الكتاب: الدروس
المؤلف: الشهيد الأول
الجزء: ١
الوفاة: ٧٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

الدروس الشرعية
في
فقه الإمامية
تأليف
الشيخ شمس الدين محمد بن مكي العاملي سنة 786 ه‍
(الشهيد الأول)
الجزء الأول
تحقيق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
1

الدروس الشرعية
في
فقه الإمامية
* المؤلف: شمس الدين الشيخ محمد بن مكي العاملي (الشهيد الأول)
* الموضوع: فقه
* تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي
* عدد الصفحات: 555
* المطبوع: 1000
* الطبعة: الأولى
* التاريخ: شوال المكرم 1412 ه‍
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم نحمدك، حمد الحامدين، ونصلي ونسلم على أشرف الخلق أجمعين محمد
وعلى آله الطيبين المنتجبين أولي الأمر الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا.
وبعد، لا يخفى على بغاة العلم وطلاب الهدى أن العلوم تختلف أهميتها
ومكانتها باعتبار أهمية ومكانة موضوعها، وأن لعلم الفقه المكانة السامية والأهمية
الخاصة، حيث إن موضوعة القوانين الشرعية والأحكام الإلهية التي قننها وشرعها
الرب الحكيم لتنظيم مسيرة الإنسان وحياته على هذه البسيطة.
ولأجل هذا نجد أن المئات من علمائنا العظام وفقهائنا الكرام قد سعوا
جاهدين، باذلين كل غال ونفيس في سبيل تبيين هذه الأحكام ونشرها وصبها في
قوالب كتابية بعد تبويبها وترتيبها بشكل يحفظ لهذه الأحكام قد سيتها ويسهل
للوارد الغرف من نميرها.
ومن تلكم الكتب القيمة السفر الذي نحن بصدده " الدروس الشرعية في فقه
الإمامية " لمصنفه الحبر الجليل والشهيد القتيل المولى شمس الملة والدين أبي عبد الله
محمد بن مكي العاملي - قدس سره الشريف - من علماء القرن الثامن الهجري. وهو
بمثابة المختصر لكتابيه الشهيرين " الذكرى " و " البيان " وقد كتبه لولديه - رحمهم الله
جميعا -.
3

ولما كان هذا الكتاب (1) غير جامع لأبواب الفقه كلها اقترح سماحة آية الله
السيد موسى الزنجاني - دام ظله - أن نلحق به كتاب " تكملة الدروس " للعالم الجليل
السيد جعفر بن أحمد الملحوس الحسيني - قدس سره - فتعميما للفائدة عملنا بما اقترحه
- حفظه الله تعالى -.
وإحياء لهذا التراث الفخم تصدت مؤسستنا - والحمد لله - لطبعه بهذه الطبعة
الحديثة بعد مقابلته مع النسخ الخطية المتوفرة وتحقيقه تحقيقا دقيقا واستخراج منابعه
وتنظيم فهارس فنية واسعة له، ونشره بهذه الصورة الأنيقة.
والجدير بالذكر أن سماحة العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي - حفظه الله
تعالى - قد كتب سابقا عن حياة الشهيد الأول - قدس سره - وقد طبع في أول شرح
اللمعة الذي نشره سماحة السيد محمد كلانتر - سلمه الله تعالى - رأينا من المناسب
أن ندرجه في هذا السفر الجليل مع تصرف جزئي بعد أخذ الإجازة من سماحة
ولا يسعنا أخيرا إلا وأن نتقدم بجزيل شكرنا للإخوة في لجنة التحقيق سيما
الشيخ علي الدباغ والشيخ كامل السنجري والسيد علي الطباطبائي وغيرهم من
الأخوة الذين ساعدونا في إخراج هذا الكتاب. سائلين الله لهم ولنا مزيد التوفيق
في خدمة تراث العترة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إنه خير ناصر ومعين.
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

(1) قال المحدث النوري قدس سره: " إن كتابه الشريف المسمى بالدروس غير تام لا يوجد فيه من
أبواب الفقه: الضمان، العارية: الوديعة، المضاربة، الوكالة، السبق والرماية، النكاح. الطلاق،
الخلع المباراة، الإيلاء، الظهار، العهد، الحدود، القصاص، الديات. ونهض لإكماله وإتمامه العالم
الجليل السيد جعفر الملحوس.. يظهر من هذا الكتاب علو فهمه وتبحره واستقامته.. ". (مستدرك
الوسائل: الفائدة الثالثة من خاتمته ص 439).
4

حياة الشهيد الأول
تمهيد:
حياة الشهيد الأول الفقيه الأعظم (محمد بن مكي) العاملي الجزيني
متشعبة الأطراف، بعيدة الغور، لا يكفي لدراستها واستعراضها هذا العرض
السريع، واللمسات الخفيفة التي لا تمس من حياة الرجال غير ظواهر سطحية
من حياتهم. يعرضها التاريخ بتفصيل، أو يلمح إليها بإجمال.
فقد جدد الفقيه الأعظم الشهيد الأول مدرسة في الفقه لها أبعادها
وحدودها وسماتها الخاصة التي تميزها عن المدارس الفقهية السابقة عليها.
وخاض غمار السياسة، واشتبك مع الاتجاهات السياسية المعارضة في
وقته، فأيده ناس من المؤمنين، وعارضه آخرون من المخالفين وحاربته فئة،
واعترضت سبيله طائفة أخرى، واستدعاه حاكم خراسان واعتقله حاكم
دمشق، وقتله في النهاية في حديث مشجي.
فقد كان له أثر كبير إذا على الحياة الثقافية والفكرية، وعلى الحياة
السياسية في وقته.
ويزيد في أهمية ذلك كله أنه كان يمثل في الجانبين معا: الجانب الفكري،
والجانب السياسي اتجاها فكريا خاصا.
كان يلقى المعارضة كل المعارضة من قبل الواجهات السياسية والفكرية في
وقته، باعتباره مذهبا فكريا وسياسيا خطرا على الكيان الاجتماعي القائم في
5

وقته، وعلى الجهاز الحاكم بصورة خاصة.
فكان دائما في مجالسه ومحافله واتصالاته وما يجري بينه وبين الآخرين من
حديث محفوفا برقابة قاسية من قبل السلطة، كما كان هو - قدس الله نفسه - على
حذر دائم وحيطة مستمرة من أن تأخذ عليه السلطة فلتة سياسية تحتج بها عليه
في إثبات المعارضة للجهاز الحاكم.
ومن ذلك تعرف الصعوبات التي واجهها (الشهيد الأول) في تثبيت ودعهم
(الكيان المذهبي) الذي كان يؤمن به فكريا وسياسيا، وما كان يلقى من عنت
وأذى وجهد متواصل مرير في سبيل ذلك. إلى أن امتحن في ذات نفسه فقتل
شهيدا، وصلب بعد القتل، وأحرق بعد الصلب.
فحياة الشهيد الأول إذا أعمق من هذه السطحية، والظواهر التي يتناول
مترجموه حياته بها.
ولا يتيسر للباحث أن يدرس شخصية الفقيه المترجم له وأثره في الحركة
الفكرية، والسياسية المعارضة من دون أن يدرس عصر الشهيد الأول وبيئته،
والبلاد التي كان ينتقل فيها، طالبا للعلم، وحاملا له، وباحثا عن الحق،
وداعيا إليه، ومستوى الثقافة والفكر في عصر الشهيد الأول ولدي شيوخ
الشهيد الذي كان يتصل بهم بدء حياته الدراسية، ويأخذ عنهم العلم.
ومن دون ذلك لا يتيسر للباحث أن يلمس بوضوح أبعاد الأثر الذي تركه
الفقيه الأعظم (الشهيد الأول) من الدراسات الفقهية، كما لا يستغني الباحث
أن يدرس الاتجاهات السياسية في عصره، وحدودها ومعارضاتها ليستطيع أن
يدرس موقف الفقيه الأعظم (الشهيد الأول) من هذه الحركات والأثر الذي
تركه من تكوين الواجهة المعارضة للسلطة والجهد الذي تحمله في سبيل ذلك.
إذا فحديثنا عن حياة (الشهيد الأول) ينقسم إلى جانبين: ندرس في
الجانب الأول شخصية الشهيد الفكرية، وأثره في تطور الفقه الإسلامي.
6

وفي الجانب الثاني نبحث عن حياة الشهيد السياسية، وموقفه من الحركات
المعارضة، وأثره في تكوين الكيان السياسي الذي كان يدعو إليه كفقيه شيعي
كبير.
أما الحديث عن ولادة الفقيه الشهيد ونسبه وأولاده وحياته الخاصة مما
لا يتصل بهذين الجانبين فنتركه إلى كتب التاريخ والتراجم، والرسائل المستقلة
التي تناولت حياة الشهيد الأول
1 - نشأته الفكرية
موطنه:
للبيئة التي يفتح عليها الإنسان عينيه، وينشأ فيها، ويتلقى فيها مبادئ
الثقافة والتفكير أثر كبير في صياغة الشخصية وتكوينها، ومهما كانت قابلية
الشخص ومؤهلاته فلا بد أن يتأثر بالبيئة التي ينشأ فيها، ويندمج بها فكريا
وعاطفيا.
ولذلك فلا يمكن للباحث أن يفصل الشخصية التي يريد أن يدرسها عن
البيئة التي نشأ فيها، والمؤثرات البيئية التي تدخلت في تكوينها وصياغتها وقد
فتح فقيهنا المترجم له ناظريه لأول مرة على (جزين) (1) من (جبل عامل) (2).
في بيت من بيوت العلم والدين (3) في هذا القطر وتلقى فيها مبادئ العلوم العربية
والفقه.

(1) جزين بفتح الجيم: قرية من جبل عامل تقع في الجنوب من جبل لبنان.
(2) جبل عامل: جزء من بلاد سوريا الكبرى يقع في جنوب لبنان ويسمى بعاملة نسبة إلى عاملة بن
سبأ الذي رحل من اليمن وسكن جبالا من لبنان فأطلق عليها اسم العاملة فيما بعد.
(3) كان جد الشهيد الأول الشيخ (أحمد بن طي) الجزيني والده الشيخ (مكي بن محمد) الجزيني من
علماء وأعيان هذه المنطقة.
7

وقد كان لبيئة جبل عامل وجزين بنحو خاص أثر في تكوين شخصية
الشهيد الأول: فقد كان (جبل عامل) منذ ولادة فقيهنا المترجم له إلى الوقت
الحاضر مركزا من مراكز الإشعاع في مجال الفكر الإسلامي ولا سيما في
الدراسات الفقهية والأدبية.
ورغم أن المنطقة صغيرة في حد ذاتها، فقد قدمت للعالم الإسلامي على
مدى تاريخها المشرق رجالا من ذوي الكفاءة والثقافة الراقية في مجالات الفكر
الإسلامي.
ويكفي أن يتصفح الإنسان كتاب (أمل الآمل) وما ألحق به من
مستدركات وتكملات، ليلمس أهمية هذا القطر من الناحية الفكرية والفقهية
بصورة خاصة.
ومجتمع عاملة بشكل عام مجتمع فكري، يطبع حياتها طابع الحياة الجامعية
فهناك في عاملة تكثر الندوات العلمية، والحلقات الدراسية ومجالس البحث
والمناقشة. وحتى في المجالس العامة يطغى حديث العلم والأدب على أي لون
آخر من ألوان الحديث، وتكثر المساجد بينهم وتعاطي الشعر المرتجل الذي يخلو
من أي تكلف وصنعة.
وقد تكون الصورة التقريبية التي يعطيها الشيخ (الحر العاملي) في كتابه
(أمل الآمل) لموقعية هذا القطر من الناحية الثقافية أقرب من غيرها في إعطاء
فكرة مجملة عن هذا القطر.
يقول (الشيخ الحر العاملي رحمه الله): " إن علماء الشيعة في جبل عامل
يبلغون نحو الخمس من علماء الشيعة في جميع الأقطار مع أن بلادهم أقل من
عشر عشر بلاد الشيعة.
في مثل هذه البيئة نشأ الشهيد الأول. وفتح عينيه على الحياة فخالط
العلماء. وارتاد المجالس والندوات العلمية التي كانت تعقد في أطراف هذا
8

القطر: واشترك في حلقات الدراسة التي كانت تعقد في المساجد والمدارس
والبيوت، وتعاطى فيها طرفا من العلم، وساهم فيما كان يدور بين الأساتذة
والطلاب، أو بين الطلاب أنفسهم: من خلاف وشجار يحتد حينا، ويلين آخر
وكون لنفسه بمرور الزمن آراء خاصة في مسائل الفقه والآداب، وأعانته على
ذلك ثقافته الشخصية، ومؤهلاته الفكرية، وقريحته الوقادة.
ولا نعلم شيئا صحيحا عن بداية أمر هذا القطر، وظهور الحركة الفكرية
الشيعية فيها، إلا أنا نعلم أن الصحابي الجليل (أبا ذر) رضي الله عنه لما نفي
إلى (الشام) في عهد (عثمان بن عفان) نزل هذا القطر، واتخذ لنفسه فيه
مقامين في قريتي (الصرفند) على ساحل البحر الأبيض (ومخاليس الجبل) في
الجهة الجنوبية الشرقية من جبل عامل على رابية تطل على الأردن ولا يزال
هناك مسجدان في هاتين القريتين تعرفان باسمه.
وفي غالب الظن أن التشيع انبثق من هذين المقامين، ومن أيام نزول
(أبي ذر) بجبل عامل بالذات (1).
فأصبح وهو لم يتجاوز بعد المراحل الأولى من دراسته يشار إليه بالفضل
والعلم، وينبأ له بمستقبل رفيع في مجالات الثقافة والفكر.
وفي البيت كان يجد من والده الشيخ (مكي جمال الدين) دافعا قويا
لممارسة الدراسة، وباعثا على التفكير والدرس، كما كان يجد من المجالس التي
كانت تعقد في بيتهم بين حين وآخر، ويحضرها نفر من العلماء المرموقين في
المنطقة مجالا خصبا للتفكير والمناقشة وإبداء الرأي.
كذلك نشأ شيخنا الفقيه المترجم له في بيئة (عاملة) يجلس إلى حلقاتها،
ويرتاد مجالسها، ويشترك فيما يجري فيها من نقاش وجدال ويستمع إلى العلماء

(1) لاحظ تاريخ جبل عامل: محمد جابر آل صفا. ص 233.
9

من مدرسيه.
وبهذا الشكل استطاع وهو يقطع المرحلة الأولى من نشأته الفكرية أن برز
بشكل ملحوظ في مجال العلم والأدب بين أقرانه وأترابه.
رحلاته وشيوخه:
لم يقتصر الشهيد الأول على الثقافة التي تلقاها في مسقط رأسه (جزين)
وإنما تجاوزها إلى أقطار بعيدة وقريبة أخرى من (مراكز الفكر الإسلامي) في
ذلك العهد.
وأهم هذه الأقطار التي شد إليها الشهيد الأول الرحال لتلقي العلم أو
الإفادة هي (الحلة وكربلاء وبغداد ومكة المكرمة والمدينة المنورة والشام
والقدس).
وكانت هذه الأقطار في القرن الثامن الهجري من أهم مراكز الثقافة
الإسلامية، ولا سيما الحلة، فقد كانت يومذاك، مركزا فكريا كبيرا من مراكز
الثقافة الإسلامية الشيعية، ومنطلقا للحركة العقلية في أوساط العالم الإسلامي.
وقد تكرر سفر الشهيد الأول إلى (الحلة) وتلقي العلم فيها على يد شيوخ
كبار، وأساتذة مرموقين من أمثال (فخر المحققين) ابن (العلامة الحلي)،
وغيرهم.
وإذا كانت (الحلة وكربلاء المقدسة وبغداد) تعتبر ذلك اليوم مراكز للفقه
الشيعي، والدراسات الشيعية فقد تكررت زيارات الشهيد للحرمين الشريفين،
حيث كان طابع الفكر فيها جميعا طابعا سنيا.
وأتيح (للشهيد الأول) عن طريق هذه الأسفار أن يندمج في أطر ثقافية
مختلفة، ويعيش وجوها مختلفة من الفكر، ويتفاعل مع الاتجاهات الفكرية
المتضاربة. فكان على صلة وثيقة بالاتجاهات الفكرية السنية، وعلى معرفة
10

تامة بآرائها وأفكارها، كما كان على صلة وثيقة، ومعرفة تامة بمشيخة الرواية
والفقه والكلام عن أعلام السنة، مما يدل على أنه في أسفاره كان يخالط كثيرا
من (أقطاب المذاهب الإسلامية) الأخرى، ولم يكن ممن ينطوي فكريا على
نفسه.
ويدل على ذلك قوله في إجازته لابن الخازن:
وأما مصنفات العامة ومروياتهم فإني أروي عن نحو أربعين شيخا من
علمائهم بمكة والمدينة، ودار السلام بغداد، ومصر ودمشق وبيت المقدس،
ومقام إبراهيم الخليل.
فرويت صحيح البخاري عن جماعة كثيرة بسندهم إلى البخاري.
وكذا صحيح مسلم، ومسند أبي داود، وجامع الترمذي، ومسند أحمد،
وموطأ مالك، ومسند الدارقطني، ومسند ابن ماجة، والمستدرك على الصحيحين
للحاكم ابن عبد الله النيسابوري، إلى غير ذلك.
وهذا النص يعيننا كثيرا على معرفة شخصية الشهيد العلمية.
فقد يظهر أنه سافر إلى كثير من (مراكز الفكر الإسلامي السني) كبغداد
ومصر والقدس والحرمين، وغيرها، ولم يمنعه اختلافه الفكري مع المدرسة السنية
أن يحشر نفسه فيهم، ويتلقى منهم، ويلقي إليهم ويتفاعل معهم.
ولم تكن رحلاته المتكررة والطويلة إلى هذه الأقطار لغرض السياحة أو
التجارة، أو الترويح عن النفس، وإنما كان لغرض فكري خالص فكان كثير
التردد على مجالس السنة وحلقاتهم، وكثير المطالعة لكتبهم ووثيق الاتصال
بشيوخهم.
ويشعرنا النص ثانيا أنه تلقى من (مشايخ السنة) أمهات الكتب الحديثية
والفقهية التي يتعاطاها أئمة السنة: من الصحاح، والمسانيد والسنن، وغيرها.
وهذا يدل على أن (الشهيد الأول رحمه الله) كان يملك عقلية ناضجة
11

متفتحة لا تنطوي على إطار فكري خاص، ولا يقتصر على لون من التفكير، مما
يندر وجود مثله عند عامة العلماء والمفكرين.
ونحن نستطيع أن نعتبر هذه الظاهرة: ظاهرة رحلات الشيخ واتصاله بعلماء
السنة مفيدا ومستفيدا: مفتاحا لدراسة شخصية الإمام الشهيد الأول.
شيوخه وأساتذته:
يستطيع الباحث أن يلمس شخصية (الشهيد الأول) الفكري من
استعراض شيوخ الفكر والعلم الذين اتصل بهم، وأخذ عنهم. وحضر مجالسهم
منذ نعومة أظفاره إلى أن انتقل إلى جزين، وأسس فيها مدرسته الشهيرة التي
تعتبر الأولى من نوعها في هذه المنطقة.
ولم يقتصر اتصال الشهيد بشيوخ الفكر في عصره على شخص خاص أو على
قطر خاص، أو على نمط خاص من التفكير.
فسوف نجد أن (الشهيد الأول) اتصل بألوان مختلفة من الفكر وارتاد
مختلف مراكز الحركة العقلية في (الوطن الإسلامي) في وقته واتصل بمختلف
العلماء والمفكرين.
وعن طريق هذا التفاعل الفكري والتلاقح قدر لشيخنا الشهيد أن يكون
لنفسه شخصية ثقافية مرموقة.
شيوخه في جزين:
في (جزين) مسقط رأس الشهيد، تلقى شيخنا الشهيد ومبادئ العلم
والتفكير، وأنس بحديث العلم والعلماء ولازم مجالسهم، واعتنى بكل ما يتصل
بشؤون الفكر والأدب، فدرس على والده الشيخ (جمال الدين مكي) بن الشيخ
محمد شمس الدين وتلقى عنه مبادئ العربية والفقه.
12

وكان والد الشهيد تلمذ على الشيخ (طوقان العاملي) وروى عنه وكان
يعرف بالفضل والعلم في المنطقة.
وتلمذ الشهيد كذلك في جزين على الشيخ (أسد الدين الصائغ) الجزيني أبو
زوجته وعم أبيه، وكان هذا عالما كبيرا يتقن ثلاثة عشر علما من العلوم
الرياضية (1).
وفي غالب الظن أنه تلقى من أستاذه الصائغ مبادئ في الرياضيات والعلوم
العقلية، كما تلقى من أبيه مبادئ في العربية والفقه.
شيوخه في الحلة:
هاجر الشهيد الأول إلى (الحلة) من (جزين) بجبل عامل وهو بعد لم
يتجاوز السابع عشرة من عمره، فقد أجازه (فخر المحققين) بداره بالحلة أن
يروي عنه بتاريخ 20 شعبان سنة 751 ه‍، وإذا علمنا أن ولادة الشهيد كانت
في سنة 734 ه‍، علمنا أن بداية اتصال الشهيد به كانت قبل أن يبلغ السابع
عشرة من عمره.
و (الحلة) كانت يومها مركزا كبيرا من مراكز الحركة العقلية في الأوساط
الإسلامية الشيعية، تؤمها البعثات العلمية من مختلف أجزاء (الوطن
الإسلامي) ولا سيما (البلدان الشيعية).
وكانت تحفل في وقته برجال كبار من علماء الشيعة أمثال (العلامة الحلي)
وولده (فخر المحققين) و (ابن نما) و (ابن أبي الفوارس) وغيرهم ممن تعرف قسما
منهم في مشيخة الشهيد فيما يأتي من حديث.
وتوسعت (الحلة) وزادت أهميتها واتجهت الأنظار إليها أكثر من ذي قبل

(1) أعيان الشيعة: ج 11، ص 129.
13

بعد ما أصيبت (بغداد) بنكبة (المغول) وشردوا أهلها وأمعنوا في التدمير
والخراب (1)، فهاجر العلماء من بغداد إلى الحلة وانتقلوا إليها وألقوا فيها رحالهم،
فكثرت فيها المدارس والمكاتب وحفلت العلماء، وأصبحت مركزا مرموقا من
مراكز الحركة العقلية في الأوساط الإسلامية.
ولولا وجود (الحلة) بجوار (بغداد) وانتقال بقايا الحركة العقلية من بغداد إلى
الحلة وعناية (المحقق الطوسي) وتلميذه (العلامة الحلي) وولده (فخر المحققين)
بشؤون الفكر الإسلامي، والمحافظة على ما تبقى من الثقافة الإسلامية لما بقي
لنا شئ من هذا التراث الفكري الضخم الذي نتداوله اليوم فيما بين أيدينا
من كتب الفقه والحديث والتفسير والعلوم العقلية والأدبية.
1 - فخر المحققين:
وفي هذه الفترة من ازدهار الحركة العقلية، والنشاط الثقافي بالحلة انتقل
الشيخ الشهيد، وهو بعد شاب لم يتجاوز دور المراهقة إلى هذه المدينة، واتصل
بالعلامة فخر المحققين (2) ابن العلامة الحلي، وحضر دروسه وأبحاثه، ودرس

(1) قال مؤلف تاريخ العراق بين احتلالين:
وأثناء حصار بغداد كان قد أتى نفر من العلويين وأعاظم أهل الحلة وعلمائها فالتمسوا أمانا من
هولاكو فأرسل إليهم (بوكله) وأمير نجلي النخجواني، وأرسل في أثرهم بوقاتيمور وهو أخ أولجاي
خاتون ليمتحنوا إخلاص أهل الحلة والكوفة، فاستقبلوهم وجيوشهم استقبالا باهرا، ونصبوا جسرا
على الفرات لعبورهم، وفرحوا بوصولهم، وأظهروا مزيد السرور، رأى بوقاتيمور إخلاصهم وثباتهم
فرحل. تاريخ العراق بين احتلالين الجزء 1 ص 205 - 206.
(2) فخر المحققين أبو طالب محمد بن حسن بن يوسف بن المطهر من وجوه الطائفة وأعيانها، رزق حظا
وافرا من العلوم العقلية والنقلية ونشأ على يد أبيه (العلامة الحلي) وقرأ عليه مختلف العلوم العقلية
والنقلية، وبلغ مرتبة الاجتهاد أوما يقرب منه وهو لم يتجاوز بعد العاشرة من عمره، أكمل بعض
كتب والده العلامة الحلي كالألفين وغيره، وشرح البعض الآخر كالقواعد.
وقد أثنى عليه علماء الطائفة ثناءا بالغا مما يدل على علو مقامه وسمو مكانته.
قال عنه الشيخ الحر العاملي: كان فاضلا محققا فقيها ثقة جليلا.
وقال عنه مؤلف روضات الجنات:
زين المجتهدين شيخنا الغالب أبو طالب محمد بن العلامة جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهر
الحلي الملقب عند والده بفخر الدين، وفي سائر مراصيده وموارده بفخر المحققين، ورأس المدققين،
وحسب الدلالة على مكانته في العلوم الحقة، ونهاية جلالته في هذه الطائفة المحقة شدة عناية والده
المسلم عند جميع علماء الإسلام وقيامه به، مع أنه أبوه بحق احترامه وثنائه به، ودعائه له في كثير من
مؤهلاته ومصنفاته. والتماسه الدعاء منه.
وقال المحقق القمي في حقه في الكنى والألقاب، جزء 3:
وجه من وجوه هذه الطائفة وثقاتها، جليل القدر، عظيم المنزلة، رفيع الشأن، كثير العلم، وحيد
عصره، وفريد دهره، جيد التصانيف حاله في علو قدره، وسمو مرتبته وكثرة علومه، أشهر من أن يذكر
وكفى في ذلك أنه فاز بدرجة الاجتهاد في السنة العاشرة من عمره الشريف.
ولد ليلة 20 جمادي الأولى سنة 682 ه‍ وتوفي ليلة 25 جمادي الثاني سنة 771 ه‍.
14

عليه كتاب (إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد) وغيره.
ولمس فخر المحققين في تلميذه الشاب بين مئات الطلاب الذين كانوا
يحضرون دروسه نبوغا وألمعية لا تتوفر في غيره فأدناه من نفسه وقر به من مجلسه.
وصحبه في مجالسه ودروسه، وحفه برعايته وعنايته، وأخذ يثني عليه كلما جرى
ذكره في مجلس، أو كلما رأى فرصة مناسبة بشكل لا يعهد من أستاذ كبير كفخر
المحققين بالنسبة إلى تلميذ شاب في هذا الدور من العمر.
ففي الإجازة التي كتبها له بخطه على ظهر كتاب القواعد عند قراءته عليه:
قرأ علي مولانا الإمام العلامة الأعظم أفضل علماء العالم سيد فضلاء بني
آدم، مولانا شمس الحق والدين (محمد بن مكي بن محمد بن حامد) أدام الله
أيامه، من هذا الكتاب مشكلاته، وأجزت له رواية جميع كتب والدي قدس
سره، وجميع ما صنفه أصحابنا المتقدمون رضي الله عنهم عن والدي عنهم
بالطرق المذكورة لها (1).
وقال عنه كذلك فيما يروي عنه: لقد استفدت من تلميذي محمد بن مكي

(1) روضات الجنات، الطبعة الحجرية، ج 2، ص 590.
15

أكثر مما استفاد مني (1).
وليس (فخر المحققين) ممن يلقي الكلام على عواهنه، ولا يحسب حسابا لما
يقول، ولما يقال عنه بعد، فقد لمح في تلميذه من النبوغ والألمعية ما دعاه إلى كل
هذا الثناء والاحتفاء.
وقد عرف التلميذ الشاب مكانته من قلب أستاذه الكبير وإيثاره له بكل
شئ، وحفاوته البالغة به، فلازمه في دروسه وأبحاثه ومجالسه وهو بعد شاب لم
يتجاوز الثامنة عشرة، ودرس عليه أبوابا كثيرة.
يقول مؤلف الروضات: وقد كان معظم اشتغاله في العلوم عند فخر
المحققين ابن العلامة (2).
ومن ذلك يعلم أن التلميذ الشاب لم يفارق أستاذه الكبير حتى لمس فيه
أستاذه النضج الفكري الكافي، وحتى لمح في نظراته وآرائه ملامح الاستقلال
بالرأي والاجتهاد.
وقد استجاز أستاذه الكبير في رواية الحديث، وكتب المتقدمين فأجازه أكثر
من مرة:
أجازه مرة بداره بالحلة سنة 751 ه‍، وفي هذا التاريخ كان عمر الشهيد
17 سنة فقط.
وأجازه مرة أخرى بداره بالحلة سنة 758 ه‍.
وأجازه مرة ثالثة بالمكان المتقدم.
وكان التلميذ الشاب يقدر بدوره أستاذه الكبير وبحله كلما أتته مناسبة
للتقدير والتجليل، ينوه بشأنه وجلالة مكانته وحقه عليه.

(1) حياة الإمام الشهيد الأول: ص 38.
(2) روضات الجنات، الطبعة الحجرية، ج 2 ص 590.
16

فقال في إجازته للشيخ شمس الدين (ابن نجدة) الذي تلمذ عليه في كثير
من العلوم:
وأما مصنفات الإمام ابن المطهر رضي الله عنه فإني أرويها عن غيره من
أصحابنا.
منهم الشيخ الإمام سلطان العلماء ومنتهى الفضلاء والنبلاء، خاتمة
المجتهدين، فخر الملة والدين أبو طالب محمد بن الشيخ الإمام السعيد جمال الدين
ابن المطهر، مد الله في عمره، وجعل بينه وبين الحادثات سدا (1).
وهنا يلمس القارئ روعة الوفاء بين الأستاذ والتلميذ، وتقدير الأستاذ
لتلميذه الشاب، وحفاوته به، وهو لم يتجاوز بعد سني المراهقة ووفاء التلميذ
لأستاذه وتجليله له، واحترامه إياه، وقد انتقل من دور التلمذة إلى دور المرجعية
والتأليف والتدريس.
وفي غالب الظن أن الشهيد بقي على صلة روحية مع أستاذه حتى حينما
انتقل إلى (جزين) وأسس مدرسته الكبيرة، وكان بينهما ما يشبه المراسلة
والمكاتبة.
(ابن معية):
من علماء الحلة الكبار، ومن أعاظم تلامذة العلامة الحلي، وأفاخم مشايخ
شيخنا الشهيد.
قال عنه تلميذه النسابة السيد أحمد بن علي الحسيني في كتابه (عمدة
الطالب):
شيخي المولى السيد العالم الفاضل الفقيه الحاسب النسابة المصنف. إليه

(1) روضات الجنات، الطبعة الحجرية، ج 3، ص 587.
17

انتهى علم النسب في زمانه، وله الإسناد العالية، والسماعات الشريفة أدركته
قدس الله روحه شيخنا، وخدمته قريبا من ثنتي عشرة سنة.
قرأت عليه ما أمكن حديثا ونسبا، فقها وحسابا، وأدبا وتاريخا وشعرا إلى غير
ذلك.
من تصانيفه كتاب في معرفة الرجال خرج في مجلدين ضخمين.
وكتاب نهاية الطالب في نسب آل أبي طالب في اثني عشر مجلدا ضخما
قرأت عليه أكثره.
وكتاب الثمرة الظاهرة من الشجرة الطاهرة أربع مجلدات في أنساب
الطالبيين مشجرا.
ومنها: كتاب الفلك المشحون في أنساب القبائل والبطون.
ومنها: كتاب أخبار الأمم خرج منه أحد وعشرون مجلدا، وكان يقدر
إتمامه في مائة مجلد، كل مجلد أربعمائة ورقة.
ومنها: كتاب سبائك الذهب في شبك النسب ومنها: كتاب الحدود
الزينية، وتذييل الأعقاب، وكشف الإلباس في نسب بني عباس.
ومنها: رسالة الابتهاج في علم الحساب، وكتاب منهاج العمال في ضبط
الأعمال، إلى غير ذلك من كتب الفقه والحساب والعروض.
ومن أشعاره ملكت زمام الفضل حتى أطاعني (1).
ونقلنا النص بكامله حتى نستطيع أن نعرف بوضوح مكانة هذه الشخصية
العلمية في الحلة وأثرها في تكوين الجانب الفكري.
ومما تقدم يظهر أنه كان إنسانا موسوعيا، تلقى العلم عن العلامة وولده
فخر الدين وغيرهما، وتوسع هو بعد ذلك واشتغل بالتدريس والكتابة والتقى به

(1) روضات الجنات، الطبعة الحجرية، ج 2 ص 585.
18

الشهيد في الحلة فوجده عالما موسوعيا، خبيرا واسع المعرفة فاغتنم مجالسه،
واستفاد منه واستجازه.
ولا نجد هنا تاريخيا يدل على شكل الصلة القائمة بين (الشهيد) و (ابن
معية)، هل كانت صلة التلمذة والتدريس، أم شئ آخر من الصلة؟
إلا أن الباحث يستبعد أن يفوت الشهيد في المراحل الأولية من حياته
الدراسية في الحلة الاستفادة من شخصية علمية موسوعية كابن معية وما نعرف
من تعطش الشهيد إلى العلم، وتهالكه عليه أنه يكتفي للدلالة على وجود صلة
بين الشهيد وابن معية تشبه صلة التلمذة والتدريس.
ويشعر بذلك الوصف الذي وصفه به الشهيد، حيث قال عنه في بعض
إجازاته:
أعجوبة الزمان في جميع الفضائل والمآثر:
ومهما يكن من أمر فقد استجاز هذا السيد مرارا فأجازه كما يقول الشهيد
في مجموعته:
وأجاز ولديه (أبا طالب محمد) و (أبا القاسم علي) في سنة 776 ه‍ قبل
موته.
(عميد الدين) و (ضياء الدين):
من شيوخ الشهيد الأول، ومن فقهاء الحلة وعلمائها الكبار وهما:
السيد عبد المطلب بن السيد مجد الدين بن أبي الفوارس، والسيد ضياء
الدين عبد الله بن السيد مجد الدين بن الفوارس أخو السيد عميد الدين ينتهي
نسبهما إلى الإمام زين العابدين عليه السلام. وهما ابنا أخت العلامة الحلي
رحمه الله.
أثنى العلماء على الأخوين جميعا.
19

يقول المحدث القمي عن السيد عميد الدين:
كان سيدا جليل القدر، رفيع المنزلة، عظيم الشأن، كريم الأخلاق، زكي
الأعراق، عمدة السادة الأشراف بالعراق، عالما فاضلا كاملا فقيها محدثا
مدرسا بتحقيق وتدقيق، فصيحا بليغا أديبا مهذبا.
كذا قال السيد الضامن (1).
وقال مؤلف الروضات عن أخيه: " إنه كان من أجل فقهاء
الأصحاب " (2).
ولم نجد فيما بين أيدينا من المصادر شرحا وافيا عن حياة الأخوين الجليلين،
إلا أن الذين يستطيع أن يستخرجه الباحث بشئ من التحليل والدقة خلال
كتب التراجم أن الأخوين عميد الدين وضياء الدين درسا الفقه والفلسفة على
خالهما العلامة الحلي، ونشئا على يديه، وذلك لصلة الأخوين بالعلامة النسبية
أولا، واتصالهما الوثيق به وتناولهما كتب العلامة خالهما بالشرح والتوضيح
كالقواعد، وتهذيب الأصول، ونهج المسترشدين وغير ذلك بانفراده، أو باجتماع
الأخوين معا، فقد شرح عميد الدين قواعد العلامة شرحا وافيا سماه ب‍: (كنز
الفوائد في حل مشكلات القواعد) ذكر فيه جملة محاوراته مع خاله المبرور،
وأورد نبذة من مذكراته معه في مجلس الدرس.
وله أيضا شرح كتاب (أنوار الملكوت) للعلامة في شرح كتاب الياقوت في
أصول الكلام لابن نوبخت يجري مجرى المحاكمات بين المصنف والشارح (3).
وله أيضا كتاب (تبصرة الطالبين في شرح نهج المسترشدين) وشرح على

(1) الكنى والألقاب: ج 2 ص 446.
(2) روضات الجنات، الطبعة الحجرية، الجزء 1 ص 368.
(3) روضات الجنات، الطبعة الحجرية، الجزء 1 ص 368.
20

مبادئ الأصول لخاله العلامة (1).
ولأخيه ضياء الدين كذلك شرح على كتاب تهذيب خاله العلامة (2).
وما ذكره في (كنز الفوائد) من محاوراته مع خاله ومذكراته معه في مجلس
الدرس دليل آخر على أنه تلمذ عند (العلامة الحلي) وأخذ عنه الفقه.
ومن شرحه لكتاب (أنوار الملكوت) لخاله العلامة في أصول الكلام
ومحاكمة ابن نوبخت من قبل خاله العلامة يستطيع الباحث أن يستظهر أن
(عميد الدين) بشكل خاص لم يقتصر في التلمذة على خاله العلامة على الفقه
فقط، وإنما حضر عليه في الفلسفة والكلام أيضا.
وقد استجازهما الشهيد فأجازاه كما في الروضات، وحضر عليهما ودرس
عندهما الفقه والكلام، أو على أقل تقدير درسهما على عميد الدين.
قال مؤلف الروضات في ترجمة الشهيد:
ومن جملة أساتذته الكرام أيضا المجيزين له في الاجتهاد والرواية هما الأخوان
المعظمان المسلمان المقدمان السيد عميد الدين عبد المطلب والسيد ضياء الدين
عبد الله الحليان الحسينيان (3):
وقد أثنى الشهيد على (عميد الدين) بصورة خاصة في إجازته لابن نجدة،
حيث قال:
المولى السيد الإمام المرتضى علم الهدى، شيخ أهل البيت في زمانه عميد،
الحق والدين أبو عبد الله عبد المطلب بن الأعرج الحسيني طاب الله ثراه وجعل
الجنة مثواه.

(1) راجع المصدر السابق.
(2) روضات الجنات، الطبعة الحجرية، الجزء 1 ص 368 والجزء 2 ص 590.
(3) روضات الجنات، الطبعة الحجرية: الجزء 2 ص 590.
21

وقد كتب الشهيد في مقام الجمع بين شرحي أستاذيه عميد الدين
وضياء الدين لتهذيب خالهما العلامة.. كتابه المعروف ب‍ (الجمع بين
الشرحين).
شيوخ بالشام:
وفي الشام سنة 776 ه‍ اجتمع الشهيد الأول لأول مرة بالحكيم المتأله
الفقيه المحقق (قطب الدين الرازي) البويهي تلميذ (العلامة الحلي)، ومؤلف
(شرح المطالع) و (شرح القواعد) و (المحاكمتين) و (حاشيتي الكشاف) وغيرها:
من كتب الحكمة والتفسير والفقه.
وقد استأنس الشهيد بالشيخ (قطب الدين)، وأعجب به، وحضر مجالسه
واستفاد منه كثيرا من العلوم العقلية، وتوسع على يديه في دراسة الحكمة الإلهية
والفلسفة.
يقول الشهيد عن اجتماعه به واستفادته منه وإعجابه به،
واتفق اجتماعي به في دمشق أخريات شعبان سنة 776 ه‍ فإذا هو بحر
لا ينزف، وأجازني جميع ما تجوز عنه روايته (1).
وقال عنه في إجازته لابن الخازن.
ومنهم الإمام العلامة، سلطان العلماء، وملك الفضلاء، الحبر البحر
قطب الدين محمد بن محمد الرازي البويهي، فإني حضرت في خدمته - قدس الله
سره - بدمشق عام ثمانية وستين وسبعمائة، واستفدت من أنفاسه وأجاز لي
جميع مصنفاته في المعقول والمنقول أن أرويها عنه، وجميع مروياته، وكان تلميذا
خاصا للشيخ الإمام جمال الدين.

(1) الكنى والألقاب: ج 3 ص 57.
22

وقد تلمذ الشيخ قطب الدين على (العلامة الحلي) واستنسخ كتاب
(قواعد الأحكام) للعلامة بخطه، وقرأه عنده وأجازه العلامة في ظهر كتابه
بخطه، وعبر عنه: الفقيه العالم الفاضل المحقق المدقق زبدة العلماء والأفاضل
قطب الملة والدين محمد بن محمد الرازي، وأرخ الإجازة بثالث شعبان سنة
713 ه (1).
ونكتفي بما تقدم من ذكر أساتذة الشهيد رحمه الله، على أنه رحمه الله درس
على غيرهم من الشيوخ من (الشيعة والسنة) كالسيد جلال الدين (عبد الحميد
بن فخار الموسوي) كما في المستدرك، والسيد (علاء الدين علي بن زهرة الحلي)
كما في الروضات من الشيعة.
والشيخ (إبراهيم بن عمر) الملقب ببرهان الدين الجعبري شيخ مشيخة مقام
الخليل بفلسطين، قرأ عليه الألفية والشاطبية بمقام الخليل كما في إجازات
البحار.
والشيخ (إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن سعد الله بن جماعة) الملقب
ببرهان الدين قرأ عليه الشاطبية كما صرح به الشهيد في إجازته لابن الخازن (2).
* * *
لم نكن عابثين حين استعرضنا بشئ من التفصيل دراسته في (الحلة) على
(فخر المحققين) ابن العلامة والأخوين (عميد الدين وضياء الدين) و (ابن معية)
وعلى (قطب الدين الرازي) في الشام، فشئ يسير من التأمل يظهر للباحث أن
أهم أساتذة الشهيد في الحلة، وأكثرهم تأثيرا في تكوين ذهنيته الخاصة من
أعلام الحلة لا يتجاوز هؤلاء الأربعة، وفي الشام لم يدرس الشهيد في حدود

(1) كما ينقل عن كتاب محبوب القلوب.
(2) الإمام الشهيد الأول: ص 460.
23

ما نعلم على أحد غير قطب الدين، فهؤلاء الخمسة كان لهم الأثر البالغ في
تكوين ذهنية الشهيد، وسوف يكون منطلقنا إلى دراسة ثقافة الشهيد:
الفقهية: والكلامية، واستعراض ملامح مدرسته في الفقه ومنهجه في الاجتهاد
هو الأثر الذي تركه الشيوخ الخمسة في نفس الشهيد.
فليس من شك أن (الشهيد) قد تأثر فكريا بهؤلاء، وحرى على مذهبهم بعد
ما أحدث بالطبع بعض التجديدات على مذهبهم في الفقه والكلام:
ولو عدنا إلى الشيوخ الخمسة، واستعرضنا مذاهبهم في الفقه والكلام
لالتقينا بظاهرة واحدة في حياتهم الفكرية ينطلقون عنها، ويلتقون فيها جميعا
ونقطة الانطلاق هذه في حياتهم الفكرية تفيدنا كثيرا في اكتشاف الملامح
الأولى لمدرسة (الشهيد) في الفقه والكلام.
فلو رجعنا خطوة واحدة في حياة هؤلاء الفكرية إلى الوراء نجد أنهم - كما
استعرضنا ذلك في حياتهم - قد تلمذوا جميعا على آية الله (العلامة الحلي) وكانوا
من أخص تلامذته، وأبرز من حضر عليه في الفقه واللام ولا شك أنهم أحدثوا
بعض التغيير في المدرسة، وفي المذهب الذي كان يتبعه (العلامة) في الفقه
والكلام.
إلا أن أصول المدرسة هي لم تتغير ونقلها تلامذته جميعا إلى تلميذهم
الشهيد، وتأثر بها الشهيد تأثرا بالغا يبدو في كتاباته ومنهجه، كما سنرى فيما
بعد.
فقد كان (العلامة الحلي) ذا عقلية ضخمة تمتاز بمؤهلات فكرية كثيرة
يندر أن تحصل لأحد من العلماء، وبنسبة ضخامة عقليته يكون تأثيره عميقا في
نفوس التلاميذ.
فقد بقي تلاميذ (الشيخ الطوسي)، وتلاميذ تلاميذه يتناقلون مدرسته في
الفقه والحديث والتفسير قرونا متطاولة، حتى كثر فيها التجديد والتغيير وظهرت
24

مدارس أخرى فيها.
وتلاميذ (العلامة) لم يقلوا عن تلاميذ (الشيخ الطوسي) تأثرا بمدرسة
أستاذهم العلامة، فظلوا يتناقلون المدرسة بأصولها رغم ظهور تغييرات فيها قرنا
من زمان.
فمدرسة الشهيد إذا في الفقه والكلام تعود في أصولها وجذورها إلى مدرسة
العلامة الحلي.
ونعني بذلك أن الشهيد لم يحدث تغييرا في المدرسة، فقد أتيح للشهيد
بفضل نبوغه الخاص ومؤهلاته الفكرية أن يضيف إلى المنهج أشياء ويطور
المدرسة ويحدد المفاهيم بما لم يقدر من قبل لأساتيذه وشيوخه.
إذا فأصول المدرسة تعود إلى (العلامة الحلي) في المجالين:
الفقه والكلام.
وقد درس الشهيد كما أسلفنا الفقه على (فخر المحققين ابن العلامة الحلي)
والأخوين (عميد الدين وضياء الدين) وهما من أخص تلاميذ العلامة.
ودرس الكلام على (قطب الدين الرازي) بالشام وهو من تلاميذ العلامة
في الفلسفة فجمع ثقافة العلامة الحلي في المنقول والمعقول، وأصبح بالحق وارثا
له وإن كان لم يقدر له أن يقرأ عليه شيئا، أو يراه على أقل تقدير.
ونعود إلى الوراء خطوة أخرى، لنفحص جذور هذه المدرسة بدقة أكثر، فقد
قرأ (العلامة الحلي) الفقه على خاله (المحقق الحلي) رحمه الله. ودرس الفلسفة
والكلام على (المحقق الطوسي)، وجمع بين ثقافتي المحققين (الحلي والطوسي) في
الفقه والكلام، وهما أكبر شخصين علميين في تاريخ الفكر الإسلامي على
الإطلاق في حقل الفقه والفلسفة.
وأتيح (للعلامة الحلي) أن يجمع ثقافتيهما وهو الشاب الطموح النابغ الذي
كان يلمس فيه أستاذاه ملامح النبوغ واضحة.
25

كما قدر لتلميذه الشهيد أن يجمع بين ثقافتي أستاذه في الفلسفة والكلام.
وهكذا قدر لهذا التلميذ أن يكون نسخة ثانية لأستاذه في ثقافته الواسعة،
وذهنيته الخصبة.
وهنا تنقطع جذور المسألة ولا نجد في مدرستي (المحقق الحلي) و (المحقق)
الطوسي) تأثرا بالغا بالمدارس السابقة عليهما في الفقه والكلام فمن هذه النقطة
بالذات تبدأ الدراسة، واكتشاف شخصية الشهيد بصورة منهجية.
كلمات العلماء فيه:
وبإمكان القارئ أن يلمس مكانة الشهيد العلمية في نفوس الفقهاء من
أساتذته وتلاميذه والمتأخرين عنه مما ذكروا في شأنه في الإجازات والتراجم
عند التعرض لذكر الشهيد.
وأهم ما يلفت نظرنا مما قيل في مدح الشهيد ما كتبه أستاذه (فخر المحققين)
في حق الشهيد.
قال: الإمام الأعظم، أفضل علماء العالم، وسيد فضلاء بني آدم مولانا
شمس الحق والدين محمد بن مكي بن حامد أدام الله أيامه (1).
وإن كان هذا التعبير متعارفا من الطلاب بالنسبة إلى شيوخهم، فمن
الغريب أن يمدح أستاذ تلميذه بمثل ذلك. ولئن كان هذا المدح بمثل هذا التعبير
من فخر المحققين يدل على شئ فإنما يدل على سمو مكانة التلميذ الذي استأثر
بقلب أستاذه وعقله معا، وبعثه على أن يعترف بأن ما استفاده تلميذه الشاب
منه لم يزد على ما استفاده هو من تلميذه.
ويقول عنه الشيخ محمد بن يوسف الكرماني القرشي الشافعي في إجازته للشهيد:

(1) بحار الأنوار: كتاب الإجازات، ج 107 ص 178.
26

المولى الأعظم الأعلم، إمام الأئمة، صاحب الفضلين مجمع المناقب
والكمالات الفاخرة. جامع علوم الدنيا والآخرة (1).
ويقول الشهيد الثاني فيه: شيخنا وإمامنا المحقق البدل النحرير المدقق،
الجامع بين منقبة العلم والسعادة، ومرتبة العمل والشهادة الإمام السعيد أبي
عبد الله الشهيد محمد بن مكي أعلى الله درجته كما شرف خاتمته (2).
وقال عنه المحقق الكركي في إجازته للشيخ علي بن عبد العالي:
الإمام شيخ الإسلام، فقيه أهل البيت في زمانه، ملك العلماء، علم
الفقهاء، قدوة المحققين والمدققين، أفضل المتقدمين والمتأخرين (3).
وقال شيخنا الحر العاملي في كتابه (أمل الآمل):
كان عالما ماهرا، فقيها محدثا، محققا متبحرا، كاملا جامعا لفنون العقليات
والنقليات، زاهدا عابدا، شاعرا أديبا منشئا، فريد دهره، عديم النظير في
زمانه (4).
وقال عنه (العلامة النوري) في مستدرك الوسائل:
تاج الشريعة. وفخر الشيعة، شمس الملة والدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ
جمال الدين مكي أفقه الفقهاء عند جماعة من الأساتيذ، جامع فنون الفضائل،
وحاوي صنوف المعالي، وصاحب النفس الزكية القوية (5).
آثار الشهيد:
خلف لنا الشهيد الأول رحمه الله بعده مؤلفات قيمة أحصاها بعض

(1) بحار الأنوار: كتاب الإجازات، ج 107 ص 183.
(2) مقدمة الروضة البهية من طبعتنا الحديثة: ج 1، ص 5.
(3) بحار الأنوار: كتاب الإجازات: ج 107 ص 42.
(4) أمل الآمل: الجزء 2، ص 181.
(5) مستدرك الوسائل: المجلد 3، ص 437.
27

الباحثين إلى اثنين وثلاثين كتابا، رغم كثرة مشاغله، وضخامة المشاريع التي
كان يقوم بها: من نشر التشيع في سوريا ولبنان، وتعريف (الشيعة) إلى أقطاب
المذاهب الإسلامية الأخرى عن طريق إجراء اتصالات فكرية معهم في مراكز
الثقافة الإسلامية في وقته، وتأسيس معهد للفقه في (عاملة) وتربية تلامذته
وطلابه. وغير ذلك من ألوان النشاط الفكري والاجتماعي الذي كان يقوم به
(الشهيد) في حياته.
وما بين أيدينا من آثار الشهيد يكشف عن عقليته الضخمة، وذهنيته
الواعية، وذوقه السليم، وفكره المجدد.
ولئن عرف (الشهيد) بالفقه والأصول بين الفقهاء فقد كان واسع المعرفة
بحقول العلم الأخرى، ولا سيما ما يتصل بالعلوم العقلية كالفلسفة والرياضيات.
وقد علمنا أنه تلقى الفلسفة بواسطتين عن حكيم الإسلام (المحقق
نصير الدين الطوسي) رحمه الله ونبغ فيها.
وتلقى عن (فخر المحققين) عن (العلامة الحلي) عن (المحقق الحلي)
واستفاد من تجارب أساتذته فقهاء (مدرسة الحلة) وبلغ أعلى مستويات
المدرسة على يد أستاذه (فخر المحققين) وهو بعد لم يتجاوز سني الشباب فلم
يجمد على المستوى نفسه، وإنما سعى لتطوير البحث الفقهي، ورفع مستواه عن
المستوى الذي بلغه المحقق والعلامة.
وتميزه عن سلفه دقة نظره في المسائل الفقهية، واستيعابه الكامل لمختلف
المسائل.
وحين تجتمع دقة النظر إلى استيعاب الفكرة. والتعمق إلى التوسيع في
الدارسة والبحث ينشأ لون جديد من البحث، ومستوى آخر من الدراسة يختلف
عن الألوان السابقة والمستويات المتقدمة في جميع الأبعاد.
وهذا ما نعنيه من التجديد في الدراسة والبحث، فلا يمكن إيجاد هزة فكرية
28

في بحث علمي ما لم يشمل التجديد والتطور أبعاد الحديث جميعا.
وتوفر للشهيد رحمه الله فوق ذلك نبوغ شخصي ينبع من نفسه وأساتذة
محققين كبار بالواسطة، وأتيح له كذلك أن يتصل بكبار علماء السنة ومحققيهم،
وأن يلقح بين ثقافته الخاصة التي تلقاها في الحلة، وبين الثقافة السنية.
ولئن كان الشهيد لم يمزج الفقه الشيعي بالفقه السني - فيما وجدنا من آثار -
لكن هذا التلاقح أفاده كثيرا في توسيع فكره وتمكينه من التجدد والتطوير.
ومهما يكن من أمر فقد قدر للشهيد الأول رحمه الله أن يطوف من مناهج
البحث الفقهي، ويزيد فيها ويوسع من أطارها، وينقح من مبانيها ويزيدها
جلالا وروعة، وينظم أبوابها ومسائلها، ويحيط بأحكامها وفروعها، ويصوغها
صياغة جديدة، وأن يرفع بكتبه إلى مستوى المرجعية في التأليف والبحث
والدراسة.
وفيما يلي نستعرض بعض آثار الشهيد رحمه الله:
آثاره الفقهية:
1 - (اللمعة الدمشقية):
رسالة فقهية جليلة، جمع فيها (الشهيد) أبواب الفقه، ولخص فيها أحكامه
ومسائله
وكتبها الشهيد جوابا لرسالة حاكم خراسان (علي بن مؤيد) التي كان
يطلب إليه فيها أن يقدم عليهم بخراسان، ليكون مرجعا (للشيعة) هناك.
ولما كانت الأجواء السياسية لا تسمح له بمغادرته (دمشق) اعتذر له عن
مجيئه وعوضه عن قدومه برسالة فقهية يجمع فيها أبواب الفقه باختصار ليكون
مرجعا (للشيعة) هناك فيما يعرض لهم من المسائل الفقهية.
29

وقد ألف الشهيد الرسالة مدة سبعة أيام، ولم يحضره من المراجع الفقهية غير
(المختصر النافع للمحقق الحلي رحمه الله) وهذا يدل على إلمامه الواسع بمسائل
الفقه. وإحاطته بدقائقه وجزئياته، يندر مثله في الفقهاء،
ودفع الرسالة إلى (الشيخ محمد الآوي) وزير (علي بن مؤيد) من ملوك
(سربداران خراسان)، وأوصاه بالإسراع بها إلى الملك (علي بن مؤيد)
والكتمان، ولشدة حرص الآوي على العناية بالنسخة لم يسمح لأحد
باستنساخها عدى بعض الطلبة الذين سمح لهم به وهي في يده محافظة على
الكتاب.
وكان الشهيد في الأيام التي تفرغ فيها لكتابة (اللمعة الدمشقية) يعيش
مراقبا في بيته من قبل السلطة، ولذلك فقد كان يتكتم في الكتابة.
ومن غريب ما يروي أن (مجلس الشهيد) حين كان مطلق السراح وحين
كان مراقبا في بيته كان مزدحما بعلماء العامة، ورجال السياسة من مختلف
الاتجاهات ممن كان يتكتم أمامهم، فلما شرع بكتابة اللمعة لم يمر عليه أحد طيلة
اشتغاله بكتابة هذه الرسالة.
ومهما يكن من أمر فقد احتلت (اللمعة) القمة من بين المتون الفقهية
الشيعية، إذ جمعت الوجازة والاختصار، إلى روعة التعبير، وضمت هذه الخلال
جميعا إلى تنسيق الأبواب والأحكام والمسائل بشكل منظم وتعميق النظر
والفكر، فقد كان (الشهيد) أديبا كبيرا شاعرا رقيق الشعر، واسع الخيال، ولم
تكن ثقافته مقصورة على الفقه والأصول.
وقد حاول (الشهيد) في رسالته هذه أن لا يجمد على التعبيرات الفقهية
المتداولة في وقته، وأن يحدث بعض التغيير في صياغة التعبير، ويجيد في سبك
العبارات وتنويعها، ويحسن في تنويع العبارة
وإذا ضممنا إلى ذلك إيجاز التعبير، واختصار الجمل الطويلة، وتشذيب
30

الكلام من زوائد السجع، والاسترسال في الكتابة من غير محاولة اصطناع شئ
مما كان يصطنعه أدباء زمانه من المحسنات البديعية علمنا سر خلود (اللمعة)
وبقائها، واحتفاظها بطابعها الرسمي في معاهد (الفقه الشيعي) على الإطلاق.
هذا بالإضافة إلى ما لوحظ في هذا الكتاب من التنظيم الفني والتنسيق
الرائع لأبواب الفقه وأحكامه ومسائله.
فقد ساير الشهيد (المحقق الحلي) في تنظيم كتب الفقه وأبوابه، لكنه زاد
عليه بجملة من التحسينات نلمسها بوضوح حينما نراجع كلا من (المختصر
النافع) و (اللمعة الدمشقية) مع العلم أن المختصر النافع كان المرجع الوحيد
للشهيد في تأليف هذه الرسالة.
ففي هذا الكتاب يقدم الشهيد أحكام كل باب قبل أي شئ آخر ثم
يبحث عما يلحق بها من الملحقات، ثم يتبعها بعرض المسائل التي تتبع هذه
الأحكام وترتبط بها، ثم يستقصي المندوبات والمكروهات فيما إذا كان في
الباب مندوب ومكروه.
والذي يلفت النظر في هذا التنظيم والتبويب أنه يجمع إلى روعة النظام
استيعاب أطراف المسألة.
وحينما نظم روعة التنسيق إلى استيعاب الفكرة إلى الإيجاز في التعبير
نحصل على مزاج فقهي وأدبي من أروع ما أنجزه الفكر الإنساني، ومن أسمى
ما تحتويه المكتبة الإسلامية.
وفي هذا الكتاب تلفت نظر الباحثين دقة فائقة في تحديد المصطلحات
الفقهية لم نعهد مثلها في المتقدمين عليه حتى من أمثال (المحقق) و (العلامة)،
وهذا شئ طبيعي لو عرفنا أن الشهيد درس الفقه إلى المستوى الذي بلغه
(المحقق والعلامة)، وتفرغ بعد ذلك لتطوير هذا المستوى وتشذيبه، وإبعاد
العوامل الغريبة عنه، وتحديد مصطلحاته بشكل أدق من ذي قبل.
31

والدراسة تختلف عن الصياغة والابداع، فدرس (الشهيد) الفقه إلى
مستوى (المحقق والعلامة) واستقل بعد ذلك في تطوير الفقه إلى مستوى آخر
أعلى من المستويات السابقة.
2 - (الدروس الشرعية في فقه الإمامية):
وهو هذا الكتاب الماثل بين يديك، وهو كتاب جليل ومعروف في
الأوساط العلمية، وقد صار مرجعا يرجع إلى كل من تأخر عن الشهيد الأول
من فقهاء الطائفة ومحققيها.
ويشتمل هذا الكتاب على كثير من أبواب الفقه، من الطهارة حتى
الرهن، وقد حال استشهاده بينه وبين إتمامه.
شرع المصنف في تأليفه سنة 780 ه‍، وفرغ من جزئه الأول - كما صرح به
في الرياض - آخر نهار الأربعاء لاثني عشرة ليلة خلت من ربيع الثاني سنة
784 ه‍. وطبع في إيران سنة 1269 ه‍.
ونظرا لأهمية الكتاب في عالم الفقه تصدى كثير من الفقهاء لشرحه
والتعليق عليه:
منها: شرح الميرزا عيسى التبريزي والد صاحب الرياض.
ومنها: شرح الشيخ جواد الكاظمي تلميذ الشيخ البهائي.
ومنها: الشرح الموسوم " بمشارق الشموس " للعلامة المولى حسين
الخوانساري.
ومنها: الشرح الموسوم بالعروة الوثقى.
وشروحات أخرى لأبواب متفرقة منه (1).

(1) الذريعة: ج 8، ص 145.
32

وقد أكمل السيد جعفر بن أحمد الملحوس الحسيني الحلي هذا الكتاب
وسماها " تكملة الدروس " فتعرض لما تبقى من أبواب الفقه وهي " الضمان
والعارية والوديعة والمضاربة والإجارة والوكالة والسبق والرماية والنكاح
والطلاق والخلع والمباراة والايلاء والظهار والعهد والحدود والقصاص
والديات " (1).
3 - " الألفية):
تشتمل على ألف واجب في الصلاة مرتبة على مقدمة وثلاثة فصول
وخاتمة، وعليها شروح كثيرة ذكر في الذريعة ما يقرب من خمسين شرحا (2).
4 - (النفلية):
رسالة تشتمل على ثلاثة آلاف نافلة في الصلاة، ألفها الشهيد بعد الألفية:
لها شروح كثيرة منها: شرح الشهيد الثاني المسمى:
ب‍ (الفوائد الملكية) (3).
5 - (البيان):
كتاب في الفقه خرج منه الطهارة والصلاة والزكاة والخمس وأول
الأركان الأربعة من الصوم فيما يجب الإمساك عنه.
طبع في طهران سنة 1319 (4).
6 - (ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة):
خرج منه الطهارة والصلاة، وفرغ من تأليفه سنة 786 ه‍.
وعليها حواشي كثيرة عد شيئا كثيرا منها الشيخ آغا بزرك في

(1) الذريعة: ج 4، ص 413.
(2) راجع الذريعة: ج 2 ص 296 - 297.
(3) المصدر السابق وحياة الإمام الشهيد: ص 62.
(4) الذريعة: ج 3، ص 174.
33

الذريعة (1).
7 - (غاية المراد في شرح نكت الإرشاد):
المتن للعلامة الحلي، وشرحه الشهيد على نسق القدماء: من تقديم المتن
والتعقيب عليه بشكل التعليق، وهو من الطهارة إلى كتاب الأيمان.
فرغ منه سنة 757 ه‍، وطبع في إيران مرارا منها: طبعة سنة 1302 (2).
8 - (القواعد والفوائد):
كتاب جليل يضم ما يقرب من 300 قاعدة فقهية ما عدى الفوائد
والتنبيهات.
وعلى الكتاب حواش وتعليقات كثيرة، ذكر جزءا منها العلامة الجليل آغا
بزرك في الذريعة (3).
9 - (أربعون حديثا):
أكثرها في العبادات العامة. طبع في إيران مع (غيبة النعماني) سنة
1318 (4).
10 - (خلاصة الاعتبار في الحج والاعتمار):
رسالة صغيرة في المناسك، نقلها العلامة الأمين في معادن الجواهر (5).
11 - (جواز إبداع السفر في شهر رمضان):
رسالة شريفة في تحقيق هذه المسألة بصورة مبسوطة، ذكر في أوله:

(1) الذريعة ج 10، ص 40. و ج 6، ص 86.
(2) حياة الإمام الشهيد: ص 63.
(3) الذريعة: ج 6، ص 173. وحياة الإمام الشهيد ص 62.
(4) راجع الذريعة: ج 1، ص 427.
(5) نفس المصدر: ج 7، ص 214.
34

الظاهر من مذاهب العلماء في سائر الأعصار والأمصار جوازه، مع إجماعنا
على كراهة ذلك. لنا عشرون طريقا: الأول - وهو العمدة - التمسك بقوله تعالى:
من كان مريضا. (1).
12 - (جوابات الفاضل المقداد):
وهي مجموعة الأجوبة على أسئلة الفاضل المقداد بن عبد الله السيوري تلميذ
الشهيد، البالغة سبعا وعشرين مسألة، توجد مع بعض رسائل الشيخ أحمد بن
فهد الحلي ضمن مجموعة في الخزانة الرضوية (2).
13 - (أحكام الأموات):
رسالة فقهية في أحكام الأموات من الوصية إلى الزيارة (3).
14 - (مجموعة الشهيد الأول):
وهي ثلاث مجلدات كبار.
قال عنها الشيخ آغا بزرك في مصفى المقال:
كتاب الشهيد الأول ثلاث مجاميع ذات فوائد كثيرة.
وقال في الذريعة: إنها ثلاث مجاميع ينقل عنها في البحار في المجلد الأول
رسائل لمختلف العلماء، كتبها بالحلة سنة 776 ه‍.
والمجلد الثاني اختصار الجعفريات (4).
15 - (جوابات مسائل الأطراوي):
مجموعة أجوبة الشهيد على مسائل السيد بدر الدين الحسن بن أيوب بن

(1) نفس المصدر: ج 5، ص 241.
(2) نفس المصدر: ج 5، ص 212.
(3) راجع الذريعة: ج 1، ص 295.
(4) راجع حياة الإمام الشهيد: ص 67.
35

نجم الدين الأطراوي العاملي تلميذ الشهيد، سألها عنه في قرية اطراء
العاملية (1).
16 - (مسائل ابن مكي):
مرتبة على أبواب الفقه. وألفت في السنة التي استشهد فيها، وهي سنة
786 ه‍.
وقيل: إنها آخر مؤلفاته (2).
17 - (جامع البين من فوائد الشرحين):
والشرحان للأخوين الأعرجيين: السيد عميد الدين، والسيد ضياء الدين
ابنا أخت العلامة الحلي وأستاذا الشهيد على كتاب (تهذيب طريق الوصول
إلى علم الأصول) لخالهما العلامة الحلي، وقد جمع الشهيد بين فوائد الشرحين
وزاد عليهما فوائد أخرى.
قال في كشف الحجب: إن (الجامع) هذا تأليف الشيخ السعيد أبي
عبد الله محمد بن مكي الشهيد، وبما أنه ألفه في أوائل شبابه ولم يراجع المسودة
بقيت النسخة غير منقحة فوجدها الشيخ عز الدين حسين بن عبد الصمد تلميذ
الشهيد الثاني ووالد الشيخ البهائي والمتوفى سنة 984 ه‍ وأصلحها في سنة
941 ه‍.
وقال بعد تمام الإصلاح: ثم إن الشيخ الشهيد ميز ما اختص به شرح
ضياء الدين بعلامة (ض) وما اختص به شرح العميد بعلامة (ع) وأنا تابعته في
ذلك (3).

(1) نفس المصدر: ص 68.
(2) المصدر السابق.
(3) راجع الذريعة: ج 5، ص 44.
36

18 - (حاشية على الذكرى):
والأصل له أيضا، ذكر في الذريعة أن له حواشي على كتابه ذكرى
الشيعة، كما يظهر من حاشية البويهي عليها، حيث صرح فيها أنه ينقله عنها (1)
تلك جملة مما بلغنا من آثار الشهيد الفقهية.
وهذا وحده يكفي للدلالة على ضخامة العمل الفقهي الذي قام به الشهيد،
والأثر الكبير الذي تركه في تطوير البحث الفقهي، ومناهج الدراسة الفقهية
والأصولية.
وقد فتح الشهيد في كتاباته هذه أبوابا للباحثين بعده، كما سد فجوات
كثيرة في البحث الفقهي من حيث المنهج والاستدلال.
وقد كان مؤلفات الشهيد الفقهية موضع عناية الفقهاء واهتمامهم دائما
وعلى امتداد (تاريخ الفقه الجعفري) فكثر التعليق والشرح على كتب الشهيد
من المتقدمين والمتأخرين.
ومهما يكن من أمر فقد خلف الشهيد من بعده ثروة فقهية ضخمة كانت
ولا تزال إحدى ركائز، ومقومات تراثنا الفكري.
آثاره الأخرى:
19 - (العقيدة):
رسالة صغيرة في العقيدة الإسلامية.
20 - (اختصار الجعفريات):
والأشعثيات، أو الجعفريات من الكتب القديمة يشتمل على نحو ألف

(1) راجع الذريعة: ج 10، ص 40.
37

حديث اختصره الشهيد بما يقرب من الثلث.
21 - (مزار الشهيد):
وتسمى ب‍: " منتخب الزيارات) وتحتوي على جملة من الزيارات وترجمت
إلى الفارسية.
22 - (المقالة التكليفية):
رسالة في العقائد والكلام، فرغ الشهيد من تأليفها سنة 769 ه‍ شرحها
الشيخ زين الدين يونس البياضي باسم (الرسالة اليونسية في شرح المقالة
التكليفية الشهيدية).
23 - (مجموعة الإجازات):
وهي ما جمعها الشهيد من إجازات العلماء المتقدمين.
24 - (شرح قصيدة الشفهيني):
والقصيدة في مدح (الإمام أمير المؤمنين عليه السلام) شرحها الشهيد، وقد
وقف الشفهيني على الشرح فأعجب به، وأرسل إلى الشهيد عشرة أبيات يمدحه بها، منها
فكأنه وجواده وحسامه * وسنان مسعده دليل أسود
قمر على فلك وراءه مذنب * وأمامه والليل داج فرقد
ولعل القصيدة التي شرحها الشهيد من شعر الشفهيني - كما رجحه الشيخ
آغا بزرك في الذريعة - هي التي مطلعها:
يا عين ما سفحت عزوب دماك * إلا بما ألهمت حسب دماك
ويبدو أن هذا الشرح كان من عمل الشهيد في أوان دراسته (1).

(1) يراجع فيما تقدم من آثار الشهيد غير الفقهية كتاب حياة الإمام الشهيد للشيخ محمد رضا
شمس الدين.
38

تلاميذه:
استقل الشهيد بالتدريس في الحلة، والتف حوله طلاب الفقه والأصول
يدرسون عليه مناهج الاستنباط والفقه، وعرف الشهيد في الحلة بتدريسه لقواعد
العلامة والتهذيب، وعلل الشرائع. وكتب أخرى في الفقه والأصول والحديث.
ولم يقتصر الشهيد على التدريس في الحلة، أو في جزين في مدرسته الخاصة،
وإنما كان يقوم بالتدريس في رحلاته التي كان يقوم بها بين حين وآخر إلى
(الحجاز) أو (مصر) أو (سوريا) أو (فلسطين) أو (العراق) أو غيرها من
الأقطار الإسلامية.
وقد استطاع الشهيد في هذه المدة وفي خلال رحلاته وإقامته في الحلة وفي
دمشق وفي جزين أن يرى عددا كبيرا من العلماء الذين خلفوه في مكانته
العلمية والدينية.
ولكي يلمس القارئ شيئا من جهود الشهيد في تربية تلاميذه من الذين
خلفوه بعده في الفقاهة والتدريس أعرض أسماء نفر منهم:
1 - السيد أبو طالب أحمد بن القاسم بن زهرة الحسيني. تلمذ على الشهيد
وحضر عنده (1).
2 - الشيخ جمال الدين أحمد بن النجار صاحب الحاشية على (قواعد العلامة
الحلي) جمع فيها تحقيقات شيخه الشهيد ونظرياته في الفقه (2).
3 - الشيخ جمال الدين أبو منصور حسن بن الشهيد الأول. أجازه والده
الشهيد مع أخويه وصورة الإجازة في البحار (3).

(1) راجع روضات الجنات الجزء 2، ص 34.
(2) حياة الإمام الشهيد الأول.
(3) بحار الأنوار: الجزء 2، ص 34.
39

4 - الشيخ ضياء الدين أبو القاسم علي ابن الشهيد المتوسط. وله عن أبيه
إجازة.
5 - الشيخ رضي الدين أبو طالب محمد أكبر أبناء الشهيد، أجازه أبوه
مرتين (1).
6 - الفقيهة الفاضلة فاطمة المدعوة بست المشايخ. تروي عن أبيها وعن
السيد تاج الدين ابن معية إجازة. وكان أبوها يثني عليها ويأمر النساء بالاقتداء
بها، والرجوع إليها (2).
وقد عني الشهيد بتربية بنته هذه وتثقيفها فكانت مثال المرأة المؤمنة المثقفة،
وكانت موضع احترام وعناية الفقهاء والناس عامة، حتى أنها لما توفيت في قرية
جزين حضر تشييعها سبعون مجتهدا من (جبل عامل).
ولسنا نملك نحن أثرا فقهيا عن هذه السيدة الجليلة، لكن بين أيدينا وثيقة
كتبتها ست المشايخ لأخويها تهب بها ما يخصها من تركة أبيها في جزين لأخويها،
ابتغاء لوجه الله، وفي قبال ذلك يعوضها أخواها بكتب في الفقه للشيخ
والشهيد، وإليك نص الوثيقة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي وهب لعباده ما شاء، وأنعم على أهل العلم والعمل بما
شاء. وجعل لهم شرفا وقدرا وكرامة، وفضلهم على الخلق بأعمالهم العالية.
وأعلى مراتبهم في دار الدنيا والآخرة. وشهد بفضلهم الإنس والجان.
والصلاة والسلام الأتمان والأكملان على سيدنا محمد ولد عدنان
المخصوص بجوامع الكلم الحسان، وعلى آله وأصحابه أهل اللسن واللسان

(1) الذريعة: الجزء 1، ص 248.
(2) شهداء الفضيلة: ص 91.
40

والساحبين ذيول الفصاحة على سحبان، وعلى تابعيهم ومن تابعهم ما اختلف
الجديدان. وأضاء القمران.
أما بعد: فقد وهبت الست فاطمة أم الحسن أخويها: أبا طالب محمدا، وأبا
القاسم عليا سلالة السعيد الأكرم. والفقيه الأعظم، عمدة الفخر وفريد عين
الزمان ووحيده. محيي مراسم الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، مولانا
شمس الملة والدين محمد بن أحمد بن حامد بن مكي قدس سره، المنتسب لسعد
ابن معاذ سيد الأول أما قدس الله أرواحهم جميعا ما يخصها من تركة أبيها في
(جزين) وغيرها هبة شرعية، ابتغاءا لوجه الله تعالى. ورجاءا لثوابه الجزيل.
وقد عوضا عليها كتاب (التهذيب) للشيخ رحمه الله، وكتاب (المصباح) له،
وكتاب (الذكرى) لأبيها رحمه الله، و (القرآن) المعروف بهدية علي بن مؤيد (1).
وقد تصرف كل منهم، والله الشاهد عليهم. وذلك في اليوم الثالث من
شهر رمضان العظيم قدره الذي هومن شهور سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، والله
على ما نقول وكيل، وشهد بذلك خالهم المقدام علوان بن أحمد بن ياسر، وشهد
الشيخ علي بن الحسين بن الصائغ، وشهد بذلك الشيخ فاضل بن مصطفى
البعلبكي (2).
وهذه الوثيقة وحدها تكفي للدلالة على مكانة هذه السيد السامية
وجلالتها، وسمو أخلاقها، وعنايتها بالعلم والعلماء، والكتب الفقهية ولهجتها
الوثيقة تكشف عن نفسية كريمة، وأدب إسلامي رفيع، وتواضع جم للعلم
والعلماء.
7 - السيد بدر الدين الحسن بن أيوب الشهير بابن الأعرج الأطراوي

(1) مر ذكره في (ملوك خراسان) سربداران عاشوا في سبزوار إحدى مدن خراسان الكبرى.
(2) الكنى والألقاب: الجزء 2 ص 342 - 344.
41

العاملي، كان من معاريف تلاميذ الشهيد كما في (أمل الآمل).
8 - الشيخ عبد الرحمان العتائقي صاحب المؤلفات الكثيرة تلقى عن الشهيد.
كثيرا من العلوم.
9 - الشيخ شرف الدين أبو عبد الله المقداد بن عبد الله المعروف بالفاضل
السيوري الحلي صاحب (شرح الباب الحادي عشر) يروي عن الشهيد كما في
الكنى والألقاب.
10 - الشيخ محمد بن تاج الدين عبد علي الشهير بابن نجدة، أجازه الشهيد
في رمضان سنة 770 ه‍ وصرح فيها بأنه سمع من مؤلفاته. وسمع منه كتاب
(التحرير) و (الإرشاد) و (المناهج) و (نهج المسترشدين) و (شرحي النظم
والياقوت) للعلامة الحلي (وخلاصة المنظوم) لابن مالك و (اللمع في النحو)
لابن جني و (الشرائع) للمحقق و (مختصر مصباح الطوسي) وغير ذلك (1).
مدرسة جزين:
كان الشيعة في (جبل عامل) و (سوريا) عامة - وهم قلة في البلد في عهد
(الأمويين والعباسيين) - يعيشون تحت ضغط الإرهاب السياسي وكان هذا
الضغط والارهاب السياسي يمنعهم من القيام بنشاط ثقافي أو سياسي
ملموس.
حتى إذا دالت (دولة العباسيين) وظهرت (دولة البويهين) في (العراق
وفارس).
و (دولة الحمدانيين) في (الموصل وحلب).
و (دولة العلويين) في (مصر والشام والحجاز وأفريقيا) استطاع الشيعة أن

(1) يراجع فيما تقدم من تلاميذ الشهيد حياة الإمام الشهيد والروضات والكنى والألقاب والذريعة.
42

يجاهروا بنشاطهم الثقافي والسياسي، وأن يدعوا علانية إلى التشيع.
فظهر في هذه الفترة نشاط سياسي وثقافي ملموس للشيعة في (سوريا)
عامة، وفي (جبل عامل) خاصة، مما نستعرضها قريبا عند الحديث عن الجانب
السياسي من حياة الشهيد.
فكان من أثر ذلك ظهور (مدرسة حلب) لبني زهرة، وظهور نشاط ثقافي
شيعي في (جبل عامل)، فقد كثرت (المدارس الفقهية الشيعية) في جبل
عامل. وقوى النشاط الثقافي في هذا القطر.
وأول مدرسة فقهية افتتحت في هذا القطر هي (مدرسة جزين) للشهيد
الأول.
ويبدو أنها كانت طليعة النشاط الثقافي والسياسي الشيعي في جبل
عامل. فحين اكتمل الشهيد دراسته في الحلة، وفرض نفسه على الأوساط
الثقافية، واحتل لنفسه مكانة رفيعة فيها رجع إلى (جزين) مسقط رأسه وفيها
ابتدأ بنشاط ثقافي وسياسي ملموس لنشر التشيع والفقه الشيعي في هذه
الأقطار، فأسس معهدا كبيرا لتدريس الفقه والأصول على مستويات مختلفة في
جزين، عرف ب‍: (مدرسة جزين).
وقدر لهذه المدرسة بفضل عناية مؤسسها الشهيد أن تربي عددا كبيرا من
الفقهاء والأصوليين، وأن تخرج جمعا كبيرا من المفكرين الإسلاميين (1).
ذلك جانب من ثقافة الشهيد وآثاره في الفقه والأصول، وما ترك من أثر
كبير في تطوير مناهج دراسة الفقه والأصول، ونماذج من تلاميذه من الفقهاء
ومنشآته الثقافية.
ويخال إلي أن القارئ يستطيع بعد هذا العرض السريع للجانب الثقافي

(1) راجع تاريخ جبل عامل: ص 234.
43

من حياة الشهيد أن يلمس طرفا من شخصية الشهيد الثقافية وأثره الكبير في
(تاريخ الفقه الشيعي).
شعر الشهيد):
لم يقتصر الشهيد - كما ذكرنا طي الحديث المتقدم - على الفقه والأصول
والدراسات الكلامية، وإنما كان مع ذلك أديبا كاتبا وشاعرا بالإضافة إلى
كونه فقيها من الرعيل الأول.
ونثر الشهيد كما نلمسه نحن من خلال كتبه (كاللمعة الدمشقية والقواعد
والذكرى والدروس) يمتاز بقوة الأدلة والبساطة والوضوح وعدم الالتواء
والتعقيد، ولا يجد الباحث في نثر الشهيد شيئا من التعقيد والالتواء، واصطناع
السجع والزخرفة البديعية التي كان يتعارفها الكتاب فيما سبق.
وشعره - وإن قل - يمتاز بالرقة، ودقة التصوير، وروعة الديباجة والمس
والمباشر للنفس، وجمال التعبير، وجودة الأداء. فمن شعره:
غنينا بنا عن كل من لا يريدنا * وإن كثرت أوصافه ونعوته
ومن صد عنا حسبه الصد والقلا * ومن فاتنا يكفيه أنا نفوته (1)
ومنه قوله في المناجاة:
عظمت مصيبة عبدك المسكين * في نومه عن مهر حور العين
الأولياء تمتعوا بك في الدجى * بتهجد وتخشع وحنين
فطردتني عن قرع بابك دونهم * أترى لعظم جرائمي سبقوني
أوجدتهم لم يذنبوا فرحمتهم * أم أذنبوا فعفوت عنهم دوني
إن لم يكن للعفو عندك موضع * للمذنبين فأين حسن ظنوني (2)

(1) روضات الجنات: الجزء 2، ص 591.
(2) نفس المصدر.
44

ومن قوله في مساير ابن الجوزي في قوله:
أقسمت بالله وآلائه * إليه ألقى بها ربي
إن علي بن أبي طالب * إمام أهل الشرق والغرب
من لم يكن مذهبه مذهبي * فإنه أنجس من كلب
فقال الشهيد:
لأنه صنو بني الهدى * من سيفه القاطع في الحرب
وقد وقاه من جميع الردى * بنفسه في الخصب والجدب
والنص في الذكر وفي " إنما * وليكم " كاف لذي لب
من لم يكن مذهبه هكذا * فإنه أنجس من كلب (1)
ومنه قوله:
بالشوق والذوق نالوا عزة الشرف * لا بالدلوف ولا بالعجب والصلف
ومذهب القوم أخلاق مطهرة * بها تخلقت الأجساد في النطف
صبر وشكر وإيثار ومخمصة * وأنفس تقطع الأنفاس باللهف
والزهد في كل فاق لا بقاء له * كما مضت سنة الأخيار في السلف
قوم لتصفية الأرواح قد عملوا * وأسلموا عوض الأشباح للتلف
ما ضرهم رث أطمار ولا خلق * كالدر حاضرة مخلوق الصلف
لا بالتخلق بالمعروف تعرفهم * ولا التكلف في شئ من الكلف
يا شقوتي قد تولت أمة سلفت * حتى تختلف في خلف من الخلف
ينحقون تزاوير الغرور لنا * بالزور والبهت والبهتان والسرف
ليس التصوف عكازا ومسبحة * كلا ولا الفقر رؤيا ذلك الشرف
وإن تروح وتغدو في مرقعة * وتحتها موبقات الكبر والشرف

(1) روضات الجنات: الجزء 3، ص 593.
45

وتظهر الزهد في الدنيا وأنت على * عكوفها كعكوف الكلب في الجيف
الفقر سر وعنك النفس تحجبه * فارفع حجابك تجلو ظلة التلف
وفارق الجنس وأقر النفس في نفس * وغب عن الحس واجلب ما شئت واتصف
واخضع له وتذلل إذ دعيت له * واعرف محلك من آباك واعترف
وقف على عرفات الذل منكسرا * وحول كعبة عرفان الصفا فطف
وادخل إلى حبوة الأفكار مبتكرا * وعد إلى حانة الأذكار بالصحف
وإن سقاك مدبر الراح من يده * كأس التجلي فخذ بكأس واغترف
واشرب واسق ولا تبخل على ظما * فإن رجعت بلا ري فوا أسفي
وله شعر يخاطب (بيد مر) حاكم دمشق عندما حبسه في قلعة دمشق بتهمة
وجهها إليه أعداؤه في حديث طويل يتظلم فيه إليه عما أسند إليه من التهم
وعن حياة السجن:
يا أيها الملك المنصور بيدمر * بكم خوارزم والأقطار تفتخر
إني أراعي لكم في كل آونة * وما جنيت لعمري كيف اعتذر
لا تسمعن في أقوال الوشاة فقد * باؤوا بزور وإفك ليس ينحصر
والله والله أيمانا مؤكدة * إني برئ من الإفك الذي ذكروا
عقيدتي مخلصا حب النبي ومن * أحبه وصحاب كلهم غرر
الفقه والنحو والتفسير يعرفني * ثم الأصولان والقرآن والأثر
وما تقدم من نماذج من شعر الشهيد يكفي ليلمس القارئ معالم الرقة
والجمال في الأداء والتعبير في (شعر الشهيد) رحمه الله تعالى.
2 - جهاده
عصر الشهيد:
لكي ندرس الجانب السياسي من (حياة الشهيد) ودوره في الجهاد
46

وإنجازاته ينبغي أن ندرس قبل ذلك الظروف الاجتماعية والسياسية التي
عاصرها الشهيد، والاتجاهات الدينية والسياسية السائدة في عصره، لنلمس من
وراء ذلك موقف الشهيد من هذه الحركات والاتجاهات وأثره في الحياة
الاجتماعية، ونوعية الدعوة التي كان يقوم بأعبائها في حقل العمل
الاجتماعي: من إصلاح وتوجيه وبناء.
أما أن نستعرض حوادث من (حياة الشهيد) ومواقفه وشهادته مما ترددها
كتب التراجم: من ميزان نحاول أن نربط بعضها ببعض، وأن نربطها جميعا
بالظروف الاجتماعية التي كان يعيشها، وأن نملأ به بعد ذلك الفجوات
والفراغات التي تلاحظ في ترجمة الشهيد، فهذا العمل - إن صح أن يكون ترجمة
لحياة الشهيد - فلا يكون دراسة وبحثا عن حياة الشهيد ولذلك كله آثرنا أن نعبد
الطريق للقارئ. لنشرف معه على سير الحياة الاجتماعية في عصر الشهيد، على
أن لا نخرج عن هذا البحث من غير طائل كبير.
انحلال الدولة الإسلامية:
اتخذ (بنو العباس) سياسة قاسية بالنسبة إلى (الشيعة والعلويين) وغالى في
هذا السلوك (المتوكل العباسي) بشكل فظيع.
وإذا علمنا أن (العلويين والشيعة) عامة كانوا من أهم عوامل ظهور
(الدولة العباسية) وانحلال الحكم الأموي عرفناكم كانت (الشيعة) تعاني من
هذا السلوك في ظلال الحكم العباسي. وكم كان يخالجهم الشعور بالندم على
إسناد الحكم العباسي، وتدعيمه والاغترار بعهودهم، ولم يجد الشيعة أي مبرر
لمثل هذا الضغط والعنف في السلوك من قبل الجهاز الحاكم.
وهذا ما حدى بهم إلى التفكير في الاستقلال عن حكومة بغداد العباسية
ولكن قوة الحكم العباسي وامتداد سيطرتهم إلى أطراف البلاد كان يمنع
47

(الشيعة) عن القيام بأية محاولة للانفصال والاستقلال، حتى إذا ظهر الضعف
في جهاز الحكم العباسي، وضعفت سيطرته على البلاد ظهر الانحلال في الحكم
العباسي، وانفصل كثير من البلدان عن الحكومة (الأم) في (بغداد)، وكان
أصلح الأقطار الإسلامية للاستقلال والانفصال عن الحكم العباسي هو
(إيران) و (الأندلس) و (أفريقيا):
أما (الأندلس) فقد انفصلت من الحكم العباسي منذ بدء تأسيسه حيث
فر إليها (عبد الرحمن بن معاوية بن هشام)، وواليها من بعد عبد الرحمن بن
يوسف الفهري، وبقي فيها عاما يخطب للسفاح حتى إذا استقام به الأمر ولحقه
أهله من بني أمية استقل في الحكم. وألغى ذكر بني العباس في الخطبة (1)،
فكان ذلك سنة 138 ه‍.
وبقيت (الأندلس) تحت حكم الأمويين إلى سنة 422 ه‍.
أما في (إيران) و (أفريقيا) فكان طابع النشاط السياسي هو التشيع
واستطاعت (الشيعة) في هذين القطرين بشكل خاص أن يقوموا بوجوه مختلفة
من النشاط السياسي. ويظهروا انفصالهم عن بغداد، وحتى أن يدخلوا (بغداد)
في بعض الأحيان.
فقد عرف (الشيعة) في تاريخ الإسلام بالحركة والنشاط الدائم ومقاومة
الطغيان والاستبداد والانحراف في أجهزة الحكم.
ولهذا الأمر كانت السلطات تلاحقهم في كل مكان، وتراقب حركاتهم
ومكانهم أشد المراقبة، فحين أخذت (الحكومة العباسية) بالانحراف وأمضت
في الضلال خرج (الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن السبط) مع جماعة من
أهل بيته منهم (إدريس ويحيى)، واستولى على المدينة وطرد عنها عامل (الهادي

(1) راجع سمط النجوم العوالي: الجزء 3 ص 405.
48

العباسي) وكان الموسم موسم حج. فخرج هو وأصحابه إلى الحج، حتى إذا
بلغوا موقعا قريبا من مكة يقال له: (فخ) أرسل إليهم الحاكم العباسي جيشا
وضع فيها السيف حتى قتل جمعا كثيرا منهم. وفيهم (الحسين الفخ) نفسه،
وكان ذلك في يوم التروية (1)، ونجى منهم فيمن نجى إدريس بن عبد الله ويحيى
بن عبد الله.
أما (يحيى) ففر إلى الديلم والتف حوله الناس، فأرسل الرشيد إليه جيشا
بقيادة الفضل بن يحيى فكاتبه الفضل، وأعطاه الأمان، فآثر يحيى السلم على
الحرب وذهب إلى (بغداد) فأكرمه الرشيد ثم غدر به (2).
دولة الأدارسة (172 - 375):
أما إدريس ففر إلى مصر، ومنها إلى المغرب، واجتمعت حوله قبائل البربر
وغيرهم، واشتد أمره واستمر حكمهم قرنين وثلاث سنين وامتدت سلطتهم في
المغرب، وكانت حاضرة ملكهم مدينة فاس (3).
وقد استطاع الأدارسة في هذه الفترة أن يخدموا المغرب كثيرا، وأن يخلفوا
تراثا حضاريا ومدنيا قيما، وأن ينشروا التشيع في هذا القطر من الأرض.
الفاطميون:
وفي سنة 286 هجرية بعد ما ضعفت (الدولة العباسية) أخذ (أبو عبد الله
الشيعي) يدعو لعبيد بن المهدي في (إفريقيا) وأخذ البيعة وانتزع أفريقيا من

(1) راجع الطبري: الجزء 10، ص 24 - 32، وابن كثير: الجزء 10، ص 40. وابن أثير: الجزء 6، ص 32 -
34.
(2) راجع مقاتل الطالبيين: ص 463 - 483.
(3) راجع تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم حسن: الجزء 3 ص (162 - 167).
49

(بني الأغلب) واستولى عليها وعلى الغرب الأقصى والشام، واقتطعوا سائر هذه
الأقطار من (العباسيين) واستمر حكمهم إلى سنة 567 ه‍ وامتد نفوذهم إلى
(مصر والحجاز واليمن).
وكان (الفاطميون) شيعة إسماعيلية، سعوا كثيرا لنشر التشيع في (مصر
وأفريقيا) والأقطار الأخرى التي كانت تحت يدهم.
وربما جاز لنا أن نقول: إن ظهور (الفاطميين) واستيلاءهم على الحكم
وحرصهم على نشر (التشيع) ومعارضة المذاهب الأخرى كان رد فعل طبيعي
للعنف والضغط الذي كانت (الشيعة) تنوء به أيام الحكم العباسي.
دولة مستقلة أخرى:
استقل (الحمدانيون) في (الموصل وحلب)، وامتد حكمهم من 317 إلى
394 ه‍.
وظهر باليمن (يحيى بن الحسن بن القاسم الرسي) وهو ابن (إبراهيم
طباطبا)، وملك صعدة وصنعاء، وظهر (القرمطي) بنواحي (البحرين وعمان)
وسار إليهما سنة 279 ه‍ أيام المعتضد، واستمر حكمهم إلى القرن الرابع.
وخلال هذه الفترة استبد (بنو سامان) بما وراء النهر آخر أعوام 260 ه‍،
وامتد حكمهم إلى آخر القرن الرابع، ثم اتصلت دولة أخرى في مواليهم ب‍ (قرنة)
منتصف المائة السادسة.
وكانت للأغالبة بالقيروان وأفريقية دولة أخرى استقلت منذ أيام الرشيد،
واستمرت إلى أوائل المائة الثالثة، ثم أعقبتها دولة أخرى لمواليهم (بني طنج)
موالي كافور إلى الستين والثلاثمائة (1).

(1) راجع سمط النجوم: تأليف عبد الملك بن حسين العصامي المكي الجزء 3، ص 406 و 407.
50

واستقل (بنو بويه) في الحكم من سنة 334، واستمر حكمهم إلى سنة
447، وامتد سلطانهم على جزء كبير من الوطن الإسلامي عن (فارس والأهواز
وكرمان وبغداد) وغيرها.
خدم (البويهيون) التشيع أيام حكمهم، ونشروا المذهب في (إيران والعراق)
وخلفوا تراثا فكريا قيما من بعدهم، ولسنا بصدد الحديث عنه.
وتأسست (الدولة الأيوبية) سنة 564، وامتد سلطانهم أيام (صلاح الدين)
من النيل إلى دجلة، وفي أيامهم وقعت الحب الصليبية المعروفة بين المسلمين
والمسيحيين، وعرفت (الدولة الأيوبية) بطابعها السني المجافي للشيعة.
خلف الأيوبيون في الحكم (المماليك) وهذه السلسلة غريبة في وضعها،
فقد تعاقب الحكم فيها عبيد من جنسيات مختلفة، واستمر سلطانهم نحوا من
قرنين وثلاثة أرباع قرن، وكانوا بشكل عام سفاكين وغير مثقفين (1).
ويقسم المماليك إلى المماليك البحرية (1250 م - 1390 م) والمماليك
البرجية (1382 م - 1517 م) فالبحرية سموا بذلك نسبة إلى النيل، إذ كانت
ثكناتهم تقوم على جزيرة صغيرة في نهر النيل، وكان أكثرهم من الترك
والمغول.
أما البرجية فكانوا في الغالب من الجراكسة.
الجراكسة:
استولى (ملوك الجراكسة) على الحكم بعد المماليك البحرية الذين كانوا
امتدادا لدولة الأيوبيين. وكان ابتداء ملكهم سنة أربع وثمانين وسبعمائة
واستمر حكمهم مائة وثمانية وثلاثون سنة، وكانت عاصمة حكمهم (القاهرة)
وأول ملوكهم الملك الظاهر سيف الدين (برقوق).

(1) راجع تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين: فليب حتى، الجزء 2 ص 267.
51

برقوق:
كان (برقوق) أول عهده عبدا وأتابكا خاصا للملك الصالح الحاجي بن
الأشرف بن شعبان، وهو الرابع عشر من ملوك الأتراك مماليك الأيوبيين
المتغلبين عليهم.
وقد تولى (الحاجي) الحكم وهو ابن عشر سنوات، ولم يكن له من الأمر غير
الاسم، فألزم (برقوق) الأمراء بخلعه، ونصب نفسه للحكم سنة أربع وثمانين
وسبعمائة.
ولكن الأمر لم يصف له، فقد انشق عليه بعد حين من الزمان أمراء عصره
فخرج عليهم (تمريغ الأفضلي) و (بليغ العمري) ونزعا عنه الحكم وملكا مصر
وأعيد حاجي إلى الحكم مرة أخرى، وحبس (برقوق) بالكرك.
ولم يطل الأمر ببرقوق، فقد خرج من السجن وكر ثانيا على أعدائه وجمع
الجيوش وتمكن منهم وأزاحهم عن المسرح واستقل بالأمر إلى أن توفي سنة
801 (1).
علاقة برقوق بالخليفة العباسي:
في عهد برقوق كان القائم بالخلافة هو (المتوكل) محمد بن المعتضد
العباسي، وقد خطب الخليفة قبل أن يفوض إلى برقوق الأمر خطبة بليغة ثم
قلده الأمر بحضور جمع من القضاة (2).
ولكن (برقوق) لم يبق وفيا بالنسبة إلى الخليفة العباسي، فقد خلعه سنة
785 وحبسه بقلعة الجليل، وبويع بالخلافة محمد بن إبراهيم بن المستمسك ابن

(1) راجع سمط النجوم العوالي: الجزء 4، ص 32.
(2) حسن المحاضرة للسيوطي: الجزء 2، ص 88.
52

الحاكم. ولقب (الواثق بالله) فاستمر في الخلافة إلى أن مات يوم الأربعاء سنة
788، فكلم الناس برقوقا في إعادة المتوكل إلى الخلافة فلم يقبل واحضر أخاه
محمد زكريا ولقب (المستعصم بالله) واستمر في الخلافة إلى سنة 791، فندم
(برقوق) على ما فعل بالمتوكل. وأخرج (المتوكل) من الحبس وأعاده إلى الخلافة
وخلع زكريا، واستمر زكريا بداره إلى أن مات مخلوعا، واستمر المتوكل في
الخلافة إلى أن مات.
الوضع الاجتماعي في أيام برقوق:
انهارت الأوضاع الاجتماعية في (مصر) وفي (سوريا) أيام الجراكسة
بشكل عام، لضعف جهاز الدولة، ولتسرب الصليبيين إلى البلدان الإسلامية
فقد جاءت (الحملة الصليبية) عقيب (حملة التتر)، وكان لهما أسوأ الأثر على
الحياة الاجتماعية، وكانت الحروب الداخلية والفتن والاختلافات قائمة على
قدم وساق بين الأمراء والحكام. فقد نصب (برقوق) مرتين وعزل بينهما، وعزل
(الحاجي) ونصب مرتين. وعزل (المتوكل) ونصب.
وذلك كله إذا دل على شئ فإنما يدل على ضعف جهاز الحكم عهد
الجراكسة وفي عهد (برقوق) بشكل خاص، وكثرة الخلافات وكان الناس
يعهدون من قبل أن تخول الإمارة إلى أشراف الأمة ورجالها فانقلب الوضع فيما
انقلب من حياة الأمة في هذه الفترة، وتحولت الإمارة إلى طبقة جديدة من
(العبيد) لم تكن الأمة تستسيغها بعد، فبينما كانوا يعرضون أمس في أسواق
الرقيق للبيع أصبحوا اليوم يحكمون على أمة كبيرة من الناس.
وكان خيال السلطنة في دماغ كل واحد منهم حين يجلب إلى السوق
إلى أن يموت. حتى أن واحدا منهم جلب وهو حقير فاحش القرعة فاحش العرج
قال للدلال الذي يبيعه:
53

هل اتفق تولي الأقرع الأعرج سلطانا؟ (1).
وهذا كان مما يبعث الناس على عدم الخضوع والاستسلام لهذه الدولة
الجديدة.
ولذلك كانت تظهر الفتن الداخلية بصورة هائلة بين حين وحين من هنا
وهناك، ويجد الباحث خلال الكتب التاريخية ما لا يقل عن أربع عشرة فتنة
خطيرة وقعت خلال هذه الفترة.
وزاد الطين بلة ظهور أحداث طبيعية كان لها أكبر الأثر في تردي الحالة
الاقتصادية، كفترات الجدب، والمجاعة. والزلازل، والوباء.
ويخصص المقريزي - وهو ممن أرخ هذه الفترة - كتابا لوصف المجاعات،
والكوارث الطبيعية التي وقعت في هذه الفترة.
وانشغل (برقوق) طيلة إمارته بحروب داخلية وخارجية كثيرة فقضى على
المماليك البحرية، وحارب تمريغا وبليغا، فظهر عليه وخرج من السجن وجمع
الجيوش مرة أخرى فتغلب عليهما.
وفي أيامه أرسل (تيمور لنك) إليه رسالة قاسية اللهجة يدعوه إلى
الاستسلام له دون قيد أو شرط، ويهدده فيما إذا رفض ذلك أن ينزل عليه عذابا
شديدا.
وأجاب عليها (برقوق) برسالة مشابهة لها في قسوة اللهجة، ولم يطل بعد
ذلك أيام (برقوق) حتى توفي (2).
وفي الوقت نفسه كان مهددا من قبل الصليبيين الأفرنج، ومن قبل
المماليك البحرية، فكان انشغال الحكومة بإخماد الفتن الداخلية، ومقاومة

(1) سمط النجوم العوالي: الجزء 4، ص 31
(2) راجع الفتوحات الإسلامية: لزيني دحلان، الجزء 2، ص 105 - 109.
54

الحركات السياسية والعسكرية المعارضة سببا لضعف النشاط الفكري والثقافي
وأعمال الأعمار والبناء والهندسة والفن.
وقد تركت هذه الرحوب والفتن الداخلية أثرا سيئا في حياة الناس
الاجتماعية والاقتصادية، فأشغلت الناس من وجوه النشاط التجاري
والزراعي من جانب، وحمل الناس من جانب آخر تكاليف هذه الحروب
المادية فالحروب تكلف الأمة المحاربة كثيرا من المال، ومن العتاد والزاد.
وطبيعي أن ثقل هذه الماليات كانت تقع على عاتق الأمة فقط وتجبى عن
طريق فرض الضرائب، فكان ذلك باعثا على سيل من الاحتجاجات لا نهاية
لها.
ولم تكن هذه الرسوم الثقيلة على الخيل والقوارب فحسب، بل على
ضروريات الحياة أيضا نظير الملح والسكر. وقد احتكر بعض السلاطين سلعا
معينة، وتلاعبوا بأسعارها، تبعا لمصلحتهم الخاصة (1).
على أن الحكام والأمراء أنفسهم كانوا من الناحية الأخلاقية والدينية
ساقطين مما كان يؤدي إلى عدم وثوق الجمهور بهم.
فكان عدد من السلاطين (من هذه الأسرة) عاجزين وخونة وكان بعضهم
فاسدين، بل ساقطين، وكان أكثرهم غير مثقفين.
وقد عاد نظام تسري الغلمان إلى مثل ما كان عليه من الشيوع في أيام
(العباسيين) وأنهم عدد من المماليك أولهم (بيبرس) ولم يكن السلاطين
وحدهم فاسدين، بل إن الأمراء أيضا وسائر من في الحكم كانوا على جانب
من الفساد (2).

(1) تاريخ سوريا ولبنان: فيليب حتى، الجزء 2، ص 277.
(2) تاريخ سوريا ولبنان: فيليب حتى، الجزء 4، ص 274.
55

وفوق ذلك كانت الخلافات الطائفية بين (الشيعة والسنة) قائمة على قدم
وساق، فقد ظهر (الدولة الفاطمية) كرد فعل لسلوك (الدولة العباسية)
المجافي مع (الشيعة) وقد تمكنت (الشيعة) فترة (الحكم الفاطمي) من
الاستيلاء على (مصر وسوريا والعراق والحجاز واليمن) ونشر (المذهب الشيعي)
في هذه الأقطار على أوسع مجال. فجاءت (الدولة الأيوبية) وأذيالها بعد ذلك
لتعارض هذا (الاتجاه الشيعي) بشكل قاس عنيف.
وللقارئ أن يقدر بعد ما كان يظهر في مثل هذه الأجواء من ردود أفعال،
ومن اصطدام بين (السنة والشيعة) ومن ظهور خلافات طائفية في تافه المسائل
ورخيصها.
وهذه صورة مجملة عن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية
(أيام المماليك الجراكسة) عامة و (برقوق) خاصة.
والآن وبعد ما استوفينا دراسة الحياة الاجتماعية في عهد برقوق نستطيع أن
نعطي صورة عن (حياة الشهيد) السياسية، وجهاده وإنجازاته، ونقدر ظروفه
وعمله.
قضى (الشهيد) الشطر الأخير من عمره في دمشق أيام حكومة برقوق من
(ملوك الجراكسة) على مصر والشام وقد تقدم الحديث عن حكومة (برقوق)
خاصة، والجراكسة عامة.
وكانت حكومة دمشق يومئذ بيد (بيدمر) مندوب برقوق، ويبدو من كتب
التاريخ أن حكومة (الشام) لم تكن مرتبطة بحكومة (مصر) إلا إسميا، فقد
كان حاكم دمشق يستقل في الحكم والإدارة من غير أن يراجع المركز في شئ
من شؤون الإدارة والحكم.
ومهما يكن من شئ فقد قضى (الشهيد) جزءا كبيرا من عمره في دمشق
إحدى (حواضر العالم الإسلامي) في وقته.
56

وقدر للشهيد أن يكون لنفسه في الشام مكانة اجتماعية، وفكرية كبيرة،
ويفرض نفسه على مجتمع (دمشق) بشكل خاص، ومجتمع سوريا بشكل عام،
وأن ينفذ إلى جهاز الحكم كما سنجد ويستغله لغاياته الإصلاحية.
كان الشهيد في دمشق على اتصال دائم بالحكام والأمراء والشخصيات
السياسية البارزة في وقته. ونعرف ذلك من إقناع (الشهيد) الحكومة لمحاربة
(اليالوش) المتنبي الذي سنبحث عنه فيما يأتي من هذه الرسالة وكان بيته ندوة
عامرة لأصحاب الفضل والعلم، وطلاب المعرفة، وعلماء دمشق والأقطار
المجاورة الذين كانوا يزورون دمشق بين حين وحين أو يمرون عليها، فكان لا يخلو
بيته على الدوام من الزوار من أصحاب الفضل، وأصحاب الحاجة الذين
كانوا يقصدون (الشهيد) للتوسط لتيسير حاجاتهم لدى المراجع الحكومية.
وعلى الرغم من توتر العلاقات بين (الشيعة والسنة) فقد كان (الشهيد)
يحتل مكانة عملية مرموقة بين (علماء السنة) فكانوا يحضرون مجلسه في بيته
للاستفادة. وللمناقشة، ولحل مشكلات الفقه والكلام في كثير من الأحيان.
ومن حرص (الشهيد على توحيد الكلمة كان يتجنب في مجلسه الخوض في
مسائل الخلاف بين (الشيعة والسنة) وإثارة الخلافات الكلامية فيما بينهم على
صعيد الجدل، فكان يخفي ما كان بيده من كتابة حين كان يزوره أعلام السنة
في مجلسه، حتى أنه عد من كراماته أنه حينما ابتدأ بكتابه (اللمعة الدمشقية) لم
يمر عليه زائر من علماء السنة ووجهاء دمشق إلى أن تمت كتابة هذه الرسالة في
سبعة أيام.
وهذه الرواية تدل على حرص (الشهيد) أولا على عدم إثارة المسائل
الخلافية، والمحافظة على وحدة الكلمة بين المسلمين في ظروف اجتماعية
مضطربة التي لمحنا منها بعض الملامح فيما تقدم من هذا الحديث.
وتدل ثانيا على أن بيت (الشهيد) كان آهلا بمختلف الطبقات من علماء،
57

ووجهاء من شيعة وسنة من دمشق وخارجها.
ولم يبق (الشهيد) هذه الفترة الطويلة في (دمشق) عاطلا عن العمل
والنشاط، ولم ينتقل من (جزين) إلى (دمشق) لغير سبب ولم يكن الشهيد
بالشخص العاطل المهمل في الحياة، فقد حاول أولا أن يكون لنفسه مكانة
مرموقة في الأوساط الاجتماعية والفكرية، وهو عمل جبار إذا لا حظنا الظروف
التي عاشها (الشهيد) والفجوات الكبيرة التي كانت بين (السنة والشيعة) في
ذلك الوقت.
وحاول ثانيا أن يستغل نفوذه في الأوساط السياسية، ومكانته الفكرية في
الإصلاح. والتوجيه، وتوحيد الكلمة، والضرب على أيدي العابثين والمغرضين،
فأخمد ثورة (اليالوش) المتنبي، وملأ الفجوات التي كانت تفصل (الشيعة عن
السنة) وقلص حدود الخلافات المذهبية والطائفية.
وقد كان الخلاف في وقته قائما على قدم وساق بين (السنة والشيعة) ومن
ورائها كانت الصليبية تغذيها وتلهمها بمختلف الوسائل وكانت الحكومات تجد
في ذلك كله إلهاءا لذهنية المسلمين، وتخديرا لنفوسهم.
صلات الشهيد مع حكومات عصره:
ولسنا نعلم هل كان بين (برقوق) والخليفة العباسي، وبين الشهيد صلات
قائمة، وعلاقات شخصية أم لا، وإنما نعلم أن (الشهيد (كان في وقته شخصية
اجتماعية، وفكرية مرموقة في دمشق، وليس في دمشق فقط، فقدر له أن يزور
أكثر حواضر العالم الإسلامي في وقته، وأن يتصل بطبقات العلماء والوجهاء،
وأن يسمعهم ويستمع إليهم، ويكون معهم روابط اجتماعية.
وفيما بين أيدينا من كتب التاريخ لا نجد في معاصري (الشهيد) شخصية
علمية واجتماعية تبلغ مستوى الشهيد من الشهرة والثقافة.
58

فكان ذائع الصيت معروفا في أكثر الحواضر الإسلامية في وقته، وله
صلات بكثير من علماء عصره وأمرائهم. ولم يحفظ لنا التاريخ مع الأسف شيئا
كثيرا من ذلك. إلا أن ما بين أيدينا من رسائل العلماء والملوك إليه وزيارة
الشخصيات العلمية والسياسية له إلى دمشق يكفي للدلالة على ما نقول.
وكان (الشهيد) على اتصال وثيق بحكومات الشيعة في وقته، وله معهم
اتصالات وعلاقات سرية وعلنية كحكومة خراسان.
وفيما بقي لدينا من رسائل ملوك، وعلماء الشيعة إلى (الشهيد) نلمس بوضوح
مكانة الشهيد بين (الشيعة) حكومة ورعية ورجوع الطائفة إليه في شؤونهم
العامة، فلا نعرف فقيها شيعيا بمستوى (الشهيد) في الفقاهة والمرجعية في هذه
الفترة، وكانت (الشيعة) حكومة ورعية في (خراسان) وفي (فارس) وفي
(الري) مشوقين إلى زيارته، يلتمسون من بين حين وآخر أن يزورهم، ويقدم
عليهم ولو إلى حين.
وبين أيدينا رسالة (لعلي بن مؤيد) حاكم خراسان من ملوك
(السربدارية).
وقبل أن نعرض صورة الرسالة أحب أن أعطي صورة عن حكومة
(السربدارية) في خراسان، وعلاقة الشهيد بهم.
حكومة السربدارية:
حكومة (السربداران) حكومة شيعية استولت على الحكم في خراسان بعد
وفاة محمد خدابنده من ملوك المغول بعد معارك دامت وذلك في سنة 738
واستمرت إلى سنة 783، فاندمجت في حكومة (التتر) وانقرضت بعد ذلك
بسنوات قليلة.
وتولى الحكم فيها عدد من الملوك كان آخرهم (علي بن مؤيد).
59

تولى الحكم سنة 766. وعرف (علي بن مؤيد) بالعدل والاحسان إلى
الضعفاء، وبالعناية بالشؤون الفكرية والعمرانية، والاهتمام بنشر (التشيع)
وتعريفه وولائه لأهل البيت، وتفانيه في سبيل الدين.
وكان من أفضل ملوك (السربدارية) وأعدلهم، وفي أيامه تحسنت الأوضاع
الاجتماعية والاقتصادية.
ورغم هجوم (التتر) في أيامه إلى البلدان الإسلامية فقد استطاع أن يصون
(خراسان) عن هجوم التتر، ويصون دماء المسلمين.
توفي سنة 795، أي بعد تسع سنوات من شهادة (الشهيد) وكان للشهيد
علاقات وثيقة، ومراسلات مع (علي بن مؤيد) أيام كان في العراق واستمرت
هذه العلاقات والمراسلات حين استقر في جزين ودمشق.
كان الملك (علي بن مؤيد) يتحف الشهيد بين حين وحين بهدية رمزا
لولائه وإخلاصه.
منها: نسخة من القرآن الكريم عرفت بعد ذلك بهدية (علي بن مؤيد) كما
في وثيقة (بنت الشهيد) المتقدمة:
ومنها: (الصحيفة السجادية).
وفي أواخر حياة الشهيد - حين كان الشهيد مراقبا من قبل السلطة لتهم
وجهها إليه المغرضون. لشل حركته الإصلاحية. وتحطيم شخصيته الاجتماعية -
أوفد (علي بن مؤيد) إلى الشهيد رسولا يلتمس منه باسم (علي بن مؤيد)
وأهالي خراسان أن يقبل عليهم، ليعرضوا عليه ما يشكل عليهم من المسائل
الفقهية، وليرجعوا إليه فيما يهمهم من شؤون الحياة.
رفض (الشهيد) الذهاب إليه، نظرا لمراقبة السلطة له، ولأمور أخرى
لا نعلمها الآن. وكتب له رسالة (اللمعة الدمشقية) لتكون مرجعا فقهيا
للخراسانيين فيما يعرض لهم من مسائل الفقه، وأودعه عند (الآوي) ليأخذها
60

معه إلى خراسان.
وإلى القارئ نص الرسالة التي أرسلها السلطان (علي بن مؤيد) إلى
الشهيد من (خراسان):
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام كنشر العنبر المتضوع * يخلف ريح المسك في كل موضع
سلام يباهي البدر في كل منزل * سلام يضاهي الشمس في كل مطلع
على شمس دين الحق دام ظله * بجد سعيد في نعيم ممتع
أدام الله تعالى مجلس المولى الهمام، العالم العامل، الفاضل الكامل،
السالك الناسك. رضي الأخلاق، وفي الأعراق، علامة العالم، مرشد الأمم،
قدوة العلماء الراسخين، أسوة الفضلاء والمحققين، مفتي الفرق، الفارق بالحق،
حاوي الفضائل والمعالي، حائز قصب السبق في حلبة الأعاظم والأعالي، وارث
علوم الأنبياء والمرسلين، محيي مراسم الأئمة الطاهرين، سر الله في الأرضين،
مولانا شمس الملة والدين، مد الله أطناب ظلاله بمحمد وآله من دولة راسية
الأوتاد ونعمة متصلة الأمداد إلى يوم التناد.
وبعد: فالمحب المشتاق مشتاق إلى كريم لقائه غاية الاشتياق، وأن يمن بعد
البعد بقرب التلاق:
حرم الطرف من محياك لكن * حظي القلب من محياك ريا
ينهي إلى ذلك الجناب - لا زال مرجعا لأولي الألباب - إن (شيعة خراسان)
صانها الله عن الأحداث، متعطشون إلى زلال وصاله والاغتراف من بحر فضائله
وإفاضاته، وأفاضل هذه الديار قد مزقت شملهم أيدي الأدوار. وفرقت جلهم،
أو كلهم صنوف صروف الليل والنهار.
قال (أمير المؤمنين) عليه السلام رب العالمين: ثلمة الدين موت العلماء وإنا
61

لا نجد فينا من يوثق بعلمه في فتياه، ويهتدي الناس برشده وهداه، فهم يسألون
الله تعالى شرف حضوره، والاستضاءة بأشعة نوره والاقتداء بعلومه الشريفة،
والاهتداء برسومه المنيفة، واليقين بكرمه العميم وفضله الجسيم أن لا يخيب
رجاءهم. ولا يرد دعاءهم، بل يسعف مسؤولهم، وينجح مأمولهم.
قال الله تعالى: والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل.
ولا شك أن أولي الأرحام أولى بصلة الرحم الإسلامية الروحانية وأحرى
القرابات بالرعاية القرابة الإيمانية ثم الجسمانية، فهما عقدتان لا تحلهما الأدوار
والأطوار بل شعبتان لا يهدمهما إعصار الأعصار.
ونحن نخاف غضب الله على هذه البلاد، لفقدان الرشد، وعدم الإرشاد
والمأمول من إنعامه العام، وإكرامه التام أن يتفضل علينا، ويتوجه إلينا متوكلا
على الله القدير، غير متعلل بنوع من المعاذير إن شاء الله تعالى.
والمتوقع من مكارم صفاته، ومحاسن ذاته إسبال ذيل العفو على هذا الهفو،
والسلام على أهل الإسلام. المحب المشتاق (1).
علي بن مؤيد
فتنة اليالوش:
كان اضطراب الوضع السياسي والاجتماعي في البلدان الإسلامية (عصر
الشهيد) يحمل نواة ظهور بدع في التفكير والعقيدة، وألوانا جديدة من الفتن
والمحن.
ومثل هذه الحياة المضطربة فكريا وسياسيا يعتبر مجالا خصبا للاستثمار
والاستغلال غير المشروعين من قبل ذوي الأعراض في كل مكان.

(1) روضات الجنات الطبعة الحجرية: الجزء 3، ص 2.
62

واجه (الشهيد) في حياته أيام كان يسكن (دمشق) مثل هذه الظروف
العقائدية، والسياسية المرتبكة
وكان أكثر ما يخشاه (الشهيد) أن يكون هذا الاضطراب مبعثا لظهور بدع
جديدة في الدين، واتساع فجوة الخلاف بين (السنة والشيعة) فظهور الانشقاق
في الطائفة عن طريق تسرب عناصر غريبة على كيان الطائفة لإحداث البلبلة
والانشقاق داخل الكيان الشيعي.
وربما كان ذلك من أسباب اختيار (الشهيد) لدمشق موطنا لنفسه ليكون
قريبا من الحركات الفكرية والسياسية، وليشرف على الوضع من قريب،
فارتبط بكثير من أقطاب العلم والسياسة في وقته، وفسح من مجلس درسه
وندوته اليومية في البيت، ليحضره أكبر عدد من العلماء والساسة.
ففي هذه الظروف، ورغم احتياطات (الشهيد) ظهر في جبل عامل شخص
يسمى بمحمد الجالوش، أول (اليالوش)، ويقال: إنه كان من تلامذة الشهيد.
ومن الشيعة من قبل، يدعو إلى مذهب جديد ويستغل الوضع في توسيع فجوة
الخلاف بين (السنة والشيعة) وإيجاد فجوة في الطائفة ذاتها.
ولا تحدثنا كتب التاريخ عن شكل هذه الدعوة الجديدة ومحتواها وعن
الشخص والمدعو بالجالوش، أو اليالوش غير ما سمعت، ومع كثرة ما فحصنا في
كتب التاريخ والتراجم التي تترجم رجال القرن الثامن الهجري لم نعثر على
شخص بهذا الاسم، ولم نعثر على شرح أكثر عن هذه الدعوة.
إلا أن الذي يغلب على الظن أن الدعوة كانت مطبوع بطابع (التصوف)
والإيمان بوحدة الوجود، ويبدو أن (الجالوش) كان خطيبا متكلما لذقا، حلو
البيان مشعوذا، استطاع أن يشد إلى دعوته الجديدة ناسا من السذج من (الشيعة
والسنة) فأربك الوضع (الشهيد) وخاف أن تشيع هذه البدعة الجديدة،
ويتسع إطارها، ويكون خطرا جديدا على كيان الأمة، وفجوة جديدة في جسم
63

الأمة، فاتصل بالبلاط وأقنع الجهاز بضرورة تلافي الأمر قبل أن يستفحل،
فجهزت (حكومة دمشق) جيشا، واصطدموا بمعسكر (اليالوش) بمقربة من
النبطية النوقا، فقتل (اليالوش) وتمزق شملهم.
إلا أن هذا الهزيمة لم تكن كافية للقضاء على هذه البدعة الجديدة فقد أتيح
(لليالوش) أن يشق طريقا لنفسه بين المبتدعين والمشعوذين وأن يجمع حوله نفرا
من السذج البسطاء، ونفرا من المشعوذين المحتالين الذين كانوا يترقبون الزعامة
من بعده.
وكان كذلك، فقد انتقلت زعامة الدعوة الجديدة بعد مقتل (اليالوش) إلى
تقي الدين الجبلي أو (الخيامي) من أهالي الجبل، ومن بعد وفاته تولى الزعامة
بعده شخص آخر يدعى ب‍ (يوسف بن يحيى) وكان لهذين الرجلين الجبلي،
ويوسف بن يحيى إصبع في شهادة (الشهيد) بالوشاية عليه عند (بيدمر) حاكم
دمشق، وقضاة (بيروت وحلب ودمشق) في قصته التي سنلم بأطرافها قريبا (1).
مقتل الشهيد:
العاملون قلة من الناس في كل زمان، ولكنهم رغم قلتهم أقوياء وعلى
أيديهم يتم بناء التاريخ، وتقرير مصير البشرية.
والعامة من البشر (الدهماء) ليس لهم رأي في هذه الحياة، وليس لهم
هدف، وتأثير فيها.
وليس المقياس قلة العدد وكثرته، وإنما المقياس (الهدف).
فكلما كان الإنسان فارغا لم يتسع فكره لأكثر من هم بطنه وشهوته كان
جزءا مهملا على وجه الأرض.

(1) راجع دراسة هذه الفتنة: روضات الجنات، مجلة العرفان، الكنى والألقاب، وبعض حواش اللمعة
في المكاسب - وحياة الإمام الشهيد الأول.
64

وكلما كان الإنسان هادفا في حياته إنسانيا في سلوكه، حركيا عمليا يتوسع
فكره لأكثر من نفسه، ويتسع صدره لغير (الأنا) و (الذات) كان أكثر تأثيرا
في مصير الناس، وبناء التاريخ. وكانت النتيجة بجانبهم ولصالحهم. وذلك
لسبب بسيط، فالذي يملك هدفا في الحياة لا بد أن يترك أثرا فيها ويطبع الحياة
بطابع من هدفه بعكس الذي لا يملك هدفا، فإنه لا يهمه أن يتحقق هذا
الهدف، أو لا يتحقق ويطبع الحياة هذا الطابع أو لا يطبعها، وإنما الذي يهمه هو
أن يرتع ويلعب ويخوض مع الخائضين ويعبث مع العابثين.
وطبيعة هذه الحياة غير الهادفة تنتهي بالشخص إلى الضياع بعكس الذين
يملكون هدفا في الحياة فلا يمكن أن يضيعوا، ولا يمكن أن تغطيهم الاتجاهات
الأخرى، ولا يمكن أن يقضي التاريخ على معالمها وملامحها.
وبهذا الشكل نجد أن لا تعارض هناك بين الإنسان الهادف، والإنسان غير
الهادف، وأن الإنسان الهادف يشق طريقه من بين صنوف غير الهادفين،
ولذلك فالعاقبة دائما لصالح العاملين الصالحين، والنتيجة لهم ومهما تحملوا من
عناء، ومهما وجدوا أذى، ومهما لاقوا من محن، ولأمر ما قال الله تعالى:
إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (1).
وهذا ما يدفع العاملين أن يخوضوا ميادين الكفاح الجهاد، ولا يفكروا في
راحة وسكون. فالراحة والنعيم والسكون والهدوء لم تخلق لهم ولم يخلقوا لها،
وإنما خلقوا للون آخر من الحياة يملؤها النشاط والحركة والثورة، وكفاهم أن
تكون النتيجة بعد ذلك بجانبهم والعاقبة لهم، وأن العمل لله.
وليس المهم بعد ذلك أن يلاقوا ألوانا من العنت والتعب، والمحنة والأذى،
وأن يضحوا في سبيل ذلك بكل شئ: بأموالهم، وأولادهم ونفوسهم، وأن

(1) الأعراف: الآية 127.
65

يريقوا في سبيل الله دماءهم.
وليس المهم لديهم أن تراق دماؤهم، وإنما المهم لديهم أن تروى جذور هذه
الشجرة، وليس المهم أن يجتث العدو رؤوسهم من أجسامهم وإنما المهم لديهم
أن تترسخ أصول هذا الدين في قلوب الناس، وليس المهم أن لا يفتحوا بعد
عيونهم على الشمس وإنما المهم لديهم أن يستمر إشعاع هذه الرسالة على وجه
الأرض، وليس المهم أن تنقطع حياتهم على ظهر هذا الكوكب، وإنما المهم أن
يعيش هذا الدين.
فحياتهم حياة الرسالة، واستمرارهم على وجه الأرض استمرار هذا الدين،
وسكونهم وحركتهم وسعيهم وقف لهذا الدين.
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (1).
تلك لمحة عن حياة العاملين، وعن تأثيرهم في الحياة.
وكان (الشهيد) من هؤلاء العاملين، وعلى القمة من العمل الإسلامي.
كانت حياة سلسلة طويلة من الجهاد والكفاح والعمل والحركة ولم يعرف
في حياته يوم كان يعيش مع الناس، ويضطرب معهم في مسالك الحياة معنى
لما يسمى بالراحة والسكون والاطمئنان.
كان اطمئنانه في الاضطراب. وسكونه في الحركة، وراحته في تحمل الأذى
والعذاب.
فيوم يقطع المسافة الشاسعة بين (جزين) و (الحلة) وهو بعد طفل لم يتجاوز
سني المراهقة بطلب العلم.
وتارة أخرى يقطع المسافات الشاسعة، ليتصل بأقطاب العلم والسياسة في
الحواضر الإسلامية، وليمهد الظروف لتكوين (وحدة إسلامية) شاملة،

(1) الأنعام: الآية 163.
66

وتعريف (الشيعة) إلى المذاهب الأخرى، ومسح مظاهر التشويه عنها لتقريب
المذاهب، وملء الفجوات التي خلفتها الأيادي الدخيلة.
وثالثة يعود إلى (جزين) ليبني فيها مدرسة.
ورابعة يعود إلى (دمشق) ليشرف على الوضع من قريب، وليوجه الملوك
ويتصل بهم. ويؤثر في سلوكهم وسيرهم.
وكذلك حياته حلقات متصلة من الجهاد، وسلسلة طويلة من الكفاح.
وأروع ما في هذه الحياة، وأجمل ما في هذه الصورة هذه الخاتمة المشرفة التي
ختمت حياة شيخنا الشهيد بها، والتي تطبعها بطابع البقاء والخلود وتدرجه في
سجل الخالدين.
فلم يكن ينقص هذه الحلقات المتصلة من الجهاد والكفاح غير أن يصبغها
في نهاية حياته بحمرة قانية من دمه، ويسمها بشارة الجهاد والعمل حياة بدايتها
سعي، وأوسطها جهاد، وخاتمتها شهادة.
وكذلك حياة العاملين المجاهدين في سبيل الله.
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (1).
(صدق الله العلي العظيم)
ومن جناية التاريخ على أبطال الإنسانية أنه يحاول دائما أن يغطي سير
المصلحين والعاملين بغطاء كثيف من الإبهام والغموض.
وليس بأيدينا عن شهادة (الشهيد) إلا فلتات من أقلام المؤرخين فلتت عن
أقلامهم من غير اختيار، أو من دون أن يشعروا، وإلا الشئ اليسير الذي سجله
لنا المنصفون من المؤرخين مطويا بالإبهام والغموض.
وليست حياة (الشهيد) وشهادته بدعا من حياة الشهداء من المجاهدين

(1) الأعراف: الآية 169.
67

والعاملين، فقد كان المؤرخون يسيرون في الغالب في ركب الملوك وبلاط
الملوك، وطغمة الجبابرة والمفسدين لقاء أجور زهيدة يلقونها إليهم، ولذات
رخيصة من العيش يتيحونها لهم.
وكان نتيجة ذلك كله أن كان (للتاريخ الإسلامي) تاريخا مشوها مشوش
المعالم لا يعبر إلا عن اتجاهات البلاط، ولا يدافع إلا عن تبذير الملوك والخلفاء
وإسرافهم.
فكل شئ يحصل في البلاد من وجوه الفساد والتبذير محاط بهالة من
التقديس، وكل حركة ترمي إلى إحاطة كيان هؤلاء الطغاة والفاسدين توسم
بسمة الفساد والطغيان والإجرام.
وليس يتعجب القارئ بعد ذلك إذا وجد مؤرخا من هؤلاء الساقطين
الذين يتبعون ركب الجبابرة بذلة وهوان. ليتلقوا لقمة ذليلة من العيشة ويلاحظ
رخيصة في الحياة.
يقول الحنبلي بصدد الحديث عن أحداث سنة 886:
وفيها قتل محمد بن مكي العراقي الرافضي. كان عارفا بالأصول والعربية
فشهد عليه بدمشق بانحلال العقيدة، واعتقاد مذهب النصيرية واستحلال الخمر
والصرف، وغير ذلك من القبائح. فضربت عنقه بدمشق في جمادي الأولى،
وضربت عنق رفيقه عرفة بطرابلس، وكان على معتقده (1).
ولا نريد نحن أن نعلق على هذا الحديث، وقد لا يدل هذا التهريج أن نعلق
عليه، وأن نتحدث عنه، وإنما المحاسبة إلى يوم عسير.
ومهما يكن من أمر فلا زالت بين أيدينا ملامح من قصة شهادة (الشهيد)
رحمه الله. نستطيع عن طريقها أن نستكشف أسباب هذا الحادث وعلله.

(1) شذرات الذهب في أخبار من ذهب - لعبد الحي بن العماد الحنبلي، الجزء 6، ص 294.
68

احتل (الشهيد) في المدة التي عاش فيها بدمشق مكانة اجتماعية راقية
فكان موضع حفاوة الطبقات المختلفة، واكتسب شعبية كبيرة، وأصبح ملجأ
للناس في حاجاتهم. وللعلماء في التدريس (سنة وشيعة) كما التف حوله كثير
من أقطاب السياسة والحكم في دمشق. وخارج دمشق.
واستطاع أن يتجاوز بنفوذه الروحي والإسلامي حدود (سوريا والعراق)
ويشد الملوك والحكام من الأطراف إليه، كان منهم (علي بن مؤيد) ملك
(خراسان) فيما يحدثنا به التاريخ.
ولا يستطيع الباحث أن يقول: إن اتصالات (الشهيد) السياسية كانت
مقتصرة على الزعماء السياسين في (دمشق والعراق وإيران) وإنما كان ذلك
نموذجا من اتصالات الشهيد بزعماء الدول الإسلامية في وقته احتفظ لنا
التاريخ، ولم يضع معالمه.
ذلك كله يدلنا على أن (الشهيد) استطاع أن يحقق لنفسه في هذه المدة
مكانة سياسية واجتماعية خطيرة جعلت حكومة (بيدمر) بدمشق تخشاه
وتحسب له ألف حساب.
فقد كانت الحكومة يومذاك ضعيفة تخاف كل حركة داخل البلاد
وخارجها. به خافت على نفسها منه فحاولت أن تقضي عليه لتأمن جانبه.
هذا من الجانب السياسي. ومن الجانب العلمي كان علماء البلاط
(القضاة) يومذاك قبل هجرة الشهيد إلى دمشق وتمركزه فيها لهم مكانة
اجتماعية ودينية بين الناس. فحين عرف الناس مكانة الشهيد، وألفوا سعة
صدره التفوا حوله وانحسروا عنهم. فضعفت مكانتهم الاجتماعية، ووجدوا في
بقاء (الشهيد) خطرا على مصالحهم ومكانتهم.
وكان من هؤلاء العلماء (برهان الدين ابن جماعة (1) كان رجلا من

(1) ذكر العلامة الأميني في شهداء الفضيلة ص 87: أنه قتل بفتوى برهان الدين المالكي. وعباد بن
جماعة الشافعي.
وفي غالب الظن أنه اعتمد في ذلك على نقل صاحب الروضات حيث ذكر ص 592: " بفتوى
المالكي يسمى برهان الدين وعباد بن جماعة الشافعي ".
وفيما أظن أن برهان الدين، وابن جماعة شخص واحد وليسا باثنين واسمه الصحيح برهان الدين
بن إبراهيم بن جماعة الكناني، فلم أعثر فيما بين يدي من المصادر على قاضيين في هذا العهد بدمشق
بهذا الاسم، والموجود في كتاب قضاة دمشق لشمس الدين ابن طولون هو (برهان الدين إبراهيم بن
جماعة) وكان قاضي دمشق سنة شهادة الشهيد. فيغلب على الظن أن يكون هذان الشخصان شخصا
واحدا وليسا بشخصين.
69

المتفقهين الذين استخدموا لخدمة البلاط في (مصر ودمشق) ويجري لعابهم
لمظاهر الفخفخة من القضاء والفتيا والخطابة والإمامة التي كانت تتيحها لهم
الحكومة في وقته. فقد كتب خطابة القدس باسمه، واستنيب له مدة ثم باشر
بنفسه وهو صغير. ثم أضيف إليه تدريس الصالحية بعد وفاة الحافظ
(صلاح الدين العلاني) ثم ولي نظر (القدس والخليل) ثم خطب إلى قضاء
الديار المصرية بعد عزل (ناصر الدين بن أبي البقاء).
وبلغه أن بعض فقهاء البلد يعيبه بأنه قليل العلم. ولا سيما بالنسبة إلى
الذين عزل به، فأحضر بعض من قال ذلك، ونكل به، ثم أوقع بآخر ثم بآخر،
فهابه الناس.
ثم إن القاضي (محب الدين) ناظر الجيش عارضه في حكاية فعزل نفسه.
ثم سأل العود إلى القضاء فأعيد في صفر سنة أربع وثمانين، ثم عاد إلى
القدس، ثم خطب إلى قضاء دمشق والخطابة بعد موت (القاضي ولي الدين) في
ذي القعدة سنة 885 من ولايته، وقام في أمور كبار فتحت له ففي سنة تسع
وثمانين وقع بينه وبين (الشيخ زين الدين القرشي) وأخذ منه الناصرية وأهانه
هو والشيخ (شهاب الدين الحسباني) ومنعهما من الإفتاء ونودي عليهما، ثم هربا
70

منه إلى مصر فردا من الطريق ورفعا إلى القلعة (1).
ويلقي هذا النص التاريخي ظلا على شخصية (ابن جماعة) فيبدو مما تقدم
أنه كان من متفقهة بلاط الجراكسة في (مصر وسوريا وفلسطين) ومم تروقه
ضخامة العناوين، والتقلب في المناصب الحكومية، وإن كان على حساب
الآخرين وإهانتهم وتعذيبهم.
فهو يتحول من خطابة إلى تدريس، إلى إمامة، إلى قضاء، إلى تولية، إلى
مشيخة، ويضم في وقت واحد المشيخة إلى القضاء، إلى الخطابة وتستدعيه
الحكومة من بلد إلى بلد.
وتعزل الحكومة (ناصر الدين بن أبي البقاء) لأمر ما من قضاء مصر،
فيستدعى لها (ابن جماعة) من القدس. يم يتحدث ناس من الفقهاء في ذلك،
ويقيسون بينه وبين القاضي السابق في العلم والدين فيحضرهم وينكل بهم
فيها به (الناس) ثم يصطدم في دمشق بالشيخ (زين الدين القرشي) والشيخ
(شهاب الدين الحسباني) فيأخذ منهما الفتيا والقضاء ويمنعهما من الفتيا، وينادي
عليهما فيهربان منه، فتعثر عليهما الحكومة فتردهما إلى القلعة محبوسين.
كل ذلك يثير في نفوسنا الشك، ويسم (ابن جماعة) بعلامات استفهام
كبيرة: ممن يكون هذا الرجل الذي تعنى به الحكومة بهذا الشكل وتقدم له
مناصب كبيرة في القضاء والخطابة والفتيا والتولية بسخاء وتقضي على أعدائه.
ويصطدم هو بمشائخ الفقه والقضاء، ويمنعهم بقوة عن الفتيا فيهربون منه.
وينقده ناس بقلة العلم والدين؟.
ولا نريد أن نتحدث عنه، وإنما أردنا أن نسلط على هذا الشخص الذي
اصطدم في دمشق بشيخنا (الشهيد) بعض الأضواء، لنعرف ملامح من

(1) قضاة دمشق تأليف شمس الدين بن طولون: ص 113 - 114.
71

شخصيته، فقد وجد (برهان الدين بن جماعة) - وهو الشخص الذي تروقه
الألقاب الضخمة، والمكانة المحترمة، والمناصب الكبيرة - أن (الشهيد) استطاع
في مدة يسيرة من بقائه بدمشق أن يستولي على قلوب الناس، وأن يحتل مكانة
رفيعة، ويكون له علاقات مع أقطاب العلم والسياسة في وقته، وأن يستقطب
حوله طلبة العلم والفضلاء، والساسة من دمشق وخارجه. فحاول أن يغض منه
ويهينه، ويحط من مكانته.
فاجتمع به ذات يوم. وفي غالب الظن أن الاجتماع كان ببيت (الشهيد)
حيث كان أمامه داوة يكتب بها، وهذه الوضعية لا تخلو عن ابن جماعة.
كان في بيته وتحدثا في مسألة واختلفا فيها، وكان يحضر المجلس جمع كبير
من الفقهاء والأعيان، فعز على (ابن جماعة) أن يرد عليه (الشهيد) ويفحمه
بمحضر من الناس، فأراد أن يهينه، وكان الشهيد ذا جثة نحيفة بعكس (ابن
جماعة) الذي يملك جثة ضخمة.
فقال للشهيد: إني أجد حسا من وراء الدواة ولا أفهم ما يكون معناه؟
تعريضا بنحافة جسمه، وتحقيرا لرأيه.
فأجابه الشهيد على الفور: " نعم ابن الواحد لا يكون أعظم من هذه " (1).
فخجل (ابن جماعة) وسكت عن الكلام، وازداد غيظا على غيظ وحقدا
على حقد.
هذا بالإضافة إلى دسائس أتباع (اليالوش) فلم يقدر للشهيد أن يجتث هذه
الفرقة من الجذور كما ذكرنا فيما تقدم من هذا الحديث، فبقي من الفرقة فروع
تزعمها (تقي الدين الجبلي) فالتف حوله ما بقي من أتباع (اليالوش).
وكان (الشهيد) يحاول الكرة على ما تبقى من أتباع (اليالوش) حينما تتاح له

(1) لاحظ روضات الجنات الطبعة الحجرية، الجزء 3، ص 593.
72

الفرصة، ليجتث جذور هذه الطائفة الجديدة من الأعماق فكان (الجبلي)
يحاول أن يقضي على (الشهيد) بشكل من الأشكال قبل أن يستطيع أن يقوم
بشئ تجاه هذه الفرقة، فوشى به إلى (بيدمر).
هذه كانت أهم العوامل في التفكير في القضاء على شيخنا (الشهيد).
ولم يكن طبقا القضاء على (الشهيد) - وهو الشخصية الإسلامية والعلمية
الفذة في وقته - بالأمر اليسير، فكان لا بد من التدريج ولا بد من تزييف تهم
عليه.
فكانت الخطوة الأولى في العمل هي محاولة حبسه، وإخفائه عن الناس
حتى تقل اتصالاته بالناس، ويتيح لهم ذلك التدرج إلى قتله، والقضاء عليه،
فسجن سنة كاملة بقلعة دمشق.
ويقال: إنه كتب (اللمعة الدمشقية) في هذه السنة في الحبس.
وطال الحبس على (الشهيد) وانقطعت صلاته بالناس. وضج الناس،
ورفعوا أصواتهم بالاحتجاج، فخاف (بيدمر) حاكم دمشق من ثورة الناس،
ومن أن يهجم الناس على السجن وينقذوا الشهيد ويستولوا على الحكم، فحاول
أن يقضي على (الشهيد) ويريح نفسه منه.
ولكن ذلك كان يؤدي إلى إثارة مشاعر الناس من محبي الشهيد ومريديه،
فكان لا بد من وضع منهج مخطط للعمل، فقدم أتباع (اليالوش) وكانت الزعامة
يومذاك لرجل يدعى (يوسف بن يحيى) فكتب محضرا يشنع فيه على (الشهيد)
بأقاويل نسبها إلى الشهيد، وشهد عليه سبعون نفسا من أتباع (اليالوش)،
وأضيف إلى هذه الشهادات شهادة ألف من المتسننين من أتباع (ابن جماعة)
ونظائره، فحصلت من ذلك ملفة كبيرة.
فقدمت إلى قاضي بيروت.
وقيل: قاضي صيدا، وأتوا بالمحضر إلى (ابن جماعة) فنفذه إلى القاضي
73

المالكي، وقال له: " تحكم برأيك) وهدده بالعزل، فعقد مجلسا للقضاة حضره
الملك والقضاة وجمع كبير من الناس، و (الشهيد) رحمه الله، فوجهت إليه التهم
فأنكر ذلك، فلم يقبل منه الإنكار.
وقيل له: قد ثبت ذلك عليك شرعا ولا ينتقض حكم الحاكم.
فقال الشهيد رحمه الله: الغائب على حجته. فإن أتى بما يناقض الحكم جاز
نقضه، وإلا فلا، وها أنا أبطل شهادات من شهد بالجرح ولي على كل واحد
حجة بينة.
وهو كلام معقول، إلا أن ذلك لم يسمع منه، وعاد الحكم إلى المالكي
فقام وتوضأ وصلى ركعتين، ثم قال: قد حكمت بإهراق دمه.
وإذا كنا نحن نفهم أن الأغراض والمصالح الشخصية قد تبرز لابن جماعة
ولبيدمر، وغيرهما أن يقضوا على (الشهيد) ويقتلوه فلا نفهم مغزى هذه المعاملة
التي عومل بها الشهيد بعد وفاته.
فلم يكن الغرض هو القضاء على (الشهيد) فقط، وإلا كان الشهيد قد لقي
حتفه بالضربة الأولى من السيف وإنما كان الغرض هو إهانة (الشهيد) بعد
وفاته، والحط من مكانته حتى بعد موته، ويجب أن يبلغ الإنسان الغاية من
الوضاعة، والانحطاط الخلقي، والاسفاف والحقد حتى يستشفي بإهانة قتيل قد
أزيح عن ميدان المعارضة.
فقد قتل (الشهيد) بدمشق، ثم أمر بصلبه وهو مقتول بمرأى من الناس،
ويحيطه جماعات من الجلاوزة للمحافظة على جثته من أن يستولي عليه مخلصوه
ومريدوه لدفنه، ثم يلم يجد هؤلاء الحاقدون الوضيعون في ذلك شفاءا لغليلهم
فأمروا برجم الجسد بالحجر. فرجمه جلاوزة (بيدمر) و (ابن جماعة).
ويظهر أن ذلك كله لم يطفئ الحقد الموغل في نفوسهم القذرة فأمروا بحرق
الجسد.
74

ومهما قال عبد الحي الحنبلي عن (الشهيد) ومهما قالوا عن (ابن جماعة)
فلا يدعو ذلك لأكثر من القتل، وما قام به (بيدمر) و (ابن جماعة) وجلاوزتها
من إهانة جسد (الشهيد) بعد قتله يدل على حقد دفين ومرض متأصل في
نفوسهما بالنسبة إلى الشهيد، وأن ذلك لا يرتبط أصلا بقصة التهم والمحاضر،
وإنما يمس مصالحهم الشخصية أكثر من أي شئ آخر.
ومهما يكن فقد مضى (الشهيد) بمآثر كبيرة، وأعمال جليلة وأيادي بيضاء
على الفقه والشريعة خلدته ودرجت اسمه في سجل الخالدين من المجاهدين
والعاملين في سبيل الإسلام، وأبقى هذه ذكرا جميلا وخلقا صالحا.
فرحمه الله يوم ولد، ورحمه الله يوم استشهد في سبيل الله. ورحمه الله يوم يحشر
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).
75

عملنا في التحقيق:
كان منهجنا في تحقيق هذا الكتاب القيم اتباع الخطوات التالية: -
1 - المقابلة مع النسخ المخطوطة، وقد اعتمدنا في ذلك على عدة نسخ:
أ: نسخة مصورة من أصلها المحفوظ في مكتبة " ملك " التابعة لمكتبة الإمام
الرضا (عليه السلام) تحت رقم 1959، كتبها رشيد الدين محمد بن صفي الدين
محمد سبهري زواره يى في المائة التاسعة وقد قوبلت مع نسختين معتمدتين
ومصححتين كما أشار هو إلى ذلك. وجعلناها أصلا في الكتاب.
ب: نسخة مصورة من أصلها المحفوظ في مكتبة " ملك " أيضا تحت رقم 606
وتاريخ كتابتها سنة 838 ه‍، ورمزنا لها ب‍ " م ".
ج: نسخة مصورة من أصلها المحفوظ في مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام) في
مشهد المقدسة تحت رقم 2401، كتبها عباس بن علي بتاريخ 822 ه‍، ورمزنا لها
ب‍ " ق ".
د: النسخة المطبوعة على الحجر قديما وتمتاز بأنها مقابلة مع نسخ معتمدة، وقد
تفضل بها علينا سماحة آية الله السيد موسى الزنجاني - حفظه الله - ورمزنا لها ب‍ " ز ".
وأحيانا قمنا بالتلفيق بين النسخة الأولى - المعتمدة - والثانية إذا دعت الحاجة
إلى ذلك.
ه‍: النسخة المطبوعة المصححة من قبل السيد الحجة اللاجوردي والذي تفضل
76

- حفظه الله تعالى - علينا بإرسالها إلينا من مكتبة الخاصة والمزودة ببعض الفوائد في
حواشيها.
2 - تخريج الآيات والروايات التي اعتمد عليها المصنف في مقام الاستدلال.
3 - تخريج الأقوال التي ذكرها المصنف من مصادرها الأصلية إذا كانت
موجودة وإلا فمن الكتب التي تنقل عنها.
4 - وضع فهارس فنية للموضوعات والآيات والأحاديث والأعلام والأماكن
والبلدان والقبائل والأمم، خدمة للقارئ وتعميما للمنفعة.
هذا وقد اقترح سماحة السيد الزنجاني - دامت توفيقاته - أن نلحق بكتاب
الدروس كتاب " تكملة الدروس " للسيد الفاضل جعفر بن أحمد الملحوس. فقوبل
اقتراحه بالموافقة فألحقناها معتمدين في تحقيقها على نسختين:
أ: نسخة مصورة من أصلها المخزون في المكتبة الفاضلية التابعة لمكتبة الإمام
الرضا (عليه السلام) تحت رقم 14133، وهي مكتوبة بخط المصنف في سنة
836 ه‍ ولذلك جعلناها أصلا.
ب: نسخة مصورة من أصلها المخزون في مكتبة آية الله المرعشي النجفي - قدس
سره - تحت رقم 3156، ورمزنا لها ب‍ " ش ".
وحاولنا التلفيق بين النسختين في موارد وجود سقط أو تشويش في النسخة
الأصلية.
وأيضا سعينا في تخريج الآيات والروايات والأقوال وتنظيم الفهارس المنوعة على
نسق ما عملناه في كتاب الدروس.
والحمد لله أولا وآخرا.
77

الصفحة الأولى من النسخة المعتمدة
78

الصفحة الأخيرة من النسخة المعتمدة
79

الصفحة الأولى والأخيرة من نسخة (م)
الصحفة الأولى والأخيرة من نسخة (م)
80

الصفحة الأخيرة من كتاب الحج لنسخة (ز)
81

الصحفة الأولى والأخيرة من نسخة (ش)
الصفحة الأولى والأخيرة من النسخة المعتمدة من التكملة
82

الدروس الشرعية
في
فقه الإمامية
تأليف
الشيخ شمس الدين محمد بن مكي العاملي سنة 786 ه‍
(الشهيد الأول)
الجزء الأول
تحقيق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
83

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنطق ألسنتنا بحمده، وألهم قلوبنا شكر رفده، وأطلق
جوارحنا للقيام بورده، والصلاة على محمد نبيه وعبده وآله وعترته وجنده صلاة
دائمة بدوام مجده.
أما بعد، فإن علم الفقه لا يخفى شرفه وعلوه ومقداره وسموه، وعموم حاجة
المكلفين إليه، وإقبال الخلائق عليه، وقد صنف علماء الأصحاب رضي الله
عنهم فيه الكثير، وخرج عنهم الجم الغفير المتصل بأصحاب آية التطهير، قصدا
لعظيم الثواب في الآجل وجسيم الثناء في العاجل، فلما انتهت النوبة إلينا
أحببنا أن ننسج على منوالهم، ونقتدي بهم في أقوالهم وأفعالهم، فكتبنا في ذلك
ما تيسر من الذكرى والبيان، وعززناهما بهذا المختصر للتبيان، لاقتضاء الولدين
الموفقين إن شاء الله (1) أبي طالب محمد وأبي القاسم علي، دفع الله عنهما الضير
ووفقهما والمؤمنين للخير، وسميناه بالدروس الشرعية في فقه الإمامية، والله
نسأل أن يلهمنا فيه الصواب ويجنبنا الخلل والاضطراب، إنه هو الكريم
الوهاب.

(1) في " م " و " ق ": للخير.
84

كتاب الطهارة
85

كتاب الطهارة
وهي لغة النزاهة من الأدناس، وشرعا استعمال طهور مشروط بالنية
لإباحة الصلاة، وهي وضوء وغسل وتيمم. وكل منها واجب وندب، فالواجب
منها بحسب وجوب غايته التي هي الصلاة والطواف ومس خط المصحف،
ويختص الغسل والتيمم بدخول مسجدي مكة والمدينة، واللبث في باقي
المساجد، وقراءة العزائم، وصوم الحائض والنفساء والمستحاضة والجنب إذا
صادف الليل، على تفصيل يأتي إن شاء الله، ويختص التيمم بخروج المجنب (1)
من المسجدين، وكذا الحائض على (2) الأقرب، ولو أمكن الغسل فيهما وساوى
زمان التيمم قدم الغسل، ويجب الخروج بأقرب الطرق للمتيمم، ويجب الثلاثة
أيضا بالنذر وشبهه، ولا يجب شئ منها وجوبا مطلقا في الأصح.
ويستحب الوضوء لندبي الصلاة والطواف، وحمل المصحف، وأفعال الحج
الباقية، وصلاة الجنازة وطلب الحاجة، وزيارة القبور، وتلاوة القرآن، والتأهب (3)
للفرض قبل وقته، والكون على طهارة، وكل هذه ترفع الحدث وتبيح الصلاة،
ونوم الجنب، وجماع المحتلم، وغاسل الميت، وذكر الحائض، والتجديد، وهذه
لا ترفع ولا تبيح، وفي المجدد قول قوي بالرفع.

(1) في " م " و " ز ": الجنب.
(2) في باقي النسخ: في.
(3) في " م ": والتهيؤ.
86

ويستحب الغسل للجمعة أداء ما بين طلوع الفجر إلى الزوال، وتعجيلا يوم
الخميس لخائف تعذره يوم الجمعة، وآخر الوقتين أفضل، وقضاء إلى آخر
السبت وأوله أفضل، وفرادى شهر رمضان، وآكده نصفه وسبع عشرة وتسع
عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وليلة الفطر، ويومي العيدين، وليلتي
نصف رجب وشعبان، ويوم المبعث والمولد والغدير والتروية وعرفة والدحو
والمباهلة والنيروز لخبر المعلى (1)، والاحرام، والطواف، ورمي الجمار، والسعي
إلى المصلوب بعد ثلاثة عمدا، وزيارة النبي أو أحد الأئمة عليهم الصلاة
والسلام، والاستسقاء، ودخول الكعبة ومكة والحرم والمدينة ومسجديهما،
ولصلاة الحاجة والاستخارة، والمولود حين يولد، والكسوف المستوعب مع تعمد
الترك، والتوبة، وقتل الوزغ، وتقضى غسل ليالي الإفراد الثلاث بعد الفجر.
لرواية ابن بكير (2) عن الصادق عليه السلام.
ولا يرفع الغسل المندوب الحدث خلافا للمرتضى (3) رحمه الله، ويقدم
ما للفعل إلا التوبة والسعي إلى المصلوب وما للزمان فيه، وإن فات أمكن
استحباب القضاء مطلقا.
ويستحب التيمم بدلا عن الوضوء المستحب الرافع، وللنوم، ولصلاة
الجنازة إذا خاف الفوت بالوضوء وتجديده بحسب الصلوات على رواية (4).
[1]
درس
يجب الوضوء بالبول والغائط والريح من المعتاد طبيعيا أو عرضيا، والنوم

(1) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الأغسال المسنونة ح 1 ج 2 ص 960.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الأغسال المسنونة ح 4 ج 2 ص 951.
(3) جمل العلم والعمل " رسائل المرتضى المجموعة الثالثة ": ص 24.
(4) الاستبصار: ج 1 ص 164.
87

الغالب على الحاستين ولو تقديرا، ومزيل العقل، وبعض الاستحاضة، والخارج
من السبيلين إذا استصحب ناقضا. وألحق بعض خروج الريح من الذكر، وابن
الجنيد (1) الحقنة والمذي عن شهوة والتقبيل عنها ومس الرجل فرجها،
والصدوق (2) مس باطن الدبر والإحليل أو فتحه، وكله لم يثبت. ولا ينقض
بمس (3) المرأة وقلم (4) الظفر وجز الشارب ونتف الإبط وأكل لحم الإبل
والارتداد.
ويجب الغسل بالجنابة، والدماء الثلاثة، والموت، ومس ميت الآدمي
النجس. ويجب التيمم بموجباتهما عند تعذرهما.
وموجبات الوضوء تتداخل، وكذا موجبات الغسل على الأقوى، والاجتزاء
بغسل الجنابة دون غيره تحكم، وفي تداخل أسباب الاغتسال المندوبة إذا كان
معها واجب قول مروي (5). ويجب معها الوضوء إلا في غسل الجنابة وغسل
الميت، ويستحب في غسل الميت، وفي التهذيب (6): يستحب مع غسل
الجنابة.
[2]
(درس)
يجب على المتخلي ستر العورة عن الناظر، ويحرم استقبال القبلة واستدبارها
ولو في الأبنية، خلافا لابن الجنيد مطلقا (7)، وللمفيد في الأبنية (8). ويجب

(1) المختلف: ج 1 ص 17 - 18.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 65.
(3) في " م " و " ز ": لمس.
(4) في " م " و " ز ": ولا قلم.
(5) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب الجنابة ج 1 ص 525.
(6) التهذيب: ج 1 ص 140.
(7) المختلف: ج 1 ص 19.
(8) المقنعة: ص 41.
88

غسل موضع البول بالماء المزيل للعين الوارد بعد الزوال، وغسل مخرج الغائط مع
التعدي حتى تزول العين والأثر، ولو لم يتعد أجزأ ثلاث مسحات بجسم طاهر
مزيل للعين لا الأثر، ولا اعتبار بالريح فيهما، ويجزئ ذو الجهات الثلاث، ويجزئه
المسح، ولو لم ينق بالثلاثة وجب الزائد، ولو نقي بالأقل وجب الإكمال على
الأقوى، وكذا لو شك في النقاء، ولا يجزئ النجس ولا الصقيل والرخو (1)
كالفحم، ويجزئ الروث والعظم والمطعوم والمحترم وإن حرمت.
ويستحب ستر البدن، والبعد، وإعداد النبل، والاعتماد على اليسرى،
والدعاء داخلا باليسرى وخارجا باليمنى، وعند الاستنجاء والفراغ، والصبر
هنيئة، والاستبراء بأن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب، ثم إلى رأسه، ثم
عصر الحشفة ثلاثا ثلاثا، والتنحنح ثلاثا، والجمع بين الحجارة والماء، واختيار
الماء حيث يجزئ الاستجمار، والاستنجاء باليسار، وتقديم الدبر.
ويكره استقبال قرص الشمس والقمر في البول والغائط لا جهتهما،
واستقبال الريح واستدبارها، والبول في الصلبة، والجحرة، والأفنية، والشوارع،
والمشارع، والنادي، والملعن، وتحت المثمرة، وفي النزال، وفي الماء، والجاري
أخف كراهة، والاستنجاء باليمين، وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله أو نبي أو
إمام أو فصه (2) حجر زمزم، والكلام بغير ذكر الله أو آية الكرسي أو حكاية
الأذان على قول، والبول قائما ومطمحا، وطول الجلوس، واستصحاب ما عليه
اسم الله، واستصحاب دراهم بيض غير مصرورة.
وليس الاستنجاء شرطا في صحة الوضوء والتيمم وإن روعي في التيمم
التضيق، ويصح الاستنجاء في غير المخرج إذا اعتيد، ولو لم يعتد فهو إزالة

(1) في باقي النسخ: ولا الرخو.
(2) في " م " و " ق ": فصه من.
89

نجاسة، ولو استعمل نجسا وجب الماء وإن كانت نجاسته مماثلة للخارج، ولو
تعذر الاستنجاء صلى بحاله مع الجفاف بحسب الإمكان ثم يستنجي عند
المكنة، ولو نسيه وصلى أعاد في الوقت وخارجه، ولو جهله فلا، وجاهل الحكم
لا يعذر.
(3)
(درس)
يجب في الوضوء النية المشتملة على القربة، وهي موافقة إرادة الله تعالى
والوجوب والرفع أو الاستباحة، والمبطون والسلس والمستحاضة ينوون
الاستباحة أو رفع ما مضى، ولا يشترط قصد الطاعة لله خلافا لابن زهرة (1)،
والمقارنة لابتداء غسل الوجه، ويجوز تقديمها عند غسل اليدين مستحبا وعند
المضمضة والاستنشاق، ولو وجب غسل اليدين لنجاسة أو استحب لا للوضوء
أو أبيح فلا نية عنده، واستدامة حكمها إلى آخره.
ولو نوى رفع حدث بعينه أو استباحة صلاة بعينها فلا حرج، ولو نفى غيرهما
بطل، ولو نوى استباحة ما يكمل بالطهارة كالتلاوة أجزأ، ولو ضم المنافي بطل،
ولو ضم التبرد وغيره من اللوازم فوجهان.
ولا يصح الطهارة وغيرها من العبادات من الكافر، ولو نوى قطع الطهارة أو
ارتد بطل فيما بقي، فيبني مع العود والبلل، ويستأنف مع الجفاف، ولا يضر
عزوبها إلا مع نية المنافي أو اللازم، ولو أمكن استحضارها فعلا في جميع الوضوء
أو بعضه لم يجب، والخالي من موجب الوضوء ينوي الندب، فلو نوى الوجوب أو
نوى من وجب عليه الندب بطل في الأقوى.
ولو نوى لكل عضو نية تامة بطل، وأولى منه لو نوى (2) رفع الحدث عنه

(1) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 491.
(2) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
90

لا غير، ولو غسلت اللمعة بقصد الندب جهلا بها فوجهان، وفي التجديد أبعد،
وفي الغسلة الثانية منه أشد بعدا، وأبعد من الجميع لو انغسلت في الثالثة.
وطهارة الصبي تمرينية فينوي الوجوب، فلو بلغ في الوقت استأنف إن بقي قدر
الطهارة وركعة وإلا فلا.
وغسل الوجه وهو ركن، وكذا باقي الأعضاء، وهو من القصاص إلى المحادر
طولا وما دار عليه الإبهام والوسطى عرضا، والأنزع والأغم وقصير الأصابع
وطويلها يغسلون ما يغسله المستوي. وليس الصدغ والعذاران منه وإن غسلهما
كان أحوط، والعذار ما حاذى الأذن بين الصدغ والعارض، والعارضان من
الوجه قطعا، وهما الشعر المنحط عن القدر المحاذي للإذن إلى الذقن وهو مجمع
اللحيين. ولا يجب غسل النزعتين وهما البياضان المكتنفان للناصية في أعلى
الجبينين، ولا غسل مسترسل اللحية.
ويجب البدأة من الأعلى على الأصح، وتخليل ما يمنع وصول الماء إذا خف
احتياطا، والمشهور عدم الوجوب، نعم يستحب وإن كثف كما يستحب إفاضة
الماء على ظاهر اللحية. وغسل الأذنين ومسحهما بدعة ولا يبطل. ويجزئ في
الغسل مسماه ولو كالدهن مع الجريان، ولا يجب الدلك، فلو غمس العضو
أجزأ.
ثم غسل اليدين من المرفقين مبتدئا بهما إلى أطراف الأصابع، فلو (1) نكس
بطل على (2) الأصح. ويجب تخليل شعر اليد وإن كثف وغسله أيضا وغسل
الظفر وإن طال، والسلعة تحت المرفق واليد الزائدة كذلك، ولو كانت فوق
المرفق غسلت مع الاشتباه وإلا الأصلية. والأقطع يغسل ما بقي، ولو استوعب

(1) في باقي النسخ: ولو.
(2) في باقي النسخ: في.
91

سقط واستحب غسل العضد نصا (1). ولو افتقر إلى معين بأجرة وجبت من
رأس ماله ولو كان مريضا وإن زادت عن أجرة المثل ما لم يجحف، ولو تعذرت
الأجرة قضى مع الإمكان. ويجب تقديم اليمنى على اليسرى.
ثم مسح مقدم الرأس بمسماه ولا يحصل بأقل من إصبع، وقيل: بثلاثة (2)
مضمومة للمختار، ولا يجوز استقبال الشعر فيه على المشهور، ولا المسح على
حائل، ويجب كونه بنداوة الوضوء، وتجويز ابن الجنيد (3) غيرها عند عدمها
شاذ، ولو جف كفاه ما على اللحية والحاجب والأشفار فإن فقد استأنف
الوضوء، ولا يجزئ الغسل عنه ولا المسح بآلة غير اليد. ويكره مسح جميع الرأس
وحرمه ابن حمزة (4)، وفي الخلاف (5): بدعة إجماعا، والزائد عن إصبع من
الثلاث مستحب.
ثم مسح بشرة الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين وهما أعلى
القدمين بالبلة الغالبة على رطوبتهما إن كانت، ولا يجزئ النكس على الأولى
ولا تقديم اليسرى على اليمنى ولا مسحهما معا احتياطا، والمقطوع يمسح على ما بقي
ولو أوعب سقط، واستحب المسح على موضع القطع. ولا يجزئ المسح على
حائل من خف أو غيره إلا لتقية أو ضرورة، ولو زال السبب فالأقرب بقاء
الطهارة، وقيل: ينتقض.
فرع:
لو عاد السبب فإن كان قبل التمكن من الإعادة فلا إعادة، وإلا فالأقرب

(1) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب الوضوء ح 2 ج 2 ص 337.
(2) في باقي النسخ: ثلاث.
(3) المختلف: ج 1 ص 24.
(4) الوسيلة: ص 50.
(5) الخلاف: ج 1 ص 12.
92

الإعادة، وإن كان كالوضوء الأول.
ويجوز المسح على العربي وإن لم يدخل يده تحت شراكه والترتيب كما ذكر
ركن أيضا. والموالاة والأقرب أنها مراعاة الجفاف، وقد حققناه في الذكرى (1)،
فلو والى وجف بطل إلا مع إفراط الحر وشبهه، ولو فرق ولم يجف فلا إثم
ولا إبطال، إلا أن يفحش التراخي فيأثم مع الاختيار. ويصح نذر الولاء فيلزم
ويبطل للإخلال به الوضوء إن جف، وإلا ففيه وجهان، ويكفر إن تعين.
والمباشرة بنفسه مع الاختيار، وعد ابن الجنيد (2) ذلك ندبا باطل.
[4]
درس
سنن الوضوء: وضع الإناء على اليمين، والاغتراف بها، والتسمية، والدعاء،
والسواك، والمضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا، والدعاء فيهما، وتثنية الغسل
لا المسح فيكره، وتحرم الثالثة، وتبطل إن مسح بمائها، وإنكار ابن بابويه (3)
التثنية ضعيف، كما ضعف قول ابن أبي عقيل (4) بعدم تحريم الثالثة، وقول أبي
الصلاح (5) بإبطالها الوضوء ولم يقيده بالمسح بمائها، وبدأة الرجل بظاهر
ذراعه في الأولى وبباطنه في الثانية عكس المرأة، ويتخير الخنثى وأكثر
الأصحاب أطلقوا بدأة الرجل بالظهر (6) والمرأة بالبطن (7)، والدعاء عند الغسل
والمسح وبعد الفراغ، وفتح العينين عند الوضوء قاله ابن بابويه (8)، والوضوء
بمد. ويكره الاستعانة والتمندل في المشهور، وقيل: لا يكره، والوضوء في المسجد

(1) الذكرى: ص 91.
(2) المختلف: ج 1 ص 25.
(3) كتاب الهداية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 49.
(4) المختلف: ج 1 ص 22.
(5) الكافي في الفقه: ص 133.
(6) في " ق ": بالظاهر.
(7) في " ق ": بالباطن.
(8) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 3.
93

من البول والغائط، وتقديم المضمضة على الاستنشاق مستحب وفي
المبسوط (1): لا يجوز العكس.
ولو شك في عدد الغسل بنى على الأقل، ولو شك في فعل أو في النية وهو
بحاله أتى به ولو جف البلل استأنف، ولو انتقل عن محله ولو تقديرا لم يلتفت،
ولو تيقن أتى به مطلقا.
ولو شك في الحديث أو في (2) الطهارة بنى على المتيقن ولو تيقنهما لا ترتيبهما
تطهر ولو أفاد التعاقب استصحابا بنى عليه، ولو ذكر بعد الصلاة ترك واجب
أعادهما، فإن تعدد الوضوء ولم يعلم محل المتروك أجزأ الواجبان و (3) النفلان
دون الواجب والنفل في الأقوى، ولو تعدد بالنسبة إلى بعض الصلوات أعاد
الأخرى، ولو علمه في صلاة يوم تام بخمس صلى ثلاثا وفي القصر اثنتين، ولو
فسدت طهارتان صلى المتم (4) أربعا والمقصر ثلاثا والمشتبه خمسا مراعين
للترتيب.
والجبائر تنزع أو تخلل، فإن تعذرا مسح عليها ولو في موضع الغسل، وكذا
حكم الطلاء واللصوق، ويجب استيعاب ذلك بالمسح ولا يجب إجراء الماء،
والمجروح يغسل ما حوله، ولو أمكن المسح عليه وجب في الأقرب، ولو أمكن
بلصوق وجب، ولو زال العذر فكوضوء التقية،
والسلس والمبطون يتوضآن لكل صلاة خلافا للمبسوط (5)، ولو فجأه في
الصلاة توضأ المبطون وبنى في المشهور (6) بخلاف السلس، إلا أن يكون له

(1) المبسوط: ج 1 ص 20.
(2) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(3) في " ق ": أو.
(4) في باقي النسخ: المتمم.
(5) المبسوط: ج 1 ص 68.
(6) في باقي النسخ: الأشهر.
94

فترات فيساوي المبطون.
[5]
درس
الجنابة تحصل للرجل والمرأة بإنزال المني مطلقا، ومع الاشتباه يعتبر برائحة
الطلع والعجين رطبا وبياض البيض جافا، ويقارنه الشهوة وفتور الجسد والدفق
غالبا، إلا في المريض فيكفي الشهوة، والتقاء الختانين بمعنى التحاذي، ويحصل
بمواراة الحشفة أو قدرها من المقطوع والدبر كالقبل مطلقا، والقابل كالفاعل
والحي كالميت وفي البهيمة قولان أحوطهما الوجوب. وواجد المني على جسده أو ثوبه المختص به (1) يغتسل ويعيد كل صلاة
لا يمكن سبقها، وفي المبسوط (2) يعيد ما صلاه بعد آخر غسل رافع، وهو
احتياط حسن. ولو اشترك الثوب أو الفراش فلا غسل، نعم يستحب، ولو
قيل بأن الاشتراك إن كان معا سقط عنهما، وإن تعاقب وجب على صاحب
النوبة كان وجها، ولو لم يعلم صاحب النوبة فكالمعية، وباجتماعهما يقطع
بجنب على الأقرب.
ولو خرج المني من المرأة بعد الغسل أجنبت إن علمت اختلاطهما أو
شكت في الأقرب، وإلا فلا.
ولا يجب ببعض الحشفة، ولا بإيلاج الخنثى فرجه في امرأة أو خنثى،
ولا بإيلاج الرجل (3) في قبله على الأقوى، ويجب لو أولج الرجل في دبره، أو
أولج الرجل في قبله وأولج الخنثى في فرج امرأة، وأما الرجل والمرأة فأحدهما
جنب لا بعينه، والأقرب تعلق الأحكام بإيلاج الصبي والصبية والملفوف،

(1) هذه الكلمة غير موجودة في " م " و " ق ".
(2) المبسوط: ج 1 ص 28.
(3) في " م " و " ق ": الرجل فرجه.
95

وفي المقطوع وآلة البهيمة نظر، ويجب على الكافر ولا يجبه الإسلام.
ويتعلق بالجنابة حرمة الصلاة، والطواف ومس خط المصحف وما عليه
اسم الله تعالى أو أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام، وقراءة العزائم
وأبعاضها ولو اشتركت الآية ونواها حرمت، ودخول المساجد إلا اجتيازا
إلا المسجدين، ووضع شئ، فيها ويجوز الأخذ منها.
ويكره قراءة ما زاد على سبع آيات (1)، ولم يجوز الزيادة ابن البراج (2)، وعن
سلار (3) تحريم القراءة مطلقا، ومس المصحف وحمله، ويجوز مس الكتب
المنسوخة وما نسخ تلاوته، والأكل والشرب والنوم ما لم يتوضأ، ويكفي في
الأكل والشرب المضمضة والاستنشاق، والخضاب والادهان.
وكيفية الغسل النية مقارنة كما (4) سلف في الوضوء أو لغسل الرأس
مستدامة الحكم، والبدأة بغسل الرأس والعنق ثم الجانب الأيمن ثم الأيسر،
وتخليل ما يمنع وصول الماء، والترتيب كما قلناه إلا في المرتمس، والحق به
المطر والمجرى وليس بذلك، ولا يجب غسل الشعر بل إيصال الماء إلى ما تحته
وإن كثف، والمباشرة.
وفي الاستبراء قولان أحوطهما الوجوب على المنزل بالبول ثم الاجتهاد،
فلو وجد بللا مشتبها بعده لم يتلفت، ولو كان بعد البول خاصة توضأ، ولو
كان بعد الاجتهاد لتعذر البول فلا شئ، ولو لم يستبرئ فهو جنب من
حين الرؤية لا قبله.
ويستحب غسل اليدين ثلاثا، والمضمضة، والاستنشاق، وإمرار اليد
على الجسد، وتخليل ما يصل إليه الماء، والدعاء، والولاء، والغسل بصاع،

(1) هذه الكلمة غير موجودة في " م " و " ق ".
(2) المهذب: ج 1 ص 34.
(3) نقل صاحب مفتاح الكرامة عنه في كتابه " الأبواب والفصول " ولم نعثر عليه.
(4) كذا في أعلب النسخ، والظاهر: " لما " كما في نسخة " م ".
96

وتكره الاستعانة. ولو وجد لمعة غسلها وما بعدها، لو كان مرتمسا أعاد.
ولو أحدث في أثنائه أعاد على الأقوى. وفي وجوب ثمن الماء على الزوج
نظر، نعم يجب تمكينها منه. ولو قام على مكان نجس غسل ما نجس ثم
أفاض عليه الماء للغسل، ولا يجزئ غسل النجاسة عن رفع الحدث على
الأصح، ولا يجب غسل باطن الفم والأنف.
[6]
درس
غسل الحيض كغسل الجنابة إلا أنها تتوضأ قبله أو بعده، والحيض الدم
المتعلق بالعدة أسود حار عبيطا غالبا لتربية الولد، ومحله البالغة تسعا غير
مكملة ستين سنة قرشية أو نبطية، أو خمسين لغيرهما. ويتميز عن العذرة
بتلوث القطنة فيه لا بتطوقها، وعن القرح بالجانب الأيمن، وقال الصدوق (1):
من الأيسر، والرواية (2) مضطربة وفي الحامل خلاف أقربه حيضها.
وأقله ثلاثة أيام (3) متوالية على الأصح، وأكثره عشرة هي أقل الطهر،
ولا حد لأكثره، وتحديد أبي الصلاح (4) الأكثر بثلاثة أشهر تغليب. وتثبت
العادة بمرتين متساويتين وبالتمييز مرتين، وقد تتعدد العادة، ومهما أمكن
الحيض حكم به، فالمعتادة برؤيته في عادتها، والمبتدأة والمضطربة بمضي
ثلاثة على الأقرب، إلا أن تظن المضطربة الحيض فتعمل عليه.
وما بين الثلاثة إلى العشرة حيض وإن انقطع أو اختلف لونه إذا انقطع
عليها، وتستبرئ نفسها عند الانقطاع بقطنة وجوبا فتغسل (5) بنقائها، وإلا

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 97.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الحيض ح 2 ج 2 ص 561.
(3) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(4) الكافي في الفقه: ص 128.
(5) في باقي النسخ: فتغتسل.
97

فالمعتادة تتخير بين الاستظهار بيوم أو أزيد إلى العشرة ثم تغتسل وتفعل فعل
المستحاضة، فإن طابق الطهر وإلا قضت الصوم وتقضي ما تركته من الصلاة
والصيام في الاستظهار إذا ظهر أنه استحاضة، ولا استظهار مع النقاء إلا أن
تظن المعاودة.
أما المبتدأة فظاهر الأصحاب أنها تمكث في الدور الأول إلى العشرة،
فإذا تجاوز اعتبرت التمييز فيما مضى، وشروطه اختلاف لون الدم، وأن
لا ينقص القوي عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة، وأن يتجاوز الدم العشرة، فإن
كان قضت صومه خاصة، وقضت الصوم والصلاة فيما عداه، وإن فقد التمييز
جعلت عادة نسائها إن اتفقن أو أقرانها من بلدها حيضا، وفعلت كما قلناه
في التمييز، فإن فقدن رجعت إلى الروايات، وأشهرها ستة أو سبعة من كل
شهر، أو ثلاثة من شهر وعشرة من آخر، فإذا جاء الدور الثاني اعتبرت
التمييز وعادة النساء والروايات في نفس العشرة، وتعبدت في الزائد على
ذلك.
أما المضطربة فإنها تعتبر التمييز والروايات في جميع أدوارها. وهل تستظهران
إذا رجعتا إلى ذلك بما تستظهر به المعتادة؟ الظاهر نعم، وروي (1) في
المبتدأة الاستظهار بعد عادة أهلها بيوم. ولو عارض التمييز العادة رجحت
عليه، ولو رأت قبلها أو بعدها وتجاوز العشرة فالحيض العادة وإلا فالجميع،
وكذا حكم رؤيتها الطرفين.
[7]
درس
الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، كما أن السواد في أيام الطهر

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 546.
98

استحاضة، وإن كان الأغلب العكس. ويجب اعتبار دمها فما لا يثقب
الكرسف يوجب إبداله والوضوء لكل صلاة، وجعله الحسن (1) غير ناقض،
وإن ثقبه ولم يسل وجب مع ذلك تغيير الخرقة والغسل للغداة، وإن سال فمع
ذلك غسلان يجمع في أحدهما بين الظهرين وفي الآخر بين العشاءين،
والحسن (2) أوجب الأغسال الثلاثة في هذين ولم يذكر الوضوء، وفي
المعتبر (3): إن ظهر على الكرسف فثلاثة أغسال وإلا فالوضوءات.
ويجوز لها دخول المساجد (4) إذا أمنت التلويث، لرواية (5) زرارة عن
الباقر عليه السلام، واستثنى ابن حمزة (6) الكعبة، وأوجب الشيخ (7) وابن
إدريس (8) معاقبة الصلاة للطهارة وهو حسن، ولا يضر الاشتغال بمقدمات
الصلاة وانتظار الجماعة، ولها الجمع بين الليلية والصبح بغسل قبل الصبح
بما يسع الليلية، ولو لم تتنفل اغتسلت بعد الفجر إلا أن تريد الصوم فتقدمه.
ومع الأفعال هي طاهرة وبترك بعضها تبطل صلاتها، وبترك الغسل يبطل
صومها. والأقرب كراهة الوطء وإن لم تأت بالأفعال، وقال الثلاثة (9):
لا يجوز بدونها.
وإذا برئت وجب ما كان قبله من وضوء أو غسل على الأقرب، وتنوي
فيه رفع الحدث، إلا أن يصادف الوضوء أو الغسل الانقطاع المستمر فلا
شئ، ولو انقطع في أثناء الصلاة فالأقرب البطلان، والاعتبار في كميته

(1) المختلف: ج 1 ص 40.
(2) نفس المصدر السابق.
(3) المعتبر: ص 65.
(4) في " م " و " ق ": المسجد.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الجنابة ح 10 ج 1 ص 486.
(6) الوسيلة: ص 61.
(7) المبسوط: ج 1 ص 68.
(8) السرائر: ج 1 ص 152.
(9) المراد من الثلاثة: المفيد والمرتضى والطوسي رحمهم الله.
أ - المقنعة ص 57.
ب المعتبر: ص 66 نقلا عن مصباح السيد.
ج - النهاية: ص 29.
99

بأوقات الصلوات في ظاهر خبر الصحاف (1) عن الصادق عليه السلام.
ولو نسيت عادتها ووقتها واستمر الدم فالروايات، والاحتياط في الجمع
بين التكليفين ضعيف. ولو ذكرت العدد فقط تخيرت في تخصيصه ثم هي
طاهر، ولو كان في زمان يقصر نصفه عنه خصصت ما زاد على اليقين (2)، ولو
ذكرت أوله فقط أكملته ثلاثة ولها العود إلى السبعة أو الستة (3)، ولو
ذكرت آخره فكذلك. ويجب عليها الاستظهار بالتلجم والاستثفار إن احتيج
إليهما، وكذا السلس والمبطون، فلو سبق الدم أو الحدث لتقصير أعيدت
الطهارة وإلا فلا.
[8]
درس
النفاس دم الولادة معها أو بعدها، ودم الطلق استحاضة، إلا أن يتخلل
بينه وبين الولادة عشرة فيكون حيضا بشرائطه، ويكفي المضغة لا العلقة إلا
أن تشهد أربع نساء عدول بأنها مبدأ الولد. ولو لم تر دما فلا نفاس. ولا حد
لأقله غير مسماه، وأكثره عشرة، ولو زاد فالأقرب رجوع المعتادة إلى
العادة، والمبتدأة والمضطربة إلى العشرة، ولو رأته ثم انقطع ثم رأته في العشرة
فهما وما بينهما نفاس. والتوأمان نفاسان، أما الولد الواحد لو تقطع ففي تعدد
النفاس نظر.
وتفارق الحائض في الأقل، والدلالة على البلوغ، وقضاء العدة إلا في
المطلقة حاملا من الزنا. وتشتركان في تحريم الصلاة والطواف والصوم فرضا
كانت أو نفلا، ومس كتابة القرآن وما عليه اسم الله تعالى أو اسم نبي أو

(1) الكافي: ب الحبلى ترى الدم ح 1 ج 3 ص 95.
(2) في " ق ": المتيقن.
(3) في باقي النسخ: والستة.
100

إمام عليهما السلام، ودخول المساجد إلا اجتيازا عدا المسجدين، ووضع شئ
فيها، وتحريم الوطء قبلا، وحرم المرتضى (1) الاستمتاع إلا بما فوق المئزر،
وحده من السرة إلى الركبة، ويباح عنده الحدان، والأظهر الكراهية.
ويعزر الواطئ عالما عامدا، ويكفر على المشهور بدينار أوله ونصفه أوسطه
وربعه آخره، ولا يجزئ القيمة على الأقرب، ولو عجز تصدق على مسكين،
ولو عجز استغفر الله تعالى، ولو كانت أمته تصدق بثلاثة أمداد طعام.
ويكره وطؤها بعد الطهر قبل الغسل على الأصح. ويحرم طلاقها حائلا مع
دخوله وحضوره أو حكمه ويبطل. ولا يرتفع حدثها بوضوء ولا غسل. وقراءتها
العزائم وأبعاضها.
فرع:
لو نذرت العزيمة أو غيرها مما يمنع منه الحيض في وقت معين فاتفق فيه
الحيض، فالأقرب وجوب القضاء.
ويجب عليها الغسل عند الانقطاع، وقضاء الصوم دون الصلاة إلا المنذورة
وركعتي الطواف. وإذا رأت الدم وقد مضى من الوقت ما يسع الطهارة والصلاة
قضتها، ولو طهرت وقد بقي قدر الشروط وركعة وجب الأداء، ومع الترك
القضاء.
ولو تكرر الوطء فالأقرب تكرير (2) الكفارة مطلقا، ولا كفارة على
المرأة (3)، نعم تعزر، والأقرب زوال كراهة الوطء أو تحريمه بالتيمم بعد
الانقطاع لتعذر الغسل، لرواية أبي عبيدة (4) عن الصادق عليه السلام، وتسجد

(1) المختلف: ج 1 ص 35.
(2) في " م " و " ز ": تكرر.
(3) في " م " و " ز ": المرأة به.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الحيض ح 1 ج 2 ص 564.
101

وجوبا لو عرض السبب على الأصح.
ويستحب الجلوس في مصلاها بقدر زمان الصلاة ذاكرة لله تعالى، وغسل
فرجها بعد الانقطاع للوطء. ويكره حمل المصحف ولمس هامشه، وقراءة غير
العزائم إلا السبع، والخضاب، والادهان، والاجتياز في المساجد إذا أمنت
التلويث، وكذا يجوز للسلس والمبطون والمجروح مع الأمن، وكذا الصبي
المنجس، وألحق المفيد (1) وابن الجنيد (2) المشاهد بالمساجد، وهو حسن.
[9]
درس
يستحب للمريض الصبر وعدم الشكوى (3) والإذن للعائدين، فلكل واحد
دعوة مستجابة، ولا عيادة في وجع العين ولا فيما نقص عن ثلاثة أيام، ولتكن
غبا فإذا طال ترك وعياله، وليمرضه أرفق أهله به، وليهد العائد شيئا، ويسأل
المريض الدعاء له، ويضع العائد يده على ذراع المريض ويدعو له، ويعجل
القيام إلا مع التماسه القعود.
ويستحب الإكثار من ذكر الموت، وأن لا يحدث نفسه بصباح ولا مساء،
والاستعداد برد المظلمة والتوبة والوصية، وليكن فيها اللهم فاطر السماوات (4)
إلى آخره، وليؤمر بحسن الظن بالله وخصوصا عند الاحتضار، ويلقن الشهادتين
والاقرار بالأئمة عليهم السلام وكلمات الفرج، ونقله إلى مصلاه إن عسر الموت
وقراءة الصافات ويس.
ويجب توجيهه إلى القبلة مستلقيا بحيث لو جلس استقبل، فإذا قضى نحبه

(1) لم نعثر عليه.
(2) لم نعثر عليه.
(3) في " ق ": التشكي.
(4) في " ز " و " ق ": والأرض.
102

استحب تغميض عينيه، وإطباق فيه، وشد لحييه، ومد يده إلى جنبيه وساقيه،
وتغطيته بثوب، وقراءة القرآن عنده، والاسراج ليلا وروي (1) دوام الإسراج في
البيت، وإيذان المؤمنين بموته ولو بالنداء، والبعث إلى مجاوريه من القرى،
وتعجيل تجهيزه إلا مع الاشتباه فيستبرأ بالعلامات أو ثلاثة أيام، كالغريق
والمصعوق والمبطون والمهدوم والمدخن، والاسترجاع، وقول: اللهم اكتبه عندك
من المحسنين وارفع درجته في عليين واخلف على عقبه في الغابرين وتحتسبه (2)
عندك يا رب العالمين، والمسارعة في قضاء دينه وإنفاذ وصاياه، ويكره أن
يحضره جنب أو حائض أو يجعل على بطنه حديد.
[10]
درس
يجب تغسيله على الكفاية وكذا باقي أحكامه، والأولى بالإرث أحق،
والرجال أولى من النساء، ومن لا ولي له فالإمام أو الحاكم، ويجب المساواة في
الذكورة أو الأنوثة إلا الزوجين، فيجوز لكل منهما تغسيل الآخر اختيارا، وفي
كتابي الأخبار (3) اضطرارا، والأظهر أنه من وراء الثياب، وطفلا أو طفلة لم
يزد على ثلاث سنين اختيارا.
والمحرم مع عدم المماثل من وراء الثياب، وهو من يحرم نكاحه بنسب أو
رضاع أو مصاهرة، ولو تعذر المحرم جاز للأجانب (4) من وراء الثياب عند
المفيد (5) والشيخ في التهذيب (6)، وتبعهما أبو الصلاح (7) وابن زهرة (8) مع

(1) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحتضار ح 1 ج 2 ص 673.
(2) في " م " و " ز " ونحتسبه.
(3) الاستبصار: ج 1 ص 199، والتهذيب: ج 1 ص 440.
(4) في باقي النسخ: الأجانب.
(5) المقنعة: ص 87.
(6) التهذيب: ج 1 ص 341.
(7) الكافي في الفقه: ص 341.
(8) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 501.
103

تغميض العينين، وقيل: ييمم، وفي النهاية (1): يدفن بغير غسل ولا تيمم، وفي
رواية المفضل بن عمر (2) عن الصادق عليه السلام يغسل بطن كفيها ثم يغسل
وجهها ثم ظهر كفيها، ولو قلنا به (3) أمكن انسحابه في الرجل، فيغسل النساء
الأجانب منه تلك الأعضاء.
فرع:
لو وجد صدر أو ميت في دار الإسلام، مجهول النسب خال عن مميز الذكورة
والأنوثة، فالأقرب انسحاب هذه الأقوال فيه، ويتولاه (4) الرجال أو النساء.
ويشترط الإسلام إلا مع فقد المسلم وذي الرحم فالمشهور جوازه من الكافر
والكافرة، ومنعه في المعتبر (5) لضعف الرواية (6) وتعذر النية، والخنثى المشكل
يغسله محارمه من الرجال أو النساء، وأم الولد كالزوجة. ولا يقع من المميز على
الأقرب. ومنع الجعفي (7) من مباشرة الجنب والحائض الغسل وهو نادر.
وإنما يجب تغسيل المسلم ومن (8) بحكمه ولو سقطا تم له أربعة أشهر،
والصدر كالميت وكذا القلب، وتغسل القطعة بعظم ولا يصلى عليها، والخالية
تلف في خرقة وتدفن بغير غسل. وفي المعتبر (9): لو أبين قطعة بعظم من الحي لم
تغسل ودفنت، والأقرب الغسل.

(1) النهاية: ص 43. (وليس فيها: ولا تيمم).
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب غسل الميت ح 1 ج 2 ص 709.
(3) في باقي النسخ: فلو قلنا به هنا.
(4) في " م " و " ز ": فيتولاه.
(5) المعتبر: ص 88.
(6) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب غسل الميت ح 1 ج 2 ص 704.
(7) كتبه غير موجودة لدينا.
(8) في باقي النسخ: أو من.
(9) المعتبر: ص 86.
104

ولا يغسل الشهيد إذا مات في المعركة بين يدي الإمام ولا يكفن، وكذا في
الجهاد السائغ على الأقرب، ولو كان جنبا فكغيره خلافا للمرتضى (1)،
ولا فرق بين الصغير والكبير والذكر والأنثى والمقتول بحديد وغيره حتى من قتله
سلاحه، وينزع عنه الخفان والفرو وإن أصيبا بدمه.
ولا يغسل الكافر ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن، وكذا الناصب
والخارجي والغالي، وقال المفيد (2): لا يغسل المخالف ولا يصلى عليه إلا
لضرورة، والأشهر كراهة تغسيله فيغسل كمعتقده، ولا يوضع الجريدة معه.
ولو خيف تناثر لحم المحترق والمجدور يمم ثلاثا كل (3) بضربتين، وكذا لو
فقد الماء أو فقد الغاسل ووجد الميمم، ولو أمكن صب الماء على المجدور وجب.
ومن وجب قتله بزنا أو قود أمر بتقديم الغسل والكفن والحنوط ثم لا يعاد بعد
قتله، والأقرب إلحاق كل واجب القتل من المسلمين بهما، ولو سبق الموت أو
قتل بغير ذلك السبب غسل.
[11]
درس
كيفية الغسل إزالة النجاسة عن بدنه أولا، ثم النية وتغسيله بماء السدر ثم
بماء الكافور ثم بالقراح مرتبا كغسل الجنابة، وتوجيهه إلى القبلة كالمحتضر على
الأقرب مستور العورة، ولو تعذر الخليط غسل ثلاثا بالقراح. ولو وجد ماء غسلة
قدم السدر ويقوى القراح ويمم مرتين احتياطا، ولو فقد ماء غسلة يمم عنها.
ويستحب وضعه على ساجة أو سرير مرتفع، وتليين أصابعه ومفاصله (4)

(1) المعتبر: ص 84. نقلا عن شرح الرسالة للمرتضى.
(2) المقنعة: ص 85.
(3) في " ق ": كل واحد.
(4) هذه الكلمة غير موجودة في " م " و " ق ".
105

برفق، ولو تعذر تركها، وتغسيله تحت سقف، والدعاء، والذكر، والاستغفار،
وجعل خرقة على يد الغاسل وفتق قميصه وإخراج يديه منه وجمعه على عورته،
وإن لم يكن له (1) قميص سترت العورة، ولو كان الغاسل مكفوفا أو وثق البصير
من نفسه بالتحفظ استحب الستر.
وتنجيته من تحت الثوب بماء السدر والحرض ثلاثا، وغسل يدي الميت إلى
نصف الذراع ثلاثا، وتوضئته وغسل رأسه برغوة السدر، ومسح بطنه مسحا
رقيقا في الغسلتين الأوليين قبلهما إلا الحامل.
والبدأة بشق رأسه الأيمن إلى أسفل العنق، ثم الأيسر، وغسل كل عضو
ثلاثا، ثم تنجيته بماء الكافور والحرض ثلاثا، ثم يغسل يديه أيضا ثلاثا، ثم
يغسله بماء الكافور على الصفة، ثم ينجى بماء القراح ثلاثا، ثم يغسل يديه
ثلاثا، ثم يغسله ثلاثا ثلاثا على الصفة المذكورة (2)، ويغسل الغاسل يديه أيضا
مع كل غسله، وروي (3) غسل رأسه بالحرض قبل السدر، وأن أقل السدر سبع
ورقات، وأن الملقى من الكافور في الجرة نصف حبة، وأن يغسل رأسه (4)
بالخطمي، وإكثار الماء فقيل: لكل غسلة صاع وروي (5) ست قرب أو سبع.
ويكره مسح بطنه في الثالثة، فلو خرج منه شئ بعد الغسل غسل الموضع،
ولا يعاد الغسل خلافا للحسن (6)، وقص أظفاره وتنظيفها بالخلال، وتسريح
لحيته ورأسه، وإقعاده، وركوبه، والرواية (7) بفعلهما متروكة.

(1) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(2) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب غسل الميت ح 7 ج 2 ص 683.
(4) في باقي النسخ: وأن رأسه يغسل.
(5) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب غسل الميت ح 2 و 1 ج 2 ص 719.
(6) المختلف: ج 1 ص 43.
(7) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب غسل الميت ح 1 ج 2 ص 724.
106

ولو سقط شئ من شعره أو لحمه أو ظفره جعل في كفنه، وحرم ابن
حمزة (1) القص والحلق والترجيل، وكره ذلك الشيخ (2)، وكذا حلق الرأس
والعانة والإبط وجز (3) الشارب، ويكره إرسال الماء في الكنيف ويستحب في
حفيرة معدة له، ولا بأس بالبالوعة. ويجب تغسيل الغريق، ويسقط الترتيب
بالرمس في غير المنفعل بالملاقاة.
[12]
درس
يجب تكفينه في مئزر وقميص وإزار من جنس ما يصلي فيه الرجل طاهرة
غير مغصوبة، ومع العجز يكفي ثوبان، ولو تعذر (4) فواحد، ولو تعذر كفن من
بيت المال أو من الزكاة، فإن لم يكن سقط، ويستحب للغير بذل الكفن.
ويجب تحنيط مساجده السبعة بالكافور وأقله مسماه، وقال الشيخان (5):
أقله مثقال، وأوسطه أربعة دراهم وروي (6) أربعة مثاقيل، وأكثره ثلاثة عشر
درهما وثلث، وفسر ابن إدريس (7) المثقال بالدرهم وهو تحكم، فإن فضل جعل
على صدره. وقال الصدوق (8): يحنط الأنف والسمع والبصر والفم والمغابن
وهي الآباط وأصول الأفخاذ، وهو مروي (9)، وروي (10) الكراهة وهي أشهر،

(1) الوسيلة: ص 65.
(2) الخلاف: ج 1 ص 254.
(3) في باقي النسخ: وحف.
(4) في باقي النسخ: تعذرا.
(5) المقنعة: ص 75، والنهاية: ص 32.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب التكفين ح 3 ج 2 ص 730.
(7) السرائر: ج 1 ص 160.
(8) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 149.
(9) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب التكفين ح 3 ج 2 ص 747.
(10) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب التكفين ح 4 و 2 ج 2 ص 746.
107

وروي (1) تحنيط اللبة (2) واللحية وباطن القدمين وموضع الشراكين،
ولا يضاف إليه المسك خلافا للصدوق (3).
ولا يحنط المحرم ولا يوضع في ماء غسله كافور، ولا يجمر الكفن، والرواية (4)
بتجميره متروكة. ويسحق الكافور باليد ندبا ويكره بغيرها، ويستحب
الذريرة للمحل على الأكفان، وروي (5) على قطن الفرج وعلى الوجه ومع
الكافور في الغسل، ولا يجوز تطييبه بغيرهما.
ويستحب حبرة يمنية عبرية حمراء غير مطرزة بالذهب والحرير، فإن لم يوجد
بعض الأوصاف اقتصر على ما وجد، ولو تعذرت اليمنية كفى غيرها، وخرقة لشد
الفخذين تسمى الخامسة طولها ثلاث أذرع ونصف في عرض شبر ونصف
تقريبا، ويشد اللف، فإن خشي حدوث أمر حشي دبره، ويكون تحت
الخامسة قطن وعمامة للرجل يشد (6) وسطها على رأسه ويحنكه بها ويجعل طرفيها
على صدره، وروي (7) على وجهه وظهره لا كعمة الأعرابي بغير حنك، وخمار
للمرأة، وخرقة لشد ثدييها إلى ظهرها، ونمط وهو ثوب فيه خطط، وليس الحبرة
خلافا لابن إدريس (8).
واختلفت الرواية (9) في كون العمامة من الكفن، والجمع أنها من الكفن

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب التكفين ح 5 و 6 ج 2 ص 747 و 748.
(2) في باقي النسخ: اللثة.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 153 ح 424.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب التكفين ح 13 ج 2 ص 735.
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب التكفين ح 4 ج 2 ص 745.
(6) في باقي النسخ: ينشر.
(7) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب التكفين ح 12 ج 2 ص 728، الكافي: باب تحنيط الميت وتكفينه
ح 8 ج 3 ص 144.
(8) السرائر: ج 1 ص 160.
(9) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب التكفين ح 1 ج 2 ص 626.
108

الندب لا الفرض، واستحب علي بن بابويه (1) نمطا للرجل فوق الحبرة،
فاللفائف عنده للرجل والمرأة ثلاث، وهو قول ابن البراج (2) وسلار (3) والتقي (4)
وابن زهرة (5) ورواه الجعفي (6)، ومنع جماعة من الزيادة على سبع في المرأة
وخمس في الرجل غير العمامة والقناع.
ويستحب القطن الأبيض والمغالاة فيه وأن يخاط بخيوطه، ويكره الكتان،
والممتزج بالحرير والأسود، وبل الخيوط بالريق وخياطة القميص المبتدأ للكفن
وجعل أكمام له، وقطع الكفن بالحديد، ومنع ابن البراج (7) من المذهب،
وابن الجنيد (8) من الوبر.
ويستحب جريدتان من النخل فالسدر فالخلاف فالرمان فالرطب بطول
عظم الذراع، وروي (9) شبر، والحسن (10) أربع أصابع فصاعدا، ويجوز أن
تكون مشقوقة تلصق إحداها بجلده الأيمن من ترقوته، والأخرى من ترقوة جانبه
الأيسر بين القميص والأزار، وقال ابنا بابويه (11): اليسرى عند وركه ما بين
القميص والأزار، وقال الجعفي (12): إحداهما تحت إبطه الأيمن، والأخرى نصف
مما يلي الساق ونصف ما يلي الفخذ، ورواه يونس (13)، وكل جائز، ولو اتقى ففي
القبر، ولو نسيت فعليه.

(1) المختلف: ج 1 ص 45.
(2) المهذب: ج 1 ص 60.
(3) المراسم: ص 48.
(4) الكافي في الفقه: ص 237.
(5) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 502.
(6) لا توجد كتبه لدينا.
(7) المهذب: ج 1 ص 60.
(8) المعتبر: ص 75 نقلا عن ابن الجنيد.
(9) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب التكفين ح 2 ج 2 ص 740.
(10) المختلف: ج 1 ص 44.
(11) المختلف: ج 1 ص 44 من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 150.
(12) لم نعثر عليه.
(13) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب التكفين ح 5 ج 2 ص 740.
109

وتوضعان مع كل ميت حتى الأصاغر، ويكتب عليها وعلى القميص
والأزار والحبرة واللفافة والعمامة بتربة الحسين عليه السلام اسمه، وأنه يشهد
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وزاد الشيخ (1) وأسماء الأئمة عليهم
السلام، ومع عدم التربة بالطين والماء، ومع عدمه بالأصبع، ويكره بالسواد
وغيره من الأصباغ.
وكيفية التكفين أن يغتسل الغاسل قبله أو يتوضأ رافعا للحدث بهما، أو
يغسل يديه إلى المنكبين، ولو كفنه غير الغاسل فالأقرب استحباب كونه متطهرا
لفحوى أمر الغاسل بها، ثم يجفف بثوب طاهر، ويفرش الحبرة ويضع الإزار
فوقها ثم القميص وعلى كل حنوط، ثم يحنط الميت وتشد الخامسة وعليها قطن
وحنوط، وليكثر القطن في قبل المرأة إلى نصف من، ثم يؤزره، ثم ينقله إلى
الأكفان أو ينقلها إليه، ثم يطوي جانب اللفائف الأيسر على جانبه الأيمن
وجانبها الأيمن على جانبه الأيسر، ويعقد أطرافها مما يلي الرأس والرجلين، وإن
شق حاشية إحداهما وعقد بها جاز.
ويستحب الذكر واستقبال القبلة به كما كان في حال غسله، وإن احتاج
إلى خياطة أو شداد جاز، ولو خرج منه نجاسة غسلت عن البدن مطلقا، وعن
الكفن ما لم يوضع في القبر فيقرض، ولو كفنه في قميصه نزع إزراره لا أكمامه،
ويجوز تقبيله بعد غسله وقبله، ولا يمنع أهله من رؤيته بعد تكفينه.
والكفن الواجب مقدم على الدين من أصل التركة، ولو أوصى بالندب فمن
الثلث إلا مع الإجازة، وكفن الزوجة الدائمة على الزوج وإن كانت ملية، وكذا
مؤونة التجهيز والحنوط، ولو أعسر فمن تركتها، ولو وجد الكفن بعد اليأس من
الميت فميراث، ولو كان من بيت المال أو من الزكاة أو من متبرع عاد إلى

(1) المبسوط: ج 1 ص 177.
110

أصله، ويستحب إعداد الكفن في الحياة.
[13]
درس
يجب حمل الميت إلى المصلى والقبر على الكفاية، وأفضله التربيع فيحمل
اليد اليمنى بالكتف اليمنى، ثم الرجل اليمنى كذلك، ثم الرجل اليسرى
بالكتف اليسرى، ثم اليد اليسرى كذلك. ويستحب تشييعه والمشي وراءه أو
إلى جانبيه لا قدامه إلا لضرورة أو تقية، وقول من رآه: الله أكبر هذا ما وعد الله
ورسوله وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيمانا وتسليما، الحمد لله الذي تعزز
بالقدرة وقهر العباد بالموت، الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم.
ويكره الركوب إلا لضرورة أو في الرجوع، والاسراع بها، وروى ابن
بابويه (1) أن الميت إن كان من أهل الجنة نادى عجلوا بي، وابن الجنيد (2)
والجعفي (3) ظاهرهما الإسراع، والشيخ (4) نقل في كراهيته الإجماع. والضحك،
واللهو، ورفع الصوت، والاتباع بنار إلا لضرورة الظلمة، واتباع النساء،
والقيام للجنازة، والجلوس قبل وضعها في اللحد على الأقرب، وحمل ميتين على
جنازة وخصوصا الرجل والمرأة، والرجوع قبل الدفن إلا بإذن الولي، ويستحب
النعش للمرأة.
ويجب الصلاة على كل مسلم ومن بحكمه فمن بلغ ست سنين، ولو اشتبه
المسلم بالكافر صلي على الجميع بإفراد المسلم بالنية، ولا يصلى على الكافر
والغالي والناصب والباغي، ومنع المفيد (5) والتقي (6) من الصلاة على المخالف

(1) من لا يحضره الفقيه: باب النوادر ح 592 ج 1 ص 193، وفيه: عجلوني.
(2) المختلف: ج 1 ص 121.
(3) لا توجد كتبه لدينا.
(4) الخلاف: ج 1 ص 264.
(5) المقنعة: ص 229.
(6) الكافي في الفقه: ص 157.
111

بجبر أو تشبيه أو اعتزال أو إنكار إمام إلا لتقية، وأوجب ابن الجنيد (1) الصلاة
على المستهل، ومنع الحسن (2) من وجوب الصلاة على غير البالغ، وهما
متروكان.
ولا صلاة على الغائب، ومن دفن بغير صلاة صلي على قبره يوما وليلة،
وقيل: إلى ثلاثة أيام، وكذا من فاته الصلاة عليه، ولو أدركه قبل الدفن ولم
يناف التعجيل فالأولى استحباب الصلاة. ولو نزع من لم يصل عليه صلي عليه
مطلقا، وفي استحباب تكرار الصلاة عليه هنا نظر، ويصلى على المرجوم،
والغال من الغنيمة، وقاتل نفسه، والمقتول لترك الصلاة لا مستحلا، وقاطع
الطريق. وتستحب الصلاة على من نقص عن ست (3) إذا ولد حيا.
والأولى بها الأحق بالإرث، وإمام الأصل أولى مطلقا ولا يحتاج إلى إذن
الولي. وقال الشيخ (4): الأب أولى، ثم الولد، ثم النافلة، ثم الجد للأب، ثم
الأخ للأبوين، ثم الأخ للأب، ثم الأخ للأم، ثم العم، ثم الخال، ثم ابن
العم، ثم ابن الخال. وقال ابن الجنيد (5): الجد، ثم الأب، ثم الولد، وجعل
الموصى إليه أولى. ولو تساوى الأولياء قدم الأقرأ فالأفقه فالأسن، وتقديم
الأفقه على الأقرأ هنا غير مشهور، ولو لم يكن الولي أهلا لها استناب وكذا يجوز
لو كان أهلا، ولو كان الولي صغيرا فالكبير، ولو لم يكن فالحاكم. وليست
الجماعة شرطا ولا العدد.
[14]
درس
يجب فيها الاستقبال، وستر العورة، وجعل رأس الميت عن يمين المصلي

(1) المختلف: ج 1 ص 119.
(2) المختلف: ج 1 ص 119.
(3) في " ق ": ستة سنين.
(4) المبسوط: ج 1 ص 183.
(5) المختلف: ج 1 ص 120.
112

مستلقيا، وعدم التباعد الكثير، والنية، والقيام، وتكبيرات خمس، والتشهد
عقيب الأولى، والصلاة على النبي وآله عقيب الثانية، والدعاء للمؤمنين عقيب
الثالثة، وللميت عقيب الرابعة، والانصراف بالخامسة، وينصرف عن المنافق
بالرابعة.
ويدعو للمستضعف بقوله: " اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم "، وللطفل: " اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا "
وللمجهول: " اللهم أنت خلقت هذه النفوس وأنت أمتها تعلم سريرتها
وعلانيتها، أتيناك شافعين فيها فشفعنا ولها ما تولت واحشرها مع من أحبت "،
وللمنافق الجاحد (1): " اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط عليه الحيات
والعقارب ".
ويستحب فيها الطهارة وخصوصا الإمام، والوقوف عند وسط الرجل وصدر
المرأة، ولو اتفقا قدم الرجل إلى الإمام وحاذى (2) بوسطه صدرها، ولو كان
صبي لست فبينهما، ويقدم الصبي الحر على العبد، [وكذا الصبية مع
الأمة] (3)، ثم الخنثى، ثم المرأة، ثم الطفل لدون ست ثم الطفلة، وإكثار
المصلين، ونزع الحذاء لا الخف، والقرب من الجنازة، ووقوف المأموم خلف
الإمام وإن اتحد، وتحري الصف الأخير، والصلاة في المعتادة، ويكره في
المساجد إلا بمكة، وتدريج الرجال في صف واحد فيقف الإمام في الوسط،
ورفع اليدين في التكبير كله على الأقرب، والصلاة عليه نهارا ما لم يخف عليه،
والصلاة على الأنبياء عليهم السلام عند الصلاة على النبي وآله صلى الله
عليهم، ووقوف الإمام حتى ترفع الجنازة.

(1) في " م " و " ق ": الجاحد للحق.
(2) في " ق ": ويحاذي.
(3) ما بين المعقوفتين غير موجود في " م ".
113

ولا قراءة فيها ولا تسليم، والأقرب كراهتهما اختيارا، وجوز ابن الجنيد (1)
تسليمة واحدة للإمام عن يمينه، والأقرب مساواتها اليومية في التروك المحرمة
والمكروهة خلا الحدث والخبث. وعن الرضا عليه السلام (2) في المصلوب وجهه
على القبلة يقوم على منكبه الأيمن، ومستدبر القبلة على الأيسر، ومنكبه الأيسر
إلى القبلة على الأيمن وبالعكس، ولا يستقبل ولا يستدبر. ولا تكره في الأوقات
الخمسة.
ولو وافقت المكتوبة في الوقت قدم المضيق منهما، ولو اتسعا تخير والأفضل
المكتوبة، ولو ضاقا فالأقرب الحاضرة، وظاهر المبسوط (3) تقديم الجنازة إن
خشي حدوث أمر في الميت.
ولو أدرك بعض التكبير أتم الباقي ولاء، ولو رفعت أتم ولو مشيا إلى
سمت القبلة ولو على القبر، رواه القلانسي (4) عن الباقر عليه السلام.
ولو حضرت جنازة في الأثناء ففي رواية علي بن جعفر (5) عن أخيه عليهم
السلام إن شاؤوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة، وإن
شاؤوا رفعوا الأولى وأتموا التكبير على الأخيرة. وعلى هذه الرواية تجمع
الدعوات بالنسبة إلى الجنازتين فصاعدا، والحسن (6) والجعفي (7) أوردا الأذكار
الأربعة عقيب كل تكبيرة في صلاة الجنازة.
ولو ظهر قلب الجنازة سويت وأعيدت الصلاة. ولو سبق المأموم بتكبير

(1) المختلف: ج 1 ص 119.
(2) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 812.
(3) المبسوط: ج 1 ص 185.
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة الجنازة ح 5 ج 2 ص 793.
(5) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 811.
(6) المختلف: ج 1 ص 119.
(7) كتبه غير موجودة لدينا.
114

فصاعدا استحب إعادته مع الإمام، ولو زاد تكبيرة متعمدا في الأثناء معتقدا
شرعيتها أثم ولم تبطل، ولو كان بعد الفراغ فلا إثم.
[15]
درس
يجب التغسيل ثم التكفين ثم الصلاة ثم الدفن، ولو فقد الكفن جعل في
القبر وسترت عورته ثم صلي عليه، والواجب حفرة (1) كاتمة ريحه، وبدنه يوجه
فيها إلى القبلة مضجعا (2) على جانبه الأيمن، وقول ابن حمزة (3) باستحباب
الاستقبال شاذ. ويبدل الاستقبال بالاستدبار في الذمية الحامل من مسلم
وتدفن في مقابر المسلمين، ولو تعذر البر ثقل أو جعل في وعاء وأرسل مستقبلا.
ويحرم الدفن في المغصوبة ولو بعضها. والمستحب مراعاة أقرب الترب، إلا
أن يكون هناك مشهد فيحمل إليه ما لم يخف عليه أو قبور قوم صالحين، إلا
الشهيد فالمشهور دفنه حيث قتل. والمسبلة أفضل من الملك، ولو أوصى بدفنه في
ملكه فمن الثلث إلا مع الإجازة.
واتحاد الميت فيكره الجمع ابتداء إلا لضرورة، فيقدم أفضلهم إلى القبلة،
والصبي بعد الرجل ثم الخنثى ثم المرأة، والأب مقدم على الابن والأم على
البنت، وليراع في الرجال والنساء المحرمية إن أمكنت، فإن احتيج إلى جمع
الأجانب فحاجز بين كل ميتين.
وتعميق القبر قامة أو إلى الترقوة، واللحد إلا مع رخاوة الأرض، وكون
اللحد مما يلي القبلة وسعته للجالس، ووضع الميت أولا عند رجلي القبر ثم نقله
ثلاثا وإنزاله في الثالثة سابقا برأسه، والمرأة دفعة عرضا، وتغشية قبرها بثوب.

(1) في " ز " و " ق ": حفيرة.
(2) في " م ": منضجعا.
(3) الوسيلة: ص 68.
115

وحل النازل أزراره وكشف رأسه وحفاؤه وكونه أجنبيا إلا في المرأة،
والدعاء، وتلقينه الشهادتين والأئمة عليهم السلام، وجعل التربة تحت خده،
وجعل وسادة من تراب تحت رأسه، ومدرة خلف ظهره، وحل عقد الأكفان
ووضع خده على التراب، وتشريج اللحد باللبن، والدعاء عنده، ويكره فرش
القبر بساج أو غيره إلا لضرورة، وقال ابن الجنيد (1): لا بأس به وبالوطاء،
وهيل التراب بظهور الأكف مسترجعين داعين له.
ورفع القبر أربع أصابع مفرجات وتربيعه وتسطيحه، ووضع علامة على
رأسه، ووضع الحصى عليه، والحمراء أفضل تأسيا بقبر النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، وأن لا يوضع فيه من غير ترابه. ورش الماء عليه مستقبل القبلة بادئا
من الرأس إلى الرجلين، ثم يدير الماء عليه والفاضل على وسط القبر رشا
متصلا، ووضع اليد عليه مقابل القبلة وتأثيرها في ترابه والترحم عليه، وتلقين
الولي أو من يأمره بعد الانصراف مستقبلا للميت أو القبلة.
ويكره البناء عليه، واتخاذه مسجدا إلا قبور الأئمة عليهم السلام،
والاتكاء عليه، والقعود والمشي عليه، وعن الكاظم (2) عليه السلام طأ القبور
فالمؤمن يستروح والمنافق يألم، وتحديده بالجيم والحاء والخاء، والحدث بين
القبور، والضحك.
ويستحب الصبر، والتعزية وأقلها الرؤية قبل الدفن، وبعده أفضل،
ولا كراهة في الجلوس لها ثلاثا، وليقل: جبر الله وهنكم وأحسن عزاكم ورحم
متوفاكم، وعمل طعام لأهل الميت ثلاثا. ويجوز البكاء والنوح بالحق شعرا
ونثرا، وزيارة القبور مستحبة، وإهداء شئ من القرآن إليهم، وقراءة القدر

(1) لم نعثر عليه.
(2) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب الدفن ح 1 ج 2 ص 885.
116

سبعا، وكل ما يهدى إلى الميت من وجوه القرب ينفعه، دعاء أو استغفارا أو
صدقة أو قرآنا أو فعلا يدخله النيابة كالحج والصلاة عنه واجبا وندبا.
[16]
درس
يجب الغسل على من مس ميتا آدميا غير شهيد ولا مغسل بعد برده، أو مس
قطعة فيها عظم وإن تجاوزت سنة سواء أبينت من حي أو ميت، ولو خلت من
عظم غسل يده، ولو مسه قبل برده فلا غسل، وهل تنجس يده؟ الأقرب المنع،
ولو مس ما تم غسله فلا غسل.
ويجب بمس المسلم، والكافر، والمؤمم، ومن غسله كافر، ومن غسل فاسدا،
ومن سبق موته قتله، أو قتل بسبب غير ما اغتسل له، ولا فرق في مس الكافر
قبل غسله أو بعده. والأقرب الوجوب بمس العظم المجرد متصلا بالميت أو
منفصلا، أما عظم الحي المتصل به فلا، أما السن فلا يجب بمسها غسل اتصلت
أو انفصلت من الحي، ولو مس سن الميت فالأقرب المساواة، لأنها في حكم
الشعر والظفر.
فرع:
لو مس عظما في مقبرة المسلمين فلا غسل، ولو كانت مقبرة الكفار
فالأقرب الوجوب، ولو جهلت تبعت الدار، فلو تناوب على الدار المسلمون
والكفار فالأشبه السقوط.
وصفته كغسل الجنابة إلا أن معه الوضوء، ولا يمنع هذا الحدث من الصوم
ولا من دخول المساجد في الأقرب، نعم لو لم يغسل موضع العضو اللامس
وخيف سريان النجاسة إلى المسجد حرم الدخول وإلا فلا.
117

[17]
درس
الماء المطلق طاهر مطهر ما دام على أصل الخلقة، فإن خرج عنها بمخالطة
طاهر فهو على الطهارة، فإن سلبه الإطلاق فمضاف، وإلا كره الطهارة به وإن
خالطه نجس فأقسامه أربعة:
أحدها: الواقف القليل وهو ما نقص عن الكر، وهو ينجس بالملاقاة تغير أو
لا، كانت النجاسة دما لا يدركه الطرف على الأصح أو لا. وطهره بإلقاء كر
عليه دفعة يزيل تغيره إن كان، ولو لم يزله افتقر إلى كر آخر وهكذا، وكذا
يطهر بالجاري، وقول ابن أبي عقيل (1): يتوقف (2) نجاسته على التغير شاذ،
ولا يطهر بإتمامه كرا سواء كانا نجسين أو أحدهما على الأقوى.
وثانيها: الواقف الكثير وهو ما بلغ ألفا ومائتي رطل، أو ثلاثة أشبار ونصفا
في أبعاده الثلاثة، أو ما ساواها في بلوغ مضروبها، ولا ينجس إلا بتغير لونه أو
طعمه أو ريحه بالنجاسة تغيرا محققا لا مقدرا، ويطهر بما مر، ولو تغير بعضه وكان
الباقي كرا طهر بتموجه، وإلا نجس. ولا فرق بين مياه الحياض والآنية وغيرهما
على الأصح.
فروع:
لو شك في استناد التغير إلى النجاسة فالأصل الطهارة، ولو جمد الماء لحق
بالجامدات فينجس الموضع الملاقى، ويطهر بإلقاء النجاسة وما يكتنفها، ولو
اتصل الموضع بالكثير فإن زال (3) العين وتخلل طهر، ولو جمد الماء النجس فطهره

(1) المختلف: ج 1 ص 2.
(2) في باقي النسخ: بتوقف.
(3) في " م " و " ق ": فأزال.
118

باختلاط الكثير به إذا صار مائعا، ولو قدر تخلله أمكن الطهارة.
وثالثها: الجاري نابعا، ولا ينجس إلا بالتغير، ولو تغير بعضه نجس دون
ما فوقه وتحته (1)، إلا أن ينقص ما تحت النجاسة عن الكر ويستوعب التغير
عمود الماء فينجس المتغير وما تحته. وطهره بتدافعه حتى يزول التغير،
ولا يشترط فيه الكرية على الأصح، نعم يشترط دوام النبع.
ولو كان الجاري لا عن مادة ولاقته النجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقا،
ولا ما تحتها إن كان جميعه كرا فصاعدا إلا مع التغير، ومنه ماء الحمام، ولو
انتزع الحمام من النابع فبحكمه، وماء الغيث نازلا كالنابع، وليس للجرية
حكم بانفرادها مع التواصل. ولو اتصل الواقف بالجاري اتحدا مع مساواة
سطحهما أو كون الجاري أعلى لا العكس، فيكفي في العلو فوران الجاري من
تحت الواقف.
ورابعها: ماء البئر، والأشهر نجاسته بالملاقاة، وطهره بنزح جميعه للمسكر،
والفقاع، والمني، وأحد الدماء الثلاثة، وموت الثور والبعير، ولنجاسة لا نص فيها
على الأحوط في غير المنصوص، وقيل: أربعون (2)، وروي (3) ثلاثون، ولعرق
الجنب حراما، وعرق الإبل الجلالة، والفيل عند ابن البراج (4)، والروث (5)
وبول غير المأكول عند أبي الصلاح (6).
وكر للدابة والبغل والحمار والبقرة، وسبعين دلوا للإنسان، وخمسين للعذرة

(1) في " ز " و " ق ": وما تحته.
(2) في " ق ": على الأحوط وقيل: في غير المنصوص أربعون.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 132.
(4) المهذب: ج 1 ص 21، ولم يذكر الفيل بل قال " وكل ما كان جسمه مقدار جسمه - أي البعير - أو
أكثر ".
(5) في باقي النسخ: ولروث.
(6) الكافي في الفقه: ص 130.
119

الرطبة وإن كانت مبخرة أو الذائبة، والدم الكثير، وأربعين للثعلب والأرنب
والكلب والخنزير والسنور والشاة وبول الرجل، وثلاثين لماء المطر المخالط للبول
والعذرة وخرؤ الكلب (1)، وقطرة نبيذ مسكر في رواية كردويه (2)، وعشرين
لقطرة الخمر عند الصدوق (3)، وللدم ولحم الخنزير في رواية زرارة (4)، ولغاية
الدم عند المرتضى (5) والمبدأ دلو.
وعشر ليابس العذرة وقليل الدم، وتسع أو عشر للشاة عند الصدوق (6)،
وسبع لموت الطير، واغتسال الجنب، وللفأرة مع التفسخ أو الانتفاخ، ولخروج
الكلب حيا، وبول الصبي غير الرضيع، وخمس لذرق الدجاج، وخصه جماعة
بالجلال، وثلاث للفأرة مع عدم الأمرين، وروي (7) خمس. وللحية ولا شاهد
به، وللوزغة والعقرب، وقيل: يستحب لهما، ودلو لبول الرضيع وللعصفور.
ولو تغيرت البئر نزحت، فإن غلب الماء اعتبر أكثر الأمرين من زوال التغير
والمقدر، وقيل: بالتراوح مع الأغلبية كما في كل موضع يجب نزحها، فينزح
أربعة رجال مثنى يوما إلى الليل وإن قصر النهار، ولا يجزئ الليل، ولا الملفق
منه ومن النهار، ولا النساء على الأقرب، ولا الخناثي، ويجزئ ما فوق الأربعة من
الرجال.
ولو اتصلت بالجاري طهرت، وكذا بالكثير مع الامتزاج، أما لو تسنما عليها

(1) في " م " و " ز ": الكلاب.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 2 ج 1 ص 132.
(3) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 4.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الماء المطلق ح 3 ج 1 ص 132.
(5) المختلف: ج 1 ص 6 نسبه إلى المصباح ولا يوجد لدينا.
(6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 21.
(7) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 7 ج 1 ص 135.
120

من أعلى (1) فالأولى عدم التطهير، لعدم الاتحاد في المسمى فلا يطهر بإجرائها،
ولا بزوال تغيرها من نفسها، ولا بتصفيق الرياح، ولا بالعلاج بأجسام طاهرة،
وكذا حكم باقي المياه النجسة، ويلزم من قال بالطهارة بإتمامها كرا طهارتها
بذلك كله. ولا يعتبر في المزيل للتغير دلو حيث لا مقدر، وفي المعدود نظر أقربه
اعتبارها، وقيل: يجزئ آلة تسع العدد، والدلو هي المعتادة، وقيل: هجرية
ثلاثون رطلا، وقيل: أربعون.
ولو تضاعف المنجس تضاعف النزح، تخالف أو تماثل في الاسم أو في
المقدر، ويعفى عن المتساقط من الدلو وعن جوانبها وحمأتها، ولو غارت ثم عادت
فلا نزح، وبطهرها يطهر المباشر والدلو والرشا. ولو شك في تقدم الجيفة
فالأصل عدمه. ولا يلحق بول المرأة ببول الرجل خلافا لابن إدريس (2)، والنزح
بعد إخراج النجاسة أو عدمها. ولو تمعط الشعر فيها كفى غلبة الظن بخروجه
وإن كان شعرا نجسا، ولو استمر خروجه استوعبت، فإن تعذر واستمر عطلت
حتى يظن خروجه أو استحالته.
ولا ينجس بالبالوعة القريبة إلا أن يغلب الظن بالاتصال فينجس عند من
اعتبر الظن، والأقوى العدم، ويستحب تباعدهما خمس أذرع مع فوقية البئر أو
صلابة الأرض، وإلا فسبع، وفي رواية (3) إن كان الكنيف فوقها فاثنتا عشرة
ذراعا.
[18]
درس
المستعمل في الوضوء طهور وكذا في الأغسال المسنونة، وفي رفع الحدث

(1) في باقي النسخ: علو.
(2) السرائر: ج 1 ص 78.
(3) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الماء المطلق ح 6 ج 1 ص 145، مع اختلاف.
121

الأكبر طاهر، وفي طهوريته قولان أقربهما الكراهية، واستحب المفيد (1) التنزه
عن مستعمل الوضوء. والمستعمل في الاستنجاء طاهر ما لم يتغير أو تلاقه نجاسة
أخرى، وقيل: هو عفو، ولا فرق بين المخرجين ولا بين المتعدي وغيره، وفي إزالة
النجاسة نجس إن تغير وإلا فنجس في الأولى على قول، ومطلقا على قول،
وكرافع الأكبر على قول، وطاهر إذا ورد على النجاسة على قول، والأولى أن ماء
الغسلة كمغسولها قبلها، وفي الخلاف (2): طهارة غسلتي الولوغ، والأخبار غير
مصرحة بنجاسته.
والمضاف ما لا يتناوله إطلاق الماء كماء الورد والممزوج بما يسلبه الإطلاق
طاهر، وينجس بالملاقاة وإن كثر، ويطهر بصيرورته مطلقا، وقيل: باختلاطه
بالكثير وإن بقي الاسم. ولا يرفع حدثا خلافا لابن بابويه (3)، ولو اضطر إليه
تيمم ولو لم يستعمله خلافا لابن أبي عقيل (4)، ولا يزيل الخبث خلافا
للمرتضى (5)، ولو مزج المضاف (6) بالمطلق موافقا له في الصفات اعتبرت
المخالفة المقدرة، والشيخ (7) يعتبر حكم الأكثر فإن تساويا استعمل، وابن
البراج (8) يطرح.
ويطهر الخمر بالخلية وإن عولج إذا كان بطاهر، والعصير المشتد بها
وبذهاب ثلثيه بالغليان، والمرق المنجس بقليل الدم يطهر بالغليان في المشهور،
واجتنابه أحوط.
ولو اشتبه المطلق بالمضاف وفقد غيرهما تطهر بكل منهما، بخلاف المشتبه
بالنجس أو المغصوب، ويمزج المطلق بالمضاف غير السالب وجوبا عند عدم ماء

(1) المقنعة: ص 64.
(2) الخلاف: ج 1 ص 44.
(3) كتاب الهداية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 48.
(4) المختلف: ج 1 ص 10.
(5) المختلف: ج 1 ص 10.
(6) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(7) المبسوط: ج 1 ص 9.
(8) المهذب: ج 1 ص 24.
122

مطلق، ويتخير بينهما عند وجودهما.
والسؤر يتبع الحيوان طهارة ونجاسة وكراهة، ويكره سؤر الجلال، وآكل
الجيف مع الخلو عن النجاسة، والحائض المتهمة، والدجاج، وسؤر غير مأكول
اللحم على الأقرب، ومنه الفأرة والوزعة والحية والثعلب والأرنب والمسوخ
ونجسها الشيخ (1)، وولد الزنا، وما مات فيه العقرب.
ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه به في الطهارة، فلو صلى به أعاد في
الوقت وخارجه على الأقوى، وفي إزالة الخبث، فيعيد إن علم قبله ويقضي،
وإن جهل فلا، ويجوز شربه للضرورة، ولا يشترط في التيمم عند اشتباه الآنية
إهراقها على الأقرب.
[19]
درس
النجاسات عشر: البول والغائط من غير المأكول وإن عرض تحريمه، أو
كان طيرا على الأقوى، أو بول رضيع لم يأكل اللحم خلافا لابن الجنيد (2)،
وفي بول الدابة والبغل والحمار قولان أقربهما الكراهية.
والمني والدم من ذي النفس وإن كان بحريا كالتمساح، أو كان علقة في
البيضة أو غيرها، أما الدم المتخلف في اللحم بعد الذبح والقذف فطاهر، وكذا
دم البراغيث، وقيل: عفو.
والميتة من ذي النفس حل أو حرم، وكذا ما قطع من الحيوان مما تحله
الحياة، ولا ينجس ميتة ما لا نفس له ولا دمه ولا منيه.
والكلب والخنزير ولعابهما وفروعهما، وإن كان كلب الصيد (3) لم يكف

(1) الخلاف: ج 3 ص 264.
(2) المختلف: ج 1 ص 56.
(3) في باقي النسخ: كلب صيد.
123

الرش خلافا لابن بابويه (1)، وينجس منهما ما لا تحله الحياة كالعظم والشعر
خلافا للمرتضى (2).
والمسكرات خلافا لابن بابويه (3) والحسن (4) والجعفي (5). والفقاع،
والكافر أصليا، أو مرتدا، أو منتحلا الإسلام (6) جاحدا بعض ضرورياته
كالخارجي والناصبي والغالي والمجسمي.
والإنفحة طاهرة ولو من الميت، وكذا اللبن من الميتة في الأصح. ولو اشتبه
الدم الطاهر بغيره فالأصل الطهارة، وكذا كل مشتبه بطاهر، ومنه آنية
المشرك، ولو اشتبه الدم المعفو عنه بغيره كدم الفصد بدم الحيض فالأقرب العفو.
ولا ينجس لبن البنت، ولا القئ، والقيح، والصديد الخالي عن الدم، والمسك،
وذرق الدجاج غير الجلال، وعرق الجنب حراما والإبل جلالة، والمذي وإن
كان عقيب شهوة خلافا لابن الجنيد (7)، والودي بالدال المهملة وهو الخارج
عقيب البول، والوذي بالذال المعجمة (8) عقيب المني.
ويجب إزالة النجاسة للصلاة، والطواف، ودخول المسجد مع التعدي،
والأكل، والشرب، وعن المصحف، والمساجد، والضرائح المقدسة. والواجب
زوال العين، ولا عبرة بالرائحة واللون إذا شق زواله، ويستحب
صبغ الدم بالمشق. والعصر في غير الكثير، ولو لم يمكن نزع الماء عن المغسول لم
يطهر (9) إلا الماء، وفي المائعات إذا اختلطت بالكثير وجه بالطهارة، ولا يجب
العصر في الحشايا والجلود ويكفي التغميز، وفي طهارة الحديد المشرب بالنجس
إذا شرب بكثير احتمال، وتطهر الحبوب المبتلة والخبز إذا علم الوصول في

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 73.
(2) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): ص 218.
(3) المختلف: ج 1 ص 58.
(4) المختلف: ج 1 ص 58.
(5) لا توجد كتبه لدينا.
(6) في " م " و " ز ": للإسلام.
(7) المختلف: ج 1 ص 57.
(8) في باقي النسخ: بالمعجمة.
(9) في " م " و " ز ": يطهره.
124

الكثير، ويكفي المرة بعد زوال العين، وروي (1) في البول مرتين فيحمل غيره
عليه.
وفي إناء ولوغ الكلب المرتان بعد تعفيره بتراب طاهر مزج بالماء أولا، فإن
فقد التراب فمناسبه، فإن فقد فالأقرب إجزاء الماء مع زوال اللعاب، ولا تراب
في باقي أعضائه خلافا للمفيد (2)، ولا في الخنزير خلافا للخلاف (3)، والأقرب
السبع فيه بالماء وفي الفأرة والخمر. ويغسل الإناء من غير ذلك ثلاثا يصب فيه
الماء ثم يحرك ويفرغ وهكذا، وإن كان إناء الخمر غير مغضور ولا مقير في
الأقوى، وقيل: يكفي المرة، ويسقط العدد في الكثير، ولا يكفي عن التعفير مع
القدرة عليه على قول.
[20]
درس
المطهرات عشرة: الماء كما مر، والشمس إذا جففت الأرض والحصر
والبواري وما لا ينقل، وزالت العين لا بتجفيف الريح خلافا للمبسوط (4)،
وتطهر الأرض والحجر النعل والقدم إذا زالت العين بمشي أو غيره، وفي
رواية (5) بمشي خمس عشرة ذراعا، والنار ما أحالته رمادا أو دخانا أو آجرا أو
خزفا عند الشيخ (6)، والاستحالة في النطفة والعلقة حيوانا، وفي النجس إذا
استحال ملحا أو ترابا، وأدوات الاستنجاء، وإسلام الكافر، واستبراء

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب النجاسات ح 1 ص 1002.
(2) المختلف: ج 1 ص 2
(3) الخلاف: ج 1 ص 46.
(4) المبسوط: ج 1 ص 38.
(5) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب النجاسات ح 1 ج 2 ص 46.
(6) الخلاف: ج 1 ص 172.
125

الحيوان، ونقص العصير وانقلابه، وانقلاب الخمر خلا، وتطهر الأرض بكثير
الماء بالذنوب في قول مشهور إذا القي على البول، ويشترط ورود الماء حيث يمكن.
ويطهر الدم بانتقاله إلى البعوض والبرغوث، والبواطن بزوال العين،
ولا يطهر الدم بالبصاق خلافا لابن الجنيد (1)، والرواية (2) ضعيفة، ولا الجسم
الصقيل كالسيف بالمسح خلافا للمرتضى (3)، ولا يتعدى النجاسة مع اليبوسة،
وفي الميت رواية (4) يفهم منها النجاسة مطلقا، ويعارضها غيرها. والدباغ غير
مطهر، وقول ابن الجنيد (5) شاذ، وأشذ منه قول ابن بابويه (6) بالوضوء والشرب
من جلد الميتة.
وعفي عما نقص عن سعة الدرهم البغلي بإسكان الغين من الدم غير
الثلاثة ونجس العين، وقدره الحسن (7) بسعة الدينار، وابن الجنيد (8) بعقد
الإبهام الأعلى، وطرد العفو عن هذا القدر في سائر النجاسات. وعن دم القروح
والجروح الذي لا يرقأ. وعن نجاسة ما لا يتم فيه الصلاة فيه وحده وإن غلظت
نجاسته، وعد ابنا بابويه (9) منه العمامة، واشترط بعضهم كونها في محالها،
وآخرون كونها ملابس، والخبر (10) عام في كل ما على الإنسان أو معه. وعن

(1) المختلف: ج 1 ص 63.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الماء المضاف ح 2 ج 1 ص 149.
(3) المختلف: ج 1 ص 63.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب غسل المس ح 3 ج 2 ص 932.
(5) المختلف: ج 1 ص 64.
(6) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 3.
(7) المختلف: ج 1 ص 60.
(8) المختلف: ج 1 ص 59.
(9) المختلف: ج 1 ص 61 والمقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 3.
(10) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب النجاسات ح 5 ج 2 ص 1046.
126

نجاسة ثوب المربية للصبي ذات ثوب واحد إذا غسلته كل يوم وليلة مرة،
ويلحق به الصبية والمربي والولد المتعدد وعن خصي يتواتر بوله إذا غسل ثوبه
مرة في النهار، وعن النجاسة مطلقا مع تعذر الإزالة.
[21]
درس
إذا صلى مع نجاسة بدنه أو ثوبه عالما عامدا مختارا بطلت، ولو جهلت (1)
النجاسة فالأقوى الصحة، وقيل: يعيد في الوقت، وحملناه في الذكرى (2) على
من لم يستبرئ بدنه وثوبه عند المظنة للرواية (3)، ولو جهل الحكم لم يعذر، ولو
نسي فالأقوى الإعادة مطلقا. ولو علم في أثناء الصلاة أزالها وأتم، وإن افتقر
إلى فعل كثير بطلت، وعلى القول بإعادة الجاهل في الوقت تبطل وإن تمكن
من الإزالة، أما لو شك في حدوثها وتقدمها أزالها ولا إعادة، ولو اضطر إلى
الصلاة فيه لبرد وشبهه وليس غيره فلا إعادة على الأصح، ولو لم يكن ضرورة
فالأقرب تخيره بين الصلاة فيه وعاريا، وقيل: يتعين الثاني وهو أشهر.
ولو اشتبه الطاهر بالنجس وفقد غيرهما صلى فيهما، ولو تعددت زاد على
عدد النجس واحدا، ولو جهل العدد صلى في الجميع، ولو ضاق الوقت
فالأقرب الصلاة فيما يحتمله (4) الوقت، والمشهور أنه يصلي عاريا، وعلى ما قلناه
من التخيير هناك فهنا أولى. ولو عدم أحد الثوبين المشتبهين صلى في الباقي،
قيل: عاريا، وقول ابن إدريس (5) بالصلاة مع الاشتباه عاريا مدخول.
ولو صلى حاملا لحيوان طاهر صح، وفي القارورة المصمومة النجسة

(1) في باقي النسخ: جهل.
(2) الذكرى: ص 17.
(3) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب النجاسات ح 3 ج 2 ص 1061.
(4) في باقي النسخ: يحتمل.
(5) السرائر: ج 1 ص 184 - 185.
127

خلاف، مبناه المساواة للحيوان أو كونها مما لا يتم فيه الصلاة أو عدم
الأمرين. ولو جبر بعظم نجس وجب قلعه إجماعا ما لم يخف التلف أو المشقة
الشديدة، ويجبره الإمام، ولو مات لم يقلع. ولو شرب خمرا أو منجسا أو أكل
ميتة أو احتقن تحت جلده دم نجس احتمل وجوب الإزالة مع إمكانها، ولو
عللت القارورة بأنها من باب العفو احتمل ضعيفا اطراده هنا، ولأنه التحق
بالباطن.
ويحرم اتخاذ الآنية من الذهب والفضة للاستعمال والتزيين على الأقوى
للرجل والمرأة، وفي المفضض روايتان (1) والكراهية أشبه، نعم يجب تجنب موضع
الفضة على الأقرب، ولا بأس بقبيعة السيف ونعله من الفضة وضبة الإناء
وحلقة القصعة وتحلية المرآة بها وروي (2) جواز تحلية السيف والمصحف
بالذهب والفضة، والأقرب تحريم المكحلة منهما وظرف الغالية أما الميل فلا.
ولا يحرم المأكول والمشروب في الإناء المحرم ولا بيعه، نعم يجب سبكه على
المشتري، ولا تبطل الطهارة منه أو فيه، ولا يحرم غيرهما من الجواهر.
ويجوز الإناء من العظام مع طهارة أصلها إلا الآدمي، وكذا مما لا تحله
الحياة ولو من الميتة، ويشترط في إناء الجلد مع طهارة الأصل التذكية والدبغ
إن كان غير مأكول اللحم في قول.
[22]
درس
يستحب الاستحمام غبا ويوم الأربعاء والجمعة أفضل، ودخوله بمئزر،
والدعاء عند نزع الثياب وعند الدخول، ووضع الماء الحار على الهامة والرجلين،

(1) وسائل الشيعة: ب 66 من أبواب النجاسات ح 5 و 2 ج 2 ص 1085.
(2) وسائل الشيعة: ب 64 من أبواب أحكام الملابس ح 3 ج 3 ص 413.
128

وابتلاع جرعة منه، وسؤال الجنة والاستعاذة من النار، والاطلاء، والخضاب،
والتعمم عند الخروج شتاء وصيفا، وأن يقال له: طاب ما طهر منك وطهر
ما طاب منك.
ويكره الاتكاء فيه، وغسل الرأس بالطين، ومسح الوجه بالإزار،
والسواك فيه، ودخوله على الريق وبغير مئزر. ويحرم إبراز العورة حيث الناظر.
ويستحب التنور قائما وفي كل خمسة عشر يوما، ونهي (1) عن ترك العانة أربعين
يوما، وحلق الإبط أفضل من نتفه وطليه أفضل من حلقه، ويستحب القلم
والأخذ من الشارب يوم الجمعة، وقول بسم الله وبالله وعلى سنة محمد وآل
محمد عليهم السلام فيهما، وحلق الرأس، وغسل الرأس بالسدر والخطمي،
وتسريح اللحية سبعين مرة، وجز ما فضل عن القبضة منها، والتمشط بالعاج
وخدمة الشعر لمن اتخذه وفرقه، ويكره نتف الشيب ولا بأس بجزه، ويكره
للمرأة ترك الحلي.
والسنن الحنيفية خمس في الرأس: المضمضة، والاستنشاق، والسواك،
وفرق الشعر، وقص الشارب. وخمس في البدن: قص الأظفار، وحلق العانة
والإبطين، والختان، والاستنجاء. ويتأكد السواك عند الوضوء، والصلاة،
والسحر، وقراءة القرآن، وتغير النكهة، ويكره تركه أزيد من ثلاثة أيام. وفيه
اثنتا عشرة خصلة: هو من السنة، ومطهرة للفم، ومجلاة للبصر، ويرضي
الرحمن، ويبيض الأسنان، ويذهب بالحفر، ويشد اللثة، ويشهي الطعام،
ويذهب بالبلغم، ويزيد في الحفظ، ويضاعف الحسنات، وتفرح به الملائكة.
ويستحب الاكتحال بالا ثمد عند النوم وترا (2)، وفراهة الدابة، وحسن

(1) وسائل الشيعة: ب 86 من أبواب آداب الحمام ح 1 ج 1 ص 439.
(2) في باقي النسخ: وترا وترا.
129

وجه المملوك، وإظهار النعمة، وروي (1) أن النبي صلى الله عليه وآله لعن
الواصلة والمستوصلة - أي في الشعر - والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة
- أي في الأسنان بالترقيق.
[23]
درس
من لم يجد الماء تيمم بالصعيد وهو التراب بأي لون اتفق أو المدر أو الحجر،
دون المتصل بالأرض من النبات الطاهر، والمشوب بغيره مجزئ إذا لم يخرجه
عن الاسم، والرخام والبرام وأرض النورة وأرض الجص قبل الإحراق، وجوز
المرتضى (2) بالنورة والجص، ومنع ابن الجنيد (3) والمحقق (4) من الخزف. ولا يجوز
بالمعدن والنجس والمغصوب والرماد، ويجوز بتراب القبر إلا أن يعلم اختلاطه
بالصديد ولما يستحل ترابا. ويجزئ المستعمل وهو المنفوض أو الممسوح به
لا المضروب عليه.
ومع فقد الصعيد غبار ثوبه ولبد سرجه وعرف دابته ثم الوحل، ويستحب
من العوالي ويكره من الطريق. ويجب شراء التراب أو استئجاره. وجوز
المرتضى (5) التيمم بنداوة الثلج، والشيخان (6) قدما التراب عليه فإن فقد
أدهن به، ويظهر من المبسوط (7) اعتبار الغسل به وإلا فالتيمم بالتراب.

(1) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ما يكتسب به ح 7 ج 12 ص 95.
(2) رسائل المرتضى: المجموعة الثالثة ص 26.
(3) المختلف: ج 1 ص 48.
(4) المعتبر: ص 103.
(5) المعتبر: ص 104 نقلا عن مصباح السيد المرتضى.
(6) المقنعة: ص 59، النهاية: ص 47.
(7) المبسوط: ج 1 ص 31.
130

ويجب الطلب في الجهات الأربع غلوة غلوة في حزن الأرض وإلا فغلوتين،
إلا مع يقين العدم، وقيل: يطلب ما دام في الوقت، وروي (1) لا طلب، ولو
وهب الماء أو أراقه في الوقت أو ترك الطلب وصلى أعاد، وأولى بالإعادة ما لو
وجد الماء في موضع الطلب، ولو نسي الماء فالأقرب الإعادة، ويجوز التيمم سفرا
وحضرا، ولا يعيد الحاضر خلافا للمرتضى (2).
ويجب شراء - الماء ولو بلغ ألف درهم مع القدرة وعدم الضرر الحالي، ولو
وهب الماء أو أعير الآلة أو بيع بثمن مؤجل يقدر عليه عند الأجل وجب،
بخلاف ما إذا وهب الثمن أو الآلة - وإزالة النجاسة عن الثوب أو البدن،
والشرب أولى من الطهارة إذا كان الشارب حيوانا له حرمة، ولو تعذر ما يتيمم
عليه فالطهارة أولى من إزالة النجاسة، وكذا لو كانت النجاسة معفوا عنها. ولو
وجد ما يكفي بعض أعضائه تركه وتيمم، ولو تضرر بالماء في بعض الأعضاء
تيمم، وفي المبسوط (3): يغسل الصحيح ويتيمم. ولا تيمم عن نجاسة البدن
إجماعا.
ولو خاف من لص أو سبع على نفسه أو ماله، أو خافت المرأة على بضعها، أو خيف التلف باستعماله أو الشين، تيمم وإن أجنب عمدا على الأشبه،
وأوجب المفيد (4) على العامد الغسل وإن خاف على نفسه، وفي النهاية (5): إذا
خاف التلف تيمم وصلى وأعاد، وهو ضعيف. وكذا لا يعيد المتيمم لزحام
عرفة أو الجمعة أو مع نجاسة ثوبه على الأقوى.

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب التيمم ح 3 ج 2 ص 964.
(2) المعتبر: ص 100 نقلا عن شرح الرسالة للسيد المرتضى.
(3) المبسوط: ج 1 ص 35، وعبارته هكذا: وإن غسلها وتيمم كان أحوط.
(4) المقنعة: ص 60.
(5) النهاية: ص 46.
131

والجنب أولى من الميت والمحدث بالماء المبذول للأحوج، وكذا يقدم الجنب
على باقي المحدثين، ومزيل النجاسة أولى من الجميع، وفاقد الطهورين الأشبه
قضاؤه.
[24]
درس
لا يجوز تقديم التيمم على الوقت إجماعا، ووقت الفائتة ذكرها والاستسقاء
الاجتماع في الصحراء، وفي صحته مع السعة خلاف أشهره وجوب التأخير إلى
الضيق (1)، إلا مع الضرورة نحو ارتحال القافلة وغيره وخصوصا مع الطمع في
الماء، ولو ظن ضيق الوقت فتيمم فظهر خلافه فالأقرب الإجزاء، ولو دخل
الوقت عليه متيمما فوجوب تأخير الصلاة أضعف، وقطع في المبسوط (2) بصحتها
في أول الوقت.
ويجب فيه نية الاستباحة لا رفع الحدث إلا أن يقصد رفع الماضي،
والقربة، والبدلية، ومقارنتها للضرب على الأرض، واستدامتها حكما، ومباشرة
الأرض بيديه معا، ولا يكفي التعرض لمهب الريح ولا تمعيك الأعضاء في
التراب.
والأقرب أنه لا يشترط الاعتماد على اليدين بل يكفي وضعهما على الأرض.
والأشهر في عدد الضرب اثنتان للغسل وواحدة للوضوء، ويتكرر التيمم في
الغسل المكمل بالوضوء. ولا يشترط علوق الغبار باليدين خلافا لابن الجنيد (3).
ويجب مسح الجبهة من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى، بادئا

(1) وفي " ق ": التضيق.
(2) المبسوط: ج 1 ص 34.
(3) المختلف: ج 1 ص 50.
132

بأعلاها ملصقا باطن كفيه بها، ويجزئ الواحدة اختيارا وإن كانت يمنى
خلافا لابن الجنيد (1)، ثم مسح ظهر الكف اليمنى ببطن اليسرى من الزند إلى
أطراف الأصابع، ثم مسح اليسرى ببطن اليمنى، وأوجب ابن بابويه (2)
استيعاب الوجه والذراعين والموالاة وإن كان بدلا عن غسل يجوز تفريقه،
ولا يضر الفصل بما لا يعد تفريقا. والمباشرة بنفسه إلا مع العذر. وطهارة موضع
المسح، ولو تعذر فالأقرب الصحة مع عدم تعدي النجاسة إلى التراب.
ولا يشترط خلو غير الأعضاء عن النجاسة في أقوى الوجهين، وتقدم الاستنجاء
وإزالة النجاسة عليه إن اعتبرنا ضيق الوقت.
ويستحب السواك، والتسمية، وتفريج الأصابع عند الضرب، ونفض
اليدين، ومسح الأقطع مستوعبا ما بقي، وأن لا يرفع يده عن العضو حتى يكمل
مسحه. ولا يستحب تخليل الأصابع في المسح، ولا التكرار في المسح.
ويستباح به كل ما يستباح بالمائية حتى الطواف. ولا يبطل بالردة،
ولا بنزع العمامة والخف ولا بظن الماء أو شكه. ويبطل بالتمكن من استعمال
الماء، فلو وجده قبل الصلاة تطهر، وبعدها لا إعادة، وفي أثنائها روايات (3)
أقواها البناء ولو على التكبير، وجوز بعضهم العدول إلى النفل، وهو ضعيف.
ولو فقد الماء بعدها قبل التمكن من استعماله لم تجب إعادة التيمم، سواء
كان في فرض أو نفل على الأقوى، نعم لو وجده في صلاة غير مغنية عن القضاء
عند من قال به فالأقرب انقطاع الصلاة، وكذا لو وجد التراب في أثناء الصلاة
لحرمة الوقت.

(1) المختلف: ج 1 ص 50.
(2) المختلف: ج 1 ص 50.
(3) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب التيمم ج 2 ص 991.
133

ولو أحدث المتيمم في الصلاة ووجد الماء تطهر وبنى إن كان الحدث
نسيانا عند الشيخين (1)، والرواية (2) الصحيحة مطلقة وعليها الحسن (3).
ولا يرفع التيمم الحدث، فلو تيمم المجنب ثم وجد ماء يكفيه للوضوء فلا وضوء
خلافا للمرتضى (4)، ويعيد التيمم بدلا من الغسل وعنده بدلا من الوضوء.
ويجوز المسح على الجبائر مع تعذر نزعها، فلو زال العذر بعد التيمم فالأقوى
بقاء التيمم، ولو وجد الماء بعد تيمم الميت وجب تغسيله وإعادة الصلاة لو
سبقت، نعم لا يعاد ولو دفن إلا أن يقلع.

(1) المقنعة: ص 61، النهاية: ص 48.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح 10 ج 4 ص 1242.
(3) المختلف: ج 1، ص 54.
(4) المختلف: ج 1 ص 55.
134

كتاب الصلاة
135

كتاب الصلاة
وهي إما واجبة وهي سبع: اليومية، والجمعة، والعيدية (1)، والآيات،
والطواف، والجنائز، والملتزم بنذر وشبهه. أو مندوبة وهي ما عداها. فاليومية
خمس: الظهر والعصر والعشاء كل واحدة أربع ركعات، والمغرب ثلاث،
والصبح ركعتان، والوسطى هي الظهر عند الشيخ (2)، والعصر عند
المرتضى (3)، ولا يجب الوتر.
ونوافلها أربع وثلاثون ركعة في فتوى الأصحاب وهو أشهر رواية (4)، وفي
رواية يحيى بن حبيب (5) عن الرضا عليه السلام وأبي بصير (6) عن الصادق
عليه السلام تسع وعشرون بنقيصة أربع من سنة العصر، والوتيرة وهي ركعتان
بعد العشاء تعدان بركعة تصليان من جلوس ويجوز القيام فيهما، وروى زرارة (7)

(1) في " ق ": والعيدين.
(2) المبسوط: ج 1 ص 75.
(3) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الأولى: ص 275.
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 3 ج 3 ص 32.
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 5 ج 3 ص 43.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الفرائض ونوافلها ح 2 ج 3 ص 42.
(7) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 1 ج 3 ص 42.
136

عن الصادق عليه السلام سبعا وعشرين، فاقتصر من سنة المغرب على ركعتين
مع سقوط ما مر.
وأفضلها ركعتا الفجر، ثم ركعة الوتر، ثم ركعتا الزوال، ثم أربع المغرب
بعدها، ثم تمام صلاة الليل وهي ثمان، مع الشفع وهي ركعتان، ثم تمام
نوافل النهار، وهي ثمان للظهر قبلها وثمان للعصر قبلها، وقال الحسن (1):
آكدها الليلية.
وفي السفر والخوف تتنصف الرباعيات، وتسقط نوافلها سفرا، وفي الخوف
نظر. ويكره الكلام بين المغرب ونافلتها، ويجوز السجود بينهما، والأفضل بعد
النافلة. وكل النوافل تصلى ركعتين بتشهد وتسليم، إلا الوتر وصلاة الأعرابي.
وهي عشر ركعات كالصبح والظهرين كيفية وترتيبا، ولم أستثبت طريقها في
أخبارنا، ووقتها عند ارتفاع نهار الجمعة، والأقرب عدم شرعية الركعة الواحدة
في غير الوتر.
ويستحب الضجعة بعد نافلة الفجر على الجانب الأيمن، وقراءة الخمس من
آخر آل عمران إلى الميعاد والدعاء فيها. والشفع مفصول عن الوتر في أشهر
الروايات (2)، ويستحب الاستغفار في قنوت الوتر سبعين مرة، والدعاء فيه
للإخوان وأقلهم أربعون، ويجوز الدعاء فيه على العدو.
ويستحب ركعتا الغفيلة (3) بين المغرب والعشاء، ويقرأ في الأولى بعد
الحمد وذا النون الآيتين، وفي الثانية بعد الحمد وعنده مفاتح الغيب الآية،
ويسأل حاجته. ومن قام قبل الفجر فصلى الشفع والوتر وسنة الفجر كتبت له
صلاة الليل، ويستحب الدعاء المأثور (4) في النوافل، وتجوز من جلوس اختيارا

(1) المختلف: ج 1 ص 124.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ج 3 ص 45.
(3) في باقي النسخ: الغفلة.
(4) في باقي النسخ: بالمأثور.
137

والأفضل القيام، ثم احتساب كل ركعتي جلوس بركعة (1).
ويستحب تمرين الصبي على الصلاة لست، ويضرب عليها لعشر، ويتخير
بين نية الوجوب والندب. ورخص للصبيان الجمع (2) بين العشاءين
والظهرين، ويستحب تفريقهم في صلاة الجماعة. والبلوغ بالإنبات والاحتلام
في الرجل والمرأة، وبالحيض فيها، وبلوغ خمس عشرة (3) في الذكر، وتسع فيها
وقيل: عشر، وروي (4) فيهما ثلاث عشرة، وهو شاذ.
[25]
درس
لا يجوز تقديم الصلاة على وقتها ولا تأخيرها عنه، ورواية الحلبي (5) بجوازها
للمسافر في غير وقتها محمولة على التأخير عن وقت الفضيلة. وتجب بأول الوقت
موسعا، وقال المفيد (6): لو مات قبل أدائها في الوقت كان مضيعا، وإن بقي
فأداها عفي عنه.
فوقت الظهر زوال الشمس، ويعلم بزيادة الظل بعد نقصه، أو حدوثه بعد
عدمه كما في مكة وصنعاء في أطول الأيام، أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن
لمستقبل قبلة العراق. ويختص بقدر أدائها ثم يدخل وقت العصر، فلو ظن فعل
الظهر فصلى العصر أو قدمها ناسيا عدل، وإن فرغ صحت العصر وأتى بالظهر
إن صادفت المشترك، وإلا أعادهما.

(1) في " ز ": بركعة من قيام.
(2) في " م " و " ق ": في الجمع.
(3) في " م " و " ز ": سنة.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب مقدمة العبادات ح 12 ج 1 ص 32.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 27 ج 3 ص 83.
(6) المقنعة: ص 94.
138

فرع:
لو صلى الظهر أول الوقت فنسي بعض الأفعال كالقراءة والأذكار، لم
يجب تأخير العصر عن الفراغ منهما بقدر الأذكار المنسية على الأقرب، ولو كانت
مما يتلافى وجب فعله قبل العصر، وكذا الاحتياط، وكذا سجدتا السهو على
الأحوط.
ويمتد وقت الفضيلة إلى أن يصير ظل الشخص الحادث بعد الزوال مثله،
لا مثل المتخلف قبل الزوال، وروي (1) أربعة أقدام، وروي (2) ذراع أو قدمان،
واختلاف الرواية بحسب حال المتنفلين في السرعة والبطء والفراغ والشغل، أو
بحسب الأفضلية في الوقت، ووقت الإجزاء إلى أن يبقى من الغروب قدر أدائها
ثم العصر.
وفضيلة العصر إلى المثلين أو الذراعين، وإجزاؤها إلى أن يبقى للغروب
قدرها. ويستحب تأخير العصر إلى آخر وقت فضيلة الظهر، إلا مع العذر أو في
يوم الجمعة أو ظهري عرفة، ورواية عباس الناقد (3) عن الصادق عليه السلام
باستحباب الجمع غير صريحة، مع معارضتها بأشهر (4) منها.
وأول وقت المغرب غروب الشمس، ويعلم بذهاب الحمرة المشرقية على
الأقوى لا باستتار القرص، ويختص بقدر أدائها ثم يدخل وقت العشاء الآخرة.
وفضيلة المغرب إلى ذهاب المغربية، وإجزاؤها إلى أن يبقى لانتصاف الليل قدر
إجزاء العشاء، وفضيلة العشاء إلى ربع الليل، وإجزاؤها إلى أن يبقى للنصف

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 32 ج 3 ص 109.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 20 ج 3 ص 106 و ح 34 ص 110.
(3) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب المواقيت ح 9 ج 3 ص 162.
(4) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب المواقيت ح 8 ج 3 ص 162.
139

قدرها، وفي المعتبر (1) آخر وقتها طلوع الفجر وهو مروي (2)، لكن الانتصاف
أشهر.
وأول وقت الصبح طلوع الفجر الثاني المستطير في الأفق، وفضيلته إلى
التنوير و يعبر عنه بالإسفار وبطلوع الحمرة، وإجزاؤها إلى طلوع الشمس.
[26]
درس
وقت نافلة الزوال منه إلى أن يصير الفئ الحادث على قدمين، ونافلة العصر
إلى أربعة أقدام، ويسمى الأولى صلاة الأوابين، والثانية السبحة، وقيل: يمتدان
بامتداد وقت الاختيار وله شواهد من الأخبار (3)، وحينئذ الأقرب استئثار
النافلتين بجميع وقت الاختيار، وظاهر المبسوط (4) استثناء قدر إيقاع
الفريضتين من المثل أو المثلين، وروي (5) جواز النافلتين في كل النهار، وحملت
على الضرورة.
نعم في يوم الجمعة تزيد أربعا، ويفرق سداس عند انبساط الشمس ثم
ارتفاعها ثم قيامها وركعتان عند الزوال، ويجوز تأخيرها عن العصر وصلاة
ست بين الفريضتين، والتقديم على الزوال أفضل على الأشهر.
ولو خرج وقت نافلتي الزوال وقد تلبس بركعة أتمها في غير يوم الجمعة،
وفيه لا مزاحمة بعد الزوال، وكذا لا مزاحمة لو قلنا بامتدادها طول النهار، إذ
يستثنى منه قدر الفرضين، فلو بقي مقدار الفرضين لا غير قطع النافلة مطلقا،

(1) المعتبر: ص 138.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب المواقيت ح 9 ج 3 ص 116.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 1 و 2 و ج 3 ص 102.
(4) المبسوط: ج 1 ص 72.
(5) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب المواقيت ج 3 ص 168.
140

والأقرب أنها مع المزاحمة أداء.
ووقت نافلة المغرب بعد فراغها إلى ذهاب المغربية في المشهور بين
المتأخرين، ولا يزاحم بها، ولو قيل بامتدادها كوقت الفريضة كان وجها، نعم
تقديمها أفضل. ووقت الوتيرة بعد العشاء ويمتد كوقتها، وينبغي الختم بها.
ووقت الليلية بعد نصفه، وقربها من الفجر الثاني أفضل، وروي (1) جوازها
قبل النصف، وحمل على العذر كالشاب والمسافر. ولا يبعد توقيت الليلية
والنهارية بطولهما وإن كان فعلهما في المشهور أفضل. ولو تعارض تقديم الليلية
وقضاؤها فالقضاء أفضل، ولو طلع الفجر الثاني وقد تلبس بأربع أتمها مخففة
بالحمد أداء، ولو كان دون الأربع قطعها.
ووقت الشفع والوتر بعد صلاة الليل والأفضل بين الفجرين، ويجوز تقديمهما
حيث يجوز تقديم ثماني الليل. ولو ظن ضيق الوقت اقتصر على الشفع والوتر
وسنة الفجر، فلو تبين بقاء الليل أضاف إلى ما صلى ستا وأعاد ركعة الوتر
وركعتي الفجر، قاله المفيد (2)، وقال علي بن بابويه (3): يعيد ركعتي الفجر
لا غير، وفي المبسوط (4): لو نسي ركعتين من صلاة الليل ثم ذكرهما (5) بعد أن
أوتر قضاهما وأعاد الوتر.
ووقت ركعتي الفجر بعد الفراغ من الليلية، وتأخيرهما إلى طلوع الفجر
الأول أفضل، وتسمى الدساستين لدسهما في صلاة الليل، ويمتد وقتهما إلى طلوع
الحمرة، ويستحب إعادتهما إن قدمهما على الفجر الأول بعده.

(1) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب المواقيت ج 3 ص 181.
(2) المقنعة: ص 144.
(3) المختلف: ج 1 ص 124.
(4) المبسوط: ج 1 ص 131.
(5) في باقي النسخ: (ذكر) كما في المبسوط.
141

والأشهر انعقاد النافلة في وقت الفريضة أداء كانت النافلة أو قضاء
والرواية (1) عن الباقر عليه السلام لا تطوع بركعة حتى تقضى الفريضة، يمكن
حملها على الكراهة، لاشتهار (2) أن النبي صلى الله عليه وآله قضى النافلة في
وقت صلاة الصبح، وحملها الشيخ (3) على انتظار الجماعة.
وتكره النافلة المبتدأة عند طلوع الشمس حتى تذهب الحمرة، وروي (4)
حتى ترتفع، وغروبها وهو ميلها إلى الغروب أي اصفرارها حتى يكمل الغروب
بذهاب الشفق المشرقي، وقيامها نصف النهار إلا نصف يوم الجمعة، وبعد
صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر إلى غروبها. ولا يكره قضاء
الفريضة فيها إلا ما رواه أبو بصير (5) عن الصادق عليه السلام في نفيه عند
طلوعها، ولا قضاء النافلة خلافا للمفيد (6) في الطلوع والغروب، ولا نافلة لها
سبب خلافا لظاهر النهاية (7)، ولا تحرم النافلة بعد طلوعها إلى الزوال خلافا
للمرتضى (8). ولا يكره إعادة الصبح والعصر في جماعة.
ولو تعرض لسبب النافلة كالزيارة صلاها، خلافا للمفيد (9) في الطلوع
والغروب، ولا فرق بين مكة وغيرها، ولا يكره سجود التلاوة في الأوقات
الخمسة، ولا المرغمتان إلا ما رواه عمار (10) عن الصادق عليه السلام.

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب قضاء الصلوات ح 3 ج 5 ص 350.
(2) وسائل الشيعة: ب 61 من أبواب المواقيت ح 6 ج 3 ص 207.
(3) الاستبصار: ج 1 ص 286 و 287.
(4) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب المواقيت ح 9 ج 3 ص 172.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 21 ج 5 ص 355.
(6) المقنعة: ص 144.
(7) النهاية: ص 62.
(8) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): ص 230.
(9) المقنعة: ص 144.
(10) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 346.
142

[27]
درس
تجب معرفة الوقت لئلا يصلي في غيره، ولا يكفي الظن إلا مع تعذر العلم،
فيعول على الأمارات كالأوراد والأحزاب، وروي (1) في الزوال تجاوب الديكة
أو تصويته ثلاثا. فلو صلى ظانا ثم ظهر الخلاف فإن وقعت بعد الوقت
أجزأت، وقبله لا تجزئ إلا أن يدخل عليه الوقت متلبسا.
ولو صلى متعمدا قبل الوقت بطلت، وظاهر النهاية (2) أنه كالظان. أما
الناسي ففيه قولان أحوطهما أنه كالعامد، إلا أن ينسى المراعاة ويصادف
الوقت. وأما الجاهل فألحقه أبو الصلاح (3) بالناسي الملحق بالظان عنده،
ويشكل إن كان جاهل الحكم إذ الأقرب الإعادة، إلا أن يجهل المراعاة
ويصادف الوقت بأسره. والمكفوف يقلد العدل العارف بالوقت مؤذنا أو غيره،
وفي حكمه المحبوس والعامي الذي لا يعرف الأوقات. أما العارف المتمكن ففي
تعويله على الأذان وجهان أقربهما المنع، إلا مع حصول اليقين.
وفي وقوع صلاة المتبين سبقها على الوقت نفلا وجهان، ويقوى المنع لو ركع
في الثالثة، وأولى بعدم الجواز العدول بها إلى قضاء فائتة فرضا. ولو ظن الخروج
فنوى القضاء ثم خالف فالأقرب الإجزاء لو كان الوقت باقيا، ولا يصير قضاء
بمجرد ظنه إذا ظهر فساده فيؤديها.
والأفضل تقديم الصلاة في (4) أول وقتها، إلا في الظهر (5) للإيراد عند شدة

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 2 ج 3 ص 124.
(2) النهاية: ص 62.
(3) الكافي في الفقه: ص 138.
(4) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(5) في " ق " الظهرين.
143

الحر، سواء كان في بلاد حارة أو لا، وسواء الجماعة والانفراد، وإذا أراد
المنفرد فعلها في المسجد فيستحب التأخير، وقيل: رخصة.
وتؤخر الظهران حتى يأتي بالسبحتين، والعصر إلى المثل، والعشاء إلى
ذهاب الشفق، ونافلة الليل، ويؤخر الحاج العشاءين إلى جمع للجمع،
والمستحاضة الظهر والمغرب إلى دخول الثانية، والقاضي يؤخر الأداء إلى آخر
الوقت على الأقرب، والصائم تنازعه نفسه أو يتوقع غيره فطره، ولانتظار
الجماعة، وللتمكن من الطهارة واستيفاء المندوبات، ولزوال العذر مع رجائه،
ويكره تأخير الصبح عن الإسفار والعصر إلى الاصفرار، بل يكره التأخير عن
وقت الفضيلة إلا لعذر وما استثني.
ولو شك في فعل الصلاة (1) وهو في وقتها أعادها وإلا فلا. وصلاة الصبح
من صلاة النهار.
وتارك الصلوات الواجبة من المسلمين مستحلا مرتد يقتل إن كان ولد على
الإسلام، ويستتاب إن كان مسلما عن كفر، فإن امتنع قتل، ولو ادعى
الشبهة المحتملة قبل منه إذا أمكن، كقرب عهده بالإسلام وشبهه، والمرأة
لا تقتل بل تخلد السجن ويضيق عليها وتضرب أوقات الصلوات وإن كانت
عن فطرة.
ولو تركها غير مستحل عزر، فلو تكرر التعزير قتل في الرابعة، والمشهور أن
أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة، وفي المبسوط (2): إذا خرج وقت الصلاة أمر
بقضائها فإن أبى عزر، وإن أقام على ذلك حتى ترك ثلاث صلوات وعزر فيها
ثلاث مرات قتل في الرابعة، ولا يقتل حتى يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وتبعه

(1) في باقي النسخ: صلاة.
(2) المبسوط: ج 7 ص 284.
144

في المعتبر (1). ولو صلى الكافر لم يحكم بإسلامه وإن كان في دار الإسلام، فلو
أعرب الكفر بعدها فليس بمرتد.
[28]
درس
يجب قضاء فائت الفرائض مع البلوغ والعقل والإسلام والسلامة من
الإغماء والحيض والنفاس، ولو فاتت بنوم أو سكر أو ردة قضيت، وفي المغمى
عليه رواية (2) بقضاء يومه إن أفاق قبل الغروب، وروي (3) ثلاثة أيام،
وروي (4) جميع الإغماء، وكلها متروكة. ولا قضاء على المخالف إذا استبصر
وكان قد صلى.
ووقت القضاء الذكر إلا أن يتضيق (5) الحاضرة، والأصح تخيره بين
القضاء والأداء مع سعة وقت الحاضرة والقضاء أفضل، وأكثر الأصحاب على
وجوب الفورية وتأخير الحاضرة وهو أحوط.
ويجب ترتيبها كما فاتت، والقضاء تابع في القصر والتمام، فيقضي الحاضر
ما فاته سفرا قصرا، والمسافر ما فاته حضرا تماما. ولو اشتبهت الفائتة صلاها
قصرا وتماما، ولو اشتبه ترتيبها صلى بحسب ظنه أو وهمه، ولو انتفيا صلى
كيف شاء، والجهر والاخفات كما فات ليلا كان القضاء أو نهارا.
ولو فاته ما لم يحصه تحرى ظن البراءة، ولو علم تعذر الفائتة المعينة كررها
حتى يغلب الوفاء، ولو كانت الفائتة غير معلومة العين ولا العدد، صلى الحاضر

(1) لم نعثر عليه في المعتبر. نعم ذكره في الشرائع: ج 1 ص 122.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 22 و 21 ج 5 ص 355.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح 11 ج 5 ص 357.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح 3 ج 5 ص 356.
(5) في " م " و " ق ": تضيق.
145

صبحا ومغربا ورباعية مرددة حتى يغلب الوفاء، والمسافر مغربا وثنائية.
ويستحب قضاء النوافل الراتبة، ويتحرى ظنه لو لم يعلم كميتها، ولو شق
عليه أجزأ الصدقة لكل ركعتين بمد، فإن شق فلكل أربع مد، فإن عجز فمد
لصلاة الليل ومد لصلاة النهار، والصلاة أفضل. والمريض لا يتأكد عليه قضاء
ما فاته منها ولكن يتصدق.
ويستحب تعجيل فائتة النهار ليلا وبالعكس، وروي (1) تحري مثل وقت
الفوات. ويقضى الوتر وترا أبدا، وروي (2) إذا زالت الشمس من يوم فواته
صلى مثنى، ويجوز أن يجمع أوتارا في ليلة قضاء وأداء. والأصح شرعية قضاء
فريضة فعلت على غير الوجه الأكمل إذا تخيل فيها فوات شرط أو عروض مانع.
ويجب أن يقضي الولي جميع ما فات الميت، وخير ابن الجنيد (3) بينه وبين
الصدقة المذكورة آنفا، وبه قال المرتضى (4) وابن زهرة (5)، وقال ابن
إدريس (6) وسبطه (7): لا يقضي إلا ما فاته في مرض موته، وقال المحقق (8):
يقضي ما فاته لعذر كمرض أو سفر أو حيض بالنسبة إلى الصوم لا ما تركه
عمدا. والولي هو الولد (9) الأكبر وظاهر الروايات (10) أنه الأقرب مطلقا وهو
الأحوط.

(1) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 2 ج 3 ص 58.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب قضاء الصلوات ح 9 و 11 ج 5 ص 364.
(3) المختلف: ج 1 ص 148.
(4) رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة: ص 39.
(5) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 501.
(6) السرائر ج 1 ص 277.
(7) الجامع للشرائع: ص 89.
(8) الشرائع: ج 1 ص 203.
(9) في " م " و " ز ": الذكر.
(10) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب قضاء الصلوات ح 6 و 18 ج 5 ص 366 و 368.
146

ولو أوصى الميت بقضائها سقطت عنه، ووجب إخراجها من ثلث ماله مع
عدم الإجازة، وقيل: هي كالحج من أصل المال ولو لم يوص بها، ولا بأس به،
وقد ذكرنا الروايات الدالة على القضاء عن الميت لما فاته من الصلوات وأحكام
ذلك في الذكرى (1).
[29]
درس
يجب ستر العورة في الصلاة وهو شرط في صحتها، وهي السوأتان من الرجل
لا الأليتان والفخذان، وأوجب الحلبي (2) والطرابلسي (3) ستر ما بين السرة إلى
الركبة وهو أحوط، وبدن المرأة ورأسها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين
ظاهرهما وباطنهما، إلا الأمة والصبية فيباح لهما كشف رأسيهما، وروي (4)
استحباب كشف الرأس للأمة، والمعتق بعضها كالحرة، والخنثى كالمرأة. ولو
أعتقت في الأثناء وعلمت استترت، فإن استلزم المنافي بطلت مع سعة الوقت،
والصبية إذا بلغت في الأثناء (5) تستأنف إذا بقي من الوقت مصحح الصلاة (6).
والظاهر أن الأذنين والشعر في الحرة من العورة.
والأفضل للرجل ستر بدنه والعمامة والسراويل والرداء والحنك وتحري
الأبيض. ويكره للرجل الأسود، والأحمر، والمزعفر، والمعصفر، إلا العمامة
السوداء، وفي ثوب ممثل أو معلم، أو خاتم أو سيف ممثلين، ولا فرق بين صور

(1) الذكرى: ص 138.
(2) الكافي في الفقه: ص 139.
(3) المهذب: ج 1 ص 83.
(4) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب لباس المصلي ح 8 و 9 ج 3 ص 298.
(5) في " م " و " ز ": أثناء الوقت.
(6) في " ق ": قدر الطهارة وركعة.
147

الحيوان وغيرها، خلافا لابن إدريس (1) حيث خص الكراهة بالحيوانية،
واشتمال الصماء بأن يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه تحت يده ويجمعها على
منكب واحد، وترك التحنك، والصلاة في ثوب المتهم بالنجاسة أو الغصبية،
وفي الرقيق غير الحاكي، واللثام غير المانع من الكلم الواجبة، والنقاب للمرأة
كذلك، واستصحاب الحديد بارزا لا لنجاسته إذ الأصح طهارته، وفي قباء
مشدود في غير الحرب ومشدود الوسط، والسدل وهو إلقاء طرفي الرداء من
الجانبين، بل ينبغي رد أحد طرفيه على الكتف، والأزار فوق القميص بل تحته،
وكذا التوشح فوق القميص والرداء فوق الوشاح، والصلاة في خرقة الخضاب،
وصلاة المرأة عطلا بل بقلادة وإن أسنت، والصلاة في الثوب الذي تحته وبر
الثعالب والأرانب أو فوقه، وفي الثوب المصلب على قول.
وتستحب في النعل العربية، وزر الثوب، وجعل اليدين بارزتين أو في
الكمين لا تحت الثياب، وجعل المصلي في سراويله شيئا على عاتقه ولو تكة أو
خيطا أو يتقلد سيفا، وليس أخشن الثياب وأغلظها، وروي (2) أجملها.
ولا تبطل الصلاة بإنكشاف العورة في الأثناء من غير فعل المصلي، نعم
يجب المبادرة إلى الستر. ولو صلى عاريا ناسيا فالأصح الإعادة في الوقت
وخارجه. ولو وجد ساتر إحدى العورتين فالقبل أولى، ولو كان في الثوب خرق
فأمسكه بيده أجزأ إذا جمعه، ولو ستره بيده لم يجزئ.
ويجوز الاستتار بكل ما يستر العورة ولو بالحشيش وورق الشجر مع تعذر
الثوب، ولو تعذر ذلك فطين العورة وستر حجمها ولونها أجزأ، ولو بقي الحجم
وستر اللون أجزأ مع التعذر، وفي الإيماء هنا نظر، ولو وجد ماء كدرا ولا ساتر

(1) السرائر: ج 1 ص 263.
(2) وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب لباس المصلي ح 6 ج 3 ص 331.
148

غيره استتر به، ولو لم يجد إلا حفيرة ولجها ويركع ويسجد عند المحقق (1)
للرواية (2).
ويجب شراء الساتر أو استئجاره وإن زاد عن عوض المثل، مع القدرة وعدم
التضرر. ولا يراعى الستر من تحت. ولو فقد الساتر أصلا صلى عاريا قائما مع
أمن المطلع وجالسا مع وجوده، ويومئ برأسه للركوع والسجود، والسجود أزيد.
وقال المرتضى (3): يصلي جالسا مطلقا، وابن إدريس (4) قائما مطلقا.
وتشرع (5) الجماعة للعراة، فيجلسون ويومئ الإمام ويركع المأمومون خلفه
ويسجدون، لرواية إسحاق بن عمار (6) عن الصادق عليه السلام، والمرتضى (7)
والمفيد (8) يومئ الجميع، ولو كان فيهم مستور أمهم إن كان بالشرائط،
ويستحب إعارة الثوب للعاري، وتقديم المرأة ثم الخنثى ثم الأفضل بورع أو
علم.
[30]
درس
لا تجوز الصلاة في جلد الميتة، ولو دبغ سبعين مرة أو كان مما (9) لا تتم
الصلاة فيه منفردا ولو شسعا، وفي حكمه ما يوجد مطروحا، أو يؤخذ من كافر،

(1) المعتبر: ص 155.
(2) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 326.
(3) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 49.
(4) السرائر: ج 1 ص 260.
(5) في " ق ": وتسوغ.
(6) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب لباس المصلي ح 2 ج 3 ص 328.
(7) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 49.
(8) المقنعة: ص 216.
(9) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
149

أو من سوق الكفار، أو مستحل الميتة بالدباغ على قول، إلا أن يخبر بالتذكية
فيقبل، وتجوز فيما كان في سوق الإسلام، أو مع مسلم غير مستحل، أو مجهول
الحال في الاستحلال.
ولا تجوز في جلد ما لا يؤكل لحمه وإن ذكي ودبغ، ولا في شعره ووبره، إلا
الخز وبرا وجلدا على الأصح، والسنجاب، وفي الثعلب والأرنب والفنك
رواية (1) بالجواز متروكة، وفي القلنسوة أو التكة مما لا يؤكل لحمه تردد أشبهه
المنع، وفي الحواصل الخوارزمية رواية (2) بالجواز مهجورة.
ولا في الحرير المحض للرجل، والرواية (3) بالكراهة منزلة على التحريم، وكذا
لا يجوز له لبسه أصلا إلا في الحرب أو الضرورة، ويجوز الكف به واللبنة منه،
وفيما لا يتم فيه (4) الصلاة فيه خلاف أقربه الكراهية، ويجوز افتراشه والصلاة
عليه والتكأة، ويجوز لبسه للنساء إجماعا والصلاة فيه لهن خلافا للصدوق (5)،
ويجوز الممتزج للرجل ولو قل الخليط إلا مع صدق الحرير عليه، وأما الحشوبة
فالأقرب المنع، وفي مكاتبة العسكري (6) عليه السلام جوازه. ولو لم يجد إلا
الحرير صلى عاريا، ولو اضطر فوجده مع النجس تخير النجس.
ولا تجوز في الذهب للرجل ولو خاتما على الأقرب ولو مموها به، وقول أبي
الصلاح (7) بكراهة المذهب ضعيف، والخنثى كالرجل في هذين.

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 255 والاستبصار: ج 1 ص 381 ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب لباس المصلي ح 4 ج 3 ص 253.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب لباس المصلي ح 9 ج 3 ص 268.
(4) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(5) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 7.
(6) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب لباس المصلي ح 3 و 4 ج 3 ص 323.
(7) الكافي في الفقه: ص 140.
150

ولا تجوز في المغصوب، فتبطل مع العلم بالغصب وإن جهل الحكم،
والأقرب إعادة الناسي في الوقت خاصة، ولا يختص البطلان بما إذا ستر به
العورة أو قام فوقه خلافا للمحقق (1)، والمستصحب مغصوبا كخاتم وشبهه
كاللابس خلافا له (3)، ولو أذن المالك للغاصب أو لغيره صحت الصلاة، ولو
أذن مطلقا جاز لغير الغاصب، ولا في ساتر ظهر القدم على الأقرب إلا أن يكون
له ساق كالخف والجرموق، ولا في الرقيق الحاكي للعورة، ولا في الثقيل المانع
من بعض الواجبات إلا مع الضرورة. ويجوز لبس غير المأكول في غير الصلاة
إذا كان طاهرا في حال الحياة ذكيا، والأشهر اشتراط دبغه.
تتمة:
يستحب إظهار النعمة، ونظافة الثوب، والتزين حتى للصاحب، وإكثار
الثياب وإجادتها واستشعار الغليظ، وتجنب ما فيه شهرة، والأفضل القطن
الأبيض، ولا بأس بالمصبوغ والوشي في غير الصلاة. ويستحب قصر الثوب،
ورفع الثوب الطويل عن الأرض، ولا يتجاوز بالكم أطراف الأصابع،
ولا يبتذل ثوب الصون، ويستحب رقع الثوب، والدوام على التحنك وخصوصا
للمسافر وخصوصا حال الخروج، وروي (3) سدل طرفي العمامة من قدم وأخر،
ويجوز لبس القلنسوة بأذنين.
ويستحب إجادة الحذاء، والبدأة باليمين جالسا والخلع باليسار، والتحفي
عند الجلوس، واختيار الصفراء لا السوداء، ولبس الخف، ويكره الأبيض
المقشور، والنعال الملس والممسوحة، بل ينبغي المخصرة، ولا يترك تعقيب

(1) المعتبر: ص 151.
(2) المعتبر: ص 152.
(3) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب أحكام الملابس ح 1 ج 3 ص 377.
151

النعل، ويكره عقد الشراك، وينبغي القبالان.
ويستحب التختم بالورق في اليمين ويكره في اليسار، وليكن الفض مما يلي
الكف، والتختم بالعقيق ينفي الفقر والنفاق ويقضى له بالحسنى ويأمن في
سفره، وبالياقوت ينفي الفقر، وبالزمرد يسر لا عسر فيه، وبالفيروز وهو
الظفر، وبالحجر الغروي على اختلاف ألوانه والأبيض أفضل، وبالجزع اليماني،
ونقش الخاتم، ويكره التختم بالحديد، ويستحب القناع بالليل ويكره بالنهار،
ويكره لبس البرطلة، والزيادة على ثلاثة فرش له ولأهله ولضيفه، ويستحب
التسرول جالسا والتعمم قائما.
[31]
درس
تجوز الصلاة في المكان المباح أو المملوك إما عينا أو منفعة، بعوض أو غير
عوض، أو المأذون فيه إما صريحا كقوله: صل فيه، أو تضمنا كقوله: كن فيه، أو
فحوى كإدخال الضيف منزله، أو بشاهد الحال كالصحارى ما لم ينه عنها
المالك أو يتوجه عليه ضرر بذلك.
وتحرم في المكان المغصوب ولو كان صحراء، خلافا للمرتضى (1) والعلامة
أبي الفتح الكراجكي (2) رحمهما الله تعالى، ولو أذن المالك صحت لمن أذن له،
ولا يدخل الغاصب في الإذن المطلق بل ولا في العام، ولو صرح بالإذن له
صحت مع بقاء الغصبية. وتبطل الصلاة في المكان المغصوب عندنا ولو
للمنفعة، كادعاء الوصية بها أو الاستئجار كذبا، وكإخراج روشن أو ساباط في

(1) لم نعثر عليه في كتبه بل ذكر في الناصريات والجمل خلافه. الناصريات " ضمن الجوامع الفقهية "
ص 231 وجمل العلم والعمل " ضمن رسائل الشريف " المرتضى المجموعة الثالثة: ص 29.
(2) نقل الفاضل الهندي عن السيد وأبي الفتح الكراجكي وجه بصحة الصلاة في الصحاري المغصوبة،
في كشف اللثام: ج 1 ص 195.
152

الممنوع منه، ولا فرق بين الجمعة وغيرها. ولو صلى المالك في المغصوب صحت
صلاته خلافا للزيدية.
ولو أذن بالصلاة أو الكون ثم نهى قبلها ترك، فلو ضاق الوقت صلى
خارجا، ولو كان في أثنائها فثالث الأوجه الصلاة خارجا، ورابعها الإتمام لو
أذن في الصلاة بخلاف الكون.
وتبطل الطهارة في المكان المغصوب خلافا للمعتبر (1)، وكذا أداء الزكاة
والخمس فيه وقراءة (2) المنذور فيه، أما الصوم فلا.
ويشترط طهارة موضع الجبهة مطلقا، أما مساقط الأعضاء فلا، إلا أن
تتعدى النجاسة إلى المصلي أو ثوبه، واعتبر طهارتها أبو الصلاح (3)، واعتبر
المرتضى (4) طهارة جميع المصلي.
وفي جواز محاذاة المرأة للرجل (5) أو تقدمها عليه روايتان (6) أقربهما
الكراهية، ولا فرق بين المحرم والأجنبية والمقتدية والمنفردة والصلاة الواجبة
والمندوبة، ويزول المنع بالتأخر أو بعد عشرة أذرع، ولو تعذر استحب تقدم (7)
الرجل إلا مع ضيق الوقت.
وعلى المنع لو اقترنتا بطلتا، ولو سبقت إحداهما ثم لحقت الأخرى فالأقرب
بطلانهما، وفي رواية (8) لو صلت حيال الإمام السابق عليها أعادت وحدها، ولو

(1) المعتبر: ص 156.
(2) في باقي النسخ: أو قراءة.
(3) الكافي في الفقه: ص 140 و 141.
(4) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 29.
(5) في باقي النسخ: الرجل.
(6) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مكان المصلي ح 5 و 6 ج 3 ص 427.
(7) في " ق ": تقديم.
(8) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب مكان المصلي ح 1 ج 3 ص 432.
153

اقتدت بإمام بطلت صلاة من على جانبيها وورائها من الرجال، ولو حاذت
الإمام وعلم المأمومون بطلت صلاة الجميع، ولو جهلوا بطلت صلاتها وصلاة
الإمام، وأطلق الشيخ (1) صحة صلاة المأمومين.
وتكره الفريضة جوف الكعبة ولا تحرم خلافا للخلاف (2)، بناء على أن
القبلة جميع الكعبة، ولرواية (3) محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام،
وروي (4) أنه لو اضطر إلى الصلاة فيها صلى إلى جوانبها الأربعة، وروي (5)
جوازها عند خوف الفوات، وكذا تكره على سطحها، وعن الرضا (6) عليه
السلام يستلقي ويصلي مومئا إلى البيت المعمور، ولم يثبت سنده، ولا تكره
النافلة فيها (7)، وإلى المقابر إلا بحائل ولو عنزة أو ثوبا أو قدر لبنة ولو كان قبر
إمام، وعلى ظهر القبر، ولو تكرر النبش وعلم نجاسة التراب بالصديد لم يجز إذا
وقع عليه الجبهة أو تعدى إلى المصلي.
وفي البيع والكنائس، وفي المصورة آكد، وبيوت المجوس، وإلى نجاسة
ظاهرة، وعلى الجادة لا الظواهر، ومرابط الخيل والبغال والحمير دون الغنم، وفي
بيوت الغائط، ومعاطن الإبل، والبيداء، وذات الصلاصل، وضجنان، وفي
الطين والماء والحمام لا المسلخ، وقرى النمل، ومجرى الماء، والسبخة، والثلج،
والرمل المنهال لا الملبد، وفي بيت فيه خمر أو مسكر أو مجوسي، وإلى مصحف

(1) المبسوط: ج 1 ص 86.
(2) الخلاف: ج 1 ص 145.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القبلة ح 5 ج 3 ص 246.
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القبلة ح 2 ج 3 ص 245.
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القبلة ح 7 ج 3 ص 246.
(6) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب القبلة ح 2 ج 3 ص 248.
(7) في " ق ": فيها.
154

منشور، أو باب مفتوح، أو إنسان مواجه، أو حديد، أو نار ولو سراجا أو مجمرة،
وبيوت النيران، ووادي الشقرة، وكل موضع خسف به أو عذب أهله، وفي
المزبلة، والمجزرة.
والتوجه إلى السلاح المتواري، والسيف المشهور أشد كراهية، وإلى المرأة
النائمة، وإلى حائط ينز من بالوعة البول أو القذر، وقال الجعفي (1): لا تصل
خلف نيام ولا متحدثين، ونهي (2) عن الصلاة على كدس الحنطة المطين وإن
كان مسطحا، وروي (3) كراهة الصلاة في المساجد المصورة إلا في زمان غيبة
الإمام عليه السلام.
وتستحب السترة فليقرب من حائط المكان، وفي الصحراء يجعل شاخصا
بين يديه ولو عنزة أو حجرا أو سهما أو كومة من تراب أو خطأ في الأرض،
ويستحب الدنو من السترة، ودرء المار لاقتاله، وسترة الإمام للمأموم، ومكة
كغيرها خلافا للتذكرة (4)، وكذا الحرم.
[32]
درس
تستحب المكتوبة في المساجد والمشاهد، ففي المسجد الحرام بعشرة آلاف،
وفي مسجد المدينة بألف، وروي (5) بعشرة آلاف، وفي المسجد الحرام بمائة
ألف، وفي مسجد الكوفة والأقصى بألف، وفي الجامع بمائة، وفي مسجد القبيلة
بخمس وعشرين، وفي مسجد السوق باثنتي عشرة.

(1) كتبه غير موجودة لدينا ولم نعثر عليه في المختلف.
(2) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب مكان المصلي ح 2 ج 3 ص 470.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 493.
(4) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 89.
(5) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب أحكام المساجد ح 3 ج 3 ص 543.
155

ويستحب اتخاذ المساجد وكشفها وتوسطها في العلو، وعدم الشرف
والمحاريب الداخلة، وعدم توسط المنارة بل مع حائطها وعدم تعليتها، وترك
الزخرفة والتصوير وقيل: يحرمان، وترك البيع، والشراء، والمجانين، والصبيان،
والأحكام، وتعريف الضالة، وإقامة الحدود، ورفع الصوت، وترك إخراج
الحصى منها فيعاد إليها أو إلى غيرها، وقيل: يحرم إخراجه، وترك البصاق،
والوضوء من البول والغائط، وترك الشعر والنوم فيها وخصوصا المسجدين إلا
لضرورة، وترك رطانة الأعاجم، وعمل الصنائع، وترك أحاديث الدنيا،
ورمي الحصى خذفا، وترك كشف العورة والسرة والفخذ، وترك سل السيف
وبري النبل، وجعلها طريقا، وفعل هذه التروك مكروه.
ويستحب كنسها، والاسراج فيها، وكثرة الاختلاف إليها، وتعاهد النعل،
والدخول باليمين والخروج باليسار، والدعاء فيهما، وصلاة التحية والدعاء
عقيبها، والجلوس مستقبلا، وحمد الله، والصلاة على النبي وآله، وسؤال حاجته.
ويحرم تلويثها بالنجاسة وتملكها وإن زالت آثارها، وجعلها في طريق أو
ملك، وكذا البيع والكنائس، وتبنى مساجد لو اندرس أهلها أو كانوا أهل
حرب، ولا يجوز اتخاذها في الأماكن المغصوبة، ولا في الطريق، ولا الدفن فيها،
ولا تمكين المشرك من دخولها. ويستحب للنساء الاختلاف إليها كالرجال،
وإن كان البيت أفضل وخصوصا لذوات الهيئات.
ويستحب الوقف عليها، وروى ابن بابويه (1) منعه، وتصير مسجدا
بالوقف، وبقوله: جعلته مسجدا مع صلاة واحد فيه، ولو نوى المسجدية وأذن
بالصلاة فيه فصلي فظاهر الشيخ (2) صيرورته مسجدا، ولو اتخذ في داره

(1) من لا يحضره الفقيه: فضل المساجد ح 719 ج 1 ص 238.
(2) المبسوط: ج 3 ص 300.
156

مسجدا لنفسه ولم يقفه ولا أذن بالصلاة فيه جاز له تغييره.
[33]
درس
لا يجوز السجود بالجبهة إلا على الأرض أو ما ينبت منها مما لا يؤكل
ولا يلبس، ولو خرج عنها بالاستحالة كالمعدن لم يجز، ولو اضطر سجد على
القطن والكتان لا اختيارا على الأصح، فإن تعذر فعلى المعدن أو القير أو
الصهروج، فإن تعذر فعلى كفه.
ويجوز السجود على الخمرة المعمولة بخيوط يجوز عليها السجود، ولو عملت
بسيور اشترط وقوع الجبهة على غير السيور، ويجوز السجود على ما هو حامله إذا
كان بالشرط، ولا كراهة في السجود على المروحة والسواك والعود.
ولا يجوز السجود على ما لا تتمكن منه الجبهة كالرمل المنهال، ويستحب
زيادة التمكن ولا بأس بالقرطاس، ويكره المكتوب منه للقارئ المبصر، ولو
اتخذ القرطاس من القطن أو الكتان أو الحرير لم يجز. ولو وقعت الجبهة على
ما لا يسجد عليه فإن كان أعلى من لبنة رفعها، وإن كان لبنة فما دون جرها.
ويكره السجود على ما وضع على الثلج إلا مع تلبده، ولو كان مما لا تستقر عليه
الجبهة لم يجز.
والواجب في المساجد مسماها والاستيعاب أفضل، وقدر ابن بابويه (1)
موضع الجبهة بدرهم. ولا يجوز علو موضع الجبهة عن الموقف بأزيد من لبنة
موضوعة على أكبر سطوحها، وفي رواية عمار (2) مساواة النزول العلو (3) فلا يجوز أن

(1) من لا يحضره الفقيه: باب ما يسجد عليه ج 1 ذيل الحديث 831 ص 269.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب السجود ح 2 ج 4 ص 964.
(3) في " م " و " ز " للعلو.
157

يكون موضع الجبهة أخفض من الموقف بما يزيد عن لبنة، والظاهر اعتبار ذلك
في بقية المساجد.
ويكره نفخ موضع السجود، ولو خاف في المظلمة (1) من أذى الهوام وليس
معه إلا الثوب جاز السجود عليه، ولو خاف على بقية الأعضاء ولا وقاية جاز
الإيماء، وكذا في كل موضع يتعذر السجود.
ويجب إدناء الجبهة إلى ما يمكن، والوحل والمطر يجوزان الإيماء، ولو سجد
فيهما جاز إذا تمكنت الجبهة، ويستحب السجود على الأرض وعلى التربة
الحسينية.
[34]
درس
يجب استقبال القبلة في الصلاة الواجبة، وبالميت في أحواله السابقة، وعند
الذبح إلا مع التعذر. ويستحب الاستقبال في الدعاء والقضاء، بل مطلقا إلا
في مواضع التحريم والكراهية. والكعبة معتبرة للمشاهد ومن بحكمه، فعلى
المكي أن يشاهدها ولو كان بالصعود على السطح (2) ما لم يتيقن مسامتتها، وكذا
من بالحرم إذا كان يراها بعلوه على الجبال. والنائي يتوجه إلى الجهة لا إلى الحرم
على الأقوى. ولو صلى فوقها أبرز بين يديه منها قليلا ولا يحتاج إلى شاخص،
والمصلي على جبل أبي قبيس يستقبل جهتها في العلو.
ولو خرج صف المأمومين عن السمت مع المشاهدة بطلت صلاة من خرج،
ولو استداروا حولها صحت لكن ينبغي أن يكون المأموم مساويا في القرب إليها
لإمامه أو أبعد منه. ولو صليا داخلها واستدبر أحدهما صاحبه، أمكن الصحة

(1) في " ق ": الظلمة.
(2) في باقي النسخ: سطح.
158

إذا علم أفعاله وشاهده ولو في بعض الأحيان.
ويتوجه كل قوم إلى ركنهم، فعلامة العراق جعل الجدي خلف منكبه
الأيمن، والمغرب على يمينه والمشرق على يساره، وعين الشمس عند الزوال على
طرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف. وعلامة الشام جعل الجدي طالعا على
الكتف الأيسر، وسهيل طالعا بين العينين وغاربا على العين اليمنى، وبنات
نعش غائبة خلف الأذن اليمنى. وعلامة المغرب جعل الثريا على اليمين،
والعيوق على اليسار، والجدي على الخد الأيسر. وعلامة اليمن جعل الجدي طالعا
بين العينين، وسهيل غائبا بين الكتفين، والجنوب على مرجع الكتف اليمنى.
وما بين هذه البلدان قد ذكرنا علامتها في الذكرى (1)، والمشهور استحباب
التياسر لأهل العراق.
[35]
درس
القادر على العلم بالقبلة ليس له الاجتهاد، والقادر على الاجتهاد ليس له
التقليد إلا مع خوف فوت الوقت بالاجتهاد، وقيل: يصلي إلى أربع أو إلى
ما يحتمله (2) الوقت، ولو خفيت عليه الأمارات ففيه القولان. أما العاجز عن
الاجتهاد وعن التعلم كالمكفوف، فيقلد المسلم العدل العارف بالأدلة وإن
كان عبدا أو امرأة، وفي الفاسق والكافر عند التعذر وإفادة الظن وجه قوي
بالجواز، وقيل: يصلي إلى أربع، ولو وجد مجتهدين قلد أعلمهما، فإن تساويا
تخير. والعامي إن أمكنه التعلم وجب، والأصح أنه فرض عين.
ولو وجد العاجز مخبرا عن علم وآخر عن اجتهاد عدل إلى الأول، ولو وجد

(1) الذكرى: ص 162.
(2) في " م " و " ق ": يحتمل.
159

القادر على الاجتهاد مخبرا عن علم أمكن الرجوع إليه وإن منعناه من التقليد،
ولو اجتهد فأخبره بخلافه ركن إليه، ولو أخبره مجتهد بخلافه عول على أقوى
الظنين، وقيل: على اجتهاد نفسه.
ويعول على قبلة البلد ما لم يعلم بناها على الخطأ (1)، ويجوز الاجتهاد في
تيامنها وتياسرها، وفي التعويل على قبلة أهل الكتاب مع تعذر غيرها احتمال
قوي، ومع تعذر الأمارات والتقليد فالصلاة إلى أربع جهات مع سعة الوقت،
ومع ضيقه إلى المحتمل ولو جهة واحدة.
ولو اختلف الإمام والمأموم في الاجتهاد تيامنا وتياسرا، فالأقرب جواز
القدوة، ولو تغير اجتهاد المأموم في أثناء الصلاة (2) إلى انحراف يسير انحرف
مستمرا، وإن كان كثيرا نوى الانفراد، ولو عول المقلد على رأيه لأمارة صح،
وإلا أعاد وإن أصاب.
ولو أبصر في الأثناء وكان عاميا استمر، وإن كان مجتهدا اجتهد، فإن وافق
أو كان منحرفا يسيرا استقام وأتم، وإن كان كثيرا أعاد، ولو افتقر إلى زمان
طويل أو فعل كثير فالأقرب البناء على حاله. ولو كف البصير في الأثناء بنى،
فإن التوى قلد في استقامته، فإن تعذر قطع مع سعة الوقت، واستمر مع ضيقه
إلا عن واحدة، ولو وسع أربعا كرر واحتسب بما هو فيه.
ومن صلى إلى جهة باجتهاد أو تقليد أو لضيق الوقت وتبين الخطأ، فإن
كان منحرفا يسيرا استقام إن كان في الأثناء وإلا أجزأ وإن كان إلى عين
اليمين أو اليسار استأنف، ولو كان قد فرغ أعاد في الوقت لا خارجه، ولو كان
مستدبرا فالأقرب المساواة، وقيل: يقضي لو خرج، وأما الناسي فالظاهر أنه
كالظان. ويسقط الاستقبال عند الضرورة وإن علم القبلة، كصلاة المطاردة

(1) في باقي النسخ: خطأ.
(2) في باقي النسخ: الأثناء.
160

وكالمصلوب والمريض الذي لا يجد من يوجهه إليها.
ولا تصح الفريضة على الراحلة اختيارا، وإن تمكن من استيفاء الشرائط
والأفعال على الأصح، وكذا لو كان البعير معقولا، وفي الأرجوحة وجهان، أما
الرف المعلق بين حائطين أو نخلتين فجائز ما لم يضطرب المصلي عليه، ولو
احتمل قوم سريرا عليه مصل وأمن منهم الاضطراب والانحراف فالأقرب المنع،
وظاهر الأصحاب أن الصلاة في السفينة مقيدة بالضرورة إلا أن تكون
مشدودة.
ولو اضطر إلى الصلاة على الراحلة أو السفينة وجب تحري القبلة، فإن تعذر
فبالبعض، فإن تعذر فبالتحريمة، فإن تعذر سقط. أما النافلة فجائزة فيهما، وقبلته
رأس الدابة، ولو أمكن التوجه إلى القبلة في الجميع أو البعض فهو أفضل،
والمضطر إلى الصلاة ماشيا حكمه حكم الراحلة، وتجوز النافلة ماشيا اختيارا.
[36]
درس
يستحب مؤكدا الأذان والإقامة، وصورة الأذان " الله أكبر " أربع مرات،
" أشهد أن لا إله إلا الله " " أشهد أن محمدا رسول الله " " حي على الصلاة "
" حي على الفلاح " " حي على خير العمل " " الله أكبر " " لا إله إلا الله " مثنى
مثنى، فيكون ثمانية عشر فصلا. والإقامة فصولها مثنى إلا التهليل في آخرها فإنه
مرة، ويزيد " قد قامت الصلاة " بعد التعميل مرتين.
وروي (1) أن الأذان عشرون بزيادة تكبيرتين في آخره، وأن الإقامة
عشرون بزيادة تهليل في آخرها ومساواة التكبير في أولها للأذان، وروى (2)

(1) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الأذان والإقامة ح 22 ج 4 ص 648.
(2) نفس المصدر السابق.
161

اثنان وعشرون بزيادة التكبيرتين (1) آخرها أيضا، وقال الشيخ (2): لا يأثم بهذه
الزيادة، أما (3) الشهادة لعلي عليه السلام بالولاية وأن محمدا وآله خير البرية
فهما من أحكام الإيمان لا من ألفاظ الأذان، وقطع في النهاية (4) بتخطئة قائله،
ونسبه ابن بابويه (5) إلى وضع المفوضة، وفي المبسوط (6): لا يأثم به.
ويكره الترجيع وهو تكرار التكبير والشهادتين إلا للتنبيه، وكذا يجوز تكرار
باقي الفصول كذلك (7)، والتثويب وهو قول: الصلاة خير من النوم في الصبح،
وفي النهاية (8): لا يجوز، وفي الخلاف (9) تثويب العشاء بدعة، والجعفي (10) وابن
الجنيد (11) لا بأس به، ورواه البزنطي (12) وهو شاذ.
ويجوز إفراد فصولهما سفرا، والإقامة التامة أفضل من إفرادهما، ولا يتأكد في
حق النساء، ويجزئها التكبير والشهادتان، ولا يقدم على الوقت إلا في الصبح
فيعاد، ومنعه فيها الجعفي (13) والمرتضى (14) وروي (15) التقديم للمنفرد في

(1) في باقي النسخ: تكبيرتين.
(2) النهاية: ص 69.
(3) في باقي النسخ: وأما.
(4) النهاية: ص 69.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 290.
(6) المبسوط: ج 1 ص 99، وفيه: يأثم به.
(7) في " م " و " ز ": لذلك.
(8) النهاية: ص 67.
(9) الخلاف: ج 1 ص 87.
(10) مفتاح الكرامة: ج 2 ص 290.
(11) نفس المصدر السابق.
(12) المعتبر: ص 166.
(13) مفتاح الكرامة: ج 2 ص 270.
(14) المسائل الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): ص 228.
(15) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الأذان والإقامة ح 6 ج 4 ص 626.
162

الصبح لا الجامع.
والترتيب شرط فيهما. والإقامة أفضلهما، وأن يؤم أفضل منهما، ولا يستحب
الجمع بينهما وبين أن يؤم لأمراء السرايا. ويستحب الحكاية، وتجوز الحولقة بدل
الحيعلة، ويجوز في الصلاة إلا الحيعلة فيحولق، ويقطع لأجله الكلام وإن كان
قرآنا، ويتم الحاكي ما نقص المؤذن ويدعو.
والطهارة، وفي الإقامة آكد، والقيام، وفيها آكد، وأوجبهما المرتضى (1) في
الإقامة. ولزوم القبلة من غير التواء، ووضع إصبعيه في أذنيه، والارتفاع ولو على
منارة وإن كره علوها، ورفع الصوت للرجل وأقله إسماع نفسه، وذكر الله
تعالى بين الفصول، والصلاة على النبي وآله عند ذكره فيهما، والوقوف على
الفصول بلا إعراب فيهما، والترتيل فيه، والحدر فيها، وخفض الصوت بها دون
الأذان، ويستحب رفع الصوت في المنزل (2) ليكثر الولد وتزول العلل.
ويكره الكلام في خلالهما، وفي الإقامة آكد، فيبني في الأذان لو تكلم
ويعيد الإقامة، وتتأكد كراهيته بعد " قد قامت "، وحرمه جماعة إلا لتسوية
صف أو تقديم إمام، وكذا يكره كون المؤذن لحانا أو غير فصيح أو أعمى إلا
بمسدد. ويستحب الفصل بينهما بركعتين في الظهرين من سنتهما، وبجلسة في
الصبح والعشاء، وروي (3) في المغرب، والمشهور فيها بخطوة أو سكتة أو
تسبيحة، ويجزئ الثلاثة في الكل.
ويشترط إسلام المؤذن، وعقله، وصحوه من السكر والاغماء، وذكوريته إذا
أذن للرجال الأجانب، ويجوز أذان المرأة للنساء ومحارم الرجال، ويعتد بأذان

(1) رسائل المرتضى: المجموعة الثالثة ص 30. وفيها: ولا يجوز ذلك (عدم الوضوء وعدم القبلة) في
الإقامة.
(2) في " م " بهما، وفي " ز " بها.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الأذان والإقامة ح 10 ج 4 ص 632.
163

المميز لا غيره، وبأذان الفاسق خلاف لابن الجنيد (1)، لا بأذان المخالف، فلو
خشي الفوات اقتصر على قوله: قد قامت إلى آخر الإقامة، ولو خشي من الجهر
أسر، ولا تشترط الحرية.
ويستحب عدالته، ونداوة صوته، وطيبه، وبصره، واطلاعه بمعرفة الوقت
وأحكام الأذان. ومع التشاح يقدم من فيه صفة كمال، فالقرعة، ويجوز تعدده،
ومنع في الخلاف (2) من الزيادة على اثنين فيؤذنون جميعا ومع السعة يترتبون.
ويكره التراسل، ويجوز أن يقيم غير المؤذن، والإقامة منوطة بالإمام، ولو لم يوجد
متطوع جاز الرزق من بيت المال، أو من الإمام، أو من الرعية، وتحرم الأجرة
وكرهها المرتضى (3).
[37]
درس
لا يجب الأذان عينا، ولا على أهل المصر كفاية، ويستحب في الخمس
خاصة جماعة وفرادى أداء وقضاء حضرا وسفرا، ويتأكد في الجماعة، وأوجبه
جماعة لا بمعنى اشتراطه في الصحة بل في ثواب الجماعة، وفي الجهرية آكد، وفي
الغداة والمغرب أشد، وأوجبه قوم فيهما، وأوجبوا الإقامة في الباقي.
ويسقطان وجوبا عند ضيق الوقت، وندبا عن الجماعة الثانية قبل تفرق
الأولى، وكذا عن المنفرد قبل التفرق، وتجتزئ الجماعة بأذان غيرهم وإقامته،
مع أنه لو أذن بنية الانفراد ثم أراد الجماعة لم يجزئه الأول واستأنف، واجتزأ به
في المعتبر (4) وهو نادر.

(1) المختلف: ج 1 ص 90.
(2) الخلاف: ج 1 ص 88.
(3) المختلف: ج 1 ص 90 لم نعثر عليه في كتب السيد المرتضى الموجودة لدينا.
(4) المعتبر: ص 164.
164

ويسقط استحباب الأذان في عصر عرفة وعشاء مزدلفة وعصر الجمعة،
وربما قيل بكراهته في الثلاثة وخصوصا الأخيرة، وبالغ من قال بالتحريم،
وسقوط الأذان هنا لخصوصية الجمع لا للمكان والزمان، بل كل من جمع بين
الصلاتين لم يؤذن ثانيا على المشهور، بل الأذان لصاحبة الوقت، فإن كان
الوقت للثانية أذن لها وصلى الأولى بإقامة ثم أقام للثانية.
ويجتزئ القاضي بالأذان لأول ورده والإقامة للباقي، وإن كان الجمع
بينهما أفضل، وهو ينافي سقوطه عمن جمع في الأداء، إلا أن نقول: السقوط فيه
تخفيف، أو أن (1) الساقط أذان الإعلام لحصول العلم بأذان الأولى لا الأذان
الذكري، ويكون الثابت في القضاء الأذان الذكري، وهذا متجه.
وناسيهما يرجع ما لم يركع فيسلم على النبي صلى الله عليه وآله ويقطع
الصلاة، ولا يرجع العامد في الأصح، ويرجع أيضا للإقامة وروي (2) التلفظ
ب‍ " قد قامت " في الصلاة مرتين (3) وهو بعيد.
ومن أحدث في أثنائهما تطهر وبنى، والأفضل إعادة الإقامة، ولو أحدث في
الصلاة أعادها، ولا يعيد الإقامة إلا مع الكلام.
ويستحب الأذان في المواضع الموحشة، وفي أذن من ساء خلقه، وفي أذن
المولود اليمنى ويقام (4) في اليسرى. وفي الأذان والإقامة ثواب كثير أوردنا طرفا
منه في الذكرى (5).
وأما أفعال الصلاة فهي إما واجبة أو (6) مندوبة، والواجب ثمانية.

(1) في " م " و " ز ": أو أن نقول.
(2) التهذيب: ح 6 ج 2 ص 278.
(3) في " م " و " ز ": ويجزئه عن الرجوع.
(4) في " ق ": والإقامة.
(5) الذكرى: ص 168.
(6) في " ق ": وإما.
165

[38]
درس
أولها: النية، وتبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا، وهي تشبه الشرط من
وجه. ولما كان القصد مشروطا بعلم المقصود، وجب إحضار ذات الصلاة
وصفاتها الواجبة، من التعيين والأداء والقضاء والوجوب، ثم القصد إلى هذا
المعلوم لوجوبه قربة إلى الله، مقارنا لأول التكبير مستديما له إلى آخر التكبير
فعلا، ثم إلى آخر الصلاة حكما، فإن عسر استدامته فعلا إلى آخر التكبير كفى
في أوله. ولا يشترط تعيين الأفعال مفصلة، ولا عدد الركعات إلا في مواضع
التخيير على الأقرب، نعم يجب التعيين في صورة اشتباه القصر بالتمام إذا أراد
قضاءه.
فروع:
الأول (1): لو نوى الفرض قاعدا وهو مخاطب بالقيام أو بالعكس بطلت.
الثاني: لا بد في النافلة من نية سببها كالعيد ندبا، وفي الراتبة مشخصها
كالزوال.
الثالث: لو نوى الخروج من الصلاة أو فعل المنافي فالوجه البطلان، وكذا
لو شك هل يخرج أم لا، أما ما يخطر في النفس من الوسواس فلا.
الرابع: لو نوى الرياء أو غير الصلاة ببعض الأفعال بطلت.
الخامس: يجوز النقل إلى الفائتة، ويجب إلى السابقة من الأداء والقضاء،
ومن الفرض إلى النفل دون العكس في الأصح.
السادس: لو نوى الفريضة ثم ذهب وهمه إلى النافلة فأتمها بنية النافلة

(1) هذه الكلمة غير موجودة في " م " و " ق ".
166

أجزأت، للرواية (1) عن الصادق عليه السلام.
وثانيها: تكبيرة الافتتاح، وهي ركن تبطل الصلاة بتركها سهوا في أشهر
الروايات (2)، وعليه انعقد الإجماع، ويتعين فيها " الله أكبر " مراعيا لهذه
الصيغة مادة وصورة، ويجب فيها الموالاة والعربية، ومع ضيق الوقت يحرم
بالترجمة، والألسنة متساوية على الأشبه، وربما يرجح (3) السرياني والعبراني ثم
الفارسي، ويجب التعلم طول الوقت.
ويعتبر فيها جميع ما يعتبر في الصلاة من الطهارة والقيام وغيره، فلو كبر وهو
آخذ في القيام، أو منحنيا في الأصح، أو كبر المأموم آخذا في الهوي، لم يجزئ.
ولو نوى بها الافتتاح والركوع بطلت إلا على رواية (4)، ولو كبر ثانيا
للافتتاح بطلت، وصحت الثالثة، وهكذا كل فرد صحيح وكل زوج باطل،
إلا أن ينوي الخروج فيصح ما بعده. ولا يجوز مد همزة " الله " فيصير استفهاما،
ولا مد باء " أكبر " فيصير جمع كبر، ولا وصل الهمزتين منهما.
ويستحب فيها أن يرفع يديه معا حال التكبير إلى حذاء أذنيه، يبتدئ
بالتكبير عند ابتداء الرفع وينتهي عند انتهائه، ولا يكبر عند وضعهما في الأصح،
ولا في حال قرارهما، وأوجب الرفع المرتضى (5) فيها وفي سائر التكبيرات،
والأصح استحبابه في الجميع، ويتأكد في تكبيرة الافتتاح، ويتأكد في حق
الإمام في الجميع، ولو رفعهما تحت ثيابه أجزأ. والجهر بها للإمام والإسرار
للمأموم، ويتخير المنفرد، وإضافة ست إليها، يكبر ثلاثا ويدعو، ثم اثنتين

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب النية ح 2 و 3 ج 4 ص 712.
(2) وسائل الشيعة: انظر ب 2 من أبواب تكبيرة الإحرام ج 4 ص 715.
(3) في " م ": رجح.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 2 ج 4 ص 718.
(5) الإنتصار: ص 44.
167

ويدعو، ثم اثنتين ويتوجه، وروي (1) إحدى وعشرون، ويجوز الولاء والاقتصار
على خمس أو ثلاث، والتوجه عام في جميع الصلوات حتى النوافل، ولا يختص
بالمواضع السبعة على الأصح.
[39]
درس
وثالثها: القيام، وهو ركن في الصلاة أو بدله، وحده الانتصاب، ويحصل بنصب
الفقار وإقامة الصلب، وروى الصدوق (2) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له. ولا يضر إطراق الرأس، ويجب الإقلال
بحيث لا يستند إلى ما يعتمد عليه، ورواية علي بن جعفر (3) عن أخيه عليهما
السلام لا تنافيه.
ولو عجز عن الانتصاب لمرض أو كبر أو خوف وشبهه صلى منحنيا ولو إلى
حد راكع، ولو عجز عن الإقلال استند ولو بأجرة إذا كانت مقدورة، فإن
عجز قعد سواء قدر على المشي بقدر زمان صلاته أو لا، إلا على رواية (4)، ولو
قدر على الصلاة ماشيا قيل: يقدمه على القعود. ويقعد كيف شاء، والأفضل
التربع قارئا، وثني الرجلين راكعا، والتورك متشهدا، ويجب أن يرفع الفخذين
في الركوع وينحني قدر ما يحاذي وجهه ما قدام ركبتيه من الأرض.
فروع:
الأول: لو لم يقدر القاعد إلا على هذا الانحناء فعله مرة للركوع ومرتين

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1 ج 4 ص 720.
(2) من لا يحضره الفقيه: ح 2 ج 1 ص 197 - 198.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب القيام ح 1 ج 4 ص 701.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب القيام ح 4 ج 4 ص 698.
168

للسجود، ولا يجب كون السجود هنا أخفض لعدم القدرة عليه، وليس له أن
ينقص من انحنائه في الركوع ليصير السجود أخفض، لأن نقص الركن غير
جائز.
الثاني: يجوز القعود مع القدرة على القيام لخائف العدو، أو زيادة المرض،
أو المشقة الشديدة، وكذا يجوز لقصر السقف.
الثالث: الأشبه وجوب الاعتماد على الرجلين معا في القيام، ولا يكفي
الواحدة للقادر.
الرابع: لا يجوز تباعد الرجلين بما يخرج عن حد القيام، ولو تعارض الانحناء
وتفريق الرجلين ففي ترجيح أيهما نظر.
ولو عجز عن القعود استند، فإن عجز اضطجع على جانبه الأيمن كالملحود،
ثم الأيسر، ثم الاستلقاء كالمحتضر، ويؤمنون بالرأس، ثم بتغميض العينين في
الركوع والسجود، وبفتحهما في الرفع منهما، مع التلفظ بالأذكار، فإن عجز كفاه
تصورها ويتصور الأفعال عند الإيماء. ويجوز الاستلقاء للقادر على القيام لعلاج
العين، وينتقل القادر والعاجز إلى الأعلى والأدنى ولا يستأنفان، قيل: ويقرأ في
الانتقال إلى الأدنى لا إلى (1) الأعلى.
ولو خف بعد القراءة قام للركوع، والأحوط وجوب الطمأنينة ثم الهوي،
ولو خف في ركوعه قاعدا قبل الطمأنينة كفاه أن يقوم راكعا، ولو خف بعد
الطمأنينة قام للاعتدال من الركوع، ولو خف بعد الاعتدال قام للطمأنينة فيه،
ولو خف بعد الطمأنينة قام للهوي إلى السجود، ولا يجوز الاضطجاع ولا الاستلقاء
في النافلة إلا مع العجز.
وسنن القيام: الدعاء عند إرادته بقوله: " اللهم إني أقدم إليك محمدا بين

(1) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
169

يدي حاجتي وأتوجه به إليك، فاجعلني به وجيها في الدنيا والآخرة ومن
المقربين، واجعل صلاتي به متقبلة، وذنبي به مغفورا، ودعائي به مستجابا، إنك
أنت الغفور الرحيم ".
وأن لا يقوم متكاسلا ومتناعسا ولا مستعجلا، وأن يكون على سكينة
ووقار، وأن يتخشع، وينظر موضع سجوده، وأن يقيم نحوه، ويجعل بين رجليه
قدر ثلاث أصابع إلى شبر، وأن لا يراوح بين رجليه في الاعتماد، وأن يستقبل
بإبهاميه القبلة، وأن يترك التقدم والتأخر، وأن لا يرفع بصره إلى السماء، وأن
يقبل بقلبه على (1) الله ويقوم قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل.
وأن يقنت قبل الركوع في كل ثانية (2)، وفي مفردة الوتر قنوت قبله وآخر
بعده، وفي الجمعة قنوتان في الركعة الأولى قبله وفي الثانية بعده، وأوجبه ابن
بابويه (3) في كل صلاة، والحسن (4) في الجهرية، ويتأكد في الوتر والجهرية.
والدعاء فيه بكلمات الفرج، والتكبير له في الأصح، ورفع اليدين تلقاء
وجهه، وقال المفيد (5): يحاذي بهما صدره، وجعل بطونهما إلى السماء مبسوطتين
ويفرق الإبهامين، والجهر فيه مطلقا، والمرتضى (6) هو تابع في الجهر والاخفات
للصلاة. ويقضيه الناسي بعد الركوع، ثم بعد الصلاة وهو جالس، ولو انصرف
قضاه في الطريق مستقبل القبلة، وأقله البسملة ثلاثا، أو سبحان الله خمسا أو
ثلاثا، وعند التقية لا يرفع يديه، ولا يؤمن فيه، وجوز ابن الجنيد (7) تأمين المأموم

(1) في " م " و " ز " إلى.
(2) في باقي النسخ: ثنائية.
(3) المختلف: ج 1 ص 96.
(4) المختلف: ج 1 ص 96.
(5) المقنعة: ص 105 و 107.
(6) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): ص 235.
(7) الحبل المتين: (ص 225، الذكرى: ص 184).
170

فيه وهو شاذ.
ويجوز الدعاء فيه وفي سائر الصلاة للدين والدنيا ما لم يكن محرما، ويجوز بغير
العربية مع القدرة والعجز، بخلاف الأذكار الواجبة، ومنع سعد (1) من الدعاء
بالفارسية، ويتبع المأموم فيه الإمام وإن لم تكن ثانية المأموم.
[40]
درس
ورابعها: القراءة، وهي واجبة وليست ركنا على الأصح، ويتعين الحمد في
الثنائية وفي الأوليين من غيرها، والبسملة آية منها ومن كل سورة، والرواية (2)
بعدمها (3) مؤولة، وقول ابن الجنيد (4) بأنها ليست آية من غير الحمد شاذ، ويجب
سورة (5) كاملة معها في مواضع تعينها.
ويجب مراعاة إعرابها وبنائها وترتيبها على الوجه المنقول، وإخراج حروفها
من مخارجها، وتشديدها، وموالاتها، فيعيدها لو قرأ خلالها من غيرها نسيانا أو
عمدا، وقيل: تبطل صلاة العامد، وكذا لو سكت في أثنائها بنية القطع،
والأقرب بناؤه على تأثير نية المنافي، أو على طول السكوت بحيث يخرج به عن
اسم الصلاة، وتجوز القراءة بالسبع والعشر لا الشواذ، ومنع بعض الأصحاب من
العشر.
ويجب تقديم الفاتحة على السورة، فيعيد المخالف عامدا لا ساهيا، بل
يستدرك ما لم يركع. وتجب القراءة بالعربية، فلا تجزئ العجمية ولو مع

(1) المختلف: ج 1 ص 98.
(2) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5 ج 4 ص 749.
(3) في باقي النسخ: بعدمه.
(4) المعتبر: ص 176.
(5) في " ق " قراءة سورة.
171

العجز، لفوات ما به يحصل الإعجاز، ومن ثم لم تجزئ القراءة مقطعة كأسماء
العدد. ويجب عن ظهر القلب على الأصح، ويجزئ عن (1) المصحف عند ضيق
الوقت.
ويجب التعلم مع السعة، ومع الضيق يقرأ ما يحسن منها إذا سمي قرآنا،
فإن أحسن معه غيره من القرآن عوض عما بقي منها مراعيا للترتيب بين العوض
والأصل، فلو حفظ النصف الأول أخر العوض، وبالعكس يقدم العوض، ولو
لم يحسن شيئا منها وضاق الوقت قرأ ما يحسن من غيرها بقدرها فزائدا متتاليا،
وإن تعذر التتالي جاز متفرقا، وإن أحسن ما ينقص عن قدرها اجتزأ به إذا
سمي قرآنا، وفي وجوب تكرار ما يحسن منها أو من غيرها حتى يصير بقدرها
نظر أقربه العدم.
ولو لم يحسن شيئا عوض بالتسبيح، وهو المجزئ عنها في موضع التخيير على
الأقرب، وقد بيناه في الذكرى (2)، ولو أحسن بعضه أتى به، وفي تكراره
الوجهان، ولو أحسن الذكر والعجمية فالأقرب وجوبه، وفي ترجيحه على
القراءة بالعجمية نظر، ولو لم يحسن قرآنا ولا ذكرا وجب الوقوف بقدرها. ولو
أمكن الائتمام وجب، ولا يسقط به وجوب التعلم، وفي السورة يقرأ ما تيسر عند
العجز عن الكاملة، فإن تعذر أجزأت الفاتحة عند الضيق.
فرع:
لو تعلم في أثناء الصلاة انتقل من البدل إليه، ولو كان بعد فراغه منه ما لم
يركع.

(1) في باقي النسخ: من
(2) الذكرى: ص 187.
172

والأخرس يحرك لسانه ويعقد قلبه بمعناها إن أمكن فهمه، والألثغ وشبهه
يجب عليه إصلاح اللسان، فإن تعذر أجزأ، والأشبه عدم وجوب الائتمام عليه.
ويجزئ في غير الأوليين " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر "
ثلاثا، وقال الحسن (1): الأكمل سبع أو خمس والأدنى الثلاث، والأقرب
إجزاء باقي الأقوال من الأربع والتسع والعشر، ووجوب الإخفات فيه
والترتيب، وتجب الموالاة والعربية إلا مع العجز.
ويجب الجهر بالقراءة في الصبح وأولتي العشاءين، وأقله إسماع القريب ولو
تقديرا، والاخفات فيما عداها، وحده إسماع نفسه ولو تقديرا، ويسقط الجهر
عند التقية، وجعل المرتضى (2) وابن الجنيد (3) الجهر والاخفات مستحبين،
ولا جهر على المرأة، ولو جهرت بحيث لا يسمع الأجنبي جاز، والأولى وجوبه على
الخنثى حيث لا يسمع أجنبي.
ولا تجوز العزيمة في الفريضة خلافا لابن الجنيد (4)، ولا ما يفوت الوقت
بقراءته، وفي القرآن قولان أقربهما الكراهية، إلا في سورتي الضحى وألم نشرح،
وسورة الفيل ولايلاف، وتجب البسملة بينهما، ولو جعلناهما سورة واحدة لم تجب
البسملة على الأشبه.
ويجوز العدول من سورة إلى أخرى ما لم يبلغ النصف، إلا التوحيد والجحد
فيحرم، وكرهه في المعتبر (5)، إلا إلى الجمعة والمنافقين فيجوز منهما إليهما ما لم يبلغ
النصف، وإذا عدل أعاد البسملة، وكذا لو بسمل بغير قصد سورة قصد وأعاد،

(1) المختلف: ج 1 ص 92.
(2) المختلف: ج 1 ص 93.
(3) نفس المصدر السابق.
(4) المختلف: ج 1 ص 73.
(5) المعتبر: ص 174.
173

ولو جرى لسانه على بسملة وسورة فالظاهر الإجزاء، وتسقط السورة في
الأخيرتين، والمعوذتان من القرآن إجماعا.
ويحرم هنا أمران: أحدهما: الترجيع المطرب في القراءة، فتبطل الصلاة
به. وثانيهما: قول آمين، وهو حرام مبطل على الأصح، سرا أو جهرا في الفاتحة
وغيرها، وقول ابن الجنيد (1) شاذ، واحتمال الكراهية في المعتبر (2) مردود،
والرواية (3) المجوزة له محمولة على التقية، ولا ريب في جوازه حينئذ.
[41]
درس
سنن القراءة الاستعاذة في أول ركعة لا غير سرا، وروي (4) الجهر به،
وأوجبها ولد الشيخ (5)، والجهر بالبسملة فيما يخافت فيه، وإنكار ابن إدريس (6)
الأخيرتين تحكم، وإيجاب القاضي (7) الجهر بها مطلقا والحلبي (8) في أولتي
الظهرين ضعيفان، وتعمد الإعراب، والوقوف في مواضعه، والترتيل، وسؤال
الرحمة والاستعاذة من النقمة عند آيتيهما، والسكوت عقيب الفاتحة والسورة بقدر
نفس، وإحضار القلب.
وقراءة مطولات المفصل في الصبح، ومتوسطاته في الظهر والعشاء، وقصاره
في العصر والمغرب، وقراءة هل أتى والغاشية في صبح الاثنين والخميس،

(1) الحبل المتين: ص 225.
(2) المعتبر: ص 177.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5 ج 4 ص 753.
(4) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب القراءة في الصلاة ح 4 و 5 ص 800.
(5) الذكرى: ص 191.
(6) السرائر: ج 1 ص 218.
(7) المهذب: ج 1 ص 92.
(8) الكافي في الفقه: ص 117.
174

والجمعة والأعلى في العشاءين ليلة الجمعة، وروي (1) في المغرب ليلة الجمعة
الجمعة والتوحيد، وفي صبحها بها وبالتوحيد، وقال الصدوق (2) والمرتضى (3):
بها وبالمنافقين، وفي ظهريها بها وبالمنافقين، وكذا في الجمعة، وأوجبهما
الصدوق (4) في الظهر والجمعة إلا لضرورة كمرض وشبهه، وهو متروك، والجهر
بالقراءة في صلاة الجمعة، لا في الظهر على الأقرب وإن صليت جماعة. وإضافة
السورة إلى الحمد في النافلة، ويجوز التبعيض فيها، ولو بعض في الركعة الأولى لم
يجزئه الإكمال في الركعة الثانية عن الحمد خلافا للحسن (5)، وتطويل قراءة
الركعة الأولى، وقيل: هما سواء، وتغاير السورة في الركعتين فيكره تكرار
الواحدة.
وقراءة التوحيد والجحد في سنة الفجر، وركعتي الزوال، وأوليي سنة
المغرب، وأوليي صلاة الليل، وركعتي الإحرام، والفجر إذا أصبح بها (6)،
وركعتي الطواف، وروي (7) البدأة بالجحد. وقراءة التوحيد في أوليي صلاة
الليل ثلاثين مرة، وفي البواقي بالسور الطوال كالكهف والإسراء وال‍ " حم "
ويجهر بها، وفي نوافل النهار بالقصار ويسر بها، والقضاء تابع للأداء في الجهر
والسر، والجهر في الكسوف والخسوف والعيد والاستسقاء، وإسرار المأموم
القراءة والأذكار، والقراءة في الأخيرتين للإمام والتسبيح للمنفرد، وقيل: هما

(1) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب القراءة في الصلاة ح 4 ج 4 ص 789.
(2) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 12.
(3) الإنتصار: ص 54.
(4) المقنع (ضمن الجوامع الفقيهة): ص 12.
(5) المختلف: ج 1 ص 94.
(6) في " ز " و " ق ": فيها.
(7) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2 ج 4 ص 752.
175

سواء، ولا يسقط التخيير بنسيان القراءة في الأوليين على الأصح، وإسماع
الإمام من خلفه وإن بلغ العلو لم يلزمه بل يقرأ وسطا.
[42]
درس
وخامسها: الركوع، ووجوبه وركنيته إجماعي، وهو في كل ركعة مرة، وفي
الكسوف والآيات خمس في كل ركعة، وظاهر الشيخ (1) نفي ركنيته في
الأخيرتين من الرباعية، بناء على أن الناسي يحذف السجود ويعود إليه، ولو
فسر الركن بما تبطل الصلاة بتركه بالكلية، لم يناف القول بعدم بطلان الصلاة
بتركه حتى يسجد، لأنه لم يتركه في جميع الصلاة.
ويجب فيه الانحناء حتى يصل كفاه ركبتيه، فلو وصلا بالانخناس أو
لمشاركة (2) الانحناء إياه لم يكف، وفاقد اليدين وقصيرهما وطويلهما ينحني
كمستوي الخلقة. ويستحب زيادة الانحناء حتى يستوي الظهر والرأس
والأسافل.
ويكره التبازخ وهو تسريح الظهر وإخراج الصدر، ولو كمل مسمى الركوع
به لم يجزئ، والتدبيخ وهو أن يقبب ظهره ويطأطئ رأسه، والتطبيق وهو
وضع اليدين مطبقتين بين الركبتين، ولا يحرم في الأقوى.
فرع:
الراكع خلقة أو لعارض يجب أن يزيد انحناء على الأقرب، وفي المبسوط (3)
لا يلزم (4) ذلك، نعم لو أمكنه أن يعتمد حال قراءته على شئ يرتفع به عن حد

(1) المبسوط: ج 1 ص 109.
(2) في باقي النسخ: بمشاركة.
(3) المبسوط: ج 1 ص 110.
(4) في باقي النسخ: لا يلزمه.
176

الراكع، لم يجب زيادة الانحناء قطعا.
ويجب أن يقصد بهويه الركوع، فلو هوى بقصد غيره لم يعتد به، ووجب
الانتصاب ثم الركوع، ولو افتقر إلى ما يعتمد عليه في الانحناء وجب، وانحنى (1)
إلى أحد الجانبين لو تعذر الانحناء المعهود، قاله في المبسوط (2).
وتجب الطمأنينة فيه وإن لم يحسن الذكر، وفي ركنيتها قولان، ولا تجزئ
الزيادة في الهوي عنها مع اتصال الحركات، وحدها أن يسكن بقدر الذكر
الواجب، علمه أو لا، وهو " سبحان ربي العظيم وبحمده " على الأقرب، أو " سبحان
الله " ثلاثا، ويجزئ المضطر واحدة.
ويستحب تثليثه وتخميسه وتسبيعه ولم يتعده أكثر الأصحاب، وفي رواية
أبان (3) عن الصادق عليه السلام ثلاثون مرة، وفي رواية حمزة بن حمران (4) أربع
أو ثلاث وثلاثون، وهو حسن للمنفرد مع إقبال القلب، والإمام (5) إن رضي
المأمومون وانحصروا، وإلا فلا يتجاوز الثلاث، ويكره النقص عنها مطلقا إلا
لضرورة، وفي صحيح الهشامين (6) يجزئ الذكر المطلق، ويستحب الدعاء أمامه
وإيتاره وترتيله وإعرابه.
ويجب رفع الرأس منه معتدلا مطمئنا فيه، بأن ترجع الأعضاء إلى مستقرها
ويسكن ولو يسيرا، وفي ركنيتها وركنية الرفع قولان، ويستحب أن يقول بعد
انتصابه: " سمع الله لمن حمده، الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء

(1) في باقي النسخ: وينحني.
(2) المبسوط: ج 1 ص 109.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الركوع ح 1 ج 4 ص 926.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الركوع ح 2 ج 4 ص 927.
(5) في باقي النسخ: وللإمام.
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الركوع ح 1 و 2 ج 4 ص 929.
177

والعظمة لله رب العالمين "، جهرا لغير المأموم.
ولا " واو " قبل الحمد كما لا " واو " في " ربنا لك الحمد " رواه محمد بن
مسلم (1) عن الصادق عليه السلام، وأن المأموم يقوله بعد تسميع الإمام، وأنكر
وروده بعض الأصحاب مع أنه جوزه، وزاد أبو بصير في روايته (2) عنه " بحول الله
وقوته أقوم وأقعد "، ولا بأس به، والأقرب أن تطويل الدعاء هنا غير مستحب، فلو
فعله فالأقرب عدم البطلان ما دام اسم الصلاة.
ويستحب التكبير للركوع قائما، وفي الخلاف (3): يجوز هاويا، ورفع اليدين
به كما سلف، ووضع اليدين على الركبتين، والبدأة باليمنى، وتفريج الأصابع،
وجعل شبر بينهما وبين الرجلين تقريبا، وتسوية الركبتين، وتجنيح العضدين،
وفتح الإبطين، وإخراج الذراعين عن الجنبين، والنظر إلى ما بين القدمين،
وجعل اليدين بارزتين أو في الكمين، ويكره كونهما تحت الثياب، وجوز ابن
الجنيد (4) إدخالهما للمؤتزر أو المتسرول، وجعل التسبيحة الأولى الواجبة، فلو
جعله غيرها فالأقرب الجواز.
فرع:
لا توصف الطمأنينة الزائدة فيه أو في الانتصاب منه بالوجوب، إلا في
صورة تقديم الذكر المستحب على الأقرب، وكذا زيادة القيام، إلا في تطويل
السورة أو الوقوف المستحب في القراءة.
وأوجب سلار (5) والحسن (6) تكبير الركوع والسجود، وروى معاوية بن

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الركوع ح 4 ج 4 ص 940.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 9 ج 4 ص 678.
(3) الخلاف: ج 1 ص 110.
(4) الذكرى: ص 198.
(5) المراسم: ص 71.
(6) المختلف: ج 1 ص 96.
178

وهب وابن مسكان (1) استحباب رفع اليدين عند الانتصاب من الركوع،
واختاره الصدوقان (2) والجعفي (3)، وهو قريب لصحة الرواية، ويقارن بأوله أول
الرفع من الركوع، ويؤخر التسميع حتى ينتصب على الأقرب.
ويستحب للإمام رفع صوته بالذكر والتسميع، ويجوز الصلاة على النبي
وآله في الركوع والسجود، وتكره قراءة القرآن فيهما، ولا يمد التكبير للركوع
والسجود، وروي (4) أن زين العابدين عليه السلام كان إذا سجد انكب وهو
يكبر.
فروع خمسة:
الأول: لو أتى بالذكر قبل كمال (5) الهوي أو أتمه بعد رفعه عامدا بطل،
فإن تداركه صح ما لم يخرج عن حد الراكع.
الثاني: لو منع من الانتصاب سقط ويسقط ذكره، فلو قدر قبل الشروع في
السجود لم يعد عند الشيخ (6).
الثالث: لو سقط قبل الركوع أعاده، ولو سقط بعد الطمأنينة أجزأه، وقبلها
قولان.
الرابع: لو ترك الطمأنينة عمدا في النافلة فالوجه البطلان، وكذا ترك كل
ما يبطل الفريضة، إلا السورة، والشك في العدد، والزيادة سهوا وإن كان ركنا
على الظاهر.

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الركوع ح 2 و 3 ج 4 ص 921، وفيه بدل " معاوية بن وهب " معاوية بن عمار.
(2) المختلف: ج 1 ص 98. والهداية: ص 53.
(3) الذكرى: ص 199.
(4) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب السجود ح 2 ج 4 ص 982.
(5) في " م " و " ق " إكمال.
(6) الخلاف: ج 1 ص 112.
179

الخامس: لو شك في إكمال الهوي بعد الانتصاب لم يلتفت، وكذا لو شك
في الركوع أو في الانتصاب بعد جلوسه للسجود على الأقوى.
[43]
درس
وسادسها: السجود، ويجب في كل ركعة سجدتان هما معا ركن وإن كانتا
في الركعتين الأخيرتين على الأصح، ولا يبطل الإخلال بالواحدة سهوا وإن
كان في الأولتين على الأقوى. ويجب الانحناء فيه إلى أن يساوي مسجد الجبهة
موقفه أو يعلو عنه بلبنة لا أزيد، فإن تعذر الانحناء أتى بما يمكن منه، فإن تعذر
رفع ما يسجد عليه، فإن تعذر أومأ.
ويجب السجود على الجبهة واليدين والركبتين وإبهامي الرجلين، والواجب
في كل منها مسماه، ولا ينقص في الجبهة عن درهم، واجتزأ المرتضى (1) برؤوس
الزندين. ويجب الاعتماد على الأعضاء بغير تحامل عنها، فلو منعه قرح بالجبهة
فالمروي (2) احتفار حفيرة له، فإن تعذر سجد على أحد الجبينين، فإن تعذر فعلى
الذقن، وقال الشيخ (3): يسجد على أحد الجبينين، فإن تعذر فعلى الذقن، وإن
احتفر جاز، ولا يجزئ ملاقاة الأعضاء منبطحا إلا مع التعذر.
ويجب وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، والذكر فيه، والأقرب تعيين
" سبحان ربي الأعلى وبحمده "، أو " سبحان الله " ثلاثا، وتجزئ الصغرى
للضرورة، ويجب الطمأنينة بقدره ولو لم يعلمه، والاعتدال في الرفع منه مطمئنا،
وحكم الشيخ (4) بركنية الطمأنينة فيهما وبينهما.

(1) رسائل المرتضى: المجمعة الثالثة ص 32.
(2) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 965.
(3) النهاية: ص 82.
(4) الجمل والعقود: ص 68.
180

فروع:
لو انحنى لا للسجود لم يجزئ وعليه العود له، ولو وضع الجبهة والأعضاء بقصد
غير السجود احتمل البطلان، نعم لو صار ساجدا بغير قصد السجود ولا ضده
فالأقرب الإجزاء، وأولى منه ما إذا قصد السجود فسقط على مساجده اتفاقا، ولو
زال ألم الساجد على الجبينين أو على الذقن، فإن كان بعد الذكر أجزأ وإلا
استدرك.
وسننه التكبير له قائما رافعا يديه، ثم الهوي متخويا سابقا بيديه معا، وروي (1)
البدأة باليمنى، وروي (2) التخيير بين البدأة باليدين والركبتين، وجعل يديه بحذاء أذنيه
مضمومتي الأصابع ورؤوسهما إلى القبلة، والتجنيح، ورفع الذراعين عن الأرض،
والتجافي، ومساواة مواضع الأعضاء، ويجوز التفاوت بلبنة لا أزيد (3)، وزيادة التمكن
في السجود ليحصل (4) السيماء، والإرغام بالأنف ولا يتعين طرفه الأعلى خلافا
للمرتضى (5)، ونظره إلى طرفه، وبين السجدتين إلى حجره، والذكر أمام التسبيح،
وتكراره كما سبق في الركوع، والدعاء فيهما وبينهما، والتكبير للرفع من الأولى معتدلا، ثم
للهوي إلى الثانية، ثم للرفع منها معتدلا، ولو فعله في الهوي والارتفاع كان أدون فضلا،
والتورك بين السجدتين، ويكره الإقعاء على الأقوى، وقيل: لا.
وجلسة الاستراحة متوركا، وهي عقيب الثانية حيث لا تشهد، وأوجبها
المرتضى (6)، قيل: ويقول فيها: " بحول الله وقوته أقوم وأقعد "، والأشهر أن يقال هذا في

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب السجود ح 1 و 2 و 4 و 6 ج 4 ص 950.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب السجود ح 3 ج 4 ص 950.
(3) في " ق ": لا أزيد منه.
(4) في " ق ": لتحصيل.
(5) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 32.
(6) الإنتصار: ص 46.
181

قيامه، وفي رواية عبد الله بن سنان (1) عن الصادق عليه السلام " ربي (2) بحولك وقوتك
أقوم وأقعد "، وإن شئت وأركع وأسجد، وإذا قام اعتمد على يديه مبسوطتين سابقا برفع
ركبتيه.
ويكره نفخ موضع السجود بما لا يؤدي إلى حرفين، وترك قصة المرأة على الجبهة بل
يستحب لها كشفها، ويستحب للرجل كشف باقي الأعضاء، وأما كشف قدر مسجد
الجبهة فواجب عليهما.
[44]
درس
وسابعها وثامنها: التشهد والتسليم، ويجب التشهد في الثنائية مرة وفي الثلاثية
والرباعية مرتين، وليس ركنا، وفي الخلاف (3): الصلاة على النبي وآله ركن.
وصورته: " أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،
اللهم صل على محمد وآل محمد ". ويجب الإتيان بلفظه ومعناه، ومع التعذر تجزئ الترجمة،
ويجب التعلم، ومع ضيق الوقت يجزئ الحمد لله بقدره، لفحوى رواية بكير بن حبيب (4)
عن الباقر عليه السلام، والجلوس بقدره مطمئنا.
ويستحب التورك، ووضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع،
والنظر إلى حجره، وسبق " باسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله "، وزيادة الثناء
والتحيات في التشهد الذي يسلم فيه لا في الأول، والزيادة في الصلاة على النبي وآله،
والدعاء، وإسماع الإمام من خلفه، ويكره الإقعاء فيه كراهة مغلظة، وقال
الصدوق (5) والشيخ (6): لا يجوز.

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 966 وفيه: اللهم ربي.
(2) في باقي النسخ: اللهم ربي.
(3) الخلاف: ج 1 ص 118.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب التشهد ح 3 ج 4 ص 993. وفيه بكر بدل بكير.
(5) المختلف: ج 1 ص 100.
(6) النهاية: ص 72.
182

ثم يجب التسليم آخر الصلاة، وصورته: " السلام عليكم "، وعليه الموجبون،
وبعضهم أضاف " ورحمة الله وبركاته "، وهو أولى لرواية ابن أذينة (1) عن الصادق
عليه السلام في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله في السماء وأكثر القدماء على
الخروج بقوله: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وعليها معظم الروايات (2)، مع
فتواهم بندبيتها، ومنهم من قال: يخرج بالصلاة على النبي وآله صلى الله عليهم في
التشهد، وخير بعض المتأخرين بين الصيغتين، ولا بأس به. ويجب الجلوس بقدره،
والطمأنينة فيه، ومراعاة لفظه، ولا يجب نية الخروج به.
وسننه تقديم السلام على النبي وسائر الأنبياء والملائكة والأئمة، واتباعه بالسلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين، كل ذلك وهو لازم سمت القبلة منفردا كان أو غيره،
فإذا تلفظ بالسلام عليكم أومأ الإمام بها عن يمينه بصفحة وجهه، والمنفرد بمؤخر عينه،
والمأموم يسلم مرتين عن جانبيه، وإن لم يكن على يساره أحد ولا حائط اجتزأ بيمينه، وفي
رواية علي بن جعفر (3) عن أخيه عليهما السلام التسليم على الجانبين مرتين مطلقا،
ويقصد المصلي الأنبياء والملائكة والحفظة والأئمة عليهم السلام، والمؤتم ينوي
بالأولى الرد على الإمام ويقصد بالثانية المأمومين.
[45]
درس
المرأة كالرجل في جميع الأفعال إلا ما سبق، وأنها تجمع بين قدميها قائمة،
وتضم بيديها ثدييها، وتضع يديها في الركوع فوق ركبتيها، وتبدأ في الهوي
بالركبتين قبل اليدين، وبالجلوس قبل السجود، وتسجد لاطئة بالأرض

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 10 ج 4 ص 679.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التسليم ج 4 ص 1012.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب التسليم ح 2 ج 4 ص 1007.
183

متضممة من غير تجاف، وإذا جلست بين السجدتين أو في التشهد ضمت
فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض، وإذا نهضت لم ترفع عجيزتها أولا بل تعتمد
على جنبيها بيديها وتنسل انسلالا، والخنثى يتخير بين هيئة الرجل والمرأة، وكل
ذلك ندب.
ويستحب الدعاء عند إرادة الصلاة بالمأثور، والذهاب إلى المسجد
بالسكينة والوقار، وحفظ القلب في الصلاة وعلم ما يقول، وأن يخطر بباله أنها
صلاة مودع. ويكره الالتفات يمينا وشمالا، والتثاؤب، والتمطي، والعبث،
والتنخم، والامتخاط، والبصاق، وفرقعة الأصابع، والتورك حال القيام وهو
أن يعتمد بيديه على وركيه، وكذا يكره التراوح بين القدمين في القيام، ومسح
وجهه من أثر السجود قبل الفراغ وتركه بعده، والتأوه بحرف، ومدافعة الحدث
خبثا كان أو ريحا أو نوما، ولبس الخف الضيق، والايماء والإشارة إلا
لضرورة، فيومئ برأسه أو بيده أو يضرب إحدى يديه على الأخرى، والتنبيه
بالتسبيح والتكبير والقرآن أولى، وفي رواية الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام
الرجل يومئ بيديه ويشير برأسه والمرأة تصفق بيدها، وكره أبو الصلاح (2)
التجشي.
ويستحب التعقيب مؤكدا، وليبدأ بالتكبير ثلاثا رافعا بكل واحدة يديه
إلى أذنيه، ثم التهليل، والدعاء بالمأثور، وتسبيح الزهراء عليها السلام من
أفضله، وهو التكبير أربع وثلاثون ثم كل من التسبيح والتحميد (3) ثلاث
وثلاثون، والدعاء رافعا يديه لنفسه ولوالديه ولاخوانه وللمؤمنين، وسؤال الجنة

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب قواطع الصلاة ح 2 ج 4 ص 1256.
(2) الكافي في الفقه: ص 125.
(3) في باقي النسخ: التحميد والتسبيح.
184

والاستعاذة من النار، ومسح وجهه بهما عند الفراغ وصدره، وقول: " سبحان
ربك رب العزة عما يصفون " الآيتين، وافتتاح الدعاء واختتامه بالصلاة على
النبي وآله، والاقبال بالقلب وتيقن الإجابة.
وسجدتا الشكر، والتعفير بينهما، وسؤال الحاجة فيهما، وقول: " شكرا " مائة
مرة، أو " عفوا "، ويجزئ ثلاث فما فوقها ورفع يديه فوق رأسه، والانصراف عن
اليمين.
وتجب سجدة التلاوة في العزائم الأربع على التالي والمستمع، وفي السامع قولان:
أحوطهما الوجوب، ويستحب في باقي السجدات مطلقا، ولا يشترط الطهارة
ولا استقبال القبلة على الأصح، وتقضى لو فاتت، ووجوبها أو ندبها فوري،
ويستحب الذكر فيها، والتكبير للرفع منها خاصة.
ويبطل الصلاة مبطل الطهارة وإن كان سهوا على الأصح، والردة،
والالتفات دبرا، والكلام بحرفين عمدا ولو من النفخ والأنين والتأوه، وفي
الإكراه عليه وإشارة الأخرس والحرف المفهم نظر، ولو تكلم بظن (1) الخروج
بعد أن سلم عامدا فالأقرب أنه كالناسي، وفي النهاية (2): يعيد الصلاة
بالكلام، أما لو أحدث أو استدبر فالأشبه الإعادة، وكذا لو فعل فعلا كثيرا،
والمشهور أنهما لا يبطلان سهوا.
والقهقهة لا التبسم، والبكاء للدنيا لا للآخرة، والفعل الكثير عادة لا القليل
كقتل الحية، والكتف إلا لتقية، وكرهه أبو الصلاح (3) والمحقق (4)، واستحب
تركه ابن الجنيد (5)، وقد سبقهم الإجماع. والأكل والشرب إذا كثرا أو أديا (6)

(1) في باقي النسخ: لظن.
(2) النهاية: ص 93.
(3) الكافي في الفقه: ص 125.
(4) المعتبر: ص 196.
(5) المختلف: ج 1 ص 100.
(6) في باقي النسخ: آذنا.
185

بالإعراض عن الصلاة، لا بابتلاع ما يخرج من بقايا الغذاء وشبهه، وجوز
الشيخ (1) الشرب في النافلة، ورواية سعيد الأعرج (2) مخصوصة بالوتر لمريد
الصيام وهو عطشان خائف فجأه الصبح.
والأقرب كراهة عقص الشعر، ورواية مصادف (3) عن الصادق عليه
السلام بإعادة الصلاة منه تحمل على الندب. ويجوز تسميت العاطس، والحمد
عند العاطس (4)، والرد على المسمت، ورد السلام بغير عليكم السلام، ويجوز
بصيغتي القرآن وبقوله: السلام عليك، لرواية محمد بن مسلم (5) عن الباقر
عليه السلام، ولو حيا بغير السلام جاز الدعاء، ولو ترك إجابة السلام فعل
حراما ولا تبطل الصلاة. ويحرم قطع الصلاة إلا لضرورة كفوات مال أو تردي
طفل.
[46]
درس
تجب صلاة الجمعة ركعتين بدلا من الظهر بشرط الإمام أو نائبه، وفي
الغيبة تجمع الفقهاء مع الأمن. وتجزئ عن الظهر على الأصح مع البلوغ،
والعقل، والحضر والحرية، والذكورة، والصحة من العمى والمرض والاقعاد
والشيخوخة المانعة، وعدم البعد بأزيد من فرسخين، وعدم اشتغاله بجهاز ميت
أو مريض، أو حبس بباطل أو حق عجز عنه، أو خوف على نفسه ظلما أو
ماله، أو مطر أو وحل شديد، ولو حضروا وجبت عليهم وانعقدت بهم، إلا غير

(1) المبسوط: ج 1 ص 118.
(2) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 و 2 ج 4 ص 1273.
(3) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب لباس المصلي ح 1 ج 3 ص 308.
(4) في باقي النسخ: العطاس.
(5) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 ج 4 ص 1265.
186

المكلف والمرأة على الأصح.
ويجب الحضور على من بعد بفرسخين (1) فناقصا أو صلاها (2) في منزله إن
اجتمعت الشرائط وبعد بفرسخ، وإلا تعين الحضور. والإسلام شرط في الصحة
لا الوجوب، والعقل شرط فيهما، ويصح من المميز.
واجتماع خمسة أحدهم الإمام في الأصح، واتحاد الجمعة في فرسخ، فلو
تعددتا واقترنتا بطلتا، وإن سبقت وتعينت صحت، وصلت اللاحقة الظهر،
ولو لم يتعين صليا الظهر، ولو اشتبه السبق والاقتران أعاد الجمعة على الأصح
مع بقاء الوقت والظهر مع الخروج.
ونية الاقتداء فلا يقع فرادى، والأقرب وجوب نية الإمامة هنا وفي كل
ما يجب الاجتماع فيه، وتقديم الخطبتين فلا تنعقد بغيرهما ولا تكفي الواحدة،
ويجب قيام الخطيب مع القدرة، وحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله
والوعظ وقراءة سورة خفيفة في الأولى، وفي الثانية كذلك، ويصلي على أئمة
المسلمين، ويستغفر فيهما (3) للمؤمنين والمؤمنات.
ويجب الجلوس بينهما على الأقوى، وإيقاعهما بعد الزوال، والمروي (4)
جوازهما قبله، والطهارة من الخبث (5) فيهما على الأقوى، وفي المعتبر (6): لا يشترط
الطهارة من الخبث ولا من الحدث الأصغر. والأولى وجوب الإصغاء، ويحرم
الكلام في أثنائهما إلا بعدهما، وحرم المرتضى (7) فيهما كل ما يحرم في الصلاة.

(1) في " ق ": فرسخين.
(2) في باقي النسخ: صلاتها.
(3) في " م " و " ق ": فيها.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ج 5 ص 30.
(5) في باقي النسخ: الحدث.
(6) المعتبر: ص 204.
(7) نقل المحقق هذا القول عن مصباح السيد في المعتبر: ص 206.
187

ويستحب بلاغة الخطيب وفصاحته، واتصافه بما يأمر به وانتهاؤه عما
نهى (1) عنه، ومحافظته على أول أوقات الصلوات، والتعمم ولو صيفا (2)،
والارتداء ببرد يمنية (3)، وصعوده على عال، والاعتماد على قوس أو سيف أو
قضيب، والتسليم على الناس قبل جلوسه فيجب عليهم الرد، واستقبالهم،
وجلوسه حتى يفرغ المؤذنون (4)، وقال أبو الصلاح (5): يؤذنون قبل صعوده، وبه
رواية (6) مقطوعة، ورفع صوته.
والأقرب عدم تحريم الكلام عليه في الأثناء، ووجوب إسماع العدد،
وجواز مغايرة الخطيب للإمام خلافا للراوندي (7)، واشتراط عدالته كالإمام،
أما (8) البلوغ والعقل وطهارة المولد والإيمان فشرط فيهما، والأقرب جواز إمامة
العبد والمسافر والأعمى والأجذم والأبرص وإن كره ذلك.
ووقت الجمعة وقت الظهر بأسره، وقيل: يختص بوقت الاختيار، وقدره
أبو الصلاح (9) بالأذان والخطبتين والركعتين من الزوال، فلو خرج وقد تلبس
بركعة أتمها، وقيل: يجزئ التحريم (10) ويجب الدخول فيها إذا علم أو ظن أو
شك في سعة الوقت للخطبتين وركعة، والمشهور اعتبار ركعتين مع الخطبتين.
ويجب على البعيد السعي قبل الزوال ليدركها.
والمأموم يدركها بإدراك الإمام راكعا ولو (11) في الثانية، ولا يضره فوات

(1) في باقي النسخ: ينهى.
(2) في باقي النسخ: قيضا.
(3) في " ق " يمانية.
(4) في " ق ": المؤذن.
(5) الكافي في الفقه: ص 151.
(6) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 3 ج 5 ص 38.
(7) فقه قرآن للراوندي: ج 1 ص 135.
(8) في " ق ": وأما.
(9) الكافي في الفقه: ص 153.
(10) في " ق ": التحريمية.
(11) أثبتنا هذه الكلمة من باقي النسخ.
188

الخطبتين، وشرط الشيخ (1) إدراك تكبيرة الركوع، ولو فاته الركوع في الثانية
صلى ظهرا. وعلى ما قلناه لا يتحقق فوات الجمعة مع الشرائط إلا بخروج وقت
الظهر، وعلى القولين الأخيرين تفوت وتبقى الظهر.
ولو صلى الظهر المكلف بها بطلت ووجب عليه السعي، فإن أدركها وإلا
أعاد، بخلاف غير المكلف بها، أما الصبي لو بلغ بعد فعل الظهر لم تجزئه
ووجبت الجمعة، ولا يستحب لغير المكلف بها تأخير الظهر إلى فراغ الجمعة.
[47]
درس
يستحب حضور من لم تجب عليه إذا كان يصح منه كالبعيد والمسافر،
والغسل، والمباكرة إلى المسجد متطيبا لابسا أفضل ثيابه متعمما مرتديا، قد
حلق رأسه، وقلم أظفاره بادئا بخنصر اليسرى خاتما بخنصر اليمنى، قائلا: بسم
الله وبالله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله، وجز شاربه قائلا ذلك،
واستاك، ودعا قبل خروجه بالمأثور، والتنفل بما مر، والمشي بالسكينة والوقار،
والجلوس حيث ينتهي به المكان، ولا يتخطى الصف إلا أن يكون فرجة أمامه،
وليس له إقامة غيره من مجلسه، ولا يصير أولى بفراشه، واستقبال الخطيب،
وقراءة الجمعة والمنافقين، والجهر بالقراءة، وإخراج المسجونين لصلاة الجمعة.
ويستحب يوم الجمعة الإكثار من الصلاة على النبي وآله إلى ألف مرة،
وفي غيره مائة مرة، والاكثار من الصدقة والعمل الصالح، وقراءة النساء وهود
والكهف والصافات والرحمن، وزيارة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم
السلام، وخصوصا مولانا الحسين عليه السلام، وقراءة الإخلاص بعد الصبح
مائة مرة، والاستغفار مائة مرة، وإيقاع الظهر في المسجد الأعظم، وتقديمها على

(1) المبسوط: ج 1 ص 148.
189

جمعة غير المقتدى به، ولو صلى معه ركعتين وأتمها بعد فراغه جاز. ويكره فيه
الحجامة وإنشاد الشعر.
وهنا مسائل:
لو انفض العدد في أثناء الخطبة أو بعدها قبل التحريم سقطت، وبعده
يتمها ولو بقي وحده، ولو مات الإمام أو عرض له عارض قدموا من يتم بهم،
وإمام الأصل يتعين عليه الحضور إلا مع العذر.
والمعتبر في سبق الجمعة بالتكبير لا بالتسليم ولا بجمعة الإمام الأعظم، ولو
علم في الأثناء سبق غيره استأنف الظهر إن لم يسع الوقت السعي إليهم،
ولا يجزئ العدول.
ويسقط عن المدبر والمكاتب ولو تحرر بعضه أو هاياه مولاه واتفقت في نوبته
على الأقرب، ويستحب للمولى الإذن لعبده في الحضور.
ويجب على من بعد بفرسخين على الأقرب، خلافا للصدوق (1)، لرواية
زرارة (2) الصحيحة عن الباقر عليه السلام، وتعارض بعموم الآية (3) وحسنة
محمد بن مسلم (4) عن الصادق عليه السلام.
ولو نوى المسافر الإقامة عشرا وجبت، ولا يكفي الخمسة خلافا لابن
الجنيد (5)، ويكفي ثلاثون يوما للمتردد، ويتخير من كان في الأماكن الأربعة،
ولا يشترط المصر ولا القرية خلافا للحسن (6) فيما يلوح من كلامه، وتردد فيه

(1) كتاب الهداية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 52.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 1 و 6 ج 5 ص 2.
(3) سورة الجمعة: الآية 9.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 6 ج 5 ص 12.
(5) المختلف: ج 1 ص 107.
(6) المختلف: ج 1 ص 106.
190

الشيخ في المبسوط (1).
ويحرم البيع بعد الأذان على المخاطب بالجمعة، ولا يحرم على غيره، ولو عقد
معه كره في حقه عند الشيخ (2)، والأقرب التحريم، وكذا ما يشبه البيع من
العقود، والأقرب انعقادها.
ويحرم الأذان الثاني بالزمان سواء كان بين يدي الخطيب أو لا، ويحتمل
أن يحرم غيره وإن تقدم عليه، تأسيا بالأذان بين يدي رسول الله (3) صلى الله
عليه وآله، والكراهية أقوى، وفسره ابن إدريس (4) بالأذان بعد فراغ الخطيب.
والمزاحم عن السجود ولا يسجد على ظهر غيره بل يسجد بعد قيامهم
ويلحق، ولو تعذر وركع الإمام في الثانية لم يتابعه، ويسجد معه بنية أنهما
للأولى، والأقرب الاكتفاء بعدم نية أنهما للثانية، فلو نواهما للثانية بطلت، وفي
رواية حفص (5) عن الصادق عليه السلام يسجد أخرى (6) للأولى، ولو تعذر
السجود في الثانية فاتت الجمعة، واستأنف الظهر ولا يجوز العدول. ولو زوحم
عن ركوع الأولى أتى به ولو في ركوع الثانية، ثم يتم بعد فراغ الإمام، ولو زوحم
في ركوع الأولى وسجودها تلافاهما في الثانية. ولو شك المأموم هل دخل قبل
رفع الإمام من الركوع أو بعده رجحنا الاحتياط على أصل البقاء.
ويحرم السفر بعد الزوال على المخاطب بها، ويكره بعد طلوع الفجر.

(1) المبسوط: ج 1 ص 144.
(2) المبسوط: ج 1 ص 150.
(3) في باقي النسخ: النبي.
(4) السرائر: ج 1 ص 295.
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 2 ج 5 ص 33.
(6) في " م " و " ز ": سجد أخريين.
191

فرع:
لو سافر بعد الزوال لم يقصر في الزمان الذي يمكنه العود إليها، فإذا مضى
اعتبر المسافة بعده.
[48]
درس
تجب صلاة العيدين بشرائط الجمعة، إلا أنها مع اختلالها تصلى ندبا
جماعة وفرادى، (ومنع أبو الصلاح (1) من الجماعة مع فقد شرائط الوجوب] (2)
وكذا لو فاتت مع الإمام، وظاهر الحسن (3) والصدوق (4) سقوطها بفوات
الإمام، لصحيحة (5) محمد بن مسلم (6) عن أحدهما عليه السلام، وقال علي بن
بابويه (7) وابن الجنيد (8): يصلي مع الشرائط ركعتين ومع اختلالها أربعا، لما
روي (9) عن علي عليه السلام من فاتته فليصل أربعا، ثم ابن بابويه (10)
يجعلها بتسليمة، وابن الجنيد (11) بتسليمتين.
ويشترط فيها الاتحاد كالجمعة إذا كانتا واجبتين، فينعقد في الفرسخ
الواجبة مع المندوبة والمندوبتان فصاعدا. ولا تقضى مع الفوات وجوبا، وجوزه
الشيخ (12)، واستحبه ابن إدريس (13)، وفصل ابن حمزة (14) بقضاء مستمع

(1) الكافي في الفقه: ص 154.
(2) ما بين المعقوفتين غير موجود في باقي النسخ.
(3) المختلف: ج 1 ص 113.
(4) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 13.
(5) في باقي النسخ: لصحيح.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة العيد ح 4 ج 5 ص 96.
(7) المختلف: ج 1 ص 114.
(8) المختلف: ج 1 ص 114.
(9) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 99.
(10) المختلف: ج 1 ص 114.
(11) المختلف: ج 1 ص 114.
(12) المبسوط: ج 1 ص 169.
(13) السرائر: ج 1 ص 318.
(14) الوسيلة: ص 111.
192

الخطبة دون غيره، لصحيحة زرارة (1) عن الصادق عليه السلام، ومنع الحلبي (2)
من القضاء مطلقا.
والعدد كالجمعة، وقال الحسن (3): سبعة هنا. والخطبتان بعدها، وتقديمهما
بدعة غير مجزئة، وهما سنة في المشهور، وصفتهما كما مر. ويستحب ذكر الفطرة
وأحكامها في عيد الفطر، والأضحية وأحكامها في الأضحى، والحث عليهما،
وإمام الحاج يذكر المناسك. ولو قلنا بوجوبهما لم نوجب القيام. ووقتها ما بين
طلوع الشمس إلى الزوال.
ويستحب تأخير صلاة الفطر عن الأضحى، وأن يطعم قبل خروجه فيه،
وبعد عوده في الأضحى من أضحيته. ويحرم السفر بعد طلوع الشمس على
المخاطب بها، ويكره بعد طلوع (4) الفجر. والأقرب تحريم البيع وشبهه إذا قال
المؤذن: الصلاة.
وكيفيتها أنها تصلى ركعتين كسائر الصلوات، ويزيد تسع تكبيرات وجوبا
في الأقوى، خمس للركعة (5) الأولى وأربع للثانية (6)، وتسع قنتات وجوبا بما
سنح، والمرسوم أفضل.
وسننها الإصحار بها إلا بمكة، قيل: والمدينة (7)، ويسقط الإصحار بالمطر
وشبهه، وخروج الإمام حافيا ماشيا بالسكينة والوقار ذاكرا لله تعالى موصوفا بما
ذكرناه في الجمعة، وكذلك المأموم، والجهر بالقراءة والقنوت، وقراءة الأعلى في
الأولى والشمس في الثانية، أو يقرأ الشمس في الأولى والغاشية في الثانية، أو

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 99.
(2) الكافي في الفقه: ص 154.
(3) المختلف: ج 1 ص 111.
(4) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(5) في " م " و " ق ": في الركعة.
(6) في " ق ": في الثانية.
(7) في باقي النسخ: وبالمدينة.
193

بالعكس، أو يقرأ (1) في الأولى الغاشية وفي الثانية الأعلى، ورفع اليدين
بالتكبير. ويكره الخروج بالسلاح إلا لضرورة، والتنفل قبلها وبعدها إلا
بمسجد النبي صلى الله عليه وآله، وألحق ابن الجنيد (2) مسجد مكة وكل مكان
شريف يجتاز به فإنه يصلي ركعتين فيه قبل خروجه، ومنع الحلبي (3) من
الصلاة تطوعا (4) والقضاء قبلها وبعدها إلى الزوال إلا بمسجد النبي صلى الله
عليه وآله، ولم يثبت، ويعمل منبرا (5) في الصحراء ولا ينقل منبر الجامع.
ولو قدم التكبير على القراءة ناسيا أعاده، ولو نسيه حتى ركع قيل: يقضيه
بعد التسليم. ولو سبق المأموم والى بين التكبير، فإن تعذر قضاه، وتجب سجدتا
السهو لنسيانه.
ولو وافق العيد الجمعة تخير مصلي العيد في صلاة الجمعة وإن كان من
أهل البلد. ويجب الحضور على الإمام، وأوجب الحضور الحلبي (6) والقاضي (7)
مطلقا، وابن الجنيد (8) على غير قاصي المنزل.
ويستحب التكبير في الفطر عقيب أربع صلوات، أولها المغرب ليلته
وآخرها صلاة العيد، وأضاف ابن بابويه (9) الظهرين. وفي الأضحى عقيب
خمس عشرة للناسك بمنى، أولها ظهر العيد، وفي الأمصار عقيب عشر، وأوجبه
المرتضى (10) وابن الجنيد (11)، وهو " الله أكبر " ثلاثا " لا إله إلا الله والله أكبر

(1) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(2) المختلف: ج 1 ص 115.
(3) الكافي في الفقه: ص 155.
(4) في باقي النسخ: الصلاة من التطوع.
(5) في باقي النسخ: منبر.
(6) الكافي في الفقه: ص 155.
(7) المهذب: ج 1 ص 123.
(8) المختلف: ج 1 ص 113.
(9) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 13
(10) الإنتصار: ص 57.
(11) المختلف: ج 1 ص 155.
194

الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا "، ويزيد في الأضحى ورزقنا من
بهيمة الأنعام.
[49]
درس
تجب صلاة الآيات بكسوف الشمس والقمر والزلزلة وكل مخوف سماوي،
ولا يجب بكسوف الكواكب ولا بكسوف النيرين بها. ووقتها في الكسوف من
الاحتراق إلى تمام الانجلاء، وفي غيرها عند حصول السبب، فإن قصر الوقت
سقطت في الكسوف، ووجبت أداء في غيره، وتقضى مع الفوات عمدا أو
نسيانا لا جهلا إلا مع إيعاب النيرين.
ولو اتفقت مع الحاضرة واتسع الوقتان تخير، ويقدم المضيق منهما، ولو
تضيقا قدم الحاضرة، ولو كان في الكسوف فتضيق وقت الحاضرة قطعها ثم بنى
في الكسوف، على الرواية (1) الصحيحة والمشهور بين الأصحاب.
وكيفيتها كاليومية فيما يجب ويستحب ويترك، إلا في الركوع فإنه خمسة في
كل ركعة، وفي جواز التبعيض في السورة فلا تكرر الفاتحة، ولو أكمل السورة
وجبت الفاتحة، وقال ابن إدريس (2): يستحب، وأقل المجزئ في الخمسة
الفاتحة وسورة، وأكثره الحمد خمسا والسورة خمسا.
ويستحب الجماعة وخصوصا مع الإيعاب، والصدوقان (3) نفيا الجماعة في
غير الموعب، والجهر بها ليلا ونهارا، وقراءة الطوال كالكهف، والقنوت على كل
مزدوج من القراءة، وأقله على الخامس والعاشر، ومساواة الركوع والسجود

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 2 ج 5 ص 147.
(2) السرائر: ج 1 ص 324.
(3) المختلف: ج 1 ص 118 والمقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 12.
195

والقنوت للقراءة، والتكبير عند كل رفع، وفي الخامس والعاشر " سمع الله لمن
حمده "، والبروز تحت السماء، والإعادة لو فرغ قبل الانجلاء، ونفاها ابن
إدريس (1)، وأوجبها المرتضى (2) وأبو الصلاح (3).
[50]
درس
تستحب صلاة الاستسقاء كالعيد، والقنوت بالاستغفار وسؤال الرحمة
وتوفير الماء (4)، وأفضله المرسوم، ويستحب أمر الإمام الناس في خطبة الجمعة
بالخروج عن (5) المظالم والتوبة وصوم الثلاثة التي تليها، فإن لم يكن فالتي ثالثها
الجمعة، والخروج في الثالث حفاة بالسكينة والوقار، وفيهم أهل الصلاح
والشيوخ والشيخات والأطفال مفرقا بينهم وبين الأمهات، ولا يكون معهم
كافر.
ويقول المؤذن: الصلاة ثلاثا، وتصلى جماعة، ويجوز فرادى ولو في الأوقات
الخمسة، ويجهر فيها بالقراءة، فإذا فرغ منها حول الإمام رداءه من اليمين إلى
اليسار وبالعكس، قيل: ولا يستحب لغيره، ثم يستقبل القبلة ويكبر مائة، ثم
يسبح عن يمينه مائة، ويهلل عن يساره مائة، ويحمد مستقبل الناس مائة، رافعا
صوته بالجميع، ويتابعونه على ذلك، ثم يخطب خطبتين، ويجزئ الدعاء والذكر
بدلهما إن لم يحسنهما، وتكرار (6) الخروج لو تأخرت الإجابة، وليكن في

(1) السرائر: ج 1 ص 324.
(2) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 46.
(3) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ. الكافي في الفقه: ص 156.
(4) في " ق ": المياه.
(5) في " ز " و " ق ": من.
(6) في باقي النسخ: ويكرر.
196

الصحراء، ويستحب دعاء أهل الخصب لأهل الجدب.
ولو نذر صلاة الاستسقاء وجبت في وقته وهو فتور الأمطار وجفاف الآبار،
ولا يلزم غيره الخروج معه، [ويجب عليه وإن انفرد، وكذلك في الإتمام وإذا نزل
الغيث قبل الفراغ، إلا مع العذر فيتم ولو ماشيا مخففا] (1)، ويستحب له
الخروج فيمن يطيعه.
ولو سقوا في أثناء الخطبة صلوا شكرا، ولو سقوا في أثناء الصلاة أتموها، ولو
كثر الغيث وخيف منه استحب الدعاء بإزالته. ويكره نسبة المطر إلى الأنواء،
ويحرم اعتقاده.
ويستحب نافلة شهر رمضان خلافا للصدوق (2)، وهي ألف ركعة،
خمسمائة في العشرين الأولين، لكل ليلة عشرون، ثمان بين العشاءين واثنتا
عشرة بعدهما، ومائة في ليلة تسع عشرة، وخمسمائة في العشر الأخير، في كل ليلة
ثلاثون، ثمان بين العشاءين [واثنان وعشرون بعدهما] (3)، ومائتان في ليلتي
إحدى وثلاث.
ويجوز الاقتصار في الليالي الثلاث على المائة، فيصلي في الجمع الأربع
أربعون بالسوية، بصلاة علي وفاطمة وجعفر عليهم السلام، وفي آخر جمعة
عشرون بصلاة علي عليه السلام، وفي ليلة السبت عشرون بصلاة فاطمة عليها
السلام. ويستحب زيادة مائة ليلة النصف، وقراءة التوحيد في الليالي الثلاث
في كل ركعة عشرا، والدعاء بين كل ركعتين بالمرسوم.
ويستحب صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الجمعة، وهي ركعتان
يقرأ في كل منهما الحمد مرة والقدر خمس عشرة مرة، ثم يركع ويقرأها كذلك،

(1) ما بين المعقوفتين غير موجود في " م " و " ق ".
(2) من لا يحضره الفقيه: ح 1564 ج 1 ص 566.
(3) ما بين المعقوفتين غير موجود في باقي النسخ.
197

ثم في رفعه، ثم في سجوديه ورفعيه (1).
وصلاة علي عليه السلام ركعتان، يقرأ في الأولى الحمد مرة والقدر مائة
مرة، وفي الثانية الحمد مرة والتوحيد مائة مرة (2).
وصلاة فاطمة عليها السلام أربع ركعات، في كل ركعة الحمد مرة
والتوحيد خمسون مرة، وقيل: هذه صلاة علي عليه السلام والأولى صلاة فاطمة
عليها السلام.
وصلاة الحبوة لجعفر عليه السلام أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في الأولى
الزلزلة، وفي الثانية والعاديات، وفي الثالثة النصر، وفي الرابعة الإخلاص، كل
ذلك مع الحمد، ثم يقول: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " خمس
عشرة مرة، ثم يقولها في ركوعه وسجوده والرفع من كل منهما عشرا، فذلك
ثلاثمائة، ويجوز تجريدها عنه (3) وقضاؤه عند العجلة.
وصلاة ليلة الفطر ركعتان، يقرأ في الأولى الحمد مرة والإخلاص ألف مرة،
وفي الثانية الحمد مرة (4) والإخلاص مرة.
والصلاة الكاملة يوم الجمعة، وصلاة ليلة النصف من شعبان، وصلاة
الغدير، وليلة المبعث ويومه، والحاجة، والشكر، والاستخارة، والتوبة،
والاستطعام ركعتان، يقول بعدهما: " يا رب إني جائع فأطعمني " فإنه يطعمه،
وللعافية، والغنى، ودفع الخوف.
وللحبل ركعتان بعد الجمعة يطول (5) فيهما الركوع والسجود، ثم يقول:

(1) في " ق ": في سجوده ورفعه.
(2) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(3) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(4) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(5) في بعض النسخ: باقي.
198

" اللهم إني أسألك بما سألك (1) زكريا إذ قال: رب لا تذرني فردا وأنت خير
الوارثين، اللهم هب لي ذرية طيبة إنك سميع الدعاء، اللهم باسمك استحللتها
وفي أمانتك أخذتها، فإن قضيت لي في رحمها ولدا فاجعله غلاما صالحا (2)،
ولا تجعل للشيطان فيه نصيبا ولا شركا ".
[51]
درس
كل من أخل بركن أو شرط أبطل صلاته وإن كان سهوا، وكذا بواجب
عمدا وإن كان جاهلا (3) إلا في الجهر والسر، وكذا لو فعل ما يجب تركه،
ويتحقق الفوات بالدخول في آخر، فلو لم يدخل تلافاه، ركنا كان أو غيره في
الأولتين أو غيرهما.
ويقضي بعد التسليم التشهد والسجدة والصلاة على النبي وآله عليهم
السلام، إذا ذكر ذلك بعد الركوع أو بعد التسليم، بنية الأداء ما دام في الوقت،
وروي قضاء كل فائت وإن كان ركوعا أو سجودا أو تكبيرا، بطريق عبد الله
ابن سنان (4) الصحيح عن الصادق عليه السلام.
ولو ترك سجدتين وشك (5) أنهما من ركعة أو ركعتين أعاد، وكذا يعيد لو
شك في عدد الثنائية والثلاثية أو في الأولتين من الرباعية أو لم يحرزهما.
ولو شك في فعل أتى به في محله، وبعده لا حكم له، ولو تبين فعله بطلت إن
كان ركنا إلا الركوع إذا لم يرفع رأسه على قول قوي، ولا تبطل لو تبين زيادة

(1) في " ز " و " ق ": سألك به.
(2) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(3) في " ق ": جهلا.
(4) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 341.
(5) في باقي النسخ: فشك.
199

غير الركن أو زاده سهوا، بخلاف زيادة الركن فإنها تبطل عمدا وسهوا.
ولا تبطل بنسيان غير الركن كالقراءة والجهر والاخفات والتسبيح في
الركوع والسجود والطمأنينة فيهما والرفع منهما والطمأنينة فيه ونسيان بعض
الأعضاء.
ولا حكم للشك مع الكثرة، ويحصل بالتوالي ثلاثا وإن كان في ثلاث
فرائض، فيبني على وقوع ما شك (1) فيه، فلو فعله فالأقرب البطلان. ولا لشك
الإمام وحفظ المأموم وبالعكس.
ولا للسهو في السهو كالشك في أثناء سجدتي السهو في عددهما أو بعض
أفعالهما، فيبني على فعل ما شك فيه، أما الشك في عدد الاحتياط أو أفعاله
فظاهر المذهب عدم الالتفات، ولو تلافى السجدة المنسية فشك في أثنائها
فكذلك، ولو سهى عن تسبيحها أو عن بعض الأعضاء لم يسجد لها سجدتي
السهو، ولو شك في الركوع أو السجود فأتى به ثم شك في أثنائه في ذكر أو
طمأنينة فالأقرب التدارك، ولو سها عن واجب في سجدتي السهو كذكر أو
طمأنينة لم يسجد له، ولو شك هل وقع منه سهوا أو في كون الواقع له حكم
فلا شئ، ومأخذ هذه التفسيرات استعمال السهو في معناه وفي الشك.
ولو شك في الفاتحة وهو في السورة أعادهما، وقال ابن إدريس (2):
لا يلتفت، ونقله عن المفيد (3)، ومن هذا لو شك في آية سابقة وهو في لاحقة.
ولو شك في السجدتين أو إحداهما وقد قام لم يلتفت، وأوجب في النهاية (4)
التدارك ما لم يركع وكذا التشهد.

(1) في " م " و " ق ": ما يشك.
(2) السرائر: ج 1 ص 248.
(3) نفس المصدر السابق.
(4) النهاية: ص 88.
200

والظان يتبع ظنه وإن كان في الأوليين، ويظهر من ابن إدريس (1)
تخصيصه بالأخيرتين، ولا يبطل الشك في أفعال الأوليين على الأصح، ونقل
الشيخ (2) البطلان، وفي النهاية (3): تبطل بالشك في الركوع منهما.
ولو نسي سجدة قضاها بعد الصلاة ويسجد (4) للسهو وإن كانت من
الأوليين، وقال في التهذيب (5): تبطل الصلاة فيهما، وظاهر الحسن (6) البطلان
وإن كان من الأخيرتين، لرواية المعلى بن خنيس (7)، ولا تقضى السجدة
المنسية في أثناء الصلاة خلافا لعلي بن بابويه (8) حيث قال: تقضى السجدة
من ركعة في تاليتها.
ولا تبطل زيادة السجدة سهوا خلافا للحسن (9) والحلبي (10)، ولا بنسيان
سجدتين إذا ذكر بعد قيامه ولما يركع خلافا لابن إدريس (11) مع موافقته على
تدارك السجدة الواحدة إذا لم يركع.
[52]
درس
لو شك في عدد الأوليين بطلت الصلاة، وقال علي بن بابويه (12): إذا شك
بين الواحدة والاثنين والثلاث والأربع صلى ركعة من قيام وركعتين من

(1) السرائر: ج 1 ص 250.
(2) المبسوط: ج 1 ص 120 - 121.
(3) النهاية: ص 92.
(4) في باقي النسخ: وسجد.
(5) التهذيب: ج 2 ص 154.
(6) المختلف: ج 1 ص 131.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب السجود ح 5 ج 4 ص 969.
(8) المختلف: ج 1 ص 131.
(9) المختلف: ج 1 ص 131.
(10) الكافي في الفقه: ص 119.
(11) السرائر: ص 245.
(12) المختلف: ج 1 ص 132.
201

جلوس، قال (1): وإن شك بين الواحدة والاثنتين أعاد، وإن (2) شك فيها (3)
ثانيا واعتدل وهمه تخير بين ركعة قائما واثنتين جالسا. وكذا تبطل بالشك في
المغرب، وقال ابنه (4): لو شك فيها بين الثلاث والأربع أتمها بركعة، وإن
توهم الثلاث سلم واحتاط بركعتين جالسا، لرواية عمار (5)، والقولان
نادران.
ولو شك في الرباعية بين الاثنتين والثلاث، بنى على الثلاث وأتمها،
واحتاط بركعة قائما أو ركعتين جالسا. وقال علي بن بابويه (6): إن توهم
الأكثر بنى عليه واحتاط بركعة بعد التسليم، وإن توهم الأقل بنى عليه وتشهد في
كل ركعة وسجد للسهو، وإن اعتدل تخير بين الأمرين.
ولو شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع واحتاط كالأول، وقال
ابنه (7): يتخير بين البناء على الأقل ولا شئ عليه، والأكثر فيحتاط بركعة قائما
أو ركعتين جالسا، ولم يذكر الحسن (8) في هاتين المسألتين سوى ركعتين من
جلوس، لرواية حسين بن أبي العلاء (9) عن الصادق عليه السلام.
ولو شك بين الاثنتين والأربع، سلم وصلى ركعتين قائما، وظاهر

(1) المختلف: ج 1 ص 132.
(2) في باقي النسخ: فإن.
(3) في باقي النسخ: فيهما.
(4) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 8.
(5) وسائل الشيعة ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 11 ج 5 ص 305.
(6) المختلف: ج 1 ص 133.
(7) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 9.
(8) المختلف: ج 1 ص 133.
(9) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6 ج 5 ص 321.
202

الصدوق (1) البطلان، لرواية (2) مقطوعة مؤولة بالشك قبل السجدتين.
ولو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع، سلم وصلى ركعتين قائما ثم
ركعتين جالسا، وقال الصدوق (3): يصلي ركعة قائما وركعتين جالسا، والأول
مروي (4) وعليه الأكثر، وجوز المفيد (5) ثلاث ركعات قائما هنا. والأولى
الترتيب، لمرسلة ابن أبي عمير (6) عن الصادق عليه السلام.
ولو شك بين الأربع والخمس فالمشهور وجوب سجدتي السهو لا غير، وقال
الصدوق (7): صلى (8) ركعتين جالسا [بعد السجود] (9)، وأول بالشك قبل
ركوعه، وفي رواية الحلبي (10) الصحيحة عن الصادق عليه السلام إذا لم تدر
أربعا صليت أم خمسا زدت أو نقصت، فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو بغير
ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا.
ولو شك بين الأربع والخمس فصاعدا فكا لخمس عند ابن أبي عقيل (11)،
لمفهوم الرواية (12)، وأصالة الصحة، وعدم الزيادة. فلو (13) شك في النافلة تخير

(1) المقنع (ضمن الجوامع الفقيهة): ص 8.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 7 ج 5 ص 324.
(3) المختلف: ج 1 ص 133.
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4 ج 5 ص 326.
(5) المختلف: ج 1 ص 134. ذكر قوله هذا في الرسالة الغرية.
(6) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4 ج 5 ص 326.
(7) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 8. وفيه: وإن لم تدر اثنتين. والصحيح أربعا كما في المخطوط.
(8) في باقي النسخ: يصلي.
(9) ما بين المعقوفتين غير موجود في باقي النسخ.
(10) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4 ج 5 ص 327.
(11) المختلف: ج 1 ص 135.
(12) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4 ج 5 ص 327.
(13) في باقي النسخ: ولو.
203

في البناء، والأقل أفضل.
فروع:
كل (1) شك يتعلق بالأوليين فالظاهر أنه مشروط بإكمال السجدتين، فلو
حصل في الركوع أو قبله أو بينه وبين السجود أو فيه بطلت والشك بين
الثلاث والأربع غير مشروط بذلك، أما الشك بين الأربع والخمس فإن كان
قبل الركوع فهو شك بين الثلاث والأربع، فيرسل نفسه ويحتاط احتياطه وعليه
المرغمتان، ونفاهما ابن إدريس (2)، وإن كان في الركوع أو بعده ولما يكمل
السجود، فقولان أقربهما الإتمام والمرغمتان.
الثاني: لو خالط الشك في المسائل الأول الشك في الخامسة، فالحكم واحد
إلا أنه يزيد المرغمتين، ويحتمل البطلان، أما الشك بين الاثنين والخمس
فمبطل مطلقا، والشك بين الثلاث والخمس كذلك، ما لم يكن قبل الركوع
فيكون شكا بين الاثنين والأربع.
الثالث: لو شك في ركوعات الكسوف بنى على الأقل، ولو شك في
الركعتين بطلت، ولابن طاووس رحمه الله هنا قول ذكره في البشرى (3). حققناه
في الذكرى (4).
الرابع: يشترط في الاحتياط النية وجميع ما يعتبر في الصلاة، وقراءة الفاتحة
وحدها إخفاتا، ولا يجزئ التسبيح خلافا للمفيد (5) وابن إدريس (6).

(1) في " ز ": الأول: كل.
(2) السرائر: ج 1 ص 250.
(3) لا يوجد لدينا هذا الكتاب.
(4) الذكرى: ص 225.
(5) المقنعة: ص 146.
(6) السرائر: ج 1 ص 254.
204

الخامس: لا تبطل الصلاة بتخلل المنافي بينه وبين الصلاة وفاقا لابن
إدريس (1) وظاهر الأخبار (2) يقتضي البطلان، نعم لو تبين النقصان فالأقرب
البطلان.
السادس: لو تذكر بعده لم يلتفت زاد أو نقص طابق أو خالف، وفي أثنائه
يتمه إن طابق. وإن خالف فإشكال، وفي الاحتياطين يراعي المطابقة للمقدم
منها.
السابع: الأقرب المنع من الاقتداء فيه وبه، إلا في الشك المشترك بين
الإمام والمأموم.
[53]
درس
لو زاد خامسة سهوا فالمشهور البطلان مطلقا، وفي صحيح جميل (3) عن
الصادق عليه السلام تصح الصلاة إن كان قد جلس عقيب الرابعة بقدر
التشهد، وفي تعدي الحكم إلى غير الرباعية أو إلى زيادة ركعتين فما زاد نظر.
ولو تلافى السجدة المنسية قبل ركوعه وجب الجلوس ثم السجود ما لم يكن
قد جلس بعد السجدة الأولى، ولو نوى بها الاستراحة ففي إجزائها نظر، أقربه
الإجزاء، وفي المبسوط (4) نفي وجوب الجلوس هنا مطلقا.
ولو نسي بعض التشهد فعاد له فالأقرب إجزاء المنسي، ويحتمل الاستئناف
تحصيلا للموالاة، ويضعف إذا كان المنسي الصلاة على النبي وآله، فإن
قضاءها بعد التسليم منفردة يستلزم انفرادها هنا بطريق الأولى، وأنكر ابن

السرائر: ج 1 ص 256.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 و 10 و 13 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ج 5 ص 299 و 320 و 325.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4 ج 5 ص 332.
(4) المبسوط: ج 1 ص 121.
205

إدريس (1) قضاءها بعد الصلاة لعدم النص. ولا تغني المرغمتان عن قضاء
التشهد المنسي خلافا للصدوق (2)، ولو نسي التشهد الثاني قضاه كالأول.
ولو أحدث قبله أو قبل قضاء السجدة المنسية فوجهان، أقربهما صحة
الصلاة ويتطهر ويأتي بالمنسي، وقال ابن إدريس (3): لو كان المنسي التشهد
الأخير بطلت، وهو تحكم. ولو أحدث بعد السجود قبل التشهد الثاني فالمشهور
البطلان، واجتزأ الصدوق (4) بالطهارة وفعله في مجلسه، لرواية عبيد بن
زرارة (5) عنهما عليهما السلام، وخير فيها بين الجلوس في مكانه أو غيره.
وتجب المرغمتان لما سبق، ولقضاء السجدة المنسية (6) والتشهد، وللكلام
سهوا، والتسليم في غير موضعه سهوا. وقال المفيد (7): يجبان أيضا (8) إذا لم يدر
زاد سجدة أو نقص سجدة، أو زاد ركوعا أو نقص ركوعا، وكان الشك بعد
تجاوز محله. وقال المرتضى (9) والصدوق (10): يجبان للقعود في موضع قيام
وبالعكس. وزاد الصدوق (11) من لم يدر زاد أو نقص، وفي الشك بين الثلاث
والأربع إذا توهم الرابعة، لرواية إسحاق بن عمار (12) عن الصادق عليه

(1) السرائر: ج 1 ص 257.
(2) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 9.
(3) السرائر: ج 1 ص 259.
(4) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 9.
(5) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب التشهد ح 2 ج 4 ص 1001.
(6) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ
(7) المختلف: ج 1 ص 140. ذكر قوله هذا في الرسالة الغرية.
(8) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(9) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 37.
(10) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 341.
(11) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 341.
(12) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 317.
206

السلام إذا ذهب وهمك إلى التمام أبدا في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير
، وهو متروك.
ونقل الشيخ (1) أنهما يجبان في كل زيادة ونقصان، ولم نظفر بقائله
ولا بمأخذه إلا رواية الحلبي (2) السالفة، وليست صريحة في ذلك، لاحتمالها
الشك في زيادة الركعات ونقصانها أو الشك في زيادة فعل أو نقصانه، وذلك
غير المدعى. إلا أن يقال بأولوية المدعى على المنصوص.
وفرع الشيخ (3) عليه وجوبهما بزيادة النفل ونقصه، وأوجبهما الحلبي (4)
للملحن (5) سهوا، وقال ابن الجنيد (6): لو نسي القنوت قبل الركوع وبعده
قنت قبل أن يسلم في تشهده وسجد سجدتي السهو.
فرع:
لو تعدد سبب السجود تعدد ما لم يدخل في حد الكثرة، وقال ابن
إدريس (7): ما لم يتجانس.
وهما بعد التسليم، وقال ابن الجنيد (8): للنقيصة قبله، لرواية صفوان (9)،
وحملها الصدوق (10) على التقية. ويجب فيهما النية وما يجب في سجود الصلاة، إلا

(1) الخلاف: ج 1 ص 155.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4 ج 5 ص 327.
(3) الخلاف: ج 1 ص 155.
(4) الكافي في الفقه: ص 118.
(5) في " م " و " ز ": للحن.
(6) المختلف: ج 1 ص 140.
(7) السرائر: ج 1 ص 258.
(8) المختلف: ج 1 ص 142.
(9) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6 ج 5 ص 315.
(10) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 341.
207

أن ذكرهما: " بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد، أو بسم الله وبالله
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته "، ويتشهد بعدهما تشهدا خفيفا،
ويسلم التسليم المخرج من الصلاة، وقال الحلبي (1): يخرج منهما بالتسليم على
النبي صلى الله عليه وآله.
والأقرب فعلهما قبل الكلام، ولو أخرهما أتى بهما بعد (2)، وليستا شرطا في
صحة الصلاة خلافا للخلاف (3)، وقد يريد به تحتم فعلهما. والأحوط متابعة
المأموم إمامه فيهما لو خلا عن السبب، ووجوبهما عليه وإن خلا الإمام عن
السبب، وفي الخلاف (4): يتحمل الإمام سهو المأموم إجماعا، وفي المختلف (5):
إن كان شكا، جمعا بين خبري منهال (6) بوجوبهما على المأموم وحفص (7)
بعدمه.
[54]
درس
يجب قصر الرباعية بحذف الأخيرتين إلا في الأماكن الأربعة، وعمم
الصدوق (8) وشرط فيها إقامة عشرة، وطرد المرتضى (9) وابن الجنيد (10)
الحكم في مشاهد الأئمة عليهم السلام، وظاهرهما تحتم الإتمام (11) في هذه

(1) الكافي في الفقه: ص 148.
(2) في باقي النسخ: بعده.
(3) الخلاف: ج 1 ص 156.
(4) الخلاف: ج 1 ص 157.
(5) المختلف: ج 1 ص 144.
(6) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6 ج 5 ص 339.
(7) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3 ج 5 ص 338.
(8) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 442.
(9) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 47.
(10) المختلف: ج 1 ص 168.
(11) في باقي النسخ: التمام.
208

المواضع، والأقرب التخصيص بالمساجد وما دارت (1) عليه سور الحضرة
الحسينية فلا إتمام في بلدانها، والفطر في الصوم الواجب، إلا صوم دم المتعة
والبدنة للمفيض من عرفة والنذر المقيد بالسفر، بشرائط ثمان:
الأول: ربط القصد بمعلوم، فلا يقصر الهائم وطالب الآبق وشبهه، إلا في
عوده إذا كملت المسافة، ومنتظر الرفقة على حد مسافة مسافر، وعلى حد البلد
مقيم، وبينهما إن جزم بالسفر فمسافر، وإن وقف عليها فمقيم. والمكره على السفر
إذا ظن الوصول ولا مندوحة يقصر. وقصد المتبوع كاف عن قصد التابع
كالزوجة والعبد. ولا يقدح عروض الجنون في الأثناء وكذا الإغماء. ولو منع من
السفر فكمنتظر الرفقة، وكذا لو ردته الريح.
الثاني: كون المقصود مسافة فصاعدا، وهي ثمانية فراسخ، والفرسخ ثلاثة
أميال، والميل أربعة آلاف ذراع أو مد البصر في الأرض المستوية، أو أربعة لمريد
الرجوع ليومه أو ليلته. ولو تردد في أقل من أربعة لم يقصر وإن زاد على (2)
النصاب سواء انتهى إلى محل التمام أو لا. ولو قصد أربعة ولم يرد الرجوع ليومه
فروايتان (3) جمع جماعة بينهما بالتخيير.
وأهل مكة إذا قصدوا عرفات من هذا القبيل، وفي الخبر الصحيح (4)
قصرهم. ويكفي مسير يوم مع الشك في النهار والسير المعتدلين، ولو لم يتفق
وشك فلا قصر، ولو تعارضت البينتان قصر.
الثالث: الضرب في الأرض، فلا يكفي القصد من دونه، ولا يشترط بقاء
الضرب بالنسبة إلى ما قصره، فلو صلى قصرا ثم بدا له عن المسافة لم يعد وإن

(1) في باقي النسخ: دار.
(2) في باقي النسخ: عن.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة المسافر ح 10 و 14 ج 5 ص 501 و 502.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 499.
209

بقي الوقت على الأقرب.
ثم إن كان قد خفي عنه الجدار (1) والأذان قبل القصد اكتفى بالضرب،
وإلا اشترط خفاؤهما، ولا يكفي خفاء أحدهما على الأقرب، وكذا في رجوعه،
وقال علي بن بابويه (2): يكفي الخروج من منزله فيقصر حتى يعود إليه،
ولا عبرة بالأعلام والأسوار.
أما البلد العظيم فالأقرب اعتبار محلته، والبدوي يعتبر حلته، والمنزل المرتفع
أو المنخفض (3) يقدر فيه التساوي، ولو ترخص قبله أعاد وإن كان جاهلا،
وفي الكفارة لو أفطر جاهلا خلاف، أقربه نفيها.
الرابع: كون السفر سائغا، فلا يقصر العاصي (4)، كالآبق، وتارك وقوف
عرفة، أو الجمعة مع وجوبه عليه، وسالك المخوف مع ظن العطب، والمتصيد لهوا
وبطرا. والمشهور أن صيد التجارة يقصر فيه الصوم خاصة، أما الصيد للحاجة
فيقصر مطلقا. والعاصي في غايته لا يقصر، ولو كانت الغاية مباحة وعصى فيه
قصر، ويقصر في سفر النزهة إذا لم يشتمل على غاية محرمة مقصودة.
الخامس: بقاء القصد، فلو عزم في أثناء المسافة إقامة عشرة (5) أتم حينئذ،
ولو كان ذلك في ابتداء سفره اعتبرت المسافة إلى موضع العزم، ولو خرج بعد
عزم الإقامة وقد صلى تماما اشترط مسافة أخرى. وينقطع السفر أيضا بأن
يمضي عليه في مصر ثلاثون يوما وإن بقي العزم الجازم أو تردد.
ولو رجع عن نية الإقامة وقد صلى على (6) التمام أتم ما دام مقيما وإلا

(1) في " م ": الجدران.
(2) المختلف: ج 1 ص 163.
(3) " م " و " ق ": والمنخفض.
(4) في باقي النسخ: العاصي به.
(5) في " م ": عشرة أيام.
(6) هذه الكلمة غير موجودة في " ق ".
210

قصر، وفي الاكتفاء بخروج الوقت على العزم، أو الشروع في الصوم، أو بالصلاة
التامة في أحد الأربعة، أو بإتمام الصلاة ناسيا نظر، ولو رجع في أثنائها قصر
ما لم يركع في الثالثة، ولو نوى المقام في أثنائها أتمها.
السادس: عدم وصوله إلى منزل له فيه ملك واستيطان ستة أشهر ولو
متفرقة، والأقرب اعتبار كونه ممن يصلي تماما فيها، وفي اعتبار كونه بنية
الإقامة نظر. وتظهر الفائدة لو صلى تماما بعد مضي ثلاثين يوما ولم ينو
الإقامة، أو صلى تماما في أحد الأربعة وله فيها منزل، أو صلى تماما ناسيا
وخرج الوقت، أو صلى تماما لكثرة السفر، أو لكونه عاصيا في سفره (1) أما لو
نوى المقام فصلى صلاة على التمام ثم بدا له فاستمر على التمام، فالأقرب احتسابه
من ستة الأشهر.
ولا يشترط كون الملك صالحا للسكنى، بل يكفي الضيعة بل النخلة،
واستيطان كل ما يعد من البلد، والظاهر أن حده محل الترخص. واشترط
بعضهم بقاء الملك فلو خرج عنه ساوى غيره، وبعض المعاصرين سبق الملك
على الاستيطان فلو تأخر لم يعتد به، وهما قريبان.
ومن اتخذ بلدا دار إقامته فالأقرب إلحاقه بالملك. ولا يكفي الوقف العام (2)
كالربط والمساجد والمدارس في الملك، أما الوقف الخاص فالأقرب الاكتفاء
به. ولو شك في المقام قدر النصاب فالأصل العدم.
السابع: أن لا يكثر السفر، فيتم المكاري والملاح والبريد والراعي والتاجر
إذا صدق الاسم، وهو بالثالثة على الأقرب، وقال ابن إدريس (3): أصحاب
الصنعة كالمكاري والملاح والتاجر يتمون في الأولى، ومن لا صنعة له في

(1) في باقي النسخ: بسفره.
(2) في باقي النسخ: الوقوف العامة.
(3) السرائر: ج 1 ص 340.
211

الثالثة، وفي المختلف (1): الإتمام في الثانية مطلقا.
ولو أقام أحدهم عشرة أيام بنية الإقامة في غير بلده أو في بلده وإن لم ينو
قصر، وكذا يكفي عشرة بعد مضي ثلاثين في غير بلده وإن لم ينو.
فروع ثلاثة:
الأول: لو سافر البدوي إلى مسافة لا للقطر والنبت، فالأقرب التقصير (2)،
لتعليل إتمامه في الرواية (3) بهما، ويمكن ذلك في الملاح، لتعليل إتمامهم بأن
بيوتهم معهم (4)، بل يمكن اختصاص الإتمام بكون سفرهم لتلك الصناعات،
فلو سافروا لغيرها قصروا.
الثاني: لو سافروا بعد إقامة العشرة فلا بد من الكثرة المعتبرة ابتداء، سواء
كان ذلك صنعة لهم أم لا.
الثالث: لو تردد في قرى دون المسافة فكل مكان يسمع أذان بلده فيه
فبحكمه وما لا فلا، نعم لو كمل له عشرة متفرقة في بلده قصر، واجتزأ الشيخ (5)
بإقامة خمسة في تقصير صلاة النهار، وليس بقوي، واجتزأ ابن الجنيد (6) في
الخروج عن السفر بإقامة خمسة أيام أيضا، وهو متروك، ورواية محمد بن
مسلم (7) به محمولة على المقام بالأربعة.
الثامن: أن يستوعب السفر الوقت، فلو خرج بعد وجوبها أو دخل في وقتها،

(1) المختلف: ج 1 ص 163.
(2) في باقي النسخ: القصر.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة المسافر ح 9 ج 5 ص 516.
(4) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة المسافر ح 5 ج 5 ص 561.
(5) النهاية: ص 122.
(6) المختلف: ج 1 ص 164.
(7) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 12 ج 5 ص 527.
212

فرابع الأقوال الإتمام (1) في الموضعين وهو أقرب، والظاهر أنه يشترط مضي
كمال الصلاة في أول الوقت ويكتفي بركعة في آخره، والقضاء تابع للأداء،
ويقضي نافلة الزوال المسافر بعد دخول الوقت.
[55]
درس
لا قصر في فوائت الحضر وإن صلاها سفرا، ولو قصر ولا يعتقد وجوب
القصر أعاد وقضى قصرا، إذا كان يعلم المسافة، ولو لم يعلمها ثم علم والوقت
باق أعاد قصرا، ولو خرج الوقت ففي القضاء تماما أو قصرا نظر، وكذا لو صلى
بنية التمام ثم سلم على الأولتين وانصرف ناسيا ثم تبين المسافة في الوقت أو
بعده، ولو كان يعلم المسافة والقصر فنوى التمام سهوا ثم انصرف ناسيا على
القصر فالإشكال أقوى. ولو قصر المغرب جاهلا لم يعذر إلا في رواية (2) شاذة.
ولو قصر الثنائية أعاد إجماعا.
ولو أتم المسافر جاهلا فلا إعادة في الصلاة والصوم، وقال الحلبي (3): يعيد
الصلاة في الوقت، ولو كان ناسيا، فالأقرب الإعادة في الوقت خاصة، وقال
علي بن بابويه (4) والحسن (5): يعيد مطلقا، وهو قوي على القول بوجوب
التسليم، أما العامد فيعيد مطلقا إجماعا إذا تحتم القصر. ولا ينقطع السفر بوصول
منزل القريب أو الزوجة خلافا لابن الجنيد (6) للرواية (7)، وتحمل على نية المقام.

(1) في باقي النسخ، التمام.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة المسافر ح 7 ج 5 ص 531.
(3) الكافي في الفقه ص 116.
(4) المختلف: ج 1 ص 164.
(5) المختلف: ج 1 ص 164.
(6) المختلف: ج 1 ص 107.
(7) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب صلاة المسافر ح 3 ج 5 ص 533.
213

ولو خرج ناوي المقام عشرا إلى ما دون المسافة فإن عزم العود والمقام عشرا
مستأنفة أتم ذاهبا وعائدا ومقيما، وإن عزم على المفارقة قصر، وإن نوى العود
ولم ينو عشرا فوجهان، أقربهما القصر إلا في الذهاب. ولا عبرة باقتداء المقصر
بمتمم والأقرب استحباب الجمع بين الفريضتين سفرا، واستحباب الفرق
حضرا، ويستحب جبر المقصورة بالتسبيحات الأربع بعدها ثلاثين مرة.
[56]
درس
الخوف مقتض لنقص كيفية الصلاة مع عدم التمكن من إتمامها إجماعا،
وكذا نقص العدد على الأقوى، سواء صليت جماعة أو فرادى. وهي أنواع.
إحداها: صلاة ذات الرقاع، وشرطها كون العدو في غير القبلة، وقوته
بحيث يخاف هجومه، وكثرة المسلمين بحيث يمكنهم الافتراق فرقتين، وأن
لا يحتاج إلى الزيادة على فرقتين، وإباحة القتال على قول.
فيقف الإمام بطائفة بحيث لا يبلغهم ضرر العدو والأخرى تحرسهم،
فيصلي بالأولى ركعة، ثم يفارقونه بعد قيامه على الأقوى، ويتمون ثم يحرسون،
وتأتي الأخرى فتدخل معه في الثانية، ثم يفارقونه في تشهده بنية الانفراد على
الأقرب، فتجب القراءة في الثانية لهم، ويطول تشهده ثم يسلم بهم، ولو سلم
ولما ينتظر فالمروي (1) الجواز. وفي المغرب يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين
أو بالعكس، والأول أفضل على الأظهر.
ولا يشترط تساوي الفرقتين عددا، ويجب أخذ السلاح على الفرقتين وإن
كان نجسا على الأقرب، ولو منع واجبا في الصلاة لم يجز اختيارا، ولا يختص
الوجوب بالفرقة المقاومة على الأقرب. ولا حكم لسهو المأموم حال المتابعة. ولو

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ح 8 ج 5 ص 482.
214

صليت مع الأمن أو مع تحريم القتال أو حال طلب العدو فوجهان.
ولو صلى بهم الجمعة في الحضر خطب للأولى، واشترط كونها كمال
العدد، ولو كان السفر مما لا يقصر فيه لكنه مسافة فالأقرب أنه كالحضر،
فيجري فيه الخلاف وتتأتى الجمعة.
وثانيها: صلاة بطن النخل، وهي أن يكمل الصلاة بكل فرقة والثانية نفل
له. وهذه لا يشترط فيها الخوف، نعم يترجح فعلها حال الخوف بخلاف الأمن،
ولا تجوز الجمعة الثانية هنا.
وثالثها: صلاة عسفان، ونقل لها كيفيتان: أن يصلي بكل فريق ركعة
ويسلموا عليها، فيكون له ركعتان ولكل فريق ركعة واحدة، رواها الصدوق (1)
وابن الجنيد (2)، ورواها حريز (3) في الصحيح.
وأن يصفهم صفين ويحرم بهم جميعا ويركع بهم، فإذا سجد سجد معه
الصف الأول وحرس الثاني، فإذا قام سجد الحارسون، وفي الركعة الثانية
يسجد معه الحارسون أولا، ويحرس الساجدون، سواء انتقل كل صف إلى
موضع الآخر أولا، وإن كان التنقل أفضل، وهو المذكور في المبسوط (4)،
والأقرب جواز حراسة الصف الأول في الركعة الأولى والثاني في الثانية، بل
يجوز تولي الصف الواحد الحراسة في الركعتين.
وهذه الصلاة وإن لم يذكرها كثير من الأصحاب فهي ثابتة مشهورة، وكفى
بالشيخ ذاكرا. وشروطها (5) كون العدو في القبلة، وإمكان الافتراق، ورؤية

(1) من لا يحضره الفقيه: ح 1340 ج 1 ص 464.
(2) المختلف: ج 1 ص 150.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ح 2 ج 5 ص 478.
(4) المبسوط: ج 1 ص 166.
(5) في باقي النسخ: وشرطها.
215

العدو. والأقرب جواز تعدد الصفوف، ويترتبون في السجود والحراسة. وفي جواز
هذه الصلاة في الأمن وجهان، إذ ليس فيها إلا التخلف بركن وهو غير قادح في
الاقتداء.
ورابعها: صلاة المطاردة والمعانقة، حيث لا يمكن الهيئات السابقة فالواجب
ما أمكن ماشيا وراكبا، ويسجد على قربوس سرجه أو عرف دابته، فإن تعذر
أو ماء ويجعل السجود أخفض. ويجب الاستقبال ولو بتكبيرة الإحرام، فإن عجز
سقط.
ويجوز الائتمام هنا إذا اتحدت الجهة، ولو اختلفت فالأقرب أنه
كالاستدارة حول الكعبة، والفرق بينهم وبين مختلفي الاجتهاد أن صلاة كل إلى
جهة يعلمها وهي قبلة في حقه، بخلاف المجتهدين. والأفعال الكثيرة من الطعن
والضرب مغتفر (1) هنا إذا احتيج إليه. ومع تعذر الأفعال يجزئ عن كل ركعة
التسبيحات الأربع مع النية والتكبير والتشهد والتسليم على الأقوى، وهي
صلاة علي عليه السلام (2) وأصحابه ليلة الهرير في الظهرين والعشاءين، ولم
يأمرهم بإعادتها.
ولا فرق في الخوف بين أن يكون من عدو أو لص أو سبع، لا من وحل
وغرق بالنسبة إلى قصر العدد، أما قصر الكيفية فسائغ حيث لا يمكن غيرها.
والأفضل تأخير الخائف الراجي للأمن، فلو زال الخوف والوقت باق أتم. ولو
خرج قضى قصرا إن استوعب الخوف الوقت، أما الكيفية فلا يراعي إلا حالة
فعل الصلاة أداء وقضاء.
ولا يقضي ما صلاه خائفا مطلقا، إلا أن يكون فارا من الزحف أو عاصيا

(1) في " ق ": مغتفرة.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ح 8، 10، 12 ج 5 ص 486.
216

بقتاله، وفي العاصي بسفره لو احتاج إلى الإيماء نظر. ولو قصر كيفا أو كما
بظن العدو فظهر خطؤه أو وجود حائل فلا إعادة. ولو خاف في أثناء الصلاة
قصرها، ولو أمن أتمها وإن كان قد استدبر خلافا للمبسوط (1).
والأقرب جواز التفريق في المغرب ثلاثا، ولو شرطنا في القصر السفر جاز
التفريق في الرباعية أربعا وثلاثا واثنين لا خمسا فصاعدا، ومنع الشيخ (2) من
زيادة التفريق على فرقتين ولو قلنا باشتراط السفر في القصر اقتصارا على موضع
النقل. ومنع ابن الجنيد (3) من قصر النساء في الحرب، وهو بعيد.
ويجوز صلاة الكسوف والعيد والاستسقاء في الخوف بهيئة اليومية. ولو
خاف المحرم فوت الوقوف فالأقرب جواز قصر الكيفية، وفي جواز نقص (4)
العدد والاقتصار على التسبيح مع الحاجة إليه تردد، وكذا الكلام في المديون
المعسر الهارب من المدين، والمدافع عن ماله وإن كان غير حيوان، أما مستحق
القود لو هرب رجاء العفو فالأقرب عدم تسويغ القصر بنوعيه في حقه.
[57]
درس
الجماعة مستحبة في الفرائض وتتأكد في الخمس، وتجب فيما سبق
وبالنذر، وتحرم في النافلة إلا الاستسقاء وما أصله فرض كالإعادة والعيد،
وألحق الحلبي (5) صلاة الغدير.
وفضلها عظيم، لقول النبي (6) صلى الله عليه وآله: صلاة الجماعة تفضل

(1) المبسوط: ج 1 ص 166.
(2) المبسوط: ج 1 ص 165.
(3) المختلف: ج 1 ص 151.
(4) في " ق " قصر.
(5) الكافي في الفقه: ص 160.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الجماعة ح 14 ج 5 ص 374. وفيه: الفرد بدل الفذ.
217

صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة، وقال (1): من صلى الغداة والعشاء الآخرة
في جماعة فهو في ذمة الله ومن ظلمه فإنما يظلم الله، وأمر (2) أعمى أن يتخذ
خيطا من داره إلى المسجد لما كان يسمع (3) النداء، وقال صلى الله عليه
وآله (4): ما من ثلاثة في قرية (5) لا يؤذن ولا يقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم
الشيطان، وقال النبي (6) صلى الله عليه وآله (7): من صلى الخمس في جماعة
فظنوا به كل خير، وتوعد (8) بإحراق بيوت من لم يحضرها.
والكلام إما في شروطها أو أحكامها، والشروط عشرة.
أحدها: أهلية الإمام بإيمانه، وعدالته، وطهارة مولده، وصحة صلاته،
وقيامه إن أم القيام، وبلوغه، وعقله، وإتقان القراءة إلا بمثله، وذكوريته إن أم
الرجال أو الخناثى، وكونه غير مؤتم. فلا تصح إمامة الكافر والمخالف والفاسق
وولد الزنا وإن أموا أمثالهم.
ويعلم العدالة بالشياع، والمعاشرة الباطنة، وصلاة عدلين خلفه، ولا يكفي
الإسلام في معرفة العدالة خلافا لابن الجنيد (9)، ولا التعويل على حسن الظاهر
على الأقوى. ولا يقدح الخلاف في الفروع إلا أن يكون صلاته باطلة عند
المأموم.

(1) المحاسن (كتاب ثواب الأعمال): ص 52.
(2) وسائل الشيعة ب 2 من أبواب صلاة الجماعة ح 9 ج 5 ص 377. وفيه: حبلا بدلا من خيطا.
(3) في " ق ": يستمع.
(4) مسند أحمد بن حنبل: ج 5 ص 196.
(5) في " ز ": في قرية أو بدو، وفي " م " و " ق ": ولا بدو.
(6) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(7) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الجماعة ح 4 ج 5 ص 371.
(8) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة الجماعة ح 10 ج 5 ص 377.
(9) المختلف: ج 1 ص 159.
218

ولا تصح إمامة فاقد شرائط صحة الصلاة إذا علم المأموم، ولو (1) ظهر المانع
من الاقتداء بعد الصلاة فلا إعادة وإن كان الوقت باقيا خلافا للمرتضى (2)،
ولو كان في الأثناء انفرد ولا يستأنف خلافا له، ولا إمامة الصبي وإن بلغ عشرا
عارفا خلافا للشيخ (3)،
إلا بمثله أو في النفل، ولا المجنون، وإن (4) كان أدوارا
جاز وقت إفاقته (5) على كراهية، ولا الأخرس والأمي واللاحن والمبدل إلا
بمثله، ولا المرأة رجلا ولا خنثى، ولا الخنثى رجلا ولا خنثى خلافا لابن حمزة (6)،
وتؤم المرأة النساء خلافا للمرتضى (7).
ويجوز إمامة العبد مطلقا على الأقرب، والمكفوف بمسدد، والخصي بالسليم
خلافا للحلبي (8)، والمتيمم والمسافر والأعرابي والأجذم والأبرص والمفلوج
والأغلف غير المتمكن من الختان والمحدود التائب بمن يقابلهم، والأقرب كراهة
ائتمام المسافر بالحاضر.
ولو تشاح الأئمة قدم مختار المؤتمين، فإن اختلفوا فالأقرأ، فالأفقه،
فالهاشمي، فالأقدم هجرة، فالأسن في الإسلام، فالأصبح وجها أو ذكرا،
فالقرعة. والراتب والأمير وذو المنزل يقدمون على الجميع، قيل: والهاشمي.
وثانيها: العدد، وأقله اثنان إلا في الجمعة والعيدين، وما روي (9) أن المؤمن

(1) في باقي النسخ: فلو.
(2) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): ص 236.
(3) المبسوط: ج 1 ص 154، نقلا بالمضمون.
(4) في باقي النسخ: ولو.
(5) في باقي النسخ: الإفاقة.
(6) الوسيلة: ص 105.
(7) السرائر: ج 1 ص 281 عنه ولم نعثر عليه في كتبه الموجودة لدينا.
(8) الكافي في الفقه: ص 144.
(9) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 379.
219

وحده جماعة يراد به الفضيلة.
وثالثها: أن لا يتقدم المأموم على الإمام بعقبه، ولا عبرة بمسجده، إلا في
المستديرين حول الكعبة بحيث لا يكون المأموم أقرب إليها.
ورابعها: نية الاقتداء بعد نية الإمام، ولا يجزئ معها على الأصح فيقطعها
بتسليمة ثم يستأنف، ولا يشترط في انعقادها نية الإمامة إلا في الجماعة
الواجبة، نعم هي شرط في استحقاق ثواب الجماعة.
وخامسها: تعيين الإمام، فلو كان بين يديه اثنان ونوى الاقتداء بأحدهما
لا بعينه بطل.
وسادسها: وحدة الإمام، فلو اقتدى بالمتعدد دفعة بطل، نعم يجوز الانتقال
من إمام إلى آخر عند عروض مانع من الاقتداء بالأول.
وسابعها: أن لا يعلو الإمام على المأموم ببناء لا يتخطى، وقيل: بشبر،
ولا حجر (1) في الأرض المنحدرة، وعلو المأموم جائز بالمعتد.
وثامنها: مراعاة القرب بين الإمام والمأموم وبين الصفوف، والمحكم
العرف، ويظهر من الشيخ (2) جواز ثلاثمائة ذراع، ومن الحلبي (3) التقدير بما
لا يتخطى، وهو مروي (4) ويحمل على الندب، ولو تكثرت الصفوف فلا حد
للبعد إلا أن يؤدي إلى التأخر المخرج عن اسم الاقتداء.
فرع:
لو انتهت صلاة الصفوف المتوسطة قبل المتأخرة انتقلوا إلى حد القرب، ولو

(1) في " ق ": حرج.
(2) المبسوط: ج 1 ص 156.
(3) الكافي في الفقه: ص 144.
(4) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 462.
220

كان الانتقال قبل الانتهاء كان أولى ما لم يؤد إلى كثرة العمل فينفرد.
وتاسعها: إمكان مشاهدة المأموم الإمام ولو بوسائط، ويجوز الحيلولة بين الرجال
والنساء، وبالنهر وشبهه والمخرم والقصير المانع حينا، ولو صلى الإمام في محراب
داخل بطلت صلاة الجناحين من الصف الأول خاصة.
وعاشرها: توافق الصلاتين في النظم لا في النوع والشخص، فلا يقتدى في
اليومية بالكسوف، ويجوز ارتباط الفرض بالنفل والظهر بالعصر وبالعكس،
ومنع الصدوق (1) من صلاة العصر خلف الظهر إلا أن يتوهمها العصر، وهو
نادر.
ويتخير المأموم مع نقص صلاته بين التسليم وانتظار الإمام حتى يسلم،
وهو أفضل. ولو زادت صلاة المأموم فله الاقتداء في التتمة بآخر من المؤتمين،
وفي جوازه بإمام آخر أو منفرد وجهان مبنيان على جواز تجديد نية الائتمام
للمنفرد، وجوزها الشيخ (2).
[58]
درس
تجب متابعة الإمام في الأقوال والأفعال، فلو تقدم المأموم عمدا أثم واستمر،
وفي المبسوط (3): لو فارق لا لعذر بطلت صلاته، ولو ركع أو سجد قبله سهوا
رجع، ولو ترك الرجوع فهو متعمد، والظان كالساهي. ولو كان ركوع المتعمد
قبل فراغ قراءة الإمام بطلت صلاته إن علم.
ويتحمل الإمام القراءة في الجهرية والسرية، وفي التحريم أو الكراهية أو

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 358.
(2) المبسوط: ج 1 ص 157.
(3) المبسوط: ج 1 ص 157.
221

الاستحباب للمأموم أقوال، أشهرها الكراهية في السرية والجهرية المسموعة ولو
همهمة، والاستحباب فيها لو لم يسمع. فلو نقصت قراءته عن قراءة الإمام أبقى
آية ليركع عنها، وكذا لو قرأ خلف غير المرضي.
ويدرك المأموم الركعة بإدراك الإمام راكعا، إذا ركع قبل رفع رأسه على
الأصح وإن كان بعد الذكر الواجب، ولو شك هل أدرك أم لا أعاد، وفي تنزله
منزلة من أدركه في السجود فيسجد معه ثم يستأنف النية نظر. ولو أدركه
متشهدا كبر وجلس معه وأجزأه عن تكبير آخر، فيتبعه إن بقي من الصلاة
شئ، ويتم لنفسه إن لم يبق. والأقرب إدراك فضيلة الجماعة في الموضعين،
وكذا لو أدرك معه سجدة ويستأنف التكبير أيضا.
ويراعي المسبوق نظم صلاته، فيقرأ في الأخيرتين بالحمد وحدها أو
التسبيح وإن كان الإمام قد سبح على الأصح. وفي كراهة الجماعة الثانية في
مسجد قولان مع اتحاد الفريضة. ويجوز في السفينة والسفن مع مراعاة القرب.
ويستحب تسوية الصف باستواء المناكب، واختصاص الفضلاء بالأول
ويمينه أفضل، ووقوف الإمام وسطه. ويكره تمكين العبيد والصبيان والمجانين
منه. وليقف المأموم الرجل عن يمين الإمام، وكذا الصبي، وإن تعددوا فخلفه،
والنساء صف، وكذا العراة، والمرأة الواحدة خلف الرجل، والمرأة عن يمين
المرأة، ويقف النساء خلف الخناثى والخناثى خلف الرجال استحبابا على
الأقوى، ولو جاء رجال تأخرن مع عدم الموقف أمامهن.
ولو أحرم الإمام حال تلبس الغير بنافلة قطعها واستأنف معه، ولو كان في
فريضة وأمكن نقلها إلى النفل فعل، وإن خاف الفوت (1) قطعها، ولو كان
الإمام الأعظم قطعها مطلقا مستحبا في الجميع، ولو جوزنا العدول إلى الائتمام

(1) في " م ": الفوات.
222

من الانفراد، ولو كان ممن لا يقتدى به استمر مطلقا، فإن اتقاهم في تشهده
فعله قائما، وكذا التسليم. ويكره أن يصلي نافلة بعد الإقامة، ووقت القيام عند
قد قامت، وقيل: عند فراغ الأذان.
ولو خاف الداخل فوت الركوع ركع مكانه، ويتخير بين السجود ثم اللحاق
بالصف، وبين المشي في ركوعه إليه، فيستحب جر الرجلين بغير تخط، وليكن
الذكر في حال قراره. ويستحب للإمام التطويل إذا استشعر بداخل بمقدار
ركوعين، ولا يفرق بين الداخلين.
ويستحب للإمام تخفيف الصلاة، ويكره التطويل خصوصا (1) لانتظار من
يأتي، وأن يستناب المسبوق بل من شهد الإقامة فيومئ بالتسليم المسبوق،
ويستحب للمأموم قول " الحمد لله رب العالمين " إذا فرغ الإمام من الفاتحة.
[59]
درس
يكره وقوف المأموم وحده اختيارا، وجذبه آخر من الصف إليه على قول،
وتخصيص الإمام نفسه بالدعاء بل يعممه، ولا يكره إمامة الرجل النساء
الأجانب. ويستحب للمنفرد إعادة صلاته مع الجماعة، والأقرب
الاستحباب للجامع أيضا إماما ومؤتما وينوي الندب، ولو نوى الفرض جاز
لرواية هشام بن سالم (2)، ويختار الله أحبهما إليه.
ولو اقتدى المسبوق في الخامسة سهوا أجزأ، وإن ذكر في الأثناء انفرد.
ويتابع المأموم الإمام في الأذكار المندوبة ندبا، وإن كان مسبوقا تابعه في
القنوت والتشهد، ولا يجزئ عن وظيفته.

(1) في باقي النسخ: وخصوصا.
(2) وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 155.
223

ويجوز التسليم قبل الإمام لعذر فينوي الانفراد، ولو سلم لا لعذر عمدا فهو
مفارق، وإن نوى الانفراد حيث يمكن فلا إثم، ويومئ الإمام المسبوق بالتسليم،
وروي (1) أنه يقدم رجلا منهم فيسلم بهم. ولو علم نجاسة على الإمام، أو علمت
المؤتمة عتق من أمتها مع كشف رأسها، ففي جواز الاقتداء نظر. ولو امتلأت
الصفوف جاز وقوف المأموم على (2) جانبي الإمام، واليمين أفضل.
ولا ينبغي ترك الجماعة إلا لعذر عام كالمطر أو خاص كالمرض، فيصلي
في منزله جماعة إن أمكن، ولو رجا زوال العذر وإدراك الجماعة استحب
التأخير، ويستحب للإمام التعجيل في الحضور، وقيل: يتوسط، ولو علم تأخير
المأمومين جاز التربص ما لم يخرج وقت الفضيلة، وكذا يتأخر المأموم لو تأخر
الإمام، ولا يجعلا ذلك عادة. ويستحب حضور جماعة العامة كالخاصة بل
أفضل، فقد روي (3) من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف
رسول الله صلى الله عليه وآله، فيه ويتأكد مع المجاورة، ويقرأ في الجهرية سرا
ولو مثل حديث النفس، ويسقط لو فجأه ركوعهم (4)، فيتم فيه إن أمكن وإلا
سقط.
وحق الاستنابة للإمام لو عرض له عارض، وللمأمومين لو مات أو جن أو
ترك الاستنابة، ولو استناب في أثناء القراءة جاز للنائب البناء، والاستئناف
أفضل. ويفتح المأموم على الإمام لو ارتج عليه، وينبهه إذا أخطأ وجوبا، فلو
ترك التنبيه (5) فالأقرب صحة الصلاة، وإن تلفظ بالمتروك كان حسنا.
ولا تفوت القدوة بفوات أكثر من ركن، وإن نقص عدد المأموم فيتمه بعد

(1) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 ج 5 ص 438.
(2) في باقي النسخ: عن.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 381.
(4) في " ز ": ركوعه.
(5) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
224

تسليم الإمام. ويستحب قصد أكبر (1) المساجد جماعة، إلا أن يكون في جواره
مسجد يتعطل عند غيبته فيصلي فيه، وملازمة (2) الإمام مجلسه حتى يتم المسبوق،
ولا يصلي فيه نافلة بل يتحول إلى غيره.

(1) في باقي النسخ: أكثر.
(2) في " م ": ويلازم.
225

كتاب الزكاة
227

كتاب الزكاة
وهي الصدقة المقدرة بالأصالة ابتداء ولغة التطهير والنماء قال الله تعالى (1):
" وآتوا الزكاة " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله (2): إن الله فرض عليكم
الزكاة كما فرض عليكم الصلاة زكوا أموالكم تقبل صلاتكم، وأخرج (3) خمسة
من المسجد وقال: لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون، وقال النبي (4) صلى الله عليه
وآله (5): ما من ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا قلده الله
بزنة أرضه يطوق به من سبع أرضين إلى يوم القيامة، وقال صلى الله عليه
وآله (6): ملعون ملعون من لا يزكي، وقال الصادق عليه السلام (7): وضع رسول
الله صلى الله عليه وآله الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة والشعير والتمر والزبيب
والذهب والفضة والإبل والبقر والغنم، وعليها الإجماع.

(1) سورة النور: الآية 56.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 1 ج 6 ص 3.
(3) وسائل الشيعة ب 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 7 ج 6 ص 12.
(4) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 13 ج 6 ص 14 وفيه: تربة بدل بزنة.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 14 ج 6 ص 10 وفيه: مال بدل من.
(7) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 3 ج 6 ص 33.
228

وقول يونس (1) وابن الجنيد (2) بوجوبها في جميع الحبوب شاذ، وكذا إيجاب
ابن الجنيد (3) الزكاة في الزيتون والزيت في الأرض العشرية، وكذا العسل فيها
لا في الخراجية، نعم يستحب فيما يكال أو يوزن عدا الخضر كالبطيخ والقضب،
وروي (4) سقوطها عن الغض كالفرسك وهو الخوخ وشبهه، وعن الأشنان
والقطن والزعفران وجميع الثمار، والعلس حنطة والسلت شعير عند الشيخ (5).
ويكفر مستحل ترك الزكاة المجمع عليها، إلا أن يدعي الشبهة الممكنة،
ويقاتل مانعها حتى يدفعها، ولا يكفر ولا تسبى أطفاله. وليس في المال حق
واجب سوى الزكاة والخمس، وقيل: يجب إخراج الضغث عند الجذاذ والحفنة
عند الحصاد.
ولا زكاة واجبة في مال الطفل وإن كان غلة أو ماشية على الأقرب، إلا أن
يتجر له الولي فيستحب، والأقرب استحبابها في الغلة والماشية أيضا، ويتولى
الإخراج الولي فيضمن لو أهمل مع القدرة، في ماله وجوبا أو ندبا لا في مال
الطفل. ويجوز للولي الملي اقتراض مال الطفل، فلو أتجر به استحبت الزكاة
عليه، ولو انتفت الملاءة فالربح لليتيم إن اشترى بالعين، والأقرب استحباب
زكاة التجارة حينئذ. وإن اشترى في الذمة فهو له ويضمن المال ويأثم، ولو
انتفت الولاية واشترى في الذمة فهو له أيضا (6)، وإن اشترى بالعين وأجاز الولي
فالربح لليتيم، وإلا فالبيع باطل. وحكم المجنون حكم الطفل.

(1) الكافي: باب ما وضع رسول الله صلى الله عليه وآله ح 2 ج 3 ص 509.
(2) المختلف: ج 1 ص 180.
(3) المختلف: ج 1 ص 180.
(4) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 2 ج 6 ص 43.
(5) الخلاف: ج 1 ص 296.
(6) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
229

[60]
درس
يشترط أيضا في وجوبها الملك، فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه، لعدم
التمكن من التصرف، ولو صرفه مولاه فهو تصرف متزلزل، ولو تحرر بعضه وجب
في نصيب الحرية. ولا تجب في مال بيت المال ولا في الموهوب قبل القبض،
ولا الوصية قبل الموت والقبول، ولا الغنيمة قبل القسمة والقبض وعزل الإمام
كاف فيه على قول.
وإمكان التصرف، فلا زكاة في الوقف وإن كان خاصا، والمبيع بخيار
للبائع يجري في الحول من حين العقد على الأصح، والصداق من حين عقد
النكاح، والخلع من حين البذل والقبول، والأجرة من حين العقد وإن كان
ذلك في معرض الزوال، ولا في الرهن مع عدم التمكن من فكه إما لتأجيل الدين
أو لعجزه، ولا يكفي في الرهن المستعار تمكن المستعير من الفك.
ولا يجب في المال المغصوب والضال والمجحود مع عدم الوصلة إليه، ولا في
المال الغائب ما لم يكن في يد وكيله، ولو عادت هذه إليه استحب زكاتها لسنة،
ولا في النفقة المخلفة لعياله مع الغيبة ويجب مع الحضور، وقول ابن إدريس (1)
بعدم الفرق مزيف.
ولا يمنع الدين من وجوبها ولو لم يملك سوى وفائه، ولا الكفر، نعم لو أسلم
استأنف الحول، أما الردة فإن كانت عن فطرة انقطع الحول، وإلا فلا ما لم
يقتل أو يمت، وفي المبسوط (2): أو ينتقل إلى دار الحرب. وليس المنع من
التصرف هنا مانعا كما لا يمنع حجر السفه والمرض، وقال الشيخ (3): يمنع حجر

(1) السرائر: ج 1 ص 447.
(2) المبسوط: ج 1 ص 204.
(3) المبسوط: ج 1 ص 224.
230

المفلس (1).
وفي وجوبها في الدين مع استناد التأخير إلى المدين قولان: أقربهما السقوط،
نعم يستحب زكاته لسنة بعد عوده. ولو شرط المقترض الزكاة على المقرض
فالوجه بطلان الشرط، والأقرب إبطال الملك أيضا، ولو تبرع المقرض بالإخراج
عن المديون فالوجه اشتراط إذنه في الإجزاء.
وإمكان الأداء شرط في الضمان لا الوجوب كالإسلام، فلو تلف النصاب
قبل التمكن من الأداء فلا ضمان، ولو تلف البعض فبالنسبة، وكذا لو تلف
قبل الإسلام أو بعده ولم يحل الحول. ولا تسقط الزكاة بالموت بعد الحول، وفي
سقوطها بأسباب الفرار قولان: أشبههما السقوط.
فروع:
في الصداق (2) لو تشطر قبل الدخول وبعد الحول فالزكاة عليها، وفي جواز
القسمة هنا نظر أقربه الجواز وضمانها، وبه قطع في المبسوط (3)، فلو تعذر أخذ
الساعي من نصيب الزوج ورجع الزوج عليها، ولا يسقط وجوب الزكاة في
النصف هنا لو طلق قبل إمكان الأداء، لرجوع العوض إليها.
الثاني: لو استرد المهر بردتها بعد الحول فالزكاة عليها، ويقدم حق الزكاة
وتغرمه للزوج، ولو كان المهر حيوانا أو نقدا في الذمة فلا زكاة عليها في الموضعين
على الأقرب.
الثالث: لو طلقها بعد الإخراج من العين غرمت له نصف المخرج،
ولا ينحصر حقه في الباقي خلافا للمبسوط (4).

(1) في " م " الفلس.
(2) في " ز " الأول: في الصداق.
(3) المبسوط: ج 1 ص 208.
(4) المبسوط: ج 1 ص 207 - 208.
231

[61]
درس
يشترط في زكاة الأنعام شروط: أحدها: الحول، وهو مضي أحد عشر شهرا
كاملة، واحتساب الحول الثاني من آخر الثاني عشر، ويسقط باختلال بعض
الشروط فيه كالمعاوضة ولو كان بالجنس. ويصدق المالك بغير يمين في عدم
الحول إلا مع قيام البينة.
ولو تعدد ولا إخراج سقط من المال في كل حول قدر المستحق وزكي الباقي
حتى ينقص النصاب. وللسخال حول بانفرادها بعد غنائها بالرعي قاله
الحليان (1)، واعتبر الشيخ (2) وابن الجنيد (3) الحول من حين النتاج وهو
المروي (4).
فرع:
لو حال الحول عليها ولم يكن فيها الفريضة كست وعشرين فصيلا ليس
فيها بنت مخاض أخرج منها، وحينئذ قد تتساوى النصب المختلفة في الفريضة،
وكذا لو كانت بنات مخاض أو بنات لبون أو حقاقا أخرج منها وتساوت
النصب، على إشكال في الجميع، ويحتمل اعتبار قيمة الصغار والكبار وينقص
من الواجب بالنسبة، فلو ساوت قيمة ست وثلاثين صغارا مائتين وكبارا
ضعفها، أخرج بنت لبون خسيسة بقيمة نصفها مجزئة.
ولو ملك مالا آخر في أثناء الحول من جنس ما عنده فإن كان نصابا

(1) الشرائع: ج 1 ص 109. المختلف: ج 1 ص 175.
(2) المبسوط: ج 1 ص 200.
(3) المختلف: ج 1 ص 175.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب ح 1 و 4 ج 6 ص 83.
232

مستقلا، كخمس من الإبل بعد خمس، وكأربعين بقرة وعنده ثلاثون، أو مائة
وإحدى وعشرين من الغنم وعنده أربعون، فلكل حول بانفراده، ولو كان غير
مستقل كالأشناق استؤنف الحول للجميع عند تمام حول (1) الأول على
الأصح.
ولو ملك إحدى وعشرين بعد خمس فالشياه بحالها، وكذلك إلى خمس
وعشرين، ولو ملك ستا وعشرين جديدة ففيها بنت مخاض عند تمام حولها، وفي
أربعين من الغنم بعد أربعين وثلاثين من البقر بعد ثلاثين وجه بالوجوب،
وقيل: لو ملك بعد الأربعين إحدى وثمانين فلكل حول، ورد بثلم النصاب
بمستحق المساكين فاشترط زيادة واحدة، وهو سهو ولو قلنا بأن الزكاة في الذمة
على القول النادر.
الثاني: السوم، فلا يجب في المعلوفة وإن كان لا مؤونة فيه أو بعض الحول،
ولا عبرة باللحظة وفي اليوم في السنة، بل في الشهر تردد، أقربه بقاء السوم
للعرف، والشيخ (2) اعتبر الأغلب. ولا فرق بين أن يكون العلف لعذر أو لا، و
بين أن تعتلف بنفسها أو بالمالك أو بغيره، من دون إذن المالك أو بإذنه، من
مال المالك أو غيره. ولو اشترى مرعى فالظاهر أنه علف، أما استئجار الأرض
للرعي أو ما يأخذه الظالم على الكلاء فلا.
الثالث: أن لا تكون عوامل ولو في بعض الحول، فلا زكاة فيها وإن كانت
سائمة، وشرط سلار (3) كونها إناثا، وهو متروك.
الرابع: النصاب، ففي الإبل اثني عشر: خمسة كل واحد خمس وفيه شاة،
ثم ست وعشرون ففيها (4) بنت مخاض دخلت في الثانية، ثم ست وثلاثون

(1) في باقي النسخ: الحول.
(2) المبسوط: ج 1 ص 198.
(3) المراسم: ص 129.
(4) في " ق ": وفيها.
233

فبنت لبون دخلت في الثالثة، ثم ست وأربعون فحقة دخلت في الرابعة، ثم
إحدى وستون فجذعة دخلت في الخامسة، ثم ست وسبعون فبنتا لبون، ثم
إحدى وتسعون فحقتان، ثم مائة وإحدى وعشرون ففي كل خمسين حقة وفي
كل أربعين بنت لبون، وقال الحسن (1) وابن الجنيد (2): في خمس وعشرين بنت
مخاض، وقال ابنا بابويه (3): في إحدى وثمانين ثني، وقال المرتضى (4): لا يتغير
الفرض من إحدى وتسعين إلا بمائة وثلاثين، وكل متروك.
ويتخير المالك في مثل مأتين بين الحقاق وبنات اللبون، وفي الخلاف (5)
الساعي، ولا فرق بين العرابي والبخاتي، وفي الإخراج يقسط، وكذا في البقر
والجاموس والمعز والضأن. والشنق ما بين النصب ولا زكاة فيه، ولو تلف بعد
الحول لم يسقط من الفريضة شئ، وكذا الوقص في البقر والعفو في الغنم.
وللبقر نصابان: ثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة دخل في الثانية، وأربعون وفيه
مسنة دخلت في الثالثة. وأوقاصها تسعة إلا ما بين أربعين إلى ستين فتسعة
عشر.
وللغنم خمسة نصب على الأقوى: أربعون وفيه شاة، وقال ابنا بابويه (6):
يشترط إحدى وأربعون، ثم مائة وإحدى وعشرون فشاتان، ثم مائتان وواحدة
فثلاث، ثم ثلاثمائة وواحدة فأربع، ثم أربعمائة ففي كل مائة شاة، وقيل
بسقوط الاعتبار من ثلاثمائة وواحدة، وعلى الأول لا يتغير الفرض عن الرابع
حتى يبلغ خمسمائة، وعلى الثاني لا يتغير عن الثالث حتى يبلغ أربعمائة، وإنما

(1) المختلف: ج 1 ص 175.
(2) المختلف: ج 1 ص 175.
(3) الهداية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 54
(4) الإنتصار: ص 81.
(5) الخلاف: ج 1 ص 273.
(6) المختلف: ج 1 ص 177. الهداية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 54.
234

التغير معنوي، وتظهر الفائدة (1) في المحل، ويتفرع عليه الضمان، وقد بيناه في
شرح الإرشاد (2)، والشاة المأخوذة هنا وفي الإبل أقلها الجذع من الضأن لسبعة
أشهر، وقيل: ابن الهرمين لثمانية أشهر والثني من المعز بالدخول في الثانية.
فرع:
لو فقدا في غنمه دفع الأقل وأتم القيمة، أو الأكثر واسترد.
ولا تؤخذ الربى إلى خمسة عشر يوما لأنها كالنفساء، ولا الماخض ولا الأكولة
والفحل، وفي عدهما قولان، والمروي (3) المنع، ولا ذات عوار أو مريضة أو
مهزولة إلا من مثلهن، ولا الأردأ والأجود بل الأوسط، والخيار إلى المالك، وقال
الشيخ (4): يقرع.
ويجبر السن الناقصة في الإبل بشاتين أو عشرين درهما فتساوي تاليها،
وقيل: الجبر بشاة، ويدفع الساعي ذلك في الزائدة، ولا جبر بتضاعف الدرج،
ولا فيما زاد على الجذعة، ولا في غير الإبل، بل القيمة، وتجزئ في الجميع والعين
أفضل.
ويجزئ ابن اللبون عن بنت المخاض، وفرض كل نصاب أعلى عن (5)
الأدنى، وفي إجزاء البعير عن الشاة فصاعدا لا بالقيمة وجهان. ومنع المفيد (6) من
القيمة في الأنعام، ويجزئ شياه الإبل من غير غنم البلد، أما شياه الغنم فلا إلا

(1) في باقي النسخ: فائدته.
(2) نقله عن غاية المراد السيد جواد العاملي في مفتاح الكرامة: كتاب الزكاة ج 3 ص 67.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب زكاة الأنعام ح 1 ج 6 ص 84.
(4) المبسوط: ج 1 ص 195.
(5) في " ق ": من.
(6) المقنعة: ص 253.
235

أن يكون أجود أو بالقيمة، ويجزئ الذكر والأنثى عن مثلهما ومخالفهما.
ولا يفرق بين مجتمع في الملك كما لا يجمع بين متفرق فيه، ولا عبرة بالخلطة
سواء كانت خلطة أعيان كأربعين بين شريكين أو ثمانين بينهما مشاعة، أو
خلطة أوصاف كالاتحاد في المرعى والمشرب والمراح مع تميز المالين، ولا يجبر
جنس بآخر.
[62]
درس
يشترط في زكاة النقدين الحول، والسكة وإن هجرت، فلا زكاة في
السبائك والنقار والحلي، وزكاته إعارته، والنصاب، فلا زكاة فيما دون عشرين
مثقالا من الذهب، ولا فيما دون أربعه بعده، ولا فيما دون مائتي درهم من الفضة
وأربعين بعدها، والمخرج ربع العشر عينا أو قيمة، والدرهم نصف المثقال
وخمسه وزنا، أو ثمانية وأربعون حبة شعير هي ستة دوانيق.
والمغشوش يشترط بلوغ خالصه نصابا، فإن شك فيه فلا شئ، وإن علم
وشك في قدر الغش صفي إن ماكس، ثم يخرج عن المغشوشة منها أو صافيه
بحسابها، ولا عبرة بالرغبة، والإخراج بالقسط، وفي المبسوط (1): يجزئ الأدون
مع تساوي العيار.
ويشترط في الغلات تملكها بالزراعة وانعقاد الحب وبدو الصلاح، ويكفي
انتقالها قبلهما إلى ملكه، فلا زكاة في البلح، ويجب في البسر والحصرم على
الأصح، ووقت الإخراج عند الجفاف والتصفية.
والنصاب، وهو ألفا رطل وسبعمائة رطل بالعراقي، هو (2) ثلاثمائة صاع

(1) المبسوط: ج 1 ص 209.
(2) في " م " و " ز ": هي.
236

هي خمسة أوسق، ويعتبر جافا مشمسا، فيخرج منه (1) العشر إن سقيت سيحا
أو بعلا أو عذيا، ونصفه إن سقيت بالدوالي والغرب وما فيه مؤونة، ولو اجتمعا
اعتبر الأغلب في عيش الزرع والشجر، فإن تساويا فثلاثة أرباع العشر، ويجب
في الزائد وإن قل، كل ذلك بعد المؤونة وحصة السلطان ولو جائرا، وفي
الخلاف (2) والمبسوط (3): المؤونة على المالك. ولا يتكرر فيها الزكاة بعد وإن
مضى عليها أحوال. ويضم الزروع والثمار المتباعدة في النصاب وإن اختلف في
الاطلاع والادراك، وفيما يحمل مرتين قولان.
ويجوز الخرص، فيضمن المالك الزكاة، أو الساعي للمالك، أو تبقى أمانة،
واستقرار الضمان مشروط بالسلامة، ويصدق المالك في تلفها بظالم أو غيره
بيمينه، ويجوز التخفيف للحاجة ويسقط بالحساب.
ويجوز دفع الثمرة على الشجرة (4)، والعنب الذي لا يصير زبيبا، والرطب
الذي لا يصير تمرا، يخرص على تقدير الجفاف، وعلى الإمام بعث خارص،
ويكفي الواحد العدل، والعدلان أفضل. والحنطة والشعير جنسان هنا. ولو
اختلف (5) الثمار والزروع في الجودة قسط، ولو أخذ العنب عن الزبيب أو
الرطب عن التمر رجع بالنقيصة عند الجفاف. ولا يكفي الخراج عن الزكاة.
فرع:
لو مات المديون قبل بدو الصلاح وزع الدين على التركة، فإن فضل نصاب

(1) في باقي النسخ: منها.
(2) الخلاف: ج 1 ص 296.
(3) المبسوط: ج 1 ص 217.
(4) في باقي النسخ: الثمر على الشجر.
(5) في باقي النسخ: اختلفت.
237

لكل وارث ففي وجوب الزكاة عليه قولان. ولو مات بعد بدو الصلاح وجبت،
ولو ضاقت التركة قدمت، وفي المبسوط (1): توزع.
وتجب الزكاة على عامل المزارعة والمساقاة بالشرائط خلافا لابن زهرة (2).
نعم لو آجر أرضا بطعام لم يزكه. وحكم ما يستحب فيه الزكاة من الغلات حكم
الواجب. ولو باع النصاب كان نصيب المستحق مراعى بالإخراج، لتعلق
الزكاة بالعين ومن ثم لم يمنعها الدين.
[63]
درس
تستحب زكاة التجارة، وأوجبها ابنا بابويه (3)، وهي الاسترباح بالمال
المنتقل بعقد المعاوضة، فلا زكاة في الميراث والموهوب ولا في القنية، ولو تجدد
قصد الاكتساب كفى على الأقوى.
ويشترط فيها حول النقدين ونصاباهما، ولا بد من بقاء النصاب وسلامة
رأس المال طول الحول، ولو زاد اعتبر له حول من حين الزيادة. ولا يشترط بقاء
العين في الأصح فلو تبدلت زكيت، وفي بناء حول العروض (4) على حول
النقدين قولان، ولا إشكال في بناء حول النقد على حول العروض (5) ما دامت
التجارة.
وتتعلق بالقيمة لا بالعين فلو باع العين صحت، ولو ارتفعت قيمتها بعد
الحول أخرج ربع عشر القيمة عند الحول، ولو نقصت بعده وقبل إمكان الأداء
فلا ضمان، وإلا ضمن النقص سواء كان لعيب أو نقص سوق، وفي

(1) المبسوط: ج 1 ص 219.
(2) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 540.
(3) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 14.
(4) في باقي النسخ: العرض.
(5) في باقي النسخ: العرض.
238

المعتبر (1): الأنسب تعلقها بالعين، فعلى هذا يثبت نقيض الأحكام، ولا يمنعها
الدين، والأقرب أنه على القول بالقيمة لا يمنعها أيضا.
ولو اشترى نصابا زكويا وأسامة قدمت المالية ولو قلنا بوجوبها، ولا يجتمعان
إجماعا، فلو (2) زرع أرض التجارة أو استثمر نخلها فعشرهما لا يغني عن زكاة
التجارة في الأصل خلافا للمبسوط (3)، ولا يمنع انعقاد الحول على الفرع.
وعامل المضاربة يخرجها إذا بلغ نصيبه نصابا، وفي تعجيل الإخراج قبل
القسمة قولان، والجمع بين كون الربح وقاية وبين تعجيل الإخراج بتغريم
العامل قول محدث، مع أن فيه تغريرا بمال المالك لو أعسر العامل، ونتاج مال
التجارة منها، ويجبر منه نقصان الولادة.
والعبرة في التقويم بالنقد الذي اشتريت به لا بنقد البلد، فلو اشترى بدراهم
وباعها بعد الحول بدنانير قومت السلعة دراهم، ولو باعها قبل الحول قومت
الدنانير دراهم عند الحول، وقيل: لو بلغت بأحد النقدين النصاب استحبت،
وهو حسن إن كان رأس المال عرضا. ولو مضى عليه سنون ناقصا عن رأس
المال استحب زكاة سنة.
وتستحب في الخيل بشرط الأنوثة والسوم والحول، ففي العتيق ديناران وفي
البرذون دينار، والأقرب أنه لا زكاة في المشترك حتى يكون لكل واحد فرس،
وفي اشتراط كونها غير عاملة نظر، أقربه نعم لرواية زرارة (4). ولا زكاة في البغال
والحمير والرقيق إلا في التجارة.
والعقار المتخذ للنماء تستحب الزكاة في حاصله، قيل: ولا يشترط فيه

(1) المعتبر: ص 273.
(2) في باقي النسخ: ولو.
(3) المبسوط: ج 1 ص 222.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 1 و 3 ج 6 ص 51.
239

النصاب ولا الحول، والمخرج ربع العشر. ولا زكاة في الفرش والآنية والأقمشة
للقنية، وروى شعيب (1) عن الصادق عليه السلام: كل شئ جر عليك المال
فزكه وما ورثته أو اتهبته فاستقبل به، وروى عبد الحميد (2) عنه عليه السلام إذا
ملك مالا آخر في أثناء حول الأول زكاهما عند حول الأول.
وفيهما دلالة على أن حول الأصل يستتبع الزائد في التجارة وغيرها، إلا
السخال، ففي رواية زرارة (3) عنه عليه السلام حتى يحول عليها الحول من يوم
تنتج، وروى رفاعة (4) عنه لا عشر في الخراجية. وفي إجزاء ما يأخذه الظالم زكاة
قولان أحوطهما الإعادة.
[64]
درس
أصناف المستحقين للزكاة ثمانية: الفقراء والمساكين، ويشملهما من
لا يملك مؤونة سنة له ولعياله، وقيل: من لا يملك نصابا ولا قيمته، والمروي (5) أن
المسكين أسوأ حالا. ويعطى ذو الدار والخادم والدابة مع الحاجة أو اعتياده
لذلك، ويمنع من يكتفي بكسبه ولو ملك خمسين، كما لا يمنع من لا يكتفي به ولو
ملك سبعمائة درهم، وكذا ذو الصنعة والضيعة، ولو كان أصلها يقوم به دون
النماء استحق، وهل يأخذ تتمة السنة أو يسترسل الأخذ؟ قولان. ولو اشتغل
بالفقه ومحصلاته عن التكسب جاز الأخذ. ولو تعفف المستحق ففي رواية (6)

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 1 ج 6 ص 116.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 2 ج 6 ص 116.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب زكاة الأنعام ح 2 ج 6 ص 83.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب زكاة الغلات ح 2 ج 6 ص 132.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 144.
(6) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 218.
240

هو كمن يمتنع من أداء ما يجب (1) عليه، ويحمل على الكراهية، إلا أن يخاف
التلف فيحرم الامتناع.
والعاملون، وهم السعاة في تحصيلها جباية وكتابة وحسابا وحفظا ودلالة.
والمؤلفة قلوبهم، وهم كفار يستمالون بها إلى الجهاد، وقال ابن الجنيد (2):
هم المنافقون، وفي مؤلفة الإسلام قولان، أقربهما أنهم يأخذون من سهم سبيل
الله.
وفي الرقاب، وهم المكاتبون والعبيد في الشدة، وفي جواز شراء العبد منها
بغير شدة، أو ليكفر به في المرتبة أو المخيرة مع العجز خلاف، ويجوز صرفها إلى
المكاتب وإلى سيده بعد حلول النجم، وقبله إذا لم يجد ما يصرفه في كتابته.
ويقبل قوله في المكاتبة إلا أن يكذبه السيد، ولو دفعه في غيرها ارتجع.
والغارمون، وهم المدينون في غير معصية ولا يتمكنون من القضاء، ولو كان
في معصية جاز من سهم الفقراء مع توبته إن شرطنا العدالة، ولو جهل الحال
فالمروي (3) المنع. ويجوز الدفع إلى رب الدين بغير إذن الغارم وبعد وفاته. ودين
واجب النفقة وغيره سواء إلا ما يجب قضاؤه منه. ويجوز مقاصة المستحق حيا
وميتا إذا لم يترك ما يصرف في دينه، وقيل: وإن ترك مع تلف المال، وإعطاء
الغارم لإصلاح ذات البين وإن كان غنيا.
وفي سبيل الله، وهو الجهاد سواء كان الغازي متطوعا أو مرتزقا مع قصور
الرزق، والأقرب إلحاق القرب به، كعمارة المساجد والربط ومعونة الحاج
والزائرين.
وابن السبيل، وهو المنقطع به في غير بلده وإن كان غنيا في بلده، فيأخذ

(1) في " م " و " ز ": وجب.
(2) المختلف: ج 1 ص 181.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الدين والقرض ح 3 ج 13 ص 91.
241

ما يبلغه بلده، ولو فضل أعاده، وقيل: منشئ السفر كذلك، وهو حسن مع
فقره إلى السفر ولا مال يبلغه، وإن كان له كفاية في الحضر، وقيل: ابن السبيل
هو الضيف إذا كان محتاجا في الحال وإن كان غنيا في بلده، رواه
الشيخان (1). ولو نوى المسافر إقامة عشرة خرج عن ابن السبيل عند الشيخ (2)،
ولم يخرج عند ابن إدريس (3)، ولو كان السفر معصية فلا استحقاق.
[65]
درس
يشترط فيهم إلا المؤلفة الإيمان، فلا تعطى المخالف وإن كان مستضعفا،
ولو في زكاة الفطرة على الأقرب، وتعطى أطفال المؤمنين وإن كان آباؤهم
فساقا دون أطفال غيرهم. وفي اشتراط العدالة أقوال ثالثها اشتراط مجانبة
الكبائر، وفي الساعي يعتبر إجماعا.
ولا تعطى واجب النفقة كالزوجة والولد، وفي رواية عمران القمي (4) يجوز
للولد، وفي رواية أخرى (5) يعطى ولد البنت، ويحملان على المندوبة. ولو أخذ
من غير المخاطب بالإنفاق فالأقرب جوازه، إلا الزوجة إلا مع إعسار الزوج
وفقرها. ويجوز للزوجة إعطاء زوجها، وإعطاء الزوجة المستمتع بها، وفي إعطاء
الناشز على القول بجواز إعطاء الفاسق تردد، أشبهه الجواز، أما المعقود عليها ولما
تبذل التمكين ففيها وجهان مرتبان وأولى بالمنع، ولو قلنا باستحقاقها النفقة فلا
إعطاء.

(1) المقنعة: ص 241، المبسوط: ج 1 ص 253.
(2) المبسوط: ج 1 ص 257.
(3) السرائر: ج 1 ص 458.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المستحقين للزكاة ح 3 ج 6 ص 167.
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المستحقين للزكاة ح 4 ج 6 ص 167.
242

ولا تعطى الهاشمي إلا من قبيله أو قصور الخمس، ويعطى التتمة لا غير
على الأقوى، ويقبل دعوى الفقر والعجز عن التكسب إلا مع علم الكذب، ولو
ادعى تلف ماله كلف البينة عند الشيخ (1)، ودعوى الغرم ما لم يكذبه
المستحق. ولا تعطى القن ولا المدبر ولا أم الولد من المالك ولا غيره.
ويعيد المخالف ما أعطاه لفريقه إذا استبصر، ولا يعيد عبادة فعلها سوى (2)
الزكاة. ولو ظهر الآخذ غير مستحق أجزأت مع الاجتهاد وإلا فلا، ولو أمكن
ارتجاعها أخذت، ولو ظهر عبده لم يجزئ، بخلاف ما لو ظهر واجب النفقة
كالزوجة، وفي الزوجة مع عدم إنفاقه عليها نظر، نعم لا يرتجع منها مع التلف ولو
قلنا بعدم الإجزاء. ولو دفع زيادة عن النفقة الواجبة ارتجعت إن أمكن وإلا
أجزأت.
ولو صرف الغارم والغازي وابن السبيل في غير سبب استحقاقه ارتجع،
ولا حجر على الباقين، ولو فضل عن الغرم أو السفر أعاده، بخلاف ما يفضل مع
الغازي، ولا يشترط فيه ولا في العامل الفقر، ويجوز الدفع إلى واجب النفقة
غازيا ومكاتبا وعاملا وابن السبيل ما زاد على النفقة في الحضر.
ويتخير الإمام بين الأجرة للعامل والجعل المعين، فلو قصر النصيب أتم له
الإمام من بيت المال، أو من سهم آخر إذا كان موصوفا بسبب ذلك السهم.
ويجوز أن يعطى جامع الأسباب بكل سبب، وإغناء الفقير لقول الباقر عليه
السلام (3): إذا أعطيته فأغنه، نعم لو تعدد الدفع حرم الزائد على مؤونة السنة،
والأفضل بسطها على الأصناف، ولو خص صنفا بل واحدا بها جاز.
ويستحب التفضيل بمرجح كالعقل والفقه والهجرة في الدين وترك السؤال

(1) المبسوط: ج 1 ص 247.
(2) في " م ": إلا.
(3) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب المستحقين للزكاة ح 4 ج 6 ص 179.
243

وشدة الحاجة والقرابة، وإعطاء زكاة الخف والظلف المتجمل، وباقي الزكوات
المدقع، والتوصل بها إلى من يستحيي من قبولها هدية، وروى محمد بن مسلم (1)
إن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطه، وإذا نوى بما أخرجه من ماله إعطاء
رجل معين فالأفضل إيصاله إليه، ولو عدل به إلى غيره جاز. ويكره جعل
الزكاة وقاية للمال، بل ينبغي أن تدفع إلى من لا يعتاد الإهداء إليه وبره من
غيرها.
وروى الوابشي (2) جواز شراء الأب من الزكاة، وروى عبيد بن زرارة (3)
جواز الإعتاق مطلقا مع عدم المستحق، فإن مات ولا وارث له فلأهل الزكاة
ميراثه، لأنه اشتري بمالهم، وفيه إيماء إلى أنه لو اشتري من سهم الرقاب لم يطرد
الحكم، لأنه اشتري بنصيبه لا بمال غيره فيرثه الإمام.
وروى أبو بصير (4) جواز التوسعة بالزكاة على عياله، وروى سماعة (5)
ذلك بعد أن يدفع منها شيئا إلى المستحق كل ذلك مع الحاجة، وروى علي بن
يقطين (6) في من مات وعليه زكاة وولده محاويج يدفعون إلى غيرهم منها شيئا
ويعودون بالباقي على أنفسهم.
وأقل ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأول من النقدين، إلا مع
الاجتماع والقصور، ولو كان الوكيل في دفعها من أهل السهمان فالمروي (7)

(1) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب المستحقين الزكاة ح 2 ج 6 ص 219.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 173.
(3) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 203.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المستحقين للزكاة ح 4 ج 6 ص 159.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 161.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2 ج 6 ص 168.
(7) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب المستحقين للزكاة ح 1 ج 6 ص 199.
244

جواز أخذه كواحد منهم، إلا أن يعين له قوما. ويكره إعادة الزكاة إلى ماله،
ولو عادت بملك قهري كالإرث فلا بأس، وكذا لو اضطر إليها.
[66]
درس
يجب دفع الزكاة عند وجوبها، ولا يجوز تأخيرها إلا لعذر كانتظار المستحق
وحضور المال فيضمن بالتأخير، وكذا الوكيل والوصي بالتفرقة لها أو لغيرها من
الحقوق المالية، وهل يأثم؟ الأقرب نعم، إلا أن ينتظر بها الأفضل أو التعميم،
وروي (1) جواز تأخيرها شهرا أو شهرين، وحمل على العذر.
ولا يجوز تقديمها على وقت الوجوب، وروي (2) جوازه بأربعة أشهر وبسبعة
أشهر وفي (3) أول السنة، وقال الحسن (4): يقدم من ثلث السنة، وحمل على
القرض، فيحتسب عند الوجوب بشرط بقائه على صفة الاستحقاق، ولو استغنى
بها احتسب (5) وأجزأت وإن لم ينتزعها منه ثم يعيدها إليه، ولو استغنى بغيرها
لم يجزئ وإن كان بنمائها أو ارتفاع قيمتها.
وللمالك ارتجاعها وإن كان باقيا على الاستحقاق، فيعطيها غيره أو يعطيه
غيرها أو يعطي غيره غيرها، ولو تم بها النصاب سقط الوجوب، خلافا
للشيخ (6) مع بقاء العين، ولا تعاد الزيادة المنفصلة ولا المتصلة على الأقرب، بل
له إعطاء القيمة يوم القبض، وقال الشيخ (7): تؤخذ منه الزيادة لأنه إنما

(1) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب المستحقين للزكاة ح 13 ج 6 ص 211.
(2) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب المستحقين للزكاة ح 13، 15 ج 6 ص 211.
(3) في " م " و " ز ": ومن.
(4) المختلف: ج 1 ص 188.
(5) في " م " و " ز ": احتسبت.
(6) المبسوط: ج 1 ص 229.
(7) المبسوط: ج 1 ص 229.
245

أقرضها زكاة فلا تملك، ولو كان القرض مثليا فمثله، فإن تعذر فقيمته يوم
التعذر.
ولو اقترضها غنيا أو فاسقا فصار عند الوجوب أهلا جاز الاحتساب. ولو
تسلف الساعي بإذن المستحق وهلكت فمن مال المستحق، بخلاف ما إذا كان
المالك هو الآذن فإنها من ماله، ولو أذنا قال الشيخ (1): تكون منهما.
ولو اختلفا في كونها زكاة أو قرضا تبع اللفظ، فإن اختلفا فيه حلف المالك
واستعادها، ولو قال: هذه صدقة ثم قال: أردت القرض، فالأقرب عدم
السماع، فإن ادعى علم القابض أحلفه، فإن نكل حلف المالك واستعادها.
ويجب دفع الزكاة إلى الإمام أو نائبه مع الطلب وإلا استحب، وفي الغيبة
إلى الفقيه المأمون وخصوصا الأموال الظاهرة، وأوجب المفيد (2) والحلبي (3)
حملها إلى الإمام فنائبه فالفقيه ابتداء. ومع الوجوب لو فرقها بنفسه فالأجود
عدم الإجزاء. ويجب على الإمام الدعاء لصاحبها عند الأخذ، وقيل: يستحب.
ولا يجوز نقلها مع وجود المستحق فيضمن، وقيل: يكره ويضمن، وقيل:
يجوز بشرط الضمان، وهو قوي، ولو عدم المستحق ونقلها لم يضمن، وأجرة
الاعتبار على المالك، ويجوز للمالك تفرقتها (4) بنفسه ونائبه.
وتجب النية عند الدفع إلى الوالي أو المستحق، مشتملة على الوجوب أو
الندب وكونها زكاة مال أو فطرة أو صدقة، ولا يشترط تعيين المال، ولا يفتقر
الساعي إلى نية أخرى عند الدفع إلى الفقراء، ولو نوى المالك بعد الدفع
فالأقرب الإجزاء مع بقاء العين أو تلفها وعلم القابض بعدم النية. ويجب على
الوكيل النية عند الدفع إلى المستحق، والأقرب وجوبها على الموكل عند الدفع

(1) المبسوط: ج 1 ص 228.
(2) المقنعة: ص 252.
(3) الكافي في الفقه: ص 172.
(4) في " ز " و " ق ": تفريقها.
246

إلى الوكيل، فإن فقدت إحداهما فالأقرب إجزاء نية الوكيل، وقال الشيخ (1)
لا يجزئ إلا نيتاهما.
ولو لم ينو المالك عند أخذ الإمام أو الساعي أو الفقيه أجزأت إن أخذت
كرها، ويجب عليهم النية عند الدفع إلى المستحق، ولو أخذت طوعا فوجهان
أقربهما الإجزاء إذا نوى الثلاثة.
ويجب فيها الجزم، فلو قال: هذا زكاة أو خمس أو فرض أو نفل، أو إن كان
مالي الغائب باقيا فهو زكاة أو نفل، لم يجزئ، ولو قال: إن لم يكن باقيا فنفل
أجزأ. ولو دفعها عن المال الغائب فبان تالفا، فالأقرب جواز صرفه إلى غيره مع
بقاء العين أو تلفها وعلم القابض بالحال.
[67]
درس
إذا قبض أحد الثلاثة الزكاة من المالك برئت ذمته ولو تلفت، بخلاف
ما لو قبضها الوكيل وكان قد تقدم تفريط من المالك فتلفت في يد الوكيل، ولو
عزلها المالك إما وجوبا عند إدراك الوفاة أو ندبا، فإن لم يكن تمكن (2) من
الإخراج فلا ضمان مع التلف، وإلا ضمن.
ولو عين المالية أو الفطرة في مال تعين مع عدم المستحق، والأقرب التعيين
مع وجوده، فليس له إبداله في الموضعين في وجه، نعم لو نما كان له. وروى
الكليني (3) عن الباقر عليه السلام: أنه لو أتجر بها تبعها ربحها، ولو أتجر بماله
ولما يعزلها فلها بقسطها ولا وضيعة عليها. ولو كان (4) غائبا عنه ضمن بنقله

(1) المبسوط: ج 1 ص 233.
(2) في " م ": لم يتمكن.
(3) الكافي: ب 43 من كتاب الزكاة ح 2 ج 4 ص 60.
(4) في باقي النسخ: كان المال.
247

إلى بلد آخر.
ويستحب صرف الفطرة في بلده والمالية في بلدها، وصرف صدقة البوادي
على أهلها والحاضرة على أهلها، ووسم النعم في القوي الظاهر، كالفخذ في
الإبل والبقر، وأصول الآذان في الغنم، ويكتب في الميسم اسم الله وأنها زكاة أو
صدقة أو جزية.
ويجب على الإمام بعث عامل إلى كل بلد، ويراعى فيه البلوغ والعقل
والإيمان والعدالة والفقه في الزكاة، وأن لا يكون هاشميا ولا عبدا على الأقوى،
ولو كان مكاتبا فالأقرب الإجزاء، ولو تولى الهاشمي العمالة على قبيله احتمل
الجواز، وكذا لو تطوع بها بغير سهم.
ولو فرقها الإمام أو الفقيه سقط سهم العامل، وكذا لو فرقها المالك بنفسه
على الأصناف، وتسقط مع الغيبة أيضا إلا مع تمكن الفقيه من نصبه، وسهم
المؤلفة إلا مع وجوب الجهاد، ولا يسقط سهم سبيل الله، ولو قصرناه على الجهاد
كان تابعا له. ويجوز الدفع إلى موالي الهاشميين، وكرهه ابن الجنيد (1)، وإلى بني
المطلب خلافا للمفيد (2).
[68]
درس
تجب زكاة الفطرة عند هلال شوال على البالغ العاقل الحر غير المغمى عليه
المالك أحد نصب الزكاة أو قوت سنته على الأقوى، ولا تجب على الفقير خلافا
لابن الجنيد (3)، وتجب على المكتسب قوت سنته إذا فضل عنه صاع.
ويجب إخراجها عن عياله، وجبت نفقتهم كالزوجة والعمودين والرقيق، أو

(1) المختلف: ج 1 ص 184.
(2) المقنعة: ص 243.
(3) المختلف: ج 1 ص 193.
248

استحبت كالقريب والضيف ولو كان كافرا. ولو أبق العبد فالوجوب باق ما لم
يعلم موته أو يعله مكلف بالفطرة، ولو كانت الزوجة صغيرة أو غير ممكنة أو
ناشزا أو مستمتعا بها فلا وجوب على الزوج خلافا لابن إدريس (1)، ولو أعسر
الزوج فالأقرب الوجوب عليها مع يسارها، ولو أيسر الصغير فلا زكاة إلا أن
يعوله الأب تبرعا، وأوجبها الشيخ (2) على الأب.
وتجب فطرة خادم الزوجة والولد والأب مع الزمانة، ولو غصب العبد وعاله
الغاصب وجبت عليه، وإلا فعلى المالك، إلا أن تجعل الزكاة تابعة للعيلولة،
ولو تبعضت الحرية وجبت بالنسبة، وللشيخ (3) قول بعدم الوجوب عليهما، وتجب
عن المكاتب المشروط خلافا لابن البراج (4)، لا عن المطلق إلا مع العيلولة، وفي
مرفوعة محمد بن يحيى (5) تجب عن المكاتب وما أغلق عليه بابه.
فروع خمسة:
الأول: لو مات المولى قبل الهلال وعليه دين مستوعب فلا زكاة في رقيقه
عند الشيخ (6)، بناء على أن التركة لم تنتقل إلى الوارث.
الثاني: لو أوصي له بعبد وقبل بعد الهلال، وجبت زكاته على القابل إذا
كانت الوفاة قبل الهلال، وفي المبسوط (7): لا زكاة على أحد.

(1) السرائر: ج 1 ص 466.
(2) المبسوط: ج 1 ص 239.
(3) المبسوط: ج 1 ص 240.
(4) نقله العلامة عن الكامل لابن البراج في المختلف: ج 1 ص 194.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح 9 ج 6 ص 229.
(6) المبسوط: ج 1 ص 240.
(7) المبسوط ج 1 ص 240.
249

الثالث: لو وهب له عبدا فقبله وتأخر القبض عن الهلال بني على ملك
الموهوب، والمشهور أنه بالقبض، ولو مات المتهب بعد القبول وقبل القبض،
فعلى اشتراط القبض تبطل الهبة، وعلى عدمه يقبض الوارث.
الرابع: فطرة العبد في خيار الثلاثة على المشتري، وفي الخلاف (1): على
البائع لأنه لو تلف كان منه.
الخامس: فطرة المشترك على ملاكه بالنسبة، وقيل: لا فطرة فيه.
ويستحب للفقير إخراجها ولو بصاع، يديره على عياله بنية الفطرة من كل
واحد، ثم يتصدق به على غيرهم. ولو ملك عبدا أو ولد له أو تزوج بعد الهلال
استحبت إلى صلاة العيد، والمراد بالهلال دخول شوال.
ويكفي في الضيف أن يكون عنده في آخر جزء من رمضان متصلا بشوال،
سمعناه مذاكرة، والأقرب أنه لا بد من الإفطار عنده في شهر رمضان ولو ليلة،
وقيل: عشره الأخير أو نصفه بل كله.
ووقتها يمتد إلى زوال الشمس يوم الفطر. ولا يقدم على شوال، والمشهور
جوازها من أول شهر رمضان، والأولى جعلها قرضا واحتسابها في الوقت، وقال
المرتضى (2) والمفيد (3): وقتها طلوع الفجر من يوم الفطر إلى قبل صلاة العيد،
واختاره الشاميون الثلاثة (4)، والاجماع على أن إخراجها يوم الفطر قبل الصلاة
أفضل. ولو خرج وقتها فالأقرب وجوب قضائها سواء عزلها أو لا، وقال ابن
إدريس (5): تكون أداء.

(1) الخلاف: ج 1 ص 329.
(2) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 80.
(3) المقنعة: ص 249.
(4) الكافي في الفقه: ص 169، والمهذب: ج 1 ص 176، والغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 507.
(5) السرائر: ج 1 ص 470.
250

والواجب صاع وزنه ألف درهم ومائة وسبعون درهما شرعية من القوت
الغالب، وأكثر الأصحاب حصروه في السبعة: التمر والزبيب والحنطة والشعير
والأرز والأقط واللبن، والأقرب أنه للفضيلة، وأفضله التمر ثم الزبيب ثم القوت
الغالب، وفي الخلاف (1): المستحب القوت الغالب، وقال سلار (2): أعلاها
قيمة. وتجزئ القيمة بسعر الوقت، وروي (3) درهم في الغلاء والرخص،
وروي (4) ثلثاه في الرخص.
فروع:
الدقيق (5) والسويق والخبز ليست أصولا، وكذا الرطب والعنب، وفيها
نظر، وقال ابن إدريس (6): الخبز أصل.
الثاني: لا يجزئ المعيب ولا غير المصفى إلا بالقيمة.
الثالث: لو أخرج نصف صاع أعلى قيمة يساوي صاعا أدنى (7) ففي إجزائه
تردد، وقطع بالإجزاء في المختلف (8).
الرابع: لو أخرج صاعا من جنسين أو أجناس فالأقرب المنع، سواء كان
عن عبد مشترك من اثنين مختلفي القوت أو لا.
ومصرفها المالية، ويستحب اختصاص القرابة والجيران مع الصفات، وأن
لا يعطى المستحق أقل من صاع مع الإمكان.

(1) الخلاف: ج 1 ص 333.
(2) المراسم: ص 135.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب زكاة الفطرة ح 14 ج 6 ص 242.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب زكاة الفطرة ح 14 ج 6 ص 242.
(5) في " ق ": الأول: الدقيق.
(6) السرائر: ج 1 ص 469.
(7) في " ز ": أدون.
(8) المختلف: ج 1 ص 199.
251

كتاب الصدقة
253

كتاب الصدقة
وهي العطية المتبرع بها بالأصالة من غير نصاب للقربة، قال الله تعالى (1):
" وما تنفقوا من خير يوف إليكم "، وقال النبي صلى الله عليه وآله (2):
الصدقة تدفع ميتة السوء، وقال عليه السلام (3): إن الله ليدفع بالصدقة الداء
والدبيلة والحرق والغرق والهدم والجنون إلى أن عد سبعين بابا من السوء، وقال
الصادق عليه السلام (4): المعروف شئ سوى الزكاة فتقربوا إلى الله بالبر
وصلة الرحم، وقال علي عليه السلام (5): كانوا يرون أن الصدقة يدفع بها عن
الرجل الظلوم، وقال الباقر عليه السلام (6): صنائع المعروف تدفع مصارع
السوء، وقال النبي صلى الله عليه وآله (7): الصدقة بعشرة والقرض بثمانية
عشر وصلة الإخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين، وقال الصادق عليه

(1) سورة البقرة: الآية 272.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الصدقة ح 2 ج 6 ص 255.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الصدقة ح 1 ج 6 ص 268، وفيه: " وعد سبعين ".
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 13 ج 6 ص 31.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الصدقة ح 2 ج 6 ص 268.
(6) الكافي: ب 23 من كتاب الزكاة ح 3 ج 4 ص 29.
(7) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الصدقة ح 2 ج 6 ص 286.
254

السلام (1): داووا مرضاكم بالصدقة وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق
بالصدقة، وهي تقع في يد الرب قبل أن تقع في يد العبد.
ويستحب للمريض أن يعطي السائل بيده ويؤمر بالدعاء له، والصدقة عن
الولد ويستحب بيده، والتبكير بالصدقة لدفع شر يومه، وكذا في أول الليل
للحاضر والمسافر. ويكره رد السائل ولو كان على فرس وخصوصا ليلا، وثواب
إطعام الهوام والحيتان عظيم. والصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة وتزيد
المال، وأن التوسعة على العيال من أعظم الصدقات، ويستحب زيادة الوقود
لهم في الشتاء.
وتجوز على الذمي وإن كان أجنبيا، وعلى المخالف إلا الناصب، ومنع
الحسن (2) من الصدقة على غير الذمي (3) ولو كانت ندبا، وفي رواية (4) في
المجهول حاله اعط من وقعت له الرحمة في قلبك، وأكثر ما يعطى ثلثا درهم،
وإعطاء السائل ولو ظلفا محترقا أو تمرة أو شقها وإكثارها أفضل، ولو كثر
السؤال أعطى ثلاثة وتخير في الزائد، وليؤمر السائل بالدعاء ولو كان كافرا،
والوكيل في الصدقة أحد المتصدقين ولو تعدد.
وأفضل الصدقة جهد المقل وهو الإيثار، وروي (5) أفضل الصدقة عن ظهر
غنى، والجمع بينهما أن الإيثار على نفسه مستحب بخلافه على عياله. ويستحب
الصدقة (6) بالمحبوب وتكره بالخبيث، والضيافة من أفضل الصدقة، وكذا سقي
الماء، والحج عن الميت وخصوصا الرحم، وبذل الجاه، والكلمة اللينة،

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الصدقة ح 1 ج 6 ص 260.
(2) المختلف 6 ج 1 ص 201.
(3) في " م " و " ق ": المؤمن.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الصدقة ح 4 ج 6 ص 288.
(5) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب الصدقة ح 2 ج 6 ص 322.
(6) في " ز " الصدقة على عياله.
255

والصدقة على الرحم والعلماء والأموات وذرية رسول الله صلى الله عليه وآله
ليكافئه ويشفع له، وإنظار المعسر، والاهداء إلى الإخوان، والبدأة بها قبل
السؤال، وتعجيلها وتصغيرها وسترها، ويجب شكر المنعم بها ويحرم كفرانها.
ويكره أن يتصدق بجميع ماله إلا مع وثوقه بالصبر ولا عيال له، وصدقة
المديون بالمجحف، والصدقة مع التضرر بها والمن بها، والسؤال لغير الله، فمن فتح
باب مسألة فتح الله عليه باب فقر، وقال زين العابدين عليه السلام (1): من
سأل من غير حاجة اضطر إلى السؤال من حاجة، وإظهار الحاجة وشكاية
الفقر، ولو اضطر إلى المسألة فلا كراهة.
وتملك بالإيجاب والقبول والقبض وإن كان بالفعل، ولا بد فيها من نية
القربة، ولا يصح الرجوع فيها بعد القبض لرحم كانت أو لأجنبي، وجوز الشيخ
الرجوع فيها وهو بعيد. والصدقة سرا أفضل، إلا أن يتهم بترك المواساة أو
يقصد اقتداء غيره به، أما الواجبة فإظهارها أفضل مطلقا.

(1) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الصدقة ح 2 ج 6 ص 305.
256

كتاب الخمس
257

كتاب الخمس
وهو حق يثبت في الغنائم لبني هاشم بالأصالة عوضا من الزكاة، ويجب في
سبعة: الأول: ما غنم من دار الحرب على الإطلاق، إلا ما غنم بغير إذن الإمام
فله، أو سرق أو أخذ غيلة فلآخذه، وما يملك من أموال البغاة غنيمة، وكذا
فداء المشركين وما صولحوا عليه، وألحق ابن الجنيد (1) الجزية وعشور أهل
الحرب.
الثاني: جميع المكاسب من تجارة وصناعة وزراعة وغرس، بعد مؤونة
السنة له ولعياله الواجبي النفقة والضيف وشبهه، ولو عال مستحب النفقة اعتبر
مؤونته، ولو أسرف حسب عليه، ولو قتر حسب له. ورخص ابن الجنيد (2) في
ترك خمس المكاسب، وأضاف الحلبي (3) الميراث والهبة والهدية والصدقة، ومنعه
ابن إدريس (4)، وهو ظاهر ابن الجنيد (5)، وأضاف الشيخ (6) العسل الجبلي

(1) المختلف: ج 1 ص 180.
(2) المختلف: ج 1 ص 202.
(3) الكافي في الفقه: ص 170.
(4) السرائر: ج 1 ص 490.
(5) المختلف: ج 1 ص 202.
(6) المبسوط: ج 1 ص 237.
258

والمن، وأضاف الفاضلان (1) الصمغ وشبهه.
ولا يتوقف الوجوب على الحول خلافا لابن إدريس (2)، نعم يجوز تأخيره
احتياطا للمكلف، ولا يعتبر الحول في كل تكسب، بل يبتدئ الحول من حين
الشروع في التكسب بأنواعه، فإذا تم خمس ما فضل، ولو ملك قبل الحول
ما يزيد على المؤونة دفعة أو دفعات تخير في التعجيل والتأخير. ومؤونة الحج
لا خمس فيها، نعم لو اجتمعت من فضلات أو لم يصادف سير الرفقة الحول
وجب الخمس، والأقرب أن الحول هنا تام فلا يجزئ الطعن في الثاني عشر.
والمؤونة مأخوذة من تلاد المال في وجه، ومن طارفه في وجه، ومنهما بالنسبة
في وجه، ولا يجبر ما تلف من التلاد بالطارف، ويجبر خسران التجارة والصناعة
والزراعة بالربح في الحول الواحد، والدين المقدم أو المقارن للحول مع الحاجة
إليه من المؤونة. ولو وهب المال في أثناء الحول أو اشترى بغبن حيلة لم يسقط
ما وجب.
الثالث: الحلال المختلط بالحرام ولا يعلم صاحبه ولا قدره، ولم يذكره جماعة
من الأصحاب، ولو علم صاحبه صالحه، ولو علم قدره تصدق به، ولو كان
الخليط مما يجب فيه الخمس ففي تعدده نظر، ولو علم زيادته على الخمس خمسه
وتصدق بالزائد في ظنه.
الرابع: أرض الذمي إذا اشتراها من مسلم وإن لم يكن في أصلها الخمس،
إما من رقبتها أو من ارتفاعها. والنية هنا غير معتبرة من الذمي، وفي وجوبها على
الإمام أو الحاكم نظر، أقربه الوجوب عنهما لا عنه عند الأخذ والدفع. وهذه

(1) المختلف: ج 1 ص 203، ولم يصرح المحقق في كتبه الثلاثة الموجودة لدينا بالصمغ نعم قال في المعتبر
ص 292: أو المائعة كالنفط والقار والكبريت ولعله يقصد من هذه شبه الصمغ.
(2) السرائر: ج 1 ص 489.
259

الأربعة لا نصاب لها، بل يجب فيها وإن قلت، ويظهر من المفيد (1) في الغرية (2)
اعتبار عشرين دينارا في الغنيمة.
الخامس: الكنز والركاز إذا وجد في دار الحرب مطلقا أو في دار الإسلام
ولا أثر له، ولو كان عليه أثر الإسلام فلقطة خلافا للخلاف (3). ولو وجده في
ملك مبتاع عرفه البائع ومن قبله، فإن لم يعرفه فلقطة أو ركاز بحسب أثر
الإسلام وعدمه، والظاهر أن مجرد قول المعرف كاف بلا بينة ولا يمين
ولا وصف، نعم لو تداعياه كان لذي اليد بيمينه، ولو كان مستأجرا فقولان
للشيخ (4).
ولا فرق في الركاز بين أصناف الأموال، ولا بين الواجدين حتى العبد
والكافر والصبي، ولا يسقط الخمس بكتمانه، ونصابه عشرون دينارا عينا أو
قيمة بعد المؤونة، ولا يعتبر فيه نصاب ثان ولا حول.
السادس: المعادن على اختلاف أنواعها حتى المغرة والجص والنورة وطين
الغسل والعلاج وحجارة الرحى والملح والكبريت، ونصابه عشرون دينارا في
صحيح البزنطي (5) عن الرضا عليه السلام، واعتبر الحلبي (6) دينارا لرواية (7)
قاصرة، والأكثر لم يعتبروا نصابا، وكل ذلك بعد مؤونة الإخراج والتصفية.
ولا فرق بين أن يكون الإخراج دفعة أو دفعات كالكنز وإن تعددت بقاعها
وأنواعها، ولا بين كون (8) المخرج مسلما أو كافرا بإذن الإمام أو صبيا أو عبدا،

(1) المختلف: ج 1 ص 203.
(2) في " ز ": العزية.
(3) الخلاف: ج 1 ص 322.
(4) المبسوط: ج 1 ص 237.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 1 ج 6 ص 344 و ح 2 ب 5 ص 340.
(6) الكافي في الفقه ص 170.
(7) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح 5 ج 6 ص 343.
(8) في " ق ": أن يكون.
260

ولو اتجر بالمعدن أو الكنز خمس ربحهما بعد المؤونة.
السابع: كل ما أخرج بالغوص إذا بلغ قيمته دينارا دفعة أو دفعات أعرض
أولا (1)، وكذا العنبر المأخوذ بالغوص، فلو (2) كان بغير غوص فالأقرب أنه
معدن. وصيد البحر يلحق بالمكاسب على الأصح، وفي قول لا خمس فيه، وفي
وجه من الغوص، وألحق ابن الجنيد (3) النفل من الغنائم، وقال الشيخ (4):
لا خمس فيه.
[69]
درس
مستحق الخمس الإمام عليه السلام واليتامى والمساكين وأبناء السبيل من
الهاشميين بالأب، فهو بينه وبينهم نصفين، وفي رواية ربعي (5) له خمس
الخمس والباقي لهم، وفي أخرى (6) له الثلث، وظاهر ابن الجنيد (7) أن سهم الله
يليه الإمام، وسهم الرسول صلى الله عليه وآله للأقرب إليه، وسهم ذوي
القربى لهم، ونصف الخمس للثلاثة الباقية من المسلمين بعد كفاية أولي القربى
ومواليهم المعتقين، وهو شاذ، وأعطى المرتضى (8) المنسوب بأمه، والمفيد (9) وابن
الجنيد (10) بني المطلب.

(1) في باقي النسخ: أعرض أولا أو لا.
(2) في " ق ": وإن، وفي " م " و " ز ": ولو.
(3) المختلف: ج 1 ص 203.
(4) المبسوط: ج 2 ص 68.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب قسمة الخمس ح 3 ج 6 ص 356.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب قسمة الخمس ح 8 ج 6 ص 358.
(7) المختلف 6 ج 1 ص 204.
(8) المختلف: ج 1 ص 205.
(9) نفس المصدر السابق. ذكر قوله في رسالته الغرية.
(10) المختلف: ج 1 ص 204.
261

ويعتبر في الأصناف الإيمان لا العدالة على الأقوى، وفي المسكين وابن
السبيل ما مر، وفي اعتبار فقر اليتيم نظر، ولم يعتبره الشيخ (1) وابن إدريس (2)،
وكذا في اعتبار تعميم الأصناف، وأما (3) الأشخاص فيعم الحاضر.
ولا يجوز النقل إلى بلد آخر إلا مع عدم المستحق كالزكاة، ومع وجود الإمام
يصرف الكل إليه، فيعطي الجميع كفايتهم والفاضل له والمعوز عليه، وأنكره
ابن إدريس (4).
وفي غيبته قيل: يدفن أو يسقط أو يصرف إلى الذرية وفقراء الإمامية
مستحبا أو يوصى به، والأقرب صرف نصيب الأصناف عليهم، والتخيير في
نصيب الإمام بين الدفن والايصاء وصلة الأصناف مع الإعواز بإذن نائب
الغيبة، وهو الفقيه العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى، فيجب بسطه عليهم
ما استطاع بحسب حاجتهم وغرمهم ومهور نسائهم، فإن فضل عن الموجودين في
بلده فله حمله إلى بلد آخر، وفي وجوبه نظر، والأقرب أن له الحمل مع وجود
المستحق لطلب المساواة بين المستحقين، وهم أولاد أبي طالب والعباس
والحارث وأبي لهب.
وينبغي توفير الطالبيين على غيرهم، وولد فاطمة عليها السلام على الباقين،
ولا يتجاوز بالإعطاء مؤونة السنة وقضاء الدين، ويجوز المقاصة بالخمس للحي
والميت على الأقوى، لأن جهة الغرم أقوى من جهة المسكنة والتكفين به.
ومصرف المختلط بالحرام والمعدن والركاز مصرف الباقي لا مصرف الزكاة.
والأنفال للإمام عليه السلام، وهي الأرض التي باد أهلها أو انجلوا عنها أو

(1) المبسوط: ج 1 ص 262.
(2) السرائر: ج 1 ص 496.
(3) في باقي النسخ: أما.
(4) السرائر: ج 1 ص 492.
262

سلموها بغير قتال، ومنها البحرين في رواية محمد بن مسلم (1)، والمفاوز، وموات
الأرض، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية وما يكون بها (2)، والآجام، وصفايا
ملوك الكفر وقطائعهم غير المغصوبة من مسلم أو مسالم، وصفايا الغنائم كالأمة
الرائقة، والفرس الجواد، والثوب الفاخر، والسيف القاطع، والدرع، وميراث
الحشري وإن كان كافرا، وغنيمة من غزا بغير إذنه في رواية العباس (3) المرسلة
عن الصادق عليه السلام. ولا يجوز التصرف في حقه بغير إذنه.
وفي الغيبة تحل المناكح كالأمة المسبية ولا يجب إخراج خمسها، وليس من
باب التحليل، بل تمليك للحصة أو للجميع من الإمام عليه السلام. والأقرب
أن مهور النساء من المباح وإن تعددن لرواية سالم (4)، ما لم يؤد إلى الإسراف
كإكثار التزويج والتفريق. وتحل المساكن إما من المختص بالإمام كالتي انجلى
عنها الكفار، أو من الأرباح بمعنى أنه يستثنى من الأرباح مسكن فما زاد مع
الحاجة.
وأما المتاجر فعند ابن الجنيد (5) على العموم لرواية يونس بن يعقوب (6)،
وعند ابن إدريس (7) أن يشتري متعلق الخمس ممن لا يخمس، فلا (8) يجب
عليه إخراج الخمس، إلا أن يتجر فيه ويربح.

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأنفال ح 7 ج 6 ص 367.
(2) في " ق ": فيها.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الأنفال ح 16 ج 6 ص 369.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأنفال ح 4 ج 6 ص 379.
(5) المختلف: ج 1 ص 202.
(6) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأنفال ح 6 ج 6 ص 380.
(7) السرائر: ج 1 ص 498.
(8) في " م " و " ق ": ولا.
263

والأشبه تعميم إباحة الأنفال حال الغيبة كالتصرف في الأرضين الموات
والآجام وما يكون بها من معدن وشجر ونبات، لفحوى رواية يونس (1)
والحارث (2)، نعم لا يباح الميراث إلا لفقراء بلد الميت. وأما المعادن فالأشهر أن
الناس فيها شرع، وجعلها المفيد (3) وسلار (4) من الأنفال وكذا البحار.

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأنفال ح 17 ج 6 ص 384.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأنفال ح 14، ج 6 ص 383.
(3) المقنعة: ص 278.
(4) المراسم: ص 140.
264

كتاب الصوم
265

كتاب الصوم
وهو توطين النفس لله على ترك الثمانية: الأكل والشرب المعتاد (1) وغيره،
والجماع قبلا أو دبرا لآدمي وغيره على الأقرب، والاستمناء، وإيصال الغبار
الغليظ إلى الحلق، والبقاء على الجنابة مع علمه ليلا، والحقنة بالمائع،
والارتماس على الأقوى، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، من
المكلف أو المميز المسلم الخالي عن السفر والمرض والحيض والنفاس والجنابة
على وجه والاغماء والسكر وطول النوم.
فيشترط نية الوجوب أو الندب والقربة ليلا، أو نهارا للناسي إلى زوال
الشمس، وكذا الجاهل بوجوب ذلك اليوم، أو من تجدد له العزم على صوم غير
معين زمانه (2) كالقضاء أو النفل، والأقرب امتداد النفل بامتداد النهار
لا الفرض خلافا لابن الجنيد (3)، وفي التهذيب (4) روايتان بجواز نية القضاء بعد
الزوال.

(1) في " م " و " ق ": للمعتاد.
(2) في " ق ": صوم زمان غير معين.
(3) المختلف: ج 1 ص 212.
(4) تهذيب الأحكام: ب 44 من كتاب الصيام ح 529 - 530 ج 4 ص 188.
266

ويشترط فيما عدا شهر رمضان تعيين سبب الصوم وإن كان نذرا معينا
وشبهه على الأقوى، وفي المبسوط (1) فسر نية القربة بأن ينوي صوم شهر رمضان،
ولا ريب أنه أفضل، وكذا الأفضل أن ينوي الأداء، ولا يجب تجديدها بعد
الأكل أو النوم أو الجنابة على الأقوى سواء عرضت ليلا أو نهارا بالاحتلام.
وتتعدد النية بتعدد الأيام في غير شهر رمضان إجماعا، وفيه قولان أجودهما
التعدد، ولو تقدمت عليه في شعبان لم يجزئ على الأقوى. ويشترط الجزم مع
علم اليوم، وفي يوم الشك بالمترددة قول قوي.
ويجب استمرارها حكما، فلو نوى الإفطار في الأثناء أو ارتد ثم عاد
فالمشهور الإجزاء وإن أثم، وكذا لو كره الامتناع عن المفطرات يأثم ولا يبطل،
أما الشهوة لها مع بقاء إرادة الامتناع أو الاستمرار عليها حكما فلا إثم. ولو تردد
في الإفطار أو في كراهة الامتناع فوجهان مرتبان على الجزم وأولى بالصحة هنا،
والوجه الإفساد في الجميع.
ولو نوى إفطار غد ثم جدد قبل الزوال فوجهان مرتبان وأولى بالإبطال، ولو
نوى الندب فظهر الوجوب جدد نية الوجوب وأجزأ وإن كان بعد الزوال، وكذا
لو نوى الوجوب عن سبب فظهر استحقاق صوم اليوم بغيره جدد التعيين، وهنا
يجب التعيين في رمضان.
فروع (2):
لو عدل من فرض إلى فرض لم يجز مع تعيين الزمان للأول، ولو صلح
الزمان لهما فالأقرب المنع أيضا، ولو كان بعد الزوال في قضاء رمضان لم يجز

(1) المبسوط: ج 1 ص 276.
(2) هذه الكلمة غير موجودة في " م " بل قال: ولو.
267

قطعا. ولو عدل من فرض غير معين (1) إلى نفل (2) فوجهان مرتبان وأولى بالمنع،
ويجوز العدول من نفل إلى نفل ما دام محل النية باقيا.
ويتأدى رمضان بنية النفل مع عدم علمه، والأقرب سريانه في غيره من
الواجبات المعينة، ويتأدى رمضان وكل معين بنية الفرض وغيره بطريق الأولى،
وفي تأدي رمضان بنية غيره فرضا أو نفلا مع علمه قولان أقربهما المنع،
وينسحبان في المعين غيره لو نوى فيه غيره، ولا يجزئ عما نواه في الموضعين
إجماعا.
ويتأدى قضاء رمضان بنية أدائه في الجاهل بالشهور، ولو ظهر سبق صومه
على رمضان لم يجزئ، وحكم المعين كذلك، ويجب على هذا في كل سنة شهر
بحسب ظنه، ولو فقد الظن تخير، ويجعله هلاليا إن أمكن وإلا عدديا، فلو ظهر
نقص الهلالي عن رمضان قضى يوما.
ويتحرى أيضا ناذر الدهر لو تحير، فيحدث نية التعيين لرمضان، ولو قيده
بالسفر وسافر لم يتحر في إفطاره ولا إفطار العيدين، ويجزئ التحري في كل صوم
متعين. ولا يجب في النية المقارنة لطلوع الفجر وإن كان جائزا، وظاهر كلام
المفيد (3) والحسن (4) منعه.
[70]
درس
لا يجب الصوم على الصبي وإن أطاق، نعم يمرن عليه لسبع، ويشدد عليه
لتسع، ويكون صوما شرعيا بمعنى استحقاق الثواب ودخوله في اسم الصائم، ولو
أطاق بعض النهار فعل، وقيل: إنما يؤمر إذا أطاق ثلاثة أيام تباعا. ولو بلغ في

(1) في باقي النسخ: متعين.
(2) في " م " و " ز ": النفل.
(3) المقنعة: ص 302.
(4) المختلف: ج 1 ص 211.
268

أثناء النهار أمسك مستحبا إن كان لم يتناول، وفي الخلاف (1): يجب، وتأديبا
إن تناول، ولو شك في البلوغ فلا وجوب، ولو ظن أنه يمني بالجماع لم يجب
التعرض له. ولو وجد على ثوبه المختص منيا فالأقرب البلوغ مع إمكانه، ولو
كان مشتركا فلا، ولو اشترك بين صبيين فأحدهما بالغ فالأولى تعبدهما.
ولا يجب على المجنون، ويسقط بعروضه وإن كان بسبب المكلف،
ولا تمرين في حقه. ولا على المغمى عليه، ولا يقضي بسبق النية وإفطاره
ومداواته بالمفطر خلافا للمبسوط (2)، وقال المفيد رحمه الله (3): يقضي ما لم ينو
قبل الإغماء فيجزئ. ولا يصح من السكران وإن وجب عليه.
والنائم بحكم الصائم مع سبق النية أو انتباهه قبل الزوال وتجديدها، ولو
نام أياما قضى ما لم ينو له، وفي المبسوط (4): يصح كلها مع سبق النية، بناء على
إجزاء النية للأيام. والكافر يجب عليه ولا يصح منه إلا ما أدرك فجره مسلما،
وفي المبسوط (5): لو أسلم قبل الزوال أمسك، ورواية العيص (6) تدفعه، ولو ارتد
المسلم في الأثناء فالوجه فساد الصوم وإن عاد خلافا للمبسوط (7) والمعتبر (8).
ولا على المسافر حيث يجب القصر، ولا يصح منه صوم رمضان وإن نذره،
ولو صام رمضان ندبا أو كان عليه صوم شهر مقيد بالسفر فصامه عنه، فظاهر

(1) الخلاف: ج 1 ص 354.
(2) المبسوط: ج 1 ص 266.
(3) المقنعة: ص 352.
(4) المبسوط: ج 1 ص 276، 285.
(5) المبسوط: ج 1 ص 286.
(6) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 238.
(7) المبسوط: ج 1 ص 266.
(8) المعتبر: ص 313.
269

الشيخ (1) الجواز ومنعه الفاضلان (2).
ولا يصح في السفر غيره من الواجبات إلا ثلاثة الهدي، وثمانية عشر البدنة
للمفيض من عرفات، والنذر المقيد بالسفر، وجوز المرتضى (3) صحة صوم
المعين إذا وافق السفر، وبه روايتان (4)، وابنا بابويه (5) جزاء الصيد،
والمفيد (6) ما عدا رمضان في فحوى كلامه، والكل متروك. والأقرب كراهة
الندب سفرا إلا ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة، وألحق المفيد (7) المشاهد، وابنا
بابويه (8) وابن إدريس (9) الاعتكاف في المساجد الأربعة.
وإنما يفطر إذا خرج قبل الزوال على الأقرب بيت النية أو لا، ويفطر
المسافر للنزهة خلافا للحسن (10) حيث أوجب الصوم والقضاء. ولا يحرم السفر
على من شهد الشهر حاضرا خلافا للحلبي (11) نعم يكره إلى ثلاث وعشرين.
ولو قدم قبل الزوال ولم يتناول أمسك واجبا وإلا تأديبا، ولو علم القدوم
قبل الزوال تخير في الإفطار والإمساك، وهو أفضل لرواية رفاعة (12)، وهو تخيير (13)

(1) المبسوط: ج 1 ص 277.
(2) منتهى المطلب: ج 2 ص 557، المعتبر: ص 298.
(3) الإنتصار: ص 67.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب من يصح منه الصوم ح 4 و 5 ج 7 ص 144.
(5) المختلف: ج 1 ص 229، المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 17.
(6) المقنعة: ص 349.
(7) المقنعة: ص 350.
(8) المختلف: ج 1 ص 230، المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 17.
(9) السرائر: ج 1 ص 394.
(10) المختلف: ج 1 ص 233.
(11) الكافي في الفقه: ص 182.
(12) وسائل الشيعة ب 6 من أبواب من يصح منه الصوم ح 2 ج 7 ص 135.
(13) في " ز ": تخير.
270

في صوم رمضان تابع لسببه، كما يتخير المسافر بين نية المقام وعدمه فيتبعه
الصوم. والقدوم يحصل برؤية الجدار أو سماع الأذان.
ولا يحرم الجماع على المسافر خلافا للنهاية (1)، وحرمه الحلبي (2) على كل
مفطر إلا مع الضرورة، وكذا التملي من الطعام والشراب والوجه الكراهة.
ولا على المريض المتضرر به بحسب وجدانه أو ظنه بقول عارف، ولو صام لم
يجزئه ولو كان جاهلا على إشكال، لرواية عقبة (3) في إجزاء صيام المريض،
فتحمل على الجاهل أو على من لا يضره، وبرؤه كقدوم المسافر.
ولا على الحائض والنفساء ولو في جزء من النهار، ولو زال في الأثناء
استحب الإمساك، ولو طهرت ليلا فتركت الغسل قضت ولا كفارة على
الأقرب. ويصح من المستحاضة إذا اغتسلت غسلي النهار، فلو تركت
فكالحائض، ومن الجنب إذا لم يتمكن من الغسل، والأقرب وجوب التيمم،
ولو تمكن ليلا وتعمد البقاء فسد، وكذا لو نام غير ناو للغسل أو عاود النوم بعد
انتباهة فصاعدا، ولو أصبح جنبا ولما يعلم انعقد المعين خاصة، وفي الكفارة
وما وجب تتابعه وجهان.
وإن كان نفلا ففي رواية ابن بكير (4) صحته وإن علم بالجنابة ليلا، وفي
رواية كليب (5) إطلاق الصحة إذا اغتسل، وتحمل على المعين أو الندب، للنهي
عن قضاء الجنب في رواية ابن سنان (6). ولو احتلم نهارا لم يفسد مطلقا. ولو

(1) النهاية: ص 162.
(2) الكافي في الفقه: ص 182.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب من يصح منه الصوم ح 2 ج 7 ص 160.
(4) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2 ج 7 ص 47.
(5) لم نعثر عليه كما في الجواهر: ج 16 ص 243 وراجع الحدائق: ج 13 ص 122 - 123 والتعليقة عليه.
(6) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 - 2 ج 7 ص 46.
271

نسي الغسل فالوجه وجوب قضاء الصوم كالصلاة.
ويجب القضاء على كل تارك مع تكليفه وإسلامه، ولا يقضي المخالف
صومه لو استبصر، ولو أغمي عليه بفعله قضى كالسكران، ولو لم يعلم فأداه
التناول إلى الإغماء والسكر فلا قضاء.
ولا بد من قبول الزمان للصوم، فلا يصح صوم العيدين مطلقا، ولا أيام
التشريق لمن كان بمنى، وألحق الشيخ (1) مكة، واشترط الفاضل (2) كونه ناسكا
بحج أو عمرة، والرواية (3) مطلقة. ولو نذر هذه الأيام بطل، ولو وافقت نذره لم
يصمها، وفي صيام بدلها قولان أحوطهما الوجوب، ولا صيام يوم الشك بنية شهر
رمضان على الأظهر، وقال الحسن (4) وابن الجنيد (5) والشيخ في الخلاف (6):
لا يحرم ويجزئ، ولا صيام الليل فإن ضمه إلى النهار فهو الوصال المنهي عنه،
وكذا لو جعل عشاءه سحوره حرم.
[71]
درس
يفسد الصوم بفعل الثمانية عمدا لا سهوا، وإن كان في النفل للرواية (7)،
علما وجهلا، ويجب القضاء والكفارة على العالم إلا في الحقنة فإنه لا كفارة،
وكذا لا يكفر الجاهل على الأقوى ولو كان بعد إفطاره ناسيا إذا توهم إباحة

(1) المبسوط: ج 1 ص 370.
(2) قواعد الأحكام: ج 1 ص 68.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الصوم المحرم والمكروه ح 10 ج 7 ص 386.
(4) المختلف: ج 1 ص 214.
(5) المختلف: ج 1 ص 214.
(6) الخلاف: ج 1 ص 345.
(7) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 10 ج 7 ص 34.
272

الإفطار، وفي حكم تعمد البقاء على الجنابة الإعراض عن نية الغسل، ومعاودة
النوم بعد انتباهتين، وإن نوى الغسل إذا طلع الفجر، وفي حكم الاستمناء
النظر لمعتاده والاستماع والملاعبة والتخيل إذا قصده.
ولو أكره على الإفطار فلا إفساد سواء وجر في حلقه أو خوف على الأقوى،
ولو أكره زوجته تحمل عنها الكفارة لا القضاء، وفي التحمل عن الأمة والأجنبية
والأجنبي، وتحمل المرأة لو أكرهته، وتحمل الأجنبي لو أكرههما نظر، أقربه
التحمل إلا في الأخير.
ولو نزع المجامع لما طلع الفجر فلا شئ، ولو استدام كفر، وكذا لو نزع
بنية الجماع. وتتعلق الكفارة بتناول غير المعتاد من المأكل والمشرب خلافا
للمرتضى (1)، وأسقط القضاء أيضا ونقل وجوبه، ولا تسقط الكفارة بعروض
الحيض والسفر الضروري على الأشبه.
والكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا،
وقال الحسن (2) والمرتضى (3): مرتبة، ولو أفطر على محرم كزنا أو مال حرام
وجبت الثلاثة على الأقرب، ولو عجز عن بعضها ففي بدله نظر.
ويجب القضاء خاصة بتناول المفسد ظانا بقاء الليل ولما يرصد مع القدرة
عليه، سواء أخبره غيره ببقائه أو زواله أو لا، إلا أن يكون معلوم الصدق أو
عدلين فيكفر، وكذا لو أفطر لظن دخول الليل مع قدرته على المراعاة، ولو راعى
فظن ففي القضاء قولان أشهرهما القضاء، والفرق اعتضاد ظنه بالأصل هناك
ومخالفته الأصل هنا.

(1) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 54.
(2) المختلف: ج 1 ص 55.
(3) الإنتصار: ص 69.
273

وبتعمد القئ ولو ذرعه فلا، وقال المرتضى (1): لا قضاء بتعمده ونقل
وجوب الكفارة، ولو ابتلع ما خرج منه كفر، واقتصر في النهاية (2) والقاضي (3)
على القضاء، وفي رواية محمد بن سنان (4) لا يفطر، وتحمل على عوده بغير قصد.
وبسبق الماء إلى الحلق إذا تمضمض أو استنشق للتبرد، لا للطهارة للصلاة
وإزالة النجاسة، وفي الصلاة المندوبة رواية (5) حسنة بالقضاء، ويكره المبالغة
فيه للصائم، وقال يونس (6): الأفضل أن لا يتمضمض، ولو سبق بالتداوي أو
طرح شئ في فيه لغرض صحيح فلا شئ، بخلاف العبث.
وبمعاودة النوم بعد انتباهة عن نوم يعقب الجنابة فيطلع الفجر، ولا شئ
في النومة الأولى وإن طلع الفجر، وبالنظر إلى المحرمة بشهوة فيمني بغير قصد
ولا اعتياد.
[72]
درس
اختلف في وجوب القضاء والكفارة بالكذب على الله أو رسوله أو الأئمة
صلى الله عليهم متعمدا، وتعمد الارتماس، والمشهور الوجوب وإن ضعف
المأخذ، وتعمد ترك النية فأوجبها الحلبي (7) وبعض شيوخنا المعاصرين، وهو

(1) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 54.
(2) النهاية: ص 155.
(3) المهذب: ج 1 ص 192.
(4) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 9 ج 7 ص 62 وفي سنده عبد الله بن سنان
بدل محمد بن سنان.
(5) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 49.
(6) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 49.
(7) الكافي في الفقه: ص 182
274

نادر، وشم الرائحة الغليظة التي تصل إلى الجوف، فأوجبهما الشيخ (1) والقاضي (2)،
ونقل المرتضى (3) وجوبهما بالحقنة، وهما متروكان، والسعوط بما يتعدى الحلق
متعمدا كالشرب، لا ما يصل إلى الدماغ، وأوجبهما المفيد (4) به مطلقا، ولو ابتلع
ما أخرجه الخلال متعمدا كفر، وفي الخلاف (5): القضاء، ولو قصد الامذاء
بالملاعبة فلا كفارة خلافا لابن الجنيد (6).
واختلف في وجوب القضاء بالحقنة بالجامد، والصب في الإحليل فيصل
الجوف، وفي طعنه نفسه برمح كذلك، أو داوى جرحه كذلك، أو قطر في أذنه
دهنا، أو مضغ علكا، أو جلست المرأة في الماء، أو أكرهها الزوج على الجماع،
أو أمذى عن ملاعبة بغير قصد، والأشبه عدم القضاء في الجميع.
وتتكرر الكفارة بتكرر الوطء مطلقا، وبتغاير الأيام مطلقا، ومع تخلل
التكفير على الأقرب، وفي تغاير الجنس قولان أحوطهما التكرر، ومع اتحاده
لا تكرار قطعا.
ومن أفطر في شهر رمضان مستحلا فهو مرتد، وغيره يعزر مرتين، وقيل:
يقتل في الثالثة لرواية سماعة (7)، وهي مقطوعة، ولو استحل غير الجماع
والأكل والشرب المعتادين لم يكفر خلافا للحلبي (8)، ولو ادعى الشبهة الممكنة

(1) المبسوط: ج 1 ص 271.
(2) المهذب: ج 1 ص 192.
(3) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 54.
(4) المقنعة: ص 344.
(5) الخلاف: ج 1 ص 344.
(6) المختلف: ج 1 ص 224.
(7) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2 ج 7 ص 179.
(8) الكافي في الفقه: ص 183.
275

قبل منه. ويعزر المجامع بخمسة وعشرين سوطا، والمطاوعة مثله، فلو أكرهها
عزر خمسين.
وإنما تجب الكفارة في شهر رمضان، والنذر المعين، وشبهه، والاعتكاف
الواجب، وقضاء رمضان بعد الزوال، وقال الحسن (1): لا كفارة في غير
رمضان، وهو شاذ. وإنما يكون القضاء في المتعين، وأما غيره فلا يسمى قضاء
وإن وجب الصوم ثانيا بالفساد.
ولو أفطر لخوف التلف فالأقرب القضاء، وفي الرواية (2) يشرب ما يمسك
الرمق خاصة، وفيها دلالة على بقاء الصوم وعدم وجوب القضاء كما اختاره
الفاضل (3).
وكفارة النذر والعهد كرمضان، وكفارة المتعين باليمين يمين، وكفارة القضاء
إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام، وروي (4) كبيرة كقول ابن
بابويه (5)، ويمين كقول القاضي (6)، ولا شئ كقول الحسن (7)، وظاهر
الحسن (8) والحلبي (9) تحريم إفطاره قبل الزوال، وألحق ابن بابويه - علي (10)

(1) المختلف: ج 1 ص 241.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 152.
(3) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 281.
(4) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 3 ج 7 ص 254.
(5) من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 149 ح 2000.
(6) المهذب: ج 1 ص 203.
(7) المختلف: ج 1 ص 247.
(8) المختلف: ج 1 ص 247.
(9) الكافي في الفقه: ص 184.
(10) المختلف: ج 1 ص 248.
276

والحلبي (1) قضاء النذر به.
ولا يجب في القضاء الفورية خلافا للحلبي (2)، ويستحب فيه التتابع
لا التفرقة على الأصح، ولا ترتيب فيه فلو قدم آخره فالأشبه الجواز، وهل
يستحب تقديم الأول فالأول؟ إشكال، وكذا في وجوب تقديم القضاء على
الكفارة.
ويكفي في تتابع الشهرين يوم من الثاني، فيباح التفريق بعده على الأقرب.
ولو أفطر لعذر بنى مطلقا، ولا تجب الفورية بعد زوال العذر. والعبد يتابع خمسة
عشر يوما في كفارتي الإفطار والظهار على قول الشيخ (3)، وكذا من نذر شهرا
متتابعا.
ويجب في الرقبة الإسلام أو حكمه على الأشبه، وإطعام المسكين شبعه أو
مد، ولا يجب مدان خلافا للشيخ (4).
ولو عجز عن الخصال الثلاثة صام ثمانية عشر يوما تباعا على الأشبه، أو
تصدق بما يطيق جمعا بين الروايتين (5)، وإن كان الأول أشهر، ولو عجز عن
الثمانية عشر أتى بالممكن من الصوم والاطعام، وفي وجه مخرج الإتيان بالممكن
منهما ابتداء حتى لو أمكن الشهران متفرقين وجب، ولو عجز استغفر الله، فلو
قدر بعد الاستغفار فإشكال، إذ لا تجب الكفارة على الفور، ومن الامتثال، أما
لو قدر بعد الثمانية عشر أو ما أمكن منها فلا شئ.

(1) الكافي في الفقه: ص 185.
(2) الكافي في الفقه: ص 184.
(3) الاقتصاد: ص 291.
(4) المبسوط: ج 1 ص 271.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب بقية الصوم الواجب ح 1 ج 7 ص 279، و ب 8 من أبواب ما يمسك
عنه الصائم ح 1 و 3 ج 7 ص 28 و 29.
277

ولو تبرع عن غيره بالكفارة أجزأ إذا كان ميتا في أقوى القولين، وفي الحي
وجهان مرتبان، وأولى بالمنع لعدم إذنه، وفي وجه ثالث يجزئ غير الصوم لأنه
كقضاء الدين.
[73]
درس
لا يفطر بابتلاع ريقه ولو خرج مع اللسان، نعم لو انفصل عن باطن الفم
أفطر بابتلاعه، وكذا لو ابتلع ريق غيره، وإن كان أحد الزوجين فالمروي (1)
جواز الامتصاص، وهو لا يستلزم الابتلاع، نعم في التهذيب (2) عن أبي ولاد
لا شئ في دخول ريق البنت المقبلة في الجوف، وتحمل على عدم القصد.
والفضلات المسترسلة من الدماغ إذا لم تصر في فضاء الفم لا بأس
بابتلاعها للرواية (3)، ولو قدر على إخراجها، ولو صارت في الفضاء أفطر لو
ابتلعها، وفي وجوب الكفارات الثلاث هنا نظر، وتجب لو كانت نخامة غيره،
وكل ما يحرم في غير الصوم يتأكد به كالمسابة والكذب.
ويجوز التبرد بالغسل وصب الماء على الرأس ولو علم دخوله الأذن. ولو
غمس رأسه في الماء دفعة أو على التعاقب ففي إلحاقه بالارتماس نظر، نعم لو
سبق الماء إلى حلقه قضى، ولو سبق في الاغتسال الواجب أو المستحب فلا
شئ، وفي التبرد احتمال. ولا إفطار بسبق الغبار إلى الحلق أو الذباب وشبهه،
ويجب التحفظ من الغبار لمزاوله.
ويكره مضغ العلك، وتقطير الدواء في الأذن، والسعوط بما لا يتعدى
الحلق، ويستحب للمتمضمض أن يتفل ثلاثا، وكذا ذائق الطعام وشبهه،

(1) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 72.
(2) التهذيب: ب 72 في الزيادات ح 976 ج 4 ص 319.
(3) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1 ج 7 ص 77.
278

ولا بأس بالسواك أول النهار وآخره، وكرهه الشيخ (1) والحسن (2) بالرطب
للرواية (3). ويكره مباشرة النساء بغير الجماع إلا لمن لا تتحرك شهوته،
والاكتحال بما فيه مسك أو صبر، وإخراج الدم المضعف، ودخول الحمام
المضعف، وشم الرياحين وخصوصا النرجس، ولا يكره شم الطيب، بل
روي (4) استحبابه للصائم، وعن علي عليه السلام (5) بطريق غياث كراهة
المسك، نعم في رواية الحسن بن راشد (6) تعليل شم الرياحين باللذة وإنها
مكروهة للصائم.
ويكره نزع الضرس لمكان الدم، رواه عمار (7)، والاحتقان بالجامد على
الأقرب، وبل الثوب على الجسد، وإنشاد الشعر وإن كان حقا، والهذر،
والمراء، والسفر إلا لحج (8) أو غزو (9) أو ضرورة، كحفظ مال أو أخ في الله أو
تشييعه أو تلقيه.
ويستحب الإكثار من تلاوة القرآن والدعاء والتسبيح بالمأثور، والصدقة،
وتفطير الصائمين، ولزوم المساجد، والسحور ولو بشربة ماء، وأفضله السويق
والتمر، ويتأكد السحور في الواجب، وفي المعين آكد، وفي رمضان أشد تأكيدا،
وكلما قرب من الفجر كان أفضل، وتعجيل الفطور إلا لمن لا تنازعه نفسه
فيؤخره عن الصلاة، إلا أن يتوقع غيره فطره.

(1) الاستبصار: ب 46 ج 2 ص 92 وقال في باقي كتبه بعدم الكراهية.
(2) المختلف: ج 1 ص 223.
(3) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 8 ج 7 ص 59.
(4) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 64.
(5) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 6 ج 7 ص 65.
(6) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 7 ج 7 ص 65.
(7) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3 ج 7 ص 54.
(8) في " ق ": للحج.
(9) في " ز ": غزوة، وفي " م ": عمرة.
279

ويستحب الإفطار على الماء الفاتر، أو الحلو كالتمر والزبيب أو اللبن،
وإتيان النساء أول ليلة من الشهر (1)، وإحياء ليلة القدر بإحياء الثلاث
الفرادى وخصوصا إحدى وثلاثا، والقراءة سورتي العنكبوت والروم في ليلة
ثلاث وعشرين، والاعتكاف في العشر الأواخر، والمواظبة على النوافل المختصة
به بدعواتها المأثورة، والدعاء عند الإفطار فيقول: اللهم لك صمنا، وعلى رزقك
أفطرنا، فتقبله منا، ذهب الظماء، وابتلت العروق، وبقي الأجر، اللهم تقبل
منا، وأعنا عليه، وسلمنا فيه، وتسلمه منا.
ودعاء الصائم مستجاب وخصوصا عند الإفطار. ويتأكد استحباب
الاستغفار في الصيام، وليصم سمعه وبصره وجوارحه، وليظهر عليه وقار
الصوم. ويجوز ذوق المرق ومضغ الخبز لفعل فاطمة عليها السلام، وزق الطائر
ومص الخاتم، ويكره مص النواة.
[74]
درس
ينقسم الصوم بانقسام الأحكام الأربعة، فالواجب ستة: صوم رمضان،
والنذر وشبهه، والكفارات، ودم المتعة، والاعتكاف إذا وجب، وقضاء
الواجب.
والمستحب صوم جميع الأيام إلا ما نذكر، ويتأكد أول خميس في العشر
الأول، وأول أربعاء في العشر الثاني، وآخر خميس في العشر الأخير، وروي (2)
خميس بين أربعاءين ثم أربعاء بين خميسين كقول ابن الجنيد (3)، وروي (4)

(1) في " م " و " ق ": شهر رمضان.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الصوم المندوب ح 1 ج 7 ص 313.
(3) المختلف: ج 1 ص 238.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الصوم المندوب ح 6 ج 7 ص 305.
280

مطلق الخميس والأربعاء في الأعشار الثلاثة كقول أبي الصلاح (1)، ويؤخر من
الصيف إلى الشتاء عند المشقة ثم يقضي، بل يستحب قضاؤها عند الفوات
مطلقا، أو يتصدق من كل يوم بدرهم أو مد، والمبعث، والمولد، والغدير،
والدحو، وأيام البيض، وعرفة لمن لا يضعف عن الدعاء وتحقق الهلال،
والمباهلة، وأول ذي الحجة وباقي العشر، ورجب، وشعبان، وكل خميس، وكل
جمعة.
وقول ابن الجنيد (2): صيام يوم الاثنين والخميس منسوخ، لم يثبت، نعم
روي (3) كراهة الاثنين، وكذا لم يثبت قوله بكراهة إفراد الجمعة، وإن كان قد
رواه العامة عن أبي هريرة (4). ومن المستحب التاسع والعشرون من
ذي القعدة، وأول يوم من المحرم وثالثه وسابعه، وروي (5) عشره وكله، وستة
أيام بعد عيد الفطر، وفيها بحث ذكرناه في القواعد (6)، وروي (7) صحيحا كراهة
صيام ثلاثة بعد الفطر بطريقين.
وصوم داود عليه السلام، ويوم التروية، وثلاثة أيام للحاجة وخصوصا
بالمدينة، ويوم النصف من جمادي الأول، وروى المفيد (8) من صام الخميس
والجمعة والسبت من شهر حرام كتب الله له عبادة تسعمائة سنة. وفي صوم

(1) الكافي في الفقه: ص 180.
(2) المختلف: ج 1 ص 237.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الصوم المندوب ح 2 ج 7 ص 342.
(4) سنن ابن ماجة: ب 37 ج 1 ح 1723 ص 549.
(5) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الصوم المندوب ح 3 و 7 و 8 ج 7 ص 347. الاستبصار: ب 78 ج 2
ص 135.
(6) القواعد والفوائد: ج 2 ص 110.
(7) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الصوم المحرم والمكروه ح 1 و 3 ج 7 ص 387.
(8) المقنعة: ص 375.
281

عاشوراء حزنا كله أو إلى العصر أو تركه روايات (1)، وروي (2) صمه من غير
تبييت وأفطره من غير تشميت، ويفهم منه استحاب ترك المفطرات لا على أنه
صوم حقيقي، وهو حسن. كذا اختلفت الرواية (3) في صوم يوم الشك، والأشهر
استحبابه خلافا للمفيد (4) إلا مع مانع الرؤية.
ولا يجب صوم النفل بالشروع فيه إلا الاعتكاف على قول، نعم يكره
الإفطار بعد الزوال إلا أن يدعى إلى طعام، وعليه تحمل رواية مسعدة (5)
بوجوبه بعد الزوال.
ويشترط فيه كله خلو الذمة عن صوم واجب يمكن فعله، فيجوز حيث
لا يمكن كشعبان لمن عليه كفارة كبيرة ولم يبق سواه، وجوز المرتضى (6) التنفل
مطلقا، والرواية (7) بخلافه.
ويستحب الإمساك للمسافر والمريض يزول (8) عذرهما أو قد تناولا أو كان
بعد الزوال، والحائض والنفساء إذا طرأ الدم في أثناء النهار أو انقطع فيه،
والكافر يسلم، والصبي يبلغ.
والمكروه صوم الدهر خلا الأيام المحرمة، ويوم عرفة مع شك الهلال أو
الضعف عند الدعاء، والنافلة سفرا كما سلف، والمدعو إلى الطعام (9)،

(1) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الصوم المندوب ج 7 ص 337.
(2) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الصوم المندوب ح 7 ج 7 ص 338.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 و 6 من أبواب وجوب الصوم ج 7 ص 12 و 15.
(4) المقنعة: ص 298.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الصوم ح 11 ج 7 ص 11.
(6) الإنتصار: ص 60.
(7) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2 ج 7 ص 252.
(8) في باقي النسخ: بزوال.
(9) في باقي النسخ: طعام.
282

والضيف ندبا إذا لم يؤمر ولم ينه من المضيف، وروي (1) كراهة العكس أيضا،
وأما الولد والزوجة والعبد فالأقرب اشتراط الإذن في صحته، وفي المعتبر (2):
لا يلزم استئذان الوالد (3) بل يستحب، ورواية هشام بن الحكم (4) مصرحة
بعقوقه.
والمحظور صوم العيدين، والتشريق، ويوم الشك بنية رمضان، ولو نواه
واجبا عن غيره لم يحرم، ونذر المعصية، والصمت، والوصال، ويظهر من ابن
الجنيد (5) عدم تحريم الوصال، وهو متروك، والواجب سفرا كما مر، وصوم
الأربعة المذكورين مع النهي أو عدم الإذن على الخلاف.
وروى زرارة (6) عن الباقر عليه السلام جواز صيام العيد (7) والتشريق
للقاتل في أشهر الحرم، بل ظاهرها الوجوب، وروى إسحاق بن عمار (8)
عن الصادق عليه السلام صيام أيام التشريق بدلا عن الهدي، والأقرب المنع
فيهما، وفي رواية الزهري (9) عن زين العابدين عليه السلام جعل قسم من
الصوم من باب التخيير، وهو الجمعة والخميس والبيض وستة الفطر وعرفة
وعاشوراء، وهو يشعر بعدم التأكيد.

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الصوم المحرم والمكروه ح 1 ج 7 ص 394.
(2) المعتبر: ص 318.
(3) في " ق ": الولد.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الصوم المحرم والمكروه ح 2 ج 7 ص 396.
(5) المختلف: ج 1 ص 237.
(6) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب بقية الصوم الواجب ح 1 ج 7 ص 278.
(7) في باقي النسخ: العيدين.
(8) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب الذبح ح 5 ج 10 ص 165.
(9) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الصوم المندوب ح 1 ج 7 ص 300.
283

[75]
درس
يصام شهر رمضان برؤية هلاله وإن انفرد، عدلا أو لا ردت شهادته أو لا،
ولو لم يره ومضى من شعبان ثلاثون يوما، أو رؤي شائعا، أو شهد به عدلان في
الصحو أو الغيم من البلد أو خارجه، وجب الصوم على من علم الشياع أو سمع
العدلين وإن لم يحكم بها حاكم، لقول الصادق عليه السلام (1): صم لرؤية
الهلال وأفطر لرؤيته، فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه.
وفي رواية أبي أيوب (2) يعتبر خمسون مع الصحو، أو اثنان من خارج مع العلة،
وحملت على عدم العلم بعد التهم أو على التهمة.
واجتزأ سلار (3) بالواحد في أوله، والمرتضى (4) وبرؤيته قبل الزوال، فيكون
لليلة الماضية لرواية حماد (5)، وهي حسنة لكنها معارضة، وعمل بها
الفاضل (6) في أوله خاصة، فلو لم ير الهلال ليلة أحد وثلاثين صام،
والصدوق (7) جعل غيبوبته بعد الشفق لليلتين، ورؤية ظل الرأس فيه لثلاث،
وتبعه الشيخ (8) إذا كان هناك علة، وجعل التطوق لليلتين عند العلة أيضا،
والمشهور عدم اعتبار الثلاثة.

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 8 ج 7 ص 183.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 10 ج 7 ص 209.
(3) المراسم: ص 96.
(4) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): ص 242.
(5) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 6 ج 7 ص 202.
(6) المختلف: ج 1 ص 235.
(7) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 16.
(8) الاستبصار: ب 35 ج 2 ص 75.
284

ولا عبرة بالعدد، وهو نقيصة شعبان أبدا وتمام رمضان أبدا خلافا
للحسن (1)، ولا بالجدول خلافا لشاذ من الأصحاب، ولا بعدم طلوعه من المشرق
في دخول الشهر لليلة المستقبلة، إلا في رواية داود الرقي (2)، ولا بعد خمسة أيام
من الماضية وستة من (3) الكبيسية إلا أن تغم الشهور كلها.
ولا يقبل شهادة النساء فيه منفردات ولا منضمات، ولو حصل بهن الشياء
أو بالفساق ثبت.
والبلاد المتقاربة كالبصرة وبغداد متحدة لا كبغداد ومصر، قاله
الشيخ (4)، ويحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية
وإن تباعدت، للقطع بالرؤية عند عدم المانع.
ويستحب الترائي ليلتي الشك، وأوجبه الفاضل (5) على الكفاية، والدعاء
عند رؤية الهلال بالمأثور، وأوجب الحسن (6) أن يقال عند هلال رمضان:
" الحمد لله الذي خلقني وخلقك وقدر منازلك وجعلك مواقيت للناس، اللهم
أهله علينا إهلالا مباركا، اللهم أدخله علينا بالسلامة والإسلام واليقين
والإيمان والبر والتقوى والتوفيق لما تحب وترضى " ولعله أراد تأكد (7) الندب.
وروي (8) النهي عن أن يقال: رمضان، بل شهر رمضان عن النبي صلى

(1) المختلف: ج 1 ص 236
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 4 ج 7 ص 204.
(3) في باقي النسخ: في.
(4) المبسوط: ج 1 ص 268. لم ترد البصرة في كلامه.
(5) التحرير: ج 1 ص 82.
(6) المختلف: ج 1 ص 236
(7) في " م " و " ز ": تأكيد
(8) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 و 2 و 4 ج 7 ص 231 - 232.
285

الله عليه وآله وعلي عليه السلام والباقر عليه السلام، وهو للتنزيه، إذ الأخبار
مملوءة عنهم عليهم السلام بلفظ رمضان.
ووقت الإفطار غيبوبة الشفق المشرقي، ولا اعتبار بثلاثة أنجم خلافا
للصدوقين (1)، ولا يكفي ستر القرص على الأصح، ولو أفطر قبله كفر إلا لتقية
يخاف معها التلف فيقضي، كما لو أفطر مع الرؤية أول يوم للتقية، وهو
منصوص عن فعل الصادق عليه السلام (2) في زمن السفاح.
فروع ثلاثة: الأول: لو رأى الهلال في بلد وسافر إلى آخر يخالفه في حكمه انتقل حكمه
إليه، فيصوم زائدا ويفطر على ثمانية وعشرين، حتى لو أصبح معيدا ثم انتقل
أمسك، ولو أصبح صائما للرؤية ثم انتقل ففي جواز الإفطار نظر، ولو روعي
الاحتياط في هذه الفروض كان أولى.
الثاني: لو اختلف الشاهدان في صفة الهلال بالاستقامة والانحراف
فالأقرب البطلان، بخلاف ما لو اختلفا في زمان الرؤية مع اتحاد الليلة، ولو
شهد أحدهما برؤية شعبان الأربعاء وشهد الآخر برؤية رمضان الجمعة احتمل
القبول.
الثالث: لا يكفي قول الشاهد: اليوم الصوم أو الفطر، لجواز استناده إلى
عقيدته، بل يجب على الحاكم استفساره، وهل يكفي قول الحاكم وحده في
ثبوت الهلال؟ الأقرب نعم، ولو قال: اليوم الصوم أو الفطر، ففي وجوب
استفساره على السامع ثلاثة أوجه، ثالثها إن كان السامع مجتهدا.

(1) المختلف: ج 1 ص 237. والمقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 17.
(2) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 4 و 5 و 6 ج 7 ص 95.
286

[76]
درس
لا يجوز تأخير قضاء رمضان عن عام الفوات اختيارا، ويستحب المبادرة به،
ولا يكره في عشر ذي الحجة، والرواية عن علي عليه السلام (1) بالنهي عنه
مدخولة، وحيث تجب الكفارة يقدم ما شاء منها ومن القضاء، قاله ابن
إدريس (2).
فإن أدركه رمضان آخر وكان عازما على القضاء، إلا أنه مرض أو حاضت
المرأة عند التضيق، قضى خاصة. ولو كان غير عازم، أو عازما على تركه، أو
تعمد الإفطار وقد تضيق، وجبت الفدية أيضا بمد عن كل يوم، ويستحب
مدان على الأصح لمستحقي الزكاة لحاجتهم. وأطلق الصدوقان (3) وجوب الفدية
على من أدركه رمضان وكان قادرا فلم يقض، واكتفى ابن إدريس (4) بالقضاء
وإن توانى، وخبر محمد بن مسلم (5) يدفعه، ولكنه جعل دوام المرض مقابل
التواني، وهو يشعر بقول الصدوقين، ولعله الأقرب.
ولو استمر المرض إلى رمضان آخر فالفدية لا غير، وقال الحسن (6): القضاء
لا غير، والأول مروي (7)، واحتاط ابن الجنيد (8) بالجمع بين القضاء والصدقة،

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 3 ج 7 ص 252.
(2) السرائر: ج 1 ص 406.
(3) المختلف: ج 1 ص 239. والمقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 17.
(4) السرائر: ج 1 ص 408.
(5) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 244.
(6) المختلف: ج 1 ص 239.
(7) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2 ج 7 ص 245.
(8) المختلف: ج 1 ص 240.
287

وهو مروي (1) أيضا، ويحمل على الندب.
ولا تتكرر الفدية بتكرر السنين، ولا فرق بين فوات رمضان واحد أو أكثر،
وقد يظهر من ابن بابويه (2) أن الرمضان الثاني يقضى بعد الثالث وإن
استمر المرض، ولا وجه له.
فرع:
هل يلحق غير المريض به كالمسافر؟ توقف فيه المحقق في المعتبر (3)، وتظهر
الفائدة في وجوب الفدية على القادر وسقوط القضاء عن العاجز، وكلام
الحسن (4) والشيخ (5) يؤذن بطرد الحكم في ذوي الأعذار وربما قيل: يطرد (6)
في وجوب الكفارة بالتأخير، لا في سقوط القضاء بدوام العذر.
ولو مات قبل التمكن من القضاء فلا قضاء ولا كفارة، ويستحب القضاء،
وفي التهذيب (7): يقضي ما فات بالسفر ولو مات في رمضان لرواية منصور بن
حازم، والسر فيه تمكن المسافر من الأداء، وهو أبلغ من التمكن من القضاء إذا
كان تركه للسفر سائغا.
ولو تمكن من القضاء ومات قبله فالمشهور وجوب القضاء على الولي، سواء
كان صوم رمضان أو لا، وسواء كان له مال أو لا، ومع عدم الولي يتصدق من

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 5 ج 7 ص 245.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 148 ذيل الحديث 1999.
(3) المعتبر: ص 314.
(4) المختلف: ج 1 ص 241.
(5) الخلاف: ج 1 ص 356.
(6) في " ق ": بطرده.
(7) التهذيب: ج 4 ص 249.
288

أصل ماله عن كل يوم بمد، وقال المرتضى (1): يتصدق عنه فإن لم يكن له مال
صام وليه، وقال الحسن (2): يتصدق عنه لا غير، وقال الحلبي (3): مع عدم الولي
يصام عنه من ماله كالحج، والأول أصح. والمرأة هنا كالرجل على الأصح، أما
العبد فمشكل، والمساواة قريبة.
ثم الولي عند الشيخ (4) أكبر أولاده الذكور لا غير، وعند المفيد (5) لو فقد
أكبر الولد فأكبر أهله من الذكور، فإن فقدوا فالنساء، وهو ظاهر القدماء
والأخبار (6) والمختار. ولو كان له وليان فصاعدا متساويان توزعوا إلا أن يتبرع
به بعضهم، وقال القاضي (7): يقرع بينهما، وقال ابن إدريس (8): لا قضاء،
والأول أثبت.
فروع خمسة:
الأول: لو استأجر الولي غيره فالأقرب الإجزاء، سواء قدر أو عجز. ولو
تبرع الغير بفعله احتمل ذلك.
الثاني: لو مات الولي ولما يقض، فإن لم يتمكن من القضاء فلا شئ على
وليه، وإن تمكن فالظاهر الوجوب عليه، ويحتمل الصدقة من تركته
والاستئجار.

(1) الإنتصار: ص 70.
(2) المختلف: ج 1 ص 241.
(3) الكافي في الفقه: ص 189.
(4) المبسوط: ج 1 ص 286.
(5) المقنعة: ص 353 قال: وأولادهم به بدل من الذكور.
(6) الفقه الرضوي: ص 212.
(7) المهذب: ج 1 ص 196.
(8) السرائر: ج 1 ص 408.
289

الثالث: لو انكسر يوم فكفرض الكفاية، فإن لم يقم به أحدهما وجب
عليهما، فلو كان من قضاء رمضان وأفطرا فيه بعد الزوال فالأقرب عدم الكفارة،
ولو قلنا بها ففي تعددها أو اتحادها عليهما بالسوية أو كونها فرض كفاية كأصل
الصوم نظر. ولو أفطر أحدهما فلا شئ عليه إذا ظن بقاء الآخر، وإلا أثم
لا غير.
الرابع: لو استأجر أحدهما صاحبه على الجميع بطل في حصة الأجير، ولو
استأجره على ما يخصه فالأقرب الجواز.
الخامس: لو تصدق الولي بدلا عن الصوم من مال الميت أو ماله لم يجز،
ويظهر من كلام الشيخ (1) التخيير، نعم لو كان عليه شهران متتابعان صام
الولي شهرا وتصدق من مال الميت عن آخر وليكن الشهر الثاني، لرواية
الوشاء (2)، وأوجب ابن إدريس (3) قضاءهما إلا أن يكونا من كفارة مخيرة
فيتخير، وتابعه الفاضلان (4) لضعف الرواية، والأول ظاهر المذهب.
[77]
درس
يجب الإمساك مع عدم صحة الصوم في متعمد الإفطار لغير سبب مبيح،
وفي المتناول يوم الشك فيظهر وجوبه، فلو أفطر كفر. ويجب الإمساك عن جميع
المحرمات مؤكدا في الصوم وإن لم يفسد بارتكابها، وفي التحاسد قول للشيخ (5)
بالاستحباب، ولعله أراد به ما يخطر بالقلب. ولو أكره المجنون أو المسافر زوجته
فلا تحمل.

(1) المبسوط: ج 1 ص 286.
(2) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1 ج 7 ص 244.
(3) السرائر: ج 1 ص 398.
(4) المعتبر: ص 315، التحرير: ج 1، ص 84. وفي بعض النسخ: الفاضل.
(5) النهاية: ص 149.
290

وتجب الفدية على الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا خافتا على الولد
مع القضاء، وكذا يجبان على من به عطاش فيزول (1)، وعلى الشيخ والشيخة إذا
أمكنهما القضاء، وإلا فالفدية لا غير. وقال المفيد (2) والمرتضى (3): إن عجزا فلا
فدية، وإن أطاقاه بمشقة فديا، وقالا (4) فيمن به عطاش يرجى برؤه: يقضي
ولا فدية. وقال سلار (5): لو لم يرج برؤه لم يفد ولم يقض.
وفي التهذيب (6) عن أبي بصير يصوم عنه بعض ولده، فإن لم يكن له ولد
فأدنى قرابته، فإن لم يكن تصدق بمد، فإن لم يكن عنده شئ فلا شئ (7)،
وظاهرها أنه في حياته، وتحمل على الندب. وظاهر علي بن بابويه (8) وجوب
الفدية وسقوط القضاء عن حامل (9) تخاف على ولدها، ورواية محمد بن
مسلم (10) بخلافه. والفدية مد لا مدان للقادر على الأصح.
فروع ستة:
الأول: لا فرق بين الجوع والعطش لخائف التلف، ولا بين الهرمين
والشابين.

(1) في " ز ": ويزول.
(2) المقنعة: ص 351.
(3) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 56.
(4) المقنعة: ص 351، رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 56.
(5) المراسم: ص 97.
(6) التهذيب: ب 58 ح 699 ج 4 ص 239.
(7) في باقي النسخ: فلا شئ عليه.
(8) المختلف: ج 1 ص 245.
(9) في " م " و " ز ": الحامل، وفي " ق ": الحامل التي.
(10) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 153.
291

الثاني: لو خافت المرأة على نفسها دون ولدها ففي وجوب الفدية وجهان،
والرواية (1) مطلقة، ولكن الأصحاب قيدوا بالولد.
الثالث: هذه الفدية من مالها ولو كانت ذات بعل.
الرابع: لا فرق بين خوف المرضع على ولدها نسبا أو رضاعا، ولا بين
المستأجرة والمتبرعة على الظاهر، إلا أن يقوم غيرها مقامها.
الخامس: لو قام غير الأم مقامها روعي صلاح الطفل، فإن تم بالأجنبية
فالأقرب عدم جواز الإفطار، هذا مع التبرع أو تساوي الأجرتين، ولو طلبت
الأجنبية زيادة لم يجب تسليمه إليها وجاز الإفطار.
السادس: هل يجب هذا الإفطار عليها؟ الظاهر نعم مع ظن الضرر بتركه
وأنه لا يدفعه (2) إلا إرضاعها.
[78]
درس
نذر الصوم أو المعاهدة عليه أو الحلف يوجبه بحسب السبب، فلو أطلق أجزأ
يوم، ولو عين عددا أو زمانا تعين، ولو نذر صوم زمان كان خمسة أشهر، وصوم
حين ستة أشهر، ما لم ينو غيرهما. وإنما يجب تتابعه مع التعيين لفظا كشهر
متتابع، أو معنى كشهر معين، ولا يكفي مجاوزة النصف في المعين مطلقا، ولا في
المطلق غير الشهر الواحد أو الشهرين، وطرده الشيخ (3) في السنة، وهو أعلم.
وقال القاضي (4): لو نذر شهرا مطلقا وجب فيه التتابع كما لو شرطه، وهو
خلاف المشهور.

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب من يصح منه الصوم ح 3 ج 7 ص 154.
(2) في " ق ": لا ينفعه.
(3) النهاية: ص 564.
(4) المهذب: ج 1 ص 198.
292

ولو نذر الصوم الواجب كرمضان لم ينعقد عند المرتضى (1) والشيخ (2)
والحلبي (3) وابن إدريس (4)، وكذا لو نذر يوما فوافق شهر رمضان. والأقرب
انعقاد نذر كل واجب، للطف بالانبعاث حذرا من الكفارة، فعلى هذا يجوز
ترامي النذر وتعدده، وتعدد الكفارة بتعدده. وينبغي التعرض في النية للمؤكد
مع الأصل.
ولا يجب إتمام اليوم ولا (5) الشهر المنذور مطلقا بالشروع خلافا للحلبي (6)،
ويجب فعله في مكان عينه بالنذر وفاقا له (7) وللشيخ (8) في (9) قول، وقيده
الفاضل (10) بالمزية.
ولو نذر صوم داود عليه السلام فتابعه استأنف عند الحلبي (11)، وكفر
للخلف عند ابن إدريس (12) وأجزأ عند الفاضل (13) ولا كفارة.
ولا يبطل نذر صوم يوم قدوم زيد إذا قدم نهارا قبل الزوال ولما يتناول على
الأقوى وفاقا للشيخ (14) بل لو علم قدومه نوى ليلا وإن قدم بعد الزوال.

(1) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الأولى ص 441 نحوه.
(2) المبسوط: ج 1 ص 276.
(3) الكافي في الفقه: ص 185.
(4) السرائر: ج 3 ص 68.
(5) في " ق ": أو.
(6) الكافي في الفقه: ص 186.
(7) الكافي في الفقه: ص 185.
(8) المبسوط: ج 1 ص 282.
(9) في باقي النسخ: فيه.
(10) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 283.
(11) الكافي في الفقه: ص 185.
(12) السرائر: ج 1 ص 417.
(13) المختلف: ج 1 ص 250.
(14) المبسوط: ج 1 ص 281.
293

ولو نذر الدهر صرف إلى غير المحرم منه، ولو قصد المحرم صح في المحلل،
وقيل: يبطل رأسا. ولا يصوم سفره إلا مع التقييد، ولا يحرم عليه السفر، ولكن
الأقرب وجوب الفدية بمد عن كل يوم كالعاجز عن صوم النذر على الأصح
لروايات في الكليني (1).
ولو عين سنة سقط الأيام المحرمة أداء وقضاء ورمضان، وعلى القول بجواز
نذره يدخل هنا فتتعدد الكفارة، ولو نذر سنة مطلقة أتم بدلها وبدل شهر
رمضان. ويجزئ في نذر الشهر ما بين الهلالين وثلاثون يوما.
ولو وجب على ناذر الدهر قضاء رمضان قدمه على النذر، فإن كان قد تعمد
سبب القضاء فالأقرب الفدية عن النذر، ويحتمل سقوطها مع إباحة السبب
كالسفر، لا مع تحريمه كمتعمد الإفطار. ولو وجب عليه كفارة فهو عاجز عن
الصوم، ولو نذر إلا خمسة دائما فليس بعاجز عن الصوم على الأصح، ولا يقدح في
تتابع الكفارة على الأصح لا في الشهر الأول ولا الثاني.
ويجوز نذر الصوم ممن عليه صوم واجب، ويقدم النذر إن عينه بزمان على
ما في ذمته من غير تعيين زمان، ولو لم يعينه فالأقرب التخيير، نعم لو كان عليه
قضاء من رمضان وتضيق قدمه على النذر. وقال الحسن (2): لا يجوز صوم النذر
والكفارة لمن عليه قضاء رمضان. ولو عين زمانا فاتفق مريضا فالأقرب قضاؤه،
وكذا الحائض.
ولو حلف على صيام يوم وجب، وكذا لو حلف على عدم الإفطار في الندب
أو نذر، وفي تمحض هذا للصوم نظر أقربه ذلك، فينوي الوجوب حينئذ. أما لو
نذر إتمام الندب فهو صوم يوم (3) وينعقد على الأقرب، بخلاف ما لو نذر صوم

(1) الكافي: باب كفارة الصوم وفديته ج 4 ص 143.
(2) المختلف: ج 1 ص 247.
(3) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
294

بعض يوم. وقال ابن الجنيد (1): لو حلف أن لا يفطر فسأله من يرى حقه الفطر
أفطر وكفر، ويشكل بأنه إن كان كالأب فلا كفارة وإلا فلا إفطار.
[79]
درس
الصوم إما مضيق أي لا بدل له، وهو شهر رمضان إلا في مثل الهرمين،
والنذر إلا مع العجز، والاعتكاف، وصوم كفارة الجمع على الظاهر. وإما مخير
ككفارة رمضان، وأذى الحلق، وخلف النذر والعهد والاعتكاف، وما تعلق به
النذر مخيرا. وإما مرتب ككفارة اليمين، وقتل الخطأ، والظهار، وجزاء الصيد
على الأقرب، وبدل الهدي والبدنة في الإفاضة من عرفات، وكفارة قضاء
رمضان على الأقوى، وما تعلق به النذر ترتيبا. وإما مخير بعد الترتيب، وهي
كفارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه وهو محل.
وكل الصوم يلزم فيه التتابع إلا خمسة: النذر المطلق خلافا لما ظهر من
كلام الشاميين (2)، وجزاء الصيد إلا بدل النعامة عند المفيد (3) والمرتضى (4)
وسلار (5)، وقال في الصوم من المختلف (6): المشهور أن فيها (7) شهرين متتابعين.
والسبعة في بدل الهدي خلافا للحسن (8) والحلبي (9)، وعولا على رواية (10)

(1) المختلف: ج 1 ص 250.
(2) المهذب: ج 1 ص 198، الكافي في الفقه: ص 186.
(3) المقنعة: ص 435.
(4) الإنتصار: ص 101.
(5) المراسم: ص 119.
(6) المختلف: ج 1 ص 238.
(7) في " م ": فيه.
(8) المختلف: ج 1 ص 238.
(9) الكافي في الفقه: ص 188.
(10) وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب الذبح ح 2 ج 10 ص 170.
295

حسنة، وقضاء رمضان، وقضاء النذر المعين. ولو كان قد شرط فيه التتابع ففي
وجوبه في قضائه وجهان، أقربهما الوجوب. وأما بدل البدنة للمفيض فالأحوط
فيه التتابع.
وذكر الشيخ (1) صوم الرقيق في جناية الإحرام، وذكر آخر صوم الأمة
تجامع في الإحرام بدلا عن البدنة، ولا نص فيه ولا في تتابعه. وقد روى
الجعفري (2) عن أبي الحسن عليه السلام إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة
الظهار والقتل واليمين.
وكل ثلاثة وجب تتابعها وأخل به فالظاهر استئنافها سواء كان لعذر
أو لا، إلا ثلاثة الهدي إذا صام يومين وكان الثالث العيد فإنه يبني، وفي
المبسوط (3) لم يشترط فصل العيد، وأما الشهران أو الشهر (4) فكما مر. وفي
رواية في التهذيب (5) يستأنف المريض، وتحمل على مرض غير موجب
للإفطار، ولا يعذر بفجأة مثل رمضان أو العيد سواء علم أو لا، بخلاف فجأة
الحيض والنفاس، وأما السفر الضروري فعذر إذا حدث سببه بعد الشروع في
الصوم.

(1) الاقتصاد: ص 291.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب بقية الصوم الواجب ح 3 ج 7 ص 280.
(3) المبسوط: ج 1 ص 280.
(4) في باقي النسخ: والشهر.
(5) التهذيب: ب 65 ح 862 ج 4 ص 285.
296

كتاب الاعتكاف
297

كتاب الاعتكاف
وهو اللبث في مسجد جامع ثلاثة أيام فصاعدا صائما للعبادة، فلا يصح في
غير المسجد وإن كان المعتكف امرأة، وشرط الأكثر المساجد الأربعة، وأضاف
بعض مسجد المدائن. وكلما لم يصح الصوم باعتبار المكلف أو الزمان لم يصح
الاعتكاف. ويمرن عليه الصبي ويجوز جعله في صيام مستحق وإن كان قد نذر
الاعتكاف على قول.
ويشترط النية في ابتدائه وهو قبل طلوع الفجر، فيكون في الأيام الثلاثة
ليلتان، وفي موضع من الخلاف (1): إن شرط التتابع فكذلك وإلا أجزأه ثلاثة
أيام بلا لياليهن، وهو متروك. ولو نذره أو نذر أقل من ثلاثة (2) بطل إذا نفى
الأزيد، أما لو نذر اعتكاف يوم فإنه يضم إليه آخرين.
ويشترط الإسلام فلا يصح من الكافر، ولو ارتد في الأثناء فكالارتداد في
الصوم، والأقرب الجزم بالبطلان هنا، للنهي عن لبث الكافر في المسجد.
وإذن الزوج والمولى والوالد، وله الرجوع ما لم يجب، والمبعض كالقن، نعم
لو هاياه مولاه واعتكف في نوبته فالأقوى جوازه ما لم يؤد إلى الضعف في نوبة
السيد فيعتبر إذنه. ولو نذر بإذن الوالي فله المبادرة معينا كان أو مطلقا على

(1) الخلاف: ج 1 ص 369.
(2) في " ز ": ثلاثة أيام.
298

الأقوى، وقال الفاضلان (1): للوالي المنع في المطلق. والأقرب أن الأجير
والضيف يستأذنان في الاعتكاف. ولو زال المانع في الأثناء كعتق العبد
وطلاق الزوجة لم يجب الإتمام إذا كان الشروع بدون الإذن، وقال الشيخ (2):
يجب لو أعتق.
ولزوم المسجد، فلو خرج بطل إلا لضرورة، أو تشييع جنازة، أو عيادة
مريض، أو إقامة شهادة وإن لم تتعين عليه، وإقامة الجمعة إن أقيمت في غيره،
وصلاة العيد قاله في المبسوط (3)، وهو مبني على جواز صومه للقاتل في الأشهر
الحرم.
ولا يجلس لو خرج إلا لضرورة، ولا يمشي تحت ظل كذلك، وفي
المبسوط (4): لا يجلس تحت ظل، وقال المفيد (5): لا يجلس تحت سقف، فخصاه
بالجلوس، واختاره الفاضلان (6) وهو المروي (7). ولا يصلي خارج المسجد إلا
بمكة أو لضيق الوقت عن الرجوع. ولو طلقت اعتدت في منزلها مع عدم تعيين
الزمان وإلا ففي المسجد.
ولو أخرج كرها ففي بطلان الاعتكاف أوجه، ثالثها البطلان بطول
الزمان، أما الساهي فمعذور، ويجب عليه العود كما ذكر، فلو تلوم بطل، وكذا
من خرج لضرورة فزالت، ولو دامت فخرج عن كونه معتكفا بطل، ولا يجب

(1) شرائع الإسلام: ج 1 ص 216، المختلف: ج 1 ص 252.
(2) المبسوط: ج 1 ص 290.
(3) المبسوط: ج 1 ص 293.
(4) المبسوط: ج 1 ص 293.
(5) المقنعة: ص 363.
(6) شرائع الإسلام: ج 1 ص 217، المختلف: ج 1 ص 255.
(7) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الاعتكاف ح 3 ج 7 ص 408.
299

تجديد النية إذا عاد بسرعة.
وتخرج الحائض والنفساء والمريض إذا لم يمكن تمريضه فيه، أو أمكن
وأدى إلى تلويث المسجد، والمحرم إذا خاف فوت عرفة أو المشعر، ومن يخاف
على نفسه أو ماله بمقامه، وبعضه ككله في الإخراج، إلا أن يخرج رأسه ليغسل
تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله (1)، ولو خرج لضرورة تحرى أقرب الطرق.
وفي خروجه للأذان في المئذنة قول، وقيده بعضهم بكونه معتادا للأذان ولا يبلغ
صوته تماما إلا بها، ولو صعد سطح المسجد فكالخروج، وقيل: لا.
ويحرم عليه نهارا ما يحرم على الصائم، وكذا البيع والشراء والطيب حتى
الريحان على الأقوى، والاستمتاع بالنساء والمماراة ليلا ونهارا. ولو اضطر إلى
شراء شئ وتعذرت المعاطاة جاز، وكذا البيع. وللشيخ (2) قول بتحريم محرمات
الإحرام، وهو ضعيف. ولا يفسد العقد خلافا له رحمه الله (3).
ويجوز له النظر في معاشه والخوض في المباح وإن كان تركه أفضل، وأما
درس العلم وتدريسه وتلاوة القرآن فهو أفضل من الصلاة ندبا. ولا يستحب له
الصمت عن ذكر الله تعالى، بل يحرم إن اعتقده، ولو نذره في اعتكافه بطل،
ولو جعل كلامه في أغراضه بالقرآن كره.
[80]
درس
لا يجب الاعتكاف إلا بنذر أو عهد أو يمين، أو نيابة عن الأب أو غيره
باستئجار، أو مضي يومين في المندوب على الأقوى، وفي المبسوط (4): إن شرط

(1) سنن أبي داود: ج 2 ح 2469 ص 333.
(2) النهاية: ص 172.
(3) المبسوط: ج 1 ص 295.
(4) المبسوط: ج 1 ص 289.
300

الرجوع عند العارض رجع متى شاء ما لم يمض يومان، وإن لم يشترط وجب
بالدخول ثلاثة أيام، وقال المرتضى (1): لا يجب النفل مطلقا، والرواية (2)
بخلافه.
ولو زاد على الثلاثة يومين وجب السادس، وكذا كل ثالث، ولو قيد في
النذر بعدد تعين، ولا يجب فيه المتابعة إلا في كل ثلاثة، إلا أن يشترط ذلك أو
تعين زمانه، ولو نذر اعتكاف أربعة لم يجب الزيادة، ولو نذر خمسة فالأقرب
وجوب السادس. ويجب الليالي في الجميع إلا في اليوم الأول، إلا أن يعين
الزمان كرجب فالأقرب وجوب البدأة في (3) أول ليلة.
ويستحب له أن يشترط في اعتكافه الرجوع مع العارض كالمحرم، فيرجع
عند العارض وإن مضى يومان على الأقرب وفاقا للنهاية (4)، تعين الزمان أو لا،
ولو شرط الرجوع متى شاء اتبع ولم يتقيد بالعارض، ولو جعل الشرط في نذره أو
عهده أو يمينه فكذلك، ولو خلا النذر من الشرط فلا عبرة بالشرط عند الشروع
في الاعتكاف.
وإذا خرج للشرط في الاعتكاف المندوب فلا قضاء، وإن كان في
الواجب المعين فكذلك، وإن كان غير معين ففي وجوب (5) القضاء نظر، وقطع
في المعتبر (6) بوجوبه، وقال ابن إدريس (7): إذا شرط التتابع ولم يعين الزمان
وشرط على ربه فخرج فله البناء والاتمام دون الاستئناف، وإن لم يشترط

(1) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): ص 243.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاعتكاف ح 1 ج 7 ص 404.
(3) في " م ": من.
(4) النهاية: ص 171.
(5) هذه الكلمة غير موجودة في " م " و " ز ".
(6) المعتبر: ص 325.
(7) السرائر: ج 1 ص 423.
301

استأنف (1)، ولعله أراد أنه شرط على ربه في التتابع لا في أصل الاعتكاف. ولو
شرط فعل المنافي بطل رأسا.
ويفسد الاعتكاف نهارا مفسد الصوم، ومطلقا الاستمتاع بالنساء والخروج
من المسجد، وأما البيع والشراء والمراء والسباب فمنافيات عند ابن إدريس (2)
خلافا للشيخ (3).
ثم إن أفسده وكان متعينا ولو بمضي يومين كفر إن كان بجماع أو إنزال
وغيره من مفسدات الصوم، ونقل الشيخ (4) أن ما عدا الجماع يوجب القضاء
خاصة، والظاهر أنه يراد به مع عدم التعيين، ولو (5) فسد بالخروج أو باستمتاع
لا يفسد الصوم أو بسبب يوجب قضاء الصوم خاصة فكفارة خلف النذر أو العهد
أو اليمين بحسب سببه الموجب، ولو كان الخروج في ثالث الندب فلا كفارة
وإن وجب القضاء. ثم كفارة إفساده بمفسدات الصوم كبيرة إن وجب بنذر أو
عهد أو بمضي يومين، وإن وجب باليمين فالظاهر أنها كفارة يمين.
وإن كان الفاسد غير متعين، فإن وجب وجبت الكفارة بالجماع وغيره في
ظاهر كلام الشيخين (6)، وبالجماع خاصة عند آخرين، وهو ظاهر الرواية (7).
ثم هي مخيرة عند الأكثر، ومرتبة عند ابن بابويه (8) لرواية زرارة.

(1) في " م " " ز ": استأنفه.
(2) السرائر: ج 1 ص 424 - 425.
(3) المبسوط: ج 1 ص 295، الاقتصاد: ص 295.
(4) المبسوط: ج 1 ص 294.
(5) في باقي النسخ: فلو.
(6) المقنعة: ص 363، النهاية: ص 172.
(7) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاعتكاف ج 7 ص 406.
(8) من لا يحضره الفقيه: باب الاعتكاف ح 2102 ج 2 ص 188.
302

ولو جامع نهارا في رمضان أو في المعين فكفارتان وليلا (1) واحدة، وأطلق
الأكثر هذا التفصيل ولم يعتبروا التعيين ولا رمضان، ولعله الأقرب لأن في النهار
صوما واعتكافا، ولو كانا معتكفين فعلى كل منهما ذلك، ولو أكرهها نهارا
فالمشهور أربع لا نعلم فيه مخالفا سوى المعتبر (2)، فإنه اقتصر على كفارتين.
وأما تدارك الاعتكاف بعد فساده، فإنه إن كان ندبا أو شرط فلا
تدارك، إلا على قول المعتبر (3) في تدارك غير المعين وإن اشترط، وإن كان
واجبا ولم يشترط (4) فإن كان معينا وجب الإتيان بما بقي وقضى ما ترك وصح
ما مضى إن كان ثلاثة فصاعدا، إلا أن يكون قد شرط فيه التتابع فيجب
الاستئناف على قول متتابعا في وجه، وإن كان غير معين صح ما مضى إن لم
يشرط (5) إذا كان ثلاثة فصاعدا ويأتي بما بقي، وإن شرط التتابع استأنف.
ولو عين شهرا ولم يعلم به حتى خرج قضى ولا كفارة، ولو اشتبه فالظاهر
التخيير، وكذا لو غمت الشهور عليه، ولو أطلق الشهر كفاه الهلالي والعددي،
وكذا لو عين العشر الأخير كفاه التسع لو نقص.
ولو مات قبل القضاء بعد التمكن وجب على الولي قضاؤه عند الشيخ (6)،
والرواية (7) لا دلالة فيها إلا على قضاء الصوم، وجوز الفاضل (8) الاستنابة فيه
للولي.

(1) في " م ": وإلا.
(2) المعتبر: ص 326.
(3) المعتبر: ص 326.
(4) في باقي النسخ: يشرط.
(5) في باقي النسخ: لم يشرط التتابع.
(6) المبسوط: ج 1 ص 286.
(7) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 246 ح 731.
(8) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 295، تحرير الأحكام: ج 1 ص 89.
303

ولو بقي من الاعتكاف أقل من ثلاثة أو نذر الأقل أكمل ثلاثة ووجب
الجميع.
ولو عين ثلاثة فجاء الثالث العيد بطل من أصله، ويجئ على القول
بقضاء صومه وجوب ثلاثة غيرها.
ولو فرق الاعتكاف المنذور في أثناء اعتكاف آخر بحيث لا يحصل الخروج
عن (1) مسمى الاعتكاف قيل: صح، أما توزيع الساعات فلا. وأوجب في
المبسوط (2) وتبعه في المعتبر (3) قضاء الاعتكاف على الفور، والظاهر أنه من فروع
الفورية في الأمر المطلق لا من خصوصيات الاعتكاف.

(1) في باقي النسخ: من.
(2) المبسوط: ج 1 ص 294.
(3) المعتبر: ص 326.
304

كتاب الحج
305

كتاب الحج
وهو لغة القصد المتكرر، وشرعا القصد إلى مكة ومشاعرها لأداء المناسك
المخصوصة، وقيل: هو اسم للمناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة، ويلزم منه
النقل، ومن الأول التخصيص، وهو خير من النقل.
وحج الإسلام فرض على من استكمل شروطا ثمانية من الرجال والنساء
والخناثى.
أحدها: البلوغ، فلا يجب على الصبي، ولا يصح منه مباشرته إلا أن يكون
مميزا وأذن له الولي. ولو بلغ قبل أحد الموقفين صح حجه، وكذا لو فقد التمييز
وباشر به الولي فاتفق البلوغ والعقل، ولو بلغ بعد الوقوف والوقت باق جدد
النية وأجزأ. والولي ولي المال كالأب والجد والوصي ووكيل أحدهم والأم
على الأقوى.
والنفقة الزائدة على نفقة الحضر تلزم الولي، وكذا كفارات المحظورات
اللازمة عمدا وسهوا كالصيد، وأما اللازمة عمدا خاصة كالوطء واللبس،
فبناها الشيخ (1) على أن عمد الصبي هل هو عمد أو خطأ، وقد نصوا على أن
عمده في الجناية على الآدمي خطأ، وأما الهدي فعلى الولي، ولو كان مميزا وفقد

(1) المبسوط: ج 1 ص 329.
306

الهدي جاز للولي الصوم عنه وأمره به. ولو وطئ قبل أحد الموقفين متعمدا بني
على العمد والخطأ، وقوى الشيخ (1) أنه خطأ فلا إفساد، ولو قيل بالإفساد
لم يجزئه القضاء حتى يبلغ، ولا يجزئ عن حجة الإسلام إلا أن يكون قد بلغ
في الفاسد قبل الوقوف. ويجب تقديم حجة الإسلام حيث يجبان، فلو قدم القضاء
احتمل إجزاؤه عن حجة الإسلام، وفي وجوب مؤونة القضاء على الولي نظر، أقربه
الوجوب.
وثانيها: العقل، فلا يجب على المجنون (ولا يصح منه) (2)، ويحرم به الولي كغير
المميز. ويجوز للولي الإحرام بهما محلا ومحرما، لأنه ليس نائبا عنهما وإنما هو
جاعلهما محرمين، فيقول: اللهم إني قد أحرمت بهذا إلى آخر النية. ويكون
حاضرا مواجها له، ويأمره بالتلبية إن أحسنها وإلا لبى عنه، ويلبسه الثوبين
ويجنبه مجنبات (3) الإحرام، وإذا طاف به فليكونا متطهرين، ويكفي في الصبي
صورة الوضوء، ويحتمل الإجزاء (4) بطهارة الولي. ولو أركبه دابة فيه أو في
السعي وجب كونه سائقا به أو قائدا، إذ لا قصد للصبي أو المجنون (5).
ويصلي عنه ركعتي الطواف إذا لم يكن مميزا، لأنه لا حكم لصلاة غير
المميز، وعلى ما قال الأصحاب من أمر ابن ست بالصلاة يشترط نقصه عنها،
ولو قيل: يأتي بصورة الصلاة كما يأتي بصورة الطواف أمكن. ولو كان الجنون
دوريا وجب عليه إن وسعت النوبة الأفعال، ولو أفاق قبل الوقوف فكالصبي.
فرع:
لو استقر الحج في ذمته ثم جن لم يجب على الولي الخروج به، فلو فعل وأنفق

(1) المبسوط: ج 1 ص 329.
(2) ما بين القوسين ساقط من " ز "
(3) في باقي النسخ: محرمات.
(4) في " م " و " ز ": الاجتزاء.
(5) في باقي النسخ: والمجنون.
307

عليه من ماله ثم أفاق قبل الوقوف أجزأ ولا غرم، وإلا غرم الولي النفقة الزائدة.
وثالثها: الحرية، فلا يجب على العبد وإن تشبث بالحرية، ويصح منه
المباشرة بإذن المولى، فلو بادر فللمولى فسخه. ولو أذن فله الرجوع قبل التلبس
لا بعده، فلو رجع ولما يعلم حتى أحرم فالأقرب بطلان الرجوع، وقال
الشيخ (1): إحرامه صحيح وللسيد فسخه.
ولو أعتق قبل الوقوف أجزأ عن حجة الإسلام بشرط تقدم الاستطاعة
وبقائها، ويجب عليه الدم لو كان متمتعا، وكذا الصبي لو كمل والمجنون،
ويجب عليهم تجديد نية الوجوب لا استئناف الإحرام، ويعتد بالعمرة المتقدمة لو
كان الحج تمتعا في ظاهر الفتوى.
فرع:
لو حج العبد الآفاقي (2) أو المميز كذلك قرانا أو إفرادا، أو حج الولي بغير
المميز أو المجنون كذلك، وكملوا قبل الوقوف، ففي العدول إلى التمتع مع سعة
الوقت نظر، من الأمر بإتمام النسك، والأقرب العدول للحكم بالإجزاء مطلقا،
ومع عدم القول بالعدول أو لم يمكن العدول ففي إجزاء الحج هنا نظر، من
مغايرته فرضهم، ومن الضرورة المسوغة لانتقال الفرض، وهو قوي.
ولو باعه محرما صح، وتخير المشتري إن لم يعلم على الفور، إلا مع قصر الزمان
الباقي بحيث لا يفوت شئ من المنافع. والأمة تستأذن الزوج والسيد، والمبعض
كالقن، إلا أن يهايأ (3) وتسع النوبة ولا خطر ولا ضرر على السيد فالأقرب
الجواز.

(1) المبسوط: ج 1 ص 327.
(2) في باقي النسخ: الأفقي.
(3) في نسخة في هامش المخطوط: يتهابا.
308

ولو أفسد المأذون أتم وقضى في الرق، قيل: ويجب على المولى تمكينه منه.
ولو أعتق في الفاسد قبل الوقوف أجزأه مع القضاء عن حجة الإسلام، ولو كان
العتق بعده لم يجزئه، ووجبت حجة الإسلام مقدمة، فلو قدم القضاء قال
الشيخ (1): يجزئ عن حجة الإسلام.
ووجوب القضاء يكفي فيه الاستطاعة العادية، بخلاف حجة الإسلام فإنه
بالاستطاعة الشرعية، فلو حصلت صرفها إلى حجة الإسلام، وإلا فالظاهر أن
القضاء مقدم ولا ينتظر استطاعة حجة الإسلام.
ولو نذر العبد بإذن مولاه وعين زمانه فليس للمولى منعه منه، وهل يجب
على المولى الزائد (2) عن نفقة الحضر؟ الأقرب الوجوب، ولو أخل بالمعين حتى
صار قضاء أو كان النذر مطلقا فالوجه عندي عدم منع السيد من البدار، وكذا
الزوجة.
ولوازم المحظورات على العبد، ويكون الصوم عوضا عن الدم قاله الشيخ (3)، وقال المفيد (4): على السيد فداء الصيد وقضاء الفاسد، وفي وجوب التمكين من
الكفارة على السيد وجهان، وفي المعتبر (5): جناياته كلها على السيد لرواية
حريز (6)، ويعارضها رواية عبد الرحمن (7) بعدم وجوب فداء الصيد على السيد،
وحملت على أنه أحرم بغير إذن، فيتخير (8) المولى في الهدي بينه وبين أمره

(1) المبسوط: ج 1 ص 328.
(2) في " م " و " ز ": الزيادة.
(3) المبسوط: ج 1 ص 328.
(4) المقنعة: ص 439.
(5) المعتبر: ص 328.
(6) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب كفارات الصيد وتوابعها ح 1 ج 9 ص 251.
(7) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب كفارات الصيد وتوابعها ح 3 ج 9 ص 252.
(8) في باقي النسخ: ويتخير.
309

بالصوم، لرواية جميل (1) [وفي وجوب التمكين من الكفارة وقضاء الفاسد على
السيد وجهان] (2).
[81]
درس
ورابعها: ملك الزاد والراحلة في المفتقر إلى قطع المسافة، ويكفي ملك
المنفعة، فلا يجب على فاقدهما ولو سهل عليه المشي وكان معتادا للسؤال.
ويكفي البذل في الوجوب مع التمليك أو الوثوق به، وهل يستقر الوجوب، بمجرد
البذل من غير قبول؟ إشكال من ظاهر النقل، وعدم وجوب تحصيل الشرط.
ولو حج كذلك أو في نفقة غيره أجزأ، بخلاف ما لو تسكع فإنه لا يجزئ
عندنا، وفيه دلالة على أن الإجزاء فرع الوجوب، فيقوى الوجوب بمجرد البذل
لتحقق الإجزاء، إلا أن يقال: الوجوب هنا بقبول البذل.
ولو وهبه زادا وراحلة لم يجب عليه القبول، وفي الفرق نظر، وابن
إدريس (3) قال (4): لا يجب الحج بالبذل حتى يملكه المبذول، وجنح إليه
الفاضل (5).
فرع:
لا يمنع الدين الوجوب بالبذل، وكذا لو وهبه مالا بشرط الحج به، أما لو
وهبه مالا مطلقا فإنه يجب قضاء الدين منه.

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 88.
(2) كذا في المعتمدة، والظاهر زيادتها.
(3) السرائر: ج 1 ص 517.
(4) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(5) المختلف: ج 1 ص 257.
310

ولا يجب على المبذول له إعادة الحج مع اليسار خلافا للشيخ (1)، نعم
يستحب لرواية الفضل بن عبد الملك (2).
ويصرف في الاستطاعة ما عدا داره وثيابه وخادمه ودابته وكتب علمه.
فروع ثلاثة:
الأول: في استثناء ما يضطر إليه من أمتعة المنزل والسلاح وآلات الصنائع
عندي نظر.
الثاني: لو غلت هذه المستثنيات وأمكن الحج بثمنها والاعتياض عنها
فالظاهر الوجوب، ويجب لو زادت أعيانها عن قدر الحاجة قطعا، ولا يجب بيعها
لو كان يعتاض عنها بالوقوف العامة وشبهها قطعا.
الثالث: لو لم يكن له هذه المستثنيات وملك مالا يستطيع به صرف فيها،
ولا يجب الحج إذا لم يتسع المال.
أما النكاح تزويجا أو تسريا فالحج مقدم عليه وإن شق تركه، إلا مع
الضرورة الشديدة، والمديون ممنوع إلا أن يستطيع بعد قضائه مؤجلا كان أو
حالا، والمدين مستطيع مع إمكان استيفاء قدر الاستطاعة وإلا فلا. وتجب
الاستدانة عينا إذا تعذر بيع ماله وكان وافيا بالقضاء، وتخير (3) إذا أمكن الحج
بماله، وروى سعد بن يسار (4) الحج من مال الولد الصغير، وحملت على
الاستدانة، وقال في الخلاف (5): لم يرو خلافها فدل على إجماعهم عليها.

(1) الاستبصار: ج 2 ص 143.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 6 ج 8 ص 27.
(3) في " ق ": وتخييرا، وفي " م ": ويتخير.
(4) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 1 ج 8 ص 63.
(5) الخلاف: ج 1 ص 373.
311

ويصرف العقار والبضاعة في الاستطاعة وإن التحق بالمساكين، إلا أن
يشترط الرجوع إلى كفاية. ولا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه أو بيعه مؤجلا إذا
كان عند سير الوفد. ولو حج المستطيع متسكعا أو في نفقة غيره أو بمال مغصوب
أجزأ (1)، ولو طاف أو سعى على مغصوب أو كان ثمن الهدي أو ثوب الإحرام
مغصوبا مع الشراء بالعين لم يجزئ.
والمعتبر في الراحلة ما يناسبه ولو محملا إذا عجز عن القتب، ولا يكفي علو
منصبه في اعتبار المحمل أو الكنيسة، فإن النبي والأئمة عليهم السلام حجوا
على الزوامل. والآلات والأوعية من الاستطاعة.
ويجب حمل الزاد والعلف ولو كان طول الطريق، ولم يوجب الشيخ (2) حمل
الماء زيادة عن مناهله المعتادة، ولو زادت الأثمان عن المعتاد وتمكن منها
فالأولى الوجوب. ولا يجب تحصيل الاستطاعة بإجارة أو تزويج أو تكسب وإن
سهل.
والمعضوب لو بذل له النيابة عنه لم يجب عليه أمره عند الشيخ (3)، ولا يستقر
بتركه وإن وثق بوعده، سواء كان الباذل ولدا أو لا، أهلا للمباشرة أو لا،
مستطيعا أو لا، مشغولا بحجة الإسلام أو لا، وسواء كان المعضوب آيسا من البرء
أو لا، ذا مال أو لا، إلا أن نقول بوجوب الاستنابة عليه وهو الأقوى، وبوجوب
قبول البذل على غير المعضوب وهو المشهور، فيجب أمره هنا على تردد، ولو امتنع
أمره الحاكم.
ولو حج عن المعضوب فبرأ حج ثانيا، فلو مات استؤجر عنه من ماله،
والأقرب أن وجوب الاستنابة فوري إن يئس من البرء، وإلا استحب الفور،

(1) في " ق ": اجتزأ به.
(2) المبسوط: ج 1 ص 300.
(3) المبسوط: ج 1 ص 299.
312

وفي حكم المعضوب المريض والهرم والممنوع بعدو، سواء كان قد استقر عليه
الوجوب أو لا، خلافا لابن إدريس (1) حيث قال: لا تجب إلا مع سبق
الاستقرار.
ولو بذل للمعضوب الفقير مال يكفي للنيابة، ففي وجوب قبوله وجهان
مبنيان على قبول الصحيح وأولى بالمنع، ويلزم من وجوب قبول المال وجوب
قبول بذل النيابة بطريق الأولى، ولو وجب عليه الحج بإفساد أو نذر فهو كحجة
الإسلام بل أقوى.
فرع:
لو استناب المعضوب فشفي انفسخت النيابة، ولو كان بعد الإحرام
فالأقرب الإتمام، فإن استمر الشفاء حج ثانيا، وإن عاد المرض قبل التمكن
فالأقرب الإجزاء.
[82]
درس
وخامسها: أن يكون له ما يمون به عياله حتى يرجع إذا كانوا واجبي النفقة،
لأن حق الآدمي مقدم، ولرواية أبي الربيع الشامي (2).
وسادسها: الصحة من المرض والعضب، وهو شرط في الوجوب البدني
لا المالي، ولو لم يتضرر بالركوب وجب.
وسابعها: تخلية السرب، فيسقط مع الخوف على النفس أو المال أو البضع
إذا غلب الظن على ذلك. ولو احتاج إلى خفارة أو مال للعدو وجب مع المكنة

(1) السرائر: ج 1 ص 516.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 2 ج 8 ص 24.
313

ما لم يجحف، ولو دفع إليه مال لمصالحة (1) العدو قيل: لم يجب قبوله، ولو دفع
المال إلى العدو وخلا السرب وجب. ويجب سلوك الآمن من الطرق وإن بعد
أو كان في البحر، ولو اشتركت في العطب سقط، وكذا لو خاف هيجان البحر.
فرع:
لو خرج مع الأمن فخاف في أثناء الطريق أو هاج عليه البحر رجع إن
أمن، ولو تساوى الذهاب والإياب والمقام في الخوف احتمل ترجيح الذهاب.
ولا يجب قتال العدو وإن كان كافرا وظن السلامة، نعم يستحب،
بخلاف ما لو كانوا مسلمين إلا من حيث النهي عن المنكر. ويجب البدار مع
أول رفقة، إلا أن يثق بالمسير مع غيرها.
وثامنها: التمكن من المسير بسعة الوقت، فلو ضاق أو احتاج إلى سير عنيف
ليطوي المنازل وعجز سقط في عامه، وكذا لو قدر بمشقة غير محتملة.
ولو حج فاقد هذه الشرائط لم يجزئه، وعندي لو تكلف المريض والمعضوب
والممنوع بالعدو وضيق (2) الوقت أجزأ، لأن ذلك من باب تحصيل الشرط فإنه
لا يجب، ولو حصله وجب وأجزأ، نعم لو أدى ذلك إلى إضرار بالنفس يحرم
إنزاله، ولو قارن بعض المناسك احتمل عدم الإجزاء.
وهنا شروط غير معتبرة عندنا وهي أربعة: الإسلام، فيجب على الكافر
وإن لم يصح منه، وأولى بالوجوب المرتد، ولو أحرما فسد، فإن زال المانع أعادا
إن أدركا الوقوف، ولو ارتد بعد الحج لم يعد على الأقوى، ولو كان في أثناء
الإحرام وعاد إلى الإسلام بنى.
وثانيها: البصر، فيجب على المكفوف إذا وجد قائدا أو أمكنه الاستقلال.

(1) في " م " و " ق ": لمصانعة.
(2) في " ز ": وبضيق.
314

وثالثها: المحرم في النساء إلا مع الحاجة، وأجرته ونفقته جزء من
الاستطاعة، ولا يجب على المحرم الإجابة. وتتحقق الحاجة بالخوف على البضع،
فلو ادعى الزوج الخوف وأنكرت عمل بشاهد الحال أو بالبينة، فإن انتفيا قدم
قولها، والأقرب أنه لا يمين عليها. ولو زعم الزوج أنها غير مأمونة على نفسها
وصدقته فالظاهر الاحتياج إلى المحرم، لأن في رواية أبي بصير (1) وعبد الرحمن (2)
تحج بغير محرم إذا كانت مأمونة. وإن أكذبته وأقام بينة بذلك أو شهدت به
القرائن فكذلك، وإلا فالقول قولها. وهل يملك الزوج محقا منعها باطنا؟ نظر.
ورابعها: إذن الزوج، وليس شرطا في الوجوب ولا في البدار في الحج
الواجب المضيق، نعم يستحب استئذانه، فإن امتنع خالفته، ويشترط (3) في
التبرع، والمعتدة رجعية زوجة بخلاف البائن. ونفقة الحضر على الزوج حيث
يجوز الخروج.
واختلف في الرجوع إلى كفاية بنحو صناعة أو بضاعة أو ضيعة، فنقل
الشيخ (4) الإجماع عليه، وأنكره الحليون (5) وهو أصح (6). واختلف في اشتراط
الإيمان في الصحة، والمشهور عدم اشتراطه، فلو حج المخالف أجزأ ما لم يخل بركن
عندنا لا عنده، فلو استبصر لم تجب الإعادة، وقال ابن الجنيد (7) والقاضي (8):

(1) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 5 ج 8 ص 109.
(2) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 6 ج 8 ص 109.
(3) في باقي النسخ: ويشترط إذنه.
(4) الخلاف: ج 1 ص 371.
(5) السرائر: ج 1 ص 513، إرشاد الأذهان: ج 1 ص 310، المعتبر: ص 329.
(6) في " ق ": الأصح.
(7) المختلف: ج 1 ص 258.
(8) المهذب: ج 1 ص 268.
315

تجب، لرواية (1) ضعيفة معارضة بصحيحة (2) محمولة على الندب. ولو حج المحق
حج غيره جاهلا ففي الإجزاء تردد، من التفريط، وامتناع تكليف الغافل، مع
مساواة (3) المخالف في الشبهة. ويصح من السفيه، ويجب مع الاستطاعة، فإن
افتقر إلى حافظ فأجرته جزء منها.
فانقسمت الشرائط إلى أربعة أقسام: الأول: ما يشترط في الصحة خاصة،
وهو الإسلام. الثاني: ما يشترط في المباشرة، وهو الإسلام والتمييز. الثالث:
ما يشترط في الوجوب، وهو ما عدا الإسلام. الرابع: ما هو شرط (4) في الإجزاء،
وهو ما عدا الثلاثة الأخيرة. وفي ظاهر الفتاوى كل شرط في الوجوب والصحة
شرط في الإجزاء.
ومع الشرائط يجب في العمر مرة إجماعا، والرواية (5) بوجوبه على أهل الجدة
في كل عام مؤولة بالتارك، أو بالاستحباب المؤكد. ويستقر الوجوب بمضي
زمان يمكن فيه على جامع الشرائط، ولا يكفي إمكان دخول الحرم، فيقضى من
أصل تركته من منزله، ولو ضاق المال فمن حيث يمكن ولو من الميقات على
الأقوى، ولو قضى مع السعة من الميقات أجزأ وإن أثم الوارث، ويملك المال
الفاضل، ولا يجب صرفه في نسك أو بعضه أو في وجوه البر.
ولو حج فمات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ، ولا يكفي الإحرام على
الأقرب، ولا فرق بين موته في الحل أو الحرم، محلا أو محرما كما لو مات بين
الإحرامين.

(1) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب مقدمة العبادات ح 3 ج 1 ص 91.
(2) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 1 ج 8 ص 42.
(3) في باقي النسخ: مساواته.
(4) في " ق ": ما يشترط.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 1 ج 8 ص 10.
316

والمشي أفضل من الركوب، فقد حج الحسن بن علي عليهما السلام عشرين
حجة ماشيا (1)، ولو ضعف به عن التقدم للعبادة بمكة كان الركوب أفضل. ولو
قصد بالمشي حفظ المال ولا حاجة إليه ففي رجحانه على الركوب هنا نظر، من
المشقة والنية.
[83]
درس
قد يجب الحج والعمرة بالنذر والعهد واليمين والنيابة والافساد. ويشترط في
صحة النذر وقسيميه التكليف، والإسلام، وإذن الزوج والمالك، أو إجازتهما
بعده، أو زوال الولاية عنهما قبل إبطال الوالي، وإذن الأب في العهد واليمين،
وفي النذر نظر من الشك في تسميته يمينا، وفي تبعيض الحل احتمال قوي سواء
كان في الأجزاء أو في الأوصاف.
ويتقيد الالتزام بهذه الثلاثة بحسب القيد إذا كان مشروعا، كعام معين أو
نوع من أنواع الحج بعينه أو ركوب أو مشي حيث يكون أفضل، ولا ينعقد نذر
الحفاء في المشي للخبر (2) عن النبي صلى الله عليه وآله. ولو أطلق تخير في
الأنواع.
وهل يجزئ النذر المطلق عن حجة الإسلام؟ قيل: نعم لرواية رفاعة (3)،
وقيل: لا لاختلاف السبب. ولو حج بنية حجة الإسلام لم يجزئ عن النذر على
القولين. ولو نذر حجة الإسلام وقد وجبت فهو من باب نذر الواجب، وإلا
يقيد بالاستطاعة، ولا يجب تحصيلها إلا فيما مر من تكلف المريض وشبهه على
إشكال، أقربه عدم الوجوب.

(1) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 7 ج 8 ص 58.
(2) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 4 ج 8 ص 60.
(3) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 2 ج 8 ص 49.
317

ولو نذر المستطيع الصرورة أن يحج في عامه غير حجة الإسلام لم ينعقد
ما دام مستطيعا، وإن قصد مع فقد الاستطاعة وزالت صح، ولو خلا عن القصد
فالأقرب المراعاة، فإن تمت الاستطاعة لغا النذر، وإلا صح.
والظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، فلو نذر الحج ثم استطاع صرف
ذلك إلى النذر، فإن أهمل واستمرت الاستطاعة إلى القابل وجبت حجة
الإسلام أيضا، وظاهر الأصحاب تقديم حجة الإسلام مطلقا وصرف
الاستطاعة بعد النذر إليها، إلا أن يعين سنة للنذر فيصرف الاستطاعة فيها إلى
حج النذر.
ولو حج الناذر عن غيره أجزأ في صحيح رفاعة (1) واختاره الشيخ (2)،
والأقرب عدمه، وتحمل الرواية على من قصد مطلق الحج. وقال الشيخ نجيب
الدين يحيى بن سعيد (3): لا يشترط في وجوب حج النذر الاستطاعة بالمال إلا
أن يشترطها، وفي المبسوط (4) وغيره: لا يراعى في صحة النذر شروط حجة
الإسلام، فينعقد نذر من ليس بواجد للزاد والراحلة.
ومن مات وعليه حجة الإسلام والنذر أخرجتا من صلب ماله على الأصح،
ومع القصور إلا عن واحدة تصرف في حجة الإسلام، ويستحب للولي أن يحج
عنه للنذر، وقد يظهر من كلام ابن الجنيد (5) الوجوب، ولو نذر الحج بولده أو
عنه لزم، فإن مات الناذر استؤجر عنه من الأصل، ولو مات الولد قبل التمكن
فالأقرب السقوط، ولو مات بعده وجب القضاء، والظاهر مراعاة التمكن في

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 3 ج 8 ص 49.
(2) تهذيب الأحكام: باب في الزيادات من كتاب الحج ج 5 ص 406.
(3) الجامع للشرائع: ص 174.
(4) المبسوط: ج 1 ص 296.
(5) المختلف: ج 1 ص 259.
318

وجوب القضاء على الناذر أيضا.
ولو قيد الحج بعام فمرض أو صد فلا قضاء، وكذا لو لم يستطع. ولو قيده
بالمشي وجب من بلده على الأقوى، ويسقط المشي بعد طواف النساء، فلو
ركب طريقه أعاد ماشيا، فإن تعين الزمان قضى وكفر، وفي المعتبر (1): يمكن
إجزاء الحج وإن وجبت الكفارة. وإن ركب بعضه قضى ملفقا فيمشي
ما ركب ويتخير فيما مشى منه، ولو اشتبهت الأماكن احتاط بالمشي في كل
ما يجوز فيه أن يكون قد ركب. ولو عجز عن المشي فالأقوى أنه يحج راكبا، وفي
وجوب سوق بدنة لرواية الحلبي (2) أو استحبابه جبرا قولان. وإذا عبر في بحر أو
نهر فالأولى القيام لرواية السكوني (3).
[84]
درس
تجوز النيابة في الحج، وتقع للمنوب بشرط إسلامهما، وإيمان المنوب عنه إلا
أن يكون أبا، والأقرب اختصاص المنع بالناصب، ويستثنى الأب ويلحق به
الجد له لا للأم. ولو حج المخالف عن مثله أجزأ، قيل: وعن المؤمن لصحة حجه،
فلو استبصر الولي أو النائب لم يجب القضاء.
وشرط النيابة في الواجب موت المنوب أو عجزه، ولا يشترط ذلك في الندب
إجماعا، فتجوز الاستنابة في الحج ندبا للحي. وفيه فضل كثير، فقد أحصي في
عام واحد خمسمائة وخمسون رجلا يحجون عن علي بن يقطين صاحب الكاظم
عليه السلام (4)، أقلهم بسبعمائة دينار وأكثرهم عشرة آلاف.

(1) المعتبر: ص 331.
(2) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 3 ج 8 ص 60.
(3) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 1 ج 8 ص 64.
(4) لم نعثر على نص يدل على الخمسمائة والخمسين، نعم في رجال الكشي (ج 2 ص 733 ح 820):
أحصي لعلي بن يقطين بعض السنين ثلاثمائة ملب أو مائتين وخمسين ملبيا...
319

ويشترط في النائب العقل، فلا تصح نيابة المجنون ولا الصبي غير المميز، وفي
صحة نيابة المميز وجه للمحقق (1) رجع عنه في المعتبر (2). والعدالة شرط في
الاستنابة عن الميت وليست شرطا في صحة النيابة، فلو حج الفاسق عن غيره
أجزأ، وفي قبول إخباره بذلك تردد، أقربه القبول، لظاهر حال المسلم، ومن
عموم قوله تعالى: " فتبينوا " (3). ولا يشترط الذكورة، فتجوز نيابة المرأة عن
الرجل والمرأة وإن كانت صرورة على الأقوى، ومنع في التهذيب (4) من نيابتها
صرورة عن الرجل لرواية الشحام (5)، وفي النهاية (6) أطلق المنع من نيابة المرأة
الصرورة، وفي المبسوط (7) صرح بالمنع عن الرجل والمرأة. ولا يشترط الحرية على
الأشبه إذا أذن السيد.
ويشترط الخلو من حج واجب على النائب، إلا أن يعجز عن الوصلة إليه
فيجوز عند ضيق الوقت، ولا يقدح في صحتها تجدد القدرة، وكذا لا تنفسخ
الإجارة بتجدد الاستطاعة لحج الإسلام، ولا يستقر حج الإسلام إلا ببقاء
الاستطاعة إلى القابل. ويشترط قدرة الأجير على العمل وفقهه في الحج، وفي
الاكتفاء بالعلم الإجمالي احتمال، نعم لو حج مع مرشد عدل أجزأ. ولا يشترط
أن يشترط (8) على الأجير السنن الكبار خلافا لابن الجنيد (9).

(1) شرائع الإسلام: ج 1 ص 232.
(2) المعتبر: ص 332.
(3) سورة الحجرات: الآية 6.
(4) تهذيب الأحكام: في الزيادات في فقه الحج ح 1439 ج 5 ص 414.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب النيابة في الحج ح 1 ج 8 ص 125.
(6) النهاية: ص 280.
(7) المبسوط: ج 1 ص 326.
(8) في باقي النسخ: يشرط.
(9) المختلف: ج 1 ص 314.
320

ويجب تعيين المنوب عنه قصدا، ويستحب لفظا في جميع الأفعال، فيقول
عند الإحرام: اللهم ما أصابني من تعب أو لغوب أو نصب فأجر فلان بن فلان
وأجرني في نيابتي عنه، فلو أحرم عنه ثم عدل إلى نفسه لغا العدول، فإن أتم
الأفعال عن نفسه أجزأ عند الشيخ (1) عن المنوب عنه، بناء على أن نية الإحرام
كافية عن نية باقي الأفعال، وأن الإحرام يستتبع باقي الأفعال، وأن النقل
فاسد لمكان النهي، وتبعه في المعتبر (2) دون الشرائع (3)، وفي رواية أبي حمزة (4) لو
حج الأجير (5) عن نفسه وقع عن المنوب، وهذا أبلغ من الأول. ولو أحرم عن
نفسه وعن المنوب فالمروي عن الكاظم عليه السلام (6) وقوعه عن نفسه،
ويستحق المنوب عنه (7) ثواب الحج وإن لم يقع عنه، وقال الشيخ (8): لا ينعقد
الإحرام عنهما ولا عن أحدهما.
ولا يجوز أن ينوب عن اثنين في حجتين لعام، ويجوز في عمرتين مفردتين (9)
وعمرة مفردة وحجة مفردة. ولو استأجراه لعام صح الأسبق، فإن اقترنا في
العقد وزمان الإيقاع بطلا، وإن اختلف زمان الإيقاع صحا، إلا أن يكون
المتأخر يجد من يحج عن منوبه لذلك العام، فالأقرب بطلان العقد المؤخر. ولو
حج اثنان عن فرضي ميت أو معضوب في عام واحد فالأقرب الإجزاء، وإن
كان يمتنع من المنوب حجتان بالمباشرة في عام واحد، ولا فرق بين أن يكون فيهما
حجة الإسلام أو لا.

(1) الخلاف: ج 1 ص 374.
(2) المعتبر: ص 335.
(3) شرائع الإسلام: ج 1 ص 235.
(4) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب النيابة في الحج ح 1 ج 8 ص 136.
(5) في " ق ": النائب.
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب النيابة في الحج ح 1 ج 8 ص 123.
(7) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(8) الخلاف: ج 1 ص 429.
(9) هذه الكلمة غير موجودة في " ز " " ق ".
321

ولو قلنا بوجوب تقديم حجة الإسلام من المنوب إما لسبق وجوبها أو مطلقا
ففي وجوب تقديمها من النائب نظر، ولو تقدم نائب المنذورة فقضية كلام
الشيخ (1) وقوعها عن حجة الإسلام، ويستحق الأجرة على إشكال، أقربه ذلك،
لإتيانه بما استؤجر له، والقلب من فعل الشارع، وحينئذ تنفسخ إجارة الآخر.
ويجوز أن ينوب الواحد في النسك المندوبة (2) عن جماعة، ولا يجوز في
الواجب، فلو فعل عنهم لم يقع لهم، وفي وقوعها لنفسه تردد لرواية أبي حمزة (3)،
ولأنه لم ينو عن نفسه. ولو اشتركوا في نذر حج مشترك صح من النائب الواحد
وإن كان واجبا على الجماعة.
وتجوز النيابة في أبعاض الحج القابلة لذلك، كالطواف والسعي والرمي
والذبح، لا الإحرام والوقوف والمبيت بمنى والحلق، ويشترط في الجميع العجز
بغيبة أو غيرها، وقدرت الغيبة بعشرة أميال في الطواف. والحمل جائز في
الطواف والسعي ويحتسب لهما، إلا أن يستأجره على حمله لا في طوافه. ولو
تعذرت الطهارة عليه في الطواف استناب فيه وفي الصلاة، وفي استنابة الحائض
عندي تردد.
ويجب أن يأتي بالنوع المشترط عليه، فلو عدل إلى الأفضل جاز إذا قصد
المستأجر ذلك وكان الحج ندبا، أو واجبا مخيرا كالنذر المطلق وحج متساوي
الإقامة بمكة وغيرها، وإلا فلا، وجوز الشيخ (4) العدول إلى الأفضل مطلقا، ولو
عدل إلى المفضول أو إلى الحج عن العمرة أو بالعكس وتعين الزمان بطل. ولو
استأجره مطلقا وقع عن المنوب عنه، ولا يسقط فرضه المستأجر عليه ولا أجرة،

(1) المبسوط: ج 1 ص 325.
(2) في باقي النسخ: المندوب.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب النيابة في الحج ح 1 ج 8 ص 123.
(4) المبسوط: ج 1 ص 324.
322

وهذا يتم على القول بأن الأمر بالشئ نهي عن جميع أضداده، وعلى القول
بالفرق بين الواجب على الفور بسبب الشرط وبين الواجب على الفور بسبب
الإطلاق، وفيهما منع.
ولو شرط سلوك طريق معين وجب مع الفائدة، فلو سلك غيره رجع عليه
بالتفاوت، وقال الشيخ (1): لا يرجع، لإطلاق رواية حريز (2) فيمن استؤجر للحج من
الكوفة فحج من البصرة قال: لا بأس، وفيها دليل على أنه لا يتعين المسير من
نفس بلد الميت. ولو شرط سنة معينة وجب.
ولا يجوز لوصي الميت تأخير الاستئجار إلى عام آخر مع الإمكان، ولو أطلق
اقتضى التعجيل، فلو خالف الأجير فلا أجرة له، ولو أهمل لعذر فلكل منهما
الفسخ في المطلقة في وجه قوي، ولو كان لا لعذر تخير المستأجر خاصة، ولو صد
أو أحصر تحلل بالهدي وانفسخت الإجارة إن تعين الزمان، وإن كان مطلقا
ملكا الفسخ كما قلناه، ويملك من الأجرة بنسبة ما عمل، ويستأجر آخر من
موضع الصد، ولو كان من (3) بين الميقات ومكة فمن الميقات. ولو مات بعد
الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنهما، ولا يكفي الإحرام خلافا للخلاف (4). وكفارة
جناية الأجير في ماله ودم الهدي عليه. ويستحب له إعادة فاضل الأجرة،
ويستحب للمستأجر الإتمام لو أعوز، وفي استحباب إجابة الوارث إلى
أخذ الزيادة وإجابة النائب إلى قبول التكملة نظر. ولو جامع قبل الوقوف أعاد
الحج وأجزأ عنهما، سواء كانت الإجارة معينة أو مطلقة على الأقوى.

(1) المبسوط: ج 1 ص 325.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب النيابة في الحج ح 1 ج 8 ص 127.
(3) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(4) الخلاف: ج 1 ص 429.
323

[85]
درس
لا يشترط في صحة الإجارة تعيين الميقات، فإن عينه تعين، فإن خالف
أجزأ، وقال الشيخ (1): لا يرد التفاوت. ولو شرط الإحرام قبل الميقات صح إن
كان قد وجب على المنوب (2) بالنذر وشبهه، وإلا فسد العقد، والشيخ (3) حكم
بالبطلان مطلقا.
ولا تجوز النيابة عن الحي إلا بإذنه بخلاف الميت، ولو كان النسك مندوبا
لم يشترط إذن الحي على الأشبه. وتجوز النيابة في نسك لمن لم يجب عليه وإن
وجب عليه النسك الآخر، وكذا لو استأجره أحدهما لعمرة والآخر لحجة مفردة،
فلو اعتمر عن نفسه ثم أتى بالمستأجر عليه تاما أجزأ.
وإن تعذر عليه العود إلى الميقات قال الشيخ (4): يحرم من مكة ويجزئ
ولا يرد التفاوت، وقيل: يرد بنسبة ما فات من الميقات إلى مكة، ويحتمل
ما بينهما وبين بلده. ولو أمكنه العود إلى الميقات لم يجزئه، وقال الفاضل (5):
يجزئ ويرد التفاوت مع تعيين الميقات، ويشكل صحة الحج إذا تعمد النائب
الاعتمار عن نفسه ولما يعد إلى الميقات، سواء تعذر عليه العود أو لا، إلا أن
يظن إمكان العود، أو يفرق بين المتعمد (6) عن نفسه وغيره، وفي الخلاف (7):

(1) المبسوط: ج 1 ص 325.
(2) في باقي النسخ: على المنوب ذلك.
(3) الخلاف: ج 1 ص 428.
(4) المبسوط: ج 1 ص 323 - 324.
(5) المختلف: ج 1 ص 314.
(6) في " ق ": المعتمر.
(7) الخلاف: ج 1 ص 430.
324

لا خلاف في إجزائه مع تعذر العود. ولا يجوز للنائب الاستنابة إلا مع التفويض،
وعليه تحمل رواية عثمان بن عيسى (1).
ويستحق الأجرة بالعقد، ولا يجب التسليم إلا بالعمل، ولو توقف الحج على
الأجرة، فالأقرب جواز فسخ الأجير، ولا يجوز لوصي الميت التسليم قبل الفعل إلا
مع الإذن صريحا أو شاهد الحال. وتجوز الجعالة على الحج والعمرة، فإن عين
الجعل والنسك وأتى به استحقه، وإن لم يعين الجعل فله أجرة المثل، ولو قال:
من حج عني أو اعتمر فله عشرة، فالأقرب الصحة بخلاف الإجارة.
ويجب سير الأجير مع أول رفقة، فإن تأخر وأدرك أجزأ، وإن فاته الموقفان
فلا أجرة له، ويتحلل بعمرة عن نفسه، ولو فاتاه بغير تفريط فله من المسمى
بالنسبة.
ولو عين الموصي النائب أو القدر تعينا، ولا يجب على النائب القبول، ولو
زاد القدر عن أجرة المثل فمن الثلث إلا مع إجازة الوارث، ولو امتنع المعين
وأراد الزيادة عن أجرة المثل لم يعط لأنها وصية بشرط النيابة، ثم يستأجر غيره
بذلك القدر إن علم أن غرض الموصي تحصيل الحج، وأن تعلق الغرض بالمعين
استؤجر غيره بأجرة المثل. ولو أطلق القدر وعين الأجير أعطي أقل أجرة يوجد
من يحج عنه بها قاله في المبسوط (2)، ويحتمل أن يعطى أجرة مثله إن اتسع
الثلث، فلو امتنع استؤجر غيره بأقل أجرة، ولو أطلق الوصية بالحج فكذلك.
ولو مات من استقر عليه الحج أخرج عنه وإن لم يوص، ولو لم يخلف شيئا
استحب للولي الحج عنه، ويتأكد في الوالدين، ولو تبرع عنه أجنبي أجزأ ولو
ترك مالا، [ولو خلف شيئا] (3) لا يقوم بالحج من أقرب المواقيت ولو من مكة

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب النيابة في الحج ح 1 ج 8 ص 129.
(2) المبسوط: ج 1 ص 324.
(3) ما بين المعقوفتين غير موجود في " ق ".
325

عاد ميراثا، ولو وسع أحد النسكين فالأقرب وجوبه، ولا كذا لو وسع بعض
الأفعال.
ولو أوصى بالحج الواجب مع واجب آخر وضاقت التركة وزعت، فلو قصر
نصيب الحج صرف في الباقي، ولو كان معهما (1) ندب قدم الواجب، وكذا لو
جمع الوصايا في الثلث، ولا يوزع على الأقرب لرواية معاوية بن عمار (2)، فلو
أوصى بحج واجب وعتق وصدقة ندبا وقصر المال أو الثلث عما عدا الحج
سقطا، ولا يجوز صرفه في إعانة الحاج والساعي في فك رقبته وفي الصدقة.
ولو أطلق الموصي الحج حمل على الندب إذا لم يعلم الوجوب، ولا يجب
التكرار إلا أن يعلم منه ذلك فيحج عنه بثلث ماله، وعليه تحمل رواية ابن أبي
خالد (3). ولو عين لكل سنة قدرا فقصر تمم في الثانية فما بعدها، ولو فضل عن
سنة صرف في حجة أخرى لتلك السنة، فلو قصرت الفضلة كملها من
الفضلات الآتية، ولو قصر مال الآتية عن السنة كملها بتلك الفضلة.
فروع ثلاثة:
الأول: هل للوصي التكسب بهذا المال أو للوارث مع الضمان؟ يحتمل
ذلك للأصل، والمنع لعدم دخوله في ملك الوارث، فلو تكسب به وربح وكان
الشراء بالعين احتمل صرفه إلى الحج، أو إلى الوارث على بعد.
الثاني: الأقرب أن الاستئجار هنا من بلد الميت مع السعة، وإلا فمن حيث
يمكن، وسبيله سبيل حجة الإسلام.
الثالث: لو كان الوصية بغلة بستان أو دار فمؤونتهما على الوارث لأن الأصل

(1) في باقي النسخ: معه.
(2) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 1 و 2 ج 8 ص 52 و 53.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب النيابة في الحج ح 2 ج 8 ص 120.
326

ملكه، ويحتمل تقديمها على الوصية لتوقفها عليها.
وروى بريد (1) فيمن استودع مالا فهلك وعليه حجة الإسلام يحج عنه
المودع، وحملها الأصحاب على العلم بأن الورثة لا يؤدون، وطردوا الحكم في غير
الوديعة كالدين والغصب والأمانة الشرعية.
فروع:
خرج بعضهم وجوب استئذان الحاكم مع إمكانه.
الثاني: ظاهر الرواية (2) مباشرة الحج بنفسه، والأقرب جواز الاستئجار
أيضا، والظاهر أن الحج هنا من بلد الميت كغيره.
الثالث: لو تعدد الودعي توازعوا الأجرة، ويمكن جعله من فروض
الكفايات، ولو حجوا جميعا قدم السابق، ولا غرم على الباقين مع الاجتهاد على
تردد، ولو اتفق إحرامهم دفعة سقط من وديعة كل منهم ما يخصه من الأجرة
الموزعة، ولو علموا بعد الإحرام أقرع بينهم، وتحلل من لم تخرج له القرعة.
الرابع: الظاهر اطراد الحكم في غير حجة الإسلام كالنذر وفي العمرة، بل
وفي قضاء الدين، وأما حج الإفساد فسيأتي إن شاء الله، وما عدا ذلك مسنون.
ويشترط في صحة الندب الخلو من الواجب، سواء كان حجة الإسلام
أو لا، فلو نوى الندب لم ينعقد إحرامه، وقال الشيخ (3): ينعقد ويجزئ عن حجة
الإسلام، وفي التهذيب (4) ظاهره جواز الحج ندبا وإن لم يجزئ عن حجة
الإسلام. ولو أوصى بالحج ندبا أخرج من الثلث، فلو كان هناك واجب

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب النيابة في الحج ح 1 ج 8 ص 128.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب النيابة في الحج ح 1 ج 8 ص 128.
(3) الخلاف: ج 1 ص 375، المبسوط: ج 1 ص 326.
(4) تهذيب الأحكام، باب في الزيادات ح 1427 ج 5 ص 410.
327

فأوقعهما الأجيران في عام، فالأقرب الصحة، وإن تقدم الندب أو قارن
الواجب. ولو قصرت الأجرة عن الرغبة ففي الصدقة بها أو توريثها قولان. ويجوز
الحج ندبا بغير إذن الأبوين وإن كان الأفضل استئذانهما قاله الشيخ (1)،
ويكره تركه خمس سنين لما روي (2) أنه لمحروم.
[86]
درس
أقسام الحج ثلاثة: التمتع والقران والإفراد، وأفعال التمتع الواجبة مرتبة
خمسة وعشرون: النية، والاحرام بالعمرة، والتلبية، ولبس ثوبي الإحرام،
والطواف، وركعتاه، والسعي، والتقصير، والنية، والاحرام بالحج، والتلبية،
واللبس، والوقوف بعرفات، والكون (3) بالمشعر، والوقوف به، ورمي جمرة
العقبة، والذبح، والحلق أو التقصير، وطواف الزيارة، وركعتاه، والسعي،
وطواف النساء، وركعتاه، والمبيت بمنى ليالي التشريق، ورمي الجمرات
الثلاث. وفي التبيان (4): يستحب الحلق أو التقصير والرمي أيام منى، وهو
متروك.
والأركان من كل (5) ذلك ثلاثة عشر: النية، والاحرام بالعمرة، والتلبية،
وطوافها، وسعيها، والنية، والاحرام بالحج، والتلبية، والوقوف بعرفات، والكون
بالمشعر، وطواف الحج، وسعيه، والترتيب. ويتحقق البطلان بفوات شئ من
الأركان عمدا لا سهوا، إلا أن يكون الفائت الموقفين فيبطل وإن كان سهوا،

(1) المبسوط: ج 1 ص 328.
(2) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 2 ج 8 ص 98.
(3) في " م " و " ق ": والمبيت.
(4) التبيان: ج 2 ص 154.
(5) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
328

ولا يبطل بفوات باقي الأفعال وإن كان عمدا. وفي ركنية التلبية خلاف،
ورواية ابن عمار (1) تقتضي توقف الإحرام عليها.
وهذه الأفعال لقسيميه، ويؤخران العمرة عن الحج، ويزيدان فيها طواف
النساء وركعتيه بعد الحلق أو التقصير، وكذا في كل عمرة مفردة. وقال
الحلبي (2): الحلق آخرها، والرواية (3) بخلافه، وظاهر الجعفي (4) أنه (5) ليس في
المفردة طواف النساء، ونقل عن بعض الأصحاب أن في المتمتع بها طواف
النساء، وفي المبسوط (6): الأشهر في الروايات عدمه، وأشار به إلى رواية
سليمان بن حفص (7) عن الفقيه المتمتع إذا قصر فعليه لتحله النساء طواف
وصلاة، ولا هدي على المفرد.
وبسياق الهدي يتميز عنه القارن في المشهور، وقال الحسن (8): القارن من
ساق وجمع بين الحج والعمرة فلا يتحلل منها حتى يحل من الحج، فهو عنده
بمثابة المتمتع إلا في سوق الهدي وتأخير (9) التحلل وتعدد السعي، فإن القارن
عنده يكفيه سعيه الأول عن سعيه في طواف الزيارة. وظاهره وظاهر
الصدوقين (10) الجمع بين النسكين بنية واحدة، وصرح ابن الجنيد (11) بأنه يجمع

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب إحرام الحج ح 1 ج 10 ص 9.
(2) الكافي في الفقه: ص 200 و 222.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب التقصير ح 1 ج 9 ص 541.
(4) كتابه غير موجود عندنا.
(5) في باقي النسخ: أن.
(6) المبسوط: ج 1 ص 360.
(7) وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب الطواف ح 7 ج 9 ص 494.
(8) المختلف: ج 1 ص 259.
(9) في " م ": وتأخر.
(10) المختلف: ج 1 ص 317، المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 19.
(11) المختلف: ج 1 ص 317.
329

بينهما، فإن ساق وجب عليه الطواف والسعي قبل الخروج إلى عرفات
ولا يتحلل، وإن لم يسق جدد الإحرام بعد الطواف، ولا تحل له النساء وإن
قصر.
وقال الجعفي (1): القارن كالمتمتع غير أنه لا يحل حتى يأتي بالحج للسياق،
وفي الخلاف (2): إنما يتحلل من أتم أفعال العمرة إذا لم يكن ساق، فلو كان
قد ساق لم يصح له التمتع ويكون قارنا عندنا، وظاهره أن المتمتع السائق قارن،
وحكاه الفاضلان (3) عنه ساكتين عليه. ثم السياق يقارن الإحرام، وقال
المفيد (4): إذا لم يقدر على المقارنة أجزأه قبل دخول الحرم.
ثم التمتع عزيمة في النائي عن مكة بثمانية وأربعين ميلا من كل جانب،
وأما قسيماه فلمن يقصر (5) عنها لرواية زرارة والحلبي وأبي بصير (6)، وقال في
المبسوط (7) والحلبي (8) وابن إدريس (9): اثنا عشر ميلا، ولا نعلم مستنده.
ويتخير المكي بين القسمين والقران أفضل، ويتخير الحاج ندبا في الثلاثة،
وكذا الناذر وشبهه، وذو المنزلين المتساويين في الإقامة، والتمتع أفضل مطلقا لقول
الباقر عليه السلام (10): لو حججت ألفا وألفا لتمتعت، ولو غلب أحدهما عمل
عليه.

(1) كتابه غير موجود عندنا.
(2) الخلاف: ج 1 ص 386.
(3) المحقق في المعتبر: ج 2 ص 789 والعلامة في التذكرة: ج 1 ص 319.
(4) المقنعة: ص 390 - 391.
(5) في " ز " و " ق " نقص.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب أقسام الحج ح 1 و 3 ج 8 ص 186 و 187.
(7) المبسوط: ج 1 ص 306.
(8) الكافي في الفقه ص 191.
(9) السرائر ج 1 ص 519.
(10) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب أقسام الحج ج 22 ج 8 ص 181.
330

ولو أقام النائي بمكة سنتين انتقل فرضه إليها في الثالثة، كما في المبسوط (1)
والنهاية (2)، ويظهر من أكثر الروايات (3) أنه في الثانية، وروى محمد بن
مسلم (4) من أقام سنة فهو بمنزلة أهل مكة، وروى حفص بن البختري (5) أن
من أقام (6) أكثر من ستة أشهر لم يتمتع.
واختلف في جواز التمتع للمكي اختيارا في حج الإسلام باختلاف
الروايات (7)، فجوزه الشيخ (8) وجوز فسخ الإفراد (9) إليه محتجا بالإجماع،
وتبعه في المعتبر (10)، وأسقط الشيخ (11) عن المكي الهدي لو تمتع، وقال: إن
رسول الله صلى الله عليه وآله حج قارنا على تفسيرنا، لا على أنه جمع بين الحج
والعمرة. والذي رواه الأصحاب والعامة (12) أنه لم يعتمر بعد حجه، فكيف
يكون قارنا على تفسير الشيخ (13)؟ نعم يتم على تفسير الحسن (14) وابن الجنيد (15)

(1) المبسوط: ج 1 ص 308.
(2) النهاية: ص 206.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ج 8 ص 191.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أقسام الحج ح 4 ج 8 ص 191.
(5) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أقسام الحج ح 3 ج 8 ص 191.
(6) في باقي النسخ: من أقام.
(7) انظر وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب أقسام الحج ج 8 ص 189.
(8) الخلاف: ج 1 ص 377 - 378.
(9) في " ق ": الإفراد بعد عقده.
(10) المعتبر: ص 314.
(11) المبسوط ج 1 ص 308.
(12) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 4 ج 8 ص 150.
(13) الخلاف: ج 1 ص 380.
(14) المختلف: ج 1 ص 259.
(15) لم نعثر عليه.
331

والجعفي (1)، وصرح الحسن (2) بأنه عليه السلام حج قارنا، وقيل: حج متمتعا
ولم يتحلل لمكان السياق، فيصير النزاع لفظيا.
ويجوز عدول المكي والنائي إلى فرض الآخر عند الضرورة، كخوف الحيض
المتقدم في العدول إلى القران والإفراد، وخوف الحيض المتأخر عن النفر في
عدولهما إلى المتعة، وكذا لو خاف عدوا أو فوت الصحبة.
ويجوز للقارن والمفرد إذا دخلا مكة الطواف ندبا، وتقديم طواف الحج
وسعيه على المضي إلى عرفات، خلافا لابن إدريس (3) في التقديم، وصحاح
الأخبار (4) وفتاوى الأصحاب على الجواز، والأولى تجديد التلبية عقيب صلاة
كل طواف، فإن تركها ففي التحلل روايات (5)، ثالثها تحلل المفرد دون
السائق.
ولا يجوز تقديم الطواف والسعي للمتمتع إلا لضرورة كخوف الحيض
والنفاس، والأولى تجديد التلبية في حقه، لقول الباقر عليه السلام (6): من
طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحل أحب أو كره، وأما طواف النساء فلا يجوز
تقديمه لأحد إلا عند الضرورة.
وكما يجوز فسخ الحج إلى العمرة يجوز نقل العمرة المفردة إلى المتعة إذا أهل
بها في أشهر الحج، إلا لمن لبى بعد طوافه وسعيه، فإن لبى فلا، وفي التلبية بعد
النقل تردد، وابن إدريس (7) لم يعتبر التلبية بل النية، وكذا حكم تلبية فاسخ

(1) كتابه غير موجود لدينا.
(2) المختلف: ج 1 ص 259.
(3) السرائر: ج 1 ص 576.
(4) وسائل الشيعة: انظر ب 14 من أبواب أقسام الحج ج 8 ص 204.
(5) وسائل الشيعة: انظر ب 16 من أبواب أقسام الحج ج 8 ص 206
(6) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب أقسام الحج ح 5 ج 8 ص 184.
(7) السرائر: ج 1 ص 536.
332

الحج إلى العمرة، وابن الجنيد (1) جوز العدولين، وشرط في العدول من الحج إلى
المتعة أن يكون جاهلا بوجوب العمرة، وأن لا يكون قد ساق ولا لبى بعد طوافه
وسعيه.
[87]
درس
لا يجوز إدخال الحج على العمرة، إلا في حق من تعذر عليه إتمام العمرة
فإنه يعدل إلى الحج، ولو أحرم بالحج قبل التحلل (2) من العمرة فهو فاسد إن
تعمد ذلك، إلا أن يكون بعد السعي وقبل التقصير، فإنه يصح في المشهور وتصير
الحجة مفردة، والأقرب أنها لا تجزئ،
ويشكل بالنهي عن الإحرام، وبوقوع
خلاف ما نواه إن أدخل حج التمتع، وعدم صلاحية الزمان إن أدخل غيره،
فالبطلان أنسب. ورواية أبي بصير (3) قاصرة الدلالة، مع إمكان حملها على
متمتع عدل عن الإفراد ثم لبى بعد السعي، لأنه روي التصريح بذلك في
رواية (4) أخرى. ولو نسي صح إحرامه بالحج هنا، ويستحب جبره بشاة على
الأقوى. ولو نسي وأحرم به قبل كمال (5) السعي لم ينعقد.
وكذا لا يجوز إدخال العمرة على الحج إلا في صورة الفسخ كما سلف، أو
عند الضرورة كخوف تعقب الحيض، فلو أحرم بالعمرة قبل إكمال التحلل من
الحج لم ينعقد، والظاهر أنه يؤخره عن المبيت بمنى ورمي الجمرات، ولا تنعقد
العمرة الواجبة قبل ذلك ولا المندوبة، للنهي عن عمرة التحلل في أيام التشريق

(1) لم نعثر عليه.
(2) في " ق ": تحلله.
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب أقسام الحج ح 9 ج 8 ص 185.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب أقسام الحج ح 4 ج 8 ص 184.
(5) في " ق " إكمال.
333

كما رواه معاوية بن عمار (1)، فغيرها أولى.
وكذا لا يجوز إدخال حج على حج، ولا عمرة على عمرة، ولا نية حجتين
ولا عمرتين، فلو فعل فالبطلان أولى (2)، وقيل: ينعقد إحداهما، ولا نية حج (3)
وعمرة معا، إلا على قول الحسن (4) وابن الجنيد (5)، ولو فعل بطل إحرامه، وفي
المبسوط (6): يتخير ما لم يلزمه أحدهما.
ولا ينعقد الحج وعمرة التمتع إلا في أشهر الحج، وهي شوال وذو القعدة
وذو الحجة في الأقرب للرواية (7)، وفي المبسوط (8) والخلاف (9): وإلى قبل طلوع
فجر النحر، وقال الحسن (10) والمرتضى (11): وعشر ذي الحجة، وقال
الحلبي (12): وثمان من ذي الحجة، وقال ابن إدريس (13): وإلى طلوع الشمس
من العاشر، قيل: وهو نزاع لفظي. ولو أحرم بالحج في غيرها لم ينعقد،
وروي (14) انعقاده عمرة مفردة، ولو أحرم بعمرة التمتع في غيرها احتمل

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 3 ج 10 ص 66.
(2) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(3) في باقي النسخ: حجة.
(4) المختلف: ج 1 ص 259.
(5) لم نعثر عليه.
(6) المبسوط: ج 1 ص 316.
(7) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أقسام الحج ح 1 ج 8 ص 196.
(8) المبسوط: ج 1 ص 308.
(9) الخلاف: ج 1 ص 376.
(10) المختلف: ج 260 1.
(11) جمل العلم والعمل (ضمن رسائل المرتضى) المجموعة الثالثة: ص 62.
(12) الكافي في الفقه: ص 201.
(13) السرائر: ج 1 ص 524.
(14) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أقسام الحج ح 2 ج 8 ص 195.
334

انعقادها مفردة أيضا.
واختلف في فوات المتعة، فقال في النهاية (1): بزوال عرفة، وقال علي بن
بابويه (2): تفوت المتعة المرأة إذا لم تطهر حتى تزول الشمس يوم التروية،
وقال الحلبي (3): وقت طواف العمرة إلى غروب شمس التروية للمختار،
وللمضطر إلى أن يبقى ما يدرك عرفة في آخر وقتها، وظاهر ابن إدريس (4)
امتداده ما لم يفت اضطراري عرفة، وفي صحيح زرارة (5) اشتراط اختياريها وهو
قوي، وفي صحيح جميل (6) له المتعة إلى زوال عرفة والحج إلى زوال النحر، وفي
صحيح العيص (7) توقيت المتعة بغروب شمس التروية، وهو خيرة الصدوق (8)
والمفيد (9)، ولعل الخلاف في أشهر الحج يناط بهذا. وكلما فاتت المتعة فالحج
منفردا إذا أدرك الوقوف المجزئ، وإلا فقد صارت عمرة مفردة للتحلل.
ولا يجوز للمتمتع بعد قضاء عمرته الخروج من مكة بحيث يفتقر إلى
استئناف إحرام، بل إما أن يخرج محرما، وإما أن يعود قبل شهر، فإن انتفى
الوصفان جدد عمرة هي عمرة التمتع، وفي إدراك (10) طواف النساء في الأولى
احتمال. ولو رجع في شهره دخلها محلا، فإن أحرم فيه من الميقات بالحج

(1) النهاية: ص 247.
(2) المختلف: ج 1 ص 124.
(3) الكافي في الفقه: ص 194.
(4) السرائر: ج 1 ص 582.
(5) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 7 ج 8 ص 215.
(6) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب أقسام الحج ح 15 ج 8 ص 213.
(7) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب أقسام الحج ح 10 ج 8 ص 212.
(8) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية) ص 22.
(9) المقنعة: ص 431.
(10) في باقي النسخ: استدراك.
335

فالمروي عن الصادق عليه السلام (1) أنه فعله من ذات عرق، وكان قد خرج
من مكة إليها.
ومنع الشيخ في النهاية (2) وجماعة من الخروج من مكة لارتباط عمرة التمتع
بالحج، فإن خرج صارت مفردة، والرواية (3) تدل عليه، وأطلقوا المنع. ولعلهم
أرادوا الخروج المحوج إلى عمرة أخرى كما قاله في المبسوط (4)، أو الخروج
لا بنية العود. وفي كلامهم وفي الروايات (5) دلالة على وجوب حج التمتع
بالشروع في العمرة وإن كانت ندبا. وابن إدريس (6) قال بكراهية الخروج،
وهو ظاهر المبسوط (7).
والأفضل للمعتمر في أشهر الحج مفردا الإقامة بمكة حتى يأتي بالحج
ويجعلها متعة، وقال القاضي (8): إذا أدرك يوم التروية فعليه الإحرام بالحج
ويصير متمتعا، وفي رواية عمر بن يزيد (9) إذا أهل عليه ذو الحجة حج، وتحمل
على الندب، لأن الحسين عليه السلام خرج بعد عمرته يوم التروية (10) وقد
يجاب بأنه مضطر.

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 8 ج 8 ص 220.
(2) النهاية: ص 280.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أقسام الحج ح 2 ج 8 ص 195.
(4) المبسوط: ج 1 ص 304.
(5) وسائل الشيعة: انظر ب 22 من أبواب أقسام الحج ج 8 ص 217.
(6) السرائر: ج 1 ص 633.
(7) المبسوط: ج 1 ص 363.
(8) المهذب: ج 1 ص 209.
(9) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 6 ج 10 ص 247.
(10) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 3 ج 10 ص 246.
336

[88]
درس
تجب العمرة كالحج بشرائطه، وتجزئ المتمتع بها للمتمتع وأحد قسمي
القارن على ما مر في كلام الشيخ (1)، والقارن مطلقا على قول الحسن (2). وقد
تجب بالنذر، والعهد، واليمين، والاستئجار، والافساد، وفوات الحج، ولوجوب
الدخول إلى مكة، ووجوبها هنا تخييري إذ لو دخل الحج (3) أجزأ، ولو كان
متكررا كالحطاب والحشاش أو دخل لقتال مباح سقط الوجوب، وكذا لو كان
عقيب إحلال من إحرام ولما يمض شهر منذ الإحلال، ولو دخلها بغير إحرام
أساء ولا قضاء عليه. وتستحب العمرة كاستحباب الحج.
ووقت العمرة المفردة الواجبة بأصل الشرع عند الفراغ من الحج وانقضاء
أيام التشريق، لرواية معاوية بن عمار (4) السالفة، أو في استقبال المحرم، وليس
هذا القدر منافيا للفورية، وقيل: يؤخرها عن الحج حتى يتمكن الموسى من
الرأس. ووقت الواجبة بالسبب عند حصوله. ووقت المندوبة جميع السنة،
وأفضلها الرجبية، لأنها تلي الحج في الفضل وتحصل بالإحرام فيه، وروي (5)
فضل العمرة في رمضان.
ويجوز الاتباع بين العمرتين إذا مضى عشرة أيام، لرواية ابن أبي حمزة (6)،
وأصح الروايات (7) اعتبار شهر، واعتبر الحسن (8) سنة، وجوزه المرتضى (9) وابن

(1) النهاية: ص 206، المبسوط: ج 1 ص 308.
(2) المختلف: ج 1 ص 259.
(3) في باقي النسخ: لحج.
(4) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 3 ج 10 ص 66.
(5) وسائل الشيعة: انظر ب 4 من أبواب العمرة ج 10 ص 241.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 3 ج 10 ص 244.
(7) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 1 ج 10 ص 244.
(8) المختلف: ج 2 ص 319.
(9) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): ص 244.
337

إدريس (1) بغير حد، لقول النبي صلى الله عليه وآله (2): العمرة إلى العمرة
كفارة لما بينهما.
وميقاتها ميقات الحج أو خارج الحرم، وأفضله الجعرانة، لإحرام النبي
صلى الله عليه وآله منها (3)، ثم التنعيم لأمره بذلك، ثم الحديبية لاهتمامه به،
ولو أحرم بها من الحرم لم يجزئ إلا لضرورة. ويستحب الاشتراط في إحرامها
والتلفظ بها في دعائه أمام الإحرام وفي التلبية.
ولو استطاع لها خاصة لم يجب، ولو استطاع للحج مفردا دونها فالأقرب
الوجوب، ثم يراعي الاستطاعة لها. ولا يدخل أفعالها في أفعال الحج، ولا يكره
إيقاعها في يوم عرفة ولا يوم النحر ولا أيام التشريق. ولو ساق فيها هديا نحره قبل
الحلق بالحزورة على الأفضل.
ولو جامع فيها قبل السعي عالما عادما فسدت، ووجب عليه بدنة وقضاؤها
في زمان يصح فيه الاتباع بين العمرتين، وعلى المرأة مطاوعة مثله، ولو أكرهها
تحمل البدنة، ولو جامع بعد السعي فالظاهر وجوب البدنة وإن كان بعد
الحلق. ولو جامع في المتمتع بها قبل السعي فسدت، وسرى الفساد إلى الحج في
احتمال، ولو كان بعده قبل التقصير فجزور إن كان موسرا، وبقرة إن كان
متوسطا، وشاة إن كان معسرا، وقال الحسن (4): بدنة، وقال سلار (5): بقرة
وأطلقا، وعلى المطاوعة مثله، وإن أكرهها تحمل. ولو قبلها قبل التقصير فشاة،
فلو ظن إتمام السعي فجامع أو قصر أو قلم أظفاره كان عليه بقرة وإتمام

(1) السرائر: ج 1 ص 540 - 541.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب العمرة ح 6 ج 10 ص 240.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب المواقيت ح 2 ج 8 ص 247.
(4) المختلف: ج 1 ص 283.
(5) المراسم: ص 120.
338

السعي، لرواية معاوية (1) وسعيد بن يسار (2)، وليس في رواية ابن مسكان (3)
سوى الجماع.
[89]
درس
شروط التمتع أربعة: النية، والاحرام بالعمرة في الأشهر، والحج في سنته،
والاحرام بالحج من مكة. والمراد بالنية نية الإحرام، ويظهر من سلار (4) أنها
نية الخروج إلى مكة، وفي المبسوط (5): الأفضل أن تقارن الإحرام، فإن فاتت
جاز تجديدها إلى وقت التحلل. ولعله أراد نية التمتع في إحرامه لا مطلق نية
الإحرام، ويكون هذا التجديد بناء على جواز نية (6) الإحرام المطلق كما هو
مذهب الشيخ (7)، أو على جواز العدول إلى التمتع من إحرام الحج أو العمرة
المفردة، وهذا يشعر أن النية المعدودة هي نية النوع المخصوص.
والاعتبار بالإهلال في أشهر الحج، لا بالأفعال أو الإحلال، ويجب كونه
من الميقات مع الاختيار، ومع الضرورة من حيث يمكن، ولو من أدنى الحل بل
من مكة. ولو أتى بالحج في السنة القابلة فليس بمتمتع، نعم لو بقي على إحرامه
بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى القابل احتمل الإجزاء، ولو قلنا: إنه صار
معتمرا بمفردة بعد خروج أشهر الحج ولما يحل لم يجزئ.

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 270.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 529.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 529.
(4) المراسم: ص 104.
(5) المبسوط: ج 1 ص 307.
(6) هذه الكلمة غير موجودة في " م " و " ق ".
(7) المبسوط: ج 1 ص 316 - 317.
339

ولو تعذر إحرامه من مكة بحجه أحرم من حيث يمكن ولو بعرفة إن لم
يتعمد، وإلا بطل حجه، ولا يسقط عنه دم التمتع ولو أحرم من ميقات المتعة،
وفي المبسوط (1): إذا أحرم المتمتع من مكة ومضى إلى الميقات ومنه إلى عرفات
صح، واعتد بالإحرام من الميقات ولا يلزمه دم. وعنى به دم المتعة، وهو يشعر أنه
لو أنشأ الإحرام من الميقات لا دم عليه بطريق الأولى، وهذا بناء على أن دم
التمتع جبران لا نسك، وقد قطع في المبسوط (2) بأنه نسك، ولإجماعنا على جواز
الأكل منه، وفي الخلاف (3) قطع بذلك أيضا، وبعدم سقوط الدم بالإحرام من
الميقات، وهو الأصح.
وشروط القران والإفراد ثلاثة: النية، والاحرام في أشهر الحج من ميقاته
إن لم يكن مكيا، وإلا فمن دويرة أهله، والحج من سنته قاله الشيخ (4)، وفيه
إيماء إلى أنه لو فاته الحج انقلب إلى العمرة، فلا يحتاج إلى قلبه عمرة في صورة
الفوات.
والمواقيت عشرة: فلأهل المدينة ذو الحليفة، وأفضله مسجد الشجرة،
والأحوط الإحرام منه، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل اليمن يلملم،
ولأهل الطائف قرن المنازل بسكون الراء، ولأهل العراق العقيق، وأفضله
المسلخ، وأوسطه غمرة، وآخره ذات عرق، وظاهر علي بن بابويه (5) والشيخ في
النهاية (6) أن التأخير إلى ذات عرق للتقية أو لمرض، وما بين هذه الثلاثة من

(1) المبسوط: ج 1 ص 307.
(2) المبسوط: ج 1 ص 310.
(3) الخلاف: ج 1 ص 380.
(4) المبسوط: ج 1 ص 307.
(5) المختلف: ج 1 ص 262.
(6) النهاية: ص 210.
340

العقيق فيسوغ الإحرام منه. وهي لمن مر بها من غير أهلها.
ولو اضطر المدني أجزأ من الجحفة بل من ذات عرق، ولو عدل إليهما
اختيارا بعد مروره على ميقاته لم يجزئ، ولو صار إليهما فالصحة قوية وإن أساء،
ولو لم يمر على ميقاته، فالأقرب الجواز على كراهية، وفي رواية (1) من دخل المدينة
فليس له أن يحرم إلا منها. وكذا ينتقل الشامي إلى مسجد الشجرة للضرورة أو
لمروره عليه.
ولا يتجاوز المواقيت بغير إحرام، فإن ظهر (2) التجاوز وجب العود إلى ميقاته
في رواية الحلبي (3)، والأقرب إجزاء غيره، فإن تعذر بطل النسك، وإن كان
ناسيا أو جاهلا وتعذر العود رجع إلى حيث يمكن، وإلا أحرم من موضعه ولو
من أدنى الحل.
ولو قدم الإحرام عليها لم يجزئ إلا لناذر، خلافا لابن إدريس (4)، فإن كان
للعمرة المفردة ففي أي شهر شاء، وإن كان للمتعة أو الحج اشترط أشهر الحج،
ولا يفتقر إلى تجديد إحرام عند الميقات خلافا للراوندي (5)، أو لمعتمر في رجب
إذا ظن خروجه قبل الميقات. ومن كان منزله دون الميقات فميقاته منزله. وهذه
مواقيت للحج مطلقا، ولعمرة التمتع وللمفردة إذا مر عليها، وميقات حج التمتع
اختيارا مكة، والأفضل المسجد، وأفضله المقام أو تحت الميزاب.
ولو سلك طريقا بين ميقاتين أحرم عند محاذاة الميقات في بر أو بحر، وقال
ابن إدريس (6): ميقات من صعد البحر جدة. ويكفي الظن فلو تبين تقدمه

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 1 ج 8 ص 230.
(2) في باقي النسخ: تعمد.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 7 ج 8 ص 239.
(4) السرائر: ج 1 ص 527.
(5) فقه القرآن: ج 1 ص 269.
(6) السرائر: ج 1 ص 529.
341

أعاد، ولو تبين تأخره فالظاهر الإجزاء ولا دم عليه. ولو لم يحاذ ميقاتا ففي
إحرامه من أدنى الحل أو من مساواة أقرب المواقيت إلى مكة وجهان.
ولو منعه مانع من الإحرام من الميقات جاز تأخيره عنه قاله الشيخ (1)،
وحمل على تأخير ما يتعذر منه كلبس الثوبين وكشف الرأس، دون الممكن من
النية والتلبية. ولو جن في الميقات أو أغمي عليه أحرم عنه وليه وجنبه ما يجتنبه
المحرم.
وإحرام الصبيان من فخ، وقيل: من الميقات ويجردون من فخ، وظاهر
رواية معاوية (2) الأول حيث قال: قدموا من معكم من الصبيان إلى الجحفة أو
إلى بطن مر ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم.
والمجاور بمكة قبل انتقال فرضه يخرج إلى ميقات أهله أو غيره، فإن تعذر
فمن أدنى الحل، فإن تعذر فبمكة. ولو تجاوز الميقات من لا يريد النسك وجب
الرجوع إليه إن أمكن، وإلا فبحسب المكنة.
[90]
درس
يستحب لمن أراد الحج أن يقطع العلائق بينه وبين معامليه، ويوصي بما
يهمه، وأن يجمع أهله ويصلي ركعتين، ويسأل الله الخيرة في عاقبته، ويدعو
بالمأثور، فإذا خرج وقف على بابه (3) تلقاء وجهه وقرأ الفاتحة، ثم يقرأها عن
يمينه ويساره، وكذا آية الكرسي، ويدعو بالمنقول، ويتصدق بشئ، وليقل:
" بحول الله وقوته أخرج "، ثم يدعو عند وضع رجله في الركاب وعند الاستواء على
الراحلة، ويكثر من ذكر الله تعالى في سفره.

(1) النهاية: ص 209.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 3 ج 8 ص 207.
(3) في " م و " ز ": باب داره.
342

ويستحب الخروج يوم السبت أو الثلاثاء، واستصحاب العصا وخصوصا
اللوز المر، وتوفير شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة، ويتأكد عند هلال
ذي الحجة، وقال المفيد (1): يجب، ولو حلق في ذي القعدة فدم، والأول أظهر.
والمعتمر يوفره شهرا. واستكمال التنظيف بإزالة شعر الإبط والعانة بالحلق،
والاطلاء أفضل، ولو كان مطليا أو قد أزال الشعر بغيره أجزأ ما لم يمض خمسة
عشر يوما، والإعادة أفضل وإن قرب العهد به، وقص الشارب والأظفار،
وإزالة الشعث.
والغسل، وأوجبه الحسن (2)، ولو فقد الماء تيمم عند الشيخ (3)، ويجزئ
غسل النهار ليومه والليل لليلته ما لم ينم فيعيده، خلافا لابن إدريس (4)،
والأقرب أن الحدث كذلك، ويجوز تقديمه على الميقات لخائف الإعواز، فإن
تمكن بعد استحبت الإعادة، وكذا يستحب إعادته لو أكل أو تطيب أو لبس
بعده ما يحرم على المحرم ولو قلم أظفاره بعد الغسل لم يعد ويمسحها بالماء. وصلاة
سنة الإحرام وهي ست أو أربع أو ركعتان ثم الفريضة.
والأفضل إحرامه عقيب الظهر، ثم الفريضة مطلقا، ولو لم يكن وقت
فريضة فالظاهر أن الإحرام عقيب فريضة مقضية أفضل، فإن لم يكن فعقيب
النافلة، ويقرأ في الركعتين الجحد في الأولى والتوحيد في الثانية. وقال ابن
الجنيد (5): لا ينعقد الإحرام بدون الغسل والتجرد والصلاة. ولو نسي الغسل أو
النافلة أعاد الإحرام بعدهما مستحبا، خلافا لابن إدريس (6) إذ نفى الإعادة مع

(1) المقنعة: ص 391.
(2) المختلف: ج 1 ص 264.
(3) المبسوط: ج 1 ص 314.
(4) السرائر: ج 1 ص 530.
(5) المختلف: ج 1 ص 264.
(6) السرائر: ج 1 ص 529.
343

صحة الإحرام، والمعتبر هو الأول.
ويستحب أن يقول بعد صلاته: " اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن
استجاب لك وآمن بوعدك " إلى آخره، ثم يقول: " اللهم إني أريد ما أمرت به من
التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله أو القران أو
الإفراد، فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي
قدرت علي، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة، أحرم لك شعري وجسدي وبشري
من النساء والطيب والثياب، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة ".
ويجب في الإحرام أربعة: الأول (1) لبس الثوبين غير المخيطين من جنس
ما يصلى فيه خاليين من نجاسة، ويجوز للنساء الإحرام في المخيط والحرير على
قول المفيد (2)، لرواية يعقوب بن شعيب (3)، ومنعه الشيخ (4) لروايات (5) أشهر،
وهو الأصح.
ولو لم يجد إزارا أجزأ السراويل، ولو فقد الرداء أجزأ القباء أو القميص
منكوسا، ولا يكفي قلبه، ولا فدية في الموضعين، ولو كان الثوب طويلا فائتزر
ببعضه وارتدى بالباقي أو توشح به (6) أجزأ، ولو حكى الإزار العورة لم يجزئ،
أما الرداء فالأحوط أنه كذلك، ولا يجوز عقد الرداء، ويجوز عقد الإزار، ويجوز
لبس الطيلسان، ولا يزره عليه وجوبا.
والأقرب تحريم لبس ما أحاط بالبدن من اللبد وغيره، وكذا ما أشبه المخيط

(1) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(2) ذكر قوله هذا في كتابه أحكام النساء كما عن الجواهر: ج 18 ص 242.
(3) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الإحرام ح 1 ج 9 ص 41.
(4) النهاية: ص 218، المبسوط: ج 1 ص 320.
(5) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الإحرام ح 2 و 3 و 4 ج 9 ص 41 و 42.
(6) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
344

كالدرع المنسوج والثوب المعقود، لفحوى زر الطيلسان، ومشابهته المخيط في
الترفه، وللتأسي، وإن لم يكن مخيطا. ويجوز أن يلبس أكثر من ثوبين لنحو الحر
أو البرد، وأن يبدل الثياب. ويستحب له الطواف فيما أحرم فيه، وروى محمد
بن مسلم (1) أنه يكره غسلهما وإن توسخا إلا لنجاسة، وروى معاوية بن
عمار (2) كراهية بيعهما.
وهل اللبس من شرائط الصحة حق لو أحرم عاريا أو لابسا مخيطا لم
ينعقد؟ نظر، وظاهر الأصحاب انعقاده، حيث قالوا: لو أحرم وعليه قميص نزعه
ولا يشقه، ولو لبسه بعد الإحرام وجب شقه وإخراجه من تحت (3) كما هو
مروي (4)، وظاهر ابن الجنيد (5) اشتراط التجرد.
وأفضل الثياب البيض من القطن، ويجوز في غيرها، ولكن يكره في السواد
والمشبع بالعصفر أو غيره، ولا بأس بغير المشبع كالممشق للنص عن علي عليه
السلام (6)، والوسخة، والمعلمة، والنوم على الفراش المصبوغ وخصوصا الأسود،
والممتزج بالحرير جائز ما لم يصدق عليه اسمه.
الثاني: النية، وهي القصد إلى الحج أو العمرة، ونوع الحج من التمتع
وقسيميه، ونوع العمرة من المتعة والمفردة، وصفتهما من الوجوب أو الندب،
والسبب من حجة الإسلام أو النذر، والعمرة كذلك، والتقرب إلى الله تعالى.
ولو أطلق الإحرام صح عند الشيخ (7)، ويعتمر إن كان في غير الأشهر، ويتخير

(1) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 117.
(2) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الإحرام ح 1 ج 9 ص 39.
(3) في " م ": تحته.
(4) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 125.
(5) المختلف: ج 1 ص 264.
(6) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 121.
(7) المبسوط: ج 1 ص 316.
345

إن كان فيها بين الحج والعمرة.
قال (1): ولو قال: كإحرام فلان صح، لما روي عن علي عليه السلام (2)
أنه قال: إهلالا كإهلال نبيك، فإن لم ينكشف له حاله تمتع احتياطا للحج
والعمرة، ولو ظهر غير محرم تخير بين الحج والعمرة، فلو طاف قبل تعيين أحدهما
فلا حكم له.
ولو نسي بماذا أحرم صرفه إلى ما في ذمته، فإن كان خاليا منهما تخير. ولو
شك قبل الطواف بماذا أحرم فكذلك، ولو شك بعد الطواف قال الفاضل (3):
يتمتع، وهو حسن إن لم يتعين عليه غيره، وإلا صرف إليه. ولو نوى نسكا
وتلفظ بغيره فالمعتبر ما نواه، ويستحب التلفظ كما مر.
وروى زرارة (4) أن المتمتع يهل بالحج فإذا طاف وسعى وقصر أهل بالحج،
وفي صحيح الحلبي (5) عن الصادق عليه السلام دخلت العمرة في الحج إلى يوم
القيامة، وروى إسحاق بن عمار (6) نية المتعة، وروى الحلبي (7) أن عليا عليه
السلام قال: لبيك بحجة وعمرة معا، وليس ببعيد إجزاء الجميع، إذ الحج
المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة فهو دال عليها بالتضمن، ونيتهما معا باعتبار
دخول الحج فيها، والشيخ (8) بالغ في الاقتصار على نية المتعة والاهلال بها

(1) المبسوط: ج 1 ص 316.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 4 ج 8 ص 150.
(3) تحرير الأحكام: ج 1 ص 95.
(4) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الإحرام ح 3 ج 9 ص 31.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب أقسام الحج ح 2 ج 8 ص 172.
(6) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الإحرام ح 1 ج 9 ص 28.
(7) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الإحرام ح 7 ج 9 ص 30.
(8) الاستبصار: ب 90 من كتاب الحج ج 2 ص 150 - 157.
346

وتأويل الأخبار المعارضة لها.
الثالث: مقارنة النية للتلبيات، فلو تأخرن عنها أو تقدمن لم ينعقد، ويظهر
من الرواية (1) والفتوى جواز تأخير التلبية عنها، وروى معاوية بن عمار (2) بعد
دعاء الإحرام ثم قم فامش هنيئة، فإذا استوت بك الأرض فلب، وعبد الله بن
سنان (3) نحوه، وقال ابن إدريس (4): التلبية كالتحريمة في الصلاة، وبعض
الأصحاب جعلها مقارنة لشد الإزار، وعقل بعضهم من قول الشيخ (5)
بتجديدها إلى وقت التحلل تأخير النية عن التلبية، وعلى ما فسرناه به لا دلالة
فيه.
الرابع: التلبيات الأربع، وأتمها: " لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد
والنعمة لك والملك لك لا شريك لك لبيك "، ويجزي " لبيك اللهم لبيك لبيك
لا شريك لك لبيك "، وإن أضاف إلى هذا " إن الحمد والنعمة لك والملك
لا شريك لك "، كان حسنا. والأخرس يعقد بها قلبه ويحرك لسانه ويشير
بإصبعه، وقال ابن الجنيد (6): يلبي غيره عنه، ولو تعذر على الأعجمي التلبية
ففي ترجمتها نظر، وروي (7) أن غيره يلبي عنه.
ويستحب أن يضيف إليها: " لبيك ذا المعارج لبيك لبيك بعمرة وبمتعة إلى
الحج لبيك "، إلى آخر التلبيات المشهورة. وقال الشيخ (8) في موضع: يستحب أن

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الإحرام ح 2 ج 9 ص 23.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الإحرام ح 1 ج 9 ص 22.
(3) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الإحرام ح 5 ج 9 ص 44.
(4) السرائر: ج 1 ص 536.
(5) المبسوط: ج 1 ص 307.
(6) المختلف: ج 1 ص 266.
(7) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الحلق والتقصير ح 3 ج 10 ص 191.
(8) المبسوط: ج 1 ص 316.
347

يقول: لبيك بحجة وعمرة معا كما سلف، وروي (1) أيضا عن الصادق عليه
السلام، وفيه دلالة على قول الحسن (2) وابن الجنيد (3)، ونهى في التهذيب (4)
عن ذلك إلا لتقية، وكذا أبو الصلاح (5)، وعلى ما قلناه لا يكاد يتحقق الخلاف.
وتكرار التلبية في أدبار الصلوات المفروضة والمسنونة، وإذا نهض به بعيره،
أو علا شرفا، أو هبط واديا، أو لقي راكبا، أو استيقظ، وبالأسحار، وعند
اختلاف الأحوال، والجهر بها للرجل، وفي التهذيب (6): يجب، وليكن الجهر
للراجل حيث يحرم، وللراكب إذا علت راحلته البيداء، والحاج تمتعا إذا
أشرف على الأبطح. ويستحب فيها الطهارة والتتالي بغير تخلل كلام إلا أن يرد
السلام، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله عند فراغها، والدعاء بعدها،
ويجوز من الجنب والحائض.
ويقطعها المتمتع إذا شاهد بيوت مكة، وحدها عقبة المدنيين وعقبة ذي
طوى، والمعتمر مفردة إذا دخل الحرم، ولو كان قد خرج من مكة للإحرام
فبمشاهدة الكعبة، والحاج يقطعها بزوال عرفة، وأوجب علي بن بابويه (7)
والشيخ (8) قطعها عند الزوال لكل حاج، ونقل الشيخ (9) الإجماع على أن
المتمتع يقطعها وجوبا عند مشاهدة مكة، وخير الصدوق (10) في العمرة المفردة

(1) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الإحرام ح 6 ج 9 ص 30.
(2) المختلف: ج 1 ص 267.
(3) المختلف: ج 1 ص 265.
(4) تهذيب الأحكام: باب صفة الإحرام ح 285 - 290 ج 5 ص 86 - 87.
(5) الكافي في الفقه: ص 208.
(6) تهذيب الأحكام: باب صفة الإحرام ح 301 ج 5 ص 92.
(7) المقنع من (ضمن الجوامع الفقهية): ص 23.
(8) المبسوط: ج 1 ص 317.
(9) الخلاف: ج 1 ص 390.
(10) من لا يحضره الفقيه: باب مواقيت العمرة من كتاب الحج ذيل ح 2958 ج 2 ص 456.
348

بين القطع عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة. ويستحب إكثار ذكر الله
تعالى، وحفظ اللسان إلا من خير فهو من تمام الحج والعمرة.
[91]
درس
ينعقد إحرام الحائض والنفساء لكن لا تصلي له ولا تدخل المسجد،
وتلبس ثيابا طاهرة فإذا أحرمت نزعتها، وينبغي أن تستثفر بعد الحشو وتتمنطق
ثم تحرم. ولو تركت الإحرام لظن فساده رجعت إلى الميقات، فإن تعذر فمن
أدنى الحل، وفي رواية معاوية بن عمار (1) ترجع إليه ما قدرت عليه، فإن تعذر
فمن (2) خارج الحرم فمن مكة.
ولا ينعقد إحرام غير القارن إلا بالتلبية، فلو نوى ولم يلب وفعل ما يحرم على
المحرم فلا حرج، وأما القارن فيتخير بينها وبين الإشعار بشق سنان البدنة من
الجانب الأيمن ولطخه بدمه، ولو كانت بدنا دخل بينها وأشعر إحداهما يمينا
والأخرى يسارا، أو التقليد المشترك بينها وبين البقر والغنم بتعليق نعل قد
صلى فيه في العنق أو خيط أو سير وشبهه مما صلى فيه. ولو جمع بين التلبية
وأحدهما كان الثاني مستحبا، ويتحقق السياق بذلك.
وقال المرتضى (3) وابن إدريس (4): لا عقد في الجميع إلا بالتلبية، ويدفعه
قول الصادق عليه السلام (5): يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية والإشعار
والتقليد فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم. وألحق القاضي (6) المفرد

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 4 ج 8 ص 238.
(2) في باقي النسخ: من.
(3) الإنتصار: ص 102.
(4) السرائر: ج 1 ص 532.
(5) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أقسام الحج ح 20 ج 8 ص 202.
(6) المهذب: ج 1 ص 210.
349

بالقارن في الانعقاد بهما، ورد بعدم الفرق بينهما حينئذ، وقد يريد بالقارن
ما أراده الجعفي (1) في تفسيره القران، وبالمفرد من أفرد الحج عن العمرة وساق،
ويكون أحد قسمي المفرد بالمعنى الأعم، كما أن القارن أحد قسمي المتمتع
بالمعنى الأعم.
وناسي الإحرام حتى يكمل مناسكه يصح نسكه في فتوى الأصحاب، إلا
ابن إدريس (2) فإنه حكم بفساده، ولم نجد شاهدا لهم سوى مرسلة جميل (3) في
رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى قال: يجزئه
إذا كان قد نوى ذلك وإن لم يهل، وفيها دليل على أن المنسي هو التلبية لا النية
وأن الجاهل يعذر، وظاهره أنه جاهل الحكم وروى علي بن جعفر (4) عن أخيه
في المتمتع جهل الإحرام بالحج حتى رجع إلى أهله إذا قضى المناسك تم
حجه.
وكل ما يجب ويستحب في إحرام العمرة فهو كذلك في إحرام الحج، إلا في
نية الحج والتلفظ به، ولا يبطله الطواف والسعي بعده، ولا يحرمان في رواية
عبد الرحمن بن الحجاج (5)، ولا يحتاج إلى تجديد التلبية، وقال الشيخ (6): لا يجوز
الطواف بعد الإحرام حتى يرجع من منى، فإن طاف ساهيا لم ينتقض إحرامه
غير أنه يعقده بتجديد التلبية، وقال ابن إدريس (7): لا ينبغي الطواف ولو فعل

(1) لا يوجد كتابه لدينا.
(2) السرائر: ج 1 ص 529 - 530.
(3) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب المواقيت ح 1 ج 8 ص 245.
(4) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب المواقيت ح 2 ج 8 ص 245.
(5) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أقسام الحج ح 2 ج 8 ص 203.
(6) المبسوط: ج 1 ص 359.
(7) السرائر: ج 1 ص 584.
350

لم يجدد التلبية، وقال الحسن (1): يطوف أسبوعا بعد الإحرام، والوجه الكراهية
لا غير.
وحكمهما في استحباب الاشتراط أيضا واحد، وفائدته جواز أصل التحلل
عند العارض كقول ابن حمزة (2) وظاهر الشرائع (3)، أو جواز التعجيل للمحصر
كقول النافع (4)، أو سقوط الهدي عن المحصر والمصدود غير السائق كقول
المرتضى (5)، أو سقوط قضاء الحج لمتمتع فاته الموقفان كقول الشيخ (6) في
التهذيب لرواية ضريس بن عبد الملك الصحيحة.
[92]
درس
يجب على المحرم ترك ثلاثة وعشرين: الأول: الصيد، وهو الحيوان المحلل،
إلا أن يكون أسدا أو ثعلبا أو أرنبا أو ضبا أو قنفذا أو يربوعا، الممتنع بالأصالة
البري، فلا يحرم قتل الضبع والنمر والصقر وشبهها والفأرة والحية، ولا رمي
الحدأة والغراب عن البعير، ولا الحيوان الأهلي ولو صار وحشيا، ولا الدجاج وإن
كان حبشيا، ولا يحل الممتنع بصيرورته إنسيا، ويراعى في المتولد بين المحرم على
المحرم والمحلل الاسم، ولا صيد البحر وهو ما يبيض ويفرخ فيه، بخلاف البط
وإن لازم الماء، فإنه بري لعدم بيضه فيه، وكذا الجراد لأنه لا يعيش في الماء.
فيحرم الصيد اصطيادا وأكلا وإن ذبحه المحل وذبحا وإشارة ودلالة

(1) المختلف: ج 1 ص 297.
(2) الوسيلة: ص 162.
(3) شرائع الإسلام: ج 1 ص 182.
(4) المختصر النافع: ص 84.
(5) الإنتصار: ص 104 - 105.
(6) تهذيب الأحكام: باب تفصيل فرائض الحج ح 38 ج 5 ص 295.
351

وإغلاقا مباشرة وتسبيبا ولو بإعارة سلاح لمن لا سلاح معه. ويحرم الصيد في
الحرم أيضا على المحل والمحرم، فلو ذبح فيه كان ميتة كما لو ذبحه المحرم،
ويستحب دفنه، ولا يحل استعمال جلده. ويجوز للمحل أكل لحم الصيد في
الحرم إذا كان مذكى بالحل، وللمحرم أكله في المخمصة بقدر ما يمسك الرمق
ولو وجد ميتة إذا تمكن من الفداء، وإلا أكل من الميتة.
ولا يملك المحرم الصيد بوجه من الوجوه، نعم لو أحل دخل الموروث في
ملكه، ولا كذا لو أثبت يده عليه محرما فأحل بل يجب إرساله، ولو تلف عنده
ضمن. ولو كان مقصوصا أو مريضا حفظه حتى يستقل ومؤونته عليه، وكذا لو
أحرم وجب عليه إرسال ما معه من الصيد. ولو كان وديعة أو عارية وشبههما
وتعذر المالك والحاكم وبعض العدول أرسله وضمن. ولا يزول عن ملكه ما نأى
عنه من الصيد، وروى أبو الربيع (1) عن الصادق عليه السلام في رجل خرج
حاجا فألف حمامه طائر لا يعرض أهله له في الوقت الذي يظنون إحرامه فيه إلى
أن يحل بل يطعم لا غير.
والشجرة النابتة في الحرم كالحرم وإن تفرعت في الحل، ولو نبتت في الحل
وتفرعت في الحرم كانت تلك الفروع بحكم الحرم لا غيرها. والصيد الذي
بعضه في الحرم محرم، ولو أم الحرم كره على الأقوى، وأما حمام الحرم فالأولى
تحريمه في الحل. ولا يحرم الصيد في حرم الحرم وهو بريد من كل جانب، بل
يكره على الأقوى.
ولو رمى من الحل فقتل في الحرم أو بالعكس ضمن، ولا يضمن بمجرد مرور
السهم في الحرم. والقماري والدباسي مستثنى من الصيد، فيجوز على كراهية
شراؤها وإخراجها من الحرم للمحل والمحرم على الأقوى لا إتلافها، ولا فرق بين

(1) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 229.
352

العامد والناسي والجاهل والعالم.
ولو كان الصيد مملوكا فعليه الجزاء لله تعالى (1) والقيمة للمالك، وفي
القماري في الحرم نظر، أقربه وجوب جزاء وقيمة للمالك، فعلى هذا يجب جزاء
لله تعالى أيضا، ولو قيل بالمساواة بين الحرمي هنا وغيره كان قويا.
ولو باض الطائر على فراش محرم فنقله فلم يحضنه الطائر ضمنه عند
الشيخ (2)، ولو صال عليه صيد ولم يندفع (3) إلا بالقتل أو الجرح فلا ضمان.
والفرخ والبيض تابع في الحرمة والحل، والبعض كالكل.
[93]
درس
حرم الحلبي (4) قتل جميع الحيوان ما لم يخف منه أو كان حية أو عقربا أو
فأرة أو غرابا، ولم يذكر له فداء، ولا نعلم وجهه إلا ما رواه معاوية (5) اتق قتل
الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة والحدأة والغراب يرميهما عن ظهر
بعيره، وعن حسين بن أبي العلاء (6) اقتل كل شئ منهن يريدك. إلا أنه قد
روى معاوية (7) أيضا قتل النمل والبق والقمل في الحرم، والاجماع على جواز
ذبح النعم في الحرم.
ويجب القيمة فيما لا نص فيه، ومنه البطة والأوزة والكركي، وقيل: فيها

(1) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(2) الخلاف: ج 1 ص 440.
(3) في " م " و " ق ": يدفع.
(4) الكافي في الفقه: ص 203.
(5) وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب تروك الإحرام ح 2 ج 9 ص 166.
(6) وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب تروك الإحرام ح 5 ج 9 ص 167.
(7) وسائل الشيعة: ب 84 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 171.
353

شاة لما روى ابن سنان (1) في ذبح الطائر، ومنه البيض الخالي عن نص. وأما
المنصوص فمنه ما لكفارته المماثلة بدل مخصوص، وهو خمسة:
الأول: النعامة وفرخها، وفيهما بدنة ثنية فصاعدا، وفي النهاية (2) جزور،
وهما مرويان (3) غير أن البدنة في الصحيح، وقال المفيد (4): في فرخها إبل في
سنه، فإن عجز فض قيمتها على البر وأطعم ستين مسكينا لكل واحد مدان،
ولا يجب الإكمال لو نقصت والفاضل له، فإن عجز صام عن كل مدين يوما،
وفي الخلاف (5): عن كل مد يوما، وكذا إن كان البدل ناقصا على قول، فإن
عجز صام ثمانية عشر يوما، والحلبي (6) يتصدق بالقيمة، فإن عجز فضها على
البر، وقال ابن بابويه (7) والحسن (8): إن عجز عن البدنة أطعم ستين لكل
واحد مد، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما لصحيح معاوية بن عمار (9).
الثاني: بقرة الوحش وحماره، وفي كل منهما بقرة أهلية، ثم فض قيمتها على
البر وإطعام ثلاثين (10) كما سبق، ثم صيام بعدد المساكين، ثم صيام تسعة
أيام، والحلبي (11) على أصله في الصدقة بالقيمة ثم الفض، وقال الصدوق (12): في

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الصيد ح 6 ج 9 ص 194.
(2) النهاية: ص 222 و 225.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 و 2 من أبواب كفارات الصيد ح 1 و 9 ج 9 ص 181 و 185.
(4) المقنعة: ص 436.
(5) الخلاف: ج 1 ص 433.
(6) الكافي في الفقه: ص 205.
(7) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 20 - 21.
(8) المختلف: ج 1 ص 271.
(9) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 9 ج 9 ص 180.
(10) في " ق ": ثلاثين مسكينا.
(11) الكافي في الفقه: ص 205.
(12) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 20 و 21.
354

الحمار بدنة لصحيح أبي بصير (1)، وخير ابن الجنيد (2) بينها وبين البقرة، وفي
صغارهما من صغار البقر في سنه قاله المفيد (3).
الثالث: الظبي، وفيه شاة، ثم الفض فإطعام عشرة مساكين كما مر، ثم
صيام عشرة، ثم صيام ثلاثة أيام، وألحق الثلاثة (4) به شاة الثعلب والأرنب،
والحلبي (5) أيضا، ثم هو على أصله فيما يلوح من كلامه، فإن لم يقل به عاد إلى
الرواية (6) الآتية. والأبدال الثلاثة الأول في الأقسام الثلاثة على التخيير في
قول الخلاف (7) وابن إدريس (8)، والترتيب أظهر.
الرابع: بيض النعام، وفي كسره مع تحرك الفرخ للبيضة بكرة، وإلا أرسل
فحولة الإبل في إناث بعدد البيض، فما نتج فهدي بالغ الكعبة، فإن عجز فشاة،
فإن عجز فإطعام عشرة أمداد لعشرة، فإن عجز فصيام ثلاثة، ولما أفتى به
الحسن عليه السلام (9) قال له أمير المؤمنين عليه السلام: قد علمت أن الإبل
ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق، فقال: والبيض ربما أمرق أو كان فيه ما يمرق،
فقال: صدقت. ولو ظهر فاسدا أو الفرخ ميتا فلا شئ.
الخامس: بيض القطا والقبج، وفي كسر البيضة مع تحرك الفرخ مخاض
من الغنم أي من شأنها الحمل، وإلا أرسل فحولة الغنم في إناثها بالعدد، فإن

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 10 ج 9 ص 185.
(2) المختلف: ج 1 ص 272.
(3) المقنعة: ص 436.
(4) المفيد في المقنعة: ص 435، والمرتضى في الرسائل: المجموعة الثالثة ص 71، والشيخ في المبسوط: ج 1 ص 340.
(5) الكافي في الفقه: ص 205.
(6) الآتية في الهامش 9.
(7) الخلاف: ج 1 ص 433.
(8) السرائر: ج 1 ص 557.
(9) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 215.
355

عجز أطعم عشرة لعشرة، فإن عجز صام ثلاثة أيام، وقيل: مع العجز تجب
الشاة ثم الإطعام ثم الصيام، وهو بعيد، وقال ابن حمزة (1): مع العجز يتصدق
عن بيضة القطاة بدرهم، ولم نقف على مأخذه، وألحق القاضي (2) بيض
الحمام، وطرد ابن الجنيد (3) في كل بيضة فداء أمها شاة.
[94]
درس
في الحمام وهو كل مطوق شاة على المحرم في الحل، ودرهم على المحل في
الحرم، وفي فرخها حمل فطم ورعى سنه أربعة أشهر، أو جدي في رواية (4)، على
المحرم في الحل، ونصف درهم على المحل في الحرم، وفي بيضتها درهم على المحرم
في الحل، وربعه على المحل في الحرم، ويجتمع الأمران على المحرم في الحرم. ومع
العجز عن الشاة يدخل في عموم صحيح معاوية (5) من كان عليه شاة فلم يجد
أطعم عشرة مساكين، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج، وكذا كل شاة
لا نص في بدلها. وقال الحسن (6): في الحمامة على المحرم في الحرم شاة، ولو كسر
بيضة حمامة تحرك فرخها وجب ما في الفرخ مع التلف.
وفي كل من القطاة والدراجة والحجلة حمل، وهو ينافي وجوب مخاض في
فرخها مع شهرته، وروى سليمان بن خالد (7) في بيضها بكارة من الغنم، وهي

(1) الوسيلة: ص 169.
(2) المهذب: ج 1 ص 226.
(3) المختلف: ج 1 ص 276.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الصيد ح 6 ج 9 ص 194.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 11 ج 9 ص 186.
(6) المختلف: ج 1 ص 278.
(7) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 217.
356

جمع بكرة، وفي بعض رواياته (1) مخاض، ولعل المخاض إشارة إلى بنت المخاض
توفيقا بين العبارتين وبين ما يجب في القطاة والقبج، أو نقول: فيه دليل على أن
في القطاة مخاضا بطريق الأولى، وقد روى سليمان (2) أيضا أن في كتاب علي
عليه السلام من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهن فعليه دم، ويجمع
بين الأخبار بالتخيير.
ويشترى بقيمة حمام الحرم علف لحمامه وليكن قمحا، رواه حماد بن
عثمان (3)، وفي رواية ابن فضيل (4) جواز الصدقة به وشراء العلف، وكذا في
رواية علي بن جعفر (5). وفي رواية يزيد بن خليفة (6) أن قيمة البيض يعلف به
حمام الحرم أيضا، ومثله رواه علي بن جعفر (7)، وقيمة الأهلي إذا كان في الحرم
صدقة، ويحتمل كونها للمالك مع الفداء.
وفي القنفذ والضب واليربوع جدي، وألحق الشيخان (8) ما أشبهها، وقال
الحلبي (9): فيها حمل فطيم. وفي العصفور والصعوة والقنبرة وشبهها مد طعام،
وقال علي بن بابويه (10): في كل طير شاة، وفي الجرادة تمرة وتمرة خير من
جرادة، وروى محمد بن مسلم (11) كف طعام فيتخير، وإن كان كثيرا فشاة،

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 218.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 190.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب كفارات الصيد ح 6 ج 9 ص 214.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الصيد ح 6 ج 9 ص 196.
(5) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 213.
(6) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 220.
(7) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 219.
(8) المقنعة: ص 435، النهاية: ص 223.
(9) الكافي في الفقه: ص 206.
(10) المختلف: ج 1 ص 273.
(11) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب كفارات الصيد ح 6 ج 9 ص 233.
357

ولو لم يمكن التحرز منه فلا شئ. وفي العظاية كف طعام. ولو كان الصيد
معيبا أجزأ مثله خلافا لابن الجنيد (1). وفي شرب لبن الظبية في الحرم دم
وقيمة اللبن، والمروي (2) دم وجزاء، وقيده بالمحرم في الرواية، فيحتمل وجوب
القيمة على المحل في الحرم والدم على المحرم في الحل.
وفي عيني الصيد كمال قيمته، وفي إحداهما النصف، وكذا قيل في يديه
ورجليه، وفي قرنيه نصف القيمة، وفي إحداهما الربع، لرواية أبي بصير (3)،
وقال المفيد (4): يتصدق في العين والقرن بشئ. والاغلاق على الحمام والفراخ
والبيض كالإتلاف، إلا أن يعلم خروجها سالمة.
وفي الزنبور عمدا كف من (5) طعام أو تمر، وقال المفيد (6): في الواحد تمرة
وفي الكثير مد طعام أو تمر، وقال الحلبي (7): في الواحد كف طعام وفي الزنابير
صاع وفي كثيرها شاة.
واختلف في القمل والبراغيث فجوز قتلها في المبسوط (8) وإن ألقاها
فداها، وفي النهاية (9): لا يجوز قتلهما للمحرم ويجوز للمحل في الحرم، وقال
المفيد (10) والمرتضى (11): في قتل القملة أو رميها كف طعام لصحيح حماد بن

(1) المختلف: ج 1 ص 274.
(2) وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 249.
(3) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 221.
(4) المقنعة: ص 439.
(5) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(6) المقنعة: ص 438.
(7) الكافي في الفقه: ص 206.
(8) المبسوط: ج 1 ص 339.
(9) النهاية: ص 229.
(10) المقنعة: ص 435.
(11) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 71.
358

عيسى (1) في رميها، وفي صحيح معاوية بن عمار (2) لا شئ فيها ولا في البق،
وفي التهذيب (3): لا يجوز قتلها ولا قتل البق والبراغيث للمحرم.
ويجوز قتل الأفعى والعقرب والفأرة والأسد إذا أراده، ولو لم يرده فقولان:
أحوطهما كبش إذا قتله في الحرم، سواء كان محلا أو محرما.
[95]
درس
يجتمع الفداء والقيمة على المحرم في الحرم، وقال المرتضى (4) وابن
الجنيد (5): يجب الجزاء مضاعفا ولو بلغ بدنة لم يتضاعف، والرواية (6) مرسلة،
وضاعفه ابن إدريس (7)، وقال الحلبي (8): يتضاعف الصوم في البدنة والبقرة
والظبي إذا كان في الحرم، وقال في موضع آخر (9): عليه الفداء والقيمة،
وروي (10) الجزاء مضاعفا ولم يذكر البدنة. ولا فرق في التضاعف وعدمه بين
العامد والخاطئ والعالم والجاهل، وقال المرتضى (11): على العامد جزاءان في
الحل، وقيده في الناصرية (12) بقصده رفض إحرامه، وعلى الخاطئ والجاهل

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 1 ج 9 ص 297.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 5 ج 9 ص 297.
(3) التهذيب: ج 5 ص 366.
(4) الإنتصار: ص 99.
(5) المختلف: ج 1 ص 277.
(6) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 243.
(7) السرائر: ج 1 ص 563.
(8) الكافي في الفقه: ص 187.
(9) الكافي في الفقه: ص 205.
(10) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب كفارات الصيد ح 5 ج 9 ص 227.
(11) الإنتصار: ص 99.
(12) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): ص 245.
359

واحد، ونقل عنه وجوب جزائين على المحرم في الحل إذا تعمد، وضعفهما لو كان
محرما في الحرم.
ولو أخطأ أحد الراميين فهو كالمصيب في الفداء، ونفاه ابن إدريس (1)،
والأول مروي (2)، وفي تعديه إلى الرماة نظر، والمشتركون يتعدد عليهم الجزاء
محرمين كانوا أو محلين في الحرم. ولو أوقدوا نارا في الحرم فوقع فيها صيد تعدد
الجزاء إن قصدوا وإلا فواحد، ولو قصد بعضهم تعدد على من قصد، وعلى
الباقين فداء واحد ولو كان غير القاصد واحدا على إشكال، ينشأ من مساواته
القاصد، ويحتمل مع اختلافهم في القصد أن يجب على من لم يقصد ما كان
يلزمه مع عدم قصد الجميع، فلو كان اثنين مختلفين فعلى القاصد شاة وعلى
الآخر نصفها لو كان الواقع كالحمامة. ولا إشكال في وجوب الشاة على الموقد
الواحد قصد أو لا.
ولو نفر حمام الحرم فعاد فعن الجميع شاة، ولو لم يعد فعن كل واحدة شاة
قاله علي بن بابويه (3)، ولم يجد الشيخ (4) به خبرا مسندا.
فرع:
لو كانت واحدة فالظاهر المساواة، وفي انسحابه على الظباء وغيرها نظر
لعدم التنصيص.
وفي وجوب الفداء والقيمة على المحرم مع العود أولا معه نظر. ولو شك في
العدد بنى على الأقل، ولو شك في العود فكيقين عدمه. ويكفي إعادتهن بفعله أو

(1) السرائر: ج 1 ص 561.
(2) وسائل الشيعة: انظر ب 31 من أبواب كفارات الصيد ج 9 ص 226.
(3) المختلف: ج 1 ص 280.
(4) التهذيب: ج 5 ص 350.
360

فعل غيره. ولو شك في كون المقتول صيدا، أو في كونه في الحرم أو في الحل
فالأصل العدم، وكذا في الإصابة إلا عند القاضي (1). ولو شك في تأثير
الإصابة أو في البرء ضمن كمال الجزاء، ولو رآه سويا بعد الجرح فربع الفداء،
والذي روي عن الكاظم عليه السلام (2) في صيد كسر يده أو رجله ثم رعى
فيه ربع الفداء، وعن الصادق عليه السلام (3) ربع القيمة، والشيخ (4) ألحق
إدماءه بذينك.
ولو ضرب الحامل فماتا ضمنهما بحامل، فإن تعذر قوم الجزاء حاملا، ولو
ألقته ثم ماتا ضمنهما بفدائهما، ولو عاشا وتعيبا فالأرش، وكذا لو تعيب أحدهما
أو تعيب مطلق الصيد، ثم الأرش جزء من الفداء والقيمة، وقيل: لا يلزم الجزء
من العين إلا مع مشارك.
ويتضاعف ما لا نص فيه بتضعيف قيمته، وما فيه نص غير الدم بوجوب
قيمته فوقه، كالعصفور فيه مد وقيمة، وروى سليمان بن خالد (5) في القمري
والدبسي والسماني والعصفور والبلبل القيمة، فإن كان محرما في الحرم فعليه
قيمتان ولا دم عليه، وهذا جزاء الإتلاف، وفيه تقوية تحريم إخراج القماري
والدباسي.
ولا بد في التقويم من عدلين عارفين ولو كان القاتل أحدهما إذا تاب أو
كان مخطئا. وقيمة النعم معتبرة يوم الفض والصدقة، وقيمة الصيد يوم
الإتلاف، والمحل مكة إن كان في إحرام العمرة، ومنى إن كان في إحرام

(1) المهذب: ج 1 ص 228.
(2) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 222.
(3) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 222.
(4) النهاية: ص 228.
(5) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب كفارات الصيد ح 7 ج 9 ص 242.
361

الحج، وأوجب الحلبي (1) سياق الفداء من حيث قتل الصيد إلى محله، فإن تعذر
فمن حيث أمكن.
فروع (2):
الأول: لو زاد جزاء الحامل عن الطعام (3) المقدر كالعشرة في شاة الظبي
فالأقرب وجوب الزيادة بسبب الحمل، إلا أن يبلغ العشرين فلا يجب الزائد.
الثاني: لو تبين أنها حامل باثنين فصاعدا تعدد الجزاء والقيمة لو كان
محرما في الحرم.
الثالث: لو لم تزد قيمة الشاة حاملا عن قيمتها حائلا ففي سقوط اعتبار
الحمل هنا نظر.
الرابع: لو لزمه أرش نعامة وهو محرم في الحرم، ففي تضاعف القيمة هنا على
القول بعدمه فيما يبلغ بدنة نظر، من المساواة بين الجزء وكله، ومن عدم بلوغ
البدنة، وهو قوي.
[96]
درس
لو ضرب بطير على الأرض في الحرم فعليه دم وقيمة له وقيمة أخرى
لاستصغاره، والذي في رواية معاوية بن عمار (4) ثلاث قيم، إما بالصيد أو
بالحرم، وتظهر الفائدة فيما لو ضربه في الحل، إلا أن يراد بالاستصغار بالصيد
المختص بالحرم، وفي انسحابه على غيره إشكال، ولو كان نعامة فالإشكال
أقوى.

(1) الكافي في الفقه: ص 199 و 200.
(2) في " ز ": فروع أربعة.
(3) في باقي النسخ: إطعام.
(4) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 242.
362

ولا شئ على المحل حال الرمي وإن كان محرما حال الإصابة، وكذا لو
دخل الصيد المرمي في الحل فمات في الحرم لصحيح ابن الحجاج (1)، وقال في
النهاية (2): يضمنه لرواية عقبة بن خالد (3)، وهي مبنية (4) على القولين، وفي
اشتراط قرار الحياة إشكال. ولو كان الرامي محرما اجتمع الأمران إن قلنا
بضمان المحل، قيل: وكذا لو جعل في رأسه ما يقتل القمل محلا فقتله محرما، ولو
أكل من لحم الصيد فعليه فداء آخر لرواية علي بن جعفر (5).
ويضمن الدال والمغري والسائق مطلقا، والراكب والقائد إذا جنت دابته
واقفا بها مطلقا، أو سائرا برأسها ويديها، وناصب الشبكة، ومن قتل مجروحه صيدا
آخر وهلم جرا، والممسك والمعين، وكذا لو تلف الولد بإمساك الأم في الحرم،
ولو كان الولد في الحل عند الشيخ (6)، كالرمي من الحرم، معللا بأن الآفة من
الحرم في رواية مسمع (7)، وكذا من حل الكلب المشدود أو شد المحلول إذا تلف
بسبب الشد، وكذا لو شد صيدا أو أطلقه من شبكة أو سبع (8)، أو حفر بئرا في
غير ملكه عدوانا، أو في الحرم مطلقا، أو نقل بيضا عن موضعه إلا أن يخرج
الفرخ سليما.
ومن نتف ريشة من حمام الحرم فعليه صدقة بتلك اليد ولا يجزئ بغيرها،
والظاهر تعددها بتعدد الريش، ولا تسقط الصدقة بنبات الريش، وفي التعدي

(1) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 225.
(2) النهاية: ص 228.
(3) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 224.
(4) في " م ": ميتة.
(5) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 209.
(6) المبسوط: ج 1 ص 347.
(7) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 229.
(8) في " ق ": أو سبع أو صقر.
363

إلى غيرها وإلى نتف الوبر نظر، ويمكن هنا الأرش، وكذا لو حدث بنتف
الريش عيب في الحمامة ضمن أرشه مع الصدقة، والأقرب عدم وجوب تسليم
الأرش باليد الجانية، ولو نتفه بغير يده تصدق بما شاء، وكذا لو اضطرب في يده
فنسل ريشه.
ومن أخرج حماما من الحرم فعليه رده إليه، فإن تلف ضمنه، وفي رواية
علي بن جعفر (1) عليه ثمنه يتصدق به. ومن ربط صيدا في الحل فدخل الحرم
حرم إخراجه (2) ووجب رده، ولو كان الداخل سبعا كالفهد لم يحرم إخراجه.
وتتكرر الكفارة بتكرر الصيد خطأ وسهوا، وفي العمد قولان: أظهرهما
تكرارها، وظاهر الأخبار عدمه كصحيح الحلبي (3)، وفيها أنه يتصدق بالصيد
على مسكين، وفيها دلالة على أن مذبوح المحرم لا يحرم على المحل كقول
الصدوق (4) وابن الجنيد (5)، إذا كان الذبح في الحل وإن كان الأكل في
الحرم، ومثلها روايتان صحيحتان عن حريز (6) وجميل (7)، ويعارضها
روايات (8) ليست في قوتها، وإن كان التحريم أظهر.
ويعزر متعمد قتل الصيد، وهو مروي (9) فيمن قتله بين الصفا والمروة، وإن
تعمد قتله في الكعبة ضرب دون الحد. ويدفن المحرم الصيد إذا قتله، فإن أكله

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 204.
(2) في باقي النسخ: اجتراره.
(3) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 244.
(4) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 21.
(5) المختلف: ج 1 ص 279.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الإحرام ح 4 ج 9 ص 78.
(7) تهذيب الأحكام: ج 5 ص 342 ح 1185.
(8) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب كفارات الصيد ج 9 ص 226.
(9) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 241.
364

أو طرحه فعليه فداء آخر على الرواية (1).
فروع أربعة:
الأول: لو ذبحه المحرم في المخمصة أمكن كونه ذكيا لإباحته، وحرمه
الشيخ (2) وابن إدريس (3)، وهذا الاحتمال قائم وإن كان الذبح في الحرم،
نعم لو أمكنه ذبحه في الحل وجب.
الثاني: يجوز للمحرم إذا أحل أكل لحم ما صاده (4) محل في الحل وإن كان
في أيام التشريق، ومنع منها ابن الجنيد (5).
الثالث: الظاهر أنه لا يزول ملك المحرم عن الصيد النائي عنه، ويلزم منه
دخوله في ملكه نائيا، كما قواه الشيخ (6)، وقوى أيضا دخول الحاضر في ملكه ثم
يزول، وتظهر الفائدة في الضمان مع اليد وفي تملك البائع الثمن.
الرابع: لو باع صيدا بصيد وكانا محرمين، فعلى القول بعدم التملك يضمن
المتبايعان الصيدين إذا أثبتا أيديهما عليهما، وعلى قول الشيخ (7) ينبغي ذلك
أيضا، لأنه يزول ملك المحرم عنه فلا يصادف البيع ملكا.
[97]
درس
لو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله، فعلى المحرم عن البيضة شاة وعلى

(1) وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 250.
(2) النهاية: ص 230.
(3) السرائر: ج 1 ص 568.
(4) في " ق ": أكل لحم الصيد إذا صاده.
(5) المختلف: ج 1 ص 281.
(6) المبسوط: ج 1 ص 347.
(7) المبسوط: ج 1 ص 348.
365

المحل درهم، هذا إذا اشتراه مكسورا أو كسره المحل أو كان مسلوقا، إذ لو لم
يكن كذلك وكسره المحرم فعليه الإرسال كما سلف، ولا تسقط الشاة لوجوبها
بالأكل. وفي تعدد الجزاء هنا لو كان المحرم في الحرم نظر، وكذا لو وجب
الإرسال فتجب القيمة معه، ويمكن وجوبها في صورة الإرسال لا في غيره، لسبق
التلف على أكل المحرم، وفي انسحاب شراء غيره عليه نظر. ولو كان المشتري
محرما ففي وجوب الشاة أو الدرهم نظر، بل يحتمل وجوب الدرهم لو اشتراه
المحرم لنفسه وأكله، أو بذله المحل له من غير شراء فيجب الدرهم على المحل أو
تملكه بغير البيع كالهبة، ويحتمل وجوب الدرهم هنا على المحل.
ويضمن المحرم ما أتلفه عبده بإذنه وإن كان محلا في الحل، وفي وجوب
جزاء ما قتله العبد المأذون في الإحرام على المولى روايتان (1) أصحهما الوجوب.
ولا يجوز الصدقة بالحيوان المماثل إلا بعد الذبح، ومستحقه الفقراء والمساكين
بالحرم، وفي رواية إسحاق بن عمار (2) يجزئ الذبح عند أهله لو خرج من مكة
ويتصدق به، وهي متروكة.
ولا يجوز الأكل من الجزاء في الأشهر، وروى عبد الملك (3) الأكل من كل
هدي نذرا كان أو جزاء، وجوزه الشيخ (4) إذا تصدق بثمنه. ولا يجزئ إخراج
الجزاء قبل استقرار الجناية على الأقوى. ويجوز في الإطعام التمليك والأكل.
ولا فرق بين الحمام المسرول وغيره، ولا بين رفض الإحرام وغيره، ولا بين
الجميع وأبعاضه، ولا بين القارن وغيره، فلا يتعدد الجزاء بسبب القران.
وخير الشيخ (5) فيما لا مثل له بين إطعام المساكين بقيمته وبين الصوم عن

(1) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب كفارات الصيد ح 1 و 3 ج 9 ص 251 و 252.
(2) وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 247.
(3) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الذبح ح 10 ج 10 ص 144.
(4) التهذيب: ج 5 ص 484.
(5) المبسوط: ج 1 ص 339.
366

كل مد يوما، ولم يجوز الصدقة بالقيمة، وكذا الحلبي (1)، إلا أنه لكل نصف
صاع يوم، والظاهر أنه مع عدم البر ينتقل إلى الصيام لا إلى طعام (2) آخر مع
احتماله، وقيل: يجزئ كل طعام ابتداء (3) فيكون البر على الأفضل، وفيه قوة.
ويجوز رمي القراد والحلم عن بدنه لرواية عبد الله بن سنان (4)، وكذا القراد
عن بعيره، وروى معاوية بن عمار (5) عدم جواز إلقاء الحلم عن البعير. ولو
أبطل امتناع الصيد فالأقرب أنه كالتلف وفاقا للشيخ (6)، ويحتمل الأرش،
نعم لو أبطل أحد الامتناعين فالأرش قطعا. ويفدي الذكر بمثله وبالأنثى
وبالعكس.
ولو حكم عدلان بأن للصيد غير المنصوص مثلا من النعم رجع إليهما إن
أمكن هذا الفرض، قاله الشيخ في الخلاف (7)، وروى في التهذيب (8) عن
الصادق عليه السلام فيما سوى النعامة والبقرة والحمار والظبي قيمة، وروى
أيضا (9) أن ذوي العدل النبي والإمام فيمتنع حكم غيرهما، فعلى الأول لو
عارضهما مثلهما إما في مثل آخر، أو شهدا بأنه لا مثل له، ففي الترجيح وتعينه
نظر.

(1) الكافي في الفقه: ص 205.
(2) في " م ": إطعام.
(3) هذه الكلمة غير موجودة في " م ".
(4) وسائل الشيعة: ب 79 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 164.
(5) وسائل الشيعة: ب 80 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 165.
(6) المبسوط: ج 1 ص 350.
(7) الخلاف: ج 1 ص 433.
(8) التهذيب: باب الكفارات عن خطأ المحرم ح 95 ج 5 ص 341.
(9) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صفات القاضي ح 26 ج 18 ص 47.
367

[98]
درس
الترك الثاني:
الاستمتاع بالنساء بالجماع ومقدماته حتى العقد، فيبطل
إذا كان أحدهما محرما، سواء عقد لنفسه أو لغيره محلا أو محرما، أو عقد له غيره
كذلك، نعم لو وكله حال الإحرام فعقد بعد الإحلال صح. وكذا تحرم الشهادة
على العقد وإقامتها، وإن تحملها محلا أو كان في عقد بين محلين، فلو أقامها لم
تسمع، قاله الشيخ (1) وابن إدريس (2)، إلا أن الشيخ قيده بما إذا تحملها وهو
محرم.
ولو ادعى أحد الزوجين الإحلال حال العقد قضي به مع اليمين وعدم
البينة، ويلزم مدعي الإحرام لوازم الفساد، فتحرم عليه لو كان المدعي، وظاهر
الشيخ (3) انفساخ العقد حينئذ ووجوب نصف المهر إن كان قبل المسيس،
وجميعه لو كان بعده، ويشكل بأنه إقرار على الغير فيجب كمال المهر في
الموضعين، ولو كان المنكر فليس لها مطالبته بالمهر مع عدم الدخول، وبعده
يطالب بأقل الأمرين من المسمى ومهر المثل مع جهلها. ولو شكا في وقوع العقد
حال الإحرام أو الإحلال فالأصل الصحة.
ويجوز الطلاق، ومراجعة المطلقة وإن كانت مختلعة إذا رجعت في البذل،
وشراء الأمة للتسري، وفي جواز نظره إليها للسوم أو نظر المخطوبة بغير شهوة نظر
أقربه الجواز، وكذا النظرة المباحة في الأجنبية بغير شهوة.
وتنقسم الكفارة بانقسام الاستمتاع إلى أنواع: الأول: الجماع قبل المشعر

(1) المبسوط: ج 1 ص 317.
(2) السرائر: ج 1 ص 547.
(3) النهاية: ص 453.
368

وإن كان وقف بعرفة على أقوى القولين، واعتبر المفيد (1) وسلار (2) والحلبي (3)
قبلية عرفة، وللمرتضى (4) القولان، وفيه على المتعمد العالم بالتحريم بدنة
وإتمام الحج وإعادته من قابل فوريا إن كان الأصل كذلك، وعلى المرأة
المطاوعة ذلك.
ويجب عليهما الافتراق من حين الجماع إلى أن يقضيا المناسك، فإذا حجا
في القابل على تلك الطريق وبلغا موضع الفاحشة افترقا إلى آخر المناسك،
ومعناه مصاحبة ثالث، ولو حجا على غير تلك الطريق فلا تفريق، وقال ابن
الجنيد (5): يستمر التفريق في الحجة الأولى ويحرم الجماع إلى أن يعودا إلى مكان
الخطيئة وإن كانا قد أحلا، وإذا قضيا وبلغا الموضع لم يجتمعا حتى يبلغ الهدي
محله.
ولو أكرهها تحمل عنها البدنة، ولا قضاء عليه عنها لبقاء صحة حجها، ولو
أكرها على الجماع أو أحدهما فلا شئ على المكره، ولو أكرهته ففي تحملها
البدنة نظر، ولو أكره أمته تحمل عنها الكفارة، ولا يجب الحج بها خلافا لابن
الجنيد (6)، ويحتمل وجوب تمكينها قويا.
ولا فرق بين الوطء قبلا أو دبرا، ونقل الشيخ (7) أن الدبر لا يتعلق به
الإفساد وإن وجبت البدنة، وكثير من الأصحاب أطلق أن الجماع في غير

(1) المقنعة: ص 433.
(2) المراسم: ص 106.
(3) الكافي في الفقه: ص 203.
(4) الإنتصار: ص 96.
(5) المختلف: ج 1 ص 282.
(6) المختلف: ج 1 ص 282.
(7) المبسوط: ج 1 ص 336، النهاية: ص 230.
369

الفرج يوجب البدنة لا غير، ولا بين كون الموطوءة أجنبية أو زوجة أو أمة أو كان
ذكرا، وقال الحلبي (1): في الذكر بدنة لا غير، ولا بين الإنزال وعدمه لا بوطء
البهيمة، ونقل الشيخ (2) الإفساد به، وهو قول ابن حمزة (3)، ولا بين كون الحج
واجبا في أصله أو ندبا.
وروى زرارة (4) أن الأولى فرضه وتسميتها فاسدة مجاز، وقال ابن
إدريس (5): الثانية فرضه، وتظهر الفائدة في الأجير، وفي كفارة خلف النذر لو
عينه بتلك السنة، وفي المصدود المفسد إذا تحلل ثم قدر على الحج لسنته أو
غيرها.
الثاني: الجماع المتكرر بعد الإفساد يوجب تكرار البدنة لا غير، سواء كفر
عن الأول أو لا، وتردد في الخلاف (6) إذا لم يكفر، نعم لو جامع في القضاء لزمه
ما لزم أولا.
الثالث: الجماع بعد الموقفين قبل إكمال طواف الزيارة وفيه بدنة، فإن
عجز فبقرة، فإن عجز فشاة، وفي رواية معاوية بن عمار (7) جزور وأطلق.
الرابع: الجماع قبل أن يطوف من طواف النساء خمسة أشواط وفيه بدنة،
وقال الشيخ (8): يكفي الأربعة، وهو مروي صريحا عن أبي بصير (9)، وروى

(1) الكافي في الفقه: ص 203.
(2) الخلاف: ج 1 ص 421.
(3) الوسيلة: ص 159.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 9 ج 9 ص 257.
(5) السرائر: ج 1 ص 550.
(6) الخلاف: ج 1 ص 420.
(7) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 264.
(8) المبسوط: ج 1 ص 337، النهاية: ص 231.
(9) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 267.
370

حمران (1) لا شئ إذا طاف خمسة وتجب البدنة إذا طاف ثلاثة، واعتبر ابن
إدريس (2) البناء في الأربعة لا في سقوط الكفارة.
الخامس: جماع أمته المحرمة بإذنه وهو محل وفيه بدنة أو بقرة أو شاة، فإن
عجز عن الأولين تخير بين الشاة وصيام ثلاثة أيام، وفي التهذيب (3): عليه بدنة
فإن عجز فشاة أو صيام ثلاثة، والأول مروي (4).
السادس: الاستمناء وفيه بدنة، وروى إسحاق بن عمار (5) الحج ثانيا إذا
أمنى بعبثه بالذكر، ولم نقف على معارض لها.
السابع: النظر إلى غير أهله فيمني يوجب بدنة، فإن عجز فبقرة، فإن عجز
فشاة، وفي رواية أبي بصير (6) على الموسر بدنة والمتوسط (7) بقرة والفقير شاة،
وفيها تصريح بأن الكفارة للنظر لا للأمناء، وقال الصدوق (8): يتخير بين الجزور
والبقرة فإن عجز فشاة لصحيح زرارة (9)، ولو نظر إلى أهله بغير شهوة فلا شئ
وإن أمنى، ولو كان بشهوة فأمنى فجزور.
الثامن: لو قبل امرأته بشهوة فجزور أنزل أو لا، ولو طاوعته فعليها مثله، ولو
قبلها بغير شهوة فشاة، وقال ابن إدريس (10): في القبلة بشهوة فينزل جزور وبغير

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 267.
(2) السرائر: ج 1 ص 552.
(3) تهذيب الأحكام: ج 5 ص 320 ذيل الحديث 1101.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 263.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 272.
(6) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 272.
(7) في " ز " و " ق ": والوسط.
(8) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 20.
(9) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 272.
(10) السرائر: ج 1 ص 552.
371

إنزال شاة كما لو قبلها بغير شهوة، ويجوز له تقبيل أمه رحمة لا شهوة.
التاسع: في الملاعبة إذا أمنى بدنة، وعليها مطاوعة مثله.
العاشر: لو عقد المحرم على امرأة ودخل فعلى كل واحد كفارة وإن كان
العاقد محلا، ولو كانت المرأة محلة فلا شئ عليها.
الحادي عشر: لو مس امرأته بشهوة فعليه شاة أمنى أو لا، وبغير شهوة
لا شئ وإن أمنى.
الثاني عشر: قال المفيد (1): من قبل امرأته وقد طاف للنساء ولم تطف هي
مكرها لها فعليه دم، فإن طاوعته فالدم عليها دونه، ورواية زرارة (2) بالدم هنا
ليس فيها ذكر الإكراه. ولا شئ في الامذاء بالنظر ولو كانت مجردة، وكذا لو
فكر فأمنى أو استمتع فأمنى.
ولو عجز عن البدنة الواجبة بالإفساد فعليه بقرة، فإن عجز فسبع شياه، فإن
عجز فقيمة البدنة دراهم تصرف في الطعام ويتصدق به، فإن عجز صام عن
كل مد يوم قاله الشيخ (3)، وقال في التهذيب (4): روي إطعام ستين لكل
مسكين مد فإن عجز صام ثمانية عشر يوما ذكره في الرجل والمرأة، وقال ابن
بابويه (5): من وجب عليه بدنة في كفارة وعجز فسبع شياه فإن عجز صام
ثمانية عشر يوما بمكة أو بمنزله لرواية داود الرقي (6)، غير أن فيها كون البدنة في
فداء وهو أخص من الكفارة.

(1) المقنعة: ص 439 و 440.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 7 ج 9 ص 277.
(3) الخلاف: ج 1 ص 421 و 422.
(4) التهذيب: باب الكفارة عن خطأ المحرم ح 7 ج 5 ص 318.
(5) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 21.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كفارات الصيد ح 4 ج 9 ص 184.
372

ولا يمنع الإفساد تحلل المحصر، فلو (1) زال الإحصار بعد التحلل قضى الحج
مع سعة الزمان لسنته، بناء على أن الأولى عقوبة وأنها تسقط بالتحلل، وهما
ممنوعان. ولو أفسد حج التطوع ثم أحصر فعليه بدنة للإفساد ودم التحلل وقضاء
واحد بسبب الإفساد، لأن التطوع يسقط بالتحلل منه.
[99]
درس
الترك الثالث: الطيب، وهو حرام بأنواعه، وفي التهذيب (2)، إنما يحرم
المسك والعنبر والزعفران والورس، وفي الخلاف (3) والنهاية (4) أضاف الكافور
والعود، وفي صحيح حريز (5) لا يمس المحرم شيئا من الطيب. ولا بأس بخلوق
الكعبة وزعفرانها، وقال الشيخ (6): لو دخل الكعبة وهي تجمر أو تطيب لم يكن
له الشم، والعطر في المسعى كذلك في رواية هشام بن الحكم (7)، وفي
الرياحين قولان: أقربهما التحريم، إلا الشيح والخزامى والإذخر لرواية معاوية بن
عمار (8)، وقيدها بعضهم بالحرم. واختلف في الفواكه ففي رواية ابن أبي
عمير (9) يحرم شمها، وكرهه الشيخ في المبسوط (10)، ويجوز أكلها إذا قبض على

(1) في " م ": ولو.
(2) التهذيب: ج 5 ص 299.
(3) الخلاف: ج 1 ص 394.
(4) النهاية: ص 219.
(5) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب تروك الإحرام ح 11 ج 9 ص 95.
(6) الخلاف: ج 1 ص 396.
(7) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 98.
(8) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 101.
(9) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب تروك الإحرام ح 3 ج 9 ص 103.
(10) المبسوط: ج 1 ص 352.
373

شمه، وكذا يقبض لو اضطر إلى أكل مطيب.
ويحرم القبض من كريه الرائحة، ولبس ثوب مطيب مطلقا، والنوم عليه
إلا أن يكون فوقه ثوب يمنع الرائحة. ولو أصابه طيبا أمر الحلال بغسله أو غسله
بآلة، وفي رواية ابن أبي عمير (1) يجوز غسله بيده، أو مسحه بنعله، وصرف الماء
في غسله أولى من الطهارة وإزالة النجاسة فيتيمم، ولو فقد (2) الماء مسحه
بالتراب والحشيش وشبهه.
ويحرم الاكتحال بالمطيب لرواية ابن عمار (3) وابن سنان (4)، وكرهه
القاضي (5). ويمنع المحرم لو مات من الكافور في الغسل والحنوط. ويحرم الدهن
المطيب ولو كان قبل الإحرام إذا كانت الرائحة تبقى إلى الإحرام، وفي
الخلاف (6): يكره هذا، وظاهره إرادة التحريم، واختار ابن حمزة (7) الكراهية،
وفي رواية الحلبي (8) لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر من
أجل بقاء الرائحة، ولو زالت الرائحة عن الدهن جاز استعماله قاله في
التهذيب (9) وجوز في المبسوط (10) استعمال المغموس في ماء الفواكه الطيبة
كالتفاح وكره الممشق والمعصفر.

(1) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب تروك الإحرام ح 2 و 3 ج 9 ص 99.
(2) في " م ": تعذر.
(3) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب تروك الإحرام ح 2 ج 9 ص 111.
(4) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب تروك الإحرام ح 5 ج 9 ص 112.
(5) المهذب: ج 1 ص 221.
(6) الخلاف: ج 1 ص 388.
(7) الوسيلة: ص 164.
(8) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 104.
(9) التهذيب: ج 5 ص 302.
(10) المبسوط: ج 1 ص 351.
374

وكفارة الطيب شاة مع التعمد والعلم شما وسعوطا وحقنة وإطلاء وصبغا
كما يغمس في ماء الورد والكافور وما يصبغ بالزعفران وبخورا كالند وأكلا
ابتداء واستدامة سواء مسته النار أو لا طيب جميع العضو أم لا، وقال
الصدوق (1) في الخبيص المزعفر لو أكل (2): إنه إذا تصدق بتمر يشتريه
بدرهم كان كفارة له، ولعله أراد الناسي، وروى حريز (3) في شم الرياحين
الصدقة بشبعه.
ويجوز شراء الطيب ولا يمسه، فلو كان يابسا فمسه فلا فدية إلا أن يعلق
بثوبه أو بدنه ريحه أو شئ منه، ولو كان أحدهما رطبا فدى بشاة، وخص
الحلبي (4) الشاة بالمسك والعنبر والزعفران والورس، وفيما (5) عداها يأثم لا غير.
الترك الرابع: الإدهان مطلقا، وسوغ المفيد (6) غير المطيب، ولا خلاف في
جواز أكله وجواز الإدهان عند الضرورة. وتجب الشاة باستعمال المطيب وإن
كان لضرورة، وينتفي الإثم حينئذ، وفي التهذيب (7): يجب على من داوى قرحه
بدهن بنفسج عمدا شاة وجهلا طعام (8) مسكين. وأما غير المطيب فقال في
الخلاف (9): لا نص لأصحابنا في كفارته، وصرح ابن إدريس (10) والفاضل (11)

(1) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 19.
(2) في باقي النسخ: يؤكل.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب تروك الإحرام ح 11 ج 9 ص 95.
(4) الكافي في الفقه: ص 204.
(5) في " م ": وما.
(6) المقنعة: ص 432.
(7) التهذيب: ج 5 ص 304 ح 36.
(8) في " ق ": إطعام.
(9) الخلاف: ج 1 ص 394.
(10) السرائر: ج 1 ص 555.
(11) المختلف: ج 1 ص 287.
375

بعدم الكفارة فيه.
الترك الخامس: المخيط، ويجب تركه على الرجال وإن قلت الخياطة في
ظاهر كلام الأصحاب، ولا يشترط الإحاطة، ويظهر من كلام ابن الجنيد (1)
اشتراطها حيث قيد المخيط بالضام للبدن، فعلى الأول يحرم التوشح بالمخيط
والتدثر، وعلى القولين يجوز لبس الطيلسان، ويحرم الزر والخلال، ويجوز افتراشه
والمنطقة والهميان وللنساء خلافا للنهاية (2)، إلا الغلالة تحت الثياب لتقيها من
النجاسة، والخلاف في الحرير بين الشيخين، فجوزه المفيد (3) لرواية يعقوب بن
شعيب (4)، ومنعه الشيخ (5) لرواية العيص (6) وداود بن الحصين (7)، وهي
أشهر، والخنثى تجتنب المخيط والحرير. وفدية المخيط شاة ولو اضطر، ولا فدية على
الخنثى إلا أن تجمع بين المخيط وتغطية الوجه.
[100]
درس
الترك السادس: لبس ما يستر ظهر القدم كالخف والشمشك، فيفدي
بشاة لو فعله، ولو اضطر فلا شئ عليه عند الشيخ (8)، وقيل: يجب، ويجب
شقه عن ظهر القدم على الأصح لرواية محمد بن مسلم (9)، وفي الخلاف (10):

(1) كشف اللثام: ج 1 ص 329.
(2) النهاية: ص 218.
(3) المقنعة: ص 396.
(4) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الإحرام ح 1 ج 9 ص 41.
(5) النهاية: ص 217.
(6) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الإحرام ح 9 ج 9 ص 43.
(7) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الإحرام ح 3 ج 9 ص 42.
(8) التهذيب: ج 5 ص 384.
(9) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب تروك الإحرام ح 5 ج 9 ص 135.
(10) الخلاف: ج 1 ص 391.
376

لا يجب لمقطوعة رفاعة (1)، ولو وجد نعلين فهما أولى من الخف المشقوق، والظاهر
جواز الخف للمرأة كما قاله الحسن (2)، ولا يحرم تغطية القدم بما لا يسمى لبسا.
السابع: لبس الخاتم للزينة، ويجوز للسنة، وكلاهما مروي (3).
الثامن: لبس المرأة ما لم تعتده من الحلي، ويجوز المعتاد بغير قصد الزينة،
ويحرم إظهاره للزوج، ويحرم عليها لبس القفازين لرواية داود (4) وعيص (5)،
وهما وقاية لليدين من البرد محشوان يزران عليهما، وقال ابن دريد (6): هما
ضرب من حلي اليدين.
التاسع: لبس السلاح اختيارا في المشهور، والكراهية نادرة، وحرم
أبو الصلاح (7) شهره، ويجوز لبسه وشهره عند الضرورة لرواية الحلبي (8).
العاشر: التظليل للرجل سائرا اختيارا في المشهور لرواية إسحاق بن
عمار (9)، وقال ابن الجنيد (10): يستحب تركه، ويجوز للمريض ومن لا يطيق
الشمس وللنساء وعند النزول مطلقا، وروى علي بن جعفر (11) جوازه مطلقا
ويكفر، وفي رواية مرسلة (12) عن الرضا عليه السلام يجوز لشريك العليل،

(1) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب تروك الإحرام ح 4 ج 9 ص 134.
(2) المختلف: ج 1 ص 267.
(3) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب تروك الإحرام ح 4 ج 9 ص 127.
(4) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الإحرام ح 3 ج 9 ص 42.
(5) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الإحرام ح 9 ج 9 ص 43.
(6) جمهرة اللغة: ج 3 ص 12.
(7) الكافي في الفقه: ص 203.
(8) وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 137.
(9) وسائل الشيعة: ب 64 من أبواب تروك الإحرام ح 7 ج 9 ص 147.
(10) المختلف: ج 1 ص 285.
(11) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 2 ج 9 ص 287.
(12) وسائل الشيعة: ب 68 من أبواب تروك الإحرام ح 2 ج 9 ص 153.
377

والأشهر اختصاصه به.
واختلف في كفارة التظليل، فقال الحسن (1): فدية من صيام أو صدقة أو
نسك كالحلق لأذى، وقال الصدوق (2): لا بأس بالظل ويتصدق لكل يوم بمد،
وقال الحلبي (3)، على المختار لكل يوم شاة وعلى المضطر لجملة (4) المدة شاة،
وروى سعد بن سعيد (5) فيمن يؤذيه حر الشمس يظلل ويفدي (6)، وروى
ابن بزيع (7) شاة للتظليل لأذى المطر والشمس، والروايتان صحيحتان،
وروى أبو علي بن راشد (8) جوازه لمن تؤذيه الشمس وعليه دم لكل نسك،
وبه أخذ الشيخ (9)، وفي رواية سعيد الأعرج (10) لا يجوز الاستتار من الشمس
بعود أو بيده إلا من علة، ويجوز المشي تحت الظلال وفي ظل المحمل وشبهه، وفي
المبسوط (11): ترك التظليل للنساء أفضل.
فرع:
هل التحريم في الظل لفوات الضحى أو لمكان الستر؟ فيه نظر، لقوله صلى
الله عليه وآله (12): أضح لمن أحرمت له، والفائدة فيمن جلس في المحمل بارزا

(1) المختلف: ج 1 ص 285.
(2) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 20.
(3) الكافي في الفقه: ص 204.
(4) في " ز " و " م ": بجملة.
(5) كذا في الأصل، والصحيح: سعد بن سعد كما في الوسائل وفي " ز " و " ق ".
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 4 ج 9 ص 287.
(7) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 6 ج 9 ص 288.
(8) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 1 ج 9 ص 288.
(9) النهاية: ص 133.
(10) وسائل الشيعة: ب 67 من أبواب تروك الإحرام ح 5 ج 9 ص 152.
(11) المبسوط: ج 1 ص 321.
(12) الكافي: ج 4 ص 350 ح 2 والرواية عن الإمام الكاظم عليه السلام.
378

للشمس، وفيمن تظلل به وليس فيه، وفي الخلاف (1): لا خلاف أن للمحرم
الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يكن (2) فوق رأسه، وقضيته اعتبار المعنى الثاني.
الحادي عشر: تغطية الرأس للرجل ولو كان بالغسل وشبهه أو بارتماس،
وفديته شاة ولو كان مضطرا، والأقرب عدم تكرارها بتكرر تغطيته، نعم لو فعل
ذلك مختارا تعددت، ولا تتعدد بتعدد الغطاء مطلقا، ويجوز التوسد، ولا يجوز حمل
ساتر على الرأس، وجوز الفاضل (3) ستر رأسه بيديه (4) لرواية معاوية (5) لا بأس أن
يستر بعض جسده ببعض وأن يضع ذراعه على وجهه من حر الشمس، وليس
صريحا في الدلالة فالأولى المنع، وتجب الفدية بتغطية بعضه. ويجوز العصابة
للصداع وجعل عصام القربة على الرأس لرواية محمد بن مسلم (6). ولو غطى
رأسه ناسيا ألقى الغطاء واجبا وجدد التلبية استحبابا.
الثاني عشر: تغطية الوجه للمرأة، وفديته شاة عند الشيخ في المبسوط (7)،
وقال الحلبي (8): لكل يوم شاة ولو اضطرت فشاة بجميع (9) المدة، وكذا قال (10)
في تغطية الرأس. واختلف في تغطية الرجل وجهه، فقال في النهاية (11)
والمبسوط (12) بجوازه، وكذا في الخلاف (13) مدعيا للإجماع، وهو قول ابن

(1) الخلاف: ج 1 ص 401.
(2) في " ز ": ما لم يكن يمسه، وفي " م ": ما لم يمسه.
(3) منتهى المطلب: ج 2 ص 790.
(4) في " ز ": بيديه مختارا أو مضطرا.
(5) وسائل الشيعة: ب 70 من أبواب تروك الإحرام ح 4 ج 9 ص 156.
(6) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 140.
(7) المبسوط: ج 1 ص 320.
(8) الكافي في الفقه: ص 204.
(9) في باقي النسخ: لجميع.
(10) الكافي في الفقه: ص 204.
(11) النهاية: ص 221.
(12) المبسوط: ج 1 ص 321.
(13) الخلاف: ج 1 ص 392.
379

الجنيد (1)، لقول النبي صلى الله عليه وآله (2): إحرام الرجل في رأسه وإحرام
المرأة في وجهها، والتفصيل قاطع للشركة.
ومنعه الحسن (3) وجعل كفارته إطعام مسكين في يده، وجوزه في
التهذيب (4) بشرط هذه الكفارة لرواية الحلبي (5)، وحملت على الندب، وفي هذه
الرواية لا بأس أن ينام المحرم على وجهه على راحلته، وروى معاوية (6) كراهة
أن يتجاوز ثوب المحرم أنفه ولا بأس بمده من أسفل حتى يبلغ أنفه، والخنثى
تغطي ما شاءت من الرأس أو الوجه ولا كفارة، ولو جمعت بينهما كفرت.
فرع:
يعارض (7) في المرأة وجوب كشف جزء من الرأس لتحريم تغطية الوجه،
وستر جزء من الوجه لوجوب ستر الرأس وهما متنافيان، فالأولى تقديم حق
الرأس احتياطا في الستر، ولحصول مسمى الوجه بفوات الجزء اليسير.
الثالث عشر: النقاب للمرأة لتحريم التغطية، وفي رواية معاوية (8)
لا تطوف المرأة بالبيت وهي متنقبة، وروى الحلبي (9) أن الباقر عليه السلام
قال لا مرأة متنقبة: أحرمي وأسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك وجوزه إلى

(1) المختلف: ج 1 ص 286.
(2) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 129.
(3) المختلف: ج 1 ص 286.
(4) التهذيب: ج 5 ص 308.
(5) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 142.
(6) وسائل الشيعة: ب 61 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 143.
(7) في " م " و " ز ": لو تعارض.
(8) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب تروك الإحرام ح 5 ج 9 ص 130.
(9) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب تروك الإحرام ح 3 ج 9 ص 129.
380

فيها، ولم يذكر عدم إصابة وجهها، والمشهور منع ذلك إلا بخشبة تحته وشبهها
تمنعه من إصابة الوجه، وفي رواية حريز (1) تسدله إلى الذقن، ولو أصاب الوجه
رفعته بسرعة وإلا وجب الدم قاله الشيخ (2).
الرابع عشر: قلم الأظفار، ففي كل ظفر مد من طعام، وفي الرواية (3) قيمة
مد، وفي أظفار يديه أو رجليه شاة ما لم يكن كفر عن الماضي، وفي جميعها شاة
إن اتحد المجلس وإلا فشاتان، ولو كان له إصبع زائدة أو يد زائدة فالظاهر أنها
كالأصلية، وقال ابن الجنيد (4): في الظفر مد أو قيمته حتى يبلغ خمسة فصاعدا
فدم إن كان في مجلس واحد، وإن (5) فرق بين يديه ورجليه فليديه دم ولرجليه
دم، وقال الحلبي (6): في قص ظفر كف من طعام وفي أظفار إحدى يديه صاع
وفي أظفار كلتيهما شاة، وكذا حكم أظفار رجليه، وإن كان الجميع في مجلس
فدم، وقال الحسن (7): من انكسر ظفره فلا يقصه فإن فعل أطعم مسكينا في
يده، وقال الفاضل (8): لو انكسر ظفره فله إزالته إجماعا، وتوقف في الفدية.
والأقرب التساوي بين قص بعض الظفر وكله، نعم لو قصه في دفعات فالظاهر
عدم التعدد مع اتحاد الوقت، ولو تغاير احتمل التعدد.
[101]
درس
الخامس عشر: إزالة الشعر عن رأسه وبدنه، ويجوز حلق الرأس لأذى،

(1) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب تروك الإحرام ح 6 ج 9 ص 130.
(2) المبسوط: ج 1 ص 320.
(3) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 1 ج 9 ص 293.
(4) المختلف: ج 1 ص 285.
(5) في باقي النسخ: فإن.
(6) الكافي في الفقه: ص 204.
(7) المختلف: ج 1 ص 285.
(8) منتهى المطلب: ج 2 ص 795.
381

وعليه شاة أو إطعام عشرة (1) لكل واحد مد أو صيام ثلاثة أيام، وقال
المفيد (2): يطعم ستة ستة أمداد، وقال الحسن (3) وابن الجنيد (4): يطعم ستة
اثني عشر مدا، وهو في صحيح حريز (5)، والتخيير بين العشرة وبين هذا وجه
قوي، ولو حلقه لغير أذى فكذلك ويأثم. ولا فرق بين بعضه وكله. ولو لم يسم
حلقا تصدق بشئ. ولو اختلف الوقت في الحلق تعددت الكفارة، ولو قصره في
أوقات ثم حلقه احتمل التعدد. وفي نتف الإبطين شاة وكذا حلقهما، وفي
أحدهما إطعام ثلاثة مساكين.
ولو سقط شئ من شعر لحيته أو رأسه فعليه كف من طعام، ولو كان في
الوضوء فلا شئ، وكذا في الغسل على الأقرب، وأوجب المفيد (6) الكف في
السقوط بالوضوء، وقال (7): ولو كثر الساقط من شعره فشاة، وقال سلار (8): في
القليل كف وفي الكثير شاة وأطلق، وقال الحلبي (9): في قص الشارب وحلق
العانة والإبطين شاة.
فروع سبعة:
الأول: الأقرب أنه لا شئ على الناسي والجاهل، وأوجب الفاضل (10)

(1) في " ق ": عشرة مساكين.
(2) المقنعة: ص 434.
(3) المختلف: ج 1 ص 285.
(4) المختلف: ج 1 ص 285.
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 1 ج 9 ص 295.
(6) المقنعة: ص 435.
(7) في باقي النسخ: قال.
(8) المراسم: ص 120 و 122.
(9) الكافي في الفقه: ص 204.
(10) قال الفاضل في المختلف: ج 1 ص 287 والتذكرة: ج 1 ص 354 والتحرير: ج 1 ص 100 والإرشاد:
ج 1 ص 324: (وتسقط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون إلا في الصيد فإن الكفارة تجب مع الجهل
والنسيان والعمد)، ولم نعثر على ما نسبه الشهيد للفاضل في كتبه.
382

الكفارة على الناسي في الحلق والقلم، لأن الإطلاق يتساوى فيه العمد والخطأ
كالمال، وهو بعيد لصحيح زرارة (1) عن الباقر عليه السلام من حلق رأسه أو
نتف إبطه ناسيا أو جاهلا فلا شئ عليه، ونقل الشيخ (2) الإجماع على عدم
وجوب الفدية علي الناسي، والقياس عندنا باطل وخصوصا مع معارضة
النص.
الثاني: لو نبت في عينه شعر أو طال حاجبه فغطى عينه فأزاله فلا فدية،
ولو تأذى بكثرة الشعر في الحر فأزاله فدى. والفرق لحوق الضرر من الشعر في
الأول، ومن الزمان في الثاني. وفي إزالته لدفع القمل الفدية لأنه محل المؤذي
لا مؤذ.
الثالث: وفي جواز حلق المحرم رأس المحل قولان للشيخ (3)، والنهي رواية
معاوية (4) عن الصادق عليه السلام.
الرابع: لو قلع جلدة عليها شعر قيل: لا يضمن.
الخامس: لو علم أن الشعرة كانت منسلة فلا شئ فيها، ولو شك في كونها
نابتة أو لا، فالأقرب الفدية.
السادس: لا يجوز التكفير قبل الحلق على الأصح.
السابع: لو أفتاه مفت بالحلق فلا شئ عليه، والأقرب عدم ضمان المفتي
أيضا. ولو أفتاه بالقلم فأدمى فعلى المفتي شاة، والظاهر أنه لا يشترط إحرام
المفتي ولا كونه من أهل الاجتهاد. ولو تعدد المفتي دفعة فالأشبه التعدد عليهم،
ولا دفعة على الأول، ويحتمل التعدد، والأقرب قبول قول القالم في الإدماء، ولو
أفتى غيره فقلم السامع فأدمى فالظاهر الكفارة أيضا، ولو تعمد الإدماء فلا

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 1 ج 9 ص 291.
(2) الخلاف: ج 1 ص 398.
(3) الخلاف: ج 1 ص 398، التهذيب: ج 5 ص 340.
(4) وسائل الشيعة: ب 63 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 145.
383

شئ على المفتي. ولو أفتاه بالإدماء فأدمى أو بغيره من المحظورات احتمل
الضمان، لما روي (1) أن كل مفت ضامن.
السادس عشر: قتل هوام الجسد كالقمل، سواء كان على الثوب أو البدن،
وجوز في المبسوط (2) وتبعه ابن حمزة (3) قتله على البدن، وكذا البرغوث، قال
الشيخ (4): فإن ألقى القمل عن جسمه فدى، والأولى أن لا يعرض له ما لم يؤذه،
ومنع في النهاية (5) من قتل المحرم البق والبرغوث وشبههما في الحرم، وإن كان
محلا في الحرم فلا بأس.
وأوجب المرتضى (6) في قتل القملة أو الرمي بها كف طعام، والذي في
صحيح حماد بن عيسى (7) يطعم مكانها طعاما، وفي صحيح معاوية بن
عمار (8) لا شئ فيها، وأنه لا بأس بقتل النمل والبق والقمل في الحرم، وروى
هو أيضا (9) عن الصادق عليه السلام اتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى
والعقرب والفأرة. ويجوز تحويلها من مكان إلى آخر من جسده، وإلقاء القراد
والحلم عن نفسه وبعيره، وقال الشيخ (10): لا يلقي الحلم عن بعيره ولا يجوز قتل
شئ من ذلك.

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب آداب القاضي ح 2 ج 18 ص 161.
(2) المبسوط: ج 1 ص 339.
(3) الوسيلة: ص 163.
(4) المبسوط: ج 1 ص 339.
(5) النهاية: ص 229.
(6) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 71.
(7) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 1 ج 9 ص 297.
(8) وسائل الشيعة: ب 84 من أبواب تروك الإحرام ح 2 ج 9 ص 171.
(9) وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب تروك الإحرام ح 2 ج 9 ص 166.
(10) التهذيب: ج 5 ص 338.
384

السابع عشر: الاكتحال بالسواد للرجل والمرأة، وفي الخلاف (1): يكره،
والذي في صحيح معاوية (2) لا يكتحل المحرم (3) إلا من علة، وروى حريز (4)
في الصحيح لا يكتحل المحرم بالسواد لأنه زينة، وقال النبي صلى الله عليه
وآله (5): الحاج أشعث أغبر.
الثامن عشر: الحناء للزينة على قول لأنه زينة، والكراهية (6) مشهورة
لصحيح (7) ابن سنان (8) حيث أطلقت استعماله، وحملت على غير الزينة،
وحكم ما قبل الإحرام إذا قارنه حكمه.
التاسع عشر: النظر في المرآة لصحيح حماد (9) ومعاوية (10) معللا بالزينة،
وقال القاضي (11) وابن حمزة (12): يكره تبعا للشيخ في الخلاف (13).
العشرون: الحجامة إلا مع الحاجة في الأظهر لرواية الحسن الصيقل (14)،
وقال في المبسوط (15): يجوز للمحرم أن يحتجم ويفتصد، وقال في الخلاف (16)

(1) الخلاف: ج 1 ص 398.
(2) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب تروك الإحرام ح 2 ج 9 ص 111.
(3) هذه الكلمة غير موجودة في " م " و " ق ":.
(4) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب تروك الإحرام ح 4 ج 9 ص 112.
(5) الجامع الصغير: ج 1 ص 150 وفيه: (الحاج الشعث التفل)، ولم نعثر على ما نقله الشهيد.
(6) في " م " و " ق ": والكراهية.
(7) في باقي النسخ: لصحيحة.
(8) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 100.
(9) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 114.
(10) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب تروك الإحرام ح 2 ج 9 ص 114.
(11) المهذب: ج 1 ص 221.
(12) الوسيلة: ص 164.
(13) الخلاف: ج 1 ص 401.
(14) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب تروك الإحرام ح 3 ج 9 ص 144.
(15) المبسوط: ج 1 ص 354.
(16) الخلاف: ج 1 ص 399.
385

وتبعه ابن حمزة (1) يكره، وهو في صحيح حريز (2). وفي حكم الحجامة الفصد
وإخراج الدم ولو بالسواك أو حك الرأس. وفدية إخراج الدم شاة، ذكره
بعض أصحاب المناسك، وقال الحلبي (3): في حك الجسم (4) حتى يدمي مد
طعام لمسكين.
الحادي والعشرون: الجدال وهو قول: لا والله وبلى والله، ففي الثلاث
صادقا شاة، وكذا ما زاد ما لم يكفر، وفي الواحدة كذبا شاة، وفي الاثنين بقرة
ما لم يكفر، وفي الثلاث بدنة ما لم يكفر، قيل: ولو زاد على الثلاث فبدنة ما لم
يكفر، وروى محمد بن مسلم (5) إذا جادل فوق مرتين مخطئا فعليه بقرة، وروى
معاوية (6) إذا حلف ثلاث أيمان في مقام ولاء فقد جادل فعليه دم، وقال
الجعفي (7): الجدال فاحشة إذا كان كاذبا أو في معصية، فإذا قاله مرتين فعليه
شاة، وقال الحسن (8): من حلف ثلاث أيمان بلا فصل في مقام واحد فقد
جادل وعليه دم، قال (9): وروي أن المحرمين إذا تجادلا فعلى المصيب منهما دم
شاة وعلى المخطئ بدنة.
فروع ثلاثة:
الأول: خص بعض الأصحاب الجدال بهاتين الصيغتين، والقول بتعديته إلى

(1) الوسيلة: ص 163، ذكره فيما يجوز للمحرم.
(2) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب تروك الإحرام ح 4 ج 9 ص 144.
(3) الكافي في الفقه: ص 204.
(4) في " ق ": الجسد.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 6 ج 9 ص 281.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 5 ج 9 ص 281.
(7) نقله عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام: ج 1 ص 411.
(8) نقله عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام: ج 1 ص 411.
(9) لم نعثر عليه
386

ما يسمى يمينا أشبه.
الثاني: لو اضطر إلى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل، فالأقرب جوازه، وفي
الكفارة تردد أشبهه الانتفاء، وقال ابن الجنيد (1): يعفى عن اليمين في طاعة الله
وصلة الرحم ما لم يدأب في ذلك، وارتضاه الفاضل (2)، وروى أبو بصير (3) في
المتحالفين على عمل لا شئ، لأنه إنما أراد إلزامه إنما ذلك على ما كان فيه
معصية، وهو قول الجعفي (4).
الثالث: لا كفارة في اللغو من ذلك، لأنه في معنى الساهي.
الثاني والعشرون: الفسوق وهو الكذب والسباب لصحيح معاوية (5)، وفي
صحيح علي بن جعفر (6) هو الكذب والمفاخرة، وتخصيص ابن البراج (7)
بالكذب على الله ورسوله والأئمة عليهم السلام، وقول المفيد (8): إن الكذب
يفسد الإحرام ضعيفان. ولا كفارة في الفسوق سوى الكلام الطيب في الطواف
والسعي قاله الحسن (9)، وفي رواية علي بن جعفر (10) يتصدق.
الثالث والعشرون: قلع الضرس وفيه دم، والرواية (11) به مقطوعة، وقال
ابن الجنيد (12) وابن بابويه (13): لا بأس به مع الحاجة ولم يوجبا شيئا.

(1) المختلف: ج 1 ص 271.
(2) نفس المصدر السابق.
(3) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب تروك الإحرام ح 7 ج 9 ص 110.
(4) كتابه غير موجود لدينا.
(5) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 108.
(6) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب تروك الإحرام ح 4 ج 9 ص 109.
(7) المهذب: ج 1 ص 221.
(8) المقنعة: ص 432.
(9) المختلف: ج 1 ص 270.
(10) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 3 ج 9 ص 283.
(11) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب بقية الكفارات الإحرام ح 1 ج 9 ص 302.
(12) المختلف: ج 1 ص 287.
(13) نفس المصدر السابق.
387

[102]
درس
يكره الإحرام في الثياب الوسخة وإن كانت طاهرة، ولو عرض الوسخ في
الأثناء بلا نجاسة لم تغسل. ويستحب الإحرام في القطن المحض الأبيض،
ويكره في الثياب المصبوغة ويتأكد السواد، وحرمه الشيخ (1) وابن حمزة (2)
لرواية الحسين بن المختار (3)، ويكره أيضا النوم على المصبوغة، ولبس الثياب
المعلمة، ودخول الحمام، وتدليك الجسد فيه وفي غيره ولو في الطهارة، وغسل
الرأس بالسدر والخطمي، وتلبية مناديه، بل يقول: يا سعد أو سعديك،
واستعمال الرياحين، وخطبة النساء، والمبالغة في السواك، وفي ذلك الوجه
والرأس في الطهارة، والهذر من الكلام، والاغتسال للتبرد وحرمه الحلبي (4).
ويستحب حك الرأس بأطراف الأصابع لا بالأظفار لرواية أبي بصير (5)،
ويجوز له التخليل ما لم يدم، ولو كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء إلا من
الاحتلام. ويكره الاحتباء للمحرم وفي المسجد الحرام، ويكره له المصارعة
أيضا خوفا من جرح أو سقوط شعر، ويجوز حك الجرب وإن سال منه الدم في
رواية عمار (6)، ويجوز للمحرم أن يؤدب عبده إلى عشرة أسواط.
ويحرم قلع شجر الحرم على المحرم والمحل، وحده بريد في بريد، ففي الكبيرة
بقرة، وفي الصغيرة شاة، وفي الأغصان القيمة، ونقل في الخلاف (7) الإجماع فيه،

(1) الخلاف: ج 1 ص 392.
(2) الوسيلة: ص 163.
(3) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الإحرام ح 1 ج 9 ص 36.
(4) الكافي في الفقه: ص 203.
(5) وسائل الشيعة: ب 71 من أبواب تروك الإحرام ح 2 ج 9 ص 157.
(6) وسائل الشيعة: ب 71 من أبواب تروك الإحرام ح 3 ج 9 ص 157.
(7) الخلاف: ج 1 ص 437.
388

وأطلق ابن الجنيد (1) القيمة في القلع، وقال الحلبي (2): في قلع الشجرة شاة وفي
بعضها ما تيسر من الصدقة، وظاهر ابن إدريس (3) لا كفارة، والذي رواه
سليمان بن خالد (4) لا ينزع من شجر مكة شئ إلا النخل وشجر الفاكهة،
وروي مرسلا (5) إذا كان في داره شجرة فنزعها فبقرة، ويجوز قطع عودي المحالة
لرواية زرارة (6) أن النبي صلى الله عليه وآله رخص فيهما، ويكفي في تحريم
الشجرة كون شئ منها في الحرم سواء كان أصلها أو فرعها لرواية معاوية (7).
وفي النهاية (8): لا بأس بقلع ما أنبته الإنسان في الحرم، وفي الخلاف (9):
لا ضمان فيما ينبته الآدمي في العادة وإن أنبته الله، وكذا لا ضمان فيما أخذه
الآدمي من الحل فأنبته في الحرم. ويجب إعادة المقلوعة إلى مغرسها أو غيره،
فإن جفت وجبت الكفارة، وإلا سقطت، ويجوز أخذ ما جف من الشجر وإن
كان متصلا بالرطب.
ويحرم نزع الحشيش إلا الأذخر، ولا يحرم رعيه لصحيح حريز (10)، وقال ابن
الجنيد (11): لا اختار رعيه لأن البعير ربما نزعه من أصله، وجوز حصده إذا بقي

(1) المختلف: ج 1 ص 286.
(2) الكافي في الفقه: ص 204.
(3) السرائر: ج 1 ص 554.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 2 ج 9 ص 301.
(5) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 3 ج 9 ص 301.
(6) وسائل الشيعة: ب 87 من أبواب تروك الإحرام ح 5 ج 9 ص 174.
(7) وسائل الشيعة: ب 90 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 177.
(8) النهاية: ص 234.
(9) الخلاف: ج 1 ص 437.
(10) وسائل الشيعة: ب 89 من أبواب تروك الإحرام ح 1 ج 9 ص 176.
(11) المختلف: ج 1 ص 287.
389

أصله، وفي صحيح ابن أبي نجران ومحمد (1) بن حمران (2) أما شئ يأكله الإبل
فليس به بأس أن ينزعه، وأسند الشيخ (3) النزع إلى الإبل، ولو قلنا بتحريم نزعه
فلا كفارة فيه سوى الاستغفار، ومال الفاضل (4) إلى وجوب القيمة.
ولو اقتتل اثنان في الحرم فعلى كل واحد دم عند الشيخ (5)، لرواية أبي
هلال (6) عن الصادق عليه السلام.
لواحق:
كل محرم أكل أو لبس الممنوع منه فعليه شاة، وتتعدد الكفارة باختلاف
الجنس وبتكرر الوطء، أما الحلق والقلم فتتعدد بتعدد الوقت وإلا فواحدة،
وكذا الاستمتاع باللبس والطيب والقبلة، ولا فرق في التعدد بين التكفير عن
الأول أولا، قاله (7) في المبسوط (8)، وأنكر ابن حمزة (9) تكرر الكفارة بتكرر
الجماع المفسد، والمحقق (10) جعل تعدد الكفارة في الحلق تابعا لتغاير الوقت، وفي
اللبس والطيب تابعا لتغاير المجلس، وتبع في اللبس النهاية (11) وفي رواية محمد
بن مسلم (12) في اللبس لكل صنف فداء. ولا كفارة على الجاهل والناسي إلا

(1) كذا في الأصل، والصحيح: عن محمد.
(2) وسائل الشيعة: ب 89 من أبواب تروك الإحرام ح 2 ج 9 ص 177.
(3) النهاية: ص 234.
(4) المختلف: ج 1 ص 287.
(5) التهذيب: ج 5 ص 384 ذيل ح 255.
(6) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 1 ج 9 ص 301.
(7) في " م ": قاله الشيخ.
(8) المبسوط: ج 1 ص 351.
(9) الوسيلة: ص 165 و 166.
(10) شرائع الإسلام: ج 1 ص 297 و 298.
(11) النهاية: ص 234.
(12) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 1 ج 9 ص 290.
390

في الصيد، ونقل الحسن (1) أن الناسي فيه لا شئ عليه.
ومحل الذبح والنحر والصدقة مكة إن كانت الجناية في إحرام العمرة وإن
كانت متعة، ومنى إن كان في إحرام الحج، وجوز الشيخ (2) إخراج كفارة غير
الصيد بمنى وإن كان في إحرام العمرة، وألحق ابن حمزة (3) وابن إدريس (4)
عمرة التمتع بالحج في الصيد، ويستحب كونه بالحزورة بتخفيف الواو بفناء
الكعبة، وجوز الشيخ (5) فداء الصيد حيث أصابه، واستحب تأخيره إلى مكة
لصحيحة معاوية بن عمار (6)، وفي رواية مرسلة (7) ينحر الهدي الواجب في
الإحرام حيث شاء إلا فداء الصيد فبمكة، وقال الشيخ في الخلاف (8): كل
دم يتعلق بالإحرام كدم المتعة والقران وجزاء الصيد وما وجب بارتكاب
محظورات الإحرام إذا أحصر جاز له أن ينحر مكانه في حل أو حرم إذا لم
يتمكن من إنفاذه بلا خلاف.
[103]
درس
يجب الطواف في العمرة والحج، والكلام في مقدماته وكيفيته وأحكامه.
الأول: يستحب للمتمتع وغيره الغسل عند دخول الحرم، ومضغ الأذخر،

(1) نقله عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام: ج 1 ص 412.
(2) المبسوط: ج 1 ص 345.
(3) الوسيلة: ص 171.
(4) السرائر: ج 1 ص 594.
(5) المبسوط: ج 1 ص 345.
(6) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الذبح ح 4 ج 9 ص 93.
(7) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 246.
(8) الخلاف: ج 1 ص 448.
391

والمشي حافيا ونعله بيده، والدعاء عند دخوله، فإذا أراد دخول مكة زادها الله
شرفا اغتسل من بئر ميمون بالأبطح أو بئر عبد الصمد أو فخ أو غيرها، ولو تعذر
اغتسل بعد دخوله، ولو أحدث بعد غسله أعاده.
ودخول مكة من أعلاها من عقبة المدنيين، والخروج من أسفلها من ذي
طوى داعيا حافيا بسكينة ووقار، ويستحب عندنا دخوله من ثنية كداء بالفتح
والمد، وهي التي ينحدر منها إلى الحجون مقبرة مكة، ويخرج من ثنية كدى
بالضم والقصر منونا وهي بأسفل مكة، والظاهر أن استحباب الدخول من
الأعلى والخروج من الأسفل عام، وقال الفاضل (1): يختص بالمدني والشامي،
وفي رواية يونس بن يعقوب (2) إيماء إليه.
ويغتسل لدخول المسجد الحرام (3) وأوجبه الجعفي (4)، ويدخله حافيا
خاضعا خاشعا من باب بني شيبة ليطأ هبل، ويقف عنده داعيا مصليا على
النبي وآله عليهم السلام، فإذا دخل المسجد استقبل الكعبة الشريفة ورفع
يديه ودعا بالمنقول.
ويجب قبله أربعة أشياء: إزالة النجاسة عن الثياب والبدن، وفي العفو عما
يعفى عنه في الصلاة نظر، وقطع ابن إدريس (5) والفاضل (6) بعدمه، (والتوقف
فيه لا وجه له) (7)، وكره ابن الجنيد (8) وابن حمزة (9) الطواف في الثوب النجس،

(1) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 360.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب مقدمات الطواف ح 2 ج 9 ص 317.
(3) هذه الكلمة غير موجودة في " م ".
(4) كتابه غير موجود لدينا.
(5) السرائر: ج 1 ص 574.
(6) المختلف: ج 1 ص 291.
(7) ما بين القوسين ثابت في نسخة " ز " بعد قوله الآتي " وستر العورة ".
(8) نفس المصدر السابق.
(9) الوسيلة: ص 173.
392

لرواية البزنطي (1) إجزاء الطواف في ثوب فيه دم لا يعفى عن مثله في الصلاة،
وستر العورة، والختان في الرجل مع المكنة، ويظهر من ابن إدريس (2) التوقف
فيه، والطهارة من الحدث، وتجزئ طهارة المستحاضة والتيمم مع تعذر المائية
على الأصح. ولا يشترط طهارة الحدث في الطواف المندوب خلافا للحلبي (3)،
وخصوص رواية زرارة وعبيد (4) الدالة عليه تدفع تمسكه بعموم كون الطواف
بالبيت صلاة.
ولا يشترط في الطواف المشي فيجوز راكبا اختيارا على الأصح، ومنع ابن
زهرة (5) مدفوع بفعل النبي صلى الله عليه وآله (6)، ويجب في المشي المعهود، فلو
مشى على أربع لم يجزئه، ولو نذره فالمروي (7) وجوب طوافين، ولو تعلق نذره
بطواف النسك فالأقرب البطلان، وظاهر القاضي (8) الصحة ويلزمه طوافان،
وأطلق ابن إدريس (9) البطلان، ومال إليه المحقق (10) إن كان الناذر رجلا.
فرع:
لو عجز عن المشي إلا على الأربع (11) فالأشبه فعله، ويمكن تعين (12)

(1) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 462.
(2) السرائر: ج 1 ص 574.
(3) الكافي في الفقه: ص 195.
(4) كذا في الأصل، والصحيح: عبيد بن زرارة، كما في الوسائل، راجع وسائل الشيعة: ب 38 من
أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 444.
(5) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 517.
(6) وسائل الشيعة: ب 70 من أبواب الطواف ح 1 و 2 ج 9 ص 478.
(7) وسائل الشيعة: ب 70 من أبواب الطواف ح 1 و 2 ج 9 ص 478.
(8) المهذب: ج 1 ص 231.
(9) السرائر: ج 1 ص 576.
(10) شرائع الإسلام: ج 1 ص 271. وفيه إذا كان الناذر امرأة.
(11) في باقي النسخ: أربع.
(12) في باقي النسخ: تعيين.
393

الركوب لثبوت التعبد به اختيارا.
الثاني: في الكيفية، ويشتمل على واجب وندب. فالواجب اثنا عشر: النية
ولا بد من قصد القربة، وكونه طواف عمرة أو حج، وطواف النساء أو غيره،
لوجوبه أو ندبه، وظاهر بعض القدماء أن نية الإحرام كافية عن خصوصيات
نيات الأفعال، نعم يشترط أن لا ينوي بطوافه غير النسك إجماعا، ويجب
استدامة حكمها إلى الفراغ.
وثانيها: مقارنتها لأول جزء من الحجر الأسود، بحيث يكون أول بدنه بإزاء
أول الحجر، حتى يمر عليه كله بجميع بدنه، ولا يشترط استقباله ثم الانحراف،
بل يكفي جعله عن اليسار ابتداء.
وثالثها: البدأة بالحجر، فلو ابتدأ بغيره فلغو، حتى يأتيه فيجدد عنده النية.
ورابعها: الختم به، فلو نقص خطوة أو أقل من ذلك لم يجزئ، ولو زاد عليه
متعمدا بطل ولو خطوة.
وخامسها: إكمال السبع من الحجر إليه شوط.
وسادسها: إدخال الحجر في طوافه، فلو طاف فيه أو مشى على حائطه لم
يجزئ، سواء قلنا بأنه من البيت كما هو المشهور، أو لا كما في رواية زرارة (1)
عن الصادق عليه السلام، وقطع به الصدوق (2)، ولو جعل يده على جداره
فالأولى المنع، أما لو مس خارج الجدار منه لم يضر، ولو اختصر شوطا في الحجر
ففي إعادته وحده أو الاستئناف روايتان (3)، ويمكن اعتبار تجاوز النصف هنا،
وحينئذ لو كان السابع كفاه إتمام الشوط من موضع سلوك الحجر.
وسابعها: الطواف بين البيت والمقام، فلو أدخله لم يصح في المشهور، وجوز

(1) من لا يحضره الفقيه: باب ابتداء الكعبة وفضلها ح 2308 ج 2 ص 243.
(2) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 21.
(3) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الطواف ح 3 و 4 ج 9 ص 432.
394

ابن الجنيد (1) الطواف خارج المقام عند الضرورة، لرواية محمد الحلبي (2)
ما أرى به بأسا ولا تفعله إلا أن لا تجد منه بدا، ويجب مراعاة قدره من كل
جانب.
وثامنها: أن يكون البيت على يساره، فلو استقبله بوجهه أو ظهره أو جعله
على يمينه بطل.
وتاسعها: خروجه بجميع بدنه عن البيت، فلو مشى على شاذروانه - أي:
أساسه - بطل، ولو كان يمس الجدار بيده أو بدنه وهو خارج عنه في مشيه
فالأقرب البطلان. وعاشرها: حفظ عدده، فلو شك في النقيصة بطل مطلقا، وقال علي بن
بابويه (3) وجماعة: بنى (4) على الأقل، والأول أشهر، ولو شك في الزيادة ولما
يبلغ الركن قطع (5)، ولو بلغ الركن قطع وصح طوافه. ولو شك بعد فراغه لم
يلتفت مطلقا. ولو كان الطواف نفلا وشك في أثنائه بنى على الأقل. ويجوز
الإخلاد إلى غيره في الحفظ، فإن شكا جميعا فكما قلناه، ولو اختلف شكهما
اعتبر حكم شك الطائف.
وحادي عشرها: الموالاة فيه، فلو قطعه في أثنائه ولما يطف أربعة أعاد،
سواء كان لحدث أو خبث أو دخول البيت أو صلاة فريضة على الأصح أو
نافلة أو لحاجة له أو لغيره أم لا، أما النافلة فيبني فيها مطلقا، وجوز الحلبي (6)

(1) المختلف: ج 1 ص 288.
(2) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 427.
(3) المختلف: ج 1 ص 289.
(4) في باقي النسخ: يبني.
(5) في باقي النسخ: بطل.
(6) الكافي في الفقه: ص 195.
395

البناء على شوط إذا قطعه لصلاة فريضة، وهو نادر، كما ندر فتوى النافع (1)
بذلك وإضافته الوتر، وإنما يباح القطع لفريضة أو نافلة يخاف فوتها أو دخول
البيت أو ضرورة أو قضاء حاجة مؤمن، ثم إذا عاد بنى من موضع القطع، ولو
شك فيه أخذ بالاحتياط. ولو بدأ من الركن قيل: جاز، وكذا لو استأنف من
رأس يجزئ في رواية ذكرها الصدوق (2)، وفي مراسيل ابن أبي عمير (3) إذا قطعه
لحاجة له أو لغيره أو لراحة جاز وبنى وإن نقص عن النصف.
وثاني عشرها: الركعتان في مقام إبراهيم عليه السلام حيث هو الآن، فلو
صلى حيث كان أو في غيره لم يصح، ولو منعه زحام أو غيره صلى خلفه أو إلى
جانبيه (4)، ونقل الشيخ (5) استحباب الركعتين، وهو شاذ، وجوز في الخلاف (6)
فعلهما في غير المقام، وصرح الحلبي (7) بفعلهما حيث شاء من المسجد الحرام
مطلقا، وكذا قال ابنا بابويه (8) في ركعتي طواف النساء خاصة، والأول أشهر،
أما ركعتا طواف النفل فحيث شاء من المسجد.
ولو نسي الركعتين رجع إلى المقام، فإن تعذر فحيث شاء من الحرم، فإن
تعذر فحيث أمكن من البقاع، وروى ابن مسكان (9) مقطوعا ومحمد بن
مسلم (10) عن أحدهما عليهما السلام الاستنابة فيهما، واختاره في المبسوط (11)

(1) المختصر النافع: ص 93.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 390 ح 2788.
(3) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 447.
(4) في " ق ": أحد جانبيه.
(5) الخلاف: ج 1 ص 404.
(6) الخلاف: ج 1 ص 404.
(7) الكافي في الفقه: ص 158.
(8) المختلف: ج 1 ص 291، من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 552.
(9) وسائل الشيعة: ب 74 من أبواب الطواف ح 14 ج 9 ص 484.
(10) وسائل الشيعة: ب 74 من أبواب الطواف ح 4 ج 9 ص 482.
(11) المبسوط: ج 1 ص 360، لكن
لا يظهر منه ذلك نعم روى الشيخ في التهذيب ج 5 ص 140، 471 روايتي ابن مسكان وابن مسلم.
396

وتبعه الفاضل (1)، والأول أظهر (2)، والجاهل كالناسي لو تركهما للنص (3)،
ورويت رخصة صلاتهما بمنى، ولو مات قضاهما الولي. ولا تكره ركعتا الفريضة
في وقت من الخمسة على الأظهر، وينبغي المبادرة بهما لقول الصادق عليه
السلام (4): لا تؤخرها ساعة إذا طفت فصل.
تنبيه:
معظم الأخبار (5) وكلام الأصحاب ليس فيها الصلاة في المقام، بل عنده
أو خلفه، وعن الصادق عليه السلام (6) ليس لأحد أن يصليهما إلا خلف المقام،
أما (7) تعبير بعض الفقهاء بالصلاة في المقام فهو مجاز تسمية لما حول المقام
باسمه، إذ نقطع (8) بأن الصخرة التي فيها أثر قدمي إبراهيم عليه السلام لا يصلى
عليها، ولا خلاف في عدم جواز التقدم عليها والمنع من استدبارها.
[104]
درس
والمستحب فيه أربعة عشر: المبادرة بالطواف كما يدخل المسجد لأنه من
تحيته، إلا أن يدخل والإمام يصلي أو قد قربت الإقامة فيصلي مع الإمام،
وكذا لو دخل وقت الصلاة الواجبة قدمها، قال الشيخ (9): وكذا لو خاف فوت

(1) منتهى المطلب: ج 2 ص 692.
(2) في " ق ": أشهر.
(3) وسائل الشيعة: ب 74 من أبواب الطواف ح 4 و 20 ج 9 ص 482 و 486.
(4) وسائل الشيعة: ب 76 من أبواب الطواف ح 5 ج 9 ص 487.
(5) وسائل الشيعة: انظر ب 71 من أبواب الطواف ج 9 ص 478.
(6) وسائل الشيعة: ب 72 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 480.
(7) في باقي النسخ: وأما.
(8) في النسخة المعتمدة: القطع.
(9) المبسوط: ج 1 ص 358.
397

صلاة الليل أو ركعتي الفجر فإنه يقدمها، ولو كان عليه فريضة فائتة قدمها قاله
ابن الجنيد (1)، قال: ولا يصلي تطوعا حتى يطوف.
وثانيها: استقبال الحجر في ابتدائه بجميع بدنه والدعاء والتكبير والحمد (2)
والثناء.
(3) وثالثها: استلام الحجر ببطنه وبدنه أجمع، فإن تعذر فبيده، فإن تعذر أشار
إليه بيده، يفعل ذلك في ابتداء الطواف وكل (3) شوط، والأقطع بموضع القطع،
فإن قطعت من المرفق استلمه بشماله، رواه السكوني (4) عن علي عليه السلام.
ورابعها: تقبيله، وأوجبه سلار (5)، ولو لم يتمكن من تقبيله استلمه بيده ثم
قبلها، ويستحب وضع الخد عليه، وليكن ذلك في كل شوط، وأقله الفتح
والختم، وليقل: أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة آمنت بالله
وكفرت بالجبت والطاغوت واللات والعزى وعبادة كل ند يدعى من دون
الله. وطاف النبي صلى الله عليه وآله (6) على راحلته وكان يستلم الحجر
بمحجنه، وروي (7) أنه كان يقبل المحجن، ولو خاف أن يؤذي أو يؤذى ترك
الاستلام، رواه حماد بن عثمان (8) عن الصادق عليه السلام.
وخامسها: استلام الأركان كلها، وآكدها العراقي واليماني، وتقبيلهما (9) لأنهما
على قواعد إبراهيم عليه السلام، وأوجب سلار (10) استلام اليماني، ومنع ابن

(1) لم نعثر عليه.
(2) في " ز ": والتحميد.
(3) في باقي النسخ: وفي كل.
(4) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 422.
(5) المراسم: ص 110.
(6) وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 492.
(7) وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 492.
(8) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 395.
(9) في " ز ": ويقبلهما.
(10) المراسم: ص 110.
398

الجنيد (1) من استلام الشامي والغربي، ويدفعه ما صح عن الصادق (2)
والرضا (3) عليهما السلام.
وسادسها: الاقتصاد في مشيه على الأشهر، وقال الحسن (4): الرمل فعل
العامة، وقال ابن الجنيد (5): لا يرمل فيه لأن فيه أذى الطائفين، وقال
الصدوق (6): قارب بين خطاك، وفي رواية ابن سيابة (7) مشي بين المشيين.
وفي المبسوط (8): يرمل ثلاثا ويمشي أربعا في طواف القدوم اقتداء بالنبي
صلى الله عليه وآله.
فروع على قوله رحمه الله وهي عشرة:
الأول: الرمل هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب
والعدو، ويسمى الخبب.
الثاني: إنما يستحب على القول به في الثلاثة الأول، وأما الأربعة الأخيرة
فمتوسط.
الثالث: لا فرق في الرمل بين الركنين اليمانيين وغيرهما عندنا.
الرابع: لو ترك الرمل في شوط أتى به في شوطين، وكذا لو ترك (9) في

(1) المختلف: ج 1 ص 290.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 418.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الطواف ح 14 ج 9 ص 421.
(4) المختلف: ج 1 ص 288.
(5) المختلف: ج 1 ص 288.
(6) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 532.
(7) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الطواف ح 4 ج 9 ص 428.
(8) المبسوط: ج 1 ص 356.
(9) في " م " و " ز ": تركه.
399

شوطين أتى به في الثالث، ولو تركه في الثلاثة لم يقضه فيما بعدها عمدا كان أو
سهوا.
الخامس: لو كان محمولا رمل به الحامل، ولو كان راكبا حرك دابته.
السادس: لا رمل على المرأة ولا الخنثى ولا المريض، قال الشيخ (1): ولا على
من يحمله أو يحمل الصبي.
السابع: لو تعذر الرمل في موضع من المطاف رمل في غيره. ولو احتاج إلى
التباعد عن البيت ففي ترجيحه تحصيلا للرمل على التداني من البيت نظر، من
حيث إن الرمل فضيلة تتعلق بنفس العبادة، والقرب بموضعها، ومراعاة
ما يتعلق بنفسها أولى، ومن الخلاف في الرمل دون القرب.
الثامن: لو أدى رمله إلى أذاه أو أذى الغير ترك قطعا، ولو أدى إلى مزاحمة
النساء فالأقرب تركه أيضا خوف الفتنة.
التاسع: لو تعذر الرمل وأمكن التحرك في مشيه مشيرا إلى حركة الرمل
احتمل الاستحباب.
العاشر: ظاهر كلام الشيخ أنه ليس (2) في طواف القدوم، سواء كان
واجبا أو ندبا، وسواء كان عقيبه سعي كما في طواف العمرة المتمتع بها
وطواف الحج المقدم، أم لا كما في طواف الحاج مفردا إذا قدم ندبا، فلا رمل في
طواف النساء والوداع إجماعا، ولا في طواف الحج تمتعا، ولا فيه إفرادا إذا كان
المفرد قد دخل مكة أو لا، ولو لم يكن دخل مكة حتى وقف رمل في طواف
الحج لأنه قادم الآن.
ويمكن أن يراد بطواف القدوم الطواف المستحب للحاج مفردا أو قارنا على

(1) المبسوط: ج 1 ص 356.
(2) كذا في المعتمدة و " م " و " ق "، ولكن في " ز " وحاشية " م ": يسن، وهو الصحيح.
400

المشهور إذا دخل مكة قبل الوقوف كما هو مصطلح العامة، فلا يتصور في حق
المكي، ولا في المعتمر متعة أو إفرادا، ولا في الحاج مفردا إذا أخر دخول مكة عن
الموقفين، فحينئذ يرمل في الطواف المستحب للقدوم لا غير. ولكن الأقرب
الأول لأن المعتمر قادم حقيقة إلى مكة، وكذا الحاج إذا أخر دخولها، ويدخل
طواف القدوم تحت طوافه.
وأما اشتراط السعي بعده فليس في كلامه دليل عليه، والفائدة أنه لو
طاف للقدوم ولم يرد السعي بعده لا يرمل إن شرطنا تعقب السعي، فلو رمل لم
يتأد المستحب، ويرمل إذا طاف لحجة لاستعقاب السعي، ولو ترك الرمل في
طواف يعقبه السعي ثم عاد إلى مكة لطواف الحج لم يرمل فيه، ولو أنشأ المكي
حجه من مكة لم يرمل إذ لا قدوم له، وإن اعتبرنا تعقب السعي رمل إن تعقبه.
وسابعها: التدني من البيت، ولا يبالي بقلة الخطى معه وكثرتها مع البعد.
وثامنها: المشي فيه لا الركوب وإن جاز، وقال ابن الجنيد (1): من طيف به
فسحب رجليه على الأرض أو مسها بهما كان أصلح، ومستنده ما روي من أمر
الصادق عليه السلام وفعله ذلك في رواية أبي بصير (2).
وتاسعها: الدعاء بالمرسوم والأذكار المروية في ابتدائه وأثنائه وتلاوة القرآن
وخصوصا القدر، ويستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله كلما حاذى
باب الكعبة.
وعاشرها: الاضطباع للرجل على ما روي (3)، وهو إدخال وسط الرداء
تحت المنكب الأيمن وجعله مكشوفا وتغطية الأيسر بطرفيه، وهو مستحب في
موضع استحباب الرمل لا غير، ووقته حين الشروع في الطواف إلى الفراغ،

(1) لم نعثر عليه.
(2) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 457.
(3) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 428.
401

ويترك عند الصلاة، وربما قيل: يضطبع فيها وفي السعي.
وحادي عشرها: الخضوع حال الطواف والخشوع وإحضار القلب، وحفظ
الجوارح عن تعاطي ما لا ينبغي، وترك الكلام إلا بالذكر والقرآن، وتتأكد
الكراهية في الشعر والأكل والشرب والتثاؤب والتمطي والفرقعة والعبث
ومدافعة الأخبثين وكل ما يكره في الصلاة غالبا.
وثاني عشرها: التزام المستجار في الشوط السابع خاصة، وبسط يديه على
حائطه وإلصاق بطنه وخده به، وتعداد ذنوبه والاستغفار منها والدعاء، والتعلق
بأستار الكعبة، ولو تجاوزه رجع مستحبا ما لم يبلغ الركن، وقيل: لا يرجع مطلقا،
وهو رواية علي بن يقطين (1)، وإذا التزم أو استلم حفظ موضع قيامه وعاد إلى
طوافه منه حذرا من التقدم.
وثالث عشرها: قراءة التوحيد في الركعة الأولى والجحد في الثانية،
وروي (2) العكس والدعاء عقيب الصلاة بالمأثور أو بما سنح.
ورابع عشرها: استحباب إكمال أسبوعين لمن زاد شوطا ناسيا، ولو لم يبلغ
الحجر قطعه وجوبا، وتقدم صلاة الفريضة على السعي وتؤخر صلاة النافلة
بعده. ويستحب التطوع بالطواف مهما أمكن، وسن ثلاثمائة وستون طوافا
بعدد أيام السنة، رواه معاوية (3) وأبو بصير (4) عن الصادق عليه السلام، فإن
عجز فأشواط فالأخير عشرة، وزاد ابن زهرة (5) أربعة أشواط حذرا من الكراهة
وليوافق عدد أيام السنة الشمسية، ورواه البزنطي (6)، وقال الصادق عليه

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 426.
(2) سنن البيهقي: باب ركعتي الطواف ج 5 ص 91.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 396.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 397.
(5) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 515.
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 397.
402

السلام (1): كان رسول الله صلى الله عليه وآله يطوف في اليوم والليلة عشرة
أسابيع ثلاثة ليلا وثلاثة نهارا واثنين إذا أصبح واثنين بعد الظهر.
وعن الصادق عليه السلام (2) طواف قبل الحج أفضل من سبعين طوافا بعد
الحج، وعنه عليه السلام (3) طواف في العشر أفضل من سبعين طوافا في الحج،
وروى محمد بن مسلم (4) عن الباقر عليه السلام أنه لا يعجبه التطوع بالطواف
بعد السعي حتى يقصر.
والأفضل عند الشيخ (5) أن يقال: طواف وطوافات ويجوز شوط وأشواط،
والأخبار (6) مملوءة بها، وهذا الأفضل لا نعرف وجهه إنما هو مذهب بعض
العامة، وفي المبسوط (7): لا أعرف كراهة أن يقال لمن لم يحج: صرورة، ولا أن
يقال لحجة الوداع: حجة الوداع، ولا أن يقال: شوط وأشواط، بل ذلك كله في
الأخبار.
[105]
درس
في أحكامه وهي ستة عشر: الأول: كل طواف واجب ركن إلا طواف
النساء، فلو تركه عمدا بطل نسكه وإن كان جاهلا، وفي صحيح علي بن
يقطين (8) على الجاهل إعادة الحج مع بدنة، وفي وجوب هذه البدنة على العالم

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 396.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 397.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 397.
(4) وسائل الشيعة: ب 83 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 496.
(5) الخلاف: ج 1 ص 42.
(6) وسائل الشيعة: أبواب الطواف ج 9 ص 385.
(7) المبسوط: ج 1 ص 385 و 386.
(8) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 466.
403

نظر من الأولوية، ولو تركه ناسيا عاد له، فإن تعذر استناب فيه، والظاهر أن
المراد به المشقة الكثيرة، ويحتمل أن يراد بالقدرة استطاعة الحج المعهودة.
الثاني: لا يبطل تعمد ترك طواف النساء، ويجب الإتيان به ولو كان تركه
نسيانا، ولا تحل له النساء بدونه حتى العقد على الأقرب، سواء كان المكلف به
رجلا أو امرأة، فيحرم عليها تمكين الزوج على الأصح، ولا يجزئ طواف الوداع
عنه في الأظهر، واجتزأ به علي بن بابويه (1) لرواية إسحاق بن عمار (2) لولا ما
من الله به (3) على الناس من طواف الوداع لرجعوا ولا ينبغي أن يمسوا نساءهم،
ويمكن حملها على كون التارك عاميا. وحكم الخصي والخنثى والصبي كذلك.
ويجب العود له إن تركه عمدا وإلا أجزأته الاستنابة، وروى علي بن
جعفر (4) أن ناسي الطواف يبعث بهدي ويأمر من يطوف عنه، وحمله الشيخ (5)
على طواف النساء، والظاهر أن الهدي ندب، وحكم البعض المقضي من غير
طواف النساء حكم طواف النساء في عدم وجوب العود إذا رجع إلى بلده، وفي
التهذيب (6): يجب العود إلى طواف النساء لو نسيه إلا مع التعذر فيستنيب
لرواية معاوية (7)، والأشهر جواز الاستنابة للقادر، وتحمل الرواية على الندب.
الثالث: لو طاف على غير طهارة أعاد الفريضة عمدا كان أو نسيانا،
ويعيد صلاة النافلة لا غير، ولو طاف في ثوب نجس أو على بدنه نجاسة أعاد مع

(1) المختلف: ج 1 ص 291.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 389.
(3) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.
(4) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 467.
(5) التهذيب: ج 5 ص 128.
(6) نفس المصدر السابق.
(7) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب الطواف ح 6 ج 9 ص 468.
404

التعمد أو النسيان، ولو لم يعلم حتى فرغ صح، ولو علم في الأثناء أزالها وأتم
إن بلغ الأربعة، وإلا استأنف.
الرابع: إذا وجب قضاء طواف العمرة أو طواف الحج فالأقرب وجوب
قضاء السعي أيضا، كما قاله الشيخ في الخلاف (1)، ولا يحصل التحلل بدونهما،
ولو شك في كون المتروك طواف الحج أو طواف العمرة أعادهما وسعيهما،
ويحتمل إعادة واحد عما في ذمته.
الخامس: لو واقع ناسي طواف الزيارة ذاكرا كفر ببدنة، وإن كان ناسيا
فالأشبه سقوط الكفارة، وفي النهاية (2) أطلق الوجوب، وفي رواية العيص (3)
ومعاوية (4) احتمال الإطلاق، وهو بعيد.
السادس: لا يخرج وقت طواف الزيارة وطواف النساء بخروج أيام
التشريق خلافا للحلبي (5).
السابع: من طيف به لعلة أجزأه، ولا تجب إعادته لو برأ، وكذا السعي،
وأوجبهما ابن الجنيد (6).
الثامن: إنما تسلم المتعة للحائض بطواف العمرة كملا أو بأربعة أشواط
منه على الأظهر، وقال الصدوق (7): تسلم بدونهما ويعتد به ويأتي بالباقي لرواية
العلاء (8) وحريز (9) وهي متروكة.

(1) الخلاف: ج 2 ص 219.
(2) النهاية: ص 231.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 ج 9 ص 264.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 ج 9 ص 264.
(5) الكافي في الفقه: ص 195.
(6) المختلف: ج 1 ص 291.
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 383.
(8) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 383 ذيل الحديث 2766.
(9) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 383 ح 2766.
405

التاسع: الأظهر أن الحائض إذا خافت فوت الوقوف بالتربص نقلت
عمرتها إلى الحج ثم تعتمر بعده، ورواه جماعة منهم جميل بن دراج (1) في
الصحيح والحلبي (2)، وفي روايته عليها دم، وحمله الشيخ (3) على الندب،
وروي (4) أنها تسعى ثم تحرم بالحج وتقضي طواف العمرة مع طواف الحج،
وعليه علي بن بابويه (5) وابن الجنيد (6) وأبو الصلاح الحلبي (7)، وجوز ابن
الجنيد (8) لها الإفراد.
العاشر: القران بين الأسبوعين في طواف الفريضة حرام عند الشيخ (9)،
ومكروه عند ابن إدريس (10) وهو المروي (11)، وفي النافلة أخف كراهة،
ويستحب الانصراف على وتر كثلاثة أسابيع لا أسبوعين، قاله الشيخ (12) في
كتبه، وتزول بالتقية.
الحادي عشر: أوجب الصدوق (13) إعادة الطواف لو زاد عليه شوطا سهوا

(1) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 2 ج 8 ص 214.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 13 ج 8 ص 216.
(3) المبسوط: ج 1 ص 331.
(4) وسائل الشيعة: ب 84 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 497.
(5) المختلف: ج 1 ص 293.
(6) المختلف: ج 1 ص 294.
(7) الكافي في الفقه: ص 218.
(8) المختلف: ج 1 ص 294.
(9) التهذيب: ج 5 ص 114.
(10) السرائر: ج 1 ص 572.
(11) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 440.
(12) التهذيب: ج 5 ص 116.
(13) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 22.
406

لظاهر رواية أبي بصير (1)، ويعارضها غيرها (2) من أنه يكمل أسبوعين، والثاني
منهما هو الفريضة عن ابن الجنيد (3) وعلي بن بابويه (4)، ويفهم منه الإبطال
بالقران، وظاهر الأصحاب أنه الأول وإلا لوجب التكميل.
الثاني عشر: منع في النهاية (5) من الطواف ببرطلة لرواية زياد بن يحيى (6)،
وفي التهذيب (7): يكره، وقال ابن إدريس (8): إنما يحرم إذا حرم الستر، وهو
قريب.
فرع:
لو قلنا بالتحريم إما تعبدا أو للستر فالأشبه أنه لا يقدح في صحة الطواف،
وكذا لبس المخيط وشبهه.
الثالث عشر: لو ذكر في السعي خللا في الطواف أو الصلاة رجع إليه،
واستأنف السعي في كل موضع يستأنف الطواف، وبنى (9) فيما يبني في
الطواف، وخير الصدوق (10) فيما إذا ذكر أنه لم يصل الركعتين بين قطع السعي
والاتيان بهما وبين فعلهما بعد فراغه، لتعارض الروايتين (11).

(1) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 436.
(2) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الطواف ح 8 ج 9 ص 437.
(3) المختلف: ج 1 ص 289.
(4) نفس المصدر السابق.
(5) النهاية: ص 242.
(6) وسائل الشيعة: ب 67 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 47.
(7) التهذيب: ج 5 ص 134.
(8) السرائر: ج 1 ص 576.
(9) في " م ": ويبني.
(10) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 407.
(11) وسائل الشيعة: ب 77 من أبواب الطواف ح 1 و 2 ج 9 ص 489.
407

الرابع عشر: يجب تقديم طواف الحج والعمرة على السعي، فإن قدم السعي
لم يجزئ وإن كان سهوا، أما طواف النساء فمتأخر عن السعي، فلو قدمه ناسيا
أجزأ، وفي رواية سماعة (1) إطلاق الإجزاء ولم يقيد بالنسيان، وكذا يجوز تقديمه
على السعي للضرورة والخوف من الحيض.
الخامس عشر: روى معاوية (2) عن الصادق عليه السلام لا يطوف المعتمر
بعد طواف الفريضة حتى يقصر، ولعله للكراهية (3)، لرواية محمد بن مسلم (4)
السالفة، وروى أبو خالد (5) عن أبي الحسن عليه السلام أنه ليس على المفرد
طواف النساء، ورده الشيخ (6) بالإجماع على وجوبه، وروي (7) عدم صلاة
الركعتين جالسا لمن أعيا كما لا يطوف جالسا.
السادس عشر: الطواف للمجاور أفضل من الصلاة في السنة الأولى، وفي
السنة الثانية يشترك بينهما، وفي الثالثة تصير الصلاة أفضل كالمقيم. والقراءة في
الطواف أفضل من الذكر، فإن مر بسجدة وهو يطوف أومأ برأسه إلى الكعبة،
رواه الكليني (8) عن الصادق عليه السلام.
[106]
درس
مباحث السعي ثلاثة: الأول: في مقدماته وهي أربعة عشرة مسنونة:

(1) وسائل الشيعة: ب 65 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 475.
(2) وسائل الشيعة: ب 83 من أبواب الطواف ح 5 ج 9 ص 496.
(3) في باقي النسخ: للكراهة.
(4) وسائل الشيعة: ب 83 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 496.
(5) وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب الطواف ح 9 ج 9 ص 495.
(6) الخلاف: ج 2 ص 363.
(7) وسائل الشيعة: ب 79 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 491.
(8) الكافي: ج 4 ص 427 ح 3 باب نوادر الطواف.
408

التعجيل عقيب الطواف أو قريبا منه، والطهارة من الحدث على الأصح، خلافا
للحسن (1) حيث أوجبها لرواية الحلبي (2) وابن فضال (3)، وهما معارضتان
بأشهر (4)، ومن الخبث أيضا.
واستلام الحجر، والشرب من زمزم، وصب الماء عليه من الدلو المقابل
للحجر وإلا فمن غيره، والأفضل استقاؤه بنفسه، ويقول عند الشرب والصب:
اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم، وروى
الحلبي (5) أن الاستلام بعد إتيان زمزم، والظاهر استحباب الاستلام والاتيان
عقيب الركعتين ولو لم يرد السعي، وقد رواه علي بن مهزيار (6) عن الجواد عليه
السلام في ركعتي طواف النساء، ويستحب الاطلاع في زمزم. كما روي عن
علي عليه السلام (7)، ونص ابن الجنيد (8) أن استلام الحجر من توابع
الركعتين، وكذا إتيان زمزم، على الرواية (9) عن النبي صلى الله عليه وآله.
والخروج إلى الصفا من الباب المقابل للحجر الذي خرج به النبي صلى
الله عليه وآله، وهو الآن من المسجد معلم بأسطوانتين معروفتين فليخرج من
بينهما، والظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما، والصعود على الصفا
بحيث يرى البيت من بابه، واستقبال الركن العراقي، وإطالة الوقوف على

(1) المختلف: ج 1 ص 293.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب السعي ح 3 ج 9 ص 530.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب السعي ح 7 ج 9 ص 531.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 530.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب السعي ح 3 ج 9 ص 515.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب السعي ح 3 ج 9 ص 515.
(7) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب مقدمات الطواف ح 7 ج 9 ص 351.
(8) لا يوجد لدينا كتابه.
(9) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 14 ج 8 ص 157 ذيل الحديث.
409

الصفا بقدر قراءة سورة البقرة مترسلا، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله (1).
وذكر الله تعالى بأن يحمده مائة مرة ويكبره ويسبحه ويهلله ويصلي على
النبي وآله صلى الله عليهم مائة مائة، وأقله أن يكبر الله سبعا ويهلله سبعا،
ويقول ثلاثا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت
وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير، والدعاء بالمنقول، وقراءة
القدر، والوقوف على الدرجة الرابعة حيال الكعبة والدعاء، ثم ينحدر عنها
كاشفا ظهره يسأل الله العفو، وليكن وقوفه على الصفا في الشوط الثاني أقل من
الوقوف في الأول.
الثاني: في كيفيته، وواجبها عشرة: أولها: النية، ويذكر فيها مميزاته عن
غيره على وجهه تقربا إلى الله، ويستديم حكمها إلى الفراغ.
وثانيها: المقارنة لوقوفه على الصفا في أي جزء منها، والصعود أفضل
للرجال (2) خاصة قاله الفاضل (3)، والاحتياط الترقي إلى الدرج ويكفي
الرابعة، فيلصق عقبه بالصفا إذا لم يصعد، فإذا عاد ألصق أصابعه بموضع
العقب أولا، فإذا ذهب ثانيا ألصق عقبه، وفي المروة يصنع ذلك في الذهاب
والعود، وفي الصحيح (4) عن أبي الحسن عليه السلام في النساء على الإبل يقفن
تحت الصفا والمروة بحيث يرين البيت.
وثالثها: البدأة بالصفا والختم بالمروة، فلو عكس بطل عمدا وسهوا وجهلا.
ورابعها: الذهاب بالطريق المعهود، فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 517 ذيل الحديث
(2) في " م ": للرجل.
(3) منتهى المطلب: ج 2 ص 706.
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 533.
410

باب آخر لم يجزئ، وكذا لو سلك سوق الليل، وقد روي (1) أن المسعى اختصر.
وخامسها: استقبال المطلوب بوجهه، فلو اعترض أو مشى القهقرى
فالأشبه عدم الإجزاء.
وسادسها: وقوعه بعد الطواف، فلو وقع قبله بطل مطلقا إلا طواف النساء
أو عند الضرورة.
وسابعها: إكمال الشوط، وهو من الصفا إلى المروة، فلو نقص من المسافة
شيئا بطل وإن قل، والعود شوط كامل كما أن الذهاب كذلك، فلو اعتقدهما
شوطا أخطأ، وفي الرواية (2) أنه يجزئ.
وثامنها: إكمال السبعة، فلو نقص ولو شوطا أو بعضه لم يجزئ، ويجب العود
له ومع التعذر الاستنابة، ولا يتحلل بدونه.
وتاسعها: عدم الزيادة على السبعة، فلو زاد عمدا بطل، ولو كان ناسيا تخير
بين القطع وإكمال أسبوعين، ويحتمل انسحاب الخلاف في ناسي الطواف
هنا، إلا أن يستند وجوب الثاني في الطواف إلى القران
ولو كان جاهلا
بالحكم فعلى الرواية السالفة لا شئ عليه، ولا يستحب السعي ابتداء، وفي
رواية عبد الرحمن بن الحجاج (3) في المحرم بالحج يطوف ويسعى ندبا ويجدد
التلبية.
وعاشرها: الموالاة المعتبرة في الطواف عند المفيد (4) وسلار (5) والحلبي (6)،

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 521.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب السعي ح 1 ج 9 ص 527.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب أقسام الحج ح 1 ج 8 ص 206.
(4) المقنعة: ص 440.
(5) المراسم: ص 123.
(6) الكافي في الفقه: ص 195.
411

وظاهر الأكثر والأخبار (1) البناء مطلقا، ورواية ابن فضال (2) مصرحة بالبناء
على شوط إذا قطعه للصلاة كقول ابن الجنيد (3).
ومندوبها أربعة: السعي ماشيا مع القدرة، وأن لا يقطعه لغير العبادة
بانصراف أو جلوس إلا لضرورة، وحرم الحلبيان (4) الجلوس بين الصفا والمروة،
لرواية (5) قاصرة عن التحريم، وجوزا الوقوف عند الإعياء، والهرولة ما بين
المنارة وزقاق العطارين للرجل، وأوجبها الحلبي (6) ملء فروجه، ولو نسيها رجع
القهقرى وتداركها، والراكب يحرك دابته ما لم يؤذ أحدا، وفي رواية معاوية بن
عمار (7) عن الصادق عليه السلام ليس على الراكب سعي ولكن ليسرع شيئا،
والدعاء في خلاله.
الثالث: في أحكامه: السعي ركن كما تقدم، سواء كان سعي عمرة أو
حج، فلو تركه عامدا بطل النسك، ولو كان ناسيا أتى به، فإن تعذر العود
استناب فيه، ولا يحل له ما يتوقف عليه من المحرمات كالنساء حتى يأتي به
كملا.
ولا يجوز تأخير السعي عن يوم الطواف إلى الغد في المشهور إلا لضرورة، فلو
أخره أثم وأجزأ، وقال المحقق (8): يجوز تأخيره إلى الغد ولا يجوز عن الغد، والأول

(1) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الطواف ح 6 - 7 - 8 - 10 ج 9 ص 448.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 534.
(3) المختلف: ج 1 ص 290.
(4) الكافي في الفقه: ص 196، الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 517.
(5) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب السعي ح 4 ج 9 ص 536.
(6) الكافي في الفقه: ص 196.
(7) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب السعي ح 2 ج 9 ص 533.
(8) شرائع الإسلام: ج 1 ص 245.
412

مروي (1)، وفي رواية عبد الله بن سنان (2) يجوز تأخيره إلى الليل، وفي رواية
محمد بن مسلم (3) إطلاق تأخيره.
ولو شك في أثنائه بطل وبعده لا يلتفت. ولو شك في المبدأ (4) وتيقن العدد
فإن كان زوجا اعتبر كونه على الصفا في الصحة وعلى المروة في البطلان، وإن
كان فردا انعكس الحكم. ولو شك بين السبعة والتسعة وهو على المروة لم يعد،

(1) قال السيد الخوئي في المعتمد في شرح المناسك ج 5 ص 81:
" وعن ظاهر المحقق في الشرائع جواز تأخيره إلى الغد كما فهمه غير واحد من عبارته ولم يعلم
مستنده ونقل الحدائق عن الشهيد أنه قال بعد نقل ذلك عن المحقق: وهو مروي. ولكن الرواية لم
تصل إلينا ومن المحتمل أن الشهيد أراد من الرواية صحيحة ابن مسلم الدالة على التأخير المطلق.
وأما جواز التأخير إلى الغد بخصوصه فلا رواية فيه... إلى أن قال:
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أحدهما عليه السلام عن رجل طاف بالبيت فأعيي
أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة؟ قال: نعم ".
ومن عدم تعيينه زمان التأخير يستفاد جواز التأخير إلى أي وقت شاء والتعب من دواعي التأخير
فلم يكن الجواز مقيدا إلى زمان زوال التعب.
ويكفينا الأصل في عدم اعتبار اتصال السعي بالطواف.
وأما التأخير إلى الغد فقد ورد النهي عنه في صحيحة العلاء، قال: سألته عن رجل طاف
بالبيت فأعيي أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال: لا.
والرواية صريحة في المنع عن التأخير إلى الغد وعليه لم يعلم مستند المحقق في حكمه بالجواز إلى
الغد:
ومن المحتمل أن الغاية في كلامه - أي الغد - خارجة عن المغيا لا داخلة فيه فيكون الغد مما ينتهي
إليه الحكم بالجواز وهذا الاحتمال قريب وشائع في الاستعمالات أيضا، كقوله تعالى: (أتموا
الصيام إلى الليل) وقوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل)، فإن الليل
وكذا غسق الليل غير داخل في المغيا قطعا فإذا يرتفع الخلاف ولا يكون المحقق مخالفا في
المسألة.
(2) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 470.
(3) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 471.
(4) في " م " و " ق ": المبتدأ.
413

ولو كان على الصفا أعاد.
ويجوز الجلوس في خلاله للراحة، سواء كان على الصفا والمروة أو بينهما،
وقطعه لحاجة له ولغيره، ويستحب قطعه لصلاة الفريضة، ولو تضيق وقتها
وجب.
تتمة:
إذا فرغ من السعي قصر وجوبا، وهو نسك في نفسه لا استباحة محظور،
ويجب كونه بمكة، ولا يجب كونه على المروة، للرواية (1) الدالة على جوازه في
غيرها، نعم يستحب عليها. ولا يجزئ الحلق عنه للرجل، وقال في الخلاف (2):
الحلق مجزئ والتقصير أفضل، والأصح تحريمه ولو بعد التقصير، فلو حلق عامدا
عالما فشاة، ويمر الموسى على رأسه يوم النحر لرواية إسحاق بن عمار (3)،
وأوجب الإمرار ابن إدريس (4).
ويجزئ مسمى التقصير من شعر الرأس وإن قل، واجتزأ الفاضل (5) بثلاث
شعرات، وفي المبسوط (6): جماعة شعر، ولا فرق بين ما على الرأس وبين ما نزل
كالذؤابة. والواجب إزالة الشعر بحديد أو نورة أو نتف أو قرض بالسن.
ويستحب بعده الأخذ من جميع جوانب شعره على المشط.

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التقصير ح 3 ج 9 ص 539.
(2) الخلاف: ج 1 ص 330.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الحلق والتقصير ح 1 ج 10 ص 190 وفيه عن إسحاق بن عمار عن
أبي بصير.
(4) السرائر: ج 1 ص 581.
(5) التحرير: ج 1 ص 100.
(6) المبسوط: ج 1 ص 363.
414

وليبدأ بالناصية ثم يأخذ من أطراف شعر لحيته ويقلم أظفاره، ولو اقتصر
في التقصير على قلم أظفاره أو بعضها أو أخذ من لحيته أو حاجبه أو شاربه
أجزأ. ولو حلق بعض جوانبه (1) أجزأ عن التقصير ولا تحريم فيه، ولو حلق
الجميع احتمل الإجزاء لحصوله بالشروع.
وعند التقصير يحل له جميع ما يحل للمحل حتى الوقاع، للنص (2) على جوازه
قولا وفعلا، نعم يستحب له التشبه بالمحرمين في ترك لبس المخيط، وكذا لأهل
مكة طول الموسم، ويكره الطواف بعد السعي قبل التقصير.
[107]
درس
إذا أحل المتمتع من عمرته ولم يكن ساق الهدي أحرم بالحج إجماعا، وكذا
لو ساق إلا على ما مر، وأفضل أوقاته يوم التروية، وأوجبه ابن حمزة (3) فيه،
ويستحب كونه عند الزوال عقيب الظهرين المتعقبتين لسنة الإحرام السالفة،
وقال المفيد (4) والمرتضى (5): يصلي الظهرين بمنى، وكلاهما مرويان (6)، وجمع
بينهما باختصاص الإمام بالتقدم لقول الصادق عليه السلام (7): على الإمام أن
يصلي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف ويصلي الظهر يوم النفر بالمسجد
الحرام.

(1) في باقي النسخ: رأسه.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التقصير ح 1 ج 9 ص 538.
(3) الوسيلة: ص 176.
(4) المقنعة: ص 408.
(5) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 68.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ح 1، و ب 2 من نفس الأبواب ح 2 و 3
ج 10 ص 2 و 3.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ح 3 ج 10 ص 5.
415

وفي استحباب الطواف وركعتيه قبل الإحرام بالحج قول للمفيد (1) وابن
الجنيد (2) والحلبي (3)، والأقرب أن فعله في المقام أفضل من الحجر تحت
الميزاب، وكلاهما مروي (4). وكيفيته في السنن والواجبات كما مر، إلا أنه
ينوي الحج، والأفضل الإتيان بمقدماته قبل الزوال، وقال الحلبي (5): بعده.
ويرفع صوته بالتلبية في موضع الإحرام إن كان ماشيا، وإن كان راكبا
إذا نهض به بعيره، وظاهر رواية أبي بصير (6) وجماعة أن الراكب يؤخر التلبية
إلى أن ينهض به بعيره، وفي رواية معاوية (7) يلبي عند الرقطاء دون الردم،
وهو ملتقى الطريقين حين يشرف على الأبطح، واتفقوا على أنه يرفع صوته بها إذا
انتهى إلى الردم وأشرف على الأبطح.
ولا طواف بعد إحرام الحج، واستحبه الحسن (8)، وناسي الإحرام كناسيه
فيما سلف، وتاركه جاهلا كالناسي في رواية علي بن جعفر عليه السلام (9)،
ولو ذكر عاد له، فإن تعذر جدده ولو بالمشعر، ويستحب لمن أحرم بالحج أن
لا يقيم بعد إحرامه بل يخرج إلى منى، سواء كان متمتعا أو مكيا أو محرما من
دويرة أهله، قاله في الخلاف (10) محتجا بعمل الطائفة والاحتياط.

(1) المقنعة: ص 407.
(2) المختلف: ج 1 ص 291.
(3) الكافي في الفقه: ص 212.
(4) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب الإحرام ح 2 ج 9 ص 63. كمال الدين: ج 2 ص 471.
(5) الكافي في الفقه: ص 212.
(6) الاستبصار: ب 168 ج 885 ج 2 ص 252.
(7) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ح 1 ج 10 ص 2.
(8) المختلف: ج 1 ص 297.
(9) وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب الإحرام ح 1 ج 9 ص 72.
(10) الخلاف: ج 2 ص 449.
416

فرع:
لو ذكر بعد الموقفين فوات الإحرام، فالظاهر بطلان الحج، ولو كان بعد
التحلل الأول أو الثاني فالإشكال أقوى.
[108]
درس
يجب الوقوف بعرفة بعد إحرام الحج، وله مقدمات مسنونة: الخروج يوم
التروية إلا لمن يضعف عن الزحام، كالعليل والهرم والمريض والمرأة، فيتقدم
بما شاء، والدعاء عند التوجه إلى منى وفيها، والمبيت بها ليلة عرفة إلى طلوع
الفجر، ويكره الخروج منها اختيارا قبل طلوع الفجر، وظاهر الحلبي (1)
والقاضي (2) تحريمه، ثم لا يتجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس فيكره قبله،
وظاهر الشيخ (3) والقاضي (4) تحريمه لرواية هشام بن الحكم (5)، ويجوز الخروج
ليلا والصلاة في طريقه للمعذور كالماشي، ويتأخر الإمام حتى تطلع الشمس
بالمشعر، للتأسي (6) ولقول الصادق عليه السلام (7): إنه من السنة.
والدعاء عند الخروج إلى عرفة، وضرب الخباء بنمرة وهي بطن عرنة،
وقال الحسن (8): يضربه حيث شاء، والأول أصح. فعلى هذا لا يدخل عرفات

(1) الكافي في الفقه: ص 198.
(2) المهذب: ج 1 ص 251.
(3) النهاية: ص 249 - 250.
(4) المهذب: ج 1 ص 251.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 2 ج 10 ص 48.
(6) مستدرك الوسائل: ب 7 من أبواب إحرام الحج ح 1 ج 10 ص 18.
(7) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب إحرام الحج ح 2 ج 10 ص 8.
(8) المختلف: ج 1 ص 298.
417

إلى الزوال، فإذا زالت الشمس اغتسل وتطهر واستتر وجمع رحله وسد الخلل به
وبنفسه وتضام الناس، وخطبة الإمام قبل الأذان لإعلام المناسك، وليخطب
أيضا يوم النحر بمنى والنفر الأول كما تستحب الخطبة يوم السابع، والجمع بين
الظهرين بأذان وإقامتين، وتعجيل الصلاة حين تزول الشمس بعد الخطبة
المختصرة ليتفرغ للدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة.
والوقوف بالسفح في ميسرة الجبل والقرب منه، ويكره الوقوف على الجبل،
والقاضي (1) حرمه إلا لضرورة، وهو ظاهر ابن إدريس (2)، ويكفي في القيام
بوظيفة الميسرة لحظة ولو في مروره، ومن المستحب القيام به إلا لضرورة، والمرأة
كالرجل في ذلك.
واستقبال القبلة، والصوم إلا أن يضعف عن الدعاء، وإحضار القلب
وتفريغه من المشادة (3)، وإكثار التكبير والتحميد والتهليل والتمجيد والتسبيح
والثناء على الله تعالى، والاستعاذة بالله من الشيطان، فإنه حريص على أن
يذهله في ذلك الموطن.
والدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وآله والإمام الحسين وزين
العابدين عليهما السلام، وقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد وهو على كل شئ قدير مائتا مرة، وتعقيبها بما ذكره في التهذيب (4) لأنه
دعاء النبي والأنبياء عليهم السلام، وأورده الصدوق (5) أيضا.
والاستغفار باللسان والقلب، وتعداد الذنوب، والبكاء أو التباكي كما
بكي ابن جندب وابن شعيب وغيرهما من أصحاب الأئمة عليهم السلام فهو

(1) المهذب: ج 1 ص 251.
(2) السرائر: ج 1 ص 587.
(3) في " ز ": المشاغل:.
(4) التهذيب: ب 13 الغدو إلى عرفات ح 16 ج 5 ص 183.
(5) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 23.
418

أعظم مجامع الدنيا، والدعاء لإخوانه وأقلهم أربعون، والبروز تحت السماء إلا
لضرورة، وصرف الزمان كله في الدعاء والاستغفار والأذكار، وظاهر الحلبي (1)
والقاضي (2) وجوبه.
ويستحب قراءة عشر من أول البقرة ثم التوحيد ثلاثا وآية
الكرسي والسخرة والمعوذتين، ثم يحمد الله على نعمه مفصلة ما حضره منها
وكذا على ما أبلى، والصبر لو فجأته مصيبة، وترك الهذر، وفعل الخير ما استطاع،
والتعريف بالأمصار، والرواية (3) بعدمه ضعيفة.
وأما واجبه فخمسة: النية مقارنة لما بعد الزوال، ولا يجوز تأخيرها عنه،
فيأثم لو تعمده ويجزئ، واستدامة حكمها إلى الفراغ.
وثانيها: الكون بعرفة، وحدها نمرة وثوية بفتح الثاء وكسر الواو وذو المجاز
والأراك، فلا يجوز الوقوف بالحدود، والظاهر أن خلف الجبل موقف لرواية
معاوية (4)، وقال الحسن (5) وابن الجنيد (6) والحلبي (7): حدها من المأزمين إلى
الموقف.
وثالثها: المقام بها إلى غروب الشمس، والركن منه مسماه ولو سارت به
دابته مع النية، فلو أفاض قبل الغروب عمدا اختيارا مع علمه ولما يعد إلى
الموقف صح حجه وجبره ببدنة، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما متتابعة سفرا أو
حضرا بمكة أو في أهله، ولا تسقط الكفارة بعوده بعد الغروب، وقال ابنا

(1) الكافي في الفقه: ص 197.
(2) المهذب: ج 1 ص 248.
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب إحرام الحج ح 3 ج 10 ص 32.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ح 1 ج 10 ص 10.
(5) المختلف: ج 1 ص 298.
(6) نفس المصدر.
(7) الكافي في الفقه: ص 196.
419

بابويه (1): الكفارة شاة.
ورابعها: السلامة من الجنون والاغماء والسكر والنوم في جزء من الوقت،
فلو استوعب بطل، واجتزأ الشيخ (2) بوقوف النائم، وكأنه بنى على الاجتزاء بنية
الإحرام فيكون كنوم الصائم، وأنكره الحليون (3)، ويتفرع عليه من وقف بها
ولا يعلمها فعلى قوله يجزئ.
وخامسها: الوقوف في اليوم التاسع من ذي الحجة بعد زواله، فلو وقفوا
ثامنه غلطا لم يجزئ، ولو وقفوا عاشره احتمل الإجزاء دفعا للعسر، إذ يحتمل
مثله في القضاء، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله (4) حجكم يوم
تحجون، وعدمه لعدم الإتيان بالواجب، والفرق بينه وبين الثامن أنه لا يتصور
نسيان العدد من الحجيج، ويأمنون ذلك في القضاء، وقوى الفاضل (5) التسوية
في عدم الإجزاء، والحادي عشر كالثامن.
لو غلطت طائفة منهم لم يعذروا مطلقا، وابن الجنيد (6) يرى عدم العذر
مطلقا، ولو رأى الهلال وحده أو مع غيره وردت شهادتهم وقفوا بحسب رؤيتهم
وإن خالفهم الناس، ولا يجب عليهم الوقوف مع الناس، ولو غلطوا في المكان
أعادوا، ولو وقفوا غلطا في النصف الأول من اليوم أو جهلا لم يجزئ، وأوجب
الحلبي (7) الدعاء والاستغفار، وظاهر ابن زهرة (8) إيجاب الذكر.

(1) المختلف: ج 1 ص 299، المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 23.
(2) المبسوط: ج 1 ص 384.
(3) السرائر: ج 1 ص 620، قواعد الأحكام: ج 1 ص 86، إيضاح الفوائد: ج 1 ص 307.
(4) لم نعثر عليه في المصادر المتوفرة.
(5) التحرير: ج 1 ص 102.
(6) لا يوجد لدينا كتابه.
(7) الكافي في الفقه: ص 197.
(8) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 518.
420

وأما أحكامه فمسائل: يبطل الحج بترك الوقوف بعرفات عمدا، ورواية
ابن فضال (1) أنه سنة مزيفة بالإرسال، ومعارضته بالإجماع، ومؤولة بالثبوت
بالسنة. ولو تركه ناسيا أو لعذر أو جاهلا على إشكال وقف به ليلا إلى طلوع
الفجر، والواجب هنا مسمى الوقوف.
ولو عارضه اختياري المشعر فالمشعر أولى، ولو تعارض الاضطراريان ولم
يكن وقف بعرفة فعلى المشهور من عدم إجزاء الاضطراري وحده يؤثر عرفات
رجاء إدراك المشعر وإن بعد، وعلى القول بإجزاء اضطراري المشعر يقف به.
ولو لم يدرك سوى الليل ويعلم العجز عن المشعر نهارا، فالأقرب صرفه في المشعر
إن جعلنا الوقوف الليلي اختياريا، وهو قوي وإن جعلناه اضطراريا فكالفرض السابق.
[109]
درس
إذا غربت الشمس أفاض إلى المشعر الحرام وجوبا، ويستحب أن يدعو
بالمأثور، ويسأل العتق من النار، ويكثر من الاستغفار للآية (2)، والسكينة
والوقار، فإذا بلغ الكثيب الأحمر عن يمين الطريق قال ما رواه معاوية (3) عن
الصادق عليه السلام: اللهم ارحم موقفي وزد في عملي وسلم لي ديني وتقبل
مناسكي، وتضيف إليه: اللهم لا تجعله آخر العهد مني لهذا (4) الموقف وارزقنيه
أبدا ما أبقيتني، والاقتصاد في السير لا وضفا وإيضاعا، لقول رسول الله صلى
الله عليه وآله (5): عليكم بالدعة، والمضي بطريق المأزمين، والنزول ببطن

(1) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ح 14 ج 10 ص 26.
(2) سورة البقرة: الآية 199.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1 ج 10 ص 34.
(4) في باقي النسخ: من هذا.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1 ج 10 ص 34.
421

الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر.
وتأخير العشاءين إلى جمع للجمع بأذان وإقامتين إجماعا، وأوجب الحسن (1)
تأخيرهما إلى المشعر في ظاهر كلامه، وله التأخير وإن ذهب ثلث الليل رواه
محمد بن مسلم (2)، وأن لا يصلي سنة المغرب بينهما بل بعدهما، وروي (3) فعلهما (4)
بينهما، وينبغي الصلاة قبل حط الرحل للتأسي (5)، ولو منع صلى بعرفة أو في
الطريق.
وإحياء تلك الليلة بالمزدلفة بالذكر والتلاوة والدعاء، فإذا طلع الفجر
وصلى انتصب للدعاء والذكر والثناء والصلاة على النبي وآله عليهم السلام
إلى أن يشرق (6) ثبير، والطهارة والغسل، قاله الصدوق (7) والشيخ في الخلاف (8).
ووطء الصرورة المشعر برجله أو بعيره، وقد قال الشيخ (9): هو قزح
فيصعد عليه ويذكر الله عنده، وقال الحلبي (10): يستحب وطء المشعر وفي حجة
الإسلام آكد، وقال ابن الجنيد (11): يطأ برجله أو بعيره المشعر الحرام قرب
المنارة، والظاهر أنه المسجد الموجود الآن.
والواجب فيه ستة: النية به، والاستدامة حكما.

(1) المختلف: ج 1 ص 299.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1 ج 10 ص 39.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 5 ج 10 ص 41.
(4) في " ز ": فعلها.
(5) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 5 ج 10 ص 39.
(6) هكذا في النسخ وفي المعتمدة " يشرف ".
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 545.
(8) الخلاف: ج 2 ص 286.
(9) المبسوط: ج 1 ص 368 وفيه فراخ.
(10) الكافي في الفقه: ص 198.
(11) لا يوجد لدينا كتابه.
422

وثانيها: المبيت به، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله (1)، وقيل: ليس
بركن، وفي التذكرة (2): ليس بواجب، والأشبه أنه ركن عند عدم البدل من
الوقوف نهارا، فلو وقف ليلا لا غير وأفاض قبل طلوع الفجر صح حجه وجبره
بشاة، وقال ابن إدريس (3): يفسد حجه، والروايات (4) تخالفه، وفي صحيح
هشام بن سالم (5) جواز صلاة الصبح بمنى ولم يقيد بالضرورة، ورخص النبي
صلى الله عليه وآله (6) للنساء والصبيان الإفاضة ليلا، وكذا يجوز للخائف.
وثالثها: الوقوف بالمشعر، وحده ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي
محسر، وفي رواية زرارة (7) إلى الجبل إلى حياض محسر، ويكره الوقوف على
الجبل إلا لضرورة، وحرمه القاضي (8)، والظاهر أن ما أقبل من الجبال من
المشعر دون ما أدبر منها.
ورابعها: الوقوف بعد الفجر إلى طلوع الشمس، والأولى استئناف النية له،
والمجزئ فيه الذي هو ركن مسماه، ولو أفاض قبل طلوع الشمس ولم يتجاوز
محسرا فلا بأس بل يستحب، وإن تجاوزه اختيارا أثم ولا كفارة، وقال
الصدوقان (9): عليه شاة، وقال ابن إدريس (10): يستحب المقام إلى طلوع

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 4 ج 8 ص 150 والمطلوب في ص 153 س 2.
(2) التذكرة: ج 1 ص 374.
(3) السرائر: ج 1 ص 589.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1 ج 10 ص 49.
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 8 ج 10 ص 52.
(6) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 3 ج 10 ص 50.
(7) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 2 ج 10 ص 42.
(8) المهذب: ج 1 ص 245.
(9) المختلف: ج 1 ص 300، من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 546.
(10) السرائر: ج 1 ص 589.
423

الشمس، والأول أشهر، ولا يفيض الإمام حتى تطلع (1) الشمس استحبابا،
وأوجبه عليه ابن حمزة (2).
وخامسها: السلامة من الجنون والاغماء والسكر والنوم في جزء من الوقت
كما مر.
وسادسها: كونه ليلة النحر ويومه حتى تطلع الشمس، وللمضطر إلى زوال
الشمس، والكلام في الغلط هنا كالكلام في عرفات.
وتستحب السكينة والوقار في إفاضته، وذكر الله تعالى، والاستغفار،
والدعاء، والهرولة بوادي محسر للماشي والراكب، ولو نسي الهرولة تداركها،
ويقول فيها: اللهم سلم عهدي وأقبل توبتي وأجب دعوتي واخلفني فيمن تركت
بعدي، وقال الصدوق (3): أمر الصادق عليه السلام رجلا ترك السعي في
وادي محسر بالرجوع إليه من مكة، والهرولة فيه قبل العود من عرفة بدعة قاله
الحسن (4)، وروي (5) أن قدرها مائة ذراع أو مائة خطوة، وأنه يكره الإقامة
بالمشعر بعد الإفاضة.
وأوجب القاضي (6) فيه ذكر الله (7) تعالى والصلاة على النبي وآله عليهم
السلام، للآية (8)، ولقول الصادق عليه السلام (9): إن ذكروا الله أجزأهم،

(1) في " ز ": مطلع.
(2) الوسيلة: ص 177.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 469.
(4) لم نعثر عليه.
(5) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 5 و 3 ج 10 ص 46 و 47.
(6) المهذب: ج 1 ص 254.
(7) في باقي النسخ: الذكر لله.
(8) سورة البقرة: الآية 200.
(9) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 3 ج 10 ص 63.
424

وقال عليه السلام (1): يكفي اليسير من الدعاء وقد سئل عن الوقوف.
وأما أحكامه فمسائل: الوقوف بالمشعر ركن أعظم من عرفة عندنا، فلو تعمد
تركه بطل حجه، وقول ابن الجنيد (2) بوجوب البدنة لا غير ضعيف، ورواية
حريز (3) بوجوب البدنة على متعمد تركه أو المستخف به متروكة، محمولة على
من وقف به ليلا قليلا ثم مضى. ولو تركه نسيانا فلا شئ عليه إذا كان قد
وقف بعرفات اختيارا، ولو نسيهما بالكلية بطل حجه، وكذا الجاهل. ولو ترك
الوقوف بالمشعر جهلا بطل حجه عند الشيخ في التهذيب (4)، ورواية محمد بن
يحيى (5) بخلافه، وتأولها الشيخ (6) على تارك كمال الوقوف جهلا وقد أتى
باليسير منه.
وأقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختيار والاضطرار ثمانية مجزئة إلا
الاضطراري الواحد منهما، وفي اضطراري المشعر رواية (7) صحيحة بالإجزاء،
وعليها ابن الجنيد (8) والصدوق (9) والمرتضى (10) في ظاهر كلامهما، وقال ابن
الجنيد (11): يلزمه دم لفوات عرفة، ويمكن تأويلها بمن أدرك اضطراري عرفة،

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 4 و 7 ج 10 ص 63 و 64.
(2) المختلف: ج 1 ص 300.
(3) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الوقوف بالمشعر ذيل ح 1 ج 10 ص 65.
(4) التهذيب: ج 5 ص 292.
(5) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 6 ج 10 ص 64.
(6) التهذيب: ج 5 ص 293.
(7) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 8 ج 10 ص 59.
(8) المختلف: ج 1 ص 301.
(9) علل الشرائع: ب 204 ذيل ح 1 ج 2 ص 451.
(10) الإنتصار: ص 90.
(11) المختلف: ج 1 ص 301.
425

ولا يجزئ اضطراري عرفات قولا واحدا.
وخرج الفاضل (1) وجها بإجزاء اختياري المشعر وحده دون اختياري عرفة
وحده، ولعله لقول الصادق عليه السلام (2): الوقوف بالمشعر فريضة وبعرفة
سنة، وقوله عليه السلام (3): إذا فاتتك المزدلفة فاتك الحج، ويعارض بما اشتهر
من قول النبي صلى الله عليه وآله (4): الحج عرفة، وأصحاب الأراك لا حج
لهم (5)، ويتفرع عليه اختياري المشعر لو تعارضا ولا يمكن الجمع بينهما، وإن
سوينا بينهما تخير، ولو قيل بترجيح عرفات لأنه المخاطب به الآن كان قويا.
خاتمة:
من فاته الوقوفان سقطت عنه أفعال الحج، ووجب عليه التحلل بعمرة
مفردة، والأفضل الإقامة بمنى أيام التشريق ثم الاعتمار، وإن كان قد ساق
هديا نحره بمكة لا بمنى، لعدم سلامة الحج له، وإلا فلا دم عليه للفوات، ونقل
الشيخ (6) وجوبه، وهو المروي عن الصادق عليه السلام (7) بطريق داود الرقي.
وفي الرواية أنه يحلق ثم يتخير بين إنشاء العمرة من أدنى الحل فيجزئه عن
الحج في القابل وبين العود إلى أهله فيحج في القابل، وحملها الشيخ (8) على

(1) المختلف: ج 1 ص 298.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 3 ج 10 ص 37.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 2 ج 10 ص 57.
(4) سنن ابن ماجة: ب 57 من كتاب المناسك ح 3015 ج 2 ص 1003، ومستدرك الوسائل: ب 18 من أبواب
إحرام الحج ح 3 ج 10 ص 34.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ح 11 ج 10 ص 12.
(6) النهاية: ص 256.
(7) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 5 ج 10 ص 66.
(8) التهذيب: ج 5 ص 295.
426

كون الفائت ندبا، أو على من اشترط في حال إحرامه، لرواية ضريس (1) عن
الباقر عليه السلام، فإنها مصرحة بأن المشترط يكفيه العمرة وغيره يحج من
قابل، ولم يذكر فيها طواف النساء.
والعمل بهذه بعيد، لأن الفائت إن كان واجبا مستقرا لم يسقط
بالاشتراط، وإن كان غير مستقر ولم يفت بفعل المكلف لم يجب قضاؤه بعدم (2)
الاشتراط، وإن كان بفعله فكالمستقر، وإن كان ندبا لم يجب قضاؤه مطلقا (3)
وإن لم يعتمر.
وأوجب علي بن بابويه (4) وابنه (5) على المتمتع بالعمرة يفوته الموقفان
العمرة ودم شاة، ولا شئ على المفرد سوى العمرة، ولم يذكر أيضا طواف
النساء.
ولو أراد من فاته الحج البقاء على إحرامه إلى القابل، فالأشبه المنع، وهل
ينقلب إحرامه أو يقلبه بالنية؟ الأحوط الثاني، ورواية محمد بن سنان (6) فهي
عمرة مفردة، تدل على الأول، ورواية معاوية (7) فليجعلها عمرة، تدل على الثاني.
والقضاء تابع للأداء في الفور والتراخي والنوع، ومن جوز العدول عن القران
والإفراد إلى التمتع في الأداء جوزه في القضاء، ولا تجزئ عمرة التحلل عن عمرة
الإسلام.

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 2 ج 10 ص 65.
(2) في " ز ": لعدم.
(3) في " م " و " ز ": بالاشتراط مطلقا.
(4) المختلف: ج 1 ص 294.
(5) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 22.
(6) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 4 ج 10 ص 57.
(7) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1 ج 10 ص 65.
427

[110]
درس
يستحب التقاط حصى الجمار من جمع، وهو سبعون حصاة، فإن أخذ زائدا
احتياطا فحسن، ويجوز من الحرم بأسره إلا المساجد مطلقا على الأشبه،
والقدماء لم يذكروا غير المسجد الحرام والخيف، ولا يجزئ من غير الحرم.
ويجب كونها أبكارا، ويستحب أن تكون برشا كحلية ملتقطة منقطة رخوة
بقدر الأنملة طاهرة مغسولة، ويكره الصلبة والمكسرة والسود والبيض والحمر،
وقال الحلبي (1): الأفضل البرش ثم البيض والحمر، وتبعه ابن زهرة (2)، ورواية
البزنطي (3) تدفعه، وجوز في الخلاف (4) الرمي بالبرام والجوهر، وفيه بعد إن
كان من الحرم، وأبعد إن كان من غيره.
ويستحب الاقتصاد في سيره إلى منى، والدعاء بالمأثور، فإذا وردها لم يعرج
على شئ سوى رمي جمرة العقبة بسبع حصيات، وهي حد منى، وحدها الآخر
وادي محسر.
ويجب في الرمي ستة: النية، والأولى التعرض للأداء والعدد.
وثانيها: إصابة الجمرة بها، فلو لم يصب لم يحتسب، والجمرة اسم لموضع
الرمي، وهو البناء أو موضعه مما يجتمع من الحصى، وقيل: هي مجتمع الحصى
لا السائل منه، وصرح علي بن بابويه (5) بأنه الأرض. ولو وقعت على الأرض
ثم وثبت إلى الجمرة بواسطة صدم الأرض أو المحمل وشبهه أجزأت، ولو شك في

(1) الكافي في الفقه: ص 215.
(2) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 519.
(3) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر ذيل ح 2 ج 10 ص 54.
(4) الخلاف: ج 2 ص 342.
(5) لا يوجد لدينا كتابه.
428

الإصابة أعاد، ولو وثبت حصاة بها لم تحتسب الحصاة، فإن أصابت المرمية
احتسبت، ولو وقعت على ما هو أعلى من الجمرة ثم استرسلت إليها أجزأت.
وثالثها: إيصالها بما يسمى رميا، ولو وضعها وضعا أو طرحها من غير رمي
لم يجزئ على قول.
ورابعها: تلاحق الحصيات، فلو رمى بها دفعة فالمحسوب واحدة، والمعتبر
تلاحق الرمي لا الإصابة، فلو أصابت المتلاحقة دفعة أجزأت، ولو رمى بها
دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجزئ.
وخامسها: وقوع الرمي في وقته، وهو منذ طلوع الشمس إلى غروبها، فلو
رمى ليلة النحر أو قبل طلوع الشمس لم يجزئ إلا لضرورة، كالمريض والمرأة
والخائف والعبد، هذا إذا كان قد وقف بالمشعر ليلا وتعذر عليه الوقوف به
نهارا، فلو أمكنه الوقوف به نهارا ففي إجزاء الرمي ليلا عندي نظر، لقضية
الترتيب. وروى الصدوق (1) أن تارك المشعر لو ذكر بعد الرمي يرجع فيقف
به ثم يرمي.
وفي رواية أبي بصير (2) عن الصادق عليه السلام رخص رسول الله صلى
الله عليه وآله للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل وأن يرموا الجمار بليل، قال
الصادق عليه السلام (3): أفض بهن بليل ويرمين الجمرة، وقال الشيخ (4) وابن
زهرة (5) والفاضل (6): يجزئ رميها بعد طلوع الفجر اختيارا.

(1) من لا يحضره الفقيه: باب ما جاء فيمن جهل الوقوف بالمشعر ح 2990 ج 2 ص 469.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 3 ج 10 ص 50.
(3) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 2 ج 10 ص 50.
(4) الخلاف: ج 2 ص 344.
(5) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 519.
(6) التحرير: ج 1 ص 104.
429

وسادسها: مباشرة الرمي، فلو استناب غيره لم يجزئ إلا مع العذر،
كالمرض والغيبة والصبا. ولو شركه في الحصاة غيره ابتداء أو في أثناء المسافة لم
يجزئ، سواء كان إنسانا أو غيره. ولو أغمي على المنوب لم ينعزل النائب،
لزيادة العجز وليس بوكالة محضة، ولو أغمي عليه قبل الاستنابة وخيف فوت
الرمي، فالأقرب رمي الولي عنه، فإن تعذر فبعض المؤمنين، لرواية رفاعة (1) عن
الصادق عليه السلام يرمى عمن أغمي عليه.
ويجب الترتيب سابعا (2) إذا كان الرمي في أيام التشريق، فيبدأ بالأولى ثم
الوسطى ثم جمرة (3) العقبة، كل جمرة بسبع حصيات في كل يوم من أيامه، فلو
نكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب، وهو يحصل بأربع حصيات مع النسيان
أو الجهل لا مع التعمد، فيعيد الأخيرتين ويبني على الأربع في الأولى، وكذا
لو رمى الثانية بأربع ورمى الثالثة بعدها يجزئ مع النسيان لا العمد.
ولو نقص عن الأربع بطل ما بعده مطلقا، وفي صحته قولان، والمروي (4)
المنع، ولو (5) رمى ثلاثا ثم رمى اللاحقة استأنف فيهما، وقال ابن إدريس (6):
يبني على الثلاث، نعم لو رمى الأخيرة بثلاث ثم قطعه عمدا أو نسيانا بنى عليها
عند الشيخ في المبسوط (7)، واستأنف عند علي بن بابويه (8).
ويجب الرمي في الأيام الثلاثة لمن أقام اليوم الثالث عشر، ولا يجب على
من نفر في الأول نفرا سائغا، ولو كان غير سائغ كغير المتقي للصيد والنساء

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 5 ج 10 ص 84.
(2) في " ز " و " ق ": متتابعا.
(3) في " م ": بالوسطى ثم بجمرة.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العود إلى منى ح 3 ج 10 ص 216.
(5) في باقي النسخ: فلو.
(6) السرائر: ج 1 ص 610.
(7) المبسوط: ج 1 ص 379.
(8) المختلف: ج 1 ص 311.
430

وكمن غربت عليه الشمس ليوم الثاني عشر وجب قضاؤه، فلو كان له ضرورة
جازت الاستنابة.
ويجوز هنا ليلا في مواضع جوازه يوم النحر، والوقت في الموضعين واحد،
وقال في الخلاف (1): لا يجوز الرمي أيام التشريق إلا بعد الزوال، وقد روي (2)
رخصة قبل الزوال، وقال ابن زهرة (3): وقته بعد الزوال في أيام التشريق، وقال
علي بن بابويه (4): يجوز من أول النهار إلى الزوال، وروي (5) رخصة إلى آخره،
والكل ضعيف.
وأما المستحب فأحد عشر: الطهارة، فلو رمى الجنب والمحدث فالأظهر
الإجزاء، وقال المفيد (6) والمرتضى (7) وابن الجنيد (8): لا يرمي إلا وهو على
طهر، تعويلا على صحيحة محمد بن مسلم (9)، وهي محمولة على الندب، لرواية
أبي غسان (10) بجوازه على غير طهر.
وثانيها: استحباب المشي في الرمي يوم النحر وباقي الأيام على الأظهر، وفي
المبسوط (11): الركوب في جمرة العقبة يومها أفضل، تأسيا بالنبي صلى الله عليه

(1) الخلاف: ج 2 ص 351.
(2) وسائل الشيعة: انظر ب 13 من أبواب رمي جمرة العقبة ج 10 ص 78.
(3) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص 519.
(4) المختلف: ج 1 ص 310.
(5) وسائل الشيعة: انظر ب 13 من أبواب رمي جمرة العقبة ج 10 ص 78.
(6) المقنعة: ص 417.
(7) رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الثالثة ص 68.
(8) المختلف: ج 1 ص 302.
(9) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 1 ج 10 ص 69.
(10) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 5 ج 10 ص 70.
(11) المبسوط: ج 1 ص 369.
431

وآله، ورئي (1) الصادق عليه السلام يركب ثم يمشي، فقيل له في ذلك، فقال:
أركب إلى منزل علي بن الحسين ثم أمشي كما كان يمشي إلى الجمرة.
وثالثها: رمي جمرة العقبة مستدبرا للقبلة مقابلا لها، وقال الحسن (2):
يرميها من قبل وجهها من أعلاها، وقال علي بن بابويه (3): يقف في وسط
الوادي مستقبل القبلة ويدعو والحصى في يده اليسرى ويرميها من قبل وجهها
لا من أعلاها، وهو موافق للمشهور إلا في موقف الدعاء.
ورابعها: رمي الأولى والثانية عن يسارهما ويمينه مستقبل القبلة.
وخامسها: الدعاء في ابتداء الرمي والحصيات في يده اليسرى ويأخذ
باليمنى.
وسادسها: التكبير مع كل حصاة والدعاء.
وسابعها: القيام عن يسار الطريق بعد فراغه من الأولى مستقبل القبلة،
فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله، ثم يتقدم قليلا
ويدعو ويسأل الله القبول، وكذا يقف عند الثانية بعد الفراغ داعيا، ولا يقف
بعد الرمي عند جمرة العقبة، ولو وقف لغرض آخر فلا بأس، وليقل عند وصوله
إلى رحله من الرمي: اللهم بك وثقت وعليك توكلت فنعم الرب ونعم النصير.
وثامنها: تعجيل الرمي يوم النحر بعد طلوع الشمس، وفي باقي الأيام مقاربة
الزوال في المشهور، وقال في المبسوط (4): الأفضل بعده، وقال ابن حمزة (5): عنده.
وتاسعها: التباعد عشرة (6) أذرع إلى خمسة عشر ذراعا، وقدرهما علي بن

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 2 ج 10 ص 74.
(2) المختلف: ج 1 ص 303.
(3) نفس المصدر.
(4) المبسوط: ج 1 ص 378.
(5) الوسيلة: ص 188.
(6) في باقي النسخ: بعشرة.
432

بابويه (1) بالخطى.
وعاشرها: الرمي خذفا، وهو أن يضع الحصاة على بطن إبهام اليد اليمنى
ويدفعها بظفر السبابة قال المعظم، وأوجب المرتضى (2) الخذف بأن يضعها على
إبهام يده اليمنى ويدفعها بظفر الوسطى مدعيا للإجماع، وابن إدريس (3) أوجب
الخذف بالمعنى المشهور.
وحادي عشرها: وضع الحصى في يد المنوب العاجز، ثم يأخذها النائب
من يده إن أمكن حمله إليها فإنه مستحب، نص عليه علي بن بابويه، قال (4):
ومره أن يرمي من كفه إلى كفك وارم أنت من كفك إلى الجمرة، وحمله، رواه
إسحاق بن عمار (5) عن الكاظم عليه السلام.
وهنا مسائل: الأولى: ذهب الشيخ (6) والقاضي (7) وهو ظاهر المفيد (8)
وابن الجنيد (9) إلى استحباب الرمي، وقال ابن إدريس (10): لا خلاف عندنا
في وجوبه، ولا أظن أن أحدا من المسلمين يخالف فيه، وكلام الشيخ أنه سنة
محمولة على ثبوته بالسنة، وقال المحقق (11): لا يجب قضاؤه في القابل لو فات مع

(1) المختلف: ج 1 ص 303.
(2) الإنتصار: ص 105.
(3) السرائر: ج 1 ص 590.
(4) لم نعثر عليه.
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 2 و 4 ج 10 ص 83.
(6) الاستبصار: ج 2 ص 297.
(7) المهذب: ج 1 ص 208.
(8) المقنعة: ص 431.
(9) المختلف: ج 1 ص 302.
(10) السرائر: ج 1 ص 606.
(11) المختصر النافع: ص 97.
433

قوله بوجوب أدائه، والأصح وجوب الأداء والقضاء. وحمل الشيخ (1) رواية
معاوية (2) أن الناسي والجاهل لا يعيد على الإعادة في سنته لخروج أيامه ولكن
يجب في القابل، وفي الخلاف (3) لو فاته ثلاث حصيات فما دون فلا شئ عليه،
وإن رماها في القابل كان أحوط.
الثانية: لو فاته يوم رمي قضاه في الغد في وقت الرمي، مقدما للفائت على
الحاضر وجوبا، ويراعى فيه الترتيب في القضاء كالأداء، ولا يرمي الأداء إلا
بعد فراغه من رمي الثلاث، ولو كان الفائت واحدة أو اثنتين قدمه أيضا، بل
لو كان حصاة وجب تقديمها. ويستحب أن يرمي القضاء غدوة بعد طلوع
الشمس، والأداء عند الزوال في الأظهر، لرواية عبد الله بن سنان (4)، وروى
معاوية (5) أنه يجعل بينهما ساعة. ولو فاته رمي يومين قدم الأول فالأول.
الثالثة: لو فاته جمرة وجهل تعيينها أعاد على الثلاث مرتبا، لإمكان كونها
الأولى، وكذا لو فاته أربع حصيات من جمرة وجهلها، ولو فاته دون الأربع
كرره على الثلاث، ولا يجب الترتيب هنا، ولو فاته من كل جمرة
واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب، ولو فاته ثلاث أو اثنتان وشك في
كونها من واحدة أو أكثر رمى العدد الفائت على كل واحد مرتبا، ولو شك في
أربع استأنف.
الرابعة: لو ذكر فوات الرمي أو بعضه وقد صار بمكة أو غيرها وجب العود
إليه ما دام الوقت، فإن تعذر استناب. وإن خرجت أيام الرمي وجب القضاء

(1) التهذيب: ج 5 ص 264.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب العود إلى منى ح 3 ج 10 ص 213.
(3) الخلاف: ج 2 ص 357.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 1 ج 10 ص 81.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب العود إلى منى ح 2 ج 10 ص 213.
434

في القابل على الأصح مباشرة أو استنابة، ولا يحرم عليه شئ من محرمات
الإحرام في الأظهر، وفي رواية عبد الله بن جبلة (1) عن الصادق عليه السلام من
ترك رمي الجمار متعمدا لم تحل عليه النساء وعليه الحج من قابل، ولم نقف
على قائل به من الأصحاب فيحمل على الندب. ولو فاته رمي الجمرة يوم النحر
قضاه في اليوم الأول من أيام التشريق مقدما له أيضا، وتجب نية القضاء في
كل ما فات.
الخامسة: لا يشترط في استنابة المريض اليأس من برئه، ولو زال عذره بعد
فعل نائبه لم تجب الإعادة وإن كان في الوقت خلافا لابن الجنيد (2)، ولو زال
عذره في أثناء الرمي بنى، ولو اتفق الرمي بعد زوال عذره، لعدم إعلام النائب به
مع إمكانه أو لا معه، ففي إجزاء فعله عندي نظر، من امتناع تكليف الغافل مع
امتثال أمره، ومن مصادفة المانع من الاستنابة.
السادسة: لو رمى بحصى نجس أجزأ، نص عليه في المبسوط (3)، ومنعه ابن
حمزة (4) لما روي (5) من غسله، قلنا: لا لنجاسة أو يحمل على الندب، ولو رمى
بخاتم فضة من حجارة الحرم أجزأ، ولو رمى بصخرة عظيمة، فالأقرب الإجزاء،
ولو رمى بحجر مسته النار أجزأ ما لم يستحل.
السابعة: لو نفر في النفر الأول استحب دفن حصى اليوم الثالث عشر، ولم
أقف على استحباب الاستنابة في رميه عنه في الثالث عشر، نعم قال ابن
الجنيد (6): إنه يرمي حصى الثالث عشر في الثاني عشر بعد رمي يومه.

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب العود إلى منى ح 5 ج 10 ص 214.
(2) لا يوجد لدينا كتابه.
(3) المبسوط: ج 1 ص 369.
(4) الوسيلة: ص 181.
(5) الفقه الرضوي: ص 225.
(6) لا يوجد لدينا كتابه.
435

الثامنة: روى معاوية (1) عن الصادق عليه السلام فيمن سقطت منه
حصاة فاشتبهت يأخذ من تحت قدمه حصاة ويرمي بها، وروى عبد الأعلى (2)
أنه لو نسي رمي حصاة أعادها إن شاء من ساعته وإن شاء في غده.
التاسعة: ينبغي أن يأخذ على الطريق الوسطى إلى الجمرة الكبرى، تأسيا
بالنبي صلى الله عليه وآله، قاله الشيخ في المبسوط (3).
[111]
درس
يجب ذبح الهدي على المتمتع بعد الرمي يوم النحر أو نحره بمنى، ولو تمتع
المكي فثالث الأوجه وجوبه عليه إن تمتع ابتداء لا إذا عدل إلى التمتع، وهو
منقول عن المحقق (4)، ويحتمل وجوبه عليه إن كان لغير حج الإسلام، وفي
صحيح العيص (5) يجب على من اعتمر في رجب وأقام بمكة وخرج منها حاجا
لا على من خرج فأحرم من غيرها، وفيه دقيقة، وإنما يجب الهدي بإحرام الحج
لا بالعمرة قاله في الخلاف (6)، ولا بوقوف عرفة ولا برمي جمرة العقبة. ولا تباع
ثياب التجمل فيه، ولو باعها واشتراه أجزأ.
ويجب كونه من النعم، وأفضله البدن ثم البقر ثم الغنم، ولا يجزئ غير
الثني، وهو من البقر والمعز ما دخل في الثانية، ومن الإبل في السادسة، ويجزئ
من الضأن ما كمل سبعة أشهر، وقيل: ستة أشهر.

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 217.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العود إلى منى ح 3 ج 10 ص 218.
(3) المبسوط: ج 1 ص 368.
(4) المختصر النافع: ص 89.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الذبح ح 2 ج 10 ص 85.
(6) الخلاف: ج 2 ص 273.
436

وأن يكون تاما، فلا يجزئ الأعور، والمريض، والأعرج البين، ولا الأجرب،
ولا مكسور القرن الداخل وإن بقي ثلثه خلافا للصفار (1)، ولا مقطوع الأذن ولو
قليلا، ولا الخصي، ويكره الموجوء، وقال ابن إدريس (2): لا يجزئ، وقال
الحسن (3): يكره الخصي، ولو تعذر غيره أجزأ، وكذا لو ظهر خصيا وكان
المشتري معسرا، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (4) ولو كان مجبوبا.
وروي (5) المنع من المقابلة وهي المقطوعة طرف الأذن ويترك معلقا،
ولا المدابرة وهي المقطوعة مؤخر الأذن، وكذلك الخرقاء وهي التي في أذنها ثقب
مستدير، والشرقاء وهي المشقوقة الأذنين باثنتين.
ويجب كونه ذا شحم على الكليتين، ويكفي الظن وإن أخطأ، فلا يجزئ
الأعجف.
وتجزئ الجماء وهي فاقدة القرن خلقة، والصمعاء وهي الفاقدة الأذن خلقة
أو صغيرتها على كراهية فيهما، وفي إجزاء البتراء وهي مقطوعة الذنب قول.
وتجب الوحدة على قول، فلا يجزئ الواحد عن أكثر من واحد ولو عزت
الأضاحي، لصحيح محمد بن مسلم (6) ورواه الحلبي (7)، وقيل: يجزئ عند
الضرورة عن سبعة وسبعين أولي خوان واحد، والذي رواه معاوية بن عمار (8)

(1) نقله عنه الصدوق من لا يحضره الفقيه: باب الأضاحي ذيل ح 3062 ج 2 ص 496.
(2) السرائر: ج 1 ص 597.
(3) المختلف: ج 1 ص 307.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الذبح ح 3 و 4 ج 10 ص 105.
(5) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الذبح ح 2 ج 10 ص 119.
(6) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 113.
(7) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الذبح ح 4 ج 10 ص 113.
(8) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الذبح ح 5 ج 10 ص 113.
437

إجزاء الخمسة لأولي الخوان الواحد، وروى أبو بصير (1) إجزاء البدنة والبقرة
عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بيت واحد ومن غيرهم، وفي رواية حمران (2)
إجزاء البدنة عن سبعين مطلقا، وروى علي بن أسباط (3) إجزاء الشاة عن
سبعين مطلقا، وقال المفيد (4) وعلي بن بابويه (5): يجزئ البقرة عن خمسة إذا
كانوا أهل بيت، وقال سلار (6): يجزئ البقرة عن خمسة وأطلق، والاشتراك
أظهر بين الأصحاب، وعلى القول بالوحدة لو تعذرت انتقل إلى الصوم.
ولو اشتراها على أنها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت لصحيح الرواية (7)،
ومنعه الحسن (8)، والظاهر أنه أراد به لو خرجت بعد الذبح. ولو ظن التمام فظهر
النقص لم يجزئ بخلاف العكس، ويجئ على قوله عدم الإجزاء، ولو تعذر إلا
فاقد الشرائط أجزأ، وروى الحلبي (9) إجزاء المعيب إذا لم يعلم بعيبه حتى نقد
ثمنه، وروى معاوية (10) عدم الإجزاء.
ويستحب كونه إناثا من الإبل والبقر، ذكرانا من الضأن والمعز، وأن يكون
كبشا من الضأن أو تيسا من المعز، وأن يكون مما عرف به ويكفي قول المالك،
وأن يكون سمينا ينظر في سواد ويمشي في سواد ويبرك في سواد، وفي رواية (11)

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الذبح ح 6 ج 10 ص 114.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الذبح ح 11 ج 10 ص 115.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الذبح ح 9 ج 10 ص 114.
(4) المقنعة: ص 452.
(5) المختلف: ج 1 ص 305.
(6) المراسم: ص 114.
(7) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الذبح ح 6 ج 10 ص 111.
(8) المختلف: ج 1 ص 306.
(9) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الذبح ح 3 ج 10 ص 122.
(10) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 122.
(11) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الذبح ح 6 ج 10 ص 108.
438

ويبعر في سواد، إما بكون هذه المواضع سودا وإما بكونه ذا ظل، أو بكونه رعى
ومشى ونظر وبرك في الخضرة فسمن لذلك، قال الراوندي (1): والثلاثة مروية
عن أهل البيت عليهم السلام، ويكره الثور والجمل.
ويجب النية في الذبح، ويجزئ الاستنابة في ذبحه. ويستحب جعل يده مع
يده فينويان، ومباشرته أفضل إن أحسن، ويستحب للنائب ذكر المنوب لفظا
ويجب نية، ونحر الإبل قائمة صواف مربوطة يداها ما بين الخف إلى الركبة رواه
أبو الصباح (2)، وروى أبو خديجة (3) أنه يعقل يدها اليسرى وطعنها من الجانب
الأيمن، والدعاء بالمأثور. ويجب مراعاة شروط الذبيحة.
ومكان هدي التمتع منى، وزمانه يوم النحر، فإن فات أجزأ في ذي الحجة،
وفي رواية أبي بصير (4) تقييده بما قبل يوم النفر، وحملت على من صام ثم وجد،
ويشكل بأنه إحداث قول ثالث، إلا أن يبنى على جواز صيامه في التشريق.
ويجب أن يصرفه في الصدقة والاهداء والأكل، وظاهر الأصحاب الاستحباب.
مسائل:
لو فقد الهدي ووجد ثمنه خلفه عند ثقة ليذبحه عنه في ذي الحجة، فإن
تعذر فمن القابل فيه، ولو عجز عن الثمن صام، وأطلق الحسن (5) وجوب الصوم
عند الفقد، وخير ابن الجنيد (6) بينهما وبين الصدقة بالوسطى من قيمة الهدي

(1) لا يوجد لدينا كتابه.
(2) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الذبح ح 2 ج 10 ص 135.
(3) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الذبح ح 3 ج 10 ص 135.
(4) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب الذبح ح 3 ج 10 ص 153.
(5) المختلف: ج 1 ص 304.
(6) المختلف: ج 1 ص 204.
439

تلك (1) السنة، وحتم ابن إدريس (2) الصوم مطلقا، والأول أظهر.
الثانية: إذا انتقل فرضه إلى الصوم فهو ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع، ولو
جاور بمكة انتظر شهرا أو وصوله إلى بلده، وليكن الثلاثة بعد التلبس بالحج
ويجوز من أول ذي الحجة، ويستحب السابع وتالياه ولا يجب، ونقل ابن
إدريس (3) أنه لا يجوز قبل هذه الثلاثة، وجوز بعضهم صومه في إحرام العمرة
وهو بناء على وجوبه بها، وفي الخلاف (4): لا يجب الهدي قبل إحرام الحج
بلا خلاف، ويجوز الصوم قبل إحرام الحج، وفيه إشكال، ويسقط الصوم بفوات
ذي الحجة ولما يصم الثلاثة بكمالها ويتعين الهدي.
الثالثة: لو صام ثم وجد الهدي في وقته استحب الذبح ولا يجب، لرواية
حماد بن عثمان (5) الصحيحة بإجزائه، وتحمل رواية عقبة بن خالد (6) بذبحه
على الندب.
الرابعة: لو صام بعد التشريق ففي الأداء والقضاء (7) قولان أشبههما الأول،
وفي جواز صومها في أيام التشريق خلاف، فجوز الصدوقان (8) والشيخ (9) صوم
الثالث عشر وما بعده، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (10) يصام يوم الحصبة،
ولعله لعدم استيعاب مقامه بمنى، وجوز ابن الجنيد (11) أيام التشريق للرواية (12)

(1) في " ز ": في تلك.
(2) السرائر: ج 1 ص 593.
(3) السرائر: ج 1 ص 593.
(4) الخلاف: ج 2 ص 273.
(5) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 154.
(6) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الذبح ح 2 ج 10 ص 154.
(7) في " ق ": أو القضاء.
(8) المختلف: ج 1 ص 304، المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص 24.
(9) النهاية: ص 255.
(10) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب الذبح ح 4 ج 10 ص 165.
(11) المختلف: ج 1 ص 304.
(12) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب الذبح ح 5 ج 10 ص 165.
440

عن علي عليه السلام. ولو كان أيام التشريق بمكة ففي جواز الصوم تردد، وقطع
الشيخ (1) بالمنع.
الخامسة: يجب التتالي في الثلاثة، ولا يضر فصل العيد إذا كان قبله
يومان، ولو أفطر عرفة لضعفه عن الدعاء وقد صام يومين قبله استأنف خلافا
لابن حمزة (2).
السادسة: لو مات قبل الصوم مع تمكنه صام الولي عنه العشرة لرواية
معاوية (3)، وخص الشيخ (4) الوجوب بالثلاثة.
السابعة: لو رجع إلى بلده ولم يصم الثلاثة وتمكن من الهدي وجب بعثه
لعامه إن كان يدرك ذا الحجة وإلا ففي القابل، وقال الشيخ (5): يتخير بين
البعث وهو أفضل وبين الصوم وأطلق.
الثامنة: المعتبر بالقدرة على الثمن في موضعه لا في بلده، نعم لو تمكن من
الاستدانة على ما في بلده، فالأشبه الوجوب.
التاسعة: لو ذبح الهدي ليالي التشريق، فالأشبه الجواز، ولو منعناه فهو مقيد
بالاختيار فيجوز مع الاضطرار، نعم يكره اختيارا، وكذا الأضحية، بل يجوز مع
الضرورة الذبح ليلة النحر كالخائف، رواه زرارة ومحمد بن ملسم (6) عن
الصادق عليه السلام.
العاشرة: يجوز اشتراك جماعة في الهدي المستحب إجماعا ولو سبعين، وليس
المراد به هدي الحج المندوب، لأن الشروع في الإحرام بحج أو عمرة يوجب

(1) النهاية: ص 255.
(2) الوسيلة: ص 182.
(3) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب الذبح ح 1 و 3 ج 10 ص 161.
(4) النهاية: ص 255.
(5) النهاية: ص 256.
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الذبح ح 2 ج 10 ص 97.
441

إتمامه فيجب الهدي في التمتع، بل الأضحية أو هدي السياق.
الحادية عشرة: لا يجوز إخراج لحم الهدي عن منى بل يجب صرفه بها،
ولا يعطى الجزار منه، ولو كان فقيرا جاز لا أجرة، والأقرب وجوب الصدقة
بجلده، لأمر النبي صلى الله عليه وآله (1) بذلك، وفي رواية معاوية (2) يتصدق
به أو يجعله مصلى.
الثانية عشرة: المستحق الفقير المؤمن، فالقانع السائل والمعتر غير السائل،
وفي رواية معاوية (3) القانع الذي يقنع بما أعطيته والمعتر الذي يعتريك، وروى
هارون بن خارجة (4) أن علي بن الحسين عليهما السلام كان يطعم من ذبيحته
الحرورية عالما بهم.
الثالثة عشرة: روى الحارث بن المغيرة (5) عن الصادق عليه السلام في
رجل تمتع عن أمه وأهل بحجه عن أبيه، قال: إن ذبح فهو خير له وإن لم يذبح
فليس عليه شئ.
الرابعة عشرة: لو ضل هدي التمتع فذبح عن صاحبه، قيل: لا يجزئ لعدم
تعيينه، وكذا لو عطب، سواء كان في الحل أو الحرم، بلغ محله أو لا، والأصح
الإجزاء، لرواية جماعة (6) إذا تلفت شاة المتعة أو سرقت أجزأت ما لم يفرط، وفي
رواية منصور بن حازم (7) لو ضل فذبحه غيره أجزأ، ولو تعيب بعد شرائه أجزأ في
رواية معاوية (8).

(1) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب الذبح ح 5 ج 10 ص 152.
(2) نفس المصدر.
(3) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 142.
(4) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الذبح ح 8 ج 10 ص 143.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الذبح ح 5 ج 10 ص 86.
(6) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الذبح ح 2 و 3 و 4 ج 10 ص 129.
(7) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الذبح ح 2 ج 10 ص 127.
(8) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 125.
442

الخامسة عشرة: يخرج الهدي الواجب من أصل المال كالدين، ويقدم على
الوصايا، ويزاحم الديون بالحصص.
[112]
درس
الدماء الواجبة بالنص أربعة: دم المتعة وهو مضيق، ودم الإحصار والمشهور
فيه التضيق، ودم الحلق وهو مخير إجماعا، ودم الجزاء وفيه قولان سبقا.
وأما باقي الدماء فتجب بالنذر وشبهه وإلا فهي مستحبة، فمنها: هدي
القران، ويستحب بأصل الشرع في العمرة بنوعيها وفي الحج فيصير قرانا، ولو
ساقه في عمرة التمتع فهو قران على قول مر، ويفيد تأخير التحلل حتى يتحلل من
إحرام حجه، كما قاله الشيخ في الخلاف (1) وإن لم يكن قرانا عنده، وعلى كل
تقدير لا يخرج عن ملكه، نعم له إبداله ما لم يشعره أو يقلده فلا يجوز حينئذ
إبداله.
ويتعين ذبحه أو نحره بمنى إن قرنه بالحج وإلا فبمكة، والأفضل الحزورة بين
الصفا والمروة، ولا تجب الصدقة به، ومن الأصحاب من جعله كهدي التمتع،
وهو قريب، فيقسم في الجهات الثلاث وجوبا، وعلى القول الآخر يستحب
قسمته فيها. وأوجب الحلبي (2) سوق جزاء الصيد منذ قتل الصيد إن أمكن،
وإلا فمن حيث أمكن، ولم يوجب سياق باقي الكفارات.
ولو تلف لم يجب بدله، نعم لو ساق مضمونا كالكفارة ضمنه، ويتأدى
السياق المستحب بها وبالمنذور. ويستحب إشعار هدي التمتع وتقليده كهدي
القران، ويتعين بهما كهدي القران.

(1) الخلاف: ج 2 ص 282.
(2) الكافي في الفقه: ص 199.
443

ولو عطب الهدي نحره مكانه وغمس نعله في دمه وضرب بها صفحة
سنامه، أو كتب عنده أنه هدي، والغمس والكتابة مرويان (1) في مطلق الهدي
مع العجز عن الصدقة حينئذ وعدم من يعلم بأنه هدي، ويباح الأكل منه
حينئذ للمستحق، وتكون النية عند ذبحه وإعلامه كافية عن المقارنة للتناول، ولا تجب
الإقامة عنده ولو أمكنت، ولا يجب بدله إلا إذا كان مضمونا كالمتعة [على قول
ضعيف] (2) والجزاء، وفي مرسلة حريز (3) عن الصادق عليه السلام كل هدي
دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره، وحمله الشيخ (4) على
العجز عن البدل، أو على عطب غير الموت كالكسر فينحره على ما به ويجزئه،
وفي النهاية (5) أطلق أن الهدي إذا عطب ذبح وأعلم، فظاهره دخول هدي
المتعة.
ولو كسر جاز بيعه فيتصدق بثمنه أو يقيم بدله ندبا، ولو كان الهدي واجبا
وجب البدل، وفي رواية الحلبي (6) يتصدق بثمنه ويهدي بدله.
ولو ضل فأقام بدله ثم وجده ذبحه وسقط وجوب ذبح البدل، ولو كان قد
ذبح البدل استحب ذبح الأول، وأوجبه الشيخ (7) إذا كان قد أشعره أو قلده
لصحيح الحلبي (8)، وحكم هدي التمتع كذلك. ولو ضل فذبحه الغير ناويا عن
صاحبه أجزأ إذا كان في محله. ويستحب لواجده تعريفه ثلاثا يوم النحر ويومين

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الذبح ح 6 ج 10 ص 124، و ب 31 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 130.
(2) ضرب عليها في " م ".
(3) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الذبح ح 5 ج 10 ص 131.
(4) التهذيب: ج 5 ص 216.
(5) النهاية: ص 260.
(6) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 126.
(7) النهاية: ص 260، المبسوط: ج 1 ص 374.
(8) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 130.
444

بعده ثم يذبحه عشية الثالث عن صاحبه ويجزئ، ولو ذبح هديا فاستحق ببينة
فللمستحق لحمه، ولا يجزئ عن أحدهما.
وحكم الشيخ (1) بأن الهدي المضمون كالكفارة وهدي التمتع يتعين بالتعيين
كقوله: هذا هدي مع نيته ويزول عنه الملك، وظاهر الشيخ (2) أن النية كافية في
التعيين، وكذا الإشعار أو التقليد، وظاهر المحقق (3) أنهما غير مخرجين وإن
وجب ذبحه بعينه، وتظهر الفائدة في النتاج بعد التعيين، فإن قلنا بقول الشيخ
وجب ذبحه معه وهو المروي (4)، أما ركوبه وشرب لبنه إذا لم يضرا به وبنتاجه
فإنهما جائزان، وقال ابن الجنيد (5): لا يختار شربه في المضمون فإن فعل غرم
قيمته لمساكين الحرم، وفي رواية السكوني (6) إذا أشعرها حرم ظهرها على
صاحبها، وتعارضها رواية أبي الصباح (7) بركوبها من غير عنف.
وأما الهدي المتعين بالنذر ابتداء، مثل قوله: لله علي أن أهدي هذه الشاة،
فلا ريب في تعينه، ويصير أمانة في يده، وحكم الشيخ (8) في المطلق بخروجه
عن ملكه بالقول، فإن عطب نحر مكانه وأعلم، ولو نتج فهو هدي، فلو ضعف
عن المشي حمله على أمه أو غيرها، ولا يجوز شرب لبنه إذا لم يفضل عنه فيضمن،
ولو فضل فالأفضل الصدقة به، ويجوز شربه عند الشيخ (9) ولو تلف الهدي أو

(1) المبسوط: ج 1 ص 390.
(2) نفس المصدر.
(3) شرائع الإسلام: ج 1 ص 263.
(4) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 133.
(5) المختلف: ج 1 ص 307.
(6) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الذبح ح 8 ج 10 ص 134.
(7) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الذبح ح 5 ج 10 ص 133.
(8) المبسوط: ج 1 ص 375.
(9) نفس المصدر.
445

الولد أو اللبن بغير تفريط فلا ضمان، ولو ضاع لم يجب إقامة بدله، ولو أقام كان
كالمسوق تبرعا.
ولا يجوز الأكل من الواجب غير المتعة، فإن أكل ضمن القيمة، وجوز
الشيخ (1) الأكل منه للضرورة ولا قيمة عليه، وروى عبد الملك القمي (2) عن
الصادق عليه السلام يؤكل من كل هدي نذرا كان أو جزاء، وروى عبد الله
الكاهلي (3) يؤكل من الهدي كله مضمونا أو غيره، وفي رواية جعفر بن بشير (4)
يؤكل من الجزاء، وحملها الشيخ (5) على الضرورة أو على الصدقة بالقيمة،
لتصريح الباقر عليه السلام (6) إذا كان واجبا فعليه قيمة ما أكل.
وإذا كان معه هدي واجب وتبرع وبلغا المحل استحب البدأة بذبح
الواجب، وتستحب تفرقة اللحم بنفسه ويجوز بنائبه، ولو خلى بينه وبين
المساكين جاز.
فائدة:
من نذر ذبح بدنة في مكان بعينه وجب، وإن أطلق نحرها بمكة، ومكان
نحر الجزاء سبق، ومكان هدي الإحصار مكة أو منى بحسب النسك، وزمانه
يوم النحر إن كان بمنى، قيل: وأيام التشريق، ومكان هدي الصيد مكانه،
وزمانه إلى فوات الحج فتتعين العمرة، وأوجب الحلبي (7) بعثه كالمحصر، فإن كان

(1) المبسوط: ج 1 ص 374.
(2) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الذبح ح 10 ج 10 ص 144.
(3) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الذبح ح 6 ج 10 ص 143.
(4) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الذبح ح 7 ج 10 ص 143.
(5) الاستبصار: ج 2 ص 273.
(6) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الذبح ح 5 ج 10 ص 143.
(7) الكافي في الفقه: ص 218.
446

مسوقا بعثه وإلا بعث ثمنه، وخير الشيخ (1) بين ذبحه مكانه وبعثه إلى منى أو
مكة وجعل البعث أفضل، وقال ابن الجنيد (2): يبعثه السائق إلا أن يصد هديه
أيضا فيذبحه مكانه.
ومنها: ما يبعثه المحل ويواعد أصحابه يوما فيقلدونه، ويجتنب في وقت
المواعدة ما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر إلا أنه لا يلبي، ثم يحل إذا بلغ محله في ظنه
على ما تواعدوا عليه، وإن أخطأ ظنه فلا بأس، ولو أتى بما يحرم على المحرم كفر
مستحبا، وفي رواية هارون بن خارجة (3) يكفر ببقرة عن لبسه الثياب، وعن
الصادق عليه السلام (4) أنه إذا فعل ذلك وطاف عنه نائبه أسبوعا وذبح عنه
وعرف بمسجده إلى غروب الشمس فقد حج، وإنكار ابن إدريس (5) لا وجه له.
[113]
درس
ومنها: الأضحية، وهي سنة مؤكدة، ويجزئ الهدي الواجب عنها والجمع
أفضل، وهي مختصة بالنعم، والأفضل الثني من الإبل، ثم الثني من البقر، ثم
الجذع من الضأن أو الجذعة، ثم الثني من المعز، ولا يجزئ غير الثني والجذع،
ويستحب التضحية بالإناث من الإبل والبقر والذكران من الغنم، وتكره
التضحية بالثور والجاموس والموجوء، وروى الصدوق (6) تحريم التضحية
بالبخاتي.

(1) الخلاف: ج 2 ص 424.
(2) المختلف: ج 1 ص 318.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الإحصار والصد ح 1 ج 9 ص 314.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الإحصار والصد ح 6 ج 9 ص 313.
(5) السرائر: ج 1 ص 639.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب الأضاحي ح 3049 ج 2 ص 490.
447

ويستحب أن يكون أملح سمينا ينظر ويمشي ويبرك في سواد كالهدي،
ولا يجزئ ذات عوار، ومنع في المبسوط (1) من التضحية بالثور والجمل بمنى
لا بالأمصار، وقال: أفضل ألوانها الملحاء وهي ما فيها بياض وسواد والبياض
أكثر، ثم العفراء وهي البيضاء، ثم السوداء. وفي مقطوع الحلبي (2) ضح بكبش
أسود أقرن فإن لم تجد ففحل أقرن ينظر ويأكل ويشرب في سواد. وروي (3) أن
عليا عليه السلام كان يكره التشريم في الأذن بأن يشقها وتبقى مدلاة من غير
انفصال ويكره الخرم.
وأيامها بمنى يوم النحر وثلاثة بعده، وبغيرها يوم النحر ويومان بعده، ولو
فاتت لم تقض إلا أن تكون واجبة بنذر وشبهه، ووقتها بعد طلوع الشمس إذا
مضى قدر صلاة العيد والخطبتين، ويكره ليلا وتجزئ.
ولا تجب بالأصالة، نعم كانت من خصائص النبي صلى الله عليه وآله،
وروي (4) أنه ضحى بكبش عن نفسه وعمن لم يضح من أهل بيته، وبكبش
عن نفسه ومن لم يضح من أمته، وضحت فاطمة عليها السلام بالمدينة بسبعة
أكبش (5)، وضحى أمير المؤمنين عليه السلام بكبش عن النبي صلى الله عليه
وآله وبكبش عن نفسه (6): وقال: لا يضحى عما في البطن (7)، وفيه إشعار بأن
الأضحية عن الغير مستحبة وإن كان ميتا، وأنه ينبغي أن ينوي بها عن العيال
أجمعين.

(1) المبسوط: ج 1 ص 388.
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الذبح ح 5 ج 10 ص 108.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الذبح ح 3 ج 10 ص 121.
(4) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب الذبح ح 6 ج 10 ص 174.
(5) لم نعثر عليه.
(6) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب الذبح ح 7 ج 10 ص 174.
(7) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب الذبح ح 8 ج 10 ص 174.
448

وقد روى الصدوق (1) خبرين بوجوبها على الواجد، وأخذ ابن الجنيد (2)
بهما، ويحملان على تأكد الاستحباب.
ولا يكره قص الأظفار وحلق الرأس في العشر لمريد التضحية، ويأتي في
رواية (3) كراهته. ويكره التضحية بما يربيه، ويستحب بما يشتريه وبما عرف
به.
ولو تعذرت تصدق بثمنها، فإن اختلفت فقيمة منسوبة إلى القيم بالسوية،
فمن الثلاث الثلث ومن الأربع الربع، واقتصار الأصحاب على الثلث تبعا
للرواية (4) التابعة لواقعة هشام.
ويجوز اشتراك جماعة فيها وإن لم يكونوا أهل بيت واحد، وروى
السكوني (5) إجزاء البقرة والجذعة عن ثلاثة من أهل بيت واحد والمسنة عن
سبعة متفرقين والجزور ويجزئ عن عشرة متفرقين، وفي مكاتبة الهادي عليه
السلام (6) يجزئ الجاموس الذكر عن واحد والأنثى عن سبعة. وكذا يصح
الاشتراك لو أراد بعضهم اللحم، وشاة أفضل من سبع بدنة أو سبع بقرة.
ويستحب الاقتراض للأضحية فإنه دين مقضي، ويجوز تضحية العبد بإذن
مولاه، والمبعض لو ملك بجزئه الحر جاز من غير إذن.
وتتعين بالنية حال الشراء عند الشيخ (7) وإن لم يتلفظ ولم يشعر ولم يقلد،
ولو كانت في ملكه تعينت بقوله: جعلتها أضحية، فيزول ملكه عنها وليس له

(1) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب الذبح ح 3 و 5 ج 10 ص 173.
(2) المختلف: ج 1 ص 307.
(3) وسائل الشيعة: ب 61 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 175.
(4) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 172.
(5) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الذبح ح 7 ج 10 ص 114.
(6) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الذبح ح 8 ج 10 ص 114.
(7) المبسوط: ج 1 ص 390.
449

إبدالها، فإن أتلفها أو فرط فيها فتلفت فعليه قيمتها يوم التلف، وإن أتلفها غيره
فعليه أرفع القيم عند الشيخ (1) فيشتري به غيرها. ولو أمكن شراء أكثر من
واحدة بقيمتها فعل ولو كان جزء من أخرى، ولو قصر عن واحدة كفاه شقص،
ولو عجز عن شقص تصدق به.
ولو وجد بها عيبا سابقا بعد التعيين فله أرشه لا ردها، ويصنع بالأرش
ما ذكرناه، ولو عابت بعد القبض نحرها على ما بها، ولو تلفت أو ضلت بغير
تفريط لم يضمن، فإن عادت ذبحها أداء، وإن كان بعد الأيام ذبحها قضاء،
ولو ذبحها غيره عنه أجزأ، وفي وجوب الأرش هنا بعد، فإن قلنا به تصدق به إن
لم يمكن الشراء به.
وإذا ذبحها استحب الأكل منها تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله،
ويستحب أن يهدي قسما ويتصدق بقسم، قال الشيخ (2): والصدقة بالجميع
أفضل، والمشهور الصدقة بأكثرها، ولو استوعب الأكل ضمن للفقراء نصيبهم (3)
وجوبا أو استحبابا بحسب حال الأضحية، ويجزئ اليسير والثلث أفضل.
ولا يجوز بيع لحمها، ويستحب الصدقة بجلودها وجلالها وقلائدها تأسيا
بالنبي صلى الله عليه وآله (4)، ويكره بيع الجلود وإعطاؤها الجزار أجرة
لا صدقة، ويكره إطعام المشرك من الأضحية، ويجوز ادخار لحمها بعد ثلاث،
وكان محرما فنسخ. ويكره أن يخرج بشئ منها عن منى، ولو أهدي له جاز،
وكذا لو اشتراه من المسكين، ويجوز إخراج السنام.
* * *

(1) المبسوط: ج 1 ص 391.
(2) المبسوط: ج 1 ص 393.
(3) في " ز ": حصتهم.
(4) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب الذبح ح 2 ج 10 ص 151.
450

فائدة:
الأيام المعدودات أيام التشريق، وآخرها غروب الشمس من الثالث،
والأيام المعلومات عشر ذي الحجة، وهو المروي في الصحيح (1) عن علي عليه
السلام، وفي النهاية (2) بالعكس، وقال الجعفي (3): أيام التشريق هي المعلومات
والمعدودات، وتظهر الفائدة في نذر الصدقة والصيام.
ومن وجب عليه بدنة في كفارة أو نذر وعجز كان عليه سبع شياه، فإن
عجز صام ثمانية عشر يوما، وفي رواية داود الرقي (4) عن الصادق عليه السلام
في بدنة الفداء ذلك، وخير بين الصوم في مكة (5) أو في منزله، وبه أفتى الشيخ
في التهذيب (6)، وقال سلار (7): لا بدل لما عدا بدنة النعامة.
[114]
درس
يجب الحلق بعد الذبح، واكتفى في المبسوط (8) والنهاية (9) وابن إدريس (10)
بحصول الهدي في رحله، وهو مروي (11)، وفي الخلاف (12): ترتيب مناسك منى

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب العود إلى منى ح 9 ج 10 ص 220.
(2) النهاية: ص 286.
(3) لا يوجد لدينا كتابه.
(4) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب الذبح ح 1 ج 10 ص 171.
(5) في باقي النسخ: بمكة.
(6) التهذيب: ج 5 ص 237.
(7) المراسم: ص 119.
(8) المبسوط: ج 1 ص 374.
(9) النهاية: ص 261.
(10) السرائر: ج 1 ص 599.
(11) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الحلق والتقصير ح 2 ج 10 ص 181.
(12) الخلاف: ج 2 ص 345.
451

مستحب، وهو مشهور، وفي التبيان (1): الحلق أو التقصير مستحب، وهو نادر،
والترتيب ليس بشرط في الصحة وإن قلنا بوجوبه، نعم يستحب لمن حلق قبل
الذبح أن يعيد الموسى على رأسه بعد الذبح لرواية عمار (2)، وقال ابن
الجنيد (3): كل سائق هديا واجبا أو غيره يحرم عليه الحلق قبل ذبحه، فلو حلق
وجب دم آخر.
ولا يتعين الحلق على الضرورة والملبد عند الأكثر بل يجزئ التقصير،
وللشيخ (4) قول بتعينه عليهما، وهو قول ابن الجنيد (5)، وزاد المعقوص شعره
والمضفور، ووافق الحسن (6) على الأخيرين ولم يذكر الصرورة، وقال يونس بن
عبد الرحمان (7): إن عقص شعره أي ضفره أو لبده أي ألزقه بصمغ أو ربط بعضه
إلى بعض بسير أو كان صرورة تعين الحلق في الحج وعمرة الإفراد، وفي رواية
أبي بصير (8) الصرورة يحلق ولا يقصر إنما التقصير لمن حج حجة الإسلام، وفي
رواية معاوية (9) إذا لبد أو عقص فليس له التقصير، ويظهر من رواية
العيص (10) أنه إذا قصر ولم يحلق فعليه دم، وفي التهذيب (11) وكذا يلزم الملبد

(1) التبيان: ج 2 ص 154.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الحلق والتقصير ح 2 ج 10 ص 191.
(3) المختلف: ج 1 ص 307.
(4) النهاية: ص 262 - 263.
(5) المختلف: ج 1 ص 307.
(6) نفس المصدر.
(7) لا يوجد لدينا كتابه.
(8) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الحلق والتقصير ح 5 ج 10 ص 186.
(9) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الحلق والتقصير ح 8 ج 10 ص 186.
(10) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الحلق والتقصير ح 9 ج 10 ص 187.
(11) التهذيب: ج 5 ص 244.
452

إن (1) لم يحلق، وصحيحة حريز (2) مطلقة فيحمل غيرها على الندب. والحلق
أفضل الواجبين وهو معنى استحبابه. وليس على النساء حلق، ويجزئهن من
التقصير قدر الأنملة، وقال ابن الجنيد (3): مقدار القبضة، وهو على
الندب.
فرع:
لو نذر الرجل الحلق في نسكه وجب إلا في عمرة التمتع، ولا يجزئ عنه
التقصير، ولا إزالته بنتف أو نورة وشبههما، نعم يجزئ التقصير في التحلل على
الأقوى، ويكفر إن تعذر حلق محل التقصير، ولو نذرته المرأة فهو لغو.
ويجب فيه النية وتحصيل مسماه. ويستحب استقبال القبلة، والبدأة
بالقرن الأيمن من ناصيته، وتسمية المحلوق، والدعاء مثل قوله: اللهم اعطني
بكل شعرة نورا يوم القيامة، والاستيعاب إلى العظمين الذين عند منتهى
الصدغين قبالة وتد الأذنين، ودفن الشعر في فسطاطه أو منزله بمنى، وقلم
الأظفار، وأخذ الشارب بعده.
ولو رحل قبله حلق أو قصر مكانه وجوبا إن تعذر عليه العود، وبعث
شعره (4) إلى منى ليدفن بها مستحبا، وأوجب الحلبي (5) دفنه بها، وفي رواية
معاوية (6) كان الصادق عليه السلام يكره إخراج الشعر من منى ويقول: من

(1) في " ز " و " ق ": لو.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الحلق والتقصير ح 6 ج 10 ص 186.
(3) المختلف: ج 1 ص 308.
(4) في باقي النسخ: بشعره.
(5) الكافي في الفقه: ص 201.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الحلق والتقصير ح 5 ج 10 ص 184.
453

أخرجه فعليه رده، وظاهر الروايات (1) وجوبه، وفي المختلف (2): يجب رده لو
حلق بعد خروجه عمدا لا سهوا، والأصح الاستحباب لقول زين العابدين عليه
السلام (3): كانوا يستحبون ذلك - يعني دفنه - بمنى، ومع العجز لا شئ عليه على
القولين.
ومن لا شعر على رأسه يمر الموسى، وفي وجوبه مطلقا أو لمن حلق في إحرام
العمرة وجهان أو قولان، ونقل في الخلاف (4) الإجماع على استحبابه. ولو أراد
غسل رأسه بالخطمي أو غيره أخره عن التقصير.
ولا يجوز تقديم الحلق على يوم النحر ولا تأخيره عن الطواف، فلو قدمه لم
يجزئ وفدى إن تعمد ذلك عالما، ولو أخره عن الطواف جهلا فظاهر الرواية (5)
الإجزاء فيه وفي الطواف، وإن كان عالما وتعمد فعليه شاة، قاله الشيخ (6)
وأتباعه، وظاهرهم أنه لا يعيد الطواف، وإن نسي فلا كفارة، ويعيد الطواف
بعد الحلق، وصحيحة علي بن يقطين (7) بإعادة الطواف والسعي قبل التقصير
مطلقة ليس فيها عمد ولا نسيان، وفي صحيح جميل بن دراج (8) لا ينبغي زيارة
البيت قبل أن يحلق إلا أن يكون ناسيا، وظاهره عدم إعادة الطواف لو فعل.
والكلام في الطواف قبل الذبح كذلك، وقيل: يكفي وضع الهدي في رحله
بمنى، وهو ظاهر المبسوط (9)، وفي صحيحة معاوية (10) من نسي أن يذبح بمنى

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الحلق والتقصير ح 1 و 2 ج 10 ص 184.
(2) المختلف: ج 1 ص 30 8.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الحلق والتقصير ح 5 ج 10 ص 184.
(4) الخلاف: ج 1 ص 331.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الحلق والتقصير ح 1 ج 10 ص 180.
(6) النهاية: ص 263.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الحلق والتقصير ح 1 ج 10 ص 182.
(8) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الذبح ح 4 ج 10 ص 140.
(9) المبسوط: ج 1 ص 374.
(10) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الذبح ح 5 ج 10 ص 140.
454

حتى زار البيت فنحر بمكة يجزئ عنه، ويشكل بأنه في غير محل الذبح، وكذا لو
قدم الطواف على الرمي أو على جميع مناسك منى يجزئ مع الجهل، وفي التعمد
والنسيان الإشكال. ويجوز لخائفة الحيض الإفاضة ليلا والرمي والتقصير ثم
تمضي للطواف وتستنيب في الذبح.
وإذا حلق أو قصر بعد الرمي والذبح تحلل مما عدا الطيب والنساء، وهو
التحلل الأول للمتمتع، وأما القارن والمفرد فيحل لهما الطيب إذا كانا قد قدما
الطواف والسعي، وأطلق الأكثر أنهما يحل لهما الطيب، وابن إدريس (1) قائل
بذلك مع عدم تجويزه تقديم الطواف والسعي، وسوى الجعفي (2) بينهما وبين
المتمتع.
ولو أتى بالحلق قبل الرمي والذبح أو بينهما، فالأشبه عدم التحلل إلا بكمال
الثلاثة، وقال علي بن بابويه (3) وابنه (4): يتحلل بالرمي إلا من الطيب
والنساء، وقال الحسن (5) به وبالحلق، وجعل الطيب مكروها للمتمتع حتى
يطوف ويسعى، وظاهره حل النساء بالطواف والسعي، وأن طواف النساء غير
واجب إذ جعله رواية شاذة.
التحلل الثاني: إذا طاف للزيارة وسعى حل له الطيب، ولا يكفي الطواف
خاصة على الأقوى، لرواية منصور بن حازم (6)، ورواية سعيد بن يسار (7)، عن
الصادق عليه السلام يحل الطيب بالحلق للمتمتع، متروكة، وتطيب رسول الله

(1) السرائر: ج 1 ص 601.
(2) لا يوجد لدينا كتابه.
(3) المختلف: ج 1 ص 308.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 549.
(5) المختلف: ج 1 ص 308.
(6) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحلق والتقصير ح 2 ج 10 ص 193.
(7) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحلق والتقصير ح 7 ج 10 ص 194.
455

صلى الله عليه وآله (1) بعد الحلق لأنه ليس بمتمتع.
التحلل الثالث: إذا طاف للنساء حللن له. والقارن والمفرد لهما تحللان:
أحدهما عقيب الحلق، والثاني عقيب طواف النساء، وكذا المعتمر إفرادا،
والمتعة فيها تحلل واحد، وأما الصيد الذي حرم بالإحرام فبطواف النساء، قاله
الفاضل (2)، وذكر أنه مذهب علمائنا، لقوله تعالى: " لا تقتلوا الصيد وأنتم
حرم " (3)، وروى الصدوق (4) تحريم الصيد بعد طواف النساء، ولعله لمكان
الحرم، وصرح ابن الجنيد (5) بتحريم لحم الصيد أيام منى ولو أحل، ويستحب
ترك المخيط وتغطية الرأس حتى يطوف ويسعى، وترك الطيب حتى يطوف
للنساء.
فروع:
لو طاف المتمتع الطوافين وسعى قبل الوقوفين لضرورة فتحلله واحد عقيب
الحلق بمنى، ولو قدم طواف الحج والسعي خاصة كان له تحللان، ولو قدم
الطوافين والسعي قبل مناسك منى لضرورة أو ناسيا واجتزأنا بها أو متعمدا على
ما سلف، فالأشبه أنه لا يحل له شئ من محرمات الإحرام حتى يأتي بمناسك
منى، وإنما يحصل التحلل بكمال الطوافين والسعي، فلو بقي منها ولو خطوة فهو
باق على ما كان.

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الحلق والتقصير ح 2 ج 10 ص 196.
(2) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 390 وراجع مختلف الشيعة: ج 1 ص 309.
(3) سورة المائدة: الآية 95.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب ما يحل المتمتع... قبل أن يزور البيت ح 3095 ج 2 ص 507.
(5) المختلف: ج 1 ص 281.
456

[115]
درس
إذا قضى الحاج مناسكه بمنى وجب عليه العود إلى مكة، ويستحب ليومه،
فإن تأخر فمن غده، وفي جواز تأخره عن الغد اختيارا قولان، أقربهما الجواز على
كراهية، وقد روي (1) في الصحيح عن الصادق والكاظم عليهما السلام،
ورواية منصور بن حازم (2) ومحمد بن مسلم (3) الصحيحة بالزيارة يوم النحر
تحمل على الندب توفيقا، وعلى القول بتحريم التأخير لا يقدح في الصحة وإن
أثم. نعم لا يجز تأخير الطواف والسعي عن ذي الحجة فيبطل الحج كما قاله ابن
إدريس (4) إن تعمد ذلك، هذا حكم المتمتع، وأما القارن والمفرد فيؤخران
طول ذي الحجة لا عنه.
ويستحب أمام دخول مكة ما سلف في دخولها لطواف العمرة وسعيها من
الغسل، وتقليم الأظفار وأخذ الشارب هنا والدعاء وغير ذلك، ويجزئ الغسل
بمنى بل غسل النهار ليومه والليل لليلته ما لم يحدث فيعيده، وإنكار ابن
إدريس (5) إعادته مع الحدث ضعيف، وجعله الأظهر عدم الإعادة غريب.
ثم يأتي بطواف الحج وركعتيه وسعيه بعده، ثم بطواف النساء وركعتيه على
هذا الترتيب، وكيفيتها في الواجب والمستحب كما تقدم، غير أنه ينوي مميزاتها
عن غيرها. وليس طواف النساء مخصوصا بمن يغشى النساء إجماعا، فيجب على
الخصي والمرأة والهم ومن لا إربة له في النساء.

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب زيارة البيت ح 9 ج 10 ص 202.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب زيارة البيت ح 6 ج 10 ص 201.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب زيارة البيت ح 5 ج 10 ص 201.
(4) السرائر: ج 1 ص 602.
(5) نفس المصدر.
457

ويحرم بتركه النساء وطء وتقبيلا وملاعبة ونظرا بشهوة وعقدا وشهادة وكل
من كان قد حرمه الإحرام منهن، ولا يكفي في حل النساء تجاوز النصف إلا في
رواية أبي بصير (1) رواها الصدوق. ويلزم به الصبي المميز، ويطوف الولي بغير
المميز، فلو تركاه وجب قضاؤه كما يجب على غيرهما، ويحرم عليهما النساء بعد
البلوغ، ويمنعان من الاستمتاع بالحلائل قبل البلوغ.
وإذا استناب فيه من تركه ففعله النائب حلت له النساء، ولو واعده في
وقت بعينه، فالأقرب حلهن بحضوره عملا بالظاهر، فلو تبين عدمه اجتنب.
ولا يكفي عنه طواف النساء الذي يفعله داخل مكة بنسك واجب أو ندب، بل
يأتي بهما سواء كان هو التارك أو نائبه.
ولو مات قضاه الولي، قاله الأصحاب ورواه معاوية (2) عن الصادق عليه
السلام، وفيها لو قضاه غير وليه أجزأ، وقال: ما دام حيا فلا يصح أن يقضى
عنه، وهو معارض برواية (3) القضاء عنه في حياته.
[116]
درس
إذا قضى مناسكه بمكة وجب العود إلى منى للرمي، وقد تقدم حكمه (4)،
وللمبيت بها وجوبا ليالي التشريق الثلاث، ويجوز لمن اتقى الصيد والنساء في
إحرامه ترك مبيت الثالثة، إلا أن تغرب الشمس وهو بمنى فيتعين، والأفضل
مبيت الثالثة للمتقي لينفر في النفر الثاني، إذ هو أفضل على ما نص عليه
الأصحاب.

(1) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب الطواف ح 10 ج 9 ص 469.
(2) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب الطواف ح 6 و 2 ج 9 ص 467 و 468.
(3) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 468.
(4) في " م ": كيفيته.
458

ولو بات بغيرها فعليه عن كل ليلة شاة، إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة
الواجبة أو المستحبة فلا شئ، سواء كان خروجه للعبادة من منى قبل غروب
الشمس أو بعده، ويجب استيعاب الليلة بالعبادة إلا ما يضطر إليه من غذاء أو
شراب أو نوم يغلب عليه، ويحتمل أن القدر الواجب هو ما كان يجب عليه بمنى
وهو أن يتجاوز نصف الليل.
وقال الشيخ (1): ليس له دخول مكة حتى يطلع الفجر مع تجويزه الخروج
بعد نصف الليل من منى ومبيته بغير منى ومكة، ولم نقف له على مأخذ، إذ
الروايات (2) مطلقة في جواز الخروج بعد نصف الليل.
ولو فرغ من العبادة قبل الانتصاف ولم يرد العبادة بعده وجب عليه الرجوع
إلى منى، ولو علم أنه لا يدركها قبل انتصاف الليل على إشكال، وأولى بعدم
الوجوب إذا علم أنه لا يدركها حتى يطلع الفجر.
وروى الحسن (3) فيمن زار وقضى نسكه ثم رجع إلى منى فنام في الطريق
حتى يصبح إن كان قد خرج من مكة وجاز عقبة المدنيين فلا شئ عليه، وإن
لم يجز العقبة فعليه دم، ونحوه رواه هشام بن الحكم (4) عن الصادق عليه
السلام، إلا أنه لم يذكر حكم الذي لم يتجاوز مكة، وفي رواية جميل (5) من زار
فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم، وإن كان قد خرج منها فلا شئ، وفي
رواية محمد بن إسماعيل (6) إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام.

(1) المبسوط: ج 1 ص 378.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 206.
(3) لم نعثر عليه.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 17 ج 10 ص 209.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 16 ج 10 ص 209.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 15 ج 10 ص 209.
459

واختار ابن الجنيد (1) ما رواه الحسن، وفيها دلالة على قول الشيخ، وعلى
وجوب الخروج من مكة لغير المتعبد مطلقا. ولا يجب في المبيت بمنى سوى النية.
وأوجب ابن إدريس (2) على من بات بمكة وإن كان مشتغلا بالعبادة
الدم، وجعله غير متق بمبيته فيحرم عليه النفر في الأول، وأوجب الشيخ في
النهاية (3) ثلاثة دماء لو بات بغيرها، وفي المبسوط (4) حمله على غير المتقي أو على
الندب، ويضعف منع ابن إدريس المبيت بمكة للعبادة بالروايات الصحيحة
كرواية معاوية (5) وصفوان (6)، وجعله الاتقاء شاملا لجميع المحرمات غير
مشهور، بل هو مقصور على الصيد والنساء، إلا ما رواه الصدوق عن سلام (7)
عن الباقر عليه السلام لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم عليه في
إحرامه، وأشد منه طرده الاتقاء في غير الإحرام.
ورخص في ترك المبيت لثلاثة: الرعاة ما لم تغرب عليهم الشمس بمنى،
وأهل سقاية العباس وإن غربت الشمس عليهم بمنى، وكذا من له ضرورة
بمكة، كمريض يراعيه أو مال يخاف ضياعه بمكة، وكذا لو منع من المبيت منعا
خاصا أو عاما كنفير الحجيج ليلا، ولا إثم في هذه المواضع، وتسقط الفدية عن
أهل السقاية والرعاة، وفي سقوطها عن الباقين نظر.
وأما نهار أيام التشريق فلا بحث فيه سوى الرمي، فإذا رمى جاز له مفارقة
منى لزيارة البيت وغيره، وإن كان المقام بمنى نهارا أفضل، كما رواه ليث

(1) المختلف: ج 1 ص 300.
(2) السرائر: ج 1 ص 604.
(3) النهاية: ص 266.
(4) المبسوط: ج 1 ص 378.
(5) وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب العود إلى منى ح 8 ج 10 ص 207.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العود إلى منى ح 9 ج 10 ص 208.
(7) من لا يحضره الفقيه: باب النفر الأول والأخير ح 3017 ج 2 ص 480.
460

المرادي (1) عن الصادق عليه السلام أن المقام بها أفضل من الطواف تطوعا.
ومنع الحلبي (2) الصرورة من النفر في الأول، والمشهور الجواز، ويجب كونه
بعد الزوال إلا لضرورة، ويجوز تقديم رحله قبل الزوال، ولو قدم رحله في النفر
الأول وبقي هو إلى الأخير فهو ممن تعجل في يومين على الرواية (3)، أما النفر
الثاني فيجوز قبله إذا رمى الجمار الثلاث، وعلى القول بأن وقت الرمي عند
الزوال لا يجوز النفر إلا بعد الزوال، ولا فرق في جواز النفر في الأول بين المكي
وغيره، فيجوز التعجيل له وللمجاور كما يجوز لغيرهما.
ويستحب إعلام الإمام الناس في خطبته يوم النفر الأول جواز التعجيل
والتأخير، وكيفية النفر والتوديع، ويردعهم، ويحثهم على طاعة الله تعالى، وعلى
أن يختموا حجهم بالاستقامة والثبات على طاعة الله، وأن يكونوا بعد الحج
خيرا منهم قبله، وأن يذكروا ما عاهدوا الله عليه من خير.
فروع:
لو اشتغل بالتأهب فغربت الشمس تعين المبيت والرمي، ولو ارتحل
فغربت الشمس قبل تجاوز الحدود، فالأشبه المقام، أما لو انفصل برحله ثم عاد
بعد الغروب لحاجة أو لغيرها فلا مبيت عليه، فلو بات ففي وجوب الرمي نظر،
لأنه خرج عن اسم الحاج، ومن أنه صاحب النسك، وقرب الفاضل (4)
الوجوب، ولو عاد قبل الغروب فغربت الشمس عليه بمنى ففي وجوب المبيت
هنا والرمي وجهان، ولو رجع لتدارك واجب عليه، فالأقرب وجوبهما.

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب العود إلى منى ح 5 ج 10 ص 211.
(2) الكافي في الفقه: ص 198.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب العود إلى منى ح 7 ج 10 ص 223.
(4) التحرير: ج 1 ص 111.
461

ويستحب للإمام النفر في الثاني مؤكدا، ويستحب له الخروج قبل الزوال
ليصلي الظهرين بمكة، ويعلمهم كيفية الوداع. ويستحب للمقيم بمنى أن يجعل
صلاته في مسجد الخيف فرضها ونفلها، وأفضله في مسجد رسول الله صلى الله
عليه وآله، وهو من المنارة إلى نحو من ثلاثين ذراعا إلى جهة القبلة، وعن يمينها
ويسارها كذلك، فقد صلى فيه ألف نبي، ويستحب صلاة ست ركعات به
إذا نفر في أصل الصومعة، كما روي عن الصادق عليه السلام (1).
وروي (2) من صلى بمسجد منى مائة ركعة عدلت عبادة سبعين عاما،
ومن سبح الله فيه مائة تسبيحة كتب الله له أجر عتق رقبة، ومن هلل الله فيه
مائة عدلت إحياء نسمة، ومن حمد الله عز وجل فيه مائة عدلت أجر خراج
العراقين ينفق في سبيل الله.
والتكبير بمنى مستحب، وقال السيد (3): يجب وقد سلف، ولا يكبر عقيب
النوافل ولا في الطرقات ولا قبل يوم النحر في أيام العشر عندنا.
وأسماء أيام منى على الراء، فالعاشر النحر، والحادي عشر القر، والثاني
عشر النفر، والثالث عشر الصدر، وليلته تسمى ليلة التحصيب، وفي
المبسوط (4): هي ليلة الرابع عشر.
فوائد:
روى حماد (5) عن الصادق عليه السلام أن من نفر في الأول فليس له أن

(1) الكافي: باب الصلاة في مسجد منى ح 6 ج 4 ص 519.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب فضائل الحج ح 2177 ج 2 ص 210.
(3) لم نعثر عليه في كتب السيد المرتضى المتوفرة لدينا ونقله العلامة في المختلف ج 1 ص 311.
(4) المبسوط: ج 1 ص 365.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب العود إلى منى ح 3 ج 10 ص 225.
462

يصيب الصيد حتى ينفر الناس، لقوله تعالى: " لمن اتقى " (1) أي الصيد، وفي
رواية معاوية بن عمار (2) عنه عليه السلام يحل للنافر في الأول الصيد إذا زالت
الشمس من اليوم الثالث.
وروى غيلان (3) عن أبي الحسن عليه السلام أن التكبير بالأمصار يوم عرفة
من صلاة الغداة إلى الظهر من النفر الأول، قال الشيخ (4): هذا موافق للعامة
لا عمل عليه، وروى عمار (5) عنه عليه السلام التكبير بمنى واجب في دبر كل
صلاة فريضة أو نافلة، وروى علي بن جعفر (6) عن أخيه عليهما السلام النساء
يكبرن ولا يجهرن، وروى محمد بن مسلم (7) عن أحدهما عليهما السلام وسأله
عن التكبير أيام التشريق بعد كم صلاة؟ فقال: كم شئت، إنه ليس بموقت
أي في الكلام، كذا فسر في الرواية، وروى عمار (8) عن الصادق عليه السلام
إذا نسي التكبير حتى قام من موضعه فلا شئ عليه.
وروى إسحاق بن عمار (9) عن أبي الحسن عليه السلام إتمام أهل مكة
الصلاة إذا زاروا، والمقيم بمكة إلى شهر بمنزلتهم، وفي صحيح زرارة (10) عن الباقر
عليه السلام من قدم قبل يوم التروية بعشرة أيام فهو بمنزلة أهل مكة، يقصر إذا

(1) سورة البقرة: الآية 203.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب العود إلى منى ح 4 ج 10 ص 226.
(3) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة العيد ح 13 ج 5 ص 126.
(4) التهذيب: ج 5 ص 493.
(5) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة العيد ح 12 ج 5 ص 126.
(6) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 127.
(7) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 129.
(8) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 129.
(9) تهذيب الأحكام: ب 26 من الزيادات في فقه الحج ح 387 ج 5 ص 487.
(10) تهذيب الأحكام: ب 26 من الزيادات في فقه الحج ح 388 ج 5 ص 488.
463

خرج إلى منى، ويتم إذا زار البيت، ثم يتم بمنى حتى ينفر.
وروى عمار (1) عن الصادق عليه السلام في ناسي طواف النساء حتى
يرجع إلى أهله عليه بدنة ينحرها بين الصفا والمروة، ويمكن حملها على من واقع
ويكون وقاعه بعد الذكر.
وروى جميل (2) عنه عليه السلام لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف أيام
منى ولا يبيت بها، وروى العيص (3) عنه النهي عن الزيارة في أيام التشريق،
والجمع بينهما بالحمل على أفضلية المقام بمنى.
[117]
درس
يستحب العود إلى مكة بعد النفر من منى لطواف الوداع، وليس واجبا
عندنا، ولو كان قد بقي عليه نسك أو بعضه وجب العود له، ويطوف بعده
طواف الوداع.
ويستحب للنافر في الأخير التحصيب، تأسيا برسول الله صلى الله عليه
وآله، وهو النزول بمسجد الحصبة بالأبطح الذي نزل به رسول الله صلى الله
عليه وآله، ويستريح فيه قليلا ويستلقي على قفاه، وروي (4) أن النبي صلى الله
عليه وآله صلى فيه الظهرين والعشاءين وهجع هجعة ثم دخل مكة وطاف.
وليس التحصيب من سنن الحج ومناسكه، وإنما هو فعل مستحب اقتداء
برسول الله صلى الله عليه وآله.

(1) وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب الطواف ح 5 ج 9 ص 468.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 211.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب العود إلى منى ح 6 ج 10 ص 212.
(4) سنن البيهقي: باب الصلاة بالمحصب والنزول بها ج 5 ص 160.
464

قال ابن إدريس (1): وليس للمسجد أثر الآن، فتتأدى هذه السنة بالنزول
بالمحصب من الأبطح، قال (2): وهو ما بين العقبة وبين مكة، وقيل: هو ما بين
الجبل الذي عنده مقابر مكة والجبل الذي يقابله مصعدا في الشق الأيمن
للقاصد مكة، وليست المقبرة منه، واشتقاقه من الحصباء وهي الحصى المحمولة بالسيل.
وقال السيد ضياء الدين بن الفاخر (3) شارح الرسالة: ما شاهدت أحدا
يعلمني به في زماني، وإنما وقفني واحد على أثر مسجد بقرب منى على يمين قاصد
مكة في مسيل واد، قال: وذكر آخرون أنه عند مخرج الأبطح إلى مكة. وروى
الصدوق (4) أن الباقر عليه السلام كان ينزل بالأبطح قليلا ثم يدخل البيوت،
وأكثر الروايات (5) ليس فيها تعيين مسجد.
فإذا أتى مكة يستحب له أمور: أحدها: الغسل لدخولها ودخول مسجدها،
والدخول من باب بني شيبة، والدعاء.
وثانيها: دخول الكعبة وخصوصا الصرورة بعد الغسل، وليكن حافيا
بسكينة ووقار، ويأخذ بحلقتي الباب عند الدخول، ثم يقصد الرخامة الحمراء
بين الأسطوانتين اللتين تليان الباب، ويصلي ركعتين، يقرأ في الأولى بعد
الحمد حم السجدة، وفي الثانية بعدد آيها وهي ثلاث أو أربع وخمسون، والدعاء
والصلاة في الزوايا الأربع كل زاوية ركعتين، تأسيا برسول الله (6) صلى الله
عليه وآله (7).

(1) السرائر: ج 1 ص 613.
(2) السرائر: ج 1 ص 592.
(3) لا يوجد لدينا كتابه.
(4) الفقيه: باب نزول الحصبة ح 3027 ج 2 ص 482.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب العود إلى منى ج 10 ص 229.
(6) في باقي النسخ: بالنبي.
(7) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب مقدمات الطواف ح 2 ج 9 ص 373.
465

والقيام بين الركن الغربي واليماني رافعا يديه ملصقا به والدعاء، ثم كذلك
في الركن اليماني، ثم الغربي، ثم الركنين الآخرين، ثم يعود إلى الرخامة
الحمراء، فيقف عليها ويرفع رأسه إلى السماء ويطيل الدعاء، وليبالغ في
الخضوع والخشوع وحضور القلب في دعائه، وليحذر البصاق والامتخاط،
ولا يشغل بصره بما يشغل قلبه، روي (1) أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما
دخلها لم يجاوز بصره موضع سجوده حتى خرج منها، وذلك إعظام وإجلال لله
ولرسوله صلى الله عليه وآله.
ويستحب أن يصلي ركعتين بعد خروجه منها عن يمين الباب، رواه
يونس (2) عن الصادق عليه السلام، وهو موضع المقام في عهد رسول الله صلى
الله عليه وآله، وهو الآن منخفض عن المطاف، ويستحب التكبير ثلاثا عند
الخروج من الكعبة. والدخول إلى الكعبة لا يتأكد في حق النساء وخصوصا مع
الزحام، ويجوز للمستحاضة الدخول على كراهية، وروى (3) أنه لا يجوز لها، وهو
فتوى المبسوط (4).
وتكره الفريضة فيها على ما مر في الأقوى وخصوصا الجماعة، ولو وقعت
الجماعة فيها انعقدت، ولهم في موقفهم أحوال خمسة:
الأول: أن يكونوا صفا واحدا أو صفوفا والإمام في سمتهم.
الثاني: أن يتقدم الإمام عليهم. ولا ريب في جواز هذين.
الثالث: أن يكون وجه المأموم إلى وجه الإمام، وفيه وجهان، والأشبه
الجواز.

(1) لم نعثر عليه.
(2) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب مقدمات الطواف ح 2 ج 9 ص 378.
(3) وسائل الشيعة: ب 91 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 507.
(4) المبسوط: ج 1 ص 331 - 332.
466

الرابع: أن يكون ظهر المأموم إلى ظهر الإمام، وفيه وجهان مرتبان، وأولى
بالمنع، والأشبه الجواز مع المشاهدة المعتبرة.
الخامس: أن يكون ظهر المأموم إلى وجه الإمام، وهذا غير جائز على
الأقوى.
وروي (1) أن يونس سأل الكاظم عليه السلام عن صلاة الفريضة بالكعبة
إذا لم يمكنه الخروج يستلقي على قفاه ويصلي إيماء، والرواية مهجورة.
وثالثها: إتيان الحطيم، وهو ما بين الباب والحجر الأسود، وهو أشرف
البقاع، والصلاة عنده، والدعاء، والتعلق بأستار الكعبة عنده وعند المستجار،
ويلي الحطيم في الفضل عند المقام ثم الحجر ثم كل ما دنا من البيت.
ورابعها: الشرب من زمزم، والاكثار منه، والتضلع منه أي الامتلاء، فقد
قال النبي صلى الله عليه وآله (2): ماء زمزم لما شرب له، وقد روي (3) أن
جماعة من العلماء شربوا منه لمطالب مهمة ما بين تحصيل علم وقضاء حاجة
وشفاء من علة وغير ذلك فنالوها، والأهم طلب المغفرة من الله تعالى، فليسم
ولينو بشربه طلب المغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار وغير ذلك، ويستحب
حمله وإهداؤه.
وفي رواية معاوية (4) أسماء زمزم: ركضة جبرئيل، وسقيا إسماعيل، وحفرة
عبد المطلب، وزمزم، والمصونة، والسقيا، وطعام طعم، وشفاء سقم.
وخامسها: الإكثار من الطواف مهما استطاع.
وسادسها: ختم القرآن بها، إما في زمان الوداع أو غيره، فقد روى

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب القبلة ح 7 ج 3 ص 246.
(2) مستدرك الوسائل: ب 14 من أبواب مقدمات الطواف ح 2 ج 9 ص 348.
(3) لم نعثر عليه.
(4) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب مقدمات الطواف ح 6 ج 9 ص 351.
467

الشيخ (1) عن زين العابدين عليه السلام من ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى
رسول الله صلى الله عليه وآله ويرى منزله في الجنة. وكذا يكثر من ذكر الله
تعالى، فعن زين العابدين عليه السلام (2) أيضا تسبيحة بمكة أفضل من خراج
العراقين ينفق في سبيل الله.
وسابعها: أنه إذا جلس في المسجد جلس قبالة الميزاب مستقبلا للبيت،
قاله الجعفي (3).
وثامنها: الصلاة في موضع المقام قديما وخلف المقام الآن، وأفضل منهما عند
الحطيم، وهو الموضع الذي تاب الله على آدم عليه السلام فيه.
وتاسعها: زيارة المواضع الشريفة بمكة، فمنها: إتيان مولد رسول الله صلى
الله عليه وآله، وهو الآن مسجد في زقاق يسمى زقاق المولد.
ومنها إتيان منزل خديجة الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسكنه
وخديجة به، وفيه ولدت أولادها منه صلى الله عليه وآله وفيه توفيت، ولم يزل
رسول الله صلى الله عليه وآله مقيما به حتى هاجر، وهو الآن مسجد.
ويستحب أن يزور خديجة عليها السلام بالحجون، وقبرها معروف هناك قريب
من سفح الجبل.
ومنها: إتيان مسجد الأرقم، ويقال للدار التي هو فيها: دار الخيزران، فيه
استتر رسول الله (4) صلى الله عليه وآله في أول الإسلام.
ومنها: إتيان الغار الذي بجبل حراء، الذي كان رسول الله صلى عليه
وآله في ابتداء الوحي يتعبد فيه، وإتيان الغار الذي بجبل ثور، واستتر فيه النبي

(1) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 382.
(2) نفس المصدر.
(3) لا يوجد عندنا كتابه.
(4) في " ز " و " ق ": النبي.
468

صلى الله عليه وآله من المشركين، وهو المذكور في الكتاب العزيز.
ومنها: طواف الوداع، وليكن آخر أعماله بحيث يخرج بعده بلا فصل،
وكيفيته كما تقدم، ويستلم فيه الأركان والمستجار، ويدعو بالمأثور فيه وبعده،
ويصلي ركعتيه. وروي (1) وداع البيت بعد طواف الوداع من المستجار بين
الحجر والباب ثم الشرب من زمزم، وروى (2) قثم بن كعب عن الصادق عليه
السلام جعل آخر عهده وضع يده على الباب. ويقول في خروجه من المسجد
وتوجهه إلى أهله: آئبون تائبون عابدون، لربنا حامدون، إلى ربنا راغبون، إلى
ربنا راجعون.
ومنها: أن يشتري بدرهم شرعي تمرا ويتصدق به قبضة قبضة، ليكون
كفارة لما عساه لحقه في إحرامه من حك أو سقوط قملة أو شعرة ونحوه، وقال
الجعفي (3): يتصدق بدرهم، فلو تصدق ثم ظهر له موجب يتأدى بالصدقة أجزأ
على الأقرب.
ومنها: الخروج من باب الحناطين، وهو باب بني جمح بإزاء الركن الشامي،
والسجود عند الباب مستقبل الكعبة ويطيل سجوده، والدعاء، وليكن آخر
كلامه وهو قائم مستقبل الكعبة: اللهم إني انقلب على لا إله إلا الله.
فروع في طواف الوداع:
من أراد المجاورة بمكة فلا وداع في حقه، فإذا أراد الخروج ودع، ويودع من
كان منزله في الحرم. ولا رمل في هذا الطواف ولا اضطباع، ولا يجب بتركه دم.
ولا طواف على الحائض والنفساء للوداع، وكذا المستحاضة إذا خافت

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب العود إلى منى ح 1 ج 10 ص 231.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب العود إلى منى ح 4 ج 10 ص 233 وفيه المسكين على بابك فتصدق عليه
بالجنة.
(3) لا يوجد لدينا كتابه.
469

التلويث، بل يودعن من باب المسجد الأدنى إلى الكعبة.
ولو خرج من مكة بغير وداع استحب له العود مع الإمكان، سواء بلغ
مسافة القصر أو لا، ولا يحتاج إلى إحرام إذا لم يكن مضى له شهر وإلا احتاج،
وأطلق الفاضل (1) أنه يحرم إذا رجع، وروي (2) أن طواف الوداع كاف لمن
نسي طواف النساء. ولو طهرت الحائض والنفساء بعد مفارقة مكة لم يستحب
لهما العود وإلا استحب.
ولو مكث بعد الطواف بمكة غير مشغول بأسباب الخروج، فالأشبه
استحباب إعادته، ولو كان لاشتغاله بها كالتزود فلا، ولا يعيد (3) للدعاء الواقع
بعده ولا للصلاة بعده بالمسجد، سواء كانت فريضة أو نافلة، ولكن الأفضل أن
يكون آخر عهده الطواف.
ومنها: العزم على العود ما بقي، فإنه من المنشئات في العمر، وليسأل الله
تعالى ذلك عند انصرافه، رزقنا الله تعالى العود إلى بيته الحرام وتكراره في كل
عام بمنه وكرمه.
[118]
درس
مكة أفضل بقاع الأرض ما عدا موضع قبر رسول الله صلى الله عليه وآله،
وروي (4) في كربلاء على ساكنها (5) السلام مرجحات، والأقرب أن مواضع قبور
الأئمة عليهم السلام كذلك، أما البلدان التي هم بها فمكة أفضل منها حتى من
المدينة. وروى صامت (6) عن الصادق عليه السلام أن الصلاة في المسجد

(1) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 395.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 389.
(3) في باقي النسخ: ولا يعيده.
(4) وسائل الشيعة: انظر ب 68 من أبواب المزار ج 10 ص 402.
(5) في " ز ": ساكنيها.
(6) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب أحكام المساجد ح 8 ج 3 ص 537.
470

الحرام تعدل مائة ألف صلاة، ومثله رواه السكوني (1) عنه عن آبائه عليهم
السلام.
واختلفت الرواية (2) في كراهية المجاورة بها واستحبابها، والمشهور
الكراهية، إما لخوف الملالة وقلة الاحترام، وإما لخوف ملابسة الذنوب، فإن
الذنب بها أعظم، قال الصادق عليه السلام (3): كل الظلم فيه إلحاد حتى
ضرب الخادم، قال: ولذلك كره الفقهاء سكنى مكة، وإما ليدوم شوقه إليها
إذا أسرع خروجه منها، ولهذا ينبغي الخروج منها عند قضاء المناسك، وروي (4)
أن المقام بها يقسي القلب.
والأصح استحباب المجاورة للواثق من نفسه لعدم (5) هذه المحذورات، لما
رواه ابن بابويه (6) عن الباقر عليه السلام من جاور بمكة سنة غفر الله له ذنبه
ولأهل بيته ولكل من استغفر له ولعشيرته ولجيرته ذنوب تسع سنين قد مضت.
وعصموا من كل سوء أربعين ومائة سنة، وروي (7) أن الطاعم بمكة كالصائم
فيما سواها، وصيام يوم بمكة يعدل صيام سنة فيما سواها (8)، ومن ختم القرآن
بمكة من جمعة إلى جمعة أو أقل أو أكثر كتب الله له من الأجر والحسنات من
أول جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون، وكذا في سائر الأيام (9).

(1) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب أحكام المساجد ح 7 ج 3 ص 537.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب مقدمات الطواف ح 2 و 5 ج 9 ص 341 و 342.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 340.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب مقدمات الطواف ح 8 ج 9 ص 342.
(5) في بعض النسخ: بعد
(6) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب مقدمات الطواف ح 2 ج 9 ص 340.
(7) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 340.
(8) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب مقدمات الطواف ذيل ح 2 ج 9 ص 382.
(9) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب قراءة القرآن ح 1 ج 4 ص 852.
471

وقال بعض الأصحاب: إن جاور للعبادة استحب، وإن كان للتجارة
ونحوها كره، جمعا بين الروايات (1). وروى محمد بن مسلم (2) عن الباقر عليه
السلام لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكة سنة، وفيها إشارة إلى التعليل بالملل، لأنه
لا يكره أقل من سنة.
ويكره منع الحاج دور (3) مكة، ولا يجعل أهلها على دورهم أبوابا لينزل
الحاج ساحة الدار، وأن يرفع بناء فوق الكعبة، وأن يخرج من الحرمين بعد
ارتفاع النهار قبل أن يصلي الظهرين، وروي (4) جواز استعمال ستارة الكعبة
في المصاحف والوسائد وللصبيان عن الصادق عليه السلام. والطواف للمجاور
بمكة أفضل من الصلاة، والمقيم بالعكس، وتحصل الإقامة بالثالثة.
والمعتصم بالحرم من الجناة لا يستوفى منه فيه، بل يضيق عليه في المطعم
والمشرب ولا يبايع حتى يخرج منه، ولو جنى في الحرم قوبل بجنايته.
ولا يجوز أخذ شئ من تربة المسجد وحصاه، فلو فعل وجب رده إلى موضعه
في رواية محمد بن مسلم (5)، وإلى مسجد في رواية زيد الشحام (6)، وهي
أشبه، والأولى على الأفضلية.
ويحرم الالتقاط في الحرم فيعرفه سنة، فإن وجد مالكه وإلا تصدق به
وضمن في رواية محمد بن مسلم (7) وعلي بن أبي حمزة (8)، وفي باب اللقطة من

(1) لم نعثر عليه.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب مقدمات الطواف ح 5 ج 9 ص 342.
(3) في " م ": من دور.
(4) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 359.
(5) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب مقدمات الطواف ح 2 ج 9 ص 333.
(6) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب مقدمات الطواف ح 5 ج 9 ص 334.
(7) تهذيب الأحكام: ب 94 في اللقطة والضالة ح 1165 ج 6 ص 390.
(8) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب مقدمات الطواف ح 3 ج 9 ص 361.
472

النهاية (1): لا يضمن، وهو قول المفيد (2) وسلار (3) والقاضي (4) وابن حمزة (5)،
ونقله الفاضل (6) عن والده، ولم نظفر بمأخذه من الحديث، والأمر بالصدقة
لا ينافي الضمان، وفي رواية الفضيل بن يسار (7) عن الباقر عليه السلام تلويح
بأن للثقة أخذها ويعرفها.
ويجبر الإمام الناس على الحج وزيارة النبي صلى الله عليه وآله لو تركوهما،
وعلى المقام بالحرمين لو تركوه، فلو لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال،
وروي (8) لو عطلوه سنة لم يناظروا، وروي (9) لنزل عليهم العذاب، وروي (10)
ما تخلف رجل عن الحج إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر.
ولا يعرف أصحابنا كراهة أن يسمى من لم يحج صرورة، ولا أن يقال:
حجة الوداع، ولا استحباب شرب نبيذ السقاية، ولا تحريم إخراج حصى الحرم
وترابه، إلا ابن الجنيد (11) فإنه حرم أخذ حجارة الحرم وتكسيرها وأخذ ترابه
وتفريقه، فإن أخذه وجب رده إلى الحرم، فإن كان جاهلا وتعذر رده إلى الحرم
جعله في أعظم المساجد التي يقدر عليها حرمة، وجوز أخذ الصمغ وورق الطلح

(1) النهاية: ص 320.
(2) المقنعة: ص 646.
(3) المراسم: ص 206.
(4) المهذب: ج 2 ص 567.
(5) الوسيلة: ص 278.
(6) المختلف: ج 1 ص 448.
(7) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب مقدمات الطواف ح 5 ج 9 ص 362.
(8) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 3 ج 8 ص 13.
(9) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 4 و 7 ج 8 ص 14.
(10) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 2 ج 8 ص 97.
(11) لا يوجد لدينا كتابه.
473

كماء زمزم، لأنه لا يتغير أصله بتغير فرعه.
ويكره الاحتباء قبالة البيت واستدباره، والحج والعمرة على الإبل الجلالة
وعلى الزاملة، وترك الحج للموسر أكثر من خمس سنين، وترك العزم على العود
لأنه من قواطع الأجل، وإظهار السلاح بمكة، بل يغيب في جوالق أو يلف عليه شئ.
ويستحب الطواف عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام
وعن الأبوين والأهل والإخوان، يقول في ابتدائه: بسم الله اللهم تقبل من
فلان، وأن يقال للقادم من الحاج: الحمد الله الذي يسر سبيلك وهدى دليلك،
وأقدمك بحال عافية وقد قضى الحج، وأعان على السعة، تقبل الله منك،
وأخلف عليك نفقتك، وجعلها حجة مبرورة ولذنوبك طهورا. وانتظار
أصحاب الحائض طهرها إلا أن تأذن لهم، ودعاؤها في مقام جبرئيل عليه
السلام بعد الغسل ليذهب الحيض.
وصرف المال الموصى به في الحج الواجب متعين، ولو خير الموصي بينه
وبين الصرف في الفاطميين صرفه (1) في الحج، ولو كان الحج ندبا وخير فمفهوم
الرواية (2) أفضلية الصرف فيهم. ويستحب إقلال النفقة في الحج لينشط له،
والاستدانة له فإنه أقضى للدين.
وروى عمر بن يزيد (3) عن الصادق عليه السلام أن النبي صلى الله عليه
وآله حج عشرين حجة، وفي خبر آخر (4) عشر، وما كانت حجة الوداع إلا وقد
حج قبل ذلك، ولا خلاف أنه لم يحج بعد قدوم المدينة سواها، وروي (5) أنه

(1) في باقي النسخ: صرف.
(2) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 4 ج 8 ص 80.
(3) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 7 ج 8 ص 88.
(4) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 11 ج 8 ص 89.
(5) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 5 ج 8 ص 88.
474

صلى الله عليه وآله حج عشر حجج مستترا في كل واحدة ينزل فيبول
بالمأزمين، رواه في موضعين من التهذيب.
وكان على بدن رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع ناجية بن
جندب الخزاعي، وحالق رأسه معمر بن عبد الله بن حارثة القرشي العدوي،
وكانت بدنه ستا وستين، وروي (1) سبع وستون، وبدن علي عليه السلام تمام
المائة، وشركه رسول الله صلى الله عليه وآله في الجميع، فأخذا من كل بدنة
جذوة، ثم طبخت فتحسيا من المرق، ليكونا قد أكلا من الجميع.
ويستحب البدأة للعراقي بالمدينة قبل مكة خوفا من عدم العود، وروي (2)
عن الباقر عليه السلام ابدأ بمكة واختم بالمدينة، وحمل على غير العراقي كالشامي
واليمني.
ومن جعل جاريته هديا للكعبة صرفت قيمتها في معونة المحتاج إلى المعونة
من الحاج.
ويكره الإشارة بترك الحج على المتبرع به وإن كان المستشير ضعيفا، حذرا
من أن يمرض المشير سنة، كما وقع لإسحاق بن عمار (3) وقد أنذره الصادق
عليه السلام بذلك قبله.
وروى عبد الله بن ميمون (4) عن الصادق عليه السلام أن المقام كان
لاصقا بالبيت فحوله الثاني. وروى الحسين بن نعيم (5) عنه عليه السلام أن حد
المسجد ما بين الصفا والمروة، وروى عبد الله بن سنان (6) عنه عليه السلام أن

(1) لم نعثر عليه.
(2) الكافي: انظر باب فضل الرجوع إلى المدينة ج 4 ص 550.
(3) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 1 ج 8 ص 97.
(4) التهذيب: ب 26 في الزيادات في فقه الحج ح 1586 ج 5 ص 454.
(5) وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب أحكام المساجد ح 4 و 3 ج 3 ص 541.
(6) وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب أحكام المساجد ح 4 و 3 ج 3 ص 541.
475

خط إبراهيم عليه السلام يعني المسجد ما بين الحزورة إلى المسعى، وروى
جميل (1) أن الصادق عليه السلام سئل عما زيد في المسجد أمن المسجد؟ قال:
نعم إنهم لم يبلغوا مسجد إبراهيم وإسماعيل، وقال (2): الحرم كله مسجد.
وروى زرارة (3) عن الباقر عليه السلام أن المرتد إذا عاد إلى الإسلام
حسب له عمله في إيمانه. وروى عبد الرحمن بن الحجاج (4) عن أبي الحسن عليه
السلام عليكم بالاحتياط، يعني فيما يرد مما لا تعلمونه من الأحكام. وروى
هشام بن الحكم (5) عن الصادق عليه السلام أن الحرم أفضل من عرفة.
وروى علي بن يقطين (6) عن أبي الحسن عليه السلام أنه لا شئ على
الناظر في فرج المحللة بعد الحلق قبل الطواف، وعن الصادق عليه السلام (7)
في محرم أكل لحم صيد لا يدري ما هو عليه شاة.
[119]
درس
إذا أحصر المحرم بالمرض عن مكة أو الموقفين، بعث هديه المسوق إلى مكة
إن كان معتمرا، ومنى إن كان حاجا، ويواعد نائبه وقتا معينا، فإذا بلغ محله
قصر وتحلل بنيته إلا من النساء، حتى يحج في القابل أو يعتمر مع وجوب الحج
أو العمرة، أو يطاف عنه طواف النساء مع ندبهما، قيل: أو مع عجزه في
الواجب، ولو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له، إذ لا طواف لأجل

(1) وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 541.
(2) لم نعثر عليه.
(3) وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب مقدمة العبادات ح 1 ج 1 ص 96.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب صفات القاضي ح 1 ج 18 ص 112.
(5) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب مقدمات الطواف ح 3 ج 9 ص 381.
(6) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 4 ج 9 ص 275.
(7) وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب كفارات الصيد ح 2 ج 9 ص 250.
476

النساء فيها.
وخير ابن الجنيد (1) بين البعث والذبح (2) حيث أحصر، والجعفي (3) يذبحه
مكانه ما لم يكن ساق، وروى المفيد (4) مرسلا أن المتطوع ينحر مكانه ويتحلل
حتى من النساء، والمفترض يبعث ولا يتحلل من النساء، واختاره سلار (5)
لتحلل الحسين عليه السلام من العمرة المفردة بالحلق والنحر مكانه في حياة أبيه
عليهما السلام، وربما قيل بجواز النحر مكانه إذا أضربه التأخير، وهو في موضع
المنع، لجواز التعجيل مع البعث. ولو لم يكن ساق بعث هديا أو ثمنه.
وقال ابنا بابويه (6): لا يجزئ هدي السياق عن هدي التحلل، وبه قال ابن
الجنيد (7) إذا كان قد أوجبه الله بإشعار أو غيره وإلا أجزأ، والظاهر أنه
مرادهما، لأنه قبل الإشعار والتقليد لا يدخل في حكم المسوق إلا أن يكون
منذورا بعينه أو معينا عن نذره، وقيل: يتداخلان إذا لم يكن السوق واجبا بنذر
أو كفارة وشبهها، وأطلق المعظم التداخل.
ولو كان مشترطا أنفذ ما ساق إجماعا، وإلا سقط عند المرتضى (8) وابن
إدريس (9) وتحلل في الحال، وقال المحقق (10) بتعجيل التحلل، وظاهر الأكثر

(1) المختلف: ج 1 ص 317.
(2) في باقي النسخ: وبين الذبح.
(3) لا يوجد لدينا كتابه.
(4) المقنعة: ص 446.
(5) المراسم: ص 118.
(6) المختلف: ج 1 ص 317، من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 514.
(7) المختلف: ج 1 ص 317.
(8) الإنتصار: ص 104.
(9) السرائر: ج 1 ص 640.
(10) شرائع الإسلام: ج 1 ص 255.
477

مساواته لغير المشترط في وجوب الهدي والتربص، وهو المروي (1).
ثم القضاء يساوي الأداء، فإن كان متعينا بنوع فعله وإلا تخير، وقال
الأكثر: يأتي بمثل ما خرج منه، لصحيحة محمد بن مسلم (2) ورفاعة (3) عن
الصادقين عليهما السلام القارن يدخل بمثل ما خرج منه ويبعث وإن اشترط.
ولو لم يجد هديا ولا ثمنه بقي محرما ولا بدل له، قاله الشيخ (4)، وقال ابن
الجنيد (5): يحل لأنه لم يستيسر له هدي. ولو ظهر أن هديه لم يذبح لم يبطل تحلله
وبعث به في القابل، وهل يمسك عن المحرمات إذا بعث؟ المشهور ذلك
لصحيحة معاوية بن عمار (6).
فروع سبعة:
لو خف التحق، فإن أدرك الوقوف المجزئ وإلا تحلل بعمرة وإن نحر هديه
على الأقرب.
الثاني: لو ظن الخف فله الانفاذ والتربص، فإن أدرك وإلا تحلل بعمرة
مع الفوات وبالهدي لا معه.
الثالث: المحصر قبل التحلل باق على إحرامه، فلو جنى جناية فكغيره، وكذا
لو حلق رأسه لأذى، ولو رفض إحرامه وفعل فعل المحل لم يتحلل ولا كفارة على
الرفض وإن أثم، ويكفر عن جنايته.

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الإحصار والصد ج 9 ص 305.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الإحصار والصد ح 1 ج 9 ص 307.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الإحصار والصد ح 2 ج 9 ص 308.
(4) المبسوط: ج 1 ص 333.
(5) المختلف: ج 1 ص 319.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الإحصار والصد ج 9 ص 305.
478

الرابع: لو أخر التحلل حتى تحقق الفوات فله ذلك، وحينئذ يتحلل بالعمرة،
ويتحلل بالهدي منها لو تعذرت، ولو كان قد ذبح هديه وقت المواعدة
ففي الاجتزاء به أو التحلل بالعمرة وجهان، اعتبارا بحالة البعث أو حالة
التحلل.
الخامس: المعتمر إفرادا يقضي عمرته في زمان يصح فيه الاعتمار ثانيا
فيبنى على الخلاف، ولو كان متمتعا قضاها مع الحج، ولو اتسع الزمان لقضائهما
في عامه وجب.
السادس: يجوز اشتراط التحلل عند وجود مانع من الإتمام، كعدم النفقة
وفوات الوقت أو ضيقه أو ضلال عن الطريق فيتحلل عنده، وفي إلحاق أحكامه
بالمصدود أو بالمحصر أو استقلاله تردد، ويحتمل جواز التحلل وإن لم يشترط كما
ثبت فيهما، لقول الصادق عليه السلام (1): هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل،
فعلى هذا لا ينحصر أسباب التحلل الضروري في الصد والاحصار والفوات.
السابع: لو شرط التحلل عند أحد هذه العوارض بغير هدي أمكن الصحة
عملا بالشرط، فيتحلل بالحلق أو التقصير مع النية، ولو شرط أن يكون حلالا
بنفس العارض أمكن صحته فلا يحتاج إلى تحلل، ولو شرط التحلل عند فوات
الحج بغير العمرة ففي اتباع شرطه احتمال، والأقرب لغو الجميع.
[120]
درس
إذا منع المحرم عدو من إتمام نسكه كما مر في المحصر، ولا طريق غير موضع
العدو، أو وجد ولا نفقة، ذبح هديه أو نحره مكان الصد بنية التحلل فيحل على
الإطلاق، وفي وجوب التقصير أو الحلق قولان، أقربهما الوجوب، ولا فرق في جواز

(1) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الإحرام ح 1 و 2 ج 9 ص 33.
479

التحلل بين المشترط وغيره، صرح به في التهذيب (1)، لرواية زرارة (2) وحمزة بن
حمران (3) عن الصادق عليه السلام، وقول ابن حمزة (4) والمحقق (5) هنا بعيد،
ولا بين العمرة المفردة وغيرها، ولو كان سائغا ففي التداخل ما مر.
وأوجب الحلبي (6) بعث المصدود كالمحصر، وجعله الشيخ في الخلاف (7)
أفضل، وفصل ابن الجنيد (8) بإمكان البعث فيجب وعدمه فينحر مكانه،
وأسقط ابن إدريس (9) الهدي عن المصدود، ويدفعه صحيحة معاوية بن
عمار (10) أن النبي صلى الله عليه وآله حين صده المشركون يوم الحديبية نحر
وأحل، والمرتضى (11) أسقطه مع الاشتراط.
ولا بدل لهدي التحلل، والخلاف فيه مع التعذر كالمحصر. ويجوز التحلل في
الحل والحرم بل في بلده، إذ لازمان ولا مكان مخصوصين فيه.
ويتحقق الصد بالمنع عن مكة في إحرام العمرة وبالمنع عن الموقفين أو
أحدهما مع فوات الآخر في إحرام الحج، ولا يتحقق بالمنع عن مناسك منى، وفي
تحققه بالمنع عن مكة بعد الموقفين والتحلل أو قبله نظر، أقربه عدم تحققه في

(1) التهذيب: ب 7 في صفة الإحرام ج 5 ص 80.
(2) التهذيب: ب 7 في صفة الإحرام ح 267 ج 5 ص 80.
(3) التهذيب: ب 7 في صفة الإحرام ح 266 ج 5 ص 80.
(4) الوسيلة: ص 194.
(5) شرائع الإسلام: ج 1 ص 255.
(6) الكافي في الفقه: ص 218.
(7) الخلاف: ج 1 ص 443.
(8) المختلف: ج 1 ص 318.
(9) السرائر: ج 1 ص 641.
(10) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الإحصار والصد ح 5 ج 9 ص 313.
(11) الإنتصار: ص 104.
480

الأول، فيبقى على إحرامه بالنسبة إلى الطيب والنساء والصيد لا غير حتى يأتي
بالمناسك، ويتحقق في الثاني، فيتحلل ويعيد الحج من قابل، ويلوح من كلام
ابن الجنيد (1) التحلل والاجتزاء بقضاء باقي المناسك، وقال ابن حمزة (2):
يستنيب فيها ولم يذكر التحلل، ولو منع عن سعي العمرة أمكن التحلل، لعدم
إفادة الطواف شيئا.
ولو ظن انكشاف العدو تربص ندبا، فإن استمر تحلل بالهدي إن لم يتحقق
الفوات وإلا فبالعمرة، ولو عدل إلى العمرة مع الفوات فصد عن إتمامها تحلل
أيضا، وكذا لو قلنا: ينقلب إحرامه إليها بالفوات، وعلى هذا لو صار إلى بلده
ولما يتحلل وتعذر العود في عامه لخوف الطريق فهو مصدود، فله التحلل
بالذبح والتقصير في بلده.
ولو كان العدو يندفع بالقتال لم يجب وإن ظن الظفر، ويجوز إذا كانوا
مشركين، ومنعه الشيخ (3) التفاتا إلى إذن الإمام في الجهاد، ويندفع بأنه نهي
عن منكر، ولو كانوا مسلمين فالأولى ترك قتالهم، ولو فعله جاز من حيث
النهي عن المنكر، ولو ظن العطب أو تساوى الاحتمالان سقط في الموضعين.
ولو بدأوا بالقتال وجب دفاعهم مع المكنة في الموضعين، فإن لبسوا جنة
القتال كالجباب والجواشن والمخيط فعليهم الفدية، ولو طلبوا مالا ففيه ما سلف
في الشرائط، ولو لم يوثق بهم لم يجب قطعا، والشيخ (4) لم يوجب على التقديرين
وإن قل، والفاضل (5) إذا كثر كره دفعه إن كان العدو كافرا للصغار.

(1) المختلف: ج 1 ص 318.
(2) الوسيلة: ص 194.
(3) المبسوط: ج 1 ص 334.
(4) نفس المصدر.
(5) المنتهى: ج 2 ص 849.
481

ويجب قضاء الحج والعمرة بعد التحلل إذا كانا مستقرين، وإلا وجب إن
بقيت الاستطاعة، سواء قضاه (1) في عامه أو لا، ولو كان الأصل ندبا استحب
القضاء، والتسمية بالقضاء في مواضعه مجاز، لعدم الوقت المحدود.
فروع ستة:
لا فرق بين الصد العام والخاص بالنسبة إلى المصدود، فلو حبس الظالم
بعض الحاج تحلل، ولو (2) كان بحق وهو قادر عليه لم يتحلل، وإلا تحلل، ولو
كان عليه دين يحل قبل قدوم الحاج فمنعه صاحبه من المضي تحلل.
الثاني: لو أحاط العدو بهم جاز التحلل، لأنه زيادة في العذر، ولأنهم
يستفيدون به الأمن ممن أمامهم.
الثالث: لو صد عن الموقفين دون مكة فله التحلل والمصابرة، فإن فات
الحج فالعمرة، ولا يجوز فسخه إلى العمرة قبل الفوات كما جاز فسخ حج الإفراد
إلى العمرة ابتداء، لأن المعدول إليه هناك عمرة التمتع المتصلة بالحج، فهو
عدول من جزء إلى كل، بخلاف هذه الصورة فإنه إبطال للحج بالكلية، نعم لو
كان الحج ندبا إفرادا أمكن ذلك، لأنه يجوز له التحلل لا إلى بدل فالعمرة
أولى.
الرابع: لا يجب على المصدود إذا تحلل بالهدي من النسك المندوب حج
ولا عمرة، ولا يلزم من وجوب العمرة بالفوات وجوبها بالتحلل، إذ ليس التحلل
فواتا محضا.
الخامس: لو أحرم الرق بغير إذن سيده حلله من غير هدي، وكذا لو أذن له
في نسك فأتى بغيره، وإن كان عدولا إلى الأدنى، كما لو أذن له في الحج

(1) في " م ": قضى.
(2) في " م ": وإن.
482

فاعتمر، أو في التمتع فقرن على مذهب ابن أبي عقيل، لأنه يسقط عنه سعي
الحج عنده لتحقق المخالفة، مع احتمال المنع، وكذا لو قرن على مذهب الجعفي،
والاحتمال فيه أقوى، لعدم الفرق بينهما إلا في تعجيل التحلل. هذا إذا كان
السياق لا من مال السيد إن جوزناه من الأجنبي، وإلا فله تحليله قطعا، لأن
القران بغير سياق باطل بإجماعنا والمتمتع لم ينوه.
ولو أذن له في الإحرام في وقت فقدمه فله تحليله قبل حضور الوقت المأذون
فيه، وفي ما بعده تردد، التفاتا إلى مصادفة المأذون فيه، وإلى أن أصله وقع فاسدا،
والأول مختار الفاضل (1)، والأشبه الثاني.
السادس: لو اجتمع الإحصار والصد فالأشبه تغليب الصد، لزيادة التحلل
به، ويمكن التخيير، وتظهر الفائدة في الخصوصيات، والأشبه جواز الأخذ
بالأخف من أحكامهما، ولا فرق بين عروضهما معا أو متعاقبين، نعم لو عرض
الصد بعد بعث المحصر، أو الإحصار بعد ذبح المصدود ولما يقصر، ففي ترجيح
جانب السابق قوي، وهنا لواحق متفرقة.
[121]
درس
صرح في ثامن ضروب الحج من التهذيب (2) جواز الحج ندبا والصلاة ندبا
والزكاة ندبا لمن عليه واجب، والتمتع للمكي في الحج المندوب أفضل. وإشعار
الإبل وهي باركة ونحرها قائمة، ويستقبل بها حال الإشعار القبلة، ويتولاه
بنفسه تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله (3)، ويقول: بسم الله اللهم منك ولك
تقبل مني. فإن عقد به الإحرام فليكن في الميقات بعد غسله ولبس ثوبيه

(1) التذكرة: ج 1 ص 397.
(2) التهذيب: ب 4 ضروب الحج ذيل ح 92 ج 5 ص 30.
(3) وسائل الشيعة: ب 36 ح 3، ب 35 ح 3 من أبواب الذبح ج 10 ص 135 - 136.
483

وصلاة الإحرام، ولو لم يتمكن من السوق ثم تمكن فحيث يمكن يشعر أو يقلد.
واشترط ابن الجنيد (1) أن تكون النعل قد صلى فيها مهديه، ويلوح منه أن السير
والخيط مما صلى فيه، لأن تقليد الغنم بخيط أو سير جائز.
وفسر الصادق عليه السلام (2) لسفيان الثوري قوله تعالى: " تلك عشرة
كاملة " (3) أن كمالها كمال الأضحية، أي هما سواء في الكمال، وروى
معاوية (4) عنه تسميته طواف النساء طواف الزيارة. وصرح المفيد (5) رحمه الله
بتقديم القارن والمفرد طوافهما وسعيهما، وهو في صحيح حماد بن عثمان (6)
والحلبي (7) عنه عليه السلام، ورواه عن الباقر عليه السلام زرارة (8).
وفي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (9) عن الصادق عليه السلام إحرام المجاور (10)
بحجه من الجعرانة بكسر الجيم وكسر العين، وقال (11) الباقر عليه السلام (12) لمن
أحرم قبل الميقات: لا يعرض لي بابان كلاهما حلال إلا أخذت باليسير إن الله
يحب اليسر ويعطي على اليسر ما لا يعطي على العنف، وفيه تلويح بصحته،
ولأنه لم يأمره بالإعادة، إلا أنه معارض بنحو رواية إبراهيم الكرخي (13)

(1) لا يوجد لدينا كتابه.
(2) التهذيب: ب 4 ضروب الحج ح 120 ج 5 ص 40.
(3) سورة البقرة: الآية 196.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 13 ج 8 ص 156.
(5) لم نعثر عليه.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أقسام الحج ح 1 ج 8 ص 204.
(7) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب أقسام الحج ح 4 ج 8 ص 203.
(8) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أقسام الحج ح 2 ج 8 ص 204.
(9) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 5 ج 8 ص 192.
(10) في " ز ": المجاور مكة.
(11) في " ق " قال.
(12) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب المواقيت ح 7 ج 8 ص 235.
(13) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب المواقيت ح 2 ج 8 ص 231.
484

المتضمنة لعدم الانعقاد، فتحمل الأولى على النذر أو التقية.
وروى عبد الله بن سنان (1) الإحرام للمدني من ستة أميال إذا لم يأت
الشجرة، وروي (2) أن الصادق عليه السلام أخر الإحرام عن الشجرة إلى
الجحفة للمرض، وروى أبو شعيب المحاملي (3) مرسلا تأخير المضطر إلى الحرم.
ولم أقف الآن على رواية بتحريم غير المخيط، إنما نهي (4) عن القميص
والقباء والسراويل، وفي صحيح معاوية (5) لا تلبس ثوبا تزره ولا تدرعه
ولا تلبس سراويل، وتظهر الفائدة في الخياطة في الإزار وشبهه.
وروى علي بن أبي حمزة (6) عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام أن
الحائض لا تقدم طواف النساء، فإن أبت الرفقة الإقامة عليها استعدت عليهم،
والأصح جوازه لها ولكل مضطر، رواه الحسن بن علي (7) عن أبيه عنه، وفي
الرواية الأولى إشارة إلى عدم شرعية استنابة الحائض في الطواف، كما يقوله
متأخرو الأصحاب في المذاكرة.
وقد روى الكليني (8) في الحسن عن الصادق عليه السلام في امرأة
حاضت ولم تطف طواف النساء، فقال: لا يقيم عليها جمالها ولا تستطيع أن
تتخلف عن أصحابها تمضي وقد تم حجها، وهو لا ينافي إعادة الطواف من
قابل، وهو دليل أيضا على عدم استنابتها، ويؤيده أيضا ما رواه عن أبي

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب المواقيت ح 1 و 3 ج 8 ص 230.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب المواقيت ح 4 ج 8 ص 229.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب المواقيت ح 3 ج 8 ص 241.
(4) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب تروك الإحرام ح 1 و 2 ج 9 ص 125.
(5) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب تروك الإحرام ح 2 چ 9 ص 115.
(6) وسائل الشيعة: ب 64 من أبواب الطواف ح 5 ج 9 ص 474.
(7) وسائل الشيعة: ب 64 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 473.
(8) وسائل الشيعة: ب 84 من أبواب الطواف ح 13 ج 9 ص 500.
485

الحسن (1) في امرأة حاضت فخافت أن يفوتها الحج تتحمل بقطنة بماء اللبن فانقطع، وروي (2) أيضا أنها تدعو لانقطاعه.
وروى إسحاق بن عمار (3) عن أبي الحسن عليه السلام ما رأيت الناس
أخذوا عن الحسن والحسين عليهما السلام إلا الصلاة بعد العصر وبعد الغداة في
طواف الفريضة، وروى محمد بن مسلم (4) عن الباقر عليه السلام في ركعتي
طواف الفريضة أكرهه عند اصفرار الشمس عند طلوعها، وروى (5) غيره
أيضا ذلك، ويعارضها رواية ميسر (6) عن الصادق عليه السلام وغيرها.
ولا يجوز التقدم إلى منى على التروية بأزيد من ثلاثة أيام، قاله المفيد (7)،
لرواية إسحاق بن عمار (8) عن أبي الحسن عليه السلام، وروى عبد الرحمان بن
الحجاج (9) عنه عليه السلام أن أباه كان يقول: ذو الحجة كله من أشهر الحج.
وروى السكوني (10) بإسناده إلى علي عليه السلام في المحرم والمحل يقتلان صيدا،
على المحرم الفداء وعلى المحل نصف الفداء، وروى أبو بصير (11) عن الصادق عليه
السلام في بيضة النعامة شاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، فإن لم يستطع

(1) وسائل الشيعة: ب 92 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 508.
(2) وسائل الشيعة: ب 93 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 508.
(3) وسائل الشيعة: ب 76 من أبواب الطواف ح 4 ج 9 ص 587.
(4) وسائل الشيعة: ب 76 من أبواب الطواف ح 7 ج 9 ص 488.
(5) وسائل الشيعة: ب 76 من أبواب الطواف ح 12 ج 9 ص 489.
(6) وسائل الشيعة: ب 76 من أبواب الطواف ح 6 ج 9 ص 488.
(7) لم نعثر عليه.
(8) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ح 1 ج 10 ص 4.
(9) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب الذبح ح 4 ج 10 ص 165.
(10) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب كفارات الصيد ح 1 ج 9 ص 212.
(11) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب كفارات الصيد ح 3 ج 9 ص 215.
486

فإطعام عشرة مساكين إذا أصابه وهو محرم، وهو محمول على بيض اشتراه
نضيجا أو مكسورا وإلا وجب الإرسال، وروى زرارة (1) عن أحدهما عليهما
السلام إن قتل الصبي المحرم صيدا فعلى أبيه. واليوم المشهود يوم عرفة، ويوم
الحج الأكبر يوم النحر.
[122]
درس
روى الكليني عن زرارة (2) أيضا عن أحدهما عليهما السلام أن الجمار ركن
يرمين كلهن يوم النحر ثم ترك ذلك، وعن حمران (3) أن الباقر عليه السلام
كان يرميهن جمع يوم النحر.
وعن معاوية بن عمار (4) عن الصادق عليه السلام المعتمر إذا ساق الهدي
يحلق قبل الذبح، وروى (5) أيضا عنه النحر قبل الحلق، ومثله رواه زرارة (6)،
وروى معاوية (7) أيضا أن الحزورة بين الصفا والمروة.
وعن الحلبي (8) عن الصادق عليه السلام إذا لبى من لا يريد الحج بحج أو
عمرة فليس بشئ ولا ينبغي له أن يفعل، وروى البزنطي (9) مرسلا عن
الصادق عليه السلام أعظم الناس وزرا من وقف وسعى وطاف وصلى ثم

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 5 ج 8 ص 208.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 2 ج 10 ص 82.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 3 ج 10 ص 82.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الحلق والتقصير ح 2 ج 10 ص 181.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الحلق والتقصير ح 1 ج 10 ص 181.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الحلق والتقصير ح 3 ج 10 ص 181.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الذبح ح 4 ج 10 ص 93.
(8) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الإحرام ح 4 ج 9 ص 25.
(9) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 8 ج 8 ص 66.
487

ظن أن الله لم يغفر له.
وعن الفضيل بن يسار (1) عن أحدهما عليهما السلام من حج ثلاث ولاء
فهو بمنزلة مدمن الحج وإن لم يحج، وروى عمر بن يزيد (2) عن الصادق عليه
السلام لا يلي الموسم مكي. والدفن في الحرم أفضل من عرفات ولو مات بها،
رواه علي بن سليمان (3).
وروى داود الرقي (4) عن الصادق عليه السلام أنه شكا إليه غريما له
خاف توى ماله عليه، فأمره بالطواف عن عبد المطلب وعبد الله وأبي طالب
وآمنة وفاطمة بنت أسد، كل واحد منهم أسبوعا وركعتيه، ثم الدعاء برد ماله،
ففعل فإذا غريمه واقف على باب الصفا لإيفائه.
وحافظ متاع القوم حتى يطوفوا أعظمهم أجرا عن الصادق عليه
السلام (5)، [وعنه (6) العقود عند المريض أفضل من الصلاة في مسجد النبي
صلى الله عليه وآله] (7)، وعنه عليه السلام (8) من سبق إلى موضع فهو أحق به
يومه وليلته، ومن أماط أذى من طريق مكة كتب الله له حسنة ومن كتب له
حسنة لم يعذبه (9)، ولا يزال العبد في حد الطواف ما دام حلق الرأس عليه (10).

(1) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 9 ج 8 ص 89.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ح 2 ج 10 ص 7.
(3) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب مقدمات الطواف ح 2 ج 9 ص 381.
(4) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب الطواف ح 3 ج 9 ص 461.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 399.
(6) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الطواف ح 2 ج 9 ص 400.
(7) ما بين المعقوفتين أثبتناه من بقية النسخ.
(8) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 542.
(9) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 385.
(10) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الحلق والتقصير ح 1 ج 10 ص 191.
488

وروى الحسين بن مسلم (1) عن أبي الحسن عليه السلام يوم الأضحى يوم
الصوم ويوم عاشوراء يوم الفطر.
وروى الصدوق (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أن الله تبارك وتعالى حول
الكعبة عشرين ومائة رحمة، منها ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون
للناظرين، وروى (3) أيضا أن من صلى في المسجد الحرام صلاة واحدة قبل الله
منه كل صلاة صلاها وكل صلاة يصليها إلى أن يموت.
وإذا رد النائب فاضل الأجرة استحب للمستأجر ترك أخذه، رواه
الصدوق (4)، وروى (5) أيضا أن النائب إذا مات قبل الفعل ولا مال له أجزأ
عن الميت، وإن كان له عند الله حجة أثبتت لصاحبه، وقال الصادق عليه
السلام (6) لمن حج عن إسماعيل: لك تسع وله واحدة، وحجة الجمال
والتاجر والأجير تامة.
ويؤخر الإحرام بالصبي عند البرد إلى العرج، فإن شق فالجحفة، فإن شق
فبطن مر، وكان علي بن الحسين عليه السلام (7) يضع السكين في يد الصبي
ويقبض الرجل على يده فيذبح.
ومن أدان وحج قضى دينه، والمؤمن محرم المؤمنة، لقوله تعالى: " والمؤمنون
والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " (8)، واستنابة الرجل عن المرأة أفضل، ويجوز

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 6 ج 7 ص 206.
(2) الفقيه: باب فضائل الحج ح 2153 ج 2 ص 207.
(3) الفقيه: باب فضل المساجد ح 681 ج 1 ص 228.
(4) الفقيه: ح 2868 ج 2 ص 422.
(5) الفقيه: ح 2871 ج 2 ص 423.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب النيابة في الحج ح 8 ج 8 ص 116.
(7) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الذبح ح 2 ج 10 ص 137.
(8) سورة التوبة: الآية 71.
489

للوصي في الاستئجار للحج مباشرته، ولو شك الوارث في حج المورث حج عنه، إذا علم أنه قد وجب عليه واستقر، ويجوز أن يتمتع عن واحد ويحج عن آخر،
وأفتى به الجعفي (1)، ولو أحرم في شهر وأحل في آخر كتب له أفضلهما، ويجوز
تشريك الغير في الحج ندبا ولو بعد فراغه.
[123]
درس
من كلام ابن الجنيد قال (2): روى ابن عباس (3) أن النبي صلى الله عليه
وآله قال: إذا حج الأعرابي ثم هاجر فعليه أخرى، ولعله على الندب. وجعل
عسفان ميقاتا لمن دخل مفردا للعمرة إذا أراد أن يتمتع بعمرة، وخير بينه وبين
ذات عرق، وجعل ميقات أهل مكة لحجهم الجعرانة. واستحب أن يكون في
أول ذي الحجة، وكذا المجاور ما لم يتجاوز المكي الحرم فلا عمرة عليه لدخوله.
ولا يجزئ الإحرام بغير صلاة إلا للحائض.
وفائدة الاشتراط إباحة تأخير قضاء النسك، ولولاه لوجب المبادرة في أول
أوقات الإمكان. والاحتياط لمن أراد التمتع أن ينوي المتعة ويهل بالحج. وليكثر
من لبيك ذا المعارج، لأن فيها إثبات فضيلة رسول الله صلى الله عليه وآله في
الإسراء. ولا بأس بالمراوحة بين الأثواب إذا كان قد أخرج جميعها عند
الميقات.
ولو وطئ بعير الراكب ليلا شيئا في وكره بغير عمد فلا جزاء عليه، مع أنه
قال: لا فرق بين العامد وغيره، ويمكن إخراج هذا للحرج كما لو ملأ الجراد
الطرق.

(1) لا يوجد لدينا كتابه.
(2) لا يوجد لدينا كتابه.
(3) سنن البيهقي: باب إثبات فرض الحج 4 ص 325.
490

وقال: لو علم أن النعامة ذات فراخ أهدى بدنة ذات جنين ونحرهما جميعا،
وفي أكل الجراد عمدا دم ومعناه إذا كان على الرفض لإحرامه، وقال: لو
اجتمعت في الصيد الواحد أفعال يوجب كل منها الجزاء بانفراده لم تتداخل،
كما لو أشار إلى صيد حتى صيد، ثم أعان عليه حتى ذبح، ثم أكل منه، ثم
أطعم.
ومن نفر طيور الحرم كان عليه لكل طائر ربع قيمته، ولم يذكر العود
ولا عدمه، وإذا أحرم وفي ملكه صيد خلاه خارج الحرم، فإن أدخله وجب
تخليته إن كان ممتنعا، وإلا حفظه حتى يمتنع. قال: ولا يستحب أن يحرم وفي
يده صيد ولا لحم صيد، وقيد في الميتة المقدمة على الصيد للقادر على الفداء بأن
يكون مباحا أكلها بالذكاة وإلا أكل الصيد.
وقال: لا يصلي إذا دخل المسجد تطوعا حتى يطوف ويصلي له ويسعى،
ولو طاف في ما ليس له لبسه في إحرامه افتدى عن كل ثوب بدم، وهو مخالف
للمشهور، وجعل استئناف طواف الفريضة عند قطعه أحوط، وجوز البناء
ولكن يبتدئ بالحجر، وكذلك الساعي يبتدئ بالصفا أو بالمروة لو قطعه في
أثناء الشوط، ولو ابتدأ بالسعي قبل الطواف أعاده بعده، فإن فاته ذلك قدم،
والمشهور وجوب الإعادة مطلقا.
ولا يحل الطيب بالحلق لمكي أخر إحرامه إلى يوم التروية، وعلى الإمام أن
يمضي للطوافين والسعي من منى ليومه، ويعود حتى يصلي بالناس الظهر بمنى،
ولا يؤخر المتمتع الزيارة عن يوم النحر، وكذا من بحكمه، وهو المكي الذي أخر
إحرامه إلى يوم التروية.
قال: وروي عن أبي جعفر عليه السلام (1) الإتمام في الثلاثة الأيام بمنى

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب صلاة المسافر ح 3 ج 5 ص 554.
491

للحاج، وأرى ذلك إذا نوى مقام خمسة أيام أولها أيام منى، وهو شاذ. ومن تعذر
حمله إلى الجمرة يرمي بالحصى في يد غيره مكبرا مع كل حصاة، ويفصل بين
كل سبع منها بدعاء، ثم يأمر الغير بالرمي. ومن نفر في الأول لم يقرب الصيد
حتى يمضي اليوم الثالث. ويحرم إجارة بيوت مكة فيدفع الحاج الأجرة عن
حفظ رحله.
وتجب الأضحية على البالغ مرة واحدة والاستحباب في كل سنة، ويجوز
التبرع بها عن الغير، ويستحب كون الأضحية من غالب قوت بلد الضحية،
فإن اشترك فمن أعلاها، ويجوز أن يشرك فيها من يشاء من أهله وغيره حاضرا
أو غائبا، إلا من لا يجوز توليه في الدين أو من يريد أن لا يهدي نصيبه منه.
ويكره التعرض للصوف والشعر واللبن من الأضحية الواجبة، ولا بأس به
في التطوع، ولا يذبح أمام المصر إلا في المصلى بعد خطبته، وروت أم سلمة (1)
أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا أهل هلال ذي الحجة وأراد أحدكم
أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره.
والفرعة والعتيرة والبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي التي كانت الجاهلية
توجبها في مواسمها منسوخة بالهدي والأضحية والعقيقة، ويفهم من هذا أنها
كانت مشروعة والقرآن ينفيه، إلا أن يعني بالنسخ الرفع المطلق.
[124]
درس
منع ابن إدريس (2) من الإحرام عمن زال عقله، لسقوط الحج عنه، وجوز
ذلك عنه من الولي جماعة، وهو المعتمد، ولا يلزم من سقوط التكليف عنه عدم

(1) سنن ابن ماجة: باب 11 من كتاب الأضاحي ح 3149 ج 2 ص 1052.
(2) السرائر: ج 1 ص 620.
492

الاعتداد به، كإحرام الصبي المميز والاحرام بغير المميز، وتظهر الفائدة لو زال
المانع قبل الوقوف. وقال: لا يكره الإحرام في الكتان وإن كره التكفين فيه.
ولو قتل الطير الأهلي غرم لصاحبه قيمته السوقية، وتصدق بقيمته الشرعية
على المساكين، ويشكل إذا كان في الحل، نعم لو كان في الحرم كالقماري
وقال بملكه أمكن ما قاله، وكذا إذا أراد بالقيمة الفداء. وفي فرخ النعامة إبل في
سنه، ونقل عن بعض الأصحاب أن في الفرخ إذا تحرك في بيضة الحمامة شاة.
وقال سلار (1) في الوداع: من السنة المتأكدة صلاة ركعتين فما زاد بإزاء
كل ركن، آخرها الركن الذي فيه الحجر، وعد (2) من موجبات الدم الإحرام
بالعمرة في رجب ثم المقام بمكة حتى يحرم (3) منها للرواية (4) السالفة، ومنع
المستحاضة من دخول الكعبة (5).
ومن فتاوى الجعفي (6) يجوز للمدني تأخير الإحرام إلى الجحفة، ويجوز لمريد
الإحرام التطيب بما ليس فيه مسك ولا عنبر، وهما ضعيفان، ولا يلبس ثوبا
مخيطا يتدرعه.
ولو عجز عن بدنة النعامة أطعم ثلاثين مسكينا، فإن عجز صام ثمانية عشر
يوما، وفي بقرة البقرة يعجز عنها الصدقة على ثمانية عشر مسكينا، فإن عجز
صام تسعة أيام، وفي شاة الظبي يعجز عنها الصدقة على عشرة مساكين، فإن
عجز صام ثلاثة أيام، وفي شاة الثعلب والأرنب يعجز عنها صيام ثلاثة أيام،
وكلها متروكة.
وفي اليحمور والأيل ونحوهما ما في حمار الوحش وهي بقرة، ولم يذكره
الأصحاب، ومن نتف ريش طير في الحرم تصدق على مسكين باليد الناتفة،

(1) المراسم: ص 117.
(2) المراسم: ص 120 - 121.
(3) في " ز ": يحرم بالحج.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب العود إلى منى ح 3 ج 10 ص 231.
(5) المراسم: ص 123.
(6) لا يوجد لدينا كتابه.
493

وعليه أن يمسكه ويعلفه حتى ينبت، وفي بغاث الطير مد، وفي العصفور (1) والقبرة
والفاختة والحجلة واليعفور جدي، وهو شاذ.
وقال: لو عجز عن الإرسال في بيض الحمام والطير ففي كل بيضة شاة، ثم
إطعام عشرة مساكين، ثم صيام ثلاثة أيام، وجوز الظلال للصبيان، وجعل
المشي أفضل من الركوب، والحفا أفضل من الانتعال، ويجعل بينه وبين جمرة
العقبة عشرين ذراعا.
وقال أبو الصلاح الحلبي (2): ميقات المجاور ميقات بلده، ويجوز له الإحرام
من الجعرانة، وإن ضاق الوقت فمن خارج الحرم، وميقات المعتمر ميقات
أهله، فإن اعتمر من مكة فخارج الحرم، وميقات أهله أفضل، ومن منزله بين
الميقات ومكة إحرامه من الميقات أفضل، وأهل مكة مخيرون بين سائر
المواقيت، وأوجب في قتل الزنابير صاعا، وفي قتل الكثير دم شاة.
وقال المفيد رحمه الله (3): في الزنبور تمرة، فإن قتل كثيرا منها تصدق بمد من
طعام أو مد من تمر، وقال (4): يكره للمحرم أن يأكل من يد امرأته أو أمته
شيئا تلقمه إياه، ويسقط المشي عن ناذره بعد طواف النساء، وروى المفيد (5)
عن الصادق عليه السلام سقوطه إذا رمى جمرة العقبة.
ومن فروع المبسوط (6): يكره للمحرم لبس الثياب المعلمة بالإبريسم
وخطبة النساء، ولو وطئ العاقد محرما لزمه المسمى إن سمى وإلا فمهر المثل،
والأقرب مهر المثل وإن سمى، ولا تبطل الإجارة المطلقة بالتأخير، وليس

(1) في " ز ": الصعوة.
(2) الكافي في الفقه: ص 202.
(3) المقنعة: ص 438.
(4) المقنعة: ص 434.
(5) المقنعة: ص 449.
(6) المبسوط: ج 1 ص 320.
494

للمستأجر فسخها، وقد مر ثبوت الخيار.
ويدخل أغنياء الحاج في الوصية للحاج، وإن كان الفقراء أفضل، ولو
قال: من حج عني فله عبد أو دينار أو درهم فحج تخير الجاعل في دفع واحد
منها، ويحتمل أجرة المثل للجهالة.
وقال: في الزنبور تمرة، فإن قتل كثيرا منها تصدق بمد من طعام أو مد من
تمر، وقال: يحرم الدبا كالجراد، ويشكل بعدم تحليله، ويحرم البيض الذي
يكسره المحرم، والأقرب حله.
وفي الخلاف (1): لا يحرم صيد و ج وهو مكان بالطائف ولا يكره للأصل،
وهو بالواو والجيم المشددة.
[125]
درس
ينبغي للإمام الأعظم إذا لم يشهد الموسم نصب إمام عليه في كل عام، كما
فعل النبي صلى الله عليه وآله (2) من تولية علي عليه السلام سنة تسع على
الموسم وأمره بقراءة براءة، وكان قد ولى غيره فعزله عن أمر الله تعالى، وولي
علي عليه السلام على الحج أيام ولايته الظاهرة. وروى ابن بابويه (3) عن
العمري أن المهدي عليه السلام يحضر الموسم في كل سنة، يرى الناس ويرونه
ويعرفهم ولا يعرفونه. ويشترط في الوالي العدالة والفقه في الحج، وينبغي أن
يكون شجاعا مطاعا ذا رأي وهداية وكفاية.
وعليه في مسيره أمور خمسة عشر: جمع الناس في سيرهم ونزولهم حذرا من
المتلصصة، وترتيبهم في السير والنزول، وإعطاء كل طائفة معتادا في السير

(1) الخلاف: ج 1 ص 442.
(2) وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 463.
(3) كمال الدين: باب من شاهد القائم (ع) ح 8 ج 2 ص 440.
495

وموضعا من النزول، ليهتدي ضالهم إليهم، وأن يرتاد لهم المياه والمراعي، وأن
يسلك بهم أوضح الطرق وأخصبها وأسهلها مع الاختيار.
وأن يحرسهم في سيرهم (1) ونزولهم، ويكف عنهم من يصدهم عن المسير ببذل
مال أو قتال مع إمكانه، ولو احتاج إلى خفارة بذل لها أجرة، فإن كان هناك
بيت مال أو تبرع به الإمام أو غيره فلا بحث، وإن طلب من الحجيج فقد مر
حكمه، وأن يرفق بهم في السير على سير أضعفهم، وأن يحمل المنقطع منهم من
بيت المال أو من الوقف على الحاج إن كان، وإلا فهو من فروض الكفاية.
وأن يراعي في خروجه الأوقات المعتادة، فلا يتقدم بحيث يؤدي إلى فناء
الزاد، ولا يتأخر فيؤدي إلى النصب أو فوات الحج، وأن يؤدب الجناة حدا أو
تعزيرا إذا فوض إليه ذلك، وأن يحكم بينهم إن كان أهلا، وإلا رفعهم إلى
الأهل.
وأن يمهلهم عند الوصول إلى الميقات ريثما يتهيؤا له بفروضه وسننه، ويمهلهم
بعد النفر لقضاء حوائجهم من المناسك المتخلفة وغيرها، وأن يقيم على الحائض
والنفساء كي ما تطهرا، روي (2) نصا، وأن يسير بهم إلى زيارة النبي والأئمة
عليهم السلام، ويمهلهم بالمدينة بقدر أداء مناسك الزيارات والتوديع وقضاء
حاجاتهم.
وعليه في إمامة المناسك أمور: الإعلام بوقت الإحرام ومكانه وكيفيته،
وكذا في كل فعل ومنسك، والخطب الأربع تتضمن أكثر ذلك، ولتكن الأولى
بعد صلاة الظهر من اليوم السابع من ذي الحجة وبعد إحرامه لمكان تقدمه إلى
منى، والثانية يوم عرفة قبل صلاة الظهر، والثالثة يوم النحر، والرابعة في النفر
الأول.

(1) في " ز " مسيرهم.
(2) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب آداب السفر إلى الحج ح 1 ج 8 ص 305.
496

وكلها مفردة إلا خطبة عرفة فإنها اثنتان، ويعرفهم في الأولى كيفية
الوقوف وآدابه ووقت الإفاضة ومبيت المزدلفة ووقت الإفاضة منها، ويحضهم
على الدعاء والأذكار، ثم يجلس جلسة خفيفة كالأولى، ويقوم إلى الثانية فيأتي
بها مخففة، بحيث يفرغ منها بفراغ المؤذن من الأذان والإقامة، وصرح الشيخ في
الخلاف (1) بأن الخطبة قبل الأذان، قال ابن الجنيد (2): وروي عن الصادق
عليه السلام (3) أن النبي صلى الله عليه وآله خطب بعرفة بعد الصلاة، وأنه
خطب الرابعة في غد يوم النحر.
وتقدمه في الخروج إلى منى ليصلي بها الظهرين، وتخلفه فيها حتى تطلع
الشمس، وكذا يتخلف بجمع حتى تطلع ولا يلبث بعد طلوعها، وتقدمه يوم
النحر في الإفاضة إلى مكة، ثم يعود ليومه ليصلي الظهرين بالحجيج في منى،
وتأخره بمنى إلى النفر الثاني، ثم يتقدم الصلاة الظهرين بمكة، وأمر أهل مكة
بالتشبه بالمحرمين أيام الموسم، وإمامة الحجيج في الصلوات وخصوصا الصلوات
التي معها الخطب.
وعلى الناس طاعته في ما يأمر به، ويستحب لهم التأمين على دعائه، ويكره
التقدم بين يديه فيما ينبغي التأخر عنه وبالعكس، ولو نهى حرم.
وعليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخصوصا فيما يتعلق بالمناسك
والكفارات، ولو كان الحكم مختلفا فيه بين علماء الشيعة فليس له أن يأمرهم
باتباع مذهبه إذا لم يكن الإمام الأعظم أو من أخذ عنه، إلا أن يكون الخطأ
ظاهرا فيه لندور القول، فله رد معتقده.
ويجوز أن يتولى الإمام الواحد وظائف السفر وتأدية المناسك وأن يفوضا

(1) الخلاف: ج 1 ص 407.
(2) لم نعثر عليه.
(3) لا يوجد لدينا كتابه.
497

إلى إمامين، ولو كان إمام التأدية والتعليم حلالا جاز، والظاهر أنه مكروه لما
فيه من تغيير سنة السلف، ولو أمر الإمام مناديا أن ينادي أيام منى كما أمر
رسول الله صلى الله عليه وآله (1) بديل بن ورقا ألا لا تصوموا فإنها أيام أكل
وشرب وبعال كان حسنا.
[126]
درس
لنختم كتاب الحج بأخبار اثني عشر: الأول: روى البزنطي (2) عن ثعلبة
عن ميسر، قال: كنا عند أبي جعفر عليه السلام في الفسطاط نحوا من خمسين
رجلا، فقال لنا: أتدرون أي البقاع أفضل عند الله منزلة؟ فلم يتكلم أحد،
فكان هو الراد على نفسه، فقال: تلك مكة الحرام التي رضيها الله لنفسه حرما
وجعل بيته فيها.
ثم قال: أتدرون أي بقعة في مكة أفضل حرمة؟ فلم يتكلم أحد، فكان هو
الراد على نفسه، فقال: ذلك المسجد الحرام.
ثم قال: أتدرون أي بقعة في المسجد أعظم عند الله حرمة؟ فلم يتكلم
أحد، فكان هو الراد على نفسه، فقال: ذلك بين الركن الأسود إلى باب
الكعبة، ذلك حطيم إسماعيل عليه السلام الذي كان يذود فيه غنيمته ويصلي
فيه.
فوالله لو أن عبدا صف قدميه في ذلك المكان، قائما الليل مصليا حتى يجنه
النهار، وقائما النهار حتى يجنه الليل، ولم يعرف حقنا وحرمتنا أهل البيت، لم
يقبل الله منه شيئا أبدا.

(1) وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب الذبح ح 8 ج 10 ص 166.
(2) ثواب الأعمال: ح 3 ص 244 مع بعض الاختلاف في سنده.
498

إن أبانا إبراهيم عليه السلام وعلى محمد وآله كان مما اشترط على ربه أن
قال: رب اجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، أما أنه لم يعن الناس كلهم،
فأنتم أولئك رحمكم الله ونظراؤكم، وإنما مثلكم في الناس مثل الشعرة السوداء
في الثور الأنور.
الثاني: ما رواه الصدوق (1) بإسناده إلى أبي حمزة الثمالي، قال: قال لنا علي
بن الحسين عليه السلام: أي البقاع أفضل؟ فقلت: الله ورسوله وابن رسوله
أعلم، فقال: أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح
في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان، ثم
لقي الله عز وجل بغير ولايتنا، لم ينفعه ذلك شيئا.
الثالث: ما رواه سعيد الأعرج (2) عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: أحب
الأرض إلى الله عز وجل مكة، وما تربة أحب إلى الله من تربتها، ولا حجر أحب
إليه (3) من حجرها، ولا شجر أحب إليه (4) من شجرها، ولا جبال أحب إليه (5)
من جبالها، ولا ماء أحب إليه (6) من مائها.
الرابع: ما رواه الصدوق (7) عن الباقر عليه السلام، قال: أتى آدم هذا
البيت ألف أتية على قدميه، منها سبعمائة حجة وثلثمائة عمرة، وكان يأتيه
من ناحية الشام على ثور.
الخامس: عن الصادق عليه السلام (8) من أم هذا البيت حاجا أو معتمرا
تبرء من الكبر، رجع من ذنوبه كهيئة (9) يوم ولدته أمه، والكبر أن يجهل الحق

(1) من لا يحضره الفقيه: ح 2313 ج 2 ص 245.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب مقدمات الطواف ح 1 ج 9 ص 349.
(3) في " م " و " ق ": إلى الله.
(4) في " م " و " ق ": إلى الله.
(5) في " م " و " ق ": إلى الله.
(6) في " م " و " ق ": إلى الله.
(7) من لا يحضره الفقيه: ح 2274 ج 2 ص 229.
(8) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 1 ج 8 ص 64 وفيه مبرءا.
(9) في " ز ": كهيئته.
499

ويطعن على أهله.
السادس: قال الصادق عليه السلام (1): من نظر إلى الكعبة، فعرف من
حقنا وحرمتنا مثل الذي عرف من حقها وحرمتها، غفر الله له ذنوبه وكفاه هم
الدنيا والآخرة، وروي (2) من نظر إلى الكعبة لم يزل يكتب له حسنة ويمحى
عنه سيئة حتى يصرف بصره عنها.
السابع: قال الباقر عليه السلام (3): ما يقف أحد على تلك الجبال بر
ولا فاجر إلا استجاب الله له، فأما البر فيستجاب له في آخرته ودنياه، وأما
الفاجر فيستجاب له في دنياه، وما من رجل وقف بعرفة من أهل بيت من
المؤمنين إلا غفر الله لأهل ذلك البيت من المؤمنين، وما من رجل من أهل
كورة وقف بعرفة من المؤمنين إلا غفر الله لأهل تلك الكورة من المؤمنين.
الثامن: عن الصادق عليه السلام (4) للذي يحج عن الرجل أجر وثواب
عشر حجج، ويغفر له ولأبيه ولأمه ولابنه ولابنته ولأخيه ولأخته ولعمه وعمته
ولخاله وخالته.
التاسع: قال الصادق عليه السلام (5): من أنفق درهما في الحج كان خيرا
له من مائة ألف درهم ينفقها في حق، قال ابن بابويه (6): روي أن درهما في
الحج أفضل من ألفي ألف درهم في ما سواه في سبيل الله، وأن درهما يصل إلى
الإمام مثل ألف ألف في الحج (7).

(1) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب مقدمات الطواف ح 5 ج 9 ص 364.
(2) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب مقدمات الطواف ح 6 ج 9 ص 364.
(3) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب النيابة في الحج ح 2 ج 8 ص 114.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب النيابة في الحج ح 2 ج 8 ص 116.
(5) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 10 ج 8 ص 82.
(6) من لا يحضره الفقيه: ح 2249 ج 2 ص 225.
(7) في باقي النسخ: مثل ألف ألف في حج.
500

العاشر: روى سعد الإسكاف (1) قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول: إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يخط خطوة إلا كتب الله له عشر
حسنات، ومحى عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات حتى يفرغ من
جهازه، فإذا استقلت به راحلته لم ترفع خفا ولم تضعه إلا كتب الله له مثل
ذلك حتى يقضي نسكه، فإذا قضى نسكه غفر الله له، وكان بقية ذي الحجة
والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرا من شهر ربيع الآخر يكتب له الحسنات،
ولا يكتب عليه السيئات إلا أن يأتي بموجبة، فإذا مضت أربعة أشهر خلط
بالناس.
الحادي عشر: قال الصادق عليه السلام: (2) الحاج يصدرون على ثلاثة
أصناف: فصنف يعتقون من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه،
وصنف يحفظ في أهله وماله.
الثاني عشر: روى زرارة (3) أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام: جعلني الله
فداك أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني، فقال: يا زرارة بيت يحج قبل
آدم بألفي عام يريد أن تفتى مسائله في أربعين عاما.
وقد أتينا منه بحمد الله في هذا المختصر ما لم يجتمع في غيره من المطولات،
فلله الشكر على جميع الحالات.

(1) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب وجوب وشرائطه ح 9 ج 8 ص 66، وليس فيه: وعشرا من شهر
ربيع الآخر.
(2) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 15 ج 8 ص 83.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح 12 ج 8 ص 7.
501