث الأول وقد روى محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليه السلام في رجل أجنب في سفر ومعه قدر ما يتوضأ
به قال يتيمم ولا يتوضأ ويجوز التيمم مع وجود الماء للجنازة لصحتها من دون الطهارة وللرواية وضعفها منجبر بالشهرة وادعى
الشيخ عليه إجماع الفرقة وشهادة الواحد به مقبولة فلا يقدح استشكال المحقق في المعتبر بعدم علمه بالاجماع
وضعف الرواية قال في المعتبر ولو قيل إذا فأجائته الجنازة وخشي فوتها مع الطهارة تيمم لها كان حسنا لان الطهارة
لما لم تكن شرطا وكان التيمم أحد الطهورين فمع خوف الفوت لا بأس بالتيمم لان حال المتيمم أقرب إلى شبهة المتطهرين
من المتخلي منه وفيه نظر لان مثل ذلك لا يسمى تعذرا لاستعمال الماء فإن كان حمل الرواية على ذلك كما هو ظاهر
سياق فالقول بها يوجب العمل بإطلاقها وإلا فمجرد المشابهة غير كاف في هذه الأحكام وهذا التيمم مغاير لغيره بوجهين
أحدهما جوازه مع وجود الماء والثاني عدم اشتراط نية البدلية على القول باشتراطها في غيره لجوازه مع القدرة
على البدل مع احتمال اشتراطها لجواز كونه بدلا اختياريا قيل ومثله تيمم المحدث للنوم ولا يدخل المتيمم به في غيرها
من الصلوات وما يشترط فيه الطهارة لان شرعية التيمم مع وجود الماء مقصور على مواضع مخصوصة على خلاف الأصل
فيقتصر به على موارده
النظر الخامس فيما به تحصل الطهارة بقسيمها أما الطهارة الترابية فقد بيناها
وإنما قدم الكلام في المطهر فيها مع أنه متأخر عن الكلام على الماء لأنه مطهر اختياري لا اضطراري لقلة مباحثه
فأدرجه مع الكلام عليها وأما الطهارة المائية فبالماء المطلق لا غير لتعليق التيمم في الآية على عدم وجدان الماء المطلق
فسقطت الواسطة ولقول الصادق عليه السلام وقد سئل عن الوضوء باللبن فقال إنما هو الماء والصعيد وإنما للحصر واختصاصه
بذلك من بين المايعات أما تعبدا أو اختصاصه بمزيد رقة وسرعة اتصال بالمحل وانفصال عنه وقول الصدوق بجواز
الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد استنادا إلى رواية ضعيفة السند شديدة الشذوذ مردود بسبق الاجماع له و
تأخره عنه ومثله حمل ابن أبي عقيل لها على الضرورة مطردا للحكم في المضاف وكذا إزالة النجاسة تكون
بالماء المطلق
دون المضاف فالانحصار المستفاد من مساواة المعطوف للمعطوف عليه بالنسبة إلى مطلق الماء لا بالنسبة إلى مطلق المزيل
لها لعدم انحصارها في الماء المطلق فإن باقي المطهرات العشر يشاركه في ذلك وأشار بذلك إلى خلاف المرتضى حيث جوز
رفع الخبث بالمضاف استنادا إلى إطلاق قوله تعالى وثيابك فطهر وقول النبي صلى الله عليه وآله في الخبر المستفيض
132

لا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ونحوه والمضاف يصدق عليه التطهير والغسل ويدفعه الاجماع المتقدم والمتأخر كما تقدم
والمعارضة بتخصيص الغسل بالماء في قول النبي صلى الله عليه وآله حتيه ثم اغسليه بالماء وقول الصادق عليه السلام إذا وجد الماء غسله
والمطلق يحمل على المقيد ولما انحصر رفع الحدث وإزالة الخبث في الماء المطلق فلا بد من تعريفه ليتميز
عن غيره من أقسام المياه وتمام معرفته يحصل بمعرفة قسيمه أعني المضاف أيضا فلذلك عرفه بقوله والماء المطلق ما يصدق
عليه إطلاق الاسم أي يصدق علية اسم الماء عند إطلاقه من غير قيد وهذا التعريف رسم ناقص لتعريفه بالخاصة من
دون ذكر الأعم وهذه الخاصة من علامات الحقيقة ولا يرد عليه ماء البئر والبحر ونحوهما مما يغلب عليه التقييد لان ذلك
غير مستحق له ولهذا لو أطلق عليه اسم الماء بدون القيد صح ويمكن كون التعريف لفظيا وهو إبدال لفظ بلفظ أشهر
منه في الاستعمال أو أوضح مثل الحنطة بر ويؤيده الاتيان بما وهي من الأدوات العامة التي لا تدخل التعريفات الصناعية
إذ المقصود منها كشف الحقيقة من غير نطر إلى الافراد والمضاف بخلافه لا يصدق عليه إطلاق الاسم إلا بقيد زائد على اسم الماء كماء
الورد ونحوه ويلزم من ذلك أنه لا يصدق عليه الماء حقيقة بل مجازا إذ من علامة المجاز عدم تناول الاسم عند الاطلاق وهو
أي المطلق والمضاف في الأصل أي في أصل خلقتهما قبل عروض نجاسة طارية لهما طاهران لان الأصل في الأشياء كلها
الطهارة إلا ما نص الشارع على نجاسته لأنها مخلوقة لمنافع العباد ولا يحصل الانتفاع أو لا تكمل إلا بطهارتها
فإذا أخرجا عن ذلك بأن لاقتهما نجاسة فأقسامهما أربعة ونسبة الأقسام إليهما مع أن القسم إنما هو أحدهما جايز باعتبار
كون غير المنقسم أحد الأقسام أو لكون المنقسم هو المجموع من حيث هو مجموع وذلك لا ينافي عدم انقسام بعض الافراد و
وانقسامهما إلى الأربعة باعتبار اختلاف الاحكام باختلافها والامر فيها ظاهر في غير البئر أما فيه فلا يتم على مذهب المصنف
من عدم نجاسته بالملاقاة فيلحق بالجاري فقد أخل الأقسام ومجرد وقوع الخلاف فيه إن كفى في جعله قسما (آخر صح) برأسه
لزم زيادة الأقسام على الأربعة لوقوع الخلاف في مياه الحياض والأواني في انفعالها بالملاقاة وإن كثرت فينبغي
جعلها قسما آخر ويمكن ترجيح البئر قسما وإن ساواه غيره جريا على ما ألفوه من أفراده بناء على ما اختاره
الأكثر حتى كاد يكون إجماعا من انفعاله بمجرد الملاقاة ولكثرة أحكامه وتشعب مسائله فناسب ذلك أفراده بالذكر
القسم الأول المضاف وهو ما لا يصدق إطلاق اسم الماء عليه إلا بقيد وإن كان في أصله مطلقا كالمتغير منه بطول
مكثه بحيث لا يصدق إطلاق اسم الماء عليه وكالمعتصر من الأجسام كماء الورد والماء المطلق في أصله الممتزج بها أي بالأجسام
مزجا يسلبه الاطلاق كالمرق التي ماؤها مطلق خرج عنه بمزجه بالأجسام ومثله المطلق الممتزج بما عصر من الأجسام
بل بأي صنف كان من أصناف المضاف بحيث خرج المطلق عن الاطلاق أما لو بقي المطلق الممتزج بالأجسام بعد المزج
على اطلاقه أو صار الجميع مطلقا في الممتزج بالمضاف لم يؤثر المزج بل يجوز استعمال الجميع فيما يتوقف على المطلق خلافا
لبعض العامة حيث أوجب إبقاء قدر المضاف وضعفه ظاهر لان الحكم تابع للاطلاق وهو موجود في الجميع وعلى هذا
لو توقف الطهارة على المزج وجب عينا من باب مقدمة الواجب المطلق الذي لا يتم إلا بالمزج خلافا للشيخ رحمه الله
حيث لم يوجبه وإن جوزه وهو مع ضعفه متناقض وهو أي المضاف ينجس بفتح العين وضمها كيعلم ويكرم فعين ماضيه
مضمومة ومكسورة بكل ما يقع فيه من النجاسة قليلا كان المضاف أو كثيرا وسواء غيرت النجاسة أحد أوصافه أم لا
لقصوره عن دفع النجاسة عن غيره فكذا عن نفسه كالقليل ولقوله صلى الله عليه وآله حين سئل عن فارة وقعت في
سمن إن كان مايعا فلا تقربوه وترك الاستفصال دليل العموم وللإجماع القسم الثاني الجاري من الماء المطلق
133

والمراد به النابع غير البئر سواء جرى أم لا وإطلاق اسم الجاري عليه أما حقيقة عرفية أو تغليب لبعض أفراده على الجميع وأما
الجاري غير النابع فهو من أقسام الواقف وسيأتي
ولا ينجس الجاري إلا بتغير أحد أوصافه الثلاثة لونه أو طعمه أو ريحه
لا مطلق الصفات كالحرارة ونحوها بالنجاسة متعلق بالمصدر وهو تغير ويستفاد من الاستثناء من المنفى المقتضى لحصر
الحكم في المثبت أنه لو تغير في أحد أوصافه بالمتنجس لا بالنجاسة لم ينجس كما لو وضع فيه دبس نجس فغير طعمه بحيث لو انفردت
النجاسة المنجسة للدبس عنه ووضعت في الجاري لم تغيره والمراد برائحة الماء سلامته من رائحة مكتسبة سواء كان له
رائحة في أصله أم لا وكذا القول في قسيميها والمعتبر في التغيير بالنجاسة ما كان بواسطة ملاقاتها فلا ينجس بالتغير الحاصل
من المجاورة ومرور الرائحة على الماء كالجيفة الملقاة على جانب الشط فيتغير بها وهل المعتبر في التغير الحسى أو التقديري ظاهر
المذهب الأول وهو اختيار الشهيد رحمه الله واختار المصنف الثاني فلو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات في الجاري والكثير
وهو باق على طهارته على الأول لدوران النجاسة مع تغير أحد الأوصاف الثلاثة والتغير حقيقة هو الحسى ولم يحصل
والمصنف يقدرها على أوصاف مخالفة كالحكومة في الحر فإن كان الماء يتغير بها على ذلك التقدير حكم بنجاسته وإلا فهو باق
على طهارته واحتج على ذلك بأن التغير الذي هو مناط النجاسة دائر مع الأوصاف فإذا فقدت وجب تقديرها وهو عين
المتنازع واحتج له بأن عدم وجوب التقدير يفضى إلى جواز الاستعمال وإن زادت النجاسة على الماء أضعافا وهو كالمعلوم
البطلان وضعفه ظاهر فإنه مجرد استبعاد ولا ريب إن مختار المصنف أحوط إن لم يتوقف عليه عبادة مشروطة بالطهارة
أو بإزالة النجاسة وإلا لم يتم الاحتياط وعليه يمكن تقدير المخالفة على وجه أشد كحدة الخل وذكا المسك وسواد
الحبر لمناسبته النجاسة تغليظ الحكم وهو الظاهر من كلامه في النهاية واعتبار الوسط بناء على الأغلب وهل يغير أوصاف
الماء وسطا لاختلافها في قبول التغير وعدمه كالعذوبة والملوحة والرقة والغلظة والصفا والكدورة فيه احتمال
وما اختاره الشهيد رحمه الله أوضح فتوى وأسلم من تقدير ما ليس بموجود وترتب الحكم عليه واعلم أنه يستفاد من الحصر
المذكور عدم اشتراط الكرية في الجاري كما هو المشهور بين الأصحاب بل قال في الذكرى لم أقف فيه على مخالف ممن سلف
وحجتهم الاخبار عن أهل البيت عليهم السلام برفع البأس عن ملاقاته للنجاسة من غير تقييد بالكرية كقول الصادق
عليه السلام لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري ولأنه قاهر للنجاسة غالب عليها لعدم استقرارها ولأن تعليق
الحكم على الوصف يشعر بالعلية ولأن الأصل الطهارة فتستصحب حتى تظهر دلالة تنافيه وذهب المصنف رحمه الله في
سائر كتبه إلى اشتراطها فيه فلو كان دون الكر نجس كالواقف بمجرد ملاقاة النجاسة له مع تساوى سطوحه
ومع اختلافها ما تحت النجاسة دون ما فوقها محتجا بعموم الأدلة الدالة على اعتبار الكرية ولا معارض له فيجب التمسك
به وأجيب بتعارض العمومين والترجيح في جانب الشهرة لما ذكر فيخص اعتبار الكرية بغير النابع أقول في حجة المشهور
نظر إذ لا دلالة في نفى البأس عن البول في الجاري على عدم انفعال القليل منه بالنجاسة بإحدى الدلالات والاستدلال
بعمومه لو سلم فإنما يدل على جواز تنجيسه مع قلته وهو غير المتنازع ولمعارضته بقول علي عليه السلام نهى أن يبول
الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة فقد تساوى الماءان في النهى ومن ثم حكموا بكراهة البول فيهما ولا يرد أن النجاسة
بأس فنفيه يقتضى نفيها لان المراد بالبأس في هذا ونظائره الحرام فإن البأس لغة هو العذاب وهو مسبب عن التحريم
فأطلق اسمه على السبب إذ لا يصلح هنا غير ذلك من معاتب لغة وقهره للنجاسة وغلبته عليها لا يصلح دليلا شرعيا
مع معارضته بماء البئر عندهم وخروجه بنص خاص عين المدعى هنا إذ لا معارض لدليل اشتراط الكرية في عدم
134

الانفعال بالملاقاة وتعليق الحكم بالوصف الذي هو الجريان ليس هو الحكم المتنازع لعدم دلالة الحديث عليه وما دل عليه
لا تنازع فيه هذا مع تسليم العمل بالعلية المدعاة والأصل المذكور قد عدل عنه للدليل الدال على انفعال ما دون الكر
بالخبث وقد بالغ الشيخ على رحمه الله فادعى الاجماع على عدم اشتراط الكرية بناء على أن المخالف معلوم النسب ولم
يذكر ذلك غيره وإنما قال الشهيد رحمه الله لا أعلم مخالفا وعدم العلم لا يدل على العدم مع أن عدم علمه به غريب وقد
أسلفنا في باب الحيض ما يدل على عدم صحة هذه الدعوى مع أنه يمكن معارضة هذا الاجماع لان المخالف المعلو النسب
وإن كان مائة لا حجة في قوله ونحن لو حاولنا معرفة من قال بعدم الاشتراط لم نقدر على عشرة مع أن جماعة من المتأخرين
غير المصنف رحمه الله وافقوه على مقالته ولا شك أن للشهرة ترجيحا إلا أن الدليل على مدعاها غير قائم ولعله أرجح منها
وعلى القولين لا فرق في الجاري بين دائم النبع صيفا وشتاء وبين المنقطع أحيانا لاشتراكهما في اسم النابع والجاري
حقيقة (فكل ما صح) فكما دل على أحدهما دل عليهما إذ الدليل محصور فيما ذكر وفرق الشهيد في الدروس بين دائم النبع وغيره فلم
يشترط الكرية في الأول وشرطها في الثاني فعنده الشرط في الجاري أحد الامرين أما الكرية أو دوام النبع وتبعه
الشيخ جمال الدين بن فهد في الموجز ونحن نطالبهما بدليل شرعي على ذلك فإن تغير بعض الجاري نجس المتغير خاصة
دون ما فوقه وما تحته وما حاذاه إلا أن ينقص ما تحته عن الكر ويستوعب التغير عمود الماء وهو خط مما بين حافيته
عرضا وعمقا فينجس ما تحت المتغير أيضا لتحقق الانفصال وعلى القول باشتراط الكرية أو كان الجاري لا عن مادة ولاقته
نجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقا ولا ما تحتها إن كان جميعه كرا إلا مع تغير بعض الكر فينجس الأسفل أو استيعاب التغير
ما بين الحافتين فيشترط في طهارة الأسفل كريته كذا فصله جماعة من المتأخرين واعلم أن في هذا المقام بحثا
وفي كلام القوم في هذا التفصيل اضطرابا وتحرير المقام إن النصوص الدالة على اعتبار الكثرة مثل قوله عليه السلام
إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ وكلام أكثر الأصحاب ليس فيه تقييد الكر المجتمع بكون سطوحه مستوية بل هو أعم
منه ومن المختلف كيف اتفق وقد ذكر المصنف في كتبه وغيره في عدة مسائل كهذه المسألة ومسألة الغديرين الموصول
بينهما بساقية ومسألة القليل الواقف إذا اتصل بالجاري فإنه حكم باتحاد حكم الغديرين مع الساقية فمتى
كان المجموع كرا لم ينفعل بالملاقاة ومثله في القليل المتصل بالجاري ومقتضى هذا الاطلاق الموجود في النص و
الفتوى إن كلا من العالي والسافل يتقوى بالآخر وتفصيلهم هذا الذي حكيناه في أول المسألة صريح فيه
فإنهم حكموا فيه بأنه متى كان المجموع كرا ولم يتغير بعضه لم ينجس وكذا لو قطعت النجاسة عمود الماء مع كون الأسفل
كرا فلو تقوى الأعلى بالأسفل لزم نجاسة الأعلى من الأسفل متى نقص عن كر مطلقا وقد قيد هذا الاطلاق جماعة
من المتأخرين كالشهيد والشيخ علي رحمهم الله فذكروا في مسألة الغديرين والقليل المتصل بالجاري إن الاتحاد
لا يحصل بينهما إلا مع تساوى السطوح أو علو الغدير الكثير والجاري على القليل فلو انعكس الفرض بأن كان الغدير
القليل أعلى نجس بالملاقاة وكذا الواقف المتصل بالجاري بناء منهم على أن الأعلى لا يتقوى بالأسفل مع أنهم وافقوا
في مسألة الكتاب على التفصيل المتقدم المستلزم لتقوية كل منهما للاخر وإطلاق النص يدل عليه ويلزمهم من
عدم تقوية الأسفل أن ينجس كل ما كان تحت النجاسة من الماء المنحدر وإن كثر جدا وهو غير موافق للحكمة ولا يدل
عليه دليل بل يلزم على هذا نجاسة الجاري على القول باشتراط كريته مع عدم تساوى سطوحه في كل ما سفل
منه عن النجاسة وإن كان نهرا عظيما ما لم يكن فوقه (نوقها خ ل) منه كر وهذا كله مستبعد جدا بل باطل وبالجملة فكلام
135

المتأخرين في المسألة متناقض إلى أن يبدو لنا الفرق بين المقامين وأنى لهم به مع اتحاد موضوع المسألتين والذي
يظهر في المسألة ودل عليه إطلاق النص إن الماء متى كان قدر كر متصلا ثم عرضت له النجاسة لم تؤثر فيه إلا مع
التغير سواء كان متساوي السطوح أم مختلفها وإن كان أقل من كر نجس بالملاقاة مع تساوى سطوحه وإلا الأسفل
خاصة ثم إن اتصل بالكثير بعد الحكم بنجاسته اعتبر في الحكم بطهره مساواة سطوحه لسطوح الكثير أو علو
الكثير عليه فلو كان النجس أعلى لم يطهر والفرق بين الموضعين إن المتنجس يشترط ورود المطهر عليه ولا يكفي وروده على المطهر
خلافا للمرتضى كما سيأتي فإذا كان سطحه أعلى من سطح الكثير لم يكن الكثير واردا عليه ولكن يشكل على هذا الحكم مع تساوى
السطوح إذ لا يتحقق ورود الطاهر حينئذ مع اتفاق كلامهم على طهر المتنجس حينئذ ويمكن حله بأن جماعة من الأصحاب منهم المصنف
رحمهم الله في التذكرة والشهيد في الذكرى شرطوا في طهر النجس في هذه الحالة امتزاج الطاهر به ولم يكتفوا بمجرد المماسة
وهذا الشرط في الحقيقة يرجع إلى علو الجاري إذ لا يتحقق الامتزاج بدونه وحينئذ يتحقق الشرط وهو ورود الطاهر على
النجس ويزول الاشكال وهذا الشرط حسن في موضعه مع احتمال عدم اشتراط شئ من ذلك بل الاكتفاء بمجرد اجتماع
الكر لصدق الوحدة الموجبة للكثرة الدافعة للنجاسة خصوصا لو ثبت قوله صلى الله عليه وآله إذا بلغ الماء كرا لم يحمل
خبثا وإطلاق جماعة من الأصحاب يدل عليه لكن العمل على ما ذكرناه أقوى لعدم ثبوت الخبر وإنما الخبر الذي ورد
صحيحا ما أسلفناه من قوله عليه السلام إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله وحينئذ لا يدل
اجتماع الماء قدر كر إلا على عدم قبوله للنجاسة الطارية لا على رفعه للسابقة نعم يلزم ذلك لمثل الشيخ علي رحمه الله
حيث عمل بمضمون الخبر وحكم بطهر النجس إذا بلغ كرا وإن كان في هذه المسألة قد أنكر الطهارة وتقوية الأسفل للأعلى
وأقوى ما يحتج به على ذلك إن الأسفل والأعلى لو اتحدا في الحكم لزم تنجسهما بالملاقاة مع القلة فيلزم تنجس
كل ماء أعلى متصل بماء أسفل مع القلة وهو معلوم البطلان وحيث لم ينجس بنجاسته لم يطهر بطهره وهو الجزء الممتزج من
أسفله بالكثير مثلا وهذه حجة متينة لكن يجاب عنها من حيث المعارضة والحل أما الأول فلموافقتهم في مسألة
الجاري لا عن مادة على عدم نجاسة المجموع إذا كان كرا وأصابته نجاسة غير مغيرة (أو كانت مغيرة صح) ولم يقطع عمود الماء وكان الباقي
من الأعلى والأسفل كرا أو قطع عمود الماء مع كون الأسفل كرا وفي كل هذه الصور يتقوى الأعلى بالأسفل وإلا
لزم الحكم بنجاسته وبيان ذلك إن الجزء من الماء المتصل بالنجاسة أو المساوي لها في السطح ينجس بها لمماسته لها
مع عدم الكثرة المتصلة به من أعلى كما هو المفروض ثم ذلك الجزء يماس جزءا آخر وهلم جزءا إلى آخر الأسفل فلو لم يتقو
الأعلى بالأسفل لزم نجاسة جميع ما جاوز النجاسة إلى المنتهى السفلى وإن كان كثيرا مع حكمهم بعدم نجاسته وأما
الثاني فلانا نمنع من استلزام ذلك نجاسة الأعلى فإنا لم نحكم عليه بالطهارة لمجرد التقوية أو الاتصال بل لدخوله
في عموم الخبر أو إطلاقه فإنه يصدق عليه أنه كر فلا ينجسه شئ بخلاف ما نقص عنه وأما عدم نجاسة الأعلى على
تقدير القلة فالاجماع منعقد على أن النجاسة لا تسرى إلى الأعلى مطلقا ولا خصوصية لذلك بالماء ولا بغيره
بل يأتي في المايعات التي لا يقوى بعضها بعضا مطلقا لعدم تعقل سريان النجاسة إلى الأعلى مع كون حركته إلى
جهة النجاسة ولو كان كذلك لما أمكن الحكم بطهر شئ بالقليل لأنه عند صب الماء واتصاله بالنجس ينجس الماء
في الآنية المصبوب منها وتنجس الآنية وذلك كله خلاف الاجماع وجملة الجواب يرجع إلى أن تقوى الأعلى بالأسفل
على تقدير الكثرة إنما هو بالنص لا بالاستنباط ولا يرد النقض باستلزامه نجاسة الأعلى حينئذ ويتفرع على ما
136

ذكرناه من التفصيل مسائل منها الجاري غير النابع عند الجماعة ومنها الجاري وإن كان نابعا عند المصنف ومن تبعه
على اشتراط كريته وقد علم حكمها ومنها الغدير ان إذا لم يكن كل منهما كرا ووصل بينهما قبل ملاقاة النجاسة لهما
فإنهما لا يقبلان النجاسة حينئذ إلا بالتغيير ولو لاقتهما أو أحدهما النجاسة قبل الاتصال لم ينفعهما ومنها مادة الحمام
وسيأتي الكلام فيها إن شاء الله ومنها القليل الواقف المتصل بالجاري عندهم أو بالكثير عند المصنف فإنه لا ينجس
ولو نجس قبل الاتصال لم يطهر به ما لم يعلو عليه الكثير ومن هذا الباب ماء المطر الجاري في الطرق ثم يتصل
بالكثير أو يصير كثيرا قبل ملاقاة النجاسة له فلو أصابته النجاسة بعد انقطاع المطر فإن كان بعد كثرته أو وصوله
إلى الكثير لم ينجس بدون التغير وإن كان قبله نجس وإن اتصل بعد ذلك وعلى ما اختاره المتأخرون ينجس على التقديرين
ومنه ما لو صب الماء من آنية إلى الكثير فإنه إن كان نجسا لا يطهر منه ما فوق الكثير ولا الآنية وإن كان
طاهرا و
أصابته نجاسة غير مغيرة بعد وصول أوله إلى الكثير واتصاله لم ينجس وعندهم ينجس على الحالين وعلى ما يظهر
من إطلاق النص وفتوى المصنف وغيره يلزم طهارة الماء النجس عند صب بعضه في الكثير بحيث يطهر الاناء المماس للماء
النجس وما فيه من الماء عند وصول أوله إلى الكثير وهو بعيد بل هو على طرف النقيض لتفصيل المتأخرين والمسألة
من المشكلات ولم نقف فيها على ما يزيل عنها الالتباس السابق والله أعلم بحقائق احكامه
ويطهر المتغير من الجاري
بتدافع الماء الطاهر عليه حتى يزول التغير وإن كان التدافع بقصد ذلك بل لو زال تغيره من نفسه بغير تدافع طهر
لان زوال التغير كاف في طهارته لقوته بالنبع نبأ على عدم اشتراط كريته وماء الحمام وهو في حياضه الصغار
مما لا يبلغ الكر إذا كانت له مادة حاصلة من كر فصاعدا مع عدم تساوى سطوح الماء أما معها (معه خ ل) فيكفي بلوغ المجموع
كرا وماء الغيث حال تقاطره كالجاري خبر المسألتين أما الأول فمستنده النص عن الصادق عليه السلام أنه بمنزلة
النهر وعن الباقر عليه السلام لا بأس به إذا كان له مادة واشتراط كونها كرا فصاعدا هو أشهر القولين وأحوطهما
حملا للمطلق على المقيد ولانفعال ما دون الكر بالملاقاة ولا يدفع النجاسة عن غيره وقال المحقق في المعتبر لا يشترط
لاطلاق الرواية بالمادة والآتيان بها منكرة مع عموم البلوى بالحمام وأجيب بأنها مقيدة بالكر جمعا بين النصين و
ترجيحا للشهرة هذا مع عدم كون ماء الحمام صادرا عن الجاري (وإلا فله حكمه صح) تنبيهات الأول إنما تتحقق كرية المادة
قبل اتصالها بالحوض لان ذلك هو المتعارف وحينئذ فالمعتبر كريتها بعد ملاقاة النجاسة للحوض مثلا وذلك يقتضى
زيادتها عن كر قبل ذلك ليتحقق عدم انفعال الماء حال ملاقاة النجاسة إذ المعتبر كرية المادة بعد الملاقاة
ويشكل الفرق حينئذ بين هذه المسألة وبين مسألة الغديرين المتصلين فان المصنف وغيره قد حكموا باتحادهما على
الوجه المتقدم فلو اعتبر هنا كرية المادة من دون الحوض لزم كون حكم الحمام أغلظ من غيره والحال يقتضى العكس
كما اختاره المحقق وأجيب عن ذلك بحمل اتصال الغديرين بالساقية على كونها في أرض منحدرة لا نازلة من ميزاب
ونحوه كمادة الحمام وإلا لم يحكم باتحادهما لئلا يلزم مثله في الحمام بطريق أولى وهذا الجمع لا يخلو من وجه إلا أن فيه
تقييدا لمطلق النص من غير دليل بين ولو قيل بالاكتفاء في الموضعين بمطلق الاتصال أمكن خصوصا الحمام وحينئذ
فيعتبر كون المجموع من المادة والحوض كرا فلا ينفعل بالنجاسة بعد ذلك إلا بالتغير الثاني حيث اشترطنا
كرية المادة فقال المصنف وجماعة لا فرق بين الحمام وغيره لحصول الكرية الدافعة للنجاسة وتوقف المصنف في المنتهى
وجزم ولده فخر الدين بالفرق والحق أنا إن اعتبرنا كرية المادة منفصلة عن الحوض كما يقتضيه اطلاقهم واكتفينا
137

بمطلق الاتصال وإن كان من ميزاب أو كانت المادة متصلة بالحوض بالجريان على أرض منحدرة كما مر فلا فرق بينه
وبين غيره وإلا فالفرق واضح واختصاصه بالرخصة بين ولكن جزم الجماعة بعدم الفرق ومنهم المصنف والشهيد رحمهم
الله يقتضى عدم اعتبار تلك الشروط في الاتصال لان الغالب على ماء الحمام النزول من ميزاب ونحوه الثالث
هذا البحث كله إنما هو في عدم انفعال ماء الحوض بمجرد الملاقاة أما لو فرضت نجاسته فهل يطهر بمجرد وصول
المادة إليه أو لا بد من استيلائها عليه صرح المصنف في النهاية بالثاني وهو اختيار الشهيد رحمه الله في مطلق تطهير الماء
النجس بالكثير أو بالكر والظاهر من كلام المصنف في مواضع الأول فإنه يكتفى بمجرد الاتصال في مسألة الوصل بين الغديرين
ونحوهما وهو أجود للأصل وعدم تحقق الامتزاج لأنه إن أريد به امتزاج مجموع الاجزاء لم يتحقق الحكم بالطهارة
لعدم العلم بذلك بل ربما علم عدمه وإن أريد به البعض لم يكن المطهر للبعض الاخر الامتزاج بل مجرد الاتصال
فيلزم أما القول بعدم طهارته أو القول بالاكتفاء بمجرد الاتصال ولأن الاجزاء الملاقية للطاهر تطهر بمجرد الاتصال
قطعا فتطهر الاجزاء التي تليها لاتصالها بالكثير الطاهر وكذا القول في بقية الاجزاء ولأن اتصال القليل بالبالغ
قبل النجاسة كاف في دفع النجاسة وعدم قبولها وإن لم يمتزج به فكذا بعدها لان عدم قبول النجاسة إنما هو بصيرورة
المائين ماء واحدا بالاتصال وهو بعينه قائم في المتنازع لان الوحدة والتقوى لو توقفا على الامتزاج لتوقفا
في الأول لكن لا بد هنا من كون المادة كرا بدون ما في الحوض وكذا القول في نظائر هذه المسألة ومنه ما لو غمس
الكوز بمائه النجس في الكثير الطاهر فإنه يطهر بمجرد المماسة ولا فرق بين واسع الرأس وضيقه الرابع اعتبار
كرية المادة المذكورة تحقيقي لا تقريبي كما في نظائرها من المياه الكثيرة فلو شك في بلوغها الكر بنى على الأصل
وهو عدم البلوغ ويقوم مقام الاعتبار شهادة عدلين بذلك وهل يكفي الواحد يحتمله فيجعل من باب الاخبار
لا الشهادة وبه قطع المحقق الشيخ على ويقرب لو كان له يد على الحمام كالمالك والمستأجر والوكيل وعدمه لعدم
إفادة قوله العلم ولا الظن الشرعي ويمكن قبول قول ذي اليد على الحمام مطلقا كما هو المنقول عن ولد المصنف لكن ذلك يتطرق
إلى قبول قول ذي اليد على الماء مطلقا في كثرته كما يقبل قوله في طهارته ونجاسته اللهم إلا أن يفرق بين الحمام و
غيره بعموم البلوى به كما ذكره المحقق في المادة لكن ذلك لا يتم إلا مع النص لا الاستنباط فإن عموم البلوى ليس دليلا
شرعيا برأسه بل يصلح معللا للنص الخارج عن الأصل وأما الثاني وهو إلحاق ماء المطر حال تقاطره بالجاري
فمستنده ما رواه هشام بن الحكم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام في ميزابين سألا أحدهما بول والاخر ماء المطر
فاختلطا فأصاب ثوب الرجل لم يضر ذلك وفي حديث آخر عنه عليه السلام لو أن ميزابين سألا أحدهما ميزاب بول والاخر
ميزاب ماء فاختلطا ثم أصابك ما كان به بأس وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في البيت يبال على
ظهره ويغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر أيؤخذ من مائه ويتوضأ للصلاة فقال إذا جرى فلا بأس وفي حديث
مرسل
عنه عليه السلام كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر فالنص المعتبر على ما رأيت ورد في النازل منه من ميزاب فلذلك خصه
به الشيخ وعمم باقي الأصحاب واستند بعضهم فيه إلى الحديث المرسل وهو ليس بحجة وحمل المصنف في المنتهى الجريان
في حديث علي بن جعفر على النزول من السماء وهو بعيد فإن إصابة المطر في التوال صريح في النزول فيعرى الاشتراط
عن الفائدة وعلى كل حال فلا بد في الحكم بإلحاقه بالجاري من كونه متقاطرا أما لو استقر على وجه الأرض وانقطع
التقاطر ثم لاقته نجاسة لحق بالواقف في اعتبار الكرية ويمكن حمل الجريان في الخبر على ذلك فيتم حمل المصنف على
138

معنى إن إصابة المطر للبول الكائن على ظهر البيت إن كانت في حال جريانه من السماء طهرته وإن كانت بعد وصوله
إلى مكان آخر ثم انتقاله إليه بعد انقطاع التقاطر لم يطهر البول واعلم إنا متى لم نعتبر الميزاب كما هو مذهب أكثر
الأصحاب فلا بد من فضل قوة للمطر بحيث يصدق عليه اسمه فلا يعتد بنحو القطرات اليسرة وكان بعض من عاصرناه
من السادة الفضلاء يكتفى في تطهير الماء النجس بوقوع قطرة واحدة عليه وليس ببعيد وإن كان العمل على خلافه
وأما الأرض النجسة وشبهها فلا بد من استيعاب المطر لما نجس منها كما يطهرها الجاري واعلم أيضا أن المصنف رحمه الله
حكم هنا بأن ماء المطر كالجاري مع أن ظاهره عدم اعتبار كرية الجاري فلا يتوجه على ظاهر كلامه مؤاخذة لكنه عبر
بذلك في باقي كتبه التي اختار فيها اشتراط كرية الجاري فألزمه شيخنا الشهيد رحمه الله بالقول باشتراط كرية
ماء المطر لجعله كالجاري مع اشتراطها فيه قال إلا أن يحمل على الجاري حال كريته فيرد عليه سؤال الفرق بين
اشتراط الكرية في الجاري دون ماء المطر ويمكن الفرق بينهما بعدم وجود نص صالح على عدم انفعال القليل الجاري
بمجرد الملاقاة إلا نفى البأس عن البول في مطلق الجاري وقد بينا أنه لا يدل على عدم الانفعال بخلاف ماء المطر
فإن حكمه عليه السلام بجواز الغسل به وتعليقه على الجريان يدل على طهارته بذلك للاجماع على عدم جواز الاغتسال
بالماء النجس ونحوه القول في الميزابين فيكون ذلك مقيد الماء أطلق من عدم انفعال الماء المطلق إذا بلغ كرا فيتم الفرق
القسم الثالث الماء الواقف وهو ما ليس بنابع كمياه الحياض والأواني وفي تصديرهما بالمثال مبالغة في
الرد على المفيد وسلار حيث لم يفرقا فيهما بين القليل والكثير بل حكما بانفعالهما بالنجاسة مطلقا استنادا إلى
إطلاق النهى عن استعمالهما مع ملاقاة النجاسة وحمله على الغالب من عدم بلوغهما حد الكثرة طريق الجمع بينه وبين
غيره مما دل على عدم انفعال الكثير بالملاقاة ومياه الغدران جمع غدير وهو القطعة من الماء يغادرها السيل أي يتركها
وهو فعيل بمعنى مفعول من غادره أو بمعنى فاعل لأنه يغدر بأهله أي ينقطع عند شدة الحاجة إليه
وحكم هده المياه
بجميع أقسامها أنه إن كان قدرها كرا وله تقديران أحدهما الوزن وأشهر الأقوال فيه هو أنه ألف ومائتا رطل
لمرسلة ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام وفسرها المصنف تبعا للشيخين بالعراقي أما لان المرسل عراقي فأفتاه عليه السلام
المغته وعادة بلده لوجوب كون الخطاب من الحكيم متواضعا (مما يتعارف عليه صح) عليه جاريا على الحقيقة إلى أن يدل دليل على إرادة المعنى
المجازى منه حذرا من الاغراء بالجهل وذلك يقتضى وجوب رعاية ما يفهمه السائل ويتعارفه أو لتأيده بصحيحه محمد بن
مسلم عنه عليه السلام الكر ست مائة رطل بالجمل على رطل مكة وهو رطلان بالعراقي أو لمناسبة الحمل عليها لرواية
الأشبال إذ من المستبعد تحديد مقدار الشئ الواحد بأمرين متفاوتين أو لأصالة طهارة الماء خرج منه ما نقص
من الأرطال العراقية بالاجماع فيبقى الباقي على الأصل وفسرها المرتضى تبعا لابن بابويه بالمدني وهو مائة وخمسة
وتسعون درهما قدر رطل عراقي ونصف للاحتياط أو لان الغالب كونهم عليهم السلام ببلدهم فيجيبون (فيفتون خ ل) باردا إليه
أقول وإن كان القول الأول هو المشهور بين الأصحاب فإن لنا في استدلاله كلاما من وجوه الأول حمل الأرطال
على بلد المرسل وهو ابن أبي عمير بناء على أن الامام لا يخاطبه إلا بما يفهمه ويتعارفه ففيه أنه رحمه الله ليس هو
الراوي عن الامام وإنما روى عن بعض أصحابنا كما حكاه في الكافي والتهذيب وأصحابنا غير منحصرين في أهل العراق
وإن أمكن أن يكون هذا القول من ابن أبي عمير ولا دلالة فيها أيضا لان الصاحب أعم من أن يكون من أهل البلد وغيره بل
الظاهر أن المراد به في هذا المقام الموافق في المذهب مطلقا ولا دلالة للعام على بعض افراده على الخصوص الثاني
139

الاستدلال برواية محمد بن مسلم على المراد بحملها على أرطال مكة وفيه عدم القرينة الدالة من جهة الراوي ولا
المروى عنه وحملها على المكية ليوافق العراقية ليس أولى من حملها على المدني ليوافق رواية الأشبار الثلاثة بناء
على أن الألف والمأتين العراقية توافق رواية الأشبار بإضافة النصف كما ذكره جماعة منهم الشهيد رحمه الله في الذكرى
مضافا إلى ما تقدم من أنهم عليهم السلام يفتون بمتعارف بلدهم الثالث دعوى مناسبتها لرواية الأشبار
استبعادا لتحديد الشئ الواحد بأمرين مختلفين وفيه أن أكثر الأصحاب أفتوا في الأشبار بثلاثة ونصف في الابعاد
الثلاثة وصرحوا بأن حمل الأرطال على العراقي تناسب ذلك وممن صرح بذلك الشهيد في الذكرى حيث أفتى بزيادة
النصف في الأشبار واستند في التقدير بالعراقي إلى مقاربته للأشبار والمصنف في المخ اختار مذهب ابن بابويه
في اسقاط النصف في الأشبار واستشهد أيضا للرطل العراقي بمناسبته للأشبار وأنت خبير بأن التفاوت بين قولي
الأشبار نحو الثلث فالتحديد بالمختلفين للشئ الواحد الذي فر منه المصنف هو واقع على أحد القولين فإن ما بين
قوليه في الأشبار من البعد قريب مما بين المدني والعراقي منه فأي قدر من الأشبار قارب العراقي بعد عن الاخر ويمكن
الجواب بأن حملها على العراقي يقارب روايتي الأشبار معا وإن اختلفتا أكثر من مقاربة المدني لهما لزيادته فيبعد
عن رواية الثلاثة أكثر من العراقي قطعا وحيث انحصر تقدير المساحة في الثلاثة أو الثلاثة ونصف كان ما بعد عنهما
أبعد عن الصواب المحتمل تعلقه بكل واحدة منهما التقدير الثاني المساحة وللأصحاب في كميتها أقوال اختار المصنف
منها أشهرها بقوله أو ما حواه ثلاثة أشبار ونصف طولا في عرض في عمق بان يضرب أحدها في الاخر ثم المجتمع في
الثالث يبلغ الجميع مكسرا اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبر معتبرة بشبر مستوى الخلقة ترجيحا للغالب
المتعارف فما حواه هذا القدر من الماء هو الكر ولا اعتبار بالمحل بل يقدر مائه فما اختلفت أبعاده يعتبر مكسرها (ه خ ل)
فإن بلغ ذلك كان كرا وإلا فلا ومستنده رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف
في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه من الأرض فذلك الكر من الماء وفي طريق هذه الرواية عثمن بن عيسى وهو
واقفي ولعل ضعفها به منجبر بالشهرة مع أن المصنف لم يجزم برد روايته بل توقف فيها في كتب الرجال والمراد بالتقدير
ضرب الحساب لدلالة في عليه ولأنه يلزمه ذلك فيبلغ تكسيرها (ه خ ل) ما تقدم وقال الشيخ قطب الدين الراوندي ليس ذلك
على سبيل الضرب بل ما بلغت أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصفا فهو كر وهو شاذ لا وجه له وهو يقرب تارة
من المشهور ويبعد عنه أخرى وأبعد فروضه عنه ما لو كان كل واحد من عرضه وعمقه شبرا وطوله عشرة ونصفا
وأسقط القميون تبعا لشيخهم الصدوق النصف في الابعاد الثلاثة وتبعهم المصنف في المخ استنادا إلى صحيحة إسماعيل
بن جابر عن الصادق عليه السلام قال الكر من الماء ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار وهذه الرواية أصح إسنادا من الأولى
غير أن فيها إخلالا بذكر البعد الثالث وكان تركه إحالة له على البعدين المذكورين إذ الاخلال بذكره من غيره
نصب دلالة عليه محل بمعرفة الكر عقيب السؤال عنه وهو غير لائق بحكمته عليه السلام ويمكن تطرق هذه الشبهة
إلى الرواية الأولى أيضا إذ لم يصرح فيها باعتبار الثلاثة والنصف في العمق فيبقى مع هذه صحة السند ومع
تلك شهرة العمل بمضمونها ولعل وصف الصحة أرجح وذهب العلامة جمال الدين بن طاوس إلى دفع النجاسة بكل
ما روى وكأنه يحمل الزائد على الندبية
وبأي قدر اعتبرنا الكر فمتى بلغه الماء الواقف لم ينجس إلا بتغير أحد أوصافه
الثلاثة التي هي اللون والطعم والريح لا مطلق الأوصاف كالحرارة والبرودة بالنجاسة أي بواسطة ملاقاتها له
140

لا بالمجاورة ولا بالمتنجس بحيث لو انفردت النجاسة عنه لم تغير الماء فإن تغير الكر بها على الوجه المذكور نجس جمع
لا المتغير خاصة إن كان الماء كرا خاصة لنجاسة المتغير به ونقصان الباقي عن الكر إن كان فينجس بملاقاة النجس
المتغير ولا يخفى ما في العبارة من القصور عن البلاغة فإن المفروض كون الماء المبحوث عنه أولا قدر كر وذلك يقتضى عدم
الزيادة وإن لم يصرح بها فتقسيمه هنا إلى ما يكون منه قدر كر وإلى ما يزيد تقسيم الشئ إلى نفسه وغيره وإنما يتم ذلك
إن لو قال أولا إن كان قدرها كرا فصاعدا حتى يتم تقسيمه إلى ما يصعد وإلى ما هو كر خاصة لكن سوغ ذلك ظهور المراد
والاستيناس بأنهم متى ذكروا الكر يريدون به ما هو كر فصاعدا وفي الأكثر يعبرون بلفظة فصاعدا ويطهر هذا
الماء المفروض كونه قدر كر خاصة إذا تغير كله أو بعضه بالنجاسة بإلقاء كر عليه دفعة واحدة عرفية فإن لم يزل
التغير بالكر المفروض فكر آخر وهكذا حتى يزول التغير واعتبار الدفعة في الكر الملقى هو أحوط القولين وليس عليه دليل
واضح وقد تقدم في كلامنا ما يدل على عدم فائدته وكلام جماعة من الأصحاب حال عنه وفي الذكرى عبر بالكر المتصل
بدل الدفعة ويمكن أن يريد المصنف بالدفعة الاتصال فإن إلقاء الكر مفرقا بحيث يقطع بين أجزائه يوجب تعدد دفعات
الالقاء ومع اتصال بعضه ببعض تصدق الدفعة وهذا الحمل أقرب من حمل كلام الشهيد رحمه الله في تعبيره بالمتصل على
على إرادة الدفعة العرفية السريعة وما مر في مادة الحمام يؤيد ما قلناه وحاصله أنه قد تقدم في بحث الحمام أنه
لو نجس حوضه وكانت المادة كرا فصاعدا طهر باتصالها به أما مع مطلق المماسة أو مع الاستيلاء كما اختاره المصنف
في النهاية وحكم بتعدية الحكم إلى غير الحمام وتعديته إلى ما نحن فيه يقتضى الطهارة مع زوال التغير وبقاء كر في الماء
الملقى وإن لم يكن نزوله على النجس دفعة واحدة أو يكون ذلك نوعا آخر من المطهر لهذا الماء مع زوال التغير قبل نقصان
الماء الخارج المطهر عن الكر أو مع زيادته عنه على ما مر تفصيله تنبيهان الأول ما ذكره من الاحتياج إلى كر
آخر إن لم يزل الأول التغير وهكذا ليس على وجه الحصر فيه أيضا بل لو زال التغير ولو ببعض كر ثم ألقى عليه كر دفعة طهر
أيضا لوجود المقتضى وهو نوع تخفيف في التطهير والثاني إن الحكم بوجوب كر آخر إن لم يطهر الأول إنما
يحتاج إليه مع تغير الكر السابق أو ما لا يبقى معه كر متميز بغير تغير وإلا فلو اتفق اجتماع كر متميز غير متغير لم يتحتم
كر آخر بل ما يزيل تغير المتغير ولو بالتموج كما سيأتي فيما لو تغير بعض الزائد عن الكر لدخول الفرض فيه وإن كان
الماء الواقف أكثر من كر فإن تغير جميعه فحكمه ما تقدم وإن تغير بعضه فالمتغير خاصة نجس إن كان الباقي كر أو
يطهر حينئذ بزوال التغير عن المتغير ولو بالعلاج لان الباقي كرا متميزا عن متغير كالملقى وبالقاء كر طاهر عليه دفعة
فإن لم يزل التغير بالكر فكر آخر وهكذا حتى يزول التغير وذكر الدفعة هنا وإن كان غير مفسد لكنه مستغنى عنه
لان المقصود زوال التغير ولهذا كفى تمويجه كما أشار بقوله أو بتموجه حتى يستهلكه أي المتغير الماء الطاهر ولو كان
الباقي غير المتغير أقل من كر نجس أجمع وطهره بما تقدم في القسم الأول وإن كان الماء الواقف أقل من كر نجس الجميع ما يلاقيه
من النجاسة وإن لم يتغير وصفه بها على أشهر القولين لمفهوم الشرط في قوله صلى الله عليه وآله إذا بلغ الماء كرا لم يحمل
خبثا وقول الصادق عليه السلام إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ وقوله عليه السلام في سؤر الكلب رجس نجس لا يتوضأ
بفضله وأصبب ذلك الماء ولقول الكاظم عليه السلام فيما رواه عنه أخوه على في الدجاجة تطأ العذرة ثم تدخل في
الماء يتوضأ منه فقال لا إلا أن يكون الماء كثيرا قدر كر وقول الرضا عليه السلام وقد سئل عن الرجل يدخل يده
الاناء وهي قذرة يلقى الاناء وخالف في ذلك ابن أبي عقيل حيث ذهب إلى أن الماء لا ينجس إلا بالتغير محتجا بقوله
141

صلى الله عليه وآله الماء طهور لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه ووجه تقدمه على ما دل عليه قوله صلى الله عليه وآله إذا بلغ
الماء كرا إلخ دلالته بمنطوقه على مدلوله العام ودلالة ذاك بمفهومه على أنه يحمل الخبث عند عدم
البلوغ ودلالة المنطوق أقوى وبقول الباقر عليه السلام في القربة والجرة من الماء يسقط فيها فارة فتموت إذا غلبت
رائحته على طعم الماء أو لونه فارقه وإن لم يغلب فاشرب منه وتوضأ جوابه إن مفهوم الشرط حجة عند المحققين فهو
حينئذ خاص بالنسبة إلى حديثه فيجب حمل العام على الخاص تقريرا للنصين ولا فرق عندنا بين تقدم الحمام وتأخره
وجهل التاريخ وليس المخصص لعام حديثه وروده في بئر قضاعة وكان ماؤها كثيرا لان العبرة بعموم اللفظ إلا بخصوص
السبب بل المخصص ما قلناه هذا إن قلنا أن المفرد المعرف بلام الجنس يفيد العموم وإلا فالحديث مطلق لدلالته على
الماهية من حيث هي هي وحينئذ فيحمل المطلق على المقيد وأما حديث القربة ففي سنده ضعف مع معارضته بما سلف
من الأحاديث التي هي أكثر وأصح إسنادا وأوله الشيخ بالكر واعلم إن في صحة الحديث الأول بل في ثبوته إشكال إذا
لم يوجد في كتب الحديث المعهودة مسندا ولا ادعى أحد من الأصحاب أنه وجده مسندا وإنما ذكره المرتضى والشيخ مرسلا
وما هذا شأنه لا يحتج به لكن ابن إدريس رحمه الله ادعى اتفاق المخالف والمؤالف على هذه الرواية وهذه دعوى
عرية عن برهان بل البرهان قائم على خلافها أما عند المخالف فلان الحديث الذي ادعوا أن حفاظهم وأئمتهم صححوه
هو قوله صلى الله عليه وآله إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث وأما الموالف فقد بينا أنه لم يوجد في كتبهم مسندا
ولا ادعى أحد فيه ذلك فكيف يقع الاجماع على ما هذا شأنه والبحث عن حال هذا إلا يشعهم إذ يترتب عليه مسألة
اتمام الماء النجس كرا فإن صح هذا الحديث لزم القول بطهره وإلا فلا لان ما صح عندنا من الحديث عن الصادق عليه السلام وهو
إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ لا يدل عليه لان مقتضاه أن المانع من التنجيس بلوغ الكرية فلا يدفع النجاسة
السابقة بخلاف عدم حمله الخبث عند بلوغه كرا فإنه يدل على زوال النجاسة السابقة واللاحقة خصوصا على ما
ذكره جماعة من أهل اللغة من إن المراد بعدم حمل الخبث في الحديث عدم ظهوره فيه فدلالته على طهره بالاتمام صريحة أو
طاهرة وقد بالغ المحقق في المعتبر في رد الحديث فقال إنا لم نروه مسندا والذي رواه مرسلا المرتضى والشيخ أبو جعفر
وأحاد ممن جاء بعده والخبر المرسل لا يعمل به وكتب الحديث عن الأئمة عليهم السلام خالية عنه أصلا وأما المخالفون
فلم أعرف به عاملا سوى ما يحكى عن ابن حي وهو زيدي منقطع المذهب قال وما رأيت أعجب ممن يدعى إجماع المخالف و
الموالف فيما لا يوجد إلا نادرا فإذن الرواية ساقطة وأما أصحابنا فرووا عن الأئمة عليهم السلام إذا كان الماء
قدر كر لم ينجسه شئ وهذا صريح في أن بلوغه كرا هو المانع لتأثره بالنجاسة ولا يلزم من كونه لا ينجسه شئ بعد
البلوغ رفع ما كان ثابتا فيه ومنجسا قبله والشيخ رحمه الله قال لقولهم عليهم السلام ونحن قد طالعنا كتب
الاخبار المنسوبة إليهم فلم نر هذا اللفظ وإنما رأينا ما ذكرناه ولعل غلط من غلط في هذه المسألة لتوهمه أن معنى
اللفظين واحد انتهى وهو كلام جيد في موضعه وما يقال من أن الاجماع المنقول بخبر الواحد المحكوم بكونه حجة
عند جماعة من المحققين كاف في ثبوت الخبر وإن لم يسند إنما يتم من ضابط نافد للأحاديث لا من مثل هذا
الفاضل وإن كان غير منكور التحقيق فإنه لا يتحاشى في دعاويه مما يتطرق إليه القدح وقد بيناه هنا وقد طعن
فيه بذلك جماعة من فضلائنا من أهل عصره وغيره والله يتولى أسرار عباده ويطهر الماء القليل المتنجس بإلقاء كر
عليه دفعة واحدة بمعنى وقوع جميع أجزاء الكر في زمان قصير بحيث يصدق اسم الدفعة عليه عرفا لامتناع ملاقاة جميع
142

الاجزاء في آن واحد فكان المرجع في ذلك إلى الاستعمال العرفي كما يقال جاء القوم دفعة ونحوه وقد تقدم الكلام
في ذلك وما ذكر من التطهير بإلقاء الكر ليس على وجه الانحصار فإنه يطهر أيضا بوصول الماء الجاري إليه عند من لا يعتبر
فيه الكثرة وبنزول ماء المطر عليه وبما ذكرناه من اتصاله بالكثير الباقي على كثرته بعد الوصول إذ لا يختص الحكم بالحمام
بعد اشتراط كثرة المادة وكذا يطهر بالنبع من تحته إذا اشتمل على قوة وفوران ما يرشح رشحا لعدم الكثرة الفعلية
وهذا كله إذا لم يتغير وإلا لم يطهر بذلك إلا مع زوال التغير نعم لو بقي المتغير متميزا عن الكر أو الجاري كفى في طهره التموج
حتى يزول التغير كما سلف
القسم الرابع ماء البئر وهو نبع مخصوص له أحكام خاصة فلذلك خصه بالذكر
وقد عرف الشهيد رحمه الله البئر في الشرح بأنها مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعداها غالبا ولا يخرج عن مسماها عرفا
واحترز بالقيد الأخير عن كثير من الماء النابع الذي لا يتعدى محله غالبا لكن لا يسمى بئرا عرفا فالحكم حينئذ تابع
للاسم ويمكن تفسيره بغيره ولا بعد في ذلك بعد ورود الشرع والمراد بالعرف هنا العام لا الموجود في زمانه صلى
الله عليه وآله خاصة لان الحكم معلق على اسم ليس له حقيقة شرعية فيرجع فيه إلى العرف لتقدمه على اللغة
وربما خصه بعضهم بعرفه صلى الله عليه وآله أو عرف أحد الأئمة فما ثبت له الاسم في زمانهم كالموجود في العراق
والحجاز لحقه الحكم وإلا فالأصل عدم تعلق أحكام البر به وليس بجيد لما بيناه وحكم ما بالبئر أنه إن تغير بالنجاسة
نجس إجماعا وفي ما يطهر به حينئذ أقوال أحدها ما اختاره المصنف وهو أنه يطهر بالنزح حتى يزول التغير وهو اختيار
المفيد وجماعة وبناء على ما اختاره المصنف من عدم انفعال البئر بمجرد الملاقاة كالجاري ظاهر لان زوال التغير
عن الجاري كاف في طهارته قال في المخ ولأن سبب التنجيس التغير فيزول الحكم بزواله لكن هذا الدليل لو تم
لزم طهارة البئر بزوال التغير من نفسه فلا ينحصر التطهير في النزح وكان ظاهر العبارة يأباه لكن العبارة
ليست خارجة مخرج الحصر لان البئر تطهر بمطهر غيره وبالنزح عند الأكثر مع أنه لم يصرح به هنا فيكون زوال
التغير من نفسه كذلك وأما على ما اختاره المفيد والجماعة من نجاسته بمجرد الملاقاة فمستنده ما رواه الشيخ
في الحسن عن الصادق عليه السلام فإن تغير الماء فخذه حتى يذهب الريح وقول الرضا عليه السلام في رواية محمد بن
إسماعيل الآتية إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ويشكل ذلك فيما له مقدر
نصا إذا زال التغير قبل استيفاء المقدر فإن وجوب بلوغه لو لم يتغير يقتضى وجوبه معه بطريق أولى وحمل مثل
ذلك على الغالب من أن إزالة التغير تستوفى المقدر وزيادة لو تم غير كاف في هذا المقام الموجب اللاجمال و
الاخلال فالمناسب حينئذ وجوب أكثر الامرين من المقدور ما به يزول التغير جمعا بين النصوص الدالة على الاكتفاء بزوال
التغير والموجبة لاستيفاء المقدور هو ثاني الأقوال ومختار الشهيد في الذكرى وثالثها التفصيل بكون النجاسة
منصوصة المقدر فيجب نزح أكثر الامرين من المقدور وما به يزول التغير أو غير منصوصة فيجب نزح الجميع ومع التعذر التراوح
وهو اختيار ابن إدريس واستحسنه المصنف في المخ لكن ادعى أنه ليس عليه دليل قوى والظاهر أنه أقوى الأقوال وأمتنها
دليلا أما وجوب أكثر الامرين مع النص على المقدر فلان بلوغ المنصوص لا بد منه للنص ومع بقاء التغير بعده لا يعقل
الحكم بالطهارة ولا بد من اعتبار زوال التغير لما تقدم من الاخبار وإن تقدم زوال التغير على استيفاء المقدر فوجوب
استيفائه ظاهر لوجوبه على تقدير عدم التغير فمعه أولى وإن لم يكن للنجاسة مقدر فسيأتي أنه يجب نزح الجميع
مع عدم التغير فمعه أولى ومع تعذر نزح الجميع يجب التراوح للنصوص الدالة عليه وسيأتي إن شاء الله فإن قيل على
143

تقدير تأخير زوال التغير عن استيفاء المقدر يبقى الماء بعد الاستيفاء نجسا لا مقدر له فيجب نزح الجميع كما في غير للنصوص
قلنا إنما اكتفينا بزوال التغير بعد ذلك لما تقدم من الحديث فإن قيل هو مطلق فتقييده بما ذكرتم لا وجه له قلنا
تقييده في غير المتنازع لعارض لا يمنع من أعماله فيه وهو ظاهر ورابعها التفصيل كذلك مع زيادة وجوب
إزالة التغير في المنصوص ثم استيفاء المقدر وهو اختيار المحقق ووجهه كالأول إلا أنه أعطى كلا من السببين مقتضاه
لأصالة عدم التداخل وما مر من الاشكال آت هنا وخامسها وجوب نزح الجميع فإن تعذر فالتراوح اختاره لصدوق
والمرتضى وسلار لقول أبى عبد الله عليه السلام في رواية عمار فإن غلبه الماء فلينزف يوما إلى الليل يقام عليها قوم
يتراوحون اثنين اثنين ينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت بعد حكمه عليه السلام في أول الخبر بوجوب نزح الجميع و
لأنه ماء نجس فيجب اخراج جميعه ومع التعذر التراوح كما في غيره من النجاسات الموجبة لنزح الجميع وفيه ضعف سند
الحديث مع اضطراب في متنه ووجوب اخراج جميع الماء النجس من البئر وتوقف الطهر عليه في حيز المنع لطهارة البئر
في كثير من النجاسات باخراج بعضه بعد الحكم بنجاسة الجميع وسادسها نزحها أجمع فإن تعذر نزح حتى يزول
التغير نقل ذلك عن المبسوط والنهاية لقول الصادق عليه السلام في رواية عمار فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة و
نزحت البئر ولأنه ماء نجس فيجب اخراجه أجمع ومع التعذر ينزح إلى أن يزول التغير لأنه المقتضى لنزح الجميع وهذه
الحجة ضعيفة جدا أما الراوية فلعدم دلالتها على ما زاد عن نزح الجميع بل عليه خاصة من غير تفصيل بالتعذر وعدمه
وأما الاستدلال بنجاسة الماء فلا يقتضى انحصار التطهير في مزيل التغير كما لا يقتضى التغير وحده نزح الجميع مطلقا
وهل هو إلا عين المتنازع بل الظاهر أن الموجب لنزح الجميع وقوع غير المنصوص أما هو ففيه ما مر وأجيب عن الخبر باحتياجه
إلى إضمار لان المنزوح ليس هو نفس البئر وليس إضمار جميع الماء أولى من إضمار بعضه وفيه نظر لان المضمر هو الماء
المنسوب إلى البئر ودلالته على الجميع لأنه ملزومه لان المجموع هو نفس المضمر وسابعها نزحها أجمع ومع التعذر بغلبة
الماء يعتبر أكثر الامرين من زوال التغير والمقدر اختاره الشهيد في الدروس ووجهه مركب من الوجوه المتقدمة ويظهر
من اعتبار الأقوال ووجوهها إن أمتنها الثالث وإنما أطنبنا القول في تحرير الأقوال لعدم وجودها مجموعة في
كتاب على هذا المنوال وإن لم يتغير ماء البئر بالنجاسة لم ينجس على المختار عند المصنف في أكثر كتبه تبعا لشيخه مفيد
الدين بن جهنم ولابن أبى عقيل من المتقدمين وتبعه على ذلك ولده فخر المحققين والمحقق الشيخ على ومستنده الاخبار
والاعتبار أما الأول فمنها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع بالباء الموحدة المفتوحة فالزاي المعجمة المكسورة فالياء المثناة
من تحت فالعين المهملة قال كتبت إلى رجل أسأله أن يسئل أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال ماء البئر واسع
لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح منه حتى يذهب الريح يطيب الطعم لان له مادة وهذه الرواية أقوى
حجج القائلين بالتطهير (بالطهارة صح) بحكمه عليه السلام على الماء بالسعة ويفهم منها عدم الانفعال بالملاقاة ونفى افساد شئ له و
هو عام لأنه نكرة في سياق النفي واشتمالها على الحصر المستفاد من الاستثناء في سياق النفي ووجود التعليل
بالمادة والمعلل مقدم على غيره قيل ولدلالتها على المراد نصا ومنها حسنة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن بئر ماء وقع فيها زبيل بتخفيف الباء مع فتح الزاء وتشديدها مع كسرها من عذرة رطبة أو يابسة
أو زبيل من سرفين أيصلح الوضوء منها قال لا بأس والمراد من العذرة والسرفين النجس لان الفقيه لا يسأل عن
ملاقاة الطاهر وإن سلم فترك الاستفصال في العذرة دليل استواء الطاهرة والنجسة في الحكم باعتبار الوقوع
144

ومنها رواية حماد عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في
البئر إلا أن ينتن فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر وأما الاعتبار فلانه لو نجست البئر بالملاقاة لما
طهرت والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة إن الدلو والرشا وجوانب البئر تنجس بملاقاة الماء النجس ونجاستها مانعة
من حصول الطهارة بالماء بالنزح لدوام ملاقاتها وكذا المتساقط من الدلو حال النزح خصوصا الدلو الأخير ولأنها
لو نجست كذلك لكان وقوع الكر من الماء المصاحب للنجاسة فيها موجبا لنجاسة جميع الماء والتالي ظاهر البطلان
لان الملاقي للنجاسة إذا لم يتغير بها قبل وقوعه محكوم بطهارته فيمنع نجاسته بغير منجس وبيان الملازمة ان نجاسة
ماء البئر بملاقاة النجاسة يقتضى نجاسة الماء الواقع لاستحالة أن يكون بعض الماء الواحد طاهر أو بعضه نجسا
مع عدم التغير ولأنه بجريانه من منابعه أشبه الماء الجاري فيتساويان ولأن القول بنجاسة البئر بالملاقاة دون المصنع
إذا كان كثيرا مما لا يجتمعان والثاني ثابت إجماعا فينتفى الأول بيان التنافي أنه لا فرق بينه وبين البئر سوى المادة
وهي مما توكد عدم نجاستها وأجيب عن الأولى بأنها مكاتبة تضعف عن الدلالة وبعدم التصريح بأن المجيب الامام
وبأن المراد بالفساد المنفى فساد الكل بكل وجه ولا يلزم منه عدم استناد الفساد الكلى إلى الملاقاة أولا يفسده فسادا
يوجب التعليل كما قال النبي صلى الله عليه وآله المؤمن لا يخبث أي لا يصير في نفسه خبثا وكقول الرضا عليه السلام ماء
الحمام لا يخبث مع أنه يجوز أن تعرض له النجاسة وهذا الحمل وإن كان خلاف الظاهر إلا أن فيه جمعا بين الاخبار وعن
الأخيرتين بأن لفظ البئر يقع على النابعة والغدير فلعل السؤال عن بئر ماؤها محقون فيكون الأحاديث الدالة
على وجوب نزح البئر عن أعيان المنزوحات مختصة بالنابعة ويكون هذا متناولا لغيرها مما هو محقون وعن الثالثة
بالخصوص بان حمادا الراوي عن معاوية مقول بالاشتراك على جماعة منهم الثقة وغيره فلعله غير الثقة وبأنه يدل
بصيغة ما العامة فيما لا يعقل فيكون الترجيح للأحاديث الدالة على أعيان المنزوحات تقديما للخاص على العام
ولمعارضة الأخبار الكثيرة لها وأكثر هذه الأجوبة للمعتبر وعن الاعتبار بالنقض بطهرها بالنزح عندهم إذا نجست
بالتغير فإن السؤال قائم ولو اعتبر زوال التغير خاصة لزم طهرها بزواله بنفسه وهم لا يقولون به وبأن الطهارة حكم
شرعي وهو حاصل مع المتساقط فيه ولأن المطهر هو الماء المنفصل عن البئر فالساقط كجزء من ماء البئر لم ينزح
ولاطراده في عدم نجاسة الثوب إذ لو نجس لما طهر إذ من طرق تطهيره بالاجماع الغسل بالقليل وهو ينجس بالورود
فلا يقع مطهرا وهو خلاف الاتفاق وبأن الكر المصاحب للنجاسة أزال حكمها وحقيقتها قبل وصوله إلى البئر فلم
يؤثر فيه شيئا والباقي مجرد استبعاد بعد ورود النص بالفرق فإنهم يوافقون على استحباب النزح أو وجوبه تعبدا
وهو كاف في نفى المتساوي وأكثر أصحابنا بل كاد يكون إجماعا منهم حكموا بالنجاسة قال الشهيد الشرح و
لعله الحجة أي الاجماع ومستند ذلك النقل الشايع بوجوب النزح من الخاص والعام وقد روى عن جماعة من الصحابة
والتابعين وعليه عمل الامامية في سائر الأعصار والأمصار ويدل عليه أيضا الاخبار عن أهل البيت عليهم السلام
والاعتبار اما الأول فمنه (فمنها خ ل) صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع السالف أنه كتب إلى رجل يسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام
عن البئر يقطر فيها قطرات من بول أو دم ما الذي يطهرها فوقع عليه السلام في كتابي (كتابه كتاب خ ل) بخطه ينزح منها (دلاء صح) وهو في قوة
قوله عليه السلام طهرها بأن ينزح منها دلاء ليطابق السؤال وطهرها بالنزح يدل على نجاستها بدونه أولا
لزم إيجاد الموجود أو اجتماع الأمثال وهذه الرواية مساوية لنظيرتها من حجج القائلين بالتطهير في السند وتختص
145

عنها بمرجحات التصريح بأن المجيب هو الإمام عليه السلام لاخبار الثقة الظابط أنه بخطه عليه السلام فهي في قوة
المشافهة بخلاف الأولى لعدم ذكر ذلك فيها بل كما يحتمل أن يكون المجيب الامام يحتمل أن يكون هو الرجل المسؤول أن
يسأل أو غيره لكن عود الضمير فيها في قوله فقال باعتبار رجحان عوده إلى الأقرب يرجح كون المجيب الامام إلا أن ذلك ظاهر
وهذا نص واشتمالها على الامر بالنزح المستلزم للنهي والحظر عن استعمال الماء قبل ذلك لنجاسته واشتمال الأولى
على إباحة الاستعمال وما اشتمل على الأول أرجح مما اشتمل على الثاني كما حقق في الأصول واعتضادها بعمل الأكثر
إن لم يتم الاجماع وهو مرجح أيضا كما حقق في محله وأما دعوى النص في الأولى فغير ظاهر إذ الافساد ليس مرادفا
للنجاسة ولا ملزوما لها بل غايته أن يكون ظاهرا عند تجرده عن الموانع الموجبة لحمله على غير ظاهره وكما يمكن حمل
هذه على الطهارة اللغوية يمكن حمل الفساد المنفى في الأولى على فساد يوجب التعطيل أو فساد الكل كما مر ولا يلزم منه
عدم استناد الفساد الكلى إلى الملاقاة قيل هذا خلاف مدلول الحديث وأي فائدة للتعليل بالمادة حينئذ قلنا ثبوت
الحقايق الشرعية توجب كون الحمل على الطهارة اللغوية غير مراد ولا مدلول أيضا وتأويل حديثكم بما ذكرناه أقرب
لأنه بعض أفراد الحقيقة بخلاف حمل الحديث الثاني على الطهارة اللغوية فإنه حمل على المجاز البحث وفائدة المادة
عدم انفعال جميعه على وجه يفسد بأسره كالقليل فإن قيل وجود الكثرة كافية في ذلك فلا فائدة للمادة حينئذ قلنا
جاز كونهما سببين وإن اختلفا حكما لان مبنى شرعنا غالبا على اختلاف المتفقات ومنها صحيحة عبد الله بن أبي يعفور
عن الصادق عليه السلام قال إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلوا ولا شيئا يغترف به فتيمم بالصعيد الطيب فإن رب
الماء رب الصعيد ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم أوجب التيمم بصيغة الامر المشروط بعدم الماء الطاهر
أو لا يكون الماء طاهرا على تقدير الوقوع والاغتسال ونهى عن الوقوع في البئر وعن إفساد الماء والمفهوم من الافساد
النجاسة وحمله على نجاسته بغيره بعيد لان ظاهره استناد الافساد إلى الوقوع وهو غير مغير لحالها وللزوم تأخير
البيان عن وقت الحاجة قيل لا يتم الاحتجاج بهذا الحديث على النجاسة لان بدن الجنب إذا كان طاهرا كما هو المفروض و
المفهوم من الحديث والمعلوم من غيره كحديث الحلبي المتضمن نزح سبع دلاء إذ نجاسة المنى يوجب عند القائل بالتنجيس
نزح الجميع وبه صرحوا كلهم كيف يحكم بنجاسة البئر بملاقاته مع أن نجاسة بدن الجنب حكمية وهمية ومثلها لا تتعدى
فإن الجنب لو اغتسل في ماء قليل لم ينجس إجماعا فالبئر أولى لمكان المادة قلنا هذا مجرد استبعاد كيف لا وقد اشتمل
البئر على أحكام مختلفة واتفاق حكم نجاسات متباينة ومن أين علم تأثير النجاسات الخاصة في الماء وغيره إلا من قبل الشارع
فلا يبعد القول بانفعال ماء البئر بذلك وإن لم نقل بانفعال المستعمل لجواز اختصاصه بالتأثر مما لا يتأثر به غيره
والذي نجسه بتلك الأشياء هو الذي نجس هذا الماء بهذه الأشياء ويؤيده أن الحكم مختص باغتسال الجنب دون غيره
ممن يجب عليه الغسل كالحائض قيل الافساد أعم من النجاسة لجواز إرادة الافساد بثوران الحماءة والطين قلنا قد ورد
الافساد في أحاديث الفريقين فمهما اعترض أحدهما فهو جواب الاخر وقد عرفت من قريب منع هذا الفريق لإرادة هذا
المعنى من قوله عليه السلام لا يفسده شئ إلخ فكيف يثبته الآن على خصمه ومنها صحيحة علي بن يقطين قال سألت أبا
الحسن موسى عليه السلام عن البئر يقع فيها الحمامة أو الدجاجة أو الفأرة أو الكلب أو الهرة فقال يجزيك أن تنزح منها
دلاء فإن ذلك يطهرها إن شاء الله تعالى والاجزاء ظاهر في الخروج عن عهدة الواجب وتطهرها بذلك يدل على نجاستها
بدونه كما تقدم قيل يرد عليها عدم الدلالة نصا فلا يعارض ما تقدم قلنا النص منتف في الجانبين والظاهر موجود فيهما
146

فلم يبق إلا الترجيح بأمر آخر مع إن دعوى عدم النص في هذه موضع نظر قيل التمسك بظاهرها لا يستقيم لعدم
استواء الكلب والفأرة في الحكم وليس حملها على تفسخ الفأرة وخروج الكلب حيا بأولى من حملها على التغير أو إرادة
التنظيف قلنا قد دلت على النجاسة في الجملة وإنما يختلف في قدر المطهر بسبب اختلاف أعيان النجاسة وذباء لا يؤثر في أصل
الدلالة وأما الاعتبار فهو إن البئر لو لم ينجس لم يكن للنزح فائدة فيكون عبثا والتالي ظاهر البطلان لصدوره عمن
لا ينطق عن الهوى فالمقدم مثله والملازمة ظاهرة وأجيب بمنع الملازمة إذ لا يلزم من انتفاء فائدة مخصوصة انتفاؤها
مطلقا ولا يلزم من عدم العلم بها عدمها ومن ثم قال المصنف بالاستحباب وهو فائدة والشيخ في التهذيب بأنه تعبد وبالجملة
فالاخبار متعارضة والاعتبار قائم وباب التأويل متسع إلا أنه خارج عن الحقيقة غالبا والمسألة من أشكل أبواب الفقه
غير إن المعتبر في المصير إلى مثل هذه الأحكام رجحان ما لأحدهما على ضده وكأنه موجود هنا في جانب النجاسة والله أعلم
بحقائق أحكامه واعلم إن ماء البئر مباين لسائر المياه في طهره أو طيبه بالنزح إجماعا وتساويها فيما عدا ذلك من
المطهرات كوصول الجاري إليه ووقوع ماء الغيث عليه وإلقاء كر فصاعدا على ما مر من التفصيل ثم النزح تارة يكون
للجميع وتارة يكون للبعض بحسب اختلاف
قوة النجاسة وضعفها فتارة يقتصر الأئمة عليهم السلام على أقل ما يحصل به
وتارة يستظهر غير ذلك وتارة يأمر بالأفضل فلا ينكر الاختلاف في الأحاديث قال المحقق فانظر ما اشتهر بين الأصحاب
غير مختلف فافت به وما اختلف فالأقل مجز والأوسط مستحب والأكثر أفضل وأسقط ما شذ قلت سيأتي إن عمل الأصحاب
على الأكثر لأنه طريق اليقين وإن كان ما ذكره المحقق متوجها والقائلون بالنجاسة أوجبوا نزح الجميع في سبعة أشياء
على اختلاف في بعضها موت البعير فيها وهو من الإبل بمنزلة الانسان يشمل الذكر والأنثى والكبير والصغير ومستنده رواية
الحلبي عن الصادق عليه السلام وغيرها ومثله الثور وهو ذكر البقر لصحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه السلام وإن
مات فيها ثور أو صب فيها خمر نزح الماء كله واكتفى ابن إدريس في الثور بكر ولعله إلحاقا له بالبقرة فيجب الكر فيه ولو
عكس الحكم بان يلحقها به في نزح الجميع كان أولى لما سيأتي من عدم النص فيها وإن غير النصوص ينزح له الجميع ووقوع
المنى على المشهور لكن لا نص فيه على ما ذكره جماعة منهم الشيخ أبو علي بن الشيخ أبى جعفر في شرح نهاية والده ويمكن
أن يكون عدم النص هو العلة في نزح الجميع لكن ذكره بين هذه المعدودات للشهرة لا لعدم النص لان غير النصوص
سيأتي الكلام والخلاف فيه ولا فرق بين منى الانسان وغيره مما له نفس للعموم وعدم النص المقتضى للتخصيص وقيل المراد
به منى الانسان وغيره ملحق بما لا نص فيه وقد عرفت إن النوعين من هذا الباب لولا الشهرة ووقوع دم الحيض و
الاستحاضة والنفاس ذكر ذلك الشيخ وتبعه الأصحاب معترفين بعدم النص نطر إلى أنها كالمني ولغلظ نجاستها بوجوب
إزالة قليلها وكثيرها عن الثوب والبدن فغلظ حكمها في البئر وأطلق المفيد القول بأن الدم الكثير ينزح له عشر
ولقليل خمس ولم يفرق وكذا المرتضى وابنا بابويه وإن خالفوه في المقدور ومال إليه المحقق في المعتبر عمل بالأحاديث
المطلقة في الدماء والعمل بالمشهور أحوط إن لم يناف عبادة مضيقة بحيث يمكن الطهارة به مع نزح بعضه خاصة
وبالاطلاق أفقه ولا يلحق بها دم نجس العين كالميتة والكلب وأخويه لبطلان القياس وان كانت العلة تقتضيه لكنه
شك في شك فالأولى الاقتصار على المشهور إن لم يلحظ عموم الروايات أو إطلاقها ووقوع المسكر المايع بالأصالة
لعدم نجاسة الجامد منه كالحشيشة ولا فرق بين الخمر وغيره ولا بين قليله وكثيره حتى القطرة عملا بالاطلاق والنص
ورد على الخمر خاصة كما تقدم في صحيحة عبد الله بن سنان وغيره وألحق به باقي المسكرات لعموم قول النبي صلى الله عليه
147

وآله كل مسكر خمر وقول الصادق عليه السلام كل ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر وفرق الصدوق بين القطرة
من الخمر والكثير منه فأوجب في الأول عشرين دلوا استنادا إلى رواية زرارة عن الباقر عليه السلام ويعقل الفرق كما
عقل في الدم إذ ليس أثر القطرة فيه كأثر ما يصب فيه صبا لشيوعه في الماء ويؤيده إمكان حمل المطلق على المقيد وإن
كان العمل على المشهور والفقاع القول لصادق عليه السلام إنه خمر مجهول فما دل على الخمر من الحكم كاف في الدلالة عليه
وسيأتي بيانه إن شاء الله وهل يلحق به العصير العنبي بعد اشتداده بالغليان رجحه الشهيد في الذكرى محتجا لشبهه به
ويشكل بأن مجرد المشابهة غير كاف في الحكم وإنما ألحق الفقاع للنص على مساواته له بل على أنه منه فإلحاق غيره
قياس بل الأولى إلحاقه بما لا نص فيه فإن تعذر نزح جميع الماء لكثرته تراوح عليه أربعة رجال كل اثنين دفعة
يريحان الآخرين ومنه أخذ التراوح لاشتقاقه من الراحة وليكن أحدهما فوق البئر يمتح بالدلو والاخر فيها يمليه ولا
يجزى ما دون الأربعة لقول الصادق عليه السلام يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين ويجزى ما فوقها ولا غير
الرجال من نساء أو صبيان أو خناثى للفظ القوم لنص بعض أهل اللغة على اختصاصه بهم ويؤيده قوله تعالى لا يسخر قوم
من قوم ولا نساء فإن العطف يقتضى المغايرة واجتزا به بعض الأصحاب لشمول الاسم في بعض اللغات وليكن التراوح
يوما من طلوع الفجر إلى الغروب ويجب إدخال جزئين (جزء خ ل) من الليل أولا وآخرا من باب مقدمة الواجب ولا فرق في اليوم بين
الطويل والقصير للاطلاق الشامل لذلك لكن يستحب تحرى الأطول حيث لا ضرر للمبالغة في التطهير ولا يجزى الليل
ولا لللفق منه ومن النهار وإن زاد عن مقدار يوم طويل اقتصارا على مورد النص ولما يعترى في الليل من الفتور عن
العمل ولأن الغالب على حكم البئر جانب التعبد ويستثنى لهم الصلاة جماعة ويقتصرون على الواجب والندب المعتاد قيل
والأكل كذلك لأنه مستثنى عرفا والأولى تركه لامكان حصوله حال الراحة لأنه من تتمتها بخلاف الصلاة التي لا تتم
فضيلتها الخاصة إلا به ويجب تقديم التأهب للنزح بتحصيل آلاته والسعي إليه قبل الجزء المجعول مقدمة للواجب لظاهر
قوله عليه السلام ينزفون يوما إلى الليل مع احتمال إلحاق مقدماته به وأوجبوا نزح كر في موت الحمار وكذا البغل
لرواية عمرو بن سعيد عن الباقر عليه السلام وضعفها منجبر بالشهرة وعمل الأصحاب وكذا البقرة وشبهها من الدواب
كالفرس والمستند هنا الشهرة إذ البقرة وشبهها مما لا نص فيه كما اختاره في المعتبر مطالبا لموجب الكر باليد قال فإن
قالوا هي مثل الحمار والبغل في العظم طالبناهم بدليل التخطي إلى المماثل من أين عرفوه ولو ساغ البناء على المماثلة في
العظم لكانت البقرة كالثور والجاموس كالجمل فالأوجه حينئذ أن نجعل الفرس والبقرة في قسم ما لا يتناوله نص على
الخصوص ونزح سبعين دلوا من دلاء العادة على تلك البئر لعدم انضباط العادة مطلقا ولو اعتاد قوم على بئر آنية
فخار ونحوها ففي الاكتفاء بها نظر من قيامها مقام الدلو وبه قطع بعض المعاصرين ومن عدم تسميته دلوا ولو
اختلف المعتاد فالأغلب فإن تساوت فالأصغر مجز والأكبر أفضل ولو لم يكن لها دلو معتاد أصلا قيل أجزا أقل
ما يعتاده الانسان وقيل المراد بها ابتداء الدلو الهجرية وزنها ثلاثون رطلا وقيل أربعون وذلك كله في موت
الانسان في ماء البئر ولا فرق بين الذكر والأنثى والصغير والكبير لشمول الانسان للجميع ولو وقع ميتا فكذلك
فلو قال لمباشرة ميت الانسان أو لوقوعه كان أشمل ويشترط كون الميت نجسا فلو طهر بالغسل أو لم يجب غسله
لم يجب النزح بخلاف الميمم ولو عن بعض الغسلات ومن غسل فاسدا ونحوهما وهل يفرق بين المسلم والكافر للشهود
العدم لان الانسان جنس معرف باللام وليس هناك معهود فيكون اللام معرفا للجنس فيوجد الحكم بوجود الجنس أين
148

كان وجنس الانسان ثابت للكافر فيكون الحكم متناولا له عملا بالاطلاق وشرط أبو على وابن إدريس الاسلام و
أوجبوا لموت الكافر الجميع بناء على وجوبه بملاقاته حيا إذ لا نص فيه وحال الموت أشد نجاسة لأنه ينجس الطاهر
ويزيد النجس نجاسة وأجيب بأنه استدلال في مقابلة النص لان مورد وجوب السبعين موت الانسان مطلقا أعم
من المسلم والكافر ووجوب الجميع فيما لا نص فيه بخصوصه غير منصوص عليه فلا يجوز معارضته المنصوص عليه ونمنع
زيادة نجاسته بعد الموت فإن نجاسته حيا إنما كانت بسبب اعتقاده وهو منفى بعد الموت وفيهما منع لعدم المعارضة
بين المنصوص ومدعى ابن إدريس إذ النص إنما أوجب نزح السبعين بعد الموت ومجرد وقوع الكافر في الماء إذا كانت
نجاسته مما لا نص فيه أوجب نزح الجميع فهذا الحكم ثابت له قبل الموت فما الذي طهر الماء بعده واكتفى بنزح
سبعين
والتحقيق مع ذلك إنا إن حكمنا بنزح الجميع لما لا نص فيه فلا بد من القول بنزحه هنا لثبوته قبل الموت الذي هو
مورد النص عندهم وإن اكتفينا فيه بنزح ثلاثين أو أربعين فإن حكمنا بالتداخل مع تعدد النجاسة ولو مختلفة
كفت السبعون وإلا وجب لكل مقدر وأما منع زيادة نجاسته بعد الموت بزوال الاعتقاد الذي هو سبب النجاسة
ففيه منع لان أحكام الكفر باقية بعد الموت ومن ثم لا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين وكلام ابن إدريس أوجه
نعم لو وقع في الماء ميتا اتجه ما قالوه ودخل في العموم واعلم إن الحديث الدال على حكم الانسان في رجاله جماعة
من الفطحية لكنهم ثقات مع سلامته من المعارض وانجباره بعمل الأصحاب عملا ظاهرا وذلك يخرجه إلى كونه حجة
كما ذكره الأصحاب فلا يمكن العدول عنه قال المحقق في المعتبر بعد ذكر نحو ذلك ولو عدل إلى غيره لكان عدولا عن
المجمع على الطهارة به إلى الشاذ وهو باطل لخبر عمر بن حنظلة المتضمن لقوله عليه السلام خذ ما اجتمع عليه أصحابك
واترك الشاذ الذي ليس بمشهور وخمسين دلوا للعذرة الذائية وهي فضلة الانسان قال الشهيد سميت بذلك لأنهم
كانوا يلقونها في العذرات أي الأفنية والموجود في اللغة ضد ذلك قال في الصحاح العذرة فناء الدار سميت
بذلك لان العذرة كانت تلقى في الأفنية وعلى كل حال فلا فرق بين فضلة المسلم والكافر هنا مع احتماله لزيادة
النجاسة لمجاورته وفي فضلة غيرهما مما لا يؤكل لحمه احتمال والمستند ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
في العذرة تقع في البئر ينزح منها عشر دلاء فإن ذابت فأربعون أو خمسون وإنما حكم الأصحاب بالأكثر لأنه طريق
إلى اليقين والخروج من العهدة كذلك ومن ذكره المحقق (من التخيير صح) بين الأقل والأكثر مع أفضلية الأكثر متوجه والمراد بالذوبان
تفرق الاجزاء وشيوعها في الماء بحيث يستهلكها وهل يشترط ذوبان جميعها أو يكفي بعضها يحتمل الأول لأنه المفهوم
من إسناده إليها والثاني لعدم الفرق بين قليلها وكثيرها فيكفي ذوبان البعض كما لو لم يسقط غيره وذاب فإنه كاف
قطعا وألحق المصنف بالذائبة الرطبة وفي بعض كتبه أبدلها بها تبعا للشيخ في المبسوط ولا نص على الرطبة على الخصوص
وأنكرها المحقق في المعتبر لعدم وقوعه على شاهد ولعل المعنى المعتبر في الذوبان يحصل في الرطبة غالبا وهو يؤيد
الاكتفاء بذوبان البعض لحصوله في الرطبة بمجرد الوصول والدم الكثير غير الدماء الثلاثة كدم الشاة المذبوحة على
المشهور قال المصنف في المخ لم أقف في هذا التقدير على حديث مروي الموجود في حسنة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
في رجل ذبح شاة فوقعت في ماء بئر وأوداجها تشخب دما قال ينزح منها ما بين الثلثين إلى الأربعين دلوا وأفتى بموجبها
الصدوق ومال إليه في المعتبر وحسنه في الذكرى وهو الوجه فكن العمل بالمشهور طريق اليقين وإطلاق الدم مع استثناء
الثلاثة يشمل دم نجس العين ولا بعد فيه بعد النص واشتمال البئر على جمع المختلفات مع احتمال الفرق والحاقة بالدماء
149

الثلاثة أو بما لا نص فيه لغلظ نجاسته ومن ثم لم يعف عن قليله في الصلاة كالدماء الثلاثة لكن العمل بالاطلاق
أنسب بأحكام البئر لعدم قدح هذه الاحتمالات فيها والاعتبار في كثرة الدم وقلته بالنسبة إلى نفسه عرفا وقال
القطب الراوندي وهو الذي نقله القطب الرازي عن المصنف أيضا إن الاعتبار فيهما بالنسبة إلى ماء البئر لاختلافه
في الغزارة والنزارة فربما كان دم الطير كثيرا في بئر يسيرا في أخرى وليس ببعيد لظهور التأثير باختلافهما ولأنهما
إضافيان فجاز اعتبارهما بالإضافة إلى المحل المنفعل عنهما ونزح أربعين دلوا في موت السنور في البئر والكلب و
الخنزير والثعلب والأرنب على المشهور ورواه علي بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام قال سألته عن السنور فقال أربعون
دلوا وللكلب وشبهه والمراد بشبه الكلب الخنزير والغزال وما ذكر ويشمل السنور أهليه ووحشيه للمشابهة والكلب و
الخنزير البري والبحري للمماثلة أيضا ورجح المحقق الشيخ على في أكثر فتاويه وجوب أكثر الامرين من الأربعين ومقدار
ما لا نص فيه للخنزير إذا وقع حيا ثم مات واحتمال التضاعف بناء على عدم النص على نجاسته لو وقع حيا واحتمال
التضاعف في الكلب إذا وقع حيا فمات لوجود النص على نجاسته حيا وهذا إنما يتم لو كان التقدير بالأربعين
في وقوعهما ميتين أما مع الاطلاق أو إرادة موتهما في الماء فلا للحكم بتداخل النجاستين وفي بول الرجل في المشهور رواه
علي بن أبي حمزة أيضا عن الصادق عليه السلام وفيه روايات أخرى شاذة وضعف علي بن أبي حمزة بالوقف منجبر بالشهرة
وعمل الأصحاب وفي المعتبر أن تغيره إنما كان في زمن موسى عليه السلام فلا يقدح فيما قبله وفيه نظر إذ لا يتم ذلك إلا
مع تحقق الرواية عنه فيما قبله لا إذا أسندها إلى ما قبله لجواز إسناده إلى الصادق عليه السلام في زمن الوقف
وأين التاريخ الذي دل على تقدم الرواية ومجرد الاشتباه كاف في الطعن فالأولى التعليل بالشهرة والعمل بمضمونها
كما قد أكثر من ذكره في كتابه هذا ولا فرق بين بول المسلم والكافر لشمول الرجل لهما وأما بول المرأة فالمشهور عدم
لحوقه به اقتصارا على موضع النص خلافا لابن إدريس محتجا بدخولها في لفظ الانسان ونحن نسلم ذلك لكن نطالبه
أين وجد الأربعين معلقة على بول الانسان فكأنه وهم وما الذي يجب له قيل موجب ما لا نص فيه واختاره الشهيد وجماعة
قيل ثلاثون لرواية كردويه قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر
قال ينزح منها ثلاثون دلوا فإن لفظ البول مطلق يشمل المرأة وغيرها لكن خرج منها بول الرجل والرضيع والصبي
بنص خاص فيبقى الباقي وهو خيرة المعتبر ولا فرق بين الكبيرة والصغيرة على الأقوال الثلاثة وكذا لا فرق بين المسلمة
والكافرة وأما بول الخنثى فأطلق جماعة إلحاقه بما لا نص فيه للشك في الذكورة ولم يذكره المحقق وابن إدريس حيث
ذكر المرأة ودليلهما فالأقوال يشملها لزوما ولو قيل بوجوب أكثر الامرين من الأربعين وموجب ما لا
نص فيه كما اختاره بعض الأصحاب كان حسنا آخذا بالمتيقن وفي وقوع نجاسة لم يرد فيها نص نقلي ولو بعمومه
أو إطلاقه كالانسان في شموله للمسلم والكافر وما ذكره الشهيد رحمه الله في الشرح من تعريف النص بأنه القول أو
الفعل الصادر عن المعصوم الراجح المانع من النقيض وغير المنصوص بخلافه لا يطابق ما ذكره الأصحاب في بعض موارده
فإنهم جعلوا من المنصوص الانسان وأدخلوا الكافر فيه كما بيناه في محله مع إن تناول الانسان له إنما هو لكونه من جملة
أفراد الكلى ودلالة الكلى على أفراده ليس نصا بهذا التفسير بل ظاهرا وعلى هذا التعريف بكون الانسان مما لا نص
فيه ومثله القول في وقوع الكلب بالنسبة إلى أصنافه كالسلوقي وغيره حتى أن المصنف ذكر في جملة المنصوص بول و
روث ما لا يؤكل لحمه محتجا عليه بحديث كردويه المشتمل على نزول أرواث الدواب وأبوالها وأين دلالة لفظ الدواب
150

على ما يؤكل لحمه بالنص المذكور في التعريف وإدخال الفعل والمعصوم في التعريف اصطلاح خاص لمناسبته هذه
المسألة وإلا فالتعريف المشهور للنص إنه اللفظ الدال على المعنى دلالة راجحة مانعة من احتمال غيره وبالجملة فإدخال
العام وأفراده وأفراد المطلق في المنصوص بهذا المعنى أيضا لا يخلو من إشكال لان دلالة العام على مجموع أفراده من حيث
مجموعيتها (مجموعها صح) ظاهر لا نص لاحتماله التخصيص احتمالا راجحا إذ من المشهور قولهم ما من عام إلا وقد خص وكذا دلالته بالنسبة
إلى كل فرد على التعيين لامكان عدم إرادته والمطلق يدل على الماهية من حيث هي هي فلا يدل على شئ من أفراد
الماهية إلا ظاهرا فإن اعتبر هذا المعنى لم يتم كثير مما ادعى كونه منصوصا والأولى أن يراد به هنا ما كانت دلالته
ظاهرة وإن لم تكن قطعية وهذا المعنى للنص يوجد في بعض الموارد وكلامهم هذا يدل عليه إذا تقرر ذلك فما اختاره
المصنف من وجوب أربعين دلوا لما نص فيه ليس له دليل مدعى إلا ما نقل عن الشيخ في المبسوط حيث احتمل الأربعين
بقول أنهم عليهم السلام قالوا ينزح منها أربعين وإن كانت منجرة وهذه الحجة منظور فيها من حيث عدم العلم
بإسناد الحديث وعدم وجوده في شئ من أصوله فضلا عن سنده حتى نشأ منه عدم العلم
بصدره المتضمن لبيان متعلق الأربعين وربما قال بعض الأصحاب
أن الشيخ رحمه الله حجة ثبت فإرساله غير ضائر لان مثل الشيخ لا يرسل إلا عمن علمه ثقة خصوصا وليس هناك
نص آخر يدفعه والظاهر من احتجاجه به دلالة صدره المحذوف على محل النزاع وفيه نظر أما أولا فلان الشيخ لم يفت
بمضمونة وإنما أوجب في المبسوط نزح الجميع وجعل نزح أربعين احتمالا والخبر المرسل وإن لم يكن حجة لكن لا أقل
من أفادته الاحتمال وهو دليل على عدم تحققه له وإلا
لما عدل عن مدلوله وأما ثانيا فلان مراسيله لو وثق بها وعمل عليها لمكان قدره وعظم شأنه وثبته لزم العمل
بجميع المراسيل لان كتبه في الحديث قد صارت أصول حديث الأصحاب واشتملت على ما في غيرها من حديث الفقه غالبا
وزيادة مع ذكر بعض أسانيد بعضها وذكر متونها ولم يجوز أحد من الأصحاب العمل بها لمكان شرف مرسلها
فكيف يسوغ العمل بحديث لم يتحقق متنه ولا إسناده ويجعل مؤسسا لحكم شرعي وأما ثالثا فلان صدره المحذوف
وإن كان احتجاجه به يثير الظن بكونه دالا على محل النزاع لكن ذلك غير كاف لنا في العمل بمقتضاه لعدم اطلاعنا
عليه وإن كان للشيخ رحمه الله في ذلك فرض آخر واستدل المصنف في النهاية للأربعين برواية كردويه وهو عجيب
وستقف عليها عن قريب وقيل يجب نزح الجميع لكونه ماء حكم بنجاسته يقينا فالقطع بطهارته يتوقف
على نزح الجميع لان نزح البعض دون البعض الاخر ترجيح من غير مرجح والحكم به في مواضع مخصوصة لنص خاص على خلاف
الأصل لا يقتضى مثله في غير المنصوص لعدم وجود دليل نقلي عليه على الخصوص حتى لو ورد ذلك لم يكن المسألة لصيرورتها حينئذ
منصوصة غايتها الاتيان بلفظ عام يشمل الجميع الجميع وما شاكله وذهب بعض الأصحاب إلى نزح ثلثين ونفى عنه الشهيد في
الشرح البأس وفى المخ النقل الذي ادعاه الشيخ لم يصل إلينا وإنما الذي بلغنا في هذا الباب حديث واحد وعنى
به حديث كردويه أنه سأل أبا الحسن عليه السلام عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وخرؤا الكلاب قال ينزح
منها ثلاثون دلوا وإن كانت مبخرة ومعناها المنتنة وروى بفتح الميم والخاء ومعناها موضع النتن قال ومع ذلك
فكر دويه لا أعرف حاله فالحديث صحيح وفى الاستدلال بهذا الحديث على المطلوب نظر إذ لا دلالة
على تقدير صحته على ما نحن فيه فإن مورده نجاسة مخصوصة وإذا ثبت صارت منصوصة والكلام في نجاسته غير
151

منصوصة مطلقا وفيه إشكال من وجه آخر وهو إن حمله (إن جملة أن الوصلية فيه تدل خ ل) على الوصلية فيه يدل على مساواة حكم التغير بتلك النجاسات
لغيره وسيأتي فيه إشكال آخر إن شاء الله تعالى في المعتبر ويمكن أن يقال فيه وجه إن كل ما لم يقدر
له منزوح لا يجب فيه نزح عملا برواية معاوية المتضمنة قول أبى عبد الله السلام لا يغسل الثوب ولا تعاد
الصلاة مما يقع في البئر إلا أن ينتن ورواية ابن بزيع إن ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير وهذا يدل
بالعموم فيخرج منه ما دلت عليه النصوص بمنطوقها أو فحواها ويبقى الباقي داخلا تحت هذا العموم قال وهذا
يتم لو قلنا إن النزح للتعبد لا للتطهير أما إذا لم نقل ذلك فالأولى نزح ماؤها أجمع انتهى وقد تلخص من جميع
ذلك إن المصير إلى القول بنزح الجميع لازم عند القائل بالنجاسة لان كل حديث يحتج به على المطلوب فإن
نجاسته منصوصة وينعكس إلى قولنا كل نجاسة ليست منصوصة لم تدل عليه الاخبار فيستصحب حكم النجاسة إلى أن يثبت
المزيل ولا ثبوت إلا بنزح الجميع وثلثين في وقوع ماء المطر مخالطا للبول والعذرة وخرؤ الكلاب لرواية
كردويه
المتقدمة ولو خالط ماء المطر أحدها كفت الثلاثون لمفهوم الموافقة هذا إن لم يكن له مقدر أو كان وهو أكثر
أما لو كان أقل كبول الرضيع الداخل في إطلاق البول أو عمومه فالظاهر الاكتفاء به لان مصاحبته ماء للمطر
إن لم تضعف حكمه كما هو الظاهر فلا تزيده والشهيد رحمه الله أطلق القول بأن حكم بعضها ما كالكل وبعض الأصحاب
خص الثلثين بالجميع وما ذكرناه من التفضيل أجود وأورد على أصل الحكم إشكال هو إن العذرة وحدها يجب لها خمسون
فإذا انضم إليها غيرها زادها نجاسة فكيف يجزى بالثلثين فاللازم أما عدم إجزاء الثلثين أو عدم وجوب الخمسين
وأيضا فإن ترك الاستفصال عن النجاسات المذكورة يقتضى المساواة في الحكم بين جميع محتملاتها فيستوى حال
العذرة رطبة ويابسة وحال البول إذا كان بول رجل أو رضيع أو امرأة أو خنثى وقد قال بعضهم إن خرؤ الكلاب مما
لا نص فيه وذهب المصنف في المخ إلى أن بول وروث ما لا يأكل لحمه مما لا نص فيه ولو حمل الاطلاق على نجاسات
مخصوصة أشكل الحال من وجه آخر عند القائل بتضاعف النزح مع اختلاف النجاسات وأجاب المحقق الشيخ علي عن ذلك
بأن موضوع الرواية ماء المطر المخالط لهذه النجاسات وليس فيها أعيانها موجودة فيمكن تنزيلها على ما المطر
المخالط لهذه النجاسات مع استهلاك أعيانها إذ لا بعد في أن يكون ماء النجاسة أخف منها خلافا للقطب الراوندي قال
وهذا الحمل وإن كان خلاف الظاهر إلا أنا صرنا إليه جمعا بين الاخبار أقول إنك إذا تأملت ما ينفعل عنه البئر وما
تطهر به تجدها قد جمعت بين المتباينات كتساوي الهر والخنزير وفرقت بين المتماثلات كاختلاف منزوح موت
الكلب والكافر وغير ذلك فلا تستبعد حينئذ أن ينزح لهذه الأشياء المخالطة لماء المطر مع انفرادها عنه أكثر مما
ينزح لها مع سقوطها في البئر مصاحبته له فيصير مصاحبتها لماء المطر مضعفا لنجاستها ومخففا لها وهو أولى
من تقييد المطلق والحال في البئر ما ذكرناه بل مقتضى لفظ الحديث في كون هذه الأشياء في الماء كون أعيانها فيه
ثم لو كان الحكم في ماء المطر المتنجس بهذه الأشياء من غير أن يكون أعيانها موجودة لم يبق فرق بين ماء المطر وغيره
فالأولى الانقياد لما تناولته الرواية بإطلاقها من كون الماء ماء مطر ومصاحبا لهذه الأشياء سواء كانت أعيانها
موجودة أم لا ونزح عشر دلاء في وقوع العذرة اليابسة والمراد بها غير الذايبة لقول الصادق عليه السلام في خبر أبي
بصير في العذرة في البئر ينزح منها عشر دلاء فإن ذابت فأربعون أو خمسون وقد تقدم ما المراد من العذرة وكذا في الدم القليل غير الدماء الثلاثة كذبح الطير والرعاف اليسير لرواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
152

حيث سأله عن رجل ذبح حمامة فوقع في بئر هل يصلح أن يتوضأ منها قال ينزح منها دلاء يسيرة وقول
الرضا عليه السلام في قطرات الدم دلاء قال الشيخ في التهذيب وأكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة فيجب أن يؤخذ به
إذ لا دليل على ما دونه واعترضه في المعتبر بأن ذلك إنما يكون مع الإضافة أما مع تجريده عنها فلا إذ لا يعلم من قوله
عندي دراهم أنه لم يخبر عن زيادة عشرة ولا إذا قال إعطه دراهم وأجاب المصنف في المنتهى بأن الإضافة هنا وإن لم
تجر لفظا لكنها مقدرة وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ولا بد من إضمار عدد يضاف إليه تقديرا فيحمل على
العشرة التي هي أقل ما يصلح إضافته لهذا الجمع آخذا بالمتقين وحوالة على الأصل من براءة الذمة وفيه نطر إذ
لا يلزم من عدم تقدير الإضافة هنا تأخير البيان عن وقت الحاجة وإنما يلزم ذلك لو لم يكن له معنى بدون
هذا التقدير والحال إن له معنى كسائر أمثاله من صيغ الجموع ولو سلم وجوب التقدير لم يتعين العشرة
وفى قوله إن أقل ما يصلح إضافته لهذا الجمع عشرة منع وإنما أقله ثلاثة فيحمل عليها لأصالة البراءة من الزائد
وهو خلاف المدعى وسيأتي في كلام المحقق اختيار دلالته على ثلاثة قال المصنف في المخ ويمكن أن يحتج به من وجه آخر وهو
إن هذا جمع كثرة وأقله ما زاد على العشرة بواحد حمل عليه عملا بالبراءة الأصلية وأنت خبير بأن هذا
الدليل لا ينطبق على الدعوى لاستلزامه وجوب أحد عشر والمدعى الاكتفاء بعشرة وفى المنتهى ذكر أنه جمع كثرة وقال
فيحمل على أقلها وهو العشرة وفيه أيضا نظر لان أقل مراتب جمع الكثرة ما زاد على مراتب جمع القلة بواحد كما
نص عليه أهل العربية واعترف به المصنف في المخ فلا يتم العشرة فتأمل هذه الاختلافات الغريبة الواقعة بينهم بل
بين الواحد ونفسه وسبع في موت الطير كالحمامة في طرف الصغر والنعامة في طرف الكبر وما بينهما ومستنده مع
الشهرة رواية علي بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام وفسر الطير بالحمامة والنعامة وما بينهما وأورد على العبارة
إن التشبيه يقتضى صدق الطير على غير ما ذكر لوجوب المغايرة بين المشبه والمشبه به ولو بالجزئية والكلية والحال
أنه محصور فيما ذكر ويمكن الجواب بمنع حصره فيما ذكر لان الطير المساوي للحمامة في الحجم تقريبا خارج عنهما
وعن ما بينهما مع دخوله في الطير فباعتباره يصح التشبيه وكذا في القارة إذا انفسخت أي تقطعت أجزاؤها
وتفرقت لقول الصادق عليه السلام في رواية ابن سعيد المكاري إذا وقعت الفأرة في البئر فتفسخت فانزح
منها سبع دلاء وفى رواية عنه عليه السلام إطلاق السبع في الفأرة وفى أخرى إطلاق ثلث وطريق الجمع حمل الأولى
على التفسخ والثانية على عدمه بقرينة خبر أبي سعيد وضعفه لا يمنع من العمل على هذا الوجه لأنه كالامارة الدالة
على الفرق وإن لم يكن حجة في نفسه أو انتفخت إلحاقا له بالتفسخ ولا نص عليه بالخصوص لكن ذكره المفيد وتبعه الباقون
وبول الصبي وهو الذكر الذي زاد سنه على الحولين ولم يبلغ على المشهور وبه رواية عن الصادق عليه السلام لا يخرج
عن حد الارسال وفى حكمه الرضيع الذي يغلب أكله على رضاعه أو يساويه كما سيأتي ولا يلحق به الصبية لعدم النص
واغتسال الجنب الخالي بدنه من نجاسة عينية وعبر بالاغتسال الشامل للارتماس وغيره ردا على ظاهر الشيخ
وصريح ابن إدريس حيث شرط في النزح المذكور ارتماسه ولا وجه لخلو النصوص من اشتراطه لأنها واردة
بنزول
الجنب كرواية عبد الله بن سنان ودخوله مع الاغتسال كرواية أبي بصير ووقوعه كرواية الحلبي ودخوله كرواية
محمد بن مسلم وإنما قيد بالاغتسال دون الملاقاة مدلول الاخبار فيها للتصريح به في بعضها ويجب حمل
المطلق على المقيد وإنما شرط خلو بدنه من نجاسة عينية ليتم الاكتفاء بالسبع إذ لو كان عليه نجاسة لوجب لها
153

مقدرها إن كان وإلا فعلى ما مر والعلة فيه نجاسة البئر بذلك وإن كان بدنه خاليا من نجاسة ولا بعد فيه
بعد ورود النص وليس الامر في الماء الذي يغتسل به الجنب على حد الماء مطلقا ولهذا قال جمع بعدم طهورية قليلة
فلا يقدح في أن ينفعل عنه البئر الذي قد علم تأثره بما لا يتأثر به غيره وتأثير غيره في التطهير والتنجيس فقول
بعضهم أن نجاسة البئر بغير منجس معلوم البطلان إذ الفرض إسلام الجنب وخلو بدنه من العينية قد ظهر منعه
بل هو منجس فإن الذي نجس غيره بتلك الأشياء هو الذي نجسه بهذا الشئ على الوجه المخصوص ولو غلبنا في النزح
جانب التعبد كما هو ظاهر الشيخ في التهذيب واختيار بعض المتأخرين فالاشكال مرتفع من أصله والذي اختاره
المصنف في المخ تبعا لشيخه المحقق إن الحكم بالنزح لكونه مستعملا فيكون النزح لسلب الطهورية ويشكل بإطلاق
النصوص وبحكم سلار وابن إدريس وجماعة من المتأخرين بوجوب النزح مع طهورية المستعمل عندهم وباستلزامه
القول بعدم وجوب النزح لأنه فرعه على القول بسقوط طهورية المستعمل وهو لا يقول به فيلزم عدم القول
بالنزح ويتفرع عليه اشتراط النية والحكم بصحة الطهارة لكون الانفعال مسببا عنها ومتأخرا ورواية أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام دالة عليه حيث سأله عن الجنب يدخل البئر فيغتسل منها قال ينزح منها سبع دلاء والروايات
الباقية كما لا تدل على اشتراط الاغتسال الشرعي كذلك لا تنافيه فيحمل مطلقها عليه جمعا بين الاخبار فيندفع بذلك
ما أورده المحقق الشيخ علي من خلو الاخبار عنه أو كونها أعم حتى التزم بعدم الحكم بطهره لقول الصادق عليه السلام
في خبر عبد الله ابن أبي يعفور لا تقع في البئر ولا تفسد على القوم مائهم فإن النهى المستفاد من الرواية يقتضى فساد
الغسل لأنه عبادة فلا يطهره الجنب ويجاب بمنع أن النهى عن العبادة بل عن الوقوع في الماء وإفساده وهو إنما يتحقق بعد الحكم
بطهر الجنب لا بمجرد دخوله في البئر فلا يضر هذا النهى لتأخره وعدم كونه عن نفس العبادة إلا أن يقال الوسيلة إلى
المحرم محرمة وإن كانت قبل زمانه ويمكن على هذا فرض صحة الغسل ووجوب النزح في بئر مملوك للمغتسل فإن تنجيسه
غير محرم عليه ويرجح الأول أنه لو لم يطهر لم يتحقق الافساد الذي هو متعلق النهى ومتى لم يتحقق فلا حرج عليه
فيجوز الاغتسال ودفع ذلك كله مما تقدم من أن الافساد متأخر عن الحكم بصحة الغسل فلا يؤثر فيه فعلى هذا إن
اغتسل مرتمسا طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث وإن اغتسل مرتبا أجزاء غسل ما غسله قبل وصول الماء إلى
البئر إن كان خارجا عن الماء وإلا فما قارن به النية خاصة كذا قرره بعض المتأخرين وللنظر في بعضه مجال
لتعليق الحكم كما تحقق على الاغتسال ولا يتحقق إلا بالاكمال وبالجملة فالمسألة من المشكلات والله أعلم
بحقيقة الحال وخروج الكلب من الماء حيا على المشهور وروى ذلك عن الباقر عليه السلام وأوجب ابن إدريس نزح
أربعين إذ لا نص فيه وكأنه إطراحا لخبر الآحاد وإنما اكتفى هنا بالأربعين مع حكمه بالجميع لما لا نص فيه لأنها تجزى
لموته كما مر فلوقوعه حيا أولى ولولاه لوجب نزح الجميع وقد عرفت وجود النص ولا يلحق به خروج الخنزير حيا لعدم
النص وخمس في ذرق الدجاج على المشهور ولم يوجد به نص على الخصوص ولم يقيده المصنف بالجلال تبعا للشيخ لكن
وجه الاطلاق عند الشيخ ظاهر لنجاسة ذرقه عنده مطلقا وخصه جماعة كالمفيد وسلار بالجلال قال المصنف في المخ
وعلى القولين لم يصل إلينا حديث يتعلق بالنزح لهما ويمكن الاحتجاج بأنه ماء محكوم بنجاسته فلا يطهر بدون النزح والتقدير مستفاد من رواية محمد بن بزيع الصحيحة عن الرضا عليه السلام في البئر يقطر فيها
قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شئ من العذرة كالبعرة أو نحوها ما الذي يطهرها فوقع عليه السلام ينزح
154

منها دلاء قال والاحتجاج به بعيد لعدم دلالته على التقدير وإنما يستدل به على أنه لا يجزى أقل من خمس من حيث
أنه جمع كثرة انتهى وهذا كله يقتضى تخصيصه بالجلال إن لم نقل بنجاسة الجميع ويمكن أن يستدل على نفى الزيادة
عن الخمس بالاجماع على نفى وجوب الزائد قال المحقق في المعتبر ويقرب عندي أن يكون داخلا في قسم العذرة ينزح له
عشر وإن ذاب فأربعون أو خمسون ويحتمل أن ينزح له ثلاثون لحديث كردويه يرد على الوجهين عدم القائل بما زاد
على الخمس والعذرة مخصوصة بفضلة الانسان كما تقدم فلا حجة في الحديثين وبث في موت الفأرة مع عدم الوصفين
التفسخ والانتفاخ وقد تقدم المستند وكذا الحية على المشهور إحالة على الفأرة وهو مأخذ ضعيف قال
المحقق ويمكن أن يستدل على الحية بما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا سقط في البئر حيوان صغير
فمات فيها فانزح منها دلاء فينزل على الثلث لأنه أقل محتملاته وعلله مع ذلك بأن لها نفسا سائلة فيكون
ميتها نجسة وألحق الشيخان بها العقرب والوزغة بالتحريك للرواية وحملها المصنف على الاستحباب تبعا لشيخه المحقق
لعدم النفس السائلة لهما فلا ينجسان بالموت بهما شئ بل روى إن لهما سما فيكره لذلك وكذا القول
في سام أبرص ودلو واحد في موت العصفور وشبهه مما هو دون الحمامة لقول الصادق عليه السلام في رواية عمار
أقله العصفور ينزح منها دلو واحدة وقد تقدم الكلام على الرواية في موت الانسان ولا فرق بين كونه مأكول
اللحم أو لا كالخفاش للاطلاق خلافا للراوندي ولا يلحق به الطائر في حال صغره وإن شابهه في الحجم خلافا للصهرشتي
لتعليق الحكم على الاسم ولا بد لمدعى إلحاق المشابه من دليل على التخطي وبول الصبي الرضيع الذي لم يغتذ بالطعام
في الحولين اغتذاء غالبا على اللبن أو مساويا له فلا يضر القليل والمراد بالطعام نحو الخبز والفاكهة أما الشكر ونحوه
فلا يسمى طعاما على الظاهر ولا يلحق به الرضيعة لعدم النص وكل ذلك عندي مستحب لما تقدم من اختياره عدم
انفعال البئر بمجرد الملاقاة فيحمل الأخبار الواردة بالنزح على الاستحباب جمعا بينها وبين ما دل على عدم النجاسة
بدون التغير
تتمة لا يجوز استعمال الماء النجس وما هو في حكمه كالمشتبه به في الطهارة مطلقا اختيارا و
اضطرارا بقرينة قوله فيما بعد ولا في الأكل والشرب اختيارا ويمكن على بعد أن يريد به ما يشمل الرافعة للحدث
والمزيلة للخبث لتسمية الثاني طهارة مجازا وجواز إطلاق اللفظ على حقيقته ومجازه كما يقسمون الماء في هذا
الباب إلى مطلق ومضاف وغير ذلك والمراد بعدم الجواز ما هو المتعارف وهو التحريم الذي يترتب على فعل متعلقه
الذم والعقاب بناء على إن استعمال المكلف الماء النجس فيما يسمى طهارة في نظر الشرع أو إزالة نجاسة مع اعتقاد
شرعيته يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه فيكون حراما أو على تقدير استعماله والاعتداد بالصلاة به
فيكون كالمصلي بغير طهارة والاعتداد بذلك محرم فتكون الوسيلة إليه محرمة أو بمعنى عدم الاعتداد به في رفع
الحدث مجازا كما أنهم يطلقون الوجوب في مواضع ويريدون به الوجوب بمعنى الشرط ولما كان التحريم مقابلا للوجوب
أطلق على مقابله كذلك التحريم بمعنى عدم الاعتداد به لمقابلته الوجوب الشرطي وقد أشار المصنف إلى إرادة هذا
المعنى في النهاية حيث قال بعد التعبير بالتحريم إنا لا نعنى بالتحريم حصول الاثم بذلك بل بمعنى عدم الاعتداد به في رفع
الحدث ثم ينقسم الماء النجس بحسب حكمه ثلاثة أقسام أشار المصنف إلى قسمين منها ما لا يجوز اختيارا واضطرار وهو
استعماله في الطهارة كما تقدم وعكسه كبل الطين به وسقيه الدابة ونحوهما وما يجوز مع الاضطرار خاصة
وقد أشار إليه بقوله ولا في الأكل والشرب اختيارا أما مع الضرورة كإساغة اللقمة وحفظ الرمق وهو بقية
155

الحياة وأشباه ذلك فيجوز الاقتصار على ما تندفع به الضرورة ولفظ الضرورة يشعر بذلك ولو أشتبه النجس
من الإنائين بالطاهر منهما اجتنبا وجوبا ولا يجوز التحري وهو الاجتهاد في طلب الأحرى بالاستعمال وهو
الطاهر لقرينة لثبوت النهى عن استعمالها والقرينة التي لا تثمر اليقين غير كافية في الخروج عن النهى وليس هذا
كالاجتهاد في القبلة وجوزه الشافعي هنا ومتيمم عند عدم التمكن من غيرهما ولا يشترط في صحته إهراقهما قبله
ليتحقق عدم الماء الطاهر لأنه بالاشتباه في حكم المعدوم خلافا للشيخ استنادا إلى خبر ضعيف وربما كانت الإراقة
حراما لخوف العطش ونحوه أما لو اشتبه المطلق بالمضاف وجبت الطهارة بكل واحد منهما لأنه محصل للطهارة
بالمطلق المأمور به يقينا فيكون الجمع بينهما مقدمة للواجب المطلق فيكون واجبا ولا يضر عدم الجزم بالنية
عند كل طهارة لان الجزم إنما يعتبر بحسب الممكن (التمكن خ ل) لكن يشترط لوجوبه بل لصحته فقد ما ليس بمشتبه وإلا تعين
استعماله لقدرته حينئذ على الجزم التام في النية ولو فرض انقلاب أحدهما قبل الطهارة به وجب الطهارة بالآخر
ثم التيمم لما تقدم من أن الجمع مقدمة الواجب المطلق لان الحكم بوجوب الاستعمال تابع لوجود المطلق وقد كان وجوده
مقطوعا به فيستصحب إلى أن يثبت العدم ويحتمل ضعيفا عدم الوجوب فيتيمم خاصة لان التكليف بالطهارة مع
تحقق وجود المطلق وهو منتف ولأصالة البراءة من وجوب طهارتين وجوابهما يعلم مما ذكرناه فإن الاستصحاب
كاف في الحكم بوجود المطلق وأصالة البراءة هنا منتفية بوجوب تحصيل مقدمة الواجب المطلق وهي لا تتم
إلا بفعلهما معا فإن قيل ما ذكرتم من الدليل يقتضى عدم وجوب التيمم فإن استصحاب وجود المطلق إن تم لا يتم
معه وجوب التيمم إذ هو مع الاشتباه لا مع تحقق الوجود قلنا الاستصحاب وجوب الطهارة به
بناء على أصالة عدم فقد المطلق وذلك لا يرفع أصل الاشتباه لان الاستصحاب لا يفيد (اليقين بنفس الامر صح) ما في نفس الامر فالجمع
بين الطهارتين تحصيل اليقين
ويستحب تباعد البئر عن البالوعة التي يرمى فيها ماء النزح أو غيره من النجاسات
سبع أذرع إذا كانت الأرض سهلة أي رخوة فكانت البالوعة فوقها فوقية محسوسة بأن يكون قرارها أعلى من
قرار البئر ولا اعتبار بوجه الأرض وإلا أي وإن لم يجتمع الأمران فوقية البالوعة ورخاوة الأرض ويصدق
ذلك بعدمهما وعدم أحدهما فخمس أذرع وفى حكم الفوقية المحسوسة الفوقية بالجهة بأن تكون البالوعة في جهة
الشمال وإن استوى القرار ان لما ورد من أن مجاري العيون مع مهب الشمال ويدل على اعتبار الصلابة وضدها
مع الشهرة مرسلة ابن قدامة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته كم أدنى ما يكون بين البئر والبالوعة قال إن كان
سهلا فسبعة أذرع وإن كان جبلا فخمسة أذرع وعلى اعتبار الفوقية والتحتية رواية الحسن بن رباط قال سألته
عن البالوعة فقال إن كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع وإذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع وما ذكره المصنف طريق
الجمع بين الروايتين ويدل على اعتبار الجهة ما رواه محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن البئر يكون إلى جنبها الكنيف فقال لي أن مجرى العيون كلها مع (من خ ل) مهب الشمال فإذا كانت البئر النظيفة فوق الشمال و
الكنيف أسفل منها لم يضرها إذا كان بينهما أذرع وإن كان الكنيف فوق النطيفة فلا أقل من اثني عشر ذراعا
وحمل الزائد عن السبع منها على المبالغة في الاستحباب وأستفيد منها اعتبار المجرى فيكون جهة الشمال فوق
بالنسبة إلى ما يقابلها مع تساوى القرارين فضم إلى الفوقية والتحتية باعتبار القرار وإلى صلابة الأرض و
رخاوتها ويتحصل من جميع ذلك أربع وعشرون مسألة لان أرضيهما (الأرض خ ل) أما رخوة أو صلبة وعلى التقديرين أما
156

أن يكون قرار البئر فوق قرار البالوعة أو أسفل أو يتساوى القرار ان فالصور ست ثم أما أن يكون البئر في جهة الشمال
أو يكون البئر في جهة الجنوب أو بالعكس (أو يكون البئر في جهة المشرق والبالوعة في المغرب أو بالعكس صح) ومضروب الأربعة في الستة يبلغ أربعة وعشرين لكن لا فرق بين كون البئر
في جهة المشرق والبالوعة في المغرب وبين العكس وإنما اقتضاه التقسيم فيرجع المسائل إلى ثمانية عشر فالتباعد بخمس
في كل صوره يوجد فيها أحد الأمور صلابة الأرض أو فوقية البئر بأحد المعنيين والسبع في الباقي وهو كل صورة ينتفى
فيها الأمران فيصير التباعد بخمس في سبع عشرة صورة وبسبع في سبع وإن أردت توضيح ذلك على وجه التفصيل
فنقول إذا كانت البئر إلى جهة الشمال فصوره ست أ قرارها أعلى والأرض صلبة ب الصورة بحالها والأرض
رخوة ج استوى القرار ان والأرض صلبة د الصورة بحالها والأرض رخوة ه‍ قرار البالوعة أعلى
والأرض صلبة ففي هذا الصور الخمس يكفي التباعد بخمس والصورة بحالها والأرض رخوة فالتباعد بسبع وإن
كانت البئر إلى جهة الجنوب فالصور ست أيضا أ قرارها أعلى والأرض صلبة ب الصورة بحالها والأرض
رخوة
ج استوى القرار ان والأرض صلبة د قرار البالوعة أعلى والأرض صلبة وفى هذه الصور الأربع التباعد
بخمس ه‍ قرارها أعلى والأرض رخوة واستوى القرار ان والأرض رخوة وفى هاتين الصورتين التباعد بسبع
وإن كانت البئر في جهة المشرق والبالوعة في المغرب فصوره ست أ قرارها أعلى والأرض صلبة ب الصورة
بحالها والأرض رخوة ج تساوى القرار ان والأرض صلبة د البالوعة أعلى والأرض صلبة ففي هذه الأربع
التباعد بخمس د، ورخاوة الأرض مع تساوى القرارين أو فوقية البالوعة وفى هاتين الصورتين
التباعد بسبع والست بعينها آتية في العكس وهو ما لو كانت البئر في جهة المغرب والبالوعة في المشرق واعلم إن في عبارة
المصنف هنا مخالفة لطيفة لعبارة الأصحاب في المسألة بل لعبارته في غير هذا الكتاب وذلك لأنه اعتبر في التباعد بسبع
رخاوة الأرض وفوقية البالوعة والخمس فيما عدا ذلك فتساوى قرارهما مع رخاوة الأرض من صور التباعد بخمس لعدم
اجتماع شرطي السبع فإن أحدهما فوقية البالوعة ولم تحصل وعبارته في القواعد وغيرها وباقي ما وجدناه من عبارة
الأصحاب صريحة في دخول هذه الصورة في صور السبع لأنهم شرطوا في التباعد بخمس أحد الامرين صلابة الأرض أو فوقية
البئر فتساوى القرارين ليس منه والرواية التي هي مستند الحكم ليس فيها ما يدل على حكم التساوي لأنه جعل السبع
مع فوقية البالوعة والخمس مع فوقية البئر فالتساوي مسكوت عنه ومثله عبارة المصنف في المخ واعتبار السبع في
المسألة المفروضة مع موافقته للمشهور أبلغ في الاستظهار
وأسآر الحيوان جمع سؤر بالهمزة وهو لغة ما يبقى
بعد الشرب وشرعا ماء قليل باشره جسم حيوان وإن لم يشرب منه وهو تابع له في الطهارة والنجاسة والكراهة فأسآر
الحيوان كلها طاهرة عدا سؤر الكلب والخنزير والكافر ومن أنواعه الناصب وعطفه عليه أما من باب عطف الخاص على العام أو يريد بالكافر من خرج عن الاسلام وبالناصب الإشارة إلى كفار المسلمين والمراد به من نصب العداوة لأهل
البيت عليهم السلام أو لأحدهم وأظهر البغضاء لهم صريحا أو لزوما ككراهة ذكرهم ونشر فضائلهم والاعراض عن مناقبهم
من حيث أنها مناقبهم والعداوة لمحبيهم بسبب محبتهم وروى الصدوق بن بابويه عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه
السلام قال ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد رجلا يقول أنا أبعض محمد أو آل محمد ولكن الناصب من نصب
لكم وهو يعلم أنكم توالوننا وأنكم من شيعتنا والخوارج من جملة النواصب لاعلانهم ببغض علي عليه السلام بل إنما هو
أبلغ من البغض وأما الغلاة فخارجون من الاسلام اسما ومعنى وذكرهم في فرق المسلمين تجوز وهل ينجس سور غير
157

هذه الثلاثة من فرق المسلمين قيل لا لعدم نقل اجتناب النبي وعلى عليهما السلام ذلك مع ما كان بين علي عليه السلام وبين
أهل عصره من المباينة والمخالفة وفى العقائد وسئل علي عليه السلام عن الوضوء من ركو أبيض مخمر أي مغطى أو من فضل وضوء
المسلمين فقال بل من فضل وضوء جماعة المسلمين فإن أحب دينكم إلى الله الحنيفية السمحة وهو اختيار المحقق والشهيد رحمه
الله في الذكرى وألحق جماعة منهم المصنف في بعض كتبه والشهيد في غيرها المجسمة بالحقيقة وبعضهم المجسمة ولو بالتسمية
والشيخ رحمه الله المجبرة أيضا وابن إدريس كل من خالف الحق وفى بعض الاخبار إن كل من قدم الجبت والطاغوت فهو ناصب
واختاره بعض الأصحاب إذ لا عداوة أعظم ممن قدم المنخرط عن مراتب الكمال وفضل المنخرط في سلك الأغبياء والجهال على
من تسنم أوج الجلال حتى شك في أنه الله المتعال والله أعلم بحقيقة الحال
والماء القليل المستعمل في رفع الحدث طاهر
إجماعا سوا في ذلك الحدث الأصغر والأكبر ومطهر إن كان الحدث أصغر إجماعا وكذا إن كان أكبر على المشهور للعموم و
لان الطهور ما يتكرر منه الطهارة كالضروب فلا ينافيه وذهب الشيخان وجماعة إلى كونه غير مطهر استنادا إلى أخبار
لو لم تكن ضعيفة أمكن حملها على التنزيه أو على نجاسة المحل جمعا بينها وبين غيرها من صحاح الاخبار وربما عللوه
بتأثر الماء لتأثيره في المحل رفع الحدث أو رفع منعه من الصلاة حيث لا يرتفع كما تأثر رافع الخبت حيث جعل المحل
بعد الغسل مخالفا لما قبله فكان المنع الذي في البدن انتقل وهذه العلة لو تمت لزم المنع من المستعمل في الصغرى
لاشتراكهما في العلة لكن الثاني جائز الاستعمال إجماعا فثبت الأول ويصير الماء مستعملا بانفصاله عن أعضاء الطهارة
مع قلته فالكثير لا يتصور فيه الانفعال كما أن المتردد على الأعضاء لا يمكن الحكم باستعماله وإلا لامتنع فعل الطهارة
بالقليل ولو ارتمس في القليل ارتفع حدثه بعد تمام الارتماس لأنه في حكم الانفصال وصار مستعملا بالنسبة إلى غيره
وإن لم يخرج ولو نوى جنبان فكذلك ولا يشترط إيقاعه النية في الماء بعد تمام الارتماس كما يظهر من الذكرى لان
الارتماس لا يتبعض فلا يرتفع الحدث إلا بعد تمامه على التقديرين ويجوز إزالة النجاسة به ولو منعنا من الطهارة
به حتى نقل الفاضل ولد المصنف الاجماع عليه والذكرى بالمنع محتجا بأن قوته استوفيت فألحق (فالتحق صح) بالمضاف ولم
يذكر قائله والمستعمل في رفع الخبث نجس سواء تغير بالنجاسة أو لا على أشهر الأقوال خصوصا بين المتأخرين وحجتهم أنه ماء
قليل لا في نجاسة فينجس وقول أبى عبد الله عليه السلام الماء الذي يغسل به الثوب ويغتسل به من الجنابة لا يتوضأ منه
وقول الكاظم عليه السلام في غسالة الحمام لا يغتسل منها فيثبت الحكم في غسالة غيره إذ لا قائل بالفصل وفى
هذه
الأدلة نظر أما الأول فلمنع كلية كرراه فإنها عين المتنازع فأخذها في الدليل مصادرة ولانتقاضها بماء الاستنجاء
فإن قيل خرج ذلك بالدليل فصار الباقي كالعام المخصوص في حجيته على ما بقي قلنا ذلك إنما يتم لو ثبت صورة الدليل
كذا وإلا فلنا إن نخرج ماء النجاسة أيضا لما سيأتي مع إن كليتها على ما عدا ذلك ممنوعة وأمن الدليل عليه وأما الخبر
فهو أعم من الدعوى فإن المنع من الوضوء به أعم من النجاسة فلا يستلزمها لعدم دلالة العام على الخاص العين وعطف الجنابة
عليه على تقدير تمامه يؤذن برفع الطهورية لا الطهارة وأما خبر غسالة الحمام فسيأتي فيه مع أنه معارض بقول الكاظم
عليه السلام في غسالة الحمام يصيب الثوب لا بأس واعلم إن في هذه المسألة أقوالا أربعة أحدها إن الماء المزيل للخبث
كالمحل قبل الغسل مطلقا فمتى لم يطهر المحل فالغسالة نجسة كنجاسة المحل قبله فيجب غسل ما أصابه هذا الماء كما
يجب غسل المحل بالنسبة إلى عدد الغسلات وجميع ما تقدم من الأدلة صالح لهذا القول وكلام المصنف محتمل له بل ظاهر
فيه لاطلاقه القول بنجاسة الماء وهذا القول نسبه الشهيد رحمه الله وثانيها أن الماء المستعمل في ذلك كالمحل
158

قبلها أي قبل الغسلة فيجب غسل ما أصابته ماء الغسلة الأولى مرتين والثانية مرة فيما يجب غسله مرتين
وهكذا وهو اختيار الشهيد رحمه الله ومن تأخر عنه ويحتمل أن يكون مذهبا للمصنف أيضا لان إطلاق القول بنجاسة
الماء لا ينافيه لكن ليس في عباراته تصريح به وما تقدم من الأدلة صالح له ويزيد عن الأول اختصاصا إن
المحل (المغسول صح) تضعف نجاسته بعد كل غسلة وإن لم يطهر ولهذا يكفيه من العدد ما لا يكفي قبل فيكون حكم ماء الغسلة
كذلك لان نجاسته مسببة عنه ولا يزيد حكمه عليه لان الفرع لا يزيد على الأصل وهذا هو المقيد لتلك الأدلة
الدالة على النجاسة على الاطلاق وثالثها أنه كالمحل بعدها أي بعد الغسلة فإن كان طاهرا فهي طاهرة كماء الغسلة
الثانية فيما يجب غسله مرتين وإن كان المحل نجسا فهي نجسة على ذلك الوجه كماء الغسلة الأولى فيجب غسل ما لاقته
مرة واحدة لان محلها يطهر بعدها بغسلة واحدة وهو اختيار الشيخ في الخلاف وحجته إن المحل بعد الأخيرة
طاهر مع بقاء بعض مائها فيه والماء الواحد لا تختلف أجزاؤه في الطهارة والنجاسة وجوابه اختصاص المتصل
بالعفو والحرج والضرورة بخلاف المنفصل ويعارض بماء الأولى للقطع ببقاء شئ منه ورابعها أنه كالمحل بعده أي بعد
الغسل كله وهو على طرف النقيض بالنسبة إلى القول الأول فماء الغسالة طاهر مطلقا سواء في ذلك الأولى
والأخيرة ذهب إليه الشيخ في المبسوط والمرتضى رحمهما الله لكن قيده بورود الماء على النجاسة وتبعهما ابن إدريس
وجماعة ويظهر من الشهيد في الذكرى الميل إليه لاستضعافه أدلة النجاسة واعترافه بأنه لا دليل عليها سوى الاحتياط
والحجة على هذا القول أنه لو حكم بنجاسة القليل الوارد لم يكن لوروده أثر ومتى لم يكن له أثر لم يشترط الورود
فيطهر النجس وإن ورد على القليل ولأنه لو حكم بنجاسته لم يطهر المحل بالغسل العددي والتالي باطل بالاجماع
والملازمة واضحة وهذه حجة المرتضى قال في الذكرى ويلزمه أن لا ينجس بخروجه بطريق أولى وأجاب المصنف في
المخ بمنع الملازمة فإنا نحكم بطهر الثوب والنجاسة في الماء بعد انفصاله عن المحل وهو تعسف زائد فإن الماء
إذا لم ينجس بملاقاة النجاسة له لم ينجس بعد انفصاله عنها ومفارقته لها بطريق أولى لان المقتضى للتنجيس
هو الملاقاة لها لا مفارقتها فكيف يرتكب فك المعلول عن علته التامة ثم وجوده بدونها إن قيل الدليل لما دل
على نجاسته بعد الاتصال والانفصال وتوقف طهارة المحل على عدم نجاسة الماء اقتصر فيه على محل الضرورة
وهو ما قبل الانفصال لا ما بعده قلنا الانفصال لا يصلح سببا للنجاسة ولا جزاء للسبب لعدم صلاحيته
لذلك فإنه مقتض لبعد الماء عن النجاسة وذلك يقينا في قبوله أثرها ولولا يرتكب طهارته مطلقا كما في ماء الاستنجاء
فإن وجود النظير يمنع الاستبعاد أو يحكم بنجاسته مطلقا للدليل والحكم بطهر المحل خرج بحكم الشارع وبالإجماع
وبأنه لولاه لما أمكن التطهير بالقليل وهنا قول خامس حكاه الشهيد رحمه الله في حاشية الألفية عن بعض الأصحاب
ولم يسمه وهو أن ماء كل غسلة كمغسولها قبل الغسل وإن حكم بطهارة المحل بدو أن ترامت لا إلى نهاية محتجا
بأنه ماء قليل لا في نجاسة وبيانه إن طهارة المحل بالقليل على خلاف الأصل المقرر من نجاسة القليل بالملاقاة
فيقتصر فيه على موضع الحاجة وهو المحل دون الماء ويدفعه حكم الشارع بالطهارة عند تمام الغسلات ولا اعتبار
بما حصل بعد ذلك وللزوم الحرج المنفى وربما نسب هذا القول إلى المصنف وكلامه بالقول الأول أليق وتحقيقه به أنسب
ووجه مناسبة عباراته له أنه يسوقها في الماء المستعمل في إزالة النجاسة وبعد الحكم بالطهارة شرعا لا يصدق
النجاسة وما نبهنا عليه من الأقوال وحررناه لا يكاد يوجد مجموع الأطراف فيما علمناه وإن كان بعض الفضلاء
159

قد نفى ما زاد على ثلاثة أقوال بقي هنا شئ ينبغي التنبه له وهو إن المصنف عطف بعد سواء بأو في قوله سواء تغير
بالنجاسة أو لا وقد أكثر من استعمال ذلك في كتبه كغيره من الفقهاء وقد منع منه جماعة من محققي العربية من المتقدمين
والمتأخرين وحجتهم في ذلك إن أو تقتضي أحد الشيئين أو الأشياء والتسوية تقتضي نفس الشيئين أو الأشياء والأجود
العطف بأم المتصلة التي ما قبلها وما بعدها لا يستغني بأحدهما عن الاخر قال تعالى سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر
لهم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون وقال
أبو على الفارسي لا يجوز أو بعد سواء فلا يقال سواء على قمت أو قعدت لأنه يكون المعنى سواء على أحدهما وذا لا يجوز لان
التسوية تقتضي شيئين فصاعدا وقال ابن هشام في المغنى قد أولع الفقهاء وغيرهم بأن يقولوا سواء كان كذا أو كذا وهو
وهو نظير قولهم يجب أقل الامرين من كذا أو كذا والصواب العطف في الأول بأم وفى الثاني بالواو ثم نقل عن الصحاح سواء
علي قمت أو قعدت قال وهو سهو ونقل عن الهذلي إن ابن محيص قرأ من طريق الزعفراني أو لم تنذرهم وحكم
عليه بأنه
من الشذوذ بمكان والظاهر من المصنف أنه يختار ما نقله صاحب الصحاح من جواز ذلك وقد وافقه عليه بعض أهل
العربية وظاهر الشيخ الرضى رحمه الله اختيار ذلك حيث قال بعد نقل كلام الفارسي وحجته بأن أو يقتضى أحد
الشيئين ويرد عليه أن معنى أم أيضا أحد الشيئين أو الأشياء فيكون معنى سواء على قمت أو قعدت سواء على أيهما
فعلت أي الذي فعلت من الامرين وهذا أيضا ظاهر الفساد قال وإنما لزمه ذلك في أو وأم لأنه جعل سواء خبرا مقدما
وما بعده مبتدأ والوجه إن سواء خبر مبتدأ محذوف أي الأمران سواء ثم بين الامرين بقوله قمت أو (أم خ ل) قعدت والجملة
سادة مسد جواب الشرط الذي لا شك في تضمن الفعل بعد سواء وما أبالي معناه إلا ترى إلى أفاد الماضي في
مثله معنى المستقبل وما ذاك إلا لتضمن معنى الشرط انتهى كلام الرضى وفرق السيرافي في شرح كتاب سيبويه بين
ما لو دخلت همزة التسوية بعد سواء ولم تدخل فجوز أو على الثاني دون الأول فقال سواء إذا دخلت بعدها ألف
الاستفهام لزمت أم بعدها كقولك سواء على أقمت أم قعدت وإن كان بعد سواء فعل بغير استفهام جاز
عطف أحدهما على الاخر بأو كقولك سواء على قمت أو قعدت انتهى وكلام المصنف جار على القسم الثاني والآيات الشريفة
على الأول فقد تلخص في المسألة ثلاثة أقوال المنع مطلقا والجواز مطلقا والتفصيل وإنما أطنبنا القول
في ذلك لكثرة جريانه وشدة الحاجة إليه وعدم اشتهار ما حررناه من الخلاف ثم عد إلى عبارة الكتاب واعلم إن
المستعمل في إزالة الخبث نجس إلا ماء الاستنجاء من الحدثين فإنه طاهر إجماعا كما نقله المصنف في المنتهى وفى المعتبر
هو عفو وقربه في الذكرى وتظهر الفائدة في استعماله ثانيا فيجوز الأول دون الثاني والأصل فيه حكم
الصادق عليه السلام بعدم نجاسة الثوب الملاقي له وهو يستلزم الطهارة ولأن في الحكم بنجاسته حرجا ومشقة
لعموم البلوى به وكثرة تكرره ودورانه بخلاف باقي النجاسات والاجماع الذي ادعاه المصنف كاف أيضا ولا فرق
بين المخرجين ولا بين المتعدى وغيره إلا أن يتفاحش بحيث يخرج عن مسمى الاستنجاء ولا بين الطبيعي وغيره إذا
صار معتادا لاطلاق الحكم لكن يشترط لطهارته أمور دل على اشتراطها أدلة أخر أشار بعضها بقوله ما لم يتغير
بالنجاسة أو يقع على نجاسة خارجة عن حقيقته كالدم المستصحب له أو عن محله وإن لم يخرج عن الحقيقة كالحدث
الملقى على الأرض وغيره من النجاسات ولا يحتاج إلى تنقيح المحل بجعل عدم استصحابه لنجاسة أخرى شرطا (ثانيا؟)
يشترط زيادة على ما ذكر إن لا ينفصل مع الماء أجزاء من النجاسة متميزة لأنها كالنجاسة الخارجة يتنجس الماء بها
160

بعد مفارقة المحل وهل يشترط عدم زيادة الوزن ظاهر الشهيد في الذكرى ذلك والظاهر عدم الاشتراط لانحصار
التنجيس في تغير أحد الأوصاف الثلاثة لا مطلق الوصف كالثقل والخفة وغيرهما وأما سبق الماء اليد إلى المحل أو مقارنتها
له فلا أثر له لتنجس اليد على كل حال فلا فرق بين تقدمها عليه وتأخرها عنه نعم يجب (تعقل؟) ذلك بما إذا كانت نجاستها
لكونها آلة للغسل فلو تنجست لا لذلك ثم حصل الاستنجاء فلا عفو وغسالة الحمام وهي الماء المستنقع فيه و
المنفصل عن المغتسلين نجسة ما لم يعلم خلوها من نجاسة نهى الكاظم عليه السلام عن الاغتسال من البئر الذي
تجمع فيها غسالة الحمام معللا بأن فيها غسالة ولد الزنا والناصب وهو شرهما وهذا هو المشهور حتى ادعى عليه ابن إدريس
الاجماع والرواية ضعيفة السند مرسلة ومعارضة بقوله عليه السلام في حديث آخر وقد سئل عن مجتمع الماء في الحمام
من غسالة الناس يصيب الثوب قال لا بأس وهذه الرواية وإن كانت مرسلة أيضا إلا أنها لا تقصر عن مقاومة الرواية
الأخرى وتبقى معنا أصالة طهارة الماء واختار المصنف في المنتهى طهارتها للخبر والأصل وهو الطاهر إن لم يثبت الاجماع
على خلافه ويكره الطهارة بالماء المسخن في الشمس في الأواني لما ورد من نهى النبي صلى الله عليه وآله عنه معللا بأنه
يورث البرص وحمل النهى على الكراهة جمعا بينه وبين قول الصادق عليه السلام لا بأس بأن يتوضأ بالماء الذي
يوضع في الشمس ويمكن الجمع بين خبري الغسالة بذلك ولأن العلة راجعة إلى المصلحة الدنيوية فالنهي من قبيل
الارشاد وعلى حد قوله واشهدوا إذا تبايعتم وإنما لم يكن محرما مع الاتفاق على وجوب دفع الضرر لأنه ليس بمعلوم
الوقوع ولا مظنونه وإنما هو ممكن نظر إلى صلاحيته له وكما تكره الطهارة به يكره استعماله في غيرها من إزالة
نجاسته وأكل وشرب على الطاهر لاقتضاء التعليل ذلك ولا يشترط القصد إلى التسخين فيعم الحكم المتسخن بنفسه فلو قال
المتسخن كان أولى وكذا لا يشترط بقاء السخونة استصحابا لما ثبت ولصدق الاسم مع زوالها إذ المشتق لا يشترط
في صدقه بقاء أصله وربما قيل باشتراطهما ولا فرق بين الأواني المنطبعة كالنحاس والحديد وغيرها ولا بين البلاد
الحارة وغيرها إن كان المحذور يقوى تولده في الأولين لتأثير الشمس فيها زهومة يتولد منها المحذور فإن الحكم
إذا علق بمظنة شئ غم جميع أفراده وإن قصر بعضها عن ذلك كالقصر المعلق بمظنة المشقة وهو السفر إلى مسافة مع عدم
في المشقة لجميع أفراده بل ربما حصنت المشقة في بعض الافراد في بعض المسافة اضعاف ما يحصل في الزائد عنها
فرد آخر والتقييد بالأواني يشعر باختصاص الحكم بها فلو تسخن الماء في حوض أو في ساقية لم يكره استعماله و
إطلاق النص والفتوى والتعليل يقتضى عدم الفرق بين القليل من الماء والكثير ولا منافاة بين الوجوب عينا والكراهة كما
في الصلاة وغيرها من العبادات على بعض الوجوه فلو لم يجد ماء آخر غيره لم تزل الكراهة وإن وجب استعماله عينا
لبقاء العلة مع احتمال الزوال فكذا يكره استعمال الماء المسخن بالنار في غسل الأموات لما ورد من نهى أبى جعفر
عليه السلام عنه وعلل مع ذلك بأن فيه أجزاء نارية فلا نعجل له وتفالا بالحميم وبأنه يرخى بدن الميت ويعده لخروج
شئ من النجاسات ومحل الكراهة عند عدم الضرورة أما معها كخوف الغاسل على نفسه من البرد فلا (مع احتمال بقائها كما مر صح) وكذا لا يكره استعماله
في غير غسل الأموات للأصل وعدم النص وفقد العلة وكذا يكره سؤر الحيوان الجلال وهو الذي يغتذي بعذرة
الانسان محضا إلى أن ينبت لحمه عليه ويشتد عظمه أو يسمى في العرف جلالا وسيأتي تفصيله وتحقيقه إن شاء الله تعالى
161

عن الكاظم عليه السلام إذ لا قائل بالتحريم وأطلق الشيخ في المبسوط الكراهة لاطلاق بعض الاخبار وحمل المطلق على المقيد
طريق الجمع وطرد الشهيد رحمه الله الحكم في كل متهم ونوقش فيه حيث أنه تصرف في النص وسور البغال والحمير الأهلية دون
الوحشية وكذا الدواب لكراهة لحم الجميع والفأرة والحية وكذا كل ما لا يؤكل لحمه وما مات فيه الوزغ بالتحريك
جمع وزغة دابة معروفة وكذا ما خرج منه حيا وسام أبرص من أصنافه وفى الصحاح سام أبرص من كبار الوزغ
قول بالمنع مستند إلى روايات معارضة بأشهر منها وحملها على الكراهة طريق الجمع
النظر السادس فيما يتبع الطهارة
وهو إزالة النجاسة الذي يطلق عليه الطهارة مجازا ولما كان الحكم بوجوب إزالتها وكيفيته موقوفا على العلم بها لتوقف
التصديق بالشئ على تصوره أشار إلى تعدادها أولا فقال النجاسات عشرة أنواع البول والغائط من الحيوان ذي
النفس السائلة أي ذي الدم الذي يجتمع في العروق ويخرج إذا قطع شئ منها بسيلان وقوة بخلاف دم ما لا نفس له
كالسمك فإنه يخرج ترشحا وإنما يكونان نجسين إذا كانا من الحيوان غير المأكول اللحم سواء كان تحريمه بالأصالة أي
بأصل الشرع لا بسبب عارض له أوجب تحريمه بعد إن كان محللا كالأسد أو كان تحريمه بالعرض كالجلال ومثله موطوء
الانسان ومستند الجميع قول الصادق عليه السلام أغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه والغائط كالبول إجماعا لعدم
القائل بالفرق وأخرج جماعة من الأصحاب الطير وابن الجنيد بول الرضيع قبل أكله اللحم استنادا إلى روايات معارضة
بأشهر منها أو قابلة للجمع ودخل في غير المأكول الانسان بجميع أصنافه حتى النبي صلى الله عليه وآله ولم يثبت أنه صلى الله
عليه وآله أقر أم أيمن على شرب بوله وإن قال لها أذن لا تلج النار بطنك كما لم يثبت أنه أقر حجامه على شرب دمه ما روى
أنه أنكر في الموضعين حتى قال لأبي ظبية (طيبه خ ل) لا تعد الدم كله حرام والمثبت مقدم على النافي والمعتبر في الغائط صدق اسمه
فالحب الخارج من المحل غير المستحيل ظاهر واعتبر المصنف في مهارته إمكان نباته لو زرع وليس بجيد بل المعتبر صدق الاسم والمنى
من كل حيوان ذي نفس سائلة وإن كان مأكولا ولا فرق بين الآدمي وغيره ولا بين الحيوان البري والتمساح لعموم قول النبي
صلى الله عليه وآله إنما يغسل الثوب من المنى والدم والبول والميتة من ذي النفس السائلة مطلقا سواء كان مأكول اللحم أم لا
إجماعا ومنه الآدمي لكان يجب أن يستثنى منه ما إذا حكم بطهره شرعا أما لتطهيره بالغسل وإن كان متقدما على موته كالمأمور
به ليقتل أو لكونه لم ينجس بالموت لكونه شهيدا أو معصوما والاحتجاج بأن الآدمي لو كان نجسا لما طهر بالغسل معارض
بأنه لو كان ظاهرا لما أمر بغسله وقبوله الطهارة يوجب اختلاف النجاسات في ذلك بوضع الشرع ولا بعد فيه عند من نظر
إلى مختلفات الاحكام وأجزاؤها نجسة كجملتها سواء أبينت وفصلت الاجزاء من حي أو ميت إلا ما تحله الحياة من تلك الأجزاء
كالصوف والشعر والوبر والعظم والظفر والظلف والقرن والحافر والسن من جملة العظم وفى حكمها البيض إذا اكتسى
القشر الأعلى والإنفحة بكسر الهمزة وفتح الحاء مخففة قاله الجوهري ويجوز تشديد الحاء وهي كرش السخلة قبل أن تأكل
وإن حلتها الحياة فإن هذه الأشياء كلها طاهرة بالأصل إن كانت من الميتة إلا أن تكون من نجس العين كالكلب والخنزير والكافر فإنها نجسة لنجاسة أعيانها فيدخل فيه جميع أجزائها وخالف المرتضى رحمه الله في ذلك فحكم بطهارة ما لا
تحله الحياة منها استنادا إلى عدم تنجس ما لا تحله الحياة منها بالموت كغيرها من الميتات وأجيب بأن المقتضى للتنجيس في
الميتة صفة الموت وهي غير حاصلة فيما لا تحله الحياة وفيها نفس الذات لقول الصادق عليه السلام في الكلب رجس
نجس وقوله عليه السلام في الخنزير إغسل يدك إذا مسته كما تمس الكلب وهو يقتضى أن يكون عينها نجاسة (نجسة خ ل) فيدخل
162

فيه جميع الاجزاء والدم من ذي النفس السائلة مطلقا لعموم الخبر المتقدم أو إطلاقه ومنه العلقة وإن كانت في البيضة
حتى ادعى الشيخ في الخلاف الاجماع على نجاستها واحتج عليها في المعتبر بأنها دم حيوان له نفس وفى الدليل منع
وكونها في الحيوان لا يدل على أنها منه وقول ابن الجنيد بعدم نجاسة الثوب بدم كعقد الابهام العليا مخالف للاجماع
واحترز بذي النفس عن غيره كالسمك والجراد والبراغيث ونحوها فإن دمها طاهر عندنا إجماعا نقله الشيخ في
الخلاف وغيره من المتأخرين فخلافه في المبسوط والجمل مدفوع باعترافه بالاجماع ولقول الصادق عليه السلام ليس به
بأس وعن علي عليه السلام أنه كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك ويستثنى من دم ذي النفس ما يستخلف في اللحم مما
لا يقذفه المذبوح فإنه طاهر حلال إذا لم يكن جزأ من محرم كدم الطحال ولا فرق بين تخلفه في العروق أو في اللحم
أو البطن ما لم يعلم دخول شئ من الدم المسفوح أو تخلفه لعارض كجذب الحيوان له بنفسه أو لذبحه في أرض منحدرة ورأسه
أعلى فإن ما في البطن حينئذ نجس والكلب والخنزير وأجزاؤهما وإن لم تحل الحياة حتى المتولد بينهما وإن
باينهما في الاسم
أما المتولد من أحدهما وحيوان طاهر فإنه يتبع في الحكم الاسم سواء كان لأحدهما أم لغيرهما فإن لم يصدق عليه اسم أحدهما
ولا غيرهما مما هو معلوم الحكم فالأقوى فيه الطهارة والتحريم والكافر بجميع أصنافه وإن أظهر الاسلام إذا جحد ما يعلم
ثبوته من الدين ضرورة كالخوارج وهم أهل النهروان ومن دان بمقالتهم وسموا بذلك لخروجهم على الإمام عليه السلام
بعد إن كانوا من حزبه أو لخروجهم من الاسلام كما وصفهم النبي صلى الله عليه وآله بأنهم يمرقون من الدين كما
يمرق السهم من الرامي ويسمون أيضا الشراة لقولهم نحن شرينا أنفسنا ابتغاء وجه الله وخرجوا على إمامهم بشبهة (لشبهة خ ل)
التحكيم وقد روى عن الباقر عليه السلام أنه قال عن خارجي بعد مفارقته إياه مشرك والله أي والله مشرك والغلاة
جمع غال وهو لغة مجاوزة الحد في شئ والمراد هنا الذين زادوا في الأئمة عليهم السلام واعتقدوا فيهم أو في أحدهم أنه
أنه إله ونحو ذلك ويطلق الغلو أيضا على من قال بإلهية أحد من الناس والأنسب أن يكون هو المراد هنا وفى حكمهم النواصب وهم
الذين ينصبون العداوة لأهل البيت عليهم السلام كما تقدم والمجسمة كما اختاره المصنف في غير هذا الكتاب وهم قسمان مجسمة
بالحقيقة وهم الذين يقولون إن الله جسم كالأجسام ولا ريب في كفر هذا القسم وإن تردد فيه بعض الأصحاب ومجسمة
بالتسمية المجردة وهم القائلون بأنه جسم لا كالأجسام وفى نجاسة هذا القسم تردد وكان الدليل الدال على نجاسة الأول
دال على الثاني فإن مطلق الجسمية يوجب الحدوث وإن غاير بعضها بعضا وألحق الشيخ بهم المجبرة والمرتضى وجماعة من خالف
الحق مطلقا وما ذكره المصنف من الفرق على جهة المثال وضابطه من جحد ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة وإن انتحل الايمان
فضلا عن الاسلام والأصل في نجاسة الكافر بأقسامه بعد إجماع الإمامية قوله تعالى إنما المشركون نجس و
إضمار ذو نجس ونحوه على خلاف الأصل لا يصار إليه إلا مع تعذر الحمل على الحقيقة وقد قال الله تعالى عن اليهود و
النصارى تعالى عما يشركون وعن من خالف الايمان كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وخروج بعض الافراد
لدليل لا ينفى دلالته على الباقي وأيضا فالنصارى قائلون بالتثليث وهو شرك وكل من قال بنجاستهم قال بنجاسة
جميع الفرق فالفرق أحداث قول ثالث خارج عن الاجماع والمسكرات المايعة بالأصالة فالخمر المجمد نجس والحشيشة
ليست نجسة وإن عرض لها الذوبان وتوقف المصنف في المنتهى في تحريم الحشيشة لعدم وقوفه على قول لعلمائنا فيها
قال والوجه أنها إن أسكرت فحكمها حكم الخمر في التحريم لا النجاسة والقول بنجاسة المسكر هو المشهور بين الأصحاب و
نقل المرتضى والشيخ فيه الاجماع ومستنده مع الاجماع وصفه في الآية بالرجس المرادف للنجاسة ولذلك يؤكد
163

بها كقولهم رجس نجس ويدل عليها أيضا أخبار منها قول الصادق عليه السلام لا تصل في ثوب أصابه خمر أو مسكر
حتى تغسل ولا يخلو تلك الأخبار من ضعف أما في السند أو الدلالة ومن ثم قال الصدوق وجماعة لطهارتها تمسكا
ما حادث مع مساواتها لتلك في الضعف وتصور بعضها في الدلالة لا تقاوم الاجماع وإن كان منقولا بخبر الواحد
وظاهر القرآن وفى حكمها العصير العنبي على المشهور خصوصا بين المتأخرين ويظهر من الذكرى إن القائل به قليل ولا
نص عليه ظاهرا وفى البيان لم أقف على نص يقتضى تنجيسه وإنما ينجس عند القائل به إذا غلا وهو أن يصير أعلاه أسفله بنفسه
أو بالشمس أو بالنار واشتد وهو أن يحصل له ثخانة وهي مسببة عن مجرد الغليان عند الشهيد وتبعه الشيخ على رحمهما
الله ووجهه أن الغليان لما كان هو الموجب لها فكل جزء منه يوجب جزأ منها ولما كان المعتبر أول أخذه في الثخانة كفى فيه أول
أخذه في الغليان وإن لم تظهر للحس وفى المعتبر يحرم مع الغليان ولا ينجس إلا مع الاشتداد وهذا هو الظاهر فإن التلازم
غير ظاهر خصوصا فيما غلا بنفسه والحكم مخصوص بعصير العنب كما ذكرناه فلا يلحق به عصير التمر وغيره حتى الزبيب على الأصح
ما تحصل فيه خاصية الفقاع للأصل وخروجه عن مسمى العنب وذهاب ثلثيه بالشمس فكما يتغير في نجاسته فكذا في طهارته
فيحل طبيخه خلافا لجماعة من الأصحاب محتجين بمفهوم رواية علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام حيث سأله عن الزبيب يؤخذ ماؤه
فيطبخ حتى يذهب ثلثاه فقال لا بأس ودلالة المفهوم الوصفي ضعيفة عندنا لو صح سند الحديث كيف وفى طريقه سهل
بن زياد وغاية نجاسة العصير حينئذ ذهاب ثلثيه بالنار وغيرها وانقلابه خلا قبل صيرورته دبسا ولو أصاب شيئا
قبل ذهاب الثلثين فنجسه كفى في طهره جفاف ثلثي ما أصاب من البلل لوجود علة الطهر فلا يتخلف عنها المعلول ومتى
حكم بطهره حكم بطهر آلات طبخه وأيدي مزاوليه وثيابهم كما يحكم بطهر آلات الخمر وما فيها من الأجسام الموضوعة للعلاج وغيره
بانقلابه خلا وطهر يد نازح البئر والدلو والرشا حافات البئر وجوانبها والسر في جميع ذلك أنه لولا الحكم بطهره
لكانت طهارة هذه الأشياء أما متعذرة أو متعسرة جدا بحيث يلزم منه مشقة عظيمة وحرج واضح مدفوع بالآي
والخبر ولو وضع فيه أجسام طاهرة تبعته في الطهارة والنجاسة قطع به المصنف في النهاية ويؤيده طهر الأجسام المطروحة في
الخمر المنقلب خلا وليس قياسا ممنوعا بل جليا من باب مفهوم الموافقة والعاشر من أنواع النجاسات العشر الفقاع وهو
من تفردات علمائنا وقد ورد في الاخبار من الطريقين كونه بمنزلة الخمر نقل المرتضى عن أحمد بإسناده أن الغبيراء التي
التي نهى النبي صلى الله عليه وآله عنها هي الفقاع وعن زيد بن أسلم الغبيراء التي نهى النبي صلى الله عليه وآله عنها هي
الأسكركة وهي خمر الحبشة ومن طريق الأصحاب ما رواه سليمان بن جعفر قال قلت للرضا عليه السلام ما
تقول في شرب
الفقاع فقال هو خمر مجهول وعنه عليه السلام هي خمرة استصغرها الناس والأصل في الفقاع ما يتخذ من ماء الشعير كما
ذكره المرتضى في الانتصار لكن لما ورد النهى عنه معلقا على التسمية ثبت له ذلك سواء لعمل منه أم من غيره إذا حصل فيه خاصيته
وهي النشيس وما يوجد في الأسواق مما يسمى فقاعا يحكم بتحريمه تبعا للاسم إلا أن يعلم انتفاؤه قطعا كما لو شوهد الناس
يصفون ماء الزبيب وغيره الحالي من خاصيته في إناء طاهر ولم يغيبوا به عن العين ثم أطلقوا عليه اسم الفقاع فإنه لا يحرم
بمجرد هذا الاطلاق للقطع بفساده واعلم أن ما ذكرناه من كون الفقاع هو أحد الأنواع العشرة للنجاسة هو المشهور
في التقسيمات وإلا فيكن جعل العصير العنبي أحد العشرة أو هو مع الفقاع بناء على اشتراكهما في معنى واحد وهو كونهما
بحكم المسكر
ولما فرغ من بيان النجاسات بذكر أنواعها شرع في بيان حكمها وهو المقصور الذات فقال ويجب إزالة النجاسات
المذكورة عن الثوب والبدن للصلاة والطواف وجوبا مشروطا بوجوبهما لا مستقرا بمعنى تحريمهما بدون الإزالة ولو
164

كانا مندوبين فوجوب الإزالة بمعنى الشرط على سبيل المجاز ودخول المساجد وإن لم يخف التلويث على ما اختاره
المصنف فلذا أطلقه هنا لقول النبي صلى الله عليه وآله جنبوا مساجدكم النجاسة وللاتفاق على منع الكافر من دخولها
وما ذاك إلا لنجاسته واعتبر جماعة من الأصحاب في وجوب إزالتها لدخول المساجد كونها متعدية إلى المسجد أو شئ من
آلاته أما مع عدمه فلا لجواز دخول المستحاضة والحائض المسجد والأطفال وهم لا ينفكون عن النجاسة غالبا قال في الخلاف
يجوز للمجنب والحائض دخول المساجد بالاجماع ولم يعتبر التلويث ومنع الكافر لغلظ نجاسته أو لأنه معرض للتلويث
غالبا أو لاختصاصه بذلك ويستفاد من الحديث وجوب إزالتها عن المساجد كفاية لعموم الخطاب وإن تأكد الوجوب
على مدخلها وهل ينافي إزالتها الصلاة مع سعة الوقت وإمكان الإزالة وجه أخذ من إن الامر بالشئ يستلزم النهى
عن ضده وإن النهى في العبادة يقتضى الفساد وفى المقدمة الأولى منع ظاهر فإن الذي يقتضى الامر بالإزالة النهى عنه
هو الضد العام الذي هو النقيض لا الخاص كالصلاة فإن المطلوب في النهى هو الكف عن الشئ والكف عن الامر العام غير
متوقف على الأمور الخاصة حتى يكون شئ منها متعلق النهى وإن كان الضد العام لا يتقوم إلا بالأضداد الخاصة لامكان
الكف عن الامر الكلى من حيث هو هو حتى إن المحققين من الأصوليين على أن الامر بالكلي ليس أمرا بشئ من جزئياته وإن
توقفت عليها من باب المقدمة ووجوبه في من هذا الباب ليس من نفس الامر لا يقال وجوب الإزالة على الفور ينافي وجوب
الصلاة مع سعة الوقت لان الوجوبين إن اجتمعا في وقت واحد مع بقاء الفورية في وجوب الإزالة لزم تكليف ما
لا يطاق وإلا خرج الواجب الفوري عن كونه واجبا فوريا لأنا نقول لا منافاة بين وجوب تقديم بعض الواجبات على
بعض وكونه غير شرط في الصحة كما في مناسك منى يوم النحر فإن الترتيب واجب فيها بالأصالة ولو خالف أجزأ ولا امتناع في أن يقول الشارع أوجبت عليك كلا من الامرين مع تضيق أحدهما وتوسعة الاخر وإنك إن قدمت المضيق امتثلت
وسلمت من الاثم وإن قدمت الموسع امتثلت وأثمت في المخالفة في التقديم فلزوم تكليف ما لا يطاق على هذا التقدير
ممنوع ومثله القول في المعارضة بين الصلاة في الوقت الموسع ووفاء الدين ونحو ذلك وكذا يجب إزالة النجاسة
عن الآنية للاستعمال حيث يكون الاستعمال موجبا لتعدي النجاسة ومشروطا بالطهارة كالأكل والشرب اختيارا
لا مطلق الاستعمال وكذا يجب إزالتها عما أمر الشارع بتعظيمه كالمصاحف المطهرة والضرائح المقدسة وآلاتهما وعن
مسجد الجبهة للنص وعن المساجد السبعة عند أبي الصلاح وعن المصلى بأسره عند المرتضى كل ذلك عند تحقق الحاجة
إليه كدخول الوقت إن أريد الواجب الموسع وضيقه إن أريد المضيق
وعفى في الثوب والبدن عن دم القروح والجروح
اللازمة أي المستمرة الخروج بحيث ينقطع أصلا أو ينقطع فترة لا تسع لأداء الفريضة مع إزالتها أما لو انقطعت كذلك
وجب على ما اختاره المصنف وشيخه المحقق وتبعهما الشهيد رحمه الله وبالغ المصنف في النهاية فاقتصر من نجاسة الثوب والبدن
على محل الضرورة وأوجب إبدال الثوب مع الامكان مطلقا محتجا بزوال المشقة وقريب منه حكمه في القواعد فإنه قيد
الرخصة من أصلها بمشقة الإزالة ورواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت إن قائدي أخبرني إنك تصلى وفى
ثوبك دم فقال بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ تدل على خلاف ذلك بل على إن غاية الرخصة برؤها فلا
يجب إبدال الثوب ولا تخفيف النجاسة ولا عصبها بحيث يمنع الدم من الخروج زمن الصلاة واختاره المحقق الشيخ على
وفسر اللازمة في عبارة الكتاب بأنها التي لم تبرأ ومختاره حسن دون تفسيره لان ذلك ليس مذهبا للمصنف حتى يفسر
كلامه به وإنما يصلح تفسيره بذلك على مذهب المفسر وعما دون سعة الدرهم البغلي بإسكان العين وتخفيف اللام منسوب
165

إلى رأس البغل ضربه للثاني في ولايته بسكة كسروية فاشتهر به وقيل بفتحها وتشديد اللام منسوب إلى بغل قرية بالجامعين
كان يوجد بها دراهم يقرب سعتها من أخمص الراحة وهو ما انخفض من باطن الكف ذكر ابن إدريس أنه شاهده كذلك
وشهادته في قدره مسموعة وقدر أيضا بعقد الابهام العليا وهو قريب من أخمص الكف وقدر بعقدة الوسطى والظاهر
أنه لا تناقض بين هذه التقديرات لجواز اختلاف الدراهم من الضارب الواحد كما هو الواقع وإخبار كل واحد عن
فرد
رآه ومستند العفو صحيحة عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يصلى
وفى ثوبه نقط الدم ينسى أن يغسله فيصلى ثم يذكره قال يغسله ولا يعيب صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا
فيغسله ويعيد وإنما يعفى عن هذا المقدار من الدم المسفوح وهو الخارج من البدن عدا ما استثنى في حال كونه
مجتمعا هذا المقدر وهو ما دون الدرهم وفى الدم المتفرق خلاف واختار المصنف في غير هذا الكتاب وأكثر المتأخرين
إلحاقه بالمجتمع فيجب إزالته إن بلغه لو جمع لاطلاق التقدير في بعض الاخبار وصحيحة ابن أبي اليعفور المتقدمة تدل
عليه أيضا لأنها مفروضة في المتفرق كما علم من قوله في ثوبه نقط الدم وقيل بعد وجوب الإزالة مطلقا استنادا
إلى هذا الخبر يجعل مجتمعا خبرا لكان وأجاب المصنف بإمكان كونه حالا مقدرة ورد بأن الحال المقدرة هي التي زمانها
غير زمان عاملها كمررت برجل معه صقر صائدا به غدا أي مقدرا فيه الصيد وهنا لا بد من اتحاد زمان الحال و
عاملها والأولى كونه حالا محققة وتقدير الاجتماع يدل عليه صدر الحديث كما بيناه وتبقى دلالته على ما تحقق
فيه الاجتماع من باب مفهوم الموافقة لان المجتمع بالفعل لا يعقل تقدير الاجتماع فيه وهذا الحكم في الدم المتفرق في الثوب الواحد أما المتفرق في الثياب المتعددة أو فيها وفى البدن فهل الحكم فيها كذلك بمعنى تقدير جميع ما فيها
أو لكل واحد من الثوب والبدن حكم بانفراده ولا يضم أحدهما إلى الاخر أو لكل ثوب حكم كذلك فلا يضم بعضها إلى بعض
ولا إلى البدن أوجه واعتبار الأول أوجه وأحوط ولو أصاب الدم وجهي الثوب فإن تفشى من جانب إلى آخر فدم واحد وإلا
فدمان واعتبر الشهيد في الوحدة مع التفشي رقة الثوب وإلا تعدد ولو أصاب الدم المعفو عنه مائع طاهر ولم يبلغ
المجموع الدرهم قيل زال العفو لأنه قد صار حاملا لنجس وهو الرطوبة الملاقية للدم وليست دما مسفوحا واختاره
الشهيد في البيان والأصح أن العفو بحاله لان النجس بشئ لا يزيد عليه لعدم زيادة الفرع على أصله وهو اختيار الذكرى وقوله غير الدماء الثلاثة استثناء من الدم المذكور أو صفة له اعترض بينهما بجملة وفى التفرق خلاف
أما الحيض فقد ورد في موقوف أبي بصير أنه لا يعفى عن كثيره ولا قليله وعمل بمضمونه الأصحاب وألحقوا به دم الاستحاضة
والنفاس لاشتراكهما في إيجاب الغسل وهو مشعر بغلظ حكمها ولأن النفاس حيض محتبس والاستحاضة مشتقة منه
وغير دم نجس العين وهو الكلب وأخواه والميتة لتضاعف النجاسة وعفى أيضا عن مطلق نجاسة ما لا تتم الصلاة
فيه حالة كونه منفردا كالتكة والجورب وهو نعل مخصوص معرب والقلنسوة بضم السين وما اشتبه ذلك مما لا يستر
العورتين والأصل فيه قول الصادق عليه السلام كل ما كان على الانسان ومعه مما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس
أن يصلى فيه وإن كان فيه قدر مثل القلنسوة والتكة والنعل والخفين وما أشبه ذلك واقتصر بعضهم على
ما في الرواية ولفظ مثل وما أشبه ذلك يأباه وألحق الصدوقان العمامة بناء على عدم صحة الصلاة فيها على
الهيئة المخصوصة وليس بجيد لأنها ثوب تتم فيه الصلاة منفردا إلا أن تكون صغيرة بحيث لا تستر العوة فتكون
166

كغيرها وإنما يعفى هذه الأشياء حالة كونها في محالها فلو كانت التكة على عاتقه أو الجورب في يده لم تصح الصلاة
فيه مع نجاسة قصر الرخصة على موضع الحاجة ومحل الوفاق واشترط المصنف أيضا كونها ملابس كما في الأمثلة فلا يتعلق
الرخصة بغيرها لانتفاء الحاجة وعدم النص المخرج عن عموم المنع فلو كان معه دراهم نجسة أو غيرها كالسكين والسيف
لم تصح صلاته وإن كانت في محالها وفى كلا الحكمين إشكال لعموم الحديث الدال على الجواز مطلقا في قوله كل ما على
الانسان أو معه ولا ريب إن ما ذكره المصنف أحوط والعفو عن هذه الأشياء ثابت وإن نجست بغير الدم حتى لو كانت نجاستها
مغلظة كأحد الدماء الثلاثة والمنى أما لو كانت نفسها نجاسة كجلد للميتة لم يعف عنها لقول الصادق عليه السلام في
الميتة لا تصل في شئ منه ولا شسع
ولا بد من العصر في غسل ما يمكن عصره بغير عسر كالثياب إذا كان الغسل في غير الكثير
لان النجاسة تزول به ولأن الماء القليل يتنجس بها فلو بقي في المحل لم يحكم بطهره خصوصا على ما حكيناه من مذهب المصنف
من أن أثر النجاسة لا يطهر إلا بعد الانفصال فعلى هذا لو جف الماء على المحل ولم ينفصل لم يطهر وما يعسر عصره كالثخين
من الحشايا والجلود يكفي فيه الدق والتغميز للرواية وما لا يقبل العصر فإن أمكن نزع الماء المغسول به عنه كالبدن
والخبث والحجر غير ذي المسام التي يثبت فيها الماء كفى صب الماء عليه مع انفصاله عن محل النجاسة وإن لم يكن نزع الماء عنه كالمايعات
والقرطاس والطين والحبوب والجبن ذي المسام المانعة من فصل الماء والفاكهة المكسورة لم يطهر بالقليل بل تنجلل الكثير
لها في غير المايعات أما فيها فإن امتزجت به بحيث يطلق على الجميع اسم الماء طهرت وإلا فلا كالدهن الذائب لبقائه
في الماء غير مختلط به وإنما يصيب سطحه ولو كان جامدا طهر ظاهره بالغسل كسائر الجامدات ولا يمنع لزوجته من تطهيره
على هذا الوجه كما لا يمنع من طهارة البدن وغيره الموجود عليه شئ منها إذا لم يكن لها جرم واشتراط العصر معتبر في سائر
النجاسات إلا في بول الصبي الرضيع الذي لم يغتذ بغير اللبن كثيرا بحيث يزيد على اللبن أو يساويه ولو يتجاوز الحولين فإنه
يكفي صب الماء على محله من غير عصر ولا جريان ولا يلحق به بول الصبية للامر بغسله وتكتفي المربية للصبي والصبية
لان مورد الرواية المولود وهو شامل لها بغسل ثوبها الواحد في اليوم والليلة واكتفاؤه بلفظ اليوم أما لشموله لها
لغة أو لكونها تابعة له مرة واحدة والأفضل كونه آخر النهار لتصل أربع صلوات متقاربة عقيبه وألحق المصنف المربى بالمربية
للاشتراك في العلة وهي المشقة الحاصلة من تكثر النجاسة على تقدير غسله للصلوات وألحق بالمولود الواحد
المتعدد
للاشتراك فيها أيضا وزيادة بسبب الحاجة إلى تعاهد التربية مع احتمال زوال الرخصة لقوة النجاسة وكثرتها واحترز بالثوب
الواحد عن ذات الثوبين فصاعدا فلا تلحقها الرخصة لزوال المشقة بإبدال الثياب ووقوفا مع ظاهر النص وهذا إذا
لم يحتج إلى لبسهما دفعة لبرد ونحوه وإلا فكالثوب الواحد ولو أمكن ذات الواحد تحصيل غيره بشراء أو استيجار أو إعارة
ففي وجوبه عليها وزوال الرخصة بذلك نطر ومورد الرواية تنجس الثوب بالبول فتقصر الرخصة عليه اقتصارا فيما خالف
الأصل على موضع اليقين فلا يتعدى إلى غيره من غائطه ودمه وغيرهما ولا إلى نجاسة غيره بطريق أولى وربما احتمل
شمول البول للغائط بناء على ما هو المعروف من قاعدة العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن التصريح به وعموم البلوى
به كالبول بل شمول الرخصة لنجاسة الصبي مطلقا كما يقتضيه إطلاق عبارة الكتاب وجماعة من الأصحاب إلا أن
الوقوف مع النص أولى وهذا الحكم مختص بالثوب أما البدن فيجب غسله بحسب المكنة لعدم النص والمشقة الحاصلة في
الثوب الواحد بسبب توقف لبسه على يبسه وإذا علم موضع النجاسة غسل ذلك الموضع خاصة وإن اشتبه غسل جميع
ما يحصل فيه الاشتباه لتوقف اليقين بالطهارة عليه هذا إذا كان محصورا وإلا سقط للحرج والعسر وسيأتي إن شاء الله
167

تحقيق حال المحصور وغيره ولو نجس أحد الثوبين واشتبه غسلا وهذا كالمستغنى عنه لدخوله في العبارة الأولى
وكأنه أعاده ليرتب عليه حكم الصلاة فيهما ومع التعذر يصلى الصلاة الواحدة فيهما مرتين ليحصل اليقين بها في
ثوب طاهر هذا مع فقد ثوب طاهر غيرهما يقينا وإلا لم تجوز الصلاة فيهما
لاشتراط الجزم في النية بحسب الامكان ومع الصلاة في الثوبين لا جزم إذ لا يعلم أي الصلاتين فرضه لعدم علمه بالثوب
الطاهر وهذا بخلاف ما لو فقد غيرهما لما بيناه من أن الجزم إنما هو بحسب الامكان ومنع ابن إدريس من الصلاة فيهما
وحتم الصلاة عاريا محتجا بعدم الجزم وقد عرفت جوابه وأيضا الجزم على هذا التقدير حاصل بهما لان يقين البراءة
لما توقف على الصلاتين فكل منهما واجبة عليه وإن كان من باب المقدمة وهذا القدر كاف في حصول الجزم حيث
لا يمكن أتم منه ولو تعددت الصلاة فيهما وجب مراعاة الترتيب فيصلى الظهر في أحد الثوبين ثم ينزعه ويصليها
في الاخر ثم يصلى العصر ولو في الثاني ثم يصليها في الاخر ولو ضاق الوقت عن الصلاة فيهما على هذا الوجه فالمختار
عند المصنف الصلاة عاريا لتعذر العلم بالصلاة في الطاهر بيقين وإلا صح تعين الصلاة في أحدهما لامكان كونه
الطاهر ولاغتفار النجاسة عند تعذر إزالتها ولأن فقد وصف الساتر أسهل من فقده نفسه ولما سيأتي من النص
على جواز الصلاة في الثوب النجس يقينا إذا لم يجد غيره وكل ما لاقى النجاسة برطوبة حاصله في المتلاقيين أو في
أحدهما نجس ولا ينجس لو كانا معا يابسين كما ورد به النص في ملاقاة الكلب والخنزير والكافر وما ورد من الامر بالنضح
يابسا محمول على الندب وفى حكم اليابس ما فيه بقايا رطوبة قليلة جدا بحيث لا يتعدى منها شئ إلى الملاقي لها
ويستثنى من ذلك ملاقاة ميت الآدمي قبل تطهيره فإن نجاسته تتعدى مع اليبس كما تقدم وكذا ميتة غيره على الخلاف
ولو صلى المكلف مع نجاسة ثوبه أو بدنه أو القدر المعتبر من مسجد الجبهة نجاسة لم يعف عنها مع تمكنه من إزالتها عامدا أعاد
في الوقت وخارجه إجماعا للنهي المفسد للعبادة وجاهل الحكم عامد وفى الناسي أقوال ثلاثة مستندة إلى اختلاف
الاخبار ظاهرا أحدها الإعادة مطلقا لتفريطه بالنسيان لقدرته على التكرار والموجب للتذكار ولصحيحة أبي بصير عن
الصادق عليه السلام قال إن أصاب ثوب الرجل الدم وصلى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه وإن علم قبل أن يصلى
وصلى فيه فعليه الإعادة وفى مقطوعة زرارة قال قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من منى فعلمت أثره
إلى أن أصيب له الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت ثم إني ذكرت بعد ذلك قال تعيد
الصلاة وتغسله وفى معناها روايات أخر متناولة بإطلاقها الناسي والعامد فيشتركان في غير الاثم وهو اختيار
الأكثر وثانيها عدم الإعادة مطلقا لرفع الخطاء والنسيان عن الأمة ولحسنة العلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال
سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشئ فينجسه فينسى أن يغسله فيصلى فيه يذكر أنه لم يكن غسله أيعيد الصلاة
قال لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له ويؤيد هذه الرواية إن العمل بها لا ينافي العمل بالأولى لان مطلقها
يحمل على العامد فيجمع بين النصين بخلاف العمل بالأولى فإن فيه إطراح هذه بالكلية وحملها الشيخ في التهذيب
على نجاسة قليلة لا يجب إزالتها كالدم اليسير وثالثها أنه يعيد في الوقت خاصة كما اختاره المصنف هنا جمعا بين
الاخبار بحمل الثانية على خروج الوقت والأولى على بقائه ويؤيد هذا الحمل ما رواه علي بن مهزيار قال كتب إليه
سليمان بن رشيد يخبره أنه بال في ظلمة الليل وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه ولم يره وأنه
مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله وتمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى فأجابه بجواب
168

قرأته بخطه أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشئ إلا ما تحقق فإن حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات
اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها وما فات وقتها فلا إعادة عليك وهذه الرواية
مردودة بجهالة السائل والمسؤول وكونها مكاتبه والرواية الثانية الحسنة لا تقاوم ما تقدم من الروايات فإنها
أكثر وأشهر فتعين العمل بها مع أن القول بالتفصيل متجه لان فيه جمعا بين الاخبار والجاهل بالنجاسة حتى صلى لا
يعيد الصلاة لا في الوقت ولا في خارجه على أشهر القولين لامره بالصلاة على تلك الحال والامر يقتضى الاجزاء
ولرواية أبي بصير المتقدمة ومثلها رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام إن رأيت المنى قبل أو بعد ما تدخل
في الصلاة فعليك إعادة وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك وفى
رواية أخرى عنه عليه السلام إطلاق الإعادة وجمع بعض الأصحاب بأنهما بالحمل على الوقت وخارجه وهو أولى ولو
علم بالنجاسة في الأثناء استبدل بالثوب الذي وجدها فيه سواء علم تقدمها على الصلاة أم لا بناء على ما اختاره
من عدم إعادة الجاهل في الوقت وإلا استأنف الصلاة مطلقا إن علم سبق النجاسة عليها مع سعة الوقت لا مع (أما خ ل)
ضيقه بحيث لا يدرك بعد القطع فيبنى على صلاته مع طرح ما هي فيه لئلا يلزم وجوب الفضاء على الجاهل
بالنجاسة ولو تعذر الاستبدال إلا بالمبطل للصلاة كالفعل الكثير والاستدبار أبطل الصلاة إن كان في الوقت سعة
أما مع الضيق فإشكال من أن النجاسة مانع الصحة ومن وجوب إداء الفريضة في الوقت واختار في البيان الاستمرار
مع الضيق وعلى الأول يبطلها ثم يقضى بعد الاستبدال ولو نجس الثوب وليس له غيره صلى عريانا كما اختاره الأكثر
للامر بالصلاة عاريا في عدة أخبار وذهب المصنف في بعض كبته إلى التخيير بين الصلاة فيه وعاريا لرواية علي بن جعفر
عن أخي موسى عليهما السلام قال سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله أيصلى فيه
أو يصلى عريانا قال إن وجد ماء غسله وإن لم يجد ماء صلى فيه ولم يصل عريانا وهذا هو الوجه بل الصلاة
فيه أفضل لان فوات الشرط أقوى من فوات وصفه مع ما فيه من فضيلة الستر وكمال أفعال الصلاة فإن الصلاة
عاريا توجب الايماء على وجه ولأن شرطية الستر أقوى من شرطية الطهارة من الخبث ولولا دعوى المصنف في المنتهى جواز
الصلاة عاريا ولا إعادة قولا واحدا لأمكن القول بتحتم الصلاة فيه فإن
تعذر فعله الصلاة عاريا للبرد وغيره
صلى فيه وعلى ما ذكرناه تتحتم الصلاة فيه هنا دفعا للضرورة ولا يعيد الصلاة على التقديرين لامتثاله المأمور به
على وجهه بالنسبة إلى هذه الحال فيخرج عن العهدة وللأمر بفعله على هذه الحالة كما ورد في الخبر فلا يتعقب القضاء و
المراد بالإعادة المنفية فعل الصلاة ثانيا سواء كان في الوقت أم خارجه وهو أحد التفسيرين للإعادة وأكثر الأصوليين
خصها بالفعل ثانيا في الوقت لوقوع خلل في الأول فهي قسم من الأداء وليس المراد هنا بل ما هو أعم منه كما ذكرناه
وإن كان القائل به قليلا وتطهر الشمس ما تجففه من البول وشبهه من النجاسات التي لا جرم لها الكائنة في الأرض
والبواري والحصر وما لا ينقل عادة كالأبنية والنبات المتصل والأخشاب والأبواب المثبتة في البناء والأوتاد
المستدخلة فيه والأشجار والفواكه الباقية عليها ونحو ذلك ولا بد في التجفيف من كونه بإشراق الشمس ولا يكفي التجفيف
بالحرارة لقول الصادق عليه السلام ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر ولا بالريح المنفرد عنها خلافا للخلاف نعم لا يضر
مشاركته لها لعدم انفكاكها عنه غالبا وحمل في الخلاف على إرادة ذهاب الاجزاء النجسة لحكمه فيه في موضع آخر بأن الأرض
لا تطهر بجفاف غير الشمس ولا يطهر ما تبقى فيه عين النجاسة كحمرة الدم في المجزرة ونحوها مما تبقى فيه العين ومتى
169

أشرقت الشمس مع رطوبة المحل طهر الظاهر والباطن إذا جف الجميع بها مع اتصال النجاسة واتحاد الاسم كالأرض التي
دخلت فيها النجاسة دون وجهي الحائط إذا كانت النجاسة فيهما غير خارقة له وأشرقت على أحدهما فإنه لا يطهر الاخر
ودون الأرض والحائط إذا أشرقت على أحدهما وإن كانا متصلين وتطهر النار ما أحالته رمادا أو دخانا أو فحما
على أحد الوجهين لا خزفا على أظهرهما وطهره الشيخ والمصنف في كتبه بعض إجراء له مجرى الرماد وفيه منع لعدم خروج الخزف
عن مسمى الأرض كما لم يخرج الحجر عن مسماها مع أنه أقوى تصلبا منه مع تساويهما في العلة وهي عمل الحرارة في أرض أصابها
رطوبة ومن ثم جاز السجود عليهما مع اختصاصه بالأرض ونباتها بشرطية فإن المصنف وإن حكم بطهره جوز السجود عليه
وليست الاستحالة مختصة بالنار بل هي مطهرة برأسها ومن ثم طهرت النطفة والعلقة بصيرورتهما حيوانا والعذرة
والميتة إذا صارتا ترابا لكن لو كانت العذرة رطبة ونحوها ونجست التراب ثم استحالت لم يطهر التراب النجس بطهرها
فلو امتزجت بقيت الاجزاء الترابية على النجاسة والمستحيلة أيضا لاشتباهها بها وتطهر الأرض باطن النعل
والقدم سواء زالت النجاسة عنهما بالمشي (بالمسح صح) والدلك لما روى عنه صلى الله عليه وآله في النعلين فليمسحهما وليصل فيهما
وقوله صلى الله عليه وآله إذا وطئ أحدكم الأذى نجفيه فإن التراب له طهور وقول الباقر عليه السلام في العذرة يطأها
برجله يمسحها حتى يذهب أثرها والمراد بالباطن ما تستره الأرض حالة الاعتماد عليها فلا يلحق به حافاتهما ولا
فرق بين التراب والحجر والرمل لأنها من أصناف الأرض واشترط بعض الأصحاب طهارتها لان النجس لا يطهر غيره و
جفافها ولم يشترطه المصنف بل اكتفى بالرطبة ما لم يصدق عليها اسم الوحل وهو حسن نعم لا يقدح الرطوبة اليسيرة
بحيث لا يحصل منها تعد على القولين وتزول عين النجاسة ولا فرق في النجاسة بين ذات الجرم وغيرها ولا بين الجافة
والرطبة ولا فرق بين النعل والخف وغيرهما مما ينتعل ولو من خشب كالقبقاب وفى إلحاق خشبة الزمن وإلا
قطع بالنعل نطر من الشك في تسميتها نعلا بالنسبة إليه ولا يلحق بها أسفل العكاز وكعب الرمح وما شاكل
ذلك لعدم إطلاق اسم النعل عليها حقيقة ولا مجازا وأما إلحاق سكة الحرث (الحراث صح) ونحوها بها كما يوجد في بعض القيود
فمن الخرافات الباردة خاتمة لمباحث إزالة النجاسات في أحكام الأواني والقصد الذاتي من ذكرها هنا بيان
حكم تطهيرها وكيفيته وقد جرت العادة بانجرار البحث فيها إلى ما هو أعم من تطهيرها فيذكر الجنس الذي يجوز
اتخاذها منه وما لا يجوز كما قال يحرم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل وغيره لقول النبي صلى الله عليه وآله
لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة وقوله صلى الله عليه وآله
الذي يشرب في (من خ ل) آنية الفضة إنما يجرجر في جوبه نار جهنم يقال جرجر الشراب أي صوت والمراد أنه بفعله مستحق للعذاب على
أبلغ وجوهه فالمجرجر في جوفه ليس إلا نار جهنم والوعيد بالنار إنما يكون على فعل المحرم وإذا حرم الشرب
حرم غيره لأنه
أبلغ ولعدم القائل بالفرق ويلزم من تحريمه في الفضة تحريمه في الذهب بطريق أولى وهل يحرم اقتناؤها لغير الاستعمال
بل للادخار أو تزيين المجالس الأكثر على التحريم لما رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام أنه نهى عن آنية الذهب والفضة
والنهى للتحريم ولما امتنع تعلقه بالأعيان لأنه من أحكام فعل المكلف وجب المصير إلى أقرب المجازات إلى الحقيقة والاتخاذ
أقرب من الاستعمال لأنه يشتمله بخلاف العكس ولايماء قول النبي صلى الله عليه وآله المتقدم أنها لهم في الدنيا ولكم
في الآخرة إليه وكذا قول الكاظم عليه السلام آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون ولما فيه من السرف والخيلاء
وكسر قلوب الفقراء وتعطيل الانفاق فإنها خلقت للانتفاع بها في المعاملات والمعاوضات وهل يحرم تزيين المشاهد
170

والمساجد بها كما يحرم تزيين غيرها من المجالس نظر من إطلاق النهى وحصول التعظيم ويستوى في النهى الرجال والنساء
وإن جاز للنساء التحلي بهما ولا يحرم الطعام والشراب الموضوع فيهما وإن كان الاستعمال محرما ولا يقدح في التحريم
تمويههما بغيرهما من الجواهر للعموم ولو انعكس بأن موه إناء النحاس مثلا بهما أو بأحدهما فإن أمكن تحصيل شئ
منهما بالعرض على النار منع من استعماله وإلا فإشكال من المشابهة وعدم الحقيقة ولا يحرم اتخاذها من غير الجوهرين
وإن غلت أثمانها كالفيروزج والياقوت والزبرجد للأصل وخفاء نفاسة ذلك على أكثر الناس فلا يلزم منه
ما لزم في النقدين ويكره المفضض وهو ما وضع فيه قطعة من فضة أو ضبة لقول الصادق عليه السلام لا بأس بالشرب
في المفضض واعزل فاك عن موضع الفضة وقيل يحرم لما روى عنه عليه السلام أنه كره الشرب في الفضة والقداح
المفضضة والعطف على الشرب في الفضة مشعر بإرادة التحريم وطريق الجمع بين الخبرين بحمل الثاني على الكراهة
أو على تحريم الأكل والشرب من موضع الفضة وعلى تقدير الجواز يجب أن يجتنب موضع الفضة فيعزل الفم عنه للامر
به في قوله عليه السلام واعزل فاك عن موضع الفضة وهو للوجوب واختار في المعتبر الاستحباب محتجا بالاستصحاب
وبقول الصادق عليه السلام حين سئل (الشرب في خ ل) عن القدح فيه ضبة من فضة فقال لا بأس إلا أن تكره الفضة فينتزعها منه ولا دلالة له على مطلوبه فإنه إنما دل على جواز الاستعمال لا على جواز استعمال موضع الفضة وما تقدم صريح في
وجوب العزل عن موضعها وأواني المشركين طاهرة كسائر ما بأيديهم مما لا يشترط فيه ولا في أصله التذكية للأصل
وقول الصادق عليه السلام كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر وغيره من الاخبار ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة على
وجه يلزم منه نجاستها وليس العمل بذلك مقصورا على الادراك بالحواس بل ما حصل به العلم من طرقه الموجبة له
كالخبر المحفوف بالقرائن وغيره كما حقق في محله وعلى تقدير الحكم بالطهارة يستحب اجتنابها حملا للاخبار المقتضية
لغسلها من غير تقييد على الاستحباب أو لكونهم لا يتوقون النجاسة أو لحصول الظن بنجاستها فليخرج باجتنابها
أو غسلها من خلاف أبى الصلاح حيث حكم بثبوت النجاسة بكل سبب يثير الظن وجلد الذكي أي المذكى مما هو قابل
للزكاة من ذي النفس طاهر سواء كان مأكول اللحم أم لا ولا يشترط في طهارته مع الذكاة الدبغ كما يقتضيه إطلاق العبارة
وهو أشهر الأقوال للأصل ولقوله عليه السلام دباغ الأديم ذكاته ولوقوع الذكاة عليه فيستغنى عن الدباغ
إذ لو لم يقع عليه لكان ميتة وهي لا تطهر بالدباغ لكن يكره استعماله قبله تفصيا من الخلاف واحترز بذي النفس
والأنفس له كالسمك فإن جلده طاهر لأنه لا ينجس بالموت وغيره أي الذكي وهو جلد الميتة وما لا يقبل الذكاة نجس وإن دبغ
لاطلاق تحريم الميتة في الآية فينصرف إلى الانتفاع مطلقا وللاخبار المتواترة به مثل قول النبي صلى الله عليه وآله
لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب وهو من الصحيح عندهم وقول الباقر عليه السلام (حين سئل عنه لا ولو دبغ سبعين مرة وقول الصادق عليه السلام صح) لا تصل في شئ منه ولا شسع وما
احتجوا به من قوله صلى الله عليه وآله أيما إهاب دبغ فقد طهر معارض بخبرنا ومعها يكون المقتضى لبقاء النجاسة
سليما عن المعارض وبأن خبرنا متأخر لأنهم رووا أن كتابه صلى الله عليه وآله إلى جهينة بذلك كان قبل موته بشهر
أو شهرين مع أن في حملة الحديث ما يصرح بتأخره ومن خبر شاة ميمونة أو سودة بنت زمعة فقد روى عن الصادق
عليه السلام أنها كانت مهزولة فتركوها حتى ماتت فقال صلى الله عليه وآله ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها
إن ينتفعوا بإهابها وهو عليه السلام أعرف بالنقل ومثله قوله عليه السلام في حديث عبد الرحمن بن الحجاج
زعموا إن دباغ الميتة ذكاته ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله صلى الله عليه وآله وكما لا تطهر الميتة
171

بالدباغ ولا تستعمل في الرطب فكذا لا يجوز استعمالها والانتفاع بها في اليابس لعموم وحرمت عليكم الميتة ولا تنتفعوا
ويغسل الاناء من الخمر وغيره من النجاسات حتى تزول العين والأثر ولا يعتبر التعدد على أصح القولين بل ما يحصل
به الانقاء وإن كان بالأولى كما تقتضيه العبارة ويحتمل اعتبار المرة بعد زوال العين إن كانت موجودة وهو خيرة
المعتبر إذ لا أثر للماء الوارد مع وجود سبب التنجيس ويضعف بأن الباقي من البلل وغيره عين نجاسة فيأتي الكلام
فيه ويدل على الاجتزاء بالمرة مطلقا إطلاق الامر بالغسل في عدة أخبار وما ورد منها بعدد مخصوص مع ضعف سنده
يمكن حمله على الاستحباب وللمصنف قول بوجوب غسل إناء الخمر ثلث مرات والمشهور فيه السبع استنادا إلى
روايتي عمار
الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام واختلافها يدل على الاستحباب مع اشتهار عمار بفساد العقيدة وشمل قوله وغيره
نجاسة موت الجرد والفأرة مع أن فيهما قولا بالثلث للمصنف والسبع لغيره كما تقدم استنادا إلى خبر عمار أيضا ولا
إن العمل بالمشهور أحوط ويغسل الاناء من ولوغ الكلب وهو شربه مما في الاناء بطرف لسانه كما نص عليه أهل اللغة
ويلحق به لطعه الاناء بطريق أولى دون مباشرته له بسائر أعضائه ووقوع لعابه في الاناء بل هي كسائر النجاسات
على المشهور خلافا للمصنف في النهاية وجماعة ثلاثا أوليهن بالتراب وإطلاق الغسل عليها مجاز من باب إطلاق اسم الجزء
على الكل والأصل في ذلك النص الوارد عن النبي والأئمة صلوات الله عليهم كصحيحة الفضل عن الصادق عليه السلام
حين سأله عن الكلب فقال رجس نجس لا يتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء مرتين
وهذا الحديث حجة على ابن الجنيد الموجب للغسل منه سبعا وعلى المفيد جعل غسله بالتراب وسطا وعلى ابن
إدريس حيث أوجب مزج التراب بالماء بناء على أن حقيقة الغسل جريان الماء على المحل فإذا تعذرت صير إلى أقرب
المجازات إليها ويرده إطلاق الخبر ودلالته على اعتبار مسمى التراب ويشترط طهارة التراب لان النجس لا يفيد طهارة
غيره ولاطلاق الطهور عليه في الاخبار ولو فقد قيل أجزأ مشابهه من الأشنان والدقيق لأنه ربما كان أبلغ في
الإزالة من التراب والأولى بقاؤه على النجاسة لعدم النص وبطلان القياس وعدم ثبوت التعليل بإزالته الاجزاء
اللعابية فجاز كونه تعبدا ولو خيف فساد المحل باستعمال التراب فكالمفقود ولو تكرر الولوغ قبل التطهير تداخل
وفي الأثناء يستأنف ويكفي في تطهير الاناء في القليل يصب فيه الماء ثم يحرك حتى يستوعب ما نجس منه ثم يفرغ حتى
يستوفى العدد إن كان ولو غسله في الكثير كفت المرأة بالماء بعد التعفير ويغسل الاناء أيضا من ولوغ الخنزير جمعا
لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن خنزير شرب في إناء كيف يصنع به قال يغسل سبع مرات
وهي حجة على الشيخ حيث ألحقه بالكلب وعلى المحقق حيث اكتفى بالمرة كما اكتفى بها في غير ولوغ الكلب وحملها على الاستحباب
ولا وجه له إذ لا معارض لها مع صحتها هذا كله في غير الكثير وإلا كفت المرأة والله الموفق كتاب الصلاة
وهي لغة الدعاء قال تعالى وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم وقال الأعشى عليك مثل الذي صليت فاغتمضي دما
فإن لجنب المرء مضطجعا عقيب دعاء ابنته له بقولها كما حكاه عنها في البيت السابق تقول بنتي وقد قبضت مرتحلا
يا رب جنب أبى الأوصاف والوجعا. وقد يتجوز بها في الرحمة إذا نسبت إليه تعالى وقد تقدم تحقيق ذلك في خطبة
الكتاب وشرعا عبادة مخصوصة تارة تكون ذكرا محضا كالصلاة بالتسبيح وتارة فعلا مجردا كصلاة الأخرس وتارة
تجمعهما كصلاة الصحيح قد اختلف في وقوعها بالحقيقة على صلاة الجنازة والمشهور كونها حقيقة لغوية مجازا
شرعيا إذ لا يفهم عند الاطلاق إلا ذات الركوع والسجود ويؤيده عدم اشتراط الطهارة فيها وعدم وجوب الفاتحة
172

والتسليم عندنا وقد قال تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وقال صلى الله عليه وآله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب
وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم إلى غير ذلك من الأدلة فهي دعاء للميت مشروط شرع بشرائط مخصوصة وتسميته
صلاة باعتبار المعنى اللغوي (ويدل على ذلك قول الصادق عليه السلام وقد سئل عن جعلها على غير وضوء إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء صح) وذهب بعض الأصحاب ومنهم الشهيد رحمه الله إلى أنها حقيقة شرعية بدلالة الاستعمال و
إرادة المجاز معه يحتاج إلى دليل لكونه على خلاف الأصل وقد اختلف تعريفها بسبب هذا الاختلاف ولا تكاد تجد تعريفا
خاليا عن دخل كما هو شأن التعريفات وقد عرفها المصنف في التحرير بناء على الأول بأنها إذكار معهودة مقترنة بحركات
وسكنات مخصوصة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى فالأذكار بمنزلة الجنس تشمل إن دعاء والقراءة وغيرهما من الكلام
المباح وباقي القيود بمنزلة الفصل وخرج بالمعهودة الأذكار المباحة التي لم تنقل شرعا على وجه معين وبالمقترنة
بالحركات والسكنات الدعاء وقراءة القرآن وأراد بالحركات والسكنات الركوع والسجود والقيام وغيرهما مما يقوم
مقامها ويخرج بها صلاة الجنازة إذ لا يعتبر فيها ذلك وقيد التقرب بيان للغاية ويخرج به صلاة الرياء ويندرج
في التعريف صلاة المضطر ولو بالايماء والمطاردة وغيرها مما لا يشترط فيه القبلة ولا القيام وإنما هو ذكر بحركة مخصوصة
وصلاة النافلة ولو سفرا وجالسا وغير ذلك من الأنواع ونقض في طرده بأذكار الطواف وفى عكسه بصلاة الخرس
فإنه لا إذكار فيها وأجيب عن الأول بأن المراد بالاقتران التلازم من الطرفين وليس كذلك إذكار الطواف إذ لا
تلازم بينها وبين الحركات لانفكاكها من الأذكار وعن الثاني بأن تحريك الأخرس لسانه قائم مقام الذكر وفيهما
منع فإن الاقتران أعم (من التلازم صح) فلا بدل عليه على الخصوص وإرادة بعض أفراد العام غير جائز في التعريف إلا بقرينة جلية و
لأنا نفرضه فيما لو وجبت فيه بنذر وشبهه فإنهما حينئذ متلازمان وهو كاف النقض ولا يلزم من قيام حركة لسان
الأخرس مقام الذكر كونه ذكرا فإن البدل مغاير للمبدل وعرفها المحقق الشيخ على بأنها أفعال مفتتحة بالتكبير
مختتمة بالتسليم للقربة وادعى فيه الاحتراز التام وصحة الاطراد والانعكاس وأورد على طرده بالذكر المنذور المفتتح
بالتكبير المختتم بالتسليم وإبعاض الصلاة الأخيرة المفتتحة بالتكبير كالركوع والسجود والتشهد المتصلة بالتسليم و
بالصلاة المتبين فسادها بعدم الطهارة مثلا فأجاب بأن المراد بالتكبير تكبير مخصوص متعارف بين الفقهاء إذا أطلق
تكبير الافتتاح يستفاد منه لك التكبير المخصوص أعني تكبير التحريم فاللام فيه للعهد وكذا المراد بالتسليم تسليم مخصوص
وهو المحلل لا التحية المتعارفة ولا التسليم على الأنبياء وغيرهم لان ذلك لا يفهم من التسليم على السنة الفقهاء وهذا
المعنى منتف في الذكر المنذور فإن أريد بالنذر وقلنا بانعقاده لم يتصور مثله في التسليم بمعنى المحلل لان التسليم
على الوجه المخصوص ليس عبادة مطلقا بل في مواضع مخصوصة فلا يمكن جعله عبادة بالنذر لأنها موقوفة
على أذن
الشارع بخلاف التكبير فإنه عبادة مطلقا لأنه ذكر لله وثناء عليه وهذا بعينه جواب عن الصلاة الفاسدة والأبعاض
المذكورة ويزيد منع كونها مفتتحة بتكبير لان فاتحة الشئ جزؤه الأول (كما في افتتاح الصلاة بالتكبير فإنه جزئها الأول صح) بناء على ما حقق من كون النية بالشرط
أشبه وفيه نظر لان هذا التكبير المعروف بين الفقهاء لا يمكن معرفته إلا مضافا إلى الصلاة فيكون قد أخذ في تعريف
الصلاة ما يتوقف فهمه عليها وهو دور وأيضا لو أريد بالتكبير ما حصل فيه فائدة التحريم وبالتسليم ما حصل فيه
فائدة التحليل لم يتصور الحكم ببطلان الصلاة بزيادتهما فإن ذلك الزائد غير محرم ولا محلل وإنما المراد الاتيان بصورهما
بقصدها وقوله إن التسليم على ذلك الوجه ليس عبادة ولا ينعقد نذره موضع نظر أيضا فإنهم قد نصوا على استحباب
أن يقصد به التسليم على الأنبياء والأئمة والملائكة إلى غير ذلك مما فصلوة ولا ريب إن التسليم على هؤلاء أمر مندوب فيكون
173

نذره صحيحا وعدم وجود فائدة التحليل فيه لا يخرجه عن كونه بصورة تسليم الصلاة كما في التكبير المزيدين في غير محلهما
ودعوى كون فاتحة الشئ جزوه الأول في موضع المنع أيضا فإنه وإن تم في الصلاة لأنها مجموع مركب من أفعال مخصوصة
أولها التكبير لا يتم في غيرها كما تقول ينبغي افتتاح السفر بالصدقة ونحوه سلمنا لكن الذكر المنذور الملحوظ في النذر
كون أوله التكبير وآخره التسليم يكون التكبير جزؤه الأول فالايراد بحاله وعرفها الشهيد رحمه الله بناء على ما اختاره
من دخول صلاة الجنازة في أقسامها الحقيقية بأنها أفعال مفتتحة بالتكبير مشترطة بالقبلة للقربة فتدخل الجنازة
بخلاف ما سبق فإنها خارجة منه بقيد التسليم وأورد على طرده الذكر المنذور حال الاستقبال مفتتحا بالتكبير و
أبعاض الصلاة والصلاة المندوبة مطلقا على القول بعدم اشتراط الاستقبال فيها ومع السفر والركوب على القول
بالاشتراط والصلاة المنذورة إلى غير القبلة حيث يصح النذر والنظر يقع في المقدمات بفتح الدال وكسرها وهي ما تتقدم
على الماهية أما لتوقف تصورها عليه كذكر أقسامها وكمياتها كالمقصد الأول أو لاشتراطها بها أو لكونها من
مكملاتها السابقة كالأذان والإقامة وفى الماهية وهي ذات الصلاة التي أو لها التكبير وأخرها التشهد أو التسليم واللواحق
وهي ما تلحق الماهية من الاحكام كالبحث عن ما يفسدها وكيفية تلافيها مع ذلك ومكملاتها بالجماعة وما يلحقها من
النقص بسبب الخوف والسفر النظر الأول في المقدمات وفيه مقاصد الأول في أقسامها وهي تنقسم إنقسام الكلى إلى جزئياته إلى واجبة ومندوبة فالواجبات جمعها باعتبار تعدد أفرادها ووحدها أولا مراعاة للجنس تسع الصلاة
اليومية وهي الخمس سميت بذلك لتكررها في كل يوم ونسبها إلى اليوم دون الليلة أما تغليبا أو لان معظمها
في اليوم أو لكونه مذكرا فكان أولى بالنسبة كما يكون أولى بالاسم على تقدير جمعهما في اسم واحد كالأبوين والجمعة
وعدها قسما برأسه لمغايرتها للظهر وإن كانت بدلا منها ولم يثبت كونها ظهرا مقصورة والعيدان والكسوف العارض
للشمس والقمر والزلزلة والآيات والطواف والأموات وفى جميع هذه الأقسام عدا الأول أقام المضاف إليه مقام المضاف
بعد حذفه وكساه إعرابه وفى الأول حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه وقوله والمنذور شبهه لا يلتئم معهما بل
هو تركيب برأسه وفى عد الكسوف والزلزلة والآيات أقساما ثلاثة إشكال لان الآيات تشملهما فجعل بعض أقسام
شئ قسيما له لا يستقيم فالأولى عدها قسما واحد لتصير الأقسام سبعة كما صنعه الشهيد رحمه الله وفى عده لصلاة
الأموات منها دلالة على ترجيح وقوع اسم الصلاة عليها حقيقة وفى القواعد وغيرها أسقطها من العدد بناء على القول
الاخر ويمكن كون ذكرها هنا بنوع تجوز كما ذكر وضوء الحائض ونحوه من أقسام الوضوء مع عدم كونه طهارة عنده فإنهم
لا يتحاشون أن يذكروا في التقسيم ما لا يدخل في التعريف والمراد بشبه المنذور ما حلف عليه أو عوهد أو تحمل عن الغير
ولو باستيجار وصلاة الاحتياط فإنها غير اليومية مع احتمال دخولها فيها وفى كون قضاء اليومية من أقسامها أو
من القسم الاخر نظر من كونه غير المقضى وإن كان فعل مثله ومن انقسامها إلى الأداء والقضاء وهو دليل
الحقيقة وكذا القول في غيرها مما تقضى والمندوب من الصلوات ما عداه الواجب المذكور من الصلوات
هي أقسام كثيرة يأتي ذكر بعضها فاليومية خمس صلوات بعد إن كانت خمسين فخففها الله تعالى عن هذه الأمة
ليلة المعراج إلى خمس وأبقى ثواب الخمسين لآية المضاعفة كما ورد في الخبر فإحدى الخمس وهي الصلاة الوسطى على
أصح الأقوال ونقل الشيخ فيه إجماعنا لرواية زرارة عن الباقر والبزنطي عن الصادق عليهما السلام ولتوسطها
بين صلاتي النهار الصبح والعصر ووقوعها في وسط النهار حيث ينتشر الناس في معاشهم ويتوفرون على الاشتغال
174

بأمر دنياهم فاقتضى ذلك الاهتمام بالمحافظة عليها والعصر وهي عند المرتضى الوسطى والعشاء وكل واحدة من
هذه الثلث أربع ركعات في الحضر ونصفها بحذف الركعتين الأخيرتين في السفر والخوف والمراد تنصيفها
باعتبار ما استقرت عليه وإلا فقد روينا عن الصادق عليه السلام ورووا عن عائشة إن الصلاة افترضت مثنى إلا
المغرب وزيد فيما عدا الصبح والمغرب ركعتين وفى السفر تصلى كما افترضت والمغرب ثلث ركعات فيهما أي في السفر
والحضر ولا يحتاج هنا إلى إضافة الخزف لدخوله فيهما اتفاقا إذ الحال منحصرة في السفر والحضر والصبح ركعتان
كذلك أي سفرا وحضرا ونوافلها في الحضر أربع وثلاثون ركعة على المشهور ثمان ركعات قبل الظهر وثمان قبل العصر
وأربع بعد المغرب وقبل كل شئ سوى التسبيح ذكره الشهيد في الذكرى وركعتان من جلوس على الأفضل تعدان لذلك
بركعة وتجوزان من قيام لخبر سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام وتصليان ركعتين أيضا وعدهما حينئذ بركعة
باعتبار كون ثوابهما ثواب ركعة من قيام في غيرهما أو لأنهما بدل من ركعتين من جلوس إذ هو الأصل فيهما والركعتان
من جلوس معدودتان بواحدة كما دلت عليه رواية البزنطي عن الكاظم عليه السلام ومحلهما بعد العشاء وبعد كل
صلاة يريد فعلها صرح بذلك المصنف في النهاية والشيخان في المقنعة والنهاية حكاه في الذكرى قال حتى نافلة شهر
رمضان وقطع الشهيد في النفلية بأن نافلة شهر رمضان الواقعة بعد العشاء تكون بعد الوتيرة وسيأتي تحقيق الحال
إن شاء الله وإحدى عشرة ركعة صلاة الليل وإطلاق صلاة الليل على الجميع تغليب لاسم الأكثر وإلا فصلاة الليل
منها ثمان ثم ركعتا الشفع ثم ركعة الوتر وركعتا الفجر فهذه أربع وثلاثون ركعة نقل الشيخ إجماعنا عليها
ورواها في التهذيب بهذا التفصيل عن الصادق والرضا عليه السلام وروى ثلث وثلاثون بإسقاط الوتيرة وروى تسع و
عشرون ثمان للظهر قبلها وركعتان بعدها وركعتان قبل العصر وركعتان بعد المغرب وقبل العتمة ركعتان وإحدى
عشرة الليلية وركعتا الفجر وروى زرارة عن الصادق عليه السلام أنها سبع وعشرون اقتصر بعد المغرب على ركعتين
واختلاف هذه الأخبار منزل على الاختلاف في الاستحباب بالتأكيد وعدمه فلا ينافي مطلق الاستحباب وتسقط
نوافل الظهرين والوتيرة في السفر والخوف أما نوافل الظهرين فلا خلاف في سقوطها وأما الوتيرة فالمشهور سقوطها
بل ادعى عليه ابن إدريس الاجماع والمستند بعد الاجماع المنقول بخبر الواحد رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام
الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب أربع ركعات لا تدعهن في حضر ولا سفر
ورواية أبى يحيى الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة وفى هذا الخبر إيماء
إلى سقوطها في الخوف الموجب للقصر أيضا وجوز الشيخ في النهاية فعل الوتيرة استنادا إلى رواية الفضل بن شاذان
عن الرضا عليه السلام إنما صارت العشاء مقصورة وليس تترك ركعتاها لأنها زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل
كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوع وقواه في الذكرى بأنه خاص ومعلل وما تقدم خال منهما قال إلا أن
ينعقد الاجماع على خلافه والعمل على المشهور
المقصد الثاني في أوقاتها يجب معرفة أوقات الصلاة
الواجبة عينا لتوقف الواجب المطلق عليه وحيث كان كذلك وجب بيان الأوقات فأول وقت صلاة الظهر إذا زالت
الشمس أي مالت عن وسط السماء وانحرفت عن دائرة نصف النهار نحو المغرب فذلك هو الزوال المعلوم بأحد أمرين
زيادة الظل المبسوط وهو المأخوذ من المقاييس القائمة على سطح الأفق بعد نقصه واحترزنا بالمبسوط عن الظل المنكوس
وهو المأخوذ من المقاييس الموازية للأفق فإن زيادته تحصل من أول النهار وتنتهي عند انتهاء نقص المبسوط فهو
175

ضده فلا بد من الاحتراز عنه وبيان ذلك إن الشمس إذا طلعت وقع لكل شاخص قائم على سطح الأرض بحيث يكون
عمودا على سطح الأفق طويل في جانب المغرب وهذا الظل هو المبحوث عنه هنا ثم لا يزال ينقص كلما ارتفعت الشمس
حتى تبلغ كبد السماء وتصل إلى دائرة نصف النهار وهي دائرة عظيمة موهومة تفصل بين المشرق والمغرب تقاطع
دائرة الأفق على نقطتين هما نقطتا الجنوب والشمال وقطباها منتصف النصف الشرقي ومنتصف النصف الغربي
من الأفق وهما نقطتا المشرق والمغرب وحينئذ فيكون ظل الشاخص المذكور واقعا على خط نصف النهار وهو الخط
الواصل بين نقطتي الجنوب والشمال وهناك ينتهى نقصان الظل المذكور وقد لا يبقى للشاخص ظل أصلا في بعض البلاد
وإذا بقي الظل فمقداره مختلف باختلاف البلاد والفصول فكلما كان بعد الشمس عن مسامتة رؤس أهل البلد أكثر
كان الظل فيها أطول فإذا مالت الشمس عن وسط السماء وانحرفت عن دائرة نصف النهار إلى المغرب فإن لم يكن بقي
ظل حدث حينئذ جانب المشرق وكان ذلك علامة الزوال وإن كان قد بقي أخذ حينئذ في الزيادة فيكون ذلك علامة
أيضا فإطلاق المصنف العلامة على الثاني خاصة مبنى على الغالب بالنسبة إلى البلاد والزمان وإلا فاللازم ذكر الامرين كما
صنع في غير هذا الكتاب أو التعبير بلفظ يشملهما كظهور الظل في جانب المشرق ولاستخراج هذه الزيادة طرق جليلة
ودقيقة فالجليلة الواضحة التي دلت عليها الاخبار كخبر علي بن أبي حمزة وخبر سماعة عن الصادق عليه السلام أن تنصيب
مقياسا على وجه الأرض حيال الشمس ويقدر ظله عند قرب الشمس من الاستواء ثم يصبر قليلا ويقدر فإن كان
دون الأول أو بقدره فإلى الآن لم تزل وإن زاد زالت إلا أن هذا الطريق إنما يعلم به زوال الشمس بعد مضى زمان
طويل لكنه عام النفع للعام والعامي ومن الطرق الدقيقة الدائرة الهندية وقد ذكرها المصنف في النهاية وجماعة
من الأصحاب كالمفيد وغيره وطريقها أن يسوى موضعا من الأرض تسوية صحيحة بأن يدار عليه مسطرة مصححة الوجه
مع ثبات وسطها بحيث يماسها في جميع الدورة أو تعلم بالماء إن كانت صلبة بحيث إذا صب عليها مسها من جميع الجهات
ثم يدار عليها دائرة بأي بعد كان وينصب على مركزها مقياس مخروطي محدد الرأس طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريبا
نصبا مستقيما بحيث يحدث عن جوانبه زوايا قوائم ويعلم ذلك بأن ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة بمقدار
واحد من ثلث نقط من المحيط ويرصد رأس الظل عند وصوله إلى محيطها للدخول فيها مما يلي الغرب قبل الزوال وبعد
الزوال عند خروجه منها من جهة الشرق ويعلم على نقطتي الوصول وينصف القوس التي بين العلامتين من الجانبين أعني
جهة الجنوب والشمال ويخرج من منتصفها خطا مستقيما يمر بالمركز فهو خط نصف النهار الذي ينتهى أحد طرفيه بنقطة
الجنوب والاخر بنقطة الشمال ولك أن تكتفى بتنصيف القوس الشمالية وتصل بين مركز الدائرة ومنتصف القوس
فإذا ألقى المقياس ظله على هذا الخط الذي هو خط نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم تزل فإذا ابتدى رأس
الظل يخرج عنه فقد زالت الشمس ولو نصفت القوسين الحادثتين من قطع خط نصف النهار للدائرة ووصلت بينهما
بخط يقاطع خط نصف النهار على أربع زوايا قوائم كل منها ربع المحيط كان ذلك الخط خط المشرق والمغرب فيتصل
أحد طرفيه بنقطة مشرق الاعتدال والاخر بنقطة مغربه وسيأتي في باب القبلة الاحتياج إليها إن شاء الله
فإن بهذه الدائرة تعرف القبلة أيضا بنوع من التحقيق
ومن الطرق الدقيقة التي يعلم بها الزوال الأسطرلاب
وربع الدائرة ودائرة المعدل وغيرها من الأعمال وقد ذكرها أيضا بعض الأصحاب بقي هنا بحث شريف لا بد
من التنبه له وهو إن المصنف وجماعة مثلوا من البلاد التي يعلم الزوال فيها بحدوث الظل بعد عدمه مكة وصنعاء
176

في أطول أيام السنة وهو يوم واحد عند نزول الشمس السرطان وحكى بعضهم فيه قولا آخر وهو إن ذلك يكون
بالبلدين قبل أن ينتهى طول النهار بستة وعشرين يوما ويستمر كذلك إليه وكذا بعد انتهائه بستة وعشرين يوما
أيضا والتحقيق إن كلا القولين فاسد وذلك لان الوجه في عدم الظل للشاخص مسامتة الشمس لرأسه بحيث لا تميل عنه
إلى جهة الشمال ولا إلى جهة الجنوب وذلك إنما يكون في أطول أيام السنة لبلد يكون عرضه مساويا للميل الأعظم الذي
لفلك البروج عن معدل النهار وهو أربع وعشرون درجة مجبورة الدقائق أما ما كان عرضه أقل من الميل الأعظم
كمكة وصنعاء فإن الشمس تسامت رؤس أهله في السنة مرتين وذلك عند بلوغ الميل قدر عرض البلد في الربيع
والصيف ومما ثبت كون عرض مكة أحدا وعشرين درجة وأربعين دقيقة أو ما قاربها وعرض صنعاء أربع عشرة
درجة وأربعين دقيقة أيضا وحينئذ فتكون مسامتة الشمس لرؤس أهل صنعاء قريبا من وسط الزمان الذي بين
الاعتدال والمنقلب الصيفي في فصل الربيع والصيف عند كون الشمس في برج الثور والأسد ثم يحدث لها ظل
جنوبي عند انتقالها في الصعود ولا يزال يتزايد حتى ينتهى الصعود وذلك اليوم الأطول فيكون لها حينئذ بالبلد المذكور
ظل جنوبي مستطيل ثم يأخذ في النقصان عند دخولها في برج السرطان إلى أن ينقص الميل بحيث يساوى عرض
البلد وذلك عند كونها في برج الأسد فيعدم الظل أيضا يوما واحدا ثم يحدث لها ظل شمالي ولا يزال يتزايد
حتى ترجع إلى برج الثور فيكون لها في السنة مسامتان وظلان جنوبي وشمالي وأين هذا مما ذكروه وأما مكة
فعرضها كما تقدم ينقص عن الميل الأعظم كثيرا فيكون مسامتة الشمس لرؤس أهلها قبل انتهاء الميل أيضا فتسامت
رؤس أهلها مرتين أيضا وقد حققها جماعة من أهل هذا الفن كالعلامة المحقق خواجة نصير الدين الطوسي
وغيره بأنها تكون عند الصعود في الدرجة الثامنة من الجوزاء وفى الهبوط بعد الانقلاب الصيفي في الدرجة
الثالثة والعشرين من السرطان لمساواة لليل في الموضعين بعرض مكة فلا يكون في هاتين الحالتين للمقاييس
المنصوبة على سطح الأفق ظل أصلا ويكون الشمس فيما بين هاتين الدرجتين شمالية عن سمت مكة فيقع الاظلال
في أنصاف النهار جنوبية وهذا التقرير يقارب القول الثاني لكن يظهر فساده من وجهين أحدهما إن ذلك القول
جعلوه شاملا لمكة وصنعا وقد عرفت بعد صنعاء عن هذا المقام كثيرا وإنما يقارب مكة خاصة والثاني أنه اقتضى
عدم الظل أصلا في تمام اثنين وخمسين يوما وذلك من مبدأ مسامتة الشمس لرؤس أهل مكة إلى أن ترجع إلى
المسامتة الثانية وليس الامر كذلك وإنما يعدم في كل مسامتة يوما يوما واحدا في مبدء المدة ومنتهاها ثم يرجع الظل بين الحدين
جنوبيا كما تقدم نعم يمكن أن يقال في مكة إن المراد بعدم الظل في هذه المدة الظل الشمالي المتعارف وذلك لا
ينافي ثبوت ظل آخر لكنه يفسد من جهة قولهم إن علاقة الزوال لهذا الفريق حدوثه بعد عدمه فإنه لا يتم ذلك و
جملة البلدان إن نقص عرضها عن الميل الأعظم أو لم يكن لها عرض كخط الاستواء سامتت الشمس رؤوس أهله مرتين
في غير يومى المنقلبين وعدم الظل فيه حينئذ ومن هذا القسم مكة والطايف واليمامة ونجران وصنعاء وزبيد وحضرموت
وغيرها وإن كانت أوقات المسامتة فيها مختلفة لاختلاف عروضها وإن ساواه سامتته مرة واحدة عند المنقلب
الشمالي في الأرض المعمورة ويكون عدم الظل حينئذ في أطول الأيام كما ذكر وأقرب البلدان إلى هذا القسم مدينة الرسول
صلى الله عليه وآله فلو مثل بها كان حسنا وإن كانت زائدة في العرض عن الميل الأعظم لكن الزيادة دقائق لا
يظهر بسبب الحر وإن زاد عرض البلد عن الميل الكلى كالشام والعراق وجميع ما خرج عنهما نحو الشمال وغيرهما
177

من البلاد التي يزيد عرضها عن أربعة وعشرين درجة فإن الظل الشمالي لا يعدم لعدم مسامتة الشمس لرؤوسهم
أصلا فيكون علامة الزوال عندهم زيادة الظل فتدبر هذا الجملة فإنها مبنية على مقدمات دقيقة واستقم كما
أمرت ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله والامر الثاني مما يعلم به الزوال ما أشار إليه بقول أو ميل الشمس إلى الحاجب
الأيمن للمستقبل لقبلة أهل العراق وإنما أطلقها لظهورها أو لكونها قبلته وهذه العلامة لا يعلم بها الزوال إلا
بعد معنى زمان كثير لاتساع جهة القبلة بالنسبة إلى البعيد ومن ثم قيدها المصنف في النهاية والمنتهى بمن كان بمكة إذا
استقبل الركن العراقي ليضيق المجال ويتحقق الحال والامر باق بحاله فإن الشمس لا تصير على الحاجب الأيمن لمستقبل
الركن العراقي إلا بعد زمان كثير بل ربما أمكن استخراجه للبعيد في زمان أقل منه لمستقبل الركن والتحقيق أنه لا حاجة
إلى التقييد بالركن لما ذكرناه ولأن البعيد إذا استخرج نقطة الجنوب باخراج خط نصف النهار صار المشرق و
المغرب على يمينه ويساره كما هو أحد علامات العراقي وإن كان في هذه العلامة بحث تقف عليه في محله إن شاء
الله فإذا وقف الانسان على سمت هذا الخط ظهر له ميل الشمس إذا مالت في زمان قصير يقرب من زيادة الظل بعد
نقصه وأما إذا اعتبر البعيد قبله العراقي بغير هذه العلامة خصوصا بالنظر الدقيق الذي يخرج به سمت القبلة
فإن الزوال لا يظهر حينئذ إلا بعد مضى ساعات من وقت الظهر كما لا يخفى على من امتحن من ذلك اعتباره باستقبال الركن
العراقي فإنه ليس موضوعا على نقطه الشمال حتى يكون استقباله موجبا لاستقبال نقطة الجنوب وللوقوف على
خط نصف النهار وإنما هو بين المشرق والشمال فوصول الشمس إليه يوجب زيادة ميل عن خط نصف النهار كما لا يخفى
إذا تقرر ذلك فوقت الظهر المختص بها بمعنى عدم وقوع العصر فيه مطلقا من زوال الشمس إلى أن يمضى من الزمان
مقدار أدائها تامة الأفعال والشروط بأقل واجباتها بحسب حال المكلف باعتبار كونه مقيما ومسافرا صحيحا ومريضا
سريع القراءة والحركات وبطيها مستجمعا بعد دخول الوقت لشروط الصلاة أو فاقدها فإن المعتبر مضى قدر أدائها
وإداء شرائطها المفقودة فإن اتفق خلوه منها جميعا بأن كان محدثا عاريا ونجس الثوب والبدن والمكان بطي القراءة
والحركات ونحو ذلك كان وقت الاختصاص مقدار تحصيل هذه الشرائط وفعل الصلاة ولو اتفق كونه متطهرا خاليا
ثوبة وبدنه ومكانه من نجاسة عالما بالقبلة ونحو ذلك كان وقته قدر أداء الصلاة خالصة حتى لو فرض كون
المكلف في حال شدة الخوف وقد دخل عليه الوقت جامعا للشرائط فوقت الاختصاص بالنسبة إليه مقدار صلاة ركعتين
عوض كل ركعة تسبيحات أربع ولو فرض سهوه عن بعض الواجبات فإن كان مما يتلافى فوقت تلافيه من وقت
الاختصاص ثم بعد مضى هذا المقدار من الزوال تشترك الظهر في الوقت مع العصر بمعنى إمكان صحة العصر قبل الظهر في
هذا الوقت ويتفق ذلك فيما لو صلى العصر قبل الظهر ناسيا فإنها تصح إذا وقعت أو بعضها في المشترك ويصلى الظهر
بعدها كما سيأتي ويستمر الاشتراك من مضى مقدار أداء الظهر كما ذكر إلى أن يبقى للغروب مقدار أداء العصر على الوجه
المتقدم فتختص العصر به فلو لم يكن صلى الظهر قبل ذلك بقيت قضاء بعد أن يصلى العصر في المختص بها نعم لو أدرك
من آخر الوقت قدر خمس ركعات زاحم بالظهر والقول بالاختصاص على الوجه المذكور هو المشهور بين الأصحاب ويرشد إليه ظاهر قوله أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل فإن ضرورة الترتيب تقتضي الاختصاص ورواية
داود بن فرقد المرسلة عن الصادق عليه السلام إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضى مقدار ما يصلى
المصلى أربع ركعات فإذا فرض ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلى أربع ركعات
178

فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر وفى دلالة الآية نظر والخبر مرسل وذهب ابن بابويه
إلى اشتراك الوقت من أوله إلى آخره بين الفريضتين إلا أن هذه قبل هذه ونقله المرتضى عن الأصحاب من غير تعيين (تبيين خ ل)
وعليه دلت رواية عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا إلا أن
هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما حتى تغيب الشمس وغيره من الاخبار وحملها المحقق على الاشتراك بعد الاختصاص
لتضمنها إلا أن هذه قبل هذه جمعا بين الاخبار ولأنه لما لم يتحصل للظهر وقت مقدر لأنها قد تصلى بتسبيحتين كما
تقدم وقد يدخل عليه الوقت في آخرها ظانا فيصلى العصر بعدها عبر عليه السلام بما في الرواية وهو من أخص العبادات
وليطابق ظاهر الآية وذهب بعض الأصحاب إلى أن للظهر اختصاصا آخر من آخر الوقت بمقدار أدائها قبل المختص بالعصر
متصلا به وفرع عليه بأنه لو أوقع العصر قبل الظهر ناسيا في ذلك الوقت لم يصح العصر بل يعيدها الآن ويقضى
الظهر على المشهور يصح العصر ويقضى الظهر لخروج وقتها وعلى القول بالاشتراك يصلى الظهر الآن أداء ويصح العصر
وأول وقت صلاة المغرب إذا غربت الشمس الغروب المعلوم بغيبوبة الحمرة المشرقية أي لكائنة في جهة المشرق وهو
ما خرج عن دائرة نصف النهار نحو المشرق وهذا هو المشهور بين الأصحاب ومستنده الأخبار الصحيحة عن الصادقين
عليهما السلام كقول الباقر عليه السلام إذا غابت الحمرة من هذا الجانب فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها
وقول الصادق عليه السلام وقت سقوط القرص ووجوب الافطار أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع
من المشرق إذا جاوزت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص وهذا الحديث دل على أن سقوط
الحمرة علامة سقوط القرص وهو موافق للاعتبار فإن المراد بسقوط القرص وغيبوبة الشمس سقوطه عن الأفق
الغربي لا خفاءها عن أعيننا لان ذلك يحصل بسبب ارتفاع الأرض (البناء صح) والماء ونحوهما فإن الأفق الحقيقي غير مرئي
غالبا كما أن المراد بطلوعها طلوعها على الأفق لا علينا لاختلاف الأرض في الارتفاع والانخفاض ومن ثم اعتبر
أهل الميقات لها مقدارا في الطلوع يعلم به وأن لم نشاهدها فكذلك القول في مغيبها لعدم الفرق كما ورد به النص
عن أئمة الهدى وأهل البيت الذين هم أدرى بما فيه ويستمر الوقت مختصا بها إلى أن يمضى منه مقدار أدائها على ما تقرر
في الظهر ثم يشترك الوقت بينها وبين العشاء على أشهر القولين وقد ورد به أخبار صحيحة كخبر زرارة عن الصادق عليه
السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق من غير علة في جماعة وإنما فعل
ذلك ليتسع الوقت على أمته وروى زرارة عن الباقر عليه السلام في الرجل يصلى العشاء الآخرة قبل الشفق لا بأس
بذلك وذهب الشيخان وجماعة من الأصحاب إلى أن أول وقت العشاء ذهاب الحمرة المغربية استنادا إلى أخبار أخرى
حملها على وقت الفضيلة طريق الجمع بينها وبين ما دل على الأول ويمتد الوقت المشترك بينهما إلى أن يبقى لانتصاف
الليل مقدار العشاء فيختص بها أي بالعشاء فلا يصح فعل المغرب فيه مطلقا وللمصنف وجه فيمن أدرك قبل انتصاف الليل
مقدار أربع بوجوب الفرضين مخرج من وجوب الظهر لمدرك قبل الغروب مقدار خمس ركعات بناء على جواز فعل الظهر
وقت الثلث الأولى من العصر فلا اختصاص للعصر بها في هذه الحال فيأتي مثله في المغرب والعشاء عند إدراك قدر الأربع
لادراك قدر ركعة للعشاء وفيه ضعف لان وقوع شئ من الظهر في المختص بالعصر لا يصيره وقتا لها كما لو وقع ثلث من العصر في
وقت المغرب وركعة من الصبح بعد طلوع الشمس ولأن المقتضى لفعل الظهر في الفرض إدراك ركعة من وقت الظهر وذلك
منتف في إدراك مقدار أربع من وقت العشاء لخروج وقت المغرب بأسره بل التحقيق إن قدر الأربع الأخيرة وإن كان
179

للعصر إلا أن الظهر زاحمتها بثلث منه كما إن قدر الثلث كان للمغرب إلا أنه لما أوقعت العصر فيه أداء كان بحكم وقتها
فلا وجه لوجوب المغرب بإدراك أربع هذا مع أن النص قد ورد عن أئمة الهدى عليهم السلام بأنه لو بقي أربع من وقت
العشائين اختصت العشاء به فلا مجال للاجتهاد حينئذ والتخريج وللشيخ قول بامتداد وقت العشاء إلى ثلث الليل
خاصة
وفى المعتبر يمتد إلى طلوع الفجر استنادا إلى أخبار يعارضها مثلها ويزيد عليها ترجيحا بالشهرة وللمحقق أن
يحملها على وقت الفضيلة كما حملت أخبار الثلث فتبقى أخباره لا معارض لها بخلاف العكس فإن التعارض حاصل
على مذهب الجماعة نعم في مرفوع ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام أمر من نام عن العتمة حتى انتصف الليل
بقضائها وكذا رواية النوم عن العشاء إلى نصف الليل المتضمنة للقضاء وصوم الغد لكنهما لا يصلحان للمعارضة
لرفع الأولى وترك العمل بمضمون الثانية ولعدم دلالتهما على القضاء قبل طلوع الفجر أو على الانتباه قبله ولامكان
حمل القضاء فيهما على الفعل مطلقا كقوله تعالى فإذا قضيتم الصلاة فإذا قضيتم مناسككم وللأصحاب أن يحملوا
الروايات الدالة على الامتداد إلى الفجر على التقية لاطباق الفقهاء الأربعة عليه وإن اختلفوا في كونه آخر وقت
الاختيار أو الاضطرار وهو محمد حسن في الخبرين المتعارضين إذا أمكن حمل أحدهما عليها كما ورد به النص عنهم عليهم
السلام ويبقى التعارض بين الثلث والنصف فيحمل الأول على وقت الفضيلة والثاني على الاجزاء لاختصاصها
بنا والله أعلم
وأول وقت صلاة الصبح إذا طلع الفجر الثاني المعترض ويسمى الصادق لأنه صدقك عن الصبح ويسمى
الأول الكاذب لأنه ينمحي بعد ظهوره ويزول ضوءه وسمى الصبح من قولهم رجل أصبح إذا جمع بين بياض وحمرة والصادق
هو المستطير المنتشر الذي لا يزال يزداد بخلاف الأول قال النبي صلى الله عليه وآله لا يغرنكم الفجر المستطير
كلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير وآخره طلوع الشمس على الأفق على أشهر القولين لقول الباقر عليه (السلام صح) في خبر
زرارة وقت الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وذهب الشيخ في أحد قوليه إلى أن آخره للمختار طلوع الحمرة
وللمضطر طلوع الشمس استنادا إلى أحاديث كثيرة حملها على وقت الفضيلة أظهر لعدم إشعارها بالمنع من التأخير
وأول وقت نافلة الظهر وهي صلاة الأوابين إذا زالت الشمس وفى آخره أقوال منشاؤها اختلاف الروايات ظاهرا و
المشهور منها فتوى ورواية امتدادها إلى أن يزيد الفئ الحاصل للشخص بعد الزوال زيادة على ما بقي من الظل عند
الزوال مقدار قدمين أي سبعي الشخص فإن قسمة الشخص متى أطلقت بالاقدام فالمراد بها الأسباغ بناء على الغالب من
كون طول كل شخص ذي قدم سبعة إقدام بقدمه وفى بعض الاخبار تحديد وقت نافلة الظهر بذراع وهو يناسب القدمين
أيضا لان القدمين ذراع بالتقريب وذهب جماعة من الأصحاب إلى تحديده بزيادة الفئ مثل الشخص لقول الصادق عليه السلام
في رواية زرارة وغيره كان حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قامة فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا
معنى ذراعان صلى العصر قال في المعتبر وهذا يدل على بلوغ المثل والمثلين لان التقدير إن الحائط ذراع لأنه روى
عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام أن في كتاب علي عليه السلام القامة ذراع وعنه عليه السلام قلت كم القامة قال
ذراع أن قامة رحل رسول الله صلى الله عليه وآله كانت ذراعا ونحوه قال في التذكرة ويظهر من النهاية محاولة
الجمع بين رواية القدمين والذراع والمثل بالقامة أيضا بناء على أن القدمين ذراع والذراع قامة كما
تقدم وفى المخ جمع بينها بالحمل على تطويل النافلة بكثرة الدعاء ونحوه وتخفيفها بقلة ذلك وفى جميع ذلك
ترجيح للقول بالمثل فالمصير إليه متجه
وقيل بامتداد وقت النافلة بامتداد وقت الفريضة وفى بعض الاخبار
180

دلالة عليه فإن خرج الوقت بأي معنى فسر ولم يتلبس بالنافلة قدم الظهر ثم قضاها أي النافلة بعدها وإن تلبس في
الوقت من النافلة ولو بركعة تامة وتتحقق بتمام السجدة الثانية وإن لم يرفع رأسه منها أتمها مخففة أداء تنزيلا
لها منزلة الصلاة الواحدة وقد أدرك منها ركعة ثم صلى الظهر بعدها والمستند رواية عمار الساباطي عن أبي عبد
الله عليه السلام واستثنى بعض الأصحاب من ذلك يوم الجمعة لدلالة الاخبار على تضيق الجمعة وإن لها وقتا واحدا
حين تزول الشمس فيترك ما بقي من النافلة ويصلى الفريضة قبل ويصلى النافلة بعدها أداء كما لو صليت قبلها
وهل تختص بذلك الجمعة أو الصلاة يوم الجمعة خبر زرارة عن الباقر عليه السلام دل على الأول وظاهر خبر إسماعيل
بن عبد الخالق عن الصادق عليه السلام على الثاني فرع لو ظن خرج وقت النافلة قبل إكمال ركعة حيث لا طريق
له إلى العلم فشرع في الفريضة ثم تبين السعة فالظاهر أنه يصليها بعدها أداء لبقاء وقتها ووقت النافلة
العصر بعد الفراغ من الظهر إلى أن يزيد الفئ أربعة أقدام والقائل بالمثل في الظهر قال هنا بالمثلين والخلاف
واحد رواية وفتوى فإن خرج وقتها قبل تلبسه منها بركعة صلى العصر وقضاها بعدها وإلا أي وإن لم
يكن الخروج قبل تلبسه بركعة بل إنما خرج بعد صلاة ركعة (فصاعدا صح) أتمها مخففة أداء كما مر ثم صلى العصر بعدها و
يجوز تقديم النافلتين أي نافلتي الظهرين على الزوال في يوم الجمعة خاصة سواء صلى الجمعة أم لا ويزيد فيه أي
في يوم الجمعة على النافلتين أو في عدد النافلتين المدلول عليه بذكرها التزاما أربع ركعات ينوي بها نافلة الجمعة
ويتخير في الست عشرة بين الجمعة والظهرين كما كانت أولا وكما يجوز تقديمها على الزوال يجوز تأخيرها بأسرها عنه
مقدمة على الفرضين أو مؤخرة عنهما أو متوسطة بينهما أو بالتفريق والأفضل تفريقها سداس ست بكرة
عند انبساط الشمس وهو انتشارها على وجه الأرض وكمال ظهورها وست عند الارتفاع وست عند الزوال
وركعتان بعده ودونه تأخير الست الأولى وجعلها بين الفرضين ومستند ذلك كله أخبار مختلفة قال المصنف في النهاية
والسر في زيادة الأربع يوم الجمعة إن الساقط فيه ركعتان فيستحب الاتيان ببدلهما والنافلة الراتبة ضعف
الفرائض ومقتضاه قصر استحباب الزيادة على ما إذا صليت الجمعة وكلام الأصحاب وإطلاق الاخبار يقتضيان
كون يوم الجمعة متعلق الاستحباب من غير تقييد بصلاة الجمعة وأيضا فالوارد في الاخبار أن الجمعة ركعتان من أجل
الخطبتين فهما بدل من الركعتين فلا يحتاج إلى بدل آخر وكان المراد أن منشأ الاستحباب الجمعة فلا ينافيه تغير الحال
لاختلال الشرائط وقيام النافلة مقام الركعتين أقوى في المناسبة الصورية من الخطبتين فكانت أولى بالبدلية
وهذا التكلف مستغنى عنه بعد ورود النص ووقت نافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربية وهي غاية فضيلة
المغرب ولا اعتبار بالبياض الباقي في جانب المغرب بعد الحمرة إجماعا منا ومن أكثر مخالفينا فإن ذهبت الحمرة ولم
يكملها تركها واشتغل بالعشاء إلا أن يكون في أثناء ركعتين فيكملهما سواء كانتا الأولتين أم الأخيرتين للنهي
عن إبطال العمل ولأن الصلاة على ما افتتحت عليه وحكى في الذكرى عن ظاهر ابن إدريس أنه إن كان قد شرع في
الأربع أتمها وإن ذهب الشفق فيها ولو قيل بامتداد وقتها بوقت المغرب أمكن لأنها تابعة لها ويظهر من المصنف
في المنتهى أن توقيتها بذهاب الحمرة إجماعي فلا عدول عنه ووقت الوتيرة بعد العشاء الآخرة وتمتد بامتدادها
لتبعيتها للفريضة فعلى هذا لو انتصف الليل ولما يأت بها صارت قضاء ولا فرق حينئذ بين خروج الوقت قبل شروعه
فيها وبعده للاطلاق ويحتمل الفرق والتفصيل بخروجه قبل إكمال ركعة منها وبعده فيتمها على الثاني دون الأول
181

ووقت صلاة الليل بعد انتصافه إلى طلوع الفجر وكلما قرب من الفجر الثاني كان أفضل واعتبر المرتضى الأول وأراد
بصلاة الليل ما يعم الوتر كما صنع أولا وجعلها إحدى عشرة ركعة وأفضل أوقات الوتر بين الصبحين للرواية عن أمير
المؤمنين عليه السلام فإن طلع الفجر الثاني وقد صلى من صلاة الليل أربعا ويتحقق بإكمال السجدة الأخيرة وإن لم
يرفع رأسه منها ولم يتشهد كما مر أكملها أي صلاة الليل التي من جملتها الشفع والوتر بعد الفجر مخففة بالحمد وحدها
كما يخففها بها لو خاف ضيق الوقت وإلا أي وإن لم يكن قد صلى منها أربعا سواء كان قد شرع فيها أم لم يشرع تركها
وصلى ركعتي الفجر وهل يقطع الركعتين لو كان في أثنائهما أم يكملهما الاطلاق يقتضى الأول والنهى عن إبطال العمل
الذي أقله الكراهة في النافلة يقتضى الثاني وقد سبق في نافلة المغرب إكمالهما وهنا لم يصرحوا بشئ والوجهان
آتيان في نافلة الظهرين قبل إكمال ركعة وقتهما أي وقت ركعتي الفجر بعد الفجر الأول بل بعد صلاة الليل وإن لم
يكن طلع الفجر على المشهور من الاخبار وكلام الأصحاب وفى بعض الاخبار التصريح بأنهما من صلاة الليل وتسميان
بالدساستين لدسهما في صلاة الليل ولعل إطلاق المصنف أول وقتهما بالفجر بنا على أنه الأصل كما يرشد إليه أضافتهما
إليه وإن التقديم لهما رخصة حتى أن المرتضى والشيخ في المبسوط جعلا أول وقتهما طلوع الفجر الأول ولو كانتا من صلاة
الليل مطلقا لزم البداءة بالفريضة قبلهما لو طلع الفجر ولم يصل من صلاة الليل أربع ركعات ويمتد وقتهما إلى
أن تطلع الحمرة المشرقية على المشهور وظاهر كلام الشيخ في التهذيب عدم جواز فعلهما بعد طلوع الفجر الثاني حيث حمل
الاخبار بفعلهما بعد الفجر على الفجر الأول وأفضل وقتهما بين الفجرين فإن طلعت الحمرة المشرقية ولم يصلها بدأ بالفريضة
ثم قضاهما إن شاء لرواية علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا يصلى الغداة حتى تسفر وتظهر
الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما قال يؤخرهما ولو كان طلوع الحمرة بعد الشروع فيهما ففيه الوجهان ويجوز
تقديمهما على الفجر لما مر والظاهر عدم الفرق في جواز التقديم بين من صلى صلاة الليل وغيره كما يقتضيه الاطلاق وإن
كان تعبير بعضهم بكون أول وقتهما بعد صلاة الليل يؤذن باختصاص التقديم بمصليها وقضاء صلاة الليل بعد فوات
وقتها أفضل من تقديمها على انتصاف الليل في صورة جوازه وهي عند حصول المانع من فعلها في وقتها كالشاب الذي
شق عليه القيام لها لغلبة النوم عليه من رطوبة رأسه والمسافر الذي يصده جده عن القيام وخايف البرد والجناية
ومريدها ولو اختيارا حيث يشق الغسل لها وغير ذلك من الاعذار ومستند جواز التقديم الاخبار كرواية الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام في صلاة الليل والوتر أول الليل في السفر إذا تخوفت البرد أو كانت علة فقال لا بأس أنا أفعل
إذا تخوفت ورواية يعقوب بن سالم عنه عليه السلام يقدمها خائف الجناية في السفر أو البرد وغيرهما من الاخبار
وقد ورد روايات أخرى بجواز تقديمها من غير تقييد بالعذر كرواية ليث المرادي عن الصادق عليه السلام في فعل
صلاة الليل في الليالي القصار صيفا أول الليل فقال نعم نعم ما رأيت ونعم ما صنعت وقوله عليه السلام إنما النافلة
مثل الهدية متى ما أتى بها قبلت وحملت على العذر حملا للمطلق على المقيد مع أن الرواية الأولى مؤذنة به لفرضه
ذلك في الليالي القصار التي هي موضع المشقة ومظنة غلبة النوم وإنما كان القضاء أفضل على تقدير جواز التقديم
لرواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام في الذي يغلبه النوم يقضى ولم يرخص له في الصلاة أول الليل وفى
الشابة يغلبها النوم تقدم إن ضيعت القضاء فتحمل على الأفضلية جمعا بينها وبين ما تقدم حتى إن المصنف في المختلف
منع من تقديمها تبعا لابن إدريس وابن أبي عقيل من تقديمها لغير المسافر لتوقيتها بالانتصاف ومنع الصلاة قبل
182

الوقت فلا أقل من أن يكون التقديم مفضولا بالنسبة إلى القضاء تنبيهات الأول وقت التقديم
على القول بجوازه النصف الأول من الليل فلا يجوز تقديمها على الغروب لما تقدم من الاخبار المصرحة بأول
الليل وهل يشترط تأخيرها عن العشائين إطلاق الاخبار والأصحاب يقتضى عدمه مع احتماله قصرا للضرورة
على محلها وهو منتف قبل صلاة العشاء ويرده إطلاق الاخبار الثاني المراد بصلاة الليل المقدمة الإحدى عشرة ركعة
لا الثماني التي هي صلاة الليل حقيقة وقد تقدم التصريح بتقديم الوتر في رواية الحلبي وليس منها ركعتا الفجر
هنا وإن أطلق عليهما أنهما منها كما تقدم فلا يصح تقديمهما وإن خاف فوتها الثالث لو قدمها ثم انتبه في الوقت
أو زال العذر هل يشرع (يسوغ صح) فعلها ثانيا الظاهر ذلك لان التقديم إنما شرع للضرورة وقد زالت ويحتمل العدم
للامتثال وعدم النص وهو مختار ولد المصنف في بعض فتاواه الرابع هل ينوى فيها مع التقديم الأداء يحتمله لان
جميع الليل قد صار وقتا لها ولا معنى للأداء إلا ما فعل في وقته وعدمه لأنه ليس وقتا حقيقيا ولهذا أطلق عليها
فيه التقديم فينوي فيها التعجيل لا الأداء وقد صرح به بعض الأصحاب هذا إن اشترطنا نية الأداء هنا وأما ركعتا
الفجر إذا قدمتا عليه فينوي فيهما الأداء لما تقدم من كون وقتهما بعد صلاة الليل على المشهور وتقضى الفرائض
الفائتة في كل وقت وإن كان أحد الأوقات الخمسة لان وقت الآتية الواجبة ذكرها كما وردت به الاخبار
لقوله تعالى أقم الصلاة لذكرى أي لذكر صلاتي قال بعض المفسرين أنها للفايتة لقول النبي صلى الله عليه وآله
من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها إن الله تعالى يقول وأقم الصلاة لذكرى وفى الآية وجوه أخرى
من التأويل ما لم يتضيق وقت الحاضرة فتقدم على الفائتة لان الوقت لها بالأصالة فتكون أحق به وهو موضع
وفاق وتقضى النوافل أيضا في كل وقت ولو قال تصلى كان أجود ما لم يدخل وقتها أي وقت الفرائض فإن دخل
فظاهر المصنف عدم الجواز وقد صرح به في غير هذا الكتاب وهو المشهور بين المتأخرين لقول النبي صلى الله عليه وآله
لا صلاة لمن عليه صلاة ولقول الباقر عليه السلام في خبر زرارة لا تتطوع بركعة حتى تقضى الفريضة واختار الشهيد
رحمه الله وجماعة جواز النافلة أداء وقضاء لمن عليه فريضة ما لم يضربها استنادا إلى أخبار كثيرة أوردها في
التهذيب والكافي منها ما رواه في التهذيب عن سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي المسجد وقد
صلى أهله أيبتدي بالمكتوبة فقال إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة فإن خاف فوت
الوقت فليبدأ بالفريضة وعن إسحاق بن عمار قال قلت أصلى في وقت فريضة نافلة قال نعم في أول الوقت إذا كنت
مع إمام تقتدي به فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن رجل
نام عن الغداة حتى طلعت الشمس فقال يصلى ركعتين ثم يصلى الغداة وعن عبد الله بن سنان عنه عليه السلام إن
رسول الله صلى الله عليه وآله رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس فركع ركعتين ثم صلى الصبح و
حملوا الأخبار الدالة على النهى على الكراهة جمعا بينها وبين ما دل على الجواز أقول ما ذكروه من الاخبار
الشاهدة بالجواز عدا الرابع غير سليم من الطعن في السند أما الأول ففي سنده عثمن بن عيسى عن سماعة وهما
واقفيان لكنهما ثقتان والثاني عثمان بن عيسى عن إسحاق وإسحاق فطحي وفى طريق الثالث سماعة عن أبي بصير وقد
عرفت حال سماعة وأما الرابع فصحيح السند لكن في معارضته للخبرين نظر مع أن الركعتين اللتين صلاهما
النبي صلى الله عليه وآله قبل أن يصلى الصبح لم يبين أنهما نافلة فجاز كونهما فريضة بسبب من الأسباب ويمكن
183

أن يستدل بأصالة عدم الوجوب ويعتضد بالاخبار الأخرى فإنها وإن لم يكن طريقها صحيحا لكنها من الموثق ويكون
حمل أخبار النهى على الكراهة طريقا للجمع وهو خير من إطراح هذه الأخبار التي قد صح بعضها واعتضد باقيها (باقيها بعمل صح) وعمل
جماعة من الأصحاب بمضمونها وقوى العمل بها أن حديث الصلاة خير موضوع بالوصف فمن شاء استقل ومن شاء استكثر
ويدل على أن الركعتين نافلة أو على جواز النافلة لمن عليه فريضة صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام في حديث طويل
يتضمن وصف الصلاة التي فاتته صلى الله عليه وآله وأنه أمر بلالا فأذن ثم صلى صلى الله عليه وآله ركعتي الفجر
وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح وفيه أن بعض أعدائه اعترضه بأنه عليه السلام روى عن رسول
الله صلى عليه وآله إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة فأجاب عليه السلام بأنه قد
فات الوقتان جميعا وإن ذلك كان قضاء من رسول الله صلى الله عليه وآله وهذا الحديث كما دل على جواز النافلة
في وقت قضاء الفريضة كذلك يدل على توسعة وقت القضاء وإن كانت الفائتة متحدة ليومها لتقديمه النافلة
على قضاء الفريضة فإن قيل هذه الحجة أخص من المدعى لأنها دلت على جواز النافلة لمن عليه فريضة مقضية خاصة
والمدعى جوازها مطلقا فلا يتم الاحتجاج بها على الجواز بل هي على المنع أدل ويؤيده صحيحة زرارة أيضا قال قلت
لأبي جعفر عليه السلام أصلى نافلة وعلى فريضة أو في وقت فريضة قال لا أنه لا تصلى نافلة في وقت فريضة أرأيت
لو كان عليك صوم من شهر رمضان كان لك أن تتطوع حتى تقضيه قال قلت لا قال فكذلك الصلاة قال فقايسني
وما كان يقايسني وكأنه عليه السلام أراد به مجرد المثال أو ليعلم زرارة ما يحتج به على خصومه لا الاحتجاج
بالقياس وهذا الحديث أيضا صريح في النهى عن النافلة في وقت الفريضة وإذا جمع بينه وبين ما قبله كان النهى مختصا
بفعلها في وقت الحاضرة لأنها ذات الوقت حقيقة قلنا قد ثبت دلالة الأولى على جواز النافلة لمن عليه فريضة في
الجملة ويحمل الثانية عليها ولا قائل بالتفصيل فاللازم أما إطراح الرواية أو القول بالجواز في الجملة ومتى قيل به
في الجملة لزم القول به مطلقا لعدم القائل بالفرق فالقول به إحداث قول ثالث فإن قيل بطريق القلب دل الحديثان
على النهى عن النافلة في وقت الفريضة في الجملة ولا قائل بالتفصيل فاللازم إطراح الروايتين إن لم نقل بالمنع مطلقا
حذرا من إحداث قول ثالث قلنا يمكن حمل النهى على الكراهة بينهما وبين ما دل على الجواز فإن القول بحمل النهى
على التحريم يستلزم إطراح تلك الأخبار بالكلية أو حملها على ما لا يدل عليه كحملها على انتظار الجماعة فكان حمل
النهى على الكراهة التي هي أحد مفهوماته أولى مع أن حديث لا صلاة لمن عليه صلاة لم يستثبته الأصحاب من طريقهم
وإنما أورده الشيخ في المبسوط والخلاف مرسلا ولم يذكره في كتابي الاخبار والله أعلم ويكره ابتداء النوافل في خمسة مواطن
ثلاثة تعلق النهى فيها بالزمان وهي عند طلوع الشمس حتى ترتفع وتذهب الحمرة ويستولي سلطانها بظهور شعاعها
فإنه في ابتداء طلوعها ضعيف وعند غروبها أي ميلها إلى الغروب وهو اصفرارها حتى يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقية
وعند قيامها في وسط النهار ووصولها إلى دائرة نصف النهار المعلوم بانتهاء نقصان الظل إلى أن تزول وبأخذ الظل
في الزيادة والكراهة ثابتة في جميع الأيام إلا يوم الجمعة فلا يكره النافلة فيها عند القيام فإنه يستحب التنفل فيها بركعتين
نصف النهار لما روى عن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وعن الصادق
عليه السلام
لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة ووقتان تعلق النهى فيهما بالفعل بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة
العصر حتى تغرب الشمس ومعنى تعلقه هنا بالفعل اختصاصه بمن صلى الصبح والعصر دون من لم يصلهما وإن من
184

عجلهما في أول الوقت طالت الكراهة في حقه وإن آخرهما قصرت وهذه الخمسة مرجعها إلى ثلاثة لاتصال ما بعد الصبح
بما بعد الطلوع وما بعد العصر بما بعد الاصفرار لكن اختلاف السبب بالفعل والوقت جعلها خمسة واحترز بالنوافل
عن الفرائض فلا تكره في هذه الأوقات أداء كانت أو قضاء والأصل في الكراهة في هذه الأوقات ما روى عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه نهى عن الصلاة فيها وأنه قال أن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا
استوت قارنها فإذا زال فارقها وإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها ونحوه روى من طرقنا عن أبي الحسن
الثاني عليه السلام وفسر قرن الشيطان بحزبه وهم عبدة الشمس يسجدون لها في هذه الأوقات وفى مرفوع إلى أبي عبد الله
عليه السلام أن رجلا قال له عليه السلام إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان قال نعم أن إبليس اتخذ عريشا بين السماء
والأرض فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال إبليس لشياطينه أن بني آدم يصلون لي فمن ثم كرهت النوافل
في هذه الأوقات عدا ذي السبب المتقدم على هذه الأوقات أو المقارن لها أو الحاصل فيها وذلك كصلاة الطواف
والاحرام والزيادة والحاجة والاستخارة والاستسقاء والتحية والشكر وقضاء النوافل وصلاة ركعتين عقيب فعل الطهارة
عن حدث وإنما لم يكره ذات السبب لاختصاصها بورود النص على فعلها في هذه الأوقات أو في عموم الأوقات والخاص مقدم
وللأصل وفى بعض الاخبار الدال على بعض ذي السبب أنه من سر آل محمد المخزون والمراد بكراهة النافلة فيها كونها خلاف
الأولى كباقي العبادات المكروهة فتنعقد لعدم المنافاة وينعقد نذرها وتوقف المصنف في التذكرة والنهاية واعلم
أنه كان يغنى قيد الابتداء عن استثناء ما له سبب كما صنع الشهيد رحمه الله وغيره فإنهم يحترزون بالمبتدأة عن ذات السبب
ويمكن الاحتراز بالابتداء هنا عن الاستدامة بأن يدخل عليه أحد الأوقات وهو في أثناء نافلة لا سبب لها فإنه لا يكره
له قطعها لكونه مكروها فتتعارض الكراهتان ويرجع إلى الأصل أو لان المنهى عنه الصلاة لا بعضها
وأول الوقت أفضل
من غيره لما فيه من المسارعة إلى فعل الطاعة ولزوم المغفرة والاخبار في ذلك عن النبي والأئمة عليهم السلام لا تحصى
فمنها عنه صلى الله عليه وآله أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها وعن الصادق عليه السلام أن فضل أول الوقت على
آخره كفضل الآخرة على الدنيا وفى قوله صلى الله عليه وآله أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله كفاية فإن
الرضوان إنما يكون للمحسنين والعفو يشبه أن يكون للمقصرين وتحصل فضيلة الأولية بالاشتغال بشروط الصلاة
ومقدماتها كالطهارة وستر العورة والأذان حين دخوله فلا يعد حينئذ مؤخرا ولا يشترط تقديم ما يمكن تقديمه
عليه كما لا يعتبر تكلف العجلة على خلاف العادة ولا يضر الاشتغال بما لا ينافيه عرفا كأكل لقمة وكلام خفيف وفى
اشتراط ذلك فيما لو نذر الصلاة في أول وقتها نظر من تبعية الشروط والمقدمات وجوب الفعل المتوقف على الوقت
وعدم منافاة الأولية عرفا ومن ثم حصلت الفضيلة لولا النذر ومن اقتضاء اللفظ كون الصلاة أول الوقت فيقدم
ما أمكن من مقدماتها تحصيلا للواجب المطلق بحسب الامكان واختاره المصنف في النهاية بعد اعترافه بعدم منافاة ذلك للفضيلة
لولا النذر ومتى اعتبرنا تقديم المقدمات حكم بمنافاة أكل اللقمة ونحوها بطريق أولى أما الاسراع على خلاف العادة فلا
وهذه الفضيلة ثابتة لجميع الصلوات الأوقات إلا ما يستثنى في تضاعيف كتب الفقه وجملته سبعة عشر تأخير الصلاة
بها عن أول الوقت أفضل من تقديمها أ تأخير الظهر إذا اشتد الحر للابراد بها لما رووه النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال إذا اشتد الحر إلى وقوع الظل الذي يمشي الساعي فيه إلى الجماعة فأبردوا بالصلاة ورويناه عن الصادق
عليه السلام قال كان المؤذن يأتي النبي صلى الله عليه وآله في صلاة الظهر فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله أبرد أبرد
185

واعتبر المصنف فيه كون الصلاة في جماعة لظاهر الخبرين فلو صلى منفردا في بيته فلا إبراد لعدم المشقة المقتضية له ولو
أراد المنفرد الانتقال إلى المسجد ليصلي منفردا فالظاهر استحباب الابراد لمساواته الجماعة في المشقة ويمكن دلالة الخبر
عليه واعتبر الشيخ مع ذلك كون الصلاة في المسجد والبلاد حارة والظاهر عدم اعتبارهما آخذا بالعموم وفى تنزل الجمعة
منزلة الظهر وجهان نعم لعموم الخبر واختاره المصنف في التذكرة ولا لشدة الخطر في فواقها وعموم أول الوقت رضوان
الله خرج عنه الظهر فيبقى ما عداها ومقتضى الخبر الأول تحديد التأخير بحصول ظل الحائط على الساعي إليها وهو مناسب
للابراد المدلول عليه في الخبر الثاني غالبا ب تأخير العصر إلى المثل أو أربعة أقدام وقد نبه عليه المصنف في التذكرة
وجعله في الذكرى أقرب وفى الاخبار ما يدل عليه حينئذ تأخير المستحاضة الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضيلتهما
لتجمع بينهما وبين العصر والعشاء بغسل واحد مع ملاحظة إيقاع كل واحدة في وقتها فتؤخر الظهر إلى أن يبقى لصيرورة
ظل الشخص مثله قدر الصلاة وتقدم العصر في أول وقتها وكذا القول في العشائين د تأخير المغرب والعشاء
للمفيض من عرفة إلى المشعر الحرام وإن مضى ربع الليل وثلثه لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام لا
تصلى المغرب حتى تأتي جمعا وإن ذهب ثلث الليل وجمع بفتح الجيم وإسكان الميم هي المشعر ويقال لها المزدلفة بكسر
اللام ونقل المصنف في المنتهى إجماع أهل العلم على ذلك ه‍ تأخير الظهرين والصبح حتى تصلى النافلة ما لم
يستلزم
خروج وقت الفضيلة وقيل وإن خرج و تأخير العشاء حتى يذهب الشفق الأحمر بل قيل بوجوبه ز تأخير
الصبح حتى تكمل نافلة الليل إذا أدرك منها أربعا كما مر ح تأخير المغرب للصائم في صورتيه المشهورتين ط
تأخير المشتغل بقضاء الفرائض الفائتة للحاضرة إلى آخر وقتها إن لم نقل بوجوبه ى إذا كان التأخير مشتملا
على صفة كمال كانتظار الجماعة للامام والمأموم ما لم يطل الزمان أو طول الصلاة والتمكن من استيفائها وقد
روى عن الصادق عليه السلام في المغرب إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك إلى ربع الليل
يا تأخير ذوي الأعذار كفاقد المسجد والساتر أو وصفه مع رجاء زوال العذر بالتأخير إن لم نقل بوجوبه كما ذهب
إليه المرتضى مطلقا وجماعة في التيمم يب تأخير المربية ذات الثوب الواحد الظهرين إلى آخر الوقت لتغسل الثوب
قبلهما ويحصل فيه أربع صلوات بغير نجاسة أو بنجاسة خفيفة يج تأخير مدافع الخبثين الصلاة إلى أن يخرجهما
وكذا الريح والنوم وإن فاتته فضيلة الجماعة والمسجد وكذا لو فاتته الطهارة المائية كما لو اضطر بعد زوالها إلى
التيمم على أحد الوجهين يد تأخير الظأن دخول الوقت ولا طريق إلى العلم حتى يتحقق الدخول يه تأخير
مريد الاحرام الفريضة الحاضرة حتى يصلى سنة الاحرام ثم يصلى الفريضة ويحرم عقيبها كما سيأتي بيانه يو تأخير
صلاة الليل إلى آخره ين تأخير ركعتي الفجر إلى طلوع الأول كما مر ولا يجوز تأخيرها أي الصلاة الواجبة عن وقتها
وكذا تأخير شئ منها وإن بقيت أداء كمدرك ركعة منه فإن ذلك بحكم التغليب وإلا فالركعات الباقية خارجة عن
الوقت مع وجوب فعلها فيه والاخلال بالواجب حرام وهذا الحكم إجماعي وكذا لا يجوز تقديمها عليه ولا يجزى
ما فعله من (في) التقديم وإن أجزا في التأخير مع نية القضاء ولا فرق في ذلك بين العالم والجاهل والناسي وإن
انتفى الاثم على الأخير واحترز بالواجبة عن النافلة فإنه يجوز تقديمها على الوقت في بعض المواضع كما عرفته
ولا يجوز البناء في الوقت على الظن مع إمكان العلم
ويجتهد في تحصيل الوقت إذا لم يتمكن من العلم بالامارات
المفيدة للظن بدخوله كالأوراد المفيدة له من صنعة ودرس وقراءة وغيرها وكتجاوب الديكة للرواية عن الصادق
186

عليه السلام ولا بد من تقييده بشهادة العادة به وإن كان النص مطلقا ونفاه المصنف في التذكرة مطلقا والخبر حجة عليه
فإن ظن الدخول حيث لا طريق له إلى العلم صلى فإن طابق صح وإن انكشف فساد ظنه وقد فرغ من الصلاة قبل الوقت
أعاد الصلاة لوقوعها في غير وقتها ولعموم رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام من صلى في غير وقت فلا صلاة له
وإن دخل الوقت وهو متلبس بالصلاة ولو في آخر أفعالها كما لو كان في التشهد إن لم نقل بوجوب التسليم أو في أثناء
التسليم الواجب إن قلنا بوجوبه إجزاء على أصح القولين لأنه متعبد بظنه مأمور بالعبادة على هذا الوجه فيقتضى
الاجزاء خرج منه ما إذا لم يدرك شيئا من الوقت فيبقى الباقي وروى إسماعيل بن رياح عن الصادق عليه السلام إذا
صليت وأنت ترى إنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك واختار المصنف
في المخ البطلان لرواية أبي بصير السالفة فإنها شاملة للصلاة الكاملة وغيرها وفى الشمول نظر ولو سلم وجب تخصيصها
بخبر إسماعيل لأنه خاص ولو صلى قبله أي قبل الوقت عامدا أو جاهلا بدخوله أو باعتباره في الصلاة أو بحكم الصلاة
قبل الوقت أو ناسيا لمراعات الوقت بطلت صلاته وإن دخل الوقت في أثنائها على أشهر القولين لنهى الأول
عن الشروع فيها قبله والنهى في العبادة يقتضى الفساد ولضم الثاني جهلا إلى تقصير ولتفريط الثالث بعدم التحفظ
مع قدرته عليه ولأن الوقت سبب في الوجوب فلا يتقدم الوجوب عليه والاجزاء تابع للوجوب خرج عنه الظان للرواية
وتعبده باجتهاده فيبقى الباقي على أصله فلا دلالة حينئذ لحديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان مع أن في دلالته على
أصل الحكم بحث يأتي إن شاء الله وللشيخ قول بمساواة العامد للظان في عدم الإعادة وهو بعيد ويلزم منه
إلحاق الجاهل والناسي به بطريق أولى ويحتمل إلحاق الناسي به خاصة ولو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل
بالدخول ففي الاجزاء نظر من مطابقة نفس الامر وعدم الدخول الشرعي واختار في البيان الأول وفى الذكرى البطلان
وأولى به تارك الاجتهاد مع القدرة عليه أو تارك التقليد مع العجز عن الاجتهاد لعصيانهما ولو لم يتذكر الاجتهاد
أو التقليد فكالناسي ولو صلى العصر قبل الظهر ناسيا ولم يذكر حتى فرغ من الصلاة أعاد الصلاة إن كان صلاها
جميعها في الوقت المختص بالظهر وإلا أي وإن لم يكن صلاها جميعها في الوقت المختص بالطهر بأن وقعت في الوقت
المشترك بين الفريضتين أو دخل المشترك وهو فيها فلا إعادة بل يصلى الظهر بعدها أداء ولو ذكر في أثناء العصر
عدل إلى الظهر وصحت سواء كان في المختص أم المشترك لان المقتضى لفسادها إذا وقعت في المختص ولم يذكر حتى فرغ
عدم أجزاءها عن الظهر لفقد النية ولا عن العصر لوقوعها قبل وقتها بخلاف ما لو تذكر فعدل فإن النية تؤثر
فيما مضى ويدل عليه أيضا إطلاق رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام إلى قوله فذكر وهو يصلى أنه لم يكن صلى
الأولى فليجعلها الأولى وغيرها هذا كله على القول باختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها ويمكن فرضه
على القول باختصاصها من آخره كذلك كما تقدم وعلى القول باشتراك الوقت بين الفرضين كمذهب الصدوقين يجئ
صحة الصلاتين وإن لم يذكر حتى فرغ ولو ذكر في الأثناء فالعدول بحاله لوجوب الترتيب إجماعا وإنما فرض المصنف
المسألة في الظهرين لعدم ورود الحكم في العشائين غالبا فإنه لو نسي وصلى العشاء في المختص بالمغرب فدخل المشترك
وهو فيها فتصح كما تقدم نعم لو فرض سهوه عن أفعال تقابل الركعة الأخيرة بحيث تقع العشاء بجملتها صحيحة في المختص
بالمغرب بطلت كالعصر وكذا لو كانت مقصورة
والفوائت من الفرائض اليومية تترتب في القضاء بمعنى أنه إذا اجتمع
في ذمة المكلف فريضتان فصاعدا ترتب اللاحقة منها على السابقة فتقدم السابقة في القضاء على لاحقتها و
187

هكذا كالحواضر التي قد علم ترتيبها فلو صلى المتأخرة في الفوات قبل المتقدمة فيه عامدا لم يصح ولو كان ناسيا
ثم ذكر في أثناء المتأخرة عدل منها إلى المتقدمة مع الامكان وذلك حيث لا يتحقق زيادة ركوع على عدد السابقة فلو
كانت الفائتة المتقدمة صبحا فإن ذكر قبل ركوع الثالثة عدل إليها أو مغربا فذكر قبل ركوع الرابعة لو تساويا
عددا فالعدول ممكن ما لم يفرغ ومعنى العدول إن ينوى بقلبه أن هذه الصلاة بمجموعها ما مضى وما بقي هي
السابقة المعينة مؤداة أو مقضاة إلى آخر ما يعتبر في النية ويحتمل عدم وجوب إكمال المشخصات المشتركة بين الفرضين
كالوجوب والقربة والأداء والقضاء إن اتفقا فيها لسبق صحته وصلاحيته للمعدول إليها وينبه على اعتبار الجميع
ظاهر خبر زرارة عن الباقر عليه السلام فانوها الأولى فإنما هي أربع مكان أربع فإن مقتضى النية ذلك وفى
البيان ليس وفيه أي العدول إلا نية تلك الصلاة وهو يدل على اعتبار الجميع لان نية تلك الصلاة يعتبر فيها ذلك
وإلا أي وإن لم يمكن العدول بأن تجاوز محله استأنف المتقدمة بعد إكمال ما هو فيها إن لم يكن أكملها ويغتفر
الترتيب للنسيان وربما أوهم الاستيناف غير ذلك لكن المراد ما قلناه واحترزنا باليومية عن غيرها من الصلوات الواجبة
حاضرة كانت أم فائتة أم بالتفريق كالعيد والآيات والجنازة وغيرها فإنه لا ترتيب فيها مع أنفسها ولا بينها
وبين اليومية على المشهور وربما ادعى بعضهم عليه الاجماع ونقل في الذكرى عن بعض مشائخ الوزير مؤيد الدين
بن العلقمي وجوب الترتيب بينها في الموضعين لعموم فليقضها كما فاتته واحتمله المصنف في التذكرة ونفى البأس في
الذكرى وهذا كله مع سعة وقتهما أما لو تضيق وقت أحديهما خاصة قدم المضيق ولو تضيقا معا قدمت اليومية
ولا تترتب الفائتة من الصلاة اليومية على الحاضرة منها وجوبا بل استحبابا على رأى للأصل ولقوله تعالى
أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد الله بن سنان فيمن نام قبل أن
يصلى المغرب والعشاء فإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب والعشاء قبل طلوع الشمس وثم للترتيب
ولا يمكن حمله على ضيق الوقت لدفعه بقبلية طلوع الشمس وقوله عليه السلام في صحيحة أبي بصير مثله ثم قال
فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها
ثم ليصلها ولو كانت مضيقة لما جاز له التأخير لان القائل بالمضائقة يمنع ما هو أعظم من ذلك كما سيأتي و
مخالفتهما للظاهر في بعض مدلولاتهما لا ينافي العمل بالبعض الاخر مع الاتفاق على صحتهما وقد تقدم في صحيح
زرارة ما يدل على ذلك أيضا وكذا كل حديث دل على جواز النافلة لمن عليه فريضة فإنه يدل على التوسعة
والمشهور خصوصا بين المتقدمين حتى ادعى بعضهم عليه الاجماع القول بالمضايقة المحضة ومعناها وجوب تقديم
الفائتة مطلقا على الحاضرة وبطلان الحاضرة لو قدمها عمدا مع سعة الوقت ووجوب العدول لو كان سهوا حتى
بالغ المرتضى رحمه الله في المسائل الرسية فمنع المكلف بذلك من أكل ما يفضل عما يمسك الرمق ومن نوم يزيد على
ما يحفظ الحياة ومن تكسب يزيد على قدر الضرورة وبالجملة منع من كل فعل مباح أو مندوب أو واجب موسع وربما
احتجوا على ذلك بالاجماع وبقوله تعالى أقم الصلاة لذكرى فإن المراد بها الفائتة لرواية عن الباقر عليه
السلام إبدأ بالذي فاتك فإن الله تعالى يقول أقم الصلاة لذكرى والامر للوجوب والمراد به لوقت ذكرى لك إياها
قاله كثير من المفسرين والامر بالشئ يستلزم النهى عن ضده والنهى في العبادة مفسد وبقول النبي صلى الله عليه وآله
من فاته صلاة فوقتها حين يذكرها ومن من صيغ العموم وبصحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام إذا نسيت صلاة أو
188

صليها بغير طهارة وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة
لكل صلاة الحديث بطوله وغير ذلك من الاخبار وأجيب بمنع الاجماع ودلالة الآية على ذلك فإن فيها وجوها أخرى
إن الصلاة تذكر بالمعبود وتشغل القلب واللسان بذكره أو إن اللام للتعليل أي لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها أو
إن المراد لذكرى خاصة فلا تراءى بها أو إن المراد لأذكرك بالثناء وبدلالة الاخبار على الوجوب المطلق لا الفوري
ومطلق لا يدل على الفور كما حقق في الأصول فيتعارض الوجوبان ويجمع بين الاخبار بالحمد على الاستحباب فإن العمل
بالخبرين ولوجوب أولى من إطراحهما أو إطراح أحدهما وذهب المصنف في المخ إلى تقديم فائتة يومها سواء اتحدت أم
تعددت ما لم تتضيق الحاضرة دون غيرها وإن اتحدوا للمحقق إلى تقديم الواحدة مطلقا دون غيرها ويمكن أخذ حججهما
مما ذكرناه وفى المسألة أقوال أخر ذكرها مع حججها بالمطولات أليق واعلم أن تعبير المصنف بترتب الفائتة على الحاضرة
تبع فيه شيخه المحقق وهو من باب صناعة القلب كقول رؤبة ومهمة مغبرة أرجاؤه كان لون أرضه سماؤه أي لون
سمائه لغبرتها لون أرضه وقول القطامي كما طينت بالفدن السياعا فإن الفدن القصر والسياع الطين قيل و
منه كم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا وقاب قوسين أي قابي قوسين وهو باب متسع وذلك لان المحكوم عليه بالترتب
على الاخر وعدمه هو الحاضرة لا الفائتة فكان الأصل فيه ولا تترتب الحاضرة على الفائتة إلى آخر
المقصد الثالث في الاستقبال يجب على المكلف استقبال عين الكعبة مع إمكان المشاهدة كمن كان في مكة متمكنا
منها ولو بمشقة يمكن تحملها عادة فيجب على من بالأبطح ذلك ولو بالصعود إلى السطح أو الجبل مع الامكان واستقبال
جهتها مع البعد عنها أو تعدد مشاهدتها بمرض أو حبس ونحوهما في فرائض الصلوات وعند الذبح بمعنى الشرط أو مع
وجوب الذبح بوجه من وجوهه وعند احتضار الميت وتغسيله ودفنه والصلاة عليه وقد تقدم الكلام في ذلك وهذا
القول وهو اعتبار العين للقادر على المشاهدة والجهة لغيره هو أصح القولين للأصحاب للأخبار الدالة على أن الاستقبال
كان إلى بيت المقدس ثم حول إلى الكعبة من غير تفصيل ولقول النبي صلى الله عليه وآله صلى قبل الكعبة (هذه القبلة صح) واعتبار
الجهة مع البعد لان الشطر هو النحو ولأن اعتبار العين مع البعد يوجب بطلان صلاة الصف المستطيل الذي يخرج
عن سمت الكعبة أو سمت الحرم وما ورد من النص على علامات القبلة للبعيد دال عليه لاتساع خطه الأقاليم عن سعة
الحرم وقال الشيخ وأكثر الأصحاب إن الكعبة قبلة من في المسجد والمسجد قبلة من في الحرم والحرم قبلة من خرج عنه
حتى ادعى الشيخ عليه الاجماع وقد روى من طريق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله ومن طريق الخاصة عن الصادق
عليه السلام وفى طريق الجميع ضعف وفى بعضها إرسال والاجماع لم يتحقق لمخالفة جماعة من أعيان الفضلاء كالمرتضى
وابن الجنيد وغيرهما من المتقدمين وأكثر المتأخرين إن لم يكن جميعهم وفى الذكرى نزل الأخبار الدالة على المسجد والحرم
على الجهة على سبيل التقريب إلى إفهام المكلفين وإظهارا لسعة الجهة وهذا القول مع ضعف سنده يستلزم بطلان
صلاة بعض الصف الذي يزيد طوله على سعة الحرم فكيف يصح صلاة أهل الإقليم الواحد كالعراق بعلامة واحدة
واعلم أن عبارة الأصحاب مختلفة في معنى الجهة التي هي قبلة البعيد اختلافا معنويا فقال المصنف في التذكرة جهة
الكعبة (هي ما يظن أنه الكعبة صح) حتى لو ظن خروجه عنها لم يصح وهذا التفسير مع فساد عبارته يستلزم بطلان صلاة بعض الصف المستطيل
الذي يزيد طوله على مقدار بعد الكعبة للقطع بخروج بعضه عنها فضلا عن ظن كل واحد أنه مستقبل الكعبة فإن قيل
القطع بخروج بعضه متعلق بأفراد المجموع على الإشاعة لا على التعيين فلا ينافيه ظن كل واحد على التعيين أنه
189

مستقبل الكعبة قلنا الظن لا بد من استناده إلى إمارة مثيرة له بحيث يجوز الركون إليه شرعا وهذا القطع ينافيه
ولو قيل إن هذا لا يتحقق مع البعد لان الحرم الصغير كلما إزداد الانسان عنه بعدا اتسعت جهة المحاذاة فإذا كان بقدر
شخص واحد بحيث يخرج عنه شخص ثأن عند القرب منه أمكن محاذاتهما له مع البعد عنه بل محاذاة العشرة مثلا
فليكن الصف المستطيل كذلك قلنا هذا التحقيق أمر الجهة بغير المعنى الذي ذكره إذ لتحقيق إن محاذاة القوم للجرم
الصغير عن مقدارهم ليست إلى عينه وإن أوهم ذلك لأنا نفرض خطوطا خارجة من مواقفهم نحوه بحيث تخرج متوازية
فإنها لا تلتقي أبدا وإن خرجت إلى غير النهاية وحينئذ فإنما على الجرم المقابل منها مقدار وسعه من القوم لا الجميع وإلا
لزم خروج الخطوط عن كونها متوازية هذا خلف ومما يدل على كون ذلك غير معتبر إن العلامات المنصوبة من الشارع
للقبلة يوجب امتثالها صحة الصلاة وإن لم يخطر ظن كون ذلك إلى نفس الكعبة فإن كان ذلك غير كاف لزم تأخير
البيان عن وقت الحاجة أو وقت الخطاب وإن كان كافيا لم يكن ظن ذلك معتبر أو في المعتبر نعنى بالجهة السمت الذي
فيه الكعبة لا نفس البنية وذلك متسع يمكن أن يوازى جهة كل مصل وقريب منه تعريف المصنف في النهاية وهو أجود مما سبق
وإن كان غير تام أيضا لأنه إن أراد السمت بالمعنى اللغوي ورد عليه صلاة الصف المستطيل وصلاة أهل الإقليم
الواحد بعلامة واحدة وإن أراد المعنى الاصطلاحي وهو النقطة من دائرة الأفق إذا واجهها الانسان كان مواجها
للكعبة فالطريق الموصل إليها تقريبي لا يتحقق معها نفس الكعبة لأنها مأخوذة من طول البلد وعرضها ومعلوم
إن مقدار الفرسخ والفرسخين لا يؤثر في اختلاف ذلك تأثيرا بينا بحيث يترتب عليه سمت لخروج يلزم من استخراج
السمت بذلك الطريق على طرف فرسخ كون الصلاة على ذلك السمت في الطرف الآخر غير صحيحة لعدم كون الكعبة
فيه وفى الذكرى المراد بالجهة السمت الذي يظن كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة كما قال بعض العامة إن الجنوب قبلة
لأهل الشمال وبالعكس والمشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس لأنا نتيقن الخروج هنا عن القبلة وهو ممتنع وهو قريب
من تعريف المعتبر غير أنه اكتفى بظن كون الكعبة في السمت والذي يظهر من كلامه في الرد على المخالف إن المراد بالسمت جهة
مخصوصة أضيق من الجهات الأربع بحيث يظن كون الكعبة فيها لا السمت بمعنييه ومعنى كون الكعبة في تلك الجهة اشتمال الجهة
عليها وإن كانت أوسع منها بكثير بحيث لا يقطع في جزء من الجهة المذكورة بخروج الكعبة منه على التعيين فيصير حينئذ أجود
التعريفات وقال المقداد جهة الكعبة التي هي القبلة للنائي هي خط مستقيم يخرج من المشرق إلى المغرب الاعتدالين ويمر
بسطح الكعبة فالمصلى حينئذ يفرض من نظره خطا يخرج إلى ذلك الخط فإن وقع عليه على زاوية قائمة فذاك هو الاستقبال
وإن كان على حادة ومنفرجة فهو إلى ما بين المشرق والمغرب إلخ وهذا التعريف مخصوص بجهة العراقي وتبعه على ذلك
المحقق الشيخ على إلا أنه أتى بتعريف يشمل جميع البلاد فقال المراد بالجهة ما يسامت الكعبة عن جانبيها بحيث لو
خرج خط مستقيم من موقف المستقبل تلقاء وجهة وقع على جهة الكعبة بالاستقامة بحيث يحدث عن جنبيه
زاويتان قائمتان فلو كان الخط الخارج من موقف المصلى واقعا على خط الجهة لا بالاستقامة بحيث يكون إحدى الزاويتين
حادة والأخرى منفرجة فليس مستقبلا لجهة الكعبة وفيهما من جهة التعريف فسادات كثيرة لا تخفى على من تفطن لها
ومن جهة ما يترتب عليهما من الحكم الشرعي نظر من وجوه أ أن الخط الخارج عن جانبي الكعبة لم يبين قدره إلى أين ينتهى فإن كان امتداده إلى منتهى الجهتين كما هو مقتضى تعريف المقداد فظاهر فساده إذ يلزم منه كون أهل الدنيا
صلاتهم إلى جهتين متقابلتين وإن أراد امتداده قدرا مخصوصا بحسب الإقليم الذي لا يتفاوت القبلة فيه فلا يتم أيضا
190

لان موقف المصلى ليس له نقطة خاصة بحيث لا يمكن العدول عنها يمينا ولا يسارا وإلا لكانت الجهة أضيق من العين
لان الالتفات اليسير بالوجه عما كان عليه لا يقطع الصلاة ولا يؤثر في تحقق الاستقبال فلنفرض خطا خرج من نظره
الأول واتصل بالخط المفروض عن جانبي الكعبة ثم خطا آخر خرج من نظره الثاني المتحول عن الأول قليلا فإذا اتصل
بالخط المفروض حدث من هذه الخطوط مثلث فالزاويتان الداخلتان الحادثتان من وقوع هذين الخطين على
الثالث أما حادتان أو أديهما حادة ولا يجوز أن تكونا قائمتين كما هو مبرهن في محله فيلزم منه بطلان الصلاة
إلى أحد النظرين لعدم المسامتة ب أن العلامات المنصوبة من قبل الشارع دليلا على الجهة كالجدي مثلا
لا يمكن جعلها على نقطة مخصوصة بحيث لا يعدل عنها أصلا بل يمكن العراقي جعله خلف المنكب والصلاة ثم جعله كذلك
مع انحراف يسير عن الحالة الأولى بحيث لا يخرج عن كونه علامة وحينئذ يختلف الخطان مع خروجهما من محل واحد و
يتصلان بالخط المسامت للكعبة مختلفين كما تقدم فيحدث المثلث المذكور ويأتي ما فيه من الفساد ج أن
العلامة المعتبرة حال الطلوع كسهيل لا يتفق طلوعها في القطر الواحد المحكوم باتحاد قبلته على دائرة واحدة
لاختلاف البلاد في الصعود والانخفاض وحينئذ فجعله علامة عند طلوعه في البلد المرتفع والخالي عن موانع الروية
عند الطلوع يستلزم تشريقا في القبلة عن البلد التي يتأخر (طلوعه فيها يسيرا فلا يتفق الخطان الخارجان من نظر المستقبل ويأتي المحذور المذكور ولو قيل المراد بطلوعه عن صح) الأفق الحقيقي وهو شئ واحد ويقدر ذلك القدر
في باقي الإقليم منعنا ذلك بما سيأتي إن شاء الله من أن سهيلا عند طلوعه على الأفق الحقيقي يطلع مشرقا
عن قبلة الشامي بما يزيد عن عشرين درجة وإنما المراد بطلوعه بروزه لأبصارهم في أرض معتدلة عرفا من تلك
البلاد ولا يضر التفاوت اليسير في جنب اعتبار الجهة كما لا يضر اختلاف وضع الجدي على محال الكتف مع صدق أصل
الكيفية وسيأتي في بيان العلامات ما يدلك على عدم تأثير هذه الاختلافات وقال في الشرح جهة القبلة هي
المقدار الذي شأن البعيد أن يجوز على كل بعض منه أن يكون هو الكعبة بحيث يقطع بعدم خروجها عن مجموعه
وهذا التعريف أجود من جميع ما سلف لكن ينتقض في طرده بفاقد العلامات أصلا فإنه يجوز على كل جزء من
جميع الجهات أنه الكعبة فيلزم اكتفاؤه بصلاة واحدة إلى أي جهة شاء وكذا من قطع بنفي جهة أو جهتين وشك في
الباقي فإنه يصدق عليه التعريف ولا شئ من ذلك يطلق عليه أنه جهة القبلة فالأسد حينئذ أن يزاد في التعريف كون
التجويز لامارة يجوز التعويل عليها شرعا فيخرج منه ما ذكر ويدخل فيه المعتبر بالعلامات المذكورة في كتب الفقه
وغيرها مما يجوز الاستناد إليه شرعا فإن هذه العلامات المذكورة قليل من كثير فإن النص عن أئمة الهدى عليهم السلام
إنما ورد ببعض علامات العراقي والباقي أخذت من علم الهيئة كما نبه عليه في الذكرى ويرد عليه أيضا الصلاة
بعيدا عن محراب المعصوم كمحراب النبي صلى الله عليه وآله بأزيد من سعة الكعبة فإنه لا يجوز على ذلك السمت إن فيه
الكعبة لما روى أنه صلى الله عليه وآله لما أراد نصب محرابه زويت له الأرض فجعله بإزاء الميزاب وأجيب بأن محراب
المعصوم إنما يتيقن كونه محصلا للجهة لأنها فرض البعيد أما كونه محاذيا لعين الكعبة فليس هناك قاطع يدل
عليه وما روى خبر واحد لا يفيد القطع فالتجويز قائم ويجوز كون الموازاة في الخبر مسامتة جهته لا عينه ليوافق
مقتضى تكليف البعيد وذلك لا ينافي إمكان مسامتة المصلى في مكان يزيد عن سعة الكعبة كما قررناه في مسامتة
الجماعة المتفرقة للجرم الصغير فإن كل واحد منهم يجوز وصول الخط الخارج منه إليه مع عدم إمكان اجتماع جميع
الخطوط عليه لأن المفروض كونها متوازية وهو ينافي إمكان الاجتماع والله أعلم بحقائق أحكامه ويستحب الاستقبال
191

للنوافل بمعنى الشرط كما يستحب الطهارة لها لا بمعنى جوازها بدونه لان المعلوم من فعل النبي والأئمة عليهم السلام الصلاة
إلى القبلة ولم ينقل عنهم فعل النافلة حال الاستقرار والاختيار إلى غير القبلة ففعلها إلى غيرها لم تثبت شرعيته
فيكون بدعة ولظاهر قوله صلى الله عليه وآله صلوا كما رأيتموني أصلى والدليل التأسي
ويجوز أن تصلى النوافل
على الراحلة اختيارا سفرا وحضرا لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام حين سئله عن صلاة النافلة على البعير والدابة
قال نعم حيث كان متوجها وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وعن الكاظم عليه السلام في الرجل يصلى النافلة
وهو على دابة في الأمصار قال لا بأس قيل ويجوز النافلة إلى غير القبلة وهو مختار المحقق وظاهر الخلاف ولم يذكرا
على ذلك دليلا واستدل لهم الأصحاب بقوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله مع قوله تعالى فول وجهك شطر المسجد
الحرام بالجمع بينهما بحمل الأولى على النفل والثانية على الفرض وهو أولى من النسخ وبأن الفعل إذا كان مندوبا
يمتنع وجوب كيفيته فلا يعقل وجوب الاستقبال مع ندب الصلاة وأجابوا بأن المراد بالوجوب هنا كونه شرطا
للشرعية مجازا لمشاركته الواجب في كونه لا بد منه أو كون وجوبه مشروطا بمعنى أنه أن فعل النافلة وجب فعلها
إلى القبلة فمع المخالفة يأثم بترك الاستقبال وبفعلها إلى غير القبلة والمراد بالآية الأولى النافلة على الراحلة أو
ماشيا فلا نسخ إذا تقرر ذلك فالقائلون بالاشتراط اختلفوا فأوجب ابن أبي عقيل الاستقبال فيها بالمعنى
المذكور مطلقا كالفريضة إلا في حال الحرب والسفر وأوجبه الشيخ لغير الراكب والماشي ولو حضرا وقد تقدم في الخبرين
ما يدل على عدم اشتراطه للراكب ويدل على حكم الماشي ولو في الحضر ما رواه الحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سألته عن الرجل يصلى وهو يمشي تطوعا قال نعم ولم يستفصل عليه السلام عن الانحراف وعدمه فيكون الحكم
للعموم ومثله القول في الخبر المتقدم عن الكاظم عليه السلام ويشكل بوجوب حمل العام على الخاص ولا يجوز ذلك
المذكور من الصلاة على الراحلة وإلى غير القبلة في الفريضة إلا مع العذر كالمطاردة راكبا وماشيا والمرض
المانع من النزول أو من التوجه إلى القبلة ولو بمعين والخوف وغيرها من الاعذار فتجوز الصلاة على الراحلة
وإلى غير القبلة ويستقبل ما أمكن كما سيأتي وينبغي الاحتراز عن الأفعال التي لا يحتاج إليها كركض الدابة ونحوه
محافظة على الاستقرار بحسب الامكان ولا فرق في المنع من الصلاة على الراحلة مع الاختيار بين التمكن من استيفاء
الأفعال عليها وعدم لعموم قول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد الرحمن لا يصلى على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل
به القبلة ووجه عمومها الاستثناء المذكور وغيرها من الاخبار الشاملة لما ذكر وللمعقولة والمطلقة فالقول بالفرق
ضعيف وفى حكمها السفينة المتحركة مع التمكن من مكان مستقر في غيرها على أصح القولين لقول الصادق عليه السلام
إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا والامر للوجوب ورواية جميل عنه عليه السلام صل فيها أما ترضى بصلاة
نوح عليه السلام محمولة على استقرارها لو على مشقة الخروج التي لا يتحمل مثلها جمعا بين الاخبار ويؤيد المعنى
الثاني قوله أما ترضى بصلاة نوح فإنه عليه السلام إنما صلى فيها لعدم تمكنه من غيرها الاستيعاب الماء والأرض
ولو اضطر إلى الصلاة فيها فكالدابة في وجوب مراعاة الاستقبال واستيفاء الأفعال بحسب الامكان ولو فقد علم
القبلة بالمشاهدة أو ما يقوم مقامها كمحراب المعصوم عول على العلامات المنصوبة للدلالة عليها المذكورة في كتب
الفقه وغيرهما
ويجتهد في تحصيل القبلة بالظن مع الخفاء أي خفاء العلامات المفيدة للعلم بالجهة فإن جميع ما ذكر
من العلامات تفيد العلم بالجهة وبعضها يفيد الظن بالعين والعلامات المفيدة للظن هي الرياح ومنازل
192

القمر ونحوها أما الرياح فالمعول منها على أربع الصبا والشمال والجنوب والدبور وإنما تكون علامة عند تحققها
ولا يكاد يتفق إلا مع العلم بالجهات الأربع ومعه يستغنى عن الاستدلال بالرياح إلا أنه قد يتفق العلم بها بغير
الجهة للماهر بعلامات أخرى كالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وإثارة السحاب وغير ذلك لكن الوثوق بهذه
الأشياء عزيز فكانت من العلامات المثيرة للظن ومن ثم أطلقوا عليها أنها أضعف العلامات وأما القمر فإنه يكون ليلة
السابع من الشهر وقت المغرب في قبلة العراقي أو قريبا منها وليلة الرابع عشر منه نصف الليل وليلة الحادي والعشرين
عند الفجر إلا أن ذلك كله تقريبي لا يستمر على وتيرة واحدة فلذلك لم يخبر التعويل عليه مع القدرة على الجدي ونحوه
من العلامات الثابتة واعلم أن في العبارة كلامين أ أنه جعل التعويل على العلامات المنصوبة للدلالة مشروطا
بفقد العلم بالقبلة ومقتضاه كون العلامات غير مفيدة للعلم فإن أراد أنها غير مفيدة للعلم بالعين فهو حق إلا
أنه يجب تخصيص العلم بها للذكور في أول الكلام بالعلم بالعين فتبقى العبارة خالية عن ذكر العلم بالجهة التي هي قبلة
البعيد والبلوى بها أعم لكثرة المكلف بها وإن أراد أنها غير مفيدة للعلم بالجهة فهو ممنوع بل هي محصلة للعلم بالجهة
قطعا إذا تحررت على وجهها المعتبر والظاهر أن مراده هو الأول كما يظهر من كلامه في غير هذا الكتاب فإنه يذكر هو وغيره
أن القادر على العلم لا يكفيه الاجتهاد ويعنون بالمجتهد هنا العارف بأدلة القبلة المذكورة وغيرها والقادر على
الاجتهاد لا يجزيه العمل بالعلامات المفيدة للظن بالجهة كالرياح فإن علامة القطب مثلا يفيد العلم بالجهة ويبقى
التصريح بأن هذه العلامات المستنبطة بالاجتهاد هل هي مفيدة للعلم بالجهة أم لا خال من العبارة وليس بضاير بأنه
لم يسم التعويل على العلامات اجتهادا وسمى التعويل على الامارات المفيدة للظن اجتهادا كما دل عليه قوله ويجتهد
مع الخفا ثم قوله فإن فقد الظن وهذا اصطلاح خاص فإن المصنف وغيره يطلقون المجتهد في القبلة على كل من يعرف
العلامات سواء كانت علمية بالنسبة إلى الجهة أم ظنية بال إطلاقه على العالم بالعلامات القوية أكثر وإنما قيدنا
قوله يجتهد بتحصيل الأمارات الظنية مع كونه مطلقا لأنه جعله مشروطا بخفا العلامات وهي متناولة للعلمية و
الظنية ولما كان العمل بالعلامات المفيدة للظن مشروطا بتعذر المفيدة للعلم كما نبه عليه هو وغيره لزم تقييد
الاجتهاد هنا بالمفيد للظن ثم بين إرادة هذا المعنى بقوله فإن فقد الظن بالقبلة وهي المرتبة الثالثة صلى
إلى أربع جهات كل فريضة ومقتضى إطلاق العبارة عدم الفرق في الفاقد بين كونه مع ذلك عالما بالامارات لكنه
ممنوع منها لعارض كغيم ونحوه أو جاهلا مع القدرة على التعلم أو لا معها فيجب على الثلاثة الصلاة إلى أربع جهات
وفى وجوب الصلاة إلى الأربع للثلاثة خلاف أما الأول فذهب المصنف في كثير من كتبه إلى ما دل عليه الاطلاق هنا و
اختاره في الذكرى محتجا بأن القدرة على أصل الاجتهاد حاصلة والعرض سريع الزوال وفى صلاحيته للدلالة نظر
لحصول الفجر في الحال الذي هو محل التكليف فيرجع إلى التقليد كالأعمى والقدرة على أصل الاجتهاد غير مفيدة مع المانع
وسرعة الزوال لو سلمت غير صالحة للتعليل ويمكن الاحتجاج له بمرسلة خداش عن الصادق عليه السلام قلت أن هؤلاء
المخالفين يقولون إذا أطبقت علينا واظلمت ولم يعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد فقال ليس كما يقولون إذا كان
كذلك فلتصل لأربع (إلى أربع خ ل) وجوه والرواية لا حجة فيها ولا ريب أنه أحوط واختاره المصنف في المخ والقواعد والشهيد في البيان رجوعه
إلى التقليد كالأعمى وأما الجاهل بالعلامات فإن عجز من معرفتها لضيق وقت أو لعدم أهليته لمعرفة الأدلة فالمشهور
جواز التقليد له لان فقد البصيرة أشد من فقد البصر وللشيخ قول بوجوب صلاته إلى الأربع ولو قدر العامي على التعلم
193

وجب عليه قطعا عينا لتوقف الوجوب العين عليه فهو كباقي شروط الصلاة ويحتمل كون الوجوب كفائيا كتعلم الفقه
ويضعف بما قلناه وبعدم المشقة في تعلم الامارات المفيدة للقبلة بخلاف التفقه ويمنع كون وجوب التفقه مطلقا
على الكفاية فعلى الأولى يجب التعلم ما دام الوقت باقيا فإذا ضاق ولم يستوف القدر المعتبر في الصلاة قلد أو صلى إلى
الأربع على الخلاف وهل الوجوب مختص بعلامات قبلة بلده أم جميع ما يحتمل انتقاله إليه قيل بالأول لوجوب
استقبالها الآن وأصالة عدم الاحتياج إلى غيرها ولأنه لم ينقل عن النبي والأئمة عليهم السلام إلزام أحاد الناس بتعلم
جميع الجهات بل لم ينقل عنهم إلا تعليم أدلة العراق كما سيأتي ولو فرض الحاجة إلى الانتقال وجب تعلم أدلة قبلة البلد
التي ينتقل إليها وهو اختيار الشهيد في البيان والثاني اختياره في الذكرى لاحتمال الانتقال فجأة بحيث لا يمكنه التعلم
وعدم النقل لا يدل على العدم وعلى القولين هل يختص الوجوب بما يمكن تحصيل القبلة به ولو في بعض
الأوقات كالجدي
مثلا أم يجب تعلم ما يمكن استفادتها به في جميع الأوقات لاحتمال عروض الحاجة نهارا بحيث لا يمكنه رؤية النجم كل محتمل
أما تعلم جميع ما يمكن من العلامات فلا يجب قطعا لعدم انحصارها وخلو أكثر العلماء المهرة منها بل أصحاب المصنفات
من العلماء الأتقياء فضلا عن غيرهم وأراد المصنف بقوله كل فريضة أنه لو اجتمع فرضان في وقت واحد كالظهرين لم يجز الشروع
في الثاني منهما حتى يصلى الأول إلى الأربع ليحصل يقين البراءة من الأول عند الشروع في الثاني كالصلاة في
الثوبين أحدهما نجس واشتبه بالآخر فتصير صلاة الفريضة أربع مرات إلى أربع جهات بمنزلة فعلها مرة عند اتضاح
القبلة ويتفرع على ذلك أنه لو أدرك من آخر وقت الظهرين مقدار أربع رباعيات تعينت العصر لان الجميع مقدار
أدائها على تلك الحال ويجب في الأربع كونها على خطين مستقيمين وقع أحدهما على الاخر بحيث يحدث عنهما أربع
زوايا قوائم لأنه المفهوم منها ويحتمل الاجزاء بأربع كيف اتفق لان الغرض إصابة الجهة لا العين وهو حاصل نعم
يشترط التباعد بينها بحيث لا يكون بين كل واحدة وبين الأخرى ما يعد قبلة واحدة لقلة الانحراف ويضعف بمنع
إصابة الجهة مع الأربع كيف اتفق وعدم إمكان دفع احتمال كون القبلة المطلوبة بين الجهتين مطلقا لان قبلة
البعيد لا ينحصر في الأربع جهات بل ولا في عشرة كيف وقبلة الشام والعراق ومصر وأكثر بلاد فارس وخراسان ليست
على نفس الجهات الأربع فإن قيل اللازم من ذلك عدم الاجتزاء بالصلاة إلى الأربع وإن وقعت على الخط المستقيم
لجواز كون القبلة المطلوبة بين الخطين قلنا وجوب ما زاد اندفع بالنص على الاجتزاء ولولا ذلك أمكن القول
بعدم الاجتزاء بالأربع فكان الاقتصار عليها رخصة من الشارع وإن لم يصادف أحديهما القبلة كما اجتزأ بالصلاة
مع تبين الانحراف اليسير فيصير المصلى الأربع على الوجه المذكور أما مستقبلا للقبلة أو منحرفا عنها بحيث لا يبلغ حد اليمين واليسار وكلاهما مجز بالنص فإن قيل ما تقدم في الرواية من الصلاة لأربع وجوه أعم من وقوعها
على الخطوط المذكورة للفرق بين الوجه والجهة قلنا لا يجوز العمل بظاهرها كيف اتفق لاستلزامه في غير ما ذكرنا من
من الفرض احتمال كون جهة القبلة خارجة عن الجهة التي صلى إليها وعما يكون خارجا عنها يسيرا والصحة منحصرة
فيهما فتعين حملها على الجهات كما فهمه الأصحاب وعبروا به فإن إطلاقهم الجهات الأربع إنما ينصرف إلى ما ذكرناه
كما لا يخفى على من أطلع على مطالبهم ومع التعذر أي تعذر الصلاة إلى أربع جهات ويصدق ذلك بتعذر واحدة فما زاد
يصلى إلى أي جهة شاء فإن قدر على الصلاة إلى ثلث جهات تخير في الساقطة أو عليها إلى جهتين تخير كذلك ولو لم
يقدر إلا على واحدة تخير في أي جهة شاء وهذا التفصيل وهو الصلاة إلى الأربع عند تعذر الاجتهاد على بعض
194

الوجوه اختيار أكثر الأصحاب ولا شاهد له من الاخبار إلا مرسلة خداش المتقدمة وهي مردودة بالارسال
وجهالة خداش ومن ثم ذهب بعض الأصحاب كابن أبى عقيل وابن بابويه في ظاهر كلامه إلى أنه عند خفاء القبلة يصلى
حيث شاء ولا إعادة عليه بعد خروج الوقت لو تبين الخطأ والوقوف مع المشهور أقوى وإن لم يكن هناك نص
لما أسلفناه من السر في الصلاة إلى الأربع بأنه يصير حينئذ أما مستقبلا أو منحرفا انحرافا لا يبلغ حد اليمين واليسار
فيتيقن معه الصلاة المبرئة للذمة بخلاف ما لو صلى إلى أقل من ذلك وتبقى الرواية والشهرة مؤيدتين لذلك ويطرد
الصلاة إلى أربع على القول به في جميع الصلوات حتى الجنازة وكذا تغسيل الميت أما احتضاره ودفنه فلا وكذا
الذبح والتخلي أما الاجتهاد فواجب في الجميع عند وجوبها والأعمى يقلد في القبلة إن تعذر عليه العلم بها عينا
أو جهة كلمس الكعبة أو محراب المعصوم أو محراب مسجد المسلمين أو قبورهم أو تحصيل الجهات أو محل النجم بوجه من الوجوه
حتى لو قدر على المخبر العدل بكون القطب مثلا منه على الموضع المعتبر قدم على التقليد لأنه من باب الخبر كما ذكره
الأصحاب فإن تعذر ذلك كله قلد على أشهر القولين وأوجب الشيخ في الخلاف عليه الصلاة إلى الأربع وعلى المشهور
يقلد العدل العارف بأدلة القبلة المخبر عن يقين أو اجتهاد وإن كان الرجوع إلى الأول لا يسمى هنا تقليدا
إلا مجاز سواء كان المخبر رجلا أم امرأة حرا أم عبدا لان المعتبر المعرفة والعدالة وليس من الشهادة في شئ وإلا
لوجب التعدد ولا يكفي الصبي لفقد قبول خبره لفقد شرط الشهادة والاخبار وعد جواز العمل بمطلق الظن فإن تعذر العدل ففي الرجوع إلى المستور بل إلى الفاسق مع ظن
صدقه بل وإلى الكافر مع تعذر المسلم وجهان من استلزام الجهل بالشرط الجهل بالمشروط والامر بالتثبت عند أخبار
الفاسق والنهى عن الركون إلى الكافر ومن صحة أخبار المسلم وقيام الظن الراجح مقام العلم في العبادات وقوى
في الذكرى الجواز في الأخيرين وقطع بالجواز في المستور والأولى العدم لفقد شرط الشهادة والاخبار وعدم جواز
العمل بمطلق الظن فيصلى إلى الأربع ولو أمكنه تقليد عدلين فالظاهر تقديمهما على العدل الواحد كما ذكره بعض
الأصحاب ولو نصب له المبصر علامة جاز التعويل عليها ما لم يغلب ظنه على تغيرها قاله في الذكرى ولو ترك التقليد
في موضع الوجوب وصلى برأيه أعاد الصلاة وإن طابقت في نفس الامر لدخوله فيها مع النهى المقتضى للفساد كما
يعيد المجتهد لو خالف رأيه وصلى فصادف لعدم الاتيان بالمأمور به ولو وجد مجتهدين رجع إلى أعلمهما و
أوثقهما عنده فإن تساويا تخير ولو لم يجد مقلدا صلى إلى الأربع كما مر ويستفاد من تخصيصه الأعمى بالتقليد عدم
جواز تقليد غيره مطلقا وهو مؤيد لما دل عليه الاطلاق المتقدم ويجوز للمصلى أن يعول على قبلة البلد مع عدم
علم الخطأ فيها وقبلة البلد تشمل المنصوبة في المساجد والقبور والطرق وغيرها ولا فرق في البلد بين الكبير و
الصغير واللام فيه للعهد الذهني وهي بلد المسلمين فلو وجد محرابا في بلد لا يعلم أهله لم يجز التعويل كما لا يجوز
التعويل على القبور المجهولة والمحاريب المنصوبة في الطرف النادر مرور المسلمين عليها ونحو القبر والقبرين للمسلمين في الموضع
المنقطع كل ذلك مع عدم علم الغلط أو إلا وجب الاجتهاد ولا يجب الاجتهاد عند اشتباه الحال بل لا يجوز في الجهة قطعا
نعم يجوز في التيامن والتياسر لامكان الغلط بل وقع بالفعل في كثير من البلاد مع مرور الاعصار وصلاة الخلق
الكثير كمسجد دمشق في التياسر وكثير من محاريب بلاد الشام كبلادنا في التيامن وبلاد خراسان فيه أيضا والسر
فيه إن الخلق ربما تركوا الاجتهاد في المحراب لعدم وجوبه وجواز تقليد المحراب فيستمر لذلك الغلط المستند إلى
الواضع وهذا كله في غير المحراب الذي ثبت صلاة المعصوم فيه كمسجد الكوفة والبصرة لصلاة علي عليه السلام فيهما
195

وإن كان ناصب محراب الثاني غيره ومسجد المدائن لصلاة الحسن عليه السلام فيه فلا يجوز الاجتهاد في التيامن والتياسر
فيها
والمضطر إلى صلاة الفريضة على الراحلة يستقبل القبلة في جميع الصلاة ولو بالركوب منحرفا أو مقلوبا
إن تمكن وإلا فيما أمكن فإن تعذر فبالتكبير وإلا أي وإن لم يتمكن من الاستقبال في شئ منها سقط وكذا الماشي
إذا اضطر إلى الصلاة كذلك وهل يجب تحرى الأقرب إلى (القبلة من خ ل) الجهات عند تعذرها نظر من صدق الخروج عن الجهة ومن
تأثير القرب إليها على بعض الوجوه فيجب تحرى ما بين اليمين واليسار لعدم وجوب الإعادة مطلقا لو تبين الصلاة
إليهما ثم اليمين واليسار وترجيحهما على الاستدبار إن قلنا بالقضاء فيه مع خروج الوقت وإلا تساوت الجهات
الثلث مع احتمال تقديمهما عليه مطلقا ويجب على الراكب والماشي مراعاة باقي الشرائط والأركان بحسب الامكان
فإن تعذر عليهما استيفاء الركوع والسجود انتقلا إلى الايماء بالرأس ثم بالعين ويجعلان للسجود وأخفض والانحراف
بالدابة عن القبلة بمنزلة الانحراف عنها بغيرها فيبطل مع التعمد أو مطلقا الاستدبار ولو كان بفعلها أو
جماحها لم تبطل لعدم الاستطاعة وإن طال الانحراف ولو تعارض الركوب والمشي قدم أكثرهما استيفاء للشرائط
والأركان فإن تساويا ففي التخيير أو ترجيح الركوب لحصول الاستقرار الذاتي فلا تؤثر الحركة العرضية بسبب حركة
الدابة أو ترجيح المشي لحصول أصل القيام أوجه أجودها الأخير لان فوات وصف القيام مع المشي أسهل من فوات أصله
مع الركوب وقد جرت العادة بذكر شئ من علامات القبلة لبعض الجهات في هذا الباب وإن كان استيفاؤه وتفصيله
موكولا إلى علم آخر فجرى المصنف على ذلك فقال
وعلامة أهل العراق ومن والاهم من البلاد التي وراءهم بالنسبة إلى جهة
القبلة وإنما بدأ بهم لان المنقول عن أهل البيت عليهم السلام من علامات القبلة علاماتهم فإن أكثر الرواة منهم جعل
مطلع الفجر وهو المشرق على المنكب وهو مجمع العضد والكتف الأيسر والمغرب على المنكب الأيمن وكثير من الأصحاب عبروا عنهما
بمشرق الاعتدال ومغربه وهو أضبط وجعل الجدي مكبرا وربما صغر ليتميز عن البرج وهو نجم مضئ في جملة النجم بصورة
سمكة يقرب من قطب العالم الشمالي الجدي رأسها والفرقدان ذنبها وبينهما من كل جانب ثلاثة أنجم تدور حول القطب
كل يوم وليلة دورة كاملة يجعله العراقي بحذاء ظهر المنكب الأيمن ولما كان الجدي ينتقل عن مكانه كما عرفته مغربا
ومشرقا وارتفاعا وانخفاضا لم يكن علامة دائما بل إنما يكون علامة في حال غاية ارتفاعه بأن يكون إلى جهة السماء
والفرقدان إلى الأرض أو غاية انخفاضه عكس الأول كما قيده بذلك المصنف وغيره أما إذا كان أحدهما إلى جهة المشرق
والاخر إلى المغرب فالاعتبار بالقطب وهو نجم خفى في وسط الأنجم التي هي بصورة السمكة لا يكاد يدركه إلا حديد البصر وهو علامة
دائما كالجدي حال استقامته إذ لا يتغير عن مكانه إلا يسيرا لا يكاد يبين للحس فلا يؤثر في الجهة وحركته اليسيرة دورة
لطيفة حول قطب العالم الشمالي وهو نقطة مخصوصة من الفلك يقابلها مثلها من الجنوب منخفضة عن الأفق بقدر
ارتفاع الشمالي عنه يدور عليهما الفلك والمراد بالقطبين النقطتان اللتان لا تتحركان إذا دارت الكرة على
نفسها دورة كاملة وفرضنا عليها نقطا مرسومة فإن النقط ترسم على سطحها دوائر متوازية إلا نقطتين هما
قطباها فإنهما لا تتحركان وسمى الكوكب المذكور قطبا لمجاورته للقطب الحقيقي فينتفع به فيما يحتاج فيه إليه لقلة
التباعد بينهما ثم اشتهر إطلاقه على الكوكب حتى لا يكاد يعرف غيره وإنما اشترط في الجدي الاستقامة لكونه في تلك
الحال على دائرة نصف النهار فإنها تمر بقطبي العالم وتقطع الأفق على نقطتين هما نقطتا الجنوب والشمال فإذا
كان القطب مسامتا لعضو من المصلى كان الجدي على تلك الحال مسامتا له أيضا لكونهما على دائرة واحدة بخلاف
196

ما لو كان منحرفا نحو المشرق أو المغرب ومن علامات قبلة العراق أيضا جعل عين الشمس عند الزوال على طرف
الحاجب اليمن مما يلي الانف إذا استخرج الوقت بغير استقبال قبلة العراق كما سلف وهذه العلامات الثلث مشهورة
في كتب الأصحاب بهذا الاطلاق وقد ورد النص عن أئمة الهدى عليهم السلام بالجدي منها فيما رواه محمد بن مسلم وهو كوفي
عن أحدهما عليهما السلام حين سأله عن القبلة فقال ضع الجدي في قفاك وصل وقال الصدوق في الفقيه قال رجل
للصادق عليه السلام إني أكون في السفر ولا أهتدي للقبلة فقال له أتعرف الكوكب الذي يقال له الجدي قال نعم قال اجعله
على يمينك فإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين الكتفين وطريق الجمع بين الروايتين حمل الأولى على وضعه خلف المنكب
الأيمن لأنه من جملة القفا لوجوب حمل المطلق على المقيد واعلم أن في الجمع بين هذه العلامات الثلث إشكالا وفى العمل
بإطلاقها بحثا وتحرير المحل إن العلامة الأولى إذا أخذت بالمعنى المشهور وهو حمل المشرق والمغرب على الاعتدالين يوجب
جعلهما على يمين المصلى ويساره كون قبلته نقطة الجنوب ونقطة الشمال خلف ظهره بين الكتفين على الاعتدال
لما علم من كون هذه الجهات الأربع متقاطعة على زوايا قوائم بخطين يتصل طرف كل منهما بجهة وكذا القول
في
العلامة الثالثة لما تقرر آنفا من كون الشمس بل سائر الكواكب إذا كانت في غاية ارتفاعها ح على دائرة نصف
النهار المتصلة بنقطتي الجنوب والشمال وخط نصف النهار على وجه الأرض الذي يعلم زوال الشمس بميل ظلها عنه
نحو المشرق هو الواصل بين نقطتي الشمال والجنوب فإذا وقف المصلى على خط نصف النهار واستقبل نقطة الجنوب
فوجد الشمس على طرف حاجبه الأيمن كان ذلك علامة الزوال كما إنه على تلك الحال يكون مستقبلا لجهة القبلة على ما
بين هنا فتكون القبلة حينئذ نقطة الجنوب كما تقرر في العلامة الأولى وأما الجدي فإنما يناسب هاتين العلامتين
عند استدباره بحيث يكون بين الكتفين على الاعتدال فيكون الواقف مستقبلا لنقطة الجنوب ونقطة المشرق و
المغرب على يمينه ويساره وأما إذا جعل خلف المنكب الأيمن فإنه يقتضى انحرافا بينا نحو المغرب بعد الإحاطة بما
قررناه فاللازم من ذلك أحد أمور أربعة أما القول بأن هذا التفاوت غير مؤثر في الجهة التي هي قبلة البعيد وأما
بطلان تقييد المشرق والمغرب بكونهما الاعتدالين إذ مع الاطلاق يمكن تقييدهما بمطلع الفجر عند انتهاء قصر النهار
ومغرب الشمس في ذلك الوقت فتطابق العلامة الثانية وأما بطلان تقييد الجدي بكونه خلف المنكب الأيمن بل في القفا
كما ورد في خبر محمد بن مسلم وأما كون هذه العلامات لجهات مختلفة من بلاد العراق والتحقيق في هذا المقام المستند إلى
مقدمات يقتضى تحريرها بسطا في الكلام إن هذه العلامات الثلث صحيحة صالحة لتحصيل الجهة العراقية في الجملة
وأما الاستناد إليها على وجه التخيير في سائر جهات تلك البلاد فغير سديد قطعا لاختلاف عروضها وأطوالها
المقتضى لاختلاف قبلتها فإن أوساط العراق كبغداد والكوفة تزيد على مكة طولا وعرضا وذلك يوجب انحراف
قبلتها عن نقطة الجنوب نحو المغرب والبصرة أشد انحرافا كذلك لزيادة طولها عليهما ويقرب منها تبريز وأردبيل وقزوين وهمدان وما والاها من بلاد خراسان وإن كان التحرير التام يقتضى لهم زيادة انحراف يسير نحو المغرب كانحراف
البصرة بالنسبة إلى بغداد لكن لا يصل إلى حد منتصف القوس التي بين نقطة الجنوب والمغرب لكن أطلق عليها جماعة
من الأصحاب كون قبلتهم قبلة العراق وأما الموصل والجزيرة وسنجار فإن قبلتها تناسب نقطة الجنوب لمقاربة لطولها
لطول مكة وحينئذ فيجب حمل العلامة المقتضية لاستقبال نقطة الجنوب كالأولى إذا قيدت بالاعتدال والثالثة على
أطراف العراق الغربية كالموصل ونحوها وحمل الوسطى الموجبة للانحراف عن نقطة الجنوب على أوساط البلاد كبغداد و
197

الكوفة وبابل وأما البصرة وما والاها فإنها وإن ناسبت هذه العلامة أيضا لكن ينبغي فيها زيادة الانحراف نحو
المغرب وسنحرر ذلك فيما بعد على أبلغ وجه إن شاء الله ومما قلناه يعلم إن ترك تقييد المشرق والمغرب بالاعتدالين
أدخل في علامة العراق من تقييدهما لامكان الجمع بينها وبين الثانية بإرادة جانب المشرق المايل عن نقطة
الاعتدال نحو الجنوب والجزء من المغرب المائل عن نقطة اعتداله نحو الشمال فتساوى العلامتان كما جمع بين الخبرين
السابقين وإنما كان ذلك أولى من حملهما على حالة الاعتدالان ليوافق الثالثة لوجهين أحدهما إن أكثر بلاد العراق منحرفة عن نقطة الجنوب نحو المغرب وإن اختلف الانحراف في الزيادة والنقصان وأما ما سامت منه نقطة
الجنوب فهو نادر قليل بل لا يكاد يدخل في مسمى العراق فإنه على طرف حدوده فكان ذكر العلامة المفيدة لأكثر البلاد
أولى الثاني إن النص ورد بالعلامة الثانية كما عرفته وما عداها استخرجها الفقهاء من مواضع أخرى فيكون
حمل ما ظاهره المخالفة للمنصوص عليه حيث يمكن أولى من حمله على غيره خصوصا وقد يطابق النص والاعتبار الدقيق
على تحقق انحراف قبلة العراق إلا ما شذ وما قررناه من تقسيم بلاد العراق إلى ثلاثة أقسام مع موافقته للقواعد
المعدة لهذا الباب وجمعه بين ما اختلف من العلامات التي ذكرها الأصحاب قد حكى الشهيد رحمه الله في الذكرى ما يوافقه
ونقل عن بعض أجلاء الأصحاب ما يناسبه ويزيد ما ذكرناه عنهما تحقيقا وارتباطا بالقواعد وأما توهم اغتفار
التفاوت الحاصل بينها وعدم تأثيره في الجهة ففاسد لما تقدم في تحقيق الجهة من اعتبار يقين الكعبة أو ظنها أو احتمالها
وهذا القدر من التفاوت لا يبقى معه شئ منها فإن من كان بالموصل مثلا وكان عارفا مجتهدا في القبلة يقطع بكونه
إذا انحرف عن نقطة الجنوب نحو المغرب بنحو ثلث ما بين الجنوب والمغرب الاعتدالين خارجا عن سمت الكعبة وكذا من بأطراف
العراق الشرقية كالبصرة إذا استقبل خط الجنوب وهذا أمر لا يخفى على من تدبر قواعد القبلة وما يتوقف عليه من المقدمات ومن طريق النص إذا كان جعل الجدي على الأيمن يوجب مسامتة الكعبة في الكوفة التي هي بلد الراوي ونحوها
كيف يوجب مسامتتها إذا كان بين الكتفين لبعد ما بينهما بالنسبة إلى بعد المسافة فإن الانحراف اليسير عن الشئ مع
البعد عنه يقتضى انحرافا فاحشا عنه عند محاذاته فإنا إذا أخرجنا خطين من نقطة واحدة لم يزالا يزدادان بعدا
كلما ازدادا امتدادا كما لا يخفى وأيضا فلو كان جعله بين الكتفين محصلا للجهة كان الامر بجعله على اليمين لغوا خاليا
عن الحكمة
والمشهور بين الأصحاب إنه يستحب لهم أي لأهل العراق التياسر قليلا إلى يسار المصلى منهم وربما أوجبه الشيخ
في ظاهر كلامه وهو مبنى على إن قبلة البعيد الحرم وهو عن يسار الكعبة أكثر منه عن يمينها والمستند ما رواه
المفضل بن عمر قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبت فيه فقال
إن الحجر الأسود لما أنزله الله سبحانه من الجنة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر فهي عن يمين الكعبة
أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب الحرم
وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة وفى مرفوعة إليه عليه السلام إنه قيل له لم صار الرجل ينحرف في
الصلاة إلى اليسار فقال لان للكعبة ستة حدود أربعة منها على يسارك واثنان منها على يمينك فمن أجل ذلك
وقع التحريف إلى اليسار والروايتان لا تصلحان للدلالة لضعف الأولى وقطع الثانية والحكم المبنى عليه ممنوع
لما
سبق من أن قبلة البعيد الجهة خصوصا على ما تبين من انحراف قبلة العراق عن نقطة الجنوب فلو اعتبرت بالعلامة الأولى
أو الثالثة وتياسر عنها قليلا خرج عن السمت خروجا فاحشا لو تم العمل بتلك العلامات مطلقا وأيضا فإن
198

انحراف البعيد وإن كان يسيرا يفرط في البعد عن المنحرف عنه باعتبار زيادته كما تقدم فربما خرج به عن التوجه إلى الحرم
وقد أورد عليه العلامة السعيد سلطان العلماء المحققين خواجة نصير الدين الطوسي رحمة الله عليه حين حضر بعض مجالس
المحقق نجم الدين بن سعيد وجرى في درسه هذه المسألة بأن التياسر أمر إضافي لا يتحقق إلا بالإضافة إلى صاحب يسار
متوجه إلى جهة وحينئذ إما أن تكون الجهة محصلة أو لا ويلزم من الأول التياسر عما وجب التوجه إليه ومن الثاني عدم
جواز التوجه إلى ما ذكر قبله وتلخيصه إن التياسر إن كان إلى القبلة فواجب أو عنها فحرام فأجاب المحقق رحمه الله بأن
الانحراف عن القبلة للتوسط فيها لاتساعها من جانب اليسار لان أنصاب القبلة إلى يسار الكعبة أكثر كما مر ثم صنف
رسالة في تحقيق الجواب والسؤال وبعثها إليه فاستحسنها العلامة حين وقف عليها وهي مشهورة وحيث كان الحكم مبنيا
على رواية ضعيفة مرتبة على قول ضعيف وكان البعيد الكثير لا يؤمن معه من الانحراف الفاحش وإن كان في ابتدائه
يسيرا كان الاعراض عنه
وعلامة الشام جعل بنات نعش الكبرى وهي سبعة كواكب أربعة منها نعش وثلث
بنات حال غيبوبتها وهو انحطاطها ودنوها إلى المغرب خلف الاذن اليمنى والمراد جعل كل واحدة منها غايبة خلف
الاذن لاختلاف وقت مغيبها وجعل الجدي خلف الكتف اليسرى (الأيسر خل) عند طلوعه وهو غاية ارتفاعه كما مر وكذا عند غاية
انحطاطه وفى جعل الشامي له خلف الكتف والعراقي خلف المنكب إشارة إلى انحراف العراقي عن نقطة الجنوب نحو
المغرب أكثر من انحراف الشامي عنها نحو المشرق وإن اشتركا في أصل الانحراف والامر فيه كذلك وسيأتي إن شاء الله
تحريره ومغيب سهيل اليمن وهو أخذه في الانحطاط وميله عن دائرة نصف النهار على العين اليمنى وطلوعه وهو بروزه
عن الأفق المرئي بين العينين وربما يوهم إن المراد بطلوعه غاية ارتفاعه وهو غلط فاحش ناشئ عن عدم معرفة الفرق
بين الطلوع وغاية الارتفاع وبينهما غاية التباعد كما لا يخفى على من اطلع أدنى اطلاع على مصطلح القوم وأيضا
فيه خطأ من جهة العلم بالقلة لأنه حينئذ يكون على دائرة نصف النهار كما هو لازم غاية ارتفاع كل كوكب فيكون جاعله
بين العينين في هذه الحالة مستقبلا لنقطة الجنوب وهذه قبلة العراقي على بعض الوجوه كما عرفته لا قبلة الشامي
وجعل الصبا مقصورة مفتوحة الصاد وهي ريح تهب ما بين مطلع الشمس في حال الاعتدال إلى الجدي على الخد الأيسر
وجعل ريح الشمال بفتح الشين ومحلها ما بين القطب ومغرب الاعتدال على الكتف الأيمن والرياح علامة ضعيفة
كما تقدم لقلة الوثوق لها مع الجهل بالجهة ومع العلم بها يستغنى عن الرياح لكن لما أمكن العلم بالرياح بدون
الجهة وإن بعد جعلت في العلامات ويستفاد من هذه العلامات كون قبلة الشامي مائلة عن نقطة الجنوب نحو
المشرق قليلا وهو أيضا موافق للقواعد المؤسسة في هذا الباب بل هذه مستنبطة منها لعدم ورود نص على
قبلة الشامي وبهذا يظفر فساد أكثر المحاريب الموضوعة في بلادنا فإنها موضوعة على نقطة الجنوب تقريبا وهي قبلة أطراف
العراق كما عرفت لا قبلة الشام وبالتحرير المستفاد من هذه العلامات وغيرها يعلم أن سمت قبلة الشامي على ثلث
مقدار ما بين نقطة المشرق والجنوب بحيث يكون ثلثا ذلك المقدار على يسار المصلى وثلثه عن يمينه نحو الجنوب
بل ظاهر العلامات المذكورة هنا يدل على الانحراف عن نقطة الجنوب أزيد من الثلث لان سهيلا يطلع على الأفق
منحرفا عن نقطة الجنوب تسعة وثلاثين جزأ من تسعين جزأ من القوس التي بين نقطتي المشرق والجنوب وكذلك إذا
جعل الخد مسامتا لمنتصف ما بين نقطة المشرق والقطب الذي هو أعدل مهب الصبا يستلزم مسامتة الوجه لمنتصف
ما بين نقطة الجنوب والمشرق كما لا يخفى على من أحاط علما بما أسلفناه من المقدمات إلا أن التحقيق الذي يجب المصير
* (في الأصل صفحتان هنا وضعناها في آخر الكتاب وهي رسالة للمحقق في استحباب التياسر في القبلة) *
199

إليه هو ما قلناه من كون الانحراف عن نقطة الجنوب بقدر ثلث المقدار المذكور خاصة تقريبا وبالتحرير التام ينحرف
قبلة دمشق أحدا وثلاثين جزءا من تسعين وكلما غربت البلاد الشامية كان الانحراف أكثر وأما انحراف أوساط العراق
كبغداد والكوفة بالتحرير التام (عن نقطة الجنوب نحو المغرب فهو صح) ثلاثة وثلاثون جزءا من الاجزاء المذكورة والبصرة سبعة وثلاثون فهذا هو السر في
جعلهم الجدي للشامي خلف الكتف وللعراقي خلف المنكب فتدبره فإنه دقيق وأما إطلاق الأصحاب كون طلوع سهيل
علامة فالمراد به طلوعه الأفق المرئي كما قدمناه وما بينه وبين الأفق الحقيقي من التفاوت (يزيل خ ل) هذا القدر
من الزيادة تقريبا خصوصا مع غلبة الحزونة على أرض الشام وكثرة الارتفاع والانخفاض فيها والفقهاء لم يعتبروا
طلوعه عن الأفق الحقيقي لقلة الانتفاع به حينئذ بل أرادوا بروزه للناظر وذلك يوجب ارتفاعا (يزيل خ ل) هذا التفاوت
لان الكوكب كلما ارتفع انحرف كما لا يخفى وأما الصبا فلما كان حد مطلعه ما بين نقطة المشرق ونقطة الشمال
وكان القدر المعتدل منه يوجب الانحراف عن سمت قبلة الشامي ومخالفة ما تحقق فيه من أصوله وجب حمله على
ما خرج منه دوين اعتداله نحو المشرق فإن المسامتة متسعة فيكون إطلاقه في قوة الاجمال كما حمل المشرق
والمغرب
في قبلة العراق على ما انحرف عن اعتدالهما وأيضا فلو جاز حمله على الاطلاق لزم جواز القرب من معدل المشرق بحيث
لا يبقى بين نقطته وبين وجه المصلى إلا يسير لان طرف الريح الصبا من جهة الجدي يلحق الخد وهو فاسد قطعا وقد
أشار إلى ذلك في الذكرى بقوله وقد يقال أن مبدأ هبوبها من مطلع الشمس يعنى الصبا يجعله الشامي على الخد
الأيسر وهو موافق لما ذكرناه لان الخد إذا سامت مشرق الاعتدال كان الوجه منحرفا عن نقطة الجنوب نحو المشرق
يسيرا وأما جعل الجدي مستقيما خلف الكتف الأيسر فيقتضى انحرافا بينا في الجملة لكن لا يوجب زيادة على ما حررناه
بل هو أشد مناسبة له من غيره فتدبر هذه الجملة فإنك لا تظفر بها في غير هذا الكتاب واستقم كما أمرت ولا تتبع الهوى ولا ترتاب فإن الحق أحق أن يتبعه أولو الألباب
وعلامة المغرب والمراد بعض أهل المغرب كالحبشة والنوبة
جعل الثريا عند طلوعها على اليمين والعيوق بالتشديد وهو نجم أحمر مضئ في طرف المجرة يتلو الثريا ويبعد عنها
إلى جهة الشمال كبعدها عن أنجم النظم عند طلوعه على الشمال والجدي حال استقامته على صفحة الخد الأيسر وإنما
قيدنا المغرب ببعضه مع إطلاق الأصحاب له لان البلاد المشهورة في زماننا بالمغرب كقرطبة وزويلة وتونس
وقيروان وطرابلس الغرب قبلتها تقرب من نقطة المشرق بل تميل عنها نحو الجنوب يسيرا فهي بعيدة عما ذكروه هنا فتدبر
وعلامة اليمن جعل الجدي وقت طلوعه أو انخفاضه بين العينين وسهيل عند أول مغيبه وهو ميله عن دائرة نصف
النهار بل قبل أخذه في المغيب عند كونه على الدائرة بين الكتفين ليكون مقابلا للجدي عند طلوعه لكونهما معا على
دائرة نصف النهار وأما إذا أخذ في المغيب يميل عن التوسط بين الكتفين لمن جعل الجدي حال استقامته بين العينين
كما لا يخفى والجنوب بفتح الجيم ريح مقابلة لريح الشمال مهبها ما بين نقطتي الجنوب والمشرق على مرجع الكتف
الأيمن وهو مبدأ رجوعه قرب المفصل وهذه العلامات بعد الجمع بينها تقتضي كون قبلة اليمنى نقطة الشمال
فتكون مقابلة لقبلة مغاريب العراق كالموصل وما ناسبها وبعض الأصحاب كالشهيد في الألفية جعل اليمنى في مقابلة
الشامي والتحقيق أن عدن وما والاها تناسب العلامات المذكورة لمناسبتها لمكة في الطول ونقصانها في العرض
وأما صنعاء اليمن المشهورة وما ناسبها فهي مقابلة للشامي كما ذكره الشهيد رحمه الله واعلم إنا لما بينا في أول البحث كون معرفة
جهة القبلة ليس منها منقول عن أئمة الهدى غير قبلة العراق ببعض علاماتها المذكورة وإنما هي مأخوذة من علم
200

الهيئة وما ضاهاها من العلوم والأرصاد وكانت هذه العلامات المدونة في كتب الفقه بعضها مطلق احتاج إلى
التقييد وبعضها مجمل احتاج إلى البيان كما رأيت فجدير بنا أن نذكر جملة تزيدك بصيرة في تحقيق الحق وتوضح
لك عن وجه ما ذكرناه من البيان والتقييد وتقريره يتوقف على مقدمة هي أنهم قسموا هذا الربع المسكون المشتمل
على الأقاليم السبعة طولا وعرضا فالطول من مبدأ العمارة من جانب المغرب وهي جزائر الخالدات عند بطليموس لكونه
مبدأ العمارة في زمانه أو ساحل البحر الغربي عند المتأخرين لاستيلاء الخراب والغرق على ما بينهما بعد زمانه
إلى منتهاها من الجانب الشرقي وهي كنك وجملة ذلك من الجزائر مئة وثمانون جزءا أقسام نصف دائرة عظمي من دوائر
الفلك لان كل دائرة منها مقسومة ثلاثمائة وستين جزءا وتسمى هذه الاجزاء درجات والعرض من خط الاستواء في
جهة الجنوب إلى منتهى الربع في جهة الشمال وذلك تسعون جزءا وذلك ربع دائرة عظمي فطول البلد عبارة عن بعدها
عن منتهى الجانب الغربي وهو قوس من معدل النهار محصورة بين دائرتي نصف نهار ذلك البلد ونصف نهار آخر
طرف العمارة من جانب الغرب وعرض البلد عبارة عن بعدها عن خط الاستواء وهو قوس من دائرة نصف النهار
فيما بين عدل النهار وسمت الرأس إذا تقرر ذلك فنقول طول مكة المشرفة من جزائر الخالدات سبع وسبعون جزءا
وعشر دقائق أعني سدس جزء وعن ساحل البحر الغربي سبع وستون جزءا وسدس جزء فالتفاوت بين الطرفين
عشرة أجزاء وقد استقر اعتبار الجمهور من الثاني وعرضها أحد وعشرون جزءا وثلثا جزء وهي أربعون دقيقة فإذا
أريد معرفة سمت القبلة في بلد فلا يخلو من أن يكون طول مكة وعرضها أقل من طول البلد وعرضه أو أكثر أو يكون طولها
أقل وعرضها أكثر أو بالعكس أو يتساوى الطولان وعرضها أقل أو أكثر أو العرضان وطولها أقل أو أكثر فالأقسام
ثمانية لا مزيد عليها تساوى الطولان وعرض البلد أكثر فسمت القبلة نقطة الجنوب وإن كان أقل فهو نقطة
الشمال وإن تساوى العرضان وطول البلد أكثر فسمت القبلة نقطة المغرب وإن كان أقل فهو نقطة المشرق ومعرفة
السمت في هذه الأربعة سهل يتوقف على اخراج الجهات الأربع على وجه الأرض بالدائرة الهندية أو غيرها لا غير
وإن زادت مكة على البلد طولا وعرضا فسمت القبلة بين نقطتي المشرق والشمال وإن نقصت فيهما فهو بين نقطتي
الجنوب والمغرب وإن زادت عن البلد طولا ونقصت عرضا فسمت قبلة البلد بين نقطتي الجنوب والمشرق وإن انعكس
فبين نقطتي المغرب والشمال وهذه الأربعة تعلم من الجهات أيضا إجمالا وأما تحرير السمت على خط مخصوص
فيحتاج إلى فضل تكلف ولاستخراجه طرق منتشرة وأعمال متكثرة فإن تيسر لك استخراجه بربع الدائرة والأسطرلاب
ونحوهما وإلا فقد عرفت إن الخطين المتقاطعين على مركز الدائرة الهندية أعني خط نصف النهار وخط المشرق و
المغرب يقسمانها أربعة أقسام متساوية فاقسم كل قوس من الأربعة التي بين الجهات بتسعين قسما لتصير الدائرة
ثلاثمائة وستين قسما كما هو المفروض في قوسي الطول والعرض فإن كانت مكة أطول من البلد المطلوب سمت القبلة
فيه وعرضها أقل من عرضه بأن يكون البلد غربيا شماليا من مكة كبلدنا فعد من محيط الدائرة الهندية مبتديا
من نقطة الجنوب بقدر فضل ما بين الطولين إلى المشرق ومن نقطة الشمال مثله إلى المشرق أيضا وتصل ما بين
النهايتين بخط مستقيم ثم تعد من نقطة المشرق إلى الجنوب بقدر ما بين العرضين ومن نقطة المغرب مثله وتصل
ما بين النهايتين بخط مستقيم فيتقاطع الخطان لا محالة ثم تخرج من مركز الدائرة خطا مستقيما مارا بنقطة تقاطعهما و
توصله إلى محيط الدائرة فذلك الخط سمت قبلة البلد والقوس التي بين طرف الخط المنتهى إلى المحيط ونقطة الجنوب
201

هو قدر انحراف سمت القبلة في ذلك البلد عن نقطة الجنوب نحو المشرق وإن كان طول مكة وعرضها أقل من طول
البلد المطلوب سمت القبلة فيه وعرضه بأن يكون البلد شرقيا شماليا من مكة كأكثر العراق وجميع خراسان
وما والاها فعد من الدائرة من نقطة الجنوب إلى المغرب بقدر فضل ما بين الطولين ومن نقطة الشمال مثله وتصل ما
بين النهاليتين كما مر ثم عد من نقطة المغرب إلى الجنوب بقدر ما بين العرضين ومن نقطة المشرق مثله وتصل ما
بين النهايتين أيضا وأخرج من المركز خطا مارا بنقطة التقاطع إلى المحيط فذلك سمت قبلة وإن زادت مكة
عن علي البلد طولا وعرضا بأن كان غربيا جنوبيا فعد من نقطتي الجنوب والشمال إلى المشرق ومن نقطتي المشرق و
المغرب إلى الشمال وتعمل كما مر وإن كانت مكة أعرض من البلد وهو أطول منها بأن كان شرقيا جنوبيا فعد
من نقطتي المشرق والمغرب إلى الشمال ولا يخفى عليك باقي العمل إذا تدبرت ما أسلفناه ولتمثل القبلة بلدنا
مثالا ليتضح لك بالعيان مرتبا على ما قررنا من المقدمات ونتبعه بما استدركناه من البلاد في الجهات فنقول طول
دمشق من البحر الغربي ستون درجة وأرضها ثلث وثلاثون ونصف فهي أعرض من مكة ومكة أطول منها فهي إذا
غربية شمالية فيكون سمتها خارجا بين نقطتي الجنوب والمشرق وطول وسط العراق كالكوفة وبغداد تسع وسبعون درجة محدودة الدقايق
وعرضها اثنتان وثلاثون فهي إذا شرقية شمالية فسمتها غربي جنوبي وطول البصرة خمس وسبعون وعرضها قريب من
عرض الكوفة فهي إذا محتاجة إلى زيادة تقريب واعتبرنا في البلاد بهذا التقريب والله الموفق وهذه صورته
والمصلى في وسط الكعبة يكفيه أن يستقبل أي جدرانها شاء ويجوز أن يصلى إلى ما بها وإن كان مفتوحا
ولا عتبة له لان القبلة ليست هي البنية إذ لو زالت والعياذ بالله كانت الصلاة إلى موضعها وإلى كل جزء منه
والمصلى على سطحها يصلى قائما لا مستلقيا مؤميا ويبرز بين يديه شيئا منها وإن قل ليكون توجهه إليه وتراعى
202

ذلك في جميع أحواله حتى الركوع والسجود فلو خرج بعض بدنه عنها أو ساواها في بعض الحالات كما لو حاذى رأسه
نهايتها حال السجود بطلت صلاته وقال الشيخ في الخلاف يصلى مستلقيا متوجها إلى البيت المعمور بالايماء استنادا
إلى رواية لا تنهض حجة في مخالفة المشهور بل الاجماع وتخصيص الامر بالقيام واقتضاء الاقتصار على الايماء مع القدرة
ولو صلى باجتهاد أو بغير اجتهاد لضيق الوقت عنه أو بالتقليد في موضع جوازه أو ناسيا على أصح القولين ثم
انكشف فساده إلى فساد الاجتهاد وما قام مقامه أي تبين عدم إصابة القبلة أعاد الصلاة مطلقا في الوقت و
خارجه إن كان مستدبرا لرواية عمار عن الصادق عليه السلام لرجل صلى إلى غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة
قبل أن يفرغ من صلاته قال إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة حين يعلم وإن كان
متوجها إلى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة ولقوله عليه السلام في حديث آخر حين سئل
عن رجل صلى إلى غير القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة وقد دخلت وقت صلاة أخرى قال يصليها قبل أن يصلى هذه التي
دخل وقتها إلا أن يخاف فوت التي دخل وقتها وفى الاستدلال بهما بحث لضعف سند الأولى بعمار والثانية
بمحمد بن زياد وغيره مع إن ظاهر الأولى إن الوقت باق لأنه فرضه في الصلاة ويمكن حمل الثانية على من صلى بغير
اجتهاد ولا تقليد إلى جهة واحدة مع سعة الوقت وإمكان التعلم جمعا بينها وبين ما يأتي من الاخبار ومن ثم
ذهب المرتضى والمحقق والشهيد في الذكرى إلى إعادة المستدبر في الوقت خاصة لا مع خروجه وهو الأصح وفى الوقت لا مع خروجه
إن كان مشرقا أو مغربا بالنسبة إلى قبلة العراق ولو قال إن كان يمينا أو يسارا ليشمل سائر الجهات كان أولى
ومستند التفصيل قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الرحمن بن الحجاج إذا استبان إنك صليت وأنت على غير القبلة
وأنت في وقت فأعد وإن فاتك الوقت فلا تعد ومثله رواية سليمان بن خالد عنه عليه السلام إن كان في وقت
فليعد صلاته وإن مضى الوقت فحسبه اجتهاده وغيرهما من الأخبار الدالة على التفصيل ببقاء الوقت وعدمه وهي كما
تدل على حكم اليمين واليسار كذا تدل على حكم الاستدبار لعدم التقييد فهي حجة على المصنف مع صحتها وحملها على
غير المستدبر ليجمع بينها وبين ما تقدم ليس بأولى من حمل ما تقدم مع ضعف سنده على بقاء الوقت أو التقصير في
الاجتهاد كما قلناه وخبر عبد الرحمن كما دل بإطلاقه على الظان كذا يشمل الناسي أما جاهل الحكم فإنه يعيد مطلقا في الموضعين لضمه جهلا إلى تقصير مع احتمال المساواة لعموم الناس في سعة مما (ما لم يعلموا صح) لا يعلمون ولا يعيد مطلقا إن
كان بينهما أي بين المشرق والمغرب بأن يتبين الانحراف اليسير الذي لا يبلغ حد اليمين واليسار هو موضع وفاق
لقوله صلى الله عليه وآله ما بين المشرق والمغرب قبلة والمراد بالاستدبار الذي حكم المصنف بإعادة المصلى إليه مطلقا
ما قابل القبلة بمعنى أن أي خط فرض طرفه قبلة يجوز الصلاة إليها كان طرفه الاخر استدبارا كما يدل عليه
خبر عمار ولو فرض وقوع خط آخر على هذا الخط بحيث يحدث عن جنبيه زاويتان قائمتان كان هذا الخط الثاني
خط اليمين واليسار ولو فرض خط آخر واقع على الخط الأول بحيث يحدث عنه زاويتان حادة ومنفرجة فما كان
منه بين خط القبلة وخط المشرق أو المغرب هو الانحراف المغتفر وما كان بين جهة الاستدبار وخط المشرق أو
المغرب فالأجود أنه ملحق بهما لا بالاستدبار وإن كان أقرب إليه اقتصارا في الإعادة مطلقا على القول بها على مدلول
الرواية وهو ما كان إلى دبر القبلة ولو ظهر الخلل وهو في الصلاة استدار إلى القبلة إن كان الخلل قليلا لم
يبلغ حد اليمين واليسار وأتم صلاته لعدم وجوب الإعادة في الوقت والأولى وإن لم يكن قليلا بل كان إلى محض اليمين
203

أو اليسار أو الاستدبار استأنف الصلاة لوجوب الإعادة في الوقت مطلقا نعم لو فرض تبين التيامن أو التياسر
بعد الوقت فيمن أدرك منه ركعة أو المستدبر على القول بالمساواة أمكن القول بالاستقامة ولا إعادة لاطلاق
الاخبار وعدمه لأنه لم يأت بالصلاة في الوقت ولأن ما بعد الوقت هنا بحكم الواقع فيه فيكون بحكم الذاكر فيه ويضعف
بأن الأول مصادرة ومساواة ما بعد الوقت لما قبله مطلقا ممنوعة بل في محل النص والوفاق لا في جميع الأحكام على
الاطلاق ولا يتعدد الاجتهاد بتعدد الصلاة إلا مع تجدد شك لبقاء الظن السابق حيث لم يتجدد خلافه والاستصحاب
أما لو تجدد شك فإن الاجتهاد الأول بطل حكمه وأوجب الشيخ تجديده مطلقا ما لم يعلم بقاء الامارات بأن يحضره
عند القيام إلى الثانية لوجوب السعي في إصابة الحق ولأن الاجتهاد الثاني إن وافق الأول أكده وإن خالفه وجب المصير
إليه لأنه لا يكون إلا لامارة أقوى ووجوب السعي في الإصابة بعد الاجتهاد عين النزاع ولو تما لم تصح الأولى لعدم
استفراغ الوسع في تحصيل الامارة وهذان الاحتمالان جاريان في طلب المتيمم الماء عند دخول وقت صلاة أخرى
وفى المجتهد إذا سئل عن واقعة اجتهد فيها والمختار في الجميع واحد
المقصد الرابع فيما يصلى فيه وهو
اللباس والمكان وفيه مطلبان
المطلب الأول في اللباس يجب ستر العورة في الصلاة بإجماع علماء الاسلام
كما نقله في المعتبر وإن اختلف مخالفونا مع ذلك في شرطيته في الصلاة بثوب طاهر وقد تقدم حكمه إلا ما استثنى
من ثوب ذي القروح والجروح الدامية وثوب المربية لولد المتنجس به والمتنجس بدم ينقص عن سعة الدرهم و
ما لا يتم الصلاة فيه وحده وما تعذر تطهيره مع الاضطرار إلى لبسه عند قوم ومطلقا عند آخرين وقد تقدم
تفصيل ذلك كله مملوك للمصلى ويتحقق بملك العين والمنفعة كالمستأجر والمستحق منفعته بوصية ونحوها
أو مأذون فيه في الصلاة بالصريح أو في اللبس مطلقا ولا يكفي شاهد الحال هنا لعدم النص وأصالة المنع من التصرف
في مال الغير فيقتصر فيما خالفه على محل الوفاق وهو المكان وللفرق بين اللباس والمكان فإن اللباس يبلى بالاستعمال
ولكل جزء منه مدخل في التأثير بخلاف المكان فلو صلى في الثوب المغصوب كما هو مقتضى السياق في حال كون المصلى
عالما بالغصب بطلت صلاته إن ستر العورة ومثله ما لو قام فوقه أو سجد عليه إجماع لرجوع النهى إلى جزء الصلاة
أو شرطها فيفسد ولو لم يكن ساترا أو كان غير ثوب كالخاتم ونحوه فكذلك عند المصنف وجماعة لان الحركات الواقعة
في الصلاة منهي عنها لأنه تصرف في المغصوب وهي أجزاء الصلاة فتفسد لان النهى في العبادة يقتضى الفساد ولأنه مأمور
بإبانة المغصوب عنه وبرده إلى مالكه فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادا للصلاة والامر بالشئ يستلزم النهى
عن ضده وفى الدليلين منع أما الأول فلان الحركات المخصوصة الواقعة في الصلاة إنما تعلق النهى فيها بالتصرف
في المغصوب من حيث هو تصرف في المغصوب لا عن الحركات من حيث هي حركات الصلاة فالنهي تعلق بأمر خارج عنها
ليس جزأ ولا شرطا ولا يتطرق إليها الفساد بخلاف ما لو كان المغصوب ساترا أو مسجدا أو مكانا لفوات بعض الشروط
أو بعض الاجزاء وأما الثاني فكلية كبراه ممنوعة وقد تقدم الكلام عليها في إزالة النجاسات فإن الامر بالشئ إنما يستلزم
النهى عن ضده العام أعني الترك مطلقا وهو الامر الكلى لا عن الأضداد الخاصة من حيث هي كذلك وإن كان الكلى
لا يتقوم إلا بها فإنه مغاير لها ولهذا كان الامر بالكلي ليس أمرا بشئ من جزئياته عند المحققين فلا يتحقق النهى عن
الصلاة لأنها أحد الأضداد الخاصة ومن ثم فرق المحقق في المعتبر بين الامرين فاختار البطلان في الأول دون
الثاني وقواه في الذكرى وهو واضح وإن كان الاحتياط يقتضى البطلان وألحق به في المعتبر الصلاة في خاتم من
204

من ذهب دون الصلاة في الحرير مع كونه غير ساترا للنص على تحريم الصلاة فيه عن النبي وأهل بيته عليهم السلام
وقيد العالم بالغصب يخرج الجاهل به ولا تبطل صلاته لارتفاع النهى ويتناول الجاهل بحكمه فتبطل صلاة العالم
بالغصب وإن جهل الحكم الشرعي وهو تحريم الصلاة (في المغصوب أو الوضع وهو صح) بطلان الصلاة فيه لوجوب التعلم على الجاهل فيكون قد جمع بين الجهل و
التقصير في التعلم فلا يكون تركه عذرا ولو نسي الحكم فكذلك لاستناده إلى تقصيره في التحفظ وفى إلحاق ناسي الغصب بالعالم
فيعيد مطلقا كما اختاره المصنف في القواعد أو بالجاهل فلا يعيد مطلقا أو الإعادة في الوقت خاصة كما اختاره
في المختلف أوجه أحوطها الأول ووجهه إن الناسي مفرط لقدرته على التكرار الموجب للتذكار فإذا أخل به كان مفرطا
ولأنه لما علم كان حكمه المنع من الصلاة والأصل بقاء ذلك وزواله بالنسيان يحتاج إلى نص ولم يثبت لا يقال قد روى
عنه صلى الله عليه وآله أنه قال رفع عن أمتي الخطأ والنسيان والحقيقة متعذرة لأنهما واقعان لم يرتفعا فيصار
إلى أقرب المجازات إلى الحقيقة وهو رفع جميع أحكامهما لان رفع الحقيقة يستلزم رفع جميعها لأنا نقول بمنع إرادة
العموم في جميع الأحكام لأنه يستلزم زيادة الاضمار مع الاكتفاء بالأقل ولأن صحة الصلاة في المغصوب مع
النسيان وزوال حكم المانع يقتضى ثبوت حكم له فلا يصدق الرافع الكلى ودليل الصحة مبنى عليه كذا حققه المصنف
في المختلف وأجيب بمنع أن التكرار الموجب للتذكار يمنع عروض النسيان والوجدان يشهد بخلافه ومنع استصحاب بقاء
المنع بعد النسيان للاجماع على أن الناسي يمتنع تكليفه حال نسيانه لامتناع تكليف الغافل ومنع استلزام رفع
جميع الأحكام زيادة الاضمار لان زيادة الاضمار في اللفظ لا في المدلول سلمنا لكن يكفي إضمار الاحكام فقط وهو
أخصر من الجميع وبأن المراد برفع جميع الأحكام المترتبة على الفعل إذا وقع عمدا لا المترتبة على النسيان باعتبار
كونه عذرا فلا تناقض أو يراد رفع الحكم الممكن رفعه وما ذكر غير ممكن الرفع لامتناع الخلو من جميع الأحكام الشرعية
ولك أن تقول لو تم هذا التوجيه لزم الحكم بعدم إعادة الناسي مطلقا وقد ورد النص بخلافه في مواضع كإعادة ناسي
النجاسة ولاعترافهم هنا بإعادة ناسي الحكم بالغصب وغير ذلك من المواضع واستثناء هذه الافراد حتى عند القائل بهذه
المسألة دليل على عدم حمل الرفع على رفع جميع الأحكام بل على رفع المؤاخذة على الفعل كالعامد بقرينة اقتران
الناسي في الحديث بالمكره والخاطئ اللهم إلا أن يقال خرجت الصورة الأولى بالنص والثانية بالاتفاق فيرجع ما وقع
فيه الخلاف مع عدم النص إلى الدليل وفيه بحث والتحقيق أن الخبر لا يحتاج إلى دلالته إلى اضمار لأنه ظاهر عرفا في رفع المؤاخذة فإن كل عارف باللغة فيتبادر إلى فهمه رفع المؤاخذة عند قول السيد لعبده رفعت عنك الخطأ والنسيان
في الشئ الفلاني وتحقيق المسألة في الأصول وحينئذ فلا يدل على عدم الإعادة في المسألة المذكورة ولا غيرها ويرجع الامر
إلى غيره من الأدلة وقد علم من ذلك وجه الثاني ووجه الثالث قيام السبب وهو الوقت وعدم تيقن الخروج من العهدة
بخلاف ما بعد الوقت والقضاء إنما يجب بأمر جديد وهو غير معلوم التوجه هنا ويضعف بأن الصلاة الواقعة إن كان
مأمورا بها اقتضى فعلها الخروج عن العهدة وإلا فلا أثر لها ووجه وجوب القضاء الفوات لحديث من فاته فريضة فليقضها
وهو حاصل على هذا التقدير ويجوز في الثوب كونه من جميع ما ينبت من الأرض كالقطن والكتان بفتح الكاف و
الحشيش إذا صدق على المعمول منه اسم الثوب فلو تستر بالورق والحشيش مع القدرة على الثوب لم يجز كما يقتضيه تخصيص
الستر بالثوب وقد صرح به في الدروس ويشكل بحصول مسمى الستر وبإطلاق رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
إن أصاب حشيشا يستر منه عورته أتم صلاته بالركوع والسجود نعم لو تعذر الثوب أجزأ قطعا ولا يقال قوله بعد ولو
205

بالورق يدل على جوازه اختيارا فيكون مبينا لمراد هذه العبارة لاندفاعه بعطف ألقين عليه وهو مترتب على فقد
الثوب قطعا فلا دلالة له على الاجزاء به في حالة الاختيار أو الاضطرار وكذا يجوز كونه من جلد ما يؤكل لحمه
مع التذكية فيما يفتقر إليها وهو ماله نفس سائلة أما ما لا نفس له كالسمك فإن الصلاة في ميتته جائزة لطهارته
في حال الحياة وحله وعدم نجاسته بالموت وينبه عليه جواز الصلاة في جلد الخز على المشهور وإن كان ميتا لعدم النفس
مع أنه غير مأكول اللحم فجوازها في ميتة المأكول إذا لم يكن له نفس أولى ولو اشترطنا في جواز الصلاة في جلد الخز
تذكيته باخراجه من الماء حيا كما ذهب إليه بعض الأصحاب أمكن اشتراط ذلك في السمك أيضا وليس في كلام الأصحاب
تصريح به على الخصوص وقد اتفق للمحقق الشيخ على رحمه الله في شرح الألفية نقد الاجماع على جواز الصلاة في ميتة
السمك ونسب النقل إلى الذكرى عن المعتبر وفى شرح القواعد نقله عن المعتبر بغير واسطة الذكرى وينبغي التثبت
في تحقيق هذا النقل فإن الذي ادعى عليه الاجماع في المعتبر ونقله عنه في الذكرى الصلاة في وبر الخز لا في جلده
ولا في جلد السمك ثم ذكر بعد ذلك جلد الخز ناقلا فيه الخلاف ولم يتعرض لميتة السمك في الكتابين بنفي ولا إثبات
فضلا عن نقل الاجماع والذي أوقع في هذا الوهم إن عبارة الذكرى توهم ذلك لكن كونها بطريق النقل عن
المعتبر مع نقل لفظ المعتبر يكشف المراد وتحقق إن للكلام في وبر الخز لا في جلده ولا في جلد ميتة السمك والتعلق
بأنه لم يعين محل النقل فلعله في موضع لم يتفق الوقوف عليه تسل بالتعلق بالهباء اتكالا بالمنى وإلا فلو بذل
الجهد في تحقيق الحق ظهر له جليته فيما ذكرناه مع أنه في الذكرى نقل في المسألة التي فيها دعوى الاجماع عن المعتبر
وعبر بلفظه عدة أسطر فالمحل متعين ولا يشترط في صحة الصلاة في جلد ما يؤكل لحمه الدبغ إجماعا بل يجوز فيه وإن
لم يدبغ وكذا يجوز في الثوب المتخذ من صوفه وشعره وريشه ووبره وغيرها مما لا تحله الحياة وإن كان ما يؤكل
لحمه الذي يؤخذ منه هذه الأشياء ميتة مع غسل موضع الاتصال بالميتة إن أخذ قلعا ولم ينفصل معه من الميتة
شئ ولو أخذ جزءا لم يحتج إلى التطهير لعدم المقتضى للتنجيس ومثله ما لو قلع ثم قطع موضع الاتصال والخز الخالص
من الامتزاج بوبر الأرانب والثعالب وغيرهما لا تصح الصلاة فيه لا مطلق الخلوص فلو كان ممتزجا بالحرير بحيث
لا يكون الخز مستهلكا به لم يضر والخز دابة ذات أربع تصاد من الماء فإذا فقدته ماتت وقد أجمع الأصحاب على جواز
الصلاة في وبره الخالص مما ذكر وبه أخبار كثيرة وفى جوازها في جلده قولان أصحهما المساواة لقول الرضا عليه السلام
في رواية سعد بن سعد حين سأله عن جلود الخز فقال هو ذا تلبس فقلت ذاك الوبر جعلت فداك قال إذا حل وبره حل
جلده وهل يشترط تذكيته باخراجه من الماء حيا أم لا ظاهر خبر ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام إن الله أحله
وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها ذلك وهو اختيار الذكرى قال في المعتبر وعندي في هذه
الرواية توقف لضعف محمد بن سليمان ومخالفتها لما اتفقوا عليه من أنه لا يؤكل من حيوان البحر إلا السمك ولا من السمك
إلا ما له فلس أما الجواز في الخالص فهو إجماع علمائنا مذكى كان أو ميتا لأنه ظاهر في حال الحياة ولم ينجس بالموت
فيبقى على الطهارة قال وحدثني جماعة من التجار أنه القندس ولم أتحققه انتهى وأجاب في الذكرى بعد نقل كلام
المعتبر بالمعنى عن رواية بأن مضمونها مشتهر بين الأصحاب فلا يضر ضعف الطريق والحكم بحله جاز أن يستند إلى
حل استعماله في الصلاة وإن لم يذك كما أحل الحيتان بخروجهما من الماء حية فهو تشبيه للحل ما لحل لا في جنس
الحلال قال ولعله ما يسمى في زماننا بمصر وبر السمك وهو مشهور هناك ومن الناس من زعم أنه كلب الماء وعلى هذا شكل
206

ذكاته بدون الذبح لان الظاهر أنه ذو نفس سائلة والله أعلم وهذه العبارة التي نقلها عن الذكرى والمعتبر
هي موضع الوهم في دعوى الاجماع المتقدم وقد تضمن كلام المعتبر أنه لا نفس له وإن الأصحاب مجمعون على جواز
الصلاة فيه وإن كان ميتة لذلك والخبر يدل عليه أيضا لان ما كان كالسمك لا نفس له وما لا نفس له لا ينجس
بالموت وإن كان قابلا للذكاة فلا منافاة بين دلالته على حصول تذكيته بالاخراج وعدم نجاسته بالموت وكذا
تجوز الصلاة في الثوب المعمول جميعه أو بعضه من السنجاب على أصح القولين والروايات فيه مختلفة وجملتها لا تخلو
من شئ أما ضعف في السند أو إشكال في المتن وأقوى دلالة على الصحة صحيحة علي بن راشد عن أبي جعفر عليه السلام
صل في الفنك والسنجاب وليس من الجانبين صحيح غيرها إلا أنها تضمنت حل الصلاة في الفنك ولا يقولون به وذهب
الأكثر إلى المنع لرواية زرارة عن الصادق عليه السلام وقد سئل عن أشياء منها السنجاب فأجاب بأن كل شئ حرام أكله
فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة وفى إسنادها ابن بكير
وهو فاسد العقيدة وحمل في الذكرى المنع في السنجاب على الكراهة وإن حرم الباقي ويجوز استعمال المشترك في معنييه
بقرينة وإنما تجوز الصلاة فيه مع تذكيته لأنه ذو نفس قطعا قال في الذكرى وقد اشتهر بين التجار والمسافرين
أنه غير مذكى ولا عبرة بذلك حملا لتصرف المسلمين على ما هو الأغلب انتهى ولأن متعلق الشهادة إذا كان غير محصور
لا تسمع والممتزج بالحرير وإن كان الحرير أكثر بل لو كان الخليط عشرا كما صرح به في المعتبر ما لم يضمحل الخليط بحيث
يصدق على الثوب أنه إبريسم لقلة الخليط لا اقتراحا مع وجود ما يعتبر من الخليط ولا يتحقق المزج بخياطته بغيره ولا
بجعل بطانة الثوب منه وطهارته من غيره أو بالعكس أو جعلهما معا من غيره وحشوهما به بل يلحق ذلك كله بالمحض
لا بالممتزج والقز نوع من الحرير ويحرم لبس الحرير المحض وهو غير الممتزج بغيره مما تجوز الصلاة فيه كما تقدم على
الرجال وعلى ذلك إجماع علماء الاسلام وبه أخبار متواترة ولا فرق بين حال الصلاة وغيره فتبطل الصلاة وإن لم
يكن هو الساتر للنهي عن الصلاة فيه المقتضى للفساد ووافق المحقق هنا للنص كل ذلك في حال الاختيار أما عند الضرورة
كدفع الحر والبرد والقمل فيجوز إجماعا وكذا في الحرب وإن لم يكن ضرورة تدعو إلى لبسه للاجماع والخبر قال في المعتبر و
لأنه تحصل به قوة القلب ومنع ضرر الزرد عند حركته فجرى مجرى الضرورة وخرج بقيد الرجال النساء وسيأتي
والصبيان والخناثى ولا ريب في عدم التحريم على الصبيان لأنه من خطاب الشرع المشروط بالتكليف لكن هل يحرم على
تمكينهم منه يحتمله لقوله صلى الله عليه وآله حرام على ذكور أمتي وقول جابر كنا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري
واختار المصنف في التذكرة تبعا للمحقق وتبعهما الشهيد في الذكرى الكراهة لعدم تكليف الصبي فلا يتناوله الخبر لما
قلناه وللأصل وفعل جابر وغيره محمول على التورع وأما الخنثى فألحقها جماعة بالرجل آخذا بالاحتياط وللبحث فيه
مجال ويشمل التحريم جميع أنواع الثياب إلا ما لا يتم الصلاة فيه وحده مثل التكة والقلنسوة والخف والمنطقة وأشباه
ذلك فإن لبسه جائز على كراهة على أصح القولين لرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام كل ما لا يتم الصلاة فيه
وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل ويصلى فيه و
وجه المنع عموم الأخبار المانعة من الصلاة في الحرير وما رواه محمد بن عبد الجبار قال كتبت إلى أبي محمد عليه السلام
هل يصلي في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض وطريق الجمع بين الاخبار حملها
على الكراهة مع أنها مكاتبة لا تعارض المشافهة وعدم دلالتها نصا وعدم إمكان حملها على عمومها لتناولها الخيط
207

الواحد ويجوز الركوب عليه والافتراش له والصلاة عليه والنوم والتكأة لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال
سألته عن فراش حرير ومثله من الديباج ومصلى حرير ومثله من الديباج يصلح للرجل النوم عليه والتكأة
والصلاة قال يفرشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه وتردد فيه في المعتبر لعموم تحريمه على الرجال ولا وجه له لان الخبر
مخصص للعام فهو مقدم والظاهر إن التدثر به كالافتراش له إذ لا يعد لبسا والكف به بأن يجعل في رؤس الأكمام
والذيل وحول الزيق لان النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلث أو أربع
وروى عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج والأصل في الكراهة استعمالها في بابها وهو ما رجح
تركه مع عدم المنع من نقيضه والمراد بالأصابع المضمومة اقتصارا في المستثنى على المتيقن وكذا يجوز اللبنة من الحرير
وهي الجيب لما روى أن النبي صلى الله عليه وآله كان له جبة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج
واعلم إن التحديد بأربع أصابع ورد في أحاديث العامة عن النبي صلى الله عليه وآله كما تقدم ولم نقف على تحديده في
أخبارنا وذكره بعض الأصحاب كذلك وللتوقف فيه مجال ويجوز لبس الحرير أيضا للنساء إجماعا ولما روى عنه صلى
الله صلى الله عليه وآله في الحرير أنه حرام على ذكور أمتي وغيره ولا فرق في جواز لبسهن له بين حالة الصلاة وغيرها
خلافا للصدوق حيث منع من صلاتهن فيه وإن جوز لبسه في غير الصلاة استنادا إلى خبرين لا ينهضان حجة في مخالفة
ما عليه الأصحاب ودلت عليه الاخبار مع عدم سلامة الطريق وقبول التأويل بما يدفع المنافاة ويكره الصلاة في
الثياب السود عدا العمامة والخف والكساء (لما رواه الكليني رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام يكره السواد إلا
في ثلاثة الخف والعمامة والكساء صح) وقال ابن بابويه ولا تصل في السواد فإن النبي صلى الله عليه وآله قال
لا تلبسوا لباس أعدائي ولا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي واقتصر أكثر الأصحاب في الكراهة على السواد
وزاد المصنف وجماعة للرجل المعصفر والمزعفر والمشبع بالحمرة وفى المبسوط يكره لبس الثياب المفدمة بلون من الألوان
وأراد بالمفدمة المصبوغة المشبعة وتبعه عليه جماعة ويدل عليه رواية حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال
يكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم واعلم إن حديث السواد دل بإطلاقه على كراهة لبسه في الصلاة وغيرها
وحديث حماد دل على كراهة الصلاة وروى يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كره الصلاة في المشبع
بالعصفر والمصفر بالزعفران ومفهومهما عدم كراهة لبسه في غيرها وطريق الجمع تأكد الكراهة في حال الصلاة
فإن العمل بالمفهوم ضعيف ويمكن الحمل المطلق على المقيد وحمل المحقق حديث حماد على المصبوغ المشبع بالحمرة آخذا
من ظاهر كلام الجوهري في تفسير الفدم بسكون الفاء أنه المصبوغ بالحمرة مشبعا ولا منافاة حينئذ بين كراهة الأسود
مطلقا وغيره في حال الصلاة ويؤيده ما رواه البراء بن مالك قال ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول
الله صلى الله عليه وآله وما روى أنه صلى الله عليه وآله كان يصبغ ثيابه كلها حتى عمامته بالصفرة وأنه صلى الله
عليه وآله لبس بردين أخضرين وأنه صلى الله عليه وآله كان يخطب فرأى الحسن والحسين عليهما السلام
قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل إليهما رسول الله صلى الله عليه وآله ولم ينكر لباسهما والكساء بالمد
واحد الأكسية ثوب من صوف ومنه العباءة قاله الجوهري وليس المراد باستثناء الثلاثة من الكراهة كون سوادها
مستحبا بل مجرد انتفاء الكراهة والخبر السالف وعبارة الأصحاب لا يدل على أزيد من ذلك لان نفى الكراهة
أعم من الاستحباب والإباحة فلا يدل عليه فيرجع إلى الدليل الخارجي وقد روى استحباب القطن وكونه أبيض و
روى الكليني عن الصادق عليه السلام النهى عن لبس الصوف والشعر إلا من علة وعن لبس النعل السوداء أو استحباب الصفراء
208

والخف الأسود وتكره الصلاة في الثوب الواحد الرقيق غير الحاكي للعورة للرجل تحصيلا لكمال الستر ولو حكى ما تحته
لم يجز قطعا واحترز بالرقيق عن الثوب الواحد الصفيق فإن الصلاة فيه وحده لا تكره في ظاهر كلام الأصحاب
وروى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلى في ثوب واحد إذا كان صفيقا فلا بأس ورووا عن
جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصلى في ثوب واحد متوشحا به وربما عليه الاتفاق على استحباب
العمامة والسراويل وعلى كراهة الإمامة بغير رداء فيكون ترك ذلك مكروها أيضا واعتذر له في الذكرى بحمل كلام
القائل بثوب واحد على الجواز المطلق وهو أعم من الكراهة قال أو يريد به على البدن فلا ينافي استحباب العمامة ويمكن
الجواب بأن المراد بالمكروه ما نص على رجحان تركه عينا فترك المستحب لا يعد مكروها بل هو خلاف الأولى فيندفع
الايراد باستحباب العمامة والسراويل ويحمل الرجل هنا على غير الامام جمعا بين الكلامين لان كراهة صلاته
بغير رداء على أصلها لرواية سليمن بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء
قال لا ينبغي أن لا يكون عليه رداء وعمامة يرتدي بها وهذا الفرق بين المكروه وخلاف الأولى يحتاج إليه في كثير من أبواب
الفقه وفيه بحث أصولي واحترز بالرجل عن المرأة فإن أقل ما يجوز لها الصلاة فيه ثوبان درع وخمار نعم
لو أمكن ستر الرأس والجسد بالثوب الواحد كفى وإن يأتزر على القميص أي فوقه لقول الصادق عليه السلام في
رواية أبي بصير لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص إذا صليت فإنه من ذي الجاهلية قال المصنف ولأن فيه تشبها
بأهل الكتاب وقد نهينا عن التشبه بهم ورد بأن التوشح غير الاتزار واستلزامه التشبه بأهل الكتاب غير معلوم
فلا دلالة حينئذ على كراهة الاتزار فوق القميص بل قد روى نفى البأس عنه موسى بن عمر (عمير خ ل) بن بزيع قال قلت للرضا
عليه السلام أشد الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة قال لا بأس به وروى موسى بن القسم البجلي قال رأيت أبا
جعفر الثاني عليه السلام يصلى في قميص قد ائتزر فوقه بمنديل قال المحقق في المعتبر والوجه إن التوشح فوق القميص
مكروه أما شد المئزر فليس بمكروه قال في الذكرى ولا بأس به لامساس الحاجة إليه في الثوب الشاف وإما جعل المئزر
تحت القميص فقد ادعى المصنف الاجماع على عدم كراهته وقد روى زياد بن المنذر عن أبي جعفر عليه السلام في الذي
يتوشح ويلبس قميصه فوق الإزار قال هذا عمل قوم لوط قلت فإنه يتوشح فوق القميص قال هذا من التجبر قلت
وفى هذا الحديث إشارة إلى أن المراد بالتوشح هنا هو الاتزار فيدل على ما قاله الجماعة من كراهة أن يأتزر
فوق القميص ويؤيده أن الوشاح في الأصل عند أهل اللغة شئ يشد على الوسط والتوشح مأخوذ منه
قال في الصحاح الوشاح ينسج من أديم عريضا ويرصع بالجواهر وتشده المرأة بين عاتقها وكشحيها يقال
توشحت المرأة إذا لبسته قال وربما قالوا توشح الرجل بثوبه والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف انتهى
وينبه عليه أيضا قوله عليه السلام في خبر أبي بصير المتقدم لا ينبغي أن يتوشح بإزار فوق القميص فإن الإزار هو
المئزر قال في الصحاح وهو كقولهم ملحف ولحاف ومقرم وقرام قال وموضع الإزار من الحقوين فحديث أبي
بصير دال على كراهة المئزر فوق القميص كما ذكره أكثر الأصحاب واحتجوا عليه به وهو جيد في موضعه والله إعلم
وأن يشتمل الصماء وهو موضع وفاق والمشهور بين الأصحاب في تفسيره ما ذكره الشيخ رحمه الله وهو أن يلتحف
بالإزار ويدخل طرفيه تحت يده ويجمعهما على منكب واحد كفعل اليهود والمراد بالالتحاف ستر المنكبين به
وقد اختلف أهل اللغة فيه ففي الصحاح هو أن تجلل جسدك بثوبك نحو شملة الاعراب بأكسيتهم وهو أن
209

يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن
ويغطيهما جميعا قال وذكر أبو عبيد أن الفقهاء يقولون هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه
من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيبدو منه فرجه وقال الهروي هو أن يتجلل بثوبه ولا يرفع منه جانبا ويدل
على ما فسره الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام إياك والتحاف الصماء قلت وما التحاف الصماء
قال أن تدخل الثوب من تحت جناحيك فتجعله على منكب واحد ولا فرق في الكراهة بين أن يكون تحته ثوب أم لا
لعموم النهى ويجئ على ما نقله أبو عبيد عن الفقهاء تقييد الكراهة بعدم ثوب تحته يستر الفرج أو يصلى الرجل
بغير حنك وهو إدارة جزء من العمامة تحت الحنك فإن ذلك مستحب وتركه مكروه وقال ابن بابويه لا يجوز
تركه لمرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام من تعمم فلم يتحنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه وروى
عيسى بن حمزة عنه عليه السلام من اغتم فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه وإلا
حجة فيهما على منع الترك وإنما يدلان على تأكد الاستحباب ولا يختص استحباب التحنك بالصلاة لاطلاق الاخبار
أو عمومها بل الصلاة إنما دخلت في العموم ومما يدل على حكم غير الصلاة صريحا ما رواه الصدوق عن عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام أنه قال من خرج في سفره فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه
وقال عليه السلام ضمنت لمن خرج من بيته معتما أن يرجع إليهم سالما وقال عليه السلام أنى لا عجب ممن يأخذ في
حاجة وهو معتم تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته وقال النبي صلى الله عليه وآله الفرق بين المسلمين والمشركين
التلحي ورووا عنه صلى الله عليه وآله أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط قال الهروي يقال جاء الرجل مقتعطا
إذا جاء معتما طابقيا لا يجعلها تحت ذقنه وفى الصحاح الاقتعاط شد العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك
والتلحي تطويق العمامة تحت الحنك وهذه الأخبار دلت على تأدى السنة بإدارة جزء من العمامة (تحت الحنك صح) سواء كان طرفها
أم غيره قال في الذكرى وفى الاكتفاء بالتلحي بغيرها بحيث يضمنها نظر من مخالفة المعهود ومن إمكان كون الغرض
حفظ العمامة من السقوط وهو حاصل قال ولكن خبر الفرق بين المسلمين والمشركين مشعر باعتبار التحنك المعهود
قلت الأخبار المذكورة صريحة في اعتبار كونه بالعمامة كقول الصادق عليه السلام ولم يدر العمامة وقوله عليه السلام
وهو معتم تحت حنكه وقولهم في تفسير الاقتعاط أن لا يجعل العمامة تحت حنكه وأما خبر الفرق فهو أبعدها دلالة
لاطلاقه التلحي وإمكان صدقه بغيرها وعلى ما فسره به أهل اللغة من أنه تطويق العمامة تحت الحنك يساوى
غيره في الدلالة فلا وجه لتخصيصه بها والتعليل بكون الغرض به حفظ العمامة من السقوط غير معلوم صريحا ولا
إيماء فالاقتصار على ما دلت عليه الأخبار من اختصاصه بالعمامة متعين واللثام للرجل والنقاب للمرأة إذا
لم يمنعا القراءة أو شيئا من الأذكار الواجبة أو سماعها وفاقا للتذكرة وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يقرأ في صلاته وثوبه على فيه فقال لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة ويحرم كل واحد منهما لو منع
القراءة أو شيئا من الأذكار الواجبة أو سماعها كما تقدم وتقييد المصنف بالقراءة خرج مخرج المثال وأطلق
المفيد المنع من اللثام والعمل على المشهور وفى مضمر سماعة في الرجل يصلى ويتلو القرآن وهو متلثم لا بأس
وإن كشف عن فيه فهو أفضل والقباء بالمد المشدود في غير الحرب ذكر ذلك الشيخان والمرتضى وكثير من الأصحاب
والمستند غير معلوم قال الشيخ في التهذيب ذكره علي بن الحسين بن بابويه وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ولم
210

أجد به خبرا مستندا قال في الذكرى بعد حكاية قول الشيخ قلت قد روى العامة أن النبي صلى الله عليه وآله قال
لا يصلى أحدكم وهو محرم وهو كناية عن شد الوسط وظاهر ذكره لهذا الحديث جعله دليله على كراهة القباء
المشدود من جهة النص وهو بعيد لكونه على تقدير تسليمه غير المدعى ونقل في البيان عن الشيخ كراهة شد الوسط
والإمامة بغير رداء وهو ثوب أو ما يقوم مقامه يجعل على المنكبين لرواية سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام
حين سأله عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء قال لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها ولأنه مميز
عنهم بفضيلة الإمامة فينبغي أن يمتاز عنهم في رأى العين وكما يستحب الرداء للامام يستحب لغيره من المصلين
وفاقا للشهيد رحمه الله وإن كان للامام آكد ويدل على عموم الاستحباب تعليق الحكم على مطلق المصلى في عدة
إخبار مثل خبر زرارة عن الباقر عليه السلام أدنى ما يجزيك أن تصلى فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل
جناحي خطاف وعن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام في رجل ليس معه إلا سراويل قال يحل التكة
منه ويجعلها على عاتقه وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا وهذه الأخبار
كما تدل على حكم المصلى من غير تقييد بالامام تدل على الاجتزاء بمسمى الرداء وإن لم يكن ثوبا وإن كان المعهود
أفضل وإنما المصنف خص الامام بكراهة تركه مع عموم استحبابه بناء على أن المراد بالمكروه ما نص على رجحان تركه عينا
لا ما كان فعله خلاف الأولى وقد تقدم في خبر سليمن بن خالد ما يدل على كراهة تركه للامام بقوله في السؤال
عنه لا ينبغي إلخ فإن ظاهره الكراهة وباقي الاخبار دلت على استحباب الرداء من غير تصريح بكراهة تركه بالمعنى
المذكور وهذا هو الوجه في تخصيص المصنف الامام لأنه بصدد بيان المكروه لا بيان المستحب ولو أريد بالمكروه معناه
الأعم وهو ما رجح تركه مع عدم المنع من نقيضه كره ترك الرداء لمطلق المصلى لكن هذا الاصطلاح لم يستعمله
المصنف في كتبه غالبا يعلم ذلك من استقرائها واعلم أنه ليس في هذه الأخبار وأكثر عبارات الأصحاب بيان كيفية
لبس الرداء بل هي مشتركة في أنه يوضع على المنكبين وفى التذكرة هو الثوب الذي يوضع على المنكبين ومثله في النهاية
فيصدق أهل السنة بوضعه كيف اتفق لكن لما روى كراهة سدله وهو أن لا يرفع أحد طرفيه على المنكب وأنه من
فعل اليهود وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه على يساره قال
لا يصلح جمعهما على اليسار ولكن اجمعهما على يمينك أو دعهما تعين إن الكيفية الخالية عن الكراهة هي وضعه على
المنكبين ثم رد ما على الأيسر على الأيمن وهذه الهيئة فسره بعض الأصحاب لكن لو فعله على غير هذه الهيئة
خصوصا
ما نص على كراهته هل ثياب عليه لا يبعد ذلك لصدق مسمى الرداء وهو في نفسه عبادة لا يخرجها كراهتها عن أصل
الرجحان ويؤيده إطلاق تلك الأخبار وغيرها وأنها أصح من الاخبار المفيدة واستصحاب الحديد في حالة
كونه ظاهرا ولو كان مستورا جاز من غير كراهة روى موسى بن أكيل عن الصادق عليه السلام لا بأس بالسكين و
المنطقة للمسافر في وقت ضرورة ولا بأس بالسيف وكل السلاح في الحرب وفى غير ذلك لا يجوز في شئ من الحديد فإنه
مسخ نجس وروى عمار إذا كان الحديد في غلاف فلا بأس به والجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد وتعليل المنع
بنجاسته محمول على كراهة استصحابه مجازا كما نبه عليه المحقق في المعتبر قال لأنه طاهر باتفاق الطوائف فإذا ورد
التنجيس حملناه على كراهة استصحابه فإن النجاسة قد تطلق على ما يستحب تجنبه والصلاة في ثوب المتهم بالتساهل
في النجاسة احتياطا للصلاة ولما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام في الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل
211

الجري ويشرب الخمر فيرده فيصلى فيه قبل أن يغسله قال لا تصل فيه حتى تغسله والمراد بالنهي هنا الكراهة
لا التحريم جمعا بين ما ذكر وبين ما دل على الطهارة كرواية عبد الله بن سنان أيضا أن أباه سئل الصادق عليه السلام
في الذمي يعيره الثوب وهو يعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده عليه أيغسله قال عليه السلام صل فيه ولا
تغسله فإنك أعرته وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلى فيه حتى تستيقن أنه نجسه ورواية معاوية بن
عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم يشربون الخمر ألبسها ولا أغسلها
وأصلي فيها قال نعم قال ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة
ومثله روى المعلى بن خنيس عنه عليه السلام وفى هذه الأخبار إشارة إلى أن غلبة ظن النجاسة لا تقوم مقام العلم
وإن استندت إلى سبب والحق في الذكرى به من لا يتوقى المحرمات في الملابس وهو حسن وينبه عليه كراهة معاملة
الظالم وأخذ ماله وفى الخلخال المصوت للمرأة دون الأصم لرواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام أنه سأله
عن الخلاخيل هل يصلح لبسها للنساء والصبيان قال إن كن صما فلا بأس وإن كان لها صوت فلا يصلح وعدم
صلاحية لبسه مطلقا يدل على عدمها في حال الصلاة بطريق أولى وربما علل الكراهة باشتغال المرأة به
المنافى للخشوع فيتعدى إلى كل مصوت بحيث يشغل السر فلا يكره ذلك للصماء والحديث المتقدم يدل بإطلاقه على
الكراهة لها مطلقا والتماثيل والصورة في الخاتم والثوب والسيف سواء الرجل والمرأة والمراد بالتمثال والصورة
ما يعم مثال الحيوان وغيره كما صرح به المصنف في المختلف ونقله عن الأصحاب نظرا إلى إطلاق عباراتهم ويدل على ذلك
رواية ابن بزيع عن الرضا عليه السلام أنه سأله عن الثوب فكره ما فيه التماثيل وروى عمار أنه سئل أبا عبد الله
عليه السلام عن الصلاة في ثوب يكون في علمه مثال طير أو غير ذلك قال لا وفى الخاتم فيه مثال الطير أو غير ذلك
لا يجوز الصلاة وحمل على الكراهة جمعا بين الاخبار وخص ابن إدريس الكراهة بتماثيل الحيوان وصورها لا غيرها
من الأشجار ويدل عليه الاذن في صور الأشجار بقوله تعالى يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل فعن أهل
البيت عليهم السلام أنها كصور الأشجار وما رووه عن ابن عباس أنه قال للمصور سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فيعذبه في جهنم وقال إن كنت ولا بد فاعلا فاصنع
الشجر وما لا نفس له والحق أنه لا يلزم من جواز عملها عدم كراهة الصلاة فيها فيستفاد الكراهة من عموم الأخبار المتقدمة
كما اختاره الأكثر ولا تحرم الصلاة خلافا للشيخ لان ذكر الكراهة في بعض الاخبار الدال على الاذن
صريحا يقتضى حمل ما دل على عدم الجواز عليه جمعا بين الاخبار مع أن ذلك لم يرد إلا في خبر عمار وهو ضعيف
ومتى غيرت الصورة زالت الكراهة لانتفاء المقتضى ولصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام لا بأس أن يكون
التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة
وتحرم الصلاة في جلد الميتة وإن دبغ بإجماعنا وتواتر الاخبار عن أهل البيت
عليهم السلام في ذلك كخبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام وقد سأله عن جلد الميت يلبس في الصلاة فقال
لا ولو دبغ سبعين مرة ولا فرق في ذلك بين مأكول اللحم وغيره ولا بين ما يمكن ستر العورة به وغيره لقول
الصادق عليه السلام في مرسل ابن أبي عمير لا تصل في شئ منه ولا شسع ولأن الميتة نجسة والدباغ غير مطهر
عندنا وفى حكم الميتة ما يوجد مطروحا وإن كان في بلاد الاسلام لأصالة عدم التذكية وما في يد كافر أو في
سوق الكفر وإن أخبر بالتذكية وفى الحاق ما يوجد في يد مستحل الميتة بالدبغ بها وإن أخبر بالتذكية بل في
212

يد المخالف مطلقا من غير الفرق المحكوم بكفرها وجهان والمشهور الفتاوى والاخبار طهارتها وجواز الصلاة فيها
وإن لم يخبر ذو اليد بالتذكية فلو أخبر ثبت الحكم بطريق أولى وإن كان التنزه عنه أفضل مطلقا وقد روى في الكافي
والتهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدعون
الاسلام فاشترى منها الفراء للتجارة فأقول لصاحبها أليس هي ذكية فيقول بلى فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية
فقال لا ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول قد شرط الذي اشترتها منه أنها ذكية قلت وما أفسد ذلك قال استحلال
أهل العراق للميتة وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله صلى الله عليه وآله وهذا الخبر كما دل جواز الاستناد في الجلود المأخوذة من سوق المسلمين إلى أصالة الطهارة وصحة
حال المسلم يدل على أنه ينبغي التحرز والتحرج من الحكم بالذكاة على اليقين ولو كان نهيه عليه السلام له عن
الاخبار
بالتذكية دليلا على عدمها لما جاز له بيعها ولا شراؤها وعن أبي بصير عنه عليه السلام كان علي بن الحسين عليه السلام
رجلا صردا فلا تدفيه فراء الحجاز لان دباغتها عنها بالقرط فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم الفرو فيلبسه فإذا
حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه وكان سئل عن ذلك فيقول إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود
الميتة ويزعمون أن دباغه ذكاته وهذا الخبر أيضا يدل على ما تقدم من جواز الاستعمال واستحباب التنزه ولو
كان محكوما بكونه ميتة لما جاز لبسه في حال وأما ما يوجد في سوق الاسلام مع من يجهل حاله فلا ريب في جواز
الشراء منه والبناء على الطهارة للنص ونفى الحرج والمراد بسوق الاسلام ما يغلب على أهله الاسلام وإن كان
حاكمهم كافرا ولا عبرة بنفوذ الاحكام وتسلط الحكام كما زعم بعضهم لاستلزامه كون بلاد الاسلام المختصة التي
يغلب عليها الكفار ونفذت أحكامهم فيها سوق كفر وكون بلاد الكفر المحضة التي غلب عليها المسلمون وأجروا
على أهلها أحكام المسلمين سوق إسلام وإن لم يكن فيهم مسلم وهو مقطوع الفساد ويدل على ما ذكرناه من اعتبار
الأغلبية مع دلالة العرف عليه رواية إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه السلام لا بأس بالصلاة في الفرو اليماني وفيما
صنع في أرض الاسلام قلت له فإن كان فيها غير أهل الاسلام قال إن كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس وعن أحمد بن محمد بن أبي
نصر البزنطي قال سألته عن الرجل يأتي السوق فيشترى منه الفراء لا يدرى أذكية هي أم لا يصلى فيها قال نعم ليس
عليكم المسألة إن أبا جعفر عليه السلام كان يقول إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم أن الدين أوسع عليهم من
ذلك وفى معنى هذه الأخبار أخبار أخرى كثيرة
وكذا تحرم الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه سواء قبل التذكية وذكي
أم لا والدباغ غير مؤثر في الطهارة ولا في جواز الصلاة فيما منع منه عندنا فتحرم الصلاة فيه وإن دبغ بإجماع
علمائنا وقد تظافرت بذلك أخبارهم ولا فرق أيضا في ذلك بين ما تتم الصلاة فيه منفردا وغيره خلافا للشيخ حيث
جوزها فيما لا تتم الصلاة فيه وكذا تحرم الصلاة في صوفه وشعره وريشه ووبره عدا ما استثنى من الخز والسنجاب
وعلى ذلك أيضا إجماع علمائنا نقله في المعتبر وروى ابن أبي عمير عن ابن بكير عن زرارة قال أخرج أبو عبد الله عليه السلام
كتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله إن الصلاة في كل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره و
جلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى تصلى في غيره وهذه الرواية تدل على تحريم
الصلاة في الثوب المعمول من ذلك وإن لم تتم الصلاة فيه وفى الملقى عليه شئ منه وإن لم يكن معمولا ويؤيدها مكاتبة
إبراهيم بن محمد الهمداني قال كتبت إليه يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة فكتب
213

لا تجوز الصلاة فيه لكن في الاحتجاج بهما على الاطلاق بحث أما الأولى ففي سندها ابن بكير وهو فاسد العقيدة وإن
كان ثقة وتضمنت أيضا منع الصلاة في جلد السنجاب لأنها وقعت جوابا عنه وعن غيره مما لا يؤكل لحمه والثانية مكاتبة
والمسؤول فيها مجهول فهي مقطوعة وتعارضان بما هو أصح سندا كرواية محمد بن عبد الجبار أنه كتب إلى أبي محمد عليه
السلام يسأله هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب فكتب لا تحل الصلاة
في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه وغيرها من الاخبار وطريق الجمع حمل روايات المنع على
الثوب المعمول من ذلك والجواز على ما طرح على الثوب من الوبر ونحوه وممن صرح بالجواز في ذلك الشيخ رحمه
الله والشهيد في الذكرى وهو ظاهر المعتبر وجمع الشيخ بينها لحمل الجواز على ما يعمل منها مما لا تتم الصلاة فيه وحده كالتكة
والقلنسوة كما وقع التصريح به في مكاتبة العسكري عليه السلام وأجيب بضعف المكاتبة ولأنها تضمنت قلنسوة عليها
وبر فلا يلزم جوازها من الوبر كذا ذكر في الذكرى والمعتبر وفيه نظر فإن المكاتبة إنما تضعف عن المشافهة مع
تساوى السند وقد عرفت ضعف سند المشافهة وغاية ما فيها كونها من الموثق فلا يترجح على صحيح المكاتبة وأيضا
فقصرها من جهة المكاتبة عن ما دل على المنع يقتضى المنع من الصلاة في الوبر مطلقا ولو كان مرميا على الثوب والشهيد
لا يقول به ثم هي مصرحة بجواز الصلاة في الوبر المسؤول عنه ومن جملة ما وقع السؤال عنه التكة المعمولة من وبر الأرانب
فكيف يدعى أنها تضمنت ما على القلنسوة من الوبر لا غير وربما فرق بين شعر الانسان وغيره مما لا يؤكل لحمه لعموم البلوى
بالأول وجواز الصلاة فيه متصلا فكذا منفصلا عملا بالاستصحاب ولمكاتبة علي بن ريان عن أبي الحسن عليه السلام
هل يجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الانسان وأظفاره قبل أن ينفضه ويلقيه عنه فوقع يجوز و
هذا الحديث يقتضى بإطلاقه عدم الفرق بين شعر المصلى وغيره وهو حسن وإن كان القول بجواز الصلاة في سائر
الشعر ونحوه مما لا يكون لباسا ولا داخلا في نسخه متجها ولا ريب أن تجنبه أحوط وكذا تحرم الصلاة فيما يستر ظهر
القدم ولا ساق له بحيث يغطى المفصل الذي بين الساق والقدم وشيئا من الساق وإن قل كالشمشك بضم الشين
وكسر الميم والنعل السندي وشبهها على المشهور بين الأصحاب واستندوا في ذلك إلى فعل النبي صلى الله عليه وآله وعمل
الصحابة والتابعين والأئمة الصالحين فإنهم لم يصلوا في هذا النوع ولا نقله عنهم ناقل ولو وقع لنقل مع عموم
البلوى به ولا يخفى عليك ضعف هذا المستند فإنها شهادة على النفي غير المحصور فلا تسمع ومن الذي أحاط علما
بأنهم كانوا لا يصلون فيما هو كذلك ولو سلم ذلك لم يكن دليلا على عدم الجواز لامكان كونه غير معتاد لهم بل الظاهر
هو ذلك فإنه ليس لباس العرب وأهل الحجاز ولو علم أنهم كانوا يلبسونه ثم ينزعونه في وقت الصلاة لم يكن أيضا دليلا
على تحريم الصلاة فيه لان نزعهم له أعم من كونه على وجه التحريم أو الاستحباب ولأن ذلك لو تم لزم تحريم الصلاة في
كل شئ لم يصل فيه النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام فالقول بالجواز أوضح لضعف دليل المنع وأصالة
البراءة وصدق امتثال المأمور به على وجهه المتحقق لكن يكره في ذلك خروجا من خلاف جماعة من الاجلاء وحيث كان
الحكم مخصوصا بما لا ساق له مع كونه ساترا لظهر القدم فلا تحريم ولا كراهة فيما ليس كذلك لعدم الوصفين كالنعل
العربي بل يستحب الصلاة فيه عند علمائنا وقد روى عن عبد الله عليه السلام إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت
طاهرة فإنه يقال ذلك من السنة وعن معاوية بن عمار أنه قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام يصلى في نعليه غير مرة
ولم أره ينزعهما قط وغيرهما من الأحاديث ولا فيما فقد أحدهما وهو عدم الساق بأن كان له ساق كالخف والجورب
214

وهو فعل مخصوص له ساق وهو معرب ومثلهما الجرموق قال في الذكرى وهو خف واسع قصير يلبس فوق الخف
وإنما جازت الصلاة في هذا النوع لثبوت صلاتهم عليهم السلام فيه أو أذنهم فيها روى البزنطي عن الرضا عليه السلام
سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخف لا يدرى أذكى هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه أيصلى فيه قال نعم
أنا نشتري الخف من السوق ويصنع لي فأصلي فيه وليس عليكم المسألة وهذا الخبر كما يدل على المدعى من جواز الصلاة
في الخف يدل أيضا على جواز الاخذ بظاهر الحال في الجلود المأخوذة من أيدي من ظاهره الاسلام ولا يجب البحث عن الحال
وروى إبراهيم بن مهزيار قال سألته عن الصلاة في جرموق وبعثت إليه به فقال يصلى فيه
وعن الحسن بن الجهم قال قلت لأبي الحسن عليه السلام اعترض السوق فاشترى خفا لا أدرى أذكى هو أم لا قال صل فيه
قلت والنعل قال مثل ذلك قلت أنى أضيق من هذا قال أترغب عنا كان أبو الحسن عليه السلام يفعله
ولما فرغ من ذكر
جنس الساتر للعورة وشرائطه أراد أن يبين العورة التي يجب على المصلى سترها وهي تختلف باختلاف صنفه كما بينه
بقوله وعورة الرجل التي يجب سترها في الصلاة وعن الناظر المحترم وما يلحق بالصلاة كالطواف هي قبله وهو القضيب
والبيضتان دون العانة ودبره وهو نفس المخرج دون الأليين بفتح الهمزة والياء بغير تاء تثنية الالية بالفتح
أيضا ودون الفخذ فإنهما ليسا من العورة في المشهور وعليه شواهد من الاخبار مروية من الطرفين وذهب بعض الأصحاب
إلى أن العورة من السرة إلى الركبة وآخرون إلى نصف الساق وهما شاذان وهاتان العورتان يجب على الرجل سترهما
في المواضع المذكورة مع القدرة عليه ولو بالورق الكائن من الشجر والحشيش والطين الساتر للحجم واللون وظاهر العبارة أن
ذلك على وجه التخيير فيجوز الاستتار بالورق مع إمكان الثوب كما يجوز بالطين مع إمكانهما لحصول مقصود الستر ولرواية
علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام حين سأله عن رجل قطعت عليه الطريق فبقي عريانا وحضرت الصلاة قال إن
أصاب حشيشا يستر عورته أتم صلاته في الركوع والسجود وإن لم يصب شيئا يستر عورته أومأ وهو قائم وقول الباقر
عليه السلام النورة سترة وفى القواعد قدم الثوب على الحشيش والورق أو خير بينهما وبين الطين وفى الذكرى ساوى
بين الأولين وقدمهما على الطين واستند في التخيير بينهما إلى رواية علي بن جعفر واستدل لتقديمهما على الطين
بعدم فهمه من الساتر عند الاطلاق وبقوله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد فإن ذلك لا يعد زينة ولا يفهم من اللفظ
والتحقيق إن خبر على من جعفر ظاهر في فاقد الثوب فلا يتم الاحتجاج به على التخيير بينه وبين الثوب وما ذكر من الحجة
على تقديمهما على الطين آت في تقديم الثوب على غيره والزينة كما لا تتناول الطين كذا لا تتناول الحشيش ونحوه
وقد يقال أن الزينة غير مرادة بظاهرها للاجماع على الاجتزاء بالخرق والثوب الخلق الذي لا يحصل فيه مسمى الزينة
ولما قيل من أن المفسرين أجمعوا على أن المراد بالزينة هنا ما يوارى به العورة للصلاة فيشترك الجميع في الستر وإن
كان بعضها أفضل من بعض ويمكن الجواب بأن المراد بالزينة جنسها فتدخل الخرق ونحوها وبأن ما نقل عن
المفسرين إن تم لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يقتضى الاجتزاء بالماء الكدر والحفيرة وغيرهما اختيارا ولم يقل به أحد
فيرجع في ذلك إلى المتعارف المتبادر وهو الثوب مع إمكانه ويؤيده ما ورد في الآية الأخرى في معرض الامتنان
بقوله قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم وهي ما يسوء الانسان انكشافه ويقبح في الشاهد إظهاره وما روى عن الباقر
عليه السلام أدنى ما تصلى به المرأة درع وملحفة وغير ذلك مما يدل على الامر بالثوب وستر بدنها بشئ مما عداه
لا يعد درعا ولا ملحفة ولا خمارا فيثبت الحكم في الرجل أيضا للاجماع على عدم الفرق نعم مع تعذره يجزى الحشيش
215

ونحوه لما تقدم من حديث علي بن جعفر ولأنه أقرب إلى حقيقة الساتر الاختياري من الطين وأبعد عن السقوط و
التفتت منه فإن فقد فالطين الساتر للون والحجم لحصول الستر به في الجملة ولما تقدم من حديث النورة وبعض القائلين
بالتخيير بينه وبين ما سبق وافق في تقديم ما سبق عليه لو خيف تناثره في الأثناء عند جفافه فإن تعذر الطين و
أمكن تحصيل حفيرة توارى العورة دخلها وجوبا ويركع ويسجد لحصول الستر وإن لم تلتصق بالبدن لعدم ثبوت شرطيته
ولمرسل أيوب بن نوح عن الصادق عليه السلام في العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها فسجد فيها
وركع ولو وجد وحلا أو ماء كدرا فالمشهور وجوب الاستتار بهما والظاهر أن الوحل مقدم على الماء وإن لم
يستر الحجم لأنه أدخل في مسمى الساتر واشتبه بالثوب والطين المقدمين على الماء وفى المعتبر أسقط وجوب
الستر بهما
بالكلية للمشقة والضرر وظاهر الذكرى تقديمهما على الحفيرة والتحقيق إن السجود المأمور به في الحفيرة إن كان هو
المعهود اختيارا فهو دال على سعة الحفيرة وحينئذ يبعد تقديمها عليهما مع إمكان استيفاء الأفعال بهما فإنهما حينئذ
ألصق بالساتر والحفيرة أشبه بالبيت الضيق الذي لا يعد ساترا فتقديمهما عليها أوضح بل الظاهر أن الواحد مقدم
عليها مطلقا لعدم منافاته لاستيفاء الأفعال وأما الماء الكدر فإن تمكن من السجود فيهما ففيه ما مر وإن تمكن
في الماء خاصة فهو أولى بالتقديم وكذا لو لم يتمكن فيهما ولو تمكن في الحفيرة دون الماء ففي تقديم أيهما نظر
من كون الماء ألصق به وأدخل الستر ومن صدق الستر في الجملة وإمكان الأفعال وورود النص على الحفيرة دونه
والاتفاق على وجوب الاستتار دونه فتقديمها حينئذ أوجه ولو لم يعتبر في الصلاة استيفاء الركوع والسجود
كصلاة الخوف والجنازة سقط اعتبار هذا المرجح وأولى من الحفيرة الفسطاط الضيق إذا لم يمكن لبسه أما الحب و
التابوت فقريبان من الحفيرة ومن الأصحاب من قدم الماء الكدر على الحفيرة مطلقا ومنهم من قدمها عليه وآخر
الطين عن الماء الكدر وهو غير واضح ويظهر من العلامة في القواعد استواء الجميع حتى الحشيش مع فقد الثوب ووجهه
اشتراك الجميع في الخروج عن مسمى الساتر المتعارف شرعا المعهود عرفا وقد عرفت ما فيه ولو فقد جميع ما يمكن الستر
به ولو بالشراء أو الاستيجار أو الاستعارة صلى عاريا وإن كان الوقت واسعا خلافا للمرتضى حيث أوجب التأخير
كما في باقي أصحاب الاعذار عنده وللمعتبر حيث فصل برجاء حصول الساتر وعدمه كما قال في التيمم واستقربه في الذكرى
ووجه جواز المبادرة عموم الامر بالصلاة عند الوقت وخروج التيمم من ذلك بنص خاص لا يقتضى إلحاق غيره
به وليكن صلاته عاريا في حالة كونه قائما مع أمن المطلع في الحال وعدم توقعه عادة كالمصلي في بيت وحده بحيث
يأمن دخول أحد عليه أو موضع منقطع عن الناس وفى حالة كونه جالسا مع عدمه أي عدم أمن المطلع بالمعنى المذكور
وهذا التفصيل هو المشهور بين الأصحاب ومستنده الجمع بين ما أطلق من الامر بالقيام في خبر علي بن جعفر المتقدم
والامر بالجلوس في خبر زرارة عن الباقر عليه السلام فيمن خرج من سفينة عريانا قال إن كان امرأة جعلت يدها
على فرجها وإن كان رجلا وضع يده على سؤته ثم يجلسان فيوميان إيماء ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما
ويشهد للتفصيل على الوجه المتقدم رواية عبد الله بن مسكان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يخرج عريانا فيدرك الصلاة قال يصلى عريانا قائما إن لم يره أحد فإن رآه أحد صلى جالسا فيحمل إطلاق
الروايتين على هذا التفصيل جمعا بين الاخبار وحذرا من إطراح بعضها مع امكان العمل بالجميع وأوجب المرتضى
الجلوس في الموضعين وابن إدريس القيام فيهما استنادا إلى الاطلاق في الخبرين واحتمل في المعتبر التخيير لذلك
216

بعد إن اعتمد على التفصيل والعمل على المشهور جمعا بين الاخبار وتأيدها بالرواية المرسلة وشهرتها وجلالة حال
مرسلها يجبر ضعف إرسالها وقد نقل علماء الرجال من الأصحاب إن سبب إرسال ابن مسكان أحاديثه المروية عن
الصادق عليه السلام إجلاله له حذرا من عدم توفيته ما يجب عليه من تعظيم عند رؤيته فترك الدخول عليه لذلك
وروى عن أصحابه وعلى كل حال فلا يستوفى العاري كمال الركوع والسجود بل يومى في الحالين قائما وجالسا برأسه
راكعا وساجدا ويجعل الايماء للسجود أخفض ليتحقق الفرق بينهما ويجب الانحناء بحسب الامكان بحيث لا تبدو العورة
والأكثر على أن الايماء لهما في الحالين على وجه واحد فيجعلهما من قيام مع القيام ومن جلوس مع الجلوس وهو مقتضى
إطلاق الاخبار ونقل في الذكرى عن السيد عميد الدين أنه كان يقوى جلوس القائم ليومي للسجود جالسا استنادا
إلى كونه حينئذ أقرب إلى حد (هيئة خ ل) حد الساجد فيدخل تحت فأتوا منه ما استطعتم واستشكله بأنه تقييد للنص ومستلزم للتعرض
لكشف العورة في القيام والقعود والركوع والسجود إنما سقطا لذلك والعمل على المشهور ويجب في الايماء للسجود وضع
اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين على المعهود مع الامكان لعموم فأتوا منه ما استطعتم وكذا يجب رفع شئ فيسجد
عليه بجبهته مع الايماء كما في المريض ولم يتعرض الأصحاب لذلك هنا ولا ذكره أكثرهم هناك واعلم أن جماعة الأصحاب
نصوا على استحباب الجماعة للعراة عملا بعموم شرعية الجماعة وأفضليتها ولنص الصادق عليه السلام في حديث إسحاق
بن عمار وعبد الله بن سنان عليه وفيهما أنهم يجلسون جميعا وفى الثاني أن الامام يتقدمهم بركبتيه واللازم من ذلك
أما عدم وجوب تحرى العاري موضعا يأمن فيه عن المطلع بل يتخير مع إمكانه بينه فيصلى قائما وبين ما لا يأمن فيه منه
فيصلى جالسا أو خروج مسألة الجماعة من ذلك بدليل خارجي لتأكيد فضلها وخصوص النص عليها ولعله المراد
لما في تحصيل الموضع الخالي من كمال الحال بالقيام وأمن المطلع الذي يتم معه الغرض من وجوب الستر وجسد المرأة الحرة
كله عورة يجب عليها ستره في الصلاة وما في حكمها عدا الوجه وهو ما يجب غسله في الوضوء أصالة والكفين وحدهما
مفصل الزند ولا فرق بين ظاهرهما وباطنهما واستثناء هذين موضع وفاق بين الأصحاب وكذا القدمين على المشهور
ومستنده مع بدوهما غالبا قول الباقر عليه السلام في رواية محمد بن مسلم والمرأة تصلى في الدرع والمقنعة إذا كان
الدرع كثيفا فاجتزأ عليه السلام بالدرع وهو القميص والمقنعة وهي للرأس والقميص لا يستر القدمين غالبا وحد
القدمين مفصل الساق ولا فرق بين ظاهرهما وباطنهما على الظاهر لتناول الدليل لهما ومنهما العقبان ويجب ستر شئ من
الوجه واليد والقدم من باب المقدمة وكذا القول في عورة الرجل وربما استثنى من القدمين العقب وباطنهما وهو
أحوط وقوفا في تخصيص قوله عليه السلام المرأة عورة مع المتيقن ويعلم من استثناء المذكورات لا غير وجوب ستر الشعر
والأذنين عليها ويدل عليه أيضا رواية الفضل عن الباقر عليه والخنثى كالمرأة في وجوب الستر آخذا بالمتيقن
ولعدم تحقق البراءة بدونه ويحتمل كونها كالرجل لأصالة البراءة من وجوب ستر الزائد ويجوز للأمة المحضة والصبية
وهي الأنثى الغير البالغة كشف الرأس في حالة الصلاة وهو موضع وفاق وقد روى البزنطي عن الصادق عليه السلام
في جواب من سأله عن المملوكة تقنع رأسها في الصلاة لا قد كان أبى إذا رأى الخادمة تصلى متقنعة ضربها لتعرف الحرة
من المملوكة وهو يدل على عدم استحباب التقنع لها أيضا والمدبرة وأم الولد والمكاتبة المشروطة والمطلقة التي
لم تود شيئا من مال الكتابة كالأمة المحضة ولو انعتق بعضها فكالحرة في وجوب الستر تغليبا لجانب الحرية ولو
كان العتق للبعض أو الكل في أثناء الصلاة وجب عليها المبادرة إلى الستر مع العلم فإن افتقر إلى فعل كثير استأنفت
217

مع سعة الوقت وأتمت لتعذر الشرط حينئذ أما الصبية فتستأنف مطلقا إلا أن يقصر الباقي من الوقت
عن قدر الطهارة وركعة فتستمر ويستفاد من عدم وجوب القناع للأمة عدم وجوب ستر العنق بل هو تابع للرأس
مع احتمال وجوب ستره اقتصارا على المتيقن ويستحب للرجل ستر جميع جسده في حال الصلاة والمراد به ما يعتاد
تغطيته غالبا لا مطلق الجسد لئلا يدخل فيه الوجه ونحوه ويعلم ذلك من مستند الحكم وهو ما روى عن النبي صلى
الله عليه وآله إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق أن يتزين له وأفضل من ذلك إضافة التسرول وأكمل
منهما إضافة الرداء وأتم من الجميع التحنك وقد تقدم الكلام فيهما ويستحب للمرأة في حال الصلاة لبس ثلاثة أثواب
درع وهو القميص وإزار فوقه وخمار تغطي به رأسها رواه ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام وفى خبر جميل
عنه عليه السلام بدل الإزار ملحفة وأما جعل المصنف الثلاثة درع وقميص وخمار فوجهه غير ظاهر لمخالفته للأخبار الواردة
في ذلك وكلام أكثر الأصحاب ونص اللغة على أن الدرع هو القميص وكأنه أراد به ثوبا آخر فوق
القميص
يقوم مقام الإزار وهو الإزار ولا يخفى ما فيه
المطلب الثاني في المكان وهو يطلق هنا على الفراغ الذي
يشغله المصلى بالكون فيه وعلى ما يستقر عليه ولو بواسطة أو وسائط وبالجميع بين القيدين يمتاز عما اصطلح
عليه المتكلمون من معناه وبالقيد الأخير يمتاز عن معناه المشهور بينهم لكن المصطلح عليه شرعا أعم ويطلق شرعا أيضا
على ما يلاقى بأنه وثوبه كما يقتضيه قولهم يشترط طهارة مكان المصلي فإن ما لا يباشره من المكان بالمعنى الأول
لا يشترط طهارته وإن اعتمد بثقله عليه فيكون من الألفاظ المشتركة على ما اختاره المحقق ولد المصنف ومن تبعه من
المحققين ويشكل بأن الاشتراك على خلاف الأصل فلا يصار إليه مع إمكان إرادة غيره ويمكن هنا أن يقال
أن إطلاق المكان على المعنى الثاني على طريق المجاز أما لكونه بعض أفراد الأول أو لمجاورته له كما في الاجزاء
المماسة منه التي لا يتحقق شغلها ووجه المصير إلى ذلك أن المجاز خير من الاشتراك عند التعارض وعرف المحقق
ولد المصنف المكان بالمعنى الأول في عرف الفقهاء بأنه ما يستقر عليه المصلى ولو بوسائط وما يلاقى بدنه وثيابه
وما يتخلل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة كما يلاقى مساجده يحاذي بطنه وصدره وعلى هذا التعريف
يقوى ضعف كون المكان بالمعنى الثاني مقابلا للأول وقسيما له ليتحقق الاشتراك فإنه على هذا التقدير
بعض أفراد الأول فيكون أخص منه مطلقا ووجه التجوز فيه حينئذ ظاهر مرجح على الاشتراك
وبقي فيما ادعاه
من التعريف نظر فإنه يقتضى بطلان صلاة ملاصق الحائط المغصوب والثوب المغصوب وغيرهما ولو في حال من أحوال
الصلاة على وجه لا يستلزم الاعتماد عليه ولا يوجب التصرف فيه وبطلان الصلاة على هذا التقدير غير واضح والقائل
به غيره غير معلوم وكيف كان فالاعتماد على عدم البطلان في هذه الفروض لانتفاء المانع إذ ليس إلا التصرف في
المغصوب وهو منتف وأصالة الصحة وعلى التعريفين لا تبطل صلاة المصلى تحت سقف مغصوب أو تحت خيمة
مغصوبة مع إباحة مكانهما لانتفاء اسم المكان فيهما هذا من حيث المكان أما من حيث استلزام ذلك التصرف في
مال الغير فيبنى على أن منافاة الصلاة لحق الآدمي هل يعد مبطلا لها أم لا بل يمكن بنائها على حكم الصلاة في
المستصحب المغصوب غير الساتر وقد تقدم الكلام فيه وإن الدليل العقلي لا يساعد على البطلان فإن النهى هنا إنما
يتوجه إلى الضد العام للتخلص من المغصوب وهو تركه لا للأضداد الخاصة وبالجملة فلا نص يعول عليه في أمثال ذلك
ولا يتحقق بدونه الحكم ببطلان الصلاة بالنهي عما ليس شرطا للصلاة أو جزأ والله أعلم بحقيقة الحال إذا تقرر ذلك
218

أنه يجوز الصلاة في كل مملوك العين أو المنفعة كالمستأجر والموصى للمصلى بمنفعته والمعمر أو في حكم المملوك
كالمستعار وكالمأذون فيه صريحا كالاذن في الكون فيه أو الصلاة فيه أو فحوى كإدخال الضيف منزله كذا أطلقوه
ولو فرض شهادة الحال بكراهة المضيف لصلوته لمخالفته له في الاعتقاد وهيأت الصلاة على وجه تشهد القرائن
بكراهته لها لو علمه على تلك الحال احتمل عدم الجواز لان مرجع الإباحة في ذلك إلى قرائن الأحوال فإذا تعارضت
لم يبق ما يحصل به الوثوق في الدلالة على الجواز أو بشاهد الحال كما إذا كان هناك إمارة تشهد أن المالك لا
يكره كما في الصحارى الخالية من إمارات الضرر ونهى المالك فإن الصلاة فيها جائزة وإن لم يعلم مالكها لشهادة
الحال وفى حكم الصحارى الأماكن المأذون في غشيانها ولو على وجه مخصوص إذا اتصف به المصلى كالحمامات
والخانات والأرحية وغيرها وما تقدم من تعارض القرائن آت هنا بل هنا أولى بالمنع لان شهادة الحال أضعف
من الأذان المطلقة وبالجملة فشهادة الحال ملحوظة في هذه الموارد وهي مناط الجواز فلا بد من ملاحظتها في
خصوصيات
الأماكن لعدم انضباطها فلو فرض صلاة أحد في أحد المواضع المذكورة ممن لا تعلق له بالانتفاع بها على الوجه
الموضوعة له بحيث لا يعود إلى مالكها من المصلى نفع وأوجبت صلاته تضييقا على من ينتفع بها على ذلك الوجه
وأمثال ذلك بحيث تشهد القرائن بعدم رضا المالك بتصرف المصلى امتنعت الصلاة وقد صرح الأصحاب بأن
المصلى لو علم الكراهة من صاحب الصحراء امتنعت الصلاة نعم لو جهل بنى على شاهد الحال ولا يقدح في الجواز كون
الصحراء للمولى عليه على الظاهر لشهادة الحال ولو من الولي إذ لا بد من وجود ولى ولو أنه الإمام عليه السلام و
تبطل الصلاة في المكان المغصوب سواء كان الغصب لعينه أم منفعته خاصة كادعاء الوصية بها واستيجارها
كذبا وكإخراج روشن أو ساباط في موضع يمنع منه والفرق بين غصب العين والمنفعة في صورة دعوى الاستيجار
مع استلزامه التصرف في العين أيضا إن غصب العين هو الاستيلاء عليها بحيث يرفع يد المالك عنها أو عن بعض أجزائها
ليتحقق الاستيلاء عدوانا بخلاف غاصب المنفعة بالاستيجار فإنه لا يتعرض للعين بغير الانتفاع بها بحيث لو أراد
المالك بيعها أو هبتها ونحو ذلك لم يمنعه منها ولا من نقيضها لان الفرض عدم تعديه في العين بزعمه شرعا ولو
فرض منه المنع لم يكن من المسألة المفروضة في شئ بل كان كغاصب العين وإنما بطلت الصلاة في المغصوب لتحقق
النهى عن الحركات والسكنات وهي إجزاء للصلاة والنهى في العبادة يقتضى الفساد ولا فرق في فساد الصلاة في
المغصوب بين الغاصب وغيره حتى الصحارى المغصوبة خلافا للسيد المرتضى هنا فإنه جوز الصلاة فيها لغير الغاصب
استصحابا لما كانت عليه قبل الغصب كل ذلك مع علم المصلى بالغصبية وإن جهل الحكم فإن جاهل الحكم هنا كالعالم
لوجوب التعلم عليه فجهله بالحكم الواجب عليه تعلمه تقصير منه مستند إلى تفريطه فلا يعد عذرا وكذا ناسيه لوجوب تعلمه
عليه بعد وإنما تبطل صلاة العالم بالغصب مع صلاته فيه مختارا ولو كان مضطرا كما لو كان محبوسا في المكان
المغصوب لم تبطل صلاته فيه لانتفاء تحريم الكون مع الاضطرار إذ هو تكليف بما لا يطاق أو كان جاهلا بأصل
الغصب لا ناسيا له في حالة الصلاة مع علمه به قبل ذلك جاز له الصلاة أما جوازها مع الجهل بالأصل فظاهر
لان الناس في سعة مما لم يعلموا وأما عدم جوازها من الناسي فقد تقدم الكلام فيه في باب اللباس والكلام فيهما
واحد لاشتراكهما في الشرطية والخلاف والحكم ولا فرق في الصلاة هنا بين الفريضة والنافلة وكما تبطل الصلاة
فيه فكذا ما أشبهها من الأفعال التي من ضرورتها المكان وإن لم يشترط فيها الاستقرار كالطهارة وأداء
219

الزكاة والخمس والكفارة وقراءة القرآن المنذور أما الصوم في المكان المغصوب فقطع الفاضل بجوازه لعدم كونه فعلا
فلا مدخل للكون فيه ويمكن مجئ الاشكال فيه باعتبار النية فإنها فعل فيتوقف على المكان كالقراءة وإن افترقا
بكون أحدهما فعل القلب والاخر فعل اللسان وعلى تفسيره بتوطين النفس على ترك الأمور المذكورة فجميعه فعل محض
كما حققه جماعة من الأصحاب فيتطرق إليه الفساد عند المانع من صحة الأفعال وإن لم يعتبر فيها الاستقرار وأما
قضاء الدين فهو مجز قطعا واعلم أن المحقق في المعتبر ناقش في إلحاق الطهارة بالصلاة في الفساد فارقا بينهما
بأن الكون في المكان ليس جزءا من الطهارة ولا شرطا فيها وليس كذلك الصلاة فإن القيام جزاء من الصلاة وهو منهي
عنه لأنه استقلال في المكان المنهى عن الاستقلال فيه وكذا السجود فإذا بطل القيام والسجود بطلت الصلاة
واللازم من هذا التعليل الحكم بصحة جميع ما ذكر غير الصلاة لمساواتها الطهارة في عدم اعتبار الكون فيها
وأجاب الشهيد رحمه الله بأن الأفعال المخصوصة من ضرورتها المكان والامر بها أمر بالكون مع أنه منهي عنه وهو
الذي قطع به الفاضل ولو أمره الاذن في الكون في المكان صريحا أو فحوى بالخروج من المكان المأذون في
الكون فيه فإن لم يكن قد اشتغل بالصلاة والوقت متسع وجب التشاغل بالخروج على الفور لمنع التصرف في
مال الغير بغير أذنه فكيف مع تصريحه بما يقتضى النهى فلو اشتغل بالصلاة من غير خروج لم تصح لتوجه النهى إلى العبادة
فتفسد ولو كان قد اشتغل المأذون له بالصلاة قبل أمره بالخروج فيه أوجه أحدها وهو مختار المصنف هنا
وجماعة أنه يجب عليه الخروج ولكن تممها في حالة كونه خارجا ولا يقطعها جمعا بين حق الله تعالى وأمره بإتمام
العمل وعدم إبطال العمل وبين حق الآدمي ويشك باستلزامه فوات كثير من أركان الصلاة وبعض شرائطها
مع إمكان الاتيان بها كاملة إن كان الوقت متسعا أما لو كان ضيقا فلا حرج وثانيها قطع الصلاة مع سعة
الوقت جمعا بين كمال الصلاة والتخلص من حق الآدمي المبنى على التضيق وثالثها الاستمرار عليها من غير خروج
لشروعه في صلاة صحيحة بإذن المالك فيحرم قطعها للنهي عن إبطال العمل ويعارض بتحريم مال المسلم إلا عن طيب نفس
منه ويزيدان حق العباد مبنى على الضيق فيقدم على حق الله ورابعها الفرق بين ما لو كان الاذن في الصلاة أو في
الكون المطلق أو بشاهد الحال أو الفحوى فيتمها في الأول مطلقا ويخرج في الباقي مصليا مع الضيق ويقطعها
مع السعة وهذا هو الأجود ووجهه في الأول أن أذن المالك في الامر اللازم شرعا يفضى إلى اللزوم فلا يجوز له
الرجوع بعد التحرم كما لو أذن في دفن الميت في أرضه وأذن في رهن ماله على دين الغير فإنه لا يجوز له الرجوع بعدهما
وفى البواقي إن الاذن في الاستقرار لا بدل على إكمال الصلاة بإحدى الدلالات فإنه أعم من الصلاة والعام لا يدل
على الخاص ولزوم العارية إنما يكون بسبب من المالك والشروع في الصلاة ليس من فعله والفحوى وشاهد الحال
أضعف من الاذن المطلق وأما القطع مع السعة فلاستلزام التشاغل بها فوات كثير من أركانها مع القدرة على
الاتيان بها على الوجه الأكمل بخلاف ما لو ضاق الوقت فإنه يخرج مصليا موميا للركوع والسجود بحيث لا يتثاقل في
الخروج عن المعتاد مستقبلا ما أمكن قاصدا أقرب الطرق تخلصا من حق الآدمي المضيق بحسب الامكان وكذا القول
فيما لو توسط المكان جاهلا بالغصب ثم علم به وكذا يخرج مصليا لو ضاق الوقت ثم أمره المالك الاذن في الكون أو
الصلاة بالخروج قبل الاشتغال بالصلاة لأنهما حينئذ حقان مضيقان فيجب الجمع بينهما بحسب الامكان ولا يشترط طهارة
جميع مكان المصلي بل يجوز الصلاة في المكان النجس مع عدم التعدي إلى المصلى أو محموله لا مطلقا بل على وجه لا يعفى
220

عنه (في الصلاة كنجاسة البول ونحوه أما لو تعدى منها إليه ما يعفى عنه في الصلاة لدون الدرهم من الدم المعفو عنه لم يضر إذ لا يزيد ذلك على ما هو على
المصلى ويستثنى من ذلك مسجد الجبهة فإنه صح) يشترط طهارة القدر المعتبر من موضع الجبهة فلا يصح السجود على الموضع النجس مطلقا سواء تعدت نجاسته أم لا
دون باقي مساقط الأعضاء فإنه لا يشترط طهارتها وإن كانت إحدى المساجد على المشهور بين الأصحاب لأصالة الصحة
وعموم جعلت الأرض مسجدا خرج ما أجمع على منعه فيبقى الباقي ولقول الصادق عليه السلام في خبر زرارة في الشاذكونة
وهي حصير صغير يكون عليها الجنابة أيصلى عليها في المحمل لا بأس ولا يرد أن الصلاة في المحمل حال ضرورة لاطلاق الجواب
المقتضى للعموم من غير تفصيل ومثله روى ابن أبي عمير عنه عليه السلام وذهب المرتضى وأبو الصلاح إلى اشتراط
طهارته مطلقا إلا أن أبا الصلاح فسره بمساقط الأعضاء السبعة لا غير والمرتضى بمساقط جميع البدن وربما
نقل عنه أنه ما يلاصق البدن وإن لم يسقط عليه واستثنى في الذكرى ما يعفى عنه من النجاسة تفريعا على قول
المرتضى وتوقف فيما يلاصقه من المكان مع اعتماده عليه ومستندهما أخبار دلت بإطلاقها على النهى عن المكان
النجس وحملها على الكراهة أو على تعدى النجاسة طريق الجمع بينها وبين ما تقدم وكما يشترط طهارة القدر المعتبر
من موضع الجبهة
كذا يشترط وقوع الجبهة في حال السجود بالمعنى المذكور على الأرض أو على ما أنبتته الأرض
مما أي من النبات الذي لا يؤكل عادة كالثمار ولا يلبس عادة كالقطن والكتان وعليه إجماع الأصحاب كما أن على
خلافه إجماع غيرهم ومستند المنع مع الاجماع تظافر الاخبار عن أهل البيت عليهم السلام كقول الصادق عليه السلام
في رواية الفضل لا تسجد إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض إلا القطن والكتان وقوله عليه السلام في صحيحة حماد
بن عثمن السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل ولبس وقوله عليه السلام في رواية هشام بن الحكم حين سأله عما يجوز
السجود عليه لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت إلا ما أكل أو لبس وغيرها من الاخبار قال هشام قلت له جعلت
فداك ما العلة في ذلك قال لان السجود هو خضوع لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس لان أبناء
الدنيا عبيد ما يأكلون وما يلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده
على معبود أبناء الدنيا التي اغتروا بغرورها والمراد بالمأكول والملبوس ما صدق عليهما اسمها عرفا لكون الغالب
استعمالهما لذلك ولو في بعض الأحيان فلا يقدح النادر كأكل المخمصة والعقاقير للدواء من نبات لا
يغلب أكله ولا يشترط عموم الاعتياد لهما في جميع البلاد فإن ذلك قل أن يتفق في المأكولات وبعض الملبوسات بل لو
غلب في قطر عم التحريم مع احتمال عدمه واختصاص كل قطر بما يقتضيه عادته ولا يعتبر في المأكول والملبوس كونه بحيث
ينتفع به فيهما بالفعل بل به أو بالقوة القريبة منه فلو توقف الأكل على طبخ ونحوه واللبس على غزل ونسج و
خياطة وغيرها لم يؤثر في كونه مأكولا وملبوسا فالمعتبر حينئذ نوع المأكول والملبوس فلا فرق حينئذ بين القطن قبل
غزله وبعده إذ لو اعتبر الفعل لزم جواز السجود على الثوب غير المخيط أو المفصل على وجه لا يصلح اللبس عادة وغير
ذلك مما هو معلوم البطلان وخالف المصنف في بعض هذه الموارد فجوز في النهاية السجود على القطن والكتان قبل غزلهما
وعلى الحنطة والشعير قبل طحنهما معللا في الثاني بأن القشر حاجز بين المأكول والجبهة ويضعف الحكم فيهما
بأن الاحتياج إلى العلاج لا يخرج الشئ عن أصله كما في الثوب المنسوج قبل جعله على وجه يصلح ملبوسا بالفعل
وكما في الدقيق فإنه لا يؤكل كذلك عادة بل بعد عمل آخر ويرد على التعليل المذكور إن النخل لا يأتي على جميع أجزاء
القشر لان الاجزاء الصغيرة تنزل مع الدقيق فتؤكل ولا يقدح أكلها تبعا للدقيق في كونها مأكولا (لة خ ل) فإن كثيرا
من المأكولات العادية لا تؤكل إلا تبعا وقدح فيه في الذكرى بجريان العادة بأكلهما غير منخولين خصوصا
221

الحنطة وخصوصا في الصدر الأول وهو حسن وهذا بخلاف قشر الجوز والبطيخ ونحوهما فإن السجود عليها جائز
ولو كان القطن في قشره لم يمنع من السجود على القشر لأنه غير ملبوس ولو كان لشئ حالتان يؤكل في أحديهما دون
الأخرى كقشر اللوز لم يجز السجود عليه حالة صلاحيته للأكل وجاز في الأخرى إذ ربما صار في تلك الحالة من جملة
الخشب التي لا يعقل كونها من نوع المأكول ويستفاد من اعتبار العادة فيهما ومن استثناء القطن والكتان من
نبات الأرض في الرواية المتقدمة أنه لو عمل من الخوص ونحوه ثوبا جاز السجود عليه ما لم يتحقق اعتياده فيدخل في
الملبوس المدلول عليه بالرواية الأخرى وأما القنب فإن اعتيد لبسه أو ثبت كونه معتادا في بعض البلاد فلا كلام
في المنع من السجود عليه وإلا ففي جوازه نظر وقطع المصنف في المنتهى والشهيد في الذكرى بعدم جواز السجود عليه معللا في
الثاني بأنه ملبوس في بعض البلدان وإنما أطلق المصنف الحكم في المأكول والملبوس من غير تقييد بالاعتياد لظهور
المراد من الاطلاق وحيث كان الجواز مخصوصا بالأرض ونباتها المذكور فلا يصح السجود على الصوف والشعر والجلد
وغيرها مع الاختيار أما مع الضرورة فيجوز ومنها التقية ولا يشترط عدم المندوحة خصوصا مع إفادة تأكيد
السلامة والاستناد بالسجود عليها وكذا لا يجوز السجود على المستحيل من إجزاء الأرض إذا لم يصدق عليه اسمها
كالمعادن سواء في ذلك ما لا يفتقر في صدق اسمه عليه إلى علاج كالفيروزج والعقيق وغيرهما أم يفتقر إليه كالذهب
والفضة والحديد والنحاس المختلطة بالاجزاء الأرضية أما ترابها قبل استخراجها فإن صدق عليه اسم الأرض
جاز
السجود عليه وإلا فلا وكذا لا يجوز السجود على الوحل وهو الماء الممتزج بالتراب بحيث يخرج عن مسماها أما الأرض
الرطبة التي لم تخرج عن مسماها بها فيجوز السجود عليها ومن المستحيل عن اسمها الرماد الحادث من احتراق الأرض وفى
حكمه ما حصل من جسم يجوز السجود عليه وكذا النورة والجص دون الخزف والأجر لعدم خروجهما بالطبخ عن اسم الأرض
وإن حدث لهما به اسم جديد فإن مطلق الاسم غير كاف في تحقق الاستحالة ومن ثم جاز السجود على الحجر مع مشاركته
للخزف في علة الجمود وهي الحرارة الواقعة على تراب رطب بحيث تعمل فيه التصلب وعدم جواز التيمم عليه عند بعض
الأصحاب لا للاستحالة بل لعدم صدق اسم التراب عليه بناء على أن المراد بالصعيد المأمور بالتيمم به في الآية هو التراب
كما ذكره بعض أهل اللغة ودائرة السجود أوسع من ذلك وعلى المشهور من أن الصعيد هو وجه الأرض يجوز التيمم عليه
أما السجود فجائز على التقدير وقد صرح المحقق في المعتبر بجواز السجود عليه مع منعه من التيمم به واحتج المصنف
في التذكرة على عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز السجود عليه وفى هذا الاستدلال دليل على أن جواز السجود
عليه أمر مفروغ منه لا خلاف فيه وإلا لما ساغ الاحتجاج به على الخصم ويلزم القائل بطهره بالطبخ إذا كان نجسا
قبله كالشيخ رحمه الله القول بعدم جواز السجود عليه إذ لا وجه لطهره إلا الاستحالة لكن لما كان القول بذلك ضعيفا
لضعف حجته لم يتجه القول بعدم جواز السجود عليه وربما قيل ببطلان القول بالمنع من السجود عليه وإن قيل بطهارته
لعدم العلم بالقائل بذلك من الأصحاب بل غاية ما نقل عنهم القول بالكراهة كما صرح به سلار والشهيد رحمه الله في
النفلية فيكون القول بالمنع مخالفا للاجماع إذ لا يكفي في المصير إلى قول وجود الدليل عليه مع عدم موافق بحيث
لا يتحقق به خرق الاجماع إذا لم تكن المسألة من الجزئيات المتجددة بحيث يغلب على الظن عدم بحث أهل الاستدلال
عنها وهو منتف هنا فإن هذه المسألة مما تعم بها البلوى ولم ينقل عن أحد ممن سلف القول بالمنع ويمكن الجواب
بأن الأصحاب قد اتفقوا في هذا الباب على عدم جواز السجود على المستحيل عن اسم الأرض وإنما مثلوا بالرماد و
222

والجص بناء على اختيارهم القول باستحالتهما فمن قال باستحالة الخزف في باب المطهرات فهو قائل بمنع السجود عليه
بناء على اعطائهم هنا القاعدة الكلية فلا يتحقق خرق الاجماع من القائل بمنع السجود عليه ويؤيد ذلك تصريح الشهيد
رحمه الله وغيره بكراهة السجود عليه وما ذاك إلا تفصيا من الخلاف اللازم فيه وإن كان قائلا بالجواز وبعد ذلك
فالاعتماد على القول بالجواز على كراهية خروجا من الخلاف اللازم من حكم الشيخ بالاستحالة واعلم أن تقييد المصنف
المنع من السجود على المستحيل من الأرض بقوله إذا لم يصدق عليه اسمها كالمستغنى عنه فإن ما استحال من الأرض لا يعد منها
ولا يصدق اسمها عليه حقيقة فلا وجه للاحتراز عنه كما أن ما كان أرضا لا يكون مستحيلا عنها وكأنه أراد الإشارة
إلى ضابط الاستحالة بعدم صدق الاسم أو أنه اكتفى في صدق اسم الأرض عليه بكونه كذلك في وقت ما وإن زال بعد ذلك
بالاستحالة كما في الأرض المحترقة حتى صارت رمادا أو نورة وكيف كان فالقيد مستغنى عنه إذا تقرر ذلك فيجب على
المصلى تحصيل ما يصح السجود عليه ولو بعوض مقدور لأنه من باب تحصيل شرط الواجب المطلق فإن لم يجد إلا الممنوع
من السجود عليه اختيارا واضطر إلى الصلاة فإن كانت الجبهة تتمكن منه حالة السجود كالمعادن وبعض المأكول و
الملبوس سجد عليه وكذا يجوز السجود عليه للتقية وقد روى علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام في السجود على المسح
بكسر الميم وهو البلاس بفتح الباء وكسرها والبساط فقال لا بأس في حال التقية وإن لم يتمكن من السجود عليه كالوحل
أومأ برأسه للسجود مراعيا في الانحناء له حسب مقدوره فيجلس له ويقرب جبهته إلى الأرض إن تمكن وإلا أتى بالمقدور
ولو وضع الجبهة على الوحل جاز لأنه نوع من الايماء وكذا القول في الماء وكذا لا يصح السجود على الشئ المغصوب
لان موضع الجبهة من جملة المكان فيشترط فيه ما يشترط في مطلق المكان وفى عطف المغصوب على ما قبله مناسبة
من جهة المنع وقبح من جهة أنه في مقام التفصيل لما أجمله في قوله يشترط وقوع الجبهة على الأرض أو ما أنبتته
وليس فيه اشتراط كونه مباحا حتى يفرغ عليه عدم صحة السجود على المغصوب وأيضا فحكم المغصوب قد تقدم في مطلق
المكان فلا وجه لإعادته فإن مسجد الجبهة من جملته وإنما يذكر في المسجد الجبهة ما يختص بها وهو النوع الخاص من
الأرض ونباتها ويجوز السجود على القرطاس بضم القاف وكسرها لرواية داود بن فرقد عن أبي الحسن عليه السلام حين سأله عن
القراطيس والكواغد المكتوب عليها هل يجوز السجود عليها فكتب يجوز وروى صفوان الجمال أنه رأى أبا عبد الله عليه
السلام في المحمل يسجد على قرطاس وهذه الأخبار وما في معناها أخرجت القرطاس عن أصله المقتضى لعدم جواز السجود
عليه لأنه مركب من جزئين لا يصح السجود عليهما وهما النورة وما مازجها من القطن أو الكتان أو الحرير أو القنب
مضافا إلى النص عمل الأصحاب فلا مجال للتوقف فيه في الجملة نعم شرط بعض الأصحاب كونه متخذا من غير الحرير للمنع من
السجود عليه بوجه ومن غير القطن والكتان إن منعنا من السجود عليهما قبل النسج أو الغزل وهذا الشرط ليس بواضح
لأنه تقييد لمطلق النص أو لعامه من غير فائدة لان ذلك لا يزيله عن حكم مخالفة الأصل لان أجزاء النورة المنبثة
فيه بحيث لا يتميز من جوهر الخليط جزء يتم عليه السجود كاف في المنع فلا يفيده ما يخالطها من الاجزاء التي يصح السجود
عليها منفردة ولو اتخذ القرطاس من القنب فظاهر الذكرى عدم التوقف في جواز السجود عليه بالإضافة إلى باقي
الاجزاء ويشكل بحكمه بكون القنب ملبوسا في بعض البلاد وان ذلك يوجب عموم المنع قال في الذكرى وفى النفس من القرطاس
شئ من حيث اشتماله على النورة المستحيلة أي عن اسم الأرض بالاحراق قال إلا أن نقول الغالب جوهر القرطاس
أو نقول جمود النورة يرد إليها اسم الأرض وهذا الايراد متوجه من حيث الأصل لكن قد عرفت خروج القرطاس
223

بنص خاص وعمل الأصحاب فلا مجال للتوقف فيه وما أجاب به لدفعه غير واضح فان أغلبية جوهر القرطاس مع
امتزاجه بالنورة وانبثاث أجزائها فيه بحيث لا يتميز منه جزء لا يفيد شيئا وأغرب منه قوله أن جمود النورة يعيد
إليها اسم الأرض وبالجملة فالاقتصار فيما خرج عن الأصل على موضع الاتفاق وهو كونه متخذا من غير الملبوس
طريق اليقين وسبيل البراءة وعلى تقدير استثناء نوع منه إنما يتم جواز السجود عليه مع العلم بجنسه وأنه مما
يصح السجود على مثله فمع الجهل بحاله كما هو الغالب لا يصح السجود عليه لعدم العلم بحصول شرط الصحة وظاهر الذكرى
إن غلبة عمله من جنس (يصح السجود عليه صح) يسوغ إلحاقه به وإن أمكن خلافه وأي فرد جوزنا السجود عليه منه فلا فرق فيه بين المكتوب
عليه وغيره فيجوز السجود عليه وإن كان مكتوبا مع ملاقاة الجبهة لما يقع عليه اسم السجود خاليا عن الكتابة فلو لم
يبق هذا المقدار لم يصح وقد تقدم ما يدل عليه في رواية داود بن فرقد ومثله ما لو عملت الخمرة بضم الخاء المعجمة
وهي السجادة الصغيرة التي تعمل من الخوص ونحوه بسيور ونحوها وربما لم يشترط في القرطاس المكتوب بقاء بياض يتم
عليه السجود مع قيام جميعه بذلك بناء على أن المداد عرض لأنه من جملة الألوان فالسجود حقيقة إنما هو على
جوهر القرطاس ومنعه ظاهر لان المداد أجسام محسوسة مشتملة على اللون المخصوص ومثله المصبوغ من النبات
إذا كان للصبغ جرم أما مجرد اللون كلون الحناء فلا منع فيه ومن ثم جاز التيمم باليد المخضوبة والسجود على
الجبهة كذلك وإنما يشترط وقوع الجبهة على ما يصح السجود عليه مع الاختيار فيجوز أن يسجد على ظهر يده إن منعه
الحر من السجود على الأرض ونحوها ولم يمكنه أخذ شئ منها وتبريده ولا ثوب معه فلو كان معه ثوب أو نحوه قدم
السجود عليه على اليد رواه علي بن جعفر عليه السلام قال خائف الرمضاء يسجد على ثوبه ومع عدم الثوب على ظهر كفه
ولو منعه البرد فكذلك وقد ورد أيضا في أحاديث ويجتنب المكان المشتبه بالنجس حيث لا يسوغ الصلاة عليه أما
لخوف التعدي كالرطب أو مع طاهر يسجد عليه ويمكن أن يكون المشتبه صفة لمسجد الجبهة المبحوث عنه قبله
وإنما يجب اجتناب المشتبه بالنجس في الموضع المحصور عادة كالبيت والبيتين دون غيره أي غير المحصور عادة
كالصحراء فان حكم الاشتباه فيه ساقط لما في وجوب اجتناب الجميع من المشقة وإنما اعتبرنا في الحصر وعدمه المتعارف
في العادة لعدم معهود له شرعا فيرجع فيه إلى العرف لتقدمه على اللغة ولأن الاعداد الموجودة في الخارج منحصرة
لغة وإن تضاعفت أضعافا كثيرة مع عدم وجوب اجتناب جميع ذلك اجماعا وهذا الحكم أعني وجوب اجتناب المحصور
دون غيره آت في كثير من أبواب الفقه كالمياه والمكان واللباس والمحرم بالأجنبي في النظر والنكاح والمذكى من
الحيوان بغيره وغير ذلك والمرجع في ذلك كله إلى العرف وما حصل فيه الاشتباه بعد الاعتبار يرجع فيه إلى الأصل
إلى أن يعلم الناقل عنه واعلم إن المشتبه بالنجس إذا كان محصورا لا ريب في وجوب اجتنابه بالنسبة إلى ما يشترط
فيه الطهارة كالطهارة به لو كان ماء أو ترابا والسجود عليه لو كان أرضا وستر العورة به لو كان لباسا فيصير في
ذلك بحكم النجس وقد روى سماعة وعمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل معه إناءآن وقع في أحدهما
نجاسة لا يدرى أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال يهريقهما ويتيمم وقد عمل الأصحاب بالحديثين وإن كان
في سندهما كلام والامر بإراقة الماء تفخيما لحال المنع فهو كناية عن النجاسة وهذا كله لا كلام فيه إنما الكلام
فيما لو أصاب أحدهما جسما طاهرا بحيث ينجس بالملاقات لو كان الملاقي معلوم النجاسة فهل يجب اجتنابه كما
يجب اجتناب ما لاقاه ويجب غسله بماء متيقن الطهارة كالنجس أم يبقى على أصل الطهارة يحتمل الأول لالحاقه
224

بالنجس في الاحكام فالملاقي له أما نجس أو مشتبه بالنجس وكلاهما موجب للاجتناب والالحاق بالمحل المشتبه في
أحكامه إلى أن يحصل المطهر يقينا وهو اختيار المصنف في المنتهى في استعمال أحد الإنائين المشتبه طاهرهما بالنجس
واحتمله في النهاية مستشكلا للحكم ويحتمل الثاني وقوفا في الحكم بنجاسة ما شك في نجاسته على المتيقن وهو
الطاهر المشتبه بالنجس مع الحصر واستصحابا للحالة التي كانت قبل الملاقاة فإن احتمال ملاقاة النجس لا يزيل
حكم الأصل المقطوع به ومجرد الشك لا يزيل اليقين إلا فيما نص أو أجمع عليه ولمنع مساواة المشتبه بالنجس
له في جميع الأحكام فإنه عين المتنازع وإنما المتحقق لحوقه به في وجوب الاجتناب وبه قطع المحقق الشيخ على ولا يخفى
متانة دليله وإن كان الاحتياط حكم آخر
ويكره أن يصلى الرجل وإلى جانبه أو قدامه امرأة تصلى على رأى
قوى والرأي الاخر عدم الجواز وبه قال الشيخان وجماعة ومستند الجواز الأصل وإطلاق الامر بالصلاة
في سائر الأمكنة إلا ما أخرجه الدليل وهو هنا منتف لما سيأتي من ضعف متمسك الفريق الاخر ورواية جميل بن
دراج عن الصادق عليه السلام في الرجل يصلى والمرأة بحذائه قال لا بأس وترك الاستفصال عن كون المرأة
مصلية أو غير مصلية دليل العموم ووجه الكراهة ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام
قال سألته عن الرجل يصلى في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلى بحذائه في الزاوية الأخرى قال لا ينبغي ذلك
فإن كان بينهما ستر أجزأه ولفظ لا ينبغي ظاهر في الكراهة ومستند التحريم ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله
قال أخروهن حيث أخرهن الله والامر للوجوب وحيث للمكان ولا مكان يتعلق به وجوب التأخير غير المتنازع
إجماعا فتعين التأخير فيه والامر بالشئ يستلزم النهى عن ضده المقتضى لفساد العبادة وفى بعض هذه
المقدمات منع فإن الامر لا يقتضى التكرار والامر إنما يقتضى النهى عن ضده العام لا الخاص الذي هو المتنازع
والنهى إنما يفسد العبادة إذا كان عن ذاتها أو ما هو داخل فيها وما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه
السلام وقد سئل عن الرجل يصلى وبين يديه امرأة تصلى قال لا يصلى حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع
وإن كانت عن يمينه أو عن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك وإن كانت تصلى خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب
ثوبه وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير الصلاة فلا بأس وترك الاستفصال عن المرأة في الصلاة
دليل العموم في المحرم وغيرها ويريد بصلوتها خلفه تأخرها بحيث لا تحاذى بشئ منها بدنه والرواية ضعيفة
بعمار ويقتضي اعتبار أزيد من عشرة أذرع وهو خلاف الاجماع وباقي الروايات الدالة على النهى لا تحديد
فيها بذلك بل هي مختلفة ففي بعضها شبر وفى بعضها ذراع وذلك كله يؤيد الكراهة فالقول بها أوضح والاعتماد
في الجواز على الأصل وصحيحة محمد بن مسلم وأما رواية جميل فإنها ضعيفة بالارسال لكنها مؤيدة للجواز وإن أمكن
استناده إلى غيرها وعلى كل حال يزول المنع كراهة وتحريما مع الحائل بين الرجل والمرأة وتباعد عشر أذرع أو
وقوع الصلاة منها خلفه بحيث لا يحاذي جزء منها لجزء منه في جميع الأحوال والمراد بالحائل الحاجز بينهما بحيث
يمنع الرؤية من جدار وستر وغيرهما والظاهر أن الظلمة وفقد البصر كافيان فيه وهو اختيار المصنف في التحرير لا
تغميض الصحيح عينيه مع احتماله وتتميم المسألة يتوقف على مباحث أ ضمير يصلى لا مرجع له في العبارة
لان المسائل المتقدمة متعلقها المكلف سواء كان رجلا أم امرأة أم خنثى والمراد به هنا الرجل بمعونة السياق
ولظهور المراد أهمله وألحق بعض الأصحاب الخنثى وهو أحوط ب المراد بالمرأة البالغ لغة لأنه المتعارف ولأنها
225

مؤنث المرء يقال مرء ومرأة وامرء وامرأة والمرء هو الرجل كما نص عليه أهل اللغة فلا يتعلق الحكم بالصغيرة وإن
قلنا إن عبارتها شرعية لعدم المقتضى له ولا فرق فيها بين كونها مقتدية به أو منفردة للعموم وكذا القول
في الصبي وفى بعض حواشي الشهيد رحمه الله على القواعد إن الصبي والبالغ يقرب حكمهما من الرجل والمرأة وعنى
بالبالغ المرأة لان الصيغة التي على فاعل يشترك فيها المذكر والمؤنث وكيف كان فالعمل على المشهور من اختصاص
الحكم بالمكلفين لعدم الدليل الدال على الالحاق ج يشترط في تعلق الحكم بكل منهما كراهة أو تحريما صحة
صلاة الاخر لولا المحاذاة بأن تكون جامعة لجميع الشرائط المعتبرة في الحصة عداها فلا يتعلق الحكم بالفاسدة بل
تصح الأخرى من غير كراهة فإن الفاسدة كلا صلاة مع احتمال عدم الاشتراط لصدق الصلاة على الفاسدة لانقسام
مطلقا إليها وإلى الصحيحة وحينئذ فالأجود رجوع كل منهما إلى الاخر في ذلك وهي محمولة على الصحيحة حتى يصرح
فيها بخلافها فإذا صرح قبل لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ولأن من أخبر بفساد صلاته قبل منه قطعا
ولأن المفسد من فعله وربما كان خفيا لا يطلع عليه إلا من قبله لتعلقها في بعض مواردها بأمور قلبية و
أفعال خفية لا يعلمها إلا الله والمصلى فلو لم يقبل فيها قوله لزم أما عدم اشتراط صحة الصلاتين لولا المحاذاة
أو تكليف ما لا يطاق وكلاهما باطل فالملزوم مثلهما في البطلان والملازمة ظاهرة د مبدأ التقدير في العشرة
أذرع من موقف المصلى إلى موقفها وهو واضح مع المحاذاة أما مع تقدمها فالظاهر أنه كذلك لأنه المفهوم من التباعد
عرفا وشرعا كما نبهوا عليه في تقدم الامام على المأموم ويحتمل اعتباره من موضع السجود لعدم صدق التباعد بين بدنيهما
حالة السجود ذلك القدر وليس كلامهم تصريح في ذلك بشئ ه‍ لو كانت أعلى منه أو أسفل بحيث لا يتحقق التقدم و
التأخر وأمكنت المشاهدة فهل هو ملحق بالتأخر أم بالتقدم اشتراط العشرة في الرواية بالتقدم والمحاذاة
يقتضى عدم اعتبارها هنا واشتراط نفي البأس بالصلاة خلفه يقتضي اعتبار العشرة هنا لعدم تحقق الخلفية فمفهوما
الشرط متدافعان والظاهر أنه ملحق بالتأخر لأصالة الصحة وعدم المانع خرج منه حالة التقدم والمحاذاة فيبقى
الباقي مع أن فرض الرؤية في ذلك بعيد ولو كانت في إحدى الجهات التي يتعلق بها الحكم وكانت على مرتفع
بحيث لا يبلغ من موقفه إلى أساس حائط المرتفع عشرة أذرع ولو قدر إلى موقفها أما مع الحائط مثلا أو ضلع المثلث
الخارج من موقفه إلى موقفها بلغها ففي اعتبار أيهما نظر والظاهر إن التقدير هنا للضلع المذكور خصوصا مع إيثاره (إيراثه صح)
زاوية حادة لبعد تقدير التجويف الحادث منها ولو كانت قائمة ففيه الاحتمالات ولو كانت منفرجة ضعف الاحتساب
إلى الأساس لا غير لزيادة المسافة بما زاد ومثله القول في التباعد بين الإمام والمأموم ز إطلاق العبارة
يقتضى عدم الفرق في تعلق الحكم بين تقدم صلاة المرأة عليه أو اقترانهما أو تأخرها وكذلك أطلق كثير من الأصحاب
وبين علمه بصلاتها وعدمه ووجه الاطلاق تحقق الاجتماع في الموقف المنهى عنه وهو مانع الصحة فمتى تحقق ثبت
البطلان كالحدث ويضعف بعدم الدليل الدال على ذلك وعدم تقصير السابق واستحالة تكليف الغافل وإنما
ثبت تأثير الحدث مطلقا بالنص وهو مفقود هنا ورواية عمار التي هي مستند الحكم تشعر بتقدم المرأة فإن الواو
في قوله يصلى وبين يديه امرأة تصلى للحال وقوله في الجواب لا يصلى حتى يجعل بنيه وبينها عشرة أذرع يدل على
صلاتها قبل شروعه فالأجود حينئذ اختصاص المنع بسبق المرأة أو اقترانهما معا في الشروع ومع التأخر يختص المنع
بالمتأخر ويؤيده رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام إذا صلت حيال الامام وكان في الصلاة قبلها أعادت
226

وحدها فإنها صريحة في اختصاص الفساد بالطارئ واختاره جماعة من المتأخرين وهذا كله مع علمهما بالحال
أولا فلا إبطال ولو علم أحدهما دون الاخر اختص الحكم به ح ظاهر العبارة اختصاص المنع بالرجل فلا كراهة ولا
تحريم بالنسبة إلى المرأة وكان الأولى تعميم الحكم فيها لعدم القائل بالتخصيص ولعله اتبع ظاهر الرواية حيث دلت
على حكم الرجل خاصة والعذر فيها مطابقة السؤال فإنه وقع عن الرجل ورواية علي بن جعفر المتقدمة دالة
على
حكم المرأة أيضا ط لو صلت المرأة معه جماعة محاذية له فعلى القول بالتحريم تبطل صلاتها وصلاة الامام ومن
على يمينها ويسارها ومن يتأخر عنها مع علمهم بالحال ومع عدم العلم تبطل صلاتها لا غير ولو علم الإمام خاصة
بطلت صلاته معها دون المأمومين وأطلق صحة صلاة المأمومين وهذا كله إنما يتم مع القول بأن الصلاة
الطارية تؤثر في السابقة أو على جواز تكبير المأموم مع تكبير الامام وإلا صحت صلاة الامام لتقدمها ويبقى
الكلام في المأموم ى هذا البحث إنما هو في حال الاختيار أما مع الاضطرار كما لو ضاق الوقت والمكان فلا
كراهة ولا تحريم قاله الامام فخر الدين ولد المصنف وربما استشكل الحكم مطلقا بناء على أن التحاذي مانع من الصحة
مطلقا والنصوص مطلقة فالتقييد بحالة الاختيار يحتاج إلى الدليل يا لو اجتمعا في مكان واحد واتسع الوقت
صلى الرجل أولا ثم المرأة لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام هذا في غير المكان الذي تختص به المرأة أو
تشارك فيه عينا أو منفعة وفيه لا أولوية لتسلطها على ملكها ولو ضاق الوقت بنى على ما تقدم من زوال
المانع مع الاضطرار وعدمه فعليه يصليان معا وعلى عدمه يصلى الرجل أولا على التفصيل يب إنما
ترك المصنف التاء في عشرة أذرع لان الذراع مؤنثة سماعية وفى بعض عبارات المصنف وغيره إلحاق التاء وهو
الموجود في رواية عمار وكأنه اعتبار بذراع اليد فإنه يجوز تذكيره وتأنيثه والذراع الشرعي مثله والله الموفق
وتكره الصلاة أيضا في الحمام لنهى الصادق عليه السلام عن الصلاة في مواضع وعد منها الحمام وبه احتج أبو
الصلاح على التحريم ويعارضه نفيه عليه السلام البأس عن الصلاة فيه في حديث آخر فيحمل النهى على الكراهة
توفيقا مع ضعف سند ما فيه النهى والمراد بالحمام موضع الاغتسال لان اشتقاقه من الجيم وهو الماء الحار الذي
يغتسل به فلا تتعدى الكراهة إلى مسلخه وبه جزم المصنف في القواعد واستقرب في النهاية لكراهتها في المسلخ أيضا
معللا بكونه مأوى الشياطين وموضع كشف العورة وباشتغال الناس له بدخولهم وفى التذكرة بين المسألة
على علة النهى فإن كانت النجاسة لم تكره فيه وإن كانت كشف العورة فيكون مأوى الشياطين كره وترتب الحكم على
التعليل غير واضح إذ النص غير معلل وإنما الحكم فيه معلق على المشتق وهو الحمام فيدور الحكم معه والتعليل من تقريبات
الفقهاء فلا يستند إليه الحكم وأما سطحه فلا تكره الصلاة قطعا لفقد النص والتعليل وفى بيوت الغائط
لما روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إن جبرئيل أتاني فقال أنا معاشر الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب و
لا تمثال جسد ولا إناء يبال فيه ونفوذ الملائكة يؤذن بكون مكانه ليس موضع رحمة فلا يصلح أن يتخذ للعبادة
وإذا كان هذا حال ما فيه إناء البول فما فيه الغائط أو ما أعدله أولى بالحكم ولأن بيوت الغائط لا تنفك عن
النجاسة غالبا ولا تكره على سخطها وفى معاطن الإبل وهي لغة مباركها حول الماء لتشرب عللا بعد نهل قاله
في الصحاح والعلل الشرب الثاني والنهل الشرب الأول والفقهاء جعلوا المعاطن أعم من ذلك وهي مباركها
مطلقا التي تأوى إليها كذا قاله المصنف في المنتهى والمستند ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إذا أدركتم
227

الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة وإذا أدركتم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها
فصلوا فإنها جن (حي صح) من جن خلقت إلا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها قال في المنتهى وهذا التعليل يدل على عموم الكراهة
لمباركها مطلقا قال ولا بأس بالمواضع التي تنبث فيها الإبل في سيرها أو تناخ فيها لعلفها أو وردها لأنها لا تسمى معاطن
ولا يشترط في تحقق الكراهة حضور الإبل بل يكره وإن كانت غائبة لصدق المعطن مع الغيبة وإن كانت الرواية قد تشعر
بخلاف ذلك وفى قرى النمل وهي جمع قرية وهي مجتمع ترابها وإنما كرهت الصلاة فيها لقول الصادق عليه السلام عشرة مواضع لا تصل فيها وعد منها قرى النمل ولعدم انفكاك المصلى من آذاها أو قتل بعضها وفى مجرى الماء وهو
المكان المعد لجريانه فيه وإن لم يكن فيه ماء والمستند قول الصادق عليه السلام في مرسلة عبد الله بن الفضل حين
عد العشرة ومجرى الماء بعد إن ذكر منها الماء وعلل أيضا بأنه لا يؤمن هجوم الماء فيسلب الخشوع ومن ثم كرهت
الصلاة في بطون الأودية لكونها مجرى الماء فجاز أن يهجم عليه والأولى الاستناد إلى النص فإنه قد يأمن هجومه
للعلم بعدمه عادة في كثير من المجاري وبطون الأودية قال المصنف في النهاية ولو أمن السيل احتمل بقاء الكراهة اتباعا
لظاهر النص (النهى صح) وعدمها لزوال موجبها وفى أرض السبخة بفتح الباء واحدة السباخ وهي الشئ الذي يعلو الأرض
كالملح ويجوز كون السبخة بكسر الباء وهي الأرض ذات السباخ فتكون إضافة الأرض إليها من باب إضافة الموصوف
إلى صفته كمسجد الجامع وإنما كره الصلاة فيها لعدم كمال تمكن الجبهة من الأرض فلو حصل التمكن فلا بأس لما رواه
أبو بصير قال سألت الصادق عليه السلام عن الصلاة في السبخة لم تكرهه قال لان الجبهة لم تقع مستوية فقلت إن
كان فيها أرض مستوية قال لا بأس ومثله الرمل المنهال وفى البيداء وهي موضع مخصوص بين مكة والمدينة
على ميل من ذي الحليفة ونقل الشهيد رحمه الله عن بعض العلماء لها الشرق الذي أمام ذي الحليفة مما يلي مكة
سميت بذلك لأنها تبيد جيش السفياني وفى وادي ضجنان بالضاد المعجمة المفتوحة والجيم الساكنة جبل بناحية
مكة وذات الصلاصل جمع صلصال وهو الطين الحر المخلوط بالرمل فصار يتصلصل إذا جف أي يصوت فإذا طبخ
بالنار فهو الفخار نقله الجوهري عن أبي عبيدة وبذلك فسرها الشهيد رحمه الله وفى نهاية المصنف أن ذات الصلاصل
وضجنان والبيداء مواضع خسف وكره الصلاة في كل موضع خسف به واحتج عليها بأن النبي صلى الله عليه وآله
لما مر بالحجر قال لأصحابه لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين إن يصيبكم مثل ما أصابهم وليس في هذا
الحديث دلالة على كراهة الصلاة فيها نعم روى إن عليا عليه السلام ترك الصلاة في أرض بابل لذلك حتى عبر الفرات و
صلى في الموضع المشهور بعد ما ردت له الشمس إلى وقت الفضيلة وكانت قد تجاوزته ولما تغرب وكذا تكره الصلاة
بين المقابر من دون حائل ولو عنزة منصوبة أو معترضة أو ثوبا أو قدر لبنة أو بعد المصلى عن القبر عشرة
أذرع
سواء استقبلها أو صلى بينها وخالف في ذلك المفيد حيث منع من الصلاة بدون الحائل والبعد وأبو الصلاح حيث
حرمها وتردد في البطلان ومستند الجواز عموم جعلت لي الأرض (مسجدا صح) وصحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام وقد
سأله عن الصلاة بين القبور قال لا بأس وأما الكراهة فلان القبور من المواضع العشرة التي نهى الصادق عليه السلام
عن الصلاة فيها في مرسلة عبد الله بن الفضل ولرواية عمار عنه عليه السلام قال سألته عن الرجل يصلى بين القبور
قال لا يجوز ذلك إلا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه وعشرة أذرع من خلفه وعشرة
أذرع عن يمينه وعشرة أذرع عن يسارة ثم يصلى إن شاء والجمع بينهما وبين ما تقدم بالحمل على الكراهة ولا
228

فرق بين المقبرة الجديدة والعتيقة في ذلك وألحق الأصحاب بالقبور القبر والقبرين ودلالة الاخبار على ذلك
نظر وألحق بعضهم أيضا استدبار القبر الواحد وهو أبعد دلالة واكتفى الشيخ بكون القبر خلف المصلى عن البعد
وهو متجه مع عدم صدق الصلاة بين المقابر كما لو جعل المقبرة خلفه وإلا فقد تقدم اعتبار تأخر القبر عنه من خلفه
عشرة أذرع ولا فرق في ذلك بين قبر الامام وغيره للاطلاق قال الشيخ وقد وردت رواية بجواز النوافل إلى قبور
الأئمة عليه السلام والأصل الكراهة ولو بنى مسجد في المقبرة لم تخرج عن الكراهة بخلاف ما لو نقل المقبور منها ذكره
المصنف في المنتهى وكما الصلاة إلى القبر تكره عليه من غير تحريم إلا أن يعلم نجاسة ترابه باختلاطه بصديد الموتى
لتكرر النبش ويوجب التعدي إليه أو سجوده عليه وقال ابن بابويه يحرم وفى بيوت النيران لئلا يتشبه بعابدتها قاله
الأصحاب والظاهر إن المراد بها البيوت المعدة لاضرام النار فيها كالأتون والفرن ونحوها لا ما وجد فيه نار
مع عدم إعداد البيت لها بالذات كالمسكن إذا أوقد فيه نار بل إنما تكره الصلاة فيه حينئذ إذا كانت موجودة في قبلة
المصلى كما سيأتي ولا فرق في كراهة الصلاة في بيت النار بين كونها موجودة فيه حالة الصلاة أم لا ولو غير البيت
عن حالته وأعد لأمر آخر أزالت الكراهة وفى بيوت الخمور وسائر المسكرات لقول الصادق عليه السلام لا تصل
في بيت فيه خمر أو مسكر وهذه الرواية تدل بإطلاقها على عدم الفرق بين كون البيت معدا لاحراز الخمر وعدمه بل ما
وضع فيه الخمر وإن قلت قدرا أو مدة وعللها المصنف في النهاية بعدم انفكاكها من النجاسة وهو يقتضى اعتبار إعدادها
لها كبيوت النيران وسياق العبارة هنا يدل عليه لعطفها عليها وفى بيوت المجوس لقول الصادق عليه السلام لا تصل
في بيت فيه مجوسي ولعدم انفكاكها من النجاسة فإن رش البيت زالت الكراهة لقول الصادق عليه السلام رش وصل
لما سئل عن الصلاة في بيت المجوسي والحديث الأول يدل بظاهره على كراهة الصلاة في مطلق البيت الذي فيه مجوسي ومثله
عبر المصنف في القواعد ويمكن أن يراد به بيته كما يشعر به الحديث الاخر والتعليل بالنجاسة وفى جواد الطرق لما روى
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن الصلاة بمحجة الطريق ولقول الصادق عليه السلام لا بأس أن تصلى في الظواهر
التي بين الجواد فأما على الجواد فلا تصل فيها ومنع ابن بابويه والمفيد من الصلاة فيها ولا فرق في الكراهة بين أن
يكون الطريق مشغولة بالمارة وقت الصلاة أو لم تكن للعموم نعم لو تعطلت المادة بصلاته فسدت للنهي عن الصلاة
حينئذ باستحقاقهم السلوك بالأصالة واشتراط الصلاة وغيرها مما ليس بسلوك بعدم الضرر بالسالك والمراد بجواد الطرق
العظمى منها وهي التي يكثر سلوكها ومقتضى ذلك عدم كراهة الصلاة على الطريق غير الجادة لكن الأجود الكراهة مطلقا
وإن كانت الجادة أغلظ ويدل على العموم قول الرضا كل طريق توطأ وتتطرق كانت فيه جادة أم لم تكن فلا ينبغي
الصلاة فيه وصلاة الفريضة في جوف الكعبة لقول الصادق عليه السلام لا تصل المكتوبة في الكعبة ونحوها من الاخبار
وهذا هو المشهور بين الأصحاب ومثله الصلاة على سطحها وقال الشيخ في الخلاف وابن البراج بتحريم صلاة الفريضة
فيها تمسكا بظاهر قوله تعالى فولوا وجوهكم شطره إلى نحوه وإنما يصدق ذلك إذا كان خارجا عنها ولأن النبي
صلى الله عليه وآله دخلها ودعا ثم خرج فصلى ركعتين وقال هذه القبلة فإذا صلى في جوفها لم يصل إلى ما أشار
إليه أنه القبلة وللرواية المتقدمة وأجيب بأن المراد بالنحو الجهة وليس المراد جهة جميعه قطعا لجواز صلاة الخارج
إلى أي جزء كان منه فليكن مثله في الداخل فمتى استقبل جزءا منها فقد استقبلها وكذا القول في إشارته عليه السلام
بكونه القبلة والنهى في الرواية المتقدمة محمول على الكراهة جمعا بينه وبين غيره فقد روى يونس بن يعقوب قلت
229

لأبي عبد الله عليه السلام حضرت الصلاة المكتوبة وأنا في الكعبة أفأصلي فيها قال صل وإنما قيدنا كراهة الصلاة فيها
بالفريضة لاطباقهم على استحباب النافلة داخلها وفى مرابط الخيل والبغال للنهي عنها في مقطوعة سماعة ولكراهة
فضلاتها وبعد انفكاكها منها ولا فرق فيها بين الوحشية والإنسية ولا بين الحاضرة والغائبة ومرابط الخيل جمع
مربط بكسر الباء وفتحها موضع ربطها ومأواها وزاد بعض الأصحاب مرابط الحمير لمشاركتها لهما في العلة وهي موجودة
في رواية الكليني عن سماعة والتوجه في حال الصلاة إلى نار مضرمة أي موقدة لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليه السلام قال سألته عن الرجل يصلى والسراج موضوع بين يديه في القبلة فقال لا يصلح أن يستقبل النار وفى رواية
عمار النهى عن الصلاة إلى النار ولو كان في مجمرة أو قنديل معلق وهاتان الروايتان دالتان على كراهة استقبال
مسمى النار وإن لم تكن مضرمة فتقييد المصنف النار بالمضرمة محمول على المؤكد من الكراهة وحرم أبو
الصلاح استقبالها
وتردد في الفساد كما مر في نظائره حملا للنهي على ظاهره وحملها على الكراهة طريق الجمع بين ما اشتمل عليه وبين غيره
كقول الصادق عليه السلام لا بأس أو يصلى الرجل والباب والسراج والصورة بين يديه أن الذي يصلى إليه أقرب
من الذي بين يديه أو التوجه إلى تصاوير وتماثيل لصحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أصلى والتماثيل
قدامي وأنا أنظر إليها قال لا إطرح عليها ثوبا ولا بأس إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو
فوق رأسك وإن كانت في القبلة فاطرح عليها ثوبا وصل ولأن الصورة تعبد من دون الله فكره التشبه بفاعله
ولأنها تشتغل بالنظر إليها أو التوجه إلى مصحف مفتوح لرواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلى وبين
يديه مصحف مفتوح في قبلته قال لا ولحصول التشاغل عن العبادة بالنظر إليه وكره المصنف في المنتهى والنهاية التوجه إلى
كل شاغل من كتابة ونقش وغيرهما لاشتراك الجميع في العلة ولا فرق في ذلك بين القاري وغيره نعم يشترط عدم المانع
من الابصار كالعمى والظلمة أو التوجه إلى حائط ينز من بالوعة يبال فيها لقول الصادق عليه السلام وقد سئل عن مسجد
ينز حائط قبلته من بالوعة يبال فيها فقال إن كان نزه من بالوعة يبال فيها فلا تصل فيه وإن كان من غير ذلك
فلا بأس ولأنه ينبغي تعظيم القبلة فلا يناسبه النجاسة ولو نز الحائط من الغائط قيل كره بطريق أولى لأنه أفحش
وتردد المصنف في التذكرة والنهاية فيما ينز من الماء النجس والخمر نظرا إلى إطراد العلة والتفاتا إلى قول الصادق عليه السلام
وإن كان من غير ذلك فلا بأس وهذا التوجيه ينافي الأولوية التي ادعيت في الغائط وكأنه ليس أفحش من الخمر
فالاشكال آت في الجميع أو التوجه إلى انسان مواجه بفتح الجيم وكسرها ذكر ذلك جماعة من الأصحاب وعلل بحصول التشاغل
به وبأن فيه تشبيها بالساجد لذلك الشخص أو التوجه إلى باب مفتوح قاله أبو الصلاح وتبعه الأصحاب قال في المعتبر
لا بأس باتباع فتواه لأنه أحد الأعيان وعلله المصنف في التذكرة والنهاية باستحباب السترة بينه وبين ممر الطريق ولا فرق
في الباب بين الداخل والخارج ولا بأس بالبيع والكنايس من غير كراهية على المشهور لصحيحة العيص بن القسم قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن البيع والكنايس يصلى فيها فقال نعم وروى عنه عليه السلام أنه سئل عن الصلاة فيها
فقال صل فيها فقد رأيتها ما أنظفها قلت أصلى فيها وإن كانوا يصلون فيها قال نعم ويستحب أن يرش الموضع الذي
يصلى فيه منها لصحيحة عبد الله بن سنان وينبغي أن يتركه حتى يجف كما نبه عليه في المبسوط والنهاية في رش بيت المجوس
وهل يشترط في دخولها أذن أهل الذمة احتمله في الذكرى تبعا لغرض الواقف وعملا بالقرينة ويحتمل عدمه لاطلاق
الاخبار بالصلاة فيها وكذا لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم بالضاد المعجمة جمع مربض وهو مأواها ومقرها عند
230

الشرب كمعطن الإبل نص عليه الجوهري لقول النبي صلى الله عليه وآله إذا أدركتم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلوا
فيها فإنها سكينة وبركة وكذا لا بأس بالصلاة في بيت اليهودي والنصراني لقول الصادق عليه السلام في رواية أبى
جميلة لا تصل في بيت فيه مجوسي ولا بأس بأن تصلى في بيت فيه يهودي أو نصراني وهذه الرواية تشمل بيتهما
وما هما فيه وإن لم يكن لهما فيدل على مطلوب المصنف وكان المصنف يرى أن المراد بذلك بيتهما كما تقدم الكلام فيه
في بيت المجوسي واعلم أن أبا الصلاح حرم الصلاة في أكثر هذه المواضع نظرا إلى صورة النهى في الاخبار وتردد في
فساد الصلاة بذلك والله أعلم
تتمة لباب مكان المصلي في ذكر شئ من أحكام المساجد وناسب ذكرها
هنا لان المسجد من جملة المكان فكان ذكر أحكامه في بابه أولى صلاة الفريضة بمعنى المفروضة وهي الواجبة المرادفة
الفرض للواجب عندنا في مطلق المسجد أفضل من صلاتها في غيره من الأمكنة ثم المساجد مع اشتراكها في الأفضلية
تتفاوت في الفضيلة فالصلاة في المسجد الحرام أفضل من سائر المساجد عندنا ثم مسجد النبي صلى الله عليه وآله
ثم مسجد الكوفة والأقصى ثم المسجد الجامع ثم مسجد القبيلة ثم السوق وقد تتفاوت المساجد غير الأربعة بفضائل
أخرى كمسجد السهلة وغيره من المساجد الشريفة وما ورد في الاخبار من تضاعف الصلاة في المساجد الموصوفة بوصف
مع اشتراك مساجد بعضها أفضل من بعض فيمكن حمله على اشتراكها في ذلك القدر بسبب ذلك الوصف ولا ينافي زيادة
بعضها لمزية أخرى أو على أن الثواب المترتب على تلك الصلاة المعدودة مختلف بحسب اختلافها في الفضيلة فجاز أن
تترتب على كل صلاة عشر حسنات مثلا وعلى الأخرى عشرون أو ارتفاع عشر درجات وفى بعضها عشرون ونحو ذلك
وقد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الصلاة
في مسجدي كألف في غيره إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في مسجدي وعن الصادق عليه السلام مكة
حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليه السلام الصلاة فيها بمائة ألف صلاة والدرهم فيها بمائة ألف درهم
والمدينة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليه السلام الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة والدرهم بعشرة
آلاف درهم والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليه السلام الصلاة فيها بألف صلاة وعن الباقر
عليه السلام لو يعلم الناس ما في مسجد الكوفة لأعدوا له الزاد والرواحل من مكان بعيد أن صلاة فريضة فيه
تعدل
حجة وصلاة نافلة تعدل عمرة وفى خبر أخر عن علي عليه السلام النافلة تعدل عمرة مع النبي صلى الله عليه وآله
والفريضة تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وآله وأنه قد صلى فيه ألف نبي وألف وصى وإن أمير المؤمنين عليه السلام
منع رجلا من السفر إلى المسجد الأقصى وأمره بلزوم مسجد الكوفة وروى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام
أنه قال صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة صلاة وصلاة في مسجد
القبيلة تعدل خمسا وعشرين وصلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة وصلاة الرجل في منزله صلاة واحدة وروى
ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أنى لأكره الصلاة في مساجدهم قال لا تكره فما
من مسجد بنى إلا على قبر نبي أو وصى نبي قتل فأصاب تلك البقعة رشة من دمه فأحب الله أن يذكر فيها فاد
فيها الفريضة والنوافل واقض ما فاتك إذا تقرر ذلك فهنا سؤالات أحدها إن مسجد الحرام مشتمل على الكعبة
وقد تقدم إن الفريضة فيها مكروهة فإذا فرض صلاة فريضة خارج الكعبة وأخرى فيها فأما أن يتساويا
في الفضل أو يتفاوتا ويلزم من الأول مساواة المكروه لغيره ومن الثاني اختلاف جهات المسجد في الفضيلة وقد
231

ورد الخبر بتعليق العدد المعين على الصولة فيه من غير تخصيص بجهة وثانيها أن مسجد النبي صلى الله عليه وآله مختلف
في الشرف فإن الروضة أفضل من غيرها من بقاعه وخلف القبر الشريف بحيث تكون الصلاة إلى القبر من غير حائل
أو بعد عشرة أذرع مكروهة فلا يتم إطلاق القول بأن الصلاة فيه مضاعفة بالقدر المذكور وإلا لزم مساواة
المكروه لغيره والمشروف للأشرف وثالثها أن المسجدين قد زيد فيهما على ما كان في زمن النبي صلى الله عليه
وآله فهل تكون الصلاة في القدر المزيد مساوية للصلاة في الأصل أم لا فان قلتم بعدم التساوي حملا لكلام
النبي صلى الله عليه وآله على المسجد المعهود في وقته أشكل اطلاق قول الصادق عليه السلام إن الصلاة في المسجد
الحرام بكذا وفى مسجد النبي بكذا فإن الزيادة فيه وقعت قبل زمان الصادق عليه السلام فكان ينبغي تبيان الحال
حذرا من الاجمال الحاصل من تأخير البيان وإن قلتم بمساواة الزائد للأصلي لزم منه إلحاق كلما يزاد به حتى
لو زيد في هذا الزمان به شئ كان ثواب الصلاة فيه مثل ثوابه مع أنه لا يسمى ذلك المزيد مسجد الحرام ولا مسجد النبي
صلى الله عليه وآله بطريق المجاز لا الحقيقة ورابعها أن قوله صلى الله عليه وآله صلاة في مسجدي كألف
في غيره يدخل في إطلاق الغير باقي المساجد والأماكن التي يباح فيها الصلاة والتي يكره فيها وغير ذلك فإن كان المضاعفة
المذكورة الحاصلة بالصلاة في مسجده صلى الله عليه وآله متساوية بالنسبة إلى مطلق الصلاة في غيره لزم مساواة الأفضل
لغيره والمكروه لغيره وذلك غير جائز وإن كان المراد بالغير مكانا مخصوصا فلا بد من بيانه حذرا من تأخير البيان عن
وقت الخطاب وخامسها إن الحديث الأول دل على أن الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف ألف صلاة لأنه جعل الصلاة
فيه بألف في مسجده صلى الله عليه وآله مع حكمه بأن الصلاة في مسجده بألف وفى الخبر الثاني جعل الصلاة في المسجد الحرام
بمائة ألف وذلك يوهم التنافي إلى أن يقوم الدليل بما يصحح التأويل وسادسها أنه جعل الصلاة في مسجد النبي
صلى الله عليه وآله في الحديث الأول بألف وفى الثاني بعشرة آلاف والكلام فيه كالكلام فيما قبله وسابعها
أنه جعل الصلاة في مسجده صلى الله عليه وآله في الحديث الأول بألف وجعل الصلاة في مسجد الكوفة بألف وذلك يدل
على تساويهما في الفضل وهو خلاف الاجماع وقد تقدم الحكم بكون مسجد النبي صلى الله عليه وآله أفضل ويمكن
الجواب عن الأول بأن مساواة الصلاة في الكعبة لباقي المسجد في عدد المضاعفة لا يستلزم المساواة في الأفضلية
لجواز ترتب الثواب على العدد الحاصل في سائر المسجد أزيد من الثواب المترتب على العدد الحاصل من الصلاة في الكعبة
كما تقدمت الإشارة إليه في أول الباب وهذا هو شأن الصلاة المكروهة بالنسبة إلى غيرها المساوي لها فإن صلاة ركعتين
مثلا في وقت أو مكان مكروهين أقل ثوابا من ركعتين في غيرهما مع تساويهما عددا أو تقييد إطلاق المسجد بما
على الكعبة لخروجها بأمر خاص فيكون كالعام المخصوص بمنفصل مع أنه لا قاطع بكون الكعبة من جملة المسجد لجواز
كونه حولها ويدل عليه اختصاصها باسم خاص وحكم خاص وما الدليل على كونها من جملته والله أعلم وعن الثاني
بأن إطلاق المضاعفة في المسجد يقتضى اشتراك كل جزء منه في هذا الوصف وإن كان مكروها أو مشروفا ويبقى الجزء
الشريف زائد أما بكثرة ثواب ذلك العدد كما مر أو بعدد زائد لم يذكر كما في مسجدين جامعين أو مسجدي قبيلتين
مختلفين في الشرف فإن اشتراكهما في وصف تحصل به المضاعفة لا ينافي اختصاص أحدهما بأمر آخر وعن الثالث بإمكان
اختصاص المضاعفة المذكورة بما وقع في زمانه صلى الله عليه وآله ولا ينافيه حينئذ كلام الصادق عليه السلام وإن
تقدمت الزيادة على زمانه لأنها بمنزلة مسجد متجدد فلا ينصرف الاطلاق إليها ويمكن حمله على ما يصدق عليه عرفا
232

أنه مسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وآله ويلتزم بدخول المزيد في هذا المعنى نظرا إلى الحقيقة العرفية
ولا بعد فيه فإن فضل الله تعالى وجوده يسع ذلك ويمكن دخول ما كان موجودا في زمن الصادق عليه السلام
لا غير باعتبار إطلاقه عليه السلام من غير بيان فلا إشكال على جميع هذه التقادير ولو تكلف متكلف إدخال جميع ما
يزاد فيهما إلى آخر الدنيا بحيث يطلق عرفا على الجميع اسم المسجد الخاص وحصول المضاعفة فيه لم يكن بعيدا نظرا
إلى اشتراك الجميع في إطلاق الاسم عرفا وقد روى زرارة عن الباقر عليه السلام أنه كان يأخذ بيده في بعض الليل
فينحى ناحية ثم يجلس فيتحدث في المسجد الحرام فربما نام فقلت في ذلك فقال إنما يكره أن ينام في المسجد الذي كان
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فاما في هذا الموضع فليس به بأس وهو يؤيد الاحتمال الأول وروى
محمد بن
مسلم قال سألته عن حد مسجد الرسول الله صلى الله عليه وآله فقال الأسطوانة التي عند رأس القبر إلى الأسطوانتين
من وراء المنبر عن يمين القبلة وكان من راء المنبر طريق تمر فيه الشاة وروى جميل بن دراج قال سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما بين منبري وقبري روضة من رياض الجنة وصلاة في
مسجدي تعدل ألف صلاة فيما سواه (من المساجد صح) إلا المسجد الحرام قال جميل فقلت له بيوت النبي وبيت على منها قال نعم وأفضل
ونحوه روى يونس بن يعقوب عنه عليه السلام وهو يؤيد الثاني إلا أن تخص الفضيلة بهذه الزيادة الخاصة وعن
الرابع أن الغير محمول على إطلاقه ويدخل فيه جميع الأغيار حتى المساجد الشريفة بدليل استثنائه عليه السلام
المسجد الحرام فإن الاستثناء حقيقة في المتصل وهو اخراج ما لولاه لدخل في اللفظ ويندفع الاشكال بأن
العدد المضاعف إذا كان حاصلا بالإضافة إلى الصلاة في أفضل المواضع الداخلة في الغيرية كان حاصلا
بالإضافة إلى الأدنى بطريق أولى ومساواة المفضول لغيره يندفع بما تقدم من بحث اتفاق العدد مع اختلاف الثواب
أو أن التخصيص بعدد لا يقتضى نفى ما زاد فلا يلزم من تضاعف الصلاة في المسجد المخصوص بقدر الصلاة الواقعة في أفضل
المواضع غيره ألف مرة عدم تضاعفها بأزيد من ألف في غير ذلك الموضع الشريف فإن الألف تصدق وإن كان الواقع
أزيد لدخولها في ضمنه أو يقال إن ذلك يختلف باختلاف المصلين والصلاة بالنسبة إلى حضور القلب وعدمه بالنسبة إلى المتقين وغيرهم فقد صح
إن صلاة من أقبل بقلبه أفضل وأكثر ثوابا بل روى أنه لا يقبل غيرها وإن التقوى توجب تضعيف الثواب أو
القبول وقريب منه ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله من إن أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وروى عنه صلى الله
عليه وآله أن أفضل الأعمال بر الوالدين وروى عنه أن أفضله الجهاد في سبيل الله إلى غير ذلك وقد نزله المحققون
على اختلاف ذلك باختلاف الاشخاص السائلين فإنه صلى الله عليه وآله طبيب النفوس فيعطى كل مريض ما يوافقه
من الدواء ويميله إلى الشفاء وعن الخامس إن الألف ألف صلاة منها ألف في مسجد النبي صلى الله عليه وآله والباقي
في غيره كما يقتضيه الكلام والمائة الألف المذكورة في الحديث الاخر ليس فيها تعيين موضع الصلاة فيمكن أن تقع
في أماكن مختلفة الفضيلة بحيث يطابق العدد المذكور في الأول فإن المائة الألف مع إطلاقها كما تحتمل النقصان عن ألف
ألف كما هو الظاهر يمكن زيادتها عليها كما لو وقعت في مسجد النبي صلى الله عليه وآله لعدم تعيين مكانها
فلتحمل على وجه يساوى العدد الاخر توفيقا بين الاخبار بقدر الامكان ومثله الجواب عن السادس والسابع و
يجاب عن الأخير أيضا بأن المساواة في فضيلة الصلاة لا تقتضي المساواة مطلقا لجواز اختصاص أحدهما بفضيلة
أخرى لا تتعلق بالصلاة تصير باعتبارها أفضل من الاخر وإن ساواه بالنسبة إلى الصلاة وهذا أمر موجود
233

في الأماكن وغيرها وقد تقدم ما يزيده بيانا فإن الروضة مثلا الصلاة فيها بألف أو بعشرة آلاف وفى غيرها
كذلك مع أنها أفضل فلم يلزم من مساواتها لغيرها في مضاعفة عدد الصلاة المساواة في الفضيلة والله أعلم
بحقائق أحكامه وصلاة النافلة في المنزل وما يقوم مقامه من الأمكنة الساترة للحس والشخص أفضل من المسجد لان
فعلها في السر أبلغ في الاخلاص وأبعد من الرياء ووساوس الشيطان وقال عليه السلام أفضل الصلاة صلاة المرء
في بيته إلا المكتوبة وأمر صلى الله عليه وآله أصحابه أن يصلوا النوافل في بيوتهم ونافلة الليل في ذلك آكد لما في
إظهارها من خوف تطرق الرياء ولو رجى بصلاة النافلة في الملاء اقتداء الناس به ورغبتهم في الخير وأمن على
نفسه الرياء ونحوه مما يفسد لم يبعد زوال الكراهة كما في الصدقة المندوبة ويؤيده ما رواه محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام قال لا بأس أن تحدث أخاك إذا رجوت أن تنفعه وتحثه وإذا سألك هل قمت الليلة أو
صمت فحدثه بذلك إن كنت فعلته فقل قد رزق الله ذلك ولا تقل لا فإن ذلك كذب
ويستحب اتخاذ المساجد
استحبابا مؤكدا قال الصادق عليه السلام من بنى مسجد بنى الله له بيتا في الجنة قال أبو عبيدة الحذاء راوي الحديث
عنه عليه السلام فمر بي أبو عبد الله عليه السلام في طريق مكة وقد سويت أحجار المسجد فقلت جعلت فداك نرجو أن
يكون هذا من ذاك فقال نعم وفى بعض الاخبار من بنى مسجدا كمفحص قطاة إلخ والمفحص كمقعد هو الموضع الذي
يكشفه القطاة في الأرض ويلينه بجؤجؤها فتبيض فيه والتشبيه به على طريق التمثيل مبالغة في الصغر ويمكن
كون وجه الشبه عدم احتياجه في ثبوت ما يترتب عليه إلى بناء جدار وغيره بل يكفي رسمه كما نبه عليه فعل أبى
عبيدة ويستحب اتخاذها مكشوفة لما رواه الحلبي قال سألته عن المساجد المظللة يكره القيام فيها قال نعم ولكن
لا يضركم الصلاة فيها ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك لكن قد روى أن النبي صلى الله عليه وآله ضلل مسجده
رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال بنى رسول الله صلى الله عليه وآله مسجده فلما اشتد الحر على
أصحابه فقالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل قال نعم فأمر به فأقمت فيه سواري من جذوع النخل ثم طرحت
عليه العوارض والخصف والإذخر فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم فقالوا يا رسول الله
لو أمرت بالمسجد فطين فقال لهم رسول الله لا عريش كعريش موسى فلم يزل كذلك حتى قبض صلى الله عليه وآله
قال في الذكرى ولعل المراد به أعني التظليل المكروه تظليل جميع المسجد أو تظليل خاص أو في بعض البلدان وإلا
فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع الحر والقر ويستحب جعل الميضاة وهي المطهرة للحدث والخبث على أبوابها لا في داخلها
لقول النبي صلى الله عليه وآله جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وبيعكم وشرائكم واجعلوا مطاهركم على أبواب
مساجدكم ولأنه لو جعلت داخلها لتأذى الناس برايحتها وهو مطلوب الترك ومنع ابن إدريس من جعل الميضاة
في وسطها قال في الذكرى وهو حق إن لم يسبق المسجد وهذا إذا أريد بها موضع البول والغائط أما إذا أريد بها
موضع الوضوء
والغسل فيكره مطلقا مع عدم أذى المسجد لكراهة الوضوء من البول والغائط في المسجد وعدم انفكاك المتوضئين منهما
غالبا وجعل المنارة مع حائطها لا في وسطها وفى النهاية لا يجوز المنارة في وسطها وهو حق إن تقدمت المسجدية
على بنائها ويمكن شمول استحباب كون المنارة مع حائطها عدم علوها على الحائط لعدم تمام المعية مع مفارقتها
للحائط في العلو فيكون أيضا إشارة إلى كراهة تعليتها وقد جرت العادة بذكر ذلك هنا فلما لم يصرح به المصنف أمكن
الايماء إليه بكونها مع الحائط ومستند كراهة التعلية ما روى أن عليا عليه السلام مر على منارة طويلة فأمر
234

بهدمها ثم قال لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد ولئلا يشرف المؤذن على الجيران وفى قوله عليه السلام في الحديث إلا مع
سطح المسجد تقوية لما فسرنا به المعية من عدم مجاوزتها الحائط إذ لو تمت المعية مع المصاحبة ابتداء وإن علت لم يتم الغرض
من قوله عليه السلام ناهيا عن التعلية إلا مع سطح المسجد فتأمل
ويستحب تقديم الرجل اليمنى دخولا أي في الدخول إلى
المسجد وتقديم الرجل اليسرى خروجا أي في حالة الخروج منه عكس موضع التخلي تشريفا لليمنى فيهما ويستحب الدعاء
عندهما أي عند الدخول والخروج فعند الدخول بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم
صل عليه محمد وآل محمد وافتح لنا باب رحمتك واجعلنا من عمار مساجدك جل ثناء وجهك وفى الموثق عن سماعة
قال إذا دخلت المسجد فقل بسم الله وصلى الله على رسول الله صلى الله عليه وآله وصلاة ملائكته على محمد وآل محمد
والسلام عليه ورحمة الله وبركاته رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك والمراد بوجهه تعالى في الدعاء ذاته
مجازا عن الوجه الحقيقي لشرفه بالنسبة إلى غيره وعند الخروج اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح باب فضلك وفى موثق
سماعة وافتح لي أبواب فضلك وتعاهد النعل وهو استعلام حاله عند باب المسجد احتياطا للطهارة فربما كان فيه
نجاسة ولقول النبي صلى الله عليه وآله تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم وفى حكم النعل ما يصحب الانسان
من مظنات النجاسة كالعصا قال في الصحاح التعهد التحفظ بالشئ وتجديد العهد به وتعهدت فلانا وتعهدت
ضيعتي وهو أفصح من قولك تعاهدته لان التعاهد إنما يكون بين اثنين انتهى والمصنف تبع في التعاهد الرواية
وإعادة المستهدم بكسر الدال وهو المشرف على الانهدام فإنه في معنى عمارتها وكنسها وهو جمع كناستها بضم الكاف
وهي القمامة وإخراجها منها وخصوصا يوم الخميس وليلة الجمعة لرواية عبد الحميد عن الكاظم عليه السلام قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج من التراب ما يذر في العين غفر الله له والظاهر
إن الواو العاطفة هنا بمعنى أو فيكفي في حصول الفضيلة كنسها في أحد الوقتين بقرينة قوله فأخرج من التراب ما يذر
في العين لبعد انقسام هذا القدر عليهما وأصالة عدم التقدير وكون المقصود الحث على أصل الفعل لا على تكريره
ويمكن كونها للجمع فيتوقف حصول الثواب المعين وهو المغفرة عليهما وإن كان مطلق الكنس موجبا للثواب في الجملة
وتقدير القلة بكون التراب يذر في العين مبالغة في المحافظة على كنسها وإن كانت نظيفة وعلى فعل ما تيسر
وإن لم يستوعبها مع صدق اسم الكنس فإن الله يقبل العمل الكثير والقليل والاسراج فيها ليلا لقول النبي
صلى الله عليه وآله من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام
في ذلك مسجد ضوء من ذلك السراج ولأن فيه إعانة للمتهجدين على مأربهم وترغيبا للمترددين إليه ولا يشترط
في حصول الثواب المذكور كون ما يسرج به من الزيت ونحوه من مال السرج لعموم الخبر وكذا لا يشترط في شرعية الاسراج
تردد أحد من الناس إليه أو إمكانه بل يستحب مطلقا للعموم ويجوز نقض المستهدم منها خاصة إذ لا يؤمن انهدامه
على أحد من المترددين ولا يشترط في جواز نقض المستهدم العزم على إعادته لان المقصود به دفع الضرر وإعادته سنة أخرى
وفى جواز نقضه لتوسعته وجهان من المصلحة بإحداث مسجد واستقرار قول الصحابة على توسعة مسجد النبي صلى الله
عليه وآله ومنهم علي عليه السلام ومن عموم المنع وعلى تقدير الجواز فلا ينقض إلا مع الظن الغالب بوجود العمارة و
لو أخر إلى تمام المجدد كان أولى إلا أن يحتاج إلى آلاته ويجوز إحداث روزنة أو شباك أو باب ونحوه لمصلحة عامة
وتصرف آلاته في ذلك المسجد أو في غيره وفى جوازه لمصلحة خاصة وجهان واستعمال آلته في غيره من المساجد مع استغنائه
235

عنها أو تعذر استعمالها فيه أو كون الثاني أحوج لكثرة المصلين أو لاستيلاء الخراب عليه للمصلحة ولأن المالك
واحد وهو الله تعالى صرح بذلك في الذكرى وأولى بالجواز صرف غلة وقفه ونذره على غيره بالشروط ولا يجوز
لغير ذلك ويكره جعل الشرف للمسجد بضم الشين وفتح الراء جمع شرفة بسكون الراء وهي ما يجعل في إعلاء الجدار لان
عليا عليه السلام رأى مسجدا بالكوفة قد شرف فقال كأنه بيعة وقال إن المساجد لا تشرف بل تبنى جما وكذا يكره التعلية
للمساجد بل يبنى وسطا اقتداء بالسلف ولأن فيه إطلاعا على عورات المجاورين له وقد روى أن مسجد النبي صلى الله
عليه وآله كان قامة وكذا يكره المحاريب الداخلة في الحائط كثيرا أو في المسجد أما الأول فذكره جماعة من الأصحاب منهم المصنف
وأما الثاني فهو الظاهر من الرواية الدالة على الكراهة وهي أن عليا عليه السلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد
ويقول كأنها مذابح اليهود ويجب تقييد كراهتها بالمعنى بسبقها على المسجدية وإلا حرمت وجعلها طريقا
بحيث لا يلزم تغير صورة المسجد ولا الاضرار به وإلا حرم والبيع فيها والشراء وتمكين الصبيان والمجانين منها لقوله صلى
الله عليه وآله جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشرائكم وبيعكم ولأن المسجد بنى لغير ذلك ولأنه لا يؤمن حصول
النجاسة من الصبيان والمجانين قال بعض الأصحاب وينبغي أن يراد بالصبي من لا يوثق به أما من علم منه ما يقتضى
الوثوق به لمحافظته على التنزه من النجاسات وأداء الصلوات فإنه لا يكره تمكينه بل ينبغي القول باستحباب تمرينه
على فعل الصلاة في المسجد وانفاذ الاحكام فيها لما فيه من الجدال والتخاصم والدعاوى الباطلة المستلزمة للمعصية
في المسجد المتضاعف بسببه العصيان واختار المصنف في المختلف تبعا لابن إدريس وقبلهما الشيخ في الخلاف عدم الكراهة لان
أمير المؤمنين عليه السلام حكم في مسجد الكوفة وقضى بين الناس بلا خلاف ودكة القضاء معروفة فيه إلى يومنا هذا و
لان الحكم طاعة فجاز إيقاعها في المساجد الموضوعة للطاعات وحمل النهى الوارد في ذلك على تقدير صحته على
الحبس على الحقوق والملازمة فيها عليها أو يخص بما كان فيه جدل وخصومة كقول الراوندي أو بكون المكروه دوام الحكم
لا ما يتفق نادرا أو بكون الجلوس فيه لأجل ذلك لا بما إذا كان الجلوس فيه لأجل العبادة فاتفق صدور الدعوى لان
الحكم حينئذ عبادة فتأخيره مناف للمسارعة المأمور بها عليه ويحمل قضاء علي عليه السلام بالجماع وتعريف الضوال وهو
انشادها وكذا يكره نشدانها وهو طلبها والسؤال عنها للنهي عن ذلك في مرسلة علي بن إسباط ولأنه موضع عبادة
وروى الصدوق في الفقيه إن النبي صلى الله عليه وآله سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال قولوا لا رد الله
عليك فإنها لغير هذا بنيت وقد ذكر الأصحاب في باب اللقطة أنها تعرف في الجامع كأبواب المساجد جمعا بين الحقين
وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام لا بأس بإنشاد الضالة وهو غير مناف للكراهة بدليل آخر وإنشاد
الشعر لقول النبي صلى الله عليه وآله من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا له فض الله فاك إنما نصبت
المساجد للقرآن وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام لا بأس بإنشاد الشعر قال في الذكرى ليس ببعيد
حمل إباحة إنشاد الشعر على ما يقل منه ويكثر منفعته كبيت حكمة أو شاهد على لغة في كتاب الله وسنة نبيه
صلى الله عليه وآله وشبهه لأنه من المعلوم إن النبي صلى الله عليه وآله كان ينشد بين يديه البيت والأبيات
من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك وربما ألحق به ما كان من الشعر موعظة أو مدحا للنبي أو الأئمة عليه السلام
ومراثي الحسين عليه السلام ونحو ذلك لان ذلك كله عبادة فلا ينافي الغرض المقصود من المساجد وما زال السلف
يفعلون مثل ذلك ولا ينكرونه وفى ذلك كله نظر فإن وقوعه لا ينافي الكراهة ومن سمعتموه في الخبر عام وحكمه
236

عليه السلام على من في عصره حكمه على غيرهم وكون كل عبادة لا تكره في المسجد في حيز المنع فإن إنفاذ الاحكام و
إقامة الحدود من أفضل العبادات وتعريف الضالة أما واجب أو مندوب وكثير من المكروهات في المسجد يمكن كونها
عبادة واجبة أو مندوبة على بعض الوجوه مع الاجماع على كراهتها وينبه على ذلك قوله عليه السلام في الحديث
إنما نصبت المساجد للقرآن ولم يقل عليه السلام للعبادة وإقامة الحدود للنهي عنه في مرسلة علي بن إسباط و
لأنها مظنة خروج شئ يتلوث به المسجد ورفع الصوت للنهي عنه في المرسلة ولمنافاته الخضوع المطلوب في المسجد
ولو في قراءة القرآن إذا تجاوز المعتاد وعمل الصنائع لصحيحة محمد بن مسلم وتعليله عليه السلام فيها بأن المسجد بنى
لغير ذلك وهذا إذا لم يلزم منه تغيير في المسجد أما معه كحفر موضع أو وضع شئ من الآلات الموجبة لتعطيل موضعه
فإنه يحرم ودخول من في فيه رائحة ثوم أو بصل أو غيرهما من ذي الرائحة المؤذية لما روى عن أبي عبد الله عليه السلام
عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال من أكل شيئا من المؤذيات فلا يقربن المسجد والتنخم والبصاق لرواية غياث
بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليه السلام قال إن البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنه وروى
السكوني عنه عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال من وقر (وقى خ ل) بنخامته المسجد لقي الله يوم القيمة ضاحكا قد أعطى كتابه بيمينه
وفى الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه
لم تمر بداء إلا أبرأته وقتل القمل فيستره بالتراب أسنده في الذكرى إلى الجماعة لان فيه استقذارا تكرهه النفس
فيغطيه بالتراب وقد تقدم إن البصاق يستر أيضا بالتراب للرواية والنخامة أولى منه بالستر فيمكن عود ضمير فيستره
إلى ذلك الفعل المذكور وهو الأمور الثلاثة ورمى الحصى في المسجد خذفا روى الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام
إن النبي صلى الله عليه وآله أبصر رجلا يخذف حصاة في المسجد فقال ما زالت تلعنه حتى وقعت ثم قال الخذف
في النادي من إخلاق قوم لوط ثم تلا قوله وتأتون في ناديكم المنكر قال هو الخذف وحرمه الشيخ رحمه الله
واستفيد من الخبر كراهة الخذف في غير المسجد أيضا لكنه فيه آكد لمنافاته التعظيم وللخوف من آذى الغير زيادة على
كونه منكرا والمراد بالخذف هنا رمى الحصا بالأصابع كيف اتفق وإن لم يكن على الوجه المذكور في رمى حصاة الجمار
قال في الصحاح الخذف بالحصى الرمي به بالأصابع وكشف العورة مع أن المطلع لمنافاته التعظيم وكذا يكره كشف
السرة والركبة والفخذ لما روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال كشف السرة والركبة والفخذ في المسجد من العورة و
قال الشيخ لا يجوز ويمكن أن يريد المصنف بالعورة ما يتأكد استحباب ستره في الصلاة لأنه أحد معانيها فيدخل المذكورات
وتحرم الزخرفة للمساجد بالذهب فإن الزخرف بالضم الذهب وأطلق في غير هذا الكتاب تحريم النقش ولم يقيده بالذهب
فيعم النقش بالذهب وغيره وتبعه الشهيد في الذكرى معللين بأن ذلك لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله فيكون
بدعة وكذا يحرم نقش الصور عليها وهو لازم من تحريم النقش بطريق أولى واحتج المصنف على تحريمه بأن الصادق عليه السلام سئل عن الصلاة في المساجد المصورة فقال أكره ذلك ولكن لا يضركم ذلك اليوم ولو قام العدل لرأيتم كيف يصنع
وفى دلالته على التحريم نظر وفى البيان حرم زخرفتها ونقشها وتصويرها بما فيه روح وكره غيره كالشجر وفى
الدروس كره الجميع وقد علمت ضعف دليل تحريم النقش والتصوير والزخرفة نعم تصوير ذي الروح حرام في غير المسجد
ففيه أولى واتخاذ بعضها في ملك أي تملك بعضها أو جعله في طريق أي جعله طريقا بحيث تنمحي صورة المسجدية فإن
في ذلك تغيرا للوقف وتخريب مواضع العبادة وكلاهما محرم للآية ويمكن أن يريد بجعلها في ملك أو طريق وضعها
237

في ملك الغير أو في طريق مسلوك لاستلزام ذلك كونه مغصوبا وقد ذكر الأصحاب المسألتين معا فيجوز كون
المصنف هنا أراد المعنيين اختصارا وبيع آلتها مع عدم الحاجة إلى بيعها لعمارته أو عمارة غيره من المساجد وعدم
المصلحة كما لو خيف عليها التلف أو كانت رثة لا ينتفع بها فيه وكما يجوز بيعها لعمارة مسجد آخر يجوز صرفها
فيه بطريق أولى لاتحاد المالك وهو الله تعالى كل ذلك مع تعذر صرفها في الأول أو استيلاء الخراب عليه أو
كون الثاني أحوج بكثرة المصلين ونحوه وتملكها بعد زوال اثارها لان عرصتها داخلة في الوقف وهو يقتضى
التأبيد وإدخال النجاسة إليها لقول النبي صلى الله عليه وآله جنبوا مساجدكم النجاسة ولأمر النبي صلى الله
عليه وآله بتطهير مكان البول بالذنوب ولقوله تعالى بعد حكمه بنجاسة المشركين فلا يقربوا المسجد الحرام فيثبت الحكم
في غيره إذ لا قائل بالفرق ولم يشترط المصنف في تحريم إدخال النجاسة إليها تلويثها أو شئ من آلاتها بل صرح بالتحريم
مطلقا في غير هذا الكتاب ومن ثم أطلق هنا محتجا بإطلاق هذه الأدلة والأكثر على عدم تحريم إدخال غير الملوثة
للاجماع على جواز دخول الصبيان والحيض من النساء اختيارا ولتصريح الأصحاب بجواز دخول المجروح والسلس و
المستحاضة مع أمن التلويث وإزالتها فيها مع استلزامها التنجيس وهو ظاهر ولو لم يستلزمه كما لو غسلها في إناء
أو فيما لا ينفعل كالكثير فينبغي تفريعا على اختصاص التحريم بالملوثة جوازها وربما قيل بالتحريم أيضا لما فيه الامتهان
المنافى لقوله صلى الله عليه وآله جنبوا مساجدكم النجاسة واعلم إن الشهيد رحمه الله قال في الذكرى أنه لم يقف على
إسناد هذا الحديث وهو العمدة في استدلال المصنف وإخراج الحصا منها لرواية وهب بن وهب عن الصادق عن آبائه عليهم السلام
قال إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها أو في مسجد آخر فإنها تسبح وفى حكمه التراب وقد أطلق الأصحاب الحكم
وينبغي تقييده بما يكون جزاء من المسجد كالمتخذ للفرش ونحوه فلو كان من جملة القمامات الموضوعة في المسجد كان اخراج
هذا النوع مستحبا فضلا عن أن يكون حراما ومتى أخرجت على الوجه الممتنع فتعاد وجوبا إليها وإن كان إلى غير ما أخرج منه
كما ورد في الخبر المتقدم وينبغي تقييده في صورة كونها فرشا بغناء المسجد الذي أخرجت منه أو أولوية ما أعيدت إليه
كما سبق تفصيله والتعرض للبيع جمع بيعة بالكسر وهي معبد النصارى والكنايس جمع كنيسة وهي معبود اليهود وقد
يقال فيهما غير ذلك وإنما يحرم التعرض لهما مع كونهما لأهل الذمة ولو كانت في دار الحرب أو باد أهلها أي هلكوا
سواء كانت في دار الحرب أم دار الاسلام جاز استعمال آلتها في المساجد لا في غيرها وكذا يجوز جعلها حينئذ مساجد
وينقض ما لا بد منه في تحقق المسجدية كالمحراب ونحوه وقد روى العيص بن القسم في الصحيح قال سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن البيع والكنايس هل يصلح نقضها لبناء المساجد فقال نعم قيل ويستفاد من ذلك صحة وقف الكافر
كما نبه عليه الشهيد رحمه الله في بعض فوايده وللبحث فيه مجال
المقصد الخامس في الأذان والإقامة الأذان
لغة الاعلام ومثله الأذين والايذان ومنه قوله تعالى فأذنوا بحرب من الله ورسوله أي إعلموا وعلى قراءة المد معناه
اعلموا من ورائكم بالحرب فيفيد المد التعدية والإقامة مصدر بالمكان والتاء عوض من الواو المحذوفة
أو مصدر أقام الشئ بمعنى أدامه ومنه يقيمون الصلاة والأذان شرعا إذكار مخصوصة وضع للاعلام بأوقات الصلوات
والإقامة إذكار معهودة عند إقامة الصلاة أي قرب فعلها وهما أي الأذان والإقامة مستحبان استحبابا مؤكدا
وثوابهما عظيم فعن النبي صلى الله عليه وآله من أذن في سبيل الله لصلاة واحدة إيمانا واحتسابا وتقربا إلى
الله عز وجل غفر الله له ما سلف من ذنوبه ومن عليه بالعصمة فيما بقي من عمره وجمع بينه وبين الشهداء في الجنة
238

رواه بلال في حديث طويل وعن علي عليه السلام من صلى بآذان وإقامة صلى خلفه صفان من الملائكة لا يرى
طوفاهما ومن صلى بأذان صلى خلفه ملك وعن الصادق عليه السلام وإن أقمت بغير أذان صلى خلفك صف واحد
واستحبابهما في الفرائض اليومية والجمعة خاصة فلا يشرعان في غيرهما كالعيد والكسوف والنافلة وغيرها بل يقول
المؤذن في غيرها من المفروض الصلاة ثلثا بنصب الأولين على حذف العامل والرفع على حذف المبتدأ أو الخبر ويجوز
التفريق بينهما بالنصب والرفع وهل ينادى لغير المفروض كالعيد والاستسقاء ظاهر المصنف هنا وفى القواعد عدمه وفى
النهاية ينادى لهما بذلك وتردد في استحبابه لصلاة الجنازة من عموم الامر به ومن الاستغناء عنه بحضور المشيعين
وفى استحباب ذلك للمنذورة تردد وإطلاق الاستحباب للفرايض يشملها أما الأذان والإقامة فلا يشرعان قطعا
وإنما لم يذكر المصنف الجمعة مع اليومية اكتفاء بها أما لكونها عوض الظهر أو لأنها ظهر مقصورة ولا فرق في استحبابهما
لليومية بين أن يكون أداء أو قضاء وإن كان استحبابهما في الأداء آكد للمنفرد والجامع وقيل يجبان في الجماعة
لرواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام إن صليت جماعة لم يجز إلا أذان وإقامة ويعارض بقول الباقر عليه
السلام
إنما الأذان سنة مع صحة سنده وضعف أبي بصير ويمكن حمله على الندب توفيقا وسواء في ذلك الرجل والمرأة
وقيل بوجوبهما على الرجال خاصة في صلاة الجماعة للرواية وقد علم جوابها وإنما يستحب للمرأة بل يشرع إذا لم تسمع
أذانها وإقامتها الرجال الأجانب فإن سمعوا مع علمها حرم ولم يعتد به للنهي المفسد للعبادة ولو لم تعلم صح
وظاهر المبسوط الاعتداد به مع سماعهم مطلقا وهو ضعيف واعتذر له في الذكرى بإمكان أن يقال إن ما كان
من قبيل الأذكار وتلاوة القرآن مستثنى كما استثنى الاستفتاء من الرجال وتعلمهن منهم والمحاورات الضرورية
ويندفع بأن ذلك المستثنى للضرورة وهي منتفية هنا ويجوز للنساء ومحارم الرجال الاعتداد بأذانها الذي
لا يسمعه الأجانب ويجوز للمرأة الاقتصار على التكبير والشهادتين لرواية عبد الله عن الصادق عليه السلام بل الاقتصار
على الشهادتين لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام إذا شهدت الشهادتين فحبسها والظاهر إن ذلك مقصور
على أذانها لنفسها أو للنساء أو لاشتراكهن جميعا في وظيفة الاقتصار والخنثى كالمرأة فتؤذن للمحارم من الرجال
والنساء ولأجانب النساء لا لأجانب الرجال ويتأكدان في الصلاة الجهرية وهي العشاءان والصبح لان في توظيف
الجهر فيها دلالة على اعتناء الشارع بالتنبيه عليها وفى الأذان زيادة تنبيه فيتأكد فيها خصوصا الغداة والمغرب
لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام يجزيك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة والمغرب ورواية سماعة
عنه عليه السلام لا تصل الغداة والمغرب إلا بأذان وإقامة ورخص في سائر الصلوات بالإقامة والأذان أفضل
وأوجبهما ابن أبي عقيل فيهما كما أوجب الإقامة في جميع الخمس محتجا بالخبرين ويمكن حملهما على الاستحباب المؤكد
جمعا بينهما وبين ما تقدم من قول الباقر عليه السلام إنما الأذان سنة أي مستحب لأنه أشهر معاني السنة ويسقط
أذان العصر يوم الجمعة لأنه يجمع فيها بين الصلاتين ويسقط ما بينهما من النوافل فيكتفى فيهما بأذان واحد لحصول
الغرض وهو الاعلام بالأول كذا علله المصنف في المنتهى والنهاية وكذا يسقط أذان العصر في عرفة وعشاء المزدلفة للجمع
بين الصلاتين أيضا ولصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم
للظهر ثم يصلى ثم يقوم للعصر بغير أذان وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة وهل الأذان في هذه الثلاثة حرام
أم مكروه الذي جزم به المصنف في كثير من كتبه التحريم والوجه فيه كونه بدعة لأنه لم يفعل في عهده صلى الله عليه وآله
239

ولم ينقل ذلك عنه ولا عن الأئمة عليهم السلام فيكون بدعة كما في الأذان الثاني يوم الجمعة ولرواية حفص بن
غياث عن الباقر والصادق عليهما السلام الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة ولما رواه الأصحاب عن الباقر عليه السلام
إن النبي صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وبين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين وإذا كان
صلى الله عليه وآله لم يؤذن للثانية في الجمع بين الفرضين في غير الأوقات الثلاثة فأولى أن لا يكون أذن للثانية
في الثلاثة وبه تتحقق البدعية فيه وقال في الذكرى الأقرب الجزم بانتفاء التحريم وتوقف في الكراهة وأجاب عن
الحديث بقبوله التأويل بحمل الأذان الثالث على الثاني وسماه ثالثا باعتبار الإقامة وبأن البدعة لا تدل على
التحريم فإن المراد بها ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله ثم يجدد بعده وهو أعم من الحرام والمكروه ورد في
المعتبر الرواية بضعف حفص وأجاب في الذكرى بأن تلقى الأصحاب لها بالقبول جبر ضعفها واعلم أن القول بجواز
الأذان المذكور مع عدم ثبوت فعله أو النص على شرعيته غير واضح فإن غاية ما فيه دعوى كونه ذكرا لله تعالى وتعظيما
له وهو غير آت في جميع فصوله فإن الحيعلات ليست إذكارا ومن ثم لا يجوز حكايته (حكايتها صح) في الصلاة بل يبدل بالحوقلة
كما نص عليه الشيخ وغيره وحينئذ فإذا أتى بها على هذا الوجه فلا بد من اعتقاد مشروعيتها على الخصوص وذلك خلاف
الواقع لما تقرر من عدم فعله وعدم النص عليه فلا يجوز اعتقاد شرعيته بدونهما ولو جمع الحاضر أو المسافر بين الصلاتين
في وقت إحديهما فالمشهور بين الأصحاب إن أذان الثانية يسقط أيضا لما تقدم نقله صحيحا عن النبي صلى الله عليه وآله
من جمعه بين الصلاتين بأذان واحد ولأن الأذان للاعلام بدخول الوقت وقد حصل بالأذان الأول وعلى هذا
يكون الجمع بين ظهري الجمعة وعرفة وعشاء المزدلفة مندرجا في هذا لا لخصوصية البقعة بل لمكان الجمع وجميع ما
تقدم آت هنا إلا أنه لا قائل هنا بتحريم الأذان الثاني فلا سبيل إلى القول به وإن كان الدليل آت فيه ثم إن
كان الجمع في وقت الأولى أذن وأقام لها ثم أقام للثانية لا غير وإن كان في وقت الثانية أذن قبل الأولى بنية
الثانية ثم أقام للأولى ثم أقام للثانية عند القيام إليها فالأذان أبدا لصاحبة الوقت وجزم في الذكرى بعدم
سقوط الأذان الثاني هنا فإنه قال يسقط أذان الاعلام ويبقى أذان الذكر والاعظام وفيه نظر فإن الأصل في
الأذان إنما هو الاعلام وهو منتف هنا والذكر لا يأتي على جميع فصوله كما مر وسيأتي له مزيد تحقيق وكذا يسقط الأذان
لغير الأولى عن القاضي للصلوات المتعددة المؤذن لأول ورده فيقيم للبواقي لا غير ذكر ذلك الأصحاب وقد روى إن النبي
صلى الله عليه وآله شغل يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن وأقام
فصلى الظهر ثم أمره فأقام فصلى العصر ثم أمره فأقام فصلى المغرب ثم أمره فأقام فصلى العشاء وهذا الحديث على
تقدير صحته غير مناف للعصمة لما روى من أن الصلاة كانت تسقط مع الخوف ثم تقضى إلى أن نسخ ذلك بقوله تعالى
وإذا كنت فيهم ولأن قصر الكيفية لم يكن مشروعا حينئذ فأخر ليتمكن منها وهو قريب من الأول ولو جمع بين الأذان و
الإقامة لكل فريضة كان أفضل لقوله عليه السلام من فاته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته وقد كان من حكم
الفائتة استحباب تقديم الأذان عليها فكذا قضاؤها وروى عمارا عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الرجل
إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة قال نعم وفى الاستدلال بهما نظر فإن الأذان إنما يتحقق في الفائتة
والمعادة مع كونها أولى أو مع اتحادها وإلا فهو محل النزاع كما مر والخبران صريحان في الوحدة وليس موضع الكلام
وفى الذكرى ربما قيل إن الإقامة لما عدا الأولى لا غير أفضل أو عبارة الكتاب هنا تشعر بذلك لاطلاقه القول
240

بسقوط الأذان قال في الدروس وهو أعني كون الأذان لكل فريضة أفضل ينافي سقوطه عمن جمع في الأداء إلا أن
يقول السقوط فيه تخفيف أو أن الساقط أذان الاعلام لحصول العلم بأذان الأول لا الأذان الذكرى ويكون الثابت
في القضاء الأذان الذكرى قال وهذا متجه وهو موافق لما جزم به في الذكرى من ثبوت أذان الذكر والاعظام
كما مر والمنافاة غير واضحة بعد ثبوت النص أو الاجماع في القضاء وعدمهما في الأداء بل النص في الأداء على سقوط الأذان
كما روى صحيحا من جمع النبي صلى الله عليه وآله بين الصلاتين وغيره من الأدلة وبالجملة فعمدة القائل كونه أذان
ذكر وهو غير واقع في الحيعلات مع أن اعتقاد مشروعيته على الوجه المخصوص أمر وراء كونه ذكرا مطلقا فتأمل
وكذا يسقط الأذان والإقامة معا عن الجماعة الثانية إذا حضرت في مكان لتصلي فوجدت جماعة أخرى قد أذنت و
أقامت وأتمت الصلاة فإن الثانية تصلى بغير أذان ولا إقامة ما لم تتفرق الجماعة الأولى بأن يبقى منها واحد
معقب فما زاد فلو لم يبق أحد كذلك أذنت الثانية وأقامت ومستند الحكم ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام
في الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذن ويقيم قال إن كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم
وإن كان قد تفرق الصف أذن وأقام وعنه عليه السلام وقد قال أبو على صلينا الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في
التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذن فمنعناه فقال الصادق عليه السلام أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشد
المنع فقلت فإن دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة قال يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم إمام وقد دل الخبر الأول على
نفيهما عن المنفرد والثاني على نفيهما عنه وعن الجماعة فضعف قول ابن حمزة حيث نفى الكراهة عن المنفرد وإنما
خص المصنف الثانية بالجماعة لأنه يستفاد منها حكم المنفرد بطريق أولى فإن الأذان والإقامة في الجماعة آكد منهما
في المنفرد ولو كان السابق منفردا لم يسقطا عن الثاني مطلقا لفقد النص ونقص المبنى عليه وعموم الأدلة على
شرعيتهما وهل يشترط حضور الثاني للصلاة التي صلاها الأول إطلاق الاخبار يقتضى العدم والشيخ في المبسوط فرض
الصلاة متحدة والأول أوضح نعم لو تجدد وقت صلاة أخرى لم يكن حاصلا وقت الأذان للأولى كالعصر والمغرب
اتجه قول الشيخ ويشترط اتحاد المسجد فلا منع في المتعدد وإن تقاربا وهل يشترط في ثبوت الحكم كون الصلاة في مسجد
مقتضى الاخبار ذلك وظاهر العبارة عدم الاشتراط لعدم فرض المسجد وهو الذي صرح به في الذكرى لعدم تعقل
الفرق وهو خروج عن مورد النص فلا يخصص عام الأدلة على الأذان أو مطلقها ويمكن الفرق بكون الحكمة في
ذلك مراعاة جانب إمام المسجد الراتب في عدم تصوير الصلاة الثانية بمزايا الصلاة وما يجب الحث على الاجتماع
لها ثانيا ومن ثم جاء في الخبر أمنعه أشد المنع مقيدا بالمسجد وهذا المعنى مفقود في الصحراء ويستفاد من الحديث الثاني
الاكتفاء في صدق عدم التفرق بقاء واحد معقب لأنه بعض الجماعة واعلم إن المستفاد من عطف حكم الجماعة الثانية
على حكم القاضي وما قبله إن الساقط هنا الأذان لا غير لأنه هو الساقط في المعطوف عليه والاخبار والفتوى ناطقة
بسقوطهما معا عن الجماعة الثانية والمصلى منفرد كان ينبغي التنبيه عليه والعذر بأن ذكر سقوط الأذان لا يستلزم
عدم سقوط الإقامة فالكلام في سقوط الأذان سديد ويستفاد حكم الإقامة مبتدأ من محل آخر ليتم العطف غير مزيل للقاصر
عنها والابهام إذ الكلام فيهما لا في الفساد
وكيفيته أي كيفية الأذان بتذكير الضمير وذكر كيفية الإقامة بعد ذلك خبر أن
يكبر أربعا بالتكبير المعهود وهو الله أكبر ثم يتشهد بالتوحيد كذلك ثم يتشهد بالرسالة للنبي صلى الله عليه وآله
بالمعهود كذلك ثم يدعو إلى الصلاة بالدعاء المعهود وهو حي على الصلاة أي هلم وأقبل تعدى بعلى شرعا وبإلى أيضا
241

لغة ثم يدعو إلى الفلاح باللفظ المعهود شرعا وهو حي على الفلاح أي إلى فعل ما يوجبه وهو الصلاة والمراد به الفوز
بالثواب والبقاء والدوام في الجنة فإن الصلاة سبب فيهما ثم يدعو إلى خير العمل بلفظه المعهود شرعا وهو الصلاة
ومن هنا يعلم أن اليومية أفضل الأعمال البدنية حتى لصلاة غيرها ويكبر الدعاء إلى خير العمل ولو عطفه بثم
كما صنع في غيره كان أجود لعدم النكتة في تغيير الأسلوب ثم يهلل ويجعل كل فصل من هذه الفصول بعد التكبير الأول
مرتين فيكون عدد فصوله ثمانية عشر فصلا والإقامة كذلك فصولا وترتيبا وعددا إلا أنه يسقط من التكبير الأول
مرتان ومن التهليل وهو آخرها مرة فيسقط من العدد ثلاثة فصول ثم يزيد مرتين قد قامت الصلاة بعد حي على
خير العمل فتكمل فصولها سبعة عشر وهذا هو المشهور بين الأصحاب وعليه عملهم ويدل عليه رواية إسماعيل الجعفي قال
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا فعدد ذلك بيده واحدا واحدا الأذان
ثمانية عشر حرفا والإقامة سبعة عشر حرفا وروى إن فصول الإقامة عشرون مثل فصول الأذان وزيادة قد قامت
الصلاة مرتين وفى رواية أن الأذان ستة عشر ينقص التكبير في أوله مرتين والإقامة مثله وزيادة قد قامت مرتين فتكون ثمانية عشر فصلا وفى رواية ثالثة إن الأذان مثنى مثنى والإقامة واحدة واحدة وروى فيهما غير
ذلك والعمل على المشهور قال الشيخ ولو عمل عامل على أحد هذه الروايات لم يكن مأثوما والله أعلم نعم يجوز النقص
على المشهور في السفر عند الأصحاب لرواية بريد بن معاوية عن الباقر عليه السلام قال الأذان يقصر في السفر كما تقصر
الصلاة الأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة واحدة وفى مرسله عن الصادق عليه السلام إن الإقامة التامة
وحدها أفضل منهما مفردين وعمل بمضمونها في الذكرى وأما إضافة أن عليا ولى الله وآل محمد خير البرية ونحو
ذلك فبدعة وأخبارها موضوعة وإن كانوا عليه السلام خير البرية إذ ليس الكلام فيه بل في إدخاله في فصول الأذان
المتلقى من الوحي الإلهي وليس كل كلمة حق يسوغ إدخالها في العبادات الموظفة شرعا
ويشترط في المؤذن الاسلام
والتمييز فلا اعتبار بأذان الكافر إجماعا ولقوله صلى الله عليه وآله المؤذنون أمناء ولا أمانة للكافر وقوله صلى الله
عليه وآله اللهم اغفر للمؤذنين ولعدم اعتقاده مضمون الكلمات التي دعا إليها فهو كالمستهزئ والمعتمد من هذه
الأدلة على الاجماع وفى غيره قصور عن الدلالة وهل يصير الكافر بتلفظه بالشهادتين في الأذان أو الصلاة مسلما
يحتمل ذلك وهو اختيار المصنف في التذكرة لان الشهادة صريح في الاسلام وقد قال عليه السلام أمرت أن أقاتل الناس
حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دمائهم وأموالهم الا بحقها والوجه العدم وفاقا للشهيد رحمه
الله لان التلفظ بهما هنا أعم من اعتقاد معناهما فلا يدل على الخاص ووجه العموم أن المتلفظ بالشهادتين قد لا يكون
عارفا فمعناهما كالأعجم أو مستهزيا أو حاكيا أو غافلا أو متأولا عدم عموم النبوة كالعيسوية من اليهود الذين يقولون
أن محمدا نبي إلى العرب خاصة فلا يوجب مطلق التلفظ بهما الاسلام فإن قيل لو كان مجرد الاحتمال كاف في عدم
الحكم بالاسلام مع وجود اللفظ الدال عليه لم يتحقق السلام من المتلفظ بالشهادتين في غير الأذان لقيام الاحتمال
في الجميع قلنا ألفاظ الشهادتين في الأذان ليست موضوعة لان يعتقد بل للاعلام بوقت الصلاة وإن كان قد
يقارنها الاعتقاد وكذا تشهد الصلاة لم يوضع لذلك بل لكونه جزاء من العبادة ومن ثم لو صدرت من غافل
عن معناها صحت الصلاة لحصول الغرض المقصود منها بخلاف الشهادتين المجردتين عنهما المحكوم بإسلام من تلفظ بهما
فإنهما موضوعتان حينئذ للدلالة على اعتقاد قائلهما مدلولهما وإن لم يكن في الواقع معتقدا فإنه يحكم عليه بذلك
242

ظاهرا اعتبارا باللفظ الموضوع للدلالة وبتقدير انتفاء الاحتمال والحكم بإسلامه لا يعتد بأذانه لوقوع
أوله في الكفر وهل يشترط في المؤذن مع الاسلام الايمان ظاهر العبارة عدم اشتراطه وينبه عليه أيضا حكمهم
باستحباب قول ما يتركه المؤذن فإنه يشمل بإطلاقه المخالف بل هو ظاهر فيه فإن غير الناسي من المؤمنين لا
يترك منه شيئا بل لو تركه اختيارا لم يعتد بأذانه وروى ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام إذا نقص المؤذن
الأذان وأنت تريد أن تصلى بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه والأصح اشتراط الايمان مع الاسلام لقول النبي
صلى الله عليه وآله يؤذن لكم خياركم خرج ما أجمع على جوازه فيبقى الباقي ولقول الصادق عليه السلام لا
يجوز أن يؤذن إلا رجل مسلم عارف ولكونه أمينا ولرواية معاذ بن كثير الآتي حكمها في آخر الباب عن أبي عبد الله عليه السلام
إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل قد قامت الصلاة
إلخ وهو الذي اختاره الشهيد رحمه الله فلا يعتد بأذانه وإن أتمه لان المانع الخلاف لا نقص الفصول وكذا لا
اعتبار بأذان الصبي غير المميز لرفع القلم عنه فلا حكم لعبارته وعدم تصور الأمانة في حقه وفى حكمه المجنون
ويمكن أن يريد بغير المميز ما يشملهما لاشتراكهما في فقد الوصف ولا بأذان غير المرتب فإن الترتيب بين الأذان والإقامة
وبين فصولهما شرط لأنهما عبادة شرعية لا مجال للعقل فيها فتقصر فيها على المنقول ولصحيحة زرارة
عن الصادق عليه السلام قال من سهى في الأذان فقدم أو آخر عاد على الأول الذي أخره حتى يمضى إلى آخره ومعنى
اشتراط الترتيب فيهما عدم اعتبارهما بدونه فلا يعتد بهما في الجماعة ويأثم لو اعتقدهما أذانا وإقامة وغير
ذلك مما يترتب على صحتهما وقد علم من الرواية أنه لا فرق في عدم الاعتداد بغير المرتب بأن يكون فعله عمدا أو سهوا
لان الترتيب شرط والمشروط يعدم بعدمه كالطهارة إلا ما أخرجه الدليل ويجوز الأذان من المميز بمعنى ترتب
أثره من الاجتزاء به في الجماعة وقيام الشعار به في البلد وغير ذلك وعلى ذلك إجماعنا نقله في الذكرى وروى
عن علي عليه السلام لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم والمراد بالمميز من يعرف الأضر من الضار والأنفع
من النافع إذا لم يحصل بينهما التباس بحيث يخفى على غالب الناس ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى فيكتفى
بأذانها النساء ومحارم الرجال كالمرأة ويستحب أن يكون المؤذن عدلا لاتصافه بالأمانة ولكونه أفضل من الفاسق
وقد قال صلى الله عليه وآله يؤذن لكم خياركم ولأنه لا يؤمن من تطلع الفاسق على العورات حال أذانه على مرتفع
وشرط ابن الجنيد العدالة فلم يعتد بأذان الفاسق لعدم الأمانة وأجيب بأن إطلاق اللفظ في شرعية الأذان
يتناوله ولصحة أذانه لنفسه فيصح لغيره ويتجه قول ابن الجنيد في منصوب الحاكم الذي يرزق من بيت المال فيحصل
بالعدل كمال المصلحة واعلم إن استحباب كون المؤذن عدلا لا يتعلق بالمؤذن لصحة أذان الفاسق مع كونه
مأمورا بالأذان بل الاستحباب راجع إلى الحاكم بأن ينصبه مؤذنا لتعم فائدته وأن يكون المؤذن صيتا أي
رفيع الصوت ليعم النفع به ويتم به الغرض المقصود منه وهو الاعلام ولقول الصادق عليه السلام في رواية معاوية بن وهب
إرفع به صوتك ويستحب مع ذلك كونه حسن الصوت لتقبل القلوب على سماعه وأن يكون بصيرا بالأوقات عارفا
بها ليأمن الغلط ويقلده ذووا الاعذار ولو أذن الجاهل في وقته صح واعتد به لحصول المطلوب وأن يكون متطهرا
من الحدثين لقول النبي صلى الله عليه وآله حق وسنة إن لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر وقوله صلى الله عليه وآله
لا يؤذن إلا متوض وليست الطهارة شرطا عندنا لأنه ذكر وليس من شرطه الطهارة ولا يزيد على قراءة القرآن
243

لصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس أن تؤذن وأنت على غير طهر ولا تقيم إلا وأنت على
وضوء وعن علي عليه السلام لا بأس أن يؤذن المؤذن وهو جنب ولا يقيم حتى يغتسل لكن لا يجوز الأذان حينئذ في المسجد
مع القدرة على الغسل فلو فعله لم يعتد به للنهي المفسد للعبادة ويعلم من الاخبار إن الطهارة في الإقامة آكد و
أن يكون قائما على موضع مرتفع لأنه أبلغ في رفع الصوت فيكون أنفع به أتم ولقول الصادق عليه السلام كان طول
حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قامة وكان صلى الله عليه وآله يقول لبلال إذا دخل الوقت أعل فوق
الجدار وارفع صوتك بالأذان فإن الله قد وكل بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء وأن يكون مستقبلا للقبلة خصوصا
حال الإقامة وأوجبه المرتضى فيها كما أوجب الطهارة ويكره الالتفات يمينا وشمالا لمنافاته الاستقبال و
لعدم ثبوت شرعيته فيكون فعله معتقدا رجحانه بدعة سواء كان على المنارة أم على الأرض خلافا لبعض العامة
في المنارة وكذا لا يلوي عنقه في الحيعلتين وهذه السنن مشتركة بين الأذان والإقامة وإن كانت في الإقامة
آكد لقربها من الصلاة وارتباطها ويستثنى من ذلك رفع الصوت فإن الإقامة دون الأذان لقول الصادق
عليه السلام أرفع به صوتك فإذا أقمت فدون ذلك وأن يكون متأنيا في الأذان غير مستعجل لقوله عليه السلام
إذا أذنت فترسل أي تمهل مأخوذ من قولهم جاء فلان على رسله بكسر الراء أي على هئنته بسكون الهمزة بعد الهاء
محدرا في الإقامة أي مسرعا لقول الباقر عليه السلام الإقامة حدر قال الجوهري حدر في قراءته وفى أذانه يحدر حدرا
أي أسرع ولأن القصد بها إعلام الحاضرين لا غير بالقيام إلى الصلاة والمراد بالاسراع فيها تقصير الوقوف لا
تركها أصلا لكراهة الاعراب في الأذان والإقامة لقول الصادق عليه السلام الأذان والإقامة مجزومان وفى خبر آخر
موقوفان ولو فرض ترك الوقف أصلا سكن أواخر الفصول أيضا وإن كان ذلك أثناء الكلام ترجيحا لفضيلة
ترك الاعراب على المشهور من حال الدرج ولو أعرب أواخر الفصول ترك الأفضل ولم تبطل الإقامة لان ذلك
لا يعد لحنا وإنما هو ترك وظيفة وكذا القول في الأذان أما اللحن ففي بطلانهما به وجهان وقد اختلف كلام المصنف
فيه فحرمه في بعض كتبه وأبطل به والمشهور العدم نعم لو أخل بالمعنى كما لو نصب لفظ رسول الله صلى الله عليه وآله
الموجب لكونه وصفا وتفسير الجملة خالية عن الخبر أو مد لفظة أكبر بحيث صار على صيغة إكبار جمع كبر وهو الطبل
له وجه واحد اتجه البطلان ولو أسقط الهاء من اسمه تعالى أو من الصلاة أو الحاء من الفلاح لم يعتد به لنقصان حروف
الأذان فلا يقوم بعضه مقامه ولما روى عن النبي صلى الله عليه وآله لا يؤذن لكم من يدغم الهاء قلنا وكيف يقول
قال يقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله والنهى يقتضى الفساد ويغتفر اللثغ غير المتفاحش لما روى
أن بلالا كان يبدل الشين سينا وقد أشار المصنف إلى ترك الاعراب بقوله واقفا على أواخر الفصول عند علمائنا
ولاستحباب الترسل فيه فيؤذن ذلك بالوقوف على مواضعه ولقول الصادق عليه السلام الأذان والإقامة مجزومان
أو موقوفان وذلك يقتضى الوقوف كما مر وكما يقتضى ذلك ترك الاعراب يقتضى ترك الروم والاشمام والتضعيف
فإن فيه شائبة الأغراب ولأن الكلام معها غير مجزوم وكذا يستحب أن يكون تاركا للكلام الأجنبي الذي لا يتعلق
بمصلحة الصلاة ولا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله عند ذكره خلالهما وفى حال الإقامة آكد روى أبو بصير قال
قلت لأبي عبد الله عليه السلام أيتكلم الرجل في الأذان فقال لا بأس فقلت في الإقامة قال لا ولا ينافي الكراهة
في الأذان لان الجواز أعم ونفى اليأس يشعر به وقطع توالى العبادة بأجنبي يفوت إقبال القلب عليها ولو تكلم
244

في خلال الأذان لم يعده عامدا كان أو ناسيا إلا أن يتطاول بحيث يخرج عن الموالاة ومثله السكوت الطويل أما
الإقامة فيعيدها مطلقا قاله المصنف والأصحاب واحتج عليه في النهاية بوقوع الصلاة عقيبها بلا فصل فكان لها حكمها
وبقول الصادق عليه السلام لا تتكلم إذا أقيمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة ولا يخفى قصورهما عن الدلالة
وكذا يستحب للمؤذن أن يكون فاصلا بينهما بركعتين أو سجدة أو جلسة لقول الصادق عليه السلام لا بد من قعود
بين الأذان والإقامة وفى مقطوعة الجعفري قال سمعته يقول الفرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين
ويجوز جعلهما من الراتبة لما روى عن أبي عبد الله وأبى الحسن عليه السلام كان يؤذن للظهر على ست ركعات و
يؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر ويكفي الفصل بينهما بتسبيحة لقول الصادق عليه السلام أفصل بين الأذان
بقعود أو كلام أو تسبيح وزاد المصنف في غير هذا الكتاب تبعا لغيره الفصل بخطوة قال في الذكرى ولم أجد به حديثا
وأما السجدة فيمكن دخولها في حديث الجلوس فإنها جلوس وزيادة وفى المغرب يفصل بينهما بخطوة أو سكتة أما
الخطوة فالكلام فيها كما مر من عدم النص وأما السكتة فقد روى عن الصادق عليه السلام بين كل أذانين قعدة
إلا المغرب فإن بينهما نفسا وروى استحباب الجلسة في المغرب بينهما وأنه كالمتشحط بدمه في سبيل الله ويستحب أن
يقول في جلوسه ما روى مرفوعا إليهم عليهم السلام اللهم إجعل قلبي بارا وعيشي قارا ورزقي دارا واجعل لي عند
قبر رسولك صلى الله عليه وآله قرارا ومستقرا قيل المستقر المكان والقرار المقام وقيل هما مترادفان ويمكن
كون المستقر في الدنيا والقرار في الآخرة كأنه يسئل أن يكون المحيا والممات عنده واختص الآخرة بالقرار لقوله
تعالى وأن الآخرة لهي دار القرار والمستقر للدنيا لقوله تعالى ولكم في الأرض مستقر وقدم الآخرة على الدنيا لشرفها
وكون قرارها هو المقصد الحقيقي بخلاف الدنيا فإنه وسيلة إلى الآخرة وفى بعض نسخ الدعاء تقديم المستقر لمراعاة
الرؤى وكون الدنيا متقدمة على الآخرة بالذات أو بالزمان ويستحب قول الدعاء ساجدا أيضا وروى عنه عليه السلام
الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد وليكن رافعا صوته في الأذان والإقامة وإن كانت الإقامة أخفض منه وقد تقدم
قول النبي صلى الله لبلال أرفع صوتك بالأذان وعن الصادق عليه السلام ارفع صوتك وإذا أقمت فدون
ذلك وقوله عليه السلام لا تخفين صوتك فإن الله يأجرك على مد صوتك هذا إذا كان ذكرا أما المرأة فتسر لئلا
يسمعها الأجانب فان صوتها عورة وكذا الخنثى ويستحب الحكاية لسامع الأذان وهو موضع وفاق لقوله صلى الله
عليه وآله إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذن وفى الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لمحمد بن مسلم يا محمد بن
مسلم لا تدع ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادى ينادى بالأذان على الخلاء فأذكر الله عز وجل وقل كما يقول
قال الصدوق روى أن حكايته تزيد في الرزق وليقطع السامع كلامه وقراءته وغيرهما مما يمنع الحكاية عدا الصلاة
ولو دخل المسجد في حال الأذان ترك صلاة التحية إلى فراغه ليجمع بين المندوبين والحكاية بجميع ألفاظه حتى
الحيعلات وروى في المبسوط عن النبي صلى الله عليه وآله أنه يقول عند قوله حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله
ولو جمع بينهما كان أفضل ولا يستحب حكايته في الصلاة ولو حكاه جاز إذا حولق بدل الحيعلة ولو حيعل بطلت
لأنه من كلام الآدميين ومن هنا يعلم أن الحيعلات ليس بذكر فلا يتصور الأذان الذكرى المحض وإنما يستحب حكاية
الأذان المشروع فأذان العصر في الجمعة وعرفة والأذان الثاني يوم الجمعة لا يحكى وكذا أذان المجنون وغير المميز والمرأة
إذا سمعها الأجنبي ومن أذن في المسجد جنبا بخلاف من أخذ عليه أجرا لان المحرم أخذ الرزق لا الأذان وظاهر الفتاوى
245

والاخبار إن الحكاية مخصوصة بالأذان فلا تحك الإقامة مع احتماله وليقل عند سماع الشهادتين وأنا أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وبالأئمة
الطاهرين أئمة اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة
والفضيلة وأبعثه المقام المحمود الذي وعدته وارزقني شفاعته يوم القيمة وعن الصادق عليه السلام من قال عند
سماع الشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله أكفى بها عن كل من أبى وجحد وأعين لها من أقر و
شهد أعطى من الاجر عدد الفريقين
والتثويب بدعة وهو قول الصلاة خير من النوم بعد الحيعلتين تفعيل من باب
إذا رجع فإن المؤذن يرجع إلى الدعاء إلى الصلاة به بعد الدعاء إليها بالحيعلتين وقد استحبه جماعة من العامة
في أذان الصبح خاصة وإنما كان بدعة لان الأذان كيفية متلقاة من الشارع ولا مدخل للعقل فيها فالزيادة
فيها تشريع فتكون محرمة وما يوجد في بعض الاخبار من أن التثويب من السنة فهو مع شذوذه محمول على التقية
وذهب جماعة من الأصحاب إلى كراهته وإنما يتجه مع اعتقاد أنه كلام خارج عن الأذان لا مع اعتقاد توظيفه و
مشروعيته هذا كله مع عدم التقية أما معها فلا حرج في قوله لا في اعتقاده وذهب الشيخ في النهاية وتبعه ابن إدريس
إلى أن التثويب تكرار الشهادتين دفعتين وحرماه وهو مناسب للتثويب الذي هو الرجوع إلى الشئ بعد الخروج منه
إلا أن المعروف ما سبق ويكره الترجيع وهو تكرار الشهادتين مرتين كما يستحبه بعض العامة وفسره في الذكرى بأنه
تكرير الفصل زيادة على الموظف فهو أعم مما سبق والجميع مكروه أن لم يعتقد توظيفه وإلا كان بدعة حراما وإنما
يكره أو يحرم إذا فعله لغير الاشعار وهو تنبيه المصلين وإلا جاز من غير كراهة كما دلت عليه الرواية وكذا يكره الكلام
لغير مصلحة الصلاة بعد قول المؤذن قد قامت الصلاة كراهة مغلظة بل قال الشيخان والسيد بتحريمه لقول الصادق
عليه السلام في رواية ابن أبي عمير إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا أن يكونوا قد
اجتمعن أمر من شتى ليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان والمراد بالتحريم الكراهة المغلظة جمعا
بينه وبين ما دل على الجواز كصحيحة حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم بعدما يقيم
الصلاة قال نعم وغيرها والمراد بما يتعلق بمصلحة الصلاة تقديم الامام كما ذكر في الرواية والامر بتسوية الصف
وطلب الساتر والمسجد ونحو ذلك والالتفات يمينا وشمالا في الأذان والإقامة بل يلزم سمت القبلة خلافا لبعض
العامة حيث استحبه في الأذان في المنارة وقد تقدم الكلام فيه ويجوز تعدد المؤذنين ولا حرج في الزيادة على
اثنين خلافا لما نقل عن أبي علي بن الشيخ حيث منع منه محتجا بإجماع أصحابنا ولوالده في الخلاف حيث قال لا
ينبغي معللا بان الأذان الثالث بدعة ولا دلالة فيه إذ لا يعد هذا ثالثا ثم إن كانوا متبرعين أو يأخذون الرزق
من بيت المال أذنوا جميعا ومع الاكتفاء بواحد والتشاح يقدم الأعلم بالأوقات وإحكام الأذان لامن الغلط معه
وتقليد أرباب الاعذار له وظاهر العبارة عدم ترجيح بالعدالة اللهم إلا أن يتكلف رجوعها إلى أحكام الأذان
فإنها من سننه وهي أحد أحكامه والأولى تقديم العدل على الفاسق والمبصر على الأعمى وجامع الصفات أو أكثرها
على فاقدها وجامع الأقل فإن استووا فالأشد محافظة على الوقت على من ليس كذلك والأندى صوتا والأعف
عن النظر ثم من يرتضيه الجيران ومع التساوي في جميع ذلك يقرع لقول النبي صلى الله عليه وآله لو يعلم الناس ما
في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يسهموا عليه لفعلوا ولقولهم عليهم السلام كل أمر مجهول فيه القرعة ويجوز
246

مع الاجتماع أن يؤذنوا دفعة واحدة ويتعين ذلك مع ضيق الوقت حقيقة أو حكما باجتماع الامام والمأمومين والأفضل
مع اتساع الوقت أن يؤذن كل واحد بعد فراغ الاخر والمراد بالمأمومين الذين يدع انتظارهم سعتها يرجى حضورهم
عادة فلا ينتظر غيرهم بمجرد الامكان واعلم إن إطلاق العبارة يقتضى فرض التشاح بين المؤذنين وإن تطوعوا ويؤيده
الخبر المذكور من قوله عليه السلام لو يعلم الناس ما في الأذان إلا أن يقال لا منافاة بين أخذ الرزق والثواب
مع الاخلاص وفى فرضه مع التطوع بعد لامكان أذان الجميع مترتبين أو مجتمعين بحسب سعة الوقت وضيقه اللهم
إلا أن يخرجوا بالتعدد عن المعتاد بحيث يؤدى إلى نفور النفس من كثرة أصواتهم فإن الاقبال أمر مطلوب شرعا
كما تقدم من استحباب نداوة الصوت وجودته ويجتزى الامام بأذان المنفرد بصلاته إذا سمعه سواء كان مؤذن المسجد
أم المصر أم مسجد آخر أم محلة روى عمرو بن خالد عن الباقر عليه السلام قال كنا معه نسمع أذان جار له بالصلاة فقال
قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة قال يجزيكم أذان جاركم وروى أبو مريم الأنصاري عنه عليه السلام
أنه صلى بهم في قميص بغير أزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فلما انصرف قلت له في ذلك فقال إن قميصي كثيف فهو
يجزى أن لا يكون على إزار ولا رداء وأنى مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلا أتكلم فأجزأني ذلك واشتراط عدم الكلام
في الرواية بالنسبة إلى الاجتزاء بالإقامة إلحاقا لها بإقامة نفسه إذا (إن لم يتكلم صح) تكلم بعدها وذلك لا ينافي الاجتزاء بأذان الغير
وإن تكلم لعدم قدح الكلام فيه وعليه يحمل إطلاق المصنف والجماعة ويعلم من الخبر عدم اشتراط كون المؤذن قاصدا للجماعة
التي تكتفى بأذانه وربما استفيد اشتراط سماعه من الرواية وأما التقييد بكون المؤذن منفردا فمستفاد من الاطلاق
إذ لا دلالة فيها على كون المؤذن فيها منفردا أو جامعا ويعلم من اجتزاء الجماعة بأذان المنفرد اجتزاؤهم بأذان الجامع
واجتزاء المنفرد بأذان المنفرد والجامع بطريق أولى وهل يستحب تكرار الأذان والإقامة للامام السامع أو لمؤذنه أو
للمنفرد الظاهر ذلك مع سعة الوقت فإنه لا يقصر عن تعدد المؤذنين في المسجد الواحد وتقف في الذكرى قال أما
المؤذن للجماعة فلا يستحب لهم التكرار معه وما ذكرناه آت فيه أيضا واعلم أن المصنف وأكثر الجماعة حكموا بكون الانسان
لو أذن ليصلي منفردا ثم أراد الجماعة استحب له إعادته واستندوا في ذلك إلى ما رواه عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجئ رجل آخر فيقول له نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة
قال لا ولكن يؤذن ويقيم وطريق الرواية ضعيف بعمار وقد تقدم اجتزاء الامام بأذان غيره إذا كان منفردا
فاجتزاؤه بأذان نفسه أولى ومن ثم ردها المصنف في المنتهى والمحقق في المعتبر واجتزأ بالأذان الأول وأجيب عن ضعف
الرواية باعتضاده بالشهرة بين الأصحاب وعملهم وعن الأولوية بالفرق فإن أذان الغير صادف نية السامع للجماعة
فكان بمنزلة من أذن للجماعة ولا كذلك من أذن بنية الانفراد وبأن الغير أذن للجماعة أو لم يؤذن ليصلي وحده
بخلاف المؤذن لنفسه فالمراد بالغير المنفرد بصلاته خاصة وبالثاني المنفرد بأذانه وصلاته ويؤذن المصلى خلف
غير المرضى للتقية ويقيم لنفسه لرواية محمد بن عذافر عن الصادق عليه السلام أذن خلف من قرأت خلفه وغيره من
الاخبار وفيها دلالة على عدم الاجتزاء بأذان المخالف كما تقدم فإن خاف الفوات أي فوات الركعة بأن لا يلحق الامام
راكعا كما يدل عليه الرواية مع احتمال إرادة فوات الصلاة بأسرها محافظة على تحصيل فضيلة الأذان اقتصر
من فصول الأذان على التكبيرتين الأخيرتين وقد قامت الصلاة مرتين قبل التكبيرتين إلى آخر الإقامة والمستند رواية
عمار بن كثير عن الصادق عليه السلام قال إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الامام آية أو آيتان
247

فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وليدخل
في الصلاة ومن هذه الرواية التي هي مستند الحكم يعلم قصور العبارة عن تأدية المسألة في مواضع أظهرها إيهام
العبارة كون التكبيرتين قبل قد قامت وأنه يقتصر على الفصلين والاعتذار له عن الأول بأن الواو لا تدل على الترتيب
فيجوز معها كون قد قامت قبل التكبير لكن النكتة في تقديم التكبير مفقودة كما أن الاخلال بذكر التهليل أيضا
غير جيد وقد ظهر من الرواية أن المراد فوات الركوع لا الصلاة وقد عبر بخوف فوات الصلاة جماعة من الأصحاب منهم
الشهيد في الذكرى ويأتي بما يتركه المؤذن أيضا من التهليل والتكبير الأخير إقامة لشعار الايمان وتوطينا للنفس
عليه بحسب الامكان وفى هذه الفتوى وما يستند إليه من الروايات دلالة على عدم الاجتزاء بأذان المخالف و
يؤيدها قول الصادق عليه السلام لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فإن علم الأذان
فأذن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به والظاهر أن المراد بالمعرفة الايمان كما هي مستعملة فيه
في مواضع ولا كلام في ذلك مع نقصه من الفصول كما هو الغالب إنما الكلام مع إتيانه بجميعها فيكون المانع كونه
مخالفا لكن روى ابن سنان عنه عليه السلام إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلى بأذانه فأتم ما
نقص هو من أذانه ويمكن حمله على غير المخالف كناسي فصل ونحوه ويظهر من العبارة الجمع بين عدم الاعتذار بأذانه
والأذان ثانيا وقوله ما يتركه حملا لهذه الرواية على غير المخالف والله أعلم
النظر الثاني في الماهية
أي ماهية الصلاة أعم من الواجبة والمندوبة كما يدل عليه إدخال الصلاة المندوبة أخيرا في جملة المقاصد وفيه
سبعة مقاصد المقصد الأول في كيفية الصلاة اليومية والمراد بالكيفية بيان أفعالها مفصلة
الموجب للعلم بكيفيتها وقدم على ذلك مقدمة يتوقف عليها الشروع في بيان الأفعال الواجبة وهي أنه يجب على المكلف
معرفة واجب أفعال الصلاة من مندوبها ليوقع كل واحد على وجهه والمراد بالمعرفة المرادفة للعلم معناها الأعم
وهو الراجح وإن لم يمنع من النقيض فإن مبنى أكثر الأحكام الشرعية على الظن الراجح والمعتبر من المعرفة المذكورة
ما كانت عن دليل تفصيلي لقادر عليه وهو المجتهد في الأحكام الشرعية والتقليد للمجتهد ولو بواسطة أو وسائط بشرائطها
المقررة في الأصول إن لم يكن مجتهدا فلا يكفي مطلق المعرفة فصلوة المكلف بدون أحد الامرين باطلة وإن طابق
اعتقاده وإيقاعه للواجب والندب للمطلوب شرعا وكما يجب معرفة الواجب من الندب يجب إيقاع كل منهما على وجهه
فيوقع الواجب على وجه الوجوب والمندوب على وجه الندب فلو خالف بأن نوى بالواجب الندب عمدا أو جهلا
بطلت الصلاة للاخلال بالواجب على ذلك الوجه المقتضى للبطلان إلا ما استثنى وليس هذا منه ولعدم إتيانه
بالمأمور به على وجهه فلم يطابق فعله ما في ذمته لاختلاف الوجه ويمتنع إعادته لئلا يلزم زيادة أفعال
الصلاة عمدا فلم يبق إلا البطلان ولو عكس بأن نوى بالمندوب من الأفعال الوجوب فإن كان الفعل ذكرا
بطلت الصلاة أيضا للنهي المقتضى للفساد ولأنه كلام في الصلاة ليس منها ولا مما استثنى فيها وإن كان فعلا
كالطمأنينة اعتبر في الحكم بإبطاله الكثرة التي تعتبر في الفعل الخارج عن الصلاة وإن لم يكن كثيرا لم تبطل
ويقع لغوا مع احتمال البطلان به مطلقا للنهي المقتضى للفساد ويؤيده أن تروك الصلاة لا يعتبر فيها الكثرة عدا الفعل
الكثير كالكتف والاستدبار ودخوله تحت الفعل الكثير إنما يتم لو لم يكن النهى حاصلا في أول الفعل الذي مجرده
كاف في البطلان واستقرب الشهيد رحمه الله في البيان الصحة في هذا القسم مطلقا لان نية الوجوب إنما أفادت
248

تأكيد الندب إذ الواجب والندب يشتركان في الاذن في الفعل وينفصل الواجب عنه بالمنع من الترك ونية هذا القدر
مع كون الفعل مشروعا في نفسه غير مؤثر ويضعف بأنه تأكيد للشئ بما ينافيه إذ الوجوب والندب متباينان
تباينا كليا كما إن متعلقاهما كذلك فيمتنع قيام أحدهما مقام الاخر وأصل الرجحان الذي هو جنس لهما إنما
يتقوم بفصله وهو المنع من الترك ليصير واجبا أو عدمه ليصير مندوبا ويمتنع قيام الجنس بدون فصله وأورد بأن
النية إنما تؤثر في الشئ القابل لمتعلقها وما جعله الشارع ندبا يستحيل وقوعه واجبا فكان الناوي نوى المحال فلا
تؤثر نيته كما لو نوى الصعود إلى السماء ويجاب بأن المانع قصد ذلك وتصويره بصورة الواجب وإن لم يكن كذلك شرعا
ولو كان المعتبر من ذلك ما يطابق مراد الشارع لم يتصور زيادة الواجب فإن المكلف إذا أتى به لم يتصور كون ما يأتي
على صورته واجبا واعلم إن المعتبر في الفعل الكثير هنا مجموع ما نوى به الوجوب لا القدر الزائد على المندوب فلو نوى
بجلسة الاستراحة الوجوب لم يستثن منه مسمى الجلوس واعتبار الكثرة في الباقي وعدمها لوقوع المجموع غير مشروع باعتبار
النية فلا يصرف منه إلى الاستراحة المشروعة شئ لتنافي الوجه واحتمل الشهيد في بعض تحقيقاته تخصيص الحكم
بالزائد فلا تبطل إلا أن يكون الزائد كثيرا وهو غير واضح فإن الزائد خارج عن محل الفرض إذ لا يوصف بالندب و
إنما الكلام عما يمكن صرفه إلى جلسة الاستراحة مثلا ليتحقق كونه مندوبا وقع على غير وجهه وهو موضع المسألة
إذا تقرر ذلك فالواجب من الصلاة اليومية سبعة بناء على عدم وجوب التسليم
الأول القيام وقدمه على
النية لكونه من جملة شروطها والشرط مقدم على المشروط ومن قدمها عليه نظر إلى أنه لا يجب حتما إلا بعد النية و
التكبير فيكونان شرطا في وجوبه ليتمحض جزءا من الصلاة إذ هو قبل تمامها غير واجب حتما بل يجوز تركه
إلا لعارض
كضيق وقت ونحوه وهو أي القيام ركن في الصلاة والركن لغة الجزء الأقوى وشرعا كذلك إلا أن الركن في
الصلاة عند أصحابنا ما تبطل الصلاة لو أخل به سواء كان الاخلال عمدا أو سهوا وكذا بزيادته إلا ما يستثنى وإنما
يكون ركنا مع القدرة عليه أما مع العجز عنه فالركن بدله كالجلوس والاضطجاع فتبطل الصلاة أيضا بتركهما
كذلك وعلى وجوب القيام وركنيته إجماع المسلمين نقله المصنف في المنتهى واعلم أن إطلاق القول بركنية القيام
بحيث تبطل الصلاة بزيادته ونقصانه سهوا لا يتم لان القيام في موضع قعود وعكسه سهوا غير مبطل اتفاقا
بل التحقيق إن القيام ليس بجميع أقسامه ركنا بل هو على أنحاء القيام المتقدم على النية بيسير ليتحقق وقوعها بأجمعها
في حالة القيام موصوف بالشرطية لتقدمه على الصلاة واعتباره فيها والقيام في النية متردد بين الشرط والجزء
كحال النية والقيام في التكبير تابع له في الركنية والقيام في القراءة من حيث هو قيام فيها كالقراءة واجب غير ركن
وإن كان من حيث إمكان دخوله في الماهية الكلية قد يوصف بالركنية والقيام المتصل بالركوع ركن فلو
ركع جالسا بطلت صلاته والقيام من الركوع واجب غير ركن إذ لو هوى من غير رفع ناسيا لم تبطل صلاته
والقيام في القنوت تابع له في الاستحباب لجواز تركه لا إلى بدل واستشكل ذلك المحقق الشيخ على بأن قيام
القنوت متصل بقيام القراءة ففي الحقيقة هو كله قيام واحد فكيف يوصف بعضه بالوجوب وبعضه بالاستحباب و
هذا الشك غريب فإن مجرد اتصاله به مع وجود خواص الندب فيه لا بدل على الوجوب والحال أنه ممتد يقبل الانقسام
إلى الواجب والندب فإن قيل القيام المتصل بالركوع هو بعينه القيام في القراءة إذ لا يجب قيام آخر بعدها قطعا
فكيف يجتمع فيه الركنية وعدمها قلنا لا يلزم من اتصاله بالركوع كونه للقراءة بل قد يتفق لا معها كناسي
249

القراءة فإن القيام كان وإن وجب سجود السهو وكذا لو قرأ جالسا ناسيا ثم قام وركع فأد أي الركن به من غير قراءة
وعلى تقدير القراءة فالركن منه هو الامر الكلى وهو ما صدق عليه اسم القيام متصلا بالركوع وما زاد على ذلك موصوف
بالوجوب لا غير وهذا كالوقوف بعرفة فإنه من حيث هو كلي ركن ومن حيث الاستيعاب واجب لا غير فإن قيل على تقدير
اتصاله بالركوع لا يتصور زيادته ونقصانه لا غير حتى بنسب بطلان الصلاة إليه فإن الركوع ركن قطعا وهو أما
مزيد أو ناقص وكلاهما مبطل من حيث الركوع فلا فائدة في إطلاق الركنية على القيام قلنا استناد البطلان إلى
مجموع الامرين غير ضائر فإن علل الشرع معرفان للأحكام لا علل عقلية فلا يضر اجتماعها ومثله الحكم ببطلان الصلاة
بسبب إيقاع التكبير جالسا كما سيأتي مع أن ذلك يستدعى وقوع النية كذلك وحيث قد نقل المصنف الاتفاق على
ركنية القيام ولم يتحقق ركنيته إلا بمصاحبة الركوع خصت بذلك إذ لا يمكن القول بعد ذلك بأنه غير ركن
مطلقا لأنه خلاف الاجماع بل لو قيل بأن القيام ركن مطلقا لكن وعدم بطلان الصلاة بزيادة بعض أفراده
ونقصها لا يخرجه عن الركنية فان زيادته ونقصانه قد اغتفرا في مواضع كثيرة للنص فليكن هذا منها بل هو أقوى
في وضوح النص
ويجب في القيام الاستقلال وهو الاستبداد به من غير معاون بمعنى أن يكون غير مستند إلى شئ
بحيث لو أزيل السناد سقط فلا يجزى القيام من دونه لقول الصادق عليه السلام لا تستند إلى جدار وأنت تصلي
إلا أن تكون مريضا وقد روى علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل هل له أن يستند إلى حائط المسجد
وهو يصلى أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة فقال لا بأس وهو حجة أبى الصلاح حيث ذهب
إلى كراهة الاعتماد على ما يجاور المصلى من الأبنية والأولى حمله على استناد لا يصل إلى الحيثية المتقدمة جمعا
بينه وبين ما دل على تحريم الاستناد واعلم أن الاستقلال استفعال من الاقلال بالشئ وهو القدرة عليه و
الاستبداد به والمراد به هنا إيجاد الفعل لا طلبه كما هو الغالب في باب الاستفعال وجاء من غير الغالب استوقد نارا
أي أوقد ومنه استقر بمعنى قر وقد تقدم الكلام فيه مرة أخرى ويجب مع الاستقلال نصب فقار الظهر بفتح الفاء
وهي عظامه المنتظمة في النخاع التي تسمى خرز الظهر جمع فقرة بكسرها فينحل به الميل إلى اليمين واليسار بحيث لا يعد منتصبا
عرفا دون إطراق الرأس وكذا يجب الاعتماد على الرجلين معا في حال القيام فلا تجزى الواحدة وفاقا للذكرى وتأسيا
بالنبي والأئمة عليهم السلام وإن لا يتباعد إنما يحرج عن حد القيام عرف فإن عجز عن القيام مستقلا اعتمد على
شئ ولو بأجرة إذا كانت مقدورة لأنه من باب مقدمة الواجب المطلق ولا فرق بين الاعتماد على الآدمي وغيره ولا
تعتبر القدرة على القيام في جميع القراءة بل يأتي بالممكن منه ولا القدرة على الركوع والسجود بل لو أمكن القيام من دونهما
وجب ثم يأتي بما قدر منهما فإن تعذرا أومأ بالرأس ثم بالعينين ولا القدرة على المشي بل لو أمكن القيام دونه وجب
لأنه المقصود الذاتي وربما قيل باشتراطه لرواية سليمان المروزي عن الكاظم عليه السلام المريض إنما يصلى قاعدا
إذا صار إلى الحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته وحملها الشهيد رحمه الله على من يتمكن من القيام إذ قدر على المشي للتلازم بينهما غالبا قال فلا يرد جواز انفكاكهما وفيه نظر لأنه تخصيص للعام من غير ضرورة مع أن
الرواية تدل على أن من قدر على القيام ماشيا لا يصلى جالسا بمعنى أن القيام غير مستقر مرجح على القعود مستقرا
وهو اختيار المصنف فلا يحتاج إلى تكلف أبحاث عن التلازم بين القيام والمشي غالبا ورجح في الذكرى الجلوس في
هذه الصورة محتجا بأن الاستقرار ركن في القيام إذ هو المعهود من صاحب الشرع والخبر حجة عليه وكون الاستقرار
250

واجبا في القيام لا يستلزم تقديم الجلوس على القيام بدونه فإن المشي يرفع وصف القيام وهو الاستقرار والجلوس
يرفع أصله وفوات الوصف خاصة أولى من فوات الموصوف ومن ثم اتفق الجماعة على أن من قدر على القيام معتمدا
على شئ وجب مقدما على الجلوس مع فوات وصف القيام وهو الاستقلال نعم بالغ المصنف فرجح القيام ماشيا
مستقلا عليه مع المعاون ويضعف بأن الفايت على كل تقدير وصف من القيام أحدهما الاستقرار والاخر
الاستقلال فلا وجه لترجيح الثاني نعم يتجه ترجيح الأول لما تقدم في حجة ترجيح القعود على المشي إذ لا
معارض لها
هنا ولأنه أقرب إلى هيئة المصلى فظهر من ذلك أن التفصيل أجود من إطلاق المصنف ترجيح المشي عليهما وإطلاق
الشهيد القول بترجيحهما عليه فإن عجز عن القيام في جميع هذه التقادير قعد ويتحقق العجز المسوغ له بحصول
الألم الشديد الموجب للتضيق على النفس بحيث لا يتحمل عادة لا العجز الكلى وكذا القول في باقي المراتب ولا يختص
القعود بكيفية وجوبا بل يقعد كيف شاء نعم الأفضل أن يتربع قاريا بأن يجلس على ألييه وينصب ساقيه و
فخديه كما تجلس المرأة في الصلاة ويثني رجليه راكعا بأن يفرشهما تحته ويقعد على صدورهما بغير اقعاء ويتورك
بين السجدتين بأن يجلس على وركه الأيسر ويخرج من تحته ويجعل ظاهر الأيمن على باطن الأيسر ويجب الانحناء
للركوع قاعدا بحيث يصير نسبة انحنائه إلى القاعد المنتصب كنسبة ركوع القائم إليه منتصبا فيجعل المائل من شخصه
في ركوعه قاعدا كالمائل منه قائما ويحتمل جعله على وجه يكون النسبة بينه وبين السجود كنسبة ركوع القائم إلى
سجوده باعتبار أكمل الركوع وأدناه فإن أكمل ركوع القائم انحناؤه إلى أن يستوى ظهره وعنقه ويحاذي جبهته
موضع سجوده حينئذ وأدناه انحناؤه إلى أن تصل كفاه ركبتيه فيحاذي وجهه أو بعضه ما قدام ركبتيه ولا يبلغ
محاذاة موضع السجود فإذا روعيت هذه النسبة في حال القعود كان أكمل ركوع القاعد أن ينحنى بحيث تحاذي جبهته
وضع سجوده وأدناه أن يحاذي وجهه ما قدام ركبتيه من الأرض وهو قريب من الأول واختار الشهيد رحمه الله
مع ذلك رفع فخذيه عن الأرض وعن ساقيه لوجوب ذلك في حال القيام والأصل بقاؤه إذ لا دليل على اختصاص
وجوبه بحالة القيام وفيه نظر لان ذلك في حال القيام غير مقصود وإنما حصل تبعا للهيئة الواجبة في تلك الحالة
وهي منتفية هنا ولانتقاضه بالصاق بعض بطنه بفخذيه في حال الركوع جالسا زيادة على ما يحصل منه في
حالته قائما ولم يقل بوجوب مراعاة ذلك هنا بحيث تجافى بطنه على تلك النسبة نعم لو قدر على الارتفاع زيادة
عن حالة الجلوس ودون الحالة التي يحصل بها مسمى الركوع وأوجبناه تحصيلا للواجب بحسب الامكان ولأن الميسور
لا يسقط بالمعسور اتجه وجوب رفع الفخذين في صورة النزاع إلا أنه لا ينحصر الوجوب فيما به تحصل مجافاتهما عن الساقين
والأرض بل يجب ما أمكن من الرفع وفى وجوب ذلك كله نظر وأما السجود فلا فرق بينه وبين القادر على القيام
وكما يجب الاستقلال بالقيام كذا يجب القعود فلا يجوز الاعتماد على شئ كما مر ويجب تحصيل المساعد عند تعذر
الاستقلال من باب المقدمة وكذا القول في باقي المراتب فإن عجز عن القعود مطلقا اضطجع على أحد جانبيه
ويجعل وجهه إلى القبلة كالملحود ثم إن قدر على الركوع والسجود أو أحدهما وجب الاتيان به وإلا أومئ لما عجز عنه
منهما أو من أحدهما برأسه ثم بعينيه كما سيأتي ومقتضى إطلاق العبارة التخيير بين الجانبين فلا يتحتم الاضطجاع
على الأيمن للقادر عليه وبه صرح في النهاية والتذكرة والأصح تقديم الأيمن على الأيسر مع الامكان لقول الصادق
عليه السلام في رواية حماد المريض إذا لم يقدر أن يصلى قاعدا يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جنبه الأيمن
251

ثم يومى بالصلاة فإن لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه جائز ويستقبل بوجهه القبلة وظاهر الرواية
وإن كان يقتضى استواء الاستلقاء والاضطجاع على الأيسر عند تعذر الأيمن لقوله فإن لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف
ما قدر إلا أن قوله ويستقبل بوجهه القبلة يدل على الانتقال الأيسر لان به يحصل الاستقبال بالوجه حقيقة
دون الاستلقاء فإن عجز عن ذلك كله استلقى على ظهره وجعل باطن قدميه إلى القبلة ووجهه بحيث لو جلس كان
مستقبلا كالمحتضر والمراد في هذه المراتب ونظايرها حصول المشقة الكثيرة التي لا يتحمل مثلها عادة كما مر سواء
نشأ منها زيادة المرض أم حدوثه أم بطؤ برئه أم لا لا العجز الكلى فإن تحمل المشقة الشديدة ضرر عظيم مدفوع شرعا
وإن أمكن تحمله عقلا وفى حالتي الاضطجاع والاستلقاء يجب عليه تقريب جبهته إلى ما يصح السجود عليه أو تقريبه إليها
والاعتماد بها عليه ووضع باقي المساجد كما سبق فإن تعذر الاعتماد وجب ملاقاة الجبهة لان الميسور لا يسقط بالمعسور
فإن تعذر جميع ذلك أومأ للركوع والسجود برأسه وجعل الايماء للسجود أزيد ولو تعذر تحريك الرأس يجعل قيامه
للنية والتكبير والقراءة وما يتبعها فتح عينيه معا وركوعه تغميضهما ورفعه من الركوع فتحهما وسجوده الأول
تغميضهما ورفعه منه فتحهما وسجوده ثانيا تغميضهما ورفعه فتحهما مع إمكان الفتح والتغميض وإن لم يكن مبصرا
وإلا أجرى الأفعال على قلبه كل واحد منها في محله وأجرى الأذكار على لسانه إن أمكن وإلا أحضرها بالبال ويجب أن
يقصد بهذه الابدال كونها تلك الأفعال إذ لا يعد التغميض مثلا ركوعا ولا ينفك المكلف عنه غالبا إلا بالنية فلا
يصير بدلا إلا بالقصد إليه وكذا القول في الفتح مع احتمال عدم اشتراط القصد كما لا يشترط ذلك في القراءة جالسا
والركوع كذلك ونحوهما لصيرورتها أفعالا في تلك الحال وهي لا تفتقر إلى النية الخاصة فإن الصلاة متصلة شرعا
يكتفى فيها بنية واحدة لجميع أفعالها وهل يلحقه حكم المبدل فتبطل الصلاة بزيادته مطلقا لو كان ركنا أو مع
العمد لو كان غيره الظاهر ذلك لأنه فعل من أفعال الصلاة شرعا والتغميض مثلا ركوع شرعا وإن لم يكن كذلك
لغة أو عرفا وإنما يتجه ذلك مع اعتبار القصد أما مع عدمه فيحتمل عدم البطلان إذ لا يعد ذلك فعلا من أفعال
الصلاة مطلقا بل إذا وقع في محله المأمور بإيقاعه فيه ووجه إلحاقه بالركن مطلقا قيامه مقامه في تلك الحالة و
كون المبطل هو الاتيان بصورة الأركان وهو متحقق هنا وكذا القول في قيام الحالات التي هي بدل من القيام
مقامه في الركنية وهكذا يفعل في باقي الركعات وفى جميع الصلوات وهذا كالمستغنى عنه إذ لا إشعار في العبارة
أولا باختصاص البحث بالركعة الأولى أو بركعة معينة حتى يحتاج الحال إلى إلحاق الباقي بها وإنما وقع البحث
عن طبيعة القيام والركوع والسجود ولو تجدد عجز القائم بأقسامه قعد في أي فعل كان ثم إن كان قبل القراءة قرأ
قاعدا أو في أثنائها بنى على ما مضى منها من غير استيناف وهل يقرأ في حالة الهوى قيل نعم وهو اختيار المصنف والأكثر
لان حالة الهوى أعلى من حالة القعود فيكون أولى بالقراءة لكونه أقرب إلى ما كان عليه واختلف قول الشهيد في
ذلك فوافق الأصحاب في بعض كتبه واستشكله في الذكرى بأن الاستقرار شرط مع القدرة ولم يحصل وأيد
الاشكال برواية السكوني عن الصادق عليه السلام في المصلى يريد التقدم قال يكف عن القراءة في مشيه حتى
يتقدم
ثم يقرا ويجاب بأن الاستقرار شرط في القراءة مع الاختيار لا مطلقا وحصوله بعد الانتقال إلى الأدنى يوجب
فوات الحالة العليا بالكلية وعلى تقدير القراءة يفوت الوصف خاصة وهو الاستقرار وفوات الصفة أولى من
فوات الموصوف والصفة أو الموصوف وحده وقد تقدم الكلام على نظيره فيما لو تعارض الصلاة قائما غير مستقر
252

وجالسا مستقرا وأما الرواية فعلى تقدير الالتفات إليها لا حجة فيها على محل النزاع بوجه لان الحالتين متساويتان
في الاختيار بخلاف المتنازع ولو ثقل بعد الفراغ من القراءة ركع جالسا ولو كان في أثناء الركوع فإن كان بعد
الذكر جلس مستقرا للفصل بينه وبين السجود بدلا عن القيام من الركوع إن لم يمكنه رافع رأسه في حال هويه ولو كان
قبل الذكر ففي الركوع جالسا أو الاجتزاء بما حصل من الركوع وجهان مبنيان على أن الركوع هل يتحقق بمجرد الانحناء
إلى أن تصل كفاه ركبتيه والباقي من الذكر والطمأنينة والرفع أفعال خارجة عن حقيقته أم جزء منه وسيأتي
الكلام فيه إن شاء الله فيمن ذكر راكعا أنه ركع من قبل والأصح أن مسمى الركوع يتحقق بمجرد الانحناء المذكور فلا
يركع جالسا مرة أخرى لئلا يلزم زيادة الركن ثم إن تمكن من الذكر في حال الهوى على هيئة الراكع والاستمرار
عليه حتى يصير ركوع قاعد وجب وأكمله كذلك وإلا سقط وجلس للفصل ثم سجد ويجئ على القول بتقديم الحالة الدنيا
مع الاستقرار على العليا لا معه كما مر في القراءة وجوب النزول راكعا ليوقع الذكر مستقرا حالة الركوع جالسا
وسيأتي مثله فيما لو خف في أثناء الركوع أنه يقوم راكعا إلى حده ولو ثقل بعد الرفع من الركوع وقبل الطمأنينة
جلس مطمئنا ثم سجد ولو كان بعدها لم تجب الطمأنينة في الجلوس ولو عجز القاعد أو القائم عن القعود اضطجع قاريا
في انتقاله كما مر أو المضطجع عنه أو القاعد عن الاضطجاع أو القائم عنه وعن القعود استلقى ويقرأ في الجميع ولو تجددت
قدرة العاجز عن القيام عليه قام سواء في ذلك القاعد والمضطجع والمستلقي وكذا لو قدر من هو على حالة دنيا على ما
هو أعلى منها انتقل إليها تاركا للقراءة إن كانت القدرة في أثنائها أو قبلهما لانتقاله إلى الحالة العليا ويبنى
على ما قراه في الحالة الدنيا قيل ويجوز الاستيناف بل هو أفضل ليقع القراءة متتالية في الحال الأعلى وقد يشكل
باستلزامه زيادة الواجب مع حصول الامتثال وسقوط الفرض ولو خف بعد القراءة وجب القيام للهوى إلى الركوع
ليركع عن قيام لما تقدم من أن القيام الركني إنما يتحقق مع اتصاله بالركوع ولم يحصل قبل في البدل ولا تجب الطمأنينة
في هذا القيام وفاقا للمصنف لان وجوبها إنما كان لأجل القراءة وقد أتى بها واحتمل في الذكرى الوجوب لضرورة كون
الحركتين المتضادتين في الصعود والهبوط بينهما سكون فينبغي مراعاته ليتحقق الفصل بينهما ولأن ركوع القائم
يجب أن يكون عن طمأنينة وهذا ركوع قائم ولأن معه تيقن الخروج عن العهدة ويشكل الأول بأن الطمأنينة التي
أثبتها عين المتنازع لان الكلام في الطمأنينة عرفا وهي أمر زائد على ذلك وقد نوزع في الكلام في استلزام الحركتين
المتضادتين سكونا مع الاجماع على وجوب الطمأنينة في موضع يتحقق انحفافه بالحركتين كالقيام من الركوع و
أنه لو هوى من غير طمأنينة بطل وذلك يدل على عدم استلزامه الحركتين طمأنينة أو على أن ما يحصل غير كاف بل
لا بد من تحققها عرفا والثاني بأنه عين المتنازع فإن موضع الوفاق في اشتراط الركوع عن طمأنينة هي ما تحصل
في قيامها قراءة ونحوها فتكون الطمأنينة واجبة لذلك لا لذاتها والثالث بأنه احتياط لا يتحتم المصير إليه ولا
ريب في أن فعلها أحوط ولو خف في الركوع قبل الطمأنينة وجب إكماله بأن يرتفع منحنيا إلى حد الراكع وليس له
الانتصاب لئلا يزيد ركنا ثم يأتي بالذكر الواجب من أوله وإن كان قد أتى ببعضه بناء على الاجتزاء بالتسبيحة الواحدة
فلا يجوز البناء على بعضها لعدم سبق كلام تام ويحتمل ضعيفا البناء بناء على أن هذا الفصل يسير لا يقدح بالموالاة
ولو أوجبنا تعدد التسبيح الصغير وكان قد شرع فيه فإن كان في أثناء تسبيحة استأنفها كما مر وإن كان بين
تسبيحتين أتى بما بقي واحدة كان أو ثنتين ولو خف بعد الذكر فقد تم ركوعه فيقوم معتدلا مطمئنا ولو خف
253

بعد الاعتدال من الركوع قام ليسجد عن قيام ثم إن لم يكن قد اطمأن وجبت في القيام وإلا كفى ما يتحقق به الفصل
بين الحركتين المتضادتين واستشكل المصنف وجوب القيام لو كانت الخفة بعد الطمأنينة مما ذكرناه ومن إمكان
كون الهوى للسجود ليس واجبا برأسه بل من باب المقدمة فيسقط حيث يمكن السجود بدونه من غير نقص في باقي
الواجبات ولو تمكن المصلى قاعدا أو ما دونه من القيام للركوع خاصة وجب لأنه واجب مستقل فلا يرتبط فعله
بالقدرة على غيره ولقوله صلى الله عليه وآله إذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم
الواجب الثاني
النية وهي إرادة الفعل المخصوص المتعبد به مقارنة له لله تعالى والأصل فيها قوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا
الله مخلصين له الدين ولا يتحقق الاخلاص بدونها وقوله صلى الله عليه وآله إنما الأعمال بالنيات ومعناه أن
الأعمال لا تكون معتبره بحيث يترتب عليه أثرها بدون النية وقد أجمع على توقف الصلاة عليها ولكن اختلف في
كونها شرطا لها أو جزءا منها مع الاتفاق على بطلان الصلاة بتركها عمدا وسهوا فذهب المصنف إلى أنها ركن فيها
والمراد بالركن ما يلتئم منه الماهية مع بطلان الصلاة بتركه مطلقا كالركوع والسجود أو ما يشتمل عليه الماهية
من الأمور الوجودية المتلاحقة مع القيد المذكور ولما كانت النية مقارنة للتكبير الذي هو جزء وركن وتعتبر
فيها ما يعتبر في الصلاة من القيام والاستقبال والستر والطهارة وغير ذلك وتبطل الصلاة بتركها مطلقا
دل ذلك على ركنيتها ولقوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين فإنه اعتبر العبادة حالة الاخلاص وهو
المراد بالنية ولا يعتبر إلا ما كان منضما مع الشئ بحيث يشمل الكل حقيقة واحدة وفيه نظر إذ لا دلالة لوجوب
المقارنة للجزء على كون المقارن جزأ بإحدى الدلالات واعتبار ما يعتبر في الصلاة جاز أن يكون بسبب وجوابها المقارنة
لا لكونه جزءا فلم قلتم بدلالته على الجزئية وما الدليل على انحصار المشترط بالشروط المذكورة في الجزء ودلالة اعتبار
العبادة في حالة الاخلاص على عدم كون النية جزءا أولى من دلالته عليه لان الحال وصف خارج عن صاحبه
وهو فضلة في الكلام فلو كان جزءا كان عمدة ومتى وجد الحال جزءا من صاحبه حتى يصح هنا ومن ثم ذهب المحقق
في المعتبر إلى أنها شرط لا جزء فإن المراد بالشرط ما يتوقف عليه تأثير المؤثر مع تقدمه عليه كالطهارة وستر العورة
أو ما يساوق جميع ما يعتبر في الصلاة وظاهر أن النية كذلك والمساوقة حاصلة في الاستدامة الحكمية فإنها
إنما أجزأت عن الاستدامة الفعلية لتعذرها أو تعسرها وإلا فالدليل الدال على اعتبارها في العبادة دال على
استصحابها فعلا لولا الحرج والعسر المنفيان بالآية والرواية ولأن أول الصلاة التكبير لقوله صلى الله عليه وآله
وتحريمها التكبير والنية سابقة عليه أو مقارنة لأوله ولأنها لو كانت جزءا لافتقرت إلى نية أخرى ويتسلسل
ولأنها تتعلق بالصلاة فلا تكون جزءا وإلا لزم تعلق الشئ بنفسه ولأن قوله صلى الله عليه وآله إنما الأعمال بالنيات
يدل على مغايرة العمل للنية وأجيب عن الأول بعدم منافاته للجزئية لتوقف التأثير على سائر الأجزاء وعن الثاني
بأنه مصادرة على المطلوب وعن الثالث بمنع الملازمة لمنع كلية المقدمة القائلة إن كل عبادة جميعها تتوقف على النية
لخروج النظر المعرف لوجوب النظر والمعرفة فلتخرج النية أيضا وعن الرابع بأن النية لما خرجت من الكلية
كان متعلقها بقية أجزاء الصلاة فلا تتعلق بنفسها فمعنى قول المصلى أو قصده أصلى عبارة عن الاتيان بمعظم أفعال
الصلاة تسمية للشئ باسم الكثرة وعن الخامس بأن المغايرة حاصلة بين جزء الماهية وكلها ضرورة كيد زيد و
رأسه وركوع الصلاة وسجودها فإن المضاف خارج عن المضاف إليه فلا يلزم منه الشرطية وفى هذه الأجوبة
254

نظر لان مدعى الشرطية لا يحتج بمجرد توقف التأثير على النية بل بالمجموع منه ومن التقدم وظاهر أن الأمرين
معا لا يشارك الجزء فيهما الشرط وإنما اتفق الجواب هكذا لتعريف بعضهم الشرط بما يتوقف عليه التأثير من غير
قيد فكان الجواب عنه والمصادرة إنما تتم لو ادعى الخصم إن أول الصلاة النية والاخر إن أولها التكبير من غير
دليل والامر هنا ليس كذلك بل مدعى إن أول الصلاة التكبير يستند إلى قول النبي صلى الله عليه وآله تحريمها
التكبير وإذا ثبتت دلالته بطل القول بأن أولها النية فلا يكون مصادرة بل الأولى في الجواب منع دلالة بخبر
على أولية التكبير إذ لا يلزم من وصفه بالتحريم كونه أولا إذ لا امتناع في كون التحريم يحصل بالجزء الثاني و
الثالث وغيرهما فإن ذلك موقوف على حكم الشارع فيرجع في الأولية إلى دليل آخر وتخلف الحكم بتوقف العمل
على النية في صورة النظر الموجب للمعرفة لا ينقض الكلية فيما عداها لان الحصر المستفاد من إنما في الرواية
أفاد توقف جميع الأعمال على النية فكلما خرج منه من الافراد بقي الباقي داخلا في مدلول اللفظ ولا دليل
على اخراج النية من البين فالايراد لازم ومنه يعلم فساد الجواب الرابع فإن العدول فيه إلى المعنى المجازى متفرع
على عدم صحة المعنى الحقيقي وهو تعلق النية بمجموع العبادة وأما مغايرة النية للعمل وعدم كونها جزءا منه فكأنه
في خبر الوضوح إذ لا يشك عاقل في كون نية الخياطة والكتابة وأشباههما من الأعمال ليست جزءا منها ولا
فرق بينها وبين الصلاة إلا ما تقدم من اشتراطها بباقي الشروط المتقدمة غيرها ولا دلالة فيه على الجزئية
إذ شروط الصلاة ليست على وتيرة واحدة حتى تخرج النية بمخالفتها عن الشرطية إلا ترى أن الطهارة شرط في
الصلاة مطلقا فتبطل بدونها عمدا وسهوا والاستقبال لا تبطل بدونه سهوا على بعض الوجوه كما مر تفصيله والستر مختلف
في كونه شرطا مطلقا أو مع العلم إلى غير ذلك من الاختلاف ومن المقرر إن القدر الجامع بينها كون المشروط عدما عند عدم
شرطه فإذا لم تخرج هذه الشرايط عن الشرطية بهذا الاختلاف فما الذي أخرج النية عنه بمخالفته لها فيما ذكر مع
تخلفه عنها في ذلك لعارض وهو اعتبار مقارنتها للتكبير الموجب لتقدم باقي الشرائط عليها فاشتراطها بها لا لذاتها
بل لهذا الوجه وذهب بعض الأصحاب إلى كونها مترددة بين الجزء والشرط وأنها بالشرط أشبه جمعا بين الأدلة
لتعارضها وإن كان بعضها غير تام وأنت خبير بعد الإحاطة بما مر أن يقول بالشرطية أوضح واعلم أنه لا ثمرة مهمة
في تحقيق هذا الخلاف إلا بيان الواقع لاتفاق القولين جميعا على أنه يبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا ولو أطلق
عليها الركن بهذا الاعتبار لا غير جاز لأنه العمدة في إطلاق الركن كما جعل ابن حمزة الأركان ستة وأضاف إلى الخمسة المشهورة
استقبال القبلة ونفى عنه المصنف البأس محتجا ببطلان الصلاة بترك الاستقبال ناسيا وقد تظهر فائدة القولين
فيما لو نذر الصلاة أو للمصلى في الوقت المعين فاتفق فيه مقارنة التكبير لأوله فإن جعلناها جزءا لم يبر ولم يستحق
وإن جعلناها شرطا بر واستحق وفرع بعضهم على القولين ما لو سهى عن فعل النية بعد التكبير ففعلها ثم ذكر
قبل أن يكبر فعلها سابقا فحكم ببطلان الصلاة على الأول لزيادة الركن دون الثاني وليس بجيد لان زيادة النية
مما يستثنى من بطلان الصلاة بزيادة الركن لان استحضار النية في مجموع الصلاة هو الواجب لولا المشقة كما تقدم
مرارا والاكتفاء بالاستدامة حكما ارتفاقا بالمكلف ولا يكون استحضارها في أثناء الصلاة عمدا وسهوا متنافيا
بوجه من الوجوه ولو قيل أن القصد إلى استينافها يقتضى بطلان الأولى فهو خروج عن المسألة فإن ذلك لا يختص بكونها
ركنا فإن سبب البطلان حينئذ نية القطع أو عدم الاستدامة الحكمية وربما فرع بعضهم على القول بالشرطية جواز إيقاعها قاعدا
ح
255

وغير مستقبل بل وغير متطهر ولا مستور العورة وليس بسديد لان المقارنة المعتبرة للجزء ففي هذه الاحتمالات فإن
قيل هذا يتم في غير الجلوس إذ يمكن مقارنة التكبير لأول جزء من القيام بحيث يقع مجموع النية قبل تمامه قلنا
سيأتي إن شاء الله تعالى إن النية أمر واحد بسيط وهو القصد إلى فعل الصلاة والمعتبر منه مع طول زمانه القدر
المقارن للتكبير لا غير ولا ريب إن القطع بكون التكبير وقع بأجمعه في حال القيام مستقرا يقتضى سبق جزءا يسير من القيام
على أوله من باب المقدمة وذلك الجزء كاف في وقوع النية فيه فإن قيل ما ذكرتم في التكبير آت في النية لان القيام
إن كان معتبرا فيها بحيث يتحقق وقوعها فيه لزم تقدمه عليها بأن يسير كما في التكبير وإن لم يعتبر ذلك لم يكن
القيام شرطا بل المعتبر تحقق وقوع التكبير قائما قلنا لما كانت النية قصدا بسيطا لم تفتقر إلى زمان طويل بل ذلك
القدر المتقدم على التكبير كاف فيه فإن القصد يمكن استمراره زمانا طويلا وليست النية مجموع ما وقع منه في
الزمان بل كل جزء منه واقع في طرف من الأزمنة وإن قل كاف في تحققها والجزء اليسير من القيام كاف في صحتها
مع أنه لو قيل بعدم وجوب القيام في النية وإن اتفق وقوعها قائما لضرورة وقوع التكبير قائما أمكن ومن ادعى
خلاف ذلك طولب بدليله وليست المسألة إجماعية وقد قال المصنف في النهاية إن الأقوى اشتراط القيام في النية
وهو إشارة إلى الخلاف في وجوب القيام في النية وربما فهم منه كون عدم الوجوب قويا حملا لافعل التفضيل
على بابه الأغلب من اقتضائه اشتراك المصدر بين المفضل والمفضل عليه والله أعلم إذا تقرر ذلك فعد إلى تحقيق
النية واعلم إن النية عبارة عن القصد إلى فعل شئ من الأفعال ولما كان القصد لا بد من تعلقه بمقصود معين
لان قصد المجهول بكل وجه عبث لا يترتب عليه الأثر شرعا فلا بد لقاصد الصلاة من تشخيص النوع الذي يريده
منها بجميع مميزاته من كونها ظهرا مثلا واجبة أو مندوبة أداء أو قضاء ثم يقصد فعل هذا المشخص على وجه التقرب
إلى الله تعالى فالنية أمر واحد وهو القصد والباقي في مميزات المقصود لا أجزاء للنية وقول المصنف ويجب أن يقصد فيها
تعيين الصلاة من كونها ظهرا أو عصرا مثلا والوجه الواقعة عليه من كونها واجبة أو مندوبة والتقرب بها إلى الله
تعالى قرب الشرف والرفعة بواسطة نيل الثواب المترتب على فعلها على الوجه المأمور به والأداء وهو فعلها في
الوقت المحدود لها شرعا والقضاء وهو فعل مثل الفائت في غير وقته غير واضح في أداء المعنى المقصود من النية
فإنها ليست القصد إلى التعيين والوجه وغيرهما بل إلى الفعل المعين الموصوف بالصفات الباقية فمتعلق النية ليس هو هذه
المصادر المعينة بل الفعل الموصوف بها وهو المعين المؤدى الواجب وأما التقرب فإن جعل مميزا للمقصود كما هو ظاهر العبادة
في تقديمه على الأداء والقضاء مع كونهما مميزين قطعا كان الكلام فيه كما تقدم وتوقفت صحة النية على تقرب آخر
بعد القصد إلى أفعل الموصوف بالصفات المذكورة يكون غاية الفعل المتعبد به ولا يغنى جعله مميزا عن جعله غاية
وإن أراد به التقرب المجموع غاية فتقديمه في الذكر على الأداء والقضاء ليس بجيد وإن كانت الواو لا تقتضي
الترتيب عند المحققين وقد تلخص من ذلك إن الواجب في النية إحضار الصلاة في الذهن وتمييزها بكونها ظهرا
مثلا أداء واجبة ثم يوقع النية على هذا المعلوم بأن يقصد فعله لله تعالى والعبارة عنه صلاة الظهر الواجبة
المؤداة أفعلها قربة إلى الله وعلى ترتيب النية المعهودة أصلى فرض الظهر أداء قربة إلى الله ولا يضر تقديم القصد
وهو أصلى لفظا لأنه متأخر معنى والمجوز لذلك إن مدلولات هذه الألفاظ تجتمع في الذهن دفعة واحدة
فلا فرق فيها بين المتقدم في اللفظ والمتأخر ومن هنا يعلم أنه لا ترتيب بين هذه الألفاظ بل ما يقع منه
256

فإنما هو لضرورة التعبير عنه ولا يجب الجمع بين الوجوب المميز والمجعول غاية كما في النية المشهورة المراد فيها عما ذكرناه
قوله لوجوبه قبل القربة بل يكفي الوجوب المميز عن الغائي دون العكس وأما القربة فهي الغاية الحقيقية للفعل
فلا يحتاج معه إلى غاية أخرى وإن كان الجمع بينهما أحوط موافقة للمشهور ورعاية لما يقوله المتكلمون من أنه يجب فعل
الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه من الشكر والامر واللطف ومع ذلك فقد استشكل بعضهم إعراب الألفاظ المشهورة
المعدة لها من حيث إن اللام في لوجوبه للتعليل بالعلة الغائية وقربة منصوب على المفعول له فيتعدد المفعول له من غير
توسط حرف العطف وذلك ممتنع إذ لا يقال جئتك رهبة رغبة ونحوه واعتذر بعضهم عنه بان الوجوب غاية لما قبله
والتقرب غاية للوجوب فتعدد الغاية بحسب تعدد المعنى فاستغنى عن الواو وهو عذر فاسد فإن القربة إنما هي غاية
الفعل المتعبد به لأنه انما فعل لأجلها لا الوجوب وأيضا فشرط المفعول له كونه فعلا لفاعل الفعل المعلل به وفاعل
القربة هو المكلف وليس هو فاعل الوجوب المعلل بالقربة بل فاعل الوجوب هو الله تعالى وإنما المكلف فاعل الواجب وأحدهما
غير الاخر فلا تكون القربة إلا غاية للفعل وفاعلهما واحد وهو المكلف والحق منع تعدد المفعول لأجله هنا لان المجرور
باللام ليس مفعولا لأجله كما لا يخفى ولو سلم منعنا وجوب توسط حرف العطف لفظا بل حذفه جائز اقتراحا قاعدة
مطردة كما نقله ابن هشام في المغنى وجعل منه قول الخطيئة إن امرءا رهطه بالشام منزله برمل بئرين جار شذ
ما اغتربا أي ومنزله برمل بئرين وحكى عن أبي زيد أكلت خبزا لحما تمرا بتقدير الواو قال وحكى أبو الحسن إعطه
درهما درهمين ثلاثة بإضمار أو وخرج على ذلك قوله تعالى وجوه يومئذ ناعمة عطفا على وجوه يومئذ خاشعة
وقوله إن الدين عند الله الاسلام فيمن فتح الهمزة عطفا على أنه لا إله إلا هو وقوله تعالى ولا على الذين إذا ما
أتوك لتحملهم قلت لا أجد أي وقلت لان الجواب تولوا وهذه الشواهد تحتمل وجوها من الاعراب غير تقدير العطف
ولما كان النية عبارة عن القصد إلى الأمور الأربعة على الوجه المذكور وجب إيقاعها عند أول جزء من التكبير بمعنى
أن يكون القصد إلى فعل الصلاة بمشخصاتها معنى بالقربة مقارنا لأول التكبير بحيث لا يتخلل بينهما زمان وإن قل لان
المأتي به لا كذلك عزم لا نية وهل يجب مع ذلك استحضارها فعلا إلى آخر التكبير قيل نعم وهو اختيار الشهيد لان
الدخول في الصلاة إنما يتحقق بتمام التكبير بدليل إن المتيمم لو وجد الماء قبل تمامه وجب عليه استعماله بخلاف
ما لو وجده بعد الاكمال والمقارنة معتبرة في النية فلا يتحقق بدونه ورد بأن آخر التكبير كاشف عن الدخول في
الصلاة من أوله وإلا لم يكن ا لتكبير جزءا وهو باطل واعتبار تمامه في تحقق الدخول من حيث أن التحريم إنما يكون بالمجموع
لظاهر قوله صلى الله عليه وآله وتحريمها التكبير فإذا قارنت النية أوله فقد قارنت أول الصلاة لان جزء الجزء
جزء وهذا هو الأجود وهو ظاهر اختيار المصنف ولا يجب استحضارها فعلا بعد التكبير إجماعا بل ولا يستحب لان ذلك متعذر
أو متعسر إذ الانسان لا يكاد ينفك من الذهول نعم يجب استمرارها حكما إلى الفراغ من الصلاة بمعنى عدم إحداث
ما ينافي الصلاة كالكلام والأفعال الخارجة والرياء ولو ببعض الأفعال فلو نوى الخروج من الصلاة مطلقا أو في
الحال أو ثانيه أو الرياء ببعضها أو نوى ببعض إفعال الصلاة غير الصلاة كما لو نوى بالركوع تعظيم شخص أو قتل حية
أو قصد الامرين معا بطلت لمعارضة ذلك للنية الأولى ومنافاته لها فلا يبقى المكلف آتيا بالمأمور به على وجهه
فيبقى في عهدة التكليف ولأن إرادتي الضدين متنافيتان فما ظنك بمعارضة النية الطارية للاستدامة الحكمية
الضعيفة ومقتضى إطلاق نية الخروج من الصلاة عدم الفرق بين ما لو أطلق أو قيده بالحال أو في ثانيه والحكم في الكل
257

واحد لاشتراك الجميع في العلة المقتضية لزوال النية الأولى فإن اكتفى بها وقعت أجزاء الصلاة الباقية بغير نية
معتبرة وإن جددها لم يكن مطابقا لمراد الشارع لان شرط النية مقارنتها لأول العمل إلا ما أخرجه النص الخاص كنية
العدول وللمصنف قول بأن نية الخروج في ثاني الحال لا تبطل بمجردها بل بالوصول إلى تلك الحالة باقيا على النية الطارية
فلو رجع عنها قبل البلوغ إلى الحالة المعينة لم تبطل الصلاة لانتفاء المقتضى للابطال أما في الحالة الأولى فلعدم
قصد الخروج فيها وأما الثانية فلعدم الابطال قبلها لعدم نيته وانتفاء القصد إليه عندها لان الفرض أنه تركه
قبلها ويرده أن الصلاة عبادة واحدة متصل بعضها ببعض يجب لها نية واحدة من أولها إلى آخرها فإذا نوى المنافى
في بعضها انقطعت تلك الموالاة وانفصلت تلك النية فتخرج عن الوحدة فلا يتحقق الاتيان بالمأمور به على وجهه
فيبقى على عهدة التكليف وفى حكمه ما لو علق الخروج على أمر ممكن كدخول شخص وأولى بالصحة عند القائل بالتفصيل
لامكان أن لا يوجد المعلق عليه هنا بخلاف الأول ونية فعل المنافى كنية الخروج في أصح القولين فتبطل الصلاة
بها وإن لم يفعل بل الخروج أحد المنافيات فالكلام فيهما واحد وللمصنف قول بعدم البطلان بنية فعل المنافى من دون
فعله مع حكمه بالبطلان مع نية الخروج محتجا بأن المنافى للصلاة هو فعل المنافى كالكلام عمدا لا العزم عليه و
هو غير واضح لان الخروج من الصلاة من جملة المنافيات فنيته كنية غيره منها نعم النافي سبب في الخروج من الصلاة
لا عينه إلا أن ذلك غير مؤثر مع اشتراكهما في المنافاة للصلاة وإبطال الاستدامة الحكمية ولو اجتمعت هذه
النية مع نية الصلاة لم تنعقد لاعتبار الجزم في النية
الواجب الثالث تكبيرة الاحرام سميت بذلك
لان بها يحصل الدخول في الصلاة ويحرم ما كان محللا قبلها كالكلام والسلام قال الجوهري يقال أحرم بالحج والعمرة
لأنه يحرم عليه به ما كان حلالا قبله وهي ركن في الصلاة بمعنى الصلاة بتركها عمدا وسهوا إجماعا كباقي
أركان الصلاة التي هي النية والقيام والركوع والسجدتان معا وإن تخلف الحكم في بعضها نادرا ويدل على كون
تكبيرة الاحرام جزءا من الصلاة قول النبي صلى الله عليه وآله إنما هي التكبير والتسبيح وقراءة القرآن وعلى الركنية قوله
صلى الله عليه وآله لا يقبل الله صلاة امرءا حتى يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل القبلة فيقول الله أكبر ولرواية زرارة
عن الباقر والصادق عليهما السلام في ناسي التكبير أنه يعيد ورواه علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام وحيث ثبت
كونها ركنا فتبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا وكذا بزيادتها كما سيأتي وصورتها الله أكبر فيجب مراعاتها لان العبادات
توقيفية لا مجال للرأي فيها فلو خالف المكلف ذلك بأن عكس ترتيبها وقال أكبر الله أو أتى بمعناها بأن قال الرحمن
أعظم أو أجل أو نحو ذلك مع القدرة على الاتيان بالصورة أو أتى بها قاعدا معها أي مع القدرة على القيام أو أتى بها
وهو أخذ في القيام بحيث وقعت قبل استيفاء القيام أو وهو هاو إلى الركوع كما يتفق ذلك للمأموم أو أخل بشئ منها
ولو بحرف واحد بطلت الصلاة لتحقق النهى في ذلك كله ومخالفة المأمور به على وجهه فيبقى في العهدة فإن قيل وقوع
التكبير قبل استيفاء القيام يقتضى وقوع النية قبله بطريق أولى فالبطلان مستند إلى السابق وهو وقوع النية
قبل القيام فلا وجه لتعلق البطلان على وقوع التكبير قبله قلنا علل الشرع معرفات للأحكام فجاز تعددها وإسناد
الحكم إلى كل واحد منها وفيه مع ذلك إشارة لطيفة إلى ما حققنا سابقا من عدم الاحتياج إلى تحرير زمان من أزمنة
القيام تقع فيه النية بل وقوع التكبير قائما مع سبق أن يسير يحصل به يقين وقوع التكبير قائما كاف في صحة النية
فلا يفتقر إلى تخصيص النية بالبحث عن وقوعها قبل القيام مع وقوع التكبير قائما فاكتفى بالبحث عن التكبير وعلى تقدير
258

إمكان تصوير وقوع النية قبل القيام والتكبير بعده فهو فرض بعيد لا يقع إن سلم إلا بتجشم كلفة فلم يعتبره فإن
قيل الحكم بالبطلان يقتضى سبق الصحة إذ لا يقال للصلاة غير المنعقدة من رأس أنها باطلة كما هو المتعارف والصلاة
هنا لم يسبق لها انعقاد حتى يلحقه البطلان قلنا العبادة الباطلة عند الأصوليين غير الموافقة لمراد الشارع سواء
سبق انعقادها ثم طرأ عليها البطلان أم حصلت المخالفة لمراد الشارع فيها ابتداء ولا اعتبار بالمتعارف المخالف
للاصطلاح ورد المصنف بذلك على الشيخ رحمه الله حيث جوز في الخلاف الاتيان ببعض التكبير منحنيا ولم يعلم مأخذه
واعلم إن الاخلال بحرف من التكبير يتحقق بوصل إحدى الهمزتين في الكلمتين فإن وصل الهمزة اسقاط لها بالكلية
كما ذكره أهل العربية من أن همزة الوصل تسقط في الدرج ووجه البطلان مع وصل همزة أكبر ظاهر لأنها همزة قطع
وأما همزة الله فلأنها وإن كانت همزة وصل إلا أن سقوط همزة الوصل إنما هو في الدرج في كلام متصل بها
قبلها ولا كلام قبل التكبير فإن النية إرادة قلبية لا مدخل للسان فيها ولو فرض تلفظ المصلى بها لم يترتب
على لفظه حكم لأنه من لغو الكلام ومخالف للمنقول عن صاحب الشرع صلى الله عليه وآله فإنه كان يقطعها وقد
قال صلى الله عليه وآله صلوا كما رأيتموني أصلى وربما نقل عن بعض المتأخرين جواز الوصل حينئذ عملا بظاهر
القانون العربي وهو مندفع بأن الموجب لقطعها ثبت قبل إحداث الناس التلفظ بالنية فإنه أمر حدث بعد النبي
صلى الله عليه وآله وبعد خاصته بل بعد كثير من العلماء المتقدمين فإنهم لم يتعرضوا للبحث عن النية ولا عن شئ
من أحكامها بناء على أنها أمر مركوز في جبلة العقلاء حتى أن الانسان لا يكاد يفعل فعلا خاليا عن القصد والداعي
مع كونه عاقلا مختارا فلما خلف من بعدهم خلف أضاعوا حدود الاحكام وأهملوا حقائق شرائع الاسلام فنبههم
المتأخرون على النية وقيودها وأوضحوا لهم أحكامها وحدودها وهي تكليف سهل وأمر هين محصلها بعث الهمة
والقصد إلى فعل الصلاة المعينة لله تعالى وهذا القدر من القصد لا يتوقف على مساعدة اللسان وكيف يتوهم
العاقل إن العزم على شئ والقصد إلى فعله يتوقف على التلفظ به ولو كان الامر كذلك لكان الخلق في غالب الأوقات
يتكلمون بمقاصدهم إذ لا ينفكون عن المقاصد غالبا فخلاف ذلك صادر عن غلبة أمر وهمي ووسواس شيطاني لا يترتب
عليه أثر شرعي بحيث يغير ما هو الامر الأصلي من قطع الهمزة عند الابتداء بها فلا جرم إن من أخل بقطع الهمزة فقد أخل
بحرف من التكبيرة فتبطل الصلاة ويجب التلفظ بها بالعربية مع القدرة وقوفا مع المنقول عن صاحب الشرع صلى
الله عليه وآله لأنه كذلك كبر وقال صلوا كما رأيتموني أصلى والعاجز عن العربية يتعلم واجبا من باب المقدمة
فإن تعذر لضيق الوقت أحرم بلغته مراعيا في ذلك المعنى العربي فيقول الفارسي خدا بزرك تر فلو ترك صفة التفضيل
وهي تر لم يصح كما ذكره المصنف في النهاية والأخرس يأتي منها بالمقدور فإن عجز عن التلفظ أصلا وجب عليه أن يعقد قلبه
بها محركا لسانه مشيرا بإصبعه أما الأول فلان الإشارة والتحريك لا اختصاص لهما بالتكبير فلا بد لمريده من مخصص
وأما تحريك اللسان فلانه كان واجبا مع القدرة على النطق فلا يسقط بالعجز عنه إذ لا يسقط الميسور بالمعسور فهو أحد
الواجبين ابتداء وأما وجوب الإشارة بالإصبع فذكره المصنف في غير هذا الكتاب وبعض الأصحاب ولا شاهد له على
الخصوص نعم روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال تلبية الأخرس وتشهده وقرائته للقرآن في الصلاة
تحريك لسانه وإشارته بإصبعه فعدوه إلى التكبير نظرا إلى أن الشارع جعل له مدخلا في البدلية عن النطق ولا يخفى
أنه أحوط وفى حكم الأخرس من عجز عن النطق لعارض وفى بعض عبارات المصنف وغيره إن الأخرس يعقد قلبه بمعنى
259

التكبير والظاهر لا يريدون بالمعنى مدلول اللفظ الذي هو المعنى المتعارف لان ذلك لا يجب على غير الأخرس بل
المراد به كونه تكبير الله وثناء عليه في الجملة وينبه على إرادة هذا المعنى ذكرهم له
في القراءة أيضا مع إن تفسير القراءة
لا يجب تعلمه قطعا ويستحب التوجه بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الاحرام فيكبر ثلثا ثم يدعو اللهم أنت الملك الحق
إلخ ثم اثنين ويقول لبيك وسعديك إلخ ثم واحدة ويقول يا محسن قد أتاك المسيئ إلخ ثم واحدة ويقول وجهت
وجهي للذي فطر السماوات إلخ ويجوز فعلها ولاء من غير أدعية لما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام استفتح الصلاة
بسبع تكبيرات ولاء ويتخير في السبع أيها شاء وجعلها تكبيرة الافتتاح والأفضل جعلها الأخيرة واستحباب السبع عند
المصنف وجماعة مخصوص بسبع مواضع أول كل فريضة وأول صلاة الليل والوتر وأول نافلة الزوال وأول نوافل المغرب
وأول ركعتي الاحرام والوتيرة ومستند التخصيص غير واضح ومن ثم قال في الذكرى الأقرب عموم استحباب السبع في
جميع الصلوات لأنه ذكرا لله تعالى والاخبار مطلقة فالتخصيص يحتاج إلى دليل ولو كبر ونوى الافتتاح ثم كبر
ثانيا كذلك أي بنية الافتتاح بطلت صلاته لما تقدم من أن التكبير ركن وزيادة الركن مبطلة ولا فرق في
البطلان بالثاني بين استحضار نية الصلاة معه وعدمه فإن المراد بزيادة الركن المبطلة الاتيان بصورته قاصدا
بها الركن حيث يكون صورته مشتركة بين ما يصح فعله في الصلاة اختيارا وما لا يصح كالتكبير هذا إذا لم ينو
الخروج من الصلاة قبل التكبير الثاني وإلا انعقدت بالثاني مع مقارنته للنية لبطلان الأول بنية الخروج
كما مر فيصح الثاني فإن كبر ثالثا كذلك أي بنية الافتتاح مع كون الثاني مبطلا صحت الصلاة لورود الثالث
على صلاة باطلة فيعقدها مع مقارنته للنية وعلى هذا فتبطل في المزدوج وتصح في الوتر مع استحضار النية
فعلا وعدم نية الخروج والأصح ما بعدها ويستحب رفع اليدين بها وبباقي التكبيرات إلى شحمتي الاذنين وأقله محاذاتهما
للخدين ويستحب أن يكونا مبسوطتين مضمومتي الأصابع مفرجتي الإبهامين ويستقبل بباطن كفيه القبلة وليبدأ
بالتكبير في ابتداء الرفع وينتهي به عند انتهاء الرفع لظاهر رواية عمار قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام يرفع يديه
حيال وجهه حين استفتح وقيل يكبر حال رفعهما وقيل حال إرسالهما ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ولا بين الامام وغيره وإن كان الاستحباب للامام آكد ويستحب إسماع الامام من خلفه تكبيرة الاحرام ليقتدوا به إذ لا
يعتد بتكبيرهم قبله ويسر في البواقي رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ولو افتقر اسماع الجميع إلى العلو المفرط
اقتصر على التوسط واحترز بالامام عن غيره فإن المأموم يسر بها كباقي الأذكار عدا القنوت فإنه جهار ويتخير المنفرد
وفى توظيف أحدهما له نظر ويستحب عدم المد بين الحروف كمد الألف الذي بين الهاء واللام بحيث يخرج عن موضوعه
الطبيعي وإلا فمده وأجب قطعا أو الهمزتين بحيث لا يخرج اللفظ عن مدلوله إلى لفظ آخر كما لو صار همزة الله بصورة
الاستفهام أو أكبر بصورة الجمع لكبر وهو الطبل له وجه واحد وإلا بطل مع قصدهما قطعا ومطلقا على الأصح إذ لا
اعتبار للقصد في دلالة اللفظ على معناه الموضوع له ويستحب أيضا ترك الاعراب لقوله صلى الله عليه وآله التكبير
جزم فلو أعربه ووصله بالقراءة جاز على كراهية
الواجب الرابع القراءة وتجب في الفريضة الثنائية
كالصبح وفى الأوليين باليائين المثناتين من تحت تثنية أولى ويجوز بالتاء أولا تثنية أوله والأول أشهر من غيرها أي غير الثنائية
وهي الثلاثية والرباعية قراءة الحمد إجماعا وقراءة سورة كاملة بعدها على أشهر القولين عندنا لقوله تعالى
فاقرؤا ما تيسر منه فإن الامر حقيقة في الوجوب وما للعموم إلا ما أخرجه الدليل وهو ما زاد على السورة وغير الصلاة
260

ورواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام لا تقرأ في المكتوبة أقل من سورة ولا أكثر وذهب جماعة من الأصحاب منهم
المحقق في المعتبر إلى استحباب السورة فيجوز عندهم التبعيض كما يجوز ترك السورة بالكلية لرواية الحلبي وعلي بن رياب
عن الصادق عليه السلام فاتحة الكتاب وحدها تجزى في الفريضة وحملتا على الضرورة جمعا بين الاخبار أو على التقية لأنه
مذهب العامة وهو أولى إذ لولاها لأمكن الجمع بينها بحمل ما تضمن السورة على الاستحباب والأخرى على الجواز ويتخير
المصلى في الزائد على الركعتين الأوليين وهو ثالثة المغرب وأجيزتا الرباعية بين قراءة الحمد وحدها من غير سورة
وبين أربع تسبيحات صورتها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مرة واحدة أما التخيير بين الحمد وبين التسبيح
في الجملة فعليه إجماع الأصحاب
وأما الاجتزاء بالتسبيحات الأربع مرة واحدة فهو أصح الأقوال ومستنده صحيحة زرارة
قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ما يجزى من القول في الركعتين الأخيرتين قال أن تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر وتكبر وتركع وللشيخ قول بوجوب تكرار الأربع ثلث مرات فيكون اثنتي عشرة تسبيحة وله قول
ثالث بوجوب عشر تسبيحات يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلث مرات وفى الثالثة والله أكبر ويدل
عليه رواية حريز عن الباقر عليه السلام قال إن كنت إماما فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلث مرات ثم تكبر
وتركع وهذه الرواية أخص من المدعى فلا تدل عليه صريحا واجتزأ ابن بابويه بتسع بأن يكرر التسبيحات الثلث الأول
ثلثا ورواه حريز أيضا في كتابه والأول أجود والثاني أحوط والثالث جائزا أما الرابع فلا لعدم التكبير ثم على
تقدير اختيار الأزيد هل يوصف الزائد على أربع بالوجوب أم بالاستحباب ظاهر المصنف في كتبه الفقهية الثاني
وهو الذي صرح به في كتب الأصول محتجا عليه بجواز تركه ولا شئ من الواجب يجوز تركه وفيه نظر لأنه إن أريد بتركه
مطلقا فمنعه واضح لانتقاضه بالواجبات الكلية كالتخييرية وأخويها وإن أريد به لا إلى بدل فمسلم لكن المتروك له هنا
بدل وهو الفرد الأنقص بمعنى أن مقولية الواجب على الفرد الزائد والناقص كمقولية الكلى على أفراده المختلفة قوة وضعفا
وحصول البراءة بالفرد الناقص لا من حيث هو جزء الزائد بل من حيث أنه الفرد الناقص وقد وقع مثله في تخيير المسافر
بين القصر والتمام وهذا هو التحقيق في هذا المقام فإن قيل اللازم من ذلك إمكان كون الزائد واجبا لكن إذا
تحققت البراءة في ضمن الفرد الناقص لم يبق دليل يدل على وجوب الزائد فنحن لا نستبعده لكن ننفيه حتى يقوم
عليه الدليل قلنا الروايات الدالة على القدر الزائد الواقعة بصيغة الامر كقوله عليه السلام في الخبر المتقدم فقل
سبحان الله إلى قوله ثلثا وكون ذلك واقعا بيانا للواجب يدل على وصف الزائد بالوجوب ولما لم يتم وجوبه
عينا للرواية الدالة على الاجتزاء بالأقل لزم القول بوجوبه تخييرا ويبقى إطلاق الاستحباب على الفرد الزائد
محمولا على استحبابه عينا بمعنى كونه أفضل الفردين الواجبين وذلك لا ينافي في وجوبه تخييرا من جهة تأدي الواجب به
وحصول الامتثال لكن يبقى في المسألة بحث آخر وهو أنه لو شرع في الزائد على الأقل فهل يجب عليه المضي فيه ويجب إيقاعه
على الوجه المأمور به في الواجب من كونه في حالة الطمأنينة وغيرها من الهيئات الواجبة أم يجوز تركه وتغييره عن
الهيئة الواجبة يحتمل الأول لما تقرر من كونه موصوفا بالوجوب ولا ينافيه تركه بالكلية كما مر فيكون المكلف
مخيرا ابتداء بين الشروع فيه فيوقعه على وجهه وبين تركه ويحتمل الثاني لأن جواز تركه أصلا قد يقتضى جواز تبعيضه
وتغييره عن وضعه مع كونه ذكر الله تعالى بطريق أولى فيبقى حاله منظور إليه في آخره فان طابق وصف الواجب
كان واجبا وترتب عليه ثواب الواجب وحكمه وإلا فلا ولا قاطع بأحد الامرين فليلحظ ذلك ويستفاد من قوله صورتها
261

وجوب الترتيب بينهما كما ذكر وهو كذلك خلافا للمحقق في المعتبر وكذا يقتضى اطلاق التخيير التسوية بين ناسي القراءة
في الأوليين وغيره وروى في المبسوط تحتم القراءة في الأخيرتين لناسيها قبل بعد أن اختار بقاء التخيير وأولوية القراءة حينئذ ومال إليه في الخلاف واعلم أن الحكم بالتخيير أعم من كون القراءة والتسبيح متساويين أو مختلفين في الفضل
والروايات في ذلك مختلفة فروى أفضلية التسبيح مطلقا والقراءة مطلقا وللامام دون غيره وروى علي بن حنظلة
عن الصادق عليه السلام هما والله سواء إن شئت سبحت وإن شئت قرأت وكان السؤال عن الأفضل ومع كل قسم من
من هذه الروايات قول والقول بأفضلية القراءة للامام والمساواة بينهما للمنفرد طريق الجمع بين روايتيهما
كما ذهب إليه الشيخ في الاستبصار لكن تبقى رواية أولوية التسبيح لا طريق إلى حملها إذ لا قائل بأولويته في فرد مخصوص
بل بالعموم وربما قيل إن من لم تسكن نفسه إلى التسبيح فالتسبيح أفضل له مطلقا فتحمل عليه رواية أفضلية التسبيح و
يمكن أن يقال إن التسبيح أحوط للخلاف في الجهر بالبسملة في الأخيرتين فإن ابن إدريس حرمه وأبا الصلاح أوجبه فلا
يسلم من الخلاف بخلاف ما لو اختار التسبيحات الاثني عشرة فإنها مجزية إجماعا
ولو لم يحسن القراءة وجب عليه التعلم
لتوقف الواجب عليه فإن ضاق الوقت قرأ ما يحسن منها اجماعا فإن كان ما يحسنه مجموع الفاتحة وإنما يجهل السورة
أو بعضها اقتصر على ما يحسنه من غير تعويض عن المتروك بقرآن ولا ذكر اقتصارا في التعويض على موضع الوفاق ولأن
السورة تسقط مع الضرورة والجهل بها مع ضيق الوقت قريب منها إن لم يكن أولى ولو كان ما يحسنه بعض الفاتحة
فإن لم يسم قرآنا لقلته فهو كالجاهل بجميع القراءة وإن سمى قرآنا قرأه وهل يقتصر عليه أو يعوض عن الفايت بتكرارها
أو بغيرها من القرآن إن كان يحسنه وإلا ذكر الله تعالى بدله ظاهر العبارة الأول لأنه قصر التعويض على الجاهل بالجميع
وهو خيرة المعتبر والذي اختاره المصنف في أكثر كتبه وهو المشهور بين المتأخرين وجوب التعويض عن الفايت لعموم فاقرؤا
ما تيسر خرج منه ما اتفق على عدم وجوبه وأخرجه الدليل فيبقى الباقي ولا دليل على الاكتفاء ببعض الفاتحة
ثم إن علم غيرها من القرآن فهل يعوض عن الفايت بتكرار ما يعلمه من الفاتحة بحيث يساويها أم يأتي ببدله من سورة
أخرى قولان واختار المصنف في التذكرة الأول لان أبعاضها أقرب إليها من غيرها والثاني مختاره في النهاية لان الشئ
الواحد لا يكون أصلا وبدلا وعلى هذا فهل يراعى في البدل المساواة في الآيات أم في الحروف قيل بالأول فيجب إكمال سبع
آيات سواء كانت أطول أم أقصر لمراعاة العدد في قوله تعالى ولقد أتيناك سبعا من المثاني وكما لو فاته صوم يوم فإنه
يقضى بيوم سواء اتفقا في الطول والقصر أم اختلفا والمشهور الثاني لاعتبار الحروف في الفاتحة فكذا في بدلها
وللقطع
بالمساواة معه بخلاف الأول ثم إن أحسنها متوالية لم يجز العدول إلى المتفرقة فإن المتوالية أشبه بالفاتحة فإن لم
يحسنها متوالية أتى بها متفرقة وتجب مراعاة الترتيب فإن علم الأول أخر البدل والاخر قدمه أو الطرفين وسطه
أو الوسط حفه بالبدل وهكذا ولو لم يعلم غيرها من القرآن قيل يقتصر على ما علمه منها ويأتي بالذكر بدل الباقي
لما تقدم وقيل يجب تكرار ما يعلمه بقدرها لأنه أقرب إليها من الذكر فإن لم يحسن شيئا من الفاتحة قرأ من غيرها
بقدرها كأمر ثم قرأ السورة فإن لم يحسن إلا سورة واحدة عوض بها الحمد ثم كررها عن السورة قاله في الذكرى ولو لم
يحسن شيئا من القرآن أصلا سبح الله تعالى وهلله وكبره لأمر النبي صلى الله عليه وآله الأعرابي الجاهل بالقرآن بذلك
وقوله بقدر القراءة يقتضى وجوب تكراره بقدر الحمد والسورة وقد تقدم إن السورة لا يعوض عنها وفى الذكرى
صرح بكون الخلاف في وجوب مساواته للفاتحة أو الاجتزاء بما هو أقل من ذلك واختار فيها وجوب ما يجرى في
262

الأخيرتين وهو سبحان الله الخ لأنه قد ثبت بدليته عن الحمد في الأخيرتين فلا يقصر بدل الحمد في الأوليين عنهما ونقل
القول به أيضا عن بعض الأصحاب وفى المعتبر اجتزء بمدلول الخبر النبوي مرة لاطلاق الامر واستحب تكراره بقدر
القراءة ومختار الذكرى متجه وتكراره بقدر الحمد أحوط ولو لم يحسن الذكر قال المصنف في النهاية وجب أن يقوم بقدر الفاتحة
ثم يركع إذ لا يلزم من سقوط واجب سقوط غيره وهو حسن إلا أنه فرض بعيد جدا إذ البحث في ذلك مع مكلف قد علم
جميع ما يجب عليه تعلمه وهو شرط في صحة الصلاة من الأصول الخمسة ومعرفة أفعال الصلاة غير القراءة وقد أخذها
على وجه يجزى الاخذ به من الاجتهاد أو التقليد لأهله ومع العلم بهذه الأمور كيف يتصور عدم علمه بالقراءة والذكر
معا لكن هذه طريقتهم في فرض المسائل وتفريع الفروع وإن لم تقع عادة وعلى تقدير وقوع ذلك يصلى على
الوجه المذكور مع ضيق الوقت ثم يتعلم بعد ذلك ولو قدر في حال العجز عن القراءة أو بعضها على الايتمام
بغيره وجب لتحمله عنه القراءة وقريب منه ما لو قدر على متابعة غيره في القراءة وأولى منه لو أمكنه القراءة من المصحف
فيجب تحصيله ولو بشراء أو استيجار أو استعارة ولو افتقر إلى تقريب سراج وجب وإن افتقر إلى عوض كل ذلك
من باب المقدمة وهل يكفي ذلك مع إمكان التعلم نظر من حصول الفرض وهو القراءة في الصلاة ومن أن المتبادر
إلى الفهم من وجوب القراءة كونها عن ظهر القلب وللتأسي بالنبي والأئمة عليهم السلام ولأن من يقرأ من المصحف بمعرض
بطلان الصلاة إما بذهاب المصحف من يده أو بعروض ما لا يعلمه أو شك في صحته ونحو ذلك وعروض ما
يبطل صلاة الامام أو ما يمنع من الاقتداء به في الأثناء فيفتقر المأموم إلى بطلان الصلاة وهو الوجه وتحمل
رواية الحسن الصيقل عن الصادق عليه السلام في المصلى يقرأ في المصحف يضع السراج قريبا منه قال لا بأس على الضرورة
أو على صلاة النافلة والأخرس يحرك لسانه بها مهما أمكن ويشير بإصبعه كما مر في التكبير ويعقد قلبه بها بأن
ينوى كونها حركة قراءة وهو المراد من قولهم يعقد قلبه بمعناها كما تقدم في التكبير إذ لا يجب على غير الأخرس تعلم معنى
الحمد والسورة فضلا عنه وفى الذكرى أنه لو تعذر إفهامه جميع معانيها أفهم البعض وحرك لسانه به وأمر بتحريك
اللسان بقدر الباقي تقريبا وإن لم يفهم معناه مفصلا قال وهذه لم أر فيها نصا ومقتضى كلامه وجوب فهم
معاني القراءة مفصلا وهو مشكل إذ لا يعلم به قائل ولا يدل عليه دليل في غير الأخرس فضلا عنه بل الأولى
تفسير عقد القلب بما قلناه وكذا القول في جميع أذكاره ويمكن أن يريد بفهم المعاني فهم ما يحصل به التمييز بين
ألفاظ الفاتحة ليتحقق القصد إلى إجزائها جزءا جزءا مع الامكان فلا يكفي قصد مطلق القراءة للقادر على فهم
ما به يتحقق القصد إلى الاجزاء وهو حسن وفى حكم الأخرس من عجز عن النطق لعارض ولو عن بعض القراءة ويجب
عليهم بذل الجهد في تحصيل النطق بحسب المقدور وكذا من يبدل حرفا بغيره ونحوه ولا يجوز لهم الصلاة في أول الوقت
مع إمكان التعلم فإن تعذر صحت القراءة بمقدورهم ولا يجب عليهم الايتمام حينئذ وإن كان أحوط بخلاف ما لو ضاق
الوقت عن التعلم مع إمكانه فإنه يجب الايتمام هنا إن أمكن كما مر والفرق إن الاصلاح هنا ممكن فيجب تحصيله
فمع تعذره يجب بدله بخلاف العاجز فإن الاصلاح ساقط عنه فلا بدل له والأعجمي يجب عليه التعلم كذلك ولا
يجزى الترجمة مع القدرة لعدم كونها قرآنا ويفهم من تقييده عدم الاجزاء بالقدرة إجزاؤها مع العجز فيترجمها
بلغته لكن مع العجز عن الذكر بالعربية وإلا قدم الذكر على ترجمة القرآن لفوات الغرض الأقصى منه وهو نظمه للعجز
ولو عجز عن العربية فيهما وتعارضت ترجمتهما ففي ترجيح أيهما قولان واختار المصنف في غير هذا الكتاب تقديم ترجمة
263

القرآن على الذكر لأنها أقرب إليه منه ووجه العدم فوات الغرض من القرآن بخلاف الذكر ولا تجزى القراءة مع
إخلال حرف منها فضلا عن الأزيد حتى التشديد فإنه حرف وزيادة فالاخلال به يقتضى الاخلال بشيئين أحدهما
الحرف والاخر إدغامه في حرف آخر والادغام بمنزلة الاعراب لا يجوز الاخلال به فلو فكه بطلت وإن لم يسقط الحرف
ومثله ما لو فك الادغام الصغير ومما ذكرناه يعلم أن عطف التشديد على الحرف بحتى يقتضى كونه من جملة أفراده وإنه
أقواها لكونه حرفا وزيادة من قبيل قولهم مات الناس حتى الأنبياء ويحتمل كونه أضعفها لزوال صورة الحرف عنه فيكون
من باب زارك الناس حتى الحجامون وفى حكم التشديد المد المتصل أما المنفصل فمستحب خصوصا توسطه وكذا لا تجزى
القراءة مع إخلال الاعراب والمراد به الرفع والنصب والجر والجزم ومثله صفات البناء وهي الضم والفتح والكسر والسكون
وكذا ما يتعلق ببنية الكلمة مما تقتضيه اللغة العربية قبل آخر الكلمة واقتصار المصنف على الاعراب إما توسع في اطلاقه
على الجميع أو إخلال ولا فرق في الاخلال بما ذكر بين كونه مغيرا للمعنى كضم تاء أنعمت أو لا كفتح دال الحمد وإن كان
قد ورد في الشواذ والمراد بالمعنى هنا الظاهري الموجب لتغير اسناد الفعل إلى غير فاعله ونحوه وإلا فإن
اختلاف الحركة
يقتضى اختلاف العامل فيختلف المعنى في الجملة والمراد بالأعراب هنا ما تواتر نقله منه في القرآن لا ما وافق العربية
مطلقا فإن القراءة سنة متبعة فلا يجوز القراءة بالشواذ وإن كانت جائزة في العربية والمراد بالشاذ ما زاد على
قراءة العشرة المذكورة كقراءة ابن مسعود وابن محيص وقد أجمع العلماء على تواتر السبعة واختلفوا في تمام العشرة
وهي قراءة أبى جعفر ويعقوب وخلف والمشهور بين المتأخرين تواترها وممن شهد به الشهيد رحمه الله ولا يقصر ذلك
عن ثبوت الاجماع بخبر الواحد فيجوز القراءة بها مع أن بعض محققي القراء من المتأخرين أفرد كتابا في أسماء الرجال
الذين نقلوها في كل طبقة وهم يزيدون عما يعتبر في التواتر فيجوز القراءة بها إن شاء الله وكذا لا تجزى القراءة مع
مخالفة ترتيب الآيات على الوجه المنقول بالتواتر وأولى منه ترتيب الكلمات والجمل لفوات النظم الذي هو مناط
الاعجاز ولا مع قراءة السورة أولا واللازم من عدم الاجزاء في جميع ما تقدم بطلان الصلاة مع الاخلال بشئ
من ذلك أو الاتيان بما نهى عمدا أو جهلا وإعادة القراءة مع النسيان ما لم يركع ولا مع الزيادة على سورة
بعد الحمد فيما تجب فيه السورة وهو أولى من التعبير بالقرآن بين سورتين لشموله زيادة كلمة لغير غرض صحيح كالاصلاح
فضلا عن سورة ولا يتحقق القرآن حقيقة فيما دون السورة فإن بعض السورة لا يصدق عليه اسم السورة إلا مجازا والقول
بعدم أجزاء القراءة مع الزيادة المقتضى للتحريم هو قول جماعة من الأصحاب كالمرتضى والشيخ في أكثر كتبه وقد تقدم
ما يدل عليه في رواية منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا أكثر وروى محمد بن مسلم
عن أحدهما عليه السلام في الرجل يقرأ السورتين في الركعة الأولى فقال لا لكل سورة ركعة ونحوهما أخبار أخرى ظاهرها
التحريم وذهب جماعة من المتأخرين منهم الشهيد رحمه الله إلى الكراهة جمعا بين ما تقدم وبين رواية علي بن يقطين عن
الكاظم عليه السلام في القرآن بين سورتين في المكتوبة والنافلة قال لا بأس وروى زرارة عن الباقر عليه السلام إنما
يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة فأما النافلة فلا بأس وهي نص في الباب فالقول بالكراهة أوجه فإنه أولى
من إطراح هاتين الروايتين بقي هنا بحث وهو أنه قد تقدم في مسألة وجوب السورة الاحتجاج برواية منصور بن
حازم المذكورة على الوجوب المستفاد من النهى المقتضى للتحريم المستلزم للامر بضده وهي العمدة في الاحتجاج ثم وقد
حمل النهى فيها هنا على الكراهة فاللازم من ذلك إما القول بعدم وجوب السورة أو القول بتحريم القرآن وقد حكم
264

جماعة بوجوب السورة وكراهة القرآن فلا يتم استدلال بها على الامرين المتنافيين ويمكن حل الاشكال على
تقدير تسليم انحصار الدليل على وجوب السورة في الرواية بأن النهى فيها متعدد والحرف الدال عليه مكرر فيجوز حمل
الأول على التحريم جريا له على بابه وحقيقته لعدم المعارض المقتضى لحمله على غيرها وحمل الثاني وهو قوله ولا أكثر
على الكراهة لاقتضاء تعارض الاخبار وجوب الجمع مع الامكان وهو هنا ممكن والمصنف رحمه الله حمل النهى فيها على
التحريم في الموضعين حذرا من ذلك والمحقق في المعتبر حمله على الكراهة فيهما لما ثبت هنا وفرقهما أولى وإن كان
خلاف الظاهر لما ذكرناه من العارض الموجب له والله أعلم ويجب (الجهر صح) بالقراءة في الصبح وأولتي المغرب وأولتي العشاء والاخفات
بها في البواقي وهي الظهران مطلقا وأخيرة المغرب وأخيرتا العشاء سواء قرأ فيهما أم عوض عنه بالتسبيح على المشهور
والقول بوجوب الجهر والاخفات في مواضعهما هو المشهور بين الأصحاب بل ادعى الشيخ فيه الاجماع ومستنده مع ذلك
رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفت فيما لا ينبغي الاخفات فيه فقال إن فعل ذلك
متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى فلا شئ عليه وقد تمت صلاته
ونقل عن المرتضى وابن الجنيد القول باستحبابهما والعمل على المشهور واحترزنا بالتقييد بالقراءة عن باقي الأذكار
كالتكبير والتسبيح والتشهد والتسليم فإن الجهر والاخفات فيها غير متعين وحكمهما مختص بالرجل دون المرأة
فترك التصريح به في العبارة اخلال إذ ليس في السياق إشعار به فإن البحث السابق كله مشترك بينهما والاجماع
على أن المرأة لا جهر عليها حتما بل يجوز لها السر مطلقا والجهر إن لم يسمعها الأجنبي ومعه يحرم عليها وتفسد الصلاة
للنهي في العبادة المقتضى لفسادها وهل الخنثى هنا كالمرأة فتتخير أو كالرجل فيجب الجهر في مواضعه وتحرى موضع لا يسمعها
الأجنبي فإن تعذر وجب الاخفات قولان واعلم أن الجهر والاخفات كيفيتان متضادتان لا تجتمعان في مادة كما
نبه عليه المصنف في النهاية فأقل السر أن يسمع نفسه لا غير تحقيقا أو تقديرا وأكثره أن لا يبلغ أقل الجهر وأقل الجهر أن
يسمع من قرب منه إذا كان صحيح السمع مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب لتسميته جهرا عرفا وأكثره أن لا يبلغ العلو
المفرط وربما فهم بعضهم أن بين أكثر السر وأقل الجهر تصادقا وهو فاسد لأدائه إلى عدم تعيين أحدهما لصلاة لامكان
استعمال الفرد المشترك حينئذ في جميع الصلوات أو هو خلاف الواقع لان التفصيل قاطع للشركة وكذا يجب اخراج
الحروف من مواضعها المنقولة بالتواتر فلو أخرج حرفا من مخرج غيره كالضاد الذي مخرجه أول حافة اللسان وما
يليها من الأضراس يخرجه من مخرج الظاء وهو ما بين طرف اللسان والطرف الأدنى من الثنايا بطلت الصلاة و
يستفاد من تخصيص الوجوب بمراعاة المخارج والاعراب فيما تقدم عدم وجوب مراعاة الصفات المقررة في العربية من
الجهر والهمس والاستعلاء والاطباق ونظائرها وهو كذلك بل مراعاة ذلك مستحبة والبسملة في أول الحمد وأول
السورة عدا سورة براءة وهو موضع اجماع من الأصحاب والاخبار في ذلك من طرقنا وطرق العامة كثيرة
وروى
عن ابن عباس أنه قال سرق الشيطان من الناس مئة وثلاثة عشر آية حتى ترك بعضهم قراءة بسم الله الرحمن الرحيم
في أوائل السور والموالاة بين الكلمات بأن لا يقرأ خلالها غيرها ولا يسكت بحيث يخل بها فيعيد القراءة لو قرأ خلالها
غير ما هو مأمور به وإن كان منها إذا لم يكن دعاء ونحوه مما هو مستثنى وإطلاق المصنف إعادة القراءة مع تخلل قراءة
غيرها الشامل ذلك لكونه عمدا أو نسيانا غير معهود من مذهبه بل لا نعلم به قائلا والذي اختاره في كثير من كتبه
واختاره الشهيد رحمه الله وجماعة بطلان الصلاة مع تعمد قراءة غيرها وبطلان القراءة لا غير مع النسيان أما الأول
265

فلتحقق النهى المقتضى للفساد وأما الثاني فلفوات الموالاة وذهب الشيخ في المبسوط إلى استيناف القراءة مع العمد والبناء
على ما مضى مع النسيان واختاره المصنف في النهاية ومذهب الجماعة في العمد واضح إما مع النسيان فيشكل الحكم ببطلان القراءة
مطلقا والتعليل بالاخلال بالموالاة كذلك فإن نحو الكلمة والكلمتين لا يقدحان في الموالاة عرفا فلو قيدت الإعادة بما
يخل بالموالاة عرفا كان حسنا ولو حمل كلام المصنف على القراءة ناسيا وافق مذهبه في غير القواعد وباقي الأصحاب أو بالعمد
وافق النهاية وأشد منه إجمالا قوله ولو نوى القطع وسكت أعاد بخلاف ما لو فقد أحدهما فإن نية قطع القراءة
إن كان بنية عدم العود إليها بالكلية فهو كنية قطع الصلاة يبطلها في الموضعين سواء سكت أم لم يسكت وإن لم يكن
كذلك بل نوى قطعها في الجملة فإن طال السكوت بحيث يخرج عن كونه مصليا بطلت الصلاة وتعين كون مفعول
أعاد المحذوف هو الصلاة وإن لم يخرج عن كونه مصليا لكن خرج كونه قاريا فالمتجه إعادة القراءة لا غير فتكون
القراءة هي المفعول ولو فقد الأمران بأن قصر السكوت جدا لم يتجه البطلان فإن نية القطع لو كانت منافية بنفسها
لم يفتقر إلى السكوت ولما صح قوله بخلاف ما لو فقد أحدهما فإن من جملته ما لو نوى القطع ولم يسكت إلا أن يقال
أن المبطل عنده مركب من نية القطع والقطع ويشكل مع قلته جدا ومما يدخل في فقد أحدهما أن يسكت
لا بنية القطع ويشكل حكمه فيه أيضا بعدم الإعادة على الاطلاق فإنه لو خرج بالسكوت عن كونه قاريا أعاد القراءة
بل لو خرج عن كونه مصليا بطلت الصلاة ويتم الحكم فيما عدا هذين
ويحرم قراءة إحدى سور العزائم الأربع في الفرائض
على أشهر القولين لان وجوب السجود فوري وزيادته عمدا مبطلة فتعمد فعلها في الفريضة يستلزم إما الزيادة الممنوع
منها على تقدير السجود أو ترك الواجب الفوري وكلاهما محرم ولو فرض ترك قراءة السجدة لزم إما الاقتصار على أقل
من سورة إن اقتصر على السورة أو القرآن إن قرأ غيرها قبلها أو الاخلال بالموالاة إن قرءها بعدها والكل ممنوع
ولرواية زرارة عن أحدهما عليه السلام لا يقرأ في المكتوبة شئ من العزائم فإن السجود زيادة في المكتوبة وفى رواية سماعة
لا تقرأ في الفريضة إقرأ في التطوع وذهب ابن الجنيد إلى الجواز ويومي بالسجود عند بلوغه فإذا فرغ قرأها وسجد وله
شواهد من الاخبار ويقوى على القول بعدم وجوب السورة كما يذهب إليه ابن الجنيد ويراد بالايماء عند بلوغها ترك
قراءتها كما ينبه عليه قوله فإذا فرغ قرأها وسجد ولا منع حينئذ من جهة الدليل المردد أولا ويكون معنى قوله فإذا فرغ
أي من الصلاة قرأها وسجد لا من القراءة لئلا يستلزم زيادة السجود في الصلاة عمدا وأما الروايتان فإنهما يقتضيان
النهى عن قراءتها وهو يقتضى فساد الصلاة مع المخالفة إلا أن في طريقهما ضعفا بابن بكير في الأولى وبسماعه في الثانية
فيبقى اللازم من ذلك إن قطع الترجيح عن جانب الشهرة أن يقال ان قلنا بوجوب السورة وتحريم القرآن كما يراه المصنف
فالتحريم واضح لاستلزام ترك قراءة السجدة عدم إتمام السورة وعدم الاجتزاء بها كذلك القرآن وإن قلنا بوجوبها
وكراهة القرآن أمكن قراءة العزيمة مع ترك موجب السجود إذا قرأ قبلها سورة غيرها لا إن قدمها حذرا من الاخلال
بالموالاة وكذا إن لم نوجب السورة فإن التبعيض حينئذ جائز فيمكن قراءتها من دون موجب السجود وأما قراءة موضع السجود
فلا يجوز في الفريضة على حال فعلم من ذلك إن قول ابن الجنيد بناء على مذهبه من عدم وجوب السورة غير بعيد إذا أريد منه
ترك موضع السجود إذا تقرر ذلك فعلى القول بالتحريم مطلقا كما ذكره المصنف والجماعة إن قرأ العزيمة عمدا بطلت الصلاة
بمجرد الشروع في السورة وإن لم يبلغ موضع السجود للنهي المقتضى للفساد وإن قرأها سهوا فإن ذكر قبل تجاوز السجدة
عدل إلى غيرها وجوبا سواء تجاوز النصف أم لا مع احتمال عدم الرجوع لو تجاوز النصف لتعارض عمومي المنع من الرجوع
266

بعده والمنع من زيادة سجدة فيومي للسجود بها ثم يقضيها وإن لم يذكر حتى تجاوز السجدة ففي الاعتداد بالسورة وقضاء
السجود بعد الصلاة لانتفاء المانع أو وجوب العدول مطلقا ما لم يركع لعدم الاعتداد بالعزيمة في قراءة الصلاة فيبقى
وجوب السورة بحاله لعدم حصول المسقط لها وجها ومال في الذكرى إلى الثاني وعلى ما بيناه من أن الاعتماد في تحريم
العزيمة على السجود يتجه الاجتزاء بها حينئذ وقال ابن إدريس إذا قرأها ناسيا مضى في صلاته ثم قضى السجود بعدها وأطلق
واحترز المصنف بالفرايض عن النوافل قراءتها فيها جائزة ويسجد لها في محله للنص ولأن كثيرا من الاخبار مطلقة في الجواز
وحملت على النفل توفيقا ولأن الزيادة في النفل مغتفرة وكذا لو استمع فيها إلى قارئ السجدة أو سمع على أحد الوجهين
ولو كان في فريضة حرم عليه الاستماع فإن فعله أو سمع اتفاقا وقلنا بالوجوب أومأ لها وقضاها بعد الصلاة ولو كان
يصلى مع إمام لا يقتدى به للتقية فقرأ العزيمة تابعه في السجود وهل يعتد بصلاته حينئذ إشكال أقربه العدم للزيادة
عمدا وعدم العلم بكون مثل ذلك مغتفرا غايته عدم وصفه بالتحريم وكذا يحرم قراءة ما يفوت بقراءة الوقت من السورة
أما باخراج الفريضة الثانية على تقدير قراءته في الفريضة الأولى كالظهرين أو باخراج الفريضة عن الوقت كما
لو قرأ سورة طويلة يقصر الوقت عنها وعن باقي الصلاة مع علمه بذلك فإن الصلاة تبطل بذلك لثبوت النهى عن قرائتها
المقتضى للفساد وإخراج الصلاة أو بعضها عن وقتها ممنوع منه ولو قرأها ناسيا عدل إذا تذكر ولو ظن السعة فشرع
في سورة طويلة ثم تبين ضيق الوقت عن الصلاة مع إكمالها وجب العدول إلى أقصر منها وإن تجاوز نصف الأولى
وكذا
يحرم قول آمين في أثناء الصلاة سواء في ذلك آخر الحمد وغيرها حتى القنوت وغيره من مواطن الداء وتبطل الصلاة
بتعمده اختيارا على المشهور بين الأصحاب بل ادعى الشيخ وغيره الاجماع عليه والمستند مع الاجماع قول النبي صلى الله
عليه وآله إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الآدميين وأمين من كلامهم إذ ليست بقرآن ولا ذكر ولا دعاء
وإنما هي اسم للدعاء وهو اللهم استجب والاسم مغاير لمسماه الوضعي ولقول الصادق عليه السلام حين سأله الحلبي أقول
آمين إذا فرغت من فاتحة الكتاب لا وهو نهى يقتضى الفساد في العبادة ولصحيحة جميل عن الصادق عليه السلام إذا كنت
خلف الامام فقرأ الحمد وفرغ من قرائتها فقل أنت الحمد لله رب العالمين ولا تقل آمين وهو نهى أيضا دال على التحريم المفسد
وأما ما رواه جميل أيضا بطريق آخر عنه عليه السلام حين سأله عن قول الناس حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين قال
ما أحسنها واخفض الصوت بها فإنه يحتمل كون ما نافية لكونه يحسنها فلا دلالة فيها وكونه على طريق التعجب من حسنها
وهو مؤذن بالتقية لتصريح الاخبار بالنهي عنها وكونه خفض صوته بها أي ضعفه ونظيره في الايذان بالتقية ما رواه
معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أقول آمين إذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هم
اليهود والنصارى حيث عدل عن جواب المسؤول عنه إلى تفسير المغضوب عليهم ولا الضالين وفسره بعض أصحابنا بأن القائلين
آمين هم اليهود والنصارى واستدل على البطلان بأن القارئ إن قصد مجرد القراءة لم يكن للتأمين محل إذ لا دعاء
وإن قصد بها الدعاء لا غير لم يصح وإن قصدهما معا لزم استعمال المشترك في كلا معنييه ويضعف بمنع الاشتراك
على التقدير الثلث فإن المعنى متحد وهو الدعاء المنزل قرآنا فإن الله سبحانه إنما كلف المكلفين بهذه الصيغة لإرادة
الدعاء وإن لم يحتمها عليهم ومن هنا جاء قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي نصفين فإن أولها ثناء وآخرها دعاء نعم لو
قيل إن آمين لا تشرع حينئذ إلا مع قصد الدعاء وإن كان بالشركة والقصد غير واجب ولم يقل أحد بكون التأمين
مشروطا بالقصد فإن المخالف جوزه مطلقا والأصحاب منعوه مطلقا فتجويزه مشروطا بقصد الدعاء خروج عن الاجماع
267

المركب أمكن يبقى فيه إن آمين طلب لاستجابة الدعاء أعم من الحاضر وغيره كما سيأتي في الجواب عن إبطال اللهم استجب فلو لا
فلو لا النص أمكن عدم النهى عنه وقال المصنف في التذكرة تبعا لشيخه المحقق إن معنى آمين اللهم استجب ولو قال ذلك بطلت
صلاته فكذا ما هو اسمه ويضعف بأنه دعاء عام باستجابة ما يدعى به فلا وجه للمنع منه وذهب بعض الأصحاب إلى كراهة
التأمين واحتمله في المعتبر وهو ضعيف واحترز بقيد الاختيار عما لو أمن لتقية فإنه لا يبطل لأنه جائز بل قد يجب إذا
خاف ضررا من تركه عليه أو على غيره من المؤمنين وعلى كل حال لا تبطل الصلاة بتركه حينئذ لعدم وجوبه عندهم ولأنه
فعل خارج من الصلاة ويستحب الجهر بالبسملة في مواضع الاخفات سواء في ذلك قراءة الأوليين والأخيرتين لرواية
صفوان قال صليت خلف أبى عبد الله عليه السلام أياما فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم
وأخفى ما سوى ذلك وروى أبو حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام إن الامام إذا لم يجهر بها ركب الشيطان
كتفه وكان أمام القوم حتى ينصرفوا وهذه الروايات تتناول بإطلاقها جميع الصلوات والأوليين والأخيرتين
والتأسي يقتضى شمول الامام وغيره وقول ابن الجنيد باختصاص الجهر بالامام وابن إدريس باختصاصه بالأوليين ضعيفان
وقول ابن البراج بوجوب الجهر بها في الإخفاتية مطلقا وأبى الصلاح بوجوبه في أولتي الظهرين بدفعه عدم الدليل
الموجب فإن المداومة عليه لا تقتضيه ورواية محمد بن علي الحلبي عن الصادق عليه السلام فيمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
قال إن شاء سرا وإن شاء جهرا ينفيه لتصريحها بعدم الوجوب عينا واعلم إن المراد بالاستحباب في هذا ونظائره
كونه أفضل الفردين الواجبين على التخيير لا الاستحباب المتعارف لتأدى الواجب في ضمنه وكونه كيفية له فلا يكون
إلا واجبا لكن الوجوب فيه تخييري لتأديه به وبالسر لكن لما كان الجهر أفضل الفردين صح إطلاق الاستحباب عليه
لذلك فهو مستحب عينا وواجب تخيير إلا أن الاستحباب راجع إلى اختياره فإن الاستحباب حينئذ غير منسوب إليه وجه والمصير
إلى التأويل العجز عن تصور عدم المنافاة بين وجوب الشئ واستحبابه باعتبارين
والترتيل في القراءة لقوله تعالى
ورتل القرآن ترتيلا وهو لغة الترسل فيها والتبيين بغير بغى قاله الجوهري واختلفت العبارة عنه شرعا فقال المصنف
في المنتهى هو تبيينها من غير مبالغة وفى النهاية هو بيان الحروف وإظهارها ولا يمده بحيث يشبه الغناء ولو أدرج ولم
يرتل وأتى بالحروف بكمالها صحت صلاته وتعريف المنتهى تبع فيه شيخه المحقق في المعتبر وهذه التعريفات تناسب المعنى
اللغوي والاستحباب وفى الذكرى هو حفظ الوقوف وأداء الحروف وهو المروى عن ابن عباس وعلي عليه السلام إلا أنه
قال وبيان الحروف بدل أدائها وهذا التعريف لا يجامع ذكر الوقوف على مواضعه بعد ذلك لدخوله فيه وعلى الأول
فيحتاج إلى قوله والوقوف على مواضعه فيقف على التام ثم الحسن ثم الجائز على ما هو مفرد عند القراء تحصيلا لفائدة
الاستماع إذ به يسهل الفهم ويحسن النظم ولا يتعين الوقف في موضع ولا يقبح بل متى شاء وقف ومتى شاء وصل
مع المحافظة على النظم وما ذكره القراء قبيحا أو واجبا لا يعنون به معناه الشرعي وقد صرح به محققوهم وروى
علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في الرجل يقرأ فاتحة الكتاب وسورة أخرى في النفس الواحد قال إن شاء قرء في نفس
وإن شاء غيره نعم يكره قراءة التوحيد في نفس واحد روى ذلك عن الصادق عليه السلام وروى الكليني بإسناده إلى أبي
عبد الله عليه السلام أنه سئل عن قول الله تعالى ورتل القرآن ترتيلا فقال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه بينه
بيانا ولا تهذه هذ الشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن اقرعوا به القلوب القاسية ولا يكن هم أحدكم آخر السورة
وقراءة قصار السور من المفصل في الظهرين والمغرب والمشهور كونه من سورة محمد صلى الله عليه وآله إلى آخر القرآن
268

سمى بذلك لكثرة الفصول بين سوره وقصاره من الضحى إلى آخره ومتوسطاته وهي من عم إلى الضحى في العشاء و
مطولاته وهي من أوله إلى عم في الصبح وفى بعض كتب اللغة إن المفصل من الحجرات أو من الجاثية أو القتال أوقاف
وقيل غير ذلك والله أعلم وليس في أخبارنا تصريح بهذا الاسم ولا تحديده وروى محمد بن مسلم في الصحيح قال قلت
لأبي عبد الله عليه السلام القراءة في الصلاة فيها شئ موقت فقال لا إلا الجمعة يقرأ بالجمعة والمنافقين قلت له
فأي السور أقرأ في الصلوات قال أما الظهر والعشاء فيقرأ فيهما سواء والعصر والمغرب سواء وأما الغداة فأطول ففي
الظهر والعشاء بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحيها ونحوها والعصر والمغرب إذا جاء نصر الله وألهيكم التكاثر
ونحوها والغداة بعم يتسائلون والغاشية والقيمة وهل أتى وهذه الرواية قد تضمنت التسوية بين الظهر و
العشاء وبين العصر والمغرب وعمل به الشهيد رحمه الله وهو أولى وقراءة سورة هل أتى على الانسان حين من الدهر في صبح
الاثنين وصبح الخميس قاله الشيخ والجماعة وزاد الصدوق قراءة الغاشية في الركعة الأخرى وإن من قرأهما في اليومين
وقاه الله شرهما وحكى عن صحب الرضا عليه السلام إلى خراسان لما أشخص إليها أنه كان يقرأهما وقراءة سورة الجمعة و
الأعلى ليلة الجمعة في العشائين رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام وروى أبو الصباح عنه عليه السلام أنه يقرأ في
العشاء ذلك وفى المغرب سورة الجمعة وقل هو الله أحد قال في المعتبر ولا مشاحة في ذلك لأنه مقام استحباب وقراءة سورة
الجمعة والتوحيد في صبيحتها أي صبيحة الجمعة المذكورة سابقا أو المستخدمة في لفظها وضميرها للسورة واليوم كما هو
من فنون البديع وقد روى قرائتهما فيها أبو بصير وأبو الصباح عن الصادق عليه السلام الأكثر وقال المرتضى
وابن بابويه يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين وهو مروي أيضا عن الباقر عليه السلام والمشهور أولى وقراءة الجمعة والمنافقين
في الظهرين يوم الجمعة وفى صلاة الجمعة قال الباقر عليه السلام الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنها رسول الله صلى الله
عليه وآله بشارة لهم والمنافقين توبيخا للمنافقين ولا ينبغي تركها فمن تركهما متعمدا فلا صلاة له وبظاهر هذه الرواية تمسك
الصدوق حيث أوجب السورتين في الجمعة وظهرها واختاره أبو الصلاح وأوجبهما المرتضى في الجمعة وروى عمر بن
يزيد عن الصادق عليه السلام من صلى بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة ولا حجة في الاخبار على ما اختاره الصدوق
لعدم ذكر الظهر فيها على الخصوص ويعارض برواية علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام في الرجل يقرأ في صلاة
الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا قال لا بأس بذلك وجوازه في الجمعة يستلزم أولوية جوازه في الظهر فلتحمل الرواية
المتقدمة على تأكد الاستحباب وتحمل الصلاة المنفية على الكاملة توفيقا بين الروايات وبقرينة لا ينبغي
تركهما والمشهور إن الضحى وألم نشرح سورة واحدة وكذلك الفيل ولإيلاف فلو قرأ أحديهما في ركعة وجب قراءة
الأخرى على ترتيب المصحف على القول بوجوب السورة والمستند ارتباط كل من السورتين بالأخرى من حيث المعنى
وصحيحة زيد الشحام قال صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام الفجر وقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة واحدة وقد علم إن القرآن
محرما أو مكروه وروى المفضل قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا الضحى وألم
نشرح وسورة الفيل ولإيلاف قريش وفى دلالة هاتين الروايتين على كون كل اثنتين سورة واحدة نظر إذ لا إشعار
فيهما بذلك وإنما تدلان على وجوب قراءتهما معا وهو أعم من المدعى بل رواية المفضل واضحة في كونهما سورتين لان
الاستثناء حقيقة في المتصل غاية ما في الباب كونهما مستثنيتين من القرآن المحرم أو المكروه يؤيده الاجماع على
وضعهما في المصحف سورتين والامر في ذلك سهل فإن الغرض من ذلك على التقديرين وجوب قراءتهما معا
في الركعة
269

الواحدة وهو حاصل وعلى القولين يجب البسملة بينهما أما على تقدير كونهما سورتين فظاهر وأما على تقدير الوحدة
فلثبوتها بينهما تواتر أو كتبها في المصحف وعدها جزءا مع تجريدهم إياه عن النقط والاعراب وذهب الشيخ إلى عدم إعادتها
ثانيا وتبعه المحقق لاقتضاء الوحدة ذلك ولأن الشاهد على الوحدة اتصال المعنى والبسملة تنفيه ويضعف بمنع
الوحدة أولا لما تقدم من عدم دلالة الاخبار عليها وبمنع اقتضاء الوحدة تجريدها على تقدير التسليم كما في سورة النمل
ويجوز العدول عن سورة إلى غيرها ما لم يتجاوز النصف إلا إذا كان شروعه في التوحيد والجحد فلا يجوز له أن يعدل عنها
وإن لم يتجاوز نصفهما إلا إلى الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة وظهرها أو ظهريها فإنه يجوز العدول من التوحيد و
الجحد إليهما ما لم يتجاوز نصف المعدول عنها كما قد علم واعتبار عدم تجاوز النصف في جواز العدول ذكره الشيخان وتبعهما
المصنف على ذلك ولا شاهد له في الاخبار ونقل الشهيد عن الأكثر الاكتفاء في المنع من الانتقال ببلوغ النصف وهو الوجه
للنهي عن إبطال العمل خرج منه ما إذا لم يبلغ النصف بالاجماع فيبقى الباقي وهذا الوجه يصلح شاهدا الآن لعدم
وجود نص على الخصوص نعم روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة ثم ينسى فيأخذ
في أخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع قال يركع ولا يضره وقد أخرجه الشيخ شاهدا على اعتبار تجاوز النصف
في المنع ولا دلالة فيه على حال العامد ولا على اختصاص الجواز بالنصف إلا بمفهوم اللقب إلا أن يقال خرج ما زاد
على النصف بالاجماع فيبقى الباقي ويدل على عدم جواز الانتقال من الجحد والتوحيد مع الشروع فيهما ولو بالبسملة بنية
أحديهما قول الصادق عليه السلام يرجع من كل سورة إلا من قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون وهذا في غير الصلاة
التي يستحب فيها قراءة الجمعة والمنافقين أما فيها فإنه يجوز العدول من الجحد والتوحيد إليهما مع عدم بلوغ النصف
وكون شروعه فيهما نسيانا لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة
فيقرأ (فقرأ) قل هو الله أحد قال يرجع إلى سورة الجمعة وغيرها من الاخبار ومتى جاز الانتقال من التوحيد جاز من الجحد وإن
تكن منصوصة للمساواة بينهما عند الأصحاب وإنما اعتبروا فيهما عدم بلوغ النصف جمعا بين ما دل على جواز العدول
منهما كصحيحة محمد بن مسلم وغيرها وبين ما روى عن الصادق عليه السلام في رجل أراد أن يصلى الجمعة فقرأ بقل هو الله
أحد قال يتمها ركعتين ثم يستأنف فإن العدول من الفريضة إلى النافلة بغير ضرورة غير جائز لأنه في حكم إبطال
العمل المنهى عنه فحملت هذه الرواية على بلوغ النصف والأولى محمولة على عدمه لما مر وقد علم من رواية محمد بن
مسلم تقييد جواز الرجوع بالناسي فتعمد أحديهما لا يرجع ومع العدول من سورة إلى أخرى يعيد البسملة لأنها
آية من كل سورة وقد قرأها أولا بنية السورة المعدول عنها فلا تحتسب من المعدول إليها وكذا يعيدها أي البسملة
لو قرءها بعد قراءة الحمد من غير قصد سورة معينة لان البسملة صالحة لكل سورة فلا يتعين لإحدى السور إلا بالتعيين
وهو القصد بها إلى أحديها فبدونه يعيدها بعد القصد وهذا بخلاف الحمد إذ لا يجب القصد بالبسملة لها
لتعينها ابتداء فيحمل إطلاق النية على ما في ذمته ولو لزمه سورة معينة أما بنذر وشبهه حيث ينعقد النذر
أو لضيق الوقت إلا عن أقصر سورة أو لكونه لا يعلم إلا تلك السورة سقط القصد كالحمد لان السورة لما كانت متعينة
بتلك الأسباب اقتضت نية الصلاة ابتداء قرائتها في محلها كما اقتضت إيقاع كل فعل في محله وإن لم يقصده
عند الشروع فيها ومحل القصد حيث يفتقر إليه عند الشروع في قراءة السورة وهل يكفي القصد المتقدم على ذلك
في جملة الصلاة بل قبلها نظر من أن السورة كاللفظ المشترك يكفي في تعيين أحد أفرادها القرينة وهي حاصلة في الجميع
270

ومن عدم المخاطبة بالسورة فلا يؤثر قصدها والاقتصار على موضع اليقين طريق البراءة واختار الشهيد رحمه الله في
بعض فتاويه الاجزاء (بالجميع ليس ببعيد صح) ولو كان معتادا قراءة سورة مخصوصة فالوجهان والاجزاء هنا بعيد ولو جرى لسانه على بسملة
وسورة فهل يجزى المضي عليها أم تجب الإعادة نظر واستقرب الشهيد الاجزاء واحتج عليه في الذكرى برواية أبي بصير السالفة
المتضمنة أنه لو قرأ نصف سورة ثم نسي فقرأ أخرى ثم تذكر بعد الفراغ قبل الركوع تجزيه وهذا يتم مع الشك في
قصد الثانية في حالة الذهول عن الأولى فإنه لا يوجب الالتفات لفوات محله أما مع العلم بعدمه كما هو بعض محتملات
الرواية لكونها أعم من ذلك فلا يتجه العمل به لان عموم الرواية مخصص بالقاعدة المقتضية لوجوب القصد ولا يرد أنه
حال الذهول غير مخاطب بالوجوب لان غايته ترك آية من السورة فيجب العود إليها وإلى ما بعدها ما لم يركع ويمكن
توجيه الاجزاء بوجه آخر وهو إنك علمت إن نية الصلاة ابتداء يقتضى إيقاع الفعل في محله ولا يحتاج الاجزاء إلى
نية نعم يجب أن لا ينوى بها ما يخالفها ومن جملة مقتضيات الصلاة أن تكون البسملة للسورة التي يقرءها بعدها
وهذا وإن لم يجز مع العلم بل لا بد له من نية خاصة لدليل خارج إلا أنه مع النسيان تنصرف البسملة الواقعة
من غير قصد إلى السورة الواقعة بعدها كذلك لاقتضاء نية الصلاة ابتداء ذلك وحينئذ فلا يجب العود إليها ولا إلى
غيرها ويبقى هذا التعليل معتضدا بعموم الرواية السالفة وهذا متجه بقي في المسألة إشكال وهو إن حكمه بإعادة
البسملة لو قرءها من غير قصد بعد القصد إن كان مع قرائتها أو لا عمدا لم يتجه القول بالإعادة بل ينبغي القول
ببطلان الصلاة للنهي عن قرائتها من غير قصد وهو يقتضى الفساد وإن كان قراها ناسيا فقد تقدم القول بأن
القراءة خلالها نسيانا موجب لإعادة القراءة من رأس فالقول بإعادة البسملة وما بعدها لا غير لا يتم على تقديري
العمد والنسيان والذي ينبغي القطع به فساد القراءة على تقدير العمد للنهي وهو الذي اختاره الشهيد في البيان وحمل
الإعادة هنا على قرائتها ناسيا وقد تكلف لدفع الاشكال بأن المصلى لما كان في نيته إن ذلك من قراءة الصلاة
لم يكن من غيرها فلا يقدح في الموالاة كما لو أعاد آية أو كلمة للاصلاح ويؤيده ما رواه البزنطي عن أبي العباس
في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أخرى قال يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف لكن الرواية مقطوعة و
مادة الاشكال غير منحسمة والله أعلم
الخامس الركوع وهو لغة الانحناء وشرعا كذلك إلا إنه انحناء
مخصوص ففيه تخصيص للمعنى اللغوي وهو ركن في الجملة بغير خلاف ولرواية زرارة عن الباقر عليه السلام لا تعاد
الصلاة إلا من خمسة وعد منها الركوع وغيره من الاخبار وذهب الشيخ إلى إنه ركن في الأوليين وفى ثالثة المغرب
دون غيرهما وهو ضعيف بل هو ركن مطلقا تبطل الصلاة بتركه عمدا وسهوا كنظائره من الأركان وإن كان الامر
لا يتم مطلقا لصحة الصلاة مع زيادة في بعض الموارد ويجب الركوع في كل ركعة مرة واحدة عدا الآيات كما سيأتي
وهو موضع وفاق ويجب منه الانحناء بقدر يمكنه معه أن تصل راحتاه عيني ركبتيه واحترز بالانحناء عما لو
انحنى وأخرج ركبتيه بحيث وصلت كفاه ركبتيه بدون الانحناء أو مع مشاركته بحيث لولا الانحناء لم تبلغا
والمراد بالقدر الذي تصل معه كفاه الركبتين الانحناء قدرا لو أراد معه وضعهما عليهما أمكنه لا وصولهما بالفعل
فإن ذلك غير واجب نعم هو مستحب تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله ولقول الباقر عليه السلام في صحيح زرارة وتمكن
راحتيك من ركبتيك والمراد بالراحة الكف ومنها الأصابع ويتحقق بوصول جزء من باطن كل منهما لا برؤس
الأصابع ويجب الذكر فيه ولا يتعين فيه لفظ مخصوص منه بل يكفي الذكر مطلقا من تسبيح أو تهليل أو تكبير أو
271

غيرها من الأذكار المشتملة على الثناء على الله على رأى قوى عند المصنف وجماعة كالشيخ في المبسوط وابن إدريس لصحيحتي
هشام بن سالم وابن الحكم عن الصادق عليه السلام قلت له أيجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود لا إله
إلا الله والحمد لله والله أكبر فقال نعم كل هذا ذكر الله وفيه إيماء إلى العلة فيجزى كل ما يعد ذكر الله ويتضمن ثناء
عليه وأيضا متى أجزأ ذلك أجزأ مطلق الذكر لعدم القائل بالفرق وذهب أكثر الأصحاب إلى تعيين التسبيح لما رواه
هشام بن سالم أيضا عنه عليه السلام قال سألته عن التسبيح في الركوع والسجود قال تقول في الركوع سبحان ربى
العظيم وفى السجود سبحان ربى الأعلى الفريضة من ذلك واحدة والسنة ثلث والفضل في سبع وروى زرارة عن الباقر
عليه السلام قلت له ما يجرى من القول في الركوع والسجود فقال تسبيحات في ترسل وواحدة تامة تجزى وعن عقبة
بن عامر قال لما نزل فسبح باسم ربك العظيم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله اجعلوها في ركوعكم ولما نزل
سبح اسم ربك الأعلى قال صلى الله عليه وآله اجعلوها في سجودكم والامر للوجوب فعلى هذا يجب ثلاث تسبيحات
صغرى أو واحدة كبرى للمختار واجتزوا بواحدة صغرى للمضطر كالمريض والمستعجل والتحقيق أنه لا منافاة بين
هذه الأخبار الصحيحة من الجانبين فإن التسبيحة الكبرى وما يقوم مقامها يعد ذكرا لله تعالى فتكون أحد أفراد
الواجب التخييري المدلول عليه بالاخبار الأولى فإنها دلت على إجزاء ذكر الله وهو أمر كلي يتأدى في ضمن التسبيحة
الكبرى والصغرى المكررة والمتحدة فيجب الجميع تخييرا وهذا مع كونه موافقا للقواعد الأصولية جمع حسن بين الاخبار
فهو أولى من اطراح بعضها أو حملها على التقية وغيرها نعم رواية معوية بن عمار عن الصادق عليه السلام حين سأله
عن أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة قال ثلاث تسبيحات ترسلا تقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله قد تأبى هذا
الحمل لكن لا صراحة فيها بأن ذلك أخف الواجب فيحمل على أخف المندوب فإنه أعم منهما إذ لم يبين فيه الفرد المنسوب
إليه الأخفية واعلم أن أكثر الروايات خال عن لفظة وبحمده في التسبيحة الكبرى لكنها موجودة في خبر حماد بن عيسى و
يمكن رجوع اللفظة إلى ما بيناه في الواجب المخير لان التسبيح المصاحب لها بعض أفراد الذكر بل هو من أكبره فيكون أحد
الواجبات ولا يقدح في الوجوب جواز تركها كما في صلاة المسافر في مواضع التخيير وهذا البحث آت على القولين تفسير
التسبيح لغة التنزيه ومعنى سبحان الله تنزيها له من النقايص مطلقا وهو اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر
لفعل محذوف تقديره سبحت الله سبحانا وتسبيحا أي برأته من السوء براءة والتسبيح هو المصدر وسبحان واقع
موقعه وعامله محذوف كما في نظائره ولا يستعمل غالبا إلا مضافا كقولنا سبحان الله وهو مضاف إلى المفعول به
أي سبحت الله لأنه المسبح المنزه قال أبو البقاء ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل لان المعنى تنزه الله والمعروف هو الأول
ومعنى سبحان ربى العظيم وبحمده تنزيها له من النقايص وعامله المحذوف هو متعلق الجار في وبحمده والمعطوف عليه محذوف
يشعر به العظيم كأنه قال تنزيها لربي العظيم بعظمته وبحمده أو وبحمده أنزهه فيكون عطفا لجملة على جملة وقيل معنى
وبحمده والحمد له على حد ما قيل في قوله تعالى ما أنت بنعمة ربك بمجنون أي والنعمة لربك والعظيم في صفته تعالى
من يقصر كل شئ سواه عنه أو من انتفت عنه صفات النقص أو من حصلت له جميع صفات الكمال أو من قصرت العقول عن
أن تحيط بكنه حقيقته فإن الأصل في العظيم أن يطلق على الأجسام يقال هذا الجسم عظيم وهذا الجسم أعظم منه
ثم ينقسم إلى ما تحيط به العين وإلى ما لا تحيط به كالسماء والأرض ثم الذي لا تحيط به العين قد يحيط به العقل و
قد لا يحيط وهو العظيم المطلق ويطلق على الله تعالى بهذا الاعتبار مجردا عن أخذ الجسم جنسا في تعريفه
وتجب
272

الطمأنينة بضم الطاء وسكون الهمزة بعد الميم وهي سكون الأعضاء واستقرارها في هيئة الراكع بقدره أي بقدر الذكر
الواجب في الركوع فلا يعتد به من دونها ولا يجزى عنها مجاوزة الانحناء أقل الواجب ثم يعود إليه وإن ابتدأ بالذكر عند
بلوغ حد الراكع وأكمله قبل الخروج عنه نعم لو تعذرت الطمأنينة لمرض ونحوه أجزأ ذلك وهل يجب الظاهر ذلك
لان الواجب في ذكر الركوع كونه في محل الراكع مطمئنا فلا يسقط أحدهما بتعذر الاخر واستقرب في الذكرى عدم
الوجوب للأصل فحينئذ يتم الذكر رافعا رأسه ومتى فعل الذكر من دون الطمأنينة فإن كان عامدا بطلت الصلاة
لتحقق النهى وإن كان ناسيا استدركه في محله إن أمكن وللمصنف قول بمساواة العامد للناسي إذا استدركه في محله واختاره
الشهيد في الدروس وليس بجيد ورفع الرأس منه أي من الركوع فلو هوى من غير رفع بطل والطمأنينة قائما ولا حد لها
بل يكفي مسماها وهو ما يصدق به الاستقرار والسكون ويجب أن لا يطيلها بحيث يخرج عن كونه مصليا واستوجه في
الذكرى جواز تطويلها عمدا بذكر أو قراءة للأخبار الدالة على الحث على ذكر الله والدعاء في الصلاة من غير تقييد بمحل
مخصوص ولو عجز المصلي عن الانحناء إلى حد الراكع أتى بالممكن منه فإن عجز أصلا أومأ برأسه ولو توقف الانحناء على
المعاون وجب ولو بأجرة مقدورة كالقيام والراكع خلقة لكبر أو مرض يزيد انحناء يسيرا تحصيلا للفرق بين القيام
والركوع لأنه المعهود من صاحب الشرع ولا دليل على السقوط ولقوله عليه السلام فأتوا منه ما استطعتم وذهب المصنف في
بعض كتبه إلى عدم وجوب الزيادة تبعا للشيخ والمحقق في المعتبر لان ذلك حد الركوع فلا يلزمه الزيادة عليه ورد بأنه
لا يلزم من كونه حد الركوع أن يكون ركوعا إن الركوع هو فعل الانحناء ولم يتحقق ولما سبق من وجوب الفرق نعم
لو كان انحناؤه الضروري إلى أقصى مراتب الركوع بحيث لو زاد يسيرا خرج عما يعد ركوعا سقط اعتبار الفرق محافظة
على الركن ولا يخفى أنه لو أمكنه نقص الانحناء حال القيام باعتماد ونحوه تعيين لأنه أقرب إلى القيام فيجرى حينئذ ذلك
الانحناء للركوع لحصول الفرق به وينحني طويل اليدين وقصيرهما ومقطوعهما كالمستوى حملا للأوامر على الغالب
لأنه الراجح وتسقط الطمأنينة في الحالين مع العجز عنه فيأتي بالذكر على حسب المقدور وقد تقدم أنه لو أمكن إيقاعه
أخذا في الزيادة عن أقل الراكع وراجعا إليه وجب ولو أمكنه فعله راكعا متزلزلا ونازلا على ذلك الوجه قدم أقلهما
حركة فإن تساويا تخير فإن تعذر أتى به رافعا ويستحب التكبير له أي للركوع في حالة كون المصلى قائما بعد القراءة
وقبل أن يأخذ في الركوع رافعا يديه في حالة التكبير كما مر في تكبير الافتتاح فإذا أرسلهما هوى إلى الركوع
وأوجب جماعة من الأصحاب الرفع هنا كما أوجبوه في تكبيرة الافتتاح وعمم المرتضى الوجوب في جميع التكبيرات
وكون التكبير في حالة القيام هو المشهور بين الأصحاب وقال الشيخ في الخلاف يجوز أن يهوى به وهو حسن لأنه ذكر
لله مستحب فلا منع منه على حال إلا إنه دون الأول في الفضل ويستحب أيضا رد الركبتين إلى خلف رواه حماد
في وصف صلاة الصادق عليه السلام وتسوية الظهر ومد العنق رواه حماد أيضا وروى عن النبي صلى الله عليه وآله
إنه كان يستوى في الركوع بحيث لو صب الماء على ظهره لاستمسك ومثله عن علي عليه السلام والدعاء أمام التسبيح لأنه
موضع إجابة وروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال أما الركوع فعظموا الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء
فضمن أن يستجاب لكم وصورة الدعاء ما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام رب لك ركعت ولك أسلمت وبك
آمنت وعليك توكلت وأنت ربى خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما
أقلته قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر والتسبيح بعد ذلك (ثلثا صح) كبريات أو خمسا أو سبعا وظاهر جماعة
273

من الأصحاب أنه نهاية الكمال وفى رواية هشام بن سالم السالفة إيماء إليه لكن روى حمزة بن حمران والحسن بن زياد
أنهما صليا مع الصادق عليه السلام فعددا عليه في الركوع سبحان ربى العظيم أربعا أو ثلثا وثلثين مرة وقال أحدهما
في حديثه وبحمده في الركوع والسجود وروى أبان بن تغلب أنه عد على الصادق عليه السلام ستين تسبيحة واختار جماعة
من الأصحاب استحباب ما لا يحصل معه السام إلا أن يكون إماما فلا يزيد على ثلث نعم لو انحصر المأمومون وأحبوا
الإطالة استحب له التكرار على وفق مرادهم ولا ينبغي لمطلق المصلى النقص عن ثلاث إلا لعارض وهل الواجب من
الجميع الأولى أم يمكن وصف الجميع به على جهة الوجوب التخييري خلاف وقد تقدم في التسبيح في الأخيرتين ما يرشد
إلى الثاني واستقرب في الذكرى كون الواجب الأولى وإن لم يقصدها وإنه لو نوى وجوب غيرها جاز وقول
سمع الله لمن حمده عند الرفع من الركوع بعد انتهائه إماما كان أو مأموما أو منفردا رواه زرارة في الصحيح عن
الباقر عليه السلام قل سمع الله لمن حمده وأنت منتصب قائم تجهر بها صوتك وفيه إشارة إلى استحباب الجهرية ويحمل
على غير المأموم لاستحباب الاخفات له في أذكاره ولو قال المأموم عند تسميع الامام ربنا لك الحمد كما هو مذهب
العامة كان جائزا رواه محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال الشيخ ولو قال ربنا ولك الحمد لم تفسد صلاته
وروايتنا لا واو فيها والعامة مختلفون في ثبوتها وسقوطها واثباتها جائز لغة لان الواو قد تزاد في كلام العرب
كقوله فما بال من أسعى لاجبر عظمه * سفاها وينوى من سفاهته كسرى وقوله ولقد رمقتك في المجالس كلها
فإذا وأنت بعين من يبغيني وأنكر في المعتبر ربنا لك الحمد وخبر محمد بن مسلم الصحيح حجة عليه وجوزه ابن الجنيد
من غير تقييد بالمأموم ولا شاهد له ويستحب أن يزيد على ذلك الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء و
العظمة (لله صح) رب العالمين بقي في التسميع بحثان أحدهما إن سمع من الأفعال المتعدية إلى المفعول بأنفسها تقول سمعت كذا
وسمعت فلانا يقول كذا قال تعالى سمعنا فتى يذكرهم سمعنا مناديا ينادى للايمان يوم يسمعون الصيحة وقد عدى
هنا باللام والوجه في ذلك أنه من باب التضمين وهو أن يشرب لفظ معنى لفظ آخر فيعطى حكمه وفائدته أن يؤدى كلمة
مؤدى كلمتين وسمع هنا ضمن معنى استجاب فعدى بما يعدى به وهو اللام كما ضمن السماع في قوله تعالى لا يسمعون
إلى الملأ الأعلى معنى الأصنعاء فعدى بإلى وهو باب متسع قال أبو الفتح أحسب لو جمع ما جاء منه لجاء منه كتاب يكون
مئين أوراقا الثاني هل هذه الكلمة دعاء أم ثناء أما من حيث اللفظ فكل محتمل ولم يتعرض لذلك أحد من الأصحاب
سوى المحقق الشيخ علي وتوقف في ذلك وذكر أنه لم يسمع فيه كلاما يدل على أحدهما أقول روى الكليني في كتاب
الدعاء بإسناده إلى الفضل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي إحمد الله فإنه
لا يبقى أحد يصلى إلا ودعا لك يقول سمع الله لمن حمده وهذا نص في الباب على أنه دعاء لا ثناء ويكره الركوع والحالة
أن يده موضوعة تحت ثيابه بل تكون بارزة أو في كمه قاله الجماعة وروى عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يدخل
يده تحت ثوبه قال إن كان عليه ثوب آخر فلا بأس وإن لم يكن فلا يجوز وإن أدخل يدا وأخرج أخرى فلا بأس وليس
في العبارات تصريح بما إذا لم يكن ثم ثوب آخر ولعلهم اعتمدوا على ذكر الثياب بصيغة الجمع المضاف فإنه يفيد العموم
فتختص الكراهة بما إذا كانت اليدان تحت جميع الثياب فمع فقد المجموع الذي يصدق فواته بفوات بعض أجزائه لا تتم
الكراهة وفى العبارة ما يقتضى الاكتفاء في الكراهة بوضع إحدى اليدين والرواية تنفيه
السادس السجود
وهو لغة الخضوع وشرعا وضع الجبهة على الأرض ونحوها فهو خضوع خاص ويجب في كل ركعة سجدتان هما معا
274

ركن تبطل الصلاة بتركهما عمدا وسهوا سواء في ذلك الركعتان الأوليان والأخيرتان على المشهور بين الأصحاب
لرواية زرارة لا تعاد الصلاة إلا من خمسة وعد منها السجود وللشيخ قول باختصاص البطلان بتركهما معا في الأوليين
دون الأخيرتين تعويلا على رواية لا دلالة فيها على ذلك مع معارضتها بأقوى منها ولا تبطل الصلاة بترك
أحديهما سهوا على المشهور أيضا وربما نقل عن ابن أبي عقيل أن الاخلال بالواحدة مبطل وإن كان سهوا لصدق
الاخلال بالركن إذ الماهية المركبة تفوت بفوات جزء منها وقد تقرر أن الركن مجموع السجدتين ولرواية المعلى
بن خنيس الدالة على ذلك وأجيب بأن انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلقا وإلا لكان الاخلال بعضو من
أعضاء السجود مبطلا ولم يقل به أحد بل المؤثر هو انتفاؤها بالكلية أو نقول إن الركن مسمى السجود ولا يتحقق
الاخلال به إلا بترك السجدتين معا والرواية ضعيفة بالارسال وبالمعلى ومعارضة بما هو أقوى كذا أجاب في
الذكرى وفيه نظر لان الركن إذا كان هو المجموع لزم منه البطلان بفوات الواحدة لاستلزامه الاخلال به فاللازم
إما عدم ركنية المجموع أو بطلان الصلاة بكل ما يكون إخلالا به وما ادعاه من لزوم البطلان بالاخلال بعضو
من أعضاء السجود غير ظاهر لان وضع ما عدا الجبهة لا دخل له في السجود كالذكر والطمأنينة بل هي واجبات له
خارجة عن حقيقته وإنما حقيقته وضع الجبهة على الأرض وما في حكمها وأما الجواب الثاني ففيه خروج عن السؤال
من رأس لأنه وارد على جعل المجموع معا ركنا كما قد اشتهر بين الأصحاب مع أن التزام ما ذكر يستلزم بطلان
الصلاة بزيادة السجدة الواحدة لتحقق المسمى ولم يقل به أحد فإن ابن أبي عقيل إنما حكم ببطلان الصلاة بنسيان
الواحدة لا بزيادتها على ما نقله عنه المجيب وبالجملة فالحكم بذلك مناف للحكم بعدم البطلان بفوات الواحدة إن تم أن
الركن مطلقا تبطل الصلاة بزيادته ونقصانه مطلقا ويمكن الجواب بمنع كلية المقدمة القائلة بأن كل ركن تبطل
الصلاة بزيادته مطلقا ولا يتم الاشكال إلا مع تسليمها كيف وقد تخلف ذلك في مواضع كثيرة ولا دليل على انحصار
الحال فيها بل فيها أو كثير منها ما هو أضعف من هذه المواضع للاتفاق كما نقله الشهيد في الذكرى والنص على عدم
البطلان بزيادة الواحدة ونقصها فيكون ذلك هو الموجب لخروج هذا الفرد من الكلية كما خرج غيره ولو قيل بأن
الركن أيضا هو مسمى السجود الصادق بالواحدة كما ذكره في الذكرى وأخرج الحكم بعدم البطلان بزيادتها من القاعدة بالنص
أيضا أمكن بل هو أولى من الأول لكثرة نظائره المستثناة من زيادة الركن وعلى كل حال فلا مجال لحل الاشكال
إلا بالتزام أحد الامرين
ويجب في كل سجدة وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه وقد تقدم بيانه في المكان ويتحقق
وضعها بوضع ما يصدق عليه الاسم منها على المشهور كغيرها من المساجد لاقتضاء الامر بالمطلق ذلك ولصحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود ما سقط من ذلك إلى الأرض
أجزأك مقدار الدرهم ومقدار طرف الأنملة وأوجب الصدوق وجماعة وضع مقدار الدرهم منها واستقربه في الذكرى
تمسكا برواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام في المرأة تطول قصتها بضم القاف وتشديد الصاد وهي شعر الناصية
وإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر هل يجوز ذلك قال لا حتى تضع جبهتها على الأرض
ولا دلالة في الرواية على اعتبار الدرهم والحمل عليه بعد عدم الاكتفاء بما حصل من الجبهة على الأرض ليس أولى من حمل
ما وقع على ما دون المسمى والامر بوضع المسمى مع أن ظاهرها اعتبار وضع الجميع ولم يوجبه أحد فتحمل على الاستحباب
أو على اعتبار المسمى لأصالة عدم وجوب الزائد وعدم علو موضع الجبهة عن الموقف بأزيد من لبنة بفتح اللام وكسر
275

الباء أو بكسرها فسكون الباء والمراد بها المعتادة في بلد صاحب الشرع والاعتبار بقدرها إذا كانت موضوعة على
أكبر سطوحها وقدرت بأربع أصابع مضمومة تقريبا ويعتبر ذلك في الانخفاض أيضا كما صرح به الشهيد رحمه الله و
في رواية عمار عن الصادق عليه السلام في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض فقال إذا كان الفراش غليظا
قدر أجرة أو أقل استقام له أين يقوم عليه ويسجد على الأرض وإن كان أكثر من ذلك فلا واعتبر الشهيد رحمه الله
أيضا ذلك في بقية المساجد وهو أولى ولا فرق في ذلك بين ما لو كان الارتفاع والانخفاض بسبب البناء والفرش و
نحوهما أو من أصل الأرض كالمنحدرة لاطلاق النصوص والفتاوى ومن النصوص الواضحة في ذلك رواية عبد الله بن
سنان عليه السلام قال سألته عن السجود على الأرض المرتفعة فقال إذا كان موضع جبهتك مرتفعا
عن موضع يديك قدر لبنة فلا بأس واعلم أن الجبهة لو وقعت على موضع مرتفع عن القدر الذي يجوز السجود عليه
تخير بين رفعها وجرها إلى موضع الجواز لعدم تحقق السجود على ذلك القدر أما لو وقعت على ما لا يصح السجود عليه
مع كونه مساويا للموقف أو مخالفا القدر المجزى لم يجز رفعها حذرا من تعدد السجود بل يجرها إلى موضع الجواز والاخبار
مطلقة في المنع من الرفع وجوازه وحملها على التفصيل طريق الجمع بينها والذكر فيه أي في السجود مطلقا من غير تقييد
بالتسبيحة الكبرى وما يقوم مقامها من المتعدد على رأى قوى وقد علم وجهه مما سلف والسجود على سبعة أعضاء من أعضاء
المصلى الجبهة وهي ما بين الجبينين والقصاص والكفين والمراد بهما ما يشمل الأصابع فيجزى وضع أحديها
والمعتبر باطنهما فلا يجزى ظهرهما إلا مع الضرورة والركبتين وإبهامي الرجلين ولا يتعين رؤسهما وإن كان أحوط والمعتبر
في كل منها مسماه ويستحب الاستيعاب لما فيه من المبالغة في الخضوع ولا يجزى غير الإبهامين من الأصابع عنهما
مع إمكانهما نعم لو تعذر السجود عليهما أجزاء على بقية الأصابع من غير تخصيص ويجب الاعتماد عليها فلو تحامل عنها لم يجز
ولا يجب التسوية بينها في الثقل والطمأنينة فيه أي في السجود بقدر الذكر الواجب ولا بد من زيادتها عليه يسيرا ليتحقق
وقوعه حالتها ولو لم يعلم الذكر وجبت الطمأنينة بقدره فصاعدا لأنها أحد الواجبين ولا يعلم ارتباطها به وقد
تقدم مثله في القراءة ورفع الرأس منه والجلوس في حالة كونه مطمئنا ولم يكتف بالرفع عن الجلوس لعدم استلزامه
له ولا يكفي مطلق الرفع فلذا ذكره ولا حد لهذه الطمأنينة بل كفى مسماها وإنما يجب الجلوس مطمئنا عقيب السجدة
الأولى أما الثانية فسيأتي أنها مستحبة والعاجز عن السجود لمرض ونحوه يومي له برأسه فإن تعذر فبعينيه كما مر ولو
احتاج إلى رفع شئ يسجد عليه فعل وجوبا ويجب كون نهايته في نهاية ما يمكنه من الانحناء وقد سبق بيان ذلك و
ذو الدمل والجرح والورم ونحوها إذا لم يمكنه وضع الجبهة على الأرض على تلك الحالة يحفر لها حفيرة أو يعمل
لها شيئا مجوفا من طين أو خشب ونحوهما وجوبا ليقع السليم على الأرض لان ذلك من باب مقدمة الواجب المطلق ولما
رواه مصادف قال خرج بي دمل وكنت أسجد على جانب فرآني أبو عبد الله عليه السلام فقال ما هذا قلت لا أستطيع
أن أسجد من أجل الدمل فإنما أسجد منحرفا فقال لي لا تفعل ذلك إحفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع
جبهتك على الأرض فإن تعذر ذلك أما لعدم إمكان الفعل أو لاستيعابه الجبهة سجد على أحد الجبينين لقربهما
إلى الجبهة وكونهما معا كالعضو الواحد فيقوم أحدهما مقامها للغدر ولا خلاف في تقديمهما على الذقن مع الامكان
ولا أولوية للأيمن على الأيسر هنا للأصل وعدم الدليل نعم يستحب تقديم الأيمن خروجا من خلاف الصدوقين فإن تعذر
السجود عليهما فعلى ذقنه ذكره الأصحاب وروى مرسلا عن الصادق عليه السلام وقد سئل عمن بجبهته علة لا يقدر
276

على السجود عليها يضع ذقنه على الأرض أن الله تعالى يقول يخرون للأذقان سجدا والمراد بالتعذر هنا المشقة
الشديدة التي لا تتحمل عادة وإن أمكن تحملها بعسر والمراد بالذقن بالتحريك مجمع اللحيين فشعر اللحية ليس منه فيجب كشفه
لتصل البشرة إلى ما يصح السجود عليه مع الامكان وإلا سقط ولو تعذر جميع ذلك أومأ لرواية إبراهيم الكرخي عن
الصادق عليه السلام حين سأله عن شيخ لا يمكنه الركوع والسجود فقال ليؤم برأسه إيماء وإن كان له من يرفع
الخمرة إليه فيسجد فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة إيماء ويستحب التكبير له أي للسجود قائما رافعا يديه والهوى
بعد إكماله ولو كبر وهو هاو جاز وترك الأفضل كما مر في الركوع والسبق بيديه إلى الأرض قبل الركبتين وغيرهما
وليضعهما معا على الأرض وروى السبق باليمنى منهما والارغام بالأنف وهو إلصاقه بالرغام وهو التراب والمراد
هنا السجود عليه ووضعه على ما يصح السجود عليه لقول علي عليه السلام لا تجزى صلاة لا يصيب الانف فيها ما يصيب الجبين و
المراد نفى الاجر الكامل إذ لا يجب قطعا وتتأدى السنة بإصابة جزء منه المسجد واعتبر المرتضى إصابة الطرف الذي
يلي الحاجبين وهو أولى والدعاء فيه للدين والدنيا لقول النبي صلى الله عليه وآله وأما السجود فاجتهدوا في
الدعاء فقمن أن يستجاب لكم وليقل أمام التسبيح ما أمر به الصادق عليه السلام اللهم لك سجدت وبك
آمنت وعليك توكلت وأنت ربى سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره والحمد لله رب العالمين تبارك الله
أحسن الخالقين والتسبيح ثلاثا أو خمسا أو سبعا فما زاد وقد تقدم بيانه والتورك بين السجدتين بأن يجلس على
وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا من تحته ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن
قدمه اليسرى
ويفضي بمقعدته إلى الأرض والدعاء عنده أي عند التورك بين السجدتين بما روى عن النبي صلى الله عليه وآله اللهم
إغفر لي وارحمني وعافني وارزقني وعن الصادق عليه السلام اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني إني لما أنزلت
إلي من خير فقير تبارك الله رب العالمين وفى خبر حماد إن الصادق عليه السلام قال بين السجدتين بين التكبيرتين
أستغفر الله ربى وأتوب إليه وجلسة الاستراحة بعد الرفع من السجدة الثانية وهيئتها كالجلوس من بين السجدتين
وأوجبهما المرتضى لقول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير فاستو جالسا ثم قم والامر للوجوب ويعارض بما رواه
زرارة أنه رأى الباقر والصادق عليهما السلام إذا رفعا رؤسهما من الثانية نهضا ولم يجلسا فيحمل الامر على
على الاستحباب وأن يقول عند الاخذ في القيام بحول الله وقوته أقوم وأقعد وأركع وأسجد لرواية عبد الله
بن سنان عن الصادق عليه السلام إذا قمت من السجود قلت بحولك إلخ وفى المعتبر يقول ذلك في جلسة الاستراحة
والأكثر على الأول والكل جائز والاعتماد على يديه عند قيامه سابقا برفع ركبتيه رواه محمد بن مسلم في فعل الصادق
عليه السلام ورواه العامة في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وآله وليبسط يديه عند القيام ولا يضمهما
كالعاجز رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام ويكره الاقعاء في حالة الجلوس سواء كان بين السجدتين أم في جلسة
الاستراحة أم في غيرهما لقول النبي صلى الله عليه وآله إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعى الكلب و
روى زرارة عن الباقر عليه السلام إياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكون قاعدا على الأرض
فتكون إنما قعد بعضك على بعض والاقعاء عندنا أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه وله
تفسيرات أخرى وهذا هو المشهور منها
السابع التشهد وهو تفعل من الشهادة وهي لغة الخبر القاطع
وشرعا الشهادة لله بالتوحيد ولمحمد صلى الله عليه وآله بالرسالة ويطلق على ما يشمل الصلاة على النبي
277

صلى الله عليه وآله تغليبا أو بالنقل ويجب عقيب كل ركعة ثانية وفى آخر الثلاثية والرباعية أيضا الشهادتان
المعهودتان والصلاة على النبي وآله عليهم السلام وآله وظاهر العبارة كعبارة الأكثر الاجتزاء بالشهادتين بأي لفظ اتفق
فلا ينحصر في الفرد المشهور وهو أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بل لو ترك
وحده لا شريك له ولفظة عبده لم يضر لصدق الشهادتين بدونهما وهو الذي قطع به في كثير من كتبه وقد تردد
في النهاية في وجوب وحده لا شريك له وفى الاخبار دلالة على كل منهما فروى سورة بن كليب قال سألت أبا جعفر عليه السلام
عن أدنى ما يجزى من التشهد قال الشهادتان وهو يدل على الأول وروى محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله
عليه السلام التشهد في الصلاة قال مرتين قلت وكيف مرتين قال إذا أستويت جالسا فقل أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف قال قلت فقول العبد التحيات لله والصلوات الطيبات لله
قال هذا اللطف من الدعاء تلطف العبد به ربه وظاهر هذه الرواية وجوب الضميمة المذكورة لاقتضاء الامر الوجوب
وهو وجه تردده في النهاية وربما جمع بينهما بوجوب كل من العبارتين تخييرا وإن كانت أحديهما أفضل من الأخرى
وفيه قصود خبر سورة بن كليب عن مقاومة الاخبار الأخرى لضعفه برجال متعددة وبأنه مطلق لا دال على عبارة
مخصوصة حتى يجمع بينهما كذلك والخبر الاخر مقيد بألفاظ معينة بيانا للشهادتين والمطلق يجب حمله على المقيد
وبأن العمل بالأول يستلزم جواز حذف لفظة أشهد الثانية مع الاتيان بواو العطف أو حذف الواو مع الاتيان
بها بل حذفهما معا وإضافة الرسول مع حذف عبده لصدق الشهادتين مع جميع هذه التعبيرات و
أصحاب الجمع لا يقولون به نعم جوزه المصنف في بعض كتبه وهو ظاهر إطلاقه هنا وهو متوجه على تقدير العمل
بالخبر الأول وأجاب بعض المانعين من هذه التعبيرات بأن مخالفة المنقول غير جائزة وبقاء المعنى غير كاف لان
التعبد بالألفاظ المخصوصة ثابت وبأن هذه الرواية لا تنهض معارضة لغيرها من الاخبار المشهورة في المذهب وفيه
إن الاخبار المشهورة تضمنت إضافة وحده لا شريك له ولفظة عبده والمجيب لا يحتم وجوبها ولم يستفيدوا جواز حذفها
إلا من هذا الحديث المطلق فكيف يرد ويجوز ترك تلك الإضافات والذي يظهر بعد تتبع الأخبار الواردة في هذا
الباب إن اللازم منها أما تحتم العمل بالتشهد المذكور المشتمل على الإضافات أو القول بجواز جميع تلك التعبيرات
كما اختاره المصنف وصرح به المحقق في المعتبر حيث حكم بوجوب ما تضمنته الاخبار وهو الشهادتان إلا أن في الثاني ما
تقدم من الاشكال والله أعلم بالحال والمراد بآل محمد على وفاطمة والحسنان عليهم السلام للنقل ويطلق على باقي الأئمة
الاثني عشر تغليبا ويجب الجلوس مطمئنا بقدره فلو شرع في التشهد قبل حصولها أو نهض قبل كماله متعمدا بطلت الصلاة
للنهي المقتضى للفساد وإن أعاده في محله ولو كان ناسيا تداركه في محله إن أمكن والا مضى في صلاته وهل يجب قضاؤه
الظاهر لا لوقوعه في الجملة والمخل به إنما هو بضع واجباته وهو لا يقضى ووجه القضاء إن عدم وقوعه على وجهه يصيره
في حكم المعدوم وضعفه ظاهر والجاهل بالتشهد يتعلم مع السعة ومع الضيق يأتي منه بقدر ما يعلمه لان الميسور
لا يسقط بالمعسور فإن لم يعلم شيئا قيل سقط والأولى الجلوس بقدره حامدا لله تعالى كما ورد الامر به في خبر الخثعمي
عن الباقر عليه السلام من الاجتزاء بالتحميد مطلقا فإن أقل محتملاته حمله على الضرورة وهو اختيار الشهيد رحمه الله فإن
لم يحسن التحميد وجب الجلوس بقدره لأنه أحد الواجبين وإن كان مقيدا مع الاختيار بالذكر ويستحب التورك فيه
وصفته كما مر والزيادة في الدعاء عما ذكر في الشهادتين بما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا
278

جلست في الركعة الثانية فقل بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة أشهد إنك نعم الرب وأن محمدا نعم
الرسول اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته ثم تحمد الله مرتين أو ثلثا ثم
تقوم فإذا جلست في الرابعة قلت بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة أشهد أنك نعم الرب
وأن محمدا نعم الرسول التحيات لله والصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات العاديات الرائحات السابغات الناعمات
لله ما طاب وزكى وطهر وخلص وصفى فلله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة أشهد أن ربى نعم الرب وأن محمدا نعم الرسول وأشهد أن
الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا إن هدانا
الله الحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وسلم على محمد وآل محمد وترحم
على محمد وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم صلى على محمد وآل
محمد واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وامنن على بالجنة وعافني من النار اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر للمؤمنين و
المؤمنات ولمن دخل بيتي مؤمنا ولا تزد الظالمين إلا تبارا ثم قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على أنبياء الله
ورسله السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقربين السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي
بعده السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ثم تسلم
ومندوبات الصلاة ستة الأول التسليم على رأى
ووجهه أصالة عدم الوجوب وقوله صلى الله عليه وآله إنما صلاتنا هذه تكبير وقراءة وركوع وسجود وإنما للحصر
وقول الباقر عليه السلام في صحيحة زرارة وقد سأله عن الرجل يحدث قبل التسليم قال تمت صلاته ولو كان التسليم
واجبا لبطلت الصلاة بالمنافي قبل تمامها وقول الصادق عليه السلام في حسنة الحلبي إذا التفت في صلاة مكتوبة
من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات فاحشا وإن كنت قد تشهدت فلا تعد ولو كان التسليم واجبا لاعتبر فعله
أيضا في عدم الإعادة ولقوله عليه السلام حين سأله زرارة عن رجل صلى خمسا إن كان جلس في الرابعة قدر التشهد
فقد تمت صلاته ولأن النبي صلى الله عليه وآله لم يعلمه المسئ صلاته ولو كان واجبا لوجب البيان والتعليم في ذلك
المقام وما اختاره المصنف هنا مذهب الشيخين وابن إدريس وجماعة وذهب المرتضى وأكثر المتأخرين إلى الوجوب لقول
النبي صلى الله عليه وآله في الحديث المشهور مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم والاستدلال
به من وجهين أحدهما إن التسليم وقع خبرا عن التحليل لان هذا من المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر لكونهما
معرفتين وحينئذ فيجب كونه مساويا للمبتدأ أو أعم منه لوجوب انحصار المبتدأ في خبره فلو وقع التحليل بغيره كان المبتدأ
أعم ولأن الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ بمعنى تساويهما في الصدق لا المفهوم والثاني أن تحليلها مصدر مضاف
إلى الصلاة فيعم كل محلل يضاف إليها ويلزم من ذلك كله كون غير السلام غير محلل ولمواظبة النبي والأئمة عليهم السلام
على فعله امتثالا للامر الواجب من غير بيان ندبيته ولقوله تعالى وسلموا تسليما والامر للوجوب ولا شئ من التسليم
بواجب في غير الصلاة فيجب فيها ولقول الصادق عليه السلام في موثقة أبي بصير لما سئل عن رجل صلى الصبح فلما
279

جلس في الركعتين قبل أن يتشهد رعف قال فليخرج فليغسل أنفه ثم ليرجع فليتم صلاته فإن آخر الصلاة التسليم ولأنه
لولا وجوبه لما بطلت صلاة المسافر بالاتمام هذا نهاية استدلال الفريقين وفى أكثر هذه الأدلة نظر أما الحديث الأول
فلانه غير جامع لواجبات الصلاة جميعها فإن التشهد واجب إجماعا وكذلك الحركات والسكنات كالقيام من الركوع
والطمأنينة فيه والجلوس بين السجدتين ونحوها وليست داخلة في الخبر نعلم إن الحصر غير مراد منه بل كأنه عبر عن الصلاة
بمعظم أفعالها أو بأشرفها كقوله تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وكقوله عليه السلام الحج عرفة
وحينئذ فلا دلالة فيه على عدم وجوب غير المذكور خصوصا مع قيام الدليل على وجوبه وأما صحيحة زرارة الدالة على تمامية
الصلاة قبله وعدم تأثير الحدث فقد وقع في الاخبار ما هو أبلغ منها واحتاج إلى الحمل إجماعا وهو ما رواه الشيخ في
التهذيب عن زرارة أيضا قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال
تمت صلاته وإنما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد وروى في معناه أخبارا
أخرى وحمله على من أحدث بعد الشهادتين وإن لم يستوف باقي تشهده فلأجل ذلك قال تمت صلاته وهذا التأويل
ممكن في خبر التسليم ويمكن أن يقال إنما عدل عن ظاهر الحديث الثاني للاجماع على خلافه فوجب المصير إلى خلافه
بخلاف الأول إذ لا وجه للعدول عن ظاهره وأيضا فالأول صحيح بخلاف الثاني فإن في طريقه ابن بكير فلا يرد نقضا
وأما حديث تحليلها التسليم فقد أجيب عنه بأن الأصحاب لم يفردوه (يقرره خ ل) مسندا وإن كان من المشاهير فإن المراسيل
لا تنهض دليلا وبمعارضته بما هو أقوى سندا ودلالة وبأنه متروك الظاهر فإن التحليل ليس هو نفس التسليم
فلا بد من إضمار ولا دليل على تعيين ما يقتضى الوجوب ودعوى وجوب انحصار المبتدأ في الخبر غير تامة فإنه كما يجوز الاخبار
بالمساوي والأعم مطلقا يجوز الاخبار بالأعم من وجه كما في قولك زيد قائم وبالأخص مطلقا كقولك حيوان يتحرك
كاتب فإن المراد من الاخبار الاسناد في الجملة فلا يجب تساوى الفردين في الصدق ولا في المفهوم وأما مداومة النبي والأئمة
عليهم السلام على فعله فهو على تقدير تسليمه أعم من كونه على وجه الوجوب أو الندب كمداومتهم عليهم السلام على رفع
اليدين في تكبيرة الاحرام ونحوه ثم من الذي تتبع فعلهم عليهم السلام أنهم لم يتركوا التسليم أصلا وأما الآية
فدلالتها على المدعى أبعد من الجميع لان المراد به السلام على النبي صلى الله عليه وآله للسياق وأنتم لا تقولون به وروى
أبو بصير عن الصادق عليه السلام أن المراد به التسليم للنبي صلى الله عليه وآله في الأمور وقيل سلموا لأمر الله تسليما كما في
قوله تعالى ويسلموا تسليما قيل ولو سلم كون المراد منه التسليم المعهود لم يدل على وجوبه مطلقا لان الامر لا يقتضى
التكرار كما مر وفيه نظر لأنه متى ثبت وجوبه مرة ثبت مطلقا إذ لا قائل بالفرق بل الاجماع منعقد على أحد الامرين وجوبه
مطلقا أو ندبه مطلقا وحديث أن آخر الصلاة التسليم لا يدل على وجوبه أيضا فإن أفعال الصلاة منها واجبة ومنها
مندوبة فلا يدل كونه منها على وجوبه بل هو أعم ولا دلالة للعام على الخاص مع أنه يحتمل كون التسليم غاية للصلاة
والغاية قد تدخل في المغيا وقد لا تدخل وأما بطلان صلاة المسافر على تقدير إتمامها فوجهه زيادة الركعتين بقصد
الاتمام فإن الصلاة إنما تتم عند القائل بندب التسليم بنية الخروج أو بالتسليم وإن كان مستحبا أو بفعل المنافى
ولم يحصل وهذا الجواب لا يوجد صريحا في كلام القائلين بالندب نعم يمكن استنباطه منه وقد أومأ إليه الشهيد رحمه الله
من غير تصريح وكذلك المحقق الشيخ علي رحمه الله وقد ظهر من ذلك كون المسألة موضع تردد ومحل إشكال وأدلة
الندب لا تخل من رجحان وإن كان القول بالوجوب أحوط ولا محذور فيه بالنسبة إلى الصلاة لأنه إن كان مطابقا فلا
280

كلام وإلا كان آخر الصلاة الصلاة على النبي وآله فيكون التسليم خارجا منها فلا يقدح فيها فعله بنية الوجوب وهذا
هو الذي ينبغي للمكلف فعله لكون المسألة من المشكلات فإن قيل نية الوجوب على تقدير القول بالندبية تستلزم
إيقاع المندوب في أثناء الصلاة بنية الواجب وقد تقدم كونه مبطلا للصلاة وإنما قلنا أنه يكون على ذلك التقدير
في أثناء الصلاة لما تقدم من أن المخرج من الصلاة على تقدير ندب التسليم أحد الأمور الثلاثة فعند الشروع فيه لا يتحقق
الخروج من الصلاة وذلك يستلزم المحذور المتقدم قلنا توقف تحقق الخروج على التسليم لا يقتضى كونه جزءا أو كون الصلاة
باقية إلى آخره لجواز كونه كاشفا عن انتهاء الصلاة بالصلاة على محمد وآله كما تقدم فلا يتحقق زيادة الواجب في أثنائها أو
نقول التسليم حينئذ يكون منافيا للصلاة فيكون أحد الأمور الثلاثة المخرجة وكيف يتصور أنه يقصر عن الحدث ونحوه من
المنافيات والله أعلم وصورته أي صورة التسليم على تقدير ندبه أو وجوبه السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مخيرا أما الأولى فلدلالة الاخبار عليها كرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام إذا كنت
إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي صلى الله عليه وآله وتقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإذا قلت
ذلك فقد انقطعت الصلاة وأما الثانية فللإجماع عليها وكونها مخرجة من الصلاة والقول بالتخيير بين الصيغتين
ذهب إليه المحقق بن سعيد وتبعه عليه المصنف واحتج عليه في المعتبر (بصدق التسليم عليهما وأورد على نفسه باستلزامه الخروج من الصلاة بالتسليم على النبي ص وأجاب صح) بأن ذلك من جملة إذكار الصلاة جار مجرى الدعاء و
الثناء على الله سبحانه كما أرشد إليه قول النبي صلى الله عليه وآله في رواية أبى كهمش حين سأله عن السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته انصراف هو قال لا ولكن إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو انصراف ووافقهما
الشهيد رحمه الله على ذلك في بعض كتبه وأنكره في الذكرى والبيان وجعله قولا حادثا وذهب جماعة إلى تحتم السلام عليكم
خاصة للاجماع عليه وذهب يحيى بن سعيد إلى تحتم السلام علينا وهو نادر والذي استفيد من بعض الاخبار واختاره
جماعة تقديم السلام علينا وتأخير السلام عليكم دون العكس وقول المصنف ويخرج به من الصلاة مع حكمه بندبيته يقتضى
توقف الخروج منها عليه وهو يؤيد ما تقدم إلا أنه لا يتحتم للخروج بل لو نوى الخروج قبله كفى عند القائلين بالندب
ولا منافاة لأنه حينئذ أحد أفراد الواجب المخير ويستحب أن يسلم المنفرد إلى القبلة ويشير بمؤخر عينيه إلى يمينه أما الأول
فلما روى صحيحا عن عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد الله عليه السلام وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة وأما الثاني
وهو الإشارة بمؤخر عينه إلى يمينه فذكره الشيخ وتبعه الجماعة واحتجوا له برواية البزنطي عن أبي بصير قال قال أبو
عبد الله عليه السلام إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك وفى الدلالة بعد لكن دلائل السنن يتساهل فيها
فيمكن الرجوع إلى قولهم في ذلك والامام يسلم أيضا واحدة إلى القبلة ويشير بصفحة وجهه أما الأول فلرواية أبي بصير في
سياق الامام ثم تؤذن القوم (فتقول) وأنت مستقبل القبلة السلام عليكم وأما الثاني فلرواية عبد الحميد السالفة إن كنت
تؤم قوما أجزاك تسليمة واحدة عن يمينك وربما استشكل الجمع بين الروايتين لتنافي مقتضاهما ويمكن الجمع
بجعل أول التسليم إلى القبلة وآخره إلى اليمين أو بأن الايماء إلى اليمين لا ينافي الاستقبال فيكون الغرض من ذكر
الاستقبال الرد على من يجعل الايماء بتمام الوجه كما يفعله العامة نعم وقع في عبارة الذكرى من الاشكال ما لا يندفع
بذلك حيث قال لا إيماء إلى القبلة بشئ من صيغتي التسليم المخرج من الصلاة بالرأس ولا بغيره إجماعا وإنما المنفرد
والامام يسلمان تجاه القبلة بغير إيماء وأما المأموم فالظاهر أنه يبتدى به مستقبل القبلة ثم يكمله إلى الجانب الأيمن
أو الأيسر فعلى هذا يكون الايماء لهما بعد الفراغ من التسليم وهو مخالف لقولهم من كون الايماء بالتسليم والمأموم
281

يسلم عن الجانبين إن كان على يساره أحد وإلا فعن يمينه لا غير لرواية عبد الحميد وإن كنت مع إمام فتسليمتين وإن
لم يكن على يسارك أحد فسلم واحدة وجعل ابنا بابويه الحائط عن يساره كافيا في استحباب التسليمتين للمأموم و
الكلام في ذلك كالكلام في الايماء بالصفحة ومؤخر العين إذ لا دليل ظاهرا عليه إلا أن ذلك كله لا يصدر عن
الرأي
فلا بأس بالعمل به ويستحب للامام القصد بالتسليم إلى الأنبياء والأئمة والحفظة والمأمومين لذكر أولئك إذ يستحب
السلام عليهم وحضور هؤلاء وأن يقصد المأموم بالأولى الرد على الامام وقيل يجب ذلك لعموم الآية وبالثانية ما
قصده الامام واحتمال وجوب رد المأموم آت في رد المأموم على مأموم آخر والمنفرد يقصد الأنبياء والأئمة والحفظة قال
الشهيد ولو أضاف الجميع إلى ذلك قصد الملائكة أجمعين ومن على الجانبين من مسلمي الجن والإنس كان حسنا الثاني
التوجه بسبع تكبيرات بينها ثلاثة أدعية بأن يكبر ثلاثا ويدعو اللهم أنت الملك الحق المبين إلخ ثم يكبر اثنتين و
يدعو لبيك وسعديك إلخ ثم واحدة ويدعو يا محسن قد أتاك المسئ إلخ فهذه ثلاثة أدعية واقعة بينها ثم يكبر الأخيرة
ويدعو بدعاء التوجه وجهت وجهي للذي فطر السماوات إلى آخره وإحدى التكبيرات السبع تكبيرة الاحرام فيكون التكبيرات
المستحبة ستا لا غير فإطلاق الاستحباب على السبع باعتبار المجموع من حيث هو مجموع أو إطلاقا لاسم الأكثر وفى إطلاق
كون تكبيرة الاحرام إحدى السبع إشارة إلى أنه لا يتعين كونها الأخيرة بل يجوز جعلها ما شاء منها وإن كان جعلها
أخيرا أفضل وقد تقدم الكلام في ذلك ولا فرق في استحبابها للمصلى بين القارئ وغيره فيكبر المأموم وإن أدرك
الامام في حال القراءة ويستحب رفع اليدين بها كما مر في تكبيرة الافتتاح والاسرار بالست مطلقا الثالث
القنوت وهو لغة الخضوع لله والطاعة والدعاء والمراد هنا دعاء مخصوص في موضع معين من الصلاة والقول باستحبابه
مذهب أكثر الأصحاب لصحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام إن شئت فاقنت وإن شئت لا تقنت وغيرها وذهب الصدوق
إلى وجوبه لظاهر الامر في قوله تعالى وقوموا لله قانتين ولقول الصادق عليه السلام في خبر وهب من ترك القنوت فلا
صلاة له وأجيب عن الآية بأن القنوت من الألفاظ المشتركة فلا يتعين حمله على موضع النزاع وفيه نظر لان المغنى
المتنازع شرعي وغيره لغوي والحقيقة الشرعية مقدمة بل الجواب أنه لما دلت الأخبار الصحيحة على استحباب القنوت
المعهود وجب حمل الآية على غيره من المعاني وعن الخبر بحمل الصلاة المنفية على الكاملة جمعا بينه وبين ما دل على
الاستحباب واستحبابه ثابت في جميع الصلوات مفروضها ومسنونها لصحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام قال القنوت
في كل صلاة ويستحب أن يدعو فيه بالمنقول عن النبي والأئمة عليهم السلام وقد ذكر الشيخ وجماعة أفضلية كلمات الفرج
فيه وفى صحيحة سعد بن أبي خلف عن أبي عبد الله عليه السلام قال يجزيك من القنوت اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا
واعف عنا في الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير ويجوز الدعاء فيه بما سنح للدين والدنيا لما رواه إسماعيل بن
الفضل قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القنوت وما فيه يقال فقال ما قضى الله على لسانك ولا أعلم فيه شيئا موقتا
ويستحب إطالته فقد ورد عنهم عليهم السلام أفضل الصلاة ما طال قنوتها ورفع اليدين به تلقاء وجهه لرواية
عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام وترفع يديك حيال وجهك وإن شئت تحت ثوبك وتتلقى بباطنهما
السماء وأن تكونا مبسوطتين والتكبير قبله على المشهور والجهر به لغير المأموم مطلقا لقول الباقر عليه السلام في صحيحة
زرارة القنوت كله جهار وقول الصادق عليه السلام في رواية أبي بصير للامام أن يسمع من خلفه كلما يقول ولا
ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا مما يقول وهو كناية عن الاسرار للمأموم وإن كان أعم منه إذ لا قائل بالواسطة وهو
282

استحباب الجهر له مع سماع الامام ومحله بعد قراءة الركعة الثانية قبل الركوع إلا في موضعين أحدهما الجمعة فان
فيها قنوتين أحدهما في الركعة الأولى قبل الركوع والثاني في الجمعة قنوت آخر بعد ركوع الركعة الثانية على المشهور بين
الأصحاب لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام كل قنوت قبل الركوع إلا الجمعة فإن الركعة الأولى فيها قبل الركوع
وفى الأخيرة بعد الركوع ونقل ابن أبي عقيل أنه قبل الركوع فيهما وعن ابن بابويه بعد الركوع فيهما وجعلها ابن
إدريس كغيرها في وحدة القنوت وجوز المحقق في المعتبر فعل القنوت مطلقا بعد الركوع لرواية معمر بن يحيى عن الباقر
عليه السلام قال القنوت قبل الركوع وإن شئت بعده والموضع الثاني مفردة الوتر فإن فيها قنوتين أيضا أحدهما
قبل الركوع والاخر بعده وقد سمى الثاني قنوتا المصنف وغيره وبعض الأصحاب سمى الثاني دعاء لا قنوتا والأمر سهل
ولو نسيه قبل الركوع قضاه بعد الركوع على ما اختاره الشيخ والجماعة لرواية زرارة ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام
في الرجل ينسى القنوت حتى يركع قال يقنت بعد الركوع وقد تقدم تجويز المحقق فعله بعد الركوع اختيارا للخبر السالف
ولعدم دلالة الأخبار الدالة على فعله بعد الركوع على كونه قضاء قال الشيخ والأصحاب ولو نسيه حتى ركع من
الثلاثة قضاه بعد فراغه من الصلاة لما رواه أبو بصير قال سمعته يذكر عند أبي عبد الله عليه السلام قال الرجل إذا
سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو جالس ولا دلالة في الخبر على كون الذكر بعد الركوع الثالثة فلو قيل بشموله
ما بعد الدخول في سجود الثانية أمكن ولو لم يذكر حتى انصرف من محله قضاه في الطريق مستقبلا لرواية زرارة
عن الباقر عليه السلام في ناسي القنوت وهو في الطريق قال يستقبل القبلة ثم ليقله إني لأكره للرجل أن يرغب عن سنة
رسول الله صلى الله عليه وآله أو يدعها الرابع شغل النظر قائما إلى مسجده لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام
قال إذا قمت إلى الصلاة فليكن نظرك إلى موضع سجودك وشغل النظر قانتا إلى باطن كفيه بناء على أن القانت يجعل
باطن كفيه إلى السماء (والنظر إلى السماء صح) في الصلاة مكروه لنهى الباقر عليه السلام في رواية زرارة عنه وتغميض العين كذلك لرواية مسمع عن
الصادق عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يغمض الرجل عينه في الصلاة فتعين شغلها بما يمنعها
من النظر
إلى ما يشغل وهو باطن الكفين وراكعا إلى بين رجليه لقول الباقر عليه السلام في رواية زرارة ومد عنقك وليكن
نظرك إلى ما بين قدميك وساجدا إلى طرف أنفه ومتشهدا إلى حجرة قاله الأصحاب ولعل وجهه ما تقدم في القنوت
من كونه مانعا من النظر إلى ما يشغل القلب الخامس وضع اليدين في حالة كونه قائما على فخذيه بحذاء ركبتيه
مضمومتي الأصابع رواه حماد في وصف صلاة الصادق عليه السلام وقانتا تلقاء وجهه رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام
راكعا على عيني ركبتيه مفرجات الأصابع لقول حماد في وصف صلاته عليه السلام وملا كفيه من ركبتيه
ويستحب البداة بوضع اليد اليمنى رواه زرارة عن الباقر عليه السلام وساجدا بحذاء أذنيه لخبر حماد ومتشهدا على
فخذيه مبسوطة الأصابع مضمومة وتفرد ابن الجنيد بأنه يشير بالسبابة في تعظيم الله عز وجل كما تفعله العامة
السادس التعقيب وهو تفعيل من العقب قال الجوهري التعقيب في الصلاة الجلوس بعد أن يقضيها لدعاء أو مسألة
وفضله عظيم ورد في تفسير قوله تعالى فإذا فرغت فانصب إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء
وأرغب إليه في المسألة يعطك وعن النبي صلى الله عليه وآله من عقب في صلاة فهو في صلاة وعن الباقر عليه السلام
في رواية زرارة الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا وعن الصادق عليه السلام التعقيب أبلغ في طلب الرزق
من الضرب في البلاد ويتأدى بمطلق الدعاء المحلل للدين والدنيا لكن المنقول عن أهل البيت عليهم السلام أفضل لأنهم
283

أبصر بمواقع الشرع وأفضله تسبيح الزهراء عليها السلام روى صالح بن عقبة عن الباقر عليه السلام قال ما عبد الله بشئ
من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام ولو كان شئ أفضل منه لنحله رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام
وعن الصادق عليه السلام تسبيح فاطمة عليها السلام دبر كل صلاة أحب إلى من صلاة ألف ركعة ومن سبحها قبل أن
يثنى رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ويبدأ بالتكبير وإنما نسب إليها صلى الله عليها لأنها السبب في تشريعه رواه
الصدوق عن علي عليه السلام
المقصد الثاني في صلاة الجمعة وهي واجبة بالنص والاجماع قال الله تعالى يا أيها
الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله أجمع المفسرون على أن المراد به صلاة الجمعة وقال في
السورة التي يذكر فيها المنافقين يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك
هم الخاسرون قيل المراد بالذكر صلاة الجمعة وقرينة الذكر السابق في الجمعة يدل عليه ومن ثم استحب قراءة السورتين فيها
وفى صلاة يوم الجمعة ليكرر على الاسماع الحث عليها وقال النبي صلى الله عليه وآله إعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة
فمن تركها في حياتي وبعد موتى وله إمام عادل استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في أمره
إلا ولا صلاة له إلا ولا زكاة له إلا ولا حج له إلا ولا صوم له إلا ولا بر له حتى يتوب وروى محمد بن مسلم وأبو بصير قالا
سمعنا أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام يقول من ترك الجمعة ثلثا متوالية بغير علة طبع الله على قلبه وروى زرارة عنه
عليه السلام قال صلاة الجمعة فريضة والاجتماع إليها مع الامام فريضة فإن من ترك من غير علة ثلث جمع فقد ترك ثلث
فرائض ولا يدع ثلث فرائض من غير علة إلا منافق وهي ركعتان كالصبح عوض صلاة الظهر فلا يشرع الجمع بينهما
مع اجتماع الشرائط وأول وقتها عند زوال الشمس يوم الجمعة ويمتد إلى أن يصير ظل كل شئ مثله أي مثل ذلك الشئ و
قيل مثل الظل الباقي عند الزوال والقول بأن ذلك هو وقت الجمعة هو المشهور بين الأصحاب وخالف المرتضى في أوله
فجوز فعلها عند قيام الشمس والاجماع بعده على خلافه حجة وأما كون آخره ما ذكر فهو مع شهرته غير واضح الدلالة
قال في الذكرى لم نقف لهم على حجة إلا أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلى دائما في هذا الوقت ولا دلالة فيه لان الوقت
الذي كان يصلى فيه ينقص عن هذا القدر غالبا ولم يقل أحد بالتوقيت بذلك الناقص نعم لو قيل باختصاص الظهر
بذلك القدر كما هو مذهب العامة توجه توقيت الجمعة به لأنها بدل منها والذي يناسب أصولنا امتداد وقتها بامتداد
وقت الظهر وهو اختيار ابن إدريس وجماعة التفاتا إلى مقتضى البدلية وأصالة البقاء ويمكن الاحتجاج للمشهور بخبر
زرارة عن الباقر عليه السلام أن من الأمور أمورا مضيقة وأمورا موسعة وإن الوقت وقتان الصلاة مما فيه السعة
فربما عجل رسول الله صلى الله عليه وآله وربما أخر إلا صلاة الجمعة فإن صلاة الجمعة من الامر المضيق إنما لها وقت واحد حين
تزول ورواية ابن مسكان عن الصادق عليه السلام وقت صلاة الجمعة عند الزوال ووجه الدلالة توقيتهم عليهم السلام
لها بوقت واحد وهو وقت الزوال وهذا القدر وإن كان غير لازم إجماعا من غير أبى الصلاح إلا أنه يجب الاقتصار في
القدر الزائد عليه على موضع الحاجة وهو ما لا تحصل معه مخالفة الاجماع وقوفا مع النص وتقربا إلى مدلوله بحسب الامكان
والقدر الزائد على المثل مناف للروايتين قطعا وقد تقرر إن النقصان عنه أيضا لا سبيل إلى القول به فتعين المثل
وهذا التوجيه حسن وعليه العمل فإن خرج الوقت على القول المشهور صلاها ظهرا ما لم يتلبس بها في الوقت ولو بالتكبير
فيكملها جمعة لدخوله فيها في وقتها فوجب اتمامها للنهي عن قطع العمل والصلاة على ما افتتحت عليه وهذا أيضا يتمشى
على أصول العامة من الاكتفاء بإدراك التكبير في غيرها من الصلوات والذي يناسب أصولنا اعتبار إدراك ركعة لان الوقت
284

شرط قطعا خرج منه ما لو أدرك ركعة فيه بقوله عليه السلام من أدرك من الوقت ركعة إلخ فيبقى الباقي على أصله
وبالغ بعضهم فأبطلها بخروج الوقت قبل إكمالها بناء على أن الوقت شرط والخبر حجة عليه فإن من أدرك ركعة فقد
أدرك الوقت بأجمعه وفى كونها مع خروج وقتها تصلى ظهرا تجوز فإن الظهر حينئذ ليست هي الجمعة بل فرض مستقل برأسه
وربما أعيد الضمير المؤنث إلى وظيفة الوقت بمعنى أن وظيفة الوقت يوم الجمعة أحد الامرين الجمعة مع الامكان والظهر
مع تعذرها فإذا فات وقت الجمعة صليت الوظيفة ظهرا وفى بعض العبارات أنها مع الفوات تقضى ظهرا وأراد
بالقضاء معناه اللغوي وهو الاتيان كما في قوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض
ولا تجب الجمعة إلا بشروط
سبعة أحدها الإمام العادل أو من يأمره على الخصوص وهو مع حضوره موضع وفاق وهو أوضح الحجة على ذلك وسيأتي
الكلام على هذا الشرط في حال الغيبة واحتج عليه أيضا بأن النبي صلى الله عليه وآله كان يعين لامامة الجمعة وكذا
الخلفاء بعده كما يعين للقضاء وكما لا يصح أن ينصب الانسان مع حضور الامام نفسه قاضيا من دون إذنه فكذا إمامة
الجمعة وبأن اجتماع الناس مظنة التنازع والحكمة تقتضي نفيه ولا يحصل إلا بالإمام العادل إذ الفاسق تابع
في أفعاله لهواه لا لمقتضى الشرع وليس محلا للأمانة ولا يخفى ما في هذه الأدلة وثانيها العدد وهو حضور أربعة
معه أي مع الامام فلا تنعقد بأقل من ذلك إجماعا ولا يشترط أزيد منه على المشهور اقتصارا في تقييد إطلاق
الآية على موضع الوفاق ولصحيحة منصور عن الصادق عليه السلام أنه قال يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد
فإن كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم وذهب الشيخ وجماعة إلى اشتراط ستة معه لرواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام
قال تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على أقل منهم الامام وقاضيه والمدعى حقا والمدعى عليه والشاهدان
والذي يضرب الحدود بين يدي الامام وظاهر هذا الخبر مخالف للخبر المتقدم إلا أنه ليس في قوته لصحة الأول
وفى سند الثاني الحكم بن مسكين وهو مجهول الحال وجمع الشيخ بينهما بحمل خبر السبعة على الوجوب العيني والخمسة
على الوجوب التخييري واستحسنه في الذكرى وحمل الوجوب المنفى عن أقل من السبعة في خبرها على الوجوب الخاص
أعني العيني لا مطلق الوجوب وقد عرفت أنه لا تعارض لعدم التكافؤ لان غاية الثاني كونه قويا وهو لا يعارض
الصحيح وثالثها الجماعة فلا تنعقد فرادى وإن حضر العدد إجماعا وتتحقق الجماعة بنية المأمومين الاقتداء بالامام
فلو أخلوا بها أو أحدهم لم تصح صلاة المخل ويعتبر في انعقاد الجمعة نية العدد المعتبر وهل تجب نية الامام لها قيل
نعم لظاهر قوله عليه السلام وإنما لكل امرئ ما نوى ولاعتبار الجماعة في صلاته ولا تتحقق من قبله إلا بنيتها
لعدم وقوع عمل بغير نية ومن ثم لا ينال فضيلة الجماعة في غير الجمعة إلا بها وفى دلالة الخبر على المطلوب نظر والدليل
الثاني في خبر المنع وهو عين المتنازع ولا ريب أن اعتبار نيته أحوط وكيف قلنا لا يؤثر ترك نيته في بطلان
الصلاة وهذان شرطان في الابتداء لا في الاستدامة لما سيأتي من إتمام الامام الجمعة لو انفض العدد بعد التلبس
ورابعها الخطبتان قبل الصلاة وبعد دخول وقتها على المشهور الكائنتان من قيام فلا يجزى فعلهما من
جلوس مع القدرة إجماعا وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله فتبطل صلاته وصلاة من علم حاله من المأمومين
دون من لم يعلم ويبنى على ظاهر حال المسلم لو رأى جالسا فتصح الصلاة وإن علم فساد عذره بعدها ومع
العجز تصحان من جلوس والأولى استنابة القادر مع الامكان ولو عجز عن الجلوس اضطجع ويجب في القيام الطمأنينة
كما صرح به المصنف في التذكرة وغيره تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله ولأنهما بدل من ركعتين المشتملة كل واحدة
285

منهما على حمد الله تعالى ويتعين الحمد لله وعلى الصلاة على النبي وآله عليهم السلام بلفظ الصلاة أيضا تأسيا بالنبي
صلى الله عليه وآله وعلى الوعظ الذي هو عبارة عن الوصية بتقوى الله تعالى والحث على الطاعات والتحذير
من المعاصي والاغترار بالدنيا وزخارفها وما شاكل ذلك ولا يتعين لفظه لحصول الغرض بأي لفظ أدى ولأن النبي
صلى الله عليه وآله ومن بعده لم يقتصروا على لفظ معين من الوعظ بخلاف الحمد والصلاة ولا يجب تطويله بل لو قال أطيعوا
الله كفى نبه عليه المصنف في النهاية وقراءة سورة خفيفة قصيرة لموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام ينبغي للامام
الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف ويتردى ببرد يمنية أو عدني ويخطب وهو قائم بحمد الله
ويثني عليه ثم يوصى بتقوى الله ثم يقرأ سورة من القرآن قصيرة ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلى على محمد وآله
وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات الحديث وفى سند هذا الحديث سماعة وعثمان (حماد خ ل) بن عيسى وهما واقفيان
ومع ذلك ليس فيه تصريح بالوجوب لان ينبغي لا يقتضيه والرواية مشتملة على ما قطع بعدمه وهو اختصاص القراءة و
الوعظ بالأولى والصلاة على النبي وآله بالثانية ومن ثم ذهب أكثر المتأخرين إلى عدم وجوب سورة كاملة بل اكتفوا
بآية تامة الفائدة وهي ما استقلت بإفادة معنى يعتد به بالنسبة إلى مقصود الخطبة سواء تضمنت وعدا أم وعيدا
أم حكما أم قصصا فلا يجزى نحو قوله مدهامتان وقوله فألقى السحرة ساجدين واستدلوا على الاجتزاء بالآية
الواحدة برواية صفوان بن يعلى عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك وفى دلالة
الرواية مع تسليمها على ذلك نظر واضح وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام الامر بقراءة سورة من القرآن في الخطبة
الأولى وأنه يقول في الثانية أن الله يأمر بالعدل والاحسان إلخ واستدل بها في الذكرى على الاجتزاء بآية وقد عرفت
أنها لا تدل عليه في الخطبتين إلا أن يقال الاكتفاء بها في أحديهما يستلزم الاكتفاء بها فيهما لعدم القائل بالفرق
ويجب في الخطبتين أمور أخر النية على وجهها لأنها عبادة واجبة فلا بد فيها من النية كالصلاة وقد نبه عليه
المصنف في
في النهاية وفى كونها شرطا فيهما أو واجبا لا غير نظر وكونهما بالعربية للتأسي فلا تجزى الترجمة اختيارا ولو لم يفهم
العدد العربية ففي جوازهما بها وجهان من تعارض التأسي والغرض وهو الافهام والظاهر أن الثاني مقدم ويجب على
الخطيب والسامع تعلم ما لا بد منه في الخطبتين من العربية لتوقف الواجب المطلق عليه والترتيب بين أجزاء الخطبة الواجبة
فيقدم الحمد ثم الصلاة ثم الوعظ ثم القراءة فلو أخل به استأنف على ما يحصل معه الترتيب مع عدم فوات الموالاة ومعه
نظر من الشك في وجوب الموالاة فيهما وخامسها عدم جمعة أخرى بينهما أقل من فرسخ فتبطل اللاحقة كما سيأتي وهو المعبر
عنه بوحدة الجمعة في فرسخ فما دون لقول الباقر عليه السلام لا يكون بين الجمعتين أقل من ثلاثة أميال ولا فرق في ذلك
بين المصر والمصرين ولا بين حصول فاصل بينهما كدجلة وعدمه عندنا ويعتبر الفرسخ من المسجد أن صليت فيه وإلا فمن
لغاية المصلين على ما ذكره بعض الأصحاب ويشكل الحكم فيما لو كان بين الامام والعدد المعتبر وبين الجمعة الأخرى فرسخ
فصاعدا وبين بعض المأمومين وبينها أقل منه فعلى ما ذكره لا تصح الجمعة ويحتمل بطلان القريب من المصلين خاصة
وسيأتي أقسام المسألة وسادسها كمال المخاطب بها ويحصل بأمور تسعة التكليف ويتحقق بالبلوغ والعقل فلا تجب على
الصبي وإن كان مميزا نعم تصح جمعته تمرينا وتجزيه عن الظهر التمرينية ولو صلى الظهر ثم بلغ في أثناء الوقت وجب
عليه السعي إلى الجمعة فان أدركها وإلا أعاد ظهره لعدم أجزاء التمريني عن الواجب وكذا لا تجب على المجنون نعم لو كان
جنونه أدوارا فاتفق مفيقا حالة الإقامة وجبت ثم إن استمرت الإفاقة إلى آخرها وإلا سقطت ولو زال جنونه
286

ووقتها باق وجب السعي إليها كما مر والذكورة فلا تجب على المرأة على المشهور لقول الباقر عليه السلام ووضعها
عن تسعة عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين وفى حكمها
الخنثى المشكل للشك في سبب الوجوب أما لو التحق بالرجال وجبت مع احتمال الوجوب مطلقا لعموم الأوامر خرج منها
المرأة فتبقى الخنثى للشك في أنوثيتها وهو قريب واختار الشهيد وجماعة الأول والحرية فلا تجب على العبد إجماعا منا
وعليه أكثر العامة ولا فرق في ذلك بين القن والمدبر والمكاتب الذي لم يتحرر منه شئ وأم الولد للخبر والحضر أو حكمه
فلا تجب على المسافر للخبر وضابطه من يلزمه القصر في سفره فالعاصي وكثير السفر وناوي الإقامة عشرة ومن لا يتحتم
عليه التقصير كالكائن في أحد المواضع الأربعة الموجبة للتخيير في حكم الحاضر والسلامة من العمى فلا تجب على غير البصر وإن
وجد قائدا أو كان قريبا من المسجد للعموم والسلامة من العرج البالغ حد الاقعاد أو مشقة في السعي إليها بحيث لا يتحمل عادة
ومن المرض الذي يشق معه الحضور أو يوجب زيادة المرض ولو خاف بطؤ البرء فالظاهر أنه كذلك ولا فرق بين أنواعه و
من الكبر المزمن بحيث يعجز عن السعي إليها أو يحصل له مشقة لا تتحمل عادة وفى حكم هذه الاعذار المطر والوحل والحر
والبرد الشديدان إذا خاف الضرر معها ومعلل المريض إذا خاف موته أو تضرره بالحضور ومجهز الميت إذا خاف الضرر عليه بدونه وكذا خائف احتراق الخبز أو فساد
الطعام ونحوهما والمحبوس بباطل أو حق يعجز عن أدائه وراجي العفو عن الدم الموجب للقصاص أو الصلح باستناده دون
دون حد القذف وغيره من الحدود ذكر ذلك كله المصنف وغيره وخائف الظالم على نفسه أو ماله أو عرضه ولو بضرب أو
شتم وسابعها عدم بعد أكثر من فرسخين فلا تجب على من بعد عن موضع إقامتها بذلك مع عدم إمكان الإقامة عنده
على المشهور لقول الصادق عليه السلام تجب على من كان منها على فرسخين فان زاد فليس عليه شئ وقد علم من الفتوى و
الخبر كون القدر المسقط لها الزيادة على الفرسخين دون قدرها وذهب بعض الأصحاب إلى الاكتفاء بالقدر للخبر السالف
ويعارض بهذا الخبر ويجمع بينهما بأن المراد بمن كان على رأس فرسخين أن يكون أزيد منهما دفعا للتناقض ويؤيده
إن الحصول على رأس الفرسخين فقط مستبعد فأطلق رأس الفرسخين على ما فيه زيادة يسيرة إذا تقرر ذلك فجميع من
ذكر من ذوي الأعذار لا يجب عليهم حضور الجمعة وإن استحب لبعضهم كالمسافر الحضور فإن حضر المكلف منهم الذكر موضع
الإقامة وجبت عليهم الجمعة وانعقدت بهم بمعنى أن العدد يكمل بهم لانتفاء المانع وهو مشقة الحضور واحترز بالمكلف
عن الصبي والمجنون فلا تجب عليهما ولا تنعقد بهما وإن حضرا لعدم التكليف في حقهما وبالذكر عن المرأة فلا تجب عليها
أيضا وإن حضرت ولا تنعقد بها على المشهور بين الأصحاب بل كاد يكون إجماعا لصحيحة منصور السالفة المتضمنة اعتبار
كون القوم خمسة لا أقل والقوم هم الرجال دون النساء بنص أهل اللغة وهو الظاهر من مقابلتهم بالنساء في قوله
تعالى لا يسخر قوم من قوم إلخ وحسنة زرارة عن الباقر عليه السلام لا تكون الجمعة على أقل من خمسة رهط قال الجوهري
الرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة وغيرهما من الاخبار وخالف في ذلك ابن إدريس فأوجب على المرأة
مع الحضور الصلاة واجتزأ بها عن الظهر غير أنها لا تحسب من العدد ولا شاهد له إلا ما رواه حفص بن غياث عن بعض
مواليهم عليهم السلام عن الصادق عليه السلام إن الله فرض الجمعة على المؤمنين والمؤمنات ورخص للمرأة والمسافر و
العبد أن لا يأتوها فإذا حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأول وهذه الرواية وإن كانت ناصة على المطلوب
إلا أنه لا تصلح متمسكا خصوصا لابن إدريس المانع من العمل بأخبار الآحاد مع اشتمالها على ضعف بحفص وإرسال
ببعض الموالى وينبغي أن يستثنى أيضا المريض الذي يوجب حضوره مشقة شديدة أو زيادة في المرض ونحوه من ذوي
287

الاعذار الموجبة لذلك ومن يخاف فوت المال أو النفس للنهي عن العبادة على ذلك التقدير المقتضى للفساد
وقد دخل فيمن تجب عليه الجمعة مع الحضور وتنعقد به المسافر والعبد ووجوبها عليهما مع الحضور وانعقادها بهما
بمعنى احتسابهما من العدد لو توقف عليهما أحد القولين في المسألة وهو مختار الشيخ في الخلاف على ما نقل عنه
في الذكرى وابن إدريس والمحقق لصحتها منهما فتنعقد وتجب ولأن ما دل على اعتبار العدد عام فيتناول المسافر (والعبد ط)
والقول الثاني عدم الوجوب والانعقاد واختاره الشيخ في المبسوط وتبعه المصنف في بعض كتبه لأنهما ليسا من أهل فرض الجمعة
فهما كالصبي ولأن الجمعة إنما تنعقد بهما تبعا لغيرهما فلا يكونان متبوعان ولأنه لو جاز ذلك لجاز انعقادها بجماعة
المسافرين والعبيد وإن لم يكن معهم حاضرون وأحرار وأجيب بالفرق بينهما وبين الصبي لعدم تكليف الصبي دونهما
فلا يتصور الوجوب في حق الصبي بخلاف المسافر والعبد وكونهما تابعين عين المتنازع والتزام انعقادها بالمسافرين
والعبيد ممكن وفى المسألة قول ثالث وهو عدم وجوبها عليهما مع انعقادها بهما وهو الذي اختاره المصنف في القواعد
في المسافر (وتوقف في العبد صح) والشيخ على في الشرح ونقله عن الخلاف وحجتهم عموم ما دل على اعتبار العدد فيتناولهما وعدم الوجوب لا
يقتضى عدم الانعقاد ويظهر من أصحاب القول الثاني أن فعلها لهما جائز وإن لم تجب عليهما ولم تنعقد بهما وأنها
تجزى عن الظهر بل ادعى بعضهم الاتفاق عليه وهذا لا يتم إلا مع نية الوجوب بها لان المندوب لا يجزى عن الواجب وحينئذ
تكون واجبة ليتحقق مطابقة النية للواقع وهو لا يوافق القول الثاني إلا أن يقال بوجوبها حينئذ تخييرا والمنفي
هو الوجوب العيني على تقدير حصوله فيتم الحكم في حال حضور الامام ويبقى الاشكال في زمان الغيبة لان الوجوب
فيه تخييري فلا يتم نفيه مع نيته وربما قيل بذلك في المرأة أيضا إذا حضرت فتصح منها الجمعة وتجزيها عن الظهر و
إن لم تجب عليها ولم تنعقد بها لما ذكر والاشكال واحد ووافق المصنف في المختلف على عدم وجوبها على العبد بالحضور
محتجا بأن وجوبها عليه مستلزم اشتمال التكليف على وجه قبح لان العبد لا يجب عليه الحضور إجماعا ولا يجوز إلا
باذن مولاه لأنه تصرف في نفسه وهو ممنوع منه والاذن غير معلوم وعصمة مال الغير واجبة فيكون حضوره ممنوعا
منه فلا يكون معتدا به وأجيب بالتزام كون الحضور موقوفا على إذن المولى فيزول المانع وهذا الجواب يقتضى
كون النزاع لفظيا ولو ألزمه المولى بالحضور ففي تحتمها عليه وجهان يلتفتان إلى أن المانع هل هو محض حق المولى
وقد زال أو قصور العبد عن تحتم وجوبها واستدل على التحتم بأن السيد يملك إلزامه بالمباحات فبالعبادات أولى وفى
الأولوية منع لان المباحات حق للسيد متعلق به والتكليفات حق للشارع لا تعلق للسيد بها وإلا لأمكنه إيجاب
النوافل عليه وهو باطل
ويشترط في النائب المنصوب لامامة الجمعة من قبل الامام بل في إمام الجمعة مطلقا شرائط الإمامة
وهي ستة متفق عليها وثلاثة مختلف فيها فأول الستة البلوغ فلا تصح نيابة الصبي ولا تنعقد إمامته لاتصافه بما
يرفع القلم فلا يؤمن ترك واجب أو فعل محرم منه مع تمييزه ومع عدمه لا اعتبار لأفعاله والثاني العقل لعدم الاعتداد
بأفعال المجنون نعم لو كان جنونه أدوارا جازت إمامته وقت إفاقته لتحقق الأهلية حينئذ وإن كره ومنع المصنف في
التذكرة من نيابته لامكان عروضه حالة الصلاة ولأنه لا يؤمن احتلامه في نوبته وهو لا يعلم فقد روى إن
المجنون يمنى حالته ومن ثم استحب المصنف في النهاية له الغسل بعد الإفاقة لهذه العلة ولنقصه عن المراتب الجليلة وجوابه
أن تجويز العروض لا يرفع تحقق الأهلية وإلا لانتفت مطلقا لان إمكان عروض المانع من موت وإغماء وحدث
قائم في كل وقت وعروض الاحتلام منفى بالأصل واستحباب الغسل لم يثبت عندنا كما نبه عليه الشهيد رحمه الله
288

نعم هو مناسب لمذهب العامة فنقصه عن المراتب حينئذ غير واضح والثالث الايمان وهو التصديق بالقلب والاقرار
باللسان بالأصول الخمسة بالدليل وإن كان إجماليا ممن لا يعرف شرائط الحد والبرهان فإن الأدلة التفصيلية
والعلم بشرائط انتاجها ليست من الواجبات العينية بل الكفائية لدفع شبه الخصوم وقمع المتغلب على الدين
بالبراهين وإنما اعتبر الايمان لان غير المؤمن ضال فاسق لمخالفته طريق ألحق المستند إلى التقصير في النظر فلا يصلح
للإمامة والرابع العدالة وهي لغة الاستواء والاستقامة وشرعا كيفية راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى و
المروءة وتتحقق التقوى بمجانبة الكبائر وهي ما توعد عليه بخصوصه بالنار في الكتاب أو السنة وعدم الاصرار على الصغائر
فعلا أو حكما والمراد بالمروة ملكة تبعث على مجانبة ما يؤذن بخسة النفس ودناءة الهمة من المباحات والمكروهات وصغائر
المحرمات بحيث لا يبلغ حد الاصرار كالأكل في الأسواق والمجامع والبول في الشوارع وقت سلوك الناس وكشف الرأس عند
من ليس كذلك وأشباه ذلك مما يستهجن من أمثاله ويستنكر ممن هو على مثل حاله وكسرقة لقمة والتطفيف بحبة في الصغائر
ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وتفاوت مراتبهم وأزمنتهم وأمكنتهم فقد يكون الشئ مطلوبا في وقت مرغوبا عنه في آخر
بالنسبة إلى ما ذكر أما ما ورد الشرع برجحانه كالاكتحال بالإثمد والحناء فلا حرج فيه وإن أنكره المعظم واستهجنه العامة في
أكثر البلاد وعلى اعتبار العدالة في الامام مطلقا إجماع الأصحاب ويدل عليه أيضا ظاهر قوله تعالى ولا تركنوا إلى
الذين ظلموا وقول النبي صلى الله عليه وآله من طريق العامة لا تؤمن امرأة رجلا ولا فاسق مؤمنا إلا أن يقهره سلطان
الحديث وعن الرضا عليه السلام منع إمامة من يقارن الذنوب وروى الصدوق عن أبي ذر إمامك شفيعك إلى الله فلا
تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا والخامس طهارة المولد والمراد بها أن لا يعلم كونه ولد زنا والاجماع على عدم صحة إمامته ولا
غيره بمن تناله الألسن مع حكم الشارع ظاهرا بصحة نسبه أو جهل الحال ولا يقدح ولادة الشبهة ولا كونه مجهول الأب لكن
قيل بكراهة الايتمام (بسوء؟) لنفرة النفس منهم الموجبة لعدم كمال الانقياد في العبادة ونفى عنه البأس في الذكرى والسادس
الذكورة فلا يجزى كونه امرأة ولا خنثى لعدم جواز إمامتهما للرجال كما سيأتي وعدم تكليفهما بهذه الصلاة وعلى القول
بجواز فعلها لها وأجزائها عن الظهر كما مر لا تصح إمامتهما أيضا لعدم انعقادها بهما فلا بد من حضور العدد من الذكور فتمتنع
إمامتهما وفى جواز نيابة العبد والأبرص والأجذم والأعمى قولان أحدهما الجواز أما في العبد فلصحيحة محمد بن مسلم
عن الصادق عليه السلام في العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءة قال لا بأس وأما في ذي العيبين المذكورين
فلقول الصادق عليه السلام أيضا وقد سئل عن المجذوم والأبرص هل يؤمان المسلم قال نعم فقلت هل يبتلى الله بهما المؤمن
قال نعم وهل كتب البلاء إلا على المؤمن ولأن البرص لا يرفع الأهلية وأما الأعمى فالقول بجواز إمامته هو المعروف في المذهب
للأصل المقتضى للجواز ووجوب الجمعة عليه على تقدير حضورها فلا يمنع عدم تكليفه بها قبله والثاني المنع أما في العبد
فلعدم تكليفه بها ولنقصه عن مرتبة الإمامة ولرواية السكوني عن الصادق عن أبيه عن علي عليه السلام أنه قال لا يؤم
العبد إلا أهله وأما الأجذم والأبرص فلصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام خمسة لا يؤمون الناس على كل حال المجذوم
والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي وأما الأعمى فلعدم تمكنه من التحفظ من النجاسات أفتى به المصنف في النهاية معللا
بذلك ونقله في التذكرة عن الأكثر مع أن القائل به غيره غير معلوم فضلا عن الأكثرية والتعليل ضعيف كضعف رواية المنع
من إمامة العبد وقصورها عن مقاومة صحيحة محمد بن مسلم وحديث منع إمامة الأجذم والأبرص يحمل على الكراهة جمعا
بينه وبين ما تقدم وغايته أنه يستلزم استعمال المشترك في كلا معنييه لان النهى في ولد الزنا والمجنون للتحريم فإن
289

استعماله في معنييه جائز على قوله ومجازا يرتكب للمانع إجماعا فالقول بالجواز في الجميع أوضح فترجع الشرائط
كلها إلى الايمان والعدالة وطهارة المولد وفى استحبابها حال الغيبة وإمكان الاجتماع قولان أحدهما المنع وهو قول المرتضى وسلار
والشيخ في الخلاف وابن إدريس لفقد الشرط وهو الامام أو من نصبه فينتفى المشروط ولأن الظهر ثابتة في الذمة بيقين فلا
يبرأ المكلف إلا بفعلها ولأنها لو شرعت حال الغيبة لوجبت عينا فلا يجوز فعل الظهر وهو منتف إجماعا ووجه اللزوم إن
الدلائل الدالة على الجواز دالة على الوجوب العيني في حال الحضور فلا وجه للعدول إلى التخييري حال الغيبة والثاني الجواز
المعبر عنه بالاستحباب بمعنى كونه أحد الفردين الواجبين على التخيير وهو قول أكثر الأصحاب لعموم قوله تعالى إذا نودي
للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله والامر للوجوب ولصحيحة زرارة قال حثنا أبو عبد الله عليه السلام على صلاة
الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه فقلت نغدو عليك قال لا إنما عنيت عندكم وموثقة زرارة عن عبد الملك عن
الباقر عليه السلام قال مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله عليه قال قلت كيف أصنع قال صلوا جماعة يعنى صلاة
الجمعة وصحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد والجمعة واجبة على كل
أحد لا يعذر الناس فيها ألا خمسة المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي ومثلها أخبار كثيرة مطلقة وهذا القول
هو الواضح والجواب عن حجة الأول أن شرط الامام أو من نصبه إنما هو حال الحضور والامكان لا مطلقا وأين الدليل
عليه ولو سلم لا يلزم سد باب الجمعة في حال الغيبة وتحريمها لان الفقيه الشرعي منصوب من قبل الامام وعموما لقول
الصادق عليه السلام في مقبول عمر بن حنظلة فأنى قد جعلته عليكم حاكما وحكمهم عليهم السلام على الواحد حكم على الجماعة
ومن ثم تمضي أحكامه ويجب مساعدته على إقامة الحدود والقضاء بين الناس وهذه الأشياء أعظم من مباشرة إمامة الصلاة
فلا يتم القول بتحريمها مطلقا في حال الغيبة ونمنع تيقن وجوب الظهر في صورة النزاع فإنه عين المتنازع والدليل
الدال على الوجوب أعم من الحتمي والتخييري ولما انتفى الحتمي في حال الغيبة بالاجماع تعين الحمل على التخييري ولولا الاجماع
على عدم العين لما كان لنا عنه عدول فإن قيل مقبول عمر بن حنظلة إنما دل على نصب الصادق عليه السلام للمتصف بالشرائط
في عصره وزمان إمامته فلا يلزم تعديه لما سيأتي إن شاء الله في القضاء أن النائب ينعزل بموت الامام قلنا الكلام
الآتي إنما هو في المنصوب الخاص مع أن انعزاله بموت الامام موضع النزاع فقد ذهب جماعة من الأصحاب إلى عدم انعزاله
أما المنصوب العام فلا ينعزل إجماعا ولا يعلم ذلك من إجماع الأصحاب على نفوذ حكم الفقيه الجامع للشرائط في حال الغيبة
وجواز إقامته للحدود وغيرها ووجوب مساعدته والترافع إليه فكيف يحكم بانعزاله أو يشك فيه مع هذا الاجماع واعترض
على الاستدلال بأخبار الجواز باستناد الجواز في الأولين إلى أذن الامام المستلزم لنصب نائب لأنه من باب المقدمة إذ لا
خلاف في اشتراط إذنه حال الحضور وقد نبه عليه المصنف في النهاية بقوله لما إذنا لزرارة وعبد الملك جاز لوجود المقتضى
وهو إذن الإمام ويحمل الأخير على المقيد كما حمل مطلق الآية عليه ولو في بعض الأحوال وجوابه أن حكمهم عليهم السلام
على الواحد من أهل عصرهم غير مقصود عليه بل هو حكم على الجماعة واستلزام الخاص نايبا لا يقتضى استلزام باقي
الجماعة لعدم دلالة اللفظ عليه فإن ذلك الاستلزام لم يستفد من لفظ الحديث بل من أمر خارج وهو توقف الجمعة
مع حضوره على إذنه وهذا المعنى مفقود في حال الغيبة فإنه غير متيقن حتى يجب المصير إليه والمطلق يجب حمله على إطلاقه
مع عدم تعيين التقييد وهو هنا كذلك وعلى تقدير تقييدهما بالامام أو من نصبه لا يستلزم القول بالتحريم في
حال الغيبة مطلقا لان الفقيه نائب الإمام عليه السلام على وجه العموم وبالجملة فأصالة الجواز وعموم الآية والاخبار
290

ليس لهما مانع صالح فتعين القول بالجواز ثم على تقديره هل يشترط في شرعيتها حينئذ الفقيه الشرعي أم يكفي اجتماع
باقي الشرائط والايتمام بإمام يصح الاقتداء به في الجماعة أكثر المجوزين على الثاني وهم بين مطلق للشرعية مع إمكان
الاجتماع والخطبتين وبين مصرح بعدم اشتراط الفقيه وممن صرح به أبو الصلاح ونقله عنه المصنف في المختلف وصرح
به أيضا الشهيد في الذكرى والمستند إطلاق الأوامر من غير تقييد بالامام أو من نصبه عموما أو خصوصا خرج منه ما أجمع
عليه وهو مع إمكان إذنه وحضوره فيبقى الباقي على أصل الوجوب من غير شرط قال في الذكرى بعد حكاية الجواز عن الأكثر
مع إمكان الاجتماع والخطبتين ويعلل بأمرين أحدهما إن الاذن حاصل من الأئمة الماضين فهو كالاذن من إمام
الوقت ولأن الفقهاء حال الغيبة يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالاذن والتعليل الثاني إن الاذن إنما يعتبر مع
إمكانه أما مع عدمه فيسقط اعتباره ويبقى عموم القرآن والاخبار خاليا عن المعارض ثم ذكر أخبار كثيرة مطلقة
قال والتعليلان حسنان والاعتماد على الثاني وعبارة أبى الصلاح في الكافي تناسب التعليل الثاني فإنه قال ما هذا
لفظه لا تنعقد الجمعة إلا بإمام الملة أو منصوب من قبله أو من تتكامل له صفات إمام الجماعة عند تعذر الامرين وهذه
العبارة صريحة في سقوط اعتبار إذن الإمام أو من نصبه مع التعذر كحال الغيبة وإن الفقيه ليس شرطا فيها حينئذ
وفى بعض عبارات الأصحاب ما يدل على الأول كعبارة الشهيد في الدروس والمصنف في النهاية فإنهم عبروا بأن الفقهاء
يجمعون في حال الغيبة ولا صراحة فيها بتحتم ذلك وغايته أن يكون قولا آخر وقد بالغ المحقق الشيخ علي رحمه الله في إنكار
القول الثاني من قولي الجواز وزعم إن كل من قال بالجواز اشترط فيه حضور الفقيه محتجا عليه بدعوى جماعة من
الأصحاب منهم الشهيد في الذكرى والمصنف في التذكرة والنهاية وغيرهما الاجماع على اشتراط الامام أو نائبه في شرعية
الجمعة وفى الدعوى والسند منع ظاهر أما الدعوى فقد بينا من صرح بخلافها وأما الاجماع فإنما نقلوه على حالة
الحضور لا على الغيبة فإنهم يبتدؤن بحال الحضور ويذكرون فيه الاجماع ثم يذكرون حال الغيبة ويذكرون الخلاف
فكيف يتحقق الاجماع في موضع النزاع فراجع أنت كلامهم تجده كما قلناه وأوضح ما في ذلك عبارة الذكرى التي نقل
عنها دعوى الاجماع في ذلك فإنه ذكر المسألتين في سطر واحد قال التاسع إذن الإمام كما كان النبي صلى الله عليه و
آله يأذن لائمة الجمعات وأمير المؤمنين عليه السلام بعده وعليه إطباق الامامية هذا مع حضور الامام وأما مع غيبته
كهذا الزمان ففي انعقادها قولان أصحهما وبه قال معظم الأصحاب الجواز إذا أمكن الاجتماع والخطبتان انتهى ثم
علل الجواز بالتعليلين السابقين وهذا كما ترى صريح في اختصاص الاجماع بحالة حضوره ووقوع الخلاف في اشتراط
إذنه عليه السلام في حال غيبته وإن الأكثر على العدم وعبارة باقي أصحاب المطولات قريبة من ذلك فتدبر فإن
قيل الأوامر الدالة على الوجوب إنما استفيد منها الوجوب العيني كما هو موضع وفاق بالنسبة إلى حالة الحضور
ومدعاكم الوجوب التخييري وأحدهما غير الاخر قلنا أصل الوجوب ومطلقه مشترك بين العيني والتخييري ومن حق
المشترك أن لا يخصص بأحد معنييه إلا بقرينة صارفة عن الاخر أو مخصصة والوجوب العيني منفى حال الغيبة بالاجماع
فيختص الفرد الاخر فإن قيل لو كان عدم إمكان الشرط موجبا لسقوط أثره وأعمال أصل الأوامر لزم جوازها فرادى
عند عدم إمكان الجمع وبأقل من العدد تعذره وغير ذلك مما يتعذر فيه أحد الشروط وهو باطل إجماعا فأي
فارق بين الشروط قلنا هذا السؤال حق ومن خواص الشرط أن يستلزم فقده فقد المشروط إلا أن هذا الشرط وهو
إذن الإمام ليس له مستند يرجع إليه من كتاب أو سنة كما ورد في باقي الشروط وإنما العمدة في إثباته على الاجماع
291

كما قررناه سابقا ولا ريب أن الاجماع إنما وقع على الاشتراط في حالة الحضور لا الغيبة فإنه نفس المتنازع بل الأكثر
على عدم الاشتراط فتحرر من ذلك أن لا دليل على الاشتراط في حالة الغيبة يجب المصير إليه فإن قيل هذا غير مطابق
لما احتج به الشهيد رحمه الله في الذكرى فإنه اعتمد على أن الاذن إنما يعتبر مع الامكان لا مع التعذر وهو راجع إلى ما أوردناه
في السؤال وما ذكرتم يقتضى منع الاشتراط مطلقا بل في حال الحضور قلت مؤدى الجوابين واحد عند التأمل وإن
اختلفت العبارة فإن إمكان الاذن الذي سلم الاشتراط معه هو حالة الحضور وسقوطه عند عدم الامكان هو
حالة الغيبة فيرجع الامر إلى ما قلناه وإن كان ظاهره يدل على خلاف ذلك ومما يوجب حمله على ما ذكرناه فساده
على تقدير حمله على ظاهره للقطع بأن الشرط لا يسقط اعتباره عند تعذره مطلقا لكن قد يتفق ذلك في بعض الشروط
لكنه على خلاف الأصل المعروف في أحكام الشروط واعلم أنه ليس المراد باستحبابها على تقدير مشروعيتها كونها مندوبة
لأنها تجزى عن الظهر الواجبة للاجماع على أنها متى شرعت أجزأت عن الظهر والمندوب لا يجزى عن الواجب بل المراد أنها أفضل الفردين
الواجبين تخييرا فهي مستحبة عينا ولا منافاة بينهما فإن أفراد الواجب المخير متى كانت متفاوتة في الفضيلة
كان حكمها كذلك وهذا المعنى أولى مما قيل أن الاستحباب متعلق بالاجتماع لا بالجمعة نفسها ولو صلى الظهر من وجب
عليه السعي إلى الجمعة لم تسقط الجمعة بل يجب عليه أن يحضر الجمعة فإن أدركها صلاها وإلا أعاد ظهره لفساد الأولى إذ لم يكن
مخاطبا بها بخلاف ما لو لم يكن مخاطبا بالجمعة فصلى الظهر في وقت الجمعة فإنها صحيحة إذ ليس هو من أهل فرض الجمعة فلو حضر
موضع إقامتها بعد الصلاة لم يجب فعلها لتحقق الامتثال لكن يستحب طلبا لفضيلة الجماعة وفاقا للتذكرة ويستثنى منه
الصبي لو بلغ بعد إن صلى الظهر ندبا فإنها لا تجزى عن الواجب بل يجب الحضور إلى الجمعة والصلاة فإن قامت أعاد الظهر
ولو فرض كونه من أهل الجمعة وظن إدراكها وصلى الظهر ثم تبين أنه في وقت الظهر لم يكن بحيث يدرك الجمعة وجب إعادة
الظهر أيضا لكونه متعبدا بظنه فكان المتعين عليه فعل الجمعة على حسب ظنه ولو لم يكن شرائط الجمعة مجتمعة في أول
وقتها لكن يرجو اجتماعها قبل خروجه فهل له تعجيل الظهر أم يجب الصبر إلى أن يحصل هي أو اليأس منها كل محتمل وإن
كان الصبر أولى لان وظيفته الجمعة ووقتها متسع فلا يتحقق الانتقال منها إلى الظهر إلا بعلم عدمها ويدرك المأموم الجمعة
بإدراك الامام راكعا في الركعة الثانية على المشهور لان إدراك الركوع موجب لادراك الركعة (وإدراك الركعة مع الامام صح) موجب لادراك الجمعة و
يشهد للأول قول الصادق عليه السلام إذا أدركت الامام وقد ركع فكبرت وركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت
الركعة وإن رفع الامام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك وللثاني قوله عليه السلام من أدرك ركعة من الجمعة فليضف
إليها أخرى ولا فرق في إدراك الركعة بإدراكه راكعا بين أن يكون المأموم
والامام راكع وعدمه بل المعتبر اجتماعهما في حد الراكع وهل يقدح في ذلك شروع الامام في الرفع مع عدم تجاوزه
حد الراكع ظاهر الرواية ذلك لأنه علق الحكم على رفع الرأس ويمكن العدم حملا للرفع على كماله أو على ما يخرجه عن حده
لان ما دونه في حكم العدم واشترط الشيخ في النهاية إدراك تكبيرة الركوع لقول الباقر عليه السلام لمحمد بن مسلم إن
لم تدرك القوم قبل أن يكبر الامام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة ويعارض بالأولى وترجح الأولى بالشهرة أو
بحمل هذه على الأفضلية أو على ظن فوت الركوع توفيقا واشترط المصنف في التذكرة إدراك ذكر الركوع ولا شاهد له وهذا
الحكم كله آت في باقي الجماعة فرع لو شك بعد الركوع هل أدركه راكعا أو رافعا تعارض أصلا عدم الادراك والرفع
فيتساقطان ويبقى المكلف في عهدة الواجب للشك في الاتيان به على وجهه فيجب الاستيناف والعدد المتقدم شرط في الابتداء
292

لا في الدوام فلو انفض العدد في الأثناء أتم إمام الجمعة وإن كان وحده كما يقتضيه ظاهر العبارة للنهي عن قطع العمل وظاهر
قوله تعالى وتركوك قائما على قول بعض المفسرين إن المراد قائما في الصلاة واعتبر المصنف في التذكرة إدراك ركعة
لقوله عليه السلام من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى ولا دلالة فيه على المتنازع ولو انفض الامام خاصة
أو مع غيره وجب على من بقي الاستمرار وتقديم من يتم معه جماعة فإن تعذر أكملت فرادى فتكون الجماعة أيضا شرطا
في الابتداء لا في الدوام وكذا التوقف على أذن الامام ولو انفضوا قبل التلبس بالصلاة سقطت لفقد الشرط ابتداء
وكذا لو انفض ما ينقص به العدد ويمكن دخوله في العبارة بحمل العدد على الهيئة المجموعة منه فيصدق فواتها بفوات
بعض إجزائها ولا فرق بين انفضاضهم قبل الخطبة أو بعدها أو في أثنائها ولو عادوا أعادها من رأس إن لم يسمعوا
أركانها وإلا بنى وإن طال الفصل لعدم ثبوت اشتراط الموالاة فيها
ويجب تقديم الخطبتين على الصلاة تأسيا بالنبي
والأئمة صلوات الله عليهم وقضاء لحق الشرطية فلو عكس بطلت وتأخيرهما عن الزوال على المشهور لقوله تعالى إذا نودي
للصلاة فاسعوا أمر بالسعي بعد النداء الذي هو الأذان فتكون الخطبة بعده ولقوله عليه السلام هي صلاة ولمضمرة محمد بن
مسلم يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب وذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والمحقق إلى جوازهما قبل الزوال
وجعل في الذكرى إيقاعهما بعد الزوال أولى لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال كان رسول الله صلى
الله عليه وآله يصلى الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل الأول ويقول جبرئيل يا محمد قد زالت فأنزل
فصل ونزلها المصنف في المختلف على أن المراد بالظل الأول هو الفئ الزائد على ظل المقياس إلى أن يصير مثله ومعنى
زوال الشمس حينئذ ميلها عن الظل الأول كما أن زوالها المعروف ميلها عن دائرة وسط النهار وهو تنزيل بعيد لأنه
خلاف المعروف لغة من الظل والزوال فإن الظل ما قبل الزوال كما أن الفئ ما بعده والأصل عدم النقل فالاحتراز
بالظل الأول إنما وقع عن الفئ وكذا الزوال حقيقة شرعية في ميل الشمس عن الدائرة المذكورة فحمله على غيره غير
جائز والعجب أن المصنف يرى أن آخر وقت الجمعة صيرورة الظل مثل الشخص ثم يأول هذا الخبر بما يقتضى فعلها بعد هذا
الوقت واعترض بأن الخبر لا دلالة فيه على مذهب الشيخ لأنه ليس للظل الأول معنى معين يصار إليه عند الاطلاق
فإن الأولية أمر إضافي يختلف باختلاف المضاف إليه وإنما يشعر به قوله قد زالت ولأنه لا بد لتقدير شئ
مع الظل الأول وليس تقدير انتهائه مثلا أولى من تقدير انقضائه وبأن أول الحديث يشعر بخلاف مرادهم لان
فعلها حين زوال قدر شراك ربما يقتضى مضى زمان يسع الخطبة وحينئذ يمكن كون المراد فعلها في أول الزوال الذي
لا يعلمه كل أحد وفعل الصلاة عند تحقق ذلك وظهوره والجواب إن التقييد بالظل كاف في التمييز عن الفئ الحادث
بعد الزوال ووصفه بالأولية جاز كونه بيانا من قبيل قوله ولا طائر يطير بجناحيه فإن الظل لا يكون إلا أولا بالإضافة
إلى الفئ أو يكون احترازا عن الحادث بعد الزوال فإنه قد يسمى أيضا ظلا ومن ثم يقال آخر وقتها إذا صار ظل كل شئ
مثله ويؤيد هذا المعنى قول جبرئيل بعد الخطبة قد زالت فأنزل ولا يحتاج الظل الأول تقدير شئ مما ذكر فإنه
وقع ظرفا للخطبتين فيكون المراد فعلهما في زمانه وفعل الصلاة بعد الزوال قدر شراك لا يدل على خلاف ما دل
عليه الكلام فإن قدر الشراك أمر قليل ولو فرض طوله لم يضر وفعله صلى الله عليه وآله لهما في زمان لا يعلمه كل
أحد إن كان مع علمه صلى الله عليه وآله بحصول الزوال لم يكن لقول جبرئيل بعد ذلك قد زالت فائدة وإن كان صلى
الله عليه وآله لم يعلم بالزوال حال الخطبة حكمه حكم ما قبل الزوال مع احتياج ذلك كله إلى تقدير وتكلف لا يقتضيه
293

المقام فما ذكره الشهيد رحمه الله من الأولوية في محله ويجب أيضا الفصل بين الخطبتين بجلسة للتأسي ولقول الصادق
عليه السلام تجلس بينهما جلسة لا تتكلم فيها وهو خبر معناه الامر ويجب فيها الطمأنينة ويكفي مسماها وفاقا للتذكرة
وقد ذكر المصنف وغيره كونها خفيفة فلو أطالها بما لا يحل بالموالاة لم يضر وإلا ففي بطلان الخطبة الماضية نظر من
الشك في اشتراط الموالاة وكونه هو المعهود شرعا ولو كان يخطب جالسا لعجزه فصل بين الخطبتين بسكتة واحتمال
المصنف الفصل بالاضطجاع ورفع صوته بالخطبتين حتى يسمع العدد المعتبر في الجمعة فصاعدا لان المقصود من الخطبة لا
يحصل بدونه ولأن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا خطب رفع صوته كأنه منذر جيش ولو حصل مانع من السمع
سقط الوجوب دون الخطبتين والجمعة لعموم الامر ولو أمكن ذلك بالانتقال إلى موضع آخر فالظاهر وجوبه من باب
المقدمة ما لم يشتمل على مشقة لا تتحمل عادة لعموم الامر ولو صليت الجمعة فرادى لم تصح لما تقدم من اشتراط الجماعة وعدم
الشرط موجب لعدم المشروط وإن حصلت باقي الشرائط من العدد وغيره ولو اتفقت جمعتان بينهما أقل من فرسخ
بطلتا معا إن اقترنتا لما مر من اعتبار الوحدة في الفرسخ فيمتنع الحكم بصحتهما معا أو بصحة واحدة لاستحالة الترجيح
بغير مرجح فلم يبق إلا بطلانهما هذا إذا كان الامامان مستويين في الاذن وعدمه حيث تصح أما لو اختص أحدهما
بالاذن فجمعته هي الصحيحة لفساد الأخرى ويتحقق الاقتران بتكبيرة الاحرام من الامامين دون غيرها من الأفعال
لان بها يحصل الدخول في الصلاة والتحرم بها ويتحقق ذلك بشهادة عدلين ويتصور ذلك بكونهما غير مخاطبين بالجمعة
وهما في مكان يسمعان التكبيرين وحكمهما حينئذ أن يعيد الجميع الجمعة إن كان وقتها باقيا أما مجتمعين مع إمام واحد أو
مفترقين بأزيد من فرسخ وإلا صلوا الظهر وإلا أي وإن لم تقترنا بل سبقت أحديهما الأخرى بالتكبير وعلمت بطلت
اللاحقة لا غير فيصلى أصحابها الظهر إن لم يدركوا الجمعة مع السابقة وإلا تعينت الجمعة وهذا إذا كانا مأذونين
وإلا صح المأذون لا غير وإن تأخر للنهي عن اشتغال السابقة بالصلاة وترك الحضور مع النائب ويشترط أيضا
عدم علم كل من الفريقين بصلاة الأخرى وإلا لم يصح كل منهما للنهي عن الانفراد بالصلاة عن الأخرى المقتضى للفساد
وكذا تبطل صلاة الفرقة المشتبهة بين كونها سابقة أو لاحقة أو مقارنة سواء حصل الاشتباه ابتداء أم علم
الحال ثم نسي ومقتضى بطلان الصلاة في هذه الصور إعادة الجمعة على وجه صح لعدم تيقن حصولها مع اتساع الوقت
وإلا الظهر وهو اختيار الشيخ رحمه الله وخالفه في ذلك المصنف في غير هذا الكتاب فأوجب على الفريقين إعادة الظهر
على تقدير علم السابق في الجملة واشتباه عينه إما ابتداء أو بعروض نسيان بعد إن كان معلوما للقطع بحصول جمعة
صحيحة فلا تعاد وإعادة الجمعة وصلاة الظهر عليهما مع اشتباه السبق والاقتران لتوقف يقين البراءة على
كل منهما لان الواقع في نفس الامر إن كان هو السبق فالفرض هو الظهر وإن كان الاقتران فالفرض هو الجمعة وحيث
لا يقين بأحدهما لم يتيقن البراءة من دونهما وحينئذ فيجتمعون على جمعة أو يتباعدون ولا ريب أنه أحوط غير إن في تعينه
نظرا لان الجمعة في الذمة بيقين إذ هي فرض المكلف فلا يعدل عنها إلى الظهر إلا مع تعين حصولها وهو منتف و
وجوب الفرضين على خلاف الأصل فقول الشيخ هنا أجود وهو اختيار الشهيد رحمه الله وهل يشترط مغايرة الامام
لاحد الفريقين نظر من احتمال كون جمعته صحيحة في الواقع فلا تشرع له الإعادة ومن وجوب فعلها ظاهرا على كل
منهم والمعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة وإن هاياه السيد على أن يكون لكل منهما من الزمان ما يناسب حقه واتفقت
في يومه لبقاء استخدامه الرق المانع واستصحاب الحكم الواقع وللشيخ قول بوجوبها عليه حينئذ لانقطاع سلطنة السيد عن
294

استخدامه
ويحرم السفر يوم الجمعة بعد الزوال قبلها أي قبل صلاة الجمعة لاستلزامه ترك الواجب بوجوبها بأول
الوقت وإن كان متسعا وإنما يحرم مع الاختيار وعدم وجوبه فلو كان مضطرا إليه بحيث يؤدى تركه إلى فوات
الغرض أو التخلف عن الرفقة التي لا يستغنى عنها أو كان سفر حج أو غزو يفوت الغرض منهما مع التأخر فلا تحريم
ولا فرق في التحريم بين أن يكون بين يديه جمعة أخرى يمكنه إدراكها في الوقت وعدمه لاطلاق النهى مع احتمال عدم
التحريم في الأول لحصول الغرض ويضعف بأن السفر إن ساغ أوجب القصر فتسقط الجمعة حينئذ فيؤدى إلى سقوطها فيحرم
فلا تسقط عنه فيؤدى التحريم إلى عدمه وهو دور ومتى سافر بعد الوجوب كان عاصيا فلا يترخص حيت تفوت الجمعة
فيبدى السفر من موضع تحقق الفوات قاله الأصحاب وهو يقتضى عدم ترخص المسافر الذي يفوت بسفره الاشتغال
بالواجب من تعليم ونحوه أو يحصل في حالة الإقامة أكثر من حالة السفر لاستلزامه ترك الواجب المضيق فهو أولى من
الجمعة خصوصا مع سعة وقتها ورجاء حصول جمعة أخرى أو لاحه واستلزامه الحرج لكون أكثر المكلفين لا ينفكون عن
وجوب التعلم فيلزم عدم تقصيرهم أو فوات أغراضهم التي تتم بها نظام النوع غير ضائر والاستبعاد غير مسموع و
لان الكلام في السفر الاختياري الذي لا يتعارض فيه وجوبان وكذا يحرم يوم الجمعة الأذان الثاني وهو ما وقع ثانيا
بالزمان بعد أذان آخر واقع في الوقت سواء كان بين يدي الخطيب أم على المنارة أم على غيرها لتأدي الوظيفة بالأول
فيكون هو المأمور به وما سواه بدعة لأنه لم يفعل في عهده عليه السلام ولا في عهد الأولين وإنما أحدثه عثمان أو
معاوية على اختلاف بين نقلة العامة وإذا لم يكن مشروعا أولا فتوظيفه ثانيا على الوجه المخصوص يكون بدعة وإحداثا
في الدين ما ليس منه فيكون محرما ولا يجبر كونه ذكر الله لمنع كون جميع فصوله ذكرا وليس الكلام فيما يجعل من فصوله
ذكرا مطلقا من غير أن يعد وظيفة خاصة كما يفعله العامة يوم الجمعة على الخصوص فضعف حينئذ قول المعتبر ومن تبعه بالكراهة
استضعافا للرواية الدالة على بدعيته واحتجاجا بكونه ذكر الله وأولها في الذكرى بأن البدعة ما لم يكن في عهده
صلى الله عليه وآله وهي تنقسم إلى محرمة ومكروهة فلا دلالة لها على التحريم لأنها أعم وكل ذلك قد اندفع بما
قدمناه وسبق في باب الأذان ما يزيده تحقيقا والفرق بين الأذان الثاني وبين المكرر الموصوف بالاستحباب يستفاد
من ظواهر الأحوال وانضمام القرائن المستفادة من مواظبة العامة عليه في ماضي الأعصر إلى اليوم حتى لو تركه تارك
أنكروه عليه بخلاف ما يتكرر من الأذان في غير ذلك اليوم والوقت ولو فرض إن مكلفا منا إذن ثانيا في ذلك الوقت
بعد إن أذن غيره لا بقصد التوظيف المخصوص بل الأذان المكرر فالظاهر عدم تحريمه بل هو الأولى في وقت التقية أما
تكرره من المؤذن الواحد فلا وجه له غير البدعة وذهب بعض الأصحاب إلى أن الأذان المحرم ما لم يكن واقعا بين يدي
الخطيب سواء وقع أو لا أم ثانيا فإنه ثان باعتبار الاحداث لقول الباقر عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون ويضعف بأن كيفية الأذان الواقع في عهده صلى الله عليه وآله
غير شرط في شرعيته إذ لو وقع قبل صعود الخطيب أو خطب على الأرض ولم يصعد منبرا لم يخرج بذلك عن الشرعية وإنما
المحدث ما فعل ثانيا كيف كان وقد روى محمد بن مسلم قال سألته عن الجمعة فقال أذان وإقامة يخرج الامام بعد الأذان
فيصعد المنبر وكذا يحرم البيع وشبهه من العقود والايقاعات بعد الزوال أما تحريم البيع فلقوله تعالى وذروا البيع أمر
بتركه حينئذ فيكون فعله محرما والمراد بالنداء الأذان الواقع بعد الزوال وإنما علقه المصنف على الزوال لأنه السبب الموجب
للصلاة والنداء إعلام بدخول الوقت فالعبرة به فلو اتفق تأخر الأذان عن أول الوقت نادرا لم يؤثر في التحريم السابق
295

لوجود العلة وهو وجوب السعي المترتب على دخول الوقت وإن كان في الآية مترتبا على الأذان ولو فرض عدم الأذان
لم يسقط وجوب السعي فإن المندوب لا يكون شرطا للواجب وأكثر الأصحاب علقوا التحريم على الأذان لظاهر الآية بل صرح
بعضهم بالكراهة بعد الزوال قبل الأذان وهو أوضح دلالة وإن كان ما هنا أجود وعلقه في الخلاف على جلوس
جلوس الخطيب على المنبر وكأنه بناء على ما تقدم من وقوع الأذان بين يديه وأما ما أشبه البيع من الإجازة والصلح
والنكاح والطلاق وغيرها فألحقها به المصنف وجماعة للمشاركة في العلة المومى إليها في قوله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون
وإنما خص البيع لان فعله كان أكثريا لأنهم كانوا يهبطون إلى المدينة من سائر القرى لأجل البيع والشراء وأيضا فان
ظاهر الآية يقتضى وجوب السعي بعد النداء على الفور لا من جهة الامر لعدم دلالته على الفورية كما حقق في الأصول
بل من جهة إن الامر بترك البيع والسعي إلى الصلاة قرينة إرادة المسارعة فيكون كل ما نافاها كذلك قال في الذكرى
ولو حملنا البيع على المعاوضة المطلقة التي هي معناه الأصلي كان مستفادا من الآية تحريم غيره قال ولأن الامر
بالشئ يستلزم النهى عن ضده ولا ريب إن السعي مأمور به فيتحقق النهى عن كل ما ينافيه من بيع وغيره من سائر الشواغل
عن السعي وجعل الأخير أولى وفيهما نظر لان البيع حقيقة شرعية في المعارضة الخاصة ويجب حمل اللفظ
على حقيقته
الشرعية مع الامكان مقدمة على أختيها فلا يتجه حمل البيع على المعنى اللغوي والامر بالشئ إنما يستلزم النهى عن
ضده العام الذي هو النقيض لا الأضداد الخاصة وقد تقدم تحقيقه غير مرة وهو عمدة الشهيد رحمه الله في الاستدلال
في غير هذه المسألة فلا حجة في الآية على تحريم الأضداد من هذا الوجه ومنع في المعتبر من تحريم غير البيع اقتصارا
بالمنع على موضع اليقين والقياس عندنا باطل وتوقف فيه المصنف في بعض كتبه وعلى تقدير التحريم ينعقد البيع لو
أوقعه حينئذ لعدم المنافاة بين قول الشارع لا بيع وقت النداء وإن بعت ملكت الثمن ولأن النهى إنما دل على الزجر عن
الفعل والصحة أمر آخر وهذا بخلاف النهى في العبادات فإنه يقتضى الفساد لتحقق المنافاة بين الصحة والنهى فإن
صحيح العبادة ما وافق مراد الشارع وما نهى عنه لا يكون مرادا له وذهب الشيخ إلى البطلان بناء على أن النهى مفسد
مطلقا وتحقيق المسألة في الأصول واعلم أنه لو كان أحد المتعاقدين مخاطبا بالجمعة دون الاخر فالتحريم في حق
المخاطب بحاله وهل يحرم في حق الاخر أو يكره خلاف والتحريم متجه لمعاونته له على الاثم المنهى عنها في قوله ولا تعاونوا
على الاثم وهو يقتضى التحريم ويكره السفر يوم الجمعة للمخاطب بها بعد الفجر وقبل الزوال لما فيه من منع نفسه من أكمل
الفرضين مع قرب وقته وحضور اليوم المنسوب إليه وإن لم يحرم لعدم وجود السبب وإضافته إلى الجمعة لا يوجب كون مجموع
اليوم سببا وفى وجوب الاصغار من المأمومين إلى الخطبة بمعنى استماعهم لها تاركين للكلام ووجوب الطهارة
في الخطيب حالة الخطبة من الحدث والخبث وتحريم الكلام على الخطيب والمأمومين قولان أحدهما الوجوب في الأولين و
تحريم الأخير لان فائدة الخطبة لا تتم إلا بالاصغاء ولصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام إنما جعلت الجمعة ركعتين
من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الامام فجعل عليه السلام الخطبتين صلاة وكل صلاة تجب فيها الطهارة ويحرم الكلام
ولا يرد إن ذلك في الصلاة الشرعية وليست مرادة هنا بل أما المعنى اللغوي أو التشبيه بحذف أداته فلا تتم كلية الكبرى
أو تفسد الصغرى أو لا يتحد الوسط لان اللفظ يجب حمله على المعنى الشرعي ومع تعذره يحمل على أقرب المجازات إلى الحقيقة
المتعذرة وهو يستلزم المطلوب فيجب مساواتهما للصلاة في كل ما يدل على خلافه دليل يجب المصير إليه وللتأسي في
الطهارة بالنبي وآله عليهم السلام وهذا هو الأجود والقول الثاني عدم وجوب الاصغاء وعدم وجوب الطهارة وعدم
296

تحريم الكلام ذهب إليه جماعة اعتمادا على الأصل وفى الكلام على صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال إذا
خطب الامام يوم الجمعة فلا ينبغي لاحد أن يتكلم حتى يفرغ الامام من خطبته ولفظة لا ينبغي تدل على الكراهة وإن النبي
صلى الله عليه وآله لم ينكر على من سأله في حال خطبته عن الساعة إلى أن سأل ثلثا فأجابه صلى الله عليه وآله ولو
حرم الكلام لا نكره صلى الله عليه وآله والجواب إن لا ينبغي كما تصلح للمكروه تصلح للحرام فلتحمل عليه جمعا بينها وبين
ما تقدم وجوابه صلى الله عليه وآله وعدم إنكاره جاز استناده إلى علمه بضرورة السائل والضرورة مبيحة للكلام
قطعا بل نقل فيه المصنف الاجماع في التذكرة وقد علم من الدليل أن الطهارة من الحدث والخبث شرط وبذلك صرح
الشهيد في البيان وفى الذكرى والدروس خصها بالحدثية لا غير ولعل الأقوال حينئذ ثلاثة ومقتضى الدليل أيضا
وجوبها على الإمام والمأموم لكن لم أقف على قائل بوجوبها على المأموم كما ذكروه في الكلام فلذلك قيدناه بالخطيب
ووجوب الاصغاء غير مختص بالعدد لعدم الأولوية نعم سماع العدد شرط في الصحة ولا منافاة بينهما فيأثم من زاد
وإن صحت الخطبة كما أن الكلام لا يبطلها أيضا وإن حصل الاثم وهل يجب إسماع من يمكن سماعه من غير مشقة و
إن زاد عن العدد نظر من وجوب الاصغاء عليه كما سيأتي وهو لا يتم إلا مع إسماعه ومن كون الوجوب بالنسبة إلى الزائد
عن العدد مشروطا كما سيأتي فلا منافاة وربما قيل بعدم وجوب الاسماع مطلقا لأصالة البراءة وإن
وجب الاستماع لتغاير محل الوجوبين فلا يستلزم وجوب الاصغاء على المأموم وجوب الاسماع على الخطيب ولأن وجوبه
مشروط بإمكان السماع كما مر وإنما يجب الاصغاء ويحرم الكلام على من في حقه السماع فالبعيد الذي لا يسمع و
الأصم لا يجب عليهما ولا يحرم لعدم الفائدة ولا يحرم غير الكلام مما يحرم في الصلاة خلافا للمرتضى ولا فرق بين الامام
والمؤتم في تحريم الكلام لظاهر الخبر السالف وربما فرق بينهما وخص التحريم بغير الامام لتكلم النبي صلى الله عليه
وآله حال الخطبة وقد عرفت أن مطلق الكلام غير محرم وهل يحرم الكلام بين الخطبتين الظاهر ذلك لقوله عليه السلام
في الحديث السالف هي صلاة حتى ينزل الامام وحالة الجلوس بينهما وما حفها قبل نزوله فيدخل في
المغيا وجوزه المصنف لعدم سماع شئ يشغله عنه الكلام واعلم أن وجوب الاصغاء يستلزم تحريم الكلام على المأموم
لان ترك الكلام جزء تعريف الاصغاء كما نص عليه بعض أهل اللغة فلا يحصل بدونه لكن المصنف جمع بينهما لفائدة التأكيد
أو التعليم لادخال الامام فإنه لا يجب عليه الاصغاء ويجب عليه ترك الكلام على أحد القولين وفى الصحاح أصغيت إلى
فلان إذا ملت بسمعك نحوه وهذا التعريف لا يستلزم ترك الكلام فيمكن بناء كلام المصنف عليه أيضا فالاصغاء
على الأول أخص من الاستماع وعلى الثاني مرادف له والممنوع من سجود الركعة الأولى على الأرض مع
الامام لكثرة
الزحام ونحوه لا يجوز له أن يسجد على ظهر غيره أو رجله إجماعا بل ينتظر حتى يتمكن من السجود ولو بعد قيام الامام
للثانية ويسجد ويلحق الامام بمعنى إدراكه من الصلاة قدر ما أدركه الامام إن أدركه قبل الركوع ويغتفر ذلك
للحاجة والضرورة ومثله وقع في صلاة عسفان حيث سجد النبي صلى الله عليه وآله وبقي صف لم يسجد معه والمشترك
بينهما الحاجة فإن تعذر إدراكه قبل الركوع لم يلحق لفوات معظم الركعة الثانية وبعض الأولى والمجموع قدر ركعة
كاملة ويسجد معه في الركعة الثانية ويفهم من قوله فإن تعذر لم يلحق بعد قوله إنه يلحق قبل الركوع إنه لو أدركه راكعا
لا يلحق أيضا لعدم وصفه حينئذ بكونه قبل الركوع فيدخل في القسم الثاني وقد نص المصنف وغيره هنا أيضا على اللحوق
فيقوم منتصبا مطمئنا يسيرا بغير قراءة ثم يركع ومتى سجد معه في الثانية ولم يكن أدرك الركوع ينوى بهما أي بالسجدتين
297

للركعة الأولى لأنه يسجد لها بعد ثم يتم الصلاة بعد تسليم الامام وإنما وجب أن ينوى بهما الأولى دون باقي السجدات
لتخالف سجدتيه وسجدتي إمامه ولو نوى بهما للركعة الثانية بطلت صلاته على المشهور لمكان الزيادة وحكم المرتضى
والشيخ في أحد قوليه بعدم البطلان بذلك وبحذفهما ويأتي بسجدتين للأولى لرواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام
فيمن زوحم عن سجود الأولى ولم يقدر على السجود حتى سجد الإمام للثانية إن لم ينو تلك السجدة للركعة
الأولى لم يجز عنه الأولى ولا الثانية وعليه أن يسجد سجدتين وينوى أنهما للركعة الأولى وعليه بعد ذلك ركعة تامة
يسجد فيها والرواية ضعيفة السند بحفص والزيادة عمدا مبطلة فالبطلان أوجه ومال الشهيد في الذكرى إلى العمل بمضمونها
لشهرتها وعدم وجود ما ينافيها في هذا الباب وزيادة السجود تغتفر في المأموم إذا سجد قبل إمامه ونقل عن الشيخ جواز
الاعتماد على كتاب حفص ولو سجد مع الامام والحال هذه من غير نية الأولى ولا الثانية فقولان أيضا أوضحهما الصحة
حملا للاطلاق على ما في ذمته فإنه لا يجب لكل فعل من أفعال الصلاة نية وإن كان المصلى مسبوقا وإنما يعتبر للمجموع النية
أولها واختار المصنف البطلان محتجا بأن أفعال المأموم تابعة لامامه فالاطلاق ينصرف إلى ما نواه الامام وقد نوى الثانية
فينصرف فعل المأموم إليه ويرده أن وجوب المتابعة لا يصير المنوي للامام منويا للمأموم كما في كل مسبوق ولا يصرف فعله
عما في ذمته والأصل يقتضى الصحة وقد تضمنت الرواية إطراح السجود هنا أيضا كما يطرح لو نوى به الثانية و
القائل بهما واحد
ويستحب أن يكون الخطيب بليغا بمعنى جمعه بين الفصاحة التي هي عبارة عن خلوص الكلام من ضعف
التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد وعن كونها غريبة وحشية وبين البلاغة وهي القدرة على تأليف الكلام المطابق
لمقتضى الحال من التخويف والانذار وغيرهما بحيث يبلغ بركنه المطلوب من غير إخلال ولا إملال وإنما استحب ذلك
لكون الكلام حينئذ يكون له أثر بين في القلوب وذلك أمر مطلوب وأن يكون مواظبا على الفرائض محافظا عليها في أوائل
أوقاتها متصفا بما يأمر به مجانبا عما ينهى عنه ليكون لوعظه موقع في النفوس والمباكرة إلى المسجد للامام وغيره
روى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام إن الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها وإنكم تتسابقون
إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام تجلس الملائكة يوم الجمعة على باب المسجد
فيكتبون الناس على منازلهم الأول والثاني حتى يخرج الامام والمراد بالمباكرة على ما ذكره المصنف في التذكرة التوجه
بعد الفرج وإيقاع صلاة الفجر فيه والاستمرار ولتكن المباكرة بعد التأهب لها بالغسل وحلق الرأس وقص الأظفار
والشارب والسكينة في الأعضاء حالة الخروج إلى المسجد أو في جميع اليوم بمعنى الاعتدال في حركاتها والطيب ولبس أفخر
الثياب وأعلاها ثمنا ولتكن بيضاء قال الصادق عليه السلام ليتزين أحدكم يوم الجمعة ويتطيب ويسرح لحيته ويلبس أنظف ثيابه
وليتهيأ للجمعة وليكون عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار وعن النبي صلى الله عليه وآله أحب الثياب إلى الله البيض و
يتأكد التجمل في حق الامام والزيادة فيه على غيره وربما استشكل تقديم الغسل على المباكرة لما مر في صدر الكتاب
من استحباب تأخيره إلى آخر وقته وكونه كلما قرب من الزوال كان أفضل ومن ثم لم يذكره المصنف هنا فيما تقدم
على المباكرة لكنه موجود في بعض الاخبار وطريق الجمع حمل استحباب التأخير على عدم معارضة طاعة أعظم منه فإن
المباكرة إلى المسجد مشتملة على عدة طاعات المسارعة إلى الخير والكون في المسجد وما يترتب عليه من الذكر والدعاء
وتلاوة القرآن والصلاة وغيرها فمتى باكر المكلف استحب له تقديمه ولتحصل الفائدة التي شرع لأجلها وإن لم يباكر
لمانع أو اقتراحا آخر الغسل والتعمم شتاء وصيفا والرداء وليكن يمنيه أو عدنيا روى ذلك عن الصادق عليه السلام وللتأسي
298

ولأنه أنسب بالوقار والاعتماد على شئ حال الخطبة من سيف أو عكاز أو قوس أو قضيب تأسيا بالنبي صلى الله عليه
وآله ولقول الصادق عليه السلام يتوكأ على قوس أو عصا والسلام أولا أي أول ما يصعد المنبر على الناس على المشهور
لرواية عمرو بن جميع رفعه عن علي عليه السلام أنه قال من السنة إذا صعد الامام المنبر أن يسلم إذا استقبل الناس
ونفى الشيخ في الخلاف استحبابه استضعافا للرواية ويجب عليه رد جواب السلام كفاية لعموم الامر برد التحية
واعلم
أن جميع هذه السنن مندوبة للامام وقد يشركه غيره في بعضها وهي أوساطها وإن كان المشترك أيضا للامام آكد
وعلى هذا فيمكن كون الاستحباب في كلام المصنف متعلقا بالخطيب وبالمصلي على حسب ما يمكن
المقصد الثالث
في صلاة العيدين وهما اليومان المعروفان وأحدهما عيد وياؤه منقلبة عن وأو لأنه مأخوذ من العود أما لكثرة
عوايد الله تعالى على عباده ورحمته فيه وأما لعود السرور والرحمة بعوده والجمع أعياد على غير قياس لان حق الجمع
رد الشئ إلى أصله لكن للزوم الياء في مفرده بقيت في الجمع أو للفرق بين جمعه وجمع عود الخشب وتجب صلاة العيدين
عندنا عينا إجماعا بشروط الجمعة إلا الخطبتين فإنهما وإن وجبتا فيها لكنهما متأخرتان عنها فلا تكونان شرطا ثم
إن اجتمعت الشرائط التي من جملتها الامام أو من نصبه وجبت جماعة لا غير كالجمعة ومع تعذر الحضور مع الجماعة وإن
كان الامام حاضرا أو اختلال الشرائط الصادق بفقد بعضها تستحب جماعة وفرادى وشرط الوحدة معتبر مع وجوبهما
معا لا مع ندبهما أو ندب أحديهما ولا مدخل للفقيه حال الغيبة في وجوبها في ظاهر الأصحاب وإن كان ما في الجمعة من
الدليل قد يتمشى هنا إلا أنه يحتاج إلى القائل ولعل السر في عدم وجوبها حال الغيبة مطلقا بخلاف الجمعة أن الواجب
الثابت في الجمعة إنما هو التخييري كما مر أما العيني فهو منتف بالاجماع والتخييري في العيد غير متصور إذ ليس معها
فرد آخر يتخير بينها وبينه فلو وجبت لوجبت عينا وهو خلاف الاجماع وما ذكره المصنف هو المشهور بين الأصحاب و
ذهب بعضهم إلى أنها عند اختلال الشرائط تصلى فرادى لا غير والعمل على المشهور إلا أنها متى صليت فرادى لا يخطب المصلى
لانتفاء المقتضى ولا يشترط في جواز فعلها مندوبة خلو الذمة من قضاء واجب لما مر من عدم اشتراطه في مطلق المندوبة
خلافا للأكثر وكيفيتها أن يكبر للافتتاح ويقرأ بعده الحمد وسورة ويستحب أن تكون سورة الأعلى لرواية إسماعيل الجعفي
عن الباقر عليه السلام وقيل الأفضل الشمس لصحيحة جميل عن الصادق عليه السلام وفيهما دلالة على اشتراكهما في الأفضلية
ثم يكبر بعد الفراغ من القراءة ويقنت بعده بما شاء من الدعاء وأفضله المرسوم وهو اللهم أهل الكبرياء والعظمة إلخ ثم يكبر
ويقنت وهكذا خمسا ويكبر بعد قنوت التكبيرة الخامسة تكبيرة الركوع وهي السادسة بالإضافة إلى الخمس مستحبا و
يركع ثم يسجد سجدتين على الوجه المقرر ثم يقوم إلى الركعة الثانية فيقرأ الحمد وسورة ويستحب الشمس على الأول والغاشية
على الثاني ثم يكبر ويقنت أربعا كما مر ثم يكبر الخامسة مستحبا للركوع ثم يسجد سجدتين ويتشهد ويسلم هذا هو المشهور
في كيفيتها بين الأصحاب ومذهب الأكثر وذهب ابن الجنيد إلى أن التكبير والقنوت في الركعة الأولى قبل القراءة وفى الثانية
بعدها ومستند المشهور صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام يقرأ فاتحة الكتاب ثم الشمس ثم يكبر خمس تكبيرات
ثم يكبر ويركع بالسابعة ثم يقوم فيقرأ ثم يكبر أربع تكبيرات قال وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وفى معناها
آخر ومستند ابن الجنيد أيضا أخبار صحاح ترجح هذه عليها الشهرة ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال على المشهور
بل قيل أنه إجماع وبه وردت الاخبار وذهب بعض الأصحاب إلى أن أول وقتها انبساط الشمس ولو فاتت فلم تصل
في وقتها لم تقض على المشهور لعدم الدليل وعدم ترتب القضاء على فوات الأداء كما حقق في الأصول ولقول الباقر
299

عليه السلام من لم يصل مع الامام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه وقال ابن إدريس يستحب قضاؤها وقيل تقضى
أربعا كالجمعة في إبدالها بالظهر وهو اختيار ابن الجنيد وابن بابويه روى أبو البختري عن الصادق عليه السلام من
فاته العيد فليصل أربعا ثم اختلفا فذهب ابن الجنيد إلى كون الأربع مفصولات بالتسليم وابن بابويه إلى كونها بتسليمة
واحدة قال في الذكرى ولم نقف على مأخذهما ورواية الأربع مع ضعف سندهما مطلقة ويحرم السفر على المخاطب بها
بعد طلوع الشمس قبل الصلاة لاستلزامه اسقاط الواجب بعد حصوله هذا إذا كان إلى مسافة فلو كان إلى ما دونها
اعتبر في التحريم استلزامه تفويتها ويكره بعد الفجر لاستلزامه اسقاط الواجب بعد قربه ولرواية عاصم بن حميد عن أبي
بصير عن أبي عبد الله عليه السلام إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد
ولما لم يثبت الوجوب حمل النهى على الكراهة والخطبة بعدها إجماعا وتقديمها بدعة عثمانية روى محمد بن مسلم عن الباقر
عليه السلام أن عثمن لما أحدث أحداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس (ليرجعوا صح) فلما رأى ذلك قدم الخطبتين واحتبس
الناس للصلاة ثم تبعه بنوا أمية وابن الزبير ثم انعقد إجماع المسلمين على كونهما بعد الصلاة وروى العامة إن مروان
قدم الخطبة فقال له رجل خالفت السنة فقال ترك ذاك فقال أبو سعيد الخدري أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله
يقول من رأى منكم منكرا فلينكره بيده فمن لم يستطع فلينكره بلسانه فمن لم يستطع فلينكره بقلبه وذلك أضعف الايمان
واختلف في وجوب الخطبة فذهب المصنف وجماعة إلى الوجوب لمداومة النبي والأئمة عليهم السلام عليها المقتضى لوجوب
التأسي ولم ينقل تركها عن أحد منهم والأكثر على الاستحباب بل ادعى في المعتبر عليه الاجماع وليس في الاخبار تصريح بالوجوب
قال في الذكرى والعمل بالوجوب أحوط واستماعها مستحب اجماعا لا واجب ولهذا أخرتا عن الصلاة ليتمكن المصلى من
تركهما وروى عبد الله بن السائب قال شهدت مع النبي صلى الله عليه وآله العيد فلما قضى الصلاة قال أنا نخطب فمن أحب
أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب واستحباب الاستماع بعد نفى الوجوب ظاهر لما فيه من الاتعاظ
وحضور مجالس الذكر المؤدى إلى إقبال القلوب على الله تعالى وهما خطبتان كخطبتي الجمعة لكن ينبغي أن يذكر في خطبة
الفطر ما يتعلق بالفطرة ووجوبها وشرائطها وقدر المخرج وجنسه ومستحقه وفى الأضحى أحكام الأضحية وفى وجوب
القيام فيهما والجلوس بينها نظر وكذا في استحباب الجلوس قبلهما ونفاه المصنف في بعض كتبه لان استحبابه في الجمعة
لأجل الأذان وهو منفى هنا وفى كون شرعيته لذلك شك ولو اتفق عيد وجمعة تخير من صلى العيد في حضور الجمعة
على المشهور بين الأصحاب ولا فرق في ذلك بين من كان منزله قريبا أو بعيدا خلافا لابن الجنيد حيث خص الرخصة
بالبعيد ولابن البراج حيث منع أصل الرخصة لمشهور صحيحة الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الفطر والأضحى
إذا اجتمعنا يوم الجمعة قال اجتمعنا في زمان علي عليه السلام فقال من شاء أن يأتي الجمعة فليأت ومن قعد فلا يضره و
يصلى الظهر وخطب عليه السلام خطبتين جمع فيهما بين خطبة العيد وخطبة الجمعة وهذه الرواية كما تدل على التخيير مطلقا
تبطل القولين الآخرين وترفع المقتضى لوجوب الصلاتين كما احتج به ابن البراج ويعلم الامام الناس ذلك في خطبة
العيد وجوبا كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام ويجب عليه الحضور لصلاة الجمعة فإن اجتمع معه تمام العدد صلاها وإلا
فلا وروى إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان يقول إذا اجتمع للامام عيدان في يوم
واحد فإنه ينبغي أن يقول للناس في خطبته الأولى أنه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصليهما جميعا فمن كان مكانه قاصيا
فأحب أن ينصرف عن الاخر فقد أذنت له وبهذه الرواية تمسك ابن الجنيد على اختصاص الرخصة بالقاصي ويضعف بأن
300

استفادة التخصيص من باب المفهوم فلا يعارض المنطوق السابق وفى وجوب التكبيرات الزائدة على اليومية وهي الخمس في
الأولى والأربع في الثانية ووجوب القنوت بينها أي بعد كل تكبير كما مر فإن البينية تقتضي نقص قنوت وليس مرادا
قولان أحدهما وهو مختار المصنف في غير هذا الكتاب والأكثر الوجوب لان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة صلوها كذلك
والتأسي بهم واجب ولأنهم عليهم السلام نصوا على وجوب صلاة العيد ثم بينوا كيفيتها وذكروا التكبيرات الزائدة والقنوت
في بيان الكيفية وهو يقتضى الوجوب لان بيان الواجب وقال الشيخ في أحد قوليه أنهما مستحبان واختاره المحقق لصحيحة
زرارة عن الباقر عليه السلام إن عبد الملك بن أعين سئله عن الصلاة في العيدين فقال الصلاة فيهما سواء يكبر الامام تكبيرة الصلاة
قائما كما يصنع في الفريضة ثم يزيد في الركعة الأولى ثلث تكبيرات وفى الأخرى ثلثا سوى تكبيرة الصلاة والركوع والسجود
وإن شاء ثلثا وخمسا وإن شاء خمسا وسبعا بعد أن يلحق ذلك إلى وتر فتجويزه عليه السلام الاقتصار على الثلث التي
لا قائل بوجوبها فقط يدل على استحباب التكبير والقنوت تابع له وحمل الشيخ في الاستبصار الرواية على التقية لموافقتها
مذهب كثير من العامة وللجمع بينها وبين ما دل على الوجوب كقول الكاظم عليه السلام في صحيحة يعقوب بن يقطين ثم يكبر
ويقرأ ثم يكبر خمسا ويدعو بينها ثم يكبر أخرى ويركع بها فذلك سبع تكبيرات بالتي افتتح بها ثم يكبر في الثانية خمسا يقوم
فيقرأ ثم يكبر أربعا ويدعو بينهن ثم يركع بالتكبيرة الخامسة وكل ذلك وقع بيانا للواجب بالأمر المؤدى بصيغة الخبر فيكون
واجبا واشتماله على الامر بالمندوب كما في تكبيرة الركوع لا يخرج الباقي عن وضعه لان ذلك إنما خرج بدليل خارج
وإلا لكان واجبا أيضا كما ذهب إليه بعض الأصحاب وفى جعل الدعاء بين التكبيرات في الخبر تجوز لان القنوت الأخير ليس
بينها كما لا يخفى وقد تبعه المصنف في العبارة ويستحب الاصحار بها وهو الخروج بها إلى الصحراء إلا بمكة شرفها الله للتأسي
بالنبي صلى الله عليه وآله فإنه كان يصليها خارج المدينة وعن الصادق عليه السلام على أهل الأمصار أن يبرزوا في
أمصارهم في العيدين إلا أهل مكة فإنهم يصلون في المسجد الحرام هذا مع الامكان وعدم المشقة الشديدة المنافية للخروج
من مطر أو وحل وإلا صليت في المساجد قال الصادق عليه السلام في رواية هارون بن حمزة الخروج يوم الفطر والأضحى
إلى الجبانة حسن لمن استطاع الخروج إليها والخروج ماشيا حافيا لما روى أن النبي صلى الله عليه وآله لم يركب بعيد
ولا جنازة وإن عليا عليه السلام قال من السنة أن تأتي العيد ماشيا وترجع ماشيا ولأن الرضا عليه السلام لما
خرج لصلاة العيد في عهد المأمون خرج حافيا راويا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من أغبرت قدمه في سبيل الله
حرمها الله على النار وليكن الخروج بالسكينة في أعضائه فليمش من غير استعجال ولا حركة تؤذن بعدم الخشوع
وبالوقار في نفسه بمعنى طمأنينتها وثباتها في حالة كونه ذاكرا لله في طريقه لما نقل عن الرضا عليه السلام في السالف
وتبعه المأمون في المشي والحقار التواضع والذكر وأن يطعم قبله أي يأكل قبل الخروج وهو بفتح الياء وسكون
الطاء
وفتح العين مضارع طعم بكسرها كعلم يعلم هذا في عيد الفطر وبعد في الأضحى مما يضحى به والفرق مع
النص وجوب الافطار يوم الفطر بعد وجوب الصوم فينبغي المبادرة إلى المأمور به بعثا للنفس على تلقى الأوامر المتضادة
ورفعا لهواجس النفس وهذا المعنى لا يوجد بأجمعه في الأضحى نعم يستحب الأكل من الأضحية ولا يكون إلا بعد الصلاة
والمستند الأصلي الخبر فقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان لا يخرج في الفطر حتى يفطر ولا يطعم يوم الأضحى
حتى يصلى وعن الصادق عليه السلام أطعم يوم الفطر قبل أن تصلى ولا تطعم يوم الأضحى حتى ينصرف الامام وعن الباقر
عليه السلام لا تأكل يوم الأضحى إلا من أضحيتك إن قويت وإن لم تقو فمعذور وليكن الفطر في الفطر على الحلو كما ذكره
301

الأصحاب وروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يأكل في الفطر قبل خروجه تمرات ثلثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر
وفى الذكرى أفضل الحلاوة السكر وأما الافطار على التربة الحسينية صلوات الله على مشرفها فقد شرط في الذكرى
لجوازه أن يكون به علة وحمل الرواية الدالة على الجواز مطلقا على الشذوذ واستحب المصنف في النهاية الاصباح بصلاة عيد الفطر
أكثر من الأضحى لمكان الافطار قبلها وإخراج الفطرة وعمل منبر بكسر الميم وفتح الباء الموحدة بعد النون من طين في الصحراء
ولا ينقل منبر الجامع لقول الصادق عليه السلام المنبر لا يحول من موضعه ولكن يجعل للامام شئ يشبه المنبر من طين فيقوم عليه
فيخطب الناس ثم ينزل ولو عمل من حجارة أو خشب ونحوهما تأدت السنة وإن كان المنقول أولى والتكبير في الفطر عقيب أربع
صلوات أولها المغرب ليلته وآخرها صلاة العيد وفى الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة إن كان بمنى ناسكا أوله أي أول
العدد ظهر العيد وآخره صلاة الفجر يوم الثالث عشر وفى غيرها أي غير منى عقيب عشر صلوات والقول باستحباب التكبير
هو المشهور بين الأصحاب لرواية سعد النقاش عن أبي عبد الله عليه السلام أما أن في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون قال قلت
وأين هو قال في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفى صلاة الفجر وصلاة العيد وإذا ثبت الاستحباب في الفطر ثبت
في الأضحى لعدم القائل بالفرق وذهب المرتضى إلى وجوب التكبير فيهما محتجا بالاجماع وبقوله تعالى ولتكبروا الله على
ما هديكم واذكروا الله في أيام معدودات والامر للوجوب والاجماع ممنوع والامر قد يرد للندب ويتعين حمله عليه هنا
جمعا بينه وبين ما دل على الاستحباب ولضعف القول بالوجوب وندوره واختلف في كيفيته والمشهور الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا ويزاد في الأضحى بعد قوله على ما أولانا و
رزقنا من بهيمة الأنعام وقيل يكبر في أوله ثلثا وبعد لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد وروى غير ذلك والكل حسن
ويستحب رفع الصوت به لغير المرأة والخنثى لان فيه إظهارا لشعائر الاسلام ويستوى فيه الذكر والأنثى والحر والعبد و
الحاضر والمسافر والمنفرد والجامع ومن هو في بلد صغير أو كبير لعموم الاخبار ولو فاتت صلاة يذكر بعدها فقضاها
كبر عقيبها وإن خرجت أيام التشريق ولو نسي التكبير خاصة أتى به حيث ذكر ويكره التنفل بعدها إلى الزوال وقبلها
للامام والمأموم لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ليس قبلها ولا بعدها صلاة ذلك اليوم إلى الزوال إلا بمسجد
النبي صلى الله عليه وآله فإنه يصلى ركعتين فيه قبل خروجه لقول الصادق عليه السلام ركعتان من السنة ليس تصليان
في موضع إلا بالمدينة يصلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله في العيد قبل أن يخرج إلى المصلى ليس ذلك إلا بالمدينة
لان رسول الله صلى الله عليه وآله فعله والمراد أن من كان بالمدينة يستحب له أن يقصد المسجد قبل خروجه فيصلى
فيه ركعتين ثم يخرج إلى المصلى وفى تأدى ذلك من أكثر العبارات خفاء ولو أقيمت الصلاة في مسجد لعذر استحبت صلاة
التحية فيه أيضا لأنه موضع ذلك قال في التذكرة صلى وإن كان الامام يخطب ولا يصلى العيد لأنه إنما من له الاشتغال مع
الامام بما أدرك لا قضاء ما فاته
المقصد الرابع في صلاة الكسوف وفى نسبتها إلى الكسوف مع كونه
بعض أسبابها تغليب وتجوز ولو عنونها بصلاة الآيات كما صنع الشهيد رحمه الله كان أجود تجب عند كسوف الشمس و
القمر ويقال خسوف القمر أيضا وقد يطلق على الشمس أيضا الخسوف وقد ذكر جماعة من أهل اللغة الفعل المسند إليهما بغير همز
يقال كسفت الشمس وخسف القمر ولا يقال انكسفت وفى الاخبار توجد الصيغتان والثانية أكثر ووجوب الصلاة بكسوف
الكوكبين مذهب الأصحاب أجمع لقول النبي صلى الله عليه وآله إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده
لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا والامر للوجوب وروى جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال صلاة
302

الكسوف فريضة وتجب أيضا عند الزلزلة وهي رجفة الأرض على ما ذكره في الصحاح وقد توجد مع الزلزلة تأكيدا كما روى
عن أحدهما عليهما السلام إن صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات وعلى
وجوب الزلزلة معظم الأصحاب ولم يتعرض لها أبو الصلاح والآيات المخوفة وكان ينبغي تأخر ذكرها عما عده
فإن الجميع
آيات فيقول وباقي الآيات والريح المظلمة وباقي أخاويف السماء ووجه الوجوب في الجميع صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا
قلنا لأبي جعفر عليه السلام هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلى لها فقال كل أخاويف السماء من ظلمة وريح أو فراغ
فصل له صلاة الكسوف حتى تسكن والامر للوجوب قال الصدوق إنما يجب الفزع إلى المساجد والصلاة لأنه آية تشبه آيات
الساعة فأمر أن تتذكر القيمة عند مشاهدتها بالتوبة والإنابة والفزع إلى المساجد التي هي بيوته في الأرض و
المستجير بها محفوظ في ذمة الله تعالى فيجب لجميع هذه الأسباب صلاة ركعتين في كل ركعة خمس ركوعات وكيفيتها أن
يكبر للاحرام ثم يقرأ الحمد وسورة إن شاء ثم يركع ثم يقوم فيقرأ الحمد وسورة ثم يركع يفعل هكذا خمسا ثم يسجد بعد القيام
من الركوع الخامس سجدتين ثم يقوم فيصلى الركعة الثانية كذلك ويتشهد ويسلم وهذه أفضل كيفياتها ويجوز أن
يقرأ في كل قيام بعض السورة فيقوم من الركوع يتمها إن شاء من غير أن يقرأ الحمد وإن شاء لم يتمها في قيامه الثاني بل
يبعض في الجميع ووزع السورة على الركعات الخمس الأول بحيث يتمها في القيام الخامس وكذا السورة في الركعة الثانية و
مستند هذا التفصيل رواية زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر والصادق عليهما السلام تبدأ فتكبر لافتتاح الصلاة
ثم تقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الثانية ثم ترفع رأسك
فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الثالثة ثم ترفع رأسك فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الرابعة ثم ترفع رأسك فتقرأ أم الكتاب وسورة
ثم تركع الخامسة فإذا رفعت رأسك قلت سمع الله لمن حمده ثم تخر ساجدا سجدتين ثم تقوم فتصنع كما صنعت في الأولى
قلت وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس يفرقها بينها فقال أجزأته أم القرآن في أول مرة وإن قرأ خمس سور فمع كل سورة أم
القرآن وبقي هنا صور أخرى متشعبة من الكيفيتين وهي جواز التبعيض في بعض القيام والاكمال في بعض بحيث يتم له
في الخمس سورة فصاعدا ولا يجب اكمالها في الخامس إن كان قد أكمل سورة قبل ذلك في الركعة ومتى أكمل سورة وجب عليه إعادة
الحمد في القيام الذي بعده ولا يجزى في التبعيض الاقتصار على أقل من آية وحينئذ فيجزى الاخلاص في الخمس لأنها خمس آيات
ومتى ركع عن بعض سورة تخير في القيام بين القراءة من موضع القطع ومن غيره من السورة متقدما ومتأخرا ومن غيرها وتجب الحمد فيما عدا الأول مع احتمال عدم الوجوب في الجميع ويجب مراعاة السورة في الخمس كما مر ولو سجد عن بعض سورة كما
لو كان قد أكمل غيرها قبل ذلك وجب إعادة الحمد ثم له البناء على ما مضى والشروع في غيرها فإن بنى وجب عليه سورة أخرى
في باقي القيام أو بعضه ووقتها أي وقت هذه الصلاة من حين ابتداء الكسوف إن كان سببها الكسوف إلى ابتداء الانجلاء
عند الأكثر لرواية حماد بن عثمان عن الصادق عليه السلام قال ذكروا انكساف الشمس وما يلقى الناس من شدته فقال إذا
انجلى منه شئ فقد انجلى وذهب المحقق والشهيد رحمه الله إلى امتداد الوقت إلى تمام الانجلاء لما روى عن النبي صلى الله عليه وآله
إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى والصلاة حتى ينجلي ولأن كسوف البعض في الابتداء سبب في الوجوب فكذا في
الاستدامة ولقول الصادق عليه السلام في رواية معوية بن عمار إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد ولو كان الوقت قد خرج
لم تشرع الإعادة ولأن وقت الخوف ممتد فيمتد وقت الصلاة لاستدفاعه وأجاب المحقق عن الخبر باحتمال أن يريد تساوى
الحالين في زوال الشدة لا بيان الوقت وتظهر الفائدة فيما لو جعل وقتا فإنه يشترط مساواته للصلاة أو زيادته عنها
303

فلو قصر عنها سقطت لاستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها إلا إذا أريد القضاء وفيما لو أدرك ركعة من الوقت
بعد أن مضى منه ما يسع الصلاة مع ما بقي فإنه يجب الشروع فيها لا أقل من ذلك وكذا الرياح والأخاويف غير الزلزلة
يشترط مساواة زمانها للصلاة فلو قصر عنها لم تجب عند الأكثر لما مر ولا فرق في ذلك بين كونه بقدر ركعة أو أقل ولا بين
من شرع في الابتداء فخرج الوقت وقد أكمل ركعة وبين من لم يشرع لاستحالة كون الوقت قاصرا عن الفعل إذا لم يرد القضاء
واحتمل المصنف وجوب الاكمال على من شرع كذلك لعموم من أدرك ركعة من الوقت وللنهي عن قطع العمل ولافتتاح الصلاة
بالمعية وهي على ما افتتحت عليه بخلاف من لم يتلبس وأورد على دلالة الحديث بأن المراد بالركعة من آخر الوقت والتقدير
أنه شرع في ابتداء الوقت فهو كالمعذور في ابتداء الوقت فإنه لا يكتفى بركعة قطعا وأجيب بأنه يصدق عليه أيضا أنه آخر الوقت
بحسب هذا السبب بخلاف مسألة المعذور فإن التقدير بقاء الوقت والتحقيق إن هذا التوجيه ساقط والاحتجاج بالخبر
غير متوجه إذ لا إشعار في الحديث بقيد الاخر فإن قيل يشعر به قوله أدرك فإن الادراك لغة اللحوق وهو يشعر بالسبق
كما تقول أدركت الصبي ونحوه إذا سبقك ثم لحقته وهو السر في الاكتفاء بركعة من آخر الوقت دون أوله قلنا
كما يطلق الادراك على ذلك يطلق على مطلق الحصول كما يقال أدركت حاجتي إذا حصلتها وإن لم تكن قد ذهبت قال
في الصحاح بعد نقله الادراك بمعنى اللحوق ويقال عشت حتى أدركت زمانه وهذا المثال صريح في ذلك فإنه لأمر من المذكور
لاحق قد أدرك أوله سابق وعلى هذا يكون الادراك في الحديث أعم من الأصول والاخر فإن قيل ثبت ذلك بالاجماع
على أن من أدرك من أول الوقت ركعة ولحقه العذر المسقط إلى آخر الوقت لا يجب عليه القضاء قلنا فيصير عاما مخصوصا
بموضع الاجماع الذي ادعيتموه وهو حجة في الباقي وإنما كان الاحتجاج بالخبر غير متوجه لان من في قوله صلى الله
عليه وآله من الوقت تبعيضية إذ لا يتوجه سواه من معانيها وهو يفيد زيادة الوقت عن الركعة فلا يصح الاستدلال
بالخبر على المسألة المفروضة إذ لا زيادة في الوقت عن الركعة ويؤيد إرادة التبعيض أنه الغالب في الصلاة الواجبة
كاليومية والجمعة والعيد ونحوها وقيل لا يشترط في غير الكسوفين سعة وقتها بما يسع الصلاة كالزلزلة عند جميع الأصحاب
لمساواتها لها في القصور غالبا وهو اختيار الشهيد في الدروس في الحقيقة ليس في الاخبار زيادة على كون هذه الأخاويف
سببا للوجوب ومن ثم بالغ بعضهم فاحتمل في الكسوفين ذلك أيضا وأومأ إليه في المعتبر فعلى هذا تكون أداء دائما
وإن وجبت الفورية بها ولو تركها أي الصلاة لهذه الأخاويف غير الزلزلة عمدا أو نسيانا حتى خرج الوقت قضاها
واجبا لعموم روايات وجوب قضاء الصلوات كقوله صلى الله عليه وآله من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها ولقول
الباقر عليه السلام في رواية زرارة إن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصل فعليك قضاؤها
قيل وهو يدل على القضاء مع العمد بطريق أولى لأنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ولا فرق هنا في الكسوف
بين احتراق الكل والبعض للعموم وللشيخ قول بعدم وجوب القضاء مع النسيان مع عدم الايعاب وأطلق المرتضى عدم
القضاء باحتراق البعض والوجوب لو احترق الجميع أما لو جهلها حتى خرج وقتها فلا قضاء لامتناع تكليف الغافل
ولعدم القضاء في الكسوف للنص كما سيأتي في قوله إلا في الكسوف بشرط احتراق القرص أجمع لرواية زرارة ومحمد بن مسلم
عن الصادق عليه السلام قال إذا كسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم ثم علمت بعد ذلك فعليك القضاء وإن لم تحترق
كلها فليس عليك قضاء ويحتمل وجوب القضاء على الجاهل في غير الكسوف لوجود السبب والجهل به ليس عذرا وعموم من
فاتته فريضة فليقضها ولكن لا نعلم به قائلا صريحا إلا أن بعض الأصحاب ذهب إلى وجوب القضاء على جاهل الكسوف
304

وإن لم يستوعب الاحتراق مع وجود النص بخلافه ولم يتعرض لغيره من الآيات فيمكن أن يدخل في الحكم بطريق أولى لخلوتها
من نص خاص
ووقت صلاة الزلزلة مدة العمر ويلزمه أنه يجوز أن يصليها أداء وإن سكنت ولا يشترط فيها سعة وقتها
للصلاة بل مجرد وجودها سبب للوجوب وشك فيه المصنف لمنافاته للقواعد الأصولية من امتناع التكليف بفعل في زمان
لا يسعه وجمع بعضهم بين القاعدة وكون وقتها العمر وتكون فيه أداء بوجوب الفورية جمعا بين حق التاقيت واعتبار
سعته للفعل وما ذكرناه من جعل الزلزلة سببا لا وقتا يدفع الاشكال وليس في كلامهم ولا في النصوص ما يدل على
كونها وقتا إلا على هذا الاحتمال نعم قال في الذكرى الظاهر وجوب الامر هنا على الفور مع حكمه بالأداء وإن أخل
بالفورية لعذر وغيره ولا ريب أنه أحوط ولكن لا دليل عليه عند من لم يقل إن الامر يقتضى الفور ويستحب في صلاة
الآيات الجماعة سواء كانت كسوفا أم غيره وسواء أوعب الاحتراق أم لم يوعب لعموم قول الصادق عليه السلام في رواية
ابن أبي يعفور إذا انكسفت الشمس والقمر فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلى بهم وشرط الصدوقان في فضل الجماعة
احتراق جميع القرص لقوله عليه السلام في هذه الرواية وأيهما كسف بعضه فإنه يجزى الرجل أن يصلى وحده ودلالتها
على أفضلية الفرادى ممنوعة فإنها إنما تدل على إجزاء صلاته وحده لا على استحبابها ولا نزاع فيه وغايته أن
استحباب الجماعة لا تتأكد هنا تأكده مع الايعاب والإطالة للصلاة بقدره أي بقدر السبب أو الكسوف بقرينة قوله
بعد والإعادة لو لم ينجل ويدل على استحباب الإطالة ما رواه عبد الله بن القداح عن الصادق عليه السلام عن
آبائه قال انكسفت الشمس في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى بالناس ركعتين وطول حتى غشي على بعض القوم
ممن كان وراءه من طول القيام وعلى استحباب الإعادة قول الصادق عليه السلام في صحيحة معوية بن عمار إذا فرغت قبل
أن ينجلي فأعد وأوجب جماعة الإعادة لهذا الخبر فإن الامر يقتضى الوجوب ويعارض بصحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن الباقر
عليه السلام فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي فإنه صريح في جواز ترك الصلاة فيحمل الأول على الندب
توفيقا بينهما ولا منافاة بين استحباب القعود والدعاء المدلول عليه بهذا الحديث وبين استحباب معادة كما
دل عليه الأول لامكان رجوعهما إلى الاستحباب المخير كما يدخل التخيير الواجب ومثله استحباب الدعاء وقراءة القرآن و
الصلاة والذكر في وقت واحد فأيها فعل المكلف كان مستحبا وقراءة السور الطوال كالأنبياء والكهف إذا علم أو ظن
سعة الوقت ومساواة الركوع والسجود للقراءة روى ذلك كله من فعل النبي صلى الله عليه وآله والتكبير عند الركوع
كما يكبر الاخذ في الركوع ولا يسمع لعدم كونه ركوعا حقيقيا إذ المفهوم منه ما أعقبه السجود إلا هي الخامس والعاشر
فيقول سمع الله لمن حمد لتحقق الرفع من الركوع بعدهما وروى ذلك محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام والقنوت
خمسا على كل ثانية رواه محمد بن مسلم وزرارة عن الامامين عليه السلام وفى ذلك إشارة إلى كون الركعات عشرا
وفى التسميع دلالة على كونها ركعتين فلها اعتبارات ويتخير المكلف لو اتفق مع الحاضرة أحد الآيات في تقديم أيهما
شاء مع اتساع وقتهما وعليه الأكثر كما نقله في المعتبر لأنهما فرضان اجتمعا متسعان فيتخير وذهب جماعة إلى
تقديم الحاضرة
مطلقا وآخرون الكسوف وإنما يتخير ما لم يتضيق وقت الحاضرة فيتعين وقت الحاضرة فيتعين تقديمها سواء تضيق وقت الأخرى أم لا لان
الحاضرة ذات الوقت بالأصالة وحينئذ إن فرغ من الحاضرة ولما يخرج وقت الكسوف أتى بها فيه وإن خرج وقتها فإن
كان قد فرط في فعل الحاضرة قبل ذلك وجب قضاء الكسوف وإن كان التأخير لعذر لا يمكن معه فعلها مع وجوبها عليه
فالظاهر أنه كذلك وإن كان العذر غير مصاحب للوجوب كالحيض والصغر والجنون ففي وجوب قضاء الكسوف وجهان
305

من عدم التفريط وعدم سعة الوقت الذي هو شرط التكليف ومن سعته في نفسه وإنما المانع الشرعي منع من الفعل فيه و
عدم القضاء هنا أوجه وهل يكفي في الوجوب هنا إدراك ركعة بعد الحاضرة أم لا بد من إدراك ما يسع جميع الصلاة يحتمل
الأول لعموم من أدرك من الوقت ركعة وعدمه لان المدرك هو مجموع الوقت فلا بد من سعته لجميع الصلاة والوجهان
إتيان فيما لو كان مجموع زمان الكسوف بقدر ركعة إلا أن الوجوب هنا ضعيف لقصور مجموع ما يعقل من الوقت عن الفريضة
ولو تبين ضيق وقت الحاضرة بعد إن شرع في الآيات قطعها وصلى الحاضرة ثم صلى الآيات من أولها وقيل يبنى على
ما مضى استنادا إلى روايات صحيحة إلا أن دلالتها على البناء غير صريحة والمنافي حاصل فالاستيناف متجه وتقدم
صلاة الآيات على النافلة وإن اتسع وقت الفريضة وخرج وقت النافلة لان مراعاة الفرض أولى من النفل ورواه
أيضا محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام في مجامعتها لصلاة الليل
المقصد الخامس في الصلاة على الأموات
تجب على الكفاية كباقي أحكام الميت الصلاة على كل ميت مسلم واحترز بالمسلم عن الكافر فلا يصلى عليه لقوله تعالى
ولا تصل على أحد منهم مات أبدا نعم لو اشتبه المسلم بالكافر صلى على الجميع بنية الصلاة على المسلم لتوقف الواجب عليه
ولو وجد ميت لا يعلم إسلامه الحق بالدار قال في الذكرى إلا أن يغلب الظن على إسلامه في دار الكفر لقوة العلامة
فيصلى عليه ونفى في المعتبر التعويل على العلامة محتجا بأنه لا علامة إلا وشارك فيها بعض أهل الكفر والصلاة على ولد
الزنا تابعة لاسلامه ويشكل الصلاة عليه لو مات قبل البلوغ لعدم إلحاقه بأحد الأبوين ويمكن تبعية الاسلام هنا
للغة كالتحريم وخرج أيضا الأبعاض إذ لا يطلق عليها اسم الميت المسلم فلا يصلي عليها إلا الصدر والقلب وعظام الميت
لخبر أكيل السبع وقد مر ذلك في باب الغسل ويشترط العلم بموت صاحبها وهل ينوى الصلاة على البعض الموجود أم
على الجملة ظاهر المذهب الأول لعدم الصلاة على الغائب عندنا وعلى هذا فتجب الصلاة على الباقي لو وجد والمراد
بالمسلم من أظهر الشهادتين ولم يجحد ما علم ثبوته من الدين ضرورة فيخرج الكافر الأصلي والمرتد والذمية الحامل
من مسلم ومن فرق المسلمين الخارج والناصب والمجسم والغالي وغيرهم ممن خرج عن الاسلام بفعل أو قول فلا يصلى
على أحد منهم ويدخل في العبارة المخالف من غير هذه الفرق فتجب الصلاة عليه عنده ومنعه جمع من الأصحاب لغير تقية
فيلعنه حينئذ ولم يذكر المصنف كيفية الصلاة عليه إن لم يدخل في المنافق نعم جوز بعضهم الانصراف بالرابعة إلزاما
له بمعتقده فعلى هذا لا يجب لعنه وذكروا في باب الغسل إن المؤمن عند الاضطرار إلى تغسيله يغسل غسله وينبغي
في الصلاة ذلك أيضا ويلحق بالمسلم من هو بحكمه ممن بلغ أي أكمل ست سنين من طفل أو مجنون أو لقيط دار الاسلام
أو دار الكفر وفيها مسلم صالح للاستيلاء تغليبا للاسلام ذكرا كان الملحق بالمسلم أو أنثى حرا كان أو عبد أو
تقييد الوجوب بالست هو المشهور ورواه زرارة في الحسن عن الصادق عليه السلام قلت متى تجب الصلاة عليه قال إذا
كان ابن ست سنين وشرط ابن أبي عقيل في الوجوب البلوغ واكتفى ابن الجنيد بالاستهلال وهو الولادة حيا
يقال استهل الصبي إذا صاح عند الولادة والعمل على المشهور وتستحب على من لم يبلغها أي الست بأن لا يكملها وإن
دخل في السادسة مع ولادته حيا لقول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد الله بن سنان لا تصل على المنفوس وهو
المولود الذي لم يستهل وإذا استهل فصل عليه ومنع بعض الأصحاب من الصلاة على الطفل إلى أن يعقل والخبر حجة
عليه وكيفيتها أن ينوى الصلاة المعينة لوجوبها أو ندبها تقربا إلى الله تعالى لأنها عبادة فيجب فيها ذلك ولا
يجب التعرض للأداء والقضاء لعدم مقتضاهما ولا تعيين الميت ومعرفته لكن يجب القصد إلى معين مع تعدده واكتفى
306

في الذكرى بنية منوى الامام لو تبرع بالتعيين فأخطأ قرب في الذكرى البطلان لخلو الواقع عن نية ويتوجه
ذلك مع عدم ضم الإشارة إلى التعيين بأن قصد الصلاة على فلان أما لو قصدها على هذا فلان قوى تغليب الإشارة
ويجب استدامة النية حكما وعلى المأموم نية القدرة كغيره ويكبر تكبيرة الاحرام مقارنة للنية ثم يتشهد عقيبها الشهادتين
ثم يكبر ثانية ويصلى على النبي وآله صلى الله عليهم ثم يكبر ثالثة ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ثم يكبر رابعة ويدعو للميت إن
كان مؤمنا وعليه أن كان منافقا قيل وهو هنا الناصب كما يشهد به بعض العبارات والروايات كرواية عمار (عامر خ ل) بن الشمط عن
الصادق عليه السلام إن منافقا مات فخرج الحسين عليه السلام فقال مولى له أفر من جنازته قال قم عن يميني فما سمعتني
أقول فقل مثله فلما إن كبر عليه وليه قال الحسين عليه السلام الله أكبر اللهم العن عبدك ألف لعنة موتلفة غير مختلفة اللهم اخز
عبدك في عبادك وبلادك واصله حر نارك وأذقه أشد عذابك فإنه كان يتولى أعدائك ويعادي أوليائك ويبغض
أهل بيت نبيك ونحوه وروى صفوان الجمال عن الصادق عليه السلام إلا أنه قال فرفع يده يعنى الحسين عليه السلام وقال
إلخ فدل قوله عليه السلام ويبغض أهل بيت نبيك على أنه ناصبي واختاره في الذكرى ويحتمل أن يريد به مطلق المخالف
للحق وهو اختيار الدروس ويشهد له من الاخبار خبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام إن كان جاحدا للحق
فقل اللهم أملا جوفه نارا وقبره نارا وسلط عليه الحيات والعقارب ولا منافاة بين الاخبار لاشتراكها في الدعاء
على المخالف وتأكيده على الناصب وهو الظاهر وظاهر العبارة كون الدعاء على هذا القسم واجبا ويؤيده وروده في
الاخبار في كيفية الواجب وفى الذكرى الظاهر إن الدعاء على هذا القسم غير واجب لان التكبير عليه أربع وبها يخرج من الصلاة
وسيأتي ما يدل عليه من الاخبار ويدعو عقيب الرابعة بدعاء المستضعفين إن كان الميت منهم والمراد بالمستضعف على
ما فسره في الذكرى من لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ولا يوالي أحدا بعينه وحكى عن الغرية أنه يعرف بالولاء ويتوقف
عن البراء وقال ابن إدريس هو من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم والكل متقارب
ودعاء المستضعفين على ما رواه الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام وإن كان منافقا مستضعفا فكبر وقل اللهم
اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم وفى هذا الخبر دلالة على أن المنافق هو المخالف مطلقا لوصفه له
بكونه قد يكون مستضعفا فكيف يختص بالناصب وعلى أن المستضعف لا بد أن يكون مخالفا فيقرب حينئذ تفسير ابن إدريس كما
سقط قول بعضهم إن المراد به من لا يعرف دلائل اعتقاد الحق وإن اعتقده فإن الظاهر كون هذا القسم مؤمنا وإن لم
يعرف الدليل التفصيلي وإن يحشره مع من يتولاه إن جهله بأن لا يعلم إيمانه ولا ضده كالغريب الذي لا يعرف والظاهر
إن معرفة بلده التي يعلم إيمان أهلها أجمع كاف في إلحاقه بهم ودعاء المجهول ما رواه أبو المقدام قال سمعت أبا جعفر عليه
السلام يقول على جنازة لقوم من جيرته اللهم إنك خلقت هذه النفوس وأنت تميتها وأنت تحييها وأنت أعلم بسرائرها
وعلانيتها منا ومستقرها ومستودعها اللهم وهذا عبدك ولا أعلم منه شرا وأنت أعلم به وقد جئناك شافعين له
بعد موته فإن كان مستوجبا فشفعنا فيه واحشره مع من كان يتولاه وروى الحلبي عن الصادق عليه السلام في المجهول
اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه وأن يجعله له ولأبويه فرطا إن كان طفلا رواه زيد
بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا قال في الصحاح الفرط بالتحريك الذي
يتقدم الواردة فيهيئ لهم الأرسان والدلاء ويمدر الحياض ويستقى لهم وهو فعل بمعنى فاعل مثل تبع بمعنى تابع
وفى الحديث أنا فرطكم على الحوض ومنه قيل للطفل الميت اللهم اجعله فرطا أي أجرا يتقدمنا حتى نرد عليه وفى الشرائع
307

نسئل الله أن يجعله مصلحا لحال أبيه شافعا فيه والظاهر إن المراد بالطفل هنا من دون البلوغ إذ لا يحتاج
من كان كذلك إلى الدعاء له وليس في الدعاء قسم آخر غير ما ذكر فرع لو كان أبوا الطفل كافرين
كالمسبي إن قلنا بتبعيته في الاسلام قال في دعائه اللهم اجلعه لنا فرطا إذ لا أجر لوالديه حينئذ ولو كان أحدهما مسلما ذكره
وفى الدعاء لأبوي لقيط دار الكفر مع الحكم بإسلامه نظر أقربه ذلك وغاية لحرمة الاسلام التي باعتبارها ألحق به والامر في ذلك
سهل لكونه غير واجب فلو تركه واقتصر على المتيقن جاز ثم يكبر الخامسة وينصرف وقد اتفق الأصحاب على كون التكبيرات
خمسا ورواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله في صحاحهم عن زيد بن أرقم أنه كبر على جنازة خمسا وقال كان رسول
الله صلى الله عليه وآله يكبرها ولفظه كان يشعر بالدوام ورووا أيضا أربع وعملوا بها مخالفة لنا على ما صرح
به بعضهم والاخبار من طرقنا متظافرة بالخمس وفى بعضها التعليل بأخذ تكبيرة من كل صلاة من الخمس نعم روى هشام
بن سالم عن الصادق عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبر على قوم خمسا وعلى قوم أربعا فإذا كبر
على رجل أربعا اتهم يعنى بالنفاق وروى إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام أما المؤمن فخمس تكبيرات و
أما المنافق فأربع قال في الذكرى وهذا جمع حسن بين ما رواه العامة لو كانوا يعقلون وأما توزيع الأذكار
عليها كما ذكر فهو المشهور ونقل الشيخ فيه الاجماع وورد في بعض الاخبار وفى بعضها جمع الأدعية عقيب كل تكبيرة
قال المصنف في المختلف الكل جائز ولا يتعين في ذلك لفظ بعينه سوى الشهادتين والصلاة وإن كان المنقول أفضل
ولو كان الميت أنثى ألحقها علامة التأنيث فيقول اللهم أمتك بنت أمتك إلخ ويتخير في الخنثى وهذه التكبيرات
أركان فتبطل الصلاة بزيادة شئ منها ونقصانه على وجه لا يمكن تداركه بأن يتخلل فعل كثير أو زمان طويل
واستقرب في الذكرى عدم البطلان بزيادته فإنه ذكر حسن في نفسه ثم احتمل البطلان معللا بزيادة الركن وقال
بعد ذلك لو زاد في التكبير متعمدا لم تبطل لأنه خرج بالخامسة من الصلاة فكانت زيادة خارجة من الصلاة ثم إن اعتقد
شرعيته فهو أثم وإلا فلا قال ولو زاد في الأثناء معتقدا شرعيته أثم أيضا والأقرب عدم البطلان ويشكل ذلك كله
مع اعترافه بكونه ركنا فإن زيادة الركن لا يمنع البطلان بها كونها ذكرا لله كزيادة تكبيرة الاحرام في اليومية عنده
وعند غيره نعم عدم البطلان بزيادته بعد الخامسة متجه فأركان هذه الصلاة حينئذ سبعة بإضافة القيام والنية إلى
التكبيرات الخمس
ويجب استقبال القبلة من المصلى وبالميت بجعل رجليه إلى يسار المصلى وجعل رأس الجنازة إلى يمين
المصلى بحيث لو اضطجع على يمينه كان مستقبلا بوجهه كحالة اللحد ويمكن تعلق وجوب الاستقبال في العبارة بالمصلى
لا غير للاكتفاء عن ذكر استقبال الجنازة بما ذكر من الكيفية أو يقال إن ذلك ليس استقبالا حقيقيا بل بيان كيفية
وضع الجنازة وقد ذكر والأمر سهل ومستند وجوب الاستقبال والكيفية التأسي بالنبي والأئمة عليهم السلام
وقال الصادق عليه السلام في خبر عمار وقد سئل عن ميت عليه فلما سلم الامام فإذا الميت مقلوب رجلاه إلى
موضع رأسه قال يسوى وتعاد الصلاة وإن كان قد حمل يدفن فإن كان قد دفن مضت الصلاة عليه لا يصلى عليه
وهو مدفون وإنما يجب الاستقبال مع الامكان فيسقط لو تعذر من المصلى والجنازة كالمصلوب الذي يتعذر إنزاله
لما روى عن الرضا عليه السلام إن جده صلى على عمه زيد رضي الله عنه مصلوبا ويجب فيها تقارب المصلى من الجنازة
فلا يجوز التباعد عنها بما يوجبه عرفا وفى الذكرى لا يجوز التباعد بمأتي ذراع وكذا القول في الارتفاع والانخفاض
وكون الامام وراء الجنازة بحيث تكون إمام موقفه ويغتفر ذلك في المأموم كما يغتفر التباعد مع كثرة الصفوف
308

ولا قراءة فيها واجبة ولا مندوبة إجماعا وهل تكره قال الشيخ نعم محتجا بالاجماع ويظهر من الذكرى العدم حيث لم يذكرها
أحد من الأصحاب فضلا عن الاجماع والاخبار مصرحة بنفيها وكذا الأصحاب ولو كانت مستحبة لما أعرضوا عنها والإباحة
فيها منفية لأنها عبادة والكلام إنما هو مع ضميمتها إلى ما يجب من الدعاء لا مع الاجتزاء بها وكذا لا استعاذة فيها ولا
دعاء استفتاح ولا تسليم أيضا واجبا ولا مندوبا بإجماع الأصحاب قال في الذكرى وظاهرهم عدم مشروعيته وما ورد
بإتيانه من الاخبار محمول على التقية لأنه مذهب العامة مع كونها ضعيفة ويستحب فيها الطهارة من الحدث لرواية
عبد الحميد بن سعد عن الكاظم عليه السلام يكون على طهر أحب إلى ولا يجب إجماعا فيجوز للجنب والحائض والمحدث لان الغرض
الدعاء وهي غير واجبة فيه ولقول الصادق عليه السلام وقد سئل عن فعلها على غير وضوء نعم إنما هو تكبير وتسبيح
وتمجيد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء وروى عنه عليه السلام جواز صلاة الحائض على الجنازة وهل
يشترط فيها الطهارة من الخبث تردد فيه في الذكرى لعدم وقوفه على نص وتجويز صلاة الحائض من غير تقييد يدل
على الجواز لعدم انفكاكها من دم الحيض وكذا تعليل الصادق عليه السلام أنه كالتسبيح في البيت والوقوف حتى
ترفع الجنازة ذكره الأصحاب ورووه عن الصادق عليه السلام عن أبيه إن عليا عليه السلام كان إذا صلى على جنازة لم
يبرح من مصلاها حتى يراها على أيدي الرجال وخصه في الذكرى بالامام تبعا لابن الجنيد ولا دلالة في الخبر عليه فيستحب
لكل مصل تأسيا به عليه السلام نعم لو فرض صلاة جميع الحاضرين استثنى منهم أقل ما يمكن به رفع الجنازة والصلاة
في المواضع المعتادة لذلك أما تبركا بها لكثرة من صلى فيها وأما لان السامع بموته يقصدها للصلاة عليه فيسهل
الامر ويكثر المصلون وهو أمر مطلوب لرجاء مجاب الدعوة فيهم وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله ما من مسلم يموت
فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه وعن الصادق عليه السلام إذا مات المؤمن
فحضر جنازة أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا قال الله تعالى قد أجزت شهاداتكم
وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون وتجوز صلاة الجنازة في المساجد مع عدم خوف التلويث للأصل ولإذن الصادق عليه السلام
في الصلاة على الميت في المسجد نعم يكره لما رواه أبو بكر بن يحيى العلوي عن الكاظم عليه السلام أنه منعه من ذلك
وأخرجه من المسجد ثم قال يا أبا بكر إن الجنائز لا يصلى عليها في المسجد وتحمل على الكراهة جمعا بين الخبرين واستثنى الأصحاب
من ذلك مسجد مكة قال في الذكرى ولعله لكونها مسجدا بأسرها كما في حق المعتكف وصلاة العيد وفيه نظر لان مسجدية
ما خرج عن المسجد الحرام منها ليس على حد المساجد لجواز تلويثه بالنجاسة واللبث فيه للجنب وغير ذلك بخلاف المسجد فالاشكال
فيه قائم حتى يثبت الحكم ووقوف الامام عند وسط الرجل وصدر المرأة لقول الصادق عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام
من صلى على امرأة فلا يقم في وسطها ويكون مما يلي صدرها وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه وقد تقدم ما يدلك على
أن المرأة تأنيث المرء وهو الرجل ففي تعدية الحكم إلى مطلق الأنثى فيتناول الصغيرة والكبيرة بل إلى الخنثى نظر من فقد
النص وكون ذلك مظنة الشهوة التي يؤمن بالتباعد عن محلها فيدخل فيه من كان في مظنتها أو جنسها ويجعل
الرجل مما يليه أي يلي الامام ثم العبد البالغ ثم الخنثى ثم المرأة ثم الصبي لو اتفقوا جميعا وأريد الصلاة عليهم دفعة
والمراد بالصبي هنا من له دون ست سنين لتكون الصلاة عليه مندوبة فيتأخر عمن تجب عليه أما لو كان سنه
أزيد جعل مما يلي الرجل وأطلق ابنا بابويه تقديم الصبي إلى الامام والشيخ في النهاية تأخيره كما هنا والتفصيل
أجود وينبغي مراعاة سنة الموقف في الذكر والأنثى عند الاجتماع فيجعل صدر المرأة محاذيا لوسط الرجل ليقف
309

الامام موقف الفضيلة فيهما ويشكل الصلاة الواحدة على هذا الجمع من جهة اجتماع من تجب عليه الصلاة ومن تستحب
لاختلاف الوجه واختار المصنف في التذكرة نية الوجهين معا بالتوزيع لعدم التنافي لاختلاف الاعتبارين واستشكله
الشهيد فإنه فعل واحد من مكلف واحد فكيف يقع على وجهين ومال إلى الاكتفاء بنية الوجوب وهو متجه تغليبا للجانب
الأقوى كمندوبات الصلاة وقد نصوا على نية دخول المضمضة والاستنشاق في نية الوضوء إن قدمها عليهما وافتقارهما
إلى نية خاصة إن أخرها عنهما إلى غسل الوجه ولا يلزم من عدم الاكتفاء بنية الوجوب في الندب استقلالا عدم الاكتفاء
بها تبعا ومثله لو اجتمع أسباب الوجوب والندب في الطهارة وقد ورد النص في الجميع على الاجتزاء بطهارة واحدة وصلاة
واحدة فلا مجال للتوقف إنما الكلام في النية ونزع النعلين في حال الصلاة لا بأس بالخف لقول الصادق عليه السلام
لا تصل على الجنازة بحذاء ولا بأس بالخف وفى المعتبر استحب الحفاء لقوله عليه السلام من أغبرت قدماه في
سبيل الله
حرمهما الله على النار ولأنه موضع اتعاظ فيناسب التذلل بالحفاء والظاهر أنه غير مناف لنفى البأس عن الخف لأنه
مستثنى من المكروه ولا يلزم منه الاستحباب الذي هو مبحث المحقق ورفع اليدين في كل تكبيرة أما تكبيرة الاحرام فموضع
وفاق وأما غيرها فقال في الذكرى إن الأكثر على نفيه وروى استحبابه في الكل عبد الرحمن العرزمي من فعل الصادق
عليه السلام وروى ويونس عن الرضا عليه السلام وقد قال له إن الناس يرفعون في الأولى لا غير فقال إرفع يدك في كل
تكبيرة وأما الدعاء للميت فلم يرد برفع اليدين حالته نص خاص وعمل الطايفة الآن عليه ويمكن الاستدلال له بفعل
الحسين عليه السلام في صلاته على المنافق فيشرع التأسي به لعدم الخصوصية وبعموم استحباب رفع اليدين حالة الدعاء
وأنه معه أقرب إلى الإجابة وإنما اختص دعاء الميت لأنه المقصود من الدعاء بالذات بخلاف الدعاء للمؤمنين فإنه المقصود
بالتبع فناسب ذلك الاهتمام بالرفع فيه لا غير ولا يصلى عليه إلا بعد غسله وتكفينه حيث يجبان فلو أخل حينئذ بالترتيب
أعاد ما يحصل معه الترتيب وفى الناسي نظر وجاهل الحكم عامد هذا مع الامكان وإلا قام التيمم مقام الغسل في اعتبار
ترتيب الصلاة عليه فإن تعذر سقط فإن فقد الكفن جعل في القبر بعد تغسيله وسترت عورته ثم صلى عليه هذا إذا
لم يمكن ستره بثوب ونحوه والصلاة عليه خارجا وإلا وجب مقدما على القبر ومقتضى إطلاق الستر وجوبه وإن لم يكن
ناظر ولو فاتت الصلاة عليه قبل دفنه صلى عليه على قبره يوما وليلة على المشهور فلا تشرع الصلاة عليه بعد ذلك و
ظاهر العبارة اختصاص الحكم بميت لم يصل عليه أصلا وأصحاب هذا القول عدوه أيضا إلى مصل فاته الصلاة عليه
وإن صلى عليه غيره وذهب بعض الأصحاب إلى تحديده بثلاثة أيام وآخرون إلى تحديده بتغير صورته واختار المصنف في المختلف
عدم التحديد لمن خصه بميت لم يصل عليه أما غيره فلا يجوز وفي البيان أطلق الحكم فيها ونفى التحديد وفي مذهب المختلف
جمع حسن بين الاخبار المختلفة في ذلك يحمل أخبار الصلاة عليه بعد الدفن على من لم يصل عليه وغيرها على من صلى
عليه وعلى هذا فالصلاة على من لم يصل عليه واجبة دائما لبقاء وقتها ويكره تكرار الصلاة على الجنازة مرتين و
الظاهر إن المراد من المصلى الواحد أو مع منافاة التعجيل هذا إذا لم يكن المصلى إماما يكرر الصلاة لقوم آخرين وإلا
فالظاهر عدم الكراهة أيضا فقد روى عليا عليه السلام كبر على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة كلما أدركه
الناس قالوا يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل فيضعه ويكبر حتى انتهى إلى قبره خمس مرات وللمصنف قول
باختصاص كراهة التكرار بالخوف على الميت أو مع منافاة التعجيل ولم يعتبر المصلى
وأولى الناس بها أولاهم بالميراث
لأنه أولى الأرحام وقول الصادق عليه السلام يصلى على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يجب والمراد بأولوية الأولى
310

بالميراث أنه أولى بها ممن لا يرث كالطبقة الثانية مع وجود واحد من الطبقة الأولى وأما الطبقة الواحدة في نفسها
فتفصيلها ما ذكره بقوله والأب أولى من الابن وإن كانا من طبقة واحدة لمزيد الاختصاص فيه بالنحو والشفقة
فيكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة وبهذا المعنى الذي فسرنا به الأولوية تسقط المنافاة بينها وبين ما يأتي من التفصيل
بأن الابن أكثر نصيبا من الأب والجد مساو للأخ لأنه مندفع بما ذكرناه والولد وإن نزل أولى من الجد وهو ظاهر
لكون الولد أولى بالإرث والجد للأب أولى من الأخ والأخ من الأبوين أولى ممن يتقرب بأحدهما والأخ للأب أولى
من الأخ للام والعم أولى من الخال وابن العم من ابن الخال والعم للأبوين أولى من العم لأحدهما كما إن العم للأب أولى
من العم للام وكذا القول في الخال والمعتق من ضامن الجريرة والضامن من الحاكم فإذا فقد الجميع فوليه الحاكم
ثم عدول المسلمين وهذا الترتيب بعضه مبين على أولوية الميراث وبعضه وهو أفراد الطبقة الواحدة على غيرها وهو أما
كثرة الحنو والشفقة كالأب بالنسبة إلى الابن أو التوليد كالجد بالنسبة إلى الأخ أو كثرة النصيب كالعم بالنسبة إلى
الخال والعمل بهذا الوضع هو المشهور والزوج مع وجوده أولى من كل أحد لقول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير الزوج
أحق بالصلاة على الزوجة مطلقا ولا فرق بين الدائم والمستمتع بها ولا بين الحرة والمملوكة لاطلاق النص فيكون
الزوج أولى من سيد المملوكة لو كانت لغيره والأقوى إن الزوجة ليست كذلك لعدم النص وذهب بعض الأصحاب
إلى مساواتها للزوج لشمول اسم الزوج لهما لغة كما قال الله تعالى وأصلحنا له زوجه ويضعف بأن ذلك إنما يتم
مع إطلاق ولاية الزوج والامر ليس كذلك بل آخر الخبر وهو قوله على الزوجة صريح في إرادة الذكر وظاهر العبارة
حصر الولاية فيمن ذكر فالموصى إليه بالصلاة من الميت لا ولاية له إلا أن يقدمه الولي للآية وذهب بعض الأصحاب
إلى تقديمه على الولي لثبوت وجوب الوفاء بالوصية ولأن الميت ربما أثر شخصا لعلمه بصلاحه فطمع في إجابة دعائه فلا ينبغي
منعه من ذلك وحرمانه ما أمله ولاشتهار ذلك من السلف فقد أوصى جماعة منهم إلى غير الولي ولم ينازعه أحد واختار
المصنف رحمه الله أولوية الوارث للآية والخبر وقربه في الذكرى من الأولياء المتعددين في طبقة واحدة أولى
من الأنثى فالأب أولى من الأم والأخ أولى من الجدة وكذا في كل مرتبة ولو كان الذكر ناقصا لصغر أو جنون ففي
انتقال الولاية إلى الأنثى من طبقته أم إلى وليه نظر من أنه في حكم المعدوم بالنسبة إلى الولاية ومن عموم الآية فليكن
الولاية له يتصرف فيها وليه ولو لم يكن في طبقة مكلف ففي انتقال الولاية إلى الأبعد أو إلى الوجهان واستقرب
في الذكرى الانتقال إلى الأنثى في المسألة الأولى وتوقف في الثانية ولو كان غائبا فالوجهان ويمكن سقوط
اعتباره مطلقا والحر أولى من العبد لانتفاء ولاية العبد بانتفاء إرثه ومعنى أولوية من ذكر توقف الجماعة على
تقدمه أو إذنه ويتعين الثاني إذا لم يكن أهلا للإمامة فلو لم يقدم أحدا ولم يتقدم مع أهليته سقط اعتباره
لان الجماعة أمر مهم المطلوب فلا تسقط بامتناعه من بالاذن بل يصلى الحاكم أو يأذن إن كان موجودا وإلا قدم عدول
المسلمين من يختارونه واعلم إن ظاهر الأصحاب إن أذن الولي إنما بتوقف عليها الجماعة لا أصل الصلاة لوجوبها
على الكفاية فلا يناط برأي أحد من المكلفين فلو صلوا فرادى بغير إذن أجزأ ويمكن إن يقال لا منافاة بين الولاية
وعدم المباشرة فإن المراد بها سلطنة في ذلك واستحقاقه لان يفعل بإذنه وإن لم يصلح للإمامة وقد
تقدم مثله في ولاية الذكر على الأنثى في التغسيل مع عدم إمكان مباشرته والأفقه من الأولياء المجتمعين في درجة
واحدة المتساوين فيما تقدم من المرجحات أولى ممن دونه وكذا لو أراد الولي تقديم غيره استحب له تقديمه و
311

القول بتقديم الأفقه خيرة المحقق في الشرائع لان القراءة هنا ساقطة وذهب الشيخ والمصنف في التذكرة والمحقق في
المعتبر إلى تقديم الأقرأ لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله يؤمكم أقراؤكم ولأن كثيرا من مرجحات القراءة معتبر في
الدعاء ولأن اعتبار سقوط القراءة يقتضى عدم ترجيح الأقرأ أصلا ولا يقولون به وهو مختار الأكثر وعليه العمل و
المراد بالأفقه الأعلم بفقه الصلاة وبالأقرأ إلا علم بمرجحات القراءة لفظا ومعنى ولم يذكر هنا غير الفقه من المرجحات
وزاد في غير هذا الكتاب تقديم الأقرأ بعد ذلك وعلى القول الاخر تقديم الأفقه ثم الأسن لما روى عنه صلى الله عليه وآله
إن الله لا يرد ذا الشيبة المسلم والمراد به إلا سن في الاسلام كما صرحوا به في باب الجماعة لا مطلق السن واقتصر الشيخ وجماعة
على تقديم الأسن وانتقلوا بعده إلى القرعة ودلائلهم على ذلك تقتضي اعتبار مرجحات الإمامة في اليومية إذ لا نص
على الخصوص هنا يقتضى تقديم الأقرأ والأفقه أو الأسن فلا وجه حينئذ لتخصيص هذه المرجحات الثلاثة فعلى هذا يقدم بعد
التساوي في السن الأسبق هجرة ثم الأصبح وجها أو ذكرا كما سيأتي إن شاء الله في باب
الجماعة والمراد بالهجرة في الأصل الخروج من دار الحرب إلى دار الاسلام وأما في زماننا فيحتمل كونها كذلك فإن لم يتفق
كانت كباقي الأوصاف المعدومة حملا للفظ على حقيقته وذكر الأصحاب لها في زماننا تفسيرات أخر أحسنها إن
المراد بها سكنى الأمصار لأنها تقابل سكنى البادية مجازا عن الهجرة الحقيقة لان الأمصار مظنة الاتصاف بشرايط الإمامة
واكتساب كمالات النفس بخلاف غيرها من البوادي والقرى التي يغلب على أهلها جفاء الطبع والبعد عن العلوم وكمالات
النفس وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله إن الجفاء والقسوة في الفدادين قال الهروي ناقلا عن أبي عمر والفدادين
مخففة وأحدها فدان مشدد وهي البقر التي يحرث بها وأهلها أهل جفاء لبعدهم من الأمصار فأراد أصحاب الفدادين
كما قال تعالى واسئل القرية وحكى فيه التشديد وهم الذين تعلوا أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم من أهل
القرى والبوادي يقال فد الرجل يفد إذا اشتد صوته وعن الشيخ يحيى بن سعيد هي في زماننا التقدم في التعلم قبل
الاخر وأما الصباحة فذكره الجماعة بعد التساوي فيما سبق وعللها المصنف في المختلف بالدلالة على عناية الله تعالى
بصاحبه وربما فسرت بالأحسن ذكرا بين الناس مجاز القول علي عليه السلام إنما يستدل على الصالحين بما يجرى الله
لهم على السنة عباده واعلم أنه يستفاد من قول المصنف أنه يقدم الأفقه ثم قوله ولو لم يكن الولي بالشرائط المجوزة للإمامة
استناب من يريد أن الأفقه مقدم وإن لم يكن عدلا ولا وجه له فإن هذه المرجحات إنما تظهر فائدتها في الامام ويمكن
على بعد النظر إلى كون رأيه في التقديم أتم وكذا القول في باقي المرجحات فلو كان أحد الأولياء أسن من الباقين ولم
يكن بصفة الإمامة توقفت على اذنه لا غير على ظاهر العبارة وكلام الجماعة لا ينافيه إلا أن الدليل الموجب لترتيب
هذه المرجحات لا يساعد عليه وليس لاحد التقدم بغير إذنه وإن لم يجمع أوصاف الإمامة لاختصاص حق التقدم به وإمام
الأصل عليه السلام أولى من كل أحد فلا يحتاج إلى إذن الولي لقول الصادق عليه السلام إذا حضر الامام الجنازة فهو
أحق الناس بالصلاة عليها والهاشمي أولى من غيره مع الشرائط المعتبرة في الإمامة وإنما يكون أولى إن قدمه الولي و
يستحب له تقديمه ذكره الجماعة بل أوجب تقديمه المفيد قال في الذكرى ولم أقف على مستنده واحتج للاستحباب بأن فيه
إكراما لرسول الله صلى الله عليه وآله ولقوله صلى الله عليه وآله قدموا قريشا ولا تقدموها وطعن فيه في الذكرى
بأنه غير مستثبت في رواياتنا وبأنه أعم من المدعى
ولو أمت المرأة النساء والعاري مثله وقف الامام منهما في وسط
الصف لا يبرز عنه أما العاري فللمحافظة على أن لا تبدو عورته لهم ويفهم من العبارة أنهم لا يجلسون (كاليومية على
312

أن الستر غير شرط في صلاة الجنازة كما صرح به المصنف لأنه دعاء وأما وقوف المرأة وسط النساء فلخبر زرارة عن الباقر
عليه السلام قلت له المرأة تؤم النساء قال لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن وغيرهم أي غير
النساء والعراة ولو ثنى الضمير كان أولى أي غير العاري والمرأة يتقدم وإن كان المؤتم واحدا بخلاف جماعة اليومية
لقول الصادق عليه السلام في الاثنين يقوم الامام وحده والاخر خلفه ولا يقوم إلى جنبه وتنفرد الحائض بصف لقول
الصادق عليه السلام في خبر محمد بن مسلم في الحائض تصلى على الجنازة قال نعم ولا تقف معهم تقف منفردة وانفرادها لكونها
حائضا يقتضى انفرادها عن النساء فتتأخر عنهن لو اجتمعن والنفساء كالحائض لمساواتها لها في جميع الأحكام إلا
ما
استثنى ولو فات المأموم بعض التكبيرات أتم ما بقي منها بعد فراغ الامام ولاء أي من غير دعاء لقول الصادق عليه السلام
فليقض ما بقي متابعا وبإطلاقها عمل المصنف هنا وقيده في غير الكتاب بخوف الفوات وإلا وجب الدعاء وهو أجود لعموم قول
النبي صلى الله عليه وآله ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ووجوب الاكمال بعد فراغ الامام ثابت وإن رفعت الجنازة
لقول الباقر عليه السلام يتم التكبير وهو يمشي معها وإذا لم يدرك التكبير كبر على القبر قال في الذكرى وهذا يشعر بالاشتغال
بالدعاء إذ لو وإلى لم يبلغ الحال إلى الدفن وهو حسن لكن يجب تقييده بما لو كان مشيهم لا يخرج عن سمت القبلة ولا
يفوت به شرط الصلاة من البعد وإلا تعين موالاة التكبير ويستحب للمأموم إعادة ما سبق به من التكبير على الامام ظانا
أو نسيانا ليدرك فضيلة الجماعة كما يرجع إليه في اليومية لو ركع أو رفع قبله ولا تنقطع بذلك القدوة ولو كان متعمدا
ففي الإعادة إشكال من إن التكبير ركن فزيادته كنقصانه ومن كونه ذكرا لله تعالى ولا ريب إن عدم العود هنا أولى
ولو حضرت جنازة في الأثناء فإن شاء قطع الصلاة على الأولى واستأنف صلاة واحدة عليهما أو أتم الصلاة على الأولى
واستأنف على الأخرى وهذا أفضل مع عدم الخوف على الثانية وجعله المصنف متعينا إذا كانت الثانية مندوبة وإنما
خير بين القطع والاتمام لان في كل واحدة تحصل الصلاة ولرواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام في قوم كبروا على
جنازة تكبيرة أو تكبيرتين ووضعت معها أخرى قال إن شاؤوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة وإن شاؤوا
رفعوا الأولى وأتموا التكبير على الأخيرة كل ذلك لا بأس به قال في الذكرى والرواية قاصرة عن إفادة المدعى إذ ظاهرها
إن ما بقي من التكبير على الأولى محسوب للجنازتين فإذا فرغ من تكبيرات الأولى تخيروا بين تركها بحالها حتى يكملوا التكبير على
الأخيرة وبين رفعها من مكانها والاتمام على الأخيرة وليس في هذا دلالة على إبطال الصلاة على الأولى بوجه هذا مع
تحريم قطع العبادة الواجبة نعم لو خيف على الجنائز قطعت الصلاة ثم استأنف عليهما لأنه قطع الضرورة انتهى وقد تحصل
من ذلك أن لا نص على القطع ظاهرا وبدونه يشكل فالأولى تركه بل إن لم يكن الاجماع على جوازه يتعين ثم إن لم يخف
على الثانية بترك الشروع في الصلاة عليها إلى الفراغ من الأولى فالأولى إفراد كل واحدة بصلاة كما لو حضرتا ابتداء وإلا
نوى الصلاة على الثانية بقلبه عند الفراغ من الذكر وإرادة التكبير وكبر ناويا بهما لهما معا ثم يختص كل واحدة بذكرها
ويشركهما في التكبير لاتحاده فيهما كما لو حضر ابتداء إلى أن يفرغ من الأولى فيكمل ما بقي من الثانية فلو حضرت الثانية
بعد التكبير الأول على الأولى والتشهد نوى عليها وكبر للافتتاح على الثانية ويكون ثاني الأولى ثم يتشهد للثانية
ويصلى على النبي صلى الله عليه وآله ويتخير في التقديم ثم يكبر مشتركا ويصلى على النبي وآله للثانية ويدعو للمؤمنين للأولى
وهكذا إلى أن يفرغ من الأولى فيدعو للميت الثاني ويكبر له سادسة بالنسبة إلى الأولى وهي خامسة ويمكن استفادة
ذلك من رواية علي بن جعفر ويمكن أن يريد بها إكمال الأولى والاستيناف على الثانية فدلالتها قاصرة على معين وقد
313

تأول الشيخ رواية جابر عن الباقر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كبر إحدى عشرة وسبعا وستا بالحمل على
حضور جنازة ثانية فيبتدى من حين انتهى خمسا وهكذا كما ذكرناه في التشريك والظاهر عدم الفرق هنا بين كون الأولى
واجبة والثانية مندوبة أو بالعكس أو مشتركين في الوجوب والندب وإنما يتجه الفرق على القول بالقطع كما حكيناه في
المصنف أولا ومتى اقتصر على صلاة واحدة لمتعدد واجتمعوا في الدعاء لهم في وقت واحد اقتصر على دعاء واحد مراعيا
تثنية الضمير وجمعه وتذكيره وتأنيثه ولو ذكر في المؤنث مؤلا بالميت صح بل هو أولى عند اجتماع ذكور وأناث ولو
اختلفوا في الدعاء كما لو كان فيهم طفل ومؤمن ومجهول مثلا دعا لكل ميت بما هو
وظيفته ويستحب للمشيع وهو
الماشي مع الجنازة إلى موضع الدفن أو الصلاة المشي وراء الجنازة لأنها متبوعة لا تابعة ولقول الصادق عليه السلام بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم خالفوا أهل الكتاب والصادق عليه السلام أخبر
بسنة النبي صلى الله عليه وآله وقوله من العامة وروى العامة عن علي عليه السلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول أن فضل الماشي خلف الجنازة على الماشي إمامها كفضل المكتوبة على التطوع أو مع أحد جانبيها لقول الباقر
عليه السلام في رواية سدير عنه من أحب أن يمشي مشى الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير ويكره تقدمها عندنا وحرمه
ابن أبي عقيل جنازة الناصبي وأوجب التأخر لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام بمنع المشي أمام جنازة المخالف
لاستقبال ملائكة العذاب إياه وفى المعتبر قطع بنفي الكراهة في التقدم وجعله مباحا واعلم أن الجنازة بالفتح
الميت أو بالكسر الميت وبالفتح السرير أو عكسه أو بالكسر السرير مع الميت ذكر الجميع في القاموس وفى الصحاح الجنازة
بالكسر الميت على السرير فإذا لم يكن عليه ميت فهو سرير ونعش وجعل الفتح من كلام العامة والتربيع وهو حمل الجنازة
من جوانبها الأربعة بأربعة رجال كيف اتفق وهو أولى من الحمل بين العمودين كما استحبه العامة قال الباقر عليه السلام
السنة أن يحمل السرير من جوانبه الأربعة وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع وقال عليه السلام من حمل جنازة من أربع
جوانبها غفر الله له أربعين كبيرة وقال الصادق عليه السلام لإسحاق بن عمار إذا حملت جوانب سرير الميت خرجت من الذنوب
كما ولدتك أمك وأفضل هيأته ما رواه العلا بن سيابة عن الصادق عليه السلام تبدء في حمل السرير بالحمل من الجانب الأيمن ثم تمر
عليه من خلفه إلى الجانب الاخر حتى ترجع إلى المقدم كذلك دوران الرحى عليه ومثله روى الفضل بن يونس عن الكاظم عليه السلام
إلا أنه صرح فيه بأن المبدء به أيمن السرير لا الميت وفى خبر علي بن يقطين حمل الجانب الأول بأيمن الحامل فتحرر من
ذلك إن أفضل هيأته أن يبدأ بمقدم السرير الأيمن وهو الذي يلي يسار الميت فيحمله بالكتف الأيمن ثم ينتقل إلى
مؤخر السرير الأيمن فيحمله أيضا بكتفه الأيمن ثم ينتقل إلى مؤخره الأيسر فيحمله بالكتف الأيسر ثم ينتقل إلى مقدمه
الأيسر فيحمله بكتفه الأيسر وهذا هو المشهور بين الأصحاب وكيفيته لا تخلو من إجمال في عباراتهم واشتباه ومحصلها
ما ذكرنا وممن صرح بهذه الهيئة المصنف في المنتهى والشيخ في المبسوط وكثير من الجماعة وعكس الدور في الخلاف فإنه قال
فيه يحمل ميامنه مقدم السرير الأيسر ثم يدور خلفه حتى يرجع إلى المقدم محتجا بخبر علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام
قال سمعته يقول السنة في حمل الجنازة أن تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن فتلزم الأيسر بكتفك الأيمن ثم تمر عليه
إلى الجانب الاخر وتدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير ثم تمر عليه إلى الجانب الرابع مما يلي يسارك ويمكن
رجوع الرواية إلى الأول بنوع من الاعتبار فإن اليمين واليسار من الأمور الإضافية فيقبل التعاكس خصوصا مع
كون أيمن الميت على أيسر السرير وبالعكس ويدل على ذلك دعواه إجماع الفرقة عليه مع أنه ذكر في النهاية والمبسوط
314

الأول وهذا هو الذي فهمه الراوندي شارح النهاية منه فإنه قال أن معناهما أعني النهاية والخلاف لا يتغير وبالجملة
فالاعتماد في الأفضلية على الأول وإن كانت السنة تتأدى بالجميع ويدل على الاجتزاء بالحمل كيف اتفق مكاتبة الحسين بن
سعيد عن الرضا عليه السلام يسئله عن سرير الميت أله جانب يبتدأ به في الحمل من جوانبه الأربعة أو ما شاء الرجل فكتب من
أيها شاء وعلى هذا اقتصر ابن الجنيد والاعلام للمؤمنين بموته ليتوفروا على تشييعه ليفوزوا بالأجر وليفوز بالمغفرة
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا يموت منكم أحد إلا أذنتموني وعن الصادق عليه السلام ينبغي لأولياء
الميت منكم أن يؤذنوا أخوان الميت يشهدون جنازته ويصلون عليه فيكتب لهم الاجر وللميت الاستغفار ويكتب هو
الاجر بما اكتسب لهم ولا كلام في أصل الاعلام لكن هل يشرع النداء قال في الخلاف لا أعرف فيه نصا وفى المعتبر والتذكرة
لا بأس به لما يتضمن من الفوائد وخلوه من منع شرعي والدعاء عند المشاهد للميت بما روى عن علي بن الحسين عليه السلام
أنه كان يقول إذا رأى جنازة الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم والمراد بالسواد الشخص زمن الناس عامتهم
والمحترم بالخاء المعجمة الهالك أو المستأصل ويجوز الحمل هنا على كل منهما فإن أريد الأول حمل على الجنس والمعنى الحمد لله
الذي لم يجعلني من الهالكين ولا تنافى بين هذا وبين حب لقاء الله لان المراد بذلك حال الاحتضار لما روى عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال من أحب لقاء الله أحب الله لقاه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقيل له صلى الله عليه وآله
إنا لنكره الموت فقال ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شئ أحب إليه مما أمامه
فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله فليس شئ أكره إليه مما أمامه كره لقاء الله وكره
الله لقاءه وبقية عمر المؤمن نفيسة لا ثمن لها كما ورد في الاخبار فحب البقاء للازدياد في الطاعة والاستعداد للآخرة
لا ينافيه حب لقاء الله بغير ذلك فكل من الموت والبقاء له وجه محبوبية ومكروهية أو نقول حب لقاء الله يقتضى كمال
الاستعداد وإنما يكون بالبقاء في دار التكليف فلا منافاة ويمكن أن يكون في هذا الدعاء إشارة إلى مقام التفويض
إلى الله والتوكل عليه وإسناد الأمور كلها إليه فإنه لما رأى الميت وعلم أن الله اختار موته وحياة الرأي رضى بفعل الله
وقضائه ففوض الامر إليه وحمد الله عليه فقال الحمد الله الذي أحياني فإنه اختار حياتي ولولا اختياره لأماتني فالحمد
لله على ذلك وهذا من أعلى درجات الموقنين كما نبه عليه الباقر عليه السلام حين اجتماعه بجابر بن عبد الله الأنصاري
في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وقد كف بصره وأنه عليه السلام أخبره عن حاله بأن محبوبه قضاء الله تعالى من موت
أو حياة أو عناء أو فقرا أو صحة أو مرض
خاتمة لاحكام الميت وهي دفنه وما يتقدم عليه ويتبعه من الاحكام
ينبغي على وجه الاستحباب وضع الجنازة عند قربها من القبر مما يلي رجل القبر بالإضافة إلى حالة وضع الميت فيه
فرجله ما كان محلا لرجل الميت لقول الصادق عليه السلام لا تفدحه بقبره ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلث
ودعه حتى يتأهب ومعنى فدحه انتقاله ذكره في الصحاح ووضعه عند رجل القبر ثابت للرجل دون المرأة ونقله بعد ذلك
إلى القبر في ثلث دفعات وإنزاله في الثالثة وسبق رأسه حالة الانزال على باقي بدنه قال المفيد كما سبق في الدنيا من
بطن أمه واقتصر ابن الجنيد في وضعه على مرة وهو خيرة المعتبر عملا بمدلول الرواية وتوضع المرأة مما يلي القبلة
وتنزل إلى القبر عرضا دفعة واحدة لقول الصادق عليه السلام إذا دخل الميت القبر إن كان رجلا يسل سلا والمرأة
تؤخذ عرضا لأنه استر والواجب دفنه أي الميت رجلا كان أم امرأة في حفيرة تستر رائحته وتحرسه عن هوام السباع
بحيث يعسر نبشها غالبا وهاتان الصفتان متلازمان في الغالب وقد تختلفان في بعض الترب فلا بد من مراعاتهما
315

لعدم حصول الغرض من الدفن بدون ذلك واحترز بالحفيرة عن دفنه في تابوت على وجه الأرض وأزج كذلك فإنه
لا يجزى مع إمكان الدفن في الأرض وإن حصل الوصفان لأنه مخالف لما ورد به الشرع من الحفر ولا فرق في التابوت
بين المكشوف والمغطى نعم لو دفن التابوت في الأرض جاز على كراهية وكذا لو تعذر الحفر لصلابة الأرض أو لحجرها ولم
يمكن نقله إلى غيرها ولو بأجرة مقدورة أجزأ البناء عليه والتابوت على وجه يحصل مع الوصفان ووجوب الدفن على الوجه
المذكور ثابت على الكفاية دون الأعيان كباقي أحكام الميت وقد مر تحقيقه في باب الغسل والواجب في حالة الدفن
إضجاعه على جانبه الأيمن في حالة كونه مستقبل القبلة بوجهه لفعل النبي صلى الله عليه وآله ودفنه كذلك وعليه الصحابة
والتابعون ومعظم الأصحاب وجعل ابن حمزة الاستقبال مستحبا للأصل ويدفعه ما سبق ويسقط الاستقبال عند
الاشتباه وعند تعذره كمن مات في بئر وتعذر اخراجه والكافرة الحامل من مسلم تدفن مع المسلمين دون باقي الكفار
لحرمة الولد لكن يستدبر بها القبلة على جانبها الأيسر ليكون ولدها مستقبلا على جانبه الأيمن لان وجهه إلى ظهرها قال في التذكرة
وهو موضع وفاق الرضا عليه السلام في الأمة الكتابية تحمل من المسلم تموت مع ولدها يدفن معها والأصل
في الدفن الحقيقة شرعا فلا يرد أنه لا دلالة فيها والتعبير بالكافرة يشمل الذمية والحربية ويتصور حمل الكافرة
مطلقا من المسلم بإسلامه عليها وبوطئ الشبهة وحمل الذمية أيضا بالعقد عليها أما مطلقا أو متعة على اختلاف الرائين
وبملك اليمين وهل يجب ذلك في الكافرة الحامل من زنا المسلم اطلاق العبارة يشمله لصدق الحمل من المسلم وإن لم يلحق
به شرعا ولكونه ولدا لغة ولهذا يحرم على الزاني لو كان أنثى ويشكل بعدم اللحاق به شرعا والاشكال آت في تغسيله
وباقي أحكامه وراكب البحر إذا مات وجب أن ينقل إلى البر إن أمكن ولو بالصبر قدرا لا يفسد معه الميت وإلا وضع فيه
بأن يثقل في رجليه بحجر ونحوه كما ورد في الخبر أو في غيرهما على الظاهر ومن ثم أطلق المصنف أو يثقل بوعاء يوضع فيه
بحيث يرسب في الماء فيما يبقى على وجه الماء لعدم مسمى الدفن حينئذ ويرمى فيه بعد الثقيل مستقبلا به حين إلقائه كما
سبق كل ذلك بعد ما يمكن من تغسيله وتكفينه وتحنيطه والصلاة عليه والوعاء وآلة التثقيل من أصل التركة
لأنهما من جملة مؤنة التجهيز ويستحب حفر القبر قامة أو إلى الترقوة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسعوا أو عمقوا وعن
الصادق عليه السلام حد القبر إلى الترقوة ولم يرد بالقامة خبر لكن ذكر ابن أبي عمير حكاية عن بعضهم أنه قامة الرجل
حتى يمتد الثوب على رأس من في القبر وتكره الزيادة على ثلاثة أذرع روى ذلك عن الصادق عليه السلام واللحد مما
يلي القبلة وهو أفضل من الشق عندنا لقول النبي صلى الله عليه وآله اللحد لنا والشق لغيرنا وليكن اللحد واسعا
قدر الجلوس هذا في الأرض الصلبة أما الرخوة فالشق أفضل ولو بلغت في الرخاوة حدا لا يحتمل الشق عمل له بناء
يشبه الشق تحصيلا للفضيلة والمراد باللحد أن يحفر له إذا بلغ أرض القبر في حائطه مما يلي القبلة مكانا يوضع فيه
الميت وبالشق أن يحفر في قعر القبر شقا يشبه النهر يوضع فيه ويستحب للنازل معه كشف الرأس قال الصادق عليه السلام لا تنزل إلى القبر وعليك عمامة ولا قلنسوة ولا رداء ولا حذاء وحل أزرارك قلت فالخف قال لا بأس وحل
العقد الكاينة في الكفن عند رأسه ورجليه رواه إسحاق بن عمار وأبو بصير عن الصادق عليه السلام لزوال السبب الموجب
لها وهو خوف انتشار الكفن وبروز الميت ويمكن أن يريد المصنف بحل العقد ما يشمل حل النازل إزرار نفسه وجعل
التربة الحسينية صلوات الله على مشرفها معه تبركا بها وتيمنا واحترازا من العذاب وهو كاف في الاستحباب وإن لم
يرد النص بها على الخصوص وفى الذكرى أسند القول بذلك إلى الشيخين قال ولم نعلم مأخذه وروى المصنف في النهاية
316

وغيرها من كتبه إن امرأة كانت تزني وتحرق أولادها خوفا من أهلها فلما ماتت دفنت فقذفتها الأرض فدفنت
ثانيا وثالثا فجرى ذلك فسألت أمها الصادق عليه السلام عن ذلك وأخبرته بحالها فقال إنها كانت تعذب خلق
الله بعذاب الله إجعلوا معها شيئا من تربة الحسين عليه السلام ففعل ذلك فسترها الله تعالى واستقرت والخبر في
الاحكام المندوبة يقبل وإن كان ضعيفا أو مرسلا خصوصا مع اشتهار مضمونه قال الشهيد والأفضل جعلها تحت خده
كما قاله المفيد في المقنعة والشيخ في الاقتصاد وقيل تجعل تلقاء وجهه وقيل في الكفن قاله المصنف في المختلف والكل جائز و
التلقين من الملحد له إن كان وليا وإلا استأذنه وهو التلقين الثالث وجعله المصنف ثانيا بإسقاط التلقين عند التكفين
قال الصادق عليه السلام إذا وضعته في اللحد فضع فمك على إذنه وقل الله ربك والإسلام دينك ومحمد نبيك والقرآن
كتابك وعلي إمامك وفى خبر ابن عجلان عنه عليه السلام يذكر له ما يعلم واحدا واحدا وفى خبر محفوظ الإسكاف عنه
عليه السلام ليكن أعقل من ينزل قبره عند رأسه وليكشف عن خده الأيمن حتى يفضى به إلى الأرض ويدني فمه إلى سمعه ويقول
إسمع إفهم ثلاثا الحديث والدعاء عند تناوله بقوله بسم الله وبالله وفى سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله
اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا إيمانا وتسليما
وعند وضعه في اللحد بقوله بسم الله وبالله وفى سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم عبدك
وابن عبدك نزل بك
وأنت خير منزول به اللهم أفسح له في قبره وألحقه بنبيه اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به وقراءة الفاتحة والاخلاص
والمعوذتين وآية الكرسي روى ذلك كله عن الصادق عليه السلام وكذا يستحب الدعاء عند وضع اللبن بقوله اللهم صل
وحدته وأنس وحشته وأسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك وعند الخروج من القبر بقوله
إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين اللهم ارفع درجته في عليين واخلف على عقبه في الغابرين وعندك
نحتسبه يا رب العالمين وشرح اللبن وهو بناؤه ونضده على وجه يمنع دخول التراب إليه ويستحب جعل الطين من اللبن
ليتم الغرض وفى خبر إسحاق بن عمار ثم يضع الطين واللبن والخروج من قبل الرجلين لقول الباقر عليه السلام من دخل
القبر فلا يخرج إلا من قبل الرجلين وعن النبي صلى الله عليه وآله إن لكل بيت بابا وباب القبر من قبل الرجلين ولأن
فيه احتراما للميت وإهالة الحاضرين التراب بمعنى صبه بظهور الأكف لمرسلة الأصبغ عن الكاظم عليه السلام أنه فعل
ذلك وأقله ثلث حثيات باليدين جميعا لما روى عن الباقر عليه السلام إن حثا على ميت مما يلي رأسه ثلثا ويستحب الدعاء
حينئذ قال علي عليه السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من حثا على ميت وقال اللهم إيمانا بك وتصديقا
بكتابك أعطاه الله بكل ذرة حسنة مسترجعين أي قائلين في حالة الإهالة إنا لله وإنا إليه راجعون يقال رجع و
استرجع في المصيبة إذا قال ذلك ورفعه أي القبر عن وجه الأرض بقدر أربع أصابع مفرجات أو مضمومات وفى بعض
الاخبار شبر وهو يقوى التفريج لأنه أقرب إليه ويكره أن يرفع أكثر من ذلك وتربيعه مسطحا لان النبي صلى الله عليه وآله
سطح قبر ابنه إبراهيم وسطح قبر النبي صلى الله عليه وآله ويكره التسنيم كما تفعله العامة مع أنهم يعترفون
باستحباب التسطيح مخالفة لطريقة أهل البيت عليهم السلام وصب الماء على القبر مبتديا من قبل رأسه دورا إلى أن
ينتهى إلى الرأس من أي جهة شاء لقول الصادق عليه السلام السنة في رش الماء على القبر أن يستقبل القبلة ويبدأ
من عند الرأس إلى الرجلين ثم يدور على القبر من الجانب الاخر ثم يرش على وسط القبر ووضع اليدين عليه مؤثرة
في التراب مفرجة الأصابع لقول الباقر عليه السلام إذا حثى عليه التراب وسوى قبره فضع كفك على قبره عند رأسه وفرج
317

أصابعك واغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء والترحم عليه بما شاء والأفضل ما روى عنه صلى الله عليه وآله أنه
قال بعد إن وضع كفه على القبر اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد إليك روحه ولقه منك رضوانا واسكن قبره من
رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك ثم مضى وحكى في الذكرى عن الصدوق أنه متى زار قبره دعا به مستقبل القبلة
وتلقين الولي أو من يأمره بعد الانصراف وليكن ذلك بأعلى صوته قاله الأصحاب ومع التقية يقوله سرا وهذا التلقين
ثابت عند علمائنا أجمع ورواه العامة واستحبه جماعة من الشافعية ورويناه عن الباقر والصادق عليهما السلام
وفى الخبرين إن أحد الملكين يقول لصاحبه انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته وليس فيهما تعرض لكيفية الوقوف
وذكر المصنف أنه يستقبل القبلة والقبر وذكر جماعة من الأصحاب استدبار القبلة واستقبال القبر وهو أدخل لان
وجه الميت إلى القبلة والكل جائز ولا فرق في هذا الحكم بين الصغير والكبير كما في الجريدتين لاطلاق الخبر ولا ينافيه
التعليل بدفع العذاب كما في عموم كراهة المشمس وإن كان ضرره إنما يتولد على وجه مخصوص وإقامة لشعار الايمان
والتعزية لأهل المصيبة جميعا وهي تفعلة من العزاء وهو الصبر والمراد بها الحمل على الصبر والتسلي عن المصاب
بإسناد الامر إلى الله تعالى ونسبته إلى عدله وحكمته والتذكير بما وعد الله على الصبر وقد ورد عنه صلى الله
عليه وآله من عزى مصابا فله مثل أجره ولا فرق بين الرجل والمرأة لقوله عليه السلام من عزى ثكلى كسى بردا في
الجنة لكن يكره تعزية الشابة خوفا من الفتنة ولا حد لها لعدم قاطع على التحديد وقول الباقر عليه السلام أنه
يصنع للميت مأتم ثلاثة أيام لا يقتضى التحديد بها في التعزية نعم لو أدت إلى تجديد حزن قد نسي كان تركها أولى
ويجوز فعلها قبل الدفن إجماعا وبعد عندنا للعموم بل قيل أنها أفضل حينئذ لقول الصادق عليه السلام التعزية
لأهل المصيبة بعد ما يدفن وليس في التعزية شئ موظف بل تكفى المشاهدة للمعزى من أهل المصيبة قال الصادق
عليه السلام كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة ويستحب أن يقول ما قاله الصادق عليه السلام في تعزية قوم
جبر الله وهنكم وأحسن الله عزاكم ورحم متوفاكم وينبغي صنع طعام لأهل الميت وبعثه إليهم إعانة لهم وجبرا لقلوبهم
ولأمر النبي صلى الله عليه وآله فاطمة إن تأتي أسماء بنت عميس عند قتل جعفر بن أبي طالب وإن تصنع لهم طعاما
ثلاثة أياما ويكره الأكل عندهم لقول الصادق عليه السلام أنه من عمل الجاهلية
ويكره فرش القبر بالساج وهو خشب
مخصوص وكذا يكره فرشه بغيره من غير ضرورة أما معها كنداوة الأرض فلا كما ذكره الأصحاب وأما فرشه بماله قيمة
من الثياب ونحوها فلا يجوز لأنه إتلاف لم يؤذن فيه كما يحرم وضع ذلك مع الميت مطلقا ونزول ذي الرحم لأنه
يورث قسوة القلب ومن قسا قلبه بعد عن ربه ولا فرق في ذلك بين الولد لقول الصادق عليه السلام الوالد
لا ينزل في قبر ولده والولد لا ينزل في قبر والده وخبر عبد الله العنبري عنه عليه السلام لا يدفن الأب ولا بأس بدفن
الابن أباه يدل على تأكد الكراهة في دفن الوالد للولد لا على عدمها في العكس لما تقدم ولأن نفى البأس مشعر به
وهذا الحكم ثابت في كل رحم إلا في المرأة فإن نزول الرحم معها لا يكره بل يستحب لخبر السكوني عن الصادق عليه السلام
قال علي عليه السلام مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله إن المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها
في حال
حياتها والزوج أولى بها في ذلك من المحرم لما ذكر في الصلاة والغسل ومع التعذر فامرأة صالحة ثم أجنبي صالح
وإن كان شيخا فهو أولى قاله المصنف في التذكرة يدخل يده من قبل كتفها وآخر يدخل يده تحت حقويها قاله ابن حمزة
وإهالة التراب على الرحم سواء في ذلك الرجل والمرأة لما رواه عبيد بن زرارة إن الصادق عليه السلام رأى والدا
318

طرح على ابنه التراب فأخذ بكفيه وقال لا تطرح عليه التراب ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب ثم قال أنهاكم أن
تطرحوا التراب على ذوي الأرحام فإن ذلك يورث القسوة في القلب ومن قسا قلبه بعد من ربه وتجديد القبور بعد
اندراسها على وجه الأرض سواء اندرست عظامها أم لا إلا أن يكون في أرض مسبلة وتندرس عظامها فيحرم تجديدها
حينئذ وتصويرها بصورة المقابر لان ذلك يمنع من هجوم غيرها مع زوال حقها وقد روى أن أمير المؤمنين عليه السلام قال من
جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الاسلام ويحمل على قصد مخالفة الشارع بالفعل استحلالا أو على المبالغة في الزجر
مجازا أي هو على حد ذلك قال الصدوق ومعنى مثل مثالا أبدع بدعة دعا إليها ووضع دينا وقد روى الحديث بلفظ حدد بالحاء
المهملة أي سنم وبالخاء المعجمة من الخد وهو الشق لاستلزامه النبش المحرم وروى حدث بالجيم والثاء المثلثة أخيرا
وهو قريب من الشق إلا أن الشق أعم منه لعدم استلزامه دفن آخر بخلاف جدث لان الجدث القبر فيكون معنى تحديث
القبر جعله جدثا لميت آخر وهو يستلزم النبش أيضا ويزيد الدفن وسيأتي أنه قد يحرم والظاهر أن النهى عن التجديد
مخصوص بغير قبور الأئمة عليهم السلام لاطباق الخلق على فعل ذلك بها ولأن فيه تعظيما لشعائر الله وتحصيلا
لمقاصد دينية ولم يذكر المصنف كراهية تجصيصها أيضا وتطيينها مع كون ذلك أعم من التجديد لامكان وقوعه ابتداء
بناء على اختيار دخوله فيه كما ذكره الشيخ من تخصيص كراهة ذلك بكونه بعد الاندراس واختار أيضا المصنف في المنتهى
وهو جيد لما في الاذن فيه قبل ذلك من حصول فائدة لا تحصل بدونه وهي دوام تمييزه ليزار ويترحم عليه خصوصا قبور
العلماء والصالحين وقد روى إن الكاظم عليه السلام أمر بعض مواليه بتجصيص قبر ابنة له لما ماتت بفيد وإن يكتب
على لوح اسمها ويجعله في القبر وكرهه بعضهم مطلقا لرواية علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام لا يصلح البناء
على القبر ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه وحمله على وقوع ذلك بعد الاندراس طريق الجمع بينها وبين ما تقدم كما
اختاره الشيخ والمصنف وأولى من ذلك حمل الأول على قبور من يظهر لتعيين قبره أثر من زيادة ونحوها والثاني على
من لا يحصل فيه ذلك كما يدل عليه فعل الكاظم عليه السلام بابنته فإنها أهل للتعظيم والزيادة فيدخل في ذلك من
يشاركها في الوصف من العلماء والصالحين ويبقى الخبران مطلقين بالنسبة إلى الأزمان ويتخصصان بالأشخاص عملا
بظاهر الرواية والنقل للميت من بلد موته إلى غيره لمنافاته التعجيل المأمور به إلا إلى أحد المشاهد المشرفة بالأنبياء و
الأئمة صلوات الله عليهم فيستحب النقل إليها رجاء لشفاعتهم وتبركا بتربتهم وتباعدا من عذاب الله تعالى وعليه عمل
الامامية من زمن الأئمة إلى زماننا فكان إجماعا قاله في التذكرة وفى الذكرى لو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون
أو شهدا استحب النقل إليها لتناله بركتهم وبركة زيارتهم ويجب تقييده بما إذا لم يخف هتك الميت بانفجاره ونحوه
لبعد المسافة أو غيرها وهذا كله في غير الشهيد فإن الأولى دفنه حيث قتل لقوله صلى الله عليه وآله ادفنوا القتلى
في مصارعهم ودفن ميتين في قبر واحد ابتداء أو في أزج معد لدفن جماعة أما لو دفن الأول ثم أريد نبشه لدفن
الاخر لا كذلك حرم لان القبر صار حقا للأول ولاستلزامه النبش وآلهتك المحرمين نعم لو كثر الموتى وتعسر الافراد
زالت كراهة الجمع ابتدأ لما روى أن النبي صلى الله عليه وآله قال للأنصار يوم أحد احفروا وأوسعوا وعمقوا واجعلوا
الاثنين والثلاثة في القبر الواحد وقدموا أكثرهم قرآنا والمراد بالتقدم جعله إلى القبلة فيقدم الأفضل مع تساويهم
في الطبقة كما ورد ولو اختلفت بأن اجتمع رجال ونساء وغيرهما قدم الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة هذا كله في غير
الأقارب وفيهم يقدم الأب على الابن مطلقا والأم على البنت كذلك لا على الابن ويستحب جمعهم في مقبرة واحدة
319

لقول النبي صلى الله عليه وآله لما دفن عثمان بن مظعون أدفن إليه من مات من أهله وكذا يكره الاستناد إلى القبر
والمشي عليه ونقل فيه المصنف في التذكرة الاجماع وروى عن النبي صلى الله عليه وآله لان يجلس أحدكم على جمر فيحرق ثيابه
وتصل النار إلى بدنه أحب إلى من أن يجلس على قبر والمراد المبالغة في الزجر نعم روى الصدوق عن الكاظم عليه السلام
إذا دخلت المقابر فطأ القبور فمن كان مؤمنا استروح ومن كان منافقا وجد ألمه وحمل على الداخل لأجل الزيادة
توفيقا والمراد حينئذ بوطئها كثرة التردد بينها للزيادة وعدم الاقتصار على زيارتها إجمالا على طريق الكناية
ويحرم
نبش القبر لما فيه من المثلة بالميت والانتهاك لحرمته وهي في الجملة إجماعي واستثنى منه مواضع أ إذا بلى الميت
وصار رميما فإنه يجوز نبشه لدفن غيره فيه أو لمصلحة المالك المعير ويختلف ذلك باختلاف الترب والأهوية ومع
الشك يرجع فيه إلى أهل الخبرة فلو نبش على وجه يجوز فوجد فيه عظاما دفنها وجوبا ومتى علم صيرورته رميما
لم يجز تصويره بصورة المقابر في المسألة كما مر ب إذا دفن في الأرض المغصوبة أو المشتركة بغير إذن الشريك فإن
للمالك أو الشريك قلعه لتحريم شغل مال الغير وإن أدى إلى هتك الميت لان حق الحي أولى وإن كان الأفضل للمالك تركه
خصوصا القرابة ولو دفن بإذن المالك جاز له الرجوع قبل الطم لا بعده ج إذا كفن في مغصوب جاز نبشه لتخليص
المغصوب مع طلب المالك ولا يجب عليه أخذ القيمة نعم يستحب واحتمل في الذكرى تحريم نبشه في الموضعين إذا أدى إلى
هتك الميت وظهور ما ينفر منه لما روى من أن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا ولو كفن في حرير قيل هو كالمغصوب و
الأولى المنع لان حق الله تعالى أوسع من حق الآدمي د إذا وقع في القبر ما له قيمة جاز نبشه وأخذه للنهي عن إضاعة
المال ولا يجب على مالكه قبول القيمة ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير وإن كره النبش لأجل القليل ولو ابتلع الميت
مالا لغيره في حال حياته بحيث يمكن تخليصه بعد الدفن ففي جواز نبشه لذلك وشق جوفه وجهان لتعارض حق الحي وحرمة
الميت ومنعه الشيخ في الخلاف ويمكن هنا تقييده ببذل الوارث العوض والفرق بين ماله ومال غيره لأنه استهلك مال
نفسه في حياته كما أتلفه ومتى منعنا النبش أخذ من تركته ولو بلى وانتفت الثلاثة جاز النبش لاخراجه لزوال المانع ثم
إن كان بعد دفع العوض إلى مالكه ففي التراد وجهان ه‍ نبشه للشهادة على يمينه وإثبات الأمور المترتبة على موته من
اعتداد زوجته وقسمة تركته وحلول ديونه التي عليه وغير ذلك مع إمكان معرفته بالنبش فلو علم تغير صورته على وجه
لا يعلم حرم نبشه لذلك واختلف في نبشه لاستدراك غسله وتكفينه والصلاة عليه وقطع الشيخ بعدم النبش هنا
وهو حسن وفى نبشه من أرض بيعت بعد الدفن ترجيحا لحق المشترى ومنعه المصنف إلا أن تكون مغصوبة فيبيعها المالك و
كذا يحرم نقل الميت بعد دفنه إلى موضع آخر لتحريم النبش واستدعائه آلهتك وإن كان ذلك إلى أحد المشاهد المشرفة
على المشهور ونقل المصنف في التذكرة جوازه إليها عن بعض علمائنا وقال الشيخ إن به رواية سمعتها مذاكرة وروى الصدوق
عن الصادق عليه السلام إن موسى عليه السلام استخرج عظام يوسف عليه السلام من شاطئ النيل وحمله إلى الشام وهذا
يومى إلى الجواز لان الظاهر من الصادق عليه السلام تقريره له كحديث ذكرى حسن على كل حال في باب التخلي ولأن الغرض
المطلوب من النقل قبل الدفن من الشفاعة ودفع العذاب حاصل بعده لكن يشترط على ذلك أن لا يبلغ الميت حالة يلزم
من نقله عليها هتكه ومثلته وذهب بعض الأصحاب إلى كراهة النقل مطلقا وبعضهم إلى جوازه لصلاح يراد بالميت
وشق الثوب على غير الأب والأخ من الأقارب وغيرهم لما فيه من إضاعة المال والسخط بقضاء الله وعلى استثناء الأب و
الأخ أكثر الأصحاب لان العسكري عليه السلام شق ثوبه على أبيه الهادي عليه السلام خلف وقدام وفعله الفاطميات
320

على الحسين عليه السلام وعن الصادق عليه السلام إن موسى عليه السلام شق على أخيه هارون وإطلاق المصنف يقتضى عدم
الفرق في ذلك بين الرجل والمرأة وفى بعض عباراته اختصاص التحريم بالرجل وفى النهاية إن المرأة يجوز لها الشق مطلقا قال في الذكرى وفى الخبر إيماء إليه وروى الحسن الصفار عن الصادق عليه السلام لا ينبغي الصياح على الميت ولا شق
الثياب ولا ينبغي ظاهرها الكراهة وكذا يحرم دفن غير المسلمين في مقابرهم وهو موضع وفاق ولا فرق في تلك بين أصناف
الكفار وأطفالهم في حكمهم لكن يجب مواراتهم لدفع تأذى المسلمين بجيفتهم لا بقصد الدفن في غير مقابر المسلمين وهذا
الحكم ثابت للجميع إلا الذمية الحامل من مسلم فإنها تدفن في مقابرهم لمكان الولد وقد مر ذلك وتقييده بالذمية
مورد الرواية وبها تخرج الحربية وقد تقدم اشتراكهما في هذا الحكم والله إعلم
المقصد السادس في الصلوات
المنذورات من نذر صلاة وأطلق عليه وجب ركعتان لا أقل على رأى لأنه المعهود الغالب في النوافل إلا ما نص على وحدته
وهو الوتر ولنهي النبي صلى الله عليه وآله عن البتراء وهي الركعة الواحدة وقيل تجزى ركعة واحدة واختاره المصنف
في النهاية وولده في الشرح لصدق الصلاة عليها حقيقة شرعا لا لخصوصية كونها وترا وأصالة البراءة من الزائد وحينئذ
فإطلاق الصلاة عليها وعلى الزائد أما بطريق التواطؤ أو التشكيك لا بطريق الحقيقة والمجاز فيحمل على أقل المراتب
لأصالة البراءة وهو متجه وإن كانت الركعتان طريق البراءة يقينا وليس المراد انحصار الواجب في الركعتين بل
المراد أنهما أقل الواجب ويجوز جعلها ثلثا وأربعا بتسليمة واحدة وهل يجب التشهد بينهما كاليومية وجهان أصحهما
الوجوب لعدم التعبد بالصلاة من دونه ويحتمل انحصار الوجوب في الركعتين فلا يجوز الزيادة عليهما كما لا يجوز
النقصان لان المنذورة نافلة في المعنى وهي مقصورة في الغالب عليهما فكما لم يدخل الركعة مع وقوعها نادرا فكذا
الزائد ولا يجزى الزائد عن الأربع مع الاطلاق لعدم التعبد به مجتمعا ولو قصد أداء الواجب بأكثر من ركعتين
مسلما في أثنائه كأربع مثلا يسلم على كل ركعتين منها فهل يوصف الزائد على الركعتين بالوجوب يحتمله بناء على
إن الواجب أمر كلي يتأدى في ضمن أفراد متعددة فإذا اختار الفرد الأكمل وصف بالوجوب وقد تقدم له نظائر ويحتمل
عدمه لجواز تركه لا إلى بدل ولا شئ من الواجب كذلك ولا صالة عدم الوجوب وهذه المسألة قد تقدم تحقيقها في
نظائرها وإن الراجح عدم وصف الزائد بالوجوب لعدم الدليل عليه مع جواز تركه كذلك والفرق بين الأربع بتسليمة
وبين ما هنا إن الواجب في الأول لا يتحقق إلا بالمجموع بخلاف الثاني ما يصلح لوقوع المنذور في ضمنه وعلى القول
باستحباب التسليم بشكل الفرق إلا أن نقول بتوقف الخروج على قصده أو التسليم أو فعل المنافى وقد تقدم الكلام فيه
والضابط إن المندورة يجب فعلها كهيئة اليومية في جميع الأفعال والكيفيات عند الاطلاق أما لو صرح بنفي فعل يجب
في اليومية ولا يشترط في النافلة كالاقتصار بالفاتحة والصلاة جالسا جاز لأنها هيئة مشروعة اختيارا فينعقد نذرها
ولا يتعين عند الاطلاق زمان ولا مكان بل يجوز ما وجب بالنذر في أي مكان وزمان شاء عملا بالاطلاق ولو قيد النذر
بهيئة مشروعة تعينت تلك الهيئة كنذر صلاة جعفر عليه السلام فيجب مراعاة عددها وأذكارها الداخلة فيها لأنها من
مشخصاتها دون دعواتها الخارجة عنها ويتعين وقتها المشروعة تلك الهيئة فيه إن كان معينا لا إن كان من كمالها
كيوم الجمعة لصلاة جعفر بل يجوز فعلها مع الاطلاق متى شاء نعم لو عينه تعين ولو نذر العيد المندوب في وقته تعين
بغير إشكال لان غايته كونه نافلة فينعقد نذرها في وقتها ويجب فعلها بهيئتها المعتبرة فيها لو كانت واجبة ولو
نذر هيئة أي هيئة العيد في غير وقته فالوجه عدم الانعقاد لعدم التعبد بها على تلك الهيئة في غير الوقت المعين
321

فيكون فعلها في غيره بدعة ويحتمل الانعقاد وهو الموجود في بعض نسخ الكتاب بحذف لفظة عدم وقيل أنها كانت
ثابتة في الأصل ثم كشطت فأوجب ذلك اختلاف النسخ ووجه الانعقاد أنها صلاة وذكر لله تعالى فتدخل تحت
الأوامر الدالة على فعل الصلاة وإقامتها والذكر والأول أوضح وهو الذي جزم به المصنف في بعض كتبه وقربه في
بعض وكذا القول في نذر صلاة الكسوف وغيرها من الهيئة المختصة بوقت معين ولو قيد العدد بخمس ركعات
فصاعدا بتسليمة واحدة أما مع التشهد في مواضعه المعهودة أو مع عدمه قيل لا ينعقد النذر لعدم التعبد بها شرعا
على هذا الوجه فيكون فعلها كذلك إدخالا في الدين ما ليس منه وهو اختيار ابن إدريس والشهيد في الذكرى وقيل
ينعقد لعموم وجوب الوفاء بالنذر ولأنها عبادة ولا يخرجها عدم التعبد بها عن ذلك وفى الصغرى منع لان العبادة
يجب موافقتها مراد الامر ولم يتحقق ذلك هنا وهو كاف في المنع نعم لو أطلق الخمس صح وفعلها على الوجه المتعبد به
كمثنى وواحدة أو ثلث واثنتين ويمكن على القول بمنع الواحدة عند الاطلاق اختصاص فعل الخمس بثلث واثنتين
لعدم تعين الواحدة وقد تقدم أنه لا تسوغ إلا مع التعيين وعلى الأول يجوز فعلها رباعية وواحدة وعلى
القول بجواز الواحدة مطلقا يجوز فعلها آحاد ولو قيده بأقل من خمس انعقد وإن كان المقيد ركعة لان الثلث
والأربع متعبد به في اليومية والواحدة مشروعة في الجملة وإن كان نادرا فيصح نذرها على الخصوص وإن كان
الاطلاق لا يتناولها ثم إن أطلق العدد الذي هو دون الخمس وجب على هيئة في اليومية فيتشهد في محاله وإن قيده
بتشهد واحد آخره ففي انعقاد النذر إشكال من عدم التعبد به وحصول مسمى معظم الصلاة والبطلان أوضح وربما
احتمل بطلان القيد لا غير فيصليها على الوجه المشروع ويضعف بأن ذلك غير منذور فلا يجب ولو قيده أي العدد
أو المنذور بزمان تعين فلا يجوز العدول عنه سواء كان له مزية أم لا وسواء عدل مع اشتماله عليها إلى ما هو أعلى
مزية أم لا وهو موضع وفاق فإن خالف وأوقع المنذور قبل الزمان المعين بالشخص لغا ووجب إعادته فيه فإن (وإن خ ل)
آخره عنه لعذر قضى ولا كفارة ولا أثم وإلا كفر أيضا ولو تعين الزمان بالنوع لا غير كيوم
الجمعة تخير في إيقاعه في أي جمعة شاء أداء وأن كان الأفضل التعجيل ولو قيده بمكان له مزية كالمسجد تعين أيضا
وإلا أي وإن لم يكن للمكان المعين مزية راجحة على غيره فإن كان مع ذلك يحرم فيه الصلاة أو تكره لم يتعين قطعا
وإن أبيحت فالمشهور عدم التعين وأجزاه فعلها أين شاء بخلاف الزمان والفرق إن الشارع جعل الزمان سببا للوجوب
بخلاف المكان فإنه من ضرورة الفعل لا سببية فيه وإن النذر يصير الوقت المنذور فيه وقتا لتلك العبادة محدودا
كما يحصل الوقت بأصل النص وإن الوقت لا تتصور فيه الكراهة للمنذور لأنها تلحق بالواجب بخلاف المكان فإن مكروهه
مشترك بين الفرائض والنوافل وألحق إن هذه الفروق مع تسليمها لا تقتضي افتراقهما في النذر على وجه يقتضى عدم تعين
ما لا مزية فيه من المكان وتعين الزمان مطلقا لعدم الملازمة بين ما ذكر وبين هذه الأحكام فإن ما لا مزية
فيه من الوقت غاية تعيينه أن يكون لإباحته مع رجحان أصل المنذور وهو حاصل في المكان فأما أن يتعينا أو لا
ولمانع أن يمنع كل واحد من هذه الفروق أما الأول فلان سبب الوجوب في النذر إنما هو النذر لا الوقت و
إنما الزمان والمكان وغيرهما من الأوصاف أمور عارضة للفعل تعينت بتعيين المكلف بخلاف الصلاة الواجبة المقيدة
بالأوقات المخوصة فإن أوقاتها سبب لوجوبها كما حقق في الأصول ولو سلم كون الوقت سببا هنا وإن كان النذر
موجبا أيضا كإيجاب الامر الأصلي الفعل على المكلف وإن تعلق بوقت وكان ذلك الوقت سببا لم يكن في ذلك
322

دلالة على تعين الزمان دون المكان وأما تصيير الوقت المعين بالنذر وقتا للعبادة كالوقت المنصوص فهو آت
في المكان المختص بالعبادة كالمقام مثلا في صلاة الطواف فكما ثبت ذلك بالنص ثبت غيره بالنذر فإن قيل مكان
صلاة الطواف مشتمل على مزية فيتقيد تعين مكان المنذور بها وهو عين المتنازع قلنا أفعال الشارع كلها
مشتركة في المزايا ومعللة بالأغراض الصحيحة فتعليقه العبادة على وقت معين لو لم يكن ذلك الوقت مشتملا على
حكمة ومزية على غيره كان تخصيصه على غيره ترجيحا من غير مرجح وهو لا يليق بحكمة الشارع فليشترط في تعين وقت
المنذور أيضا المزية ولا يقولون به وأما إن الوقت لا يتصور فيه الكراهة للمنذور بخلاف المكان فليس بتام أيضا
لان الكلام في غير المكان المكروه فيه الفعل والمحرم كما مر والوجه تعينهما مطلقا لعموم وجوب الوفا بالنذر وإنما يتم
إذا فعل على وجهه المعين به وقيود الزمان والمكان أوصاف ترجع إلى اختيار الناذر ويتعين بتعيينه كما تتعين
مقادير أفعاله بالتعيين وإن كان غيرها أعلى منها وهو اختيار الشهيد في البيان وحينئذ يتعين الزمان والمكان
مطلقا ولا يجوز العدول عن المعين إلى غيره وإن كان إلى أعلى مزية ولو قيل بتعين المكان المكروه أيضا كان وجها
لعين ما ذكر من الدليل فإن المنذور عبادة راجحة في نفسها غايتها إنها أنقص ثوابا من غيرها وهو غير موجب لبطلان
النذر أو عدم تعين المنذور إذ لا يشترط في تعين المنذور كونه أتم من جميع الافراد المناسبة له مع كونه في نفسه راجحا
وعلى المشهور من اشتراط المزية في تعين المكان هل يجزى في ذي المزية الصلاة في الأعلى منه مزية كالمسجد الجامع
بالنسبة إلى مسجد القبيلة وكالمسجدين بالنسبة إلى غيرهما فيه نظر من وجود المقتضى للزوم وهو النذر وحصول المزية
فيتعين ويؤمر بالايقاع فيه وهو يقتضى النهى عن ضده فلا تصح في غيره لاقتضاء النهى الفساد ومن إن نسبة ذي المزية
إلى الأزيد مزية كنسبة ما لا مزية فيه إلى ذي المزية فكما يجوز العدول مما خلا عن المزية إلى ما اشتمل عليه فكذا هنا
ولأن التعيين لا مدخل له في اللزوم بل المزية فيصح المنذور حيث وجدت واختاره المصنف في التذكرة والنهاية وفيه
نظر للفرق بين ما لا مزية فيه وماله مزية في الجملة عند القائلين بذلك ومن ثم انعقد النذر في الثاني دون الأول
وعلى ما اخترناه يسقط هذا البحث ويتعين المنذور مطلقا ويشترط في صحة نذر الصلاة أن لا تكون عليه صلاة واجبة
لان متعلق النذر هنا الصلاة المندوبة وهي لا تصح ممن عليه صلاة واجبة لقوله صلى الله عليه وآله لا صلاة لمن عليه صلاة
وفى هذا الفرع مع تسليم منع النافلة لمن عليه فريضة نظر لان المنذورة تصير واجبة بالنذر فلا يكون إيقاعها لنفل
بل لفرض فإن قيل الكلام إنما هو في صحة النذر وعدمه لا في المنع مع انعقاده ولا شك إن متعلقه النافلة فإذا أدى
انعقاده إلى مزاحمتها الفريضة لم يقع قلنا النص الذي اقتضى المنع إنما دل مع تسليمه على منع إيقاع الصلاة لمن
عليه صلاة لا على إيقاع النذر فلا يكون النذر ممنوعا منه وإن كان متعلقه النافلة وبعد انعقاده تصير فريضة
فلا يمتنع فعلها ممن عليه صلاة قيل وهذا الفرع من خصوصيات المصنف ذكره هنا ثم رجع عنه وعلى ما ذكرناه سابقا
من صحة النافلة التي لا تضر بالفريضة ينتفى البحث هنا عن المنع رأسا ولو نذر صلاة الليل وجب ثماني ركعات لا غير
في وقتها المعين لاطلاقها عليها شرعا واختصاص الثلث ركعات بعدها باسم خاص ولا يجب الدعاء بينها ولا بعدها وهل
تجب فيها سورة بعد الحمد بناء على وجوبها في الفريضة نظر من عدم وجوبها في النافلة وصيرورتها فريضة وإلا صح الوجوب
إلا أن يقيدها بعدمها فتجب على حسب ما نذره أما السور المنصوص فيها فلا تجب مع الاطلاق قطعا لأنها من مكملاتها
وكل ما يشترط في الصلاة اليومية يشترط في الصلاة المنذورة من الطهارة والستر والاستقبال وغيرها لصيرورتها بالنذر
323

صلاة واجبة إلا الوقت فإن المنذورة لا يتعين فعلها في وقت اليومية بل يجوز فعلها أي وقت شاء مع عدم
التعيين ومعه يتبع ما عينه وهذا يتم مع الاطلاق أو فيما يشترط في النافلة والفريضة كالطهارة والستر إما ما لا يشترط
في النافلة ولو على بعض الوجوه كالصلاة إلى غير القبلة ماشيا أو راكبا وصرح به في النذر فالوجه الانعقاد كما عين
وإن صارت بالنذر واجبة نظرا إلى ما كانت عليه قبل النذر وقد مر مثله في الأفعال وليس ما ذكره هنا تكرارا لما
سبق في قوله كهيئة اليومية لان الهيئة تطلق على الأفعال والكيفيات الداخلة في الذات وهنا حكم بمساواتها
لها في الشروط المتقدمة عليها فلا يستغنى بأحدهما عن الاخر وحكم اليمين والعهد في ذلك كله حكم النذر فمهما
حلف على فعله من الصلوات أو عاهد عليه الله انعقد على الوجه الذي فصل
المقصد السابع في النوافل
وهي أنواع كثيرة ذكر المصنف منها جملة فقال ويستحب صلاة الاستسقاء وهو طلب السقيا من الله تعالى عند الحاجة إليها
كما تقول استعطى إذا طلب العطاء يقال سقاه الله وأسقاه قال الله تعالى وسقيهم ربهم شرابا طهورا وقال تعالى
لأسقيناهم ماء عذقا وقال بعض أهل اللغة إن معنى سقى بدون الهمز أعطا ما يشرب ومعنى أسقا دل على الماء والأول
أجود والاستسقاء ثابت بالكتاب والسنة والاجماع قال الله تعالى وإذا استسقى موسى لقومه وقال تعالى استغفروا
ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا واستسقى النبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام والأئمة
والصحابة وصلوا له ركعتين والأفضل فعلها جماعة تأسيا بالنبي والأئمة صلوات الله عليهم ويجوز فعلها فرادى
لحصول الغرض بذلك وهو الصلاة والابتهال إلى الله تعالى بالرحمة وإنما تستحب عند قلة الأمطار وغور الأنهار
وهو مسبب عن غضب الله تعالى على عباده قال النبي صلى الله عليه وآله إذا غضب الله تعالى على أمة ثم لم ينزل
بها العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح تجارها ولم تزك ثمارها ولم تعذب أنهارها وحبس
عليها أمطارها وسلط عليها شرارها وغيره من الاخبار وكيفيتها ووقتها كالعيد في كونها ركعتين بين طلوع
الشمس والزوال يقرأ فيهما ما مر ويكبر فيهما التكبيرات الزائدة ويقنت بعد كل تكبيرة منها إلا أنه يقنت في الاستسقاء
بالاستعطاف وهو طلب العطف من الله تعالى على عباده والرحمة لهم وسؤال توفير الماء وأفضله ما نقل عن أهل
البيت عليهم السلام في ذلك وإن جاز بما سنح ولتكن الصلاة بعد أن يصوم الناس ثلاثة أيام متواليات لما روى
عن النبي صلى الله عليه وآله إن دعوة الصائم لا ترد ويخرج بهم الامام في اليوم الثالث إلى الصحراء وليكن الثالث
الجمعة أو الاثنين أما الجمعة فلانه مظنة الإجابة وقد ورد أن العبد ليسئل الحاجة فتؤخر الإجابة إلى يوم الجمعة
وأما الاثنين فلأمر الصادق عليه السلام بالخروج فيه لمحمد بن خالد وإنما استحب الاصحار بها تأسيا بالنبي صلى
الله عليه وآله وعن أمير المؤمنين عليه السلام (مضت السنة صح) أن لا يستسقى إلا بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء ولا يستسقى في
المساجد إلا بمسجد مكة نعم لو حصل مانع من الصحراء كخوف وشبهه صليت في المساجد وليكن خروجهم إلى الصحراء
في حالة كونهم حفاة ونعالهم بأيديهم بالسكينة في الأعضاء والوقار في النفس مبالغة في الخضوع والخشوع مطرقي
رؤوسهم مكثرين من ذكر الله مستغفرين من ذنوبهم في ثياب بذلتهم بكسر الباء الموحدة وسكون الذال المعجمة وهي
ما يمتهن من الثياب ويلبس وقت العمل وإضافة الثياب إليها من باب إضافة الموصوف إلى صفته كجانب الغربي لا في
ثياب التجمل إذ ليس هو يوم زينة كالعيد وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله ويخرج معهم الشيوخ من المسلمين
والأطفال والعجائز والبهائم لقول النبي صلى الله عليه وآله لولا أطفال رضع وشيوخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب
324

صبا وعن الصادق عليه السلام إن سليمان عليه السلام خرج ليستسقى فرأى نملة قد استلقت على ظهرها رافعة
قائمة من قوائمها إلى السماء وهي تقول اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنا بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم
فقال سليمان ارجعوا فقد سقيتم بغيركم ويفرق بين الأطفال وأمهاتهم استجلابا للبكاء والخشوع بين يدي الله تعالى
فربما أدركه بلطفه وتحويل المصلى الرداء بعد الصلاة بأن يجعل ما على المنكب الأيمن على الأيسر وبالعكس تأسيا بالنبي
صلى الله عليه وآله وتفاؤلا بقلب الجدب خصبا ولا فرق في ذلك بين الامام وغيره ومن ثم أطلقه المصنف وللشيخ قول
باختصاصه بالامام وتبعه المحقق في الشرائع والعلتان توجبان الاشتراك ولا يشترط في التحويل جعل الباطن ظاهرا و
بالعكس والأعلى أسفل وبالعكس وإن كان جائزا ثم يستقبل القبلة بعد الصلاة والتحويل وقبل الخطبتين ويكبر
الله تعالى مائة مرة عاليا صوته به ويسبح الله تعالى مائة مرة عن يمينه يهلل مائة عن يساره ويحمد الله تعالى
مائة مستدبرا تلقاء الناس ويتابعونه في الأذكار كلها ورفع الصوت لا في التحويل إلى الجهات ومستند ذلك كله
تعليم الصادق عليه السلام لمحمد بن خالد وإلى المدينة ثم يخطب بعد الأذكار بالمأثور عن أهل البيت عليهم السلام
ويجوز بغيره مما يتضمن الحمد والثناء والوعظ والدعاء وينبغي أن يخطب خطبتين تسوية بينها وبين العيد وما ذكره
المصنف من جعل الخطبة بعد الأذكار وهو الذي اختاره الشيخ وجماعة ودل عليه تعليم الصادق عليه السلام المتقدم
وجعل في الذكرى تقديم الخطبتين على الأذكار هو المشهور ويبالغ في السؤال والدعاء والالحاح فيه في الخطبتين
وخصوصا الثانية وقد روى الصدوق في الفقيه من الدعوات عن علي والحسن والحسين وغيرهم صلوات الله عليهم جملة حسنة فإن
تأخرت الإجابة أعادوا الخروج والصلاة مرة أخرى وأزيد حتى يجابوا أما بصوم مستأنف أو بالبناء على الأول لوجود
السبب المقتضى ولقوله صلى الله عليه وآله إن الله يحب الملحين في الدعاء ويستحب نافلة شهر رمضان وهي ألف ركعة في
المشهور زيادة على الراتبة ورواه جماعة عن الصادق عليه السلام في كل ليلة من الشهر عشرون ثمان منها بعد صلاة
المغرب بعد نافلتها واثنتا عشرة بعد العشاء وبعد نافلتها أيضا رواه محمد بن سليمان عن الرضا عليه السلام وقيل قبل
الوتيرة وجعله في الذكرى هو المشهور وخير الشيخ في النهاية بين ما ذكر من التفريق وبين عكسه وهو جعل اثنتي عشرة
بين العشائين وثمان بعد العشاء جمعا بين خبر سماعة ومسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام وغيره وهو
حسن وفى ليالي الافراد الثلث وهي ليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وثلث وعشرين زيادة مائة ركعة
على العشرين والثلثين وفى العشر الأواخر في كل ليلة منه زيادة عشر ركعات على ما ذكر وهو العشرون في غير ليالي
الافراد والمائة والعشرون فيها فذلك ألف ركعة رواه مسعدة بن صدقة وغيره عن الصادق عليه السلام وليكن
العشر المزيدة بعد العشاء وروى جعل اثنتي عشرة من الثلثين قبل العشاء والباقي بعدها وعليه جماعة من الأصحاب
وكلاهما حسن ولو اقتصر في ليالي الافراد على المائة وترك الثمانين ركعة وفرقها على جميع الشهر كما سيأتي كان
جائزا بل اختاره الأكثر وعليه رتب الشيخ الدعوات المختصة بالركعات في المصباح فإن اختار المصلى هذه الرواية
صلى في كل يوم جمعة من الشهر عشر ركعات أربع منها بصلاة علي عليه السلام وركعتان بصلاة فاطمة عليها السلام
وأربع بصلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام وصلى في ليلة أخر جمعة عشرين ركعة بصلاة علي عليه السلام وفى
عشيتها ليلة السبت عشرين ركعة بصلاة فاطمة عليها السلام ولو اتفقت عشيتها ليلة العيد صلاها في ليلة أخر
سبت منه وقد أضفنا إلى المتن في هذه الكيفية قيودا كثيرة خلى عنها كما خلى غيره من العبارات وهي مستفادة من
325

حديث المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام واعلم أن ما ذكره من الصلاة في كل جمعة عشر ركعات انتهى مبنى على الغالب من اشتمال
كل شهر على أربعة أيام جمع فلو اتفق في الشهر خمس جمع ففي كيفية بسط الثمانين إشكال لعدم ذكره في النصوص والفتاوى
ويحتمل حينئذ سقوط العشرة في الجمعة الأخيرة والاقتصار على العشرين ليلتها وعشيتها وصلاة عشر فيها وتوزيع
الثلثين الباقية على ليلتها وعشيتها بجعل ستة عشر أولا وأربعة عشر ثانيا أو بالعكس والظاهر تأدى الوظيفة
بالأمرين معا قال في الذكرى ولو فات شئ من هذه النوافل ليلا فالظاهر أنه يستحب قضاؤه نهارا لعموم قوله تعالى
وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة وبذلك أفتى ابن الجنيد قال وكذا لو فاتته الصلاة في ليلة الشك ثم تبييت الرؤية
ولا فرق في استحباب هذه النوافل بين الصائم وغيره للعموم ولأنها عبادة زيدت لشرف الزمان فلا تسقط بسقوط الصوم
عن المسافر ونحوه وفى كلام بعض أصحابنا ما يدل على اختصاصه بالصائم ويستحب أن يدعو عقيب كل ركعتين منها
بالدعاء المأثور ولو اقتصر على الصلاة كان أدون فضلا
ويستحب صلاة الحاجة وهي أنواع منها صلاة ركعتين يوم الجمعة
بعد أن يصومه ويومين قبله ويغتسل ويلبس ثوبا نظيفا ويصعد إلى أعلى موضع في داره ويصلى ثم يمد يده إلى السماء
ويقول اللهم إني حللت بساحتك إلى آخر الدعاء رواه عاصم بن حميد عن الصادق عليه السلام وصلاة الاستخارة
وهي أيضا أنواع أشهرها الاستخارة بالرقاع الست رواها هارون بن خارجة عن الصادق عليه السلام قال إذا أردت
أمرا فخذ ست رقاع واكتب في ثلث منها بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة إفعل وفى
ثلث منها بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل ثم ضعها تحت مصلاك (ثم صل ركعتين صح) فإذا فرغت فاسجد
سجدة وقل فيها مائة مرة استخير الله برحمته خيرة في عافية ثم استو جالسا وقل اللهم خر لي في جميع أموري في يسر منك وعافية
ثم أضرب بيدك على الرقاع فشوشها وأخرج واحدة واحدة فإن خرج ثلث متواليات إفعل فلتفعل الامر الذي تريده
وإن خرج بها ثلث متواليات لا تفعل فلا تفعله وإن خرجت واحدة إفعل والأخرى لا تفعل فأخرج من الرقاع إلى خمس فانظر
أكثرها فاعمل به ودع السادسة لا تحتاج إليها ولقد أمعن السيد السعيد رضى الدين بن طاوس في كتاب الاستخارات
في نعت هذه الاستخارة وذكر من آثارها عجائب وإنها من أبواب العلم بالغائب وقال إذا توالى الامر في الرقاع فهو خير محض وإن
توالى النهى فهو شر محض وإن تفرقت كان الخير والشر موزعا بحسب تفرقها على أزمنة ذلك الامر بحسب ترتيبها وذكر
من آدابها أن تكون صلاة المستخير بها صلاة مضطر إلى معرفة مصلحته التي لا يعلمها إلا علام الغيوب فيتأدب في صلاته
وأن يكون عند قوله استخير الله برحمته خيرة في عافية بقلب مقبل على الله ونية حاضرة صافية وإذا عرف وقت سجوده
(إنه قد غفل عن ذكر إنه ظ) أنها قد غفلت عن ذكر أنها بين يدي عالم الخفيات أن يستغفر ويتوب في تلك الحال من ذلك الاهمال وإذا رفع
رأسه من السجدة يقبل بقلبه على الله ويتذكر أنه يأخذ رقاع الاستخارة من لسان حال الجلالة الإلهية وأبواب
الإشارة الربانية وأنه لا يتكلم بين أخذ الرقاع مع غير الله جل جلاله وأنه إذا خرجت مخالفة لمراده وهواه لا
يقابل مشورة الله سبحانه بالكراهة ومخالفة رضاه بل يقابله بالشكر وصلاة الشكر عند تجدد النعم ودفع النقم على
ما رسم وهي ركعتان يقرا في الأولى الحمد والاخلاص وفى الثانية الحمد والجحد ويقول في ركوع الأولى وسجودها الحمد لله
شكرا شكرا وحمدا وفى ركوع الثانية وسجودها الحمد لله الذي استجاب دعائي وأعطاني مسألتي رواه هارون بن خارجة
عن الصادق عليه السلام قال ابن البراج في الروضة ووقتها ارتفاع النهار وصلاة علي عليه السلام أربع ركعات في
كل ركعة الحمد مرة وخمسين مرة التوحيد ويدعو بعدها بالمنقول وأفضل أوقاتها يوم الجمعة وعن الصادق عليه السلام
326

من صلاها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقضيت حوائجه وصلاة فاطمة عليها السلام ركعتان في الأولى الحمد مرة و
القدر مائة مرة وفى الثانية الحمد مرة والتوحيد مائة مرة ونقل ابن بابويه في الفقيه إن صلاة فاطمة عليها السلام
هي الصلاة المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام وأنها تسمى صلاة الأوابين وروى عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام
قال من توضأ فاسبغ الوضوء وصلاها أعني الأربع ركعات انفتل حين ينفتل وليس بينه وبين الله ذنب إلا غفر له وصلاة
جعفر بن أبي طالب عليه السلام وتسمى صلاة الحياة وصلاة التسبيح وهي أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في الأولى الحمد والزلزلة
ثم يقول خمس عشرة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم يركع ويقولها في ركوعه عشرا ثم يرفع رأسه من
الركوع ويقولها في حالة الرفع عشرا ثم يسجد ويقولها في حالة السجود عشرا ثم يرفع رأسه من السجود ويقولها في حالة
الرفع بين السجدتين عشرا ثم يسجد ثانيا ويقولها في حالة السجود عشرا ثم يرفع رأسه من السجود ويقولها في جلسة الاستراحة
عشرا فهذه خمس وسبعون مرة في الركعة الأولى بثلاثمائة تسبيحة وهكذا يصنع في الركعات البواقي فيصير في جميع الركعات
ألف ومائتا تسبيحة زيادة على ما ذكر في غيرها من الصلوات ويقرأ في الركعة الثانية سورة العاديات وفى الركعة الثالثة
سورة النصر وفى الرابعة سورة التوحيد ويدعو في الصلاة وبعدها بالمنقول وسميت هذه الصلاة صلاة الحبوة لان
لان النبي صلى الله عليه وآله حباها جعفرا عليه السلام حين قدم عليه صلى الله عليه وآله من الحبشة وكان ذلك يوم فتح
خيبر فقال النبي صلى الله عليه وآله حين بشر بقدومه والله ما أدرى بأيهما أنا أشد سرورا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر
فلما قدم وثب إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فالتزمه وقبل ما بين عينيه وقال له يا جعفر إلا أمنحك إلا أعطيك إلا أحبوك
فقال جعفر بلى يا رسول الله فظن الناس أنه يعطيه ذهبا أو فضة وتشوقوا لذلك فقال إلا أعلمك صلاة إذا أنت صليتها
وكنت فررت من الزحف وكان عليك مثل زبد البحر ورمل عالج ذنوبا غفرت لك قال بلى يا رسول الله قال تصلى أربع
ركعات إن شئت كل ليلة وإن شئت كل يوم وإن شئت كل جمعة وإن شئت كل شهر وإن شئت في كل سنة يغفر
الله لك ما بينهما الحديث وسئل الصادق عليه السلام عمن صلاها هل يكتب له من الاجر مثل ما قال رسول الله صلى الله
عليه وآله لجعفر قال إلى والله وفى خبر آخر إن شئت صليتها كلها بالحمد وقل هو الله أحد ويجوز احتسابها من النوافل
الراتبة فيجتمع له ثواب الوظيفتين بل قيل يجوز احتسابها من الفرائض لعدم التغير الفاحش وتجريدها عن التسبيح
للمستعجل وقضاؤه بعدها روى ذلك أبو بصير عن الصادق عليه السلام ولو صلى منها ركعتين ثم منعه من الاتمام مانع
أو اضطر إلى قضاء حاجة بنى بعد زوال العذر روى ذلك عن الكاظم عليه السلام ويستحب ليلة الفطر ركعتان يقرأ
في الركعة الأولى الحمد مرة وألف مرة التوحيد وفى الركعة الثانية الحمد مرة والتوحيد مرة ويدعو بعدها بالمنقول
وصلاة يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة رواها علي بن الحسين العبدي عن الصادق عليه السلام قال عليه
السلام بعد إن ذكر فضل اليوم وثواب صومه ومن صلى فيه ركعتين يغتسل من قبل أن تزول الشمس مقدار نصف ساعة
ويقرأ في كل ركعة الحمد مرة وعشر مرات قل هو الله أحد وعشر مرات آية الكرسي وعشر مرات إنا أنزلناه عدلت عند
الله مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة وما سئل الله عز وجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت كائنا ما كانت
الحاجة ويستحب الدعاء بعدها بالمنقول ويسأل الله حاجته وفى تمام الحديث فإنها والله مقضية ولا ترتيب بين هذه السور
التي تقرأ بعد الحمد والظاهر إن المراد بآية الكرسي الآية التي يذكر فيها الكرسي أولها الله لا إله إلا هو الحي
القيوم إلى
العلى العظيم نعم ذكر في صلاة يوم المباهلة أنه يقرأ إلى خالدون ولا دلالة فيه على التعدي إلى غيرها وإن كان فعله
327

جائزا وفى الاخبار اختلاف كثير في تعيين ما يضاف إلى الآية التي ذكرناها بحيث يطلق على الجميع آية الكرسي على
التنزيل وصلاة ليلة النصف من شعبان وهي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد وقل هو الله أحد مائة مرة ويدعو بعدها بالمأثور
وصلاة ليلة المبعث وهي ليلة السابع والعشرين من رجب اثنتا عشرة ركعة في أي وقت شاء من الليلة ويقرء في كل ركعة
الحمد والمعوذتين بكسر اللام (الواو خ ل) وقل هو الله أحد أربع مرات فإذا فرغ قال في مكانه أربع مرات لا إله إلا الله والله أكبر
والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله رواه صالح بن عقبة عن الكاظم عليه السلام وروى في هذه الليلة
غيرها من الصلوات وصلاة يومه على ما نقل وهي اثنتا عشرة ركعة في أي وقت كان منه يقرأ في كل ركعة الحمد وسورة
فإذا فرغ وسلم جلس مكانه ثم قرأ الحمد أربع مرات وقال لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة
إلا بالله أربع مرات ثم يقول الله أكبر ربى لا أشرك به شيئا أربع مرات ثم يدعو يستجاب له إلا أن يدعو في جائحة
قوم أو قطيعة رحم رواه الكليني مرسلا عن الصادق عليه السلام
وكل النوافل المذكورة وغيرها ركعتان بتشهد
وتسليم إلا الوتر فإنه ركعة (واحدة صح) وإلا صلاة الأعرابي فإنها عشر ركعات كالصبح والظهرين فتخرج عن الضابط بالرباعيتين
وهذه الصلوات رواها الشيخ مرسلا عن زيد بن ثابت قال أتى رجل من الاعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
بأبي أنت وأمي يا رسول الله أنا نكون في هذه البادية بعيدا من المدينة فلا نقدر أن نأتيك في كل جمعة فدلني على
عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا مضيت إلى أهلي خبرتهم به فقال النبي صلى الله عليه وآله إذا كان ارتفاع النهار فصل
ركعتين تقرأ في الركعة الأولى الحمد مرة وقل أعوذ برب الفلق سبع مرات واقرأ في الثانية الحمد مرة وقل أعوذ برب الناس سبع
مرات فإذا سلمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرات ثم تصلى ثماني ركعات بتسليمتين فاقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة
وإذا جاء نصر الله والفتح مرة وقل هو الله أحد خمسا وعشرين مرة فإذا فرغت من صلاتك فقل سبحان رب العرش الكريم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فوالذي اصطفى محمدا بالنبوة ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلى هذه الصلاة يوم
الجمعة كما أقول إلا وأنا ضامن له الجنة ولا يقوم من مقامه حتى يغفر له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما واعلم أن ما ذكره المصنف
من حصر الاستثناء في الوتر وصلاة الأعرابي مما لا يسلم فيه على الركعتين هو الموجود في كتب الأصحاب الفرعية والمشهور
في الفتوى وقد يستثنى غير ذلك فقد روى الشيخ في المصباح عن النبي صلى الله عليه وآله في عمل ليلة الجمعة صلاة إحدى
عشرة ركعة بتسليمة واحدة تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين مرة مرة وتقول بعد الفراغ ساجدا
لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وثوابها أن يدخل الجنة من أي أبوابها شاء وروى فيه أيضا عن علي عليه السلام
عن النبي صلى الله عليه وآله إن من صلى ليلة الجمعة أربع ركعات لا يفرق بينهن يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة
وسورة الجمعة مرة والمعوذتين والاخلاص عشر أو آية الكرسي والجحد مرة ويقول بعدها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم سبعين مرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وروى السيد
السعيد رضى الدين بن طاوس في تتماته في عمل أول يوم من رجب عن النبي صلى الله عليه وآله ما هذا لفظه قال صلى الله
عليه وآله يصلى أول يوم من رجب أربع ركعات بتسليمة في الأولى الحمد مرة وقل هو الله أحد إحدى عشر مرة وفى الثانية الحمد مرة
وقل هو الله أحد عشر مرات وقل يا أيها الكافرون ثلث مرات وفى الثالثة الحمد مرة وقل هو الله أحد عشر مرات و
ألهاكم التكاثر مرة وفى الرابعة الحمد مرة وقل هو الله أحد خمسا وعشرين مرة وآية الكرسي ثلث مرات وهذه الروايات
وإن ذكرت مرسلة لكن صلاة الأعرابي تشاركها في ذلك وإن كانت في كتب الفروع أشهر ويشترك الجميع فيما روى
328

عن النبي صلى الله عليه وآله إن من بلغه شئ من أعمال الخير فعمل به أعطاه الله تعالى ذلك وإن لم يكن رسول الله صلى
الله عليه وآله قاله وجميع النوافل يتخير المكلف بين فعلها قائما وجالسا وهو إجماع كما ذكره في المعتبر وإن كان (فعلها صح) قائما
أفضل وكأنه لم يلتفت إلى خلاف ابن إدريس حيث منع من صلاة النافلة جالسا مع الاختيار إلا الوتيرة لشذوذه وقد روى
سدير عن أبي جعفر عليه السلام ما أصلى النوافل إلا جالسا منذ حملت هذا اللحم نعم يستحب تضعيف العدد جالسا فيحتسب ركعتين
بركعة لما روى عن النبي صلى الله عليه وآله من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف آجر القائم وعن محمد بن مسلم
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يكسل أو يضعف فيصلى التطوع جالسا قال يضعف ركعتين بركعة ولو اقتصر
على العدد جاز وإن كان دونه في الفضل وقد روى أبو بصير عن الباقر عليه السلام حين سأله عمن صلى جالسا من غير عذر
صلاته ركعتين بركعة فقال هي تامة لكم ولو قام المصلى قاعدا بعد القراءة وركع قائما أحرز صلاة القائم رواه
جماعة
عن الباقر والكاظم عليه السلام وهل يجوز فعلها اختيارا في باقي الحالات الاضطرارية كالاضطجاع والاستلقاء
جوزها المصنف في الجميع حتى اكتفى بإجراء القراءة والأذكار على القلب دون اللسان لأنه من جملة مراتب العجز واستحب تضعيف العدد
في الحالة التي صلى عليها على حسب مرتبتها من القيام فكما يحتسب الجالس ركعتين بركعة يحتسب المضطجع على الأيمن أربعا
بركعة وعلى الأيسر ثمان والمستلقي ست عشرة ومنع الشهيد رحمه الله جميع ذلك وهو أولى اقتصارا في مخالفة الأصل
على المنصوص المتيقن ويمكن دخول العمل بما اختاره المصنف في عموم حديث من بلغه شئ من أعمال الخير فعمل به أعطاه الله ذلك
والله أعلم
النظر الثالث في اللواحق وفيه مقاصد المقصد الأول في الخلل الواقع في الصلاة وفيه مطلبان
الأول في مبطلات الصلاة ولو على بعض الوجوه كل من أخل بواجب من واجبات الصلاة عمدا وجهلا بوجوبه أو بكونه
مبطلا سواء كان ذلك الواجب من أجزاء الصلاة كالقراءة والركوع والسجود أو من صفاتها كالطمأنينة في حالة القراءة
أو غيرها مما تعتبر فيه وكالجهر والاخفات في القراءة أو من شرائطها كالطهارة والستر والاستقبال وإيقاعها في الوقت
أو من تروكها الواجبة كالفعل الكثير والكلام بطلت صلاته لان الاخلال بالجزء إخلال بالكل وبالشرط إخلال
بالمشروط وللنهي عن فعل ما يجب تركه المقتضى للفساد وفى هذا الوجه نظر لخروج النهى عن العبادة بل لكل واحد من المنهيات
المبطلة دليل خاص ومن ثم تبطل الصلاة بفعل بعض المنهيات كما سيأتي وإدخال تروك الصلاة في واجباتها
وجعلها قسما منها تجوز أو بتأويل الواجب بما هو أعم من المتعارف بحيث يشمل ما يجب فعله وما يجب تركه وهذا الكلية
ثابتة في جميع مواردها إلا في الجهر والاخفات فقد عذر الجاهل فيهما لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام في رجل
جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه وأخفى فيما لا ينبغي الاخفات فيه قال إن فعل ذلك متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة
وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى فلا شئ عليه وقد تمت صلاته ويعذر جاهل غصبية الثوب أو غصبية
المكان أو نجاستهما أو نجاسة البدن أو نجاسة موضع السجود أو غصبية الماء وقد تقدم الكلام على ذلك كله وإن
الحكم يتم في جهل الغصبية دون النجاسة بل يعيد في الوقت أو جاهل موت الجلد المأخوذ من مسلم بناء على الظاهر
هذا إذا لم يستحل الميتة بالدباغ وإلا ففيه وجهان تقدم الكلام فيهما أيضا ولو وجده مطروحا فصلى فيه أعاد وإن
تبين بعد ذلك أنه مذكى للنهي عن الصلاة فيه حالة الدخول المقتضى للفساد وكذا تبطل ففعل كل ما يبطل الطهارة
من النواقض المتقدمة سواء وقعت عمدا وسهوا وعلى تقدير كون الطهارة مائية موضع وفاق وقد روى الحسن بن
الجهم عن الكاظم عليه السلام فمن صلى الظهر والعصر فأحدث حين جلس في الرابعة إن كان لم يتشهد قبل أن يحدث
329

فليعد وروى عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع متلطخا بالعذرة يعيد الوضوء
والصلاة ولو كانت ترابية وكان الحدث عمدا فكذلك ولو كان نسيانا فالمشهور ذلك أيضا وهو مختار المصنف ومن
ثم أطلق هنا تسوية بين نواقض الطهارتين وذهب جماعة من الأصحاب منهم المفيد والشيخ في النهاية إلى إن المصلى
متيمما لو أحدث في الصلاة ناسيا ووجد الماء تطهر وبنى مع عدم الاستدبار وتعمد الكلام واستندوا في ذلك
إلى صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال قلت له رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث
فأصاب الماء قال يخرج ويتوضأ ثم يبنى على ما بقي من صلاته التي صلى بالتيمم وقريب منه روى زرارة عن الباقر عليه السلام
وقد سبق في المبطون حكم يقرب منه وروايات صحيحة فيه أيضا ومال في المعتبر إلى ذلك لصحة الرواية وشهرتها وعمل أكابر
بها وأيدها بأن الواقع من الصلاة وقع مشروعا مع بقاء الحدث فلا يبطل بزوال الاستباحة كصلاة المبطون إذا
فجئه الحدث بخلاف المصلى بالطهارة المائية لان حدثه مرتفع فالحدث المتجدد رافع لطهارته فتبطل قال ولأن الاجماع
على إن الحدث عمدا يبطل الصلاة فيخرج من إطلاق الرواية ويتعين حملها على غير صورة العمد لان الاجماع لا يصادمه
وردها المصنف في المختلف باشتراط الصلاة بدوام الطهارة وبالتسوية المتقدمة وبأن التروك متى كانت من النواقض لم يفترق
العامد فيها والساهي وأول الرواية بحمل الركعة على الصلاة تسمية للكل بالجزء وبأن المراد بما مضى من صلاته ما سبق
من الصلوات السابقة على وجدان الماء ولا يخفى إن رده المذكور عين المصادرة فإن اشتراط دوام الطهارة مطلقا
وعدم الفرق في التروك بين العامد والناسي هو الذي دلت الرواية على خلافه وحكم الجماعة بمضمونه فكيف يجعل دليلا
عليهم وأما التأويل فلفظ الرواية يبنى على ما بقي من صلاته وليس فيها ما مضى فلا يتم ما ذكره وكذا تبطل الصلاة بترك
الطهارة كذلك أي عمدا وسهوا وهو موضع وفاق وبتعمد التكفير وهو لغة الخضوع ووضع اليد على الصدر متضامنا
وشرعا وضع إحدى اليدين على الأخرى سواء كان بينهما حائل أم لا وسواء وضعهما مع ذلك فوق السرة كما تفعله
العامة أم تحتها وسواء وضع اليمين على الشمال وإحدى الكفين على الأخرى أم لا حتى لو وضع الكف على الزند ونحوه بطلت
الصلاة مع التعمد ذهب إليه الأكثر بل ادعى المرتضى والشيخ الاجماع عليه وروى محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما
السلام قال قلت له الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى فقال التكفير لا تفعله وعن الصادق عليه السلام لا تكفر
إنما يصنع ذلك المجوس والاعتماد في تحريمه على النهى الحاصل في الخبرين المقتضى له لا على كونه فعلا كثيرا فإن قيل النهى
هنا عن وصف منفك عن أجزاء الصلاة فلا يلزم منه الابطال قلنا كل من قال بالتحريم قال بالابطال ومن لا فلا وحيث
ثبت التحريم لزم القول بالابطال حذرا من إحداث قول ثالث مخالف لما أجمع عليه الفريقان وإن تم الاجماع بناء على عدم
الاعتداد بمخالفة معلوم النسب فلا إشكال وقد خالف في ذلك أبو الصلاح وابن الجنيد وتبعهما المحقق في المعتبر محتجا
بعدم علمه بالاجماع وحمل الخبر على الكراهة وأيده بأن ذلك يستلزم مخالفة الهيئة المستحبة في وضع اليدين وهي
كونهما على الفخذين وغايته الكراهة وقد عرفت إن الاجماع المنقول بخبر الواحد حجة وإن مخالفة المعروف لا يؤثر فيه
وإن النهى يحمل على التحريم حتى يعارضه ما يوجب حمله على غيره ولا معارض هنا ومخالفة الهيئة المستحبة إنما تكون
مكروهة مع عدم ما يدل على التحريم وإنما يبطل التكفير الصلاة عند عدم التقية فيجوز عندها بل قد يجب معها وإن كان
عندهم سنة عند ظن الضرر بتركها ولو تركه معها قيل كان كترك الغسل في مسح الوضوء فتبطل الصلاة لتحقق
النهى وفيه نظر لان النهى هنا عن وصف خارج عن أفعال الصلاة بخلاف ما سلف فإن النهى متعلق بركن من
330

أركان الوضوء فلا تبطل الصلاة بتركه هنا وان بطل الوضوء ويجب عليه معها فعله على وجه تتأدى به التقية سواء
كانت على الهيئة المسنونة عندهم أم غيرها ولو لم تتأد إلا بها تحتمت فيأثم مع المخالفة وإن صدق التكفير وبتعمد
الكلام بحرفين فصاعدا مما أي من الكلام الذي ليس بقرآن ولا دعاء مباح ولا ذكر لله تعالى وهو موضع وفاق
وهو الحجة ولقول النبي صلى الله عليه وآله إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة
القرآن وفى حسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام وسأله عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة فقال إن لم يقدر
على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته والكلام جنس لما يتكلم به فيقع على الكلمة الواحدة وهي صادقة
على المركب من حرفين فصاعدا ويلحق به ما أفهم من الأفعال المعتلة الطرفين إذا أمر منها مثل ق ع د من وقى ووعى
وودى لصدق اسم الكلام عليه لغة وعرفا بل هو كلام عند أهل العربية فضلا عن الكلمة لتضمنه الاسناد المفيد فيدخل
في مدلول الأخبار الواردة بإبطال الكلام وربما احتمل عدم الابطال به بناء على ما أطلق من تقييد الكلام
بتركبه من حرفين فصاعدا والموجود منه صورة حرف لا غير ويضعف بما مر من وجود صورة الكلام المقتضى للبطلان و
والتقييد بحرفين من (في خ ل) كلام الفقهاء خرج مخرج الغالب أو أن المحذوف في هذه الأوامر بمنزلة المذكور فيكون المجموع
حرفين فصاعدا وفى إلحاق الحرف بعده مدة وهي الحاصلة من إشباع الضم أو الفتح أو الكسر على حرف المد بالكلام نظر
من كونه يعد حرفا واحدا ومن أن المدة أما واو أو ألف أو ياء وتسميتها مدة لا تخل بكونها حرفا وفى تحقيق المخل
في هذه المسألة ونظائرها من الأصوات التي يخرج معها حرفان كالتنحنح ونحوه بحث وذلك لان الكلام إذا أخذ
بالمعنى المصطلح عليه بين أهل الصناعة لم يتم الحكم بكون حرف المد مبطلا على الاطلاق أو غير مبطل لاشتراط الوضع
في الكلمة وحرف المد منه ما هو موضوع كذلك مثل باتاثا علما على الحروف المخصوصة ومنه ما ليس موضوعا ولا دالا على معنى
مثل عاكا فإن هذه وأمثالها لا تعد كلمات بذلك المعنى ومثله القول في الحرفين الخارجين من التنحنح ونحوه فإنهما
ليسا موضوعين لمعنى ولا دالين عليه بل إن دلا على شئ فإنما هي دلالة طبعية لا وضعية كدلالة أخ على وجع
الصدر وليس في المعنى اللغوي ما يدل على خلاف ذلك فالمصير إليه متعين ومقتضاه حينئذ عدم البطلان بما يخرج من الحرفين
بسبب التنحنح والنفخ ونحوهما لأنه لا يعد كلاما وبه جزم المصنف في التذكرة والنهاية خصوصا مع توقف القراءة أو الذكر أو
الجهر بهما على التنحنح ويؤيد ذلك رواية عمار عن الصادق عليه السلام وقد سأله عن الرجل يسمع صوتا بالباب وهو في
الصلاة فيتنحنح ليسمع جاريته أو أهله لتأتيه فيشير إليها بيده يعلمها من بالباب لتنظر من هو قال لا بأس به مع
إن الأغلب على التنحنح أن يخرج منه حرفان ولا يكاد يسلم منهما إلا بتكلف شديد لا يطلق عليه اسم التنحنح نعم روى
طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام قال من أن في صلاته فقد تكلم لكن الحديث ضعيف ويمكن
حمله على الكراهة المؤكدة ويؤيده إن الأنين إنما يكون كالكلام إذا خرج معه حرفان لا أقل إجماعا فإطلاق النهى
عنه المستفاد من جعله كالكلام ينزل على الكراهة ولو سلم أمكن خروج الأنين بالنص الخاص ويبقى الباقي على الأصل
وهو مختار المصنف في النهاية فإن قيل يلزم من اعتبار الكلام الصناعي عدم بطلان الصلاة بالتلفظ بالكلمات المهملة
المشتملة على عدة أحرف كديز وبيز ونحوهما لعدم تحقق الدلالة والوضع قلنا هذه الألفاظ تسمى كلاما في العرف العام
وإن لم تكن كلاما عند أهل الصناعة وهو العرف الخاص وإطلاق الكلام عليها في ذلك كاف في البطلان فإن
قيل الاشكال آت من وجه آخر وهو إن الكلمة كما تطلق على ما تركب من حرفين مثل من وعن تطلق أيضا على الحرف
331

الواحد كالباء والكاف واللام الموضوعة لمعان مخصوصة فإنها أحد أقسام الكلمة كما أن الاسم أحد أقسامها قلنا
الحرف الواحد خرج من ذلك بالاتفاق على عدم إبطاله الصلاة على الوجه المتقدم فيبقى الكلام في الباقي ولولا
ذلك أمكن القول بإبطال الحروف الدالة على معان في غيرها كما ذكر وبالجملة فالمسألة موضع اشكال ودليلها
غير مطابق لما أطلقوه في حكمها ولكنهم أعلم بالحال واعلم أنه لا فرق في بطلان الصلاة بتعمد الكلام بين كونه لمصلحة
الصلاة وغيرها ولا بين الجاهل بالتحريم والعامد لوجوب التعلم وخرج بقيد العمد الكلام ناسيا فإنه لا يبطل
الصلاة إجماعا ويدل عليه أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم ناسيا
في الصلاة يقول أقيموا صفوفكم قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين نعم لو طال زمان التكلم التحق بالفعل الكثير والتسليم
في غير موضعه كلام ولا فرق في القرآن المستثنى بين أن يقصد به مجرد قراءته وبين أن يضيف إليها مقصدا آخر كإفهام
الغير بعض الأغراض المباحة ولو قصد مجرد الافهام فوجهان وعدم البطلان لا يخلو من وجه لان القرآن لا يخرج عن موضوعه
بقصد غيره به لان معجزه في نظمه وأسلوبه الخاص ولا مدخل للقصد في ذلك نعم لو أتى بكلمة واحدة منه بحيث يحصل
الغرض ولا يتم النظم اتجه اعتبار القصد وعدمه
وكذا تبطل الصلاة بالالتفات إلى ما وراء إن كان بكله لرواية زرارة
عن الباقر عليه السلام قال الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله ومفهوم الشرط حجة عند المصنف وغيره من المحققين و
مفهومه إن الالتفات بالوجه خاصة لا يقطعها مطلقا وإن كره واختار جماعة من الأصحاب منهم الشهيد البطلان
مع بلوغ الوجه حد الاستدبار وإن كان الفرض بعيدا ويدل عليه رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا التفت
في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات فاحشا إذ لا التفات أفحش مما يصير إلى حد الاستدبار ولو كان
الالتفات إلى ما دون الاستدبار فإن كان بالوجه خاصة فلا إبطال وسيأتي لمفهوم الخبر السالف ولرواية عبد
الملك قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة قال وما أحب أن يفعل وهي محمولة
على الالتفات بالوجه دفعا للتنافي وخالف في ذلك ولد المصنف فأبطل به الصلاة وهو ضعيف لما عرفت من أن الاخبار
أما مطلقة في عدم الابطال أو مقيدة بالالتفات بكله أو بالفاحش ولا يتحقق بذلك نعم هو مذهب بعض العامة محتجا
بقول النبي صلى الله عليه وآله لا تلتفوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت والرواية ضعيفة عندهم لان راويها عبد الله
بن سلام وهو ضعيف ويمكن حملها على الالتفات بكله كما رواه زرارة والاعتبار بصيرورة الوجه في حد اليمين واليسار
لا النظر وإن بلغ حد الاستدبار ولو كان الالتفات بالبدن فإن وقع عمدا أبطل الصلاة مطلقا لمنافاته الاستقبال
الذي هو شرط وإن كان سهوا وكان يسيرا لا يبلغ حد اليمين واليسار لم يضر وإن بلغه عاد في الوقت لا في خارجه كمن صلى
جميع الصلاة كذلك وإنما يطل الالتفات في مواضعه لو وقع على وجه الاختيار أما لو وقع اضطرارا بهواء أو غيره
ففي إبطاله نظر من أن الاستقبال شرط فيبطل المشروط بفواته ولا يفرق بين الحالين كالطهارة إلا ما أخرجه النص و
من العفو عما استكره الناس عليه للخبر وهذا هو الظاهر وتعمد القهقهة وهي لغة الترجيع في الضحك أو شدة الضحك
والمراد هنا مطلق الضحك كما صرح به المصنف في غير هذا الكتاب وبطلان الصلاة بها مع العمد موضع وفاق وروى زرارة
عن الصادق عليه السلام القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة وفى موثقة سماعة القهقهة تقطع الصلاة
دون التبسم ولا يعتبر فيها الكثرة بل يكفي مسمى الضحك لاطلاق النص ولو وقعت على وجه لا يمكن دفعه لمقابلة ملاعب
ونحوه فقد استقرب في الذكرى البطلان وإن لم يأثم لعموم الخبر واحترز بالعمد عما لو وقعت نسيانا فإنها لا تبطل
332

إجماعا كما أجمع على عدم البطلان بالتبسم وهو ما لا صوت معه وإن كره تعمد الفعل الكثير الذي ليس من الصلاة وهو ما يخرج
فاعله به عن كونه مصليا عرفا دون القليل كلبس العمامة والرداء ومسح الجبهة وقتل الحية والعقرب لما روى إن النبي
صلى الله عليه وآله قتل عقربا في الصلاة وأمر بقتل الأسودين الحية والعقرب فيها وفى صحيحة الحسين بن العلا قال سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الرجل يرى الحية والعقرب وهو يصلى المكتوبة قال يقتلها والمرجع في القلة والكثرة إلى العادة
لأنها المرجع فيما لا تقدير له شرعا ولا عبرة بالعدد فقد يكون الكثير فيه قليلا كحركة الأصابع وحك البدن باليد كما
يكون القليل فيه كثيرا كالطفرة الفاحشة ومن هنا جاز عد الركعات والتسبيح بالأصابع والسبحة وإن توالى لعدم
الخروج به عن اسم المصلى ويعتبر فيه التوالي فلو تفرق بحيث حصلت الكثرة من اجتماع أجزائه وكل واحد منها لا يعد كثيرا
فالظاهر عدم الابطال مع عدم دلالة العرف عليه وقد روى إن النبي صلى الله عليه وآله حمل أمامة بنت أبي العاص وهي ابنة
ابنته وكان يضعها إذا سجد ويرفعها إذا قام وهذا الفعل لو جمع لكان كثيرا ومقتضى عطف المصنف الفعل الكثير على ما
تقدم أنه يبطل مع العمد لا مع السهو وهو ظاهر غيره من الأصحاب لعموم قوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي الخطأ و
والنسيان ويشكل ذلك في الكثير الذي يوجب انمحاء صورة الصلاة وتعمد البكاء للدنيوية من الأمور كذهاب مال وفقد حي
محبوب وإن وقع على وجه لا يمكن دفعه لكن به يرتفع الاثم واحترز بالعمد عن النسيان فإنه لا يبطل لعموم الخبر وبالدنيوية عن
البكاء لأمر الآخرة كذكر الجنة والنار فإنه لا يبطل بل هو من أفضل الأعمال رواه أبو حنيفة عن الصادق عليه السلام وروى
إن النبي صلى الله عليه وآله سمع في بعض صلاته لصدره أزيز بالزائين المعجمتين كأزيز المرجل وهو غليان صدره بالبكاء هذا إذا
لم يشتمل على كلام ليس بقرآن ولا دعاء ولا ذكر وإلا أبطل أيضا ولو خرج منه حرفان بحيث لا يصدق عليهما اسم الكلام فكما
مر في التنحنح وقطع المصنف هنا أيضا بعدم البطلان بهما والفارق بين البكاء المبطل وغيره القصد واعلم إن البكاء المبطل
للصلاة هو المشتمل على الصوت لا مجرد خروج الدمع مع احتمال الاكتفاء به في البطلان ووجه الاحتمالين اختلاف معنى
البكاء لغة مقصورا وممدودا والشك في إرادة أيهما من الاخبار قال الجوهري البكاء يمد ويقصر فإذا مددت أردت الصوت
الذي يكون مع البكاء وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها قال الشاعر بكت عيني وحق لها بكاها وما يغنى البكاء
ولا العويل وتعمد الأكل والشرب وهو في الجملة موضع وفاق لكن اختلف في السبب الموجب للبطلان فقيل كونه أكلا وشربا
فيكفي فيه مسماهما واختاره الشيخ رحمه الله وفيه نظر لعدم الدليل الدال على ذلك وقيل لكونه فعلا كثيرا فيقيدان
بالكثرة فلا يبطل ازدراد ما بين الأسنان ولا تذويب سكرة وضعها في فمه ونحوهما وهو أجود فلا خصوصية حينئذ للأكل والشرب
بل الفعل الكثير ولو وضع في فمه لقمة ومضغها وابتلعها أو تناول قلة وشرب منها فقد قال المصنف في التذكرة والنهاية
أنه مبطل أيضا لان التناول والمضغ والابتلاع أفعال كثيرة وكذا المشروب والأولى اعتبار الكثرة عرفا ولو فعل ذلك
تأسيا لم تبطل مطلقا إجماعا كما ذكر في المنتهى إلا أن توجب محو صورة الصلاة رأسا فيجئ فيه ما مر في الفعل الكثير وهذا
الحكم ثابت في جميع الصلوات فرضها ونفلها إلا في موضع واحد وهو الوتر لمن أصابه عطش وهو يريد الصوم وخاف
فجئة الصبح لرواية سعيد الأعرج قلت لأبي عبد الله عليه السلام أنى أريد الصوم وأكون في الوتر فأعطش وأكره أن أقطع
الدعاء وأشرب وأكره أن أصبح وأنا عطشان والماء في قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة قال تسعى إليها وتشرب منها
حاجتك وتعود في الدعاء واشترط بعض الأصحاب مع ذلك أن لا يفعل ما ينافي الصلاة غير الشرب اقتصارا في الرخصة
على موردها فلا يستدبر ولا يفعل فعلا كثيرا غير الشرب ولا يحمل نجاسة غير معفو عنها إلى غير ذلك وأكثره مستفادا من الرواية
333

لكن تجويزه ثلث خطوات قد ينافي منع الفعل الكثير الحاصل منها فإن المصنف في كتبه عدها كثيرة فإن سلم ذلك كان أيضا
مستثنى للرواية ولا فرق في الوتر بين الواجب بنذر وشبهه والمندوب ولا في الصوم بين كونه واجبا أو مندوبا لان ترك
الاستفصال في الرواية يوجب العموم والشيخ جعل مورد الرخصة مطلق النافلة واستدل بالرواية وقد عرفت أنها
مخصوصة بالقيود المذكورة فتعديتها إلى مطلق النافلة غير واضح لكن يبقى للشيخ على الجماعة تعديتهم لها إلى صلاة الوتر
مع تقييده في الرواية بكونه في دعائه ومن ثم قصرها بعض الأصحاب على موردها لا غير وهو حسن ولا يبطل جميع ذلك
المتقدم من قوله وبتعمد التكفير إلى هنا لو وقع سهوا وقد مر الكلام فيه
وتبطل الصلاة أيضا بالاخلال بركن
من الأركان الخمسة عمدا وسهوا وقد تقدم الكلام عليها في محالها وكذا تبطل الصلاة بزيادته كذلك أي عمدا
وسهوا لاشتراك الزيادة والنقصان في تغيير هيئة الصلاة ولقول الصادق عليه السلام من زاد في صلاته فعليه الإعادة
خرج منه ما أخرجه دليل آخر فيبقى الباقي ويستثنى من زيادة الركن عمدا النية فإن زيادتها غير مبطلة مع عدم
التلفظ بها كما مر لان الاستدامة الفعلية أقوى من الحكمية وقد تقدم أن الاكتفاء بالحكمية إنما جاء حذرا
من الحرج والعسر ولو فرض الاكتفاء بها لغير ذلك فالبطلان يحتاج إلى دليل وليس في مجرد الغرم على الصلاة بالقلب
ما يدل عليه اللهم إلا أن يراد بزيادتها القصد إلى ابتداء الفعل إلى آخرها فإن البطلان حينئذ واضح لاستلزام
ذلك رفض الفعل السابق وبطلان الاستدامة الحكمية أو نقول إن زيادتها على هذا الوجه لا يتحقق إلا مع المقارنة للتحريمة ومعها يتحقق الابطال أيضا بكل منها وإن استلزم اجتماع معرفات كما في زيادة القيام المشروط بالركوع
لكن في توقف تحقق النية على ذلك بحث فإن المراد من زيادة هذه الأركان صورها لا حقيقتها والألم يتحقق
زيادة ركن البتة وحينئذ يتصور زيادة النية بدون التكبير وإن كانت مقارنتها من جملة واجباتها إذ لا يراد بها إلا
القصد إلى الفعل على الوجه المخصوص ولا يتوقف البطلان على الاتيان ولا ذكر ونحو ذلك بجميع ما يعتبر فيها كما لو زاد ركوعا بغير طمأنينة
ولا ذكر ونحو ذلك ويمكن الفرق بين الامرين بأن حقيقة الركوع الركني يتم بدون ما ذكر ومن ثم لو ركع كذلك ونسي
باقي الواجبات حتى الرفع منه وواجباته إلى أن دخل في السجود صحت صلاته بخلاف ما لو أتى بالبينة ونسي مقارنتها
للتكبيرة فإن الصلاة لا تنعقد فضلا عن أن ذلك لا يضر فدل ذلك على أن النية التي هي ركن لا تتم بدون المقارنة للتكبير
فكذا صورة ذلك ويستثنى من السهو الركني مواضع أ النية أيضا فإن زيادتها سهوا لا تبطل بطريق أولى على ما تقرر
ب القيام إن جعلناه ركنا كيف ما اتفق كما اختاره بعض الأصحاب واختاره المصنف واستثناه من القاعدة وعلى ما حققه المتأخرون من أن مطلق القيام ليس بركن بل قيام خاص لا استثناء ج الركوع فيما لو سبق به المأموم أمامه سهوا
ثم عاد إلى المتابعة وسيأتي د الركوع أيضا فيما لو استدركه الشاك فيه في محله ثم تبين قبل رفع رأسه ثم تبين وقد رفع رأسه فعله قبل
على ما اختاره الشهيد وجماعة وسيأتي تحقيقه ه‍ السجود إذا زاد منه سجدة سهوا إن جعلنا الركن منه هو الماهية الكلية
كما حققه الشهيد في الذكرى ولو جعلنا الركن مجموع السجدتين كان نقصان الواحدة أيضا مستثنى من قاعدة البطلان
بنقصان الركن بناء على أن المجموع يفوت بفوات بعض أجزائه وقد مر تحقيقه ولو تبين للمحتاط إن صلاته كانت
ناقصة وإن الاحتياط مكمل لها فإنه يجزيه كما سيأتي إن كان الذكر بعد الفراغ أو قبله على قول قوي ويغتفر ما زيد من
الأركان من النية وتكبيرة الاحرام ز لو سلم على بعض (نقص خ ل) من صلاته ثم شرع في فريضة أو ظن أنه سلم فشرع في فريضة
أخرى ولما يأت بينهما بالمنافي فإن المروي عن صاحب الامر عليه السلام الاجزاء عن الفريضة واغتفار ما زيد
334

من تكبيرة الاحرام وهل يفتقر إلى العدول إلى الأولى يحتمله لأنه في غيرها وإن كان سهوا كما لو صلى العصر ظانا أنه قد
صلى الظهر ثم تبين العدم في الأثناء وعدمه وهو الأصح لعدم انعقاد الثانية لان صحة التحريم بالثانية موقوف
على التسليم من الأولى في موضعه أو الخروج بغيره ولم يحصلا نعم ينبغي ملاحظة كونه في الأولى من حين الذكر بناء على
تفسير الاستدامة الحكمية بأمر وجودي وعلى التفسير الأصح يكفي في الأفعال الباقية عدم إيقاعها بنية الثانية ح
لو زاد ركعة سهوا أخر الصلاة وقد جلس أخرها بقدر التشهد فإن الصلاة صحيحة والزيادة مغتفرة وإن اشتملت
على أركان كما سيأتي ط لو أتم المسافر جاهلا بوجوب القصر أو ناسيا ولم يذكر حتى خرج الوقت صحت الصلاة واغتفرت
الزيادة وسيأتي أن شاء الله ى لو كان في الكسوف وتضيق وقت الحاضرة قطعها وأتى بالحاضرة ثم بنى على الكسوف
على ما اختاره جمع من الأصحاب ورواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام حين سأله ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب
قبل العشاء فإن صلينا خشينا أن تفوت الفريضة قال إن خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك فإذا فرغت
من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت فصل واحتسب بما مضى ورواه هو وغيره عن الصادق عليه السلام بلفظ يقرب
من هذا وكذا تبطل الصلاة بزيادة ركعة كذلك أي عمدا وسهوا والحكم مع العمد ظاهر وأما مع السهو فلما مر في زيادة
الركن ولقوله عليه السلام في رواية أبي بصير من زاد في صلاته فعليه الإعادة ويستثنى من ذلك زيادة الركعة في الرباعية
إذا جلس عقيب الرابعة قدر واجب التشهد فإن الصلاة لا تبطل بذلك لقول الباقر عليه السلام في رجل استيقن أنه صلى
الظهر خمسا فقال إن كان علم أنه جلس في الرابعة فصلوته الظهر تامة ويضيف إلى الخامسة ركعة ويسجد سجدتين لتكونان
نافلة ولا شئ عليه ولو ذكر الزيادة قبل الركوع هدم الركعة وصحت الصلاة مطلقا وسجد للسهو ولو ذكر بعد الركوع
وقبل كمال السجود فوجهان أحدهما وهو الذي اختاره المصنف البطلان لأنا إن أمرناه بالسجود زاد ركنا آخر في الصلاة وإن لم نأمره
زاد ركنا غير متعبد به بخلاف الركعة الواحدة لامكان البناء عليها نفلا كما سبق والثاني إلحاقه بما لو ذكر بعد السجود
فيجلس ويتشهد ويسجد للسهو لثبوت ذلك بعد الركعة فبعد بعضها أولى واختاره في الذكرى وفى انسحاب الحكم إلى زيادة
أكثر من ركعة وإلى غير الرباعية إذا جلس أخرها بقدر واجب التشهد وجهان من المساواة في العلة ومخالفة المنصوص الثابت
على خلاف الأصل واختار في الذكرى التعدية فيهما وأطلق جماعة من الأصحاب البطلان بالزيادة مطلقا كما يقتضيه
ظاهر العبارة لعموم قول الباقر عليه السلام إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته و
رواية أبي بصير السالفة وحملهما على من لم يجلس بقدر التشهد طريق الجمع وفى الاكتفاء في الجلوس بقدر التشهد دلالة على ندب التسليم
وإلا لاعتبر الجلوس بقدره أيضا وكذا تبطل بنقصان ركعة عمدا لما مر في نقصان الركن وأولى بالبطلان ولو نقصها أو
نقص ما زاد على الركعة سهوا أتم الصلاة إن لم يكن تكلم أو استدبر القبلة أو أحدث ولو فعل هذه أحد أو غيرها من المنافيات
بطلت لحصول المنافى في أثناء الصلاة وهذا الحكم في المنافى عمدا وسهوا كالحدث والاستدبار ظاهر أما في المنافى عمدا لا غير
كالكلام فيشمل الحكم بالبطلان معه لأن المفروض وقوعه سهوا فلا يزيد على فعله في أثناء الصلاة اللهم إلا أن يزيد بحيث
يخرج به عن كونه مصليا فيتجه البطلان وقد مر مثله في الفعل الكثير وقد روى زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام قال
سألته عن رجل صلى بالكوفة ركعتين ثم ذكر وهو بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة ببلدة من البلدان أنه صلى ركعتين
قال يصلى ركعتين وقريب منه روى عمار عن الصادق عليه السلام وهو إن من سلم في ركعتين من الظهر أو العصر أو المغرب
أو العشاء الآخرة ثم ذكر فليبن على صلاته ولو بلغ الصين وعمل بمضمونهما الصدوق وحملهما الشيخ على النافلة لمعارضتهما
335

لغيرهما مما يدل على البطلان كرواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال سئل عن رجل دخل مع الامام في
صلاته وقد سبقه بركعة فلما فرغ الامام خرج مع الناس ثم ذكر أنه فاتته ركعة قال يعيد ركعة إذا لم يحول وجهه
عن القبلة فإذا حول وجهه استقبل الصلاة وفى الحمل بعد لاقتضاء الرواية زيادة الصلاة على ركعتين وتدور ذلك
في النافلة ولو تيقن أنه ترك سجدتين وشك هل هما من ركعة واحدة أو اثنتين بطلت الصلاة مراعاة للاحتياط
لان به يحصل يقين براءة الذمة ولأنه إذا تكافأ احتمال الصحة بكونهما من ركعتين والفساد بكونهما من ركعة بقي يقين
شغل الذمة بالصلاة ويحتمل قضاؤهما والسجود للسهو وصحة الصلاة للشك في لحوق المبطل وتحقق فوات السجدتين
أعم من كونه مبطلا فلا يدل على الخاص وهو البطلان ولو شك قبل كمال السجود وبعد الركوع هل رفعه من الركوع
لرابعة أو خامسة بطلت صلاته لتردده بين محذورين كل منهما مبطل للصلاة لأنه إن أتمها أمكن كونها خامسة وإن
قطعها أمكن كونها رابعة مع القطع بعدم انفكاكه من الزيادة والنقصان فتبطل وذهب جماعة من الأصحاب منهم المحقق
والشهيد إلى الصحة كما لو وقع الشك بعد السجود إلحاقا لها بما بعدها لاشتراكهما معا في تجويز الزيادة وهو غير مانع
لأصالة عدمها ولأنه لو منع لاثر في جميع صوره إذ التجويز قائم والفرق بأن ما بعد السجود محتمل للزيادة سهوا و
المتنازع معرض له عمدا غير جيد لان الزيادة المحتملة ركن ولا فرق في زيادته بين العمد والسهو ولو قيل إن ما بعد
السجود منصوص فإلحاق غيره به قياس وأصالة عدم الزيادة لو أثرت لما بطلت الصلاة بشك غير منصوص أمكن إلا أن
النص غير صريح في كون الشك بعد السجود فإن الركعة تسمى رابعة وخامسة وإن لم يكملها خصوصا بعد الرفع من الركوع
للاتيان بمعظمها وأصالة عدم الزيادة تصلح متمسكا في الباب إلا أن يمنع مانع كتعذر البناء على أحد الطرفين أو
استلزام البنا على مقتضى الأصالة تعلق الشك بما يزيد على الخمس عند القائل بإبطال الصلاة به أو غير ذلك من
الموانع ولو كان الشك في حالة الاستواء في الركوع فالوجهان ويحتمل ثالث وهو إرسال نفسه وهدم الركعة كما لو
وقع قبل الركوع فكأنه شاك بين الثلث والأربع ويزيد المرغمتين وهو ضعيف نعم لو وقع قبل الركوع كان كما
ذكر سواء كان بعد القراءة أو فيها أو قبلها بل لو وقع قبل الوصول إلى حد الراكع وإن أخذ في الانحناء فكذلك
وتبطل الصلاة أيضا لو شك في عدد الثنائية كالصبح ورباعية السفر وصلاة العيدين في حالة كونها فرضا وصلاة
الكسوف إذا شك في عدد ركعاتها أما لو شك في عدد ركوعاتها بنى على الأقل لأصالة عدم فعله مع الشك فيه في محله
إلا أن يستلزم الشك في الركعات كما لو شك بين الخامس والسادس وعلم أنه إن كان في الخامس فهو في الأولى أو في
السادس فهو في الثانية واحترز بالفرض في العيدين عما لو كانت نفلا فإن الشك فيها لا يبطلها كباقي النوافل و
سيأتي ولو نذر ركعتين أو ثلثا لحقت بالمكتوبة ولو نذر أربعا بتسليمة فالظاهر لحوقها بالرباعية أيضا وكذا
تبطل بالشك في عدد الثلاثية كالمغرب وفى عدد الأوليين مطلقا لرباعية كانت أم لغيرها لصحيحة محمد بن مسلم عن
الصادق عليه السلام في الرجل يصلى فلا يدرى واحدة صلى أو اثنتين قال يستقبل حتى يستيقن أنه قد أتم وفى الجمعة
وفى المغرب وفى صلاة السفر وغيرها من الاخبار ولا فرق في ذلك بين الشك في النقيصة والزيادة للعموم ولا بين
اليومية والمنذورة لفحوى الأحاديث وما ورد من الاخبار بخلاف ذلك تحمل على النافلة أو على غلبة الظن كما سيأتي
وكذا تبطل إذا شك ولم يعلم كم صلى إذ لا طريق إلى البراءة بدونه ولرواية صفوان عن الكاظم عليه السلام إذا لم
تدر كم صليت ولم يقع وهمك على شئ فأعد الصلاة معنى ومعنى قوله ولم يقع وهمك على شئ أنه لو ظن شيئا
336

بنى عليه كما سيأتي واستعمل الوهم بمعنى الظن فإنه أحد معانيه والحاصل أنه يجب على الشاك في جميع الموارد عند عروضه
التروي فإن غلب ظنه على شئ بنى عليه سواء أوجب الصحة أم البطلان وإن بقي الشك وتساوى الطرفان لزمه حكمه من صحة
أو بطلان أو لم يعلم ما نواه فإن الصلاة تبطل أيضا لانتفاء الترجيح هذا إذا لم يعلم ما قام إليه وإلا بنى عليه عملا
بالظاهر من أنه نوى ما في نفسه أن يفعله ولو كان الشك بعد الفراغ من صلاة أربع هل هي الظهر أو العصر بنى
على الظهر عملا بالظاهر من أنه بدأ بالواجب أولا ولو صلى رباعية مرددة بين الظهر والعصر كان طريقا إلى البراءة
أيضا إذا صادفت الأولى الوقت المشترك وإلا لم يصح الترديد كذا ذكره الشهيد وجماعة مع احتمال البطلان في
الجميع كما يقتضيه إطلاق العبارة لعدم اليقين
ويكره للرجل العقص لشعر رأسه وهو جمعه فيه وشده بظفيرة ونحوها
لما روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه مر برجل يصلى وقد عقص شعره فأطلقه صلى الله عليه وآله وروى مصادق
عن الصادق عليه السلام في رجل صلى الفريضة وهو معقوص الشعر قال يعيد صلاته وحرمه الشيخ لهذه الرواية و
أبطل به الصلاة حتى ادعى في الخلاف الاجماع على التحريم والأكثر على الكراهة لضعف الرواية بمصادق ومنع الاجماع
مع مخالفة الأكثر ومال في الذكرى إلى قول الشيخ بناء على حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد وللاحتياط والقول
بالكراهة أجود وعلى تقدير التحريم لا يتجه بطلان الصلاة لان النهى عن أمر خارج والحكم مخصوص بالرجل كما قيدناه
فلا كراهة ولا تحريم في حق النساء فإطلاق العبارة قاصر واختار فخر الدين ولد المصنف التحريم إن منع من السجود وهو
خروج عن المسألة ومستلزم لاستواء الرجل والمرأة في ذلك والالتفات بالوجه يمينا وشمالا لرواية عبد الملك عن
الصادق عليه السلام وسأله عن الالتفات في الصلاة أيقطعها قال لا وما أحب أن يفعل وحرمه ولد المصنف وأبطل به
الصلاة لقوله عليه السلام لا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك وروى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله لا
تلتفوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت ويحمل القلب على بلوغه حد الاستدبار والالتفات على كونه بكله كما قيد
في رواية زرارة السالفة جمعا بين الاخبار خصوصا مع ضعف هذه الرواية ولا يضر بلوغ النظر حد الاستدبار مع
عدم تجاوز الوجه اليمين واليسار وهل يكره النظر يمينا وشمالا مع عدم التفات الوجه يبنى على أن خلاف المستحب هل هو
مكروه أم لا وقد تقدم الكلام فيه والأولى كونه خلاف الأولى ولا يختص بالالتفات بل بخروجه عن موضع سجوده
والتثأب بالهمز قال في الصحاح تقول تثأبت ولا تقل تثاوبت والتمطي وهو مد اليدين وروى الحلبي عن الصادق
عليه السلام وقد سأله عن الرجل يتثاب في الصلاة ويتمطى قال هو من الشيطان والفرقعة بالأصابع لما روى عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي لا تفرقع أصابعك وأنت تصلى وعنه صلى الله عليه وآله أنه سمع فرقعة رجل من
خلفه فلما انصرف قال النبي صلى الله عليه وآله أما أنه حطه من صلاته والعبث لمنافاته الخشوع وروى إن النبي صلى الله
عليه وآله رأى رجلا يعبث في الصلاة فقال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ونفخ موضع السجود لما روى عن النبي صلى الله عليه وآله
أربع من الجفاء أن ينفخ في الصلاة وأن يمسح وجهه قبل أن ينصرف من الصلاة وأن يبول قائما وأن يسمع
المنادى فلا يجبيه وروى محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قلت الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته قال لا والمراد
منه الكراهة لقوله صلى الله عليه وآله في حديثين آخرين لا بأس وهذا إذا لم يخرج من النفخ حرفان وإلا ففيه ما مر
والتنخم والبصاق روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنك بين يدي الله تعالى فإن كنت
لا تراه فاعلم أنه يراك فاقبل قبل صلاتك ولا تمتخط ولا تبصق ولا تنقض أصابعك ولا تورك فإن قوما
337

عذبوا بنقض الأصابع وهو أصواتها يقال نقض أصابعه ضرب بها لتصوت وروى إن النبي صلى الله عليه وآله
كان يأخذ النخامة بثوبه ويشترط فيهما أن لا يخرج معهما حرفان وإلا ففيه ما مر والتأوه بحرف وأصله قول
أوه عند الشكاية والتوجع والمراد هنا النطق بهذا الصوت على وجه لا يظهر منه حرفان والأنين به أي بالحرف الواحد
وهو مثل التأوه إلا أن الأنين للمريض والتأوه للأعم منه وإنما كره كل منهما لقربه إلى الكلام مع عدم تمييز الحرفين
منه وإلا أبطل لقول الصادق عليه السلام من أن فقد تكلم وقد تقدم الكلام فيه ومدافعة الأخبثين أو الريح لما
فيه من سلب الخشوع ولقول النبي صلى الله عليه وآله لا تصل وأنت تجد
شيئا من الأخبثين وكذا مدافعة النوم للاشتراك في العلة وقيل أنه المراد بالسكر في قوله تعالى لا تقربوا
الصلاة وأنتم سكارى وإنما يكره إذا كانت المدافعة قبل الصلاة والوقت متسع أما لو عرضت في أثناء الصلاة أو
كان الوقت ضيقا لم تكره لتحريم قطع الصلاة ووجوب الاشتغال بها مع الضيق نعم لو عجز عن المدافعة أو خشى
ضررا جاز القطع وقد روى عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام حين سأله عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه
وهو يستطيع الصبر عليه أيصلى على تلك الحالة أو لا فقال إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل و
ليصبر قال في البيان ولا يجبره يعنى مدافعة الثلاثة فضيلة الايتمام أو شرف البقعة وفى نفى الكراهة باحتياجه إلى
التيمم نظر
ويحرم قطع الصلاة الواجبة اختيارا لقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم والنهى للتحريم خرج منه أخرجه
الدليل فيبقى الباقي ويجوز للضرورة كقبض الغريم وحفظ النفس المحترمة من التلف أو الضرر كالصبي الذي
يخاف وقوعه في النار أو البئر وانقاذ الغريق وقتل الحية التي يخافها على نفس محترمة واحراز المال المخوف
ضياعه وقد تقدم جواز القطع عند خوف ضرر الحدث مع إمساكه ومثله ما لو ظن سريان النجاسة إلى ثوبه أو بدنه
واعلم إن القطع يجئ فيه الأحكام الخمسة فيجب لحفظ النفس والمال المحترمين حيث يتعين عليه فإن استمر حينئذ بطلت
صلاته للنهي المفسد لها ويستحب كالقطع لاستدراك الأذان والإقامة وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة
وقد تقدما وللايتمام بإمام الأصل وغيره كما سيأتي يباح لاحراز المال اليسير الذي لا يضر فواته وقتل الحية
التي لا يظن آذاها ويكره لاحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته قاله في الذكرى واحتمل التحريم وقد سبق تحريمه
في غير ذلك قال في الذكرى وإذا أراد القطع فالأجود التحلل بالتسليم لعموم وتحليلها التسليم ولو ضاق الحال عنه
سقط ولو لم يأت به وفعل منافيا آخر فالأقرب عدم الاثم لان القطع سائغ والتسليم إنما يجب التحلل به في الصلاة
التامة وكذا يجوز الدعاء في أثناء الصلاة قائما أو قاعدا أو راكعا أو ساجدا أو متشهدا بالمباح للدين والدنيا
لعموم قوله تعالى أدعوني استجب لكم ولن النبي صلى الله عليه وآله دعا على قوم ولقوم قائما وقال ادعوا الله في
سجودكم فإنه قمن (ضمن خ ل) أن يستجاب لكم وعن الصادق عليه السلام كلما كلمت الله به في صلاة الفريضة فلا بأس به ولا يجوز
الدعاء بالشئ المحرم فتبطل به الصلاة ولو جهل تحريم المدعو به ففي بطلان الصلاة به نظر من عدم وصفه بالنهي وتفريطه
بترك التعلم ورجح في الذكرى الصحة وقطع المصنف بعدم عذره ولا يعذر جاهل كون الحرام مبطلا لتكليفه بترك
الحرام وجهله تقصير منه وكذا الكلام في سائر منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل بالحكم عن المنافاة ويظهر من الشيخ
في التهذيب أن الجهل بالحكم عذر وكذا يجوز رد السلام على المسلم لعموم قوله فحيوا بأحسن منها أو ردوها والصلاة غير منافية
لذلك وليكن الرد بالمثل فيقول لمن قال سلام عليكم كذلك ولا يقول وعليكم السلام وإن جاز في غيرها لرواية عثمن بن
338

عيسى عن الصادق عليه السلام وروى محمد بن مسلم في الصحيح قال دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة فقلت
السلام عليك فقال السلام عليك فقلت كيف أصبحت فسكت فلما انصرف قلت له أيرد السلام وهو في الصلاة فقال
نعم مثل ما قيل له وهذا الخبر يقتضى عدم انحصار الجواب في سلام عليكم لوروده في القرآن وعلى تقدير الرد به لا
يجب أن يقصد به القرآن للاطلاق ولتجويز غيره مما لا يتصور فيه قصد القرآن وخالف ابن إدريس في اعتبار المثل فجوز
الرد بقوله عليكم السلام خصوصا مع تسليم المسلم به لعموم الآية واستضعافا بخبر الواحد والأصحاب على خلافه ولا يقدح
في المثل زيادة الميم في عليكم في الجواب لمن حذفه لأنه أزيد دون العكس لأنه أدون ويجب على المجيب إسماعه تحقيقا أو
تقديرا لأنه المفهوم من الامر ولو رد غيره اكتفى إن كان مكلفا وفى الاكتفاء برد الصبي المميز وجهان مبنيان على
إن أفعاله شرعية أو تمرينية وحيث كان الراجح الثاني لم يكتف بجوابه أما غير المميز فلا إشكال في العدم ولو
كان المسلم مميزا ففي وجوب الرد عليه نظر أقربه الوجوب ولو رد المصلى بعد قيام مكلف آخر قال في الذكرى لم يضر
لأنه مشروع في الجملة وتوقف في استحبابه كما في غير الصلاة والأجود جوازه واستحبابه لعموم الأوامر إذ لا شك أنه
مسلم عليه مع دخوله في العموم فيخاطب بالرد استحبابا إن لم يكن واجبا وزوال الوجوب الكفائي لا يقدح في
بقاء الاستحباب كما في غير الصلاة فان استحباب رد الثاني متحقق اتفاقا إن لم يوصف بالوجوب معللا بالأمر و
لو اشترطنا في جواز الرد قصد القرآن كما يظهر من الشيخ أو عللنا جوازه في الصلاة بأنه قرآن صورة وإن لم يقصد كما
ذكره بعض الأصحاب فلا إشكال في جواز رد المصلى بعد سقوط الوجوب والمراد من الجواز في العبارة معناه
الأعم وهو الشامل ما عدا الحرام فإن الرد على تقدير مشروعيته واجب لا جائز بالمعنى الأخص لعموم الامر المقتضى
للوجوب فلو ترك الرد أثم وهل تبطل الصلاة قيل نعم للنهي المقتضى للفساد ويضعف بأن النهى عن أمر خارج عن
الصلاة فلا يؤثر فيها وربما قيل أنه إن أتى بشئ من الأذكار في زمان الرد بطلت لتحقق النهى عنه وهو ممنوع
لان الامر لا يقتضى النهى عن الأضداد الخاصة بل عن مطلق النقيض وهو المنع من الترك وقد تقدم الكلام فيه فالمتجه
عدم البطلان مطلقا ولو حياه بغير السلام كالصباح والمساء ففي جواز رده نظر من الشك في كونه تحية شرعا واستقرب
الشهيد في البيان الوجوب بلفظ السلام أو الدعاء أو بمثله مع قصد الدعاء وأوجب المصنف رد كل ما يسمى تحية لظاهر
الآية وجوز الرد لفظ المحيى وبلفظ سلام عليكم
وكذا يجوز التسميت بالسين والشين للعاطس وهو الدعاء له
عند العطاس بقوله يرحمك الله قال أبو العباس الاختيار بالسين لأنه مأخوذ من السمت وهو القصد والحجة وفى
الصحاح كل داع لاحد بخير فهو مسمت وإنما استحب لأنه دعاء وقد عرفت جوازه في الصلاة وإن لم يرد به هنا نص خاص
والامر بتسميت العاطس عام فيتناول حالة الصلاة لعدم المنافاة وتردد فيه في المعتبر ثم جعل الجواز قضية المذهب
بعد إن جوز التسميت وجعله حمد الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله عند سماع العطاس وتردد في
الدعاء له وهل يجب على العاطس الرد إذا سمت نظر من الشك في كونه تحية شرعا لأنه في الظاهر دعاء وعلى كل
حال فجوابه مشروع في الصلاة أيضا والمراد هنا أيضا معناه الأعم فإن التسميت مستحب خصوصا إذا حمد العاطس
الله تعالى وكذا يجوز على وجه الاستحباب الحمد لله والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله عند العطسة من العاطس و
سامعه للعموم الشامل لحالة الصلاة ولقول الصادق عليه السلام في رواية الحلبي إذا عطس الرجل في الصلاة فليقل الحمد لله
وسأله عليه السلام أبو بصير أسمع العطسة فأحمد الله تعالى وأصلي على النبي صلى الله عليه وآله وأنا في الصلاة قال نعم
339

وإن كان بينك وبين صاحبك اليم
المطلب الثاني في السهو والشك السهو غروب المعنى عن القوة الذاكرة
مع ثبوته في الحافظة بحيث يلحظ الذهن عند التفاته إليه وذهابه عن الخزانتين معا يطلق عليه النسيان والمراد بالسهو
هنا ما يعم الامرين والشك تساوى الاعتقادين المتضادين وتكافؤهما وقد يطلق السهو على الشك لاشتراكهما
في العبارة ولكون السهو سببا في الشك غالبا فأطلق اسم السبب وقد استعمله المصنف في قوله لا حكم للسهو مع
غلبة الظن بأحد الطرفين بل يبنى على الطرف الراجح لقول النبي صلى الله عليه وآله إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر
أخرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه وعن الصادق عليه السلام إذا وقع وهمك على الثلاث فابن عليه وإن وقع وهمك
على الأربع فسلم وانصرف ولأن تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال فاكتفى بالظن تحصيلا لليسر ودفعا للعسر وتنقيح
المسألة يتم بمباحث أ إنك قد عرفت إن السهو زوال المعنى عن القوة وارتفاعه عن البال والشك تساوى الاعتقادين
المقتضى لحضورهما بالبال وتردد الذهن بينهما بحيث لا يرجح أحدهما ومن المقرر إن الظن ترجيح أحد الامرين على
الاخر ترجيحا غير مانع من النقيض وغلبته قوة هذا الترجيح ولا يخفى حينئذ إن السهو لا يجتمع مع الظن لتضادهما في
الحضور القلبي وعدمه والمعية تقتضي الاجتماع فأما الشك فإنه وإن شارك الظن في حضور متعلقهما بالبال لكن
شرط الشك تساوى الاعتقادين والظن اختلافهما وترجيح أحدهما على الاخر فلا يتحقق بينهما أيضا الاجتماع
الحقيقي لكن يمكن فرض اجتماعهما بضرب من التجوز فإن الشك يعرض أولا ثم يجب على الشك التروي فإن غلب و
ترجح عنده أحد الطرفين بعد إن كانا متساويين عمل على الراجح فباعتبار إيصال الشك بغلبة الظن في زمان
قصير وترتب أحدهما على الاخر في حضور واحد متصل جاز التعبير عنهما بالمعية فيكون في العبارة مجاز إن أحدهما استعمال
لفظ السهو في الشك والثاني جعله الشك مجامعا لغلبة الظن بأحد الطرفين ب أن في قوله لا حكم لهذه المسألة
ونظائرها حكما بذلك فإن الحكم بعدم الحكم حكم وهو يناقض ظاهرا عدم الحكم وتوجيهه إن الحكم المنفى ليس هو مطلق
الحكم بل حكم خاص وهو الحكم المبحوث عنه في هذا الباب من سجود السهو والاحتياط ونحوهما وهو لا ينافي ثبوت
حكم آخر لها ويدل على إرادة الخاص سياق الكلام ومبحثه ج إنه اعتبر في سقوط الحكم غلبة الظن وقد عرفت أنه
أمر آخر وراء الظن وهو يقتضى عدم الاكتفاء بمطلق الظن والنص يدل على الاكتفاء به لما تقدم من تعليق البناء
على وقوع الوهم والمراد به هنا الظن وهو مطلق ترجيح أحد النقيضين ولو أريد به معناه المتعارف وهو الطرف
المرجوح لم تكن حقيقته مرادة إجماعا فيصار إلى المجاز وهو القدر الراجح مطلقا أو إلى أقرب المجازات إلى الحقيقة
وهو أول مراتب الرجحان والاكتفاء به في البناء يستلزم الاكتفاء بما هو أقوى منه بطريق أولى وكان من عبر
بالغلبة تجوز بسبب إن الظن لما كان غالبا بالنسبة إلى الشك والوهم وصفه بما هو لازم له وأضاف الصفة إلى
موصوفها بنوع من التكلف د معنى عدم الحكم مع غلبة الظن العمل على الطرف المظنون من غير أن يرتب عليه ما يأتي
من الاحكام كما نبهنا عليه فإذا غلب ظن الشاك مثلا بين الثلث والأربع بعد التروي على الثلث بنى عليها
وأكملها ركعة ولا احتياط أو على الأربع بنى عليها كذلك ولو كان الشك بين الأربع والخمس فغلب ظنه على الخمس
بطلت صلاته إن لم يكن جلس عقيب الرابعة بقدر التشهد وإن غلب على الأربع سلم ولا يجب عليه سجود السهو و
إن تساوى الاحتمالان فسيأتي حكمه ه‍ لا فرق في ذلك بين الأوليين والأخيرتين ولا بين الرباعية والثلاثية
والثنائية فإذا حصل الشك في موضع يوجب البطلان كالثنائية وغلب الظن على أحد الطرفين بنى عليه وإن
340

تساويا بطلت حتى لو لم يدر كم صلى وظن عددا معينا بنى عليه وإنما تبطل الصلاة مع تساوى الاحتمالات
في الاعداد وقد نبه عليه في رواية صفوان عن أبي الحسن عليه السلام إذا لم تدر كم صليت ولم يقع وهمك على شئ
فأعد الصلاة وأراد بالوهم الظن كما مر وهو المستعمل في النصوص وكذا لا فرق في ذلك بين الأفعال والركعات
وكذا لا حكم لناسي القراءة أو ناسي الجهر أو الاخفات في مواضعهما أو ناسي بعض القراءة مثل قراءة الحمد وحدها
أو السورة وحدها حتى يركع فإن نسيان ذلك كله لا يبطل الصلاة ولا يوجب تلافيا لعموم رفع عن أمتي الخطأ و
النسيان وسأل منصور بن حازم الصادق عليه السلام فقال صليت المكتوبة ونسيت إن أقرأ في صلواتي كلها فقال
أليس قد أتممت الركوع والسجود فقال له بلى فقال تمت صلاتك وناسي صفة القراءة كالجهر والاخفات يعذر
بطريق أولى ومقتضى عطفهما على ناسي القراءة إلى أن يركع أنه لو ذكر قبل الركوع رجع إليهما والمسألة موضع
إشكال والذي جزم به المصنف في النهاية أنه لا يرجع إليهما إذا ذكرهما بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع وهو حسن
لكنه استدل على ذلك بأن النسيان في أصل القراءة عذر ففي كيفيتها أولى وهذا الدليل ليس بشئ ولا يستلزم
المدعى لان نسيان القراءة إنما يكون عذرا مع ذكرها بعد الركوع لا قبله فلحوق الكيفية بالأصل يوجب العود إليها
قبل الركوع والأولى الاستدلال على عدم العود بخبر زرارة المتقدم في صدر الباب وهو قول الباقر عليه السلام لما
سئل عن رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الاخفات فيه فقال عليه السلام إن فعل ذلك ناسيا
أو ساهيا أو لا يدرى فلا شئ عليه وقد تمت صلاته فإنه يدل بظاهره على عدم وجوب العود إليهما مطلقا وإلا لم
تتم الصلاة بدونه ولكان عليه شئ وقد حكم عليه السلام بخلاف ذلك وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة أو
الخطاب وكذا لا حكم لناسي ذكر الركوع أو الطمأنينة فيه أي في الركوع حتى ينتصب من الركوع لان عليا عليه السلام
سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا قال تمت صلاته وسئل الكاظم عليه السلام عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه
أو سجوده قال لا بأس بذلك ولا لناسي الرفع من الركوع أو الطمأنينة فيه أي في الرفع حتى يسجد أو الذكر في السجدتين
أو السجود على مجموع الأعضاء غير الجبهة وإنما قيدنا بذلك لان من جملة الأعضاء الجبهة ولا يتحقق السجود بدونها
فنسيانها في السجدتين يبطل الصلاة فلما جعله المصنف مما لا حكم له علم أنه يريد بالأعضاء غيرها أو ناسي الطمأنينة
فيهما أي في السجدتين أو ناسيها في الجلوس بينهما ولم يذكر حتى انتقل عن محله وكذا لا حكم للسهو في السهو
لقول الصادق عليه السلام في حسنة حفص ليس على السهو سهو ولأنه لو تداركه لأمكن أن يسهو ثانيا ويطول
التدارك ويستلزم مشقة وحرجا منفيين وفسر بأن يسهو في سجدتي السهو عن ذكر أو طمأنينة أو غيرهما مما
لا يتلافى لو كان في الصلاة وكذا لو سها في صلاة الاحتياط عن ذلك أو سها عن تسبيح السجدة المنسية أو عن
السجود على بعض الأعضاء عدا الجبهة حتى تجاوز محله فإنه لا يجب فيه سجود السهو وإن وجب لو كان في غيرها وربما استعمل
السهو هنا في الشك كما استعمل الشك فيه كما تقدم وفسر بأن يشك في وقوع السهو منه أو في وقوع الشك أو يتحقق الوقوع
ويشك في كون الواقع له حكم أم لا لكونه نسي تعيينه ولو انحصر فيما يتدارك كالسجدة والتشهد أتى بهما جميعا لاشتغال
ذمته وعدم يقين البراءة بدونه ولو انحصر فيما يبطل وما لا يبطل فالظاهر عدم البطلان للشك فيه وأصالة الصحة و
هو خيرة البيان أو يشك في عدد سجدتي السهو أو عدد الاحتياط أو في أفعالهما قبل تجاوز المحل فيبنى على فعل المشكوك
فيه إلا أن يستلزم الزيادة كما لو شك هل سجد اثنتين أم ثلثا أو صلى في الاحتياط ركعتين أم ثلاثا فإنه يبنى
341

على المصحح ولو سها عما يتلافى بعد الصلاة كالسجدة والتشهد وتجاوز محله قضاه لكن لا يسجد له ولو تيقن فعل أو ترك
ما يبطل كالركن بطل وليس منه ما لو شك في فعل كالركوع والسجود فأتى به فشك في أثنائه في ذكر أو طمأنينة لان
عوده أولا إلى ما شك فيه ليس مسببا عن السهو وإنما اقتضاه أصل الوجوب مع أصالة عدم فعله وكذا لو تيقن
السهو الموجب للسجود أو لتلافي فعل وشك هل فعل موجبه أم لا فإنه يجب عليه فعله لأصالة عدمه وكذا لا حكم للسهو
أعني الشك الحاصل للامام أو الشك الحاصل للمأموم إذا حفظ عليه الاخر بل يرجع كل منهما إلى يقين صاحبه لقول الصادق
عليه السلام ليس على الامام سهو ولا على من خلف الامام سهو وقول الرضا عليه السلام الامام يحفظ أوهام من خلفه
وكما يرجع كل منهما إلى يقين صاحبه كذا يرجع إلى ظنه مع كون الاخر شاكا وكذا يرجع الظان إلى يقين الاخر لأنه
أقوى ولأن الظن يطلق عليه وهم في استعمال الشرع كقوله عليه السلام إن ذهب وهمك إلى الثلاث فابن عليها ونحوه
وقد قال عليه السلام الامام يحفظ أوهام من خلفه بمعنى أن المأموم يترك وهمه ويرجع إلى يقين الامام وتوهم عدم
رجوع أحدهما إلى الاخر هنا لان الظن قائم في هذا الباب مقام العلم فكانا متساويين شرعا فاسد لان اليقين لا
يحتمل النقيض والظن وإن غلب يحتمله فيرجع إلى المعلوم وقيامه مقامه عند عدم الأقوى رخصة من الشارع فإذا وجد
اليقين لا يعدل عنه ولما ذكر من الأدلة والضابط أن الشاك منهما يرجع إلى الظان والمتيقن والظان يرجع إلى المتيقن
دون الظان لتساويهما ولا فرق في ذلك كله بين الأفعال والركعات ولا يشترط عدالة المأموم ويكفي في الرجوع تنبيه
الحافظ بتسبيح ونحوه ولا يتعدى الحكم إلى غير المأموم وإن كان عدلا على الأصح نعم لو أفاد قوله الظن بأحد الطرفين عول
عليه لكنه ليس من هذا الباب ولو اختلف الإمام والمأموم فإن جمع شكهما رابطة رجعا إليها كما لو شك الامام بين
الاثنتين والثلاث والمأموم بين الثلث والأربع فيرجعان إلى الثلث لتيقن الامام عدم الزيادة عليها والمأموم عدم
النقصان عنها وكذا لو انعكس لعين ما ذكر واختار بعض المتأخرين في الأولى وجوب الانفراد واختصاص كل منهما
بشكه مع موافقته على الصورة الثانية ولا وجه له ولو كانت الرابطة شكا كما لو شك أحدهما بين الاثنتين و
الثلث والأربع والاخر بين الثلث والأربع سقط حكم الاثنتين عن الشاك فيهما لتيقن الاخر الزيادة عليهما وصار
شكهما معا بين الثلث والأربع وهو رجوع الرابطة أيضا ولا فرق مع رجوع الرابطة بين كون شك أحدهما موجبا
للبطلان وعدمه كما لو شك أحدهما بين الثلاث والخمس بعد السجود والاخر بين الاثنتين والثلث فيرجعان إلى الثلث ولا
تبطل صلاة من تعلق شكه بالخمس وكذا لو كان شك كل منهما منفردا بحكم كما لو شك أحدهما بين الاثنتين والثلث
والأربع والاخر بين الثلث والأربع والخمس فإنهما يرجعان إلى الشك بين الثلث والأربع ويسقط عن أحدهما ما اختص به
من حكم الاثنتين وعن الاخر ما اختص به من حكم الخمس وهو سجود السهو ولو لم يجمعهما رابطة تعين الانفراد ولزم كلا منهما
حكم شكه كما لو شك أحدهما بين الاثنتين والثلث والاخر بين الأربع والخمس ولو تعدد المأمومون واختلفوا هم وإمامهم
فالحكم ما بيناه في الرابطة وعدمها فيرجعون جميعا إليها إن وجدت كما لو شك أحدهم بين الاثنتين والأربع والاخر
بين الثلث والأربع والثالث بين الاثنتين والثلث والأربع فيرجعون جميعا إلى الأربع لتيقن الأول عدم الثلث
فيرجع إليه فيه وتيقن الثاني عدم كونها اثنتين فيرجع إلى ما اتفق عليه وهو الأربع ولو لم يجمعهم رابطة كما
لو شك أحدهم بين الاثنتين والثلث والاخر بين الثلث والأربع والثالث بين الأربع والخمس تعين الانفراد
لكن هذا الفرض لا يتفق إلا مع ظن كل منهم انتفاء ما خرج عن شكه لا مع تيقنه فإن تيقن الأولين عدم الخمس ينفيها
342

وتيقن الأول عدم الأربع ينفيها فلا يمكن فرض شك الثالث على هذا الوجه ومتى حكم بالانفراد فإن حفظ الامام
شيئا عمل بمقتضاه ولو لم يعلم شيئا بطلت صلاته وعمل المأمومون بما يلزمهم من الحكم وكذا لو تعين الانفراد وبقي من
المأمومين من لم يحفظ شيئا ولو حفظ بعض المأمومين وشك البعض الاخر والامام رجع الامام إلى من حفظ والمأموم
الشاك إلى الامام ومقتضى قوله إذا حفظ عليه الاخر إن سقوط حكم السهو عن الإمام والمأموم مختص بالشك لا بالسهو
الموجب للسجود بل لو انفرد أحدهما بما يوجبه بأن تكلم أو ترك ما يوجبه اختص بحكمه لدوران المسبب مع السبب ولقول
أحدهما عليهما السلام ليس على الامام ضمان وقول الصادق عليه السلام وقد سأله منهال القصاب أسهو في الصلاة
وأنا خلف الامام فقال إذا سلم فاسجد سجدتين ولا تهب وذهب الشيخ رحمه الله إلى عدم وجوب السجود على المأموم لو انفرد
بموجبه حالة المتابعة وهو مذهب المرتضى ونقله عن جميع الفقهاء إلا من شد وتبعهما الشهيد رحمه الله في الذكرى و
البيان لعموم الخبر السالف وأجاب عن حجة المصنف بالخبر الأول بأن الخاص مقدم وعارضه بقول علي عليه السلام الامام
ضامن وعن الثاني بحمله على الاستحباب توفيقا والتحقيق إن خبري الضمان تساقطا وبقيت المعارضة بين خبري
منهال وحفص إلا أن منها لا مجهول وحديث حفص حسن فلا عدول عنه فينبغي العمل به خصوصا مع ما ادعاه السيد رحمه الله وذهب
الشيخ أيضا إلى أن الامام لو اختص بموجب السجود وجب على المأموم متابعته فيه وإن خلى عن السبب لأنه متبوع ولترتب صلاة
المأموم على صلاته في التمام والنقصان ولقول النبي صلى الله عليه وآله ليس عليك خلف الامام سهو الامام كافيه وإن
سها الامام فعليه وعلى من خلفه ومختار المصنف هنا من عدم وجوب المتابعة أجود لعدم الدليل الصالح للمشاركة فإن
الواجب على المأمومين اتباعه حالة كونه إماما لا مطلقا والخبر من مرويات العامة ومع ذلك فهو ضعيف عندهم ولا
ريب إن متابعة الشيخ هنا أحوط وكذا لا حكم للسهو مع الكثرة لقول الباقر عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم إذا كثر عليك
السهود فامض على صلاتك فإنه يوشك أن يدعك الشيطان وروى زرارة وأبو بصير في الصحيح فلا قلنا له الرجل يشك
كثيرا في صلاته حتى لا يدرى كم صلى ولا ما بقي عليه قال يعيد قلنا له كثر عليه ذلك كلما أعاد شك قال يمضى في شكه
ثم قال لا تعود أو الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض أحدكم في الوهم
ولا يكثرن نقض الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك قال زرارة ثم قال إنما يريد الخبيث أن يطاع
فإذا عصى لم يعد إلى أحدكم والمرجع في الكثرة إلى العرف لعدم تقديرها شرعا وقيل يتحقق بالسهو في ثلث فرائض متوالية
أو في فريضة واحدة ثلث مرات والظاهر أنه غير مناف للعرف وفى حكمه السهو ثلثا في فريضتين متواليتين وربما خصها
بعضهم بالسهو في ثلث فرائض لقول الصادق عليه السلام في رواية ابن أبي عمير إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلث فهو
ممن يكثر عليه السهو وهي غير صريحة في ذلك فإن ظاهرها أن المراد وجود الشك في كل ثلث بحيث لا يسلم له ثلث صلوات
خالية عن شك ولم يقل أحد بانحصار الاعتبار في ذلك والمراد بالسهو هنا ما يعم الشك كما مر ومعنى عدم الحكم له معها
عدم وجوب سجدتي السهو لو فعل ما يقتضيهما لولاها وعدم الالتفات لو شك في فعل وإن كان في محله بل يبنى على وقوعه
والبناء على الأكثر لو كان الشك في عدد الركعات حتى لو أتى بما شك فيه بطلت صلاته لأنه زيادة في الصلاة عمدا وإن
ذكر بعد فعله الحاجة إليه ولو كان المتروك ركنا لم تؤثر الكثرة في عدم البطلان كما أنه لو ذكر الفعل في محله استدركه
ولو سهى عن فعل يتلافى بعد الصلاة وفات محله فلا بد من تلافيه وإنما تؤثر الكثرة بالنسبة إليه في اسقاط سجدتي
السهو مع احتمال عدم وجوب القضاء ومتى حكم بثبوتها بالثلاثة تعلق الحكم بالرابع ويستمر إلى أن يخلو من السهو والشك
343

فرائض يتحقق بها الوصف فيتعلق به حكم السهو الطارئ وهكذا وحيث حكمنا بالرجوع إلى العادة لم يعتبر فيه التوالي مع
تحققها كما لو تكرر في فريضة معنية من الخمس أياما أو في فعل واحد من فريضة فلو سها عن أربع سجدات من أربع ركعات
في فريضة واحدة وتخلل السهو التذكر قضا السجدات جمع وسجد ست سجدات لا غير وأطلق المصنف رحمه الله في التذكرة وجوب
ثماني سجدات وهو أما بناء على اعتبار كونه في ثلث فرائض أو على إن سقوط الحكم مع الكثرة للحرج والعسر ولم يحصل
في الفريضة الواحدة لأنه لم يفعل موجب السهو للثلاث قبل حصول الرابع ليتحقق العسر فإذا حصل الرابع وجب له حكمه
لأنه سبب فلا يتخلف عنه مسببه وبعد فعل موجب الثلث بعد الفراغ لا يسقط ما قد وجب وتظهر فائدة التعليلين فيما
لو حصلت الثلاث في فريضة والرابعة في ثانية واحتمل الشهيد في الذكرى الاجتزاء بسجدتين محتجا بدخوله في حيز الكثرة
وليس بظاهر إذ اللازم من دخوله في الكثرة لزوم ست سجدات أو أربع إن قلنا بسقوط الحكم في الثالثة أما الحكم
بالاثنتين فلا يظهر له وجه هذا كله إذا لم يذكر السجدات حتى سلم ولو ذكر قبله عاد للأخيرة وقضا ثلثا وسجد لها وهل
يعتبر في مرات السهو التي يتحقق معها الكثرة أن يكون كل منها موجبا لشئ ليتحقق الحرج مع فعل موجبها أم يكفي
حصول السهو مطلقا وجهان من إطلاق النص وعدم المشقة وتظهر الفائدة فيما لو غلب على ظنه أحد الطرفين في العدد
أو بعضه بحيث لا يسلم منه ما تحصل به الكثرة أو كان الشك بعد الانتقال عن المحل ومثله ما لو شك في النافلة أو سها
بما يوجب السجود في غيرها ولو نسي الحمد وذكر في حال قراءة السورة أي بعدها قبل الركوع أعادها بعد أن يقرأ الحمد ويفهم
من قوله أعادها وجوب إعادة السورة التي قرأها بعينها وليس متعينا بل يتخير بين إعادتها وقراءة غيرها لوقوعها
فاسدة فساوت غيرها ولو ذكر الركوع قبل السجود وبعد إن هوى له ولم يصل إلى حده رفع إلى حد القائم ثم ركع
ولا يجزيه الهوى السابق لأنه نوى به السجود فلا يجزى عن الهوى إلى الركوع ولا تجب الطمأنينة في هذا القيام لذاتها
وإن كان تحقق الفصل بين الحركتين المتضادتين وتحقق تمام القيام يقتضيان سكونا يسيرا واعلم إن القيام للركوع
إنما يتحقق وجوبه إذا كان نسيان الركوع حصل في حالة القيام بحيث كان هويه بنية السجود أو بنية غير الركوع
أما لو فرض أنه هوى للركوع ثم نسيه قبل أن يصير على هيئة الراكع لم يتجه وجوب القيام ليهوى عنه إلى الركوع لحصوله
من قبل بل يقوم منحنيا إلى حد الراكع خاصة إن كان نسيانه بعد انتهاء هوى الركوع وإلا قام بقدر ما يستدرك الفائت
منه ولو كان نسيانه بعد تحقق صورة الركوع ففي العود إلى باقي واجباته من الذكر والطمأنينة والاعتدال عنه قائما
إشكال من عدم فوات محلها وتوهم استلزامه زيادة ركوع إذ حقيقته الانحناء على الوجه المخصوص وما زاد عليه
واجب آخر والاشكال آت فيما لو كان النسيان بعد إكمال الذكر وقبل الرفع ويقوى هنا القول بوجوب القيام لا غير
لأنه الفائت فيقتصر عليه من غير أن يقوم منحنيا وعدم جواز العود في الأول لما ذكر وكذا يرجع في العكس وهو ما لو ذكر
أنه نسي السجود قبل أن يركع فإنه يعود له على المشهور سواء كان المنسى السجدتين أم أحديهما وذهب جماعة من علمائنا
إلى بطلان الصلاة بترك السجدتين وإن ذكر قبل الركوع مع حكمهم بالعود إلى الواحدة قبله ويضعف بأن المحل
إن كان باقيا عاد إليهما وإلا لم يعد إلى الواحدة وكذا يعود قبل الركوع لتدارك التشهد والصلاة على النبي وآله
عليهم السلام وأبعاضهما ولا يضر الفصل بين الصلاة وبين التشهد وفى جواز الاقتصار على المنسى من الصلاة
أو من إحدى الشهادتين أو ما دونهما نظر نعم لو كان المنسى مما لا يستقل بنفسه كالكلمة الواحدة فلا إشكال في وجوب
ضم ما يتم معه الكلام إليها ومتى كان المنسى مجموع السجدتين عاد إليهما من غير جلوس واجب قبلهما أما لو كان المنسى
344

أحديهما فإن كان قد جلس عقيب السجدة الأولى واطمأن بنية الجلوس الواجب للفصل لم يجب الجلوس قبلها
أيضا لحصوله من قبل وإن لم يكن جلس كذلك وجب الجلوس لأنه من أفعال الصلاة ولم يأت به
مع إمكان تداركه وجوز الشيخ في المبسوط تركه لتحقق الفصل بين السجدتين بالقيام ويضعف بأن الواجب ليس
هو مطلق الفصل بل الجلوس على الوجه المخصوص ولم يحصل ولو شك هل جلس أم لا بنى على الأصل فيجب الجلوس
وإن كان حالة الشك قد انتقل عن محله لأنه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشك قد انتقل عن محله لأنه بالعود
إلى السجدة مع استمرار الشك يصير في محله فيأتي به ومثله ما لو تحقق نسيان سجدة وشك في الأخرى فإنه يجب عليه الاتيان
بهما معا عند الجلوس وإن كان ابتدأ الشك بعد الانتقال ولو كان قد نوى بالجلوس الاستحباب لتوهمه أنه سجد سجدتين
فنوى الاستراحة ففي الاكتفاء بها وجهان أحدهما لعدم التنافي وجهي الوجوب والندب فلا يجزى أحدهما عن الاخر ولقوله
صلى الله عليه وآله وإنما لكل امرء ما نوى والثاني الاكتفاء لاقتضاء نية الصلاة ابتداء كون كل فعل في محله وذلك
يقتضى كون هذه الجلسة للفصل فلا تعارضها النية الطارية بالاستراحة لوقوعها سهوا وقد حكم الأصحاب بأنه لو نوى
فريضة ثم ذهل عنها ونوى ببعض الأفعال أو الركعات النفل سهوا لم يضر لاستتباع نية الفريضة ابتدأ باقي
الأفعال وبه نصوص عن أئمة الهدى كرواية ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام في رجل قام في صلاة فريضة فصلى
ركعة وهو يرى أنها نافلة فقال هي التي قمت فيها ولها ثم قال عليه السلام وإنما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ من
أول صلاته وسأله معاوية عن الرجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظن أنها نافلة أو كان في النافلة فظن أنها مكتوبة
قال هي على ما افتتح الصلاة عليه ودخول هذه المسألة في ذلك ظاهر بل هو من باب مفهوم الموافقة كما ذكره الشهيد و
اختاره في قواعده لكن يبقى هنا بحث وهو أنه قد سلف في ناسى الركوع ولما يسجد أنه يجب عليه القيام ثم الركوع لسبق الهوى
بنية السجود فلا يجزى عن الهوى للركوع ومقتضى هذا الدليل عدم وجوب القيام هنا لاقتضاء نية الصلاة الترتيب
بين الأفعال فيقع الهوى السابق للركوع ويلغو نية كونه للسجود ولكن الجماعة قطعوا بوجوب القيام مع حكم كثير منهم
بالاجتزاء هنا بجلسة الاستراحة والفرق غير واضح فإن قيل مقتضى العمل استتباع النية الخاصة لعموم وإنما لكل امرئ
ما نوى فيجب العمل به إلى أن يقوم الدليل على خلافه كما في نية المندوب للنص الخاص وكفاية نية واجب لواجب آخر لا نص عليه فلا
يجزى عن غير ما نواه قلنا وقوع مندوب خارج عن الصلاة عن واجب داخل فيها يقتضى إجزاء واجب منها عن واجب آخر
سهوا بطريق أولى لان ما دخل فيها أقرب إلى الحقيقة مما خرج وكذا الواجب أقرب إلى حقيقة الواجب الاخر من المندوب
إليه فمفهوم الموافقة يحصل هنا من وجهين بخلاف مسألة جلسة الاستراحة فإن مفهوم الموافقة التي ذكرت تحصل من
جهة واحدة وهي إجزاء المندوب الداخل في الصلاة عن الواجب فيها وهو أقرب من إجزاء المندوب الخارج عنها عن الواجب
الداخل فيها كما هو مورد النص ولو كان جلوسه عقيب السجدة الأولى بنية الوجوب لا للفصل كما لو جلس للتشهد وتشهد
أو لم يتشهد ففي الاجتزاء به الوجهان ولا يخفى قوة الاجتزاء بعد ما قررناه واختاره الشهيد أيضا
واعلم أنه لو كان قد
تشهد أو قرأ أو سبح وتلافي السجود وجب عليه إعادة ما بعده لرعاية الترتيب ولو فرض أن المنسى السجود الأخير وذكره بعد
التشهد أعاده ثم تشهد وسلم وهذا على القول بوجوب التسليم واضح لذكره في محله قبل الخروج من الصلاة ولو قلنا
بندبه ففي العود إلى السجود أو بطلان الصلاة لو كان المنسى السجدتين وقضاء السجدة الواحدة إشكال من أن آخر الصلاة
على هذا التقدير التشهد فيفوت محل التدارك ومن إمكان القول بتوقف الخروج من الصلاة حينئذ على فعل المنافى أو
345

التسليم فما لم يحصلا لم يتحقق الخروج من الصلاة وربما قيل بمجئ الاشكال وإن ذكر بعد التسليم ووجه قضاء السجدة
حينئذ أو بطلان الصلاة بنسيان السجدتين ظاهر للخروج من الصلاة بالتسليم قبل تداركهما ووجه التدارك عدم صحة
التشهد والتسليم حيث وقعا قبل تمام السجود لان قضية الأفعال الصحيحة وقوعها في محلها مرتبة والكلام أيضا آت
في نسيان التشهد إلى أن يسلم وعلى هذا الوجه إن ذكر قبل فعل المنافى تدارك المنسى وأكمل الصلاة وإن ذكر بعده بطلت
الصلاة وإليه ذهب ابن إدريس في ناسي التشهد حتى سلم وفوات محل هذه الاجزاء بالتسليم مطلقا قوى فيقضى منها
ما يقضى وتبطل بما هو ركن وقد نبه عليه المصنف بذكر بعض موارده في قوله ولو ذكر بعد التسليم ترك الصلاة
على النبي صلى الله عليه وآله قضاها لأنها إن كانت من التشهد الأول فظاهر لفوات محلها بالركوع وإن كانت من الثاني
فللخروج من الصلاة بالتسليم وإن قلنا بندبه كما ذهب إليه المصنف فقد فات محلها فتقضى بعد التسليم كما يقضى التشهد على
المشهور وأنكر ابن إدريس شرعية قضائها لعدم النص وأجاب في الذكرى بأن التشهد يقضى بالنص فكذا إبعاضه تسوية
بين الجزء والكل وفى التسوية بين الجزء والكل منع فان الصلاة تقضى ولا يقضى جميع إجزائها وكذا مجموع السجدة الواحدة
وواجباتها من الذكر والطمأنينة تقضى ولا تقضى واجباتها ولو قيل إن واجباتها خارجة عن حقيقتها
وإنما دخلت تبعا التزمناه في الصلاة على النبي وآله فإنها ليست داخلة في حقيقة التشهد ومفهومه وإن أطلق على
الجميع على وجه التغليب والتجوز ولازم هذا الدليل الذي ذكره الشهيد رحمه الله وجوب قضاء الكلمة الواحدة بل الحرف الواحد
من الصلاة والتشهد ولا أظنه يقول به نعم ربما يظهر من ابن فهد رحمه الله في الموجز وجوب قضاء جميع أبعاض التشهد فيسلم
من الالزام ويبقى عليه المنع وعلى هذا القول لو ترك بعضا لا يستقل بنفسه في الدلالة كنسيان الصلاة على آل محمد خاصة وجب
أن يضم إليه مما قبله ما يتم به فيضيف الصلاة على النبي إلى آله وإن لم يكن نسيه بخلاف ما لو نسي إحدى الشهادتين فإنها
مستقلة بالدلالة ولو ذكر السجدة الواحدة أو التشهد بعد الركوع قضاهما بعد الفراغ من الصلاة ويسجد للسهو لرواية
علي بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام إذا قمت في الركعتين ولم تتشهد وذكرت قبل أن تركع فاقعد وتشهد وإن لم تذكر
حتى ركعت فامض في صلاتك فإذا انصرفت سجدت سجدتي السهو لا ركوع فيهما ثم تتشهد التشهد الذي فاتك وتنقيح المسألة
يتم بمباحث أ تقييد الحكم بنسيان السجدة والتشهد هو مورد النص ومشهور الفتوى كما قد عرفت فلا يقضى أبعاضهما لعدم
الدليل إلا الصلاة على النبي وآله على ما مر ولو كان المنسى إحدى الشهادتين احتمل قويا وجوب قضائها لا لكونها بعضا
من جملة تقضى بل لصدق اسم التشهد عليها فتدخل في النص فهي أولى من دخول الصلاة على النبي وآله عليهم السلام وقد
حكم الجماعة بوجوب قضائها وأما السجدة فتمام ماهيتها وضع الجبهة على الأرض ونحوها فلا تقضى واجباتها لو
لو نسيت منفردة عنها قطعا ب تقييد الحكم ببعدية الركوع لا يدخل نسيان السجدة والتشهد الأخيرين وقد عرفت
إن حكمهما كذلك على المختار ويدل عليه أيضا رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يفرغ من صلاته
وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال إن كان قريبا رجع إلى مكانه فيتشهد وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد وقال ابن
إدريس في ناسي التشهد الأخير أنه لو تخلل الحدث بين الصلاة وبينه بطلت الصلاة لان قضية السلام الصحيح أن يكون بعد
التشهد فوقوعه قبله كلا سلام فيكون حدثه قد صادف الصلاة فتبطل ويضعف بأن التشهد ليس بركن حتى يكون
نسيانه قادحا في صحة الصلاة والتسليم قد وقع مقصودا به الخروج من الصلاة فيكون كافيا ويقضى التشهد للنص مع
إن هذه الفتوى لا توافق مذهبه في استحباب التسليم فلو علل بأن التشهد آخر الصلاة فيكون هو المخرج فإذا لم يأت به
346

وفعل المبطل للصلاة فقد وقع قبل كمالها أمكن اللهم إلا أن يجعل الخروج موقوفا عليه وإن لم يكن واجبا وما ذكره
في التشهد آت في نسيان بعضه خاصة ونسيان الصلاة على النبي وآله بطريق أولى لأنه آخرها الحقيقي عنده وقد يتمشى
إلى غير التشهد ج معنى القضاء هنا الاتيان بالمنسي سواء كان في وقته أم في خارجه من باب فإذا قضيت الصلاة إلا القضاء
المصطلح عليه وهو فعل الشئ بعد وقته حتى يجب له نية القضاء فعلى هذا إن فعله في وقت الفريضة نوى الأداء وإن
فعله خارج وقتها نوى القضاء ولو كانت الصلاة مقضية تبعها فيه ولو عبر بالتدارك بعد الصلاة كان أوضح د
كون تدارك هذه الاجزاء بعد التسليم هو المشهور وقد عبر في الخبرين السابقين بفعلهما بعد الانصراف وذهب
المفيد
إلى قضاء السجدة المنسية من ركعة إلى أن يركع في الأخرى مع سجدات تلك الركعة ومثله ذكر علي بن بابويه ولم نقف
لهما على سند قال في الذكرى كأنهما عولا على خبر لم يصل إلينا والعمل على المشهور نعم روى ابن أبي يعفور في الصحيح عن الصادق عليه السلام
إذا نسي الرجل سجدة فليسجدها بعدما يقعد قبل أن يسلم وليس فيه دلالة على مذهبهما بل ربما دل على
استحباب التسليم وحينئذ فيكون فعلها بعد الفراغ من الصلاة ه‍ وجوب قضاء التشهد مع سجود السهو المشتمل على التشهد
بحيث لا يتداخل التشهدان هو المشهور وذهب جماعة من القدماء إلى إجزاء التشهد الذي في سجدتي السهو عن قضاء
التشهد المنسى لظاهر الجزء السالف حيث لم يذكر فيه غير تشهد واحد بعد السجود ونسبه إلى الفائت وغيره من الأخبار الدالة
على نحو ذلك ويجاب بأن سجدتي السهو يجب فيهما التشهد كما سيأتي إن شاء الله والتشهد يجب قضاؤه كما
مر والأصل عدم التداخل وهل يجب الترتيب بين الأجزاء المنسية وسجود السهو لها أو لغيرها الظاهر العدم لاطلاق
الأوامر وكونها واجبات متعددة بعد الفراغ من الصلاة فالقريب إليها والبعيد سواء في الخروج وأوجب في الذكرى
تقديم الاجزاء المقضية على سجود السهو وتقديم سجود سهوها على السجود لغيرها وإن كان سبب الغير متقدما على الاجزاء
كالكلام في الركعة الأولى ونسيان سجدة في من الثانية أما الأول فلكونها إجزاء فتقديمها أربط لها بالصلاة وأما
الثاني فلان السجود مرتبط بتلك الاجزاء فيتقدم على غيرها وموافقته في الأولى أحوط دون الثاني بل لو قيل
بوجوب تقديم الأسبق سببه فالأسبق كان أولى ورواية علي بن أبي حمزة السالفة صريحة في تقديم سجدتي السهو
على قضاء التشهد لذكره له بعده عاطفا له بثم المقتضى للتعقيب بمهلة وإذا ثبت جواز تقديم سجدتي السهو على الجزء
ثبت جواز تقديم بعض السجود على بعض بطريق أولى ويسجد للسهو في جميع ذلك المذكور من قوله ولو نسي الحمد إلى آخره على رأى
قوى لورود النص على بعضه وخول الباقي في عموم روايات كقول الصادق عليه السلام في رواية سفيان بن السمط تسجد
سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان وقوله عليه السلام في صحيحة الحلبي إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا
أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو ووجه الاستدلال بها على تحقق الزيادة والنقيصة مع ورودها
في الشك فيهما دخول المدعى في المنصوص بمفهوم الموافقة وغير ذلك من النصوص ويحتمل أن يريد المصنف بجميع ذلك من
أول الباب وهو الذي فهمه الشارح الشهيد رحمه الله إلا أن فيه خروج جملة من الباب عنه قطعا لا يناسب إطلاق القول
فيها كالسهو مع غلبة الظن والسهو في السهو وسهو الإمام والمأموم ومع الكثرة ولا ضرورة لنا إلى ذلك فإن يبتدأ ما يتقدم
قوله ونسيان الحمد إلخ من المسائل الموجبة للسجود عنده يدخل بعد ذلك في قوله أو زاد أو نقص غير المبطل سجد للسهو
ولو شك في شئ من الأفعال وهو في موضعه الذي يصلح خبر وقوعه فيه أتى به لأصالة عدم فعله وبقاء محل استدراكه
كما لو شك في القراءة أو في أبعاضها أو في الركوع وهو قائم أو في السجود أو التشهد وهو جالس ولا فرق في وجوب الرجوع
347

إلى القراءة عند الشك فيها قائما بين أن يشك في المجموع أو في بعض وإن كان مشتغلا بما بعده لان القيام محل
لجملة القراءة فيعود إلى الحمد لو شك فيها وهو في السورة أو بعدها ويقرأ بعدها السورة التي قرأها أو غيرها وحكم
جماعة من علمائنا هنا بعدم العود إلى الحمد لصدق الانتقال عنها فيدخل في عموم صحيح زرارة إذا أخرجت من شئ
ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ وهو متجه لكن سيأتي إن شاء الله ما يدل على العود وأولى منه بعدم العود ما لو
شك في القراءة وهو قانت أو شك في السجود وهو متشهد أو في التشهد وقد أخذ في القيام ولما يكمله لكن روى
عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام في رجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوى قائما فلم يدر أسجد أو
لم يسجد فقال يسجد فالعمل به متعين لأنه خاص ويدخل فيه التشهد بطريق أولى لأنه أقرب إلى القيام من السجود و
كذا يدخل فيه الشك في القراءة على تلك الوجوه وإن كان قانتا بل وإن هوى إلى الركوع ما لم يتحقق مسماه وكذا
الشك في الركوع ما لم يسجد لان عود من لم يستو قائما إلى السجود مع إتيانه في بعض أفراده بمعظم ركن القيام يفيد
العود في المواضع الأخرى بطريق أولى فيكون مجموعها داخلة في مدلول الحديث فيخصص عموم صحيح زرارة وقد بالغ
المصنف رحمه الله وأعزب فحكم في النهاية بعود الشاك في السجود والتشهد ما لم يركع كما يرجع الذاكر لعدم فعلهما و
يدفعه ما تقدم وصحيحة إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه السلام قال إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شك
في السجود بعد ما قام فليمض كل شئ مما جاوزه ودخل في عزه فليمض عليه فإن رجع الشاك في الفعل في موضعه
وذكر بعد فعله إن كان قد فعله فإن كان ركنا بطلت صلاته لان زيادة الركن مبطل مطلقا إلا في المواضع المتقدمة
وليس هذا منها وإلا يكن ركنا فلا تبطل بل يكون حكمه حكم من زاد سهوا ولا فرق في ذلك بين السجدة وغيرها خلافا
للمرتضى حيث أبطل الصلاة بزيادتها هنا ويدفعه قول الصادق عليه السلام لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة
وقد اختلف في مسألة من مسائل استدراك الركن لشكه فيه في محله هل تبطل الصلاة عند ذكر فعله أم لا أشار إليها
المصنف تنبيها على الخلاف فيها وإن كانت داخلة فيما سبق بقوله ولو شك في الركوع وهو قائم فركع ثم ذكر قبل رفعه
أنه ركع قبل ذلك بطلت الصلاة على رأى قوى لتحقق زيادة الركن لان الركوع لغة الانحناء وشرعا كذلك على
الوجه المخصوص والذكر والطمأنينة فيه والرفع منه أمور خارجة عن حقيقته لا يتوقف تحققه عليها فيدخل
تحت الأحاديث الدالة على بطلان بزيادة الركوع وذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والمرتضى والشهيد في الذكرى
إلى عدم البطلان لان ذلك وإن كان بصورة الركوع ومنويا به الركوع إلا أنه في الحقيقة ليس بركوع لتبين خلافه
والهوى إلى السجود مشتمل عليه وهو واجب فيتأدى الهوى إلى السجود به فلا تتحقق الزيادة بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه
من الركوع فإن الزيادة حينئذ متحققة لافتقاره إلى الهوى إلى السجود وقد تقدم البحث في إن نية الصلاة ابتداء تقتضي
كون كل فعل في محله ومن جملة ذلك كون هذا الهوى للسجود وهي مستدامة فتكون في حكم المبتدأ فترجح على النية
الطارية لسبقها ولكون النية الثانية وقعت سهوا وقد عرفت إجزاء المندوب عن الواجب لو نواه سهوا كما في ناوي
الفرض ثم عزبت نيته إلى النفل سهوا وقد عرفت إجزاء المندوب عن الواجب لو نواه سهوا كما في ناوي
الواجب فيما لو نوى بالجلوس المذكور كونه للتشهد وقد تحقق ذلك كله فيكون هذا من ذلك وفيه نظر لان فعل الركوع
بقصده يقتضى كونه ركوعا بل فعله بغير قصد تعيينه له لان إفعال الصلاة لا يجب لكل واحد منها نية بخصوصه بل النية الأولى
كافية نعم يشترط عدم الصارف عن ذلك الفعل المعين ثم إنا لا ندعي أن الركوع هو الهوى على الوجه المخصوص حتى
348

بوجوب صرفه إلى السجود بزوال حقيقة الركوع بل نقول أن الركوع هو الانحناء على الوجه المخصوص وهو أمر آخر وراء
الهوى والمبطل هو تلك الهيئة لا الهوى بنية الركوع وهي لا تزول بصرف الهوى إلى السجود ومن هنا يظهر الفرق بين هذا
الفعل وما عورض به من الأفعال الواجبة والمندوبة التي يؤدى بها واجب آخر إذ ليس في تلك الأفعال مغايرة بحسب الصورة
لذلك الواجب بل هي أفعال مثله وإنما اختلفت بالنية بخلاف هذا الركوع فإنه مغاير للهوى وزائد عليه على وجه
تتحقق معه الركنية فلا يتأدى به فعل أضعف منه لا ركنية فيه بحيث يخرجه عن نظائره من الأركان المبطلة للصلاة
بزيادتها ولأن ذلك القدر من الركوع لو لم يكن مبطلا للصلاة لم تبطل بالرفع منه لان الرفع منه ليس بركن قطعا
ولا جزء من الركن فإذا وقع سهوا لم يبطل الصلاة لان الهوى والانحناء قد صرف إلى هوى السجود والذكر والرفع لا
مدخل لهما في الركنية مع أن المخالف هنا لا يدعى ذلك بل يعترف بأن الركوع هو الانحناء المخصوص لأنه كذلك لغة
والأصل عدم النفل وإنما يدعى صرفه إلى السجود وقد تحقق من ذلك أن القول بالبطلان هو الحق وإن القدر المبطل
هو الانحناء على وجه يتحقق معه صورة الركوع وإن لم يسبح ومن ثم حكموا بأنه لو نسي الذكر في الركوع أو الطمأنينة
أو الرفع منه لم تبطل الصلاة بل قيل لا يوجب شيئا بخلاف نسيان الركوع وهذا لا ينافي ما أسلفناه سابقا من إجزاء
واجب منوى سهوا عن واجب آخر اقتضته نية الصلاة لان الهوى وإن صرفناه إلى السجود فالمبطل هو تكيف المصلى بكيفية
الراكع بعد الهوى وإنما تخلف عن ذلك حكمهم السابق بوجوب القيام إلى الركوع لناسيه ثم الاتيان به فإنه ليس هناك
أمر سوى الهوى فعدم صرفه إلى هوى الركوع مع كونهما واجبين متناسبين غير وجيه هذا كله إن شك في شئ من الأفعال
في موضعه
وأما إن شك في شئ منها بعد انتقاله عن موضعه فلا التفات كما لو شك في القراءة بعد الركوع أو فيه
بعد السجود أو فيه أو في التشهد بعد الركوع أو بعد القيام لاستلزام العود الحرج إذ الغالب عدم تذكر الانسان كثيرا
من أحواله الماضية ولصحيحة زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة
قال يمضى قلت شك في الأذان والإقامة وقد كبر قال يمضى قلت شك في التكبير وقد قرأ قال يمضى قلت شك في
القراءة وقد ركع قال يمضى قلت شك في الركوع وقد سجد قال يمضى على صلاته ثم قال يا زرارة إذا خرجت من شئ
ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ واعلم إن في تحقيق محل رجوع الشاك وعدمه التباسا على وجه لا يكاد ينضبط
فإن مقتضى الحديث أنه متى دخل في فعل لا يعود إلى ما قبله عند الشك فيه وهذا يتم في الشك في النية عند الشروع
في التكبير إن لم يوجب استحضارها إلى آخره وفى التكبير إذا شرع في القراءة لكنه يقتضى أنه متى شك في القراءة وقد
أخذ في الركوع وإن لم يصل إلى حده لا يلتفت بل لو شك فيها وهو قانت لم يعد لان القنوت فعل مغاير للقراءة
وكذا القول فيما لو شك في السجود وقد دخل في التشهد أو في التشهد وقد أخذ في القيام وهذا القول قد تقدم
أنه لا يتم لمعارضة رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام لبعض مواده وإن أريد بالموضع المحل الذي
يصح إيقاع ذلك الفعل فيه كما هو الظاهر منه أشكل في كثير من هذه الموارد أيضا فإن التكبير حالته التي يقع فيها
القيام فيما لم يهو إلى الركوع هو قائم والقراءة حالتها القيام أيضا فالأخذ في الهوى يسيرا يفوت حالته المجوزة للقراءة
فيلزم عدم العود إليها وكذا القول في التشهد بالنسبة إلى الاخذ في القيام ويمكن تقرير النصين بوجه ثالث وهو أن
يقال إن محمل كل فعل يزول بالدخول في فعل آخر حقيقي ذاتي وهو الفعل المعهود شرعا المعدود عند الفقهاء فعلا
لها كالتكبير والقيام والقراءة والركوع والسجود والتشهد وأما ما هو مقدمة لها كالهوي إلى الركوع وإلى السجود
349

والنهوض إلى القيام فلبس من الأفعال المعهودة شرعا وإنما هو من مقدمات الواجب فلا يعد الدخول فيها دخولا في
فعل من أفعال الصلاة لا يعدها الفقهاء أفعالا عند عد الأفعال فلا ينافي ذلك خبر زرارة إذا خرجت من
شئ ثم دخلت في غيره ولعل هذا هو السر في قوله عليه السلام ثم دخلت في غيره بعد قوله خرجت من شئ إذ
لو لم يكن
هنا واسطة كان الخروج من الشئ موجبا للدخول في الاخر فلا يحسن الجمع بينهما عاطفا بثم الموجبة للتعقيب المتراخي
وحينئذ نقول إذا شك في النية وقد كبر أو في أثناء التكبير لم يلتفت لما قررناه في باب النية من عدم وجوب استحضارها
فعلا إلى الآخرة وهو فعل حقيقي وكذا لو شك في التكبير وقد شرع في القراءة أما في القراءة وقد أخذ في
الركوع ولم يصل إلى حده رجع لعدم الوصول إلى فعل من أفعال الصلاة وإنما هو مشتغل بمقدمة الواجب الذي لا يتم
إلا بها وكذا لو شك في الركوع قبل وضع الجبهة على الأرض وما في حكمها أو في التشهد في أثناء النهوض أو في السجود
كذل حيث لا تشهد بعده لان الواجب الذاتي هو القيام الذي لا يتحقق إلا بكمال الانتصاب والنهوض إليه مقدمة له
والموجب للمصير إلى هذا التوجيه الجمع بين صحيحة زرارة المقتضية لعدم العود متى خرج من فعل ودخل في غيره ومثله
صحيحة إسماعيل بن جابر وخبر عبد الرحمن بن الحجاج المقتضى للعود إلى السجود للشاك فيه متى لم يستو قائما فإن النهوض
ح ليس استواء في القيام لكن بقي هنا مواضع آخر يقع فيها الاشتباه أحدها الشك في السجود وهو متشهد فإن مقتضى
الجمع والتقرير عدم الالتفات لان التشهد فعل محض وخبر عبد الرحمن مطلق في العود إلى السجود قبل تمام القيام
فيشمل ما كان بعده تشهد وما لم يكن وأيضا فبعض الأصحاب مثل الشهيد رحمه الله ساوى بين الامرين في وجوب العود
محتجا بخبر عبد الرحمن ويمكن اخراج هذا الفرد من خبره وتقييده لما لو لم يكن بعد السجود تشهد بقرينة قوله فيه رجل
نهض من سجوده فشك قبل أن يستوى قائما فلم يدر أسجد أو لم يسجد فإن عطف الشك على النهوض بالفاء المقتضية للتعقيب
بغير مهلة يدل على عدم تخلل التشهد بخلاف صحيحة زرارة وإسماعيل بن جابر فإنهما دلتا صريحا على التعميم خصوصا قوله
عليه السلام في صحيحة إسماعيل كل شئ مما جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه وهذا بيان واضح الثاني الشك في القراءة
وهو قانت فإن مقتضى الصحيحين عدم وجوب العود ومفهوم قوله في خبر زرارة قلت شك في القراءة وقد ركع فإن يمضى
انه لو لم يكن ركع يعود فيدخل فيه ما لو كان قانتا وخبر عبد الرحمن يقتضيه أيضا فإن العود إلى الفعل مع الشروع
في واجب وإن لم يكن مقصودا بالذات قد يقتضى العود مع الشروع في المندوب بطريق أولى ويمكن أن يقال هنا إن القنوت
ليس من أفعال الصلاة المعهودة فلا يدخل في الخبرين ولا يكاد يوجد في هذا المحل احتمال أو إشكال الا وبمضمونه
قائل من الأصحاب الثالث الشك في الحمد وهو في السورة والذي يقتضيه المبحث وجوب العود إليها لان القراءة
فعل واحد فلا بد في الحكم بعدم العود إليها من الانتقال إلى غيرها على الوجه المتقدم وذهب بعض الأصحاب إلى عدم
وجوب العود بناء على أنهما واجبان وشيئان مستقلان فيدخلان في العموم المتقدم في الخبر وما أبعد ما بين هذا القول
وبين ما ذهب إليه المصنف من وجوب العود إلى السجود عند الشك فيه بعد القراءة ما لم يركع الرابع الشك في ذكر
الركوع أو السجود أو الطمأنينة فيهما أو السجود على بعض الأعضاء غير الجبهة بعد رفع الرأس منهما وقد وقع الاتفاق
هنا على عدم العود إلى هذه الأشياء مع أنه لم يدخل في فعل آخر على الوصف الذي ذكر ويمكن التخلص منه بوجهين
أحدهما منع كون الرفع منهما ليس فعل مستقل بل لهما فعلان ذاتيان قد عدهما الفقهاء واجبين برأسهما فيذكرون
في واجبات الركوع رفع الرأس منه فلو هوى من غير رفع بطل ورفع الرأس من السجدة الأولى والجلوس بينها
350

مطمئنا فلو تركه بطل حتى قال الشهيد في الرسالة الألفية بعد ذلك ولا يجب الرفع من السجدة الثانية على ما يوجد
في بعض النسخ وهو نص في الباب إن الرفع من السجدة الثانية إلى التشهد أو إلى القراءة لا يجب لذاته بل مقدمة لواجب
آخر وكذا الهوى إلى السجود بعد القيام من الركوع والثاني إن هذه الأشياء تستلزم زيادة الركن إن كانت
في الركوع إذ لا سبيل إلى فعلها إلا به وزيادة سجدة إن كانت في السجود وقد قيل في السجدة أنها ركن ومن
ثم لو تحقق بعد الرفع ترك هذه الأشياء لم يعد إليها فإذا فات محلها مع النسيان فمع الشك أولى وفى عدم العود
إلى استدراكها في السجدة الواحدة مع النسيان بنيته واضح على ركنية السجدة وقد تقدم فيه جملة من الكلام في بابه وإلا
فلو كانت فعلا لم يمنع كما لا يمنع القراءة والقيام والتشهد من العود إلى السجدة وهي واجبات متعددة يجوز رفضها
لأجلها ولا ينافي ذلك عدم البطلان بزيادة السجدة لخروجه بالنص وقد اغتفر زيادة الركن في مواضع فليكن هذا منها
فرع لو عاد إلى فعل ما شك بعد الانتقال عن محله على الوجه المقرر بطلت الصلاة مع العمد مطلقا
للاخلال بالنظم ولأنه ليس من الأفعال ويحتمل ضعيفا الصحة بناء على أن عدم العود رخصة فيجوز تركها
ولو حصل المصلى الركعتين الأوليين من الرباعية وشك في الزائد فإن شك هل صلى في الرباعية اثنتين أو
أو ثلثا أو هل صلى ثلثا أو أربعا بنى على الأكثر على المشهور وصلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس والمستند
مع اتفاق أكثر الأصحاب عليه قول الصادق عليه السلام إذا لم تدر ثلثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث
فابن على الثلاث وإن وقع رأيك على أربع فسلم وانصرف وإن اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت
جالس وروى جميل عنه عليه السلام هو بالخيار إن شاء صلى ركعة قائما أو ركعتين جالسا وليس في مسألة
الشك بين الاثنتين والثلاث الآن نص خاص ولكن الأصحاب أجروه مجرى الشك بين الثلاث والأربع وذكر ابن أبي عقيل
إن الاخبار به متواترة فكأنها في كتب لم تصل إلى المتأخرين نعم يدخل في إطلاق رواية عمار عن الصادق عليه السلام
إذا سهوت فابن على الأكثر فإذا فرغت وسلمت فقم فصل ما ظننت إنك نقصت فإن كنت أتممت لم يكن عليك
شئ وإن ذكرت إنك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت واعلم إن الشك المتعلق بالثانية وما بعدها
في هذه الصورة وغيرها إنما تصح معه الصلاة إذا وقع بعد إكمال الثانية لصحيحة الفضل إذا لم تحفظ الركعتين
الأوليين فأعد صلاتك ويتحقق إكمالها بتمام السجدة الثانية وإن لم يرفع رأسه منها على الظاهر لان الرفع
ليس جزءا من السجود وإنما هو واجب آخر هذا كله إذا لم يرجح في نفسه أحد الطرفين وإلا بنى عليه من غير احتياط
كما تقدم في الرواية ولو شك بين الاثنين والأربع وأكمل ما بقي وسلم وصلى ركعتين من قيام
لصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام فيمن لا يدرى أركعتان صلاته أو أربع قال يسلم ويصلى ركعتين
بفاتحة الكتاب ويتشهد وينصرف وفى معناها أخبار أخرى وفى بعضها فإن كان صلى أربعا فهي نافلة وإن كان
صلى ركعتين فهي تمام الأربع وذهب الصدوق إلى بطلان الصلاة هنا وهو في مقطوعة محمد بن مسلم قال سألته
عن الرجل لا يدرى أصلى ركعتين أو أربعا قال يعيد الصلاة ويمكن حملها على من شك قبل اكمال السجود أو على الشك
في غير الرباعية ولو شك بين الاثنتين والثلث والأربع سلم وصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس
على المشهور لمرسلة ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام في رجل صلى فلم يدر اثنين صلى أم ثلثا أم أربعا قال يقوم فيصلى
ركعتين من قيام ويسلم ثم يصلى ركعتين من جلوس ويسلم فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة وإلا تمت الأربع ومرسل ابن
351

أبى عمير في قوة المسند عند الأصحاب وظاهر الرواية وجوب الترتيب بين الركعات فيقدم الركعتين قائما لعطف ركعتي
الجلوس بثم المفيدة للتعقيب وأكثر الأصحاب على التخيير وربما قيل بوجوب تقديم الركعتين من جلوس ولا ريب أن العمل
بمضمون الرواية أحوط وهل يجوز أن يصلى بدل الركعتين من جلوس ركعة قائما ظاهر الأكثر عدمه وأجازه المصنف
وربما قبل بتحتمه وقول المصنف هنا أعدل لان الركعة من قيام أقرب إلى حقيقة المحتمل فواته فيكون مدلولا عليه
بمفهوم الموافقة وأوجب من المتقدمين في هذا الشك صلاة ركعة من قيام وركعتين من جلوس قال في
الذكرى وهو قوى من حيث الاعتبار لأنهما ينضمان حيث تكون الصلاة اثنتين ويجتزى بأحدهما حيث تكون
ثلثا إلا أن النقل والاخبار تدفعه وإنما خص المصنف وأكثر الجماعة من مسائل الشك هذه الأربع لأنها مورد
النص على ما مر ولعموم البلوى بها للمكلفين فمعرفة حكمها واجب عينا كباقي واجبات الصلاة ومثلها الشك
بين الأربع والخمس وحكم الشك في الركعتين الأوليين والثنائية والثلاثية بخلاف باقي مسائل الشك
المتشعبة فإنها تقع نادرا ولا يكاد تنضبط لكثير من الفقهاء وهل العلم بحكم ما يجب معرفته منها شرط في صحة
الصلاة فتقع بدون معرفتها باطلة وإن لم يعرض في تلك الصلاة يحتمله تسوية بينها وبين باقي الواجبات و
الشرائط التي لا تصح الصلاة بدون معرفتها وإن أتى بها على ذلك الوجه وعدمه لان الاتيان بالفعل على الوجه
المأمور به يقتضى الاجزاء ولأن أكثر الصحابة لم يكونوا في ابتداء الاسلام عارفين بإحكام السهو والشك مع
مواظبتهم على الصلاة والسؤال عند عروضه ولأصالة عدم عروض الشك وإن كان عروضه أكثريا وفى هذه
الأوجه نظر واضح وللتوقف مجال
ولا يعيد الصلاة لو ذكر ما فعل سواء كان بعد تمام الاحتياط أم في أثنائه وإن
كان الذكر في الوقت لأنه امتثل المأمور به على وجهه وهو يقتضى الاجزاء فإن كان قد ذكر تمام الصلاة كان المأتي
به احتياطا نافلة كما ورد به النقل وإن ذكر النقصان كان مكملا للصلاة والحكم في غير الصورة الأخيرة واضح لان المأتي
به أما مطابق لما يحتمل نقصه أو قائم مقامه وأما في الأخيرة فإن طابق المأتي به أولا للناقص كما لو تبين انها اثنتان
وقد بدأ بالركعتين من قيام صح أيضا واغتفرت الأفعال الزائدة وكذا لو ذكر أنها ثلاث وقد بدأ بالركعتين
من جلوس أو بركعة من قيام بدلهما ولو لم يكن المبدو به مطابقا كما لو بدأ بالركعتين قائما ثم ذكر أنها كانت ثلاثا
أو بدأ بالركعة قائما ثم ذكر أنها كانت اثنتين أشكل الحكم بالصحة لاختلال نظم الصلاة ووجه الصحة امتثال الامر
المقتضى للاجزاء ولأنه لو اعتبر المطابقة لم يسلم احتياط يذكر فاعله الحاجة إليه لحصول التكبير الزائد المنوي به الافتتاح
هذا إذا كان الذكر بعد الفراغ ولو كان قبله فإن كان قبل الشروع أتم ما لم يكن قد فعل المنافى عمدا وسهوا ولو
كان في أثناء الاحتياط وكان مطابقا آخر كما لو تذكر في أثناء الركعتين قائما أنها اثنتان مع احتمال البطلان
مطلقا لزيادة الركن وكذا يصح لو لم يكن مطابقا ولما يتجاوز القدر المطابق كما تذكر قبل الركوع في الثانية
من الركعتين قائما أنها ثلث أو تجاوز وكان قد قعد عقيب الأولى بقدر التشهد ولو لم يكن جلس احتمل الصحة
للامتثال والبطلان للزيادة وعلى الصحة يترك ما بقي من إجزاء الركعة حيث ذكر ولو تذكر في أثناء الركعتين جالسا
أنها ثلاث فإن كان قبل ركوع الأولى لم يعتد بما فعله وقام فقرأ ثم أكمل الصلاة ولو كان بعده ففي الصحة الوجهان
وأشكل من ذلك ما لو تذكر بعد الركعتين جالسا إن الصلاة اثنتان لزيادة اختلال النظم وليس الاحتياط
في هذه المواضع الحكم بالبطلان للنهي عن قطع العمل حيث يكون مشروعا بل الاكمال والإعادة ولو ذكر ترك ركن
352

من إحدى الصلاتين أعادهما مع الاختلاف عددا كالصبح والظهر لعدم تيقن البراءة بدونه وإلا تكونا مختلفتين عددا
فالعدد كاف كالظهرين فيصلى أربعا ينوى بها ما في ذمته
وتتعين الفاتحة في الاحتياط لأنها صلاة منفردة ومن ثم وجب
فيها النية وتكبيرة الافتتاح ولا صلاة إلا بها وللأمر بها فيها في كثير من الأحاديث الصحيحة والمطلق منها يحمل على المقيد
وقيل يتخير بينها وبين التسبيح لأنها إنما شرعت لتكون بدلا عن الأخيرتين على تقدير النقصان فيتخير فيها كما يتخير فيهما
والبدلية مطلقا ممنوعة بل من وجه دون وجه ومن ثم وجبت النية والتكبير ويتخير بين القيام والجلوس ويعتبر فيها العدد
والكيفية ولا تبطل الصلاة بفعل المبطل عمدا وسهوا قبله لأنه صلاة منفردة وإن كانت جبرا لما عساه نقص من الفريضة
إذ ليست جزءا حقيقة وإلا لما احتيج إلى استيناف النية والبدلية لا تقتضي المساواة من كل وجه ولأصالة براءة الذمة
من التكليف بذلك وبالغ المصنف في المختلف والشهيد في الذكرى في إنكار ذلك بناء على أن شرعيته ليكون استدراكا
للفائت من الصلاة فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة فيكون الحدث واقعا في الصلاة فيبطلها حتى ورد وجوب سجدتي
السهو للكلام قبله ولصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام إذا لم تدر أربعا صليت أو ركعتين فقم واركع ركعتين
والفاء للتعقيب وإيجاب التعقيب ينافي تسويغ الحدث وقد عرفت جواب البدلية والحديث إنما دل على وجوب الفورية
ولا نزاع فيها بل هي واجبة إجماعا كما ادعاه في الذكرى وإنما النزاع في أنه لمخالفتها هل يأثم خاصة أو تبطل الصلاة
مع فعل المنافى وهذا أمر آخر فإن قيل الامر بالفورية يقتضى النهى عن ضده فتبطل المتأخرة للنهي عنها قلنا النهى ليس
عن نفس الصلاة بل عن التأخير فلا يدل على فسادها كما لا يدل النهى عن تأخير الصلاة عن وقتها على فساد القضاء
ووجوب الفورية بالزلزلة عند الشهيد ومن تبعه على فسادها مع التأخير بل الاثم حسب وأيضا النزاع إنما هو
في تخلل المنافى بينه وبين الصلاة وما ذكروه يدل على بطلان الصلاة مع الاخلال بالفورية مطلقا وهو لا يقولون
به فعلم من ذلك الخبر إنما دل على وجوب المبادرة بالاحتياط ونحن نقول به وقد تعجب المصنف في المختلف من ابن إدريس
حيث جوز التسبيح في الاحتياط ولم يبطل الصلاة بالحدث المتخلل فإنهما حكمان متضادان لأن جواز التسبيح يقتضى
كونه جزءا وعدم البطلان يقتضى كونه صلاة منفردة وأجيب بأن التسليم جعل الاحتياط حكما مغايرا للجزء باعتبار
الانفصال عن الصلاة فلا ينافي تبعيته في باقي الاحكام والتحقيق إن الاحتياط صلاة مستقلة روعي فيها البدلية
عما يحتمل نقصه من الصلاة والأصل في الصلاة المستقلة عدم ارتباطها بالسابقة إلا فيما دل عليه الدليل
ويبنى
على الأقل في النافلة لو شك في عددها ويجوز البناء على الأكثر والأول أفضل وحكمها في السهو عن الأفعال و
الأركان والشك فيها في محله وبعد تجاوزه حكم الفريضة والظاهر أنه لا سجود للسهو فيها لو فعل ما يوجبه لو كان
في الفريضة ولو تكلم ناسيا أو شك بين الأربع والخمس بعد السجود أو قعد في حال قيام أو قام في حال قعود و
تلافاه على رأى أو زاد أو نقص غير المبطل ناسيا على رأى سجد للسهو في جميع ذلك أما وجوبه للكلام ناسيا فلصحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام وأما الشك بين الأربع والخمس فلصحيحة الحلبي عنه عليه السلام
إذا لم تدر أربعا صليت أو خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو فيهما تتشهد فيهما تشهدا خفيفا
وروى عبد الله بن سنان عن علي عليه السلام إذا كنت لا تدرى أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد
تسليمك ثم تسلم بعدهما وأما القعود في حال قيام وبالعكس فلرواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ولصحيحة الحلبي
السابقة وروى سفيان بن السمط عنه عليه السلام أسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان فالأجود
353

حينئذ وجوبهما لكل زيادة أو نقيصة غير مبطلتين وكذا للشك في الزيادة أو النقيصة كما دلت عليه صحيحة الحلبي
واختاره المصنف في غير هذا الكتاب وفى المسألة أقوال منتشرة هذا أجودها وهما أي سجدتا السهو سجدتان بعد الصلاة
وإنما ثنى الضمير مع عدم سبق ما يقتضى التثنية لتوسطه بين مثنى ومفرد أحدهما تفسير لصاحبه وكونهما بعد الصلاة
هو المشهور بين الأصحاب وقد دلت عليه الروايات السالفة ولا فرق بين كونهما لزيادة أو نقيصة وربما نقل
عن بعض الأصحاب أنهما قبل التسليم للنقيصة وبعده للزيادة ويفصل بينهما بجلسة لتحقق التثنية ويقول فيهما
بسم الله وبالله اللهم صلى على محمد وآل محمد أو يقول بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سمعه مرة يقول فيهما الأول ومرة أخرى الثاني ولا يستلزم ذلك سهو
الامام لجواز كونه إخبارا عن حكمه فيهما وفى بعض عبارات الحديث بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد
وفى المرة الأخرى بسم الله وبالله والسلام عليك أيها النبي إلخ والكل مجز ويتشهد بعد ذلك تشهدا خفيفا و
يسلم للحديث المتقدم والمراد بالتشهد الخفيف ما اقتصر فيه على أقل الواجب وهو أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
أن محمدا رسول الله وهذا القدر مجز هنا وإن لم يخبر به في غيرهما ولو تشهد بغير الخفيف صح أيضا ولعله أزاد
به التخفيف على المصنف بتخصيص أوجز الافراد وذهب المصنف في المختلف إلى عدم وجوب شئ فيهما سوى النية والسجدتين
محتجا برواية عمار حين سأله هل فيهما تسبيح أو تكبير فقال لا إنما هما سجدتان فقط إلى إن قال ولا فيهما تشهد
بعد السجود وأجاب عن حديث الحلبي بحمله على الاستحباب وجوابه ضعف سند حديثه وصحة ما دل على الأذكار فلا
يعارضه الضعيف مع إمكان حمله على التقية
خاتمة من ترك من المكلفين بالصلاة مستحلا أي
معتقدا حل تركها وكان التارك ممن ولد على الفطرة الاسلامية قتل من غير استتابة لأنه مرتد بسبب إنكاره ما
علم ثبوته من الدين ضرورة ولقوله صلى الله عليه وآله بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة وأقل مراتبه حملة على
الاستحلال وإذا قتل لم يصل عليه ولم يدفن في مقبرة المسلمين وماله لوارثه المسلم هذا إذا كان رجلا ولو كان
امرأة لم تقتل بتركها بل تحبس وتضرب أوقات الصلوات حتى تتوب أو تموت لقول الباقر والصادق عليهما السلام
المرأة إذا ارتدت استتيبت فإن تابت وإلا خلدت السجن وضيق عليها في حبسها وفى إلحاق الخنثى بأيهما نظر من الشك
في الذكورية التي هي شرط القتل ودخوله في العموم وإنما خرجت المرأة بدليل خاص ولو أبدى المستحل شبهة محتملة
في حقه لعدم علمه بالوجوب كقرب عهده بالاسلام أو سكناه في بادية بعيدة عن أحكام الاسلام قبل وكذا لو ادعى
النسيان في أخباره عن الاستحلال أو الغفلة أو أول الصلاة بالنافلة بعد إن أطلق لقيام الشبهة الدارئة للحد و
كذا لو اعتذر عن ترك الصلاة بالنسيان ويؤمر بالقضاء فان استحل تركه فكالأداء وفى حكم استحلال الصلاة
استحلال شرط مجمع عليه كالطهارة أو جزا كالركوع دون المختلف فيه كتعيين الفاتحة ووجوب الطمأنينة و
لو كان التارك المستحل مسلما عقيب كفر أصلى استتيب بأن يخبر بعد إظهار الندم والعزم على عدم العود باعتقاده
عدم وجوبها ويفعلها فلو أخبر ولم يفعل عزر ولو فعل ولما يخبر لم تتحقق التوبة كما لا يحكم بإسلام الكافر لو وجد مصليا
سواء كان في دار الاسلام أم دار الكفر وإن سمع تشهده فيها ولا يكفي في توبة تارك الصلاة إقراره بالشهادتين
لان الكفر لم يقع بتركهما فإن امتنع تارك الصلاة مستحلا مع كونه غير فطري من التوبة قتل لقوله تعالى فإن
تابوا وأقاموا الصلاة الآية وإن لم يكن التارك مستحلا عزر فإن عاد إلى تركها ثانيا عزر ثانيا فإن عاد ثالثا
354

عزر وقتل في الرابعة مع تخلل التعزير ثلثا لما روى عنهم عليهم السلام إن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة وهذه من جملتها
وقيل يقتل في الثالثة وهو مروي أيضا إلا أن قتله في الرابعة أحوط للدماء ولا يسقط القضاء عن التارك سواء كان مستحلا
أم غير مستحل وسواء قتل أم لا لعموم الأوامر الدالة عليه كقوله صلى الله عليه وآله من فاته صلاة فريضة فليقضها خرج منه
الكافر الأصلي فيبقى ما عداه ولأنه يجبر على الأداء حال ردته فكذا على القضاء وهذا فيمن تقبل توبته ظاهر أما من لا تقبل
توبته لكون ارتداده فطريا فإن قتل بقي القضاء في ذمته إلا أن يقضى عنه الولي أو غيره وإن لم يقتل لهرب أو عدم
نفوذ الاحكام وغيرهما وتاب فهل تكون توبته فيما بينه وبين الله تعالى مقبولة المشهور العدم لحكم الشارع بعدم
قبولها ظاهر أو إجرائه مجرى الميت فيما يتعلق بماله ونكاحه وقبول توبته باطنا قوى وإلا لزم أما عدم تكليفه
أو تكليف ما لا يطاق وكلاهما باطل وكل دليل دل على قبول توبة العصاة آت فيه ولعموم قوله تعالى إن الذين آمنوا
ثم كفروا ثم آمنوا أثبت لهم إيمانا بعد كفر وهو شامل لذي الفطرة وغيرها وهو اختيار الشهيد رحمه الله وثبوت
باقي الاحكام عليه من القتل وغيره حسما لمادة الجرأة على الارتداد وصيانة للاسلام
وكل من فاتته فريضة يومية
أو غيرها مما تقضى سواء كان فوتها عمدا أو سهوا أو بنوم أو سكر أو شرب مرقد أو ردة عن الاسلام وجب عليه
القضاء لقوله صلى الله عليه وآله من فاته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته وقوله صلى الله عليه وآله من نام عن
صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها والسكر إذا كان سببه باختيار المكلف وعلمه يساوى النوم في زوال التمييز
ويزيد عليه بالعدوان فيكون أولى بالقضاء ولو تناوله غير عالم بإسكاره أو إكراه عليه أو اضطر إلى استعماله
دواء فهو في حكم الاغماء لظهور عذره نعم لو علم كونه مسكرا لكن ظن اختصاصه بوقت خاص (أو قدر خاص صح) فتناوله على غير ما ظنه
لم يعذر لتعرضه للسبب مع احتمال عذره وهذا الحكم وهو وجوب القضاء على كل من فاتته فريضة ثابت على كل حال إلا
أن تفوت الفريضة بصغر أو جنون سواء كان مطبقا أو دوريا بحيث استوعب زمان الجنون وقت الصلاة أو إغماء على
الأشهر وإن كان الاغماء بتناول الغذاء المودى إليه مع عدم علمه بكونه مؤديا أو حيض أو نفاس أو كفر أصلى لا عارضي
كما في المرتد أو عدم المطهر من ماء وتراب فإنه لا يجب القضاء في جميع المواضع أما الأولان فبالاجماع ولقوله صلى الله
عليه وآله رفع القلم عن ثلاثة وعد الصبي والمجنون وإنما وجب القضاء على النائم مع دخوله معهما بنص خاص وقد عرفته
فيحمل رفع القلم عنه على عدم المؤاخذة على تركه ويجب تقييده بكون سبب الجنون ليس من فعله وإلا وجب عليه القضاء
كالسكران وأما سقوطه مع الاغماء فمستنده مع الشهرة الاخبار المتظافرة كقول الصادق عليه السلام حين سأله أبو أيوب
عن الرجل أغمي عليه أياما لم يصل ثم أفاق أيصلى ما فاته لا شئ عليه وقوله عليه السلام عنه ما غلب الله عليه فهو أولى
بالعذر منه ولأن زوال العقل سبب لزوال التكليف وليس مستندا إليه وروى أنه يقضى آخر أيام إفاقته إن أفاق
نهارا أو آخر ليلته إن أفاق ليلا وعمل به بعض الأصحاب ويمكن حمله على الندب توفيقا بين الاخبار ومصيرا إلى
المشهور رواية وفتوى وإنما يسقط عنه القضاء مع تناوله الغذاء مع عدم علمه بكونه موجبا له كما ذكرناه أو مع اضطراره
إليه أو مع تناوله كرها وإلا وجب القضاء لأنه مسبب عن فعله وأما عن الحائض والنفساء فبالاجماع والاخبار وقد
تقدم في بابه والظاهر أنه لا فرق هنا بين كون سببهما من الله أو من قبل المرأة كما لو تسبب بالحيض أو بإسقاط
الولد بالدواء والفرق بينهما وبين السكران والمغمى عليه إن سقوطه عنهما ليس من باب الرخص والتخفيفات حتى
355

يغلظ عليهما إذا حصل بسبب منهما إنما هو عزيمة بخلاف الآخرين ووجوب قضاء الصوم بأمر جديد
فرع لو طرأ
سبب مسقط على سبب غير مسقط كما لو طرأ الجنون أو الاغماء أو الحيض أو النفاس على الردة أو السكر ففي تأثير الطارئ
فلا يجب قضاء أيامه وجهان من عموم الأدلة على السقوط بتلك الأسباب ومن صدق الارتداد على الحائض والنفساء
حقيقة وعلى مجنون والمغمى عليه حكما وكونه أسبق السببين فيعمل عمله والأصح سقوط القضاء وأما سقوطه عن الكافر الأصلي
فبالاجماع وقوله تعالى قل للذين كفروا الآية وقوله صلى الله عليه وآله ويجب أو يهدم ما قبله ولا يلحق به الفرق
الكافرة من المسلمين كالخوارج والنواصب بل حكمهم حكم غيرهم في أنهم إذا استبصروا لا يجب عليهم إعادة ما صلوه صحيحا
ويجب قضاء ما تركوه أو فعلوه فاسدا وقد ورد ذلك عن الباقر والصادق عليهما السلام بطرق متعددة منها ما رواه محمد بن
مسلم وبريد وزرارة والفضيل بن يسار عنهما عليهما السلام في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء كالحرورية و
المرجئية والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الامر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو
حج أو ليس عليه إعادة شئ من ذلك قال ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير الزكاة فإنه لا بد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها
وإنما موضعها أهل الولاية وهذا الخبر كما يدل على عدم إعادة المخالف للحق ما فعله من ذلك يدل على عدم الفرق بين
الفرق المحكوم بكفرها وغيرها لان من جملة ما ذكر فيه صريحا الحرورية وهم كفار لأنهم خوارج ويعتبر في عدم الإعادة
كون ما صلاه صحيحا عنده وإن كان فاسدا عندنا لاقتضاء النصوص كونه قد صلى وإنما تحمل على الصحيحة ولما كان
الأغلب عدم جمع ما يفعلونه للشرائط عندنا حمل الصحيح على معتقده ولو انعكس الفرض بأن كان قد صلى ما هو
صحيح عندنا لو كان مؤمنا فاسد عنده فالظاهر أنه لا إعادة عليه أيضا بل ربما كان الحكم فيه أولى واحتمل بعض الأصحاب
هنا الإعادة لعدم اعتقاده صحته ولأن الجواب وقع عما صلاه في معتقده واعلم إن هذا الحكم لا يقتضى صحة
عبادة
المخالف في نفسها بل الحق أنها فاسدة وإن جمعت الشرائط المعتبرة فيها غير الايمان وإن الايمان شرط في صحة الصلاة
كما إن الاسلام شرط فيها إذ لو كانت صحيحة لاستحق عليها الثواب وهو لا يحصل إلا في الآخرة بالجنة وشرط دخولها عندنا
الايمان إجماعا ولأن جل المخالفين أو كلهم لا يصلون بجميع الشرائط المعتبرة عندنا وقد وقع الاتفاق ودلت النصوص
على بطلان الصلاة بالاخلال بشرط أو فعل مناف من غير تقييد وما ذكروه هنا من عدم وجوب الإعادة عليه لو استبصر
لا يدل على صحة عبادته في نفسها بل إنما دل على عدم وجوب إعادتها وأحدهما غير الاخر وحينئذ فعدم الإعادة تفضل من
الله تعالى وإسقاط لما هو واجب استتباعا للايمان الطارئ كما سقط عن الكافر ذلك بإسلامه فإذا مات
المخالف على خلافه عذب عليها كما يعذب الكافر فإن قيل الكافر يسقط عنه قضاء العبادة وإن كان قد تركها وهنا
إنما يسقط عنه إعادة ما فعله صحيحا دون ما تركه بل يجب عليه قضاؤه إجماعا وذلك يقتضى الصحة قلنا هذا أيضا
لا يدل على الصحة بل إنما دل على عدم المساواة بينهما في الحكم شرعا فلا يدل على مطلوبهم ولعل الموجب للفرق بينهما بذلك
إن الكافر لا يعتقد وجوب الصلاة فليس عنده في تركها جرأة على الله تعالى فأسقط ذلك الاسلام بخلاف المسلم المخالف
فإنه يعتقد وجوبها والعقاب على تركها فإذا فعلها على الوجه المعتبر عنده كان ذلك منه كترك الكافر بخلاف ما لو تركها
فإنه قادم على الجرأة والمعصية لله تعالى على كل حال فلا يسقط عنه القضاء مع دخوله في عموم من فاته فريضة فليقضها
كما فاتته ويؤيد ذلك حكمهم بعدم إعادة ما صلاه صحيحا بحسب معتقده وإن كان فاسدا عندنا واستشكالهم في عدم
إعادة ما فعله صحيحا عندنا مع فساده عنده ولو كان السبب هو الصحة كان الجزم بهذا الفرد أولى من عكسه ومما يدل
356

على أن عبادته ليست صحيحة وإنما لحقت الايمان تبعا ما رواه علي بن إسماعيل الميثمي عن محمد بن حكيم قال كنت عند أبي
عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه كوفيان كانا زيديين فقالا جعلنا لك الفداء كنا نقول بقول وإن الله من علينا
بولايتك فهل يقبل شئ من أعمالنا فقال أما الصلاة والصوم والحج والصدقة فإن الله يتبعكما ذلك فيلحق بكما وأما الزكاة
فلا لأنكما أبعدتما حق أمرء مسلم وأعطيتماه غيره فجعل عليه السلام لحوق هذه العبادة لهما بعد الايمان على وجه
الاستتباع للايمان فإذا لم يوجد المتبوع زال التابع مع إن الاخبار متظافرة بعدم صحة أعمال من لم يكن من أهل الولاية
من جملتها ما رواه الصدوق بإسناده إلى علي بن الحسين لو إن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما
يصوم النهار ويقوم الليل بين الركن والمقام ثم لقي الله عز وجل بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا وقد أفردنا ليتحقق
هذه المسألة رسالة مفردة من أرادها وقف عليها وقد استشكل بعض الأصحاب في سقوط القضاء عمن صلى منهم
أو صام لاختلال الشرائط والأركان فكيف تجزى عن العبادة الصحيحة وهذا الاشكال مندفع بالنص الدال على السقوط
وإنما لم يعذروا في الزكاة لأنها دين دفعه المدين إلى غير مالكه كما أشار إليه في الخبر وليست العلة هدم الايمان ما قبله
كهدم الاسلام لأنه لو كان كذلك لم يفترق الحال بين ما فعلوه وما تركوه ولا بين الزكاة وغيرها كالكافر ولأن
الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع دون المخالف وفى خبر سليمان بن خالد ما يوهم الهدم لأنه قال للصادق عليه السلام
إني منذ عرفت هذا الامر أصلى في كل يوم صلاتين أقضى ما فاتني قبل معرفتي فقال عليه السلام لا تفعل فإن الحال
التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة والاجماع واقع على عدم العمل بظاهره فإن ما تركه المخالف يجب عليه
قضاؤه إنما الكلام فيما يفعله وقد أوله الأصحاب بأن سليمن بن خالد كان يقضى صلاته التي صلاها فأسماها
فائتية باعتبار إخلاله فيها بما أخل به من الشرائط والأركان وهذا الحديث يؤيد ما قلناه من أن الصلاة فاسدة
ولكن لا يجب قضاؤها مع إن في سند الحديث ضعفا فلا يصلح دليلا على الهدم بقي في المسألة بحث آخر وهو إن الأصحاب
صرحوا هنا بأن المخالف إنما يسقط عنه قضاء ما صلاه صحيحا عنده كما قد بيناه وتوقف جماعة منهم فيما صح عندنا
خاصة وفى باب الحج عكسوا الحال فشرطوا في عدم إعادة الحج أن لا يخل بركن عندنا لا عندهم وممن صرح بالقيدين
المتخالفين الشهيد رحمه الله وأطلق جماعة منهم عدم إعادة ما صلوه وفعلوه من الحج وكذلك النصوص مطلقة وإنما
حصل الاختلاف في فتوى جماعة المتأخرين والفرق غير واضح وأما سقوط القضاء عن عادم المطهر فلعدم وجوب الأداء
وتوقف وجوب القضاء على أمر جديد ولم يثبت هكذا استدل عليه المصنف في المختلف ومن الأول ظاهر لان القضاء لا يتوقف
على وجوب الأداء ولا ملازمة بين قضاء العبادة وأدائها وجودا ولا عدما وإنما يتبع سبب الوجوب وهو حاصل هنا و
الامر الجديد حاصل وهو قوله صلى الله عليه وآله من فاته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته ولا يشترط في تسميتها
فريضة تعيين المفروض عليه بل هي فريضة في الجملة ومن ثم لم ينسها إلى مفروض عليه في الخبر ويدل عليه أيضا قول الباقر
عليه السلام في خبر زرارة إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فإن كنت تعلم إنك إذا صليت الفائتة كنت من الأخرى
في وقت فابدء بالتي فاتتك الحديث ودلالته أوضح من حيث أنه لم يسمها فريضة بل علق الحكم على الصلاة خرج من ذلك
ما أجمع على عدم قضائه فيبقى الباقي فإن قيل قوله فذكرتها يدل على أن الخبر مخصوص بالناسي أو به وبالنائم لان
فاقد الطهور ذاكر للفريضة قبل دخول وقت الأخرى فيكون هذا الخبر مثل قوله صلى الله عليه وآله من نام عن صلاة
أو نسيها ولا نزاع فيه قلنا لا نسلم أولا اشتراط سبق النسيان حالة الفوات في تحقق الذكر بل يمكن فرضه
357

وإن استمر العلم سلمنا لكن يتناول ما لو ذهل فاقد الطهور عن الصلاة بعد وجود المطهر وذكرها في وقت أخرى فيجب
عليه حينئذ قضاؤها للامر به في الحديث ومتى ثبت هذا الفرد ثبت غيره لعدم القائل بالفرق سلمنا لكن الخبر
يتناول الناسي والنائم وغيرهما فيعود الذكر إلى من يمكن تعلقه به وذلك لا يوجب التخصيص به ويؤيد ذلك ما
رواه زرارة أيضا عن الباقر عليه السلام فيمن صلى بغير طهور أو نسي صلوات أو نام قال يصليها إذا ذكرها في أي ساعة
ذكرها ليلا أو نهارا فذكر فيه الناسي والذاكر ثم علق الامر بالقضاء على الذكر ويدل عليه أيضا ما رواه زرارة
عن الباقر عليه السلام إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فيقض الذي وجب عليه
لا يزيد على ذلك ولا ينقص الحديث ووجه الدلالة قوله عليه السلام صلاها بغير طهور فإنه يشمل بإطلاقه القادر
على تحصيل الطهور والعاجز عنه ومتى وجب القضاء على تارك الطهور مع كونه قد صلى فوجوبه عليه لو لم يصل
بطريق أولى وقد تقدم البحث عن هذه المسألة في باب التيمم وهذا القدر متمم لما هناك وقد ظهر منهما إن وجوب القضاء هنا أرجح
ويقضى في السفر ما فات في الحضر من الصلوات تماما اعتبارا بحالة الفوات وكذا يقضى في
الحضر ما فات في السفر قصرا لقول النبي صلى الله عليه وآله فليقضها كما فاتته وروى زرارة عن الصادق عليه السلام
في رجل فاتته صلاة في السفر فذكرها في الحضر قال يقضيها كما فاتته إن كانت صلاة سفر أدائها في الحضر مثلها
وروى زرارة أيضا عن الباقر عليه السلام إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم فليقض أربعا
مسافرا كان أو مقيما وإن نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما
ولو نسي تعيين الصلاة
الواحدة الفائتة اليومية صلى ثلث صلوات ثلاثا أي مغربا معينة وأربعا مترددة بين الظهر والعصر والعشاء واثنتين
ينوى بهما الصبح فيدخل ما في ذمته من الخمس في الثلاث يقينا ولا ترتيب بين الثلث لان الفائت واحدة لا غير ويتخير
في الرباعية بين الجهر والاخفات والحكم بالاجتزاء بالثلث هو المشهور ورواه علي بن إسباط عن غير واحد من أصحابنا
عن أبي عبد الله عليه السلام قال من نسي صلاة من صلاة يؤمه ولم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين وثلثا وأربعا وخالف
في ذلك أبو الصلاح فأوجب قضاء الخمس لتوقف الواجب عليها ووجوب الجزم في النية وجوابه إن الواجب يمكن تأديه بالثلث
كما مر والتعيين إنما يجب حيث يمكن وهو مفقود هنا مع أن الجزم لا يتحقق في النية بفعل الخمس أيضا إذ يحتمل في كل واحدة
أن لا تكون هي فيحصل التردد وإن أريد الجزم بفعل العدد المنوي وإن لم يكن هو الفائت في نفس الامر من باب مقدمة
الواجب فذلك حاصل على تقدير الاكتفاء بالثلث ولو كانت الفائتة من صلاة السفر اكتفى باثنتين ثنائية مطلقة
إطلاقا رباعيا ومغربا لما تقدم وخالف هنا ابن إدريس مع موافقته فيما تقدم محتجا بحجة أبى الصلاح وإنما وافق
في الأول للنص والاجماع وادعى إن إلحاق هذه بالحضر قياس وأجيب بمنع القياس بل هو إثبات حكم في صورة
لثبوته في أخرى مساوية لها من كل وجه وذلك يسمى دلالة التنبيه ومفهوم الموافقة كما في تحريم التأفيف وما
ساواه أو زاد عليه هذا إن استدل بالحديث وإن استدل بالعقل وهو البراءة الأصلية لم يرد ما ذكر مع إن الحديث
ليس من قسم المتواتر بل الآحاد وهو لا يعمل به والاجماع الذي ادعاه على الأولى إن أراد به اتفاق الكل فهو ممنوع
لما عرفت من مخالفة أبى الصلاح وإن كان لعدم اعتباره خلافه لكونه معلوم الأصل والنسب فلا يقدح في الاجماع كان
دليلنا هنا أيضا الاجماع لان المخالف هنا كذلك فلا يقدح فيه ولو فرض أنه عين فلا ريب في الصحة عند القائلين به وعلى
المشهور يحتمل العدم لأنه تعيين ما لم يعلمه ولا يظنه بخلاف الترديد فإنه مشتمل في الجملة على ما يظن وبخلاف الصبح
358

والمغرب لعدم إمكان الاتيان بالواجب من دونهما وتردد الشهيد في الذكرى والظاهر إن ذلك مجز بطريق
أولى لدخول الواجب فيه وكونه أقرب إلى صفة الفائت والأصل في ذلك إن العدول عن التعيين إلى الترديد هل هو
رخصة وتخفيف على المكلف أو هو لمصادفة النية أقوى الظنين فعلى الأول يجزى التعيين بطريق أولى وعلى
الثاني لا يجزى والخبر يحتمل الامرين ولو جمع بين الترديد والتعيين كان طريقا إلى البراءة حتما وربما احتمل البطلان
به لعدم استفادته به رخصة وعدم انتقاله إلى أقوى الظنين ويندفع بأن الذمة تبرأ بكل واحد منهما منفردا أو
بأحدهما في الجملة على اختلاف القول فكذا منضما ولو تعددت الفائتة المجهولة قضى كذلك ثلثا ثلثا أو اثنتين
اثنتين حتى يغلب على ظنه الوفاء تحصيلا للبرائة
وكذا الحكم لو نسي عدد الفائتة المعينة كررها حتى يغلب على ظنه
الوفاء هذا إذا لم يمكنه تحصيل اليقين وإلا وجب كما لو علم انحصار العدد المجهول بين حاضرين فإنه يجب قضاء أكثر الاعداد
المحتملة فلو قال أعلم أنى تركت صبحا مثلا في بعض الشهر وصليتها في عشرة أيام فنهاية المتروك عشرون فيجب قضاء
عشرين وكذا لو قال والمتروك عشرة أيام يقينا لدوران الاحتمال بين فوات عشرة وعشرين وما بينهما وللمصنف
هنا وجه بالبناء على الأقل لأنه المتيقن ولأن الظاهر إن المسلم لا يترك الصلاة واعلم إن الاكتفاء بغلبة الظن في
قضاء الفريضة لم نجد به نصا على الخصوص والظاهر من الجماعة أيضا أنه لا نص عليه نعم ورد ذلك في قضاء النوافل الموقتة
فروى مرازم قال سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليه السلام إن على نوافل كثيرة فقال أقضها فقلت لا أحصيها
قال توخ والتوخي التحري وهو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن قاله الجوهري وروى عبد الله بن سنان عنه
عليه السلام في رجل فاته من النوافل ما لا يدرى ما هو من كثرته كيف يصنع قال يصلى حتى لا يدرى كم صلى من كثرته فيكون
قد قضى بقدر ما عليه قال في الذكرى وبهذين الخبرين احتج الشيخ على أن من عليه فرائض لا يعلم كميتها يقضى حتى يغلب
الوفاء من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى وفيه نظر لان كون النوافل أدنى مرتبة يوجب سهولة الخطب فيها والاكتفاء
بالأمر الأسهل فلا يلزم منه تعدية الحكم إلى ما هو أقوى وهو الفرائض كما لا يخفى بل الامر في ذلك بالعكس فإن الاكتفاء بالظن
في الفرائض الواجبة الموجبة لشغل الذمة يقتضى الاكتفاء به في النوافل التي ليست بهذه المثابة بالأولى ولو نسي
الكمية والتعيين بأن فاته صلوات لا يعلم عددها ولا عينها صلى أياما متوالية حتى يعلم دخول الواجب في الجملة
التي صلاها لتوقف يقين البراءة وتفريغ الذمة بعد يقين اشتغالها عليه
ولو نسي ترتيب الفوائت كرر حتى تحصيله
يقينا لتوقف تحصيل الواجب وهو الترتيب عليه فيجب العدد الزائد من باب المقدمة كما يجب تكرار الفرائض في الواحدة
المجهولة فيصلى الظهر قبل العصر وبعدها أو يصلى بالعكس العصر قبل الظهر وبعدها لو فاتتا أي الظهر والعصر من يومين
ولم يعلم السابقة فتكون زيادة الواحدة طريقا إلى تحصيل الترتيب يقينا لان هنا احتمالين كون الفائت الظهر ثم
العصر وعكسه فإذا حف أحديهما بفعل الأخرى مرتين حصل الترتيب على الاحتمالين ولو فاته مغرب من يوم ثالث و
اشتبه أيضا صلى تلك الثلاث قبل المغرب وبعدها فيحصل الترتيب بسبع فرائض وينطبق على جميع الاحتمالات الممكنة
وهي ستة كون الظهر أولا ثم العصر ثم المغرب وتوسط المغرب بينهما على هذا الترتيب فيهما وتقدمها عليهما وكون الفائت
العصر ثم الظهر ثم المغرب وتوسط المغرب بينهما على هذا الوجه وتقدمها عليهما فهذه ستة احتمالات والترتيب حاصل
بالسبع على جميعها ولو أضيف إليها عشاء صارت الاحتمالات الأربعة وعشرين حاصلة من ضرب أربعة بسبب زيادة الرابعة
في الاحتمالات السابقة وهي ستة ويحصل الترتيب معها بخمس عشرة فريضة بأن يضاف إلى السبع المتقدمة عشاء متوسطة
359

بينها وبين سبع أخرى مثلها ولو أضيف إلى ذلك خامسة كالصبح فالاحتمالات مئة وعشرون حاصلة من ضرب خمسة
عدد الفرائض في أربعة وعشرين ويحصل الترتيب بإحدى وثلثين فريضة بتوسط الصبح بين الخمس عشرة متقدمة و
متأخرة ولو أضيف إليها سادسة صارت الاحتمالات سبعمائة وعشرين حاصلة من ضرب عدد الفرائض في الاحتمالات
السابقة وصحة الترتيب من ثلث وستين فريضة ولو كانت الفوائت سبعة صارت الاحتمالات خمسة آلاف وأربعين
احتمالا والصحة من مائة وسبع وعشرين فريضة وعلى هذا القيام والضابط في ذلك أن تكرر العدد على وجه يحصل
الترتيب على جميع الاحتمالات الممكنة في الفرض ويمكن حصول الترتيب بوجه أخصر مما ذكر وأسهل وهو أن يصلى الفوائت
المذكورة بأي ترتيب أراد ويكررها كذلك ناقصة عن عدد آحاد تلك الصلوات بواحدة ثم يختم بما بدأ به فيصلى في
الفرض الأول الظهر والعصر ثم الظهر أو بالعكس وفى الثاني الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم يكرره مرة أخرى ثم يصلى الظهر و
في هذين لا فرق بين الضابطين من حيث العدد وفى الثالث يصلى الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ويكرره ثلث مرات
ثم يصلى الظهر فيحصل الترتيب بثلث عشرة فريضة وفى الرابع يصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح أربع مرات ثم يختم
بالظهر وله أن يصلى أربعة أيام متوالية ثم يختم بالصبح إذ لا يتعين ترتيب في هذا الضابط في جميع الصور وفى الخامس
يصلى خمسة أيام أيضا ثم يختم بالصبح وفى السادس يصلى ستة أيام ويختم بما بدا به وعلى هذا القياس فيصح الترتيب فيما
لو كانت الفوائت سبعة بإحدى وثلثين فريضة وهو أسهل من الأول جدا وانقص عددا وما جزم به المصنف من وجوب التكرار
لتحصيل العدد مع النسيان هو أحوط القولين في المسألة ووجه وجوبه تمكنه من فعل ما وجب عليه كما وجب فيجب من باب المقدمة
ولأنه لو جهل عين الفريضة صلى اثنتين وثلثا وأربعا أو خمسا كما مر والوجه واحد وذهب جماعة منهم الشهيد ره إلى سقوطه
مع النسيان وهو الظاهر من مذهب المصنف في التحرير والقواعد حيث جعل التكرار أحوط ووجه السقوط قوله صلى الله عليه وآله
رفع عن أمتي الخطأ والنسيان والمراد حكمهما والمؤاخذة عليهما وقوله صلى الله عليه وآله الناس في سعة مما لم يعلموا
ولأن الزائد حرج وعسر وهما منفيان وإن التكليف مع عدم العلم تكليف بالمحال وإن الترتيب تخمين إذ لا يتعين محل الفريضة
حال النية من الفائتة الأخرى فيؤدى إلى تزلزل النية المأمور بالجزم فيها ولأصالة البراءة وفى هذه الوجوه نظر فإن
رفع حكم النسيان والمؤاخذة لا يقتضى رفع ما وجب من باب المقدمة وكون الناس في سعة مما لم يعلموا لا يقتضى كونهم
في سعة مما يمكنهم فيه العلم وهو هنا كذلك إذ العلم ممكن على الوجه المتقدم وكون بعض الزائد عسرا وحرجا لا
يقتضى سقوط ما لا عسر فيه فإن صلاة ثلث فرائض عن اثنتين أو سبع عن ثلث ليس فيه عسر ولا حرج وقد وجب
مثله أو أكثر منه في الفريضة المجهولة العين والتكليف بالمحال إنما يتم لو لم يحصل العلم أما معه فلا وهو هنا كذلك فإن
التكرار تحصيل العلم بل هو أقوى تحصيلا له من الصلوات المحصلة للفريضة المجهولة وقد وجب تعددها بالنص والتخمين
بالمعنى المذكور وهو تزلزل النية المأمور بالجزم فيها يندفع بأن تحصيل الواجب وهو الترتيب لما توقف على الفرائض
المتعددة كانت كل واحدة منها مجزوما بها في محلها لكونها كالمقدمة للواجب فتجب تبعا له ويتعين الجزم فيها وهذا هو
الجواب أيضا عن منع المجتزى بالثلث عن الفريضة المجهولة حيث أنه لا جزم في الرباعية وبعد ذلك كله فالاعتماد على
سقوط وجوب التكرار لاستلزام الحرج والعسر مع كثرة الفوائت جدا قطعا فينتفى الوجوب فيها ومتى انتفى في فرد
وجب نفيه في الجميع إذ لا (فاتل؟) بالفرق بين القليل والكثير والفارق بينها وبين الفريضة المجهولة هو النص على تلك
وعدمه هنا فيرجع إلى الأدلة العامة واختلف فتوى الشهيد رحمه الله في هذه المسألة فأفتى بسقوط التكرار مطلقا
360

في أكثر فتاويه وفى الذكرى استقرب أيضا لكن أوجب تقديم ما ظن سبقه لأنه راجح فلا يعمل بالمرجوح
وفى الدروس أوجب الصلاة بحسب الظن أو الوهم فإن انتفيا صلى كيف شاء ولا ريب أنه أحوط وأولى منه التكرار ولو
فاته صلوات قصر وتمام كخمس فرائض مثلا فيها حضر وتمام لا يعلم عينه وجب عليه أن يصلى مع كل رباعية صلاة سفر
لو نسي ترتيبه أي ترتيب الفائت سواء علم اتحاد أحدهما أم تعدده فإن كل رباعية تمر به يجوز فيها القصر والتمام فلا يبرأ
إلا بهما كما لو فاته فريضة واحدة واشتبهت هل هي قصر أم تمام فإنه يجب عليه فعلها مرتين كما لو اشتبهت الفائتة بين
الصبح والظهر هذا إن أوجبنا الترتيب مع النسيان وإلا أجزاه فعل الفائت كيف اتفق فلو كان خمس صلوات مثلا
وعلم أن بعضها فات حضرا وبعضها سفرا ولا يعلم قدر كل واحد منهما ولا ترتيبه وجب عليه يوم حضر وثلث مقصورات
مسافر معينة عن الظهر والعصر والعشاء ولو علم أن فيها صلاة مقصورة اجتزأ برباعيتين مطلقتين بين الثلث و
ثنائية مطلقة إطلاقا ثلاثيا على المقصورات الثلث مع صبح ومغرب ولو علم أن فيها مقصورتين وجب عليه مع الصبح
والمغرب رباعية واحدة مطلقة إطلاقا ثلاثيا وثنائيتان مطلقتان ثلاثيا وعلى الأول لو فاته ظهر وعصر واشتبه
حضرا وسفرا ولا يعلم عينها ولا ترتيبها وجب عليه ست فرائض ثلث رباعيات كما مر ومع كل واحدة مثلها قصرا ولو
كان معهما مغرب وجب على ما مر سبع فيجب هنا ثلث عشرة بتأخير المغرب عن ثلث رباعيات ومثلها ثنائيات و
تقديمها على مثل ذلك ولو كان معها عشاء أضاف إلى الخمس عشرة التي منها ثلث عشرة رباعية ثلث عشرة ثنائية
أخرى وهكذا ولو نسي الترتيب دون العين كما لو علم فوات ظهر مقصورة وعصر تماما وجهل السابق منهما وسط
الرباعية بين ثنائيتين أو بالعكس ولو كان معهما مغرب قدم عليها الثلث وأخرها عنها وهكذا وعبارة المصنف
تحتمل إرادة هذا المعنى حيث ذكر نسيان الترتيب ولم يتعرض لنسيان العين لكن لا يناسبه قوله صلى مع كل رباعية
صلاة سفر كما لا يخفى ويستحب قضا النوافل الموقتة بإجماع علمائنا استحبابا مؤكدا وروى عبد الله بن سنان عن
الصادق عليه السلام في رجل فاته من النوافل ما لا يدرى ما هو من كثرته كيف يصنع قال يصلى حتى لا يدرى كم صلى
من كثرته فيكون قد قضى بقدر ما عليه قلت فإنه ترك ولا يقدر على القضاء من شغله قال إن كان شغله في طلب معيشة
لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شئ عليه وإن كان شغله للدنيا وتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء وإلا لقي
الله مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يتأكد استحباب قضاء فائتة المريض لرواية مرازم
عن أبي عبد الله عليه السلام حيث سأله إني مرضت أربعة أشهر لم أصل نافلة قال ليس عليك قضاء إن المريض ليس
كالصحيح كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر فيه ويحمل على نفى التأكيد جمعا بينها وبين ما رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه
السلام في مريض ترك النافلة فقال إن قضاها فهو خير له وإن لم يفعل فلا شئ عليه ويتصدق عن كل ركعتين بمد فإن عجز
فعن كل أربع فإن عجز فعن صلاة الليل بمد وعن صلاة النهار بمد فإن عجز فعن كل يوم بمد استحبابا لو عجز عن
القضاء ومستند هذا التفصيل رواية عبد الله بن سنان السابقة قال فيها بعد ما تقدم قلت فإنه لا يقدر
على القضاء فهل يصلح أن يتصدق فسكت مليا ثم قال نعم ليتصدق بصدقة قلت ما يتصدق قال بقدر قوته وأدنى ذلك
مد لكل مسكين مكان كل صلاة قلت وكم الصلاة التي لها مد فقال لكل ركعتين من صلاة الليل وكل ركعتين من
صلاة النهار فقلت لا يقدر فقال مد لكل أربع ركعات قلت لا يقدر قال مد لصلاة الليل ومد لصلاة النهار
والصلاة أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل وما أجمله المصنف من المراتب غير جيد لما قد عرفت من التفصيل
361

في الرواية والكافر الأصلي يجب عليه في حال كفره جميع فروع الاسلام من الصلاة والصيام وغيرهما لكن لا يصح منه
في حال كفره وإن أوقعها على الوجه المعتبر في أفعالها وكيفياتها غير الاسلام فإن مات على كفره عوقب عليها وإن
أسلم سقطت عنه تفضلا من الله تعالى للاجماع وقوله تعالى قل للذين كفروا إن تنتهوا الآية وقوله صلى الله عليه وآله
الاسلام يجب ما قبله فعلى هذا يكون شرطا في صحة عبادته لا في وجوبها وخالف في ذلك بعض العامة فذهب إلى أنه غير مكلف
بالفروع مطلقا وذهب بعضهم إلى أنه مكلف بالنهي دون الامر ويدل على ما اختاره أصحابنا وجمهورهم دخولهم تحت الأوامر
العامة كقوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم وأن اعبدوني وهو خطاب لبني آدم ولله على الناس حج البيت وفويل للذين
لا يؤتون الزكاة وكقوله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله مهانا جعل التعذيب المضاعف جزاء على
الأفعال المذكورة ومن جملتها القتل والزنا ولأنه تعالى قد أخبر بأنه يعاقبهم على تركها كقوله ما سلككم في سقر قالوا
لم نك من المصلين ولأنهم يحدون على الزنا والسرقة فتناولهم النهى فكذا الامر والجامع تمكنهم من تحصيل ما به يحصل الاحتراز
عن المنهى عنه وترك المأمور به وهم يسلمون القياس مع الجامع والمسألة محررة في الأصول وكما أن الاسلام شرط في صحة العبادة
فكذا الايمان فمن مات مخالفا عذب على العبادة كما يعذب الكافر وإن سقط عنهما القضاء بالاسلام مطلقا والايمان
إذا كان قد تعبد صحيحا عنده وقد تقدم الكلام في المسألة
واعلم أن حكم المصنف بسقوط الفروع المخاطب بها الكافر مع
الاسلام عام مخصوص بما خرج وقته من العبادات أو في حكم الخارج كما إذا لم يدرك من آخر وقت الصلاة قدر ركعة بعد
تحصيل الشرائط المفقودة ويخرج من ذلك حقوق الآدميين فإن قضاءها من جملة الواجبات وجل فروع الاسلام
وكذلك حكم الحدث فإنه لا يسقط عنه بإسلامه والله الموفق المقصد الثاني في صلاة الجماعة وفضلها
عظيم قال الله تعالى واركعوا مع الراكعين وأقل مراتب الامر هنا الندب المؤكد وعن النبي صلى الله عليه وآله صلاة
الجماعة تفضل صلاة الفذ بالفاء والذال المعجمة وهو الفرد بسبع وعشرين درجة وروى بخمس وعشرين وعن الصادق
عليه السلام بأربع وعشرين صلاة وعن الباقر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام من سمع النداء فلم يجبه من
غير علة فلا صلاة له وعن الصادق عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله هم بإحراق قوم كانوا يصلون في منازلهم
ولا يصلون الجماعة فأتاه رجل أعمى فقال يا رسول الله إني ضرير البصر وربما أسمع النداء ولا أجد من يقودني إلى الجماعة
والصلاة معك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله شد من منزلك إلى المسجد حبلا واحضر الجماعة وعنه عليه السلام إن
أناسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أبطؤا عن الصلاة في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ليوشك قوم
يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فيوقد عليهم فتحرق عليهم بيوتهم وعنه عليه السلام قال صلى رسول
الله صلى الله عليه وآله الفجر فاقبل بوجهه على أصحابه فسأل عن أناس يسميهم بأسمائهم فقال هل حضروا الصلاة فقالوا
لا يا رسول الله فقال أغيب هم فقالوا لا فقال أما أنه ليس من صلاة أشد على المنافقين من هذه الصلاة والعشاء ولو
علموا أي فضل فيهما لاتوهما ولو حبوا وعنه عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا صلاة لمن لم يصل في
المسجد مع المسلمين من علة ولا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا ومن رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته ووجب
هجرانه وإن رفع إلى أمام المسلمين أنذره وحذره ومن لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته وثبتت عدالته وعنه
صلى الله عليه وآله ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا يقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما
تأكل الذئب القاصية وعنه صلى الله عليه وآله ملعون ملعون ثلثا من رغب عن جماعة المسلمين وروى الشيخ أبو محمد جعفر بن
362

أحمد القمي نزيل الري في كتاب الإمام والمأموم بإسناده المتصل إلى أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و
آله أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام وأهدى إليك هديتين قلت
وما تلك الهديتان قال الوتر ثلث ركعات والصلاة الخمس في جماعة قلت يا جبرئيل وما لامتي في الجماعة قال يا محمد إذا كانا
اثنين كتب الله لكل واحد بكل ركعة مائة وخمسين صلاة وإذا كانوا ثلاثة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ستمائة صلاة
وإذا كانوا أربعة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ألفا ومائتي صلاة وإذا كانوا خمسة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة
ألفين وأربعمائة صلاة وإذا كانوا ستة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة أربعة آلاف وثمان مائة صلاة وإذا كانوا
سبعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة آلاف وستمائة صلاة وإذا كانوا
ثمانية كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة عشر ألفا ومائتي صلاة وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل واحد منهم بكل
ركعة ستة (ثمانية خ ل) وثلاثين ألفا وأربع مائة صلاة وإذا كانوا عشرة كتب الله لكل واحد بكل ركعة سبعين ألفا وألفين وثمان
مائة صلاة فإن زادوا على العشرة فلو صارت السماوات كلها مدادا والأشجار أقلاما والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا
أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة يا محمد تكبيرة يدركها المؤمن مع الامام خير من ستين ألف حجة وعمرة وخير من الدنيا وما فيها
سبعين ألف مرة وركعة يصليها المؤمن مع الامام خير من مائة ألف دينار يتصدق بها على المساكين وسجدة يسجدها
المؤمن مع الامام في جماعة خير من مائة عتق رقبة والاخبار في هذا الباب كثيرة خصوصا في الكتاب المومأ إليه وإنما ذكرنا
هذه الجملة وخرجنا عن مناسبة الكتاب تحريضا للجاهلين وتنبيها للغافلين ثم الجماعة تنقسم إلى ما عدا المباح من الأحكام الخمسة
كما هو شأن العبادة وذلك أنها تجب في صلاة الجمعة والعيدين خاصة بالشرائط المتقدمة المقتضية للوجوب و
تستحب في باقي الفرائض حتى المنذورة أداء وقضاء خصوصا الفرائض اليومية ولا تصح في النوافل لقول النبي صلى الله عليه وآله
لا جماعة في نافلة ولنهي أمير المؤمنين عليه السلام عن الجماعة في نافلة رمضان وقد روى أن أهل الكوفة حين نهاهم عن ذلك صاحوا
وا عمراه وهذا الحكم عام في جميع النوافل إلا صلاة الاستسقاء والعيدين مع عدم الشرائط المعتبرة في الوجوب وقد سبقت
وفيما يأتي من إعادة الصلاة خلف الامام وألحق أبو الصلاح بها صلاة الغدير فجوز الجماعة فيها وقواه الشهيد رحمه الله
في بعض كتبه ولم نقف على مأخذه وتنعقد الجماعة باثنين فصاعدا أحدهما الامام في غير الجمعة والعيدين لقوله صلى
الله عليه وآله الاثنان فما فوقهما جماعة وقول الصادق عليه السلام حين سئل عن أقل ما تكون الجماعة رجل وامرأة ويكفي
أن يكون أحدهما صبي مميز وأما ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث الجهني حين سال النبي صلى الله عليه وآله أنى
أكون في البادية ومعي أهلي وولدي وغلمتي فأؤذن وأقيم وأصلي بهم أفجماعة نحن قال نعم إلى قوله أنهم يتفرقون فأبقى وحدي
فأؤذن وأقيم وأصلي وحدي أفجماعة أنا فقال نعم المؤمن وحده جماعة فالمراد به إدراك فضيلة الجماعة لطالبها فلم يجدها
تفضلا من الله تعالى عليه ومعاملة له على قدر نيته فإنها خير من عمله ويجب أي
يشترط في الامام أمور أحدها التكليف فلا تصح إمامة الصبي غير المميز ولا المجنون المطبق إجماعا وأما الصبي المميز فكذلك عند الأكثر لنقصه بالصبا ولجواز إخلاله
ببعض الأركان والأبعاض لعلمه برفع القلم عنه ولرواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام
لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم ولا يؤم حتى يحتلم وإن أم جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه وذهب الشيخ
في أحد قوليه وبعض الأصحاب إلى جواز إمامة المراهق المميز العاقل في الفرائض لقوله صلى الله عليه وآله مروهم بالصلاة لسبع
فإنه يدل على أن صلاتهم شرعية ولرواية طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام قال لا بأس أن يؤذن
الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤم وروى العامة عن عمرو بن أبي سلمة أنه أم قومه وهو ابن سبع سنين أو ثمان وأجيب بضعف
363

الأولى بطلحة بن زيد فإنه بتري والثانية عامية فالعمل برواية المنع أولى لأنه المتيقن وإن كان في سندها كلام أيضا وإنما
نمنع إمامته بالبالغ أما بمثله فيجوز لتساويهم في المرتبة وهل يجوز إمامته بالبالغين في النافلة التي تجوز الجماعة
فيها استقر به في الذكرى لانعقادها منه وصحتها وليس بواضح لاطلاق النهى ومعارضته بصحة الفريضة أيضا منه و
انعقادها وجواز اقتداء المفترض بالمنتفل واحترزنا في المجنون بالمطبق عمن يعتوره الجنون أدوارا فإن إمامته في حال
الإفاقة الموثوق بها جائزة وإن كانت مكروهة لجواز فجأة الجنون في أثناء الصلاة وإمكان عروض الاحتلام له حالة
الجنون بل روى أنه يستحب له الغسل لذلك ولو عرض له الجنون في الأثناء بطلت صلاته وانفرد المأموم وثانيها الايمان وهو
هنا أخص من الاسلام فيندرج فيه فلا يجوز إمامة غير الامامي من المبتدعة سواء أظهر بدعته أم لا لأنه ظالم فاجر
وقد قال تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار والاقتداء به ركون إليه وقال النبي صلى الله عليه وآله لا
يؤمن فاجر مؤمنا وسئل الباقر عليه السلام عن رجل يحب أمير المؤمنين عليه السلام ولا يتبرأ من عدوه فقال هذا مخلط
وهو عدو لا تصل خلفه إلا أن تتقيه وثالثها العدالة وهي معتبرة إجماعا لما سلف من الآية والخبر وروى الحسن بن راشد
عن الباقر عليه السلام لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته وقيل للرضا عليه السلام في رجل يقارف الذنوب وهو عارف
بهذا الامر أأصلي خلفه قال لا وقد تقدم تعريفها مع الايمان في باب الجمعة وتعرف بالعشرة الباطنة المطلعة على الحال
وشهادة عدلين بها أو اشتهارها وفى الاكتفاء بصلاة عدلين خلفه نظر من دلالته على التذكير وإمكان صدورها ظاهرا
لغرض من الأغراض وعدم الاعتماد عليها والأجود أنه إن تحقق الاقتداء به بحيث أعتد المصلى بتلك الصلاة بأن لازمه
في مجموع الوقت فلم يجده صلاها مرة أخرى وعلم منه أيضا عدم القراءة خلف الإمام وبالجملة تحقق منه الاعتماد وغلبه الاقتداء
به كان تزكية وإلا فلا لكثرة وقوع ذلك ظاهرا مع عدم الاعتماد عليه واكتفى بعض الأصحاب في العدالة بالتعويل على حسن
الظاهر وإن لم تحصل العشرة الباطنة وآخرون على الايمان إلى أن يعلم الفسق وهما نادران ولا اعتبار بظهور العدالة مع
إطلاع المأموم على الفسق بل لكل أحد في ذلك حكم نفسه ولا يقدح فيها مخالفة الامام للمأموم في الفروع الشرعية إذا لم
تخرق الاجماع نعم لو ترك شرطا أو واجبا يعتقده المأموم كالمخالفة في القبلة ووجوب السورة وإن قرأها على وجه الاستحباب
لم يجز الاقتداء به وإن لم يكن ذلك قادحا فيها وكذا لو صلى فيما يعتقد المأموم المنع من الصلاة فيه ورابعها طهارة المولد
بمعنى عدم الحكم ولو من المأموم بكونه ولد زنا فلا تجوز إمامته وإن كان بمثله لقول الباقر عليه السلام في رواية زرارة
لا تقبل شهادة ولد الزنا ولا يؤم الناس وقولهم عليهم السلام أنه شر الثلاثة ولا يلحق به ولد الشبهة ولا من تناله
الألسن مع حكم الشارع بلحوقه باب لأصالة سلامة النسب وخامسها إن لا يشتمل على نقص بالإضافة إلى المأموم
وهو شرط خاص لا يمنع من مطلق الإمامة فيشترط أن لا يكون الامام قاعدا وهو يؤم بقائم وكذا من يتصف بباقي
المراتب بأعلى منه مرتبة لقول الله صلى الله عليه وآله لا يؤمن أحد بعدي جالسا وقول علي عليه السلام لا يوم
المقيد المطلقين لان القيام ركن فلا تصح إمامة العاجز عنه بالقادر عليه كغيره من الأركان ولو عرض العجز عنه
في أثناء الصلاة انفرد المأمومون إن لم يمكنهم استخلاف بعضهم ولا يجوز لهم الاتمام خلفه كما لا يجوز ابتداء ويجوز
للعاجز إمامة مساويه إجماعا لا الأعلى وإن كان بجزء من القيام مع اشتراكهما في الانحناء وهل تجوز إمامة المفتقر
في القيام إلى الاعتماد بمن لا يفتقر إليه نظر من اشتراكهما في وصف القيام ونقص مرتبة الامام واستقرب المصنف في النهاية
الجواز وعدمه أوضح ويشترط أيضا أن لا يكون الامام أميا إذا كان يؤم بقارئ والمراد بالأمي هنا من لا يحسن قراءة
364

الحمد والسورة أو أبعاضهما واحترز بالقارئ عما لو أم بمثله فإنه جائز مع تساويهما في كيفية الأمية وعجزهما عن
التعلم وعن الايتمام بقارئ أو أقل منهما لحنا فلو أحسن أحدهما بعض الفاتحة والاخر بعضا آخر لم يجز لأحدهما الايتمام
بالآخر أما لو أحسن أحدهما الفاتحة أو بعضها والاخر السورة أو بعضها جاز ايتمام الثاني بالأول دون العكس للاجماع
على وجوب الفاتحة في الصلاة بخلاف السورة ولو إئتم جاهل الفاتحة مع علمه بالسورة بعكسه ثم تعاكسا في الإمامة عند
الفراغ من قراءة الفاتحة وهكذا في الركعة الثانية بنى على جواز نقل النية من الانفراد إلى الجماعة فإن جوزناه احتمل هنا
الجواز والأخرس في معنى الأمي فيجوز أن يؤم مثله دون الناطق وإن كان أميا ولو اشترك الأميان في الكيفية وقدر المأموم
على التعلم لم يجز له الايتمام وكذا يجوز إمامة اللاحن في قرائته سواء غير لحنه المعنى كضم تاء أنعمت أم لم يغير كفتح دال الحمد و
كذا لا يجوز إمامة المبدل حرفا بغيره بالمتقن لقرائته الخالي عن اللحن والتبديل ويجوز إمامته لمثله مع اتفاق موضع اللحن
والحرف الموؤف إذا عجزا عن التعلم أو ضاق الوقت (ولو عجز اللاحن عن التعلم أو ضاق الوقت صح) عليه وقدر على الايتمام وجب عليه لقدرته على فعل الصلاة تامة ولو
عجز الامام خاصة صحت صلاته لا غير ولو اختلف الموضع لم يصح مطلقا وأطلق الشيخ كراهة إمامة من يلحن في قرائته أحال
المعنى أم لم يحل في الحمد والسورة إذا تعذر عليه الاصلاح ويفهم من ابن إدريس اختصاص المنع بمن يحيل المعنى والمبدل
هو الألثغ بالثاء المثلثة وهو الذي يبدل حرفا بغيره كان يجعل الراء غينا أو لاما والسين ثاء والحاء هاء ونحوه وفى
وفى معناه الإرث وربما خص الألثغ بمن يجعل الراء لاما والإرث بمن يلحقه في أول كلامه رتج فيتعذر عليه فإذا تكلم
انطلق لسانه فعلى هذا تجوز إمامته مطلقا لعدم المانع وفى حكم الألثغ الأليغ بالياء المثناة من تحت بنقطتين وهو
الذي لا يبين الكلام والتمتام والفأفاء وهو الذي لا يحسن تأدية التاء والفاء وربما فسرا بمن يكرر التاء والفاء
بمعنى أنه لا يتيسر لهما الحرفان إلا بترديدهما مرتين فصاعدا وعلى هذا لا مانع من إمامتهما لان ذلك زيادة غير مخرجة عن
صحة الصلاة نعم يكره للمتقن الايتمام بهما وفى حكمهما من لثغته خفيفة لا تبلغ اخراج الحرف عن حقيقته وإن نقص عن كماله
وكذا لا يجوز أن تؤم المرأة برجل إجماعا ولقوله صلى الله عليه وآله لا تؤم امرأة رجلا وكذا تؤم خنثى مشكلا لعدم
العلم بأنوثيته أن يؤم خنثى بمثله لجواز اختلافهما في الذكورية والأنوثية وكون الامام هو الأنثى ويعلم من ذلك
إن الخنثى لا تؤم رجلا بطريق أولى والحاصل إن الخنثى في حق الرجل كالأنثى وفى حق الأنثى كالرجل وصاحب المنزل
في منزله وصاحب المسجد وهو الامام الراتب فيه وصاحب الامارة من قبل العادل في إمارته والهاشمي مع اجتماع الشرايط
المعتبرة في الامام في الأربعة
وإمام الأصل مع حضوره جماعة أولى بالإمامة من غيرهم لو اجتمعوا مع من يصح إمامته لقول
النبي صلى الله عليه وآله لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه وقوله صلى الله عليه وآله من زار قوما فلا يؤمهم
وهو شامل للمسجد وغيره ولأن تقديم غيرهم ربما أورثت وحشة وتنافرا وأولوية الهاشمي مشهورة بين المتأخرين و
أكثر المتقدمين لم يذكروه قال في الذكرى ولم نره مذكورا في الاخبار إلا ما روى مرسلا أو مسندا بطريق غير معلوم
من قول النبي صلى الله عليه وآله قدموا قريشا ولا تقدموها وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدعى نعم هو مشهور
في التقديم في صلاة الجنازة من غير رواية تدل عليه نعم فيه إكرام للنبي صلى الله عليه وآله إذ تقديمه لأجله نوع
إكرام وإكرام رسول الله صلى الله عليه وآله وتبجيله مما لا خفاء بأولويته وأولوية الامام الأعظم ظاهرة وأولوية الجميع
في الجملة واضحة لكن لا إشعار في العبارة لحكمهم عند الاجتماع وتنقيحه يتم بمباحث أ إمام الأصل أولى من غيره مطلقا
مع حضوره ولا يجوز لغيره التقدم عليه لان له الرياسة العامة ولقوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
365

وهو حاكم على صاحب البيت وغيره وقد أم النبي صلى الله عليه وآله غسان بن مالك وأنسا في بيوتهما ولو لم يحضر واستناب
أحدا كان النائب أولى من غيره لترجحه بتعيين الامام فإنه لا يستنيب إلا الراجح أو المساوي وعلى التقديرين الترجيح حاصل
وهو أولى من صاحب المنزل والمسجد والامارة بأحد الثلاثة الأول مع عدم حضور الامام أو نائبه أولى من غيرهم وإن
كان أفضل منهم إذا كانوا بشرائط الامام بل قال المصنف في صاحب المنزل أنه لا يعلم فيه خلافا ولو اجتمع صاحب المنزل أو المسجد
مع صاحب الامارة كانا أولى منه على تقدير أولوية الهاشمي فالثلاثة أولى منه وهل هو بعدهم بغير فصل أطلق الشيخ
في المبسوط وجعله بعض الأصحاب بعد الأفقه الذي هو متأخر عن الاقرار اختاره في الدروس وهو أجود د أولوية الثلاثة
المتقدمة ليست مستنده إلى فضيلة ذاتية بل هي إلى السياسة الأدبية أقرب فلو أذنوا لغيرهم انتفت الكراهة وصار المأذون
أولى من غيره وإن كان أكمل منه وهل الأولى لهم الاذن للأكمل أو مباشرة الإمامة تردد في الذكرى لعدم النص فإن قيل
بالثاني فالأفضل للمأذون له رد الاذن ليستقر الحق على أصله ولو قيل باستحباب الاذن للأفضل كان وجها اقتصارا
في مخالفة الأصل وعموم أدلة الأفضل على المتيقن وهو ما لو لم يأذن ه‍ أولوية الراتب لا تتوقف على حضوره لو تأخر
عن الحضور أو سئلوا ليحضر أو يستنيب فإن تأخر الجواب لبعد المنزل أو غيره وخيف فوت وقت الفضيلة قدم المصلون من يختارونه
ومع الاختلاف تأتي المراتب وهل الحكم في أخويه كذلك يحتمله للمساواة في العلة ولو حضر بعد أن شرعوا في الصلاة لم يجز القطع
ودخل معهم ولو حضر بعد صلاتهم استحب إعادتها معه لما فيه من اتفاق القلوب مع تحصيل الاجتماع مرتين في الصلاة و
سيأتي إن شاء الله جوازه ولا فرق في صاحب المنزل بين المالك لعينه أو لمنفعته كالمستأجر والموصى له بمنفعته
أو الموقوف عليه على القول بعدم انتقال الملك إليه والمستعير لصدق اسم المنزل في الجميع ولأن الإضافة تصدق بأدنى ملابسه
ولو اجتمع مالك رقبة الدار ومالك منفعتها ملكا تاما كالمستأجر فمالك المنفعة أولى أما المستعير فالظاهر إن المالك
أولى منه لان تسلطه ليس بتام لجواز اخراج المالك له متى شاء والإضافة وإن أمكنت بالنسبة إليه لكنها في المالك
أقوى والمكاتب مطلقا مالك فيقدم على المولى وفى العبد لو قلنا بملكه نظر وهو أولى من غير السيد قطعا ولو لم يكن الامام
الأعظم ولا نائبه ولا أحد الثلاثة رجع في تعيين الامام إلى المأمومين فمن اتفقوا عليه فهو أولى وإن كان مفضولا
فيكره لغيره التقدم فإن اختلفوا قال المصنف في التذكرة يقدم اختيار الأكثر وأطلق الأصحاب طلب الترجيح مع الاختلاف
وعلى كل حال ليس للمأمومين أن يقتسموا ويصلى كل قوم خلف من يختارونه لما فيه من الاختلاف المثير للاخر
والحكم
حينئذ أن يقدم الأقرأ مع التشاح بين المأمومين على المشهور لقول النبي صلى الله عليه وآله يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله
فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا بالسنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا وعن
الصادق عليه السلام إن النبي صلى الله عليه وآله قال يتقدم القوم أقرؤهم للقرآن وذهب بعض الأصحاب إلى تقديم الأفقه
لأهمية الحاجة إليه وتوقف القراءة عليه وبأن القراءة محصورة والفقه غير محصور وقد قال النبي صلى الله عليه وآله من صلى
بقوم وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم في سفال إلى يوم القيمة وحمل الخبر على أن القراءة في الصدر الأول كانت مستلزمة
للفقه لأنهم كانوا إذا تعلموا شيئا من القرآن تعلموا أحكامه قال ابن مسعود كنا لا نتجاوز عشر آبان حتى نعرف أمرها وحينها
وأحكامها فكان أقرؤهم أفقههم ويجاب بأن حكمه صلى الله عليه وآله ليس مختصا بالصحابة والعبرة بعموم اللفظ والمفروض
علم القارئ بإحكام الصلاة ليصح الاقتداء به وما زاد عليه لا تتوقف عليه القراءة والمراد بالأقرء الأجود أداء وإتقانا
للقراءة ومعرفة لمحاسنها المدونة في علمها وإن كان أقل حفظا فإن تساووا في جميع ذلك (قدم الأكثر حفظا فإن تساووا في جميع ذلك صح) فالأفقه في أحكام الصلاة فإن تساووا
366

فيها فالأفقه في غيرها لعموم الخبر السالف ولم يعتبر في الذكرى الترجيح بالزائد لعدم تعلقه بالصلاة ويندفع مع ما سلف
بأن المرجحات لا تختص بالصلاة بل منها ما يتعلق بها كالقراءة ومنها ما هو كمال في نفسه يوجب التقديم كالهجرة والسن
والصباحة فليكن الفقه كذلك بل هو أدخل وأولى في باب الصلاة لما مر من أفضلية الصلاة خلف العالم وهذا الترتيب
هو المشهور وذهب بعض أصحابنا إلى تقديم الأسن على الأفقه ونقله المصنف عن المرتضى ونقل عنه في الذكرى تأخر الأسن
عن الأفقه فإن تساووا في الفقه والقراءة فالأقدم هجرة من دار الحرب إلى دار الاسلام قال المصنف أو يكون من أولاد من تقدمت
هجرته وقد تقدم في الصلاة على الميت تمام البحث عنها فإن تساووا في الهجرة أو انتفت عنهما فالأسن في الاسلام لا مطلقا
فلو كان أحدهما ابن خمسين كلها في الاسلام والاخر ابن سبعين لكن إسلامه أقل من خمسين فالأول أسن كذا قيده الشيخ
وتبعه الجماعة والخبر مطلق فإن تساووا في جميع ذلك فالأصبح ذكره أكثر الأصحاب ونقله المرتضى رواية وعللوه بدلالته
على مزيد عناية الله به ونفاه المحقق في المعتبر إذ لا مدخل له في شرف الرجال والمراد به صباحة الوجه لما ذكر في التعليل
من مزيد العناية وربما فسر بحسن الذكر بين الناس لدلالته أيضا على حسن الحال عند الله تعالى وقد روى إن الله إذا أحب
عبدا جعل له صيتا حسنا بين الناس وفى كلام علي عليه السلام وإنما يستدل على الصالحين بما يجرى الله لهم على السن عباده فإن
تساووا في جميع ذلك أو اشتركوا في فقد بعضه كالهجرة فهل يقدم الأتقى والأورع قيل نعم واختاره المصنف في التذكرة لأنه
أشرف في الدين وأكرم على الله لقوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقيكم بل نوى تقديمه على الأشرف لان شرف الدين
خير من شرف الدنيا وحينئذ يمكن اعتبار ذلك في كل مرتبة ومما يرجح اعتباره في الجملة إن الصباحة قدم بها لكونها من علاماتها
فأولى أن يترجح بذاتها والمراد بالأورع الأقوى التزاما واتصافا بصفة الورع وهو العفة وحسن السيرة وهو مرتبة وراء
العدالة تبعث على ترك المكروهات والتجنب عن الشبهات والرخص ويؤيد اعتبارها في المراتب إن العدالة المعتبرة في الامام
تقبل الشدة والضعف فكما يقدم الأكثر فقها والأكثر قرآنا وغيرهما فكذا الأشد عدالة وحيث كانت العدالة معتبرة
في جميع المراتب كانت زيادتها مرجحة في الجميع ولأن الإمامة سفارة بين الله تعالى وبين الخلق فأولاهم بها أكرمهم على
الله وكلما كان الورع أتم كان تحقق العدالة أشد ووجه عدم اعتبار ذلك عدم ذكر الاخبار والأصحاب له ولو استووا في
جميع ذلك أو حينما أمكن منه أقرع بينهم كما اختاره المصنف في غير هذا الكتاب معللا بالقرعة في الأذان في عهد الصحابة
فالإمامة أولى ويمكن تعليله بالاخبار العامة في القرعة وربما قيل بترجح العربي على العجمي والقرشي على باقي العرب و
المنتسب إلى الأب راجح بعلم أو تقوى أو صلاح ومن ثم ترجح أولاد المهاجرين على غيرهم بشرف آبائهم ونفى عنه في الذكرى
البأس ويجوز أن تؤم المرأة النساء في النافلة التي يجمع فيها إجماعا وفى الفرائض على المشهور لان النبي صلى الله عليه وآله
أمر أم ورقة بنت عبد الله بن الحرث بن نوفل أن تؤم أهل دارها وكان النبي صلى الله عليه وآله يزورها وجعل
لها مؤذنا وعن الصادق عليه السلام لا بأس بإمامة المرأة النساء وروى علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام قال سألته
عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة أو بالتكبير فقال بقدر ما تسمع وذهب جماعة من الأصحاب منهم المصنف
في المختلف إلى منع إمامتها في الفريضة لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال تؤم المرأة النساء في النافلة ولا تؤمهن
في الفريضة وصحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام في المرأة تؤم النساء لا إلا على الميت ومثلها أخبار أخرى صحيحة وحملت على
نفى الاستحباب المؤكد لا على مطلق الاستحباب توفيقا بينها وبين ما تقدم وفى المعتبر حمل أخبار المنع على الندور و
العمل على المشهور بل ادعى المصنف في التذكرة عليه الاجماع
ويستنيب المأمومون لو مات الامام أو أغمي عليه من يكمل بهم الصلاة
367

لرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام في رجل أم قوما بركعة ثم مات قال يقدمون رجلا آخر ويعتدون بالركعة ولو
عرض للامام مانع عن الاكمال مع بقاء رشده كالحدث استخلف هو من يتم بهم لما روى عن علي عليه السلام وجد أذى
فليأخذ بيد رجل فليقدمه وحق الاستخلاف هنا للامام فلو لم يفعل استناب المأمومون لرواية علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام وليس الاستخلاف شرطا في الجماعة فلو تقدم أحدهم واقتدى به الباقون أو بعضهم صح وكذا لو نووا
الاقتداء بمعين وإن لم يعموه ولا فرق بين كونه مأموما مثلهم أو منفردا لكن يكره استنابة من بقي من صلاته أقل منهم
أو أكثر حذرا من الابهام كما في اقتداء الحاضر بالمسافر وبالعكس ومتى كانت الاستنابة من المأمومين تعين عليهم نية الاقتداء
بالقلب من دون تلفظ وهي بسيطة لا يشترط فيها غير القصد إلى الايتمام بالمعين وإن كان المستخلف الامام قيل لا يشترط
النية لأنه خليفة الامام فيكون بحكمه فكما لا يجدد معه فكذا مع خليفته واختاره المصنف في التذكرة والنهاية ولا ريب
إن التجديد أولى ثم إن كان العارض حصل قبل القراءة قرأ المستخلف أو المنفرد لنفسه جميع القراءة وإن كان في أثنائها
ففي البناء على ما وقع منها أو الاستيناف أو الاكتفاء بإعادة السورة التي فارق فيها سواء كانت الحمد أم السورة أوجه أعدلها
الأخير وإن كان الأول لا يخلو من قوة وإن كان بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع ففي الاكتفاء بقرائته أو استيناف القراءة
لكونه في محلها ولم يقرأ وجهان أصحهما الأول ويكره أن يأتم حاضر بمسافر على المشهور لقول الصادق عليه السلام لا
يؤم الحضري المسافر والمسافر الحضري ومنعه جماعة من الأصحاب عملا بظاهر الرواية وكذا يكره العكس وهو إيتمام المسافر
بالحاضر للرواية ويظهر من المصنف في المختلف عدمه وطعن في الرواية بضعف الطريق والكراهة مخصوصة بالصلاة المقصورة فلا
يكره في غيرها مع احتمال العموم عملا بإطلاق الرواية وكذا يكره استنابة المسبوق في إكمال الصلاة لو انتهت صلاة الامام
أو عرض له ما يمنع الاكمال لقول الصادق عليه السلام إذا أحدث الامام وهو في الصلاة فلا ينبغي له أن يستخلف إلا من شهد الإقامة
ولاحتياج المسبوق إلى أن يستخلف من يسلم بهم
وكذا يكره إمامة الأجذم والأبرص على المشهور للنهي عنه في عدة أخبار
وحملت على الكراهة جمعا بينها وبين ما دل على الجواز كرواية عبد الله بن يزيد قال سألت الصادق عليه السلام عن المجذوم
والأبرص يؤمان المسلمين قال نعم قلت وهل يبتلى الله بهما المؤمن قال نعم وهل كتب البلاء إلا على المؤمن ومنعه جماعة
عملا بظاهر النهى وإمامة المحدود بعد توبته للنهي عنه كذلك وبسقوط محله من القلوب ونقص منزلته بذلك وإن تاب
والأغلف مع عدم تمكنه من الختان لقول علي عليه السلام الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم لأنه ضيع من السنة أعظمها
ولو قدر وأهمل فهو فاسق ولا تصح صلاته بدونه وإن كان منفردا ومن يكرهه المأموم لقوله صلى الله عليه وآله ثلاثة لا
تجاوز صلاتهم أذانهم وعد منهم من أم قوما وهم له كارهون وقال علي عليه السلام لرجل أم قوما وهم له كارهون إنك لخروط
بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة والواو والطاء المهملة وهو الذي يتهور في الأمور ويركب رأس كل ما يريد بالجهل و
قلة المعرفة بالأمور قال المصنف في التذكرة والأقرب أنه إن كان ذا دين يكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته والاثم على من كرهه
وإلا كرهت ويمكن حمل الكراهة على كراهتهم لكونه إماما بأن يريدوا الايتمام بغيره فإنه يكره له أن يؤمهم وقد تقدم إن خيرة
المأمومين مقدمة على جميع المرجحات وفى الخبر إيماء إليه والأعرابي بالمهاجرين لقول الباقر عليه السلام في رواية محمد بن مسلم
خمسة لا يؤمون الناس ولا يصلون بهم صلاة فريضة في جماعة والأبرص والمجذوم والأعرابي حتى حين يهاجر وولد الزنا والمحدود وقول
الصادق عليه السلام في صحيحة أبي بصير خمسة لا يؤمون الناس على كل حال المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي
واعلم إن الأعرابي هو المنسوب إلى الاعراب وهم سكان البادية وقد اختلف الأصحاب في كراهة إمامته أو تحريمها بسبب النهى الوارد
368

في الخبر واقترانه فيه بمن تكره إمامته ومن تحرم وحمل المصنف النهى على الكراهة أوضح إذ لا ريب أن المراد به العدل منهم وهو يستلزم
المعرفة لمحاسن الاسلام وتفاصيل الاحكام المشترطة في الامام وحينئذ لا مانع منه ووجه الكراهة حينئذ مع النص نقصه عن مكارم الأخلاق
ومحاسن الشيم التي تستفاد من الحضر كما مر التنبيه عليه في بحث الأقدم هجرة وأما من حرم إمامته كالشيخ وجماعة فمرادهم
مع ظاهر النهى بالأعرابي من لا يعرف محاسن الاسلام وتفاصيل الاحكام من سكان البوادي المعينين بقوله تعالى
الاعراب أشد
كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله أو من عرف منهم ذلك ولكن ترك المهاجرة مع وجوبها عليه لقوله
تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ فإنه حينئذ تمتنع إمامته لاخلاله بالواجب من التعلم أو المهاجرة و
المتيمم بالمتوضئين جمعا بين الأخبار الواردة فيه بعضها بالنهي كقول علي عليه السلام حين عد جماعة نهى عن إمامتهم ولا صاحب التيمم
المتوضئين وبعضها بالاذن في ذلك كصحيحة جميل بن دراج قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إمام قوم إصابته جنابة
في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه الغسل أيتوضأ بعضهم ويصلى بهم قال لا ولكن يتيمم الجنب ويصلى بهم فإن الله عز وجل
جعل التراب طهورا مع أن في سند رواية المنع ضعفا وعمل بظاهرها بعض الأصحاب فحرم إمامته إلا لمثله وإنما عبر المصنف
بالمتوضئين دون المتطهرين مع كونه أشمل بسبب دخول المغتسل فيهم تبعا للرواية كما سمعت ولأن للمتطهرين يدخل فيهم
المتيممون لان التيمم طهارة صحيحة بقول مطلق ولا ريب في جواز إمامة التيمم لمثله وإن كان الأنسب التنبيه على محل الكراهة
صريحا وهو إمامة التيمم للمتطهر بالماء
ولو علم المأموم فسق الامام أو كفره أو حدثه بعد الصلاة لم يعد صلاته في الوقت
ولا في خارجه على المشهور لامتثاله المأمور به وهو الصلاة خلف من يظنه عدلا إذ علم العدالة في نفس الامر غير ممكن وامتثال
الامر يقتضى الاجزاء وسأل حمزة بن حمران الصادق عليه السلام عن رجل أمنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن لا نعلم قال لا بأس
وروى ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عنه عليه السلام في قوم خرجوا من خراسان وبعض الجبال فكان يؤمهم رجل فلما صاروا
إلى الكوفة علموا أنه يهودي قال لا يعيدون وذهب المرتضى إلى وجوب الإعادة مع العلم محتجا بأنها صلاة قد تبين فسادها
لفوات شرطها وهو عدالة الامام فتجب الإعادة وبأنها صلاة منهي عنها للأخبار الواردة بالنهي عن الصلاة خلف الكافر
والفاسق والنهى في العبادة مفسد وقد عرفت جوابه إذ ليس الشرط العلم بالعدالة بل ظنها وهو حاصل والنهى يختص بالعالم
وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ولو علم المأموم بذلك في الأثناء وجب عليه أن يعدل إلى الانفراد بناء على عدم وجوب الإعادة
عليه لو تبين ذلك بعد الصلاة فإن استمر بطلت صلاته ومتى انفرد المأموم كان حكمه في الاكتفاء بما مضى من القراءة
وغيرها أو إعادتها والبناء ما مر فيما لو مات الامام أو أغمي عليه واعلم أنه قد استفيد من ذلك أن صلاة الكافر لا تكون
إسلاما منه وهو ظاهر مع عدم سماع الشهادتين منه لان الصلاة من فروع الاسلام فلا يصير مسلما بفعلها كالصوم
والحج وغيرهما ولقوله صلى الله عليه وآله أمرت إن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماؤهم وأموالهم
إلا بحقها ولو سمع منه الشهادتان ففي الحكم بإسلامه وجهان وقد مر البحث عن ذلك في الأذان ولو علم المأموم بذلك في الابتداء
وجب أن يعيد صلاته إن دخل معه لفسادها حينئذ ويمكن أن يريد بالإعادة هنا صلاته منفردا وسماها إعادة باعتبار كونه
قد أراد أن يأتم به قبل العلم ثم ترك ذلك بعده وهو تجوز ضعيف وكيف كان فالعبارة ليست بجيدة ويدرك المأموم الركعة
مع الامام بدخوله معه قبل الركوع اجماعا وبإدراك الامام راكعا بحيث يصير المأموم في حد الراكع قبل رفع الامام عنه على
المشهور لصحيحة سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام في الرجل إذا أدرك الامام وهو راكع فيكبر الرجل وهو مقيم صلبه ثم
يركع قبل أن يرفع الامام رأسه فقد أدرك الركعة وقريب منه حسنة الحلبي عنه عليه السلام وذهب الشيخ رحمه الله إلى اشتراط
369

إدراك المأموم تكبيرة ركوع الامام في إدراك الركعة لصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال لي إن لم تدرك القوم
قبل أن يكبر الامام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة وحمل على أن المراد بالتكبير نفس الركوع ويمكن الجواب بمنع
دلالته على عدم إدراك الركعة لو دخل حينئذ بل على أنه لا يدخل معهم وجاز أن يكون تركه أفضل مع أنه يدرك الركعة لو خالف
ونحن نقول بذلك فإن ترك الدخول حينئذ معهم أولى خروجا من خلاف الشيخ والأخبار الصحيحة ولكن إن خالف ودخل أدرك
الركعة للخبرين السابقين فإنهما صريحان في ذلك مع أن فيه جمعا بين الاخبار بخلاف ما لو عمل بالاخبار الثانية على الوجه الذي
ذكره الشيخ فإنه يلزم منه إطراح الأولى وجمع الشيخ بينهما بحمل إدراك الامام في الركوع على إدراكه والمأموم قد صار في الصف الذي
لا ينبغي التأخر عنه مع الامكان مع كونه قد أدرك تكبيرة الركوع قبل ذلك وما ذكرناه أولى وأوفق للظاهر
ولا يصح الايتمام
مع وجود جسم حائل بين الإمام والمأموم الرجل بحيث يمنع من المشاهدة للامام أو مشاهدة من يشاهده من المأمومين في
جميع الأحوال وقيدنا الحائل بكونه جسما للاحتراز عن نحو الظلمة فإنها لا تمنع القدوة مع علم المأموم بانتقالات الامام
في ركوعه وسجوده ونحوهما وبكونه بمنع المشاهدة عن مثل المحرم الذي لا يمنع مشاهدة جميع ما فيه فإنه لا يمنع صحة القدوة
على الأصح وفى قوله أو من يشاهده إشارة إلى أن مشاهدة المأموم لمثله المشاهد للامام أو لمن يشاهده وإن تعدد كان
وإلا لم يمكن القدوة للصفوف المتعددة وخرج بقوله في جميع الأحوال عما لو منع الحائل المشاهدة في حالة دون أخرى
كالقصير الذي يمنع حالة الجلوس أو عكسه فإنه غير مانع وقيد المأموم بكونه رجلا ليحترز به عن المرأة فإنه لا يقدح الحائل
بينها وبين الامام مع إمكان المتابعة ويجب تقييده بكون إمامها رجلا فلو كان امرأة مثلها فكالرجل والخنثى
كالمماثل لجواز كونها رجلا إن كانت مقتدية برجل وأنثى إن كانت الأنثى مقتدية بها ومنع ابن إدريس من الحائل
بين المرأة والرجل عملا بالاطلاق والنص حجة عليه وكذا لا تصح القدوة مع علو الامام على المأموم ولا مع تباعده عنه
بغير صفوف مأمومين ولا تقدير للعلو والبعد بل بالمعتد عرفا فيهما بحيث يسمى علوا وبعدا كذلك وللمصنف قول بتقدير
العلو بما لا يتخطى إعادة وهو قريب من العرف وفى بعض الاخبار دلالة عليه ويعتبر البعد مع تعدد الصفوف بين الصف الأول
والامام وبين كل صف وما بعده فمتى حصل البعد في بعض بطلت صلاته وصلاة من تأخر عنه دون المتقدم ولو لم يتباعد
صح الجميع ما لم يؤد إلى البعد المفرط المؤدى إلى التخلف الفاحش عن الامام بسبب تأخر علمه بانتقالاته ويشترط في صحة صلاة
البعيد انعقاد صلاة المتخلل بينه وبين الامام فلو كانت باطلة لم تصح صلاة المتأخر البعيد لعدم اتصال الصفوف في نفس الامر
ولو انتهت صلاة المتخلل قبل المتأخر لمفارقة ونحوها انفسخت قدوة البعيد وإن انتقل بعد ذلك إلى القرب نعم لو انتقل
قبل انتهاء صلاة المتخلل ولم يستلزم الانتقال فعلا كثيرا أو استلزم وكان الانتقال نسيانا استمرت القدوة وهل
للبعيد التحرم قبل المتوسط يحتمل ذلك وهو الذي استقر به الشهيد في البيان لان ذلك في حكم الاتصال لان المتخلل مأموم
بالقوة القريبة من الفعل ولأن الشروع في مقدمات الصلاة من الإقامة والدعاء كالشروع في الصلاة ويمكن المنع لان
خلو المتخلل من القدوة لو حصل في حال استدامة قدوة المتأخر كما في صورة انتهاء القدوة أبطلها فلان يمنعها ابتداء
أولى لما تقرر من أن استدامة الشئ أقوى من ابتدائه فإذا كان طريان ضعيف عدم القدوة وهو ابتداؤه من المتخلل على
قوى قدوة المتأخر وهو استدامتها يوجب بطلانها فلان يمنع القوى وهو المستدام الضعيف وهو مبتدأ المتأخر أولى
وإطلاق اسم المصلى على من يريد الابتداء مجاز كما يمكن إطلاقه على من انتهت صلاته بسبب ما يؤل إليه وما كان عليه فلا
ترجيح بل ربما قيل بترجح الثاني فإن بقاء المعنى المشتق منه ليس شرطا في صحة الاشتقاق عندنا فيصح إطلاق
370

المصلى والمؤتم عليه على وجه الحقيقة دون من يؤل إليها وبالجملة فالمسألة موضع إشكال وما اختاره الشهيد لا يخلو
من وجه إلا أن الدليل العقلي لا يساعد عليه ولو انعكس الفرض بأن كان المأموم أعلى بالمعتد لم يضر ولا عبرة بتقدير
العلو لو وقع إمامه لم يوجب تقدم المأموم على الامام أو إلى غيره لم يوجب البعد لاطلاق النص نعم يشترط عدم إفراط
العلو بحيث يستلزم البعد عادة وكذا لا تصح القدوة مع وقوفه قدام الامام بحيث يكون عقبه متقدما على عقب
الامام أو أصابعه على أصابعه واكتفى الشهيد رحمه الله بالأعقاب خاصة فلا يضر عنده تقدم أصابع المأموم مع مساواة
عقبه لعقب الامام أو تأخره عنه كما لو كانت قدم المأموم أكبر وما ذكرناه من اعتبارهما معا هو اختيار المصنف ولو فرض
تقدم عقب المأموم مع تساوى أصابعهما فظاهر الفريقين المنع لتقدم العقب الذي هو المانع عند الشهيد والاكتفاء
بأحد الامرين عند المصنف في المنع وهو حاصل وكذا لو تأخرت أصابع المأموم وتقدمت عقبه ومقتضى تقييد المصنف
وغيره التقدم في الموقف يقتضى عدم اعتبار غيره من حالات الصلاة كالركوع والسجود بل صرح المصنف في النهاية بأنه
لا عبرة بتقدم رأس المأموم في حالتي الركوع والسجود ويمكن دخول الركوع في الموقف فيعتبر فيه الاقدام كما مر أما حالة
السجود والتشهد فيشكل عدم اعتبار حالهما مطلقا وينبغي مراعاة أصابع الرجل في حالة السجود ومقاديم الركعتين
أو الاعجاز في حالة التشهد ويعلم من تعليق المنع على وقوف المأموم قدام الامام عدم المنع من مساواته وهو المشهور
وخالف فيه ابن إدريس فأوجب تقدم الامام يسيرا عملا بظاهر قوله صلى الله عليه وآله إنما جعل الامام إماما ليؤتم به
ويدفعه ظاهر صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه ولو لزم التأخر
لذكره لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة قال المصنف ولأن التقدم لو كان شرطا لما أمكن اختلاف اثنين في الإمامة
لان المتقدم إن حصل فهو الامام وإلا بطلت الصلاة ورد بأنه لا اقتداء هنا حتى يتأخر المأموم إذ الفرض وقوع الشك
بعد الصلاة فلا يلزم بقاء التذكر بحالة الموقف وبأن تأخر المأموم شرط في صحة صلاته لا في صحة صلاة الامام فجاز
أن يقول أحدهما كنت إماما متقدما فصلاتي صحيحة دون الاخر
ويستحب للمأموم الواحد أن يقف عن يمين الامام مع
تقدم الامام يسيرا ولا فرق في ذلك بين اقتداء الرجل بالرجل أو المرأة بالمرأة ولو كان المأموم خاصة امرأة وقفت
خلفه وجوبا على القول بتحريم المحاذاة أو استحبابا على القول الاخر وقد سبق والخنثى كالمرأة المقتدية برجل فتقف
خلفه لجواز الأنوثة وأن يقف العراة المؤتمون بالعاري والنساء المؤتمات بأمرة في صفه أي صف الامام وفيهما وأن تقف
الجماعة من الذكور والمراد الاثنان فما فوقهما خلفه أي خلف الامام بأجمعهم ويستحب كونه في وسط الصف وقرب أهل الفضل
من الامام فان تعددوا كانوا في يمين الصف ولو احتج إلى أزيد من صف استحب اختصاصهم بالصف الأول ثم الثاني لمن دونهم
وهكذا لما روى عن النبي صلى الله عليه وآله ليلين أولوا الأحلام ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الصبيان ثم النساء
وعن الصادق عليه السلام ليكن الذين يلون الامام أولى الأحلام منكم والنهى فإن نسي الامام أو تعايا قوموه
وأفضل
الصفوف أولها وأفضل أولها ما دنى من الامام ثم يمينه وإعادة المنفرد صلاته مع الجماعة سواء كان معهم إماما أو
مأموما لقول النبي صلى الله عليه وآله إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت وعن الصادق عليه السلام أن الأفضل
لمن صلى ثم يجد جماعة أن يصلى معهم ولو صلى أولا جماعة ففي استحباب الإعادة جماعة قولان أصحهما الجواز لعموم
الأدلة خصوصا مع اشتمال الجماعة الثانية على مرجح وهل يسترسل الاستحباب منعه المصنف في التذكرة وجوزه في الذكرى
وعموم الأدلة تدل عليه ولو كان أحدهما منفردا فلا إشكال في الجواز تحصيلا لفضيلة الجماعة في الحاضر وربما استشكله
371

بعضهم وسيأتي وأولى الصلاتين أو الصلوات هي فرضه فينوي بالباقي الندب لامتثاله المأمور به على وجهه فيخرج من العهدة
ولو نوى الفرض في الجميع جاز لرواية هشام بن سالم في الرجل يصلى الغداة وحده ثم يجد جماعة قال يصلى ويجعلها الفريضة
إن شاء ولما روى أن الله يختار أحبهما إليه وروى أفضلهما وأتمهما ويكره وقوف المأموم الرجل وحده على المشهور بل يدخل
في الصفوف مع الامكان حيث وجد الفرجة ولو أمكن الوصول إليها بدون اختراقهم كان أولى ولو لم يجد فرجة وقف وحده ولا يستحب له
جذب واحد يقف معه لما فيه من حرمانه فضيلة التقدم وإحداث الخلل في الصف ولو فعل لم يستحب إجابته ولا كراهة
في وقوف المرأة وحدها إذا لم يكن معها نساء لان ذلك هو وظيفتها كما لا يكره للرجل لو لم يكن دخوله في الصف ومنع
ابن الجنيد من قيام الرجل وحده مع إمكان الدخول في الصف من غير إذنه لما روى إن النبي صلى الله عليه وآله أبصر رجلا
خلف الصفوف وحده فأمره أن يعيد الصلاة وروى السكوني عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن علي عليهم السلام
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تكونن في العيكل قلت وما العيكل قال تصلى خلف الصفوف وحدك والخبران
ضعيفا السند ويمكن حمل الامر في الأول على الاستحباب والنهى في الثاني على الكراهة جمعا بينهما وبين الأخبار الصحيحة
كصحيحة أبى الصباح عن الصادق عليه السلام في الرجل يقوم وحده فقال لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد وتمكين الصبيان
والمجانين والعبيد من الصف الأول بل يكره لغير أهل الفضل مع وجودهم وإمكان إكماله بهم كما يكره لهم التأخر عنه ووجه
تخصيص الكراهة بتمكين الصبيان بناء على أن المكروه هو المرجوح بنص خاص وعلى اعتبار معناه الأعم وهو كل ما رجح
تركه كما يقتضيه التعريف الأصولي فالكراهة عامة لما ذكرناه وإن كان قد يطلق على ما عدا الخاص خلاف الأولى وقد تقدم
تحقيق ذلك والتنفل بعد قول المقيم قد قامت الصلاة لما فيه من الشاغل بالمرجوح عن الراجح ومنعه بعض الأصحاب
ولا إشكال في التحريم لو كانت الجماعة واجبة وأدى ذلك إلى فواتها والقراءة خلف الامام المرضى إلا إذا لم يسمع صوت
الامام ولو همهمة وهي الصوت الخفي من غير تفصيل حروف فيستحب له القراءة حينئذ على رأى أما كراهة القراءة خلفه
فلقوله تعالى فإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا وقول النبي صلى الله عليه وآله إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا
كبر فكبروا وإذا قرأ فانصتوا وقول الصادق عليه السلام من رضيت قرائته فلا تقرأ خلفه وحمل الامر على الندب والنهى
على الكراهة جمعا بينهما وبين ما دل على عدم التحريم كصحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام في الرجل يصلى خلف
من يقتدى به ويجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة فقال لا بأس إن صمت وإن قرأ وأما استحبابها مع عدم السماع فلرواية عبد الله
بن المغيرة عن الصادق عليه السلام قال إذا كنت خلف من ترتضي في صلاة يجهر فيها فلم تسمع قراءته فاقرأ وأن تسمع الهمهمة
فلا تقرأ وحمل على الندب كما مر وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عنه عليه السلام أنه قال إنما أمرنا بالجهر لينصت من خلفه
فإن سمعت فانصت وإن لم تسمع فاقرأ ومنع بعض الأصحاب من القراءة مطلقا لصحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام كان
أمير المؤمنين عليه السلام يقول من قرأ خلف إمام يأتم به بعث على غير الفطرة والذي دلت عليه الأخبار وجمع به بينها و
بين ما خالفها وذهب إليه جماعة من الأصحاب ترك القراءة مطلقا إلا الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمته وأطبق الجميع على ترك القراءة
في الجهرية مع السماع ثم اختلفوا فذهب بعضهم إلى التحريم ووجوب الانصات وآخرون إليه مع استحباب الانصات وهو
الأصح وحيث ساغت القراءة فليقرأ الحمد والسورة في الأوليين ويتخير بين الحمد والتسبيح في الأخيرتين وعلى القول
المشهور من اختصاص القراءة بالجهرية غير المسموعة ففي القراءة في أخيرتيها لاطلاق الامر بالقراءة في الجهرية إذا لم يسمع
372

أو إلحاقهما بالاخفاتية قولان أجودهما الأول وروى إن المأموم يسبح في الأولتين أيضا من غير قراءة وهذه المسألة من المشكلات
بسبب اختلاف الاخبار وأقوال الأصحاب في الجمع بينها وتحرير محل الخلاف إن الصلاة أما جهرية أو سرية وعلى الأول أما
أن يستمع سماعا ما أو لا وعلى التقديرات فإما أن تكون في الأوليين أو الأخيرتين فالأقسام ستة فابن إدريس وسلار
أسقطا القراءة في الجميع للخبر المتقدم لكن ابن إدريس جعلها محرمة لظاهر الخبر وسلار جعل تركها مستحبا ثم روى وجوبه
واستثبت الأول وباقي الأصحاب على إباحة القراءة في الجملة لكن يتوقف تحقيق الكلام على تفصيل فنقول إن
كانت القراءة
جهرية فإن سمع في أوليتها ولو همهمة سقطت القراءة فيهما إجماعا لكن هل السقوط على وجه الوجوب بحيث تحرم القراءة
فيه قولان أحدهما التحريم ذهب إليه جماعة منهم المصنف في المختلف والشيخان عملا بظاهر الامر في قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا
له وانصتوا ولقول أمير المؤمنين عليه السلام المتقدم ولقول الصادق في رواية يونس بن يعقوب من رضيت قراءته
فلا تقرأ خلفه والنهى للتحريم والثاني الكراهة وهو قول المحقق والشهيد لما مر من صحيحة ابن الحجاج وإن لم يستمع فيهما أصلا
جازت القراءة بالمعنى الأعم لكن ظاهر أبى الصلاح إن القراءة هنا واجبة وربما أشعر به كلام المرتضى أيضا والاستناد
فيه إلى ظاهر الامر المتقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وإن لم تسمع فاقرأ والمشهور الاستحباب بحمل الامر عليه جمعا
بينه وبين غيره وقد تقدم وعلى القولين فهل القراءة للحمد والسورة أو للحمد وحدها ظاهر جماعة الأول لاطلاق الامر بالقراءة
والمعروف منها في الأوليين ذلك وصرح الشيخ بأن القراءة للحمد وحدها وأما الجهرية في أخيرتيها فيهما أقوال أحدها
وجوب القراءة مخيرا بينها وبين التسبيح كما لو كان منفردا وهو قول أبى الصلاح وابن زهرة والثاني استحباب قراءة
الحمد وحدها وهو قول الشيخ والثالث التخيير بين قراءة الحمد والتسبيح استحبابا وهو ظاهر جماعة منهم المصنف في المختلف وإن
كانت إخفاتية ففيها أقوال أحدها استحباب القراءة فيها مطلقا وهو الظاهر من كلام المصنف هنا وثانيها استحباب
قراءة الحمد وحدها وهو اختياره في القواعد والشيخ رحمه الله وثالثها سقوط القراءة في الأوليين ووجوبها في الأخيرتين
مخيرا بين الحمد والتسبيح وهو قول أبى الصلاح وابن زهرة كما مر ورابعها استحباب التسبيح في نفسه وحمد الله أو قراءة
الحمد مطلقا وهو قول نجيب الدين يحيى بن سعيد ولكل واحد من هذه الأقوال شاهد من الاخبار وما تقدم طريق
الجمع بينها وبين الصحيح منها ولم أقف في الفقه على خلاف في مسألة تبلغ هذا القدر من الأقوال
ويجب على المأموم التبعية
لامامه في الأفعال مطلقا بمعنى أن لا يسبقه بالشروع فيها ولا بالفراغ منه بل إما أن يتأخر عنه بحيث لا يشرع في فعل
حتى يأخذ الامام في الشروع فيه وهو الأفضل أو يقارنه وهو محصل للجماعة أيضا لكنه مخل بالفضيلة التامة وقد
روى أن النبي صلى الله عليه وآله لا يأمن الذي يرفع رأسه قبل الامام أن يحول الله وجهه وجه حمار وهو تحذير وتخويف
لمن يفعل كذلك أن يحول الله وجه قلبه إلى وجه قلب الحمار الذي لا يعقل الأمور العقلية ولا يدرك الأذواق العلوية
والمعاني الغيبية وقال الصدوق رحمه الله إن من المأمومين من لا صلاة له وهو الذي يسبق الامام في ركوعه وسجوده
ورفعه ومنهم من له صلاة واحدة وهو المقارن له في ذلك ومنهم من له أربع وعشرون ركعة وهو الذي يتبع الامام في كل
شئ فيركع بعده ويسجد بعده ويرفع منهما بعده ومنهم من له ثمان وأربعون ركعة وهو الذي يجد في الصف الأول ضيقا
فيتأخر إلى الصف الثاني ولا خلاف في وجوب المتابعة في الأفعال كالركوع والسجود لقوله صلى الله عليه وآله إنما
جعل الامام إماما ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وأما الأقوال فتجب المتابعة في
التكبير اتفاقا وللخبر بمعنى ألا يكبر قبله وهل له مقارنته قولان أجودهما المنع وهل يجب في غيره من أذكار الركوع
373

والسجود والتشهد قيل نعم للخبر واختاره الشهيد وعدمه وهو مختار المصنف وهو الأصح للأصل ولأنه ليس بمؤتم فيها
ولهذا لا يتحتم عليه ما يختاره الامام من الذكر بخلاف التكبير إذ لا تتحقق القدوة بالشروع في الصلاة قبله وللخبر و
لأنه لو وجبت المتابعة لاشترط العلم بانتقالات الامام فيها في صحة الجماعة كما في الركوع والسجود إذ ليست العلة في
اشتراط ذلك إلا لمكان المتابعة والاجماع على عدم وجوب اسماع الامام المأموم الأذكار فلو كلف بالمتابعة فيها
لزم تكليف ما لا يطاق نعم يستحب ولهذا استحب للامام اسماعها المأموم وقد روى أبو المعزا عن الصادق عليه السلام
في الرجل يصلى خلف إمام فيسلم قبل الإمام قال ليس بذلك بأس وهو من جملة الأقوال ولا قائل بالفرق وقد حكم
الأصحاب بموجبه وتقييد بعضهم الجواز بنية الانفراد بناء على مذهبه من وجوب المتابعة فيه ولو كان كذلك لوجب
على الامام البيان وكما تستحب المتابعة أو تجب في الأقوال الواجبة فكذا في المستحبة كالقنوت إذا تقرر ذلك فإن لم
يتابع المأموم في الأفعال وتقدم على الامام في الركوع أو السجود أو القيام عامدا بعد أن فرغ الامام من القراءة
في صورة تقدمه في الركوع وبعد أن فرغ المأموم من واجب التشهد في صورة تقدمه في القيام إن كان بعد التشهد أثم
واستمر متثاقلا حتى يلحقه الامام على المشهور فلو عاد إليه بطلت صلاته لتحقق الزيادة عمدا والجاهل عامد وإلا
يكن عامدا بل فعل ذلك ظنا أن الامام قد شرع في الفعل أو نسيانا لم يأثم ورجع وأعاد ما سبق به مع الامام لرواية
محمد بن سهل الأشعري عن أبيه عن الرضا عليه السلام فيمن رفع رأسه قبل الإمام قال يعيد ركوعه وعن الفضل بن يسار
عن الصادق عليه السلام في الرجل يرفع رأسه من السجود قال فليسجد ويحمل مطلقهما على الناسي لان الزيادة عمدا مبطلة
فلا يؤمر بالعود وجمعا بينهما وبين رواية غياث عن الصادق عليه السلام في الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام
أيرجع إذا أبطأ الإمام قال لا وهل عود الناسي على وجه الوجوب أم الندب ظاهر الأكثر الأول فلو ترك الرجوع
احتمل بطلان صلاته لان المعتبر إنما هو الثاني ولم يأت به متعمدا فيبقى في العهدة وعدمه لأنه بترك الرجوع يصير
في حكم المتعمد الذي عليه الاثم لا غير بل أخف منه لان فعله السابق لم يكن على وجه العمد وهذا هو الأجود واختار
المصنف في التذكرة عدم وجوب العود على الناس وإن كان جائز وربما استدل له بمفهوم مكاتبة ابن فضال للرضا
عليه السلام فيمن ركع لظنه ركوع الامام فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الامام فكتب يتم صلاته لا
تفسد بما صنع صلاته وهي بعيدة عن الدلالة ولا يجوز للمأموم المسافر إذا اقتدى بالحاضر في رباعية المتابعة
للحاضر في باقي صلاته بل يسلم إذا فرغ من أفعاله الموافقة لصلاة الامام قبل الامام ولو تشهد معه ثم انتظره إلى
أن يكمل صلاته ويسلم معه كان أفضل ولو انعكس الفرض يخير الحاضر عند انتهاء الفعل المشترك بين المفارقة في
الحال والصبر حتى يسلم الامام فيقوم إلى الاتمام وهو أفضل والأفضل للامام أن ينتظر بالسلام فراغ المأموم
ليسلم به فإن علم المأموم بذلك قام بعد تشهد الامام والمشهور عدم وجوب بقاء الامام المسافر في مجلسه إلى أن
يتم المأموم المقيم خلافا للمرتضى وظاهر ابن الجنيد وربما حمل على تأكد الاستحباب وما ذكرناه من التفصيل آت في
الصلاتين المختلفتين عددا وصلاة المسبوق وإن لم يختلفا سفرا وحضرا فلو اقتدى مصلى الصبح بالظهر فحكمه حكم اقتداء
المسافر بالحاضر ومثله اقتداء مصلى المغرب بالعشاء فإنه يجلس بعد الثالثة للتشهد والتسليم والأفضل له انتظاره
به كما مر وربما قيل بالمنع لاحداثه تشهدا مانعا من الاقتداء بخلاف مصلى الصبح مع الظهر والمسافر مع الحاضر
فإنه يتشهد مع الامام ويضعف بأن ذلك ليس مانعا من الاقتداء ومن ثم يتأخر المأموم المسبوق للتشهد مع بقاء
374

القدوة ويجب على المأموم بنية الايتمام وإلا لم تصح له الجماعة إذ ليس لكل امرئ إلا ما نواه وهو موضع وفاق فلو ترك
نية الاقتداء فهو منفرد فإن ترك القراءة عمدا أو جهلا وركع بطلت صلاته وكذا لو قرأ (بنية الندب ولو قرء بنية صح) الوجوب وتابع الامام
في أفعاله ولم يتحمل المتابعة على وجه يخرج عن كونه مصليا صحت صلاته وفاته ثواب الجماعة ولا يكفي عن نية الايتمام نية
الصلاة جماعة لاشتراكها بين الإمام والمأموم فليس فيها ربط بفعل الامام بخلاف الايتمام ويجب كون نية الاقتداء
بالمعين بالاسم أو الصفة ولو بكونه هذا الحاضر ليمكن المتابعة فلو نوى الاقتداء بأحد هذين لم تصح وإن اتفقا في
الأفعال وكذا لو نوى الاقتداء بهما معا ولو عين فأخطى تعيينه بأن نوى الاقتداء بزيد فظهر أنه عمرو بطلت صلاته
أيضا وإن كان الثاني أهلا للإمامة أما لو نوى الاقتداء بالحاضر على أنه زيد فبان عمروا ففي صحة القدوة ترجيحا
للإشارة على الاسم أو البطلان للعكس نظر ورجح المصنف البطلان وهو متجه
ولو صلى اثنان متساويان في الموقف ونوى
كل منهما الإمامة بصاحبه صحت صلاتهما وإن لم ينالا فضيلة الجماعة لاتيانهما بما يجب عليهما من القراءة وتبطل الصلاة
لو نوى كل منهما أنه مأموم بصاحبه لتركهما معا القراءة بنية الوجوب حيث وكل ذلك إلى صاحبه وكلاهما مروي عن أمير
المؤمنين عليه السلام رواه الكليني بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجلين اختلفا
فقال أحدهما كنت أمامك وقال الاخر كنت أنا أمامك فقال عليه السلام صلاتهما تامة قال فإن قال كل منهما كنت ائتم بك
قال فصلاتهما فاسدة ليستأنفا وفى سند الرواية ضعف لكنه منجبر بتلقي الأصحاب لها بالقبول وعملهم بمضمونها وموافقتها
للأصول وهذا الفرض يمكن اتفاقه في موضع التقية إذا صليا خلف ثالث ظاهرا وإلا بعد الفرض لتوقف فعل كل منهما
على الاخر فيدور وربما استشكل الحكم بأن بطلان صلاة كل منهما مستند إلى إخبار الاخر بعد الصلاة والحكم بصحتها وفى
قبول كل منهما في حق الاخر حينئذ نظر فإن الامام لو أخبر بحدثه أو عدم تستره أو عدم قرأته لم يقدح ذلك في صحة صلاة المأموم
إذا كان قد دخل على وجه شرعي ولا يتم الفرق بينهما بتحقق الإمامة والايتمام في المخبر بالحدث ونحوه والحكم بالصحة
فلم يقدح اخباره بشئ لان ذلك لو كان شرطا لم تصح الصلاة في صورة إخبار كل منهما بالإمامة ولا يخفى أن الاشكال
في مقابلة النص غير مسموع خصوصا مع عمل الأصحاب بذلك وعدم العمل (العلم خ ل) بالمخالف ويمكن مع ذلك أن يكون شرط جواز الايتمام
ظن صلاحية الامام لها ولهذا لا يشترط أن يتحقق المأموم كون الامام متطهر أو لا متصفا بغيرها من الشرايط الخفية
بعد الحكم بالعدالة ظاهرا وحينئذ إن تحققت الإمامة والايتمام لم يقبل قوله في حقه كما في الحدث ونحوه وإن حكم بهما ظاهرا
ثم ظهر خلافه قبل قول الإمام لعدم تيقن انعقاد الجماعة والبناء على الظاهر مشروط بالموافقة وهذا هو مقتضى النص في الموضعين
ولو شكا فيما أضمراه فقد أطلق جماعة البطلان (أيضا لعدم اليقين بالاتيان بأفعال الصلاة على وجهها وفصل المصنف بقطع البطلان صح) إن كان في الأثناء لأنه لا يمكنهما المضي على الانفراد ولا على الاجتماع
وتردد فيما إذا شكا بعد الفراغ مما ذكر ومن أنه شك بعد الانتقال ويشكل الأول بمنع عدم إمكان الانفراد عنده و
عند الأكثر إذا لم تكن الجماعة واجبة والثاني بأن الشك في المبطل بعد الفراغ من الصلاة لا يقتضى البطلان فيتجه حينئذ
أن يقال إن كان الشك بعد الفراغ فلا التفات وإن كان في الأثناء وكان قبل القراءة تعين الانفراد لان المنفرد إن
كان إماما فالقراءة عليه واجبة وإن كان مأموما يجوز له الانفراد وإن كان الشك بعد القراءة فإن كانا قد قرأ
بنية الوجوب أو شكا في النية اتجهت الصحة أيضا فينفردان وإلا اتجه البطلان للاخلال بالواجب ويحتمل البناء على ما
قام إليه (فإن لم يعلم ما قام إليه صح) فهو منفرد وقواه في الذكرى وقوله أو الايتمام بغير المعين معطوف على كل أي وكذا تبطل الصلاة لو نوى المأموم
الايتمام بغير إمام معين كما لو نوى الاقتداء بأحد هذين وقد تقدم الكلام ولا يشترط في انعقاد الجماعة نية الامام
375

الإمامة للأصل ولعدم الاختلاف بين أفعال المنفرد والامام ولجواز الايتمام في أثناء الصلاة وإن لم يعلم الامام
ولا قائل بالفرق نعم يستحب له نية الإمامة ليفوز بثوابه يقينا فلو لم ينوها احتمل عدم الثواب له عليها لعموم وإنما
لكل
امرئ ما نوى فعلى هذا لو تجددت الإمامة بعد النية جدد الامام نيتها بقلبه ولا يفتقر إلى ذكر باقي مميزات الصلاة
نعم لو لم يعلم بالمأموم حتى انتهت صلاته أمكن في كرم الله تعالى أن يثيبه عليها لكونه سببا في ثواب غيره وعدم تقصيره
بل يحتمل فوزه بالثواب بدون النية وإن علم لتأدى شعار الجماعة بما وقع واستناده إليه بسبب قيامه بالوظائف الدينية
الموجبة لجواز الايتمام ويستثنى من ذلك ما لو وجبت الجماعة كالجمعة فإن الأولى حينئذ وجوب نية الإمامة وكذا لو أعاد
صلاته جماعة إذ لولاها لما شرعت له
ويجوز اقتداء المفترض بمثله وإن اختلفا في كمية الفرض كالصبح والظهر خلافا
للصدوق حيث اشترط اتحاد الكمية إلا مع تغير الهيئة كاليومية والكسوف والجنازة وليس له متابعة مصلى الكسوف في ركوع
واحد ثم ينفرد أو ينتظره حتى يسجد ولا متابعة الجنازة في تكبيرة ثم ينفرد ويقرأ لنفسه أو ينتظر فراغ الجنازة لما فيه من
الاخلال بالمتابعة واقتداء المفترض بالتنفل في المعادة من الامام كما مر وفى صلاة بطن النحل من صلوات الخوف وفى الاقتداء
بالصبي المميز عند الشيخ رحمه الله واقتداء المتنفل بالمفترض عكس الأول في معيد الصلاة خلف مبتديها والصبي خلف
البالغ وكذا يجوز اقتداؤه بالمنتفل كما في المعادة منهما معا وجماعة الصبيان والعيد المندوبة والاستسقاء والغدير
على قول وقد تقدم فلذلك لم يذكره هذا القسم هنا مع إن في جوازها في صورة الإعادة نظرا من شرعية الجماعة في
الجملة ومن عموم النهى عن الاجتماع في النافلة خرج منه ما دل عليه الدليل فيبقى الباقي وعدم العهد بمثله وتوقف
في الذكرى والاشكال بعينه آت في ما لو صليا معا جماعة والجواز في الجميع متجه لعموم قول الصادق عليه السلام
إن الأفضل لمن صلى ثم يجد جماعة أن يصلى معهم فإن الجماعة أعم من أن تكون مبتدأة أم معادة وإن كان الظاهر هو
الأول ولاشتمال الصلاة الثانية على مزية لم تحصل في الأولى وكذا يجوز علو المأموم على الامام وإن كان على
سطح شاهق اجماعا ولقول الصادق عليه السلام وإن كان الامام أسفل من موضع المأموم فلا بأس ولا يعتبر في
العلو كونه لو امتد بعده إلى جهة الامام لم يوجب تقدم المأموم عليه ولو امتد إلى ورائه لم يوجب البعد المفرط بل يعتبر
على حاليه وإن يكبر الداخل إلى موضع الجماعة الخائف فوت الركوع إن ترك تكبيرة الاحرام إلى أن يصل إلى الصف ويركع
ويمشي راكعا في غير حالة الذكر الواجب حتى يلتحق بالصف بشرط أن لا يستلزم ذلك فعلا كثيرا وإن يكون تحرمه في موضع
يجوز الايتمام فيه ولو كان الانتقال إلى دبر القبلة مشى القهقري وكذا يجوز المشي في غير الركوع وقد روى عبد الرحمن عن أبي
عبد الله عليه السلام إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه من قبل أن تدركه فكبر واركع
فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإن قام فالحق بالصف وإن جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف وتعبير المصنف والجماعة
بالدخول تبعا للرواية ويتحقق ذلك إذا أقيمت في مسجد وشبهه ولو كان في فلاة كان الدخول مجازا ويمكن تحققه بوصوله
إلى مكان يمكن فيه الايتمام بأن لا يكون بعيدا عادة ولا منخفضا ونحو ذلك مما يمنع القدوة وينبغي أن يجر رجليه في حالة
الانتقال ولا يرفعهما للرواية والمأموم المسبوق من الامام بركعة فصاعدا يجعل ما يدركه معه من الصلاة أول صلاته فإذا
سلم الامام قام وأتم صلاته فإن أدركه في الأخيرتين احتسبتا له أوليين فيتخير في الباقي بين قراءة الحمد والتسبيح وكذا لو
أدرك ركعة قرأ الحمد والسورة في الثانية وتخير في الباقي وقد اتفق علماؤنا على أن ما يدركه المأموم أول صلاته وروى ذلك
عن النبي صلى الله عليه وآله قال ما أدركتم أو ما فاتكم فأتموا وروى زرارة عن الباقر عليه السلام إذا أدرك الرجل
376

بعض الصلاة جعل ما أدرك أول صلاته إن أدرك من الظهر أو العصر ركعتين قرأ فيما أدرك مع الامام مع نفسه أم الكتاب
وسورة فإذا سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما لان الصلاة إنما تقرأ في الأوليين وخالف في ذلك بعض العامة
حيث زعم أن ما يدركه مع الامام آخر صلاته محتجا بقول النبي صلى الله عليه وآله وما فاتكم فاقضوا وأجيب بحمل القضاء
على الاتيان كقوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فإذا قضيتم مناسككم جمعا بينه وبين ما دل من الأخبار الكثيرة على أن ما
يدركه هو أول صلاته والمراد بما فات المماثل في العدد لا في الكيفية أعني قراءة الحمد والسورة نعم خالف بعض أصحابنا
في التخيير بين الحمد والتسبيح في الباقي لمدرك الأوليين مع أخيرتي الامام وحتم قراءة الحمد في ركعة لئلا تخلو الصلاة من
الحمد ولا صلاة إلا بها والمشهور بقاء التخيير وقد تقدم في خبر زرارة ما يدل عليه واعلم أن قيام المأموم للاتمام بعد تسليم
الامام لا إشكال فيه بل هو أفضل وإن قلنا بندب التسليم لأنه من أفعال الصلاة في الجملة ولا يتوقف حينئذ على نية المفارقة
لحصولها به قهرا لكن لو فارقه بعد التشهد جاز أيضا لفوات الفعل المشترك الذي يمكن المتابعة فيه وجوبا أو استحبابا
وهل تتوقف المفارقة حينئذ على نية الانفراد يحتمله لبقاء القدوة إلى آخر التسليم وإن لم يتابعه فيه بدليل استحباب الصبر
إليه فالمفارقة قبله كالمفارقة قبل التشهد وغيره ويحتمل عدم الانتقال إلى النية لفوات محل المتابعة خصوصا على القول
بندب التسليم ويؤيد الأول ما مر من استحباب انتظار الامام للمسبوق إلى أن تكمل صلاته ثم يسلم به وانتظار
المأموم السابق
لنقص صلاته إلى أن يتم الامام ثم يسلم معه ولولا بقاء القدوة لم يكن له فائدة وهذا هو الأجود ولو دخل الامام في الصلاة
وهو أي المأموم في نافلة قطعها ليفوز بما هو أفضل منها وقطع النافلة جائز اختيارا لكنه مكروه لغير غرض شرعي فإذا
كان وسيلة إلى الأفضل زالت الكراهة بل استحب القطع ولو دخل المأموم في الفريضة نقلها إلى النفل ويتمها ركعتين
نافلة ويدخل معه ليدرك الفضيلة والظاهر أن معنى الدخول الشروع في أفعال الصلاة الواجبة والذي دل عليه الاخبار
وعبر به جماعة من الأصحاب أن الحكم يتعلق بالمأموم متى أقيم الصلاة فيكون المراد حينئذ بالدخول الاشتغال بمقدماتها
والتأهب لها وروى سليمن بن خالد عن الصادق عليه السلام قال سألته عن رجل دخل المسجد فافتح الصلاة فبينما هو قائم
يصلى إذ أذن المؤذن قال فليصل ركعتين ويستأنف الصلاة مع الامام وليكن الركعتان تطوعا وروى سماعة قال
سألته عمن صلى ركعة من فرضه فخرج الامام فقال إن كان إماما عدلا فليصل أخرى ويجعلها تطوعا ويدخل مع الامام
وإنما وجب العدول إلى النفل حذرا من إبطال العمل الواجب فإنه منهى عنه وإنما يكملها مع العدول ركعتين إذا لم يستلزم فوات
الجماعة كما لو كانت الفريضة ركعتين أيضا والمأموم في أولها فلو كان كذلك قطع النافلة ودخل مع الامام لأنها بالعدول
تصير نافلة وقد تقدم أنها تقطع لادراك الجماعة وهل يشترط خوف فوت جميع الصلاة حتى لو أدركه قبل التسليم أتم نافلته
يحتمله لاطلاق الاخبار والأصحاب اتمامها ركعتين والأولى تقييد ذلك بعدم فوات جزء من الصلاة لما مر من أن النافلة
تقطع لادراك أول الفريضة وتحمل الرواية على من لم يخف الفوات جمعا بينها وبين ما دل على قطع النافلة
والرواية تجامع ذلك أيضا لأنه فرض العدول عند الأذان والإقامة وفى الأخرى عند خروج الامام إلى الصلاة وهذا الوقت
يسع الركعتين والدخول معه في أول الصلاة غالبا ولو كان المأموم قد تجاوز ركعتين من الفريضة ففي الاستمرار للنهي
عن قطع (الفريضة صح) والخروج عن موضع النص أو العدول إلى النفل أيضا طلبا للفضيلة ولتساوي أجزاء الفريضة وخصوصا إذا لم يكن قد ركع
في الثانية فيهدم الركعة ويسلم أو قطعها استدراكا لفضل الجماعة ولأنها تقطع لما هو دون الجماعة كالأذان والإقامة
أوجه واستقرب المصنف في التذكرة والنهاية الاستمرار اقتصارا في قطع الفريضة أو ما هو في حكم القطع على مورد النص
377

واعلم أنه متى عدل إلى النافلة جاز له القطع وإن لم يخف فوات أول الصلاة لان قطع النافلة جائز لكن يكره مع عدم خوف
الفوات ولو كان الداخل إمام الأصل قطع المأموم الفريضة استحبابا ودخل معه وإن لم يخف فوت أول الصلاة
مع الاكمال على المشهور لما فيه من المزية المقتضية للاهتمام بمتابعته وساوى المصنف في المختلف بين إمام الأصل وغيره في عدم
جواز القطع واستحباب العدول إلى النفل لعموم قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم ويضعف بأن العدول إلى النفل وإن كان
في الظاهر ليس إبطالا بل عدول من فرض إلى تطوع لكنه في قوة القطع ومستلزم له لجواز قطع النافلة وبأن الفريضة تقطع
لما هو دون ذلك بل لو قيل بجواز القطع مع غير إمام الأصل عند خوف الفوات للمساواة في العلة كان حسنا وهو ظاهر
المبسوط وقواه في الذكرى ولو أدرك المأموم الامام بعد دفعه من الركوع الأخير كبر وتابعه في السجدتين والتشهد فإذا سلم
الامام قام المأموم واستأنف التكبير بعد النية لمكان زيادة الركن والفائدة إدراك فضيلة الجماعة وقيل لا يجب الاستيناف
لان زيادة الركن مغتفرة في متابعة الامام ورواية المعلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام إذا سبقك الامام بركعة
فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها يحتمل القولين والقولان آتيان في إدراكه بعد الركوع غير الأخير ولو
هوى المأموم بعد التكبير ولم يتابعه في السجود لم يستأنف وكذا لو بقي واقفا حتى يسلم الامام أو قام إلى ركعة أخرى ولو
أدركه في السجدة الأخيرة فوجهان أيضا وأولى بالاعتداد هنا لان المزيد ليس ركنا ووجه الاستيناف لان الزيادة عمدا
مبطلة وإن لم تكن ركنا وله التخيير بين السابقين ولو أدركه بعد رفعه من السجدة الأخيرة كبر وتابعه فإذا
سلم الامام أتم المأموم ما بقي عليه من غير استيناف قطعا ويدرك فضيلة الجماعة في جميع هذه المواضع للامر به في النصوص و
الفتاوى وليس إلا لادراك الفضيلة ولو استمر واقفا إلى أن فرغ الامام ثم شرع في القراءة صح أيضا بل هو مروي وإن
كان الأول أفضل وكذا القول لو لم تكن السجدة أخيرة فيجلس ويكمل معه باقي الركعات أو يقف حتى يلحقه الامام والحاصل
أن المأموم يدخل مع الامام في سائر الأحوال فإن كان في الركوع أو قبله فقد تقدم حكمه وإن كان بعده فقد عرفته
ولو كبر والامام راكع فركع رجاء لادراكه راكعا فسبقه كان كما لو أدركه بعد الركوع فيسجد معه ويستأنف وليس له
قطع الصلاة قبل ذلك
ويجوز للمأموم الانفراد عن الامام في أثناء الصلاة حيث شاء في الجماعة المستحبة على المشهور مع نيته
بل ادعى المصنف عليه الاتفاق في النهاية مع أنه حكى أن الشيخ قطع في المبسوط بعدم الجواز لغير عذر وحكم بفساد الصلاة ووجه
الجواز أن الجماعة لا تجب ابتداء ولا في جميع الصلاة فلا تجب انتهاء ولا في الأبعاض حجة الشيخ قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم
وقوله عليه السلام الصلاة على ما افتتحت عليه وإنما جعل الامام إماما ليؤتم به وجوابه القول بالموجب مع بقاء النزاع
فإن النهى ينصرف إلى الأفعال الواجبة والقدوة ليست منها والعمل لم يبطل وإن الصلاة تستصحب حكم الابتداء
ما لم
تغير لأنها غير واجبة وعلى المشهور تجوز المفارقة في جميع أحوال الصلاة ولا يشترط الدخول معه في ركن فلو أدركه في أثناء القراءة
وفارقه قبل الركوع صح وسقطت عنه القراءة لكن لا يدرك ثواب الجماعة كما يدركه لو دخل معه قبل التسليم بل الأولى لمريد
ذلك ترك الايتمام ابتداء ليسلم من خلاف الشيخ ثم إن كانت المفارقة قبل القراءة قرا لنفسه ولو كان في أثنائها ففي البناء
على قراءة الإمام أو إعادة السورة التي فارق فيها أو استيناف القراءة من أولها أوجه أوجهها الأول لان قراءة الإمام
كافية عنهما ولو كان بعد القراءة ففي الاكتفاء بقراءة الامام أو الاستيناف الوجهان وأولى بالاجتزاء هنا واختار في
الذكرى وجوب استيناف القراءة في الموضعين لأنه في محل القراءة وقد نوى الانفراد فعلى هذا الأحوط ترك الانفراد
حالة القيام إذا لم يكن قبل القراءة لتعرضه للمحذور على أحد الأقوال سواء أقرأ أم لم يقرأ وعلى ما اخترناه لو كان الامام
378

قد تجاوز نصف السورة وأراد المأموم القراءة من أول سورة لم يجز له العدول عنها وكذا لو كانت مفارقته في الجحد والتوحيد
مطلقا إلا مع الانتقال إلى الجمعتين وعلى القولين الآخرين له قراءة أي سورة شاء وتقييد المصنف جواز المفارقة بالنية
بمعنى أنه لو فارق لا مع النية أثم وصحت الصلاة مع احتمال الفساد للنهي وكذا يجوز للمأموم التسليم قبل الامام لما رواه أبو المعزا
عن الصادق عليه السلام في الرجل يصلى خلف إمام فيسلم قبل الإمام قال ليس بذلك بأس وهل يفتقر إلى نية الانفراد
لا ريب فيه إن قلنا بوجوب المتابعة في الأقوال لمساواته لغيره من الأفعال وبه صرح الشهيد رحمه الله في الذكرى وهو واضح
على مذهبه وأما من لم يوجب المتابعة فيها فالظاهر أنه لا يفتقر إلى النية لانقطاع القدوة الواجبة بالقيام من السجود ويدل
عليه إطلاق المصنف والجماعة جواز التسليم قبله من غير تعرض للنية وكذا الرواية بل لو افتقر إلى النية لم يكن لذكره فائدة
لدخوله في المسألة السابقة وقد اصطلح الأصحاب على ذكره مع ذكرهم لجواز المفارقة مطلقا ووردت به الاخبار ولا فائدة
فيه إلا ذلك بل هو يؤيد عدم وجوب المتابعة في الأقوال كما مر وروى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام في الرجل يكون
خلف الامام فيطيل التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شئ أن يفوت أو يعرض له وجع قال يسلم وينصرف والسؤال
والسؤال عن حالة العذر لا يدل على عدم الجواز بدونه
المقصد الثالث في صلاة الخوف وهي مشروعة
في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وبعده للآية والتأسي وفعل أمير المؤمنين عليه السلام في صفين ليلة الهرير وقيل
إن الحكم في حالة الخوف قبل نزول قوله تعالى وإذا كنت فيهم الآية كان تأخير الصلاة إلى أن يحصل الامن ثم يقضى
فنسخ بصلاة الخوف ولهذا أخر النبي صلى الله عليه وآله يوم الخندق أربع صلوات ثم قضاها وقد مرت الرواية وصلاة
الخوف أنواع أشهرها صلاة ذات الرقاع صلاها النبي صلى الله عليه وآله وقيل إن الآية نزلت بها وقد اختلف في
وجه تسميتها بذلك فقيل لان القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر وصفر وسود كالرقاع وقيل كانت الصحابة حفاة فلفوا على أرجلهم الجلود والخرق لشدة الحر وقيل لرقاع كانت في ألويتهم وقيل إنه موضع مر به ثمانية
نفر حفاة فتشققت أرجلهم وتساقطت أظفارهم فكانوا يلفون عليها الخرق هي على ثلاثة أميال من المدينة عند بئر
أروما وقيل موضع من نجد وهي أرض غطفان وشروط صلاة ذات الرقاع أربعة أحدها كون الخصم في خلاف جهة القبلة
إما في دبرها أو عن يمينها وشمالها بحيث لا يمكنهم مقابلته وهم يصلون إلا بالانحراف عن القبلة لان النبي صلى الله عليه و
آله إنما صلاها والعدو في خلاف جهة القبلة وحينئذ لو كان العدو في جهة القبلة وأمكنهم أن يصلوا جميعا ويحرس بعضهم
بعضا صلوا صلاة عسفان وأسقط المصنف هذا الشرط (في غير هذا الكتاب صح) وجوز صلاة ذات الرقاع أيضا لعدم المانع وفعل النبي صلى الله
عليه وآله وقع اتفاقا لا أنه كان شرطا ورجحه الشهيد رحمه الله وهو حسن ووجه الأول أن صلاة عسفان ليس فيها تفريق
ولا مخالفة شديدة لباقي الصلوات من انفراد المؤتم مع بقاء حكم ايتمامه ومن انتظار الامام إياه وايتمام القائم
بالقاعد كما هو موجود في صلاة ذات الرقاع وثانيها أن يكون العدو ذا قوة يخاف هجومه على المسلمين حال الصلاة فلو
ضعف بحيث يؤمن منه الهجوم انتفت هذه الصلاة لعدم الخوف المجوز للمخالفة المتقدمة وثالثها أن يكون في المسلمين
كثرة يمكنهم الافتراق طائفتين تقاوم كل فرقة منهما العدو حالة صلاة الأخرى فلو لم يمكن ذلك لم تتحقق هذه
الصلاة وهذا الشرط إنما يعتبر لو انحصر عسكر المسلمين فيهم فلو كان معهم قوم من الكفار يقاتلون معهم كالمؤلفة
لا يصلون بحيث يقاومون العدو حال صلاة المسلمين سقط هذا الشرط ولو افتقروا إلى مساعد من المسلمين لا يقاوم
العدو مستقلا سقط أيضا فيبقى الامام معهم من المسلمين من تحصل به الكفاية ويصلى بالباقين إذا كانوا مثلهم
379

أو أكثر بهذه الصلاة ورابعها عدم احتياجهم إلى زيادة على الفرقتين لتعذر التوزيع حينئذ لان صلاة الخوف مقصورة
وهذا الشرط يتم في غير المغرب وأما لو احتاجوا فيها إلى الافتراق ثلث فرق أمكن وشرعت الهيئة على الأصح ولو شرطنا
في قصر صلاة الخوف السفر كما سيأتي القول به لبعض الأصحاب واحتيج إلى أربع فرق في الحضر فكذلك ولو افتقر إلى
زيادة عن الثلث في المغرب وعلى الأربع في غيرها انتفت هذه الهيئة قطعا وهي أي صلاة الخوف مقصورة سفرا إجماعا
إذا كانت رباعية سواء صليت جماعة أم فرادى وحضرا على المشهور بين الأصحاب جماعة وفرادى كما تقصر
للسفر المجرد عن
الخوف لظاهر الآية ولصحيح زرارة عن الباقر عليه السلام صلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة سفر ليس فيه خوف وذهب جماعة
منهم الشيخ وابن إدريس إلى اشتراط الجماعة في قصرها حضرا لان النبي صلى الله عليه وآله إنما قصرها في الجماعة ويضعف بأن
الوقوع لا يدل على الشرطية فيبقى الخبر السابق سالما عن المعارض ونقل الشيخ عن بعض الأصحاب اختصاص قصرها بالسفر
مطلقا اقتصارا على موضع الوفاق وأصالة اتمام الصلاة ويضعف بأن الاقتصار مشروط بعدم الدليل وقد عرفته و
كيفية صلاة ذات الرقاع أن يصلى الامام بالطائفة الأولى ركعة والثانية تحرسهم عند العدو ثم يقوم الامام والجماعة
إلى الركعة الثانية فتنفرد الجماعة ويقرؤن لأنفسهم ويخففون القراءة والأفعال ويطول الامام القراءة في الركعة الثانية
دون الأولى فيتم الجماعة صلاتهم وهو قائم ويمضون إلى موقف أصحابهم وتجئ الطائفة الثانية فيكبرون للافتتاح
ثم يركع الامام بهم ويسجد وتقوم الجماعة فتصلى ركعة أخرى ويطيل الامام تشهده فيتمون ويسلم الامام بهم ومستند
هذه الكيفية رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام ولو لم ينتظر الامام الفرقة الثانية بالتسليم جاز أيضا لصحيحة
عبد الرحمن عنه عليه السلام وهل يجب على الفرقة الأولى نية الانفراد عند القيام قيل نعم لوجوبه ووجوب نية
كل واجب ولما تقدم من عدم جواز مفارقة المأموم الامام بدون النية ويحتمل عدم الوجوب لان قضية الايتمام هنا إنما
هو في الركعة الأولى وقد انقضت وقواه في الذكرى وهو حسن والأول خيرة الدروس وهو أحوط ولو نوت الفرقة الأولى
الانفراد بعد القيام من السجود صح لانتهاء الركعة التي اقتدوا فيها وإن كان استمرارهم إلى حالة القيام أفضل لاشتراكهم
في ذلك القيام فلا فائدة في الانفراد قبله وهل يفتقر الثانية إلى نية الانفراد عند قيامهم إلى الركعة الثانية يحتمله لما مر
وبه صرح جماعة وهو الظاهر من كلام الشيخ حيث حكم بعدم تحمل الامام أوهامهم في تلك الركعة مع حكمه بتحمله في غيرها
وذلك عنده لازم للايتمام ونفى اللازم يستلزم نفى الملزوم وظاهر الأكثر بقاء القدوة حكما وإن استقلوا بالقراءة
والأفعال والفائدة حصول ثواب الايتمام في جميع الصلاة ورجوعهم إلى الامام في السهو ويدل عليه عدهم من جملة مخالفة
هذه الصلاة لغيرها ايتمام القايم بالقاعد وروى زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام قال فصار للأوليين التكبير و
افتتاح الصلاة وللأخيرتين التسليم ولا يحصل لهم التسليم إلا ببقاء الايتمام وكلام المصنف يدل على ذلك أيضا حيث حكم
بأنه يسلم بهم وقد تقدم في الجماعة ما يدل عليه في غير هذه الصلاة وهو استحباب تأخير الامام التسليم لأجل المسبوق
فيسلم به بعد فراغه وفى الصلاة الثلاثية وهي المغرب يتخير الامام بين أن يصلى بالفرقة الأولى ركعة وبالفرقة الثانية
ركعتين وبالعكس وهو أن يصلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة فإن اختار الأول وهو الأفضل انفردت الأولى بعد
القيام إلى الثانية كما مر وعلى الثاني يفارقه في حال جلوسه للتشهد بعد أن تتشهد ويبقى الامام جالسا إلى أن تحضر
الثانية ليفوز بالركعة من أولها ولو انتظرها حال قيامه في الثالثة صح أيضا وحينئذ فتؤخر الفرقة الأولى المفارقة
إلى أن ينتصب الامام قائما لعدم الفائدة قبله وعلى التقديرين إذا جلس الامام للتشهد على الثالثة لا تنتظره الفرقة
380

الثانية إلى أن يتشهد ويسلم كما مر في الجماعة بل تنهض عند قيامه من السجود فتتم الصلاة وينتظرها الامام قبل التسليم
إلى أن تكمل فيسلم بها وعلى القول الأول تتشهد معه ونهض لاكمال الصلاة بالركعة الأخيرة ثم يجلس ويتشهد ويسلم بها وإنما
كان هذا أعني صلاته بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين أفضل لأنه المروى من فعل علي عليه السلام فينبغي التأسي به
ولرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام قال وفى المغرب يقوم الامام وتجئ طائفة فيقومون خلفه ويصلى بهم ركعة ثم يقوم
ويقومون فيمثل الامام قائما ويصلون الركعتين ويتشهدون ويسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم
ويجئ الآخرون فيقومون خلف الامام فيصلى بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس ويتشهد ويقوم ويقومون معه فيصلون ركعة
أخرى ثم يجلس ويقومون فيصلون ركعة أخرى ويسلم عليهم ولأنه يستلزم فوز الثانية بالقراءة المتعينة وتقارب الفرقتين
في إدراك الأركان لاختصاص الأولى بخمسة أركان في الركعة الأولى والثانية بثلاثة أركان في الثالثة وبركنين في الثانية
وهما الركوع والسجود والقيام مشترك بينهما وإن كانت جهة ركنيته إنما تحصل للثانية بخلاف الصورة الأخرى فإن الأولى
تستأثر بمعظم الأركان والأفعال وهو اختيار المعظم والمصنف في التذكرة ورجح في القواعد الصورة الثانية وهي اختصاص
الأولى بركعتين والثانية بالركعة الأخيرة لصحيحة زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام أنه يصلى بفرقة
ركعتين ثم يجلس ويشير إليهم بيده فيقومون فيصلون ركعة ويسلمون وتجئ الطائفة الأخرى فيصلى بهم ركعة ولئلا تكلف
الثانية زيادة جلوس في التشهد له وهي مبنية على التخفيف ويشكل بأن الرواية تدل على الجواز لا على الأفضلية والتخيير
لا شك فيه جمعا بين الحديثين المعتبرين والأفضلية تحتاج إلى مرجح وهو موجود في الفرض الأول والاعتبار الثاني
لا وجه له لان الجلوس للتشهد لابد منه وهو يستدعى زمانا على كل فلا يحصل التخفيف بإيثار الأولى به و
لأنه إذا صلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة فإنها تجلس في تشهدها الأول حيث لا يجلس الامام وعلى التقدير الاخر
تجلس له حيث يجلس الامام وهو على ما ذكروه في دليلهم نوع تخفيف ويجب على الطائفتين أخذ السلاح إما على المقابلة
فظاهر لتوقف الحراسة الواجبة عليه وإما على المصلية فللأمر به في قوله تعالى وليأخذوا أسلحتهم والأصل فيه
الوجوب
وهذا هو المشهور بين الأصحاب وذهب بعضهم إلى الاستحباب وجعل الامر للارشاد كأشهدوا إذا تبايعتم وهو مخالف
للأصل لا يعدل إليه إلا لدليل وهو منفى وآخرون إلى اختصاص الوجوب بالمصلين عملا بظاهر الآية ويندفع بأن غير
المصلى يدخل بمفهوم الموافقة لأنه المستعد للقتال وقد روى عن ابن عباس أن المأمورين بأخذ السلاح هم المقاتلون والمراد
بالسلاح آلة الدفع من السيف والخنجر والسكين ونحوه ويلحق به ما يكن من الدرع والجوشن والمغفر ووجوب أخذه
ثابت مطلقا إلا أن يمنع شيئا من الواجبات المعتبرة في الصلاة كالجوشن الثقيل والمغفر المانع من السجود على الجبهة فيجوز
مع الضرورة لا بدونها ولو لزم من حمله تأذى الناس به كالرمح في وسط الصفوف لم يجز إلا مع الحاجة فينتقل حامله إلى حاشية
الصفوف والنجاسة الكائنة على السلاح غير مانعة من أخذه إن لم تتم الصلاة فيه منفردا كما هو الغالب في السلاح
ولم يستلزم تعدى النجاسة إلى غيره ولا يقيد الجواز بالضرورة ولو ترك المصلى أخذ السلاح في موضع وجوبه لم تبطل
صلاته لخروج الاخذ عن شروط الصلاة وأجزائها هذا كله إذا أمكن الصلاة على هذه الحالة بحيث لا يشتد الخوف و
يحوج إلى قتال الجميع وأما شدة الخوف فالمراد به أن ينتهى الحال إلى المسايفة والمعانقة والضابط أن يتمكنوا من
الصلاة على الوجوه المقررة في أنواع صلاة الخوف والمعانقة كناية عن ذلك فيصلون حينئذ فرادى لبعد التمكن من الجماعة
كيف ما أمكنهم ركبانا ومشاة ويركعون ويسجدون مع الامكان وإلا فبالايماء ويستقبلون القبلة مع المكنة وإلا
381

فبحسب الامكان في بعض الصلاة وإلا يمكن الاستقبال بجميع أفعال الصلاة غير التكبيرة فبالتكبيرة وإلا يمكن الاستقبال
بشئ سقط لقوله صلى الله عليه وآله في صلاة المطاردة يصلى كل منهم بالايماء حيث كان وجهه ويفهم من قوله يصلون
فرادى عدم جواز صلاتهم جماعة والأولى الجواز لعموم الترغيب فيها واشتراك المانع بين الجماعة والفرادي هذا
مع اتحاد جهة الإمام والمأموم ولو اختلف جاز أيضا مع عدم تقدم المأموم على الامام صوب مقصده كما في المستديرين
حول الكعبة والفرق بينهم وبين المختلفين في الاجتهاد في جهة القبلة حيث لا يجوز لأحدهم الاقتداء بالآخر إن كل جهة
قبلة في حق المضطر إليها بخلاف المجتهدين ومن ثم تجب الإعادة لو تبين الخطأ على بعض الوجوه ولأن كل واحد من
المجتهدين يعتقد خطأ الاخر بخلاف المضطرين وتجوز الصلاة راكبا مع الضرورة ويسجد على قربوس سرجه بفتح
القاف والراء مع تعذر النزول ولو للسجود خاصة ثم الركوب فلو أمكن وجب واغتفر الفعل الكثير كما يغتفر في باقي
الأحوال ولو كان القربوس مما لا يصح السجود عليه فإن أمكن وضع ما يصح عليه وجب وإلا سقط ولو عجز عن الصلاة
بالأركان ولو بالايماء بها سقطت عنه أفعال الصلاة من القراءة والركوع والسجود وصلى بالتسبيح بأن ينوى
ويكبر ويسبح عوض كل ركعة والمراد باقي الركعة أعني القراءة والركوع والسجود وتوابعها سبحان الله والحمد لله ولا
إله إلا الله والله أكبر وهو أي هذا التسبيح يجزى عن جميع الأفعال والأذكار عدا النية والتكبير وفى وجوب التشهد
والتسليم عند من أوجبه نظر ولا ريب أنه أحوط وقد صلى أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه هذه الصلاة ليلة
الهرير الظهر والعصر والمغرب والعشاء ولو أمن الخائف في الأثناء أي في أثناء الصلاة أو خاف فيه انتقل في الحالين
إلى الواجب على تلك الحال فيتم الامن صلاته إن لم يكن مسافرا ويتم أفعالها إن كان مؤميا ويقتصر الخائف بعد الامن
على ركعتين إن لم يكن قد ركع في الثالثة ويكملها بالايماء لو اضطر إليه لوجود المقتضى للجميع ولا فرق في اتمام الامن
بين أن يكون قد استدبر وعدمه خلافا للشيخ ولو صلى صلاة الخوف لظن العدو فظهر الكذب أو ظهر الحائل بينهما
بحيث يمنع الهجوم أجزاءه وإن كان الوقت باقيا لامتثاله المأمور به على وجهه فيخرج عن العهدة نعم لو استند الجهل بالحال
إلى التقصير في الاطلاع لم يصح للتفريط وخائف السبع والسيل والعدو واللص ونحوها يصلى صلاة الشدة إن اضطر
إليها فيقصر الكيفية والكمية لقول الباقر عليه السلام في رواية زرارة خائف اللص والسبع يصلى صلاة الموافقة إيماء
على دابته ولو أمكن الصلاة بالأفعال إيماء وجب مقدما على صلاة الشدة والحق بمن ذكر الأسير في أيدي المشركين
إذا خاف من إظهار الصلاة والمديون المعسر لو عجز عن إقامة البينة بالاعسار وخاف الحبس فهرب والمدافع عن ماله
لاشتراك الجميع في الخوف والحكم معلق عليه في الآية وهو يشعر بالعلية والتعليق بالذين كفروا أغلبية وفيه نظر
ومنع في الذكرى من قصر الأسير في تلك الحالة مع عدم السفر ولا إشكال في جواز الايماء في الجميع مع الحاجة إليه والموتحل
والغريق يصليان بحسب الامكان ويجوز لهما الصلاة بالايماء مع العجز عن استيفاء الأفعال ولا يقصران العدد إلا في
سفر أو خوف الاختصاص قصر الكمية بهما بخلاف الكيفية قال في الذكرى نعم لو خاف من اتمام الصلاة استيلاء الغرق
ورجا عند قصر العدد سلامته وضاق الوقت فالظاهر أنه يقصر العدد أيضا وهو حسن حيث أنه يجوز له الترك فقصر العدد
أولى لكن في سقوط القضاء بذلك نظر لعدم النص على جواز القصر هنا ووجه السقوط حصول الخوف في الجملة كما مر والحاصل
أن غلبة مطلق الخوف يوجب تطرق القصر إلى كل خائف ووجهه غير واضح إذ لا دليل عليه والوقوف مع
المنصوص عليه
بالقصر أوضح
المقصد الرابع في صلاة السفر إعلم أن من الأحكام الشرعية ما يشترك فيه الحضر والسفر وهو كثير
382

كوجوب الطهارة والصلاة والزكاة والحج ومن الرخص إباحة الميتة عند المخمصة وشرب الخمر لا ساعة اللقمة ومنها ما يختص
بمطلق السفر كصلاة النافلة على الراحلة وماشيا إن سمى مطلق المشي سفرا ومنها ما يختص بالسفر الطويل كترك الجمعة
والجمع بين الصلاتين وسقوط نافلة الظهرين اجماعا والوتيرة على المشهور والافطار من الصوم وقصر الصلاة الرباعية
في غير الخوف وهذا الفرد هو موضع البحث هنا وقد تبين بذلك فساد ما قيل أن قصر الصلاة مختص بالسفر الطويل اللهم
إلا أن يشترط في الخوف السفر وقد تقدم الكلام فيه كما ضعف قوله أن من خواص مطلق السفر الصلاة إلى غير القبلة مع
الضرورة فإن ذلك غير مختص بالسفر أيضا وقد أشار إلى المقصود بالذات بقوله يجب التقصير في الصلاة الرباعية خاصة
بإسقاط الركعتين الأخيرتين منها خاصة دون الثنائية والثلاثية بالاجماع وقول أبى عبد الله عليه السلام الصلاة
في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب ثلث ركعات
وإنما يجب التقصير بستة شروط
أ السفر إلى المسافة
وهي ثمانية فراسخ كل فرسخ ثلاثة أميال كل ميل أربعة آلاف ذراع كل ذراع أربع وعشرون إصبعا كل إصبع
سبع شعيرات متلاصقات بالسطح الأكبر وقيل ست ولعل الاختلاف بسبب اختلافها عرض كل شعيرة سبع شعرات
من أوسط شعر البرذون وقد ورد تقدير المسافة بثمانية فراسخ معللا في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام
قال إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر لان ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال
ولو لم يجب في مسير يوم لم يجب في مسير سنة لان كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في هذا
اليوم لم يجب في نظيره وقد علم من ذلك أن المسافة مسير يوم بسير الأثقال ولما كان ذلك يختلف باختلاف الأرض
والأزمنة والسير حمل على الوسط في الثلاثة فيعتبر في من الحيوان مسير الإبل لأنها الغالب في القوافل روى ابن بابويه في الفقيه
عن الرضا عليه السلام في حديث أنه قال كان أبى عليه السلام يقول إن التقصير لم يوضع على البغلة السفواء والدابة
الناجية إنما وضع على سير القطار قال الجوهري بغلة سفواء خفيفة سريعة وسفا يسفو سفوا أسرع في المشي وعلى
هذا فيكفي السير عن التقدير وإن اتفق قصوره عنه في نفس الامر عملا بظاهر الاخبار نعم لو اعتبرها بالتقدير فإن
وافق السير فواضح وإن اختلفا أمكن الاجتزاء بكل واحد منهما لدلالة النص عليهما وتقديم السير لان دلالة النص
عليه أقوى إذ ليس لاعتبارها بالأذرع على الوجه المذكور نص صريح بل ربما اختلف فيه الاخبار وكلام الأصحاب وقد صنف
السيد السعيد جمال الدين أحمد بن طاوس كتابا مفردا في تقدير الفراسخ وحاصله لا يوافق المشهور ولأن الأصل الذي
اعتمد عليه المصنف وجماعة في تقدير الفرسخ يرجع إلى اليوم لأنه استدل عليه في التذكرة بأن المسافة تعتبر بمسير يوم للإبل
السير العام وهو يناسب ذلك قال وكذا الوضع اللغوي وهو مد البصر من الأرض ويظهر من الذكرى تقديم التقدير ولعله
لأنه تحقيق والاخر تقريب ومبدأ التقدير من آخر العمارة في البلد المعتدل فما دون ومن آخر محلته في البلد المتسع والمرجع
في ذلك إلى العرف ويتعين في التقصير أحد الامرين المسافة المذكورة أو أربعة فراسخ لمن رجع إلى محله من يومه لرواية
محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه وقول الصادق عليه السلام بريد
ذاهبا وبريد جائيا ولوجود المشقة التي هي حكمة الترخص والظاهر أن اليوم هنا اسم لليل والنهار فيكفي عوده في
ليلته خاصة أو وقوعهما في يومه وليلته مع قصده ويدخل في الحكم قصد ما فوق الأربعة دون ما قصر عنها
وإن كرره أزيد من مسافة ولم يبلغ في العود حدود وطنه وهذا الحكم أعني إلحاق قاصد أربعة فراسخ على هذا الوجه
بقاصد الثمانية في تحتم القصر هو المشهور بين المتأخرين ومستنده ما مر وإن فيه جمعا بين الاخبار فإن في بعضها
383

الاكتفاء بقصد أربعة مطلقا فتحمل على مريد الرجوع ليومه كما في خبر محمد بن مسلم ولاطلاق هذه الأخبار وصحة بعضها
واعتبار سند الباقية ذهب جماعة من علمائنا كابني بابويه والمفيد وسلار إلى التخيير في القصر والاتمام لقاصد الأربعة إذا
لم يرد الرجوع ليومه ووافقهم الشيخ في قصر الصلاة خاصة ويدفع ما تقدم من الجمع أنه في جملة منها أمر أهل مكة
بالقصر في خروجهم إلى عرفات وفى بعضها ويلهم أو ويحهم وأي سفر أشد منه مع أن الخروج إلى عرفة للحج يستلزم عدم
العود إلى مكة ليومه فلذلك جمعوا بينها وبين ما تقدم من اعتبار الثمانية بالتخيير ورده المصنف بأن في بعضها تصريحا
بتحتم القصر كخبر معوية بن عمار الصحيح عن الصادق عليه السلام الذي فيه ويلهم إلى آخره فكان الجمع بحملها على العائد ليومه
أولى ويشكل بما قلناه من عدم عود أهل عرفة ليومهم والاخبار صحيحة لا ينبغي إطراحها وجاز حينئذ حمل النكير بالويل على
إنكارهم أصل القصر مع ثبوت شرعيته كما قال في الخبر إن النبي صلى الله عليه وآله كان يقصر إذا خرج إلى عرفة أو يقال
إن القصر أفضل من التمام فكان الانكار لذلك وهو متوجه وللشيخ قول آخر بالتخيير لو قصد أربعة فراسخ وأراد
الرجوع ليومه جمعا بين الاخبار أيضا وقواه الشهيد في الذكرى لكثرة الأخبار الصحيحة بالتحديد بأربعة فراسخ
فلا
أقل من الجواز ويشكل بما مر من عدم اقتضائها العود بل منافاة بعضها له فكان التخيير مطلقا أوجه وأدخل في
الجمع مع إن القائل به أكثر ولو جهل المسافر قدر مقصده وشك هل بلغ المسافة أم لا والحال أنه لا بينة هناك
تشهد بأنه بلغ المسافة أتم لأصالة عدم البلوغ واستمرار الاتمام وعدم عروض ما يزيله ويتفتح المسألة يتم بمباحث
أ اطلاق الشك ووجوب الاستمرار معه على التمام في كلامهم مطلق يشمل من يقدر معه على الاعتبار وغيره ومقتضاه
أنه لا يجب الاعتبار بل يبقى على التمام إلى أن يتحقق ووجهه العمل بالأصول المتقدمة وينضم إليها أصالة براءة الذمة
من وجوب التقدير ويحتمل الوجوب حيث يمكن لتوقف اليقين بفعل الواجب عليه وعلى الأول لو سار إلى المقصد مع
جهله ببلوغه يوما معتدلا بشروطه فظهر في آخر النهار أنه مسافة بعد أن صلى الظهرين قصر العشاء ولو ظهرت المسافة
في اليوم الثاني قصر حينئذ وكان ما فعله صحيحا لامتثاله الامر المقتضى للاجزاء ولو دخل وقت المقصورة ولما يصلها ثم
تبينت المسافة قصر هنا قطعا وإن كان قد مضى حالة الجهل بها مقدار الصلاة ولا يتأتى هنا الخلاف الآتي في اختلاف
حالتي الوقت بالاتمام والقصر لان تبين المسافة هنا كاشف عن المخاطبة بالقصر في نفس الامر غايته أنه معذور
لجهله ب اطلاق الجهل يشمل ما لو شك في المسافة وما لو ظن عدم بلوغها أو ظن البلوغ فيجب الاتمام في الحالتين
للأصل مع احتمال العمل بالظن القوى لأنه مناط العمل في كثير من العبادات ج المراد بالبينة هنا العدلان
كما هو الظاهر منه عند الاطلاق في نظائره هذه المواضع فلا مدخل في ذلك لشهادة النساء منفردات ومنضمات
ولا بشهادة العدل الواحد مع احتماله جعلا لذلك من باب الرواية لا من باب الشهادة والظاهر أن الشياع المتاخم للعلم بمنزلة البينة
بل ربما كان أقوى فيجوز التعويل عليه عند الجهل مع احتمال العدم وقوفا فيما خالف الأصل على المتيقن د
لا يشترط في البينة هنا أن يشهد عند الحاكم ويحكم بشهادتها بل يكفي في جواز العمل بقولها سماع المكلف وإن كان
حكم البينة من وظائف الحاكم ومثله البينة بالهلال بالنسبة إلى الصوم والافطار والبينة بطلوع الفجر ودخول
الليل حيث لا طريق له إلى العلم وأشباه ذلك وهذا المحل من المواضع المشكلة في كلامهم والضابط للفرق بين المقامين
لا يخلو من خفاء ه‍ لو علم في أثناء السفر المسافة قصر حينئذ لكن هل يشترط كون ما بقي مسافة أو يكفي كون الجميع مسافة
يحتمل الأول لعدم قصد المسافة فيما سبق وهو أحد الشروط فيكون بمنزلة المتردد في السفر إلى المسافة كطالب الأفق
384

ويضعف بأن المقصد معلوم وإنما المجهول قدره فإذا علم في الأثناء كشف عن كونه قد قصد المسافة ابتداء فيثبت القصر
حينئذ مع بلوغ الجميع وإن قصر الباقي عن مسافة وهو أقوى ومثله ما لو سافر الصبي إلى مسافة فبلغ في أثنائها أما
المجنون فإن تحقق منه قصد كان كذلك وإلا فلا ولو تعارضت عنده البينتان في بلوغ المسافة وعدمها
ففي ترجيح أيهما وجهان أحدهما تقديم بينة النفي لموافقتها للأصل من عدم البلوغ وبقاء الصلاة على التمام والاخر تقديم
بينة الاثبات لان شهادة النفي غير مسموعة ولجواز بناء النافية على الأصل بخلاف المثبتة فإن طريقها لا يكون
إلا بالاعتبار الموجب له بأحد وجوهه وهذا يتم مع اطلاق البينتين أما لو كان النفي متضمنا للاثبات كدعوى الاعتبار
وتبين القصور انتفى الوجهان الموجبان لترجيح الاثبات وتحقق التعارض ولكن أطلق المصنف تقديم بينة الاثبات و
كذلك الشهيد رحمه الله ويمكن تنزيله على الاطلاق كما يظهر من تعليلهم إما مع تحقق التعارض كما مثلناه فيمكن القول
بإطراحهما والرجوع إلى الأصل وهو التمام أو مراعاة الاحتياط لاستحالة الترجيح من غير مرجح ولو تعارض البينة
والشياع فإن أفاد الشياع العلم قدم وإن تاخمه خاصة ففي ترجيحه احتمال ويمكن مساواتهما للبينتين أما خبر
الواحد فإنهما مقدمان عليه ولو قلنا بجواز العمل به هذا كله بالنسبة إلى الخارج عن البينتين أما نفس البينتين فلكل
حكم ما تعتقده فيقصر المثبت ويتم النافي وفى جواز اقتداء أحدهما بالآخر وجهان من حكم كل منهما بخطأ الاخر ظاهرا
ومن إمكان بنائهما على وجه لا يتحقق معه الخطأ ورجح الشهيد في الذكرى جواز الاقتداء وهو قوى الشرط ب
القصد إليها أي إلى المسافة بأن يربط قصده بمقصد يعلم بلوغه المسافة وإنما اعتبر ذلك لان الشرط لما كانت المسافة
وهي لا تتحقق إلا بقصدها أو بلوغها اعتبر في الحكم بالانتقال عن حكم الأصل في العبادة أحد الامرين إما قصدها أو
الوصول إليها فالهائم وهو الذي لا يدرى أين يتوجه وليس له مقصد خاص يبلغ المسافة وطالب الآبق الذي في نفسه
العود متى وجده لا يقصران وإن زاد سفرهما على مسافة لفقد الشرط ومثلهما مستقبل المسافر إذا جوز الظفر به قيل
المسافة وقد روى صفوان عن الرضا عليه السلام عن الرجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل
يتبعه حتى بلغ النهروان قال لا يقصر ولا يفطر لأنه لم يرد السفر ثمانية فراسخ وإنما خرج ليلتحق بأخيه فتمادى به
السير والظاهر أن المعتبر قصد المسافة وإن لم تكن شخصية فلو نوى السفر إلى أحد البلدين أو البلدان كفى
كما لو قصد بلدا معينا على رأس مسافة وشك أو تردد في الزيادة عليها لكن يشترط في القصد المشترك اتحاد أصل
الطريق الخارجة من بلده ليتحقق الخروج إلى المسافة ويتفرع على ذلك ما لو قصد مسافة معينة فسلك بعضها
ثم رجع إلى قصد موضع آخر بحيث تكون نهايته مع ما مضى مسافة فإنه يبقى على القصر لصدق السفر إلى المسافة المقصودة
في الجملة وإن تغير شخصها مع احتمال زوال الترخص أن يرجع لبطلان المسافة الأولى بالرجوع عنها وعدم بلوغ
المقصد الثاني مسافة ولا فرق في اشتراط قصد المسافة بين التابع والمتبوع فالزوجة والعبد والوالد إن عرفوا مقصد
الزوج والسيد والوالد وقصدوه ترخصوا وإلا فلا ولو جوزت الزوجة الطلاق والعبد العتق وعزما على الرجوع
متى حصلا فلا ترخص عند المصنف مطلقا وقيده الشهيد بحصول أمارة لذلك ولا بنيا على بقاء الاستيلاء وعدم
دفعه بالاحتمال البعيد وهو حسن ويقرب منهم الأسير في أيدي المشركين والمأخوذ ظلما فإنهما متى علما مقصد المتبوع
وقصداه ولو بغلبة الظن على بقاء الاستيلاء قصرا مع بلوغ المسافة وإن جهلا مقصدهم أو احتملا الخلاص احتمالا
قريبا أتما وطالب الآبق ومتلقى المسافر إلى بلد معين إن علما البلوغ إليه فظاهر ولو غلب على ظنهما ذلك أو احتملا
385

لقاءة قبله ففي قصرها احتمال ومقتضى ما تقدم القصر ويظهر من الأصحاب التمام متى جوز الرجوع قبله وعلى كل
حال فالهائم وطالب الآبق يقصران في الرجوع مع البلوغ للمسافة لوجود المقتضى وكذا لو تجدد قصد المسافة في
الأثناء ولا يبنى على ما تقدم فلو عزم غير القاصد في الأثناء على الوصول إلى موضع معين لا يبلغ من موضع القصد مسافة
ثم يرجع بعده إلى وطنه أتم ذاهبا وفى ذلك الموضع وتوقف الحكم بالقصر على العود كما لو لم يقصد أصلا ولا يضم ما تجدد
قصده إلى العود وإن اتصل به لان كل واحد من الذهاب والعود له حكم بانفراده لا يضم أحدهما إلى الاخر - ج -
- ج - عدم
قطع السفر ويحصل بأمرين بنية الإقامة عشرة أيام فما زاد عنها في الأثناء أي أثناء السفر سواء وقع ذلك قبل بلوغ
المسافة أم بعده فإنه يتم بعد ذلك وهو موضع وفاق والنصوص في ذلك متطافرة عن علي وأهل بيته عليهم السلام فمنها
رواية زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصرا ومتى ينبغي
له أن يتم فقال إذا دخلت أرضا فأيقنت إن لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة
وإن لم تدر ما مقامك بها تقول غدا أخرج أو بعد غد فقصر ما بينك وبين أن يمضى شهر فإذا تم لك شهر فأتم
الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك وقد علم من الخبر أنه لا فرق في موضع الإقامة بين كونه بلد أو قرية
أو حلة أو بادية ولا بين العازم على السفر بعد المقام وغيره والمراد بنية الإقامة تحقق المقام في نفسه كما يقتضيه
الخبر فيدخل فيه من نوى الإقامة اقتراحا ومن أوقفها على قضاء حاجة يتوقف انقضاؤها عليها ومثله ما لو علق النية
على شرط كلقاء رجل ورواج سوق فحصل الشرط ومقتضى العشرة أن تكون كاملة فإن كانت النية في أول اليوم فظاهر
وإلا فالظاهر التلفيق من الحادي عشر بقدر ما فات من الأول ولا فرق في ذلك بين يومى الدخول والخروج وغيرهما
فيحتسب ما حصل فيه المقام منهما من العدد واستشكل المصنف في التذكرة والنهاية احتسابها من العدد من حيث أنهما من تتمة
السفر وبدايته لاشتغاله في الأول بأسباب الإقامة وفى الأخير بالسفر ومن صدق الإقامة في اليومين واحتمل التلفيق كما
اخترناه أو بوصوله بلدا له فيه ملك استوطنه ستة أشهر فصاعدا فيتم حينئذ وإن كان جازما على السفر قبل تخلل عشرة للاجماع
ولقول الرضا عليه السلام في رواية محمد بن بزيع وقد سأله عن الاستيطان فقال أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة
أشهر وروى عمار عن الصادق عليه السلام لا يتم ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة وفى حكمه اتخاذ البلد دار إقامة على الدوام كما ذكره
المصنف وكثير من الأصحاب ويمكن الاستدلال عليه بالخبر السابق لصدق اسم المنزل عليه واللام كما يدل على الملك يدل على
الاختصاص بل هي فيه أظهر وحينئذ فيشترط فيه الاستيطان ستة أشهر كالملك وكذا لو اتخذ بلدانا للإقامة على التناوب
دائما وقد صرح المصنف والشهيد رحمه الله وغيرهما باشتراط نية الدوام مع عدم الملك ولا معدل عنه إلا أن الدلالة عليه
غير واضحة ويشترط في الستة الصلاة فيه تماما بنية الإقامة لأنه المفهوم من الإقامة فلا يكفي مطلق الإقامة وإلا التمام
بسبب كثرة السفر أو المعصية أو شرف البقعة نعم لا يضر مجامعتها لها وإن تعددت الأسباب الحصول المقتضى ولا يشترط
فيها التوالي للعموم ولا كون السكنى في الملك ولا كونه له صلاحية السكنى لحديث النخلة فيكفي سكنى بلد لا يخرج عن حدوده
الشرعية وهي مبدأ الخفاء ويشترط كون الاستيطان بعد الملك لأنه المفهوم منه ودوام الملك فلو خرج عنه زال الحكم بخلاف ما
لو أجره أو رهنه أو أعاده أو غصب منه ولو تعددت كفى استيطان الأول منها وملك الرقبة فلا تكفى الإجارة وملك المنفعة
بوصية وغيرها ولا الوقوف العامة مع دخوله في مقتضاها نعم يكفي الخاص بناء على انتقال الملك فيه إلى الموقوف
عليه ولو تعددت الأملاك وخرج بعضها عن ملكه اشترط اتصاف الباقي بالوصف والظاهر إن ملك مغرس الشجرة معها
386

غير شرط بل يكفي ملك أحدهما وفى الاكتفاء بملك بعض الشجرة وجه لصدق اسم الملك ووجه العدم التنصيص على الواحدة
في مقام المبالغة فلو اكتفى بأقل منها لم يحصل الغرض ويشكل بأن المبالغة على حسب المقام وجاز اختلافها باختلافه
وقد وقع مثله في قوله صلى الله عليه وآله تصدقوا ولو بصاع ولو بنصف صاع وفى لفظ آخر ولو بتمرة وفى آخر ولو
بشق تمرة واعلم إن الشهر حقيقة في العدة التي بين الهلالين ويطلق على ثلثين يوما عند تعذر المعنى الأول وحينئذ فإن
تحقق التوالي في الستة أو بعضها بحيث تصدق العدة الهلالية كفت وإن اتفق نقص الشهر عن ثلثين وإن تفرقت على
وجه لا يتحقق فيه ذلك اعتبر الشهر ثلثين يوما ولو توالت وكان ابتداؤها في أثناء الشهر الهلالي ففي احتساب الجميع
ثلثين ثلثين أو احتساب إكمال الأول خاصة بعد انقضاء الخمسة وجهان أجودهما الثاني وكذا القول في غيره من
الآجال وغيرها
ولا فرق في انقطاع السفر في محل ينوى فيه إقامة العشرة بين أن ينويها بعد وصوله إليه أو عنده أو قبله ففي الأولين لا
يعتبر المسافة بينه وبين موطنه بل يقصر في الطريق وإن قل ويتم عند نية إقامة العشرة حيث وقعت بعد تجاوز حدود
وطنه ولو كان في نيته الإقامة في ابتداء السفر اعتبرت المسافة بين موطنه وموضع الإقامة كما تعتبر بينه وبين الموطن
الاخر أو الذي له فيه ملك فلو كان بين مخرجه وموطنه أو ما أي الموضع الذي نوى الإقامة فيه مسافة قصر في الطريق
خاصة وأتم في الموطن وموضع الإقامة وإلا أي وإن لم يكن بين مخرجه وموطنه أو ما نوى فيه الإقامة مسافة أتم فيه
أي في الموطن أو موضع الإقامة ووحد الضمير باعتبار عودة إلى كل واحد منهما على البدل أيضا أي كما يتم في الطريق لان
المقصد وإن كان يبلغ المسافة إلا أنه بسبب اعتراض أحدهما ينقطع اتصال سفره فيصير في قوة المتعدد ولو كان له عدة مواطن
في طريقه أو نوى إقامة العشرة في عدة مواضع كذلك أتم فيها أي في المواطن وكذا في المواضع التي نوى فيها الإقامة
واعتبرت المسافة بين كل موطنين فيقصر في الطريق مع بلوغ الحد في طريقه وهو المسافة خاصة أي دون الموطن و
الطريق التي لا تبلغ الحد ولو اختلفت الطريق بين المواطن وإليها فلكل واحدة حكم نفسها وكما تعتبر المسافة بين كل
موطنين كذلك تعتبر بين الأخير ومنتهى المقصد فإن لم يبلغها أتم من الأخير إلى المنتهى وإن عزم على العود على غير تلك
الطريق لان لكل واحد من الإياب والذهاب حكما برأسه وقد ذكره المصنف في غير هذا الكتاب وكذا القول فيما بين منتهى المقصد
وموضع مقام العشرة ولا فرق في ذلك بين ما نوى الإقامة فيه أو قبله واعلم أن منتهى السفر بين الموطنين على تقدير
بلوغ الطريق المسافة هو حدود الوطن الذي يصل إليه وهو موضع سماع الأذان وروية الجدار كما يأتي وكذا مبدأ
السفر عند الخروج منه إلى الوطن الاخر وهذا لا إشكال فيه إنما الكلام في أن موضع نية الإقامة مع تقدمها عليه
هل يلحق بالوطن فينقطع السفر بما ينقطع به في الوطن فإنه يحتمل قويا فيه ذلك أيضا لصيرورته بحكم بلده في وجوب الاتمام
فيه واشتراط المسافة في القصر بعد الخروج منه ولأن تلك الحدود في حكم البلد بل هي العلة في قطع السفر وعدم ابتدائه
في الخروج بالنسبة إلى البلد ويحتمل العدم لتعليق الحكم في النصوص على السفر وهو شامل لهذه المواضع فإخراجها على
خلاف الأصل في البلد لا يوجب التعدية وهو في حال الدخول مسافر فيستصحب حكمه حتى يخرج عنه اسم السفر ومما يضعف كونها
بحكم بلده من كل وجه أنه لو رجع فيها عن نية الإقامة قبل الصلاة تماما أو ما في حكمها يرجع إلى القصر وإن أقام فيها أياما
وساوت غيرها من مواضع الغربة بخلاف البلد فدل ذلك على أن مجرد نية الإقامة فيها قبل الوصول إليها لا يصيرها في
حكم البلد مطلقا نعم يتوجه ذلك في الخروج منها بعد الصلاة تماما لصيرورتها الآن في حكم البلد بكل وجه فالوجهان
في حالة الدخول والخروج غير متساويين في القوة والضعف الشرط
د كون السفر سائغا واجبا كان أو ندبا أو
387

مباحا أو مكروها فلا يترخص العاصي بسفره وهو من كان غاية سفره هي المعصية كتابع الجاير وقاطع الطريق والباغي
والتاجر في المحرمات والساعي على ضرر بقوم من المسلمين بل المحترمين وإن كانوا كفارا ومنه العبد المسافر لأجل الإباق و
الزوجة الخارجة لأجل النشوز أو كانت المعصية جزءا من الغاية كما لو قصد مع ما ذكر التجارة أو غيرها وقد عد الأصحاب من
العاصي بسفره مطلق الآبق والناشز وتارك الجمعة بعد وجوبها ووقوف عرفة كذلك والفار من الزحف ومن سلك طريقا
مخوفا يغلب معه ظن التلف على النفس أو على ماله المجحف وإدخال هذه الافراد يقتضى المنع من ترخص كل تارك للواجب بسفره
لاشتراكهما في العلة الموجبة لعدم الترخص إذ الغاية مباحة فإنه المفروض وإنما عرض العصيان بسبب ترك الواجب فلا فرق حينئذ
بين استلزام سفر التجارة ترك صلاة الجمعة ونحوها وبين استلزامه ترك غيرها كتعلم العلم الواجب عينا أو كفاية بل الامر
في هذا الوجوب أقوى وهذا يقتضى عدم تحقق الترخص إلا لأوحدي الناس لكن الموجود من النصوص في ذلك لا يدل على
إدخال هذا القسم ولا على مطلق العاصي وإنما دلت على السفر الذي غايته المعصية كرواية حماد بن عثمان عن الصادق
عليه السلام الباغي والعادي ليس لهما أن يقصرا الصلاة ورواية زرارة في المتصيد لهوا وبطرا ورواية إسماعيل بن أبي زياد
عنه عليه السلام سبعة لا يقصرون وعد منهم الرجل يريد بصيده لهو الدنيا والمحارب الذي يقطع السبيل وفى رواية عمار
بن مروان عنه عليه السلام عدم تقصير العاصي لله ولرسوله كطالب الشحناء والسعاية في ضرر على قوم من المسلمين وهذا
الحديث وإن كان صدره يدل على مطلق المعصية لكن عجزه يخص ذلك بما كانت غايته المعصية كما في غيره وبالجملة فاللازم
مما عده الأصحاب من عموم الافراد المنع لكل عاص بترك واجب بفوت بسبب السفر ومن جملته تارك التعلم لكن في إدخاله
نظر لعدم دلالة النصوص على العموم واحترزنا بالعاصي بسفره عن العاصي فيه كما لو كان يشرب الخمر في طريق سفر غايته
الطاعة ويزني فإنه باق على الرخصة ولو رجع العاصي عن نيته في أثناء السفر اعتبرت المسافة حينئذ فإن
قصر الباقي منه
بقي على التمام ولو انعكس الفرض انقطع ترخصه حين النية ولو عاد إلى الطاعة ففي اشتراط كون الباقي مسافة في العود
إلى القصر أو البناء على ما سبق وجهان من بطلان الماضي بتوسط نية المعصية ومن إن المانع كان هو المعصية وقد
زالت وهو الذي اختاره في الذكرى وينبغي أن يكون ذلك مع بلوغ ما مضى من سفر الطاعة وما بقي مسافة أما لو لم
يتم إلا بالجزء الذاهب في المعصية أشكل الفرق بينه وبين الراجع إلى الطاعة بعد إن كان قد سافر إلى المعصية ابتداء وقد
وافق فيها على اشتراط كون الباقي مسافة وهذا هو الظاهر من التذكرة مع استشكاله الحكم فيها ويقرب من ذلك ما لو
رجع عن السفر في أثناء المسافة ثم عاد إليه ولا يبلغ باقيه مسافة وقد قرب الشهيد في البيان العود إلى القصر اكتفاء بالتلفيق
مما مضى والحكم فيه أشكل مما هنا أما لو فرض عدوله في أثناء المسافة إلى غير المقصد ورجوعه عنه اتجه الضم بناء على ما تقدم
من أن الاعتبار بقصد المسافة النوعية لا الشخصية وهي حاصلة هنا مع احتمال التمام لبطلان القصد الأول وعدم بلوغ
المقصد الثاني وكيف كان فهو أولى بالقصر من الأولين والصائد لللهو عاص كما مر بخلاف الصائد لقوته وقوت عياله
فإنه يقصر الصلاة والصوم إجماعا والصائد للتجارة يقصر في صلاته وصومه على رأى لوجود المقتضى وهو السفر إلى المسافة
مع كونه غير معصية وانتفاء المانع إذ ليس إلا قصد التجارة وهو أمر سائغ كالسفر للتجارة في غير الصيد فإنه غير مانع إجماعا
ولعموم الآية والاخبار ونبه بالرأي على خلاف جماعة من الأصحاب منهم الشيخان حيث أوجبا إتمام الصلاة بل ادعى عليه ابن
إدريس الاجماع مستندين في ذلك إلى أخبار ضعيفة مع عدم دلالتها على المطلوب صريحا وقد روى معاوية بن وهب في الصحيح
عن الصادق عليه السلام هما واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت حكم عليه باتحاد الحكم فيهما وفى إذا معنى الشرط
388

فيعم وفى صحيحة عبد الله عنه عليه السلام في الصيد أن كان يدور حوله فلا يقصر وإن كان تجاوز الوقت فليقصر وترك الاستفصال
دليل العموم الشرط
ه‍ عدم زيادة السفر على الحضر كالمكاري بضم الميم وتخفيف الياء وهو الذي يكرى دابته لغيره ويذهب
معها أي المعد نفسه لذلك فهو لا يقيم ببلد غالبا بل الغالب عليه السفر والملاح بالتشديد وهو صاحب السفينة
وطالب القطر والنبت كالبدوي وطالب الأسواق وهو التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق ومثله الذي يتكرر
إلى السوق الواحد مرارا من غير إقامة والبريد وهو الرسول المعد للرسالة والضابط أن لا يقيم المسافر في بلده عشرة أيام
ومستند ذلك أخبار كثيرة عن الصادقين عليهما السلام كصحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام أربعة قد يجب عليهم التمام
في سفر كانوا أو حضر المكاري والكري والراعي والاشتقان لأنه عملهم وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام
ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير ولا على المكارين ولا على الحمالين وروى إسماعيل بن زياد عن الصادق عليه السلام عن أبيه
عليهما السلام قال سبعة لا يقصرون الصلاة الجابي الذي يدور في جبايته والأمير الذي يدور في إمارته والتاجر الذي يدور
في تجارته من سوق إلى سوق والراعي والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر الحديث وتسمية هذا النوع
زائد السفر وكثير السفر حقيقة شرعية بالشرائط المذكورة وآية الحقيقة فيه مبادرة ذهن أهل هذا العرف
عند إطلاق اللفظ إلى من اتصف بالشروط المذكورة فلا يرد عليه ما أورد المحقق في المعتبر من انتقاضه بمقيم عشرة في
بلد ومسافر عشرين فإنه يصدق عليه زيادة السفر على الحضر مع أن فرضه القصر إجماعا قال بل الأولى أن يقال أن
لا يكون ممن يلزمه الاتمام سفرا كما تضمنته الروايات السابقة وما ذكره من الأولوية غير ظاهر لعدم انحصار المتم
سفرا في من ذكر فلا تكون العبارة مفيدة للمقصود فإن العاصي بسفره وطالب الآبق مع تماديه في السفر وكل من
لو يقصد المسافة مع وصوله إليها أو قبل وصوله يصدق عليه أنه متم سفرا وليس مقصودا هنا إذا تقرر ذلك فالمعتبر
في لحوق الحكم هنا صدق اسم من ذكر في هذه الروايات على من سافر وكذا من في معناهم إذ ليس في الاخبار تحديد
بسفرات معينة بل الحكم معلق على الوصف فيثبت معه كيف ما حصل وهو يتحقق في السفرة الثالثة التي لا يتخلل بينها
إقامة العشرة قطعا ولو صدق بأقل من ثلث ثبت الحكم أيضا وفصل ابن إدريس بعد أن ردها إلى العرف فاعتبر الثلاثة
في غير المكاري والملاح والتاجر والأمير وحكم فيهم بالاتمام بمجرد السفر محتجا بأن صنعتهم تقوم مقام من لا صنعة
له ممن سفره أكثر من حضره واستقرب المصنف في المختلف ثبوت الحكم بالمرتين مطلقا فيخرج في الثالثة متما وهو الظاهر من عبارته
هنا وفى أكثر كتبه كما يرشد إليه قوله والضابط أن لا يقيم في بلده عشرة أيام فإن من سافر مرة ولم يقم في بلده
بعدها عشرة ثم سافر يصدق عليه ذلك وحيث لا دلالة في النصوص على اعتبار عدد معين بل صدق الاسم توجه الاكتفاء
بسفرتين خصوصا لمتخذه صنعة لكن توقف الاتمام على الخروج إلى الثالثة أوضح خصوصا على ما اشتهر من أن العلة
الموجبة لذلك هي كثرة السفر وهو الذي نقله العلامة قطب الدين الرازي عن المصنف والضابط حينئذ أن يسافر إلى مسافة
ثلث مرات بحيث يتجدد حكم الاتمام بعد كل واحدة من الأوليين ولا يقيم عقيب واحدة منهما عشرة أيام في بلده مطلقا
أو في غير بلده مع نية الإقامة فإنه يصير في الثالثة كثير السفر ويلزمه فيها الاتمام ويستمر متما إلى أن يقيم في بلده
عشرة أو في غير بلده مع النية فإذا أقام ذلك انتفى عنه الوصف ورجع إلى التقصير في السفر وتوقف الحكم السابق على
ثلاثة مستأنفة وهكذا وتتحقق تعدد السفرات بوصوله من كل سفرة إلى بلده أو ما في حكمه فإن ذلك انفصال بينها
حسي وشرعي وهل تتحقق بالانفصال الشرعي خاصة كما لو تعددت مواطنه في السفرة المتصلة بحيث يكون بين
389

كل موطنين منها والاخر مسافة أو نوى الإقامة في أثناء المسافة عشرا ولما يتمها وجهان من تحقق الانفصال الشرعي وهو أقوى
من الحسى في أمثال ذلك ومن ثم اشترطت المسافة ومن عدم صدق التعدد عرفا هذا كله إذا كان في نيته ابتداء تجاوز
الوطنين وموضع الإقامتين أما لو عزم على الوطن الأول خاصة فلما وصل إليه عزم على الاخر فاحتسابها سفرتين
أقوى وعلى التقديرين لا فرق بين كون السفرة الثانية صوب المقصد أم لا ورجح الشهيد في الذكرى تعدد السفرات
في صورة الإقامة وإن لم تكن الإمامة في نيته ابتداء وفصل في الوطن فأوجب التعدد مع تجدد قصد تجاوز الوطن بعد
الوصول إليه والاتحاد مع قصد التجاوز ابتداء وهو حسن والفرق بين موضع الإقامة والوطن إن نية الإقامة تقطع
السفر حسا وشرعا والخروج بعد ذلك سفرة جديدة بخلاف الوطن فإنه فاصل شرعا لا حسا ولو كان الخروج بعد أحد
الامرين إلى وطنه الأول بمعنى العود إليه ففي احتسابه سفرة ثانية الوجهان وهل يشترط في فصل نية الإقامة الصلاة تماما
أم يكفي مجرد النية يحتمل الأول لتوقف تمام الفصل عليه ومن ثم كان الرجوع عن نية الإقامة قبل الصلاة موجبا للعود
إلى القصر وهو يدل على عدم تمامية السبب الموجب للقطع ولما تقدم من أن الفارق بينه وبين الوطن هو قطع السفر الحسى
ولم يتحقق ووجه الثاني انتقال حكم السفر ومن ثم وجب الاتمام ما دام كذلك وللرجوع حكم آخر وحيث أسلفنا أن
المعتبر صدق اسم الكثرة والمعنى الموجب كذلك فهو الحكم في هذه الموارد ولعل اعتبار الصلاة تماما أو ما في حكمها أقوى
بقي ها هنا بحث وهو أن الأصحاب رضوان الله عليهم قد عدوا في كثير السفر البدوي الذي يطلب القطر والنبت والتاجر
المنتقل من سوق إلى سوق وجملة ما تقدم استنادا إلى الروايات التي دلت عليه بل تلك الألفاظ المنقولة في عباراتهم
هي لفظ الروايات وفى دلالتها على ذلك نظر بل الظاهر منها في كثير من هذه الافراد أن الموجب تمامهم ليس هو كثرة
السفر بل ولا صدق أصل السفر وإنما هو عدم القصد إلى المسافة أو عدم صدق اسم المسافر عليه كما هو الظاهر من حال
البدوي والراعي والأمير الذي يدور في إمارته من بلد إلى آخر والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق فإن هؤلاء
لا يقصدون المسافة غالبا وإن اتفق لهم سلوكها والاخبار إنما دلت على أن هؤلاء فرضهم التمام والامر فيه كذلك
لكن لا يتعين كونه لهذه العلة وإن أمكن في بعض أسفارهم حصولها مما يدل على أن حكم المذكورين في الخبر ليس على
وتيرة واحدة إن الباقر عليه السلام عد من السبعة الذين لا يقصرون المتصيد لهوا والمحارب الذي يقطع السبيل مع أن
المانع من قصر هذين هو المعصية لا الكثرة وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال المكاري والجمال إذا جد بهما
السير فليقصرا ومثله روى الفضل بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام وقد اختلف في تنزيلهما وعلى ما ذكرناه يمكن
حمل الجد في السير على قصد المسافة قبل تحقق الكثرة بمعنى أن سفرهما وإن كان أو لا إلى مسافة غير مقصودة لا يقصران
فإذا قصدا المسافة قصرا والجد كناية عن ذلك وحملهما المصنف في المختلف على أنهما إذا أقاما عشرة أيام قصرا ولا إشعار
فيهما بذلك وحملهما الشهيد رحمه الله على ما لو أنشأ أحدهما سفرا غير صنعته كالتاجر يصير مكاريا أو ملاحا والبدوي
يحج فإنهم يقصرون وفى دلالتهما على ذلك نظر وفى المصير إلى الحكم باحتمالهما ذلك إشكال لما قد عرفت من احتمال تنزيلهما
على غير ذلك احتمالا راجحا أو مساويا ومع ذلك يسقط اعتبارهما في الدلالة على حكم مخالف للأصل الثابت بالدليل
وهو التمام مع الكثرة وقد نزلهما الشيخ في التهذيب تبعا للكليني رحمهما الله على أن المراد بجد السير جعل المنزلين منزلا
فيقصرون في الطريق ويتمون في المنزل ووجه مصيرهما إلى ذلك مع بعده في الظاهر حديث آخر روياه في ذلك عن الصادق
عليه السلام أن الجمال والمكاري إذا جد بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين ويتما في المنزل وهذا الحمل وإن كان مخالفا
390

للقاعدة المعروفة من الحكم إلا أن الطريق إلى إثباتها بسبب الأحاديث المعتبرة سهل ولعل موجب الخروج عن حكم الاتمام
هنا لزيادة المشقة بكثرة السير وخروجه عن العادة وعلى هذا التنزيل الحكم مختص بمن ذكر في الاخبار وهو الجمال و
المكاري وقوفا فيما خالف الأصل على المتيقن مع احتمال العموم لوجود المقتضى وعلى ما احتملناه من التنزيل يسقط
الاستدلال وإذا تحققت الكثرة لاحد هؤلاء استمر حكمها ما لم يقم في بلده عشرة أيام تامة سواء كانت بنية الإقامة
أم لا أو في غير بلده مع النية فإن أقام أحدهم عشرة كذلك قصر وإلا أتم على المشهور بين الأصحاب وقد روى ذلك في المكاري
عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام ومن ثم احتمل المحقق اختصاص الحكم بالمكاري وجعل الباقين مع تحقق
الكثرة على التمام وإن أقاموا عشرة والمشهور التعميم إن لم يكن موضع وفاق فإن المحقق ذكر ذلك بطريق الاحتمال
وهل يشترط في إقامة العشرة التتالي أكثر الأصحاب على الاطلاق والظاهر أنه في إقامة بلده غير شرط
لصدق اسم العشرة وأصالة البراءة فيلفق ما وقع منها في البلد نعم يشترط عدم تخلل المسافة إجماعا وقد صرح بهذا
التفصيل جماعة منهم الشهيد رحمه الله وأما العشرة التي في غير بلده فيحتمل كونها كذلك لما ذكرناه من العلة ولما سيأتي
من إن الخروج بعد الصلاة تماما إلى ما دون المسافة لا يؤثر في القصر بل يبقى على التمام فهو حينئذ كبلده نعم يأتي على
ما يختاره المصنف من أن الخارج حينئذ يقصر ما لم يكن في نيته إقامة عشرة مستأنفة عدم التلفيق لان ذلك كالخروج إلى المسافة
لتخلل ما يقطع الإقامة فيكون حكمه السفر إلى المسافة في انقطاع حكم السابق عليه إذا لم تكن عشرة وسيأتي بيان
إن مطلق الخروج مع نية إقامة العشرة غير قاطع لحكم الإقامة فيضعف دليل عدم التلفيق لكني لم أقف على مفت به من الأصحاب
نعم نقله بعضهم عن المحقق الشيخ على رحمه الله وهو متوجه وحيث اشترط في إقامة العشرة في غير بلده نيتها لم يؤثر وقوعها بنية
مترددة وهو موضع وفاق لكن لو تردد كذلك ثلثين يوما هل تكون بحكم العشرة المنوية أم لا الذي صرح بن ابن
فهد في المهذب بل جعله المشهور وقواه المحقق الشيخ على الأول وقطع الشهيد في الدروس باشتراط إقامة عشرة بعد الثلثين
وتبعه عليه في الموجز ولم أقف لغيرهم من ذلك على كلام نفى ولا إثبات وإن كان الظاهر منهم عدم الاكتفاء بالتردد
ثلثين والصحيح في ذلك ما اختاره الشهيد رحمه الله لأصالة البقاء على حكم التمام حتى يتحقق المزيل عنه ويوضح ذلك
ما قد عرفته من أن السفر الموجب للتقصير ينقطع بمجرد الوصول إلى بلد المسافر ونيته إقامة عشرة في غير بلده وسيأتي
أنه ينقطع أيضا بمضي ثلثين يوما مترددا فيها وهذه الثلاثة موضع وفاق ويعلم منها أن الثلثين المتردد فيها في
غير البلد بحكم نية الإقامة عشرا فيه وقد عرفت أيضا إن كثرة السفر إنما تنقطع بإقامة عشرة في بلده أو في غير بلده
مع النية وأنه لا تكفى نية الإقامة بدون الإقامة بل لا ينقطع حكم الكثرة إلا بتمام العشرة وعرفت أيضا إن التردد
ثلثين يوما في حكم نية إقامة العشرة لا في حكم إقامتها فيفتقر بعدها إلى إقامة عشرة كما يفتقر إليها بعد نية الإقامة
عشرة وهذا واضح ووجه الاكتفاء بالثلثين صدق اسم العشرة وزيادة إذ ليس في الخبر التصريح بكونها منوية وإنما
لم يكتف بالعشرة المترددة لا غير للاجماع على عدم اعتبار الشارع لها بل إنما علم منه اعتبار الثلثين مع التردد فيختص
الحكم بها ولأن مضى الثلثين إذا كان شرطا في قطع حكم السفر وهو أضعف من حكم كثرة السفر لما قد عرفته فلان يكون
مجموع الثلثين شرطا في قطع الكثرة ولا يكفي ما دونها أولى وجوابه يعلم مما قررناه فإن مضى الثلثين كذلك بحكم نية
الإقامة عشرا في غير البلد وهي غير كافية في قطع كثرة السفر إجماعا فكذا يجب لما هو بحكمها وإنما اقتضى كونها بحكم النية
الاكتفاء بعشرة أخرى بعدها وإلا كان من المحتمل أن يقال إن التردد لا يقطع كثرة السفر وإن طال لعدم النص وأصالة
391

البقاء على حكم الكثرة بل هذا الاحتمال أوجه من احتمال الاكتفاء بالثلثين المتردد فيها فإن إلغاء المناسبة بين
حكم السفر وكثرة السفر يقتضى الاكتفاء بمطلق العشرة إن عمل بمطلق الرواية ولم يقل به أحدا وتوقف حكم قطع الكثرة
على الإقامة عشرة منوية ولا تقطعها بدونه ورعاية المناسبة تقتضي اشتراط العشرة بعد الثلثين فالقول بالاكتفاء
بالثلثين المتردد فيها غير متجه فإن قيل لما علمنا اعتبار الثلثين المتردد فيها وترتيب حكم قطع السفر عليها
وإقامتها مقام نية الإقامة اعتبرناها هنا مع صدق إقامة العشرة في الجملة بخلاف العشرة المتردد فيها فإن الشارع
لم يعتبرها بحال قلنا إنما اعتبرها الشارع في حكم يكفي في اعتباره نية إقامة العشرة كما قد عرفته والامر في المتنازع
ليس كذلك فإن نية إقامة العشرة غير كافية إجماعا فكذا ما هو بحكمها ولا يلزم من اعتبار الشارع لها في حالة اعتبارها
مطلقا وإلا يقم أحدهم عشرة على الوجه المتقدم أتم صلاته ليلا وهي وصيامه نهارا سواء لم يقم أصلا أو أقام دون الخمسة
أو أقام خمسة على رأى مشهور لصدق اسم المسافر على من أقام دون العشرة فيلحقه الحكم وكقوله صلى الله عليه وآله هما
سواء إذا أفطرت قصرت وإذا قصرت أفطرت ونبه بالرأي على خلاف الشيخ وجماعة حيث ذهبوا إلى أن من أقام خمسة
فصاعدا إلى ما دون العشرة يقصر صلاة النهار ويتم الليل والصوم لرواية عبد الله بن سنان قال المكاري إن
لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر في سفره بالنهار وأتم بالليل وعليه صوم شهر رمضان وأجيب بأن
الحديث متروك الظاهر لتضمنه ما دون الخمسة وهم لا يقولون بتأثير ما دونها وفيه نظر لان الخبر إن صح لم يضر
موضع الخلاف منه خروج جزء آخر عن صلاحية الاحتجاج والأصحاب قد احتجوا به على إن إقامة العشرة تقطع
كثرة السفر واحتمال اختصاص الحكم بالمكاري إنما نشاء منه لان البحث فيه عنه وحمله المصنف في المختلف على سقوط نافلة
النهار ولا يخفى بعده ولضعف جوابه مال المحقق في المعتبر إلى العمل بمضمونه وموافقة الشيخ ونقل عن ابن الجنيد
القول بالاكتفاء في التقصير بإقامة ما دون الخمسة كما دل عليه الخبر الشرط وخفاء الجدران والأذان فلا
يترخص المسافر قبل ذلك على المشهور بين المتأخرين واعتبر أكثر المتقدمين أحد الامرين خفاء الجدران أو عدم سماع
الأذان وابن بابويه لم يعتبرهما معا واكتفى بمجرد الخروج من المنزل ووجه ما اختاره المصنف من اعتبار الامرين معا
صحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل يريد السفر فيخرج متى يقصر قال إذا توارى من البيوت
وصحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه السلام إذا كنت في الموضع الذي لا يسمع فيه الأذان فقصر وإذا قدمت من سفرك
قبل ذلك والجمع بين الخبرين يحصل بالعمل بمدلولهما معا والمتقدمون جمعوا بينهما بالتخيير وليس بواضح وعول
ابن بابويه على رواية مرسلة تدل على القصر إلى أن يعود إلى المنزل وهي مع ذلك مجملة يجب حملها على المبين
والمعتبر
خفاء صورة الجدار لا شبحه وسماع صوت الأذان وإن لم يميز فصوله ويعتبر فيهما الحاسة المعتدلة كما يعتبر الصوت
والبناء المعتدلان فلا عبرة بروية أعلام البلد كالمناير والقباب والقلاع ولا بالأذان المفرط في العلو ولا بخفا
المنخفضين والتمثيل بالأذان لأنه أبلغ الأصوات غالبا فيقوم مقامه الصوت العالي ويقدر البلد المرتفعة و
المنخفضة معتدلة ويعتبر آخر الجدران والأذان ما لم تتسع الخطة بحيث تخرج عن العادة فتعتبر المحلة وآذانها
وحلة البدوي كالبلد بالنسبة إلى الأذان أما الجدران فيحتمل تقدير بيته لو كان جدارا واعتبار رؤيته لقيامه
مقامه وهو أي خفاء الامرين نهاية التقصير بمعنى أنه يمتد عائد إلى أن يدرك أحدهما فيزول حكمه ويصير كالمقيم على
المشهور لصحيحة عبد الله بن سنان السالفة ولأن اعتبار ذلك في الخروج إنما هو لكون ما دون هذا القدر في حكم
392

البلد فلا يقصر فيه وخالف هنا جماعة حيث جعلوا نهاية التقصير دخول المنزل استنادا إلى أخبار تدل على
استمرار التقصير إلى دخول المنزل ولا صراحة فيها بالمدعى فإن ما دون الخفاء في حكم المنزل خصوصا مع وجوب الجمع
بينها وبين ما تقدم من الدال صريحا على المشهور واعلم إن فائدة جعل خفاء الامرين شرطا للقصر عدم جوازه
قبله فلو أراد الصلاة قبل ذلك صلى تماما وكذا لا يجوز له الافطار وبعد وصوله إلى ذلك القدر يتحقق الشرط
ولا يلزم من وجوده وجود المشروط وهو القصر ثم يتوقف على تفصيل آخر وهو عدم مضى قدر الصلاة وشرائطها
المفقودة كما سيأتي وكذلك يشترط في جواز الافطار عدم زوال الشمس قبل الخفاء على ما يجئ تفصيله انشاء الله
تعالى وأما في العود ففائدته على مذهب المصنف من وجوب التمام على من حضر قبل الصلاة وإن كان قد دخل
الوقت عليه مسافرا ظاهرة فيتم حينئذ متى وصل المواضع المذكورة والفائدة بالنسبة إلى الصوم أنه لو وصل
إلى ذلك المكان ولم يكن تناول سفرا وكان ذلك قبل الزوال وجب عليه الصوم ولو كان ذلك بعد الزوال
أو كان قد تناول لم يلزمه حكم الاتمام فكذا في نهاية السفر إنما تظهر على بعض الوجوه وذلك هو المراد من الاطلاق
بقي في العبارة شئ وهو إن الضمير في قوله وهو نهاية التقصير لا مرجع له سابقا إلا الخفاء في قوله خفاء الجدران
ولا ريب إن الخفاء أمر ممتد من حين تجاوز موضع سماع الأذان وروية الجدار إلى أن يعود بل كلما تمادى في
السفر تأكد تحقق الخفاء وهذا المعنى لا يصلح كونه مرادا لجعله نهاية التقصير فإنه وقت التقصير وظرفه فكيف يكون
نهايته وإنما النهاية آخر جزء منه وهو الجزء الذي دونه بلا فصل يتحقق إدراك أحد الامرين وهذا ليس هو
مفهوم الخفاء ولا يصح إطلاقه على هذا الجزء خاصة كما لا يخفى ولا يصح توهم إن الخفاء على ما ذكرت مجموع
مركب من جميع الاجزاء الواقعة في ذلك الزمان والمجموع لا يتحقق إلا بجميع أجزائه وهي لا تتم إلا ببلوغ أحدهما
فيصح حينئذ إطلاق كون الخفاء منتهى الترخص فإن هذا الامر وإن تم بالنسبة إلى النهاية يفسد في جانب البداية
فإن الخفاء كما هو معتبر في نهاية السفر بمعنى إن زواله يزيل القصر كذا يعتبر في أوله بمعنى إن وجوده شرط في القصر
بل شرطيته لا تتم حقيقة إلا في الابتداء ثم تستمر إلى أن يزول وبالجملة فالمراد واضح وهو أنه ما دام الأمران
محققين فالشرط حاصل إلا أن تركيب العبارة غير مؤد للمقصود وكان الوجه أن يقال وبانتهاء الخفاء ينتهى التقصير
أو ما يؤدى هذا المعنى والأمر سهل ومنتظر الرفقة بعد أن سافر يقصر مع بلوغه محلا يتحقق معه الخفاء ومع الجزم
بمجيئها أو الجزم بالسفر من دونها قبل مضى العشرة أو مع كون انتظاره بعد بلوغ المسافة سواء علق بعد ذلك سفره
الباقي عليها أم لا وسواء جزم بمجيئها أم لا وإلا يحصل ما ذكرناه بأن أنتظرها قبل الخفاء مطلقا أو بعده قبل
بلوغ المسافة ولم يجزم بمجيئها قبل مضى عشرة أيام أو بالسفر من دونها قبلها أتم وألحق في الذكرى بالعلم
بمجيئها غلبة الظن به وهو حسن لان المصير في مثل ذلك لا يكاد يستند إلا إلى الظن ولعل تعبير من عبر بعلم
مجيئها يريد به الترجيح الغالب المستند إلى القرائن وهو العلم بالمعنى الأعم إذ لا يمكن فرض العلم الحقيقي بمجئ الغائب
المختار أو يراد بالعلم العادي وهو لا ينافي إمكان خلافه بحسب ذاته كما حقق في الأصول والحاصل إن منتظر
الرفقة متى كان في محل يسمع فيه أذان بلده أو يرى جداره يتم مطلقا لعدم شرط القصر وبعد تجاوزه يقصر
إلا أن يكون قبل بلوغ مسافة ويعلق سفره عليها ولا يعلم ولا يظن مجيئها كما مر فإنه يتم حينئذ لرجوعه عن الجزم
بالسفر إن كان الانتظار طارئا ولو كان في نيته من أول السفر بقي على التمام إلى أن يجدد السفر بعد مجيئها
393

وحينئذ لا يفتقر إلى بلوغ محل الخفاء بالنسبة إلى موضع الانتظار وكذا القول فيما لو جدد نية السفر من غير بلده وإنما اعتبرنا مجيئها
قبل عشرة أيام لأنه لو علم مجيئها بعدها أتم مع تعليقه السفر عليها لان ذلك في قوة نية إقامة العشرة ابتداء ومثله ما لو لم
ينو إقامة العشرة في أثناء المسافة ولكن علقه على شئ لا يحصل إلا بعد العشرة وكذا القول فيما لو جزم بالسفر من دونها مع عدم
العلم بمجيئها ولكن علقه على مضى عشرة أو ما يتوقف على مضيها وبما ذكرناه يعلم إن صور انتظار الرفقة تزيد على عشرين صورة
تظهر بالتأمل
ولو نوى المقصر الإقامة في بلد عشرة أيام أتم صلاته وصومه وإن كان عازما على السفر بعد ذلك وقد تقدم
الكلام فيه وإنما أعاده ليرتب عليه ما بعده ولو تردد في الإقامة قصر إلى مضى ثلثين يوما ثم يتم بعد ذلك إن اتفق له فعل رباعية
قبل السفر ولو صلاة واحدة وفى رواية أبى ولاد عن الصادق عليه السلام يقصر المتردد إلى شهر ويحمل على الثلثين وإن احتمل النقص
جمعا بينها وبين ما روى عن الباقر عليه السلام من تعليق الحكم على الثلثين فإن المطلق يحمل على المقيد ولو نوى الإقامة عشرا ثم بدأ
له وعزم على السفر قصر أي رجع إلى القصر بمجرد تجديد نية السفر ونقض الإقامة وإن لم ينشئ السفر ما لم يكن قد صلى ولو فريضة واحدة
على التمام فإنه حينئذ يستمر عليه إلى أن يخرج إلى المسافة فإن عزم الإقامة والصلاة تماما بعدها يقطع السفر قطعا مستقرا فيتوقف القصر
بعده على سفر جديد يوجبه ولا يضم ما بقي من المسافة إلى ما مضى منها بخلاف ما لو كان الرجوع عن
الإقامة قبل الصلاة تماما
فإنه يرجع إلى القصر وإن لم يخرج ولا يفتقر إلى كون الباقي مسافة على الأقوى فإن اشتراط المسافة بعد ذلك يستلزم التوقف على الشروع
فيها كما هو مقتضى كل سفر يقع ابتداء أو بعد انقطاع الأول بوطن أو نية إقامة العشرة مع الصلاة تماما ويحتمل اشتراط المسافة
بعد ذلك لاطلاق النص والفتوى بأن نية الإقامة تقطع السفر فيبطل حكم ما سبق كما لو وصل إلى وطنه وبما اخترناه أفتى الشهيد رحمه الله في
البيان ومستند ما ذكر المصنف من التفصيل بالصلاة وعدمها رواية الحسن بن محبوب عن أبي ولاد الحناط قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
أنى كنت نويت حين دخلت المدنية أن أقيم بها عشرة أيام فأتم الصلاة ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتم أم أقصر فقال إن
كنت دخلت المدينة صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها وإن كنت حين دخلتها على نيتك
التمام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدأ لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا
وأتم وإن لم تنو المقام فقصر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهرا فأتم الصلاة وإنما علق في الخبر العود إلى القصر بالخروج بعد
الصلاة تماما من غير تقييد بقصد المسافة لان أبا ولاد كوفي فخروجه من المدينة إلى بلده يوجب المسافة وإن كان اللفظ
مطلقا ولو أمكن على بعد كون خروجه إلى غير بلده وجب تقييده بالمسافة كما ذكرناه لان انقطاع السفر قطعا مستقرا بحيث يتوقف
العود إلى القصر على الخروج يوجب ذلك ومن أطلق من الأصحاب القصر هنا بالخروج فكلامه مشروط بذلك وقد صرح كثير منهم
المصنف والشهيد باشتراط المسافة في الخروج وصرح الجميع ب اشتراطها بعد الوصول إلى البلد والحكم واحد وقد تقدم الكلام
فيهما إذا تقرر ذلك فالحكم ورد في النص معلقا على صلاة الفريضة تماما ففيها قيود ثلاثة الأول الصلاة فلو لم يكن صلى
ثم رجع عن نية الإقامة عاد إلى القصر سواء كان قد دخل وقت أم لا وسواء خرج وقتها ولم يصل عمدا أو سهوا أم لا لان مناط
الحكم الصلاة تماما ولم يحصل وقطع المصنف في التذكرة بكون الترك كالصلاة فيجب الاتمام نظرا إلى استقرارها في الذمة تماما
وتبعه على ذلك المحقق الشيخ علي واستشكل المصنف في النهاية الحكم وكذا الشهيد في الذكرى ولو كان ترك الصلاة لعذر مسقط
للقضا كالجنون والاغماء فلا إشكال في كونه كمن لم يصل ولو لم يكن صلى لكن صام يوما تماما فكالصلاة عند المصنف بل أولى
لأنه أحد الامرين المرتبين على المقام ويزيد كونه قد فات فيه وقت الصلاة تماما ولو لم يخرج وقت الصلاة ففي الاكتفاء به مطلقا
أو مع زوال الشمس قبل الرجوع عن نية الإقامة أو عدمه مطلقا أوجه من كون الصوم أحد العبادتين المشروطتين بالإقامة وكل
394

جزء منه كذلك فإن الصوم لا ينعقد فرضه في السفر أصلا فمجرد الشروع فيه صحيحا يقتضى اتحاد أثر الإقامة في العبادة كما لو صلى
تماما ومن عدم صدق صلاة الفريضة ووجه التفصيل إن الخروج إلى السفر قبل الزوال يوجب إبطال الصوم فليس منافيا له
بخلاف الخروج بعده فإنه لا يؤثر فيه فأولى أن لا يؤثر مجرد الرجوع عن الإقامة والأول مختار المصنف والأخير مختار الشهيد والشيخ
على والوسط متوجه لعدم الدليل الدال على المساواة بين الصوم والصلاة هنا وكونه أحد الامرين المترتبين على الإقامة لا
يوجب إلحاقه بها فإنه قياس محض لا نقول به وإنما يصح التعليل لو كان منصوصا عند المصنف لا إذا كان مستنبطا ويمكن توجيه
الدليل على التفصيل بأن نقول لو فرض إن هذا الصائم سافر بعد الزوال فلا يخلو أما أن يجب عليه الافطار أو إتمام الصوم
لا سبيل إلى الأول للأخبار الصحيحة الشاملة بإطلاقها أو عمومها هذا الفرد الدالة على وجوب المضي على الصوم كصحيحة الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم قال إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر
وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه وصحيحة محمد بن مسلم عنه عليه السلام إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار عليه
صيام ذلك اليوم وسيأتي إنشاء الله تمام البحث في ذلك فقد تعين وجوب إتمام الصوم وحينئذ فلا يخلو أما أن نحكم بانقطاع حكم
الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال وقبل الخروج أولا لا سبيل إلى الأول لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفرا بغير نية
الإقامة وصحته وهو غير جائز إجماعا إلا ما استثنى من الصوم المنذور على وجه وما ماثله وليس هذا منه فثبت الأخير
وهو عدم انقطاع الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال سواء سافر حينئذ بالفعل أم لم يسافر إذ لا مدخل للسفر في صحة الصوم
وتحقق الإقامة بل حقه أن يتحقق مع عدمه وقد عرفت عدم تأثيره فيها فإذا لم يسافر بقي على التمام إلى أن يخرج إلى المسافة وهو
المطلوب فإن قيل يلزم من هذا الدليل انقطاع السفر بمجرد الشروع في الصوم وإن لم تزل الشمس لان السفر كما لا يتصور
فيه صوم واجب كاملا عدا ما استثنى لا يتصور فيه الشروع فيه فإذا شرع فيه لا يخلو أما أن يكون صحيحا أو باطلا ومن الأول
يلزم انقطاع السفر ومن الثاني عدم انقطاعه بالخروج أو الرجوع عن الإقامة بعد الزوال لان ذلك لا يصلح مصححا لما حكم
ببطلانه بل مؤكدا له وحيث ثبت القطع بذلك ثبت بمطلق الشروع قلنا قد صار هذا القول قويا متينا لتحقق الأثر الموجب
لبطلان حكم السفر لكن لما كان هذا الأثر قابلا للبطلان والإزالة من أصله بعروض السفر قبل الزوال الموجب لبطلان الصوم كان
تأثير الجزء السابق على الزوال ما رعى باستمراره إلى أن تزول الشمس فإذا رجع عن نية الإقامة قبله بطل ذلك الأثر وعاد إلى حكم
السفر وفيه بحث لأنه لا يلزم من بطلان الصوم بنفس السفر بالرجوع عن نية الإقامة لعدم الملازمة وللنهي عن إبطال
العمل بصيغة العموم المتناول لهذا الفرد في قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم فلا يكون تأثير السفر فيه قبل الزوال موجبا لتأثير
الرجوع عن الإقامة لعدم الملازمة وقد توجه بما بيناه الاكتفاء في البقاء على التمام بالشروع في الصوم مطلقا كما اختاره
المصنف وينساق الدليل إلى انقطاع السفر أيضا بفوات وقت الصلاة المقصورة على وجه يستلزم وجوب قضاءها لان استقرارها
في الذمة تماما يوجب انقطاع السفر في وقتها إذ لا موجب للاتمام إلا ذلك فإن قيل هذا الأثر لو كان كافيا في عدم بطلان
الإقامة لزم عدم بطلانها بمجرد النية لكن التالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أن الأثر على تقدير فوات الصلاة إنما
هو الحكم بوجوب قضائها تماما وهو أثر عقلي لا وجود له في الأعيان والحكم في وجوب الاتمام بعد نية الإقامة كذلك فإنه بمجرد
النية صار حكمه التمام ولو كان ذلك في وقت فريضة مقصورة كان الواجب عليه في تلك الحال فعلها تماما وهذا الأثر صادر
عن نية الإقامة مخالف لاثر السفر وإن لم يوجد مقتضاه خارجا كما لو رجع عن نية الإقامة قبل الصلاة قلنا فرق بين
الأثرين فإن وجوب التمام في حال فوات الفريضة مقترن بفعل الفريضة تماما بمعنى استقرارها في الذمة كذلك ولو
395

قدر عدم فعلها كان عقابه عقاب تارك الصلاة تامة فهو في قوة الوقوع بخلاف الوجوب المتقدم على الصلاة فإنه وجوب
مشروط بالبقاء على النية إلى أن يفرغ من الصلاة أو يركع في الثالثة كما سيأتي ومتى رجع قبل الصلاة سقط الحكم بوجوب
إتمامها إجماعا فافترقا مع أنه لو قيل بأن الفارق بينهما الاجماع على عدم البقاء في تلك الحالة بخلاف هذه كان كافيا
لكن بقي اللازم من ذلك أنه لو رجع عن نية الإقامة في أثناء الصلاة وقد شرع في الثالثة لم يؤثر ذلك ويبقى على التمام
لوقوعها بعد حصول أثر لا يصح بدون الإقامة ولا يشترط الركوع في الثالثة وهو موافق لظاهر كثير من عبارات المصنف وفى بعضها
اشتراط الركوع في الثالثة القيد الثاني كونها فريضة فلو رجع بعد صلاة نافلة فإن كانت ثابتة في السفر فلا ريب
في عدم تأثيرها كنافلة المغرب وإن كانت ساقطة كنافلة الظهر أو العصر فمقتضى الرواية عدم تأثير التعليق الحكم على
الفريضة فلا يصدق اسم المعلق عليه على ما فعل وهو مختار الذكرى ويحتمل قويا الاجتزاء بها لأنها من آثار الإقامة وما
تقدم من الدليل على الاكتفاء بالصوم آت هنا وهو مختار المصنف في النهاية ولو شرع في الصوم المندوب فإن جوزناه سفرا
لم يؤثر لعدم كونه من آثار الإقامة وإن منعناه احتمل ذلك أيضا لعدم كونه صلاة فريضة بل هو أبعد من الصوم الواجب لمباينته
لصلاة الفريضة في وصفين بخلاف الواجب فإنه يخالفها في وصف واحد فمنع تأثير الصوم الواجب يقتضى منع تأثير المندوب
بطريق أولى ويحتمل قويا الاجتزاء به لما مر في الصوم الواجب فإنه أثر لا يتم بدون الإقامة فهو أحد الآثار كالفريضة التامة
وجملة ما اشترك بين هذه الفروع إن اللازم أما منع الجميع نظرا إلى ظاهر النص أو تجويز الجميع التفاتا إلى المشاركة
في المعنى كما قد تحرر في الصوم الواجب لكن لا فرق في الصوم المندوب بين كون الرجوع حصل فيه قبل الزوال أو بعده
لبطلانه بالسفر على التقديرين بخلاف الواجب القيد الثالث كون الصلاة تماما فلا تأثير لصلاة المقصورة وهل يشترط
كون التمام بنية الإقامة أم يكفي مطلق التمام يحتمل الأول لان ذلك هو أثر الإقامة بل هو مقتضى الرواية لان السؤال
وقع فيها عمن نوى الإقامة عشرا والثاني عملا بإطلاق التمام وتظهر الفائدة في مواضع منها ما لو صلى فرضا تماما
ناسيا قبل نية الإقامة سواء خرج الوقت أم لا ومنها ما لو صلى تماما في أماكن التخيير بعد النية لشرف البقعة أما
لو نوى التمام لأجل الإقامة فلا إشكال في التأثير ولو ذهل عن الوجه ففي اعتبارها وجهان من إطلاق الرواية حيث علق
الحكم على صلاة الفريضة تماما مع أن الإقامة كانت بالمدينة فقد حصل الشرط ومن إن التمام كان سائغا له بحكم
البقعة فلم تؤثر نية المقام ومنها ما لو نوى الإقامة عشرا في أثناء الصلاة قصرا فأتمها ثم رجع عن الإقامة بعد الفراغ
فإنه يحتمل حينئذ الاجتزاء بهذه الصلاة لصدق التمام بعد النية ولأن الزيادة إنما حصلت بسببها فكانت من آثارها كما مر
وعدمه لان ظاهر الرواية كون جميع الصلاة تماما بعد النية وقبل الرجوع عنها ولم يحصل والأول أقوى والتقريب ما تقدم
ومنها ما لو نوى الإقامة ثم صلى بنية القصر ثم أتم أربعا ناسيا ثم تذكر بعد الصلاة ونوى الخروج فإن كان في الوقت
فكمن لم يصل لوجوب إعادتها وإن كان قد خرج الوقت احتمل الاجتزاء بها لأنها صلاة تمام مجزية وعدمه لأنه لم يقصد
التمام ولو خرج قاصد المسافة إلى موضع يحصل فيه الخفاء المعهود ولم يكن قد بلغ المسافة وصلى تقصيرا ثم رجع عن السفر
انقطع سفره بمجرد الرجوع ولم يعد ما صلاه قصرا لرواية زرارة عن الصادق عليه السلام في الرجل يخرج في سفره الذي
يريده فيرجع عن سفره وقد صلى ركعتين تمت صلاته ولأنه كان فرضه القصر وقد أتى به على وجهه وهو يقتضى الاجزاء
ولو تردد عزمه في الذهاب فكالرجوع ولا فرق في ذلك بين كون الوقت باقيا وعدمه خلافا للشيخ في الاستبصار
حيث ذهب إلى وجوب الإعادة مع بقاء الوقت تعويلا على رواية سليمان بن حفص المروزي قال قال الفقيه
وعنى به الكاظم
396

عليه السلام لتقصير في الصلاة في بريدين أو بريد ذاهبا وجائيا فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا ثم بلغ
فرسخين ورجع عما نوى وأراد المقام أتم وإن كان قصر ثم رجع عن نيته أعاد الصلاة وحملها الشيخ على بقاء الوقت
جمعا بينها وبين رواية السالفة لكن في سندها ضعف فلذا لم يعتبرها ولو كان الرجوع أو التردد بعد بلوغ
المسافة بقي على القصر إلى أن يقصد إقامة عشرة أيام أو يمضى عليه ثلاثون يوما مترددا وهل يحتسب منها ما يتردده إلى دون
المسافة أو يسلكه من غير قصدها وإن بلغها نظر من وجود حقيقة السفر فلا يضر التردد ومن اختلال القصد وتوقف في الذكرى
ومع اجتماع الشرائط الستة يجب وجوبا متعينا وهو معنى قول الأصحاب أنه عزيمة لا رخصة وهذا الحكم ثابت في
في جميع الاسفار والأمكنة إلا في أربعة أمكنة تفرد الأصحاب بكون المسافر يتخير فيها بين القصر والتمام وهي حرم الله تعالى
وحرم رسوله عليه السلام والمراد بهما مسجدا مكة والمدينة لا مطلق الحرم ومسجد الكوفة والحائر وهو مشهد الحسين عليه السلام
وحده سور الحصرة فإن الاتمام في هذه الأربعة أفضل من القصر ومستند الحكم أخبار كثيرة وردت عن أئمة الهدى عليهم السلام
بذلك منها رواية حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال من مخزون علم الله الاتمام في أربعة مواطن حرم الله وحرم
رسوله وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين عليهم السلام وفى رواية عنه عليه السلام يتم الصلاة في المسجد الحرام مسجدا لرسول
عليه السلام ومسجد الكوفة وحرم الحسين عليه السلام والحق المرتضى وابن الجنيد مشاهد باقي الأئمة عليهم السلام ولم نقف على
مأخذه وهل الحكم مختص بالمساجد والمشهد مقدس أو يعم بلدانها ظاهر الاخبار العموم والأول أولى لعدم التصريح بالزائد
وكونه على خلاف الأصل والخروج بالقصر من العهدة إجماعا إذ غاية الحكم التخيير فالقصر في البلدان مجز على التقديرين
بخلاف الاتمام ولو أتم المقصر وهو الذي فرضه التقصير عينا عالما بوجوب القصر عامدا أعاد صلاته مطلقا في الوقت وخارجه
للزيادة المنافية ولصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام فيمن صلى في السفر أربعا إن كان قرئت عليه آية التقصير و
فسرت له فصلى أربعا أعاد وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة ويعلم من هذا إن الخروج من الصلاة عند من لا
يوجب التسليم لا يتحقق بمجرد الفراغ من التشهد بل لا بد معه من نية الخروج أو فعل ما به يحصل كالتسليم وإلا لصحت
الصلاة هنا عند من لا يوجب التسليم لوقوع الزيادة خارج الصلاة وقد تقدم في باب التسليم الإشارة إلى ذلك ولو أتم
المقصر ناسيا لم يعد لو ذكر بعد خروج الوقت وإنما يعيد في الوقت خاصة على المشهور لصحيحة العيص بن القاسم عن الصادق عليه
السلام حين سأله عن مسافر أم الصلاة قال إن كان في وقت فليعد وإن كان الوقت قد مضى فلا ووجه دلالتها على الناسي
من جهة الاطلاق ظاهر ومن جهة التحقيق أنه لا يجوز حملها على العامد أو ما يعلمه ولا على الجاهل أو ما يعلمه لما مر في صحيحة
محمد بن مسلم فتعين حملها على الناس توفيقا بين الاخبار وذهب الشيخ في المبسوط إلى الإعادة مطلقا لتحقق الزيادة المنافية
والخبر حجة عليه وأوجب الصدوق الإعادة على الذاكر من يومه خاصة لصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام الواردة في الناسي
وتحمل على الأول ويحمل اليوم على النهار لئلا يدخل العشاء مع يومها بعد وقتها وإطلاق اليوم على النهار سائغ
إن لم يكنه وفيه مع ذلك توفيق بين الاخبار لكن يبقى هنا بحث وهو أنه قد تقدم إن من زاد ركعة آخر الصلاة وكان
قد جلس آخرها بقدر التشهد تصح صلاته كما مر وقد ورد به النص وهو لا يجامع إعادة الناسي هنا مطلقا ولا في
الوقت لأن المفروض أنه تشهد على الثانية فضلا عن الجلوس بقدره فتكون الزيادة من أفراد تلك المسألة إلا أنه لا قائل
هنا بالصحة مطلقا وكان ينبغي لمثبت تلك المسألة القول بها هنا ولا سبيل إلى التخلص من ذلك إلا بأحد أمور أما
إلغاء ذلك الحكم كما ذهب إليه أكثر الأصحاب أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة كما هو مورد النص ولا يتعدى
397

إلى الثلاثية والثنائية ولا يتحقق المعارضة هنا أو اختصاصه بزيادة ركعة لا غير كما ورد به النص هناك ولا يتعدى إلى الأزيد
كما عداه بعض الأصحاب أو القول بأن ذلك في غير المسافر جمعا بين الاخبار لكن يبقى فيه سؤال الفرق مع اتحاد المحل وفى
الحقيقة اتفاق الأصحاب هنا على الإعادة في الوقت يؤيد ما عليه الأكثر هناك من البطلان مطلقا والله أعلم ولو أتم
المقصر في حالة كونه جاهلا بوجوب التقصير لا يعيد مطلقا على المشهور لصحيحة محمد بن مسلم السابقة وخالف أبو الصلاح
وابن الجنيد فأوجبا عليه الإعادة في القوت ولعله استنادا إلى إطلاق صحيحة العيص السابقة ووجوب الجمع بين الأدلة
يعين القول بعدم الإعادة وربما أطلق بعض الأصحاب إعادة المتمم مع وجوب القصر عليه مطلقا لتحقق الزيادة المنافية
ويؤيده في الجاهل ما أورده السيد الرضى رحمه الله على أخيه المرتضى من أن الاجماع واقع على أن من صلى صلاة لا يعلم
أحكامها فهي غير مجزية والجهل بأعداد الركعات جهل بأحكامها فلا تكون مجزئة وأجاب المرتضى بجواز تغير الحكم
الشرعي بسبب الجهل وإن كان الجاهل غير معذور وحاصل الجواب يرجع إلى النص الدال على عذره والقول به متعين
واعلم إن ظاهر النص والفتوى يقتضى أن المراد بالجاهل هنا الجاهل بوجوب القصر رأسا فلو كان عالما به من وجه
دون آخر فصلى تماما احتمل كونه ذلك لصدق الجهل وعدمه لأنه عالم بالوجوب في الجملة ويتصور ذلك فيمن علم وجوب
الاتمام لكثير السفر مثلا ولم يعلم انقطاع الكثرة بإقامة عشرة أيام فصلى تماما ثم علم وفيمن علم بالتخيير بين التمام
والقصر في الأماكن الأربعة فاختار التمام وصلى في موضع يعتقده منها ولم يكن أو يعلم عين الأربعة ولكن اشتبه
عليه حدودها ونحو ذلك وتوقف المصنف في ذلك كله في النهاية لو انعكس الفرض بأن صلى من فرضه التمام وقصرا عامدا
أعاده مطلقا كما مر ولو كان ناسيا فكذلك لعدم فعل المأمور به على وجهه ولأن نقص ركعة فصاعدا مع تحقق المنافى
مطلقا موجب للبطلان ولو قصر جاهلا ففي الصحة وجهان أحدهما وهو المشهور العدم لان الجاهل غير معذور بل قد يقال
أنه أسوء حالا من العالم خرج منه ما تقدم للنص فيبقى الباقي والثاني عدم إعادته مطلقا وهو اختيار الشيخ يحيى بن سعيد
بناء على استصحاب القصر الواجب وخفاء هذه المسألة على العامة فيكون عذرا ولما رواه منصور بن حازم عن الصادق عليه
السلام قال سمعته يقول إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة فإن تركه رجل جاهل فليس عليه الإعادة
وهو ظاهر في مدعاه لكن ربما حمل الضمير في تركه على القصر للمسافر وإن لم يجر له ذكر في الرواية لأنه قد علم إن الجاهل
معذور في التمام وفيه نظر لأنه عدول عن الظاهر بغير سبب موجب مع إمكان القول باشتراك الجاهلين في الرخصة للمشاركة
في العلة بل خفاء الحكم في هذه المسألة أقوى من المسألة السابقة ولو سافر بعد دخول الوقت قبل أن يصلى الظهرين أتم
الفرضين في السفر إن كان قد مضى عليه حاضرا من الوقت مقدار فعلهما مع الشرائط المفقودة ولو كان السفر بعد مضى الظهر
لا غير أتمها خاصة ولو كان أقل من ذلك قصرهما وكان على المصنف إن يبين ذلك لأنه شرط لازم اتفاقا وكأنه تركه لوضوحه
ويعتبر الوقت من حين دخوله إلى أن يصل المسافر إلى موضع الخفاء لان ما دونه من الحدود في حكم البلد وعلى هذا يمكن فرض
كون الخروج في أول الوقت مع وجوب الاتمام بسبب ذلك بل يمكن الخروج قبل دخوله بيسير ويمضى منه في قطع الحدود قدر
إداء الصلاة فيجب الاتمام ولعل هذا من الاعذار الموجبة لاهمال الشرط فإن الغالب على من خرج بعد دخول الوقت أن لا يقطع حدود
البلد الأبعد مضى القدر المعتبر وكذا يجب الاتمام لو حضر إلى البلد أو ما في حكمه في الوقت لكن هنا يكفي في وجوب الاتمام إن يبقى
قدر الشرائط المفقودة وركعة لعموم من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت وما اختاره المصنف من الاتمام في الموضعين
هو المشهور بين المتأخرين وفى المسألة أقوال أخر منها القصر فيهما ومنها القصر في الأول والاتمام في الثاني ومنها
398

التخيير بين القصر والاتمام ومنها الاتمام مع السعة والقصر مع الضيق وسبب الاختلاف تعارض الأخبار الصحيحة على وجه
لا يكاد يجمع بينها ففي خبر محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام اعتبار حال الوجوب فيهما فيتم في الأول ويقصر في الثاني
وضده في خبر إسماعيل بن جابر عنه عليه السلام فإنه اعتبر حال الأداء فيهما فيقصر في الأول ويتم في الثاني وقال فيه فإن لم تفعل
فقد والله خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله ويدل على التفصيل بالسعة والضيق خبر إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه السلام
وفى الباب أخبار أخرى صحيحة مختلفة والمسألة من أشكل الأبواب وكذا القول في القضاء بمعنى أنه لو فاتته الصلاة في الموضعين
قضاها تماما اعتبارا بحال الأداء لعموم من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته وفيه أيضا أقوال أخرى هذا أجودها
ولو نوى
المسافر في غير بلده إقامة عشرة أيام أتم كما مر فلو خرج إلى أقل من مسافة بعد إن صلى تماما عازما للعود إلى موضع الإقامة
والإقامة عشرا مستأنفة لم يقصر في خروجه ولا في عوده لانتفاء الموجب وهو قصد المسافة وانقطاع السفر الأول بالإقامة وهذه
المسألة موضع وفاق وإنما وقع الخلاف فيما لو لم يعزم على العود وإقامة عشرة مستأنفة أما مع العود لا مع الإقامة
أو مع عدمهما أو لتردد فيهما أو في أحدهما أو مع ذهوله عن ذلك فالمصنف رحمه الله أوجب القصر في الجميع من حين خروجه
لبطلان حكم البلد بمفارقتها فيعود إليه حكم السفر بل هو مسافر بالفعل وفصل الشهيد رحمه الله فأوجب القصر كما اختاره المصنف
مع عدم قصد العود إلى البلد والاتمام ذاهبا والقصر راجعا إليه إن قصده أما الاتمام ذاهبا فلما مر من أن الإقامة تقطع
السفر ويفتقر بعدها إلى قصد المسافة ولم يحصل لان الفرض كون الخروج إلى ما دون المسافة وأما القصر في العود فلانه
قاصد إلى بلده في الجملة أما في السفر أو في سفر آخر والحال أنه لم يقصد الإقامة عشرا واختلف كلامه في الموضع الذي
قصده دون المسافة فحكم في البيان بالاتمام فيه وهو الموافق لهذا الدليل الدال على الاتمام في الذهاب ومقتضى كلام
الدروس القصر فيه كالعود لأنه قال وإن نوى العود ولم ينو الإقامة عشرا فوجهان أقربهما القصر إلا في الذهاب ولا شك
إن المقام في المقصد يوما وأياما لا يسمى ذهابا ووجه القصر فيه غير واضح بل هو في حكم الذهاب كيف كان لأنه في الذهاب
أما أن يكون مسافرا سفرا يقصر في مثله فيجب القصر في المقصد أيضا استصحابا لما كان ولعدم الخروج عن الحكم السابق بمجرد
المقام من دون أن يكون عشرا منوية وإن كان فرضه في الذهاب التمام كما اعترف به فأولى أن يتم في المقام في المقصد لأنه
أبعد عن اسم المسافر والحال أنه لم يتجدد بعد الوصول ما يوجب القصر والتحقيق في هذه المسألة إن القولين أعني قول
الشهيد والمصنف لا يأتيان في جميع الموارد بل كل منهما يصح في مادة دون أخرى وبأن ذلك إن هذه المسألة ليست من
المسائل الأصول المنصوصة على الخصوص ليتبع فيها حكم معين وإنما هي فرع على مسألة ناوي الإقامة عشرة في غير بلده
ومن ثم اختلفت فيها الأنظار واضطرب فيها التفريع وأول من ذكرها الشيخ في المبسوط بلفظ وارد على جزئية معينة
سالمة من كثير مما يرد على ما أطلقه المتأخرون ونحن قد أفردنا لتحقيقها وذكر أقسامها وما يتم فيه قول كل واحد من الأصحاب
رسالة مفردة من أراد الاطلاع على الحال فليقف عليها غير إنا نقول هنا خروج ناوي الإقامة عشرة إلى ما دون المسافة
لا يخلو أما أن يكون بعد الصلاة تماما أو ما في حكمها وهو موضع النزاع هنا وإن كان الأصحاب قد أطلقوا الخروج وأما
أن يكون قبله وعلى الثاني يرجع إلى التقصير بمجرد العزم على الخروج وإن كان في نفسه تجديد إقامة العشرة بعد الرجوع وقد
تقدم الوجه في ذلك وعلى الأول لا يخلو أما أن يكون موضع إقامته على رأس المسافة أو قبله وعلى الأول أما أن يكون
في نهاية المقصد أو قبله وعلى التقديرين أما أن يكون موضع الذي خرج إليه المفروض كونه دون المسافة إلى جهة
بلده التي أنشأ السفر منها أو مقابلا لها أو بين الجهتين وعلى تقدير كون الإقامة قبل بلوغ المقصد لا يخلو أما أن يكون
399

الباقي من موضع الإقامة إلى نهاية المقصد مسافة أولا فهذه أقسام المسألة إجمالا وحيث قد ثبت أن ناوي الإقامة
عشرا وقد صلى تماما يفتقر في عوده إلى القصر إلى قصد مسافة ولو بالرجوع إلى بلده علم أن القولين لا يتمشيان في
جميع هذه الصور فإن الإقامة إن كانت قبل المقصد والباقي منه لا يبلغ المسافة لم يتم القولان بل يجب عليه الاتمام إلى
نهاية المقصد لانقطاع السفر بنية الإقامة مع الصلاة تماما وتوقف القصر على مسافة ولم تحصل إلا بالعود
من نهاية المقصد إلى بلده ولا فرق حينئذ بين أن يرجع من موضع الخروج إلى محله أو يستمر بخروجه إلى ما دون المسافة
واصلا إلى المقصد لوجود المقتضى للتمام في الموضعين وفى حكمه ما لو كانت الإقامة في نهاية المقصد ولكن الموضع
الذي خرج إليه إلى جهة بلده وفى نيته العود إلى موضع الإقامة من دون الإقامة ثم الرجوع إلى بلده فإن قصد المسافة
هنا لا يتحقق بالرجوع من الموضع الذي خرج إليه إلى موضع الإقامة لأنه ليس عودا إلى بلده بل ضد العود ولو كان موضع
الإقامة على نهاية المقصد والموضع الذي خرج إليه مقابلا لجهة بلده أو غير موافق لها في الجهة وعزمه العود إلى بلده بعد الرجوع
من دون إقامة عشرة فكلام الشهيد رحمه الله جيد دون كلام المصنف لتحقق قصد المسافة من حين العود من الموضع الذي خرج
إليه لأنه عائد إلى بلده وإن مر على موضع الإقامة ولو كانت الإقامة في أثناء السفر وبين موضع الإقامة ومنتهى المقصد
مسافة وعزم على الخروج إلى ما دون المسافة ثم الوصول منه إلى المقصد قصر في خروجه على القولين وصح حكمها هنا ولو
خرج إلى الموضع المذكور مترددا في الوصول إلى المقصد أو معلقا له على شرط لا يعلم حصوله كلقاء رفقة أو تحصيل غرض أو سماع خبر
ونحو ذلك مع جزمه بعدم العود إلى موضع الإقامة لم يصح القولان بل يبقى على التمام لانقطاع السفر السابق وعدم
تجديد قصد المسافة لأن المفروض كون المقصود هنا ما دون المسافة وقس على ما ذكرناه ما يرد عليك من فروع
المسألة والضابط أنه يبقى على التمام إلى أن يتحقق له قصد مسافة ولا يضم ما بقي من الذهاب إلى العود كما مر
تحقيقه في أصل المسألة ويستحب أن يقول المسافر عقيب كل صلاة مقصورة ثلثين مرة سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر جبرا لما نقص منها روى ذلك سليمن المروزي عن العسكري عليه السلام بلفظ الوجوب ويحمل على تأكد الاستحباب إذ لا قائل بالوجوب ولم يقيد
المصنف الصلاة بالمقصورة بناء على نقص صلاة المسافر وإن كانت تامة الركعات والرواية مصرحة بالقيد وهي مستند الحكم وقد تم بذلك
كتاب الصلاة وبه تم الجزء الأول من كتاب روض الجنان
في شرح إرشاد الأذهان ويتلوه في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى كتاب الزكاة واتفق الفراغ منه يوم الأحد الثاني و العشرين من جمادى الثانية سنة ثلاث وثلاث مائة بعد الألف من الهجرة
ولقد سعيت كل السعي وجهدت كل الجهد وبذلت غاية العناية والاهتمام في تصحيحه وتنقيحه وعلقت على بعض المواضع حواشي حسبما يقتضيه الوقت سيما الحاشية الطويلة في باب نية الصلاة مع ضيق المجال واضطراب
البال وسوء الحال وتفرق الخيال وألحقت بباب القبلة رسالة المحقق الحلي التي كتبها للمحقق الطوسي في مسألة استحباب التياسر عند إشارة الشارح إلى هذه
الرسالة وما جرى بين المحققين رحمهما الله في تلك المسألة فجاء بحمد الله فقيد المثل عديم النظير ولا أرى نسخه تعدله في الصحة سوى نسخة الشارح فأرجو
أن لا يوجد فيه غلط فيلحقني به من العلماء سخط ومقال شطط وأنا العبد المذنب العاصي أحيير الطلبة وأصيغرهم عبد الرسول عفى عنه وغفر له ثم لم يتفق الشارح ره
شرح ما بعد الصلاة أصلا فما وجدني هذا المجلد تمام ما برز من أصل الكتاب فلا تغفل.
400