الكتاب: شرح اللمعة
المؤلف: الشهيد الثاني
الجزء: ٤
الوفاة: ٩٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات جامعة النجف الدينية
ردمك:
ملاحظات: منشورات مكتبة الداوري - قم / مطبعة أمير - قم / الطبعة الأولى ١٤١٠ (نسخة أفست)

منشورات
جامعة النجف الدينية
(12)
اللمعة الدمشقية
للشهيد السعيد: محمد بن جمال الدين مكي العاملي
(الشهيد الأول)
قدس سره
734 - 786
الجزء الرابع
1

ناشر: انتشارات داوري - قم
تاريخ انتشار: 1410 ه‍ ق
2

الروضة البهية
في شرح
اللمعة الدمشقية
للشهيد السعيد: زين الدين الجبعي العاملي
(الشهيد الثاني)
قدس سره
911 - 965
3

الإهداء
إن كان الناس يتقربون إلى الأكابر بتقديم مجهوداتهم فليس لنا
أن نتقرب إلى أحد سوى سيدنا ومولانا إمام زماننا وحجة عصرنا
(الإمام المنتظر) عجل الله تعالى فرجه.
فإليك يا حافظ الشريعة بألطافك الخفية، وإليك يا صاحب
الأمر وناموس الحقيقة أقدم مجهودي المتواضع في سبيل إعلاء كلمة
الدين وشريعة جدك المصطفى وبقية آثار آبائك الأنجبين، دينا قيما
لا عوج فيه ولا أمتا.
ورجائي القبول والشفاعة في يوم لا ترجى إلا شفاعتكم أهل
البيت.
عبدك الراجي
4

(عند الصباح يحمد القوم السري)
كان أملي وطيدا بالفوز فيما أقدمت عليه من مشروع في سبيل الهدف
الأقصى للدراسات الدينية (الفقه الإسلامي الشامل).
فأردت الخدمة بهذا الصدد لأزيل بعض مشاكل الدراسة والآن وقد حقق الله
عز وجل تلك الأمنية بإخراج الجزء الأول من هذا الكتاب الضخم إلى الأسواق.
فرأيت النجاح الباهر نصب عيني: انهالت الطلبة على اقتناءه بكل
ولع واشتياق.
فله الشكر على ما أنعم والحمد على ما وفق.
بيد أن الأوضاع الراهنة، وما اكتسبته الأيام من مشاكل إنجازات
العمل وفق المراد أحرجتني بعض الشئ. فإن الطبعة بتلك الصورة المنقحة
المزدانة بأشكال توضيحية، وفي أسلوب شيق كلفتني فوق ما كنت
أتصوره من حساب وأرقام مما جعلتني أئن تحت عبئه الثقيل، ولا
من مؤازر أو مساعد
فرأيت نفسي بين أمرين: الترك حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا،
أو الإقدام المجهد مهما كلف الأمر من صعوبات.
فاخترت الطريق الثاني واحتملت صعوباته في سبيل الدين، والإشادة
بشريعة (سيد المرسلين)، وإحياء آثار (أئمة الهدى المعصومين)
صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين
فاتبعت بعون الله عز وجل (الجزء الثالث) (بالجزء الرابع) بعزم
قوي، ونفس آمنة
وكل اعتمادي على الله سبحانه وتعالى وتوسلي إلى صاحب الشريعة
الغراء وأهل بيته الأطهار عليهم صلوات الملك العلام.
ولا سيما ونحن في جوار سيدنا الكريم مولى الكونين (أمير المؤمنين)
عليه الصلاة والسلام.
فيك يا مولاي أستشفع إلى ربي ليسهل لنا العقبات ويؤمن علينا
التبعات إنه ولي ذلك والقادر عليه. السيد محمد كلانتر
5

إبداء شكر
لا تزال تأتينا رسائل ضافية هي رسل بشرى. تثني علينا هذا
المشروع الجلل، تعرب عن ضمائر صافية تحب الخير، وتهدف الصلاح
لا سيما والقضية إسلامية في كل نواحيها، والمسلمون أبناء الإسلام، والعلماء
رعاته. فالمشروع يمس الجميع، والجميع يهتمون به كحاجة ضرورية
راهنة.
ومن العلماء الأعلام الذين أتحفونا بمفاخر ثناءهم الصميم سماحة آية الله
الشيخ محمد طاهر آل الشيخ الرضي دام ظله.
أتحفنا برسالة قيمة تحمل في طيها التبجيل البالغ بطبعة هذه الموسوعة
الخالدة، كما وأنها تعرب عن قلب طيب وعطف أبوي شامل. فلله دره
وعليه أجره.
السيد محمد كلانتر
6

سيدنا الحجة العلامة المعظم السيد محمد كلانتر أطال الله بقاه
مجاهدا مشكورا تحية لائقة ودعاء وتقديرا
السلام عليكم وألطاف الله آخذة بيدك للعمل الموفق والنتايج
الفايدة بأفضل الآثار وأتمها دقة وإتقانا ودعائي لك باستمرار
التأييد لأمثال هذه الأهداف الجليلة متنقلا من الحسن إلى الأحسن
ومن المجيد إلى الأمجد سلسلة أعمال فاضلة وجهود جبارة فشكر
عليها الشكر الجزيل ولو هناك غير الشكر مظهرا للثناء لقدمته
مغتبطا به واقتني هديتك المحترمة الأجزاء الثلاثة من كتاب اللمعة
ونظرت فيها فراقني كثيرا ما علقته عليها من استخراج غامض ضمايرها
وكشف مبهمات جملها وتوضيح الدقيق من عباراتها فعادت دانية
قطوفها ذلولا صعبها سهلا متناولها ووفرت بذلك وقتا غير قصير
على الأستاذ والطالب حيث اختصرت لهم الزمن وطويت لهم المسافات
الطويلة في طريق مستقيم قريب فإن لم يثنوا عليك قد أثنت
الحقايب وإن لم تشكرك المحافل فقد شكرك النتاج الحافل
ويكفي شاهد عدل على أتعابك القيمة يستلفت النظر ويستثير
الإعجاب تشييد الجامعة الفخم كغرة متلألأة في ناصيته بلد (أمير المؤمنين)
عليه الصلاة والسلام وحسبك أعمالك نفسها ذكرا باقيا وثناء وافيا
وثوابا كافيا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الثلاثاء 18 شعبان * محمد طاهر آل
1387 ه‍ * الشيخ راضي
7

كتاب الدين
9

كتاب الدين (1)
(وهو قسمان):
(الأول - القرض (2)) بفتح القاف وكسرها، وفضله عظيم
(الدرهم منه بثمانية عشر درهما (3) مع أن درهم الصدقة بعشرة) قيل
والسر فيه: أن الصدقة تقع في يد المحتاج وغيره، والقرض لا يقعا إلا في يد
المحتاج غالبا، وأن درهم القرض يعود فيقرض ثانيا، ودرهم الصدقة
لا يعود.
واعلم أن القرض لا يتوقف على قصد القربة، ومطلق (4) الثواب
يتوقف عليها، فليس كل قرض يترتب عليه الثواب، بخلاف الصدقة
فإن القربة معتبرة فيها (5)، فإطلاق كون درهم القرض بثمانية عشر
11

إما مشروط بقصد القربة، أو تفضل من الله تعالى من غير اعتبار (1)
الثواب بواسطة الوجهين (2)، وقد يقع التفضل على كثير من فاعلي البر
من غير اعتبار القربة كالكرم (3). ويفتقر القرض إلى إيجاب وقبول.
(والصيغة أقرضتك، أو انتفع به، أو تصرف فيه)، أو ملكتك
أو أسلفتك، أو خذ هذا، أو اصرفه (وعليك عوضه)، وما أدى
هذا المعنى، لأنه من العقود الجائزة، وهي (4) لا تنحصر في لفظ،
بل تتأدى (5) بما أفاد معناها (6)، وإنما يحتاج (7) إلى ضميمة (وعليك
عوضه) ما عدا الصيغة الأولى (8) فإنها صريحة في معناه لا تفتقر إلى انضمام
أمر آخر (فيقول المقترض: قبلت وشبهه (9)) مما دل على الرضا
12

بالإيجاب، واستقرب في الدروس الاكتفاء بالقبض، لأن مرجعه (1)
إلى الإذن في التصرف. وهو حسن من حيث إباحة التصرف.
أما إفادته للملك المترتب على صحة القرض فلا دليل عليه،
وما استدل به لا يؤدي إليه (2).
(ولا يجوز اشتراط النفع)، للنهي (3) عن قرض يجر نفعا
(فلا يفيد الملك) لو شرطه (4)، سواء في ذلك الربوي، وغيره، وزيادة
العين، والمنفعة (حتى لو شرط الصحاح عوض المكسرة، خلافا
لأبي الصلاح)، الحلبي رحمه الله وجماعة حيث جوزوا هذا الفرد (5)
من النفع، استنادا إلى رواية (6) لا تدل على مطلوبهم. وظاهرها (7)
13

إعطاء الزائد الصحيح بدون الشرط (1)، ولا خلاف فيه (2) بل [لا]
يكره، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقترض بكرا (3)
فرد بازلا (4) رباعيا، قال: إن خير الناس أحسنهم قضاء، (وإنما
يصح إقراض الكامل) على وجه يرتفع عنه الحجر في المال، وأراد كمال
14

المتعاقدين (1) معا بإضافة المصدر (2) إلى الفاعل والقابل (3).
(وكل ما تتساوى أجزاؤه) في القيمة، والمنفعة، وتتقارب صفاته
كالحبوب والأدهان (يثبت في الذمة مثله، وما لا يتساوى) أجزاؤه
كالحيوان (تثبت قيمته يوم القبض)، لأنه وقت الملك، (وبه)
أي بالقبض (يملك) المقترض القرض على المشهور، لا بالتصرف، قيل:
لأنه (4) فرع الملك فيمتنع كونه (5) شرطا فيه (6) وإلا (7) دار (8)
15

وفيه (1) منع تبعيته (2) للملك مطلقا (3)، إذ يكفي فيه (4) إذن المالك
وهو (5) هنا حاصل بالعقد، بل بالإيجاب وحيث قلنا بملكه (6)،
بالقبض (فله رد مثله) مع وجود عينه (7) (وإن كره المقرض)،
لأن العين حينئذ (8) تصير كغيرها من أمواله، والحق يتعلق بذمته فيتخير
في جهة القضاء (9)، ولو قلنا بتوقف الملك على التصرف وجب دفع
16

العين مع طلب مالكها، يمكن القول بذلك (1) وإن ملكناه (2)،
بالقبض، بناء على كون القرض عقدا جائزا ومن شأنه رجوع كل عوض
إلى مالكه إذا فسخ كالهبة والبيع بخيار.
(ولا يلزم (3) اشتراط الأجل فيه) لا له (4)، ولا لغيره (5)،
لأنه عقد جائز فلا يلزم ما يشترط فيه، إلحاقا (6) لشرطه بجزئه
نعم لو شرط أجل القرض في عقد لازم لزم على ما سبق (7).
(ويجب) على المديون (نية القضاء) سواء قدر على أدائه أم لا
17

بمعنى العزم وإن عجز على الأداء إذا (1) قدر، وسواء كان صاحب الدين
حاضرا أم غائبا، لأن ذلك من مقتضى الإيمان، كما يجب العزم على أداء
كل واجب، وترك كل محرم. وقد روي (2): أن كل من عزم على قضاء
دينة أعين عليه: وأنه ينقص من مؤنته بقدر قصور نيته.
(وعزله عند وفاته، والايصاء به لو كان صاحبه غائبا) ليتميز
الحق، ويسلم من تصرف الوارث فيه، ويجب كون الوصاية إلى ثقة،
لأنه تسليط على مال الغير وإن قلنا بجواز الوصاية إلى غيره في الجملة،
(ولو جهله (3) ويئس منه تصدق به عنه) في المشهور. وقيل: يتعين
دفعه إلى الحاكم، لأن الصدقة تصرف في مال الغير بغير إذنه، ويضعف
بأنه إحسان محض إليه، لأنه إن ظهر ولم يرض بها (4) ضمن له عوضها
وإلا (5) فهي أنفع من بقاء العين المعزولة المعرضة لتلفها بغير تفريط
المسقط لحقه. والأقوى التخيير بين الصدقة، والدفع إلى الحاكم، وإبقائه
في يده.
(ولا تصح قسمة الدين) المشترط بين شريكين فصاعدا (6)
18

على المشهور، (بل الحاصل منه (1) لهما، والتياوي (2)) بالمثناة وهو
الهالك (منهما)، وقد يحتال (3) للقسمة بأن يحيل (4) كل منهما صاحبه
بحصته التي يريد إعطاءها صاحبه ويقبل الآخر، بناء على صحة الحوالة
من البرئ (5)، وكذا لو اصطلحا (6) على ما في الذمم بعضا ببعض
وفاقا للمصنف في الدروس.
(ويصح بيعه بحال) وإن لم يقبض من المديون (7) وغيره،
حالا كان الدين، أم مؤجلا، ولا يمنع تعذر قبضه حال البيع من صحته (8)
لأن الشرط إمكانه (9) في الجملة لا حالة البيع، ولا فرق في بيعه بالحال
19

بين كونه مشخصا (1)، ومضمونا (2) على الأقوى، للأصل، وعدم
صدق اسم الدين عليه، (لا بمؤجل) لأنه بيع دين بدين.
وفيه نظر، لأن الدين الممنوع منه: ما كان عوضا حال كون دينا
بمقتضى تعلق الباء به (3)، والمضمون عند العقد ليس بدين وإنما يصير
دينا بعده فلم يتحقق بيع الدين به (4)، ولأنه يلزم مثله (5) في بيعه بحال
والفرق غير واضح (6)، ودعوى إطلاق اسم الدين عليه إن أرادوا به
قبل العقد فممنوع، أو بعده (7) فمشترك، وإطلاقهم (8) له عليه (9)
عرفا إذا بيع به فيقولون: باع فلان ماله بالدين مجاز (10) بقصد أن الثمن
20

بقي في ذمته بعد البيع، ولو اعتبر هذا الإطلاق (1) جاء مثله
في الحال (2) إذا لم يقبضه، خصوصا إذا أمهله به من غير تأجيل.
(وبزيادة) عن قدره، (ونقيصة، إلا أن يكون ربويا) فتعتبر
المساواة، (ولا يلزم المديون أن يدفع إلى المشتري إلا ما دفع المشتري)
إلى البائع (على رواية (3) محمد بن الفضل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام)
وقريب منها رواية (4) أبي حمزة عن الباقر عليه السلام، وإنما اقتصر
على الأولى، لأنها أصرح، وعمل بمضمونها الشيخ وجماعة. ويظهر
من المصنف الميل إليه، وفي الدروس لا معارض لها (5)، لكن المستند (6)
ضعيف، وعموم (7) الأدلة تدفعه، وحمل (8) على الضمان مجازا،
لشبهه (9) بالبيع في المعاوضة، أو على فساد البيع، للربا وغيره فيكون
21

الدفع مأذونا فيه من البائع في مقابلة ما دفع، ويبقي الباقي لمالكه. والأقوى
مع صحة البيع لزوم دفع الجميع، ويجب مراعاة شروط الربا والصرف (1)
ولو وقع (2) صلحا اغتفر الثاني (3) خاصة.
(ومنع ابن إدريس من بع الدين على غير المديون) استنادا إلى دليل
قاصر، وتقسيم غير حاصر (4)،
22

(والمشهور الصحة) مطلقا (1)، لعموم الأدلة (2) (ولو باع الذمي
ما لا يملكه المسلم) كالخمر والخنزير (ثم قضى منه دين المسلم صح
قبضه (3) ولو شاهده (4)) المسلم، لإقرار الشارع له على ذلك (5)،
لكن بشرط استتاره به كما هو مقتضى الشرع، فلو تظاهر به لم يجز (6)
ومن ثم (7) يقيد بالذمي، لأن لحربي لا يقر على شئ من ذلك فلا يجوز
تناوله (8) منه.
23

(ولا تحل الديون المؤجلة بحجر المفلس)، عملا بالأصل (1)،
(خلافا لابن الجنيد رحمه الله) حيث زعم أنها تحل، قياسا على الميت،
وهو باطل (2)، مع وجود الفارق (3) بتضرر الورثة إن منعوا
من التصرف إلى أن يحل، وصاحب (4) الدين إن لم يمنعوا، بخلاف
المفلس لبقاء ذمته.
(وتحل) الديون المؤجلة (إذا مات المديون)، سواء في ذلك
مال السلم، والجناية المؤجلة (5)، وغيرهما، للعموم (6)، وكون (7)،
أجل السلم يقتضي قسطا من الثمن، وأجل الجناية بتعيين الشارع وليتحقق
24

الفرق بين الجنايات لا يدفع عموم النص (1) (ولا تحل بموت المالك)،
دون المديون للأصل (2)، خرج منه موت المديون فيبقى الباقي.
وقيل: تحل، استنادا إلى رواية (3) مرسلة، وبالقياس على موت
المديون. وهو باطل.
(وللمالك انتزاع السلعة) التي نقلها إلى المفلس قبل الحجر ولم يستوف
عوضها مع وجودها مقدما فيها (4) على سائر الديان (في الفلس إذا
لم تزد زيادة متصلة) كالسمن، والطول، فإن زادت كذلك (5)
لم يكن له أخذها، لحصولها على ملك المفلس فيمتنع أخذ العين بدونها (6)
ومعها (7). (وقيل: يجوز) انتزاعها (وإن زادت) لأن هذه الزيادة
صفة محضة وليست من فعل المفلس فلا تعد مالا له، ولعموم
من وجد عين ماله فهو أحق بها (8)، وفي قول ثالث: يجوز أخذها، لكن
يكون المفلس شريكا بمقدار الزيادة، (ولو كانت الزيادة منفصلة) كالولد
وإن لم ينفصل، والثمرة وإن لم تقطف (لم يمنع) من الانتزاع وكانت
25

الزيادة للمفلس، ولو كانت بفعله كما لو غرس، أو صبغ الثوب،
أو خاطه، أو طحن الحنطة كان شريكا بنسبة الزيادة (1).
(وغرماء الميت سواء في تركته مع القصور) فيقسم على نسبة
الديون (2)، سواء في ذلك صاحب العين، وغيره، (ومع الوفاء لصاحب
العين أخذها (3) في المشهور)، سواء كانت التركة بقدر الدين أم أزيد
وسواء مات محجورا عليه أم لا، ومستند المشهور صحيحة (4) أبي ولاد
عن (الصادق) عليه السلام.
(وقال ابن الجنيد: يختص (5) بها وإن لم يكن وفاء) كالمفلس،
قياسا (6)،
26

واستنادا إلى رواية (1) مطلقة في جواز الاختصاص، والأول (2)، باطل
والثاني (3) يجب تقييده بالوفاء جمعا (4). وربما قيل: باختصاص
الحكم (5) بمن مات محجورا عليه، وإلا (6) فلا اختصاص مطلقا (7)،
27

وصحيح النص (1) يدفعه (2) (ولو وجدت العين ناقصة بفعل المفلس)
أخذها إن شاء (وضرب بالنقص مع الغرماء مع نسبته) أي نسبة النقص
(إلى الثمن) بأن تنسب قيمة الناقص إلى الصحيحة ويضرب من الثمن
الذي باعه به بتلك (3) النسبة كما هو مقتضى قاعدة (4)
الأرش، ولئلا يجمع بين العوض والمعوض في بعض (5) الفروض،
وفي استفادة ذلك (6) من نسبة النقص إلى الثمن خفاء ولو كان النقص
بفعل غيره فإن وجب (7) أرشه ضرب (8) به قطعا، ولو كان
28

من قبل الله تعالى فالأقوى أنه كذلك (1)، سواء كان الفائت مما يتقسط
عليه الثمن بالنسبة كعبد من عبدين أم لا كيد (2) العبد، لأن مقتضى
عقد المعاوضة عند فسخه رجوع كل عوض إلى صاحبه، أو بدله.
واعلم أن تخصيص النقص بفعل المفلس لا يظهر له (3) نكتة،
لأنه (4) إما مساو لما يحدث من الله تعالى، أو الأجنبي على تقدير
29

الفرق (1)، أو حكم الجميع (2) سواء على القول الأقوى.
(ولا يقبل إقراره في حال التفليس بعين، لتعلق حق الغرماء بأعيان
ماله قبله (3) فيكون إقراره بها (4) في قوة الإقرار بمال الغير، وللحجر
عن التصرف المالي المانع (5) من نفوذ الإقرار، (ويصح) إقراره
(بدين) لأنه عاقل مختار فيدخل في عموم: إقرار العقلاء على أنفسهم
جائز (6)، والمانع في العين منتف هنا (7)، لأنه (8) في العين مناف
30

لحق الديان المتعلق بها (1) (و) هنا (2) (يتعلق بذمته، فلا يشارك
الغرماء المقر له) جمعا بين الحقين (3). (وقوى الشيخ رحمه الله)
وتبعه العلامة في بعض كتبه (المشاركة (4)) للخبر (5)، ولعموم (6)
الإذن في قسمة ماله بين غرمائه، وللفرق بين الإقرار، والإنشاء فإن الإقرار
إخبار عن حق سابق، والحجر إنما يبطل إحداث (7) الملك، ولأنه (8)
31

كالبينة، ومع قيامها (1) لا إشكال في المشاركة.
ويشكل (2) بأن رد إقراره (3) ليس لنفسه، بل لحق غيره
فلا ينافيه (4) الخبر، ونحن قد قبلناه (5)، على نفسه بإلزامه بالمال بعد
32

الحجر (1)، ومشاركة (2) المقر له للغرماء هو المانع من النفوذ الموجب
لمساواة الإقرار للإنشاء في المعنى، وكونه (3) كالبينة مطلقا ممنوع، فما اختاره
المصنف أقوى. وموضع الخلاف ما لو أسنده (4) إلى ما قبل الحجر،
33

أما بعده (1) فإنه لا ينفذ معجلا قطعا، نعم لو أسنده (2) إلى ما يلزم
ذمته كإتلاف مال أو جناية، شارك (3) لوقوع السبب (4) بغير اختيار (5)
المستحق فلا تقصير، بخلاف المعامل (6).
(ويمنع المفلس من التصرف) المبتدأ (في أعيان أمواله) لحق
الغرماء، لا من مطلق التصرف، واحترزنا بالمبتدأ عن التصرف في ماله
بمثل الفسخ بخيار، لأنه ليس بابتداء تصرف، بل هو أثر أمر سابق
على الحجر، وكذا لو ظهر له عيب فيما اشتراه سابقا فله الفسخ به.
وهل يعتبر في جواز الفسخ الغبطة، أم يجوز اقتراحا (7)؟ الأقوى
الثاني (8)، نظرا إلى أصل (9) الحكم، وإن تخلفت (10) الحكمة. وقيل:
34

تعتبر الغبطة في الثاني (1) دون الأول (2).
وفرق المصنف رحمه الله بينهما (3) بأن الخيار (4) ثابت بأصل العقد
لا على طريق المصلحة (5)، فلا يتقيد (6) بها (7)، بخلاف العيب (8).
وفيه (9) نظر بين، لأن كلا منهما (10) ثابت بأصل العقد على غير جهة
المصلحة، وإن كانت الحكمة المسوغة له (11) هي المصلحة، والإجماع (12)
على جواز الفسخ بالعيب وإن زاد القيمة، فضلا (13) عن الغبطة فيه.
35

وشمل التصرف في أعيان الأموال ما (1) كان بعوض (2)،
أو غيره (3)، وما (4) تعلق بنقل العين، والمنفعة (5)، وخرج به (6)
التصرف في غيره (7)، كالنكاح، والطلاق، واستيفاء القصاص، والعفو
عنه وما يفيد تحصيله (8) كالاحتطاب، والاتهاب (9)، وقبول الوصية
وإن منع منه (10)،
36

بعده (1)، وبالمنافي (2) عن وصيته وتدبيره فإنهما يخرجان من الثلث
بعد وفاء الدين فتصرفه في ذلك ونحوه جائز، إذ لا ضرر على الغرماء فيه
(وتباع) أعيان أمواله القابلة للبيع، ولو لم تقبل (3) كالمنفعة
أو جرت، أو صولح عليها (4) وأضيف (5) العوض إلى أثمان ما يباع
(وتقسم على الغرماء) إن وفي، وإلا فعلى نسبة أموالهم (6)، (ولا يدخر
للمؤجلة التي لم تحل حالة القسمة (شئ) ولو حل بعد قسمة البعض
37

شارك (1) في الباقي، وضرب بجميع المال (2)، وضرب باقي الغرماء
ببقية ديونهم (ويحضر كل متاع في سوقه) وجوبا مع رجاء زيادة القيمة
وإلا استحبابا، لأن بيعه فيه (3) أكثر لطلابه (4)،
38

وأضبط لقيمته (1).
(ويحبس لو ادعى الإعسار حتى يثبته) باعتراف الغريم (2)،
أو بالبينة المطلعة على باطن أمره إن شهدت بالإعسار مطلقا (3)،
أو بتلف (4) المال حيث لا يكون منحصرا في أعيان مخصوصة (5)،
وإلا (6) كفى اطلاعها على تلفها، ويعتبر في الأولى (7) مع الطلاع
على باطن أمره بكثرة (8) مخالطته، وصبره (9) على ما لا يصبر عليه
39

ذوو اليسار عادة، أن (1) تشهد بإثبات يتضمن النفي، لا بالنفي الصرف،
بأن يقول: إنه معسر لا يملك إلا قوت يومه، وثياب بدنه، ونحو
ذلك (2). وهل يتوقف ثبوته (3) مع البينة مطلقا (4) على اليمين قولان؟
وإنما يحبس مع دعوى الإعسار قبل إثباته لو كان أصل الدين
مالا كالقرض، أو عوضا عن مال كثمن المبيع، فلو انتفى الأمران (5)
كالجناية والإتلاف قبل قوله في الإعسار بيمينه، لأصالة عدم المال وإنما
أطلقه المصنف اتكالا على مقام الدين في الكتاب، (فإذا ثبت) إعساره
(خلي سبيله)، ولا يجب عليه التكسب لقوله تعالى: (وإن كان
ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة (6)).
(وعن علي عليه الصلاة والسلام) بطريق السكوني أنه كان يحبس
في الدين ثم ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء، وإن لم يكن له مال
دفعه إلى الغرماء فيقول: اصنعوا به ما شئتم (إن شئتم فآجروه، وإن شئتم
استعملوه (7)، وهو يدل على وجوب التكسب) في وفاء الدين،
(واختاره ابن حمزة والعلامة) في المختلف، (ومنعه الشيخ وابن إدريس)
للآية (8)، وأصالة البراءة.
40

(والأول (1) أقرب) لوجوب قضاء الدين على القادر مع المطالبة
والمتكسب قادر، ولهذا تحرم عليه الزكاة، وحينئذ (2) فهو خارج
من الآية (3)، وإنما يجب عليه التكسب فيما يليق بحاله عادة ولو بمؤاجرة
نفسه، وعليه (4) تحمل الرواية (5).
(وإنما يحجر على المديون إذا قصرت أمواله عن ديونه) فلو ساوته
أو زادت لم يحجر عليه إجماعا، وإن ظهرت عليه إمارات الفلس،
لكن لو طولب بالدين فامتنع تخير الحاكم بين حبسه إلى أن يقضي بنفسه،
وبين أن يقضى (6) عنه من ماله، ولو ببيع ما خالف (7) الحق،
(وطلب (8) الغرماء الحجر)، لأن الحق لهم فلا يتبرع الحاكم به (9)
41

عليهم. نعم لو كانت الديون لمن له (1) عليه (2) ولاية كان له (3)
الحجر، أو بعضها (4) مع التماس الباقين، ولو كانت (5) لغائب لم يكن
للحاكم ولايته (6) لأنه (7) لا يستوفي له (8)، بل بحفظ أعيان أمواله،
ولو التمس بعض الغرماء فإن كان دينهم يفي بماله ويزيد جاز الحجر وعم (9)
وإلا (10) فلا على الأقوى.
(بشرط (11) حلول الدين) فلو كان كله، أو بعضه مؤجلا
42

لم يحجر، لعدم استحقاق المطالبة حينئذ (1)، نعم لو كان بعضها حالا
جاز مع قصور المال عنه (2) والتماس أربابه.
(ولا تباع داره، ولا خادمه، ولا ثياب تجمله). ويعتبر في الأول
والأخير ما يليق بحاله كما وكيفا (3)، وفي الوسط ذلك (4)، لشرف،
أو عجز، وكذا دابة ركوبه، ولو احتاج إلى المتعدد استثنى كالمتحد (5)
ولو زادت (6) عن ذلك (7) في أحد الوصفين (8) وجب الاستبدال،
والاقتصار على ما يليق بحاله، (وظاهر ابن الجنيد بيعها (9)) في الدين
43

(واستحب للغريم تركه (1)، والروايات متضافرة بالأول (2)) وعليه
العمل، وكذا تجري عليه نفقته يوم القسمة (3)، ونفقة واجبي النفقة،
ولو مات قبلها (4) قدم كفنه (5)، ويقتصر منه على الواجب وسطا (6)
مما يليق به عادة، ومؤنة (7) تجهيزه.
وهذه الأحكام استطردها في كتاب الدين لمناسبته (8) وإن جرت
العادة باختصاص الفلس بباب، ورعاية (9) لإدراج الأحكام بسبيل
الاختصار.
44

(القسم الثاني دين العبد).
خصه (1) بناء على الغالب من توليه (2) ذلك، دون الأمة.
ولو أبدله بالمملوك كما عبر غيره عم، (لا يجوز له التصرف فيه) أي
في الدين بأن يستدين، لا فيما استدانه (3) وإن كان حكمه كذلك،
لدخوله (4) في قوله: (ولا فيما بيده) من الأموال (إلا بإذن السيد)
سواء قلنا بملكه أم أحلناه، (فلو استدان بإذنه)، أو إجازته
(فعلى المولى (5) وإن أعتقه)، وقيل: يتبع به مع العتق، استنادا
إلى رواية (6) لا تنهض حجة فيما خالف القواعد الشرعية، فإن العبد
بمنزلة الوكيل وإنفاقه على نفسه وتجارته بإذن المولى إنفاق لمال المولى
فيلزمه كما لو لم يعتق، ولو كانت الاستدانة للمولى فهو عليه (7) قولا
واحدا.
(ويقتصر) المملوك (في التجارة على محل الإذن) فإن عين له
نوعا، أو مكانا، أو زمانا تعين وإن أطلق تخير، (وليس له الاستدانة
45

بالإذن في التجارة (1) لعدم دلالتها (2) عليها إلا أن تكون (3)
لضرورتها كنقل المتاع وحفظه مع الاحتياج إليه (4) (فتلزم ذمته (5))
لو تعدى المأذون نطقا (6)، أو شرعا (7) (لو تلف يتبع به بعد عتقه)
ويساره (على الأقوى)، وإلا (8) ضاع، ولو كانت عينه باقية رجع
إلى مالكه، لفساد العقد، (وقيل: يسعى فيه) العبد معجلا (9)،
46

استنادا إلى إطلاق رواية (1) أبي بصير وحملت على الاستدانة للتجارة (2)
لأن الكسب للمولى فإذا لم يلزمه (3) فعله لا يدفع من ماله (4).
والأقوى أن استدانته لضرورة التجارة إنما يلزم مما في يده (5)،
فإن قصر استسعى في الباقي، ولا يلزم المولى من غير ما في يده،
وعليه (6) تحمل الرواية.
(ولو أخذ المولى ما اقترضه المملوك) بغير إذنه أو ما في حكمه (7)
(تخير المقرض بين رجوعه على المولى)، لترتب يده على ماله مع فساد
القرض، (وبين اتباع (8) العبد) بعد العتق واليسار، لأنه كالغاصب
أيضا، ثم إن رجع على المولى قبل أن يعتق المملوك لم يرجع المولى عليه
47

لأنه لا يثبت له في ذمة عبده مال، وإن كان (1) بعده وكان (2) عند
أخذه (3) للمال عالما بأنه قرض (4) فلا رجوع له (5) على المملوك
أيضا لتفريطه، وإن كان قد غره (6) بأن المال له اتجه رجوعه عليه (7)
لمكان الغرور (8)، وإن رجع المقرض على العبد بعد عتقه ويساره فله (9)
الرجوع على المولى لاستقرار التلف في يده، إلا أن يكون قد غر المولى
فلا رجوع له عليه.
48

كتاب الرهن
49

كتاب الرهن (1)
(وهو وثيقة للدين) والوثيقة فعيلة بمعنى المفعول أي موثوق به
لأجل الدين، والتاء فيها لنقل اللفظ من الوصفية (2) إلى الاسمية كتاء
الحقيقة (3) لا للتأنيث، فلا يرد عدم المطابقة بين المبتدأ (4) والخبر (5)
51

في التذكير والتأنيث، وأتى بالدين معرفا من غير نسبة له (1) إلى المرتهن
حذرا من الدور (2) باعتبار أخذه في التعريف، وفي بعض النسخ لدين
المرتهن.
ويمكن تخلصه (3) منه (4) بكشفه (5) بصاحب الدين، أو من له
الوثيقة من غير أن يؤخذ الرهن في تعريفه (6). والتخصيص بالدين
إما مبني على عدم جواز الرهن على غيره وإن كان مضمونا كالغصب،
لكن فيه (7) أن المصنف قائل بجواز الرهن عليه، وعلى ما يمكن تطرق
52

ضمانه كالمبيع (1) وثمنه (2)، لاحتمال فساد البيع باستحقاقهما، ونقصان
قدرهما، أو (3) على أن الرهن عليهما (4) إنما هو لاستيفاء الدين
على تقدير ظهور الخلل بالاستحقاق، أو تعذر العين.
وفيه (5) تكلف، مع أنه (6) قد يبقى بحاله فلا يكون دينا،
وفيه (7) على تقدير عدم الإضافة إلى المرتهن إمكان الوثيقة بدون الرهن،
53

بل بالوديعة والعارية ومطلق وضع اليد فيؤخذ مقاصة عند جحود المديون
الدين، وهو (1) توثيق في الجملة، ويفتقر الرهن إلى إيجاب وقبول
كغيره من العقود.
(والإيجاب رهنتك، أو وثقتك) بالتضعيف، أو أرهنتك بالهمزة
(أو هذا رهن عندك، أو على مالك)، أو وثيقة عندك، أو خذه
على مالك، أو بمالك، أو أمسكه حتى أعطيك مالك بقصد الرهن،
(وشبهه) مما أدى هذا المعنى (2)، وإنما لم ينحصر هذا العقد في لفظ
كالعقود اللازمة (3)، ولا في الماضي (4)، لأنه (5) جائز من طرف
المرتهن الذي هو المقصود الذاتي منه (6) فغلب فيه (7) جانب الجائز
مطلقا (8)، وجوزه المصنف في الدروس بغير العربية، وفاقا للتذكرة.
54

(وتكفي الإشارة في الأخرس) وإن كان عارضا، (أو الكتابة
معها) أي مع الإشارة بما يدل على قصده، لا بمجرد الكتابة، لإمكان
العبث، أو إرادة أمر آخر (فيقول المرتهن: قبلت وشبهه) من الألفاظ
الدالة على الرضا بالإيجاب، وفي اعتبار المضي والمطابقة بين الإيجاب والقبول
وجهان. وأولى بالجواز هنا (1) لوقوعه (2) ممن هو ليس بلازم
من طرفه (3)، (ويشترط دوام الرهن) بمعنى عدم توقيته بمدة (4)، ويجوز
تعليق الإذن في التصرف على انقضاء أجل (5)، وإطلاقه (6)، فيتسلط
عليه من حين القبول والقبض إن اعتبرناه (فإن ذكر أجلا) للتصرف
(اشترط ضبطه) بما لا يحتمل الزيادة والنقصان، أما لو شرطه (7)
للرهن بطل العقد (8).
55

(ويجوز اشتراط الوكالة) في حفظ الرهن، وبيعه، وصرفه في الدين
(للمرتهن، وغيره، والوصية له (1)، ولوارثه (2) على تقدير موت
الراهن قبله، (وإنما يتم) الرهن (بالقبض على الأقوى) للآية (3)
والرواية (4). ومعنى عدم تماميته (5) بدونه (6) كونه (7) جزء السبب
للزومه من قبل الراهن كالقبض في الهبة بالنسبة إلى المتهب (8). وقيل:
يتم بدونه للأصل (9)، وضعف سند الحديث، ومفهوم (10) الوصف
في الآية. واشتراطه (11) بالسفر فيها وعدم الكاتب يرشد إلى كونه
56

للإرشاد، ويؤيده (1) كون استدامته (2) ليست بشرط، بل قبض (3)
المرتهن، لجواز توكيله الراهن فيه وهذا أقوى، وعلى اشتراطه (فلو جن)
الراهن، (أو مات، أو أغمي عليه، أو رجع فيه (4) قبل إقباضه
بطل) الرهن كما هو شأن العقود الجائزة عند عروض هذه الأشياء. وقيل:
لا يبطل، للزومه من قبل الراهن فكان كاللازم مطلقا (5)، فيقوم وليه
مقامه، لكن يراعي ولي المجنون مصلحته (6)، فإن كان الحظ (7)
في إلزامه (8) بأن يكون (9) شرطا في بيع يتضرر (10) بفسخه أقبضه (11)
وإلا (12) أبطله.
ويضعف بأن لزومه (13) على القول به (14) مشروط بالقبض،
57

فقبله (1) جائز مطلقا (2)، فيبطل كالهبة قبله (3)، ولو عرض ذلك (4)
للمرتهن فأولى بعدم البطلان (5) لو قيل به (6) ثم، ولو قيل به (7)
في طرف الراهن فالأقوى عدمه هنا (8). والفرق (9) تعلق حق الورثة
والغرماء بعد موت الراهن بماله، بخلاف موت المرتهن فإن الدين يبقى
فتبقى وثيقته (10) لعدم المنافي (11)، على هذا (12) لا يجبر الراهن
على الإقباض لعدم لزومه بعد إلا أن يكون مشروطا في عقد لازم (13)
فيبني على القولين (14).
58

(ولا يشترط دوام القبض)، للأصل بعد تحقق الامتثال به (1)
(فلو أعاده إلى الراهن فلا بأس) وهو موضع وفاق، (ويقبل إقرار
الراهن بالإقباض)، لعموم (2) إقرار العقلاء (إلا أن يعلم كذبه)
كما لو قال: رهنته اليوم داري التي بالحجاز وهما بالشام وأقبضته إياها
فلا يقبل، لأنه محال عادة، بناء على اعتبار وصول القابض، أو من يقوم
مقامه إلى الرهن في تحققه، (فلو ادعى) بعد الإقرار بالقبض (المواطأة)
على الإقرار والإشهاد عليه إقامة لرسم (3) الوثيقة حذرا من تعذر
ذلك (4) إذا تأخر إلى أن يتحقق القبض سمعت دعواه لجريان العادة
بذلك (5) (فله إحلاف المرتهن) على عدمها (6) وأنه (7) وقع موقعه.
هذا إذا شهد الشاهدان على إقراره، أما لو شهدا على نفس الإقباض
لم تسمع دعواه ولم يتوجه اليمين، وكذا لو شهدا على إقراره به فأنكر
الإقرار لأنه تكذيب للشهود، ولو ادعى الغلط في إقراره وأظهر تأويلا
ممكنا فله إحلاف المرتهن أيضا (8)، وإلا (9) فلا على الأقوى.
59

(ولو كان) الرهن (بيد المرتهن فهو قبض) لصدق كونه رهنا
مقبوضا، ولا دليل على اعتباره (1) مبتدأ بعد العقد، وإطلاق العبارة (2)
يقتضي عدم الفرق بين المقبوض بإذن وغيره كالمغصوب. وبه صرح
في الدروس، والوجه (3) واحد، وإن كان منهيا عن القبض هنا (4)
لأنه (5) في غير العبادة غير مفسد. وقيل: لا يكفي ذلك (6)، لأنه (7)
على تقدير اعتباره في اللزوم ركن فلا يعتد بالمنهي عنه منه (8)، وإنما
لا يقتضي (9) الفساد حيث تكمل (10) الأركان، ولهذا (11) لا يعتد به (12)
لو ابتدأه بغير إذن الراهن، (و) على الاكتفاء به (13) (لا يفتقر
60

إلى أذن) جديد (في القبض (1)، ولا إلى مضي زمان) يمكن فيه
تجديده (2) لتحقق القبض قبله (3)، فاعتبار أمر آخر (4) تحصيل
للحاصل (5)، وللأصل (6).
وقيل: يشترطان (7) في مطلق القبض السابق (8)، وقيل: في غير
الصحيح (9)، لأن (10)،
61

المعتبر منه (1) ما وقع بعد الرهن وهو (2) لا يتم إلا بإذن (3)
كالمبتدأ (4)، والإذن فيه (5) يستدعي تحصيله، ومن ضروراته (6)
مضي زمان، فهو (7) دال عليه (8) بالمطابقة، وعلى الزمان (9)
بالالتزام (10)،
62

لكن (1) مدلوله المطابقي منتف، لإفضائه (2) إلى تحصيل الحاصل (3)
واجتماع الأمثال (4)، فيبقى الالتزامي (5) ويضعف (6) بمنع اعتبار
المقيد بالبعدية، بل الأعم (7) وهو (8) حاصل، والزمان (9) المدلول
عليه التزاما من توابعه ومقدماته فيلزم من عدم اعتباره (10) انتفاؤه (11)،
نعم لو كان قبضه (12)،
63

بغير إذن توجه اعتبارهما (1) لما تقدم (2)، وعلى تقديره (3) فالضمان باق
إلى أن يتحقق ما يزيله (4) من قبل المالك على الأقوى.
(ولو كان) الرهن (مشاعا فلا بد من إذن الشريك في القبض،
أو رضاه بعده)، سواء كان مما ينقل أم لا، لاستلزامه (5) التصرف
في مال الشريك، وهو (6) منهي عنه بدون إذنه، فلا يعتد به شرعا.
ويشكل فيما يكفي فيه مجرد التخلية، فإنها لا تستدعي تصرفا،
بل رفع يد الراهن عنه (7) وتمكينه (8) منه وعلى تقدير اعتباره (9)
فلو قبضه بدون إذن الشريك وفعل محرما فهل يتم القبض قولان، منشؤهما
النهي المانع كما لو وقع بدون إذن الراهن، وهو اختيار المصنف، وأن النهي
إنما هو لحق الشريك فقط، للإذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر
64

شرعا. وهو أجود، ولو اتفقا على قبض الشريك جاز فيعتبر سماعه
الإذن فيه.
(والكلام: إما في الشروط، أو اللواحق)
(الأول: شرط الرهن أن يكون عينا مملوكة يمكن قبضها ويصح
بيعها) هذه الشرائط منها ما هو شرط الصحة وهو الأكثر (1)، ومنها
ما هو شرط في اللزوم كالمملوكية، باعتبار رهن ملك الغير (2) ولا يضر
ذلك (3)، لأنها شروط في الجملة، ولأن المملوكية تشتمل على شرط
الصحة في بعض محترزاتها (4) (فلا يصح رهن المنفعة) كسكنى الدار
وخدمة العبد، لعدم إمكان قبضها، إذ لا يمكن إلا بإتلافها (5)،
ولتعذر تحصيل المطلوب في الرهن منها (6) وهو استيفاء الدين منه، وهي
إنما تستوفى شيئا فشيئا، وكلما حصل منها شئ عدم ما قبله. كذا قيل.
وفيه نظر (7)، (ولا الدين) بناء على ما اختاره من اشتراط القبض
65

لأن الدين أمر كلي لا وجود له في الخارج يمكن قبضه، وما يقبض
بعد ذلك ليس نفسه (1)، وإن وجد في ضمنه. ويحتمل جوازه (2)
على هذا القول، ويكتفى بقبض ما يعينه المديون، لصدق قبض الدين
عليه عرفا كهبة ما في الذمة.
وعلى القول بعدم اشتراط القبض لا مانع من صحة رهنه، وقد صرح
العلامة في التذكرة ببناء الحكم (3) على القول باشتراط القبض وعدمه
فقال: لا يصح رهن الدين إن شرطنا في الرهن القبض، لأنه لا يمكن
قبضه، لكنه في القواعد جمع بين الحكم بعدم اشتراط القبض، وعدم جواز
رهن الدين، فتعجب منه المصنف في الدروس. وتعجبه في موضعه،
والاعتذار له عن ذلك بعدم المنافاة بين عدم اشتراطه (4)،
66

واعتبار كونه (1) مما يقبض مثله مع تصريحه بالبناء المذكور غير مسموع.
(ورهن المدبر إبطال لتدبيره على الأقوى)، لأنه من الصيغ
الجائزة فإذا تعقبه ما ينافيه أبطله، لكونه رجوعا (2) إذ لا يتم المقصود
من عقد الرهن إلا بالرجوع. وقيل: لا يبطل به (3) لأن الرهن
لا يقتضي نقله عن ملك الراهن، ويجوز فكه فلا يتحقق التنافي (4)
بمجرده، بل بالتصرف. وحينئذ (5) فيكون التدبير مراعى بفكه (6)
فيستقر (7)، أو يأخذه (8) في الدين فيبطل (9)، واستحسنه في الدروس
(ولا رهن الخمر والخنزير إذا كان الراهن مسلما، أو المرتهن (10))
وإن وضعهما على يد ذمي، لأن يد الودعي كيد المستودع، خلافا للشيخ
67

حيث أجازه كذلك (1)، محتجا بأن حق الوفاء إلى الذمي فيصح،
كما لو باعهما وأوفاه ثمنهما، والفرق واضح (2)، (ولا رهن الحر مطلقا)
من مسلم وكافر، عند مسلم وكافر، إذ لا شبهة في عدم ملكه، (ولو رهن
ما لا يملك) الراهن وهو مملوك لغيره (وقف على الإجازة) من مالكه
فإن أجازه صح على أشهر الأقوال من كون عقد الفضولي موقوفا مطلقا (3)
وإن رده بطل.
(ولو استعار للرهن صح) ثم إن سوغ له المالك الرهن كيف شاء
جاز مطلقا (4)، وإن أطلق ففي جوازه (5) فيتخير (6) كما لو عمم (7)
68

أو المنع (1) للغرر (2) قولان، اختار أولهما (3) في الدروس،
وعلى الثاني (4) فلا بد من ذكر قدر الدين، وجنسه، ووصفه وحلوله
أو تأجيله، وقدر الأجل، فإن تخطى حينئذ كان فضوليا، إلا أن يرهن
على الأقل فيجوز بطريق أولى، ويجوز الرجوع في العارية ما لم ترهن
عملا بالأصل (5).
(وتلزم (6) بعقد الرهن) فليس للمعير الرجوع فيها بحيث يفسخ
الرهن وإن جاز له مطالبة الراهن بالفك عند الحلول. ثم إن فكه ورده
تاما برئ، (ويضمن الراهن لو تلف) وإن كان بغير تفريط، (أو بيع)
بمثله إن كان مثليا، وقيمته يوم التلف إن كان قيميا.
هذا إذا كان التلف بعد الرهن، أما قبله فالأقوى أنه كغيره
من الأعيان المعارة، وعلى تقدير بيعه فاللازم لمالكه ثمنه إن بيع بثمن
المثل، ولو بيع بأزيد فله (7) المطالبة بما بيع به.
(ويصح رهن الأرض الخراجية) كالمفتوحة عنوة، والتي صالح
الإمام عليه الصلاة والسلام أهلها على أن تكون ملكا للمسلمين، وضرب
عليهم الخراج كما يصح بيعها (تبعا للأبنية والشجر)، لا منفردة.
69

(ولا رهن الطير في الهواء) لعدم إمكان قبضه، ولو لم يشترطه (1)
أمكن الجواز، لإمكان الاستيفاء منه ولو بالصلح عليه، (إلا إذا اعتيد)
عوده، كالحمام الأهلي فيصح لإمكان قبضه عادة، (ولا السمك في الماء
إلا إذا كان محصورا مشاهدا) بحيث لا يتعذر قبضه عادة، ويمكن
العلم به، (ولا رهن المصحف عند الكافر، أو العبد المسلم) لاقتضائه
الاستيلاء عليهما، والسبيل (2) على بعض الوجوه ببيع ونحوه، (إلا أن يوضعا
على يد مسلم)، لانتفاء السبيل بذلك، وإن لم يشترط بيعه للمسلم،
لأنه حينئذ لا يستحق الاستيفاء من قيمته إلا ببيع المالك، أو من يأمره
أو الحاكم مع تعذره، ومثله لا يعد سبيلا لتحققه وإن لم يكن هناك رهن
(ولا رهن الوقف) لتعذر استيفاء الحق منه بالبيع، وعلى تقدير
جواز بيعه بوجه يجب أن يشتري بثمنه ملكا يكون وقفا فلا يتجه الاستيفاء
منه مطلقا (3). نعم لو قيل بعدم وجوب إقامة بدله أمكن رهنه حيث
يجوز بيعه (4)، (ويصح الرهن في زمن الخيار) لثبوت الثمن في الذمة
وإن لم يكن (5) مستقرا (وإن كان) الخيار (للبائع، لانتقال المبيع)
إلى ملك المشتري (بالعقد على الأقوى)، لأن صحة البيع تقتضي ترتب
أثره، ولأن سبب الملك هو العقد فلا يتخلف عنه المسبب (6)،
وعلى قول الشيخ بعدم انتقاله إلى ملك المشتري إذا كان الخيار للبائع،
70

أو لهما لا يصح الرهن على الثمن قبل انقضائه (1).
(ويصح رهن العبد المرتد ولو عن فطرة)، لأنه لم يخرج بها (2)
عن الملك، وإن وجب قتله، لأنه حينئذ كرهن المريض الميؤوس من برئه
ولو كان امرأة، أو مليا فالأمر أوضح، لعدم قتلها مطلقا (3)،
وقبول توبته (4)، (والجاني (5) مطلقا) عمدا وخطأ، لبقاء المالية
وإن استحق العامد القتل، ولجواز العفو. ثم إن قتل بطل الرهن.
وإن فداه مولاه أو عفى الولي بقي رهنا، ولو استرق بعضه بطل الرهن
فيه خاصة، وفي كون رهن المولى له في الخطأ التزاما بالفداء وجهان
كالبيع (6) (فإن عجز المولى عن فكه قدمت الجناية) لسبقها (7)، ولتعلق
حق المجني عليه بالرقبة، ومن ثم لو مات الجاني لم يلزم السيد (8)
بخلاف المرتهن فإن حقه لا ينحصر فيها (9)،
71

بل تشتركها (1) ذمة الراهن، (ولو رهن ما يتسارع إليه الفساد
قبل الأجل) بحيث لا يمكن إصلاحه كتجفيف العنب، والرطب
(فليشترط بيعه، ورهن ثمنه) فيبيعه الراهن ويجعل ثمنه رهنا، فإن امتنع
منه رفع المرتهن أمره إلى الحاكم ليبيعه، أو يأمر به (2)، فإن تعذر
جاز له البيع، دفعا للضرر، والحرج.
(ولو أطلق (3) الرهن ولم يشترط بيعه، ولا عدمه (حمل
عليه (4)) جمعا بين الحقين (5) مع كونه (6) حالة الرهن صالحا له.
وقيل: يبطل، لعدم اقتضاء الإطلاق البيع، وعدم صلاحيته، لكونه (7)
72

رهنا على الدوام، فهو في قوة الهالك وهو (1) ضعيف، لكونه عند
العقد مالا تاما وحكم الشارع ببيعه على تقدير امتناعه منه صيانة للمال
جائز (2)، لفساده (3)، واحترز بقوله: قبل الأجل، عما لو كان
لا يفسد إلا بعد حلوله بحيث يمكن بيعه قبله (4) فإنه لا يمنع، وكذا
لو كان الدين حالا، لإمكان حصول المقصود منه، ويجب على المرتهن
السعي على بيعه بأحد (5) الوجوه، فإن ترك مع إمكانه (6) ضمن،
إلا أن ينهاه المالك فينتفي الضمان، ولو أمكن إصلاحه بدون البيع لم يجز
بيعه بدون إذنه، ومؤنة إصلاحه على الراهن كنفقة الحيوان.
(وأما المتعاقدان: فيشترط فيهما الكمال)
بالبلوغ، والعقل، والرشد، والاختيار، (وجواز التصرف)
برفع الحجر عنهما في التصرف المالي، (ويصح رهن مال الطفل للمصلحة)
كما إذا افتقر إلى الاستدانة لنفقته، وإصلاح عقاره، ولم يكن يبع شئ
73

من ماله أعود (1)، أو لم يمكن وتوقفت (2) على الرهن، ويجب
كونه (3) على يد ثقة يجوز (4) إيداعه منه، (و) كذا يصح (أخذ
الرهن له (5)، كما إذا أسلف ماله مع ظهور الغبطة، أو خيف على ماله
من غرق، أو نهب). والمراد بالصحة هنا (6) الجواز بالمعنى الأعم.
والمقصود منه الوجوب، ويعتبر كون الرهن مساويا للحق، أو زائدا عليه
ليمكن استيفاؤه منه، وكونه بيد الولي، أو يد عدل ليتم التوثق،
والإشهاد (7) على الحق لمن يثبت به عند الحاجة إليه عادة. فلو أخل
ببعض هذه ضمن مع الإمكان.
(ولو تعذر الرهن هنا) وهو في موضع الخوف على ماله (أقرض
من ثقة عدل غالبا) هكذا (8) اتفقت النسخ، والجمع بين العدل
والثقة تأكيد، أو حاول تفسير الثقة بالعدل لوروده كثيرا في الأخبار (9)
74

وكلام (1) الأصحاب محتملا (2) لما هو أعم منه.
ووصف الغلبة للتنبيه على أن العدالة لا تعتبر في نفس الأمر،
ولا في الدوام، لأن عروض الذنب ليس بقادح على بعض الوجوه
كما عرفته في باب الشهادات، والمعتبر وجودها غالبا.
(وأما الحق فيشترط ثبوته في الذمة)
أي استحقاقه فيها وإن لم يكن مستقرا (كالقرض (3) وثمن المبيع)
ولو في زمن الخيار، (والدية بعد استقرار الجناية) وهو انتهاؤها إلى الحد
الذي لا يتغير موجبها لا قبله (4)، لأن ما حصل بها (5) في معرض
الزوال بالانتقال إلى غيره (6). ثم إن كانت حالة، أو لازمة للجاني
كشبيه العمد جاز الرهن عليها (7) مطلقا (8)، (وفي الخطأ) المحض
لا يجوز الرهن عليها قبل الحلول، لأن المستحق عليه غير معلوم،
75

إذ المعتبر من وجد منهم عند حلولها مستجمعا للشرائط بخلاف الدين
المؤجل، لاستقرار الحق والمستحق عليه.
ويجوز الرهن (عند الحلول على قسطه) وهو الثلث بعد حلول كل
حول من الثلاثة.
(ومال الكتابة (1) وإن كانت مشروطة على الأقرب) لأنها لازمة
للمكاتب (2) مطلقا (3) على الأصح. والقول الآخر أن المشروطة جائزة
من قبل المكاتب فيجوز له تعجيز (4) نفسه، فلا يصح الرهن
على مالها (5)، لانتفاء فائدته (6) إذ له إسقاطه (7) متى شاء.
وهو على تقدير تسليمه (8) غير مانع منه كالرهن على الثمن في مدة
الخيار.
وفي قول ثالث: أن المشروطة جائزة من الطرفين، والمطلقة لازمة
من طرف السيد خاصة، ويتوجه (9) عدم صحة الرهن أيضا كالسابق (10).
76

(ومال (1) الجعالة بعد الرد)، لثبوته في الذمة (2) حينئذ
(لا قبله (3)) وإن شرع فيه (4) لأنه لا يستحق شيئا منه إلا بتمامه (5)
وقيل: يجوز بعد الشروع، لأنه يؤول إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار،
وهو ضعيف. والفرق واضح، لأن البيع يكفي في لزومه إبقاؤه على حاله
فتنقضي المدة، والأصل عدم الفسخ عكس الجعالة (6).
(ولا بد من إمكان استيفاء الحق من الرهن) لتحصل الفائدة
المطلوبة من التوثق به (فلا يصح الرهن على منفعة المؤجر عينه مدة
معينة)، لأن تلك المنفعة الخاصة لا يمكن استيفاؤها إلا من العين المخصوصة
حتى لو تعذر الاستيفاء منها بموت ونحوه بطلت الإجارة، (فلو آجره
في الذمة جاز) كما لو استأجره على تحصيل خياطة ثوب بنفسه أو بغيره،
لإمكان استيفائها حينئذ من الرهن، فإن الواجب تحصيل المنفعة على أي
وجه اتفق، (وتصح زيادة الدين على الرهن) فإذا استوفى الرهن بقي
الباقي منه متعلقا بذمته (7)، (وزيادة الرهن على الدين) وفائدته سعة
الوثيقة، ومنع الراهن من التصرف في المجموع فيكون باعثا على الوفاء،
ولإمكان تلف بعضه فيبقى الباقي حافظا للدين.
77

(وأما اللواحق فمسائل):
الأولى (إذا شرط الوكالة في الرهن لم يملك عزله) على ما ذكره
جماعة منهم العلامة، لأن الرهن لازم من جهة الراهن وهو الذي شرطها (1)
على نفسه فيلزم من جهته.
(ويضعف بأن المشروط في اللازم (2) يؤثر جواز الفسخ لو أخل
بالشرط، لا وجوب (3) الشرط) كما تقدم من أن المشروط في العقد
اللازم يقلبه جائزا عند المصنف وجماعة، فحينئذ (4) إنما يفيد إخلال
الراهن بالوكالة تسلط المرتهن على فسخ العقد، وذلك (5) لا يتم في عقد
الرهن، لأنه (6) دفع ضرر بضرر أقوى (7)، وإنما تظهر الفائدة (8)
فيما لو كان الراهن قد شرطها (9) في العقد اللازم كبيع (فحينئذ لو فسخ)
78

الراهن (الوكالة فسخ المرتهن البيع المشروط (1) بالرهن)، والوكالة
(إن كان) هناك بيع مشروط فيه ذلك (2)، وإلا (3) فات الشرط
على المرتهن بغير فائدة.
ويشكل بما تقدم (4) من وجوب الوفاء بالشرط، عملا بمقتضى
الأمر (5)، خصوصا في ما يكون العقد المشروط فيه كافيا في تحققه (6)
كالوكالة (7) على ما حققه (8)،
79

المصنف من أنه (1) يصير كجزء من الإيجاب والقبول يلزم (2)
حيث يلزمان.
ولما كان الرهن لازما من جهة الراهن فالشرط من قبله كذلك (3)
خصوصا هنا (4)، فإن فسخ المشروط فيه وهو الرهن إذا لم يكن
في بيع (5) لا يتوجه (6)، لأنه يزيد ضررا فلا يؤثر فسخه (7) لها (8)
وإن كانت جائزة بحسب أصلها، لأنها قد صارت لازمة بشرطها
في اللازم (9) على ذلك الوجه (10).
(الثانية - يجوز للمرتهن ابتياعه (11)) من نفسه إذا كان وكيلا
في البيع، ويتولى طرفي العقد، لأن الغرض بيعه بثمن المثل وهو (12)
80

حاصل، وخصوصية المشتري ملغاة حيث لم يتعرض (1) لها. وربما قيل
بالمنع، لأن ظاهر الوكالة لا يتناوله (2)، وكذا يجوز بيعه على ولده
بطريق أولى. وقيل: لا (وهو مقدم به على الغرماء) حيا كان الراهن
أم ميتا، مفلسا كان أم لا، لسبق تعلق حقه، (ولو أعوز) الرهن ولم
يف بالدين (ضرب (3) بالباقي) مع الغرماء على نسبته (4).
(الثالثة - لا يجوز لأحدهما التصرف فيه) بانتفاع، ولا نقل ملك،
ولا غيرهما إذا لم يكن المرتهن وكيلا، وإلا جاز له التصرف بالبيع
والاستيفاء خاصة كما مر، (ولو كان له نفع) كالدابة، والدار (أوجر)
باتفاقهما، وإلا (5) آجره الحاكم.
وفي كون الأجرة رهنا كالأصل قولان كما في النماء المتجدد مطلقا (6).
(ولو احتاج إلى مؤنة) كما إذا كان حيوانا (فعلى الراهن) مؤنته
لأنه المالك، فإن كان في يد المرتهن وبذلها الراهن أو أمره بها، أنفق ورجع
بما غرم، وإلا استأذنه، فإن امتنع (7)، أو تعذر استئذانه لغيبة أو نحوها،
رفع أمره إلى الحاكم، فإن تعذر أنفق هو بنية الرجوع، وأشهد عليه
ليثبت استحقاقه بغير يمين ورجع (8)، فإن لم يشهد فالأقوى قبول قوله
81

في قدر المعروف منه بيمينه، ورجوعه (1) به.
(ولو انتفع المرتهن به (2) بإذنه) على وجه العوض، أو بدونه
مع الإثم (لزمه الأجرة)، أو عوض المأخوذ كاللبن، (وتقاصا (3))
ورجع ذو الفضل بفضله. وقيل: تكون النفقة في مقابلة الركوب واللبن
مطلقا (4)، استنادا إلى رواية (5) حملت على الإذن في التصرف والإنفاق
مع تساوي الحقين (6)، ورجح في الدروس جواز الانتفاع بما يخاف
فوته على المالك عند تعذر استئذانه، واستئذان الحاكم. وهو حسن.
(الرابعة يجوز للمرتهن الاستقلال بالاستيفاء) إذا لم يكن وكيلا
(لو خاف جحود الوارث)، ولا بينة له على الحق (إذ القول قول
الوارث مع يمينه في عدم الدين، وعدم الرهن) لو ادعى المرتهن الدين
82

والرهن. والمرجع في الخوف إلى القرائن الموجبة للظن الغالب بجحوده (1)،
وكذا يجوز له ذلك (2) لو خاف جحود الراهن ولم يكن وكيلا، ولو كان
له بينة مقبولة عند الحاكم لم يجز له (3) الاستقلال بدون إذنه، ولا يلحق
بخوف الجحود احتياجه (4) إلى اليمين لو اعترف، لعدم التضرر باليمين
الصادق وإن كان تركه تعظيما لله أولى.
(الخامسة لو باع أحدهما) بدون الإذن (5) (توقف على إجازة
الآخر)، فإن كان البائع الراهن بإذن المرتهن، أو إجازته بطل الرهن
من العين والثمن، إلا أن يشترط كون الثمن رهنا، سواء كان الدين حالا
أم مؤجلا فيلزم الشرط، وإن كان البائع المرتهن كذلك بقي الثمن رهنا
وليس له التصرف فيه إذا كان حقه مؤجلا إلى أن يحل.
ثم إن وافقه (6) جنسا ووصفا صح، وإلا (7) كان كالرهن.
(وكذا عتق الراهن) يتوقف على إجازة المرتهن فيبطل (8) برده
83

ويلزم بإجازته، أو سكوته إلى (1) أن فك الرهن بأحد أسبابه. وقيل:
يقع العتق باطلا بدون الإذن السابق (2)، نظرا إلى كونه لا يقع موقوفا،
(لا) إذا أعتق (المرتهن) فإن العتق يقع باطلا قطعا متى لم يسبق
الإذن (3)، إذ لا عتق إلا في ملك (4)، ولو سبق (5) وكان العتق
عن الراهن، أو مطلقا (6) صح، ولو كان عن المرتهن صح أيضا،
وينتقل ملكه إلى المعتق قبل إيقاع الصيغة المقترنة بالإذن كغيره (7)
من المأذونين فيه.
(ولو وطأها الراهن) بإذن المرتهن، أو بدونه وإن فعل محرما
(صارت مستولدة مع الإحبال)، لأنها لم تخرج عن ملكه بالرهن
وإن منع من التصرف فيها (وقد سبق) في شرائط المبيع (جواز
بيعها حينئذ (8)، لسبق حق المرتهن على الاستيلاد المانع منه (9).
84

وقيل: يمنع مطلقا (1)، للنهي عن بيع أمهات الأولاد (2) المتناول
بإطلاقه هذا الفرد، وفصل ثالث بإعسار الراهن فتباع، ويساره فتلزمه
القيمة تكون رهنا، جمعا بين الحقين (3). وللمصنف في بعض تحقيقاته
تفصيل رابع وهو بيعها مع وطئه بغير إذن المرتهن، ومنعه مع وقوعه
بإذنه.
وكيف كان فلا تخرج عن الرهن بالوطئ، ولا بالحبل، بل يمتنع
البيع ما دام الولد حيا، لأنه مانع طارئ، فإن مات بيعت للرهن (4)
لزوال المانع، (ولو وطأها المرتهن فهو زان)، لأنه وطأ أمة الغير بغير
إذنه.
(فإن أكرهها فعليه العشر أن كانت بكرا، وإلا) تكن بكرا
(فنصفه)، للرواية (5)، والشهرة، (وقيل: مهر المثل)، لأنه عوض
الوطئ شرعا. وللمصنف في بعض حواشيه قول بتخير المالك بين
الأمرين (6)، ويجب مع ذلك (7) أرش البكارة، ولا يدخل
85

في المهر، ولا العشر، لأنه حق جناية، وعوض جزء فائت، والمهر
على التقديرين (1) عوض الوطئ.
ولا يشكل بأن البكارة إذا أخذ أرشها صارت ثيبا فينبغي أن يجب
مهر الثيب، لأنه (2) قد صدق وطؤها بكرا وفوت منها جزء فيجب
عوض كل منهما (3)، لأن أحدهما (4) عوض جزء، والآخر (5)،
عوض منفعة.
(وإن طاوعته فلا شئ)، لأنها بغي ولا مهر لبغي (6).
وفيه أن الأمة لا تستحق المهر، ولا تملكه فلا ينافي ثبوته (7)
لسيدها مع كون التصرف في ملكه بغير إذنه " ولا تزر وازرة وزر
أخرى (8) ". والقول بثبوته عليه (9) مطلقا (10) أقوى، مضافا
إلى أرش البكارة كما مر (11). وقد تقدم مثله.
86

(السادسة الرهن لازم من جهة الراهن حتى يخرج عن الحق)
بأدائه ولو من متبرع غيره. وفي حكمه (1) ضمان الغير له مع قبول
المرتهن، والحوالة به (2)، وإبراء المرتهن له منه. وفي حكمه (3) الإقالة
المسقطة للثمن المرهون به، أو للمثمن (4) المسلم فيه المرهون به.
والضابط براءة ذمة الراهن من جميع الدين، ولو خرج من بعضه (5)
ففي خروج الرهن أجمع، أو بقائه كذلك (6)، أو بالنسبة أوجه.
ويظهر من العبارة بقاؤه أجمع، وبه صرح في الدروس، ولو شرط
كونه رهنا على المجموع خاصة تعين الأول (7)، كما أنه لو جعله رهنا
على كل جزء منه فالثاني (8). وحيث يحكم بخروجه عن الرهانة (فيبقى
87

أمانة في يد المرتهن) مالكية لا يجب تسليمه إلا مع المطالبة، لأنه مقبوض
بإذنه وقد كان وثيقة وأمانة، فإذا انتفى الأول (1) بقي الثاني (2)،
ولو كان الخروج من الحق بإبراء المرتهن من غير علم الراهن وجب عليه
إعلامه به، أو رد الرهن، بخلاف ما إذا علم.
(ولو شرط كونه مبيعا عند الأجل بطلا) الرهن والبيع، لأن
الرهن لا يؤقت، والبيع لا يعلق، (و) لو قبضه كذلك (3)
(ضمنه (4) بعد الأجل)، لأنه حينئذ بيع فاسد، وصحيحه مضمون،
ففاسده كذلك، (لا قبله (5))، لأنه حينئذ رهن فاسد، وصحيحه
غير مضمون ففاسده كذلك، قاعدة (6) مطردة. ولا فرق في ذلك (7)
بين علمهما بالفساد، وجهلهما، والتفريق (8).
(السابعة يدخل النماء المتجدد) المنفصل كالولد والثمرة (في الرهن
على الأقرب)، بل قيل: إنه إجماع، ولأن (9) من شأن النماء تبعية
88

الأصل، (إلا مع شرط عدم الدخول) فلا إشكال حينئذ (1) في عدم
دخوله، عملا بالشرط، كما أنه لو شرط دخوله ارتفع الإشكال (2).
وقيل: لا يدخل بدونه (3) للأصل، ومنع الإجماع. والتبعية (4)
في الملك، لا في مطلق الحكم. وهو أظهر، ولو كان متصلا كالطول
والسمن دخل إجماعا.
(الثامنة ينتقل حق الرهانة إلى الوارث بالموت)، لأنه مقتضى
لزوم العقد من طرف الراهن، ولأنه وثيقة على الدين فيبقى ما بقي (5)
ما لم يسقطه المرتهن، (لا الوكالة، والوصية (6) لأنهما إذن
في التصرف يقتصر بهما على من أذن له، فإذا مات (7) بطل (8)
كنظائره من الأعمال المشروطة بمباشر معين (9)، (إلا مع الشرط)
89

بأن يكون (1) للوارث بعده (2)، أو لغيره فيلزم عملا بالشرط.
(وللراهن الامتناع من استئمان الوارث) وإن شرط له وكالة البيع
والاستيفاء، لأن الرضا (3) بتسليم (4) المورث لا يقتضيه (5) ولاختلاف
الأشخاص فيه (6) (وبالعكس) للوارث (7) الامتناع من استئمان الراهن
عليه (8) (فليتفقا على أمين) يضعانه تحت يده وإن لم يكن عدلا،
لأن الحق لا يعدوهما (9) فيتقيد برضاهما، (وإلا) يتفقا (فالحاكم)
يعين له عدلا يقبضه لهم، وكذا لو مات الراهن فلورثته الامتناع من إبقائه
في يد المرتهن، لأنه في القبض بمنزلة الوكيل تبطل بموت الموكل وإن كانت
مشروطة في عقد لازم، إلا أن يشترط استمرار الوضع بعد موته فيكون
بمنزلة الوصي في الحفظ.
(التاسعة لا يضمن المرتهن) الرهن إذا تلف في يده، (إلا بتعد
أو تفريط (10))، ولا يسقط بتلفه شئ من حق المرتهن، فإن تعدى
90

فيه، أو فرط ضمنه (فتلزم قيمته يوم تلفه) إن كان قيميا
(على الأصح)، لأنه (1) وقت الانتقال إلى القيمة، والحق قبله (2)
كان منحصرا في العين وإن كانت مضمونة.
ومقابل الأصح اعتبار قيمته يوم القبض (3)، أو أعلى القيم من يوم
القبض إلى يوم التلف، أو من حين التلف إلى حين الحكم عليه بالقيمة
كالغاصب (4).
ويضعف بأنه قبل التفريط غير مضمون فكيف تعتبر قيمته فيه (5)
وبأن المطالبة (6) لا دخل لها في ضمان القيمي (فالأقوى الأول (7)
مطلقا (8)).
هذا إذا كان الاختلاف بسبب السوق، أو نقص في العين غير
مضمون، أما لو نقصت العين بعد التفريط بهزال ونحوه، ثم تلف
اعتبر أعلى القيم المنسوبة (9) إلى العين من حين التفريط إلى التلف،
ولو كان مثليا ضمنه بمثله إن وجد، وإلا فقيمة المثل عند الأداء
91

على الأقوى، لأن الواجب عنده إنما كان المثل وإن كان متعذرا، وانتقاله
إلى القيمة بالمطالبة (1)، بخلاف القيمي لاستقرارها في الذمة من حين
التلف مطلقا (2).
(ولو اختلفا في القيمة حلف المرتهن)، لأنه المنكر، والأصل
برائته من الزائد. وقيل: الراهن (3)، نظرا إلى كون المرتهن صار
خائنا بتفريطه فلا يقبل قوله.
ويضعف بأن قبول قوله من جهة إنكاره، لا من حيث كونه
أمينا، أو خائنا.
(العاشرة - لو اختلفا في) قدر (الحق المرهون به، حلف
الراهن على الأقرب) لأصالة عدم الزيادة، وبراءة ذمته منها، ولأنه
منكر، وللرواية (4). وقيل: قول المرتهن استنادا إلى رواية (5)
ضعيفة، (ولو اختلفا في الرهن والوديعة) بأن قال المالك: هو وديعة،
وقال الممسك: هو رهن (حلف المالك) لأصالة عدم الرهن، ولأنه
منكر، وللرواية (6) الصحيحة.
وقيل: يحلف الممسك استنادا إلى رواية ضعيفة (7). وقيل:
92

الممسك إن اعترف له المالك بالدين، والمالك إن أنكره (1) جمعا بين
الأخبار (2)، وللقرينة (3). وضعف المقابل (4) يمنع من تخصيص الآخر
(ولو اختلفا في عين الرهن) فقال: رهنتك العبد فقال: بل الجارية
(حلف الراهن) خاصة (وبطلا (5))، لانتفاء ما يدعيه الراهن بإنكار
المرتهن، لأنه (6) جائز من قبله فيبطل بإنكاره، لو كان (7) حقا،
وانتفاء (8) ما يدعيه المرتهن بحلف الراهن.
(ولو كان) الرهن (مشروطا في عقد لازم تحالفا)، لأن إنكار
المرتهن هنا يتعلق بحق الراهن حيث إنه يدعي عدم الوفاء بالشرط الذي
93

هو ركن من أركان ذلك العقد اللازم فيرجع الاختلاف إلى تعيين الثمن (1)
لأن شرط الرهن من مكملاته فكل يدعي ثمنا غير ما يدعيه الآخر فإذا
تحالفا بطل الرهن، وفسخ المرتهن العقد المشروط فيه (2) إن شاء،
ولم يمكن استدراكه (3) كما لو مضى الوقت المحدود له (4). وقيل: يقدم
قول الراهن كالأول (5).
(الحادية عشر لو أدى (6) دينا وعين به رهنا) بأن كان عليه
ديون وعلى كل واحد رهن خاص فقصد بالمؤدى (7) أحد الديون
بخصوصه ليفك رهنا (فذاك) هو المتعين، لأن مرجع التعيين إلى قصد
المؤدي (8)، (وإن أطلق) ولم يسم أحدها (9) لفظا لكن قصده
94

(فتخالفا في القصد) فادعى كل منهما (1) قصد الدافع دينا غير الآخر
(حلف الدافع) على ما ادعى قصده، لأن الاعتبار بقصده وهو أعلم به
وإنما احتيج إلى اليمين مع أن مرجع النزاع إلى قصد الدافع، ودعوى
الغريم العلم به غير معقول، لإمكان اطلاعه عليه بإقرار القاصد، ولو تخالفا
فيما تلفظ بإرادته فكذلك (2). ويمكن رده (3) إلى ما ذكره (4)
من التخالف في القصد، إذ العبرة به (5)، واللفظ كاشف عنه.
(وكذا لو كان عليه دين خال) عن الرهن، وآخر به رهن
(فادعى الدفع عن المرهون به) ليفك الرهن، وادعى الغريم الدفع
عن الخالي ليبقى الرهن فالقول قول الدافع مع يمينه، لأن الاختلاف يرجع
إلى قصده الذي لا يعلم إلا من قبله (6) كالأول (7).
95

(الثانية عشر - لو اختلفا فيما يباع به الرهن) فأراد المرتهن بيعه
بنقد، والراهن بغيره (بيع بالنقد الغالب)، سواء وافق مراد أحدهما
أم خالفهما، والبائع المرتهن إن كان وكيلا (1)، والغالب (2) موافق
لمراده، أو رجع (3) إلى الحق، وإلا (4) فالحاكم، (فإن غلب نقدان
بيع بمشابه الحق (5)) منهما (6) إن اتفق، (فإن باينهما (7) عين الحاكم)
إن امتنعا من التعيين.
وإطلاق الحكم بالرجوع إلى تعيين الحاكم يشمل ما لو كان أحدهما (8)
96

أقرب إلى الصرف إلى الحق، وعدمه (1)، وفي الدروس: لو كان أحدهما
وعنى به (2) المتباينين أسهل صرفا إلى الحق تعين، وهو حسن. وفي التحرير:
لو بايناه (3) بيع بأوفرهما حظا (4). وهو أحسن، فإنه ربما كان عسر
الصرف أصلح للمالك (5) وحيث يباع بغير مراده (6) ينبغي مراعاة
الحظ له كغيره (7) ممن يلي عليه الحاكم.
97

كتاب الحجر
99

كتاب الحجر (1)
(وأسبابه ستة) بحسب ما جرت العادة بذكره في هذا الباب،
وإلا فهي أزيد من ذلك مفرقة في تضاعيف الكتاب، كالحجر على الراهن
في المرهون، وعلى المشتري فيما اشتراه قبل دفع الثمن، وعلى البائع في الثمن
المعين قبل تسليم المبيع، وعلى المكاتب في كسبه لغير الأداء والنفقة،
وعلى المرتد الذي يمكن عوده إلى الإسلام (2). والستة المذكورة هنا هي:
(الصغر. والجنون. والرق، والفلس. والسفه. والمرض) المتصل
بالموت.
(ويمتد حجر الصغير حتى يبلغ) بأحد الأمور المذكورة في كتاب
الصوم (3)، (ويرشد، بأن يصلح ماله) بحيث يكون له ملكة
نفسانية تقتضي إصلاحه، وتمنع إفساده وصرفه (4) في غير الوجوه
اللائقة بأفعال العقلاء، لا مطلق الإصلاح (5)، فإذا تحققت الملكة
101

المذكورة مع البلوغ ارتفع عنه الحجر (وإن كان فاسقا) على المشهور،
لإطلاق الأمر بدفع أموال اليتامى إليهم بإيناس الرشد (1) من غير اعتبار
أمر آخر معه (2). والمفهوم من الرشد عرفا هو إصلاح المال على الوجه
المذكور وإن كان فاسقا.
وقيل: يعتبر مع ذلك (3) العدالة فلو كان مصلحا لماله غير عدل
في دينه لم يرتفع عنه الحجر، للنهي (4) عن إيتاء السفهاء المال،
وما (5) روي أن شارب الخمر سفيه، ولا قائل بالفرق (6)، وعن ابن
عباس (7) أن الرشد هو الوقار، والحلم، والعقل. وإنما يعتبر على القول
بها في الابتداء (8)، لا في الاستدامة، فلو عرض الفسق بعد العدالة
قال الشيخ: الأحوط أن يحجر عليه. مع أنه شرطها ابتداء، ويتوجه
102

على ذلك (1) أنها لو كانت شرطا في الابتداء لاعتبرت بعده (2) لوجود
المقتضي (3).
(ويختبر) من يراد معرفة رشده (بما يلائمه) من التصرفات
والأعمال، ليظهر اتصافه بالملكة، وعدمه، فمن كان من أولاد التجار
فوض إليه البيع والشراء بمعنى مماكسته (4) فيهما على وجههما (5)، ويراعى
إلى أن يتم مساومته ثم يتولاه الولي إن شاء، فإذا تكرر منه ذلك (6)،
وسلم من الغبن والتضييع في غير وجهه فهو رشيد.
وإن كان من أولاد من يصان عن ذلك اختبر بما يناسب حال
أهله، إما بأن يسلم إليه نفقة مدة لينفقها في مصالحه، أو مواضعها
التي عينت له، أو بأن يستوفي (7) الحساب على معامليهم، أو نحو
ذلك (8)، فإن وفي بالأفعال الملائمة فهو رشيد، ومن تضييعه: إنفاقه
في المحرمات، والأطعمة النفيسة التي لا تليق بحاله بحسب وقته، وبلده،
103

وشرفه، وضعته. والأمتعة واللباس كذلك (1).
وأما صرفه في وجوه الخير من الصدقات، وبناء المساجد، وإقراء
الضيف فالأقوى أنه غير قادح مطلقا (2)، إذ لا سرف في الخير،
كما لا خير في السرف، وإن كان أنثى اختبرت بما يناسبها من الأعمال
كالغزل، والخياطة، وشراء آلاتهما المعتادة لأمثالهما بغير غبن، وحفظ
ما يحصل في يدها من ذلك، والمحافظة على أجرة مثلها إن عملت للغير،
وحفظ ما تليه من أسباب البيت، ووضعه على وجهه، وصون أطعمته
التي تحت يدها عن مثل الهرة والفأر ونحو ذلك، فإذا تكرر ذلك
على وجه الملكة ثبت الرشد، وإلا فلا. ولا يقدح فيها وقوع ما ينافيها
نادرا من الغلط والانخداع في بعض الأحيان، لوقوعه كثيرا من الكاملين
ووقت الاختبار قبل البلوغ، عملا بظاهر الآية (3).
(ويثبت الرشد) لمن لم يختبر (بشهادة النساء في النساء لا غير)
لسهولة اطلاعهن عليهن غالبا، عكس الرجال، (وبشهادة الرجال
مطلقا) ذكرا كان المشهود عليه، أم أنثى، لأن شهادة الرجال غير
مقيدة (4). والمعتبر في شهادة الرجال اثنان، وفي النساء أربع، ويثبت
رشد أنثى بشهادة رجل وامرأتين أيضا، وبشهادة أربع خناثى.
(ولا يصح إقرار السفيه بمال) ويصح بغيره كالنسب وإن أوجب
104

النفقة، وفي الإنفاق عليه (1) من ماله (2) أو بيت المال قولان،
أجودهما الثاني، وكالاقرار بالجناية الموجبة للقصاص وإن كان نفسا،
(ولا تصرفه في المال) وإن ناسب أفعال العقلاء، ويصح تصرفه فيما
لا يتضمن إخراج المال كالطلاق (3)، والظهار، والخلع.
(ولا يسلم عوض الخلع إليه) لأنه تصرف مالي ممنوع منه.
(ويجوز أن يتوكل لغيره في سائر العقود) أي في جميعها. وإن كان
قد ضعف إطلاقه (4) عليه (5) بعض أهل العربية، حتى عده في " درة
الغواص " من أوهام الخواص، وجعله مختصا بالباقي أخذا له من السؤر
وهو البقية، وعليه جاء قول النبي صلى الله عليه وآله لابن غيلان
لما أسلم على عشر نسوة: أمسك عليك أربعا، وفارق سائرهن (6)، لكن
قد أجازه بعضهم. وإنما جاز توكيل غيره له، لأن عبارته ليست مسلوبة
مطلقا (7)، بل مما يقتضي التصرف في ماله (ويمتد حجر المجنون)
في التصرفات المالية وغيرها (حتى يفيق) ويكمل عقله (والولاية في مالهما)
أي الصغير والمجنون (للأب والجد) له وإن علا (فيشتركان في الولاية)
لو اجتمعا، فإن اتفقا على أمر نفذ، وإن تعارضا قدم عقد السابق
105

فإن اتفقا ففي بطلانه، أو ترجيح الأب، أو الجد أوجه، (ثم الوصي)
لأحدهما مع فقدهما، (ثم الحاكم) مع فقد الوصي.
(والولاية في مال السفيه الذي لم يسبق رشده كذلك) للأب والجد
إلى آخر ما ذكر عملا بالاستصحاب (فإن سبق) رشده وارتفع الحجر
عنه بالبلوغ معه ثم لحقه السفه (فللحاكم) الولاية دونهم لارتفاع الولاية
عنه بالرشد فلا تعود إليهم إلا بدليل، وهو منتف، والحاكم ولي عام
لا يحتاج إلى دليل وإن تخلف في بعض الموارد (1). وقيل: الولاية
في ماله للحاكم مطلقا (2)، لظهور توقف الحجر عليه، ورفعه على حكمه (3)
في كون النظر إليه، (والعبد ممنوع) من التصرف (مطلقا) في المال
وغيره، سواء أحلنا ملكه أم قلنا به، عدا الطلاق فإن له إيقاعه وإن كره
المولى، (والمريض ممنوع مما زاد عن الثلث)، إذا تبرع به، أما لو عاوض
عليه بثمن مثله نفذ، (وإن نجز) ما تبرع به في مرضه بأن وهبه،
أو وقفه، أو تصدق به، أو حابى به في بيع، أو إجارة (على الأقوى)
للأخبار (4) الكثيرة الدالة عليه منطوقا ومفهوما، وقيل: يمضي من الأصل
للأصل، وعليه شواهد من الأخبار (5) (ويثبت الحجر على السفيه بظهور
106

سفهه، وإن لم يحكم الحاكم به (1) لأن المقتضي له (2) هو السفه،
فيجب تحققه بتحققه (3)، ولظاهر قوله تعالى: " فإن كان الذي عليه
الحق سفيها (4) " حيث أثبت عليه الولاية بمجرده.
(ولا يزول) الحجر عنه (إلا بحكمه (5)) لأن زوال السفه يفتقر
إلى الاجتهاد، وقيام الأمارات، لأنه أمر خفي فيناط (6) بنظر الحاكم.
وقيل: يتوقفان (7) على حكمه لذلك (8). وقيل: لا فيهما (9)، وهو
الأقوى، لأن المقتضي للحجر هو السفه فيجب أن يثبت بثبوته، ويزول
بزواله، ولظاهر قوله تعالى: " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا
107

إليهم أموالهم (1) " حيث علق الأمر بالدفع على إيناس الرشد،
فلا يتوقف على أمر آخر.
(ولو عامله العالم بحاله استعاد ماله) مع وجوده، لبطلان المعاملة
(فإن تلف فلا ضمان) لأن المعامل قد ضيع ماله بيده، حيث سلمه
إلى من نهى الله تعالى عن إيتائه (2)، ولو كان جاهلا بحاله فله الرجوع
مطلقا (3)، لعدم تقصيره. وقيل: لا ضمان مع التلف مطلقا (4)،
لتقصير من عامله قبل اختباره. وفصل ثالث: فحكم بذلك (5) مع قبض
السفيه المال بإذن مالكه ولو كان بغير إذنه ضمنه مطلقا (6)، لأن المعاملة
الفاسدة لا يترتب عليها حكم فيكون قابضا للمال بغير إذن، فيضمنه،
كما لو أتلف مالا، أو غصبه بغير إذن مالكه. وهو حسن.
(وفي إيداعه، أو إعارته، أو إجارته فيتلف العين نظر)
من (7) تفريطه بتسليمه وقد نهى الله تعالى عنه بقوله: ولا تؤتوا
السفهاء أموالكم (8)، فيكون بمنزلة من ألقى ماله في البحر،
108

ومن عدم (1) تسليطه على الإتلاف، لأن المال في هذه المواضع أمانة
يجب حفظه، والإتلاف حصل من السفيه بغير إذن فيضمنه كالغصب،
والحال أنه بالغ عاقل، وهذا هو الأقوى.
(ولا يرتفع الحجر عنه ببلوغه خمسا وعشرين سنة) إجماعا منا لوجود
المقتضي للحجر، وعدم صلاحية هذا السن لرفعه. ونبه بذلك (2)،
على خلاف بعض (3) العامة، حيث زعم أنه متى بلغ خمسا وعشرين
سنة يفك حجره به وإن كان سفيها، (ولا يمنع من الحج الواجب
مطلقا)، سواء زادت نفقته عن نفقة الحضر أم لا، وسواء وجب
بالأصل أم بالعارض كالمنذور قبل السفه، لتعينه عليه، ولكن لا يسلم
النفقة، بل يتولاها الولي، أو وكيله (4)، (ولا) من الحج (المندوب
إذا استوت نفقته) حضرا وسفرا، وفي حكم استواء النفقة ما لو تمكن
في السفر من كسب يجبر الزائد بحيث لا يمكن فعله في الحضر.
(وتنعقد يمينه) لو حلف: (ويكفر بالصوم) لو حنث، لمنعه
109

من التصرف المالي، ومثله (1) العهد والنذر، وإنما ينعقد ذلك (2) حيث
لا يكون متعلقه المال ليمكن الحكم بالصحة، فلو حلف أو نذر أن يتصدق
بمال لم ينعقد نذره، لأنه تصرف مالي.
هذا مع تعينه، أما لو كان مطلقا لم يبعد أن يراعى في إنفاذه الرشد
(وله العفو عن القصاص)، لأنه ليس بمالي، (لا الدية)، لأنه
تصرف مالي، وله الصلح عن القصاص على مال، لكن لا يسلم إليه.
110

كتاب الضمان
111

كتاب الضمان (1)
والمراد به الضمان بالمعنى الأخص قسيم الحوالة والكفالة، لا الأعم (2)
الشامل لهما (وهو التعهد بالمال) أي الالتزام به (من البرئ) من مال
مماثل لما ضمنه للمضمون عنه. وبقيد المال خرجت الكفالة فإنها تعهد
بالنفس، وبالبريء الحوالة بناء على اشتراطها (3) بشغل ذمة المحال عليه
للمحيل بما أحال به.
(ويشترط كماله) أي كمال الضامن المدلول عليه بالمصدر (4)،
أو اسم الفاعل (5)، أو المقام (6) (وحريته) فلا يصح ضمان العبد
في المشهور، لأنه لا يقدر على شئ. وقيل: يصح ويتبع به بعد العتق
(إلا أن يأذن المولى فيثبت) المال (في ذمة العبد)، لا في مال المولى
لأن إطلاق الضمان أعم من كل منهما (7) فلا يدل على الخاص (8)،
113

وقيل: يتعلق بكسبه حملا على المعهود من الضمان الذي يستعقب الأداء (1)
وربما قيل بتعلقه بمال المولى مطلقا (2)، كما لو أمره بالاستدانة (3)،
وهو متجه، (إلا أن يشترط كونه من مال المولى) فيلزم بحسب ما شرط
ويكون (4) حينئذ كالوكيل، ولو شرطه من كسبه فهو كما لو شرطه
من مال المولى، لأنه (5) من جملته، ثم إن وفى الكسب بالحق المضمون
وإلا ضاع ما قصر، ولو أعتق العبد قبل إمكان تجدد شئ من الكسب
ففي بطلان الضمان، أو بقاء التعلق به وجهان.
(ولا يشترط علمه (6) بالمستحق (7) للمال المضمون وهو
المضمون له بنسبه أو وصفه، لأن الغرض إيفاؤه الدين وهو لا يتوقف
على ذلك (8)، وكذا لا يشترط معرفة قدر الحق المضمون، ولم يذكره
المصنف، ويمكن إرادته من العبارة بجعل المستحق مبنيا للمجهول، فلو ضمن
114

ما في ذمته (1) صح على أصح القولين، للأصل، وإطلاق النص (2)
ولأن الضمان لا ينافيه الغرر، لأنه ليس معاوضة، لجوازه من المتبرع.
هذا إذا أمكن العلم به بعد ذلك (3) كالمثال (4)، فلو لم يمكن كضمنت
لك شيئا مما في ذمته (5) لم يصح قطعا، وعلى تقدير الصحة (6) يلزمه (7)
ما تقوم به البينة أنه كان لازما للمضمون عنه وقت الضمان، لا ما
يتجدد (8)، أو يوجد في دفتر (9)، أو يقر به المضمون عنه (10)،
أو يحلف عليه المضمون له برد اليمين من المضمون عنه، لعدم دخول
الأول (11) في الضمان، وعدم ثبوت الثاني (12)، وعدم نفوذ الإقرار
115

في الثالث (1) على الغير، وكون (2) الخصومة حينئذ (3) مع الضامن
والمضمون عنه فلا يلزمه (4) ما يثبت بمنازعة (5) غيره (6)، كما (7)
116

لا يثبت ما يقر به، في الرابع (1).
نعم (2) لو كان الحلف برد الضامن ثبت (3) ما حلف (4)،
117

عليه (1).
(و) كذا (لا) يشترط علمه (بالغريم) وهو المضمون عنه،
لأنه وفاء دين عنه وهو جائز عن كل مديون.
ويمكن أن يريد به الأعم منه (2)، ومن المضمون له، ويريد
بالعلم به (3): الإحاطة بمعرفة حاله من نسب أو وصف، لسهولة (4)
الاقتضاء، وما شاكله، لأن الغرض إيفاؤه الدين، وذلك (5) لا يتوقف
على معرفته (6) كذلك (7)، (بل تميزهما) أي المستحق (8) والغريم
ليمكن توجه القصد (9) إليهما، أما الحق فليمكن أداؤه، وأما المضمون له
فليمكن إيفاؤه، وأما المضمون عنه فليمكن القصد إليه.
ويشكل بأن المعتبر القصد إلى الضمان وهو التزام المال الذي يذكره
118

المضمون له، وذلك (1) غير متوقف على معرفة من عليه الدين. فلو قال
شخص: إني استحق في ذمة آخر مائة درهم مثلا فقال آخر: ضمنتها
لك كان قاصدا إلى عقد الضمان عمن كان عليه الدين مطلقا (2)، ولا دليل
على اعتبار العلم بخصوصه (3).
(ولا بد له من إيجاب وقبول مخصوصين (4))، لأنه من العقود
اللازمة الناقلة للمال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، (والإيجاب
ضمنت، وتكفلت)، ويتميز عن مطلق الكفالة بجعل متعلقها (5) المال
(وتقبلت وشبهه) من الألفاظ الدالة عليه صريحا، (ولو قال مالك
عندي، أو علي، أو ما عليه (6) علي فليس بصريح)، لجواز إرادته
أن للغريم تحت يده مالا، وأنه قادر على تخليصه، أو أن عليه السعي،
أو المساعدة، ونحوه.
وقيل إن " علي " (7) ضمان، لاقتضاء علي الالتزام، ومثله (8)
في ذمتي وهو متجه، أما ضمانه علي (9) فكاف، لانتفاء الاحتمال،
119

مع تصريحه (1) بالمال (فيقبل المستحق) وهو المضمون له.
(وقيل: يكفي رضاه) بالضمان وإن لم يصرح بالقبول، لأن حقه
يتحول من ذمة إلى أخرى، والناس يختلفون في حسن المعاملة، وسهولة
القضاء، فلا بد من رضاه (2) به (3) ولكن لا يعتبر القبول، للأصل،
لأنه وفاء دين.
والأقوى الأول (4)، لأنه عقد لازم فلا بد له من إيجاب وقبول
لفظين صريحين متطابقين عربيين، فعلى ما اختاره من اشتراطه (5) يعتبر فيه
ما يعتبر في العقود اللازمة (6).
وعلى القول الآخر (7) (فلا يشترط فورية القبول)، للأصل،
وحصول الغرض. وقيل: لا يشترط رضاه مطلقا (8)، لما روي
من ضمان علي عليه الصلاة والسلام دين الميت الذي امتنع النبي صلى الله
عليه وآله وسلم من الصلاة عليه، لمكان دينه (9).
(ولا عبرة بالغريم (10)) وهو المضمون عنه، لما ذكرناه من أنه
120

وفاء عنه، وهو غير متوقف على إذنه. (نعم لا يرجع (1) عليه مع عدم
إذنه) في الضمان وإن أذن في الأداء، لأنه متبرع، والضمان هو الناقل
للمال من الذمة، (ولو أذن) له في الضمان (رجع) عليه (بأقل الأمرين
مما أداه، ومن الحق) فإن أدى أزيد منه (2) كان متبرعا بالزائد،
وإن أدى أقل لم يرجع بغيره، سواء أسقط الزائد عنه بصلح أم إبراء،
ولو وهبه (3) بعد ما أدى (4) الجميع (5) البعض (6)، أو الجميع
جاز رجوعه (7) به، ولو أدى عرضا (8) رجع بأقل الأمرين من قيمته (9)
ومن الحق، سواء رضي المضمون له به (10) عن الحق من غير عقد،
أو بصلح.
(ويشترط فيه) أي في الضامن (الملاءة) بأن يكون مالكا لما
121

يوفي به الحق المضمون، فاضلا عن المستثنيات في وفاء الدين، (أو علم
المستحق بإعساره (1)) حين الضمان، فلو لم يعلم به حتى ضمن تخير
المضمون له في الفسخ. وإنما تعتبر الملاءة في الابتداء، لا الاستدامة،
فلو تجدد إعساره بعد الضمان لم يكن له الفسخ، لتحقق الشرط (2) حالته
وكما لا يقدح تجدد إعساره فكذا تعذر الاستيفاء منه بوجه آخر (3).
(ويجوز الضمان حالا، ومؤجلا (4)، عن حال ومؤجل (5))،
سواء تساوى المؤجلان في الأجل أم تفاوتا، للأصل.
ثم إن كان الدين حالا رجع مع الأداء مطلقا (6)، وإن كان (7)
مؤجلا فلا رجوع (8) عليه إلا بعد حلوله وأدائه مطلقا (9) (والمال
المضمون: ما جاز أخذ الرهن عليه) وهو المال الثابت في الذمة وإن كان
122

متزلزلا (1)، (ولو ضمن للمشتري عهدة الثمن) أي دركه على تقدير
الاحتياج إلى رده (لزمه) ضمانه (في كل موضع يبطل فيه البيع من رأس
كالاستحقاق (2)) للمبيع المعين ولم يجز المالك البيع، أو أجازه
ولم يجز قبض البائع الثمن (3)، ومثله (4) تبين خلل في البيع (5) اقتضى
فساده من رأس، كتخلف شرط، أو اقتران شرط فاسد (6)، لا ما
تجدد فيه البطلان كالفسخ بالتقايل والمجلس (7)، والحيوان، والشرط
وتلف المبيع قبل القبض، لعدم اشتغال ذمة المضمون عنه (8) حين الضمان
123

على تقدير طروء الانفساخ بخلاف الباطل من أصله ولو في نفس الأمر (1)
(ولو ضمن له) أي للمشتري ضامن عن البائع (درك ما يحدثه)
المشتري في الأرض (من بناء، أو غرس) على تقدير ظهورها مستحقة
لغير البائع، وقلعه (2) لها، أو أخذه أجرة الأرض (فالأقوى جوازه)
لوجود سبب الضمان حالة العقد، وهو كون الأرض مستحقة للغير.
وقيل: لا يصح الضمان هنا، لأنه ضمان ما لم يجب، لعدم استحقاق
المشتري الأرش على البائع حينئذ (3)، وإنما استحقه بعد القلع.
وقيل: إنما يصح هذا الضمان من البائع، لأنه ثابت عليه بنفس
العقد وإن لم يضمن، فيكون ضمانه تأكيدا.
وهو ضعيف، لأنه لا يلزم من ضمانه لكونه بائعا مسلطا
على الانتفاع (4) مجانا (5)،
124

ضمانه (1) بعقده مع عدم اجتماع شرائطه التي من جملتها كونه ثابتا حال
الضمان.
وتظهر الفائدة فيما لو أسقط المشتري عنه (2) حق الرجوع بسبب
البيع، فيبقى له الرجوع بسبب الضمان لو قلنا بصحته (3)، كما لو كان
له خياران فأسقط أحدهما، ونظير ضمان غير البائع درك الغرس
ضمانه (4) عهدة المبيع لو ظهر معيبا فيطالب المشتري بالأرش، لأنه
جزء من الثمن ثابت وقت الضمان، ووجه العدم (5) هنا أن الاستحقاق
له (6) إنما حصل بعد العلم بالعيب، واختيار أخذ الأرش. والموجود (7)
من العيب حالة العقد ما كان (8) يلزمه تعين الأرش، بل التخيير بينه (9)
125

وبين الرد فلم يتعين الأرش إلا بعد الضمان (1).
والحق (2) أنه أحد الفردين الثابتين تخييرا حالة البيع، فيوصف
بالثبوت قبل اختياره (3) كأفراد الواجب المخير (4).
(ولو أنكر المستحق (5) القبض) من الضامن (فشهد عليه الغريم)
وهو المضمون عنه (قبل (6))، لأنه إن كان آمرا بالضمان (7)،
126

فشهادته عليه (1) شهادة على نفسه باستحقاق الرجوع عليه، وشهادة
لغيره (2) فتسمع، وإن كان الضامن متبرعا عنه فهو (3) أجنبي فلا مانع
من قبولها لبراءته (4) من الدين أدى أم لم يؤد.
127

لكن إنما تقبل (مع عدم التهمة) بأن تفيده (1) الشهادة فائدة
زائدة على ما يغرمه (2) لو لم يثبت الأداء (3) فترد (4).
وللتهمة صور: منها أن يكون الضامن معسرا (5) ولم يعلم المضمون له
بإعساره، فإن له الفسخ حيث لا يثبت الأداء، ويرجع على المضمون عنه
فيدفع بشهادته (6) عود الحق إلى ذمته.
ومنها أن يكون الضامن (7) قد تجدد عليه الحجر للفلس،
128

وللمضمون عنه عليه (1) دين فإنه يوفر بشهادته مال المفلس (2) فيزداد
ما يضرب به (3).
ولا فرق في هاتين (4) بين كون الضامن متبرعا، وبسؤال، لأن
فسخ الضمان يوجب العود على المديون على التقديرين (5)، ومع الإفلاس
ظاهر (6).
وجعل بعضهم من صور التهمة: أن يكون الضامن (7) قد صالح
129

على أقل من الحق فيكون رجوعه (1) على تقدير كونه بسؤال إنما هو
بالمدفوع (2)، فنجر شهادة المضمون عنه تهمة بتخفيف الدين عنه (3)
وفيه نظر، لأنه يكفي في سقوط الزائد عن المضمون عنه اعتراف
الضامن بذلك، فلا يرجع به وإن لم يثبته (4) فتندفع التهمة وتقبل الشهادة
كما نبه عليه المصنف بقوله: (ومع عدم قبول قوله (5)) للتهمة،
أو لعدم العدالة (لو غرم الضامن رجع (6)) على المضمون عنه
(في موضع الرجوع) وهو ما لو كان ضامنا بإذنه (بما (7) أداه أولا)
لتصادقهما (8) على كونه (9) هو المستحق في ذمة المضمون عنه،
130

واعترافه (1) بأن المضمون له ظالم بالأخذ ثانيا، هذا (2) مع مساواة
الأول (3) للحق، أو قصوره، وإلا (4) رجع عليه بأقل الأمرين منه (5)
ومن الحق، لأنه لا يستحق الرجوع بالزائد عليه (6).
ومثله (7) ما لو صدقه (8) على الدفع وإن لم يشهد، ويمكن
دخوله (9) في عدم قبول قوله.
(ولو لم يصدقه على الدفع) الذي ادعاه (رجع) عليه (بالأقل)
مما ادعى أداءه أولا وأداءه أخيرا، لأن الأقل إن كان هو الأول (10)
131

فهو يعترف بأنه لا يستحق سواه، وأن المضمون له ظلمه في الثاني (1)
وإن كان الثاني فلم يثبت ظاهرا سواه. وعلى ما بيناه (2) يرجع بالأقل
منهما (3)، ومن الحق.
132

كتاب الحوالة
133

كتاب الحوالة (1)
(الحوالة وهي التعهد بالمال من المشغول بمثله) للمحيل. هذا هو
القدر المتفق عليه من الحوالة، وإلا فالأقوى جوازها على البرئ للأصل
لكنه يكون أشبه بالضمان " لاقتضائه نقل المال من ذمة مشغولة إلى ذمة
بريئة، فكأن المحال عليه بقبوله لها (2) ضامن لدين المحتال (3) على المحيل
ولكنها لا تخرج بهذا الشبه (4) عن أصل الحوالة فتلحقها أحكامها.
(ويشترط فيها رضى الثلاثة) أما رضى المحيل والمحتال فموضع وفاق
ولأن من عليه الحق مخير في جهات القضاء من ماله، ودينه المحال به
من جملتها (5)،
135

والمحتال حقه ثابت في ذمة المحيل فلا يلزمه (1) نقله (2) إلى ذمة أخرى
بغير رضاه، وأما المحال عليه فاشتراط رضاه هو المشهور، ولأنه أحد أركان
الحوالة، ولاختلاف الناس في الاقتضاء سهولة، وصعوبة.
وفيه نظر. لأن المحيل قد أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة
فلا وجه للافتقار إلى رضى من عليه الحق (3)، كما لو وكله (4)
في القبض منه. واختلاف (5) الناس في الاقتضاء لا يمنع من مطالبة
المستحق، ومن نصبه خصوصا مع اتفاق الحقين جنسا، ووصفا، فعدم
اعتباره أقوى.
نعم لو كانا مختلفين، وكان الغرض استيفاء مثل حق المحتال توجه
اعتبار رضى المحال عليه، لأن ذلك بمنزلة المعاوضة الجديدة فلا بد من رضى
المتعاوضين، ولو رضي المحتال بأخذ جنس ما على المحال عليه زال المحذور
أيضا، وعلى تقدير اعتبار رضاه ليس هو على حد رضاهما، لأن الحوالة
عقد لازم لا يتم إلا بإيجاب وقبول، فالإيجاب من المحيل، والقبول
من المحتال.
ويعتبر فيهما ما يعتبر في غيرهما من اللفظ العربي، والمطابقة، وغيرهما
136

وأما رضى المحال عليه فيكفي كيف اتفق متقدما، ومتأخرا، ومقارنا،
ولو جوزنا الحوالة على البرئ اعتبر رضاه قطعا، ويستثنى من اعتبار
رضى المحيل ما لو تبرع المحال عليه بالوفاء فلا يعتبر رضى المحيل قطعا،
لأنه وفاء دينه بغير إذنه.
والعبارة عنه (1) حينئذ أن يقول المحال عليه للمحتال: أحلتك
بالدين الذي لك على فلان على نفسي فيقبل فيقومان بركن (2) العقد.
وحيث تتم الحوالة تلزم (فيتحول فيها المال) من ذمة المحيل إلى ذمة المحال
عليه (كالضمان) عندنا، ويبرأ المحيل من حق المحال بمجردها وإن لم يبرئه
المحتال، لدلالة التحول عليه (3) في المشهور (4).
(ولا يجب) على المحتال (قبولها على الملئ)، لأن الواجب أداء
الدين، والحوالة ليست أداء وإنما هي نقل له من ذمة إلى أخرى فلا يجب
قبولها عندنا، وما ورد من الأمر بقبولها على الملئ على تقدير صحته
محمول على الاستحباب، (ولو ظهر إعساره) حال الحوالة بعدها (5)
(فسخ المحتال) إن شاء، سواء، شرط يساره أم لا، وسواء تجدد له
اليسار قبل الفسخ أم لا وإن زال الضرر عملا بالاستصحاب (6).
137

ولو انعكس بأن كان موسرا حالتها فتجدد إعساره فلا خيار،
لوجود الشرط.
(ويصح ترامي (1) الحوالة) بأن يحيل المحال عليه المحتال على آخر
ثم يحيل الآخر محتاله على ثالث، وهكذا ويبرأ المحال عليه في كل مرتبة
كالأول، (ودورها (2)) بأن يحيل المحال عليه في بعض المراتب (3)
على المحيل الأول، وفي الصورتين (4) المحتال متحد، وإنما تعدد المحال
عليه (5).
(وكذا الضمان) يصح تراميه بأن يضمن الضامن آخر ثم يضمن
الآخر ثالث، وهكذا.
ودوره بأن يضمن المضمون عنه الضامن في بعض المراتب (6)،
138

ومنعه (1) الشيخ رحمه الله لاستلزامه جعل الفرع (2) أصلا، ولعدم
الفائدة (3)، ويضعف بأن الاختلاف فيهما (4) غير مانع وقد تظهر
الفائدة (5) في ضمن الحال مؤجلا (6)،
139

وبالعكس (1)، وفي الضمان (2) بإذن وعدمه. فكل ضامن يرجع
140

مع الإذن (1) على مضمونه. لا على الأصيل (2)، وإنما يرجع عليه (3)
الضامن الأول إن ضمن بإذنه (4).
وأما الكفالة فيصح تراميها، دون دورها (5) لأن حضور المكفول
الأول يبطل ما تأخر منها (6).
(و) كذا تصح (الحوالة بغير جنس الحق) الذي للمحتال
على المحيل بأن يكون له عليه دراهم فيحيله على آخر بدنانير، سواء جعلنا
الحوالة استيفاء (7) أم اعتياضا (8)، لأن إيفاء الدين بغير جنسه جائز
مع التراضي. وكذا المعاوضة على الدراهم بالدنانير.
141

ولو انعكس فأحاله (1) بحقه على من عليه (2) مخالف صح أيضا
بناء على اشتراط رضى المحال عليه، سواء جعلناها استيفاء أم اعتياضا
بتقريب التقرير (3)، ولا يعتبر التقابض في المجلس حيث تكون (4)
صرفا، لأن المعاوضة على هذا الوجه (5) ليست بيعا، ولو لم يعتبر
رضى المحال عليه صح الأول (6)، دون الثاني (7)، إذ (8) لا يجب
على المديون الأداء من غير جنس ما عليه، وخالف الشيخ رحمه الله وجماعة
فيهما فاشترطوا تساوي المحال به وعليه جنسا ووصفا، استنادا إلى أن الحوالة
تحويل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فإذا كان على المحيل دراهم
مثلا وله على المحال دنانير كيف يصير حق المحتال على المحال عليه دراهم
142

ولم يقع عقد يوجب ذلك (1)، لأنا إن جعلناها استيفاء كان المحتال
بمنزلة من استوفى دينه (2) وأقرضه المحال عليه وحقه الدارهم،
لا الدنانير (3)، وإن كانت معاوضة فليست (4) على حقيقة المعاوضات (5)
التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل (6) من جنس مال (7)، أو زيادة
قدر (8)، أو صفة (9)، وإنما هي معاوضة إرفاق، ومسامحة للحاجة،
فاعتبر فيها (10) التجانس والتساوي (11)، وجوابه (12) يظهر
مما ذكرناه.
(وكذا) تصح (الحوالة بدين عليه لواحد على دين للمحيل
على اثنين متكافلين) أي قد ضمن كل منهما ما في ذمة صاحبه دفعة
143

واحدة (1)، أو متلاحقين مع إرادة الثاني ضمان ما في ذمة الأول
في الأصل (2)، لا مطلقا، لئلا يصير المالان في ذمة الثاني، ووجه
جواز الحوالة عليهما ظاهر، لوجود المقتضي للصحة، وانتفاء المانع،
إذ ليس (3) إلا كونهما متكافلين، وذلك (4) لا يصلح مانعا، ونبه
بذلك على خلاف الشيخ رحمه الله حيث منع منه (5)، محتجا باستلزامها
زيادة الارتفاق (6)،
144

وهو (1) ممتنع في الحوالة، لوجوب موافقة الحق المحال به للمحال
عليه (2) من غير زيادة ولا نقصان قدرا ووصفا.
وهذا التعليل إنما يتوجه على مذهب من يجعل الضمان ضم ذمة
إلى ذمة (3)، فيتخير حينئذ (4) في مطالبة كل منهما بمجموع الحق،
أما على مذهب أصحابنا من أنه ناقل للمال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه
145

فلا ارتفاق، بل غايته انتقال ما على كل منهما إلى ذمة صاحبه فيبقى الأمر
كما كان، ومع تسليمه (1) لا يصلح للمانعية، لأن مطلق الارتفاق بها (2)
غير مانع إجماعا، كما لو أحاله على أملى (3) منه وأحسن وفاء.
(ولو أدى المحال عليه فطلب (4) الرجوع) بما أداه على المحيل
(لإنكاره (5) الدين) وزعمه أن الحوالة على البرئ بناء على جواز الحوالة
عليه (وادعاه (6) المحيل، تعارض الأصل) وهو براءة ذمة المحال عليه
من دين المحيل (والظاهر) وهو كونه مشغول الذمة، إذ الظاهر أنه
لولا اشتغال ذمته (7) لما أحيل عليه (والأول) وهو الأصل (أرجح)
من الثاني حيث يتعارضان غالبا، وإنما يتخلف في مواضع نادرة (8)
(فيحلف) المحال عليه على أنه برئ من دين المحيل، (ويرجع) عليه
بما غرم، (سواء كان) العقد الواقع بينهما (بلفظ الحوالة، أو الضمان)
لأن الحوالة على البرئ أشبه بالضمان فتصح بلفظه.
146

وأيضا فهو (1) يطلق على ما يشملهما (2) بالمعنى الأعم فيصح
التعبير به عنها.
ويحتمل الفرق بين الصيغتين فيقبل (3) مع التعبير بالضمان، دون
الحوالة عملا بالظاهر، ولو اشترطنا في الحوالة اشتغال ذمة المحال عليه
بمثل الحق تعارض أصل الصحة (4) والبراءة (5) فيتساقطان، ويبقى (6)
مع المحال عليه أداء دين المحيل بإذنه فيرجع عليه (7)، ولا يمنع (8)
147

وقوع الإذن في ضمن الحوالة الباطلة المقتضي بطلانها لبطلان تابعها،
لاتفاقهما (1) على الإذن، وإنما اختلفا في أمر آخر (2)، فإذا لم يثبت (3)
يبقى ما اتفقا عليه من الإذن في الوفاء (4) المقتضي للرجوع، ويحتمل عدم
الرجوع ترجيحا للصحة (5) المستلزمة لشغل الذمة (6).
148

كتاب الكفالة
149

كتاب الكفالة (1)
(وهي التعهد بالنفس) أي التزام إحضار المكفول متى طلبه
المكفول له، وشرطها رضى الكفيل والمكفول له، دون المكفول،
لوجوب الحضور عليه (2) متى طلبه صاحب الحق ولو بالدعوى، بنفسه
أو وكيله، والكفيل بمنزلة الوكيل حيث يأمره به. ويفتقر إلى إيجاب
وقبول (3) بين الأولين (4) صادرين على الوجه المعتبر في العقد اللازم.
(وتصح حالة (5) ومؤجلة) أما الثاني فموضع وفاق، وأما الأول
فأصح القولين، لأن (6) الحضور حق شرعي لا ينافيه الحلول. وقيل:
151

لا تصح إلا مؤجلة (إلى أجل معلوم) لا يحتمل الزيادة والنقصان
كغيره (1) من الآجال المشترطة، (ويبرأ الكفيل بتسليمه (2)) تسليما
(تاما) بأن لا يكون هناك مانع من تسلمه كمتغلب، أو حبس ظالم،
وكونه في مكان لا يتمكن من وضع يده عليه، لقوة المكفول، وضعف
المكفول له، وفي المكان (3) المعين إن بيناه في العقد، وبلد (4) العقد
مع الإطلاق، (وعند الأجل) أي بعده إن كانت مؤجلة، (أو في الحلول)
متى شاء إن كانت حالة، ونحو ذلك، فإذا سلمه كذلك (5) برئ،
فإن امتنع (6) سلمه إلى الحاكم وبرئ أيضا، فإن لم يمكن (7) أشهد
عدلين بإحضاره إلى المكفول له، وامتناعه من قبضه، وكذا يبرأ بتسليم
المكفول نفسه تاما وإن لم يكن (8) من الكفيل على الأقوى، وبتسليم
غيره له كذلك (9).
(ولو امتنع) الكفيل من تسليمه ألزمه الحاكم به فإن أبى (فللمستحق)
152

طلب (حبسه) من الحاكم (حتى يحضره، أو يؤدي ما عليه) إن أمكن
أداؤه عنه كالدين، فلو لم يمكن كالقصاص (1)، والزوجية (2)،
والدعوى (3) بعقوبة توجب حدا أو تعزيرا، ألزم بإحضاره حتما
مع الإمكان وله (4) عقوبته عليه كما في كل ممتنع من أداء الحق مع قدرته
عليه (5)، فإن لم يمكنه الإحضار وكان له بدل كالدية في القتل وإن كان
عمدا، ومهر (6) مثل الزوجة وجب عليه البدل.
وقيل: يتعين إلزامه بإحضاره إذا طلبه المستحق (7) مطلقا (8)،
لعدم انحصار الأغراض في أداء الحق. وهو قوي.
ثم على تقدير كون الحق مالا وأداه الكفيل فإن كان قد أدى
153

بإذنه (1) رجع عليه، وكذا (2) إن أدى بغير إذنه مع كفالته بإذنه،
وتعذر إحضاره، وإلا (3) فلا رجوع.
والفرق بين الكفالة والضمان في رجوع من أدى بالإذن هنا
وإن كفل بغير الإذن، بخلاف الضمان (4): أن الكفالة لم تتعلق بالمال
بالذات (5)، وحكم الكفيل بالنسبة إليه (6) حكم الأجنبي فإذا أداه
بإذن المديون فله الرجوع، بخلاف الضامن (7)، لانتقال المال إلى ذمته
بالضمان، فلا ينفعه (8) بعده الإذن في الأداء، لأنه كإذن البرئ
154

للمديون في أداء دينه (1).
وأما إذنه في الكفالة إذا تعذر إحضاره، واستئذانه (2) في الأداء
فذلك (3) من لوازم الكفالة، والإذن فيها إذن في لوازمها.
(ولو علق الكفالة) بشرط (4) متوقع، أو صفة (5) مترقبة
(بطلت) الكفالة، (وكذا الضمان والحوالة) كغيرها من العقود اللازمة
(نعم لو قال: إن لم أحضره إلى كذا كان علي كذا صحت الكفالة أبدا
ولا يلزمه المال المشروط، ولو قال: علي كذا إن لم أحضره لزمه
ما شرطه من المال إن لم يحضره (6)) على المشهور.
155

ومستند الحكمين رواية (1) داود بن الحصين (2) عن أبي العباس
عن الصادق عليه السلام.
وفي الفرق بين الصيغتين من حيث التركيب العربي نظر (3)، ولكن
المصنف والجماعة عملوا بمضمون الرواية جامدين (4) على النص مع ضعف
سنده.
156

وربما تكلف متكلف بما لا يسمن ولا يغني من جوع،
وإن أردت الوقوف على تحقيق الحال فراجع ما حررناه في ذلك بشرح
الشرائع (1) وغيره.
(وتحصل الكفالة) أي حكم (2) الكفالة (بإطلاق الغريم
من المستحق قهرا) فيلزمه إحضاره، أو أداء ما عليه (3) إن أمكن (4)
وعلى ما اخترناه (5) مع تعذر إحضاره لكن هنا (6) حيث يؤخذ منه (7)
157

المال لا رجوع له (1) على الغريم إذا لم يأمره (2) بدفعه، إذ لم يحصل
من الإطلاق ما يقتضي الرجوع (3)، (فلو كان) الغريم (قاتلا) عمدا
كان أم شبهه (لزمه (4) إحضاره، أو الدية)، ولا يقتص منه في العمد
لأنه لا يجب على غير المباشر.
ثم إن استمر القاتل هاربا ذهب المال على المخلص (5) وإن تمكن
الولي منه (6) في العمد وجب عليه رد الدية إلى الغارم، وإن لم يقتص
من القاتل، لأنها وجبت لمكان الحيلولة وقد زالت، وعدم القتل الآن
مستند إلى اختيار المستحق (7)، ولو كان تخليص الغريم من يد كفيله
وتعذر استيفاء الحق (8) من قصاص، أو مال، وأخذ الحق من الكفيل
كان له (9) الرجوع على الذي خلصه، كتخليصه (10) من يد المستحق.
158

(ولو غاب المكفول) غيبة يعرف موضعه (أنظر) الكفيل
بعد مطالبة المكفول له بإحضاره (1)، (وبعد الحلول) إن كانت مؤجلة
(بمقدار الذهاب) إليه (والإياب) فإن مضت ولم يحضره حبس
وألزم ما تقدم (2)، ولو لم يعرف موضعه لم يكلف إحضاره، لعدم
إمكانه ولا شئ عليه، لأنه لم يكفل المال، ولم يقصر في الإحضار.
(وينصرف الإطلاق إلى التسليم في موضع العقد)، لأنه المفهوم
عند الإطلاق.
ويشكل لو كانا في برية، أو بلد غرية قصدهما مفارقته سريعا
لكنهم لم يذكروا هنا خلافا كالسلم، والإشكال يندفع بالتعيين،
(ولو عين غيره) أي غير موضع العقد (لزم) ما شرط، وحيث
يعين، أو يطلق ويحضره في غير ما عين شرعا لا يجب تسلمه وإن
انتفى الضرر، ولو قال الكفيل: لا حق لك على المكفول حالة الكفالة
فلا يلزمني إحضاره فالقول قول المكفول له، لرجوع الدعوى إلى صحة
الكفالة، وفسادها فيقدم قول مدعى الصحة، (وحلف المستحق) وهو
المكفول له ولزمه إحضاره، فإن تعذر لم يثبت الحق بحلفه السابق،
لأنه (3) لإثبات حق يصحح الكفالة (4)، ويكفي فيه (5) توجه الدعوى
159

نعم لو أقام بينة بالحق وأثبته عند الحاكم ألزمه (1) به كما مر (2)،
ولا يرجع به (3) على المكفول، لاعترافه (4) ببراءة ذمته، وزعمه بأنه
مظلوم.
(وكذا (5) لو قال) الكفيل للمكفول له: (أبرأته (6))
من الحق، أو أوفاكه (7)، لأصالة (8) بقائه.
ثم إن حلف المكفول له على بقاء الحق برئ (9) من دعوى
الكفيل، ولزمه (10) إحضاره، فإن جاء بالمكفول فادعى (11) البراءة
160

أيضا لم يكتف باليمين التي حلفها (1) للكفيل، لأنها (2) كانت لإثبات
الكفالة، وهذه (3) دعوى أخرى وإن لزمت تلك (4) بالعرض،
(فلو لم يحلف (5) ورد اليمين عليه (6) أي على الكفيل فحلف (برئ
من الكفالة والمال بحاله (7)) لا يبرأ المكفول منه، لاختلاف الدعويين (8)
كما مر، ولأنه (9) لا يبرأ بيمين غيره.
161

نعم لو حلف المكفول اليمين المردودة على البراءة برئا (1) معا،
لسقوط الكفالة بسقوط الحق (2)، كما لو أداه، وكذا لو نكل المكفول له
عن يمين المكفول فحلف (3) برئا معا.
(ولو تكفل اثنان بواحد كفى تسليم أحدهما) إياه تاما (4)،
لحصول الغرض (5)، كما لو سلم نفسه، أو سلمه أجنبي.
وهل يشترط تسليمه عنه وعن شريكه، أم يكفي الإطلاق؟ قولان
أجودهما الثاني (6)، وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة. وكذا (7) القول
في تسليم نفسه، وتسليم الأجنبي له.
وقيل: لا يبرأ مطلقا (8)، لتغاير الحقين (9). وضعفه ظاهر (10)
162

وتظهر الفائدة (1) لو هرب بعد تسليم الأول (2).
(ولو تكفل بواحد لاثنين فلا بد من تسليمه إليهما) معا، لأن العقد
الواحد هنا بمنزلة عقدين، كما لو تكفل لكل واحد على انفراده، أو ضمن
دينين لشخصين فأدى دين أحدهما فإنه لا يبرأ من دين الآخر، بخلاف
السابق، فإن الغرض من كفالتهما للواحد إحضاره وقد حصل.
(ويصح التعبير) في عقد الكفالة (بالبدن، والرأس، والوجه)
فيقول: كفلت لك بدن فلان، أو رأسه، أو وجهه، لأنه يعبر بذلك
عن الجملة، بل عن الذات عرفا، وألحق به (3) الكبد، والقلب،
وغيرهما من الأجزاء التي لا تبقى الحياة بدونها، والجزء (4) الشائع
فيه (5) كثلثه، وربعه، استنادا إلى أنه لا يمكن إحضار المكفول إلا
بإحضاره أجمع.
وفي غير البدن نظر. أما الوجه والرأس فإنهما وإن أطلقا
163

على الجملة (1) لكن يطلقان على أنفسهما (2) إطلاقا شائعا متعارفا إن لم
يكن أشهر (3) من إطلاقهما على الجملة. وحمل (4) اللفظ المحتمل
للمعنيين (5) على الوجه المصحح (6) مع (7) الشك في حصوله،
164

وأصالة (1) البراءة من مقتضى العقد غير (2) جيد.
نعم (3) لو صرح بإرادة الجملة
165

من الجزءين (1) اتجهت الصحة (2) كإرادة (3) أحد معنيي المشترك
كما أنه لو قصد الجزء بعينه (4) فكقصد الجزء الذي لا يمكن الحياة
بدونه (5)، وأما (6)،
166

ما لا تبقى الحياة بدونه (1) مع عدم إطلاق اسم الجملة (2) عليه (3)
حقيقة فغايته أن إطلاقه (4) عليها (5) مجاز، وهو (6)،
167

غير كاف في إثبات الأحكام الشرعية، ويلزم مثله (1) في كل جزء
من البدن، والمنع في الجميع أوجه، أو إلحاق الرأس والوجه مع قصد
الجملة بهما.
(دون اليد والرجل) وإن قصدها (2) بهما (3) مجازا، لأن المطلوب
شرعا كفالة المجموع باللفظ الصريح الصحيح كغيره من العقود اللازمة،
والتعليل بعدم إمكان إحضار الجزء المكفول بدون الجملة فكان في قوة
كفالة الجملة ضعيف (4)، لأن المطلوب لما كان كفالة المجموع لم يكن
البعض كافيا في صحته وإن توقف إحضاره عليه، لأن الكلام ليس
في مجرد الإحضار، بل على وجه الكفالة الصحيحة، وهو منتف.
(ولو مات المكفول) قبل إحضاره (بطلت) الكفالة، (لفوات
متعلقها) وهو النفس، وفوات الغرض لو أريد البدن.
168

ويمكن الفرق بين التعبير بكفلت فلانا، وكفلت بدنه، فيجب إحضاره
مع طلبه في الثاني، دون الأول، بناء على ما اختاره المحققون من أن الإنسان
ليس هو الهيكل المحسوس.
ويضعف بأن مثل ذلك منزل على المتعارف، لا على المحقق عند الأقل
فلا يجب على التقديرين (1)، (إلا في الشهادة على عينه (2)) ليحكم
عليه (بإتلافه، أو المعاملة) له (3) إذا كان قد شهد عليه من لا يعرف
نسبه، بل شهد على صورته فيجب إحضاره ميتا حيث يمكن الشهادة
عليه بأن لا يكون قد تغير بحيث لا يعرف. ولا فرق حينئذ (4) بين
كونه قد دفن وعدمه، لأن ذلك مستثنى من تحريم نبشه.
169

كتاب الصلح
171

كتاب الصلح (1)
(وهو جائز مع الإقرار والإنكار) عندنا مع سبق نزاع
ولا معه (2)، ثم إن كان المدعي محقا استباح ما دفع إليه المنكر صلحا
وإلا فهو حرام باطنا، عينا كان أم دينا، حتى لو صالح عن العين (3)
بمال فهي (4) بأجمعها حرام، ولا يستثنى له (5) منها (6) مقدار
ما دفع (7) من العوض، لفساد المعاوضة في نفس الأمر. نعم لو استندت
الدعوى إلى قرينة كما لو وجد بخط مورثه أن له حقا على أحد فأنكر،
وصالحه على إسقاطها بمال فالمتجه صحة الصلح.
173

ومثله (1) ما لو توجهت الدعوى بالتهمة، لأن اليمين حق يصح
الصلح على إسقاطها.
(إلا ما أحل حراما، أو حرم حلالا) كذا ورد في الحديث (2)
النبوي صلى الله عليه وآله وسلم تحليل الحرام بالصلح على استرقاق
حر، أو استباحة بضع لا سبب لاستباحته غيره، أو ليشرب الخمر
ونحوه.
وتحريم الحلال بأن لا يطأ أحدهما حليلته، أو لا ينتفع بماله ونحوه
والصلح على مثل هذه باطل ظاهرا وباطنا.
وفسر بصلح المنكر على بعض المدعى، أو منفعته (3)، أو بدله
مع كون أحدهما عالما ببطلان الدعوى، لكنه هنا صحيح ظاهرا، وإن فسد
باطنا، وهو (4) صالح للأمرين (5) معا، لأنه محلل للحرام بالنسبة
إلى الكاذب، ومحرم للحلال بالنسبة إلى المحق.
وحيث كان عقدا جائزا في الجملة (6) (فيلزم بالإيجاب والقبول
174

الصادرين من الكامل) بالبلوغ والرشد (الجائز التصرف) برفع الحجر،
وتصح (1) وظيفة كل من الإيجاب والقبول من كل منهما بلفظ صالحت
وقبلت، وتفريع اللزوم على ما تقدم (2) غير حسن، لأنه (3) أعم منه (4)
ولو عطفه بالواو كان أوضح، ويمكنه التفاته إلى أنه عقد والأصل
في العقود اللزوم، إلا ما أخرجه الدليل، للأمر بالوفاء بها في الآية (5)
المقتضي له (6).
(وهو أصل في نفسه) على أصح القولين وأشهرهما، لأصالة عدم
الفرعية، لا فرع البيع، والهبة، والإجارة، والعارية، والابراء كما ذهب
إليه الشيخ فجعله فرع البيع إذا أفاد نقل العين بعوض معلوم، وفرع
الإجارة إذا وقع على منفعة معلومة بعوض معلوم، وفرع العارية إذا
تضمن إباحة منفعة بغير عوض، وفرع الهبة إذا تضمن ملك العين بغير
عوض، وفرع الإبراء إذا تضمن إسقاط دين استنادا إلى إفادته فائدتها (7)
حيث يقع على ذلك الوجه فيلحقه حكم ما ألحق به.
وفيه أن إفادة عقد فائدة آخر لا تقتضي الاتحاد، كما لا تقتضي
الهبة بعوض معين فائدة البيع.
175

(ولا يكون طلبه إقرارا) لصحته مع الإقرار والإنكار، ونبه به
على خلاف بعض العامة (1) الذاهب إلى عدم صحته مع الإنكار حيث
فرع عليه أن طلبه إقرار، لأن إطلاقه ينصرف إلى الصحيح وإنما يصح
مع الإقرار فيكون مستلزما له.
(ولو اصطلح الشريكان على أخذ أحدهما رأس المال والباقي للآخر
ربح، أو خسر صح عند انقضاء الشركة) وإرادة فسخها لتكون
الزيادة مع من هي معه بمنزلة الهبة، والخسران على من هو عليه بمنزلة
الإبراء (2).
(ولو شرطا بقائهما على ذلك (3)) بحيث يكون ما يتجدد من الربح
والخسران لأحدهما، دون الآخر (ففيه نظر) من مخالفته (4) لوضع
الشركة حيث إنها تقتضي كونهما على حسب رأس المال، ومن (5) إطلاق
176

الرواية بجوازه بعد ظهور الربح من غير تقييد بإرادة القسمة صريحا فيجوز
مع ظهوره (1)، أو ظهور الخسارة مطلقا (2).
ويمكن أن يكون نظره (3) في جواز الشرط مطلقا وإن كان في ابتداء
الشركة، كما ذهب إليه الشيخ وجماعة زاعمين أن إطلاق الرواية يدل
عليه (4)، ولعموم (المسلمون عند شروطهم (5)). والأقوى المنع.
وهو مختاره في الدروس.
(ويصح الصلح على كل من العين، والمنفعة بمثله (6)،
177

وجنسه (1) ومخالفه (2) لأنه بإفادته (3) فائدة البيع صح على العين، وبإفادته
فائدة الإجارة صح على المنفعة، والحكم في المماثل، والمجانس، والمخالف فرع
ذلك (4)، والأصل (5) والعموم (6) يقتضيان صحة الجميع، بل (7)
ما هو أعم منها كالصلح على حق الشفعة والخيار وأولوية التحجير،
179

والسوق (1)، والمسجد (2)، بعين ومنفعة وحق آخر، للعموم (3).
(ولو ظهر استحقاق العوض المعين) من أحد الجانبين (بطل
الصلح) كالبيع (4)، ولو كان مطلقا (5) رجع ببدله، ولو ظهر في المعين
عيب فله الفسخ.
وفي تخييره بينه وبين الأرش وجه قوي، ولو ظهر غبن لا يتسامح
بمثله ففي ثبوت الخيار كالبيع وجه قوي، دفعا للضرر المنفي الذي يثبت
بمثله الخيار في البيع.
(ولا يعتبر في الصلح على النقدين القبض في المجلس)، لاختصاص
الصرف بالبيع، وأصالة الصلح، ويجئ على قول الشيخ اعتباره (6).
وأما من حيث الربا كما لو كانا من جنس واحد فإن الأقوى ثبوته
فيه (7)، بل في كل معاوضة، لإطلاق التحريم في الآية (8)،
والخبر (9).
180

(ولو أتلف عليه ثوبا يساوي درهمين فصالح على أكثر، أو أقل
فالمشهور الصحة)، لأن مورد الصلح الثوب، لا الدرهمان.
وهذا إنما يتم على القول بضمان القيمي بمثله، ليكون الثابت في الذمة
ثوبا فيكون هو متعلق الصلح، أما على القول الأصح من ضمانه بقيمته
فاللازم لذمته إنما هو الدرهمان فلا يصح الصلح عليهما بزيادة عنهما
ولا نقصان مع اتفاق الجنس، ولو قلنا باختصاص الربا بالبيع توجه
الجواز (1) أيضا، لكن الجواز لا يقول به (2).
(ولو صالح منكر الدار على سكنى المدعي (3) سنة (4) فيها صح)
للأصل (5)، ويكون هنا مفيدا فائدة العارية، (ولو أقر (6) بها ثم
صالحه على سكنى المقر صح) أيضا، (ولا رجوع) في الصورتين (7)
لما تقدم من أنه عقد لازم، وليس فرعا على غيره (8).
181

(وعلى القول بفرعية (1) العارية، له (2) الرجوع) في الصورتين (3)
لأن متعلقه المنفعة بغير عوض فيهما (4). والعين الخارجة من يد المقر
ليست عوضا عن المنفعة الراجعة إليه، لثبوتها للمقر له بالإقرار قبل أن يقع
الصلح فلا يكون في مقابلة المنفعة عوض فيكون (5) عارية يلزمه حكمها
من جواز الرجوع فيه عند القائل بها.
(ولما كان الصلح مشروعا لقطع التجاذب والتنازع) بين المتخاصمين
بحسب أصله وإن صار (6) بعد ذلك أصلا مستقلا بنفسه لا يتوقف
على سبق خصومة (ذكر فيه أحكام من التنازع) بحسب ما اعتاده
المصنفون، (ولنشر) في هذا المختصر (إلى بعضها في مسائل):
(الأولى لو كان بيدهما درهمان فادعاهما أحدهما، وادعى الآخر
أحدهما) خاصة (فللثاني نصف درهم) لاعترافه باختصاص غريمه
بأحدهما، ووقوع النزاع في الآخر مع تساويهما فيه يدا (7) فيقسم بينهما
بعد حلف كل منهما لصاحبه على استحقاق النصف، ومن نكل منهما (8)
قضي به للآخر، ولو نكلا معا، أو حلفا قسم بينهما نصفين، (وللأول
182

الباقي (1)) قال المصنف في الدروس: ويشكل إذا ادعى الثاني النصف
مشاعا فإنه تقوى القسمة نصفين، ويحلف الثاني (2) للأول، وكذا في كل
مشاع، وذكر فيها (3) أن الأصحاب لم يذكروا هنا يمينا، وذكروا المسألة
في باب الصلح فجاز أن يكون الصلح قهريا، وجاز أن يكون اختياريا،
فإن امتنعا (4) فاليمين. وما حكيناه نحن من اليمين ذكره العلامة في التذكرة
أيضا فلعل المصنف يريد أن الكثير لم يذكره.
(وكذا لو أودعه رجل درهمين، وآخر (5) درهما وامتزجا
لا بتفريط، وتلف أحدهما) فإنه يختص ذو الدرهمين بواحد، ويقسم
الآخر (6) بينهما.
هذا هو المشهور بين الأصحاب، ورواه (7) السكوني عن الصادق
عليه السلام.
ويشكل هنا مع ضعف المستند بأن التألف لا يحتمل كونه لهما،
بل من أحدهما خاصة، لامتناع الإشاعة هنا (8) فكيف يقسم الدرهم
183

بينهما، مع أنه (1) مختص بأحدهما قطعا.
والذي يقتضيه النظر، وتشهد له الأصول الشرعية: القول بالقرعة
في أحد الدرهمين، ومال إليه المصنف في الدروس، لكنه لم يجسر
على مخالفة الأصحاب، والقول في اليمين كما مر من عدم تعرض الأصحاب له
وربما امتنع (2) هنا إذا لم يعلم الحالف عين حقه.
واحترز بالتلف لا عن تفريط عما لو كان بتفريط فإن الودعي
يضمن التألف فيضم إليهما ويقتسمانهما من غير كسر، وقد يقع مع ذلك
التعاسر (3) على عين فيتجه القرعة، ولو كان بدل الدراهم مالا (4)
يمتزج أجزاؤه بحيث لا يتميز وهو (5) متساويها كالحنطة والشعير وكان
لأحدهما قفيزان مثلا، وللآخر قفيز، وتلف قفيز بعد امتزاجهما بغير
تفريط فالتالف على نسبة المالين (6)، وكذا الباقي فيكون لصاحب
القفيزين قفيز وثلث، وللآخر ثلثا قفيز. والفرق أن الذاهب هنا (7)
عليهما معا، بخلاف الدراهم، لأنه (8) مختص بأحدهما قطعا،
184

(الثانية يجوز جعل السقي بالماء عوضا للصلح) بأن يكون
مورده (1) أمرا آخر من عين، أو منفعة، (و) كذا يجوز كونه (2)
(موردا له (3))، وعوضه أمرا آخر كذلك (4)، وكذا لو كان
أحدهما (5) عوضا، والآخر موردا (6) كل ذلك مع ضبطه (7) بمدة
معلومة، لو تعلق بسقي شئ مضبوط دائما، أو بالسقي بالماء أجمع (8)
دائما وإن جهل المسقى (9) لم يبعد الصحة، وخالف الشيخ رحمه الله
في الجميع (10) محتجا بجهالة الماء، مع أنه جوز بيع ماء العين والبئر،
وبيع جزء مشاع منه (11)، وجعله عوضا للصلح، ويمكن تخصيصه (12)
المنع هنا بغير المضبوط كما اتفق (13) مطلقا في عبارة كثير.
(وكذا) يصح الصلح (على إجراء الماء على سطحه، أو ساحته)
185

جاعلا له (1) عوضا وموردا (بعد العلم بالموضع الذي يجري منه الماء)
بأن يقدر مجراه (2) طولا وعرضا، لترتفع الجهالة عن المحل (3) المصالح
عليه، ولا يعتبر تعيين العمق، لأن من ملك شيئا ملك قراره (4)
مطلقا (5)، لكن ينبغي مشاهدة الماء، أو وصفه، لاختلاف الحال
بقلته، وكثرته، ولو كان (6) ماء مطر اختلف أيضا بكبر ما يقع عليه
وصغره فمعرفته (7) تحصل بمعرفة محله، ولو سقط السطح (8) بعد الصلح
أو احتاجت الساقية إلى إصلاح فعلى مالكهما، لتوقف الحق (9) عليه،
وليس على المصالح مساعدته.
(الثالثة لو تنازع صاحب السفل والعلو في جدار البيت (10)
186

حلف صاحب السفل) لأن جدران البيت كالجزء منه فيحكم بها (1)
لصاحب الجملة وقيل: تكون بينهما، لأن حاجتهما إليه واحدة والأشهر
الأول، (و) لو تنازعا (2) (في جدران الغرفة يحلف صاحبها (3))
لما ذكرناه من الجزئية، ولا إشكال هنا (4)، لأن صاحب البيت
لا تعلق له به (5) إلا كونه موضوعا على ملكه، وذلك (6) لا يقتضي
الملكية، مع معارضة اليد (7)، (وكذا) يقدم قول صاحب الغرفة
لو تنازعا (في سقفها) الذي هو فوقها، لاختصاص صاحبها بالانتفاع به
كالجدار وأولى (8).
(ولو تنازعا في سقف البيت) المتوسط بينهما الحامل للغرفة
(أقرع بينهما)، لاستوائهما في الحاجة إليه، والانتفاع به، والقرعة
لكل أمر مشتبه.
ويشكل بأن مورد القرعة المحل الذي لا يحتمل اشتراكه بين المتنازعين
بل هو حق لأحدهما مشتبه، وهنا ليس كذلك، لأنه كما يجوز كونه
لأحدهما يجوز كونه لهما معا، لاستوائهما فيه، لأنه سقف لصاحب البيت،
وأرض لصاحب الغرفة فكان كالجزء من كل منهما. وفي الدروس قوي
187

اشتراكهما فيه مع حلفهما، أو نكولهما، وإلا (1) أختص بالحالف لما ذكر
من الوجه (2).
وقيل: يقضى به (3) لصاحب الغرفة، لأنها لا تتحقق بدونه،
لكونه أرضها، والبيت يتحقق بدون السقف وهما متصادقان (4) على أن هنا
غرفة فلا بد من تحققها، ولأن تصرفه فيه أغلب من تصرف الآخر.
وليس ببعيد.
وموضع الخلاف في السقف الذي يمكن إحداثه بعد بناء البيت (5)
أما ما لا يمكن كالأزج (6) الذي لا يعقل إحداثه (7) بعد بناء الجدار
الأسفل، لاحتياجه إلى إخراج بعض الأجزاء عن سمت وجه الجدار
قبل انتهائه ليكون حاملا للعقد (8) فيحصل به الترصيف (9) بين السقف
188

والجدران فهو لصاحب السفل بيمينه، لدلالة ذلك على جزئيته منه.
(الرابعة إذا تنازع صاحب غرف الخان، وصاحب بيوته (1)
في المسلك). والمراد به (2) هنا مجموع الصحن بدليل قوله: (حلف
صاحب الغرف في قدر ما يسلكه، وحلف الآخر على الزائد)، لأن
النزاع لو وقع على مسلك في الجملة، أو معين لا يزيد عن القدر (3)
لم يكن على الآخر حلف، لعدم منازعته له (4) في الزائد.
ووجه الحكم للأعلى بقدر المسلك كونه من ضرورة الانتفاع بالغرف
وله عليه يد في جملة الصحن. وأما الزائد عنه (5) فاختصاص صاحب
البيوت به أقوى، لأنه (6) دار لبيوته فيقدم قول كل منهما فيما يظهر
اختصاصه به.
وفي الدروس رجح كون المسلك بينهما (7)، واختصاص الأسفل
بالباقي. وعليه جماعة، لأن صاحب السفل يشاركه في التصرف فيه،
وينفرد بالباقي فيكون قدر المسلك بينهما واحتمل الاشتراك في العرصة (8)
أجمع، لأن صاحب الأعلى لا يكلف المرور على خط مستو (9)،
189

ولا يمنع من وضع شئ فيها، ولا من الجلوس قليلا فله يد على الجميع
في الجملة كالأسفل.
ثم إن كان المرقى في صدر (1) الصحن تشاركا في الممر إليه،
أو أختص به الأعلى (2)، وإن كان المرقى في دهليزه خارجا (3)،
لم يشارك الأسفل (4) في شئ من الصحن، إذ لا يد له (5) على شئ
منها، ولو كان المرقى في ظهره (6) أختص صاحب السفل بالصحن
والدهليز أجمع.
(و) لو تنازعا (في الدرجة يحلف العلوي)، لاختصاصه
بالتصرف فيها بالسلوك وإن كانت موضوعة في أرض صاحب السفل
وكما يحكم بها (7) للأعلى يحكم بمحلها، (وفي الخزانة (8) تحتها يقرع)
بينهما، لاستوائهما فيها بكونها متصلة بملك الأسفل، بل من جملة بيوته،
وكونها (9) هواء لملك الأعلى وهو كالقرار فيقرع،
190

ويشكل بما مر في السقف (1)، ويقوى استواؤهما فيها (2)
مع حلف كل لصاحبه، وهو اختياره في الدروس، ولا عبرة بوضع
الأسفل آلاته تحتها.
ويشكل أيضا الحكم في الدرجة مع اختلافهما في الخزانة، لأنه إذا
قضي بالخزانة لهما، أو حكم بها للأسفل بوجه (3) تكون (4) الدرجة
كالسقف المتوسط بين الأعلى والأسفل، لعين ما ذكر (5)، خصوصا
مع الحكم بها للأسفل وحده فينبغي حينئذ (6) أن يجري فيها الخلاف
السابق (7) ومرجحه (8)، ولو قضينا بالسقف للأعلى زال الإشكال
هنا، وإنما يأتي على مذهب المصنف هنا وفي الدروس فإنه (9) لا يجامع
191

اختصاص العلوي بها مطلقا (1).
(الخامسة لو تنازع راكب الدابة، وقابض لجامها) فيها
(حلف الراكب) لقوة يده، وشدة تصرفه بالنسبة إلى القابض.
وقيل: يستويان في الدعوى، لاشتراكهما في اليد وقوتها لا مدخل له
في الترجيح، ولهذا لم تؤثر في ثوب بيد أحدهما أكثره كما سيأتي،
وما مع الراكب من زيادة نوع التصرف لم يثبت شرعا كونه مرجحا،
وتعريف المدعي والمنكر منطبق عليهما. وهو قوي فيحلف كل منهما لصاحبه
إن لم يكن بينة، وأما اللجام فيقضى به لمن هو في يده، والسرج لراكبه
(ولو تنازعا ثوبا في يد (2) أحدهما أكثره فهما سواء لاشتراكهما)
في اليد ولا ترجيح لقوتها، والتصرف هنا وإن اختلف كثرة وقلة لكنه
من واد واحد، بخلاف الركوب وقبض اللجام. نعم لو كان أحدهما
ممسكا له، والآخر لابسا فكمسألة الراكب والقابض، لزيادة تصرف
اللابس على اليد المشتركة.
(وكذا) لو تنازعا (في العبد وعليه ثياب لأحدهما) ويدهما
(عليه) فلا يرجح صاحب الثياب كما يرجح الراكب بزيادة ذلك على يده
إذ لا دخل للبس في الملك، بخلاف الركوب، فإنه قد يلبسها (3) بغير
إذن مالكها، أو بقوله، أو بالعارية، ولا يرد مثله في الركوب، لأن
192

الراكب ذو يد بخلاف العبد فإن اليد للمدعي، لا له (1). ويتفرع عليه
ما لو كان لأحدهما عليه (2) يد، وللآخر ثياب خاصة فالعبرة بصاحب
اليد.
(ويرجح صاحب الحمل (3) في دعوى البهيمة الحاملة) وإن كان
للآخر عليها يد أيضا بقبض زمام، ونحوه (4)، لدلالة الحمل على كمال
استيلاء مالكه عليها فيرجح. وفي الدروس سوى بين الراكب، ولابس
الثوب، وذي الحمل في الحكم. وهو حسن، (و) كذا يرجح
(صاحب البيت في) دعوى (الغرفة) الكائنة (عليه وإن كان بابها
مفتوحا) إلى المدعي الآخر، لأنها موضوعة في ملكه وهو هواء بيته،
ومجرد فتح الباب إلى الغير لا يفيد اليد.
هذا إذا لم يكن من إليه الباب متصرفا فيها بسكنى وغيرها،
وإلا قدم، لأن يده عليها بالذات، لاقتضاء التصرف له، ويد مالك
الهواء بالتبعية، والذاتية أقوى، مع احتمال التساوي، لثبوت اليد من الجانبين
في الجملة، وعدم تأثير قوة اليد.
(السادسة لو تداعيا جدارا غير متصل ببناء أحدهما، أو متصلا
ببنائهما) معا اتصال ترصيف (5)، وهو تداخل الأحجار ونحوها
على وجه يبعد كونه محدثا بعد وضع الحائط المتصل به (فإن حلفا،
أو نكلا فهو لهما، وإلا) فإن حلف أحدهما، ونكل الآخر (فهو
193

للحالف، ولو اتصل بأحدهما) خاصة (حلف) وقضي له به.
ومثله ما لو كان لأحدهما عليه (1) قبة (2)، أو غرفة، أو سترة (3)
لصيرورته بجميع ذلك ذا يد فعليه اليمين مع فقد البينة.
(وكذا لو كان) لأحدهما خاصة (عليه جذع) فإنه يقضى له به
بيمينه، أو لهما فلهما، ولو اتصل بأحدهما وكان للآخر عليه جذع تساويا
على الأقوى، وكذا لو كان لأحدهما واحدة من المرجحات، ومع الآخر
الباقية، إذ لا أثر لزيادة اليد كما سلف (أما الخوارج) من أحد الجانبين
أو منهما من نقش، أو وتد، أو رف ونحوها (والروازن) كالطاقات
(فلا ترجيح بها)، لإمكان إحداثها من جهة واضعها من غير شعور
الآخر (إلا معاقد القمط) بالكسر وهو الحبل الذي يشد به الخص (4)
وبالضم جمع قماط وهي شداد الخص من ليف وخوص وغيرها فإنه
يقضى بها فيرجح من إليه معاقد القمط لو تنازعا (في الخص) بالضم
وهو البيت الذي يعمل من القصب، ونحوه على المشهور بين الأصحاب
ومنهم من جعل حكم الخص كالجدار بين الملكين. وهو الموافق للأصل.
194

كتاب الشركة
195

كتاب الشركة (1)
الشركة بفتح الشين فكسر الراء، وحكي فيها كسر الشين فسكون
الراء (وسببها قد يكون إرثا) لعين، أو منفعة، أو حق بأن يرثا مالا
أو منفعة دار استأجرها مورثهم، أو حق شفعة، وخيار، (وعقدا (2))
بأن يشتريا دارا بعقد واحد، أو يشتري كل واحد منهما جزء مشاعا منها
ولو على التعاقب، أو يستأجراها، أو يشتريا بخيار لهما، (وحيازة (3))
لبعض المباحات (دفعة) بأن يشتركا في نصب حبالة، ورمي سهم
مثبت فيشتركا في ملك الصيد، ولو حاز كل واحد شيئا من المباح
منفردا عن صاحبه اختص كل بما حازه إن لم يكن عمل كل واحد بنية
الوكالة عن صاحبه في تملك نصف ما يحوزه، وإلا اشتركا أيضا
على الأقوى، فالحيازة قد توجب الاشتراك مع التعاقب وقد لا توجبه
في الدفعة، (ومزجا) لأحد ماليهما بالآخر بحيث (لا يتميز) كل
منهما عن الآخر بأن يكونا متفقين جنسا ووصفا، فلو امتزجا بحيث يمكن
التمييز وإن عسر كالحنطة بالشعير، أو الحمراء من الحنطة بغيرها،
أو الكبيرة الحب بالصغيرة، ونحو ذلك فلا اشتراك. ولا فرق هنا بين
وقوعه اختيارا، أو اتفاقا.
(والشركة قد يكون عينا) أي في عين كما لو اتفق الاشتراك
197

بأحد الوجوه السابقة (1) في شئ من أعيان الأموال، (ومنفعة)
كالاشتراك في منفعة دار استأجراها، أو عبد، أوصي لهما بخدمته،
(وحقا) كشفعة، وخيار، ورهن وهذه الثلاثة (2) تجري في الأولين (3)
وأما الأخيران (4) فلا يتحققان إلا في العين، ويمكن فرض الامتزاج
في المنفعة بأن يستأجر كل منهما دراهم للتزين بها، حيث نجوزه (5) متميزة
ثم امتزجت بحيث لا تتميز.
(والمعتبر) من الشركة شرعا عندنا (شركة العنان) بكسر العين
وهي شركة الأموال، نسبت إلى العنان وهو سير اللجام الذي يمسك به
الدابة، لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ، التصرف، واستحقاق الربح
على قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان، أو تساوي الفارسين فيه إذا
تساويا في السير، أو لأن كل واحد منهما يمنع الآخر من التصرف حيث
يشاء كما يمنع العنان الدابة، أو لأن الأخذ بعنانها يحبس إحدى يديه عليه
ويطلق الأخرى كالشريك يحبس يده عن التصرف في المشترك مع انطلاق
يده في سائر ماله.
وقيل: من عن إذا ظهر، لظهور مال كل من الشريكين لصاحبه
أو لأنها أظهر أنواع الشركة. وقيل: من المعانة وهي المعارضة، لمعارضة
كل منهما بما أخرجه الآخر.
(لا شركة الأعمال) بأن يتعاقدا على أن يعمل كل منهما بنفسه،
198

ويشتركا في الحاصل، سواء اتفق عملهما قدرا ونوعا أم اختلف فيهما
أم في أحدهما، وسواء عملا في مال مملوك أم في تحصيل مباح، لأن كل
واحد منهما متميز ببدنه وعمله فيختص بفوائده، كما لو اشتركا في مالين
وهما متميزان.
(ولا) شركة (المفاوضة) وهي أن يشترك شخصان فصاعدا
بعقد لفظي على أن يكون بينهما ما يكتسبان، ويربحان، ويلتزمان من غرم
ويحصل لهما من غنم، فيلتزم كل منهما للآخر مثل ما يلتزمه من أرش
جناية، وضمان غصب، وقيمة متلف، وغرامة ضمان وكفالة، ويقاسمه
فيما يحصل له من ميراث، أو يجده من ركاز (1)، ولقطة، ويكتسبه
في تجارة، ونحو ذلك.
ولا يستثنيان من ذلك إلا قوت اليوم، وثياب البدن، وجارية
يتسرى (2) بها، فإن الآخر لا يشارك فيها. وكذا يستثنى في هذه الشركة
من الغرم: الجناية على الحر، وبذل الخلع، والصداق إذا لزم أحدهما.
(و) لا شركة (الوجوه) وهي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال
لهما بعقد لفظي ليبتاعا (3) في الذمة على أن ما يبتاعه كل منهما يكون بينهما
فيبيعان ويؤديان الأثمان، وما فضل فهو بينهما، أو أن يبتاع وجيه
في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل (4) على أن يكون الربح بينهما،
أو أن يشترك وجيه لا مال له، وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه
والمال من الخامل، ويكون المال في يده لا يسلمه إلى الوجيه، والربح
199

بينهما، أو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعضه له،
وهذه الثلاثة بمعانيها عندنا باطلة.
(و) المشتركان شركة العنان (يتساويان في الربح والخسران
مع تساوي المالين، ولو اختلفا) في مقدار المال (اختلف الربح) بحسبه
والضابط أن الربح بينهما على نسبة المال متساويا ومتفاوتا (1)، فلو
عبر به (2) لكان أخصر وأدل على المقصود (3)، إذ (4) لا يلزم
200

من اختلاف الربح مع اختلاف المالين كونه (1) على النسبة، (ولو شرطا
غيرهما) أي غير التساوي في الربح على تقدير تساوي المالين بأن شرطا
فيه (2) تفاوتا حينئذ (3)، أو غير اختلاف استحقاقهما في الربح
مع اختلاف المالين كمية (فالأظهر البطلان) أي بطلان الشرط، ويتبعه
بطلان الشركة بمعنى الإذن في التصرف، فإن عملا كذلك (4) فالربح
تابع للمال وإن خالف الشرط، ويكون لكل منهما أجرة عمله بعد وضع
ما قابل عمله في ماله.
ووجه البطلان بهذا الشرط أن الزيادة الحاصلة في الربح لأحدهما
ليس في مقابلها عوض، ولا وقع اشتراطها (5) في عقد معاوضة لتضم
إلى أحد العوضين، ولا اقتضى تملكها عقد هبة، والأسباب المثمرة للملك
معدودة، وليس هذا أحدها فيبطل الشرط ويتبعه العقد المتضمن للإذن
في التصرف، لعدم تراضيهما إلا على ذلك التقدير (6) ولم يحصل (7).
وينبغي تقييده (8) بعدم زيادة عمل ممن شرطت له الزيادة،
201

وإلا (1) اتجه الجواز.
وقيل: يجوز مطلقا (2) لعموم الأمر بالوفاء بالعقود، والمؤمنون
عند شروطهم، وأصالة الإباحة، وبناء الشركة على الإرفاق، ومنه (3)
موضع النزاع.
(وليس لأحد الشركاء التصرف) في المال المشترك (إلا بإذن
الجميع) لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلا وشرعا، (ويقتصر
من التصرف على المأذون) على تقدير حصول الإذن (فإن تعدى)
المأذون (ضمن).
واعلم أن الشركة كما تطلق على اجتماع حقوق الملاك في المال الواحد
على أحد الوجوه السابقة (4)، كذلك تطلق على العقد المثمر جواز
تصرف الملاك في المال المشترك، وبهذا المعنى اندرجت الشركة في قسم
العقود، وقبلت الحكم بالصحة والفساد، لا بالمعنى الأول (5). والمصنف
رحمه الله أشار إلى المعنى الأول بما افتتح به من الأقسام (6)،
وإلى الثاني (7) بالإذن المبحوث عنه هنا، (ولكل) من الشركاء
(المطالبة بالقسمة عرضا) بالسكون وهو ما عدا النقدين (كان المال،
أو نقدا. والشريك أمين) على ما تحت يده من المال
202

المشترك المأذون له في وضع يده عليه (لا يضمن إلا بتعد) وهو فعل
ما لا يجوز فعله في المال، (أو تفريط) وهو التقصير في حفظه،
وما يتم به صلاحه (ويقبل يمينه في التلف) لو ادعاه بتفريط وغيره
(وإن كان السبب ظاهرا) كالحرق، والغرق. وإنما خصه لإمكان
إقامة البينة عليه، فربما احتمل عدم قبول قوله فيه كما ذهب إليه بعض
العامة، أما دعوى تلفه بأمر خفي كالسرقة فمقبول إجماعا.
(ويكره مشاركة الذمي وإبضاعه) وهو أن يدفع إليه مالا يتجر
فيه والربح لصاحب المال خاصة (1)، (وإيداعه) لقول الصادق
عليه السلام: " لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي، ولا يبضعه
بضاعة، ولا يودعه وديعة، ولا يصافيه المودة (2) ".
(ولو باع الشريكان سلعة صفقة، وقبض أحدهما من ثمنها
شيئا شاركه الآخر) فيه على المشهور، وبه أخبار (3) كثيرة، ولأن
كل جزء من الثمن مشترك بينهما، فكل ما حصل منه (4) بينهما كذلك (5)
وقيل: لا يشارك (6) لجواز أن يبرئ (7) الغريم (8) من حقه،
203

ويصالحه عليه من غير أن يسري (1) إلى الآخر، فكذا الاستيفاء (2)
ولأن (3) متعلق الشركة هو العين وقد ذهبت، والعوض أمر كلي لا يتعين
إلا بقبض المالك، أو وكيله، ولم يتحقق هنا بالنسبة إلى الآخر، لأنه
إنما قبضه لنفسه (4).
وعلى المشهور (5) لا يتعين على الشريك غير القابض مشاركته،
بل يتخير (6) بينها (7)، وبين مطالبة الغريم (8) بحقه ويكون قدر
حصة الشريك (9) في يد القابض كقبض الفضولي إن أجازه (10)،
204

ملكه (1) ويتبعه (2) النماء، وإن رده (3) ملكه القابض، ويكون (4) مضمونا
عليه على التقديرين (5). ولو أراد (6) الاختصاص بالمقبوض بغير إشكال (7)
فليبع حقه للمديون (8) على وجه يسلم من الربا بثمن (9) معين فيختص به
وأولى منه (10) الصلح عليه، أو يبرئه من حقه ويستوهب عوضه،
أو يحيل به (11) على المديون، أو يضمنه (12) له ضامن.
205

وموضع الخلاف (1) مع حلول الحقين (2) فلو كان أحدهما (3)
مؤجلا لم يشارك (4) فيما قبضه الآخر (5) قبل حلول الأجل، واحترز
ببيعهما صفقة عما لو باع كل واحد نصيبه بعقد وإن كان (6) لواحد،
كما لا فرق في الصفقة بين كون المشتري واحدا، ومتعددا، لأن الموجب
للشركة هو العقد الواحد على المال المشترك، وفي حكم الصفقة ما (7)
اتحد سبب شركته كالميراث، والإتلاف، والاقتراض من المشترك.
206

(ولو ادعى المشتري من المشتركين (1)) المأذونين (شراء شئ
لنفسه، أولهما حلف) وقبل بيمينه، لأن مرجع ذلك (2) إلى قصده
وهو أعلم به، والاشتراك لا يعين التصرف بدون القصد (3)، وإنما لزمه
الحلف (4) مع أن القصد من الأمور الباطنة التي لا تعلم إلا من قبله (5)
لإمكان (6) الاطلاع عليه بإقراره.
207

كتاب المضاربة
209

كتاب المضاربة (1)
(وهي أن يدفع مالا إلى غيره ليعمل فيه بحصة معينة من ربحه)
مأخوذة من الضرب في الأرض، لأن العامل يضرب فيها للسعي على التجارة
وابتغاء الربح بطلب صاحب المال، فكأن الضرب مسبب عنهما (6)،
فتحققت المفاعلة لذلك، أو من ضرب كل منهما في الربح بسهم، أو لما فيه
من الضرب بالمال وتقليبه.
وأهل الحجاز يسمونها قراضا من القرض وهو القطع، كأن صاحب
المال اقتطع منه (3) قطعة وسلمها إلى العامل، أو اقتطع له قطعة من الربح
في مقابلة عمله، أو من المقارضة وهي المساواة، ومنه: " قارض الناس
ما قارضوك فإن تركتهم لم يتركوك (4) ".
ووجه التساوي هنا أن المال من جهة، والعمل من أخرى، والربح
في مقابلهما فقد تساويا في قوام العقد، أو أصل استحقاق الربح وإن اختلفا
في كميته.
211

(وهي جائزة من الطرفين) سواء نض المال (1) أم كان به عروض
يجوز لكل منهما فسخها، ومن لوازم جوازها منهما (2) وقوع العقد بكل
لفظ يدل عليه.
وفي اشتراط وقوع قبوله لفظيا، أو جوازه بالفعل أيضا قولان؟
لا يخلو ثانيهما من قوة.
(ولا يصح اشتراط اللزوم، أو الأجل فيها (3) بمعنى أنه
لا يجب الوفاء بالشرط، ولا تصير لازمة بذلك (4)، ولا في الأجل (5)
بل يجوز فسخها (6) فيه عملا بالأصل (7)، (ولكن) اشتراط الأجل
(يثمر المنع من التصرف بعد الأجل إلا بإذن جديد)، لأن التصرف
تابع للإذن ولا إذن بعده (8)، وكذا لو أجل (9) بعض التصرفات
212

كالبيع، أو الشراء خاصة، أو نوعا خاصا (1).
ويفهم من تشريكه (2) بين اشتراط اللزوم والأجل، تساويهما
في الصحة، وعدم لزوم الشرط.
والمشهور أن اشتراط اللزوم مبطل، لأنه مناف لمقتضى العقد (3)
فإذا فسد الشرط تبعه العقد، بخلاف شرط الأجل، فإن مرجعه إلى تقييد
التصرف بوقت خاص وهو غير مناف (4)، ويمكن أن يريد المصنف
ذلك (5) وإنما شرك بينهما في عدم صحة الشرط مطلقا (6) وإن افترقا
في أمر آخر (7).
(ويقتصر العامل من التصرف على ما أذن المالك له) من نوع
التجارة، ومكانها، وزمانها، ومن يشتري منه، ويبيع عليه، وغير ذلك
فإن خالف ما عين له ضمن المال، لكن لو ربح كان بينهما بمقتضى الشرط
213

للأخبار (1) الصحيحة، ولولاها (2) لكان التصرف باطلا (3)، أو موقوفا
على الإجازة.
(ولو أطلق) له الإذن (تصرف بالاسترباح (4)) في كل
ما يظن (5) فيه حصول الربح من غير أن يتقيد بنوع، أو زمان،
أو مكان، ويتولى أيضا بالإطلاق ما يتولاه المالك في التجارة بنفسه
من عرض القماش على المشتري، ونشره، وطيه، وإحرازه، وبيعه،
وقبض ثمنه، ولا أجرة له على مثل ذلك، حملا للإطلاق على المتعارف،
وله الاستئجار على ما جرت العادة به كالدلالة، ووزن الأمتعة الثقيلة التي
لم تجر عادته بمباشرة مثلها.
(وينفق في السفر كمال نفقته من أصل المال) والمراد بالنفقة
ما يحتاج فيه (6) إليه من مأكول، وملبوس، ومشروب ومركوب،
وآلات ذلك، وأجرة المسكن، ونحوها، ويراعي فيها (7) ما يليق به
عادة مقتصدا، فإن أسرف حسب عليه، وإن قتر لم يحسب له. وإذا
214

عاد من السفر فما بقي من أعيانها ولو من الزاد يجب رده إلى التجارة،
أو تركه إلى أن يسافر إن كان (1) ممن يعود إليه قبل فساده (2).
ولو شرط عدمها لزم (3)، ولو أذن له بعده (4) فهو تبرع
محض (5)، ولو شرطها فهو تأكيد (6). ويشترط حينئذ (7) تعيينها (8)
لئلا يتجاهل الشرط، بخلاف ما ثبت بأصل الشرع (9)، ولا يعتبر
في ثبوتها (10) حصول ربح، بل ينفق ولو من الأصل إن لم يربح،
وإلا كانت منه (11).
ومؤنة المرض في السفر على العامل، وكذا (12) سفر لم يؤذن فيه
وإن استحق الحصة (13) والمراد بالسفر: العرفي، لا الشرعي وهو ما اشتمل
215

على المسافة (1) فينفق وإن كان قصيرا أو أتم الصلاة (2) إلا أن يخرج
عن اسم المسافر (3)، أو يزيد (4) عما تحتاج التجارة إليه فينفق من ماله
إلى أن يصدق الوصف (5).
واحترز بكمال النفقة (6) عن القدر الزائد عن نفقة الحضر، فقد
قيل: إنه لا ينفق فيه سواه (7)، ونبه بأصل المال على أنه لا يشترط
حصول ربح كما مر.
(وليشتر نقدا بنقد البلد، بثمن المثل فما دون) فلو اشترى نسيئة
أو بغير نقد البلد، أو بأزيد من ثمن المثل كان فضوليا، فإن أجازه المالك
صح، وإلا بطل، لما في النسيئة (8) من احتمال الضرر بتلف رأس المال
فيبقى عهدة الثمن متعلقة بالمالك، وقد لا يقدر عليه (9)،
216

أو لا يكون له (1) غرض في غير ما دفع (2) وحملا في الأخيرين
على المتعارف (3). وما فيه الغبطة كالوكيل (4).
(وليبع كذلك) بنقد البلد نقدا (بثمن المثل فما فوقه)
لما في النسيئة من التغرير بمال المالك وحملا للإطلاق على المتعارف وهو
نقد البلد كالوكالة.
وقيل: يجوز بغيره (5)، وبالعرض (6) مع كونه (7) مظنة للربح
لأن الغرض الأقصى منها ذلك (8)، بخلاف الوكالة. وفيه قوة.
ولو أذن المالك في شئ من ذلك (9) خصوصا، أو عموما
كتصرف برأيك، أو كيف شئت (10) جاز بالعرض قطعا، أو النقد
217

وثمن المثل فلا يخالفهما إلا مع التصريح (1). نعم يستثنى من ثمن المثل
نقصان يتسامح به عادة.
(وليشتر بعين المال)، لا بالذمة (2) (إلا مع الإذن في الذمة)
ولو بالإجازة، فإن اشترى فيها بدونه (3) ولم يذكر المالك لفظا
ولا نية (4) وقع له (5)، ولو ذكره (6) لفظا فهو فضولي، ونية (7)
خاصة فهو للعامل ظاهرا، وموقوفا باطنا، فيجب التخلص من حق البائع
(ولو تجاوز ما حد له المالك) من الزمان والمكان والصنف
(ضمن، والربح على الشرط (9)) كما مر، أما لو تجاوز بالعين (9)،
218

والمثل (1) والنقد (2) وقف على الإجازة فإن لم يجز بطل.
(وإنما تجوز) المضاربة (بالدراهم والدنانير) إجماعا، وليس ثمة
علة مقنعة غيره (3) فلا تصح بالعروض (4) ولا الفلوس (5) ولا الدين
وغيرها، ولا فرق بين المعين والمشاع (6).
(وتلزم الحصة (7) بالشرط)، دون الأجرة، لأنها معاملة صحيحة
فيلزم مقتضاها وهو ما شرط للعامل من الحصة. وفي قول نادر أن اللازم
أجرة المثل، وأن المعاملة فاسدة، لجهالة العوض والنصوص الصحيحة (8)
على صحتها (9)، بل إجماع المسلمين يدفعه.
(والعامل أمين لا يضمن إلا بتعد، أو تفريط) ومعهما يبقى العقد
ويستحق ما شرط له وإن ضمن المال.
(ولو فسخ المالك فللعامل أجرة مثله إلى ذلك الوقت) الذي فسخ
فيه (إن لم يكن) ظهر (ربح)، وإلا فله حصته من الربح.
219

وربما أشكل الحكم بالأجرة على تقدير عدم الربح بأن مقتضى العقد
استحقاق الحصة إن حصلت لا غيرها، وتسلط المالك على الفسخ
من مقتضياتها (1) فالعامل قادم على ذلك فلا شئ له سوى ما عين.
ولو كان المال عروضا عند الفسخ فإن كان به ربح فللعامل بيعه
إن لم يدفع المالك إليه حقه منه (2)، وإلا (3) لم يجز (4) إلا بأذن
المالك وإن رجى الربح حيث لا يكون بالفعل.
ولو طلب المالك إنضاضه (5) ففي إجبار العامل عليه قولان أجودهما
العدم.
ولو انفسخ العقد من غير المالك إما بعارض (6) يفسد العقد الجائز
أو من قبل العامل فلا أجرة له، بل الحصة إن ظهر ربح. وقيل: له
الأجرة أيضا (7).
(والقول قول العامل في قدر رأس المال)، لأنه منكر للزائد
والأصل معه.
(و) في (قدر الربح (8)) لأنه أمين فيقبل قوله فيه.
(وينبغي أن يكون رأس المال معلوما عند العقد) لترتفع الجهالة
220

عنه، ولا يكتفى بمشاهدته. وقيل: تكفي المشاهدة. وهو ظاهر
اختياره هنا (1)، وهو مذهب الشيخ والعلامة في المختلف، لزوال معظم
الغرر بالمشاهدة، وللأصل (2)، ولقوله صلى الله عليه وآله: " المؤمنون
عند شروطهم "، فإن قلنا به (3) واختلفا في قدره (4) فالقول قول
العامل كما تقدم، للأصل (5) والأقوى المنع (6).
(وليس للعامل أن يشتري ما فيه ضرر على المالك، كمن ينعتق
عليه) أي على المالك (7)، لأنه تخسير محض، والغرض من هذه المعاملة
الاسترباح فإن اشتراه بدون إذنه كان فضوليا مع علمه بالنسب والحكم (8)
أما مع جهله بهما (9)، أو بأحدهما ففي صحته وعتقه عن المالك، أو إلحاقه
221

بالعالم (1) وجهان، مأخذهما: انصراف (2) الإذن إلى ما يمكن بيعه
والاسترباح به فلا يدخل هذا فيه (3) مطلقا (4)، ومن كون (5)
الشرط بحسب الظاهر (6)، لاستحالة توجه الخطاب إلى الغافل
كما لو اشترى معيبا لا يعلم بعيبه فتلف به (7)، (و) كذا (لا يشتري (8)
من رب المال شيئا)، لأن المال له، ولا يشترى مال الإنسان بماله.
(ولو أذن في شراء أبيه) وغيره ممن ينعتق عليه (صح وانعتق)
كما لو اشتراه بنفسه أو وكيله، وبطلت المضاربة في ثمنه، لأنه بمنزلة
التالف، وصار الباقي رأس المال إن كان (وللعامل الأجرة (9)) سواء
ظهر فيه ربح أم لا، أما مع عدمه (10) فظاهر إلا على الاحتمال (11)
222

السابق فيما لو فسخ المالك بنفسه، وأما مع ظهوره (1) فلبطلان المضاربة
بهذا الشراء، لعدم كونه من متعلق الإذن، لأن متعلقه ما فيه ربح
ولو بالمظنة وهو منفي هنا، لكونه مستعقبا للعتق فإذا صرف الثمن فيه بطلت (2)
ويحتمل ثبوت الحصة إن قلنا بملكها بالظهور لتحققه (3)
ولا يقدح عتقه القهري، لصدوره بإذن المالك، كما لو استرد طائفة
من المال بعد ظهوره (4) وحينئذ (5) فيسري على العامل مع يسار المالك
إن قلنا بالسراية في العتق القهري، أو مع اختيار الشريك (6) السبب.
(ولو اشترى) العامل (أبا نفسه)، وغيره ممن ينعتق عليه
(صح) إذ لا ضرر على المالك (فإن ظهر فيه ربح) حال الشراء،
أو بعده (انعتق نصيبه) أي نصيب العامل، لاختياره السبب المفضي
223

إليه كما لو اشتراه بماله، (ويسعى المعتق) وهو الأب (1) (في الباقي)
وإن كان الولد موسرا، لصحيحة محمد بن أبي عمير عن الصادق
عليه السلام (2) الحاكمة باستسعائه من غير استفصال (3).
وقيل: يسري على العامل مع يساره، لاختياره السبب (4) وهو
موجب لها (5) كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وحملت الرواية (6) على إعساره
جمعا بين الأدلة (7).
وربما فرق بين ظهور الربح حالة الشراء، وتجدده (8) فيسري
في الأول (9) دون الثاني (10) ويمكن حمل الرواية عليه (11) أيضا.
224

وفي وجه ثالث بطلان البيع (1)، لأنه، مناف لمقصود القراض (2)
إذ الغرض هو السعي للتجارة التي تقبل التقليب للاسترباح، والشراء
المتعقب للعتق ينافيه (3) والوسط (4) قوي لولا معارضة إطلاق النص
الصحيح (5).
225

كتاب الوديعة
227

كتاب الوديعة (1)
(وهي استنابة في الحفظ) أي استنابة فيه بالذات (2)، فلا يرد
مثل الوكالة في بيع شئ، أو شرائه مع إثبات اليد عليه، فإنها تستلزم
الاستنابة فيه (3) إلا أنها بالعرض، والقصد بالذات الإذن فيما وكل فيه.
ثم الاستنابة إنما تكون من المودع (4) والوديعة لا تتم إلا بالمتعاقدين
فلا تكون الوديعة هي الاستنابة، بل هي وقبولها، وإن اكتفينا بالقبول
الفعلي.
وكأن التعريف (5)،
229

لما كان لعقدها كما علم (1) من مذهب المصنف وكان المعتبر منه الإيجاب
تسامح في إطلاقها عليه (2)، أو لأن الاستنابة تستلزم قبولها فإنها
لو تجردت عنه لم تؤثر (3).
(وتفتقر إلى إيجاب وقبول) كغيرها من العقود، (ولا حصر
في الألفاظ الدالة عليها) كما هو شأن العقود الجائزة من الطرفين، فيكفي
كل لفظ دل عليها، بل التلويح والإشارة المفهمة لمعناها اختيارا.
(ويكفي في القبول الفعل)، لأن الغرض منه الرضا بها. وربما
كان الفعل وهو قبضها أقوى من القول، باعتبار دخولها في ضمانه،
والتزامه (4) بحفظها بواسطة القبض وإن لم يحصل الإيجاب فيه أولى،
إلا أن فيه خروجا عن باب العقود التي لا تتم إلا بصيغة من الطرفين.
ومن ثم قيل: إنها إذن مجرد، لا عقد، وكيف كان لا تجب مقارنة
القبول للإيجاب قوليا كان، أم فعليا:
(ولو طرحها عنده) ولم يحصل منه (5) ما يدل على الرضا،
ولا قبضها، (أو أكرهه على قبضها لم تصر وديعة)، لانتفاء القبول
الشرعي فيهما.
وأما الإيجاب فقد يحصل بالطرح بأن يضم إليه قولا، أو ما في حكمه (6)
230

يفيده (1)، وقد لا يحصل (2) بأن يقتصر على مجرد الطرح، وفي الثاني (3)
لا تصير وديعة وإن قبل قولا أو فعلا لكن في الثاني (4) يجب عليه الحفظ
لليد، لا للوديعة وفي الأول (5) تتم (6) بالقبول بهما (7) فيجب
عليه الحفظ.
وحيث لا يجب لعدم القبول قد يجب لأمر آخر كما لو غاب المالك
وتركها وخيف عليها الذهاب (8) فيجب من باب المعاونة على البر كفاية
لكن لا ضمان بتركه.
وأما مع الإكراه (فلا يجب حفظها) مطلقا (9)، بل يجوز تركها
وإن قبضها به (10) في حضور المالك (11) وغيبته، إلا أن يكون
المكره (12)،
231

مضطرا إلى الإيداع (1) فيجب إعانته عليه كالسابق (2).
فقوله (3): " فلا يجب حفظها " مطلق في الثاني (4) من حيث
الوديعة، ومع عدم القبول، أو القبض في الأول (5) على ما فصل.
(ولو قبل) الوديعة قولا، أو فعلا (وجب) عليه (الحفظ)
ما دام مستودعا، وكذا بعده إلى أن يؤدي إلى المالك، أو من في حكمه
وبذلك (6) يظهر عدم المنافاة بين وجوب الحفظ، وعدم وجوب البقاء
على الوديعة من حيث إنها عقد جائز.
(ولا ضمان عليه) لو تلفت، أو عابت (إلا بالتعدي فيها)
بأن ركب الدابة، أو لبس الثوب، أو فتح الكيس المختوم، أو المشدود
(أو التفريط) بأن قصر في الحفظ عادة (فلو أخذت منه (7) قهرا
فلا ضمان) إن لم يكن سببا في الأخذ القهري بأن سعى بها إلى الظالم،
أو أظهرها فوصل إليه خبرها مع مظنته (8)،
232

ومثله (1) ما لو أخبر (2) بها اللص فسرقها.
ولا فرق (3) بين أخذ القاهر لها بيده (4) وأمره (5) له بدفعها
إليه كرها، لانتفاء (6) التفريط فيهما فينحصر الرجوع (7) على الظالم
فيهما (8) على الأقوى.
وقيل: يجوز له الرجوع على المستودع في الثاني (9)، وإن استقر
الضمان على الظالم (10).
(ولو تمكن) المستودع (من الدفع) عنها بالوسائل الموجبة
لسلامتها (11) (وجب ما لم يؤد إلى تحمل الضرر الكثير، كالجرح،
وأخذ المال (12)) فيجوز تسليمها حينئذ (13) وإن قدر على تحمله. والمرجع
233

في الكثرة والقلة إلى حال المكره (1)، فقد تعد الكلمة اليسيرة
من الأذى (2) كثيرا في حقه، لكونه جليلا (3) لا يليق بحاله ذلك.
ومنهم (4) من لا يعتد بمثله، وأما أخذ المال فإن كان مال (5) المستودع
لم يجب بذله مطلقا (6)، وإن كان من الوديعة فإن لم يستوعبها وجب
الدفع عنها ببعضها (7) ما أمكن، فلو ترك (8) مع القدرة على سلامة
البعض فأخذ الجميع ضمن ما (9) يمكن سلامته، وإن لم يمكن إلا بأخذها
أجمع فلا تقصير، ولو أمكن الدفع عنها بشئ من ماله (10) لا يستوعب
234

قيمتها (1) جاز (2)، ورجع (3) مع نيته.
[وفي وجوبه نظر (4)]، ولو أمكن حفظها عنه بالاستتار (5)
منه وجب فيضمن بتركه (نعم يجب عليه اليمين لو قنع بها الظالم فيوري)
بما يخرجه عن الكذب بأن يحلف أنه ما استودع من فلان ويخصه بوقت
أو جنس، أو مكان، أو نحوها، مغاير لما استودع، وإنما تجب التورية
عليه مع علمه (6) بها، وإلا سقطت (7)، لأنه كذب مستثنى للضرورة
ترجيحا لأخف القبيحين (8) حيث تعارضا.
(وتبطل) الوديعة (بموت كل منهما): المودع والمستودع، كغيرها
من العقود الجائزة، (وجنونه وإغمائه) وإن قصر وقتهما (فتبقى)
في يد المستودع على تقدير عروض ذلك للمودع، أو يد وارثه أو وليه،
أو يده بعد صحته على تقدير عروضه له (أمانة شرعية) أي مأذونا
235

في حفظها من قبل الشارع، لا المالك، لبطلان إذنه بذلك (1).
ومن حكم الأمانة الشرعية وجوب المبادرة إلى ردها (2) وإن لم يطلبها
المالك.
(ولا يقبل قول الودعي) وغيره ممن هي في يده (في ردها
إلا ببينة)، بخلاف الأمانة المستندة إلى المالك فإنه لا يجب ردها بدون
الطلب، أو ما في حكمه كانقضاء المدة المأذون فيها، وقد يقبل قوله
في ردها كالوديعة، وقد لا يقبل كما إذا قبضها لمصلحته كالعارية،
والمضاربة.
ومن الأمانة الشرعية ما بطل من الأمانة المالكية كالشركة، والمضاربة
بموت، ونحوه، وما تطيره الريح إلى دار الغير من الأمتعة، وما ينزع
من الغاصب بطريق الحسبة (3)، وما (4) يؤخذ من الصبي والمجنون
من مال الغير وإن كان كسبا من قمار (5) كالجوز والبيض، وما يؤخذ
من مالهما وديعة عند خوف تلفه بأيديهما، وما يتسلمه منهما نسيانا (6)،
236

وما يوجد فيما يشتري من الأمتعة كالصندوق من مال لا يدخل في المبيع (1)
واللقطة في يد الملتقط مع ظهور المالك (2). وضابطه (3): ما أذن
في الاستيلاء عليه شرعا ولم يأذن فيه المالك.
(ولو عين) المودع (موضعا للحفظ اقتصر) المستودع (عليه (4))
فلا يجوز نقلها إلى غيره (5) وإن كان أحفظ عملا بمقتضى التعيين،
ولاختلاف الأغراض في ذلك (6).
وقيل: يجوز إلى الأحفظ لدلالته عليه بطريق أولى. وهو ممنوع (7)
وجوز آخرون التخطي إلى المساوي، وهو قياس باطل. وحينئذ (8)
فيضمن بنقلها عن المعين مطلقا (9) (إلا أن يخاف تلفها فيه (10)
237

فينقلها (1) عنه إلى الأحفظ، أو المساوي مع الإمكان (2)،
فإن تعذر (3) فالأدون، (ولا ضمان) حينئذ للإذن فيه شرعا وإنما جاز
المساوي هنا (4) لسقوط حكم المعين بتعذره (5) فينتقل إلى ما في حكمه (6)
وهو المساوي، أو ما فوقه، ويمكن شمول كلامه (7) للأدون عند الخوف
وإن وجد المساوي، كما يشمل المنع (8)،
238

من الأعلى عند عدمه، ويشمل (1) أيضا فيهما (2) ما لو نهاه عن غير
المعين وعدمه (3). وهو كذلك (4).
(ويحفظ) الوديعة (بما جرت العادة به) في مكان الوديعة
وزمانها، لأن الشارع لم يحد لها حدا فيرجع إلى العادة (كالثوب،
والنقد في الصندوق) المقفل، أو الموضوع في بيت محرز عن الغير،
(والدابة في الإصطبل) المضبوط بالغلق، (والشاة في المراح) كذلك (5)
أو المحفوظ بنظر المستودع.
وهذه الثلاثة (6) مما جرت العادة بكونها حرزا لما ذكر (7)،
239

وقد يفتقر إلى أمر آخر (1)، أو يقوم غيرها مقامها (2) عادة.
ولا فرق في وجوب الحرز على المستودع بين من يملكه (3)، وغيره
ولا بين من يعلم أنه لا حرز له وغيره (ولو استودع (4) من طفل،
أو مجنون ضمن)، لأنهما ليسا أهلا للإذن فيكون وضع يده على مالهما
بغير إذن شرعي فيضمن، إلا أن يخاف تلفها في أيديهما فيقبضها بنية
الحسبة (5)، فالأقوى عدم الضمان، لكن يجب مراجعة الولي ما أمكن.
ولا فرق (6) بين كون المال لهما، أو لغيرهما، وإن ادعيا إذنه لهما
في الإيداع.
240

(و) حيث يقبض الوديعة منهما مع جوازه (1) أولا معه (2)
(يبرأ بالرد إلى وليهما) الخاص (3)، أو العام مع تعذره (4)، لا إليهما
(ويجب إعادة الوديعة على المودع) مع المطالبة في أول وقت الإمكان
بمعنى رفع يده عنها، والتخلية بين المالك وبينها (5)، فلو كانت
في صندوق مقفل ففتحه عليه (6)، أو بيت محرز فكذلك (7)،
لا نقلها (8) إلى المالك زيادة على ذلك.
241

والعذر (1) الشرعي كإكمال الصلاة وإن كانت نفلا على الأقوى (2)
ما لم يتضرر المالك بالتأخير، والعادي (3) كانتظار انقطاع المطر، ونحوه (4)
كالعقلي (5)، وفي إكمال الطعام والحمام وجهان. والمعتبر في السعي
القصد (6) وإن قدر على الزيادة. والحكم ثابت كذلك (7) (وإن كان)
المودع (كافرا) مباح المال كالحربي، للأمر بأداء الأمانة إلى أهلها من غير
قيد. وروى (8) الفضيل عن الرضا عليه السلام قال: " سألته عن رجل
استودع رجلا من مواليك مالا له قيمة والرجل الذي عليه المال رجل
من العرب يقدر أن لا يعطيه شيئا، والمودع رجل خارجي شيطان، فلم
أدع شيئا (9) فقال عليه السلام: قل له: يرد عليه فإنه إئتمنه عليه
242

بأمانة الله "، وعن الصادق عليه السلام " أدوا الأمانات إلى أهلها
وإن كانوا مجوسا (1) ".
(ويضمن لو أهمل) الرد (بعد المطالبة)، وإمكان الرد على الوجه
السابق، لأنه من أسباب التقصير، ولو كان التأخير لعذر وجب في أول
أوقات إمكانه، (أو أودعها) لغيره، ولو لزوجته، أو ثقة (من غير
ضرورة) إلى الإيداع، فلو اضطر إليه (2) بأن خاف عليها من حرق،
أو سرق، أو نهب لو بقيت في يده وتعذر ردها إلى المالك، والحاكم
أودعها (3) العدل. وفي حكم إيداعها اختيارا إشراك (4) الغير في اليد
ولو زوجة وولدا، ووضعها (5) في محل مشترك في التصرف بحيث لا يلاحظها
في سائر الأوقات، (أو سافر بها كذلك) أي من غير ضرورة
إلى استصحابها في السفر بأن أمكنه عند إرادة السفر إيصالها إلى المالك،
أو وكيله عاما، أو خاصا، أو إيداعها العدل فترك وأخذها معه فيضمن.
243

أما مع الضرورة بأن تعذر جميع ما تقدم، وخاف عليها في البلد،
أو اضطر إلى السفر فلا ضمان، بل قد يجب، لأنه من ضروب الحفظ.
والمعتبر في تعذر التوصل إلى المالك ومن بحكمه المشقة الكثيرة عرفا،
وفي السفر (1) العرفي أيضا فما قصر عنه كالتردد إلى حدود البلد وقرى
لا يطلق على الذهاب إليها السفر يجوز فيه مصاحبتها مع أمن الطريق،
ولا يجوز إيداعها في مثله مع إمكان استصحابها، واستثني منه (2)
ما لو أودعه مسافرا، أو كان المستودع منتجعا (3)، فإنه يسافر بها
من غير ضمان، لقدوم (4) المالك عليه.
(أو طرحها في موضع تتعفن فيه) وإن كان حرزا لمثلها،
244

لما عرفت من أن الحرز مشروط بأمور أخر هذا (1) منها. وفي حكم
العفن الموضع المفسد كالندى للكتب.
وضابطه مالا يصلح لتلك الوديعة عرفا بحسب مدة إقامتها فيه،
(أو ترك سقي الدابة، أو علفها ما لا تصبر عليه عادة)، ومثلها المملوك
والمعتبر السقي والعلف بحسب المعتاد لأمثالها، فالنقصان عنه تفريط،
وهو المعبر عنه بعدم صبرها عليه فيضمنها حينئذ (2) وإن ماتت بغيره.
ولا فرق في ذلك (3) بين أن يأمره بهما (4)، ويطلق، وينهاه،
لوجوب حفظ المال عن التلف، هذا هو الذي يقتضيه إطلاق العبارة
وهو أحد القولين في المسألة.
والأقوى أنه مع النهي لا يضمن بالترك، لأن حفظ المال إنما يجب
245

على مالكه لا على غيره، نعم يجب في الحيوان مطلقا (1) لأنه ذو روح
لكن لا يضمن بتركه كغيره (2).
واعلم أن مستودع الحيوان إن أمره المالك بالإنفاق أنفق ورجع عليه
بما غرم، وإن أطلق توصل إلى استئذانه، فإن تعذر رفع أمره إلى الحاكم
فإن تعذر (3) أنفق هو وأشهد عليه ورجع به، ولو تعذر الإشهاد اقتصر
على نية الرجوع إن أراده وقبل قوله فيها، وفي القدر (4) بالمعروف،
وكذا القول مع نهي المالك له عنه (5). وفي حكم النفقة ما تفتقر إليه
من الدواء وغيره، وفي حكم الحيوان الشجر المفتقر إلى الحرث والسقي
وغيرهما.
(أو ترك نشر الثوب) الذي يفسده طول مكثه كالصوف،
والإبريسم (للريح) حتى لو لم يندفع (6) بنشره وجب لبسه بمقدار
ما يندفع الضرر عنه، وكذا عرضه (7) على البرد.
246

ومثله (1) توقف نقل الدابة إلى الحرز، أو العلف، أو السقي
على الركوب، والكتاب على تقليبه، والنظر فيه فيجب ذلك كله، ويحرم
بدونه، (أو انتفع بها (2)) لا لذلك، (أو مزجها) بماله، أو بمال
غيره بحيث لا يتميز، سواء مزجها بأجود أم بأدون، بل لو مزج
إحدى الوديعتين بالأخرى ضمنهما معا وإن كانا لواحد ومثله (3) لو خلطها
بمال لمالكها غير مودع عنده، للتعدي في الجميع.
(وليرد) الوديعة حيث يؤمر به (4)، أو يريده هو (5) (إلى المالك
أو وكيله) المتناول وكالته (6) مثل ذلك (7) مخيرا فيهما (8)، (فإن تعذر)
247

للمالك، أو وكيله (فالحاكم) الشرعي (عند الضرورة إلى ردها)،
لا بدونه (1)، لأن (2) الحاكم لا ولاية له على من له وكيل، والودعي
بمنزلته (3).
وإنما جاز الدفع إليه (4) عند الضرورة دفعا للحرج والإضرار،
وتنزيلا له (5) حينئذ منزلة من لا وكيل له، وتتحقق الضرورة بالعجز
عن الحفظ، وعروض خوف يفتقر معه إلى التستر المنافي لرعايتها،
أو الخوف على أخذ المتغلب لها تبعا لماله، أو استقلالا، أو الخوف
عليها من السرق، أو الحرق، أو النهب، ونحو ذلك. فإن تعذر الحاكم
حينئذ أودعها الثقة. ولو دفعها إلى الحاكم مع القدرة على المالك ضمن
كما يضمن لو دفعها إلى الثقة مع القدرة على الحاكم، أو المالك.
(ولو أنكر الوديعة حلف) لأصالة البراءة، (ولو أقام) المالك
(بها بينة قبل حلفه ضمن)، لأنه متعد بجحوده لها (إلا أن يكون
جوابه: لا تستحق عندي شيئا وشبهه) كقوله: ليس لك عندي وديعة
يلزمني ردها ولا عوضها، فلا يضمن بالإنكار، بل يكون كمدعي التلف
يقبل قوله بيمينه أيضا، ولإمكان تلفها بغير تفريط فلا تكون مستحقة
248

عنده، ولا يناقض قوله البينة، ولو أظهر لإنكاره الأول (1) تأويلا
كقوله: ليس لك عندي وديعة يلزمني ردها، أو ضمانها، ونحو ذلك
فالأقوى القبول أيضا، واختاره المصنف رحمه الله في بعض تحقيقاته.
(والقول قول الودعي في القيمة لو فرط) لأصالة عدم الزيادة عما
يعترف به.
وقيل: قول المالك (2)، لخروجه (3) بالتفريط عن الأمانة،
ويضعف بأنه (4) ليس مأخذ القبول.
(وإذا مات المودع سلمها) المستودع (إلى وارثه) إن اتحد،
(أو إلى من يقوم مقامه) من وكيل، وولي، فإن تعدد سلمها إلى الجميع
إن اتفقوا في الأهلية، وإلا فإلى الأهل (5)، وولي الناقص (6)،
249

(ولو سلمها إلى البعض) من دون إذن الباقين (ضمن للباقي) بنسبة
حصتهم، لتعديه فيها بتسليمها إلى غير المالك، وتجب المبادرة إلى ردها
إليهم حينئذ (1) كما سلف (2)، سواء علم الوارث بها أم لا.
(ولا يبرأ) المستودع (بإعادتها إلى الحرز لو تعدى) فأخرجها
منه، (أو فرط) بتركه غير مقفل، ثم قفله، ونحوه، لأنه صار
بمنزلة الغاصب فيستصحب حكم الضمان إلى أن يحصل من المالك ما يقتضي
زواله برده عليه، ثم يجدد له الوديعة، أو يجدد له الاستئمان بغير رد كأن
يقول له: أودعتكها، أو استأمنتك عليها، ونحوه على الأقوى.
وقيل: لا يعود بذلك، كما لا يزول الضمان عن الغاصب بإيداعه،
أو يبرئه من الضمان على قول قوي.
(ويقبل قوله بيمينه في الرد) وإن كان مدعيا بكل وجه (3)
على المشهور، لأنه محسن وقابض لمحض مصلحة المالك والأصل براءة ذمته
250

هذا إذا ادعى ردها على من ائتمنه، أما لو ادعاه على غيره (1)
كوارثه فكغيره من الأمناء، لأصالة عدمه وهو (2) لم يأتمنه فلا يكلف
تصديقه.
ودعوى ردها (3) على الوكيل كدعواه على الموكل، لأن يده كيده
251

كتاب العارية
253

كتاب العارية
بتشديد الياء، وتخفف، نسبة إلى العار، لأن طلبها عار، أو إلى العارة
مصدر ثان لأعرته إعارة، كالجابة للإجابة، أو من عار إذا جاء وذهب
لتحولها من يد إلى أخرى، أو من التعاور وهو التداول. وهي من العقود
الجائزة تثمر جواز التصرف في العين بالانتفاع مع بقاء الأصل غالبا،
(ولا حصر أيضا) أي عودا إلى ما ذكر في الوديعة (في ألفاظها)
إيجابا وقبولا، بل كل ما دل على الإذن من طرف المعير فهو إيجاب.
ويكفي الفعل في القبول، بل لو استفيد رضاه من غير الألفاظ
كالكتابة، والإشارة ولو مع القدرة على النطق كفى.
ومثله (1) ما لو دفع إليه ثوبا حيث وجده عاريا، أو محتاجا
إلى لبسه، أو فرش لضيفه فراشا، أو ألقى إليه وسادة، أو مخدة.
واكتفى في التذكرة بحسن الظن بالصديق في جواز الانتفاع بمتاعه. وينبغي
تقييده (2) بكون منفعته مما يتناوله الإذن الوارد في الآية،
255

بجواز الأكل (1) من بيته بمفهوم الموافقة (2)، وتعديه (3) إلى من تناولته
من الأرحام، لا مطلق حسن الظن لعدم الدليل، إذ المساوي (4)
قياس، والأضعف (5) ممتنع بطريق أولى.
(ويشترط كون المعير كاملا جائز التصرف، ويجوز إعارة الصبي
256

بإذن الولي) لمال نفسه، ووليه (1)، لأن المعتبر إذن الولي وهو كاف
في تحقق هذا العقد.
هذا إذا علم المستعير بإذن الولي، وإلا لم يقبل قول الصبي
في حقه (2)، إلا أن تنضم إليه قرائن تفيد الظن المتاخم للعلم به، كما إذا
طلبها (3) من الولي فجاء به الصبي وأخبر أنه أرسله بها، ونحو ذلك،
كما يقبل قوله في الهدية (4)، والإذن في دخول الدار بالقرائن، ولا بد
مع إذن الولي له في إعارة ماله من وجود المصلحة بها بأن تكون يد
المستعير أحفظ من يد الولي في ذلك الوقت (5)، أو لانتفاع الصبي
بالمستعير بما يزيد عن منفعة ماله، أو تكون العين ينفعها الاستعمال ويضرها
الإهمال (6)، ونحو ذلك (7).
(وكون العين مما يصح الانتفاع بها مع بقائها) فلا يصح إعارة
257

ما لا يتم الانتفاع به إلا بذهاب عينه كالأطعمة. ويستثنى من ذلك المنحة
وهي الشاة المستعارة للحلب، للنص (1).
وفي تعديه إلى غيرها من الحيوان المتخذ للحلب وجهان، والاقتصار
فيما خالف الأصل على موضع اليقين (2) أجود.
(وللمالك الرجوع فيها متى شاء)، لاقتضاء جواز العقد ذلك،
(إلا في الإعارة للدفن) أي دفن الميت المسلم ومن بحكمه (3) فلا يجوز
الرجوع فيه (بعد الطم)، لتحريم نبشه، وهتك حرمته، إلى أن تندرس
عظامه.
ولو رجع قبله (4) جاز وإن كان الميت قد وضع على الأقوى،
للأصل (5) فمؤنة الحفر لازمة لولي الميت، لقدومه (6) على ذلك،
إلا أن يتعذر عليه غيره (7)،
258

مما لا يزيد عوضه عنه (1) فيقوى كونه (2) من مال الميت، لعدم
التقصير (3)، ولا يلزم وليه طمه، للإذن فيه (4).
ويستثنى آخران (5) أيضا: أحدهما إذا حصل بالرجوع ضرر
على المستعير لا يستدرك كما لو أعاره لوحا رقع به سفينته ولجج (6)
259

في البحر فلا رجوع للمعير إلى أن يمكنه الخروج إلى الشاطئ،
أو إصلاحها (1) مع نزعه من غير ضرر، ولو رجع قبل دخول السفينة،
أو بعد خروجها فلا إشكال في الجواز، مع احتمال الجواز مطلقا (2)
وإن وجب الصبر بقبضه إلى أن يزول الضرر، والثاني (3) الاستعارة
للرهن بعد وقوعه وقد تقدم (4).
(وهي أمانة) في يد المستعير (لا يضمن إلا بالتعدي، أو التفريط)
إلا ما استثني (وإذا استعار أرضا) صالحة للزرع، والغرس، والبناء
عادة (غرس، أو زرع، أو بنى) مخيرا فيها مع الإطلاق، أو التصريح
بالتعميم، وله الجمع بينها بحسب الإمكان لأن ذلك كله انتفاع بتلك
العين يدخل في الإطلاق، أو التعميم، ومثله (5) ما لو استعار دابة
صالحة للركوب والحمل.
(ولو عين له جهة لم يتجاوزها) ولو إلى المساوي والأدون عملا
بمقتضى التعيين واقتصارا على المأذون.
وقيل: يجوز التخطي إلى المساوي والأقل ضررا وهو ضعيف.
260

ودخول الأدون بطريق أولى ممنوع، لاختلاف الغرض في ذلك (1)، نعم
لو علم انتفاء الغرض بالمعين اتجه جواز التخطي إلى الأقل، أما المساوي
فلا (2) مطلقا (3)، كما أنه مع النهي عن التخطي يحرم مطلقا (4).
وحيث يتعين المعين فتعدى إلى غيره (5) ضمن الأرض (6) ولزمه
الأجرة لمجموع ما فعل من غير أن يسقط منها (7) ما قابل المأذون
على الأقوى، لكونه تصرفا بغير إذن المالك فيوجب الأجرة، والقدر
المأذون فيه لم يفعله فلا معنى لإسقاط قدره.
نعم لو كان المأذون فيه داخلا في ضمن المنهي عنه، كما لو أذن له
في تحميل الدابة قدرا معينا فتجاوزه (8)، أو في ركوبها بنفسه فأردف
غيره تعين إسقاط قدر المأذون (9)، لأنه بعض ما استوفى من المنفعة
261

وإن ضمن الدابة أجمع (1).
(ويجوز له (2) بيع غروسه، وأبنيته ولو على غير المالك (3))
على المشهور، لأنه مالك غير ممنوع من التصرف فيه (4) فيبيعه ممن يشاء
وقيل: لا يجوز بيعه على غير المعير، لعدم استقرار ملكه (5)
برجوع المعير، وهو (6) غير مانع من البيع، كما يباع المشرف على التلف
ومستحق القتل قصاصا (7).
ثم إن كان المشتري جاهلا بحاله فله الفسخ للعيب، لا إن كان عالما
بل ينزل منزلة المستعير (8).
ولو اتفقا على بيع ملكهما معا بثمن واحد صح، ووزع الثمن
عليهما، فيقسط على أرض مشغولة به (9) على وجه الإعارة مستحق
262

القلع بالأرش، أو الإبقاء (1) بالأجرة، أو التملك (2) بالقيمة مع التراضي
وعلى ما فيها مستحق القلع (3) على أحد الوجوه (4) فلكل (5) قسط
ما يملكه.
(ولو نقصت) العين المعارة (بالاستعمال لم يضمن) المستعير
النقص، لاستناد التلف (6) إلى فعل مأذون فيه ولو من جهة
الإطلاق (7) وتقييده بالنقص قد يفهم أنها لو تلفت به (8) ضمنها وهو
أحد القولين في المسألة، لعدم تناول الإذن للاستعمال المتلف عرفا وإن دخل
في الإطلاق، فيضمنها آخر (9) حالات التقويم. وقيل: لا يضمن
263

أيضا كالنقص، لما ذكر من الوجه (1) وهو الوجه (2).
(ويضمن العارية باشتراط الضمان) عملا بالشرط المأمور بالكون
معه (3) سواء شرط ضمان العين أم الأجزاء أم هما فيتبع شرطه.
(وبكونها ذهبا، أو فضة (4)) سواء كانا دنانير ودراهم
أم لا على أصح القولين، لأن فيه (5) جمعا بين النصوص (6) المختلفة.
وقيل: يختص (7) بالنقدين استنادا إلى الجمع (8) أيضا،
وإلى الحكمة الباعثة على الحكم، وهي (9) ضعف المنفعة المطلوبة منهما بدون
264

الإنفاق، فكانت عاريتهما موجبة بالذات لما يوجب التلف فيضمنان
بهما (1).
ويضعف بأن الشرط الانتفاع بهما مع بقائهما، وضعف المنفعة حينئذ
لا مدخل له في اختلاف الحكم، وتقدير منفعة الإنفاق حكم (2) بغير الواقع
(ولو ادعى) المستعير (التلف حلف) لأنه أمين فيقبل قوله
فيه (3) كغيره (4)، سواء ادعاه (5) بأمر ظاهر أم خفي (6)، ولإمكان
صدقه، فلو لم يقبل قوله لزم تخليده الحبس (7).
(ولو ادعى الرد حلف المالك)، لأصالة عدمه (8)، وقد قبضه
265

لمصلحة نفسه (1) فلا يقبل قوله فيه، بخلاف الودعي.
ومعنى عدم قبول قوله فيه. الحكم بضمانه للمثل، أو القيمة حيث
يتعذر العين، لا الحكم بالعين مطلقا (2)، لما تقدم في دعوى التلف (3)
(وللمستعير الاستظلال بالشجر) الذي غرسه في الأرض المعارة
للغرس وإن استلزم التصرف في الأرض بغير الغرس، لقضاء العادة به.
كما يجوز له الدخول إليها لسقيه، وحرثه، وحراسته، وغيرها (4)،
وليس له الدخول لغير غرض يتعلق بالشجر كالتفرج، (وكذا) يجوز
(للمعير) الاستظلال بالشجر المذكور وإن كان ملكا لغيره، لأنه جالس
في ملكه كما لو جلس في غيره من أملاكه فاتفق له التظلل بشجر غيره،
أو في المباح كذلك (5)، وكذا يجوز له الانتفاع بكل ما لا يستلزم
التصرف في الشجر.
(ولا يجوز للمستعير (إعارة العين المستعارة إلا بأذن المالك)،
لأن الإعارة إنما تناولت الإذن له خاصة. نعم يجوز له استيفاء المنفعة
بنفسه، ووكيله، لكن لا يعد ذلك إعارة، لعود المنفعة إليه،
لا إلى الوكيل.
266

وحيث يعير (1) يضمن العين والمنفعة، ويرجع المالك على من شاء
منهما، فإن رجع على المستعير الأول لم يرجع (2) على الثاني الجاهل،
إلا أن تكون العارية مضمونة (3) فيرجع (4) عليه ببدل العين خاصة (5)
ولو كان (6) عالما استقر الضمان عليه (7) كالغاصب (8)، وإن رجع (9)
على الثاني رجع (10) على الأول (11) بما (12) لا يرجع (13)،
267

عليه (1) به (2) لو رجع (3) عليه (4)، لغروره، (ولو شرط (5)
سقوط الضمان في الذهب والفضة صح) عملا بالشرط.
(ولو شرط سقوطه (6) مع التعدي أو التفريط احتمل الجواز)
لأنه في قوة الإذن له (7) في الإتلاف فلا يستعقب الضمان (كما لو أمره
بإلقاء متاعه في البحر).
ويحتمل عدم صحة الشرط، لأنهما (8) من أسباب الضمان فلا يعقل
268

إسقاطه قبل وقوعه (1)، لأنه كالبراءة مما لم يجب، والأول أقوى.
(ولو قال الراكب: أعرتنيها، وقال المالك: آجرتكها حلف
الراكب)، لاتفاقهما على أن تلف المنافع وقع على ملك المستعير (2)،
وإنما يختلفان في الأجرة، والأصل براءة ذمته منها (3).
(وقيل): يحلف (المالك)، لأن المنافع أموال كالأعيان فهي
بالأصالة لمالك العين فادعاء الراكب ملكيتها بغير عوض على خلاف الأصل
وأصالة براءة ذمته إنما تصح من خصوص ما ادعاه المالك (4)،
لا من مطلق الحق (5) بعد استيفائه منفعة ملك غيره (6). (وهو أقوى)
269

ولكن لا يقبل قوله فيما يدعيه من الأجرة، لأنه فيما مدع، كما أن الراكب
بالنسبة إلى العارية مدع (1)، بل يحلف على نفي العارية، (ويثبت له
أجرة المثل)، لثبوت أن الراكب تصرف في ملك غيره بغير تبرع منه،
(إلا أن تزيد) أجرة المثل (على ما ادعاه) المالك (من المسمى)
فيثبت المسمى، لاعترافه بعدم استحقاقه سواه (2).
ويشكل (3) بأن المالك يدعي الزائد من الأجرة على تقدير زيادة
ما يدعيه عن أجرة المثل، والراكب ينفيه فلا بد من وجه شرعي يقتضي
270

نفيه (1)، وحلفه (2) على نفي الإعارة لم يدل على نفي الإجارة،
كما لم يدل على إثباتها، وإثبات أقل الأمرين (3) باليمين (4) مسلم، لكن
يبقى النزاع في الزائد على تقديره لا يندفع (5) إلا بحلف الراكب على نفي
الإجارة، أو نكوله (6) فيحلف المالك عليها (7)،
271

ويأخذ الزيادة (1).
فالأقوى حينئذ أنهما يتحالفان لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه
فيحلف المالك على نفي الإعارة، والراكب على نفي الإجارة ويثبت أقل
الأمرين، لانتفاء الزائد من المسمى (2) بيمين المستعير، والزائد (3)
عن أجرة المثل باعتراف المالك. وهذا هو الذي اختاره المصنف في بعض
تحقيقاته.
هذا إذا وقع الاختلاف بعد انقضاء مدة لها أجره عادة، أو ما يدعي
كونها مدة الإجارة، أما قبله فالقول قول الراكب في نفي الإجارة،
وتسترد العين.
272

كتاب المزارعة
273

كتاب المزارعة (1)
(وهي) لغة مفاعلة من الزرع، وهي تقتضي وقوعه منهما معا،
لكنها في الشرع صارت (معاملة على الأرض بحصة من حاصلها إلى أجل
معلوم) ونسب الفعل إليهما بفعل أحدهما مع طلب الآخر فكأنه لذلك (2)
فاعل كالمضاربة، وخرج بالمعاملة على الأرض المساقاة، فإنها بالذات
على الأصول، وبالحصة (3) إجارة الأرض للزراعة، أو الأعم (4)،
إذ لا تصح (5) بحصة من الحاصل. وقيد الأجل لبيان الواقع (6)،
أو تخصيص للصحيحة (7)، أو استطراد لبعض الشرائط التي يحصل بها
الكشف عن الماهية (8)، وإن لم يكن ذكرها من وظائف التعريف.
275

(وعبارتها: زارعتك، أو عاملتك، أو سلمتها إليك، وشبهه)
كقبلتك (1) هذه الأرض، ونحوه من صيغ الماضي الدالة على إنشاء
العقد صريحا.
والمشهور جوازها بصيغة إزرع هذه الأرض، استنادا إلى رواية (2)
قاصرة الدلالة عن إخراج هذا العقد اللازم عن نظائره فالمنع أوجه
(فيقبل) الزارع (لفظا) على الأقوى كغيره (3).
(وعقدها لازم)، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود، إلا ما أخرجه
الدليل. وليس هذا منه إجماعا.
(ويصح التقايل (4) فيه)، لأنه معاوضة محضة فيقبلها كالبيع،
(ولا تبطل بموت أحدهما)، لأن ذلك من مقتضى اللزوم.
ثم إن كان الميت العامل قام وارثه مقامه في العمل، وإلا (5)
استأجر الحاكم عليه من ماله (6)، أو على ما يخرج من حصته (7)،
276

وإن كان (1) المالك بقيت بحالها، وعلى العامل القيام بتمام العمل، واستثني
من الأول (2) ما لو شرط عليه (3) العمل بنفسه فمات قبله (4).
ويشكل لو مات بعده خصوصا بعد ظهور الثمرة وقبل تمام العمل (5)
لأنه قد ملك الحصة.
(ولا بد من كون النماء مشاعا) بينهما (تساويا فيه، أو تفاضلا)
فلو شرط لأحدهما شئ معين وإن كان البذر، وللآخر الباقي، أولهما بطل
سواء كان الغالب أن يخرج منها ما يزيد على المشروط، وعدمه،
(ولو شرط أحدهما على الآخر شيئا يضمنه مضافا إلى الحصة)
من ذهب، أو فضة، أو غيرهما (صح) على المشهور ويكون قراره (6)
مشروطا بالسلامة كاستثناء أرطال معلومة من الثمرة في البيع، ولو تلف
البعض سقط من الشرط بحسابه، لأنه كالشريك وإن كانت حصته معينة
مع احتمال أن لا يسقط شئ بذلك عملا بإطلاق الشرط.
277

(ولو مضت المدة والزرع باق فعلى العامل (1) الأجرة) لما بقي
من المدة، (وللمالك قلعه) إذ لا حق للزارع بعدها (2) فيتخير المالك
بين القلع، والإبقاء بالأجرة إن رضي العامل بها، وإلا قلع، ولا أجرة
للمالك على ما مضى من المدة لو لم ينتفع بالمقلوع، لأن مقتضى العقد
قصر الحق على الحصة، مع احتمال وجوبها على الزارع لو كان التأخير
بتفريطه، لتضييعه منفعة الأرض بتأخيره، ولا فرق في كون المقلوع
بينهما بين كون البذر من مالك الأرض، أو الزارع.
وهل يستحق المالك قلعه بالأرش، أو مجانا قولان، وظاهر العبارة
ككثير عدمه (3) وعلى القول به، فطريق معرفته أن يقوم الزرع قائما
بالأجرة إلى أوان حصاده ومقلوعا (4).
(ولا بد من إمكان الانتفاع بالأرض) في الزراعة المقصودة منها،
أو في نوع منها مع الإطلاق (5) (بأن (6) يكون لها ماء من نهر،
أو بئر، أو مصنع (7)، أو تسقيها الغيوث غالبا)، أو الزيادة (8)
كالنيل. والضابط إمكان الانتفاع بزرعها المقصود عادة، فإن لم يمكن
278

بطلت المزارعة وإن رضي العامل (1)، (ولو انقطع) الماء (في جميع
المدة) مع كونه معتادا لها قبل ذلك (انفسخت) المزارعة، (وفي الأثناء
يتخير العامل) لطرو العيب، ولا يبطل العقد، لسبق الحكم بصحته فيستصحب
والضرر (2) يندفع بالخيار، (فإن فسخ فعليه) من الأجرة (بنسبة
ما سلف) من المدة، لانتفاعه بأرض الغير بعوض لم يسلم له (3)،
وزواله (4) باختياره الفسخ.
ويشكل بأن فسخه لعدم إمكان الإكمال، وعمله الماضي مشروط
بالحصة، لا بالأجرة فإذا فاتت (5) بالانقطاع ينبغي أن لا يلزمه شئ
آخر. نعم لو كان قد استأجرها للزراعة توجه ذلك (6).
279

(وإذا أطلق المزارعة (1) زرع) العامل (ما شاء) إن كان البذر
منه كما هو الغالب، أو بذل المالك ما شاء إن شرط عليه (2)، وإنما
تخير مع الإطلاق، لدلالة المطلق على الماهية من حيث هي، وكل فرد
من أفراد الزرع يصلح أن يوجد المطلق في ضمنه (3)، وأولى منه
لو عمم الإذن، لدلالته على كل فرد فرد (4).
وربما فرق بين الإطلاق، والتعميم، بناء على أن الإطلاق إنما
يقتضي تجويز القدر المشترك بين الأفراد، ولا يلزم من الرضا بالقدر
المشترك الرضا بالأقوى (5)، بخلاف التعميم. ومما ذكرناه (6) يظهر
ضعفه.
(ولو عين) شيئا من الزرع (لم يتجاوز ما عين له)، سواء
كان المعين شخصيا كهذا الحب أم صنفيا كالحنطة الفلانية، أم نوعيا (7)
أم غيره، لاختلاف الأغراض باختلافه (8) فيتعين ما تعلق به (9)،
(فلو) خالف و (زرع الأضر قيل: تخير المالك بين الفسخ فله (10)
280

أجرة المثل) عما زرعه، (وبين الإبقاء، فله (1) المسمى مع الأرش).
ووجه التخيير (2): أن مقدار المنفعة المعقود عليها قد استوفي (3)
بزيادة (4) في ضمن زرع الأضر (5)، فيتخير بين الفسخ لذلك (6)
فيأخذ () الأجرة لما زرع، لوقوعه أجمع بغير إذنه، لأنه غير المعقود
عليه، وبين أخذ المسمى في مقابلة مقدار المنفعة المعينة مع أخذ الأرش
في مقابلة الزائد الموجب (8) للضرر.
ويشكل (9) بأن الحصة المسماة إنما وقعت في مقابلة الزرع المعين
ولم يحصل (10)،
281

والذي زرع لم يتناوله العقد، ولا الإذن (1)، فلا وجه لاستحقاق
المالك فيه (2) الحصة، ومن ثم (3) نسبه إلى القيل تنبيها على تمريضه.
والأقوى وجوب أجرة المثل خاصة.
(ولو كان) المزروع (أقل ضررا) من المعين (جاز)
فيستحق (4) ما سماه من الحصة، ولا أرش، ولا خيار، لعدم الضرر.
ويشكل بأنه غير معقود عليه أيضا فكيف يستحق فيه شيئا،
مع أنه (5) نماء بذر العامل الذي لا دليل على انتقاله عن ملكه.
والأقوى ثبوت أجرة المثل أيضا كالسابق (6).
(ويجوز أن يكون من أحدهما الأرض حسب، ومن الآخر البذر
والعمل والعوامل (7)) وهذا هو الأصل في المزارعة، ويجوز جعل
اثنين من أحدهما، والباقي من الآخر، وكذا واحد (8) وبعض الآخر،
ويتشعب من الأركان الأربعة (9) صور كثيرة لا حصر لها بحسب شرط
282

بعضها من أحدهما، والباقي من الآخر (1).
283

* * *
289

(وكل واحدة من الصور الممكنة جائزة) متى كان من أحدهما
بعضها ولو جزء من الأربعة، ومن الآخر - الباقي، مع ضبط ما على كل
واحد (1)، (ولو اختلفا في المدة حلف منكر الزيادة)، لأصالة
عدمها، فإن بقي الزرع بعد ما ثبت منها (2) فكما سبق (3)، (و)
لو اختلفا (في الحصة) حلف (صاحب البذر)، لأن النماء تابع له،
فيقدم قول مالكه في حصة الآخر (4)، لأصالة عدم خروج ما زاد
300

عن ملكه، وعدم استحقاق الآخر له (1)، واتفاقهما (2) على عقد
تضمن (3) حصة إنما نقل عنه في أصل الحصة، لا في الحصة المعينة
فيبقى حكم إنكار الزائد بحاله لم يخرج عن الأصل.
(ولو أقاما بينة قدمت بينة الآخر (4)) في المسألتين (5) وهو
العامل في الأولى، لأن مالك الأرض يدعي تقليل المدة فيكون القول
قوله، والبينة بينة غريمه (6) العامل، ومن ليس له بذر في الثانية (7)
من العامل، ومالك الأرض، لأنه الخارج بالنظر إلى الباذر حيث قدم
قوله مع عدم البينة.
301

(وقيل: يقرع)، لأنها لكل أمر مشكل.
ويشكل بأنه لا إشكال هنا فإن من كان القول قوله فالبينة بينة
صاحبه فالقول بتقديم بينة المدعي فيهما أقوى، (وللمزارع أن يزارع غيره
أو يشارك غيره)، لأنه يملك منفعة الأرض بالعقد اللازم فيجوز له
نقلها، ومشاركة غيره عليها، لأن الناس مسلطون على أموالهم. نعم
لا يجوز له تسليم الأرض إلا بإذن مالكها.
وربما اشترط كون البذر منه (1) ليكون تمليك الحصة (2) منوطا به
وبه (3) يفرق بينه (4) وبين عامل المساقاة حيث لم يجز له أن يساقي
غيره. وهو (5) يتم في مزارعة غيره، لا في مشاركته. ويمكن الفرق
بينهما (6) بأن عمل الأصول في المساقاة مقصود بالذات كالثمرة فلا يتسلط
عليه من لا يسلطه المالك، بخلاف الأرض في المزارعة، فإن الغرض
فيها ليس إلا الحصة فلمالكها أن ينقلها إلى من شاء.
(إلا أن يشترط عليه المالك الزرع بنفسه) فلا يجوز له إدخال
302

غيره مطلقا (1)، عملا بمقتضى الشرط.
(والخراج (2) على المالك)، لأنه موضوع على الأرض ابتداء،
لا على الزرع، (إلا مع الشرط) فيتبع شرطه في جميعه، وبعضه،
مع العلم بقدره، أو شرط قدر معين منه (3)، ولو شرط الخراج
على العامل فزاد السلطان فيه زيادة فهي على صاحب الأرض، لأن الشرط
لم يتناولها.
(وإذا بطلت المزارعة فالحاصل لصاحب البذر وعليه (4) الأجرة)
للباقي، فإن كان البذر من صاحب الأرض فعليه (5) أجرة مثل العامل
والعوامل (6)، ولو كان (7) من الزراع فعليه (8) لصاحب الأرض
أجرة مثلها، ولما شرط عليه من الآخرين (9)، ولو كان البذر منهما
303

فالحاصل بينهما، ولكل منهما على الآخر أجرة مثل ما يخصه من الأرض،
وباقي الأعمال (1).
(ويجوز لصاحب الأرض الحرص (2) على الزارع) بأن يقدر
ما يخصه من (3) الحصة تخمينا ويقبله (4) به (5) بحب (6)
ولو منه (7) بما خرصه (8) به (9) (مع الرضا). وهذه معاملة خاصة
304

مستثناة من المحاقلة (1) إن كانت بيعا، أو صلحا (فيستقر) ما اتفقا عليه
(بالسلامة، فلو تلف الزرع) أجمع من قبل الله تعالى (فلا شئ)
على الزراع، ولو تلف البعض سقط منه بالنسبة، ولو أتلفه متلف
ضامن (2) لم تتغير المعاملة، وطالب المتقبل (3) المتلف بالعوض،
ولو زاد (4) فالزائد للمتقبل، ولو نقص بسبب الخرص لم يسقط (5)
بسببه شئ. هذا إذا وقعت المعاملة بالتقبيل، ولو وقعت بلفظ البيع
اشترط فيه شرائطه (6)، مع احتمال كونه كذلك (7)، ولو وقع بلفظ
الصلح فالظاهر أنه كالبيع (8) وقوفا فيما خالف الأصل على موضع اليقين
وقد تقدم الكلام على هذه القبالة في البيع (9).
305

كتاب المساقاة
307

كتاب المساقاة
(وهي لغة) مفاعلة من السقي، واشتق منه (1)، دون باقي
أعمالها (2)، لأنه أنفعها، وأظهرها (3) في أصل الشرعية، وهو نخل
الحجاز الذي يسقى من الآبار مع كثرة مؤنته.
وشرعا (معاملة على الأصول بحصة من ثمرها). فخرجت بالأصول
المزارعة، وبالحصة الإجارة المتعلقة بها (4) فإنها لا تقع بالحصة (5)،
والمراد بالثمرة معناها المتعارف (6) لتردده (7) في المعاملة على ما يقصد
309

ورقه وورده، ولو لوحظ إدخاله (1) أريد بالثمرة نماء الشجر، ليدخل
فيه الورق المقصود والورد، ولم يقيد الأصول بكونها ثابتة كما فعل غيره
لأن ذلك شرط لها (2)، وذكره (3) في التعريف غير لازم، أو معيب
ومن قيد به (4) جعله وصفا للشجر مخصصا لموضع البحث، لا شرطا (5)
(وهي لازمة من الطرفين) لا تنفسخ اختيارا، إلا بالتقايل.
(وإيجابها ساقيتك، أو عاملتك، أو سلمت إليك، أو ما أشبهه)
من الألفاظ الدالة على إنشاء هذا العقد صريحا، كقبلتك عمل كذا،
أو عقدت معك عقد المساقاة ونحوه من الألفاظ الواقعة بلفظ الماضي،
وزاد في التذكرة تعهد نخلي أو اعمل فيه. وإخراج هذا العقد
عن نظائره من العقود اللازمة بوقوعه بصيغة الأمر (6) من غير نص
مخصص مشكل.
وقد نوقش في أمر المزارعة (7) مع النص عليه، فكيف هذا (8).
(والقبول الرضا به) وظاهره الاكتفاء بالقبول الفعلي، كما مر
في المزارعة إذ الرضا يحصل بدون القول.
والأجود الاقتصار على اللفظ الدال عليه، لأن الرضا أمر باطني
310

لا يعلم إلا بالقول الكاشف عنه. وهو السر في اعتبار الألفاظ الصريحة
الدالة على الرضا بالعقود، مع أن المعتبر هو الرضا، لكنه أمر باطني
لا يعلم إلا به ويمكن أن يريد هنا ذلك.
(وتصح) المساقاة (إذا بقي للعامل عمل تزيد به الثمرة)، سواء
(ظهرت) قبل العقد (أو لا).
والمراد بما فيه مستزاد الثمرة نحو الحرث والسقي، ورفع أغصان
الكرم على الخشب، وتأبير ثمرة النخل. واحترز به عن نحو الجذاذ،
والحفظ، والنقل، وقطع الحطب الذي يعمل به الدبس من الأعمال التي
لا يستزاد بها الثمرة، فإن المساقاة لا تصح بها إجماعا. نعم تصح الإجارة
حينئذ (1) على بقية الأعمال بجزء (2) من الثمرة، والجعالة (3)،
والصلح (4) (ولا بد) في صحة المساقاة (من كون الشجر) المساقى عليه
(نابتا) بالنون، أو بالثاء المثلثة (5)، ويخرج على الأول (6) المساقاة
على الودي (7) غير المغروس، أو المغروس الذي لم يعلق (8) بالأرض،
311

والمغارسة (1)، وبالثاني (2) ذلك، وما لا يبقى غالبا كالخضراوات.
ويمكن خروجها (3) بالشجر فيتحد المعنيان (4)، (ينتفع بثمرته مع بقاء
عينه) بقاء يزيد عن سنة غالبا. واحترز به عن نحو البطيخ والباذنجان
والقطن وقصب السكر فإنها ليست كذلك (5)، وإن تعددت اللقطات
مع بقاء عينه ذلك الوقت، وبقي القطن أزيد من سنة، لأنه خلاف
الغالب.
(وفيما له ورق) لا يقصد من عمله بالذات إلا ورقه (كالحناء
نظر (6)) من (7) أنه في معنى الثمرة فيكون مقصود المساقاة حاصلا به
ومن (8) أن هذه المعاملة على خلاف الأصل، لاشتمالها على جهالة العوض
فيقتصر بها على موضع الوفاق، ومثله (9) ما يقصد ورده، وأما التوت
312

فمنه ما يقصد ورقه وحكمه كالحناء (1)، ومنه ما يقصد ثمره، ولا شبهة
في إلحاقه بغيره من شجر الثمر، والقول بالجواز في الجميع (2) متجه
(ويشترط تعيين المدة) بما لا يحتمل الزيادة والنقصان، ولا حد
لها في جانب الزيادة، وفي جانب النقصان أن يغلب فيها حصول الثمرة،
(ويلزم العامل مع الإطلاق) أي إطلاق المساقاة بأن قال: ساقيتك
على البستان الفلاني سنة بنصف حاصله فقبل (كل عمل يتكرر كل سنة)
مما فيه صلاح الثمرة، أو زيادتها كالحرث، والحفر حيث يحتاج إليه،
وما يتوقف عليه من الآلات، والعوامل، وتهذيب الجريد بقطع ما يحتاج
إلى قطعه منه، ومثله أغصان الشجر المضر بقاؤها بالثمرة، أو الأصل،
(ومنه زيادة الكرم)، والسقي، ومقدماته المتكررة كالدلو، والرشا (3)
وإصلاح طريق الماء، واستقائه (4)، وإدارة الدولاب (5)، وفتح رأس
الساقية، وسدها عند الفراغ، وتعديل الثمرة بإزالة ما يضرها من الأغصان
313

والورق ليصل إليها الهواء، وما يحتاج إليه من الشمس، وليتيسر قطعها
عند الإدراك (1)، ووضع الحشيش ونحوه فوق العناقيد صونا لها
عن الشمس المضرة بها، ورفعها عن الأرض حيث تضرها، ولقاطها (2)
بمجرى العادة بحسب نوعها، فما يؤخذ للزبيب يقطع في الوقت الصالح له
وما يعمل دبسا فكذلك، وهكذا، وإصلاح موضع التشميس، ونقل
الثمرة إليه، وتقليبها، ووضعها على الوجه المعتبر، وغير ذلك من الأعمال
(ولو شرط بعضه (3) على المالك صح) بعد أن يكون مضبوطا
(لا جميعه)، لأن الحصة لا يستحقها العامل إلا بالعمل فلا بد أن يبقى
عليه منه شئ فيه مستزاد الثمرة وإن قل، (وتعيين الحصة بالجزء المشاع)
كالنصف، والثلث، (لا المعين) كمائة رطل، والباقي للآخر،
أو بينهما.
(ويجوز اختلاف الحصة في الأنواع) كالنصف من العنب، والثلث
من الرطب، أو النوع الفلاني (إذا علماها) أي الأنواع (4) حذرا
من وقوع أقل الجزءين لأكثر الجنسين (5) مع الجهل بهما فيحصل الغرر.
314

(ويكره أن يشترط رب المال على العامل) مع الحصة (ذهبا،
أو فضة (1))، ولا يكره غيرهما، للأصل. (فلو شرط) أحدهما (2)
(وجب) ما شرطه (بشرط سلامة الثمرة) فلو تلفت أجمع، أو لم تخرج
لم يلزم (3)، لأنه حينئذ أكل مال بالباطل، فإن العامل لم يحصل له
عوض ما عمل، فكيف يخسر مع عمله الفائت شيئا آخر، ولو تلف
البعض فالأقوى عدم سقوط شئ عملا بالشرط، كما لا يسقط من العمل
شئ بتلف بعض الثمرة.
(وكلما فسد العقد فالثمرة للمالك)، لأنها تابعة لأصلها، (وعليه
أجرة مثل العامل)، لأنه لم يتبرع بعمله، ولم يحصل له العوض المشروط
فيرجع إلى الأجرة.
هذا إذا لم يكن (4) عالما بالفساد، ولم يكن الفساد بشرط عدم
315

الحصة للعامل، وإلا فلا شئ له، لدخوله (1) على ذلك.
(ولو شرط عقد مساقاة في عقد مساقاة فالأقرب الصحة)،
لوجود المقتضي (2)، وانتفاء المانع، أما الأول فهو اشتراط عقد سائغ
في عقد سائغ لازم فيدخل في عموم " المؤمنون عند شروطهم " وأما الثاني (3)
فلأن (4) المانع لا يتخيل إلا كونه (5) لم يرض أن يعطيه (6) من هذه
الحصة إلا بأن يرضى (7) منه من الآخر (8) بالحصة الأخرى. ومثل (9)
316

هذا لا يصلح للمنع كغيره من الشروط السائغة الواقعة في العقود والقول
بالمنع للشيخ رحمه الله استنادا إلى وجه ضعيف يظهر ضعفه مما ذكر (1)
في وجه الصحة.
(ولو تنازعا في خيانة العامل حلف العامل)، لأنه أمين فيقبل
قوله بيمينه في عدمها، ولأصالة عدمها.
(وليس للعامل أن يساقي غيره)، لأن في المساقاة تسليطا على أصول
الغير وعملها، والناس يختلفون في ذلك (2) اختلافا كثيرا، فليس
لمن رضي المالك بعمله وأمانته أن يولي من لم يرضه المالك له، بخلاف
المزارعة، فإن عمل الأرض غير مقصود، وحصة المالك محفوظة
على التقديرين (3).
317

وأما الفرق (1) بأن النماء تابع للأصل وهو (2) من مالك الأصول
في المساقاة، ومن الزارع (3) في المزارعة فلمالك الأصل (4) تسليط من شاء
دون غيره (5) فإنما (6) يتم مع كون البذر من العامل. والمسألة (7)
مفروضة في كلامهم أعم منه (8)، ومع ذلك (9) فإن العقد اللازم يوجب
الحصة المخصوصة لكل منهما، فله نقلها إلى من شاء، وإن لم يكن البذر
وكونها غير موجودة حين المزارعة الثانية غير مانع، لأن المعاملة
ليست على نفس الحصة، بل على الأرض، والعمل، والعوامل، والبذر
318

بالحصة، فمن استحق بالعقد اللازم شيئا تسلط على نقله مع انتفاء المانع.
(والخراج على المالك)، لأنه موضوع على الأرض والشجر فيكون
على مالكهما، (إلا مع الشرط) بأن يكون على العامل، أو بعضه فيصح
مع ضبط المشروط (1)، (وتملك الفائدة بظهور الثمرة) عملا بالشرط،
فإن العقد اقتضى أن يكون بينهما فمتى تحققت ملكت كذلك (2).
(وتجب الزكاة على من بلغ نصيبه النصاب) من المالك والعامل،
لوجود شرط الوجوب وهو تعلق الوجوب بها على ملكه (ولو كانت
المساقاة بعد تعلق الزكاة وجوزناها (3) بأن بقي من العمل ما فيه مستزاد
الثمرة حيث جوزناها (4) مع ذلك (فالزكاة على المالك)، لتعلق الوجوب
بها على ملكه.
(وأثبت السيد) أبو المكارم حمزة (5) (بن زهرة الزكاة على المالك
319

في المزارعة والمساقاة، دون العامل) مطلقا (1)، محتجا بأن حصته (2)
كالأجرة. وهو ضعيف، لأن الأجرة إذا كانت ثمرة، أو زرعا قبل
تعلق الوجوب وجبت الزكاة على الأجير، كما لو ملكها كذلك بأي وجه
كان، وإن أراد كالأجرة بعد ذلك (3) فليس محل النزاع، إلا أن يذهب
إلى أن الحصة لا يملكها العامل بالظهور، بل بعد بدو الصلاح، وتعلق
الزكاة لكنه (4) خلاف الإجماع، ومعه (5) لا يتم التعليل بالأجرة (6)
بل (7) يتأخر ملكه عن الوجوب.
(والمغارسة باطلة) وهي أن يدفع أرضا إلى غيره ليغرسها
320

على أن الغرس بينهما، (ولصاحب الأرض قلعه، وله الأجرة (1))
عن الأرض، (لطول بقائه) فيها، (ولو نقص (2) بالقلع ضمن
أرشه) وهو تفاوت ما بين قيمته مقلوعا، وباقيا في الأرض بالأجرة،
ولو كان الغرس من مالك الأرض، وقد شرط على العامل غرسه وعمله
بالحصة فهو لمالكه، وعليه أجرة الغارس، وما عمل فيه من الأعمال.
(و) على تقدير كونه من العامل (لو طلب كل منهما ما لصاحبه)
فطلب الغارس الأرض بالأجرة على أن يبقى الغرس فيها، أو أن تكون (3)
ملكه (بعوض)، أو طلب صاحب الأرض الغرس بقيمته (لم يجب
على الآخر إجابته)، لأن كلا منهما مسلط على ماله.
وحيث يقلعه الغارس يجب عليه طم (4) الحفر، وأرش الأرض
لو نقصت به، وقلع العروق المتخلفة عن المقلوع في الأرض. ولم يفرق
المصنف كالأكثر في إطلاق كلامه بين العالم بالفساد والجاهل، في استحقاق
الأرش، وثبوت أجرته لو كان الغرس لمالك الأرض، وليس ببعيد
الفرق (5)، لتبرع العالم بالعمل (6)، ووضعه الغرس بغير حق، وبه (7)
321

فارق المستعير للغرس، لأنه (1) موضوع بحق وإذن صحيحة (2) شرعا،
بخلاف هذا الغرس.
(ولو اختلفا في الحصة حلف المالك) لأن النماء تابع للأصل فيرجع
إلى مالكه في مقدار ما أخرجه منه عن ملكه، مع أصالة بقاء غيره (3)
وعدم انتقاله (4)، وملك (5) الغير له (وفي المدة يحلف المنكر) لأصالة
عدم ما يدعيه الآخر من الزيادة.
322

تم الجزء الأول من الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ويتلوه
في الجزء الثاني كتاب الإجارة على يد مصنفها العبد الفقير إلى الله تعالى
زين الدين علي بن أحمد الشامي العاملي عامله الله بلطفه، وعفى عنه وعنهم
وعن جميع المؤمنين بمنه وكرمه إنه أكرم الأكرمين.
واتفق الفراغ منه ظهر يوم الثلاثاء سادس شهر جمادى الأخرى سنة
ست وخمسين وتسعمائة حامدا لله تعالى، مصليا على رسوله وآله، مسلما،
مستغفرا.
323

كتاب الإجارة
325

كتاب الإجارة (1)
(الإجارة وهي العقد على تملك المنفعة المعلومة بعوض معلوم)
فالعقد بمنزلة الجنس (2) يشمل سائر العقود، وخرج بتعلقه بالمنفعة البيع
والصلح المتعلق (3) بالأعيان، وبالعوض الوصية بالمنفعة، وبالمعلوم
إصداقها (4) إذ ليس في مقابلها (5) عوض معلوم وإنما هو البضع (6)
327

ولكن ينتقض في طرده (1) بالصلح على المنفعة (2) بعوض معلوم
فإنه ليس إجارة (3) بناء على جعله أصلا.
(وإيجابها آجرتك، وأكريتك، أو ملكتك منفعتها سنة) قيد
التمليك بالمنفعة، ليحترز به عما لو عبر بلفظ الإيجار والإكراء فإنه
لا يصح تعلقه إلا بالعين (4) فلو أوردهما على المنفعة فقال: آجرتك
منفعة هذه الدار مثلا لم يصح، بخلاف التمليك، لأنه يفيد نقل ما تعلق به
فإن ورد على الأعيان أفاد ملكها وليس ذلك مورد الإجارة، لأن العين
تبقى على ملك المؤجر فيتعين فيها إضافته إلى المنفعة، ليفيد نقلها إلى المستأجر
حيث يعبر بالتمليك.
(ولو) عبر بالبيع و (نوى بالبيع الإجارة فإن أورده على العين)
فقال: بعتك هذه الدار شهرا مثلا بكذا (بطل)، لإفادته نقل العين
وهو مناف للإجارة (وإن قال: بعتك سكناها سنة مثلا ففي الصحة
وجهان) مأخذهما أن البيع موضوع لنقل الأعيان، والمنافع تابعة لها فلا
يثمر الملك لو تجوز به في نقل المنافع منفردة وإن نوى به الإجارة، وإنه
328

يفيد نقل المنفعة أيضا في الجملة ولو بالتبع فيقوم مقام الإجارة مع قصدها
والأصح المنع.
(وهي لازمة من الطرفين) لا تبطل إلا بالتقابل، أو بأحد الأسباب
المقتضية للفسخ وسيأتي بعضها، (ولو تعقبها البيع لم تبطل) لعدم المنافاة
فإن الإجارة تتعلق بالمنافع، والبيع بالعين وإن تبعتها المنافع حيث يمكن (1)
(سواء كان المشتري هو المستأجر، أو غيره) فإن كان هو المستأجر لم تبطل
الإجارة على الأقوى، بل يجتمع عليه الأجرة والثمن، وإن كان غيره
وهو عالم بها صبر إلى انقضاء المدة، ولم يمنع ذلك من تعجيل الثمن (2)
وإن كان جاهلا بها تخير بين فسخ البيع، وإمضائه مجانا مسلوب المنفعة
إلى انقضاء المدة، ثم لو تجدد فسخ الإجارة عادت المنفعة إلى البائع،
لا إلى المشتري.
(وعذر المستأجر (3) لا يبطلها) وإن بلغ حدا يتعذر عليه الانتفاع
بها (كما لو استأجر حانوتا فسرق متاعه) ولا يقدر على إبداله، لأن
العين تامة صالحة للانتفاع بها فيستصحب اللزوم، (وأما لو عم العذر
كالثلج المانع من قطع الطريق) الذي استأجر الدابة لسلوكه مثلا (فالأقرب
جواز الفسخ لكل منهما)، لتعذر استيفاء المنفعة المقصودة حسا فلو لم يجبر
329

بالخيار لزم الضرر المنفي (1)، ومثله (2) ما لو عرض مانع شرعي كخوف
الطريق، لتحريم السفر حينئذ، أو استئجار امرأة لكنس المسجد فحاضت
والزمان معين (3) ينقضي (4) مدة العذر، ويحتمل انفساخ العقد
في ذلك (5) كله، تنزيلا للتعذر منزلة تلف العين.
(ولا تبطل) الإجارة (بالموت) كما يقتضيه لزوم العقد، سواء
في ذلك موت المؤجر والمستأجر، (إلا أن تكون العين موقوفة) على المؤجر
وعلى من بعده من البطون فيؤجرها مدة (6) ويتفق موته قبل انقضائها
فتبطل، لانتقال الحق إلى غيره، وليس له التصرف فيها إلا زمن
استحقاقه (7) ولهذا لا يملك نقلها، ولا إتلافها.
نعم لو كان ناظرا وآجرها لمصلحة البطون لم تبطل بموته، لكن
الصحة حينئذ ليست من حيث إنه موقوف عليه، بل من حيث إنه ناظر
ومثله (8) الموصى له بمنفعتها مدة حياته فيؤجرها كذلك (9)، ولو شرط
330

على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه بطلت بموته أيضا.
(وكلما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه تصح إعارته وإجارته)
وينعكس في الإجارة كليا (1)، دون الإعارة (2)، لجواز إعارة
المنحة (3)، مع أن المقصود منها وهو اللبن لا تبقى عينه، ولا تصح
إجارتها لذلك (4) (منفردا (5) كان) ما يؤجر، (أو مشاعا) إذ لا
مانع من المشاع باعتبار عدم القسمة، لإمكان استيفاء المنفعة بموافقة الشريك
ولا فرق بين أن يؤجره من شريكه، وغيره عندنا.
(ولا يضمن المستأجر العين إلا بالتعدي) فيها، (أو التفريط)،
لأنها مقبوضة بإذن المالك لحق القابض. ولا فرق في ذلك بين مدة الإجارة
وبعدها قبل طلب المالك وبعده إذا لم يؤخر مع طلبها اختيارا،
(ولو شرط) في عقد الإجارة (ضمانها بدونهما (6) فسد العقد)،
لفساد الشرط من حيث مخالفته للمشروع، ومقتضى (7) الإجارة، (ويجوز
331

اشتراط الخيار لهما ولأحدهما) مدة مضبوطة، لعموم " المؤمنون عند شروطهم "
ولا فرق بين المعينة (1)، والمطلقة (2) عندنا.
(نعم ليس للوكيل والوصي فعل ذلك) وهو اشتراط الخيار للمستأجر
أو للأعم (3) بحيث يفسخ إذا أراد (إلا مع الإذن (4)، أو ظهور
الغبطة (5)) في الفسخ فيفسخ حيث يشترطها لنفسه، لا بدون الإذن
في الوكيل، ولا الغبطة في الوصي، لعدم اقتضاء إطلاق التوكيل فيها (6)
إضافة الخيار المقتضي للتسلط على إبطالها، وكذا الوصاية، فإن فعل الوصي
منوط بالمصلحة.
(ولا بد من كمال المتعاقدين، وجواز تصرفهما) فلا تصح إجارة
الصبي وإن كان مميزا، أو أذن له الولي، ولا المجنون مطلقا (7) ولا المحجور
بدون إذن الولي، أو من في حكمه (8) (ومن كون المنفعة) المقصودة
من العين، (والأجرة معلومتين).
ويتحقق العلم بالمنفعة بمشاهدة العين المستأجرة التي هي متعلقة المنفعة
أو وصفها بما يرفع الجهالة، وتعيين المنفعة إن كانت متعددة في العين ولم
332

يرد الجميع (1)، وفي الأجرة بكيلها، أو وزنها، أو عدها إن كانت (2)
مما يعتبر بها في البيع، أو مشاهدتها إن لم تكن كذلك (3).
والأقرب أنه لا تكفي المشاهدة في الأجرة عن اعتبارها) بأحد
الأمور الثلاثة إن كانت مما يعتبر بها، لأن الإجارة معاوضة لازمة مبنية
على المغابنة فلا بد فيها من انتفاء الغرر عن العوضين أما لو كانت الأجرة
مما يكفي في بيعها المشاهدة كالعقار كفت فيها هنا قطعا، وهو خارج
بقرينة الاعتبار.
(وتملك) الأجرة (بالعقد)، لاقتضاء صحة المعاوضة انتقال كل
من العوضين إلى الآخر، لكن لا يجب تسليمها قبل العمل. وإنما تظهر
الفائدة في ثبوت أصل الملك فيتبعها النماء متصلا ومنفصلا (4)، (ويجب
تسليمها (5) بتسليم العين) المؤجرة (وإن كانت على عمل فبعده)،
لا قبل ذلك حتى لو كان المستأجر وصيا، أو وكيلا لم يجز له التسليم
قبله، إلا مع الإذن صريحا (6)، أو بشاهد الحال، ولو فرض توقف
الفعل على الأجرة كالحج وامتنع المستأجر من التسليم تسلط الأجير
على الفسخ.
333

(ولو ظهر فيها) أي في الأجرة (عيب فللأجير الفسخ، أو الأرش
مع التعيين (1) للأجرة في متن العقد، لاقتضاء الإطلاق السليم (2)،
وتعيينه مانع من البدل كالبيع (3) فيجبر العيب بالخيار (ومع عدمه)
أي عدم التعيين (يطالب بالبدل)، لعدم تعيين المعيب أجرة فإن أجيب
إليه (4)، وإلا جاز له الفسخ والرضا بالمعيب فيطالب بالأرش،
لتعيين المدفوع عوضا بتعذر غيره.
(وقيل: له الفسخ) في المطلقة مطلقا (5) (وهو قريب إن تعذر
الإبدال) كما ذكرناه، لا مع بدله، لعدم انحصار حقه في المعيب.
(ولو جعل أجرتين على تقديرين كنقل المتاع في يوم بعينه بأجرة
وفي) يوم (آخر) بأجرة (أخرى، أو) جعل أجرتين (إحداهما
في الخياطة الرومية) وهي التي بدرزين، (والأخرى على) الخياطة
(الفارسية وهي التي بواحد فالأقرب الصحة)، لأن كلا الفعلين معلوم،
وأجرته معلومة والواقع لا يخلو منهما، ولأصالة الجواز.
ويشكل بمنع معلوميته (6) إذ ليس المستأجر عليه المجموع، ولا كل
334

واحد وإلا لوجبا فيكون واحدا غير معين، وذلك غرر مبطل لها كالبيع
بثمنين على تقديرين، ولو تحمل مثل هذا الغرر لزم مثله في البيع بثمنين
لاشتراكهما في العقد اللازم المشتمل على المعاوضة.
نعم لو وقع ذلك جعالة توجهت الصحة، لاحتمالها (1) من الجهالة
ما لا تحتمله الإجارة (ولو شرط عدم الأجرة على التقدير الآخر (2)
لم تصح في مسألة النقل) في اليومين، وتثبت أجرة المثل على المشهور.
ومستند الحكمين (3) خبران أحدهما صحيح (4) وليس بصريح
في المطلوب، والآخر ضعيف (5)، أو موثق فالرجوع فيهما إلى الأصول
الشرعية أولى. وللمصنف رحمه الله في الحكم الثاني بحث نبه عليه بقوله:
(وفي ذلك نظر، لأن قضية (6) كل إجارة المنع من نقيضها) فيمكن
أن يجعل مورد الإجارة هنا القسم الذي فرض فيه أجرة، والتعرض للقسم
الآخر الخالي عنها تعرضا في العقد لحكم يقتضيه (7)، فإن قضية الإجارة
بالأجرة المخصوصة في الزمن المعين حيث يطلق عدم استحقاق شئ لو لم
335

ينقل، أو نقل في غيره (فيكون) على تقدير اشتراط عدم الأجرة
لو نقله في غير المعين (قد شرط قضية العقد فلم تبطل) الإجارة
(في مسألة النقل، أو في غيرها (1)) مما شاركها في هذا المعنى وهو
اشتراط عدم الأجرة على تقدير مخالفة مقتضى الإجارة الخاصة (غاية
ما في الباب أنه إذا أخل بالمشروط) وهو نقله في اليوم المعين (يكون
البطلان منسوبا إلى الأجير) حيث فوت الزمان المعين، ولم يفعل فيه
ما شرط عليه فلا يستحق شيئا، لأنه لم يفعل ما استؤجر عليه.
(ولا يكون) البطلان (حاصلا من جهة العقد) فلا وجه للحكم
ببطلان الإجارة على هذا التقدير، وإثبات (2) أجرة المثل، بل اللازم
عدم ثبوت شئ وإن نقل المتاع إلى المكان المعين في غير الزمان، لأنه
فعل ما لم يؤمر به، ولا استؤجر عليه.
وهذا النظر مما لم يتعرض له أحد من الأصحاب، ولا ذكره المصنف
في غير هذا الكتاب. وهو نظر موجه، إلا أنه لا يتم إلا إذا فرض
كون مورد الإجارة هو الفعل في الزمن المعين، وما (3) خرج عنه خارج
عنها (4). وظاهر الرواية، وكلام الأصحاب أن مورد الإجارة
336

كلا القسمين (1) ومن ثم (2) حكموا بصحتها مع إثبات الأجرة على التقديرين
نظرا إلى حصول المقتضي وهو الإجارة المعينة المشتملة على الأجرة المعينة
وإن تعددت واختلفت، لانحصارها وتعينها كما تقدم. وبطلانها (3)
على التقدير الآخر. ولو فرض كون مورد الإجارة هو القسم الأول
خاصة (4) وهو النقل في الزمن المعين لكان الحكم بالبطلان على تقدير
فرض أجرة مع نقله في غيره (5) أولى (6)، لأنه خلاف قضية الإجارة
وخلاف ما تعلقت به، فكان أولى بثبوت أجرة المثل.
وجعل (7) القسمين متعلقها (8) على تقدير ذكر الأجرة، والأول (9)
337

خاصة على تقدير عدمه (1) في الثاني (2) مع كونه (3) خلاف الظاهر (4)
موجب لاختلاف الفرض (5) بغير دليل.
ويمكن الفرق بكون تعيين الأجرة على التقديرين قرينة جعلهما (6)
مورد الإجارة حيث أتى بلازمها وهو الأجرة فيهما (7)، وإسقاطها (8)
في التقدير الآخر قرينة عدم جعله (9) موردا من حيث نفي اللازم (10)
الدال على نفي الملزوم (11)، وحينئذ (12) فتنزيله (13) على شرط قضية
العقد أولى (14) من جعله (15)،
338

أجنبيا مفسدا للعقد بتخلله (1) بين الإيجاب والقبول.
(ولا بد) في صحة الإجارة على وجه اللزوم (2) (من كون المنفعة
مملوكة له) أي للمؤجر، (أو لمولاه) وهو من يدخل تحت ولايته
ببنوة، أو وصاءة، أو حكم (3) (سواء كانت مملوكة له بالأصالة)
كما لو استأجر العين فملك منفعتها بالأصالة لا بالتبعية للعين، ثم آجرها،
أو أوصي له بها (4)، (أو بالتبعية) لملكه للعين.
(وللمستأجر أن يؤجر) العين التي استأجرها (5)، (إلا مع شرط)
المؤجر الأول عليه (استيفاء المنفعة بنفسه) فلا يصح له حينئذ (6)
أن يؤجر، إلا أن يشترط المستأجر الأول (7) على الثاني (8) استيفائه
المنفعة له (9) بنفسه فيصح أن يؤجر أيضا، لعدم منافاتها لشرط المؤجر
339

الأول، فإن استيفائه (1) المنفعة بنفسه أعم من استيفائها لنفسه (2)،
وعلى تقدير جواز إيجاره (3) لغيره هل يتوقف تسليم العين على إذن
مالكها؟ قيل: نعم، إذ لا يلزم من استحقاقه (4) استيفاء المنفعة،
والإذن له في التسلم جواز تسليمها لغيره فيضمن لو سلمها بغير إذن.
وقيل: يجوز تسليمها من غير ضمان، لأن القبض من ضرورات
الإجارة للعين وقد حكم بجوازها (5)، والإذن في الشئ إذن في لوازمه.
وهذا هو الذي رجحه المصنف في بعض حواشيه، وفيه قوة (6)
ويؤيده صحيحة (7) علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام في عدم ضمان
الدابة المستأجرة بالتسليم إلى الغير، وغيرها (8) أولى.
340

(ولو آجر الفضولي فالأقرب الوقوف على الإجازة) كما يقف
غيرها (1) من العقود وخصها بالخلاف، لعدم النص فيها بخصوصه،
بخلاف البيع، فإن قصة عروة البارقي (2) مع النبي صلى الله عليه وآله
وسلم في شراء الشاة تدل على جواز بيع الفضولي وشرائه، فقد يقال
باختصاص الجواز بمورد النص (3) والأشهر توقفه (4) على الإجازة
مطلقا (5).
(ولا بد من كونها) أي المنفعة (معلومة إما بالزمان) فيما لا يمكن
ضبطه إلا به (كالسكنى) والإرضاع (وإما به (6) أو بالمسافة (7))
فيما يمكن ضبطه بهما (كالركوب) فإنه يمكن ضبطه بالزمان كركوب
شهر، وبالمسافة كالركوب إلى البلد المعين، (وإما به (8) أو بالعمل)
كاستئجار الآدمي لعمل (كالخياطة) فإنه يمكن ضبطه بالزمان كخياطة
شهر، وبالعمل كخياطة هذا الثوب.
(ولو جمع بين المدة والعمل) كخياطة الثوب في هذا اليوم
341

(فالأقرب البطلان إن قصد التطبيق) بين العمل، والزمان بحيث يبتدئ
بابتدائه (1) وينتهي بانتهائه، لأن ذلك مما لا يتفق غالبا، بل يمكن انتهاء
الزمان قبل انتهاء العمل وبالعكس (2)، فإن أمر بالإكمال في الأول (3)
لزم العمل في غير المدة المشروطة، وإلا (4) كان تاركا للعمل الذي وقع
عليه العقد (5)، وإن أمر في الثاني (6) بالعمل إلى أن تنتهي المدة لزم
الزيادة على ما وقع عليه العقد، وإن لم يعمل كان تاركا للعمل في المدة
المشروطة (7).
ولو قصد مجرد وقوع الفعل في ذلك الزمان صح مع إمكان وقوعه
فيه، ثم إن وقع فيه (8) ملك الأجرة، لحصول الغرض، وإن خرجت
المدة قبله (9)، فإن كان (10)،
342

قبل الشروع فيه (1) بطلت، وإن خرجت في أثنائه (2) استحق (3)
المسمى لما فعل.
وفي بطلانها (4) في الباقي (5)، أو تخيير المستأجر بين الفسخ
في الباقي (6)، أو الإجازة فيكمل خارجه (7) ويستحق (8) المسمى
وجهان. وقيل: يستحق مع الفسخ أجرة مثل ما عمل، لا المسمى.
والأوسط (9) أجود.
(ولا يعمل الأجير الخاص) وهو الذي يستأجره للعمل بنفسه مدة
معينة حقيقة (10) أو حكما كما إذا استؤجر لعمل معين أول زمانه اليوم
343

المعين بحيث لا يتوانى فيه بعده (1) (لغير (2) المستأجر) إلا بإذنه،
لانحصار منفعته (3) فيه (4) بالنسبة إلى الوقت الذي جرت عادته بالعمل
فيه كالنهار، أما غيره كالليل فيجوز العمل فيه لغيره إذا لم يؤد إلى ضعف
في العمل المستأجر عليه.
وفي جواز عمله لغيره في المعين عملا لا ينافي حقه كإيقاع عقد
في حال اشتغاله بحقه وجهان، من (5) التصرف في حق الغير.
وشهادة (6) الحال.
ومثله (7) عمل مملوك غيره (8) كذلك (9). وباعتبار هذا الانحصار
344

سمي خاصا (1)، إذ لا يمكنه (2) أن يشرك غير من استأجره في العمل
في الزمان المعهود، فإن عمل لغيره في الوقت المختص فلا يخلو إما أن يكون
بعقد إجارة، أو جعالة، أو تبرعا، ففي الأول (3) يتخير المستأجر بين
فسخ عقد نفسه لفوات المنافع التي وقع عليها العقد، أو بعضها، وبين
إبقائه (4)، فإن اختار الفسخ وكان ذلك قبل أن يعمل الأجير شيئا فلا
شئ عليه، وإن كان (5) بعده تبعضت الإجارة، ولزمه (6) من المسمى
بالنسبة (7)، وإن بقي على الإجارة تخير في فسخ العقد الطارئ، وإجازته
إذ المنفعة مملوكة له (8) فالعاقد عليها فضولي، فإن فسخه (9) رجع (10)
إلى أجرة المثل عن المدة الفائتة، لأنها (11) قيمة العمل المستحق له (12)
بعقد الإجارة وقد أتلف عليه، ويتخير في الرجوع بها على الأجير، لأنه
345

المباشر للاتلاف، أو المستأجر (1)، لأنه المستوفي (2)، وإن أجازه (3)
ثبت له (4) المسمى فيه (5)، فإن كان (6) قبل قبض الأجير له فالمطالب به
المستأجر (7)، لأن الأجير هنا بمنزلة فضولي باع ملك غيره فأجاز المالك،
فإن الفضولي لا يطالب بالثمن (8)، وإن كان (9) بعد القبض وكانت
الأجرة معينة فالمطالب بها من هي في يده، وإن كانت مطلقة (10) فإن
أجاز القبض أيضا فالمطالب الأجير، وإلا (11) المستأجر، ثم المستأجر (12)
يرجع على الأجير بما قبض مع جهله، أو علمه، وبقاء العين (13)،
346

وإن كان عمله بجعالة تخير مع عدم فسخ إجارته (1) بين إجازته (2) فيأخذ
المسمى، وعدمه فيرجع (3) بأجرة المثل، وإن عمل (4) تبرعا وكان
العمل مما له أجرة في العادة تخير مع عدم فسخ عقده بين مطالبة من شاء
منهما بأجرة المثل، وإلا (5) فلا شئ (6) وفي معناه (7) عمله لنفسه،
ولو حاز شيئا من المباحات بنية التملك ملكه، وكان حكم الزمان المصروف
في ذلك (8) ما ذكرناه (9).
(ويجوز للمطلق) وهو الذي يستأجر لعمل مجرد عن المباشرة
مع تعيين المدة كتحصيل الخياطة يوما، أو (10) عن المدة مع تعيين المباشرة
كأن يخيط له ثوبا بنفسه من غير تعرض إلى وقت، أو مجرد عنهما (11)
كخياطة ثوب مجرد عن تعيين الزمان، وسمي مطلقا، لعدم انحصار
347

منفعته في شخص معين، فمن ثم جاز له أن يعمل لنفسه وغيره. وتسميته
بذلك (1) أولى من تسميته (2) مشتركا كما صنع غيره، لأنه في مقابلة
المقيد وهو الخاص ويباين هذا (3) الخاص باعتباراته الثلاثة (4)
إذ الأول (5) مطلق بالنسبة إلى المباشرة. والثاني (6) بالنسبة إلى المدة
والثالث (7) فيهما معا.
وللمصنف رحمه الله قول بأن الإطلاق في كل الإجارات يقتضي
التعجيل، وأنه يجب المبادرة إلى ذلك الفعل، فإن كان مجردا عن المدة
خاصة فبنفسه، وإلا تخير بينه، وبين غيره، وحينئذ (8) فيقع التنافي
بينه (9)، وبين عمل آخر في صورة المباشرة (10)، وفرع عليه (11) عدم
صحة الإجارة الثانية في صورة التجرد عن المدة مع تعيين المباشرة كما منع
348

الأجير الخاص (1)، ويرشد إليه (2) ما تقدم في الحج من عدم صحة
الإجارة الثانية مع اتحاد زمان الإيقاع نصا (3)، أو حكما (4)، كما لو
أطلق فيهما (5)، أو عين في إحديهما بالسنة الأولى، وأطلق في الأخرى
وما ذكره (6)، أحوط، لكن لا دليل عليه (7) إن لم نقل (باقتضاء)
مطلق الأمر (8) الفور.
(وإذا تسلم) المستأجر (العين ومضت مدة يمكن فيها الانتفاع)
بها فيما استأجرها له (استقرت الأجرة) وإن لم يستعملها، وفي حكم
التسليم ما لو بذل المؤجر العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة (9)
أو مضت مدة يمكنه الاستيفاء فتستقر الأجرة، (ولا بد من كونها) أي
المنفعة (مباحة فلو استأجره لتعليم كفر، أو غناء)، ونحوه من المعلومات
الباطلة، (أو حمل مسكر بطل) العقد، ويستثنى من حمل المسكر الخمر
349

بقصد الإراقة أو التخليل، فإن الإجارة لهما جائزة، (وأن يكون (1)
مقدورا على تسليمها فلا تصح إجارة الآبق)، لاشتمالها فيه (2) على الغرر
(وإن ضم إليه) شيئا متمولا (أمكن الجواز)، كما يجوز في البيع،
لا بالقياس (3)، بل لدخولها في الحكم بطريق أولى، لاحتمالها (4)
من الغرر ما لا يحتمله (5)، وبهذا الإمكان (6) أفتى المصنف في بعض
فوائده.
350

ووجه المنع فقد النص المجوز هنا (1) فيقتصر فيه على مورده وهو
البيع، ومنع الأولوية. وعلى الجواز هل يعتبر في الضميمة إمكان إفرادها
بالإجارة (2)، أم بالبيع، أم يكفي كل واحد منهما (3) في كل واحد
منهما (4) أوجه: من (5) حصول المعنى (6) في كل منهما، ومن (7)
أن الظاهر ضميمة كل شئ إلى جنسه، وقوى المصنف الثاني (8).
ولو آجره ممن يقدر على تحصيله صح من غير ضميمة. ومثله (9)
المغصوب له أجره الغاصب، أو من يتمكن من قبضه.
(ولو طرأ المنع) من الانتفاع بالعين المؤجرة فيما أوجرت له،
351

(فإن كان المنع قبل القبض فله (1) الفسخ)، لأن العين قبل القبض
مضمونة على المؤجر فللمستأجر الفسخ عند تعذرها، ومطالبة المؤجر بالمسمى
لفوات المنفعة، وله الرضا بها وانتظار زوال المانع، أو مطالبة المانع
بأجرة المثل لو كان غاصبا، بل يحتمل مطالبة المؤجر بها أيضا، لكون
العين مضمونة عليه (2) حتى يقبض، ولا يسقط التخيير (3) بزوال المانع
في أثناء المدة، لأصالة بقائه، (وإن كان) المنع (بعده) أي بعد
القبض، (فإن كان تلفا بطلت) الإجارة، لتعذر تحصيل المنفعة المستأجر
عليها، (وإن كان غصبا لم تبطل)، لاستقرار العقد بالقبض. وبراءة
المؤجر والحال أن العين موجودة يمكن تحصيل المنفعة منها، وإنما المانع
عارض، (ويرجع المستأجر على الغاصب) بأجرة مثل المنفعة الفائتة
في يده، ولا فرق حينئذ بين وقوع الغصب في ابتداء المدة وخلالها.
والظاهر عدم الفرق بين كون الغاصب المؤجر، وغيره.
(ولو ظهر في المنفعة عيب فله الفسخ)، لفوات بعض المالية بسببه
فيجبر (4) بالخيار، ولأن الصبر على العيب ضرر منفي.
(وفي الأرش) لو اختار البقاء على الإجارة (نظر) من (5)
وقوع العقد على هذا المجموع وهو باق فأما أن يفسخ، أو يرضى بالجميع
ومن (6) كون الجزء الفائت،
352

أو الوصف (1) مقصودا للمستأجر ولم يحصل وهو يستلزم نقص المنفعة
التي هي أحد العوضين فيجبر بالأرش وهو حسن
وطريقة معرفته (2) أن ينظر إلى أجرة مثل العين سليمة، ومعيبة
ويرجع من المسمى بمثل نسبة المعيبة إلى الصحيحة (3)، وإن اختار (4)
الفسخ وكان قبل مضي شئ من المدة فلا شئ عليه وإلا (5) فعليه
من المسمى بنسبة ما مضى إلى المجموع.
(ولو طرأ) العيب (بعد العقد فكذلك كانهدام المسكن) وإن كان
بعد استيفاء شئ من المنفعة، ولا يمنع من ذلك كون التصرف مسقطا
للخيار، لأن المعتبر منه ما وقع في العوض المعيب الذي تعلقت به المعاوضة
وهو هنا المنفعة وهي تتجدد شيئا فشيئا، وما لم يستوفه منها لا يتحقق
فيه التصرف، وإنما يتخير مع انهدام المسكن إذا أمكن الانتفاع به
وإن قل، أو أمكن إزالة المانع، وإلا بطلت، ولو أعاده المؤجر بسرعة
بحيث لا يفوت عليه شئ معتد به ففي زوال الخيار نظر، من (6) زوال
المانع، وثبوت (7) الخيار بالانهدام فيستصحب (8)، وهو أقوى.
353

(ويستحب أن يقاطع (1) من يستعمله على الأجرة أولا) للأمر به
في الأخبار. فعن الصادق عليه السلام " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فلا يستعملن أجيرا حتى يعلمه ما أجره (2) " وعن الرضا عليه السلام
أنه ضرب غلمانه حيث استعملوا رجلا بغير مقاطعة وقال: إنه ما من أحد
يعمل لك شيئا بغير مقاطعة ثم زدته لذلك الشئ ثلاثة أضعاف على أجرته
إلا ظن أنك قد نقصت أجرته، وإذا قاطعته ثم أعطيته أجرته حمدك
على الوفاء فإن زدته حبة عرف ذلك لك، ورأي إنك قد زدته (3) "
(وأن توفيه) أجرته (عقيب فراغه) من العمل قال الصادق عليه السلام
في الحمال والأجير: " لا يجف عرقه حتى تعطيه أجرته (4) " وعن حنان
ابن شعيب قال: تكارينا لأبي عبد الله عليه السلام قوما يعملون في بستان له
وكان أجلهم إلى العصر فلما فرغوا قال لمعتب: أعطهم أجورهم قبل أن يجف
عرقهم (5).
(ويكره أن يضمن) أي يغرم عوض ما تلف بيده بناء
على ضمان الصانع ما يتلف بيده، أو مع قيام البينة على تفريطه،
354

أو مع نكوله عن اليمين حيث يتوجه (1) عليه لو قضينا بالنكول (إلا
مع التهمة له) بتقصيره على وجه يوجب الضمان.
مسائل:
(الأولى من تقبل عملا فله تقبيله غيره بأقل) مما تقبله به
(على الأقرب)، الأصالة الجواز، وما ورد من الأخبار (2) دالا
على النهي عنه يحمل على الكراهية جمعا بينها وبين ما يدل على الجواز (3)
هذا إذا لم يشترط عليه العمل بنفسه، وإلا فلا إشكال في المنع، وإذا
لم يحدث فيه حدثا وإن قل (4)، (ولو أحدث فيه حدثا فلا بحث)
في الجواز، للاتفاق عليه حينئذ. وعلى تقدير الجواز فالمشهور اشتراط
إذن المالك في تسليم العين للمتقبل (5)، لأنها مال الغير فلا يصح تسليمه.
لغيره بغير إذنه، وجواز إجارته لا ينافيه (6) فيستأذن المالك فيه،
فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم، فإن تعذر ففي جوازه (7) بغير إذنه،
أو تسلطه على الفسخ وجهان، وجواز التسليم بغير إذنه مطلقا (8) خصوصا
إذا كان المتقبل ثقة قوي،
355

(الثانية لو استأجر عينا فله إجارتها بأكثر مما استأجرها به)،
للأصل، وعموم الأمر بالوفاء بالعقود.
(وقيل: بالمنع إلا أن تكون) إجارتها (بغير جنس الأجرة،
أو يحدث فيها صفة كمال) استنادا إلى روايتين (1) ظاهرتين في الكراهة
وإلى استلزامه الربا. وهو ضعيف. إذ لا معاوضة على الجنس الواحد.
(الثالثة إذا فرط في العين) المستأجرة (ضمن قيمتها يوم
التفريط)، لأنه يوم تعلقها بذمته، كما أن الغاصب يضمن القيمة يوم
الغصب. هذا قول الأكثر. (والأقرب) ضمان قيمتها (يوم التلف)
لأنه يوم الانتقال إلى القيمة، لا قبله وإن حكم بالضمان (2)، لأن المفروض
بقاء العين فلا ينتقل إلى القيمة، وموضع الخلاف (3) ما إذا كان
الاختلاف بتفاوت القيمة (4)، أما لو كان (5) بسبب نقص في العين
فلا شبهة في ضمانه (6)، (ولو اختلفا في القيمة حلف الغارم)، لأصالة
عدم الزيادة ولأنه منكر، وقيل: القول قول المالك إن كانت دابة،
وهو ضعيف.
(الرابعة مؤنة العبد والدابة على المالك) لا المستأجر، لأنها
تابعة للملك، وأصالة عدم وجوبها على غير المالك. وقيل: على المستأجر
356

مطلقا (1). وهو ضعيف، ثم إن كان المالك حاضرا عندها أنفق،
وإلا استأذنه المستأجر في الإنفاق ورجع عليه، (ولو أنفق عليه المستأجر
بنية الرجوع) على المالك (صح مع تعذر إذن المالك، أو الحاكم)
وإن لم يشهد على الإنفاق على الأقوى، ولو أهمل (2) مع غيبة المالك
ضمن لتفريطه إلا أن ينهاه المالك، (ولو استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه
فنفقته على المستأجر في المشهور) استنادا إلى رواية (3) سليمان بن سالم
عن الرضا عليه السلام. ولاستحقاق منافعه المانع من ثبوت النفقة عليه.
والأقوى أنه كغيره لا تجب نفقته إلا مع الشرط، وتحمل الرواية
مع سلامة سندها عليه (4)، واستحقاق منافعه لا يمنع من وجوب النفقة
في ماله الذي من جملته الأجرة. وحيث يشترط فيه (5)، وفي غيره
من الحيوان على المستأجر يعتبر بيان قدرها ووصفها، بخلاف ما لو قيل
بوجوبها عليه ابتداء فإنه يكفي القيام بعادة أمثاله (6).
الخامسة (لا يجوز إسقاط المنفعة المعينة (7)) أي الإبراء منها
سواء كان بلفظ الإسقاط أم الإبراء أم غيرهما من الألفاظ الدالة عليه
لأنه (8) عبارة عن إسقاط ما في الذمة فلا يتعلق بالأعيان، ولا بالمنافع
357

المتعلقة بها، (ويجوز إسقاط) المنفعة (المطلقة (1)) المتعلقة بالذمة
وإن لم يستحق (2) المطالبة بها، (وكذا الأجرة) يصح إسقاطها إن تعلقت
بالذمة، لا إن كانت عينا، (وإذا تسلم) أجيرا ليعمل له عملا (فتلف
لم يضمن) صغيرا كان، أم كبيرا، حرا كان، أم عبدا، لأنه قبضه
لاستيفاء منفعة مستحقة لا يمكن تحصيلها إلا بإثبات اليد عليه فكان أمانة
في يده (3)، ولا فرق بين تلفه مدة الإجارة وبعدها، إلا أن يحبسه
مع الطلب بعد انقضاء المدة فيصير بمنزلة المغصوب، وسيأتي إن شاء الله
أن الحر البالغ لا يضمن مطلقا. وما عليه من الثياب تابع له (5)
ولو كان (6) صغيرا أو عبدا ضمنه.
السادسة (كلما يتوقف عليه توفية المنفعة فعلى المؤجر كالقتب (7)
والزمام (8)، والحزام (9))،
358

والسرج، والبرذعة (1)، ورفع المحمل والأحمال، وشدها، وحطها،
والقايد (2)، والسائق (3) إن شرط مصاحبته (4)، (والمداد في النسخ)
لتوقف إيفاء المنفعة الواجبة عليه بالعقد اللازم فيجب من باب المقدمة.
والأقوى الرجوع فيه إلى العرف فإن انتفى أو اضطرب فعلى المستأجر
لأن الواجب على المؤجر إنما هو العمل، لأن ذلك هو المقصود من إجارة
العين، أما الأعيان فلا تدخل في مفهوم الإجارة على وجه يجب إذهابها
لأجلها، إلا في مواضع نادرة تثبت على خلاف الأصل كالرضاع،
والاستحمام. ومثله (5) الخيوط للخياطة، والصبغ للصباغة، والكش (6)
للتلقيح، (وكذا يجب) على المؤجر (المفتاح في الدار)، لأنه تابع
للغلق (7) المثبت الذي يدخل في الإجارة، بل هو كالجزء منه وإن كان
منقولا، ومن شأن المنقول أن لا يدخل في إجارة العقار الثابت. وأما
مفتاح القفل (8) فلا يجب تسليمه كما لا يجب تسليم القفل، لانتفاء
التبعية عرفا.
359

السابعة (لو اختلفا في عقد الإجارة حلف المنكر) لها، سواء
كان هو المالك أم غيره، لأصالة عدمها.
ثم إن كان النزاع قبل استيفاء شئ من المنافع رجع كل مال
إلى صاحبه، وإن كان بعد استيفاء شئ منها، أو الجميع الذي يزعم
من يدعي وقوع الإجارة أنه متعلق العقد وكان المنكر المالك، فإن أنكر
مع ذلك (1) الإذن في التصرف وحلف استحق أجرة المثل، وإن زادت
عن المسمى بزعم الآخر، ولو كان المتصرف يزعم تعينها (2) في مال
مخصوص وكان من جنس النقد الغالب لزم المالك قبضه عن أجرة المثل
فإن ساواها أخذه، وإن نقص وجب على المتصرف الإكمال (3)،
وإن زاد (4) صار الباقي مجهول المالك، لزعم المتصرف استحقاق المالك
وهو (5) ينكر، وإن كان (6) مغايرا له، ولم يرض المالك به وجب
عليه الدفع من الغالب، وبقي ذلك (7) بأجمعه مجهولا،
360

ويضمن العين (1) بإنكار الإذن، ولو اعترف به (2) فلا ضمان.
وإن كان المنكر (3) المتصرف وحلف وجب عليه أجرة المثل،
فإن كانت (4) أزيد من المسمى بزعم المالك لم يكن له (5) المطالبة به
إن كان دفعه (6)، لاعترافه باستحقاق المالك له (7) ووجب عليه دفعه
إن لم يكن دفعه، وليس للمالك قبضه (8) لاعترافه بأنه لا يستحق أزيد
من المسمى، وإن زاد المسمى عن أجرة المثل كان للمنكر (9) المطالبة
بالزائد إن كان دفعه، وسقط إن لم يكن، والعين ليست مضمونة عليه (10)
هنا، لاعتراف المالك بكونها أمانة بالإجارة.
(ولو اختلفا في قدر الشئ المستأجر) بفتح الجيم وهو العين
361

المستأجرة بأن قال: آجرتك البيت (1) بمأة، فقال: بل الدار أجمع (2)
بها (حلف النافي)، لأصالة عدم وقوع الإجارة على ما زاد عما اتفقا
عليه. وقيل: يتحالفان وتبطل الإجارة، لأن كلا منهما مدع ومنكر،
(وفي رد (3) العين حلف المالك)، لأصالة عدمه، والمستأجر قبض
لمصلحة نفسه فلا يقبل قوله فيه (4) مع مخالفته للأصل.
(وفي هلاك (5) المتاع المستأجر عليه حلف الأجير)، لأنه أمين،
ولإمكان صدقه فيه، فلو لم يقبل قوله فيه لزم تخليده في الحبس،
ولا فرق بين دعواه تلفه بأمر ظاهر كالغرق، أو خفي كالسرقة.
(وفي كيفية (6) الإذن) في الفعل (كالقباء، والقميص) بأن قطعه
الخياط قباء فقال المالك: أمرتك بقطعه قميصا (حلف المالك)، لأنه
منكر لما يدعيه الخياط من التصرف في ماله والأصل عدم ما يدعيه الخياط
من الإذن، ولقبول قول المالك في أصل الإذن، وكذا في صفته، لأن
مرجع هذا النزاع إلى الإذن على وجه مخصوص.
وقيل: يحلف الخياط لدعوى المالك عليه ما يوجب الأرش والأصل
عدمه.
362

وعلى المختار (1) إذا حلف المالك يثبت على الخياط أرش الثوب
ما بين كونه مقطوعا قميصا وقباء ولا أجرة له على عمله، وليس له فتقه
ليرفع ما أحدثه من العمل إن كانت الخيوط للمالك، إذ لا عين له (2)
ينزعها، والعمل ليس بعين وقد صدر عدوانا ظاهرا.
ولو كانت الخيوط للخياط فالأقوى أن له نزعها كالمغصوب (4)،
ووجه المنع (4) استلزامه التصرف في مال الغير، ولو طلب المالك
أن يشد في طرف كل خيط منها (5) خيطا لتصير خيوطه في موضع
خيوط الخياط إذا سلها (6) لم يجب إجابته، لأنه (7) تصرف في مال الغير
يتوقف على إذنه، كما لا يجب عليه القبول لو بذل له المالك قيمة الخيوط.
(وفي قدر (8) الأجرة حلف المستأجر)، لأصالة عدم الزائد:
وقيل: يتحالفان كما لو اختلفا في قدر المستأجر (9)، لأن كلا منهما
مدع ومنكر. وهو ضعيف، لاتفاقهما على وقوع العقد، ومقدار العين،
والمدة، وإنما تخالفا على القدر الزائد عما يتفقان عليه فيحلف منكره.
363

كتاب الوكالة
365

كتاب الوكالة (1)
" الوكالة " بفتح الواو وكسرها (وهي استنابة في التصرف)
بالذات (2)، لئلا يرد الاستنابة في نحو القراض، والمزارعة، والمساقاة.
وخرج بقيد الاستنابة الوصية بالتصرف، فإنها إحداث ولاية، لا استنابة
وبالتصرف الوديعة، فإنها استنابة في الحفظ خاصة، وتفتقر إلى إيجاب
وقبول، لأنها من جملة العقود وإن كانت جائزة.
(وإيجابها وكلتك، أو استنبتك، أو ما شاكله من الألفاظ الدالة
على الاستنابة في التصرف (3)، وإن لم تكن على نهج الألفاظ المعتبرة
في العقود (4)، (أو الاستيجاب) والإيجاب (5) كقوله: وكلني
في كذا، فيقول: وكلتك، (أو الأمر بالبيع، والشراء) كما دل عليه
قول النبي (6) صلى الله عليه وآله وسلم لعروة الباقي: اشتر لنا شاة.
(وقبولها قولي) كقبلت، ورضيت، وما أشبهه، (وفعلي)
كفعله ما أمره بفعله، (ولا يشترط فيه) أي في القبول (الفورية)
367

بل يجوز تراخيه عن الإيجاب وإن طالت المدة، (فإن الغائب يوكل)
والقبول متأخر، وكأن جواز توكيل الغائب موضع وفاق فلذا جعله
شاهدا على الجواز، وإلا فهو فرع المدعى.
(ويشترط فيها التنجيز) فلو علقت على شرط متوقع كقدوم
المسافر، أو صفة مترقبة كطلوع الشمس لم يصح.
وفي صحة التصرف بعد حصول الشرط، أو الصفة بالإذن الضمني
قولان منشأهما: كون (1) الفاسد بمثل ذلك إنما هو العقد، أو الإذن
الذي هو مجرد إباحة تصرف فلا (2)، كما لو شرط في الوكالة عوضا
مجهولا فقال: بع كذا على أن لك العشر من ثمنه فتفسد الوكالة، دون
الإذن (3) ولأن الوكالة أخص (4) من مطلق الإذن، وعدم (5) الأخص
368

أعم من عدم الأعم، وأن (1) الوكالة ليست أمرا زائدا على الإذن،
وما يزيد عنه (2) من مثل الجعل أمر زائد عليها (3)، لصحتها بدونه
فلا يعقل فسادها مع صحته (4).
(ويصح تعليق التصرف) مع تنجيز الوكالة، بأن يقول: وكلتك
في كذا، ولا تتصرف إلا بعد شهر. لأنه بمعنى اشتراط أمر سائغ زائد
على أصلها الجامع لشرائطها التي من جملتها التنجيز وإن كان في معنى
التعليق، لأن العقود المتلقاة من الشارع منوطة بضوابط فلا تقع (5) بدونها
وإن أفاد فائدتها.
(وهي جائزة من الطرفين) فلكل منهما إبطالها في حضور الآخر
369

وغيبته. لكن إن عزل الوكيل نفسه بطلت مطلقا (1)، (ولو عزله)
الموكل (اشترط علمه) بالعزل فلا ينعزل بدونه في أصح الأقوال.
والمراد بالعلم هنا بلوغه الخبر بقول من يقبل خبره، وإن كان عدلا
واحدا، لصحيحة (2) هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام، ولا عبرة
بخبر غيره (3) وإن تعدد، ما لم يحصل به العلم، أو الظن المتاخم له،
(ولا يكفي) في انعزاله (الإشهاد) من الموكل على عزله على الأقوى،
للخبر (4) السابق، خلافا للشيخ وجماعة.
(و) حيث كانت جائزة (تبطل بالموت، والجنون، والإغماء)
من كل واحد منها، سواء طال زمان الإغماء أم قصر، وسواء أطبق
الجنون أم كان أدوارا، وسواء علم الموكل بعروض المبطل أم لم يعلم،
(وبالحجر على الموكل فيما وكل فيه) بالسفه، والفلس، لأن منعه
من مباشرة الفعل يقتضي منعه من التوكيل فيه.
وفي حكم الحجر طرو الرق على الموكل بأن كان حربيا فاسترق،
ولو كان وكيلا أصبح بمنزلة توكيل عبد الغير (5).
(ولا تبطل بالنوم ولو تطاول)، لبقاء أهلية التصرف (ما لم يؤد
370

إلى الإغماء) فتبطل من حيث الإغماء، لا من حيث النوم، ومثله (1)
السكر، إلا أن يشترط عدالته كوكيل الوكيل والولي (2) (وتبطل بفعل
الموكل ما تعلقت به الوكالة) كما لو وكله في بيع عبد ثم باعه، وفي
حكمه (3) فعله ما ينافيها كعتقه.
(وإطلاق الوكالة في البيع يقتضي البيع بثمن المثل)، إلا بنقصان
عنه يتسامح بمثله عادة كدرهم في مئة، وإلا مع وجود باذل لأزيد منه
فلا يجوز الاقتصار عليه حتى لو باع بخيار لنفسه فوجد في مدة الخيار
باذلا للزيادة وجب عليه الفسخ إن تناولت وكالته له (4)، إلا أن يعين
له قدرا فلا يجب تحصيل الزائد، وإن بذل (5) (حالا) فلا يجوز
بالمؤجل مطلقا (6) (بنقد البلد)، فإن اتحد تعين، وإن تعدد باع
بالأغلب، فإن تساوت النقود باع بالأنفع للموكل، فإن استوت نفعا تخير
(وكذا) التوكيل (في الشراء) يقتضيه بثمن المثل حالا بنقد البلد،
(ولو خالف) ما اقتضاه الإطلاق، أو التنصيص (ففضولي) يتوقف
بيعه وشراؤه على إجازة المالك.
(وإنما تصح الوكالة فيما لا يتعلق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر
371

بعينه كالعتق) فإن غرضه فيه فك الرقبة سواء أحدثه المالك أم غيره،
(والطلاق) فإن غرضه منه رفع الزوجية كذلك (1).
ومثله (2) النكاح، (والبيع)، وغيرهما من العقود، والإيقاعات
(لا فيما يتعلق) غرضه بإيقاعه من مباشر بعينه (3).
ومرجع معرفة غرضه في ذلك (4) وعدمه إلى النقل (5)، ولا قاعدة له
لا تنخرم. فقد علم تعلق غرضه (6) بجملة من العبادات، لأن الغرض
منها امتثال المكلف ما أمر به وانقياده وتذلله بفعل المأمور به ولا يحصل
ذلك بدون المباشرة (كالطهارة) فليس له الاستنابة فيها أجمع، وإن جاز
في غسل الأعضاء ومسحها حيث يعجز عن مباشرتها (7)، مع توليه النية
ومثل هذا لا يعد توكيلا حقيقيا، ومن ثم يقع ممن لا يجوز توكيله
كالمجنون، بل استعانة على إيصال المطهر إلى العضو كيف اتفق.
372

(والصلاة الواجبة في) حال (الحياة) فلا يستناب فيها مطلقا (1)
إلا ركعتا الطواف، حيث يجوز استنابة الحي في الحج الواجب (2)،
أو فيهما (3) خاصة على بعض الوجوه.
واحترز بالواجبة عن المندوبة، فيصح الاستنابة فيها في الجملة (4)
كصلاة الطواف المندوب، أو (5) في الحج المندوب وإن وجب،
وصلاة (6) الزيارة.
وفي جواز الاستنابة في مطلق النوافل وجه. وبالجملة فضبط متعلق
غرض الشارع في العبادات وغيرها يحتاج إلى تفصيل، ومستند نقلي.
(ولا بد من كمال المتعاقدين) بالبلوغ، والعقل. فلا يوكل،
373

ولا يتوكل الصبي، والمجنون مطلقا (1)، (وجواز تصرف الموكل)
فلا يوكل المحجور عليه فيما ليس له مباشرته. وخص الموكل، لجواز
كون المحجور في الجملة وكيلا لغيره فيما حجر عليه فيه من التصرف
كالسفيه، والمفلس (2) مطلقا (3)، والعبد بإذن سيده.
(وتجوز الوكالة في الطلاق للحاضر) في مجلسه (كالغائب) على أصح
القولين، لأن الطلاق قابل للنيابة، وإلا لما صح توكيل الغائب. ومنع
الشيخ من توكيل الحاضر فيه استنادا إلى رواية (4) ضعيفة السند قاصرة
الدلالة.
(ولا يجوز للوكيل أن يوكل إلا مع الإذن (5) صريحا) ولو
بالتعميم كإصنع ما شئت، (أو فحوى، كاتساع متعلقها) بحيث تدل
القرائن على الإذن له فيه كالزراعة في أماكن متباعدة لا تقوم إلا بمساعد
ومثله (6) عجزه عن مباشرته، وإن لم يكن متسعا مع علم الموكل به (7)
(وترفع الوكيل عما وكل فيه عادة) فإن توكيله حينئذ يدل بفحواه
374

على الإذن له فيه (1)، مع علم الموكل بترفعه عن مثله، وإلا (2) لم يجز
لأنه مستفاد من القرائن، ومع جهل الموكل بحاله (3) ينتفي.
وحيث أذن له في التوكيل فإن صرح له (4) بكون وكيله وكيلا
عنه، أو عن الموكل لزمه حكم من وكله فينعزل في الأول (5) بانعزاله،
لأنه فرعه، وبعزل كل منهما (6) له، وفي الثاني (7) لا ينعزل إلا بعزل
375

الموكل، أو بما أبطل توكيله (1).
وإن أطلق (2) ففي كونه (3) وكيلا عنه، أو عن الموكل، أو تخير
الوكيل (4) في توكيله عن أيهما (5) شاء أوجه. وكذا مع استفادته (6)
من الفحوى، إلا أن كونه (7) هنا وكيلا عن الوكيل أوجه.
(ويستحب أن يكون الوكيل تام البصيرة) فيما وكل فيه ليكون
مليا بتحقيق مراد الموكل، (عارفا باللغة التي يحاور (8) بها) فيما وكل
376

فيه، ليحصل الغرض من توكيله.
وقيل: إن ذلك (1) واجب. وهو (2) مناسب لمعنى الشرط
بالنسبة إلى الأخير (3)، (ويستحب لذوي المروءات) وهم أهل الشرف
والرفعة، والمروءة (التوكيل في المنازعات)، ويكره أن يتولوها بأنفسهم
لما يتضمن من الامتهان، والوقوع فيما يكره، روي " أن عليا عليه السلام
وكل عقيلا في خصومة، وقال: إن للخصومة قحما، وأن الشيطان
ليحضرها (4)، وإني لأكره أن أحضرها " - والقحم بالضم المهلكة -
والمراد هنا أنها تقحم بصاحبها إلى ما لا يريده.
(ولا تبطل الوكالة بارتداد الوكيل) من حيث إنه ارتداد،
وإن كانت قد تبطل من جهة أخرى في بعض الموارد، ككونه وكيلا
على مسلم، فإنه في ذلك (5) بحكم الكافر، ولا فرق بين الفطري، وغيره
377

وإن حكم ببطلان تصرفاته لنفسه، (ولا يتوكل المسلم للذمي على المسلم،
على قول) الشيخ، والأقوى الجواز على كراهية، للأصل، (ولا الذمي
على المسلم لمسلم، ولا لذمي قطعا) فيهما، لاستلزامهما إثبات السبيل للكافر
على المسلم المنفي بالآية (1)، (وباقي الصور جائزة وهي ثمان) بإضافة
الصور الثلاث المتقدمة (2) إلى باقيها. وتفصيلها: أن كلا من الموكل
والوكيل والموكل عليه إما مسلم، أو كافر، ومنه تتشعب الثمان بضرب
قسمي (3) الوكيل في قسمي (4) الموكل، ثم المجتمع (5) في قسمي (6)
378

الموكل عليه، ولا فرق في الكافر بين الذمي وغيره كما يقتضيه التعليل (1)
(ولا يتجاوز الوكيل ما حد له) في طرف الزيادة والنقصان
(إلا أن تشهد العادة بدخوله) أي دخول ما تجاوز في الإذن (كالزيادة
في ثمن ما وكل في بيعه (2)) بثمن معين، إن لم يعلم منه (3) الغرض
في التخصيص به (4)، (والنقيصة في ثمن ما وكل في شرائه) بثمن
معين، لشهادة الحال غالبا بالرضا بذلك فيهما (5) لكن قد يتخلف
بأن لا يريد الإشطاط (6) في البيع، أو غيره من الأغراض.
(وتثبت الوكالة بعدلين) كما يثبت بهما غيرها من الحقوق المالية،
379

وغيرها، (ولا تقبل فيها شهادة النساء منفردات)، لاختصاصها (1)
بما يعسر اطلاع الرجال عليه، والوصية (2) كما سلف في بابه،
(ولا منضمات) إلى الرجال، لاختصاصها (3) حينئذ بالمال. وما
في حكمه (4)، والوكالة ولاية على التصرف وإن ترتب عليها المال لكنه (5)
غير مقصود.
(ولا تثبت بشاهد ويمين)، لما ذكر (6)، إلا أن يشتمل
على جهتين (7) كما لو ادعى شخص على آخر وكالة بجعل وأقام شاهدا
وامرأتين، أو شاهدا وحلف معه، فالأقوى ثبوت المال، لا الوكالة
وإن تبعضت الشهادة، كما (8) لو أقام ذلك بالسرقة، يثبت المال لا القطع
نعم لو كان ذلك (9) قبل العمل لم يثبت شئ، (ولا بتصديق
380

الغريم (1)) لمدعي الوكالة عليها في أخذ حق منه لغيره، لأنه تصديق
في حق غيره.
هذا إذا كان الحق الذي يدعي الوكالة فيه عينا، أما لو كان دينا
ففي وجوب دفعه (2) إليه بتصديقه قولان أجودهما ذلك (3)، لأنه
إقرار في حق نفسه خاصة، إذ الحق لا يتعين إلا بقبض مالكه، أو وكيله
فإذا حضر وأنكر بقي دينه في ذمة الغريم فلا ضرر عليه (4) في ذلك،
وإنما ألزم الغريم بالدفع (5) لاعترافه بلزومه له، وبهذا يظهر الفرق بينه
381

وبين العين، لأنها حق محض لغيره، وفائتها لا يستدرك (1).
نعم يجوز له تسليمها إليه مع تصديقه له، إذ لا منازع له (2) الآن
ويبقى المالك على حجته، فإذا حضر وصدق الوكيل برء الدافع،
وإن كذبه فالقول قوله مع يمينه، فإن كانت العين موجودة أخذها،
وله مطالبة من شاء منهما (3) بردها، لترتب أيديهما على ماله، وللدافع
مطالبة الوكيل بإحضارها لو طولب به (4)، دون العكس (5) فإن تعذر
ردها، بتلف وغيره تخير في الرجوع على من شاء منهما، فإن رجع على الوكيل
لم يرجع على الغريم مطلقا (6)، لاعترافه (7) ببرائته بدفعها إليه، وإن رجع
على الغريم لم يرجع على الوكيل مع تلفها في يده (8) بغير تفريط، لأنه
382

بتصديقه (1) له أمين عنده، وإلا (2) رجع عليه.
(والوكيل أمين لا يضمن إلا بالتفريط، أو التعدي) وهو موضع
وفاق.
(ويجب عليه تسليم ما في يده إلى الموكل إذا طولب به)، سواء
في ذلك المال الذي وكل في بيعه وثمنه والمبيع الذي اشتراه وثمنه قبل
الشراء، وغيرها. ونبه بقوله: إذا طولب على أنه لا يجب عليه دفعه
إليه قبل طلبه، بل معه، ومع إمكان الدفع شرعا وعرفا كالوديعة (3)
(فلو أخر مع الإمكان) أي إمكان الدفع شرعا بأن لا يكون في صلاة
واجبة مطلقا (4) ولا مريدا لها مع تضيق وقتها، ونحو ذلك من الواجبات
المنافية، أو (5) عرفا بأن لا يكون على حاجة يريد قضاءها، ولا في حمام
أو أكل طعام، ونحوها من الأعذار العرفية (ضمن، وله أن يمتنع)
من التسليم (حتى يشهد) على الموكل بقبض حقه حذرا من إنكاره
فيضمن له ثانيا، أو يلزمه اليمين.
(وكذا) حكم (كل من عليه حق وإن كان وديعة يقبل قوله)
383

في ردها، لافتقاره إلى اليمين فله دفعها بالإشهاد وإن كان صادقا.
ولا فرق في ذلك بين من يكون له على الحق بينة، وغيره، لما
ذكرناه من الوجه (1)، هذا هو أجود الأقوال في المسألة. وفرق
بعضهم بين من يقبل قوله في الرد، وغيره، وآخرون بين من عليه
بقبض الحق بينة، وغيره، ودفع ضرر اليمين يدفع ذلك كله (2) خصوصا
في بعض الناس، فإن ضرر الغرامة عليهم أسهل من اليمين.
(والوكيل في الوديعة) لمال شخص عند آخر (لا يجب عليه
الإشهاد) على المستودع، (بخلاف الوكيل في قضاء الدين، وتسليم المبيع)
فليس له ذلك (3) حتى يشهد).
والفرق أن الوديعة مبنية على الإخفاء، بخلاف غيرها، ولأن الإشهاد
على الودعي لا يفيد ضمانه لقبول قوله في الرد، بخلاف غيره (فلو لم
يشهد) على غير الوديعة (ضمن)، لتفريطه إذا لم يكن الأداء بحضرة
الموكل، وإلا انتفى الضمان، لأن التفريط حينئذ مستند إليه (4).
(ويجوز للوكيل تولي طرفي العقد (5) بإذن الموكل)، لانتفاء المانع
384

حينئذ (1). ومغايرة (2) الموجب للقابل يكفي فيها الاعتبار.
ولو أطلق (3) له الإذن ففي جواز توليهما لنفسه قولان منشأهما: دخوله (4)
في الإطلاق. ومن (5) ظاهر الروايات (6) الدالة على المنع. وهو أولى.
واعلم أن توليه طرفي العقد أعم من كون البيع، أو الشراء لنفسه (7)
وموضع الخلاف مع عدم الإذن توليه لنفسه (8)، أما لغيره بأن يكون
385

وكيلا لهما (1) فلا إشكال إلا على القول بمنع كونه موجبا قابلا، وذلك (2)
لا يفرق فيه بين إذن الموكل وعدمه (ولو اختلفا في أصل الوكالة
حلف المنكر) لأصالة عدمها، سواء كان منكرها الموكل أم الوكيل.
وتظهر فائدة إنكار الوكيل فيما لو كانت الوكالة مشروطة في عقد
لازم لأمر لا يتلافى حين النزاع (3) فيدعي الموكل حصولها ليتم له
العقد وينكرها الوكيل ليتزلزل ويتسلط على الفسخ.
(ولو اختلفا في الرد (4) حلف الموكل)، لأصالة عدمه، سواء
كانت الوكالة بجعل أم لا.
(وقيل): يحلف (الوكيل، إلا أن تكون بجعل) فالموكل.
أما الأول (5) فلأنه أمين وقد قبض المال لمصلحة المالك فكان محسنا
386

محضا كالودعي، وأما الثاني (1) فلما مر، ولأنه (2) قبض لمصلحة نفسه
كعامل القراض، والمستأجر (3).
ويضعف بأن الأمانة لا تستلزم القبول، كما لا يستلزمه (4) في الثاني
مع اشتراكها (5) في الأمانة، وكذلك الإحسان (6)، والسبيل المنفي (7)
مخصوص، فإن اليمين سبيل.
(و) لو اختلفا (في التلف) أي تلف المال الذي بيد الوكيل
387

كالعين الموكل في بيعها وشرائها، أو الثمن، أو غيره (حلف الوكيل)
لأنه أمين، وقد يتعذر إقامة البينة على التلف فقنع بقوله، وإن كان
مخالفا للأصل ولا فرق بين دعواه التلف بأمر ظاهر، وخفي، (وكذا)
يحلف لو اختلفا (في التفريط). والمراد به ما يشمل التعدي، لأنه
منكر، (و) كذا يحلف لو اختلفا (في القيمة) على تقدير ثبوت
الضمان (1)، لأصالة عدم الزائد.
(ولو زوجه امرأة بدعوى الوكالة) منه (فأنكر الزوج) الوكالة
(حلف)، لأصالة عدمها (وعلى الوكيل نصف المهر) لرواية (2)
عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام، ولأنه فسخ قبل الدخول فيجب
معه نصف المهر كالطلاق، (ولها التزويج) بغيره لبطلان نكاحه بإنكاره
الوكالة (ويجب على الزوج) فيما بينه، وبين الله تعالى (الطلاق إن كان
وكل) في التزويج، لأنها حينئذ زوجته فإنكارها وتعريضها للتزويج بغيره
محرم، (ويسوق نصف المهر إلى الوكيل)، للزومه بالطلاق، وغرم
الوكيل بسببه.
(وقيل: يبطل) العقد (ظاهرا، ولا غرم على الوكيل)،
لعدم ثبوت عقد حتى يحكم بالمهر، أو نصفه، ولأنه على تقدير ثبوته (3)
إنما يلزم الزوج، لأنه عوض البضع. والوكيل ليس بزوج، والحديث (4)
388

ضعيف السند، وإلا لما كان عنه عدول مع عمل الأكثر بمضمونه،
والتعليل (1) بالفسخ فاسد فالقول الأخير (2) أقوى.
نعم لو ضمن الوكيل المهر كله، أو نصفه لزمه حسب ما ضمن،
وإنما يجوز للمرأة التزويج إذا لم تصدق الوكيل عليها، وإلا لم يجز لها
التزويج قبل الطلاق، لأنها بزعمها زوجة، بخلاف ما إذا لم تكن عالمة
بالحال، ولو امتنع من الطلاق حينئذ لم يجبر عليه، لانتفاء النكاح ظاهرا
وحينئذ ففي تسلطها (3) على الفسخ دفعا للضرر، أو تسلط الحاكم عليه (4)
أو على الطلاق، أو بقاؤها كذلك (5) حتى يطلق أو يموت، أوجه،
ولو أوقع الطلاق معلقا على الشرط كإن كانت زوجتي فهي طالق صح،
ولم يكن إقرارا، ولا تعليقا مانعا، لأنه أمر يعلم حاله، وكذا في نظائره
كقول من يعلم أن اليوم الجمعة: إن كان اليوم الجمعة فقد بعتك كذا،
أو غيره من العقود.
(ولو اختلفا في تصرف الوكيل) بأن قال: بعت، أو قبضت،
389

أو اشتريت (1) (حلف) الوكيل، لأنه أمين وقادر على الإنشاء.
والتصرف إليه ومرجع الاختلاف إلى فعله وهو (2) أعلم به.
(وقيل): يحلف (الموكل)، لأصالة عدم التصرف، وبقاء
الملك على مالكه والأقوى الأول (3).
ولا فرق بين قوله (4) في دعوى التصرف: بعت وقبضت الثمن
وتلف في يدي، وغيره (5)، لاشتراك الجميع (6) في المعنى ودعوى (7)
التلف أمر آخر، (وكذا الخلاف لو تنازعا في قدر الثمن الذي اشتريت به
السلعة) كأن قال الوكيل: اشتريته بمائة والحال أنه يساوي مائة، ليمكن
صحة البيع فقال الموكل: بل بثمانين، يقدم قول الوكيل، لأنه أمين،
390

والاختلاف في فعله (1) ودلالة الظاهر على كون الشئ إنما يباع بقيمته
وهو الأقوى:
وقيل: قول الموكل، لأصالة برائته من الزائد، ولأن في ذلك (2)
إثبات حق للبائع عليه (3) فلا يسمع (4):
391

كتاب الشفعة
393

كتاب الشفعة (1)
(الشفعة وهي) فعلة من قولك: شفعت كذا بكذا إذا جعلته
شفعا به أي زوجا كأن الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب شريكه، وأصلها
التقوية والإعانة. ومنه (2) الشفاعة والشفع (3). وشرعا (استحقاق
الشريك الحصة المبيعة في شركته)، ولا يحتاج إلى قيد الاتحاد (4)،
395

وغيره (1) مما يعتبر في الاستحقاق، لاستلزام الاستحقاق له (2).
وإنما يفتقر إلى ذكرها (3) في الأحكام، ولا يرد النقض في طرده (4)
بشراء الشريك حصة شريكه، فإنه (5) بعد البيع يصدق استحقاق الشريك
الحصة المبيعة في شركته، إذ ليس في التعريف أنها مبيعة لغيره أو له،
وكما (6) يصدق الاستحقاق بالأخذ يصدق بنفس الملك.
ووجه دفعه (7): أن الاستحقاق المذكور هنا (8) للشريك المقتضي
لكونه شريكا حال شركته، والأمر في البيع ليس كذلك، لأنه حال
الشركة غير مستحق (9)، وبعد الاستحقاق (10) ليس بشريك، إذ المراد
بالشريك هنا الشريك بالفعل (11)، لأنه المعتبر شرعا، لا ما كان فيه
396

شريكا مع ارتفاع الشركة (1)، نظرا إلى عدم اشتراط بقاء المعنى المشتق
منه (2) في المشتق.
نعم يمكن ورود ذلك (3) مع تعدد الشركاء إذا اشترى أحدهم
نصيب بعضهم مع بقاء الشركة في غير الحصة المبيعة، ولو قيد (4)
المبيع بكونه لغير المستحق، أو علق الاستحقاق بتملك الحصة فقال:
استحقاق الشريك تملك الحصة المبيعة إلى آخره سلم من ذلك (5)، لأن
استحقاق التملك غير استحقاق الملك.
(ولا تثبت لغير) الشريك (الواحد) على أشهر القولين. وصحيح
الأخبار (6) يدل عليه. وذهب بعض الأصحاب إلى ثبوتها مع الكثرة،
استنادا إلى روايات (7) معارضة بأقوى منها (وموضوعها) وهو المال
الذي تثبت فيه على تقدير بيعه: (ما لا ينقل كالأرض والشجر) إذا
بيع منضما إلى مغرسه، لا منفردا. ومثله (8) البناء، فلو اشتركت
397

غرفة بين اثنين دون قرارها فلا شفعة فيها، وإن انضمت إلى أرض غيره
كالشجر إذا انضم إلى غير مغرسه.
(وفي اشتراط إمكان قسمته قولان) أجودهما اشتراطه، لأصالة
عدم ثبوتها في محل النزاع (1)، وعليه شواهد من الأخبار (2)، لكن
في طريقها ضعف. ومن لم يشترط (3) نظر إلى عموم أدلة ثبوتها،
مع ضعف المخصص، وعلى الأول (4) فلا شفعة في الحمام الصغير،
والعضائد (5) الضيقة، والنهر، والطريق الضيقين، والرحى حيث لا يمكن
قسمة أحجارها وبيتها.
وفي حكم الضيق قلة النصيب بحيث يتضرر صاحب القليل بالقسمة (6)
(ولا تثبت) الشفعة (في المقسوم) بل غير المشترك مطلقا (7)،
(إلا مع الشركة في المجاز) وهو الطريق، (والشرب (8) إذا ضمهما
في البيع إلى المقسوم.
398

وهل يشترط قبولهما القسمة كالأصل؟ إطلاق العبارة يقتضي عدمه،
وفي الدروس اشترطه والأقوى الاكتفاء بقبول المقسوم القسمة. نعم لو بيعا
منفردين اعتبر قبولهما كالأصل.
(ويشترط قدرة الشفيع على الثمن)، وبذله للمشتري، فلا شفعة
للعاجز، ولا للممتنع مع قدرته، والمماطل (1)، ويرجع في العجز
إلى اعترافه، لا إلى حاله، لإمكان استدانته، ولا يجب على المشتري
قبول الرهن، والضامن، والعوض (2)، (وإسلامه إذا كان المشتري
مسلما) فلا شفعة لكافر مطلقا (3) على مسلم، (ولو ادعى غيبة الثمن
أجل ثلاثة أيام) ولو ملفقة (4)، وفي دخول الليالي (5) وجهان.
نعم لو كان الأخذ عشية دخلت الليلة تبعا، ولا إشكال في دخول الليلتين
المتوسطتين كالاعتكاف، ولو ادعى أنه (6) في بلد آخر أجل زمانا يسع
ذهابه، وإيابه، وثلاثة (7) (ما لم يتضرر المشتري) لبعد البلد عادة
كالعراق من الشام.
وفي العبارة أن تضرر المشتري يسقط الإمهال ثلاثة مطلقا (8)،
399

والموجود في كلامه في الدروس، وكلام غيره اعتباره (1) في البلد النائي
خاصة.
(وتثبت) الشفعة (للغائب) وإن طالت غيبته (فإذا قدم)
من سفره (أخذ) إن لم يتمكن من الأخذ في الغيبة بنفسه، أو وكيله
ولا عبرة بتمكنه من الإشهاد (2) وفي حكمه (3) المريض، والمحبوس
ظلما، أو بحق يعجز عنه، ولو قدر عليه (5) ولم يطالب بعد مضي
زمان يتمكن من التخلص والمطالبة بطلت.
(و) كذا تثبت (للصبي والمجنون والسفيه، ويتولى الأخذ) لهم
(الولي مع الغبطة) في الأخذ كسائر التصرفات (6) ولا فرق بين كون
الشريك البائع هو الولي، وغيره، وكما يأخذ لهم يأخذ منهم لو باع عنهم
ما هو بشركته، وكذا يأخذ لأحد الموليين نصيب الآخر لو باعه بشركته
(فإن ترك) في موضع الثبوت (فلهم عند الكمال الأخذ)، إلا أن ترك
لعدم المصلحة، ولو جهل الحال ففي استحقاقهم الأخذ نظرا إلى وجود
السبب (7) فيستصحب، أم لا (8)، التفاتا إلى أنه مقيد بالمصلحة
400

ولم تعلم، وجهان أوجههما الثاني (1).
أما المفلس فتثبت له أيضا، لكن لا يجب على الغرماء تمكينه
من الثمن، فإن بذلوه، أو رضي المشتري بذمته فأخذ، تعلق بالشقص (2)
حق الغرماء، ولا يجب عليه (3) الأخذ ولو طلبوه منه مطلقا (4)
(ويستحق) الأخذ بالشفعة (بنفس العقد وإن كان فيه خيار) بناء
على انتقال المبيع إلى ملك المشتري به، فلو أوقفناه (5) على انقضاء الخيار
كالشيخ توقف على انقضائه.
(و) على المشهور (6) (لا يمنع) الأخذ (7) (من التخاير)،
لأصالة بقاء الخيار (فإن اختار المشتري، أو البائع الفسخ بطلت) الشفعة
وإلا استقر الأخذ.
وجعل بعض الأصحاب الأخذ بعد انقضاء الخيار مع حكمه بملكه
بالعقد، نظرا إلى عدم الفائدة به قبله (8)، إذ ليس له (9) انتزاع العين
401

قبل مضي مدة الخيار، لعدم استقرار ملكه والظاهر أن ذلك (1) جائز،
لا لازم، بل يجوز قبله (2) وإن منع من العين. والفائدة (3) تظهر
في النماء وغيره (4).
واحتمل المصنف في الدروس بطلان خيار المشتري بالأخذ (5)،
لانتفاء فائدته (6)، إذ الغرض الثمن وقد حصل من الشفيع،
كما لو أراد (7) الرد بالعيب فأخذ الشفيع.
ويضعف بأن الفائدة ليست منحصرة في الثمن فجاز أن يريد (8)
دفع الدرك عنه.
(وليس للشفيع أخذ البعض، بل يأخذ الجميع، أو يدع) لئلا
يتضرر المشتري بتبعيض الصفقة، ولأن حقه في المجموع من حيث هو
402

المجموع كالخيار، حتى لو قال: أخذت نصفه مثلا بطلت الشفعة، لمنافاته
الفورية، حيث تعتبر.
(ويأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد) أي بمثله، لعدم إمكان
الأخذ بعينه، إلا أن يتملكه (1)، وليس (2) بلازم، (ولا يلزمه
غيره (3) من دلالة، أو وكالة)، أو أجرة نقد (4)، ووزن، وغيرها
لأنها (5) ليست من الثمن وإن كانت من توابعه، (ثم إن كان) الثمن
(مثليا فعليه مثله، وإن كان قيميا فقيمته).
وقيل: لا شفعة هنا (6)، لتعذر الأخذ بالثمن، وعملا برواية (7)
لا تخلو عن ضعف، وقصور عن الدلالة.
وعلى الأول (8) يعتبر قيمته (يوم العقد)، لأنه وقت استحقاق
الثمن، فحيث لا يمكن الأخذ به تعتبر قيمته حينئذ.
403

وقيل: أعلى القيم من حينه (1) إلى حين دفعها كالغاصب. وهو
ضعيف (وهي على الفور) في أشهر القولين، اقتصارا فيما خالف
الأصل (2) على محل الوفاق، ولما روي (3) أنها كحل العقال، ولأنها
شرعت لدفع الضرر، وربما جاء من التراخي على المشتري ضرر أقوى،
لأنه إن تصرف كان معرضا للنقص (4)، وإن أهمل انتفت فائدة الملك.
وقيل: على التراخي، استصحابا لما ثبت (5)، وأصالة (6) عدم
404

الفورية فهو (7) مخرج،
405

عن الأصل، والرواية (1) عامية. نعم روى (2) علي بن مهزيار
عن الجواد عليه السلام إنظاره بالثمن ثلاثة أيام. وهو يؤذن بعدم التراخي
مطلقا (3) ولا قائل بالفرق (4) وهذا حسن.
وعليه (5) (فإذا علم وأهمل) عالما مختارا (بطلت) ويعذر جاهل
الفورية كجاهل الشفعة وناسيهما.
وتقبل دعوى الجهل ممن يمكن في حقه عادة، وكذا يعذر مؤخر
الطلب إلى الصبح لو بلغه ليلا، وإلى الطهارة والصلاة ولو بالأذان
والإقامة والسنن المعهودة، وانتظار الجماعة لها، والأكل، والشرب،
والخروج من الحمام بعد قضاء وطره منه، وتشييع المسافر، وشهود
الجنازة، وقضاء حاجة طالبها، وعيادة المريض، ونحو ذلك، لشهادة
العرف به، إلا أن يكون المشتري حاضرا عنده بحيث لا يمنعه من شغله (6)
ولا بد من ثبوت البيع عنده بشهادة عدلين، أو الشياع فلا عبرة
بخبر الفاسق، والمجهول، والصبي، والمرأة مطلقا (7) وفي شهادة العدل
406

الواحد وجه، واكتفى به المصنف في الدروس مع القرينة، نعم لو صدق (1)
المخبر كان كثبوته في حقه. وكذا لو علم صدقه بأمر خارج.
(ولا تسقط الشفعة بالفسخ المتعقب للبيع بتقايل، أو فسخ بعيب)
أما مع التقايل فظاهر، لأنه (2) لاحق للعقد. والشفعة تثبت به (3)
فتقدم، وأما مع العيب فلأن استحقاق الفسخ به فرع دخول المعيب
في ملكه، إذ لا يعقل رد ما كان ملكا للغير، ودخوله في ملكه إنما
يتحقق بوقوع العقد صحيحا، وفي هذا الوقت تثبت الشفعة فيقترنان (4)
ويقدم حق الشفيع، لعموم أدلة (5) الشفعة للشريك، واستصحاب (6)
الحال، ولأن فيه (7) جمعا بين الحقين، لأن العيب إن كان في الثمن
المعين فالبائع يرجع إلى قيمة الشقص، وإن كان في الشقص فالمشتري
407

يطلب الثمن وهو حاصل له من الشفيع، بخلاف ما إذا قدمنا البائع
في الأول (1) فإنه يقتضي سقوط حق الشفيع من الشقص عينا وقيمة (2)
وكذا لو قدمنا المشتري.
وربما فرق بين أخذ الشفيع قبل الفسخ، وبعده (3)، لتساويهما (4)
في الثبوت فيقدم السابق في الأخذ، ويضعف بما ذكرناه (5).
وقيل بتقديم حق المتبايعين، لاستناد الفسخ إلى العيب المقارن للعقد
والشفعة تثبت بعده (6) فيكون العيب أسبق.
وفيه نظر، لأن مجرد وجود العيب غير كاف في السببية (7)، بل
هو مع العقد، كما أن الشركة غير كافية في سببية الشفعة، بل هي مع العقد
فهما (8) متساويان من هذا الوجه (9)، وإن كان جانب العيب لا يخلو
408

من قوة (1) إلا أنها (2) لا توجب التقديم فالعمل على ما اختاره (3)
المصنف أولى.
ولو اختار البائع أخذ أرش الثمن المعيب من المشتري رجع المشتري به
على الشفيع إن كان أخذ بقيمة المعيب، أو بمعيب مثله، وإلا فلا،
ولو ترك البائع الرد والأرش " معا " مع أخذ الشفيع له بقيمة المعيب،
أو مثله فلا رجوع له بشئ، لأنه كإسقاط بعض الثمن.
وكذا لو اختار المشتري أخذ أرش الشقص قبل أخذ الشفيع أخذه (4)
الشفيع بما بعد الأرش، لأنه كجزء من الثمن، ولو أخذه (5) بعد أخذ
الشفيع رجع الشفيع به.
ويفهم من تقييد الفسخ بالعيب أنه لو كان بغيره بطلت، وقد
409

تقدم (1) ذلك في الفسخ بالخيار، وبقي تجدد الفسخ بذاته كما لو تلف
الثمن المعين قبل القبض، وفي بطلانها به (2) قول، من حيث إنه (3)
يوجب بطلان العقد، وآخر (4) بعدمه، لأن البطلان من حين التلف
لا من أصله (5)، فلا يزيل ما سبق من استحقاقها (6)، وثالث (7)
بالفرق بين أخذ الشفيع قبل التلف فتثبت (8)، وبعده فتبطل،
والأوسط (9) أوسط.
(و) كذا (لا) تسقط الشفعة (بالعقود اللاحقة) للبيع
(كما لو باع) المشتري الشقص (أو وهب، أو وقف) لسبق حق
الشفيع على ما تأخر من العقود، (بل للشفيع إبطال ذلك كله) والأخذ
بالبيع الأول، (وله أن يجيز) البيع (ويأخذ بالبيع الثاني)، لأن كلا
من البيعين سبب تام في ثبوت الشفعة، والثاني (10) صحيح وإن توقف
410

على إجازة الشفيع، فالتعيين إلى اختياره (1).
(وكذا لو تعددت العقود، فإن أخذ من الأخير صحت العقود
السابقة، وإن أخذ من الأول بطلت اللاحقة، وإن أخذ من المتوسط صح
ما قبله وبطل ما بعده (2).
ولا فرق في بطلان الهبة لو اختاره (3) الشفيع بين اللازمة، وغيرها
ولا بين المعوض عنها، وغيرها فيأخذ الواهب (4) الثمن ويرجع (5)
العوض إلى باذله (والشفيع يأخذ من المشتري)، لا من البائع، لأنه
المالك الآن (ودركه) أي درك الشقص لو ظهر مستحقا (عليه (6))
فيرجع عليه (7) بالثمن وبما اغترمه لو أخذه المالك، ولا فرق في ذلك (8)
بين كونه في يد المشتري، ويد البائع بأن لم يكن أقبضه، لكن هنا
411

لا يكلف المشتري قبضه منه، بل يكلف الشفيع الأخذ منه، أو الترك (1)
لأن الشقص هو حق الشفيع، فحيث ما وجده أخذه، ويكون قبضه
كقبض المشتري، والدرك عليه على التقديرين (2).
(والشفعة تورث) عن الشفيع كما يورث الخيار، وحد القذف،
والقصاص، في أصح القولين، لعموم (3) أدلة الإرث. وقيل: لا تورث
استنادا إلى رواية (4) ضعيفة السند. وعلى المختار (5) فهي (كالمال)
فتقسم (بين الورثة) على نسبة سهامهم، لا على رؤسهم. فللزوجة
مع الولد الثمن، ولو عفى أحد الوراث عن نصيبه لم تسقط، لأن الحق
للجميع، فلا يسقط حق واحد بترك غيره (فلو عفوا إلا واحدا أخذ
الجميع، أو ترك) حذرا من تبعض الصفقة على المشتري، ولا يقدح
412

هنا تكثر المستحق وإن كانوا شركاء، لأن أصل الشريك متحد، والاعتبار
بالوحدة عند البيع، لا الأخذ.
(ويجب تسليم الثمن أولا جبرا (1) لقهر المشتري (ثم الأخذ)
أي تسلم البيع، لا الأخذ بالشفعة القولي فإنه (2) متقدم على تسليم الثمن
مراعاة للفورية (إلا أن يرضى الشفيع بكونه) أي الثمن (في ذمته) فله
أن يتسلم المبيع أولا، لأن الحق في ذلك للمشتري فإذا أسقطه برضاه
بتأخير الثمن في ذمة الشفيع فله ذلك.
والمراد بالشفيع هنا المشتري لما ذكرناه (3)، إما تجوزا لكونه (4)
سببا في إثبات الشفيع، أو وقع سهوا.
(ولا يصح الأخذ إلا بعد العلم بقدره، وجنسه)، ووصفه، لأنه
معاوضة تفتقر إلى العلم بالعوضين (فلو أخذه قبله (5) لغى ولو (6)
قال: أخذته بمهما كان)، للغرر، ولا تبطل بذلك (7) شفعته، ويغتفر
بعد اجتماعه بالمشتري السؤال عن كمية الثمن والشقص بعد السلام والكلام
المعتاد.
413

(ولو انتقل الشقص بهبة، أو صلح، أو صداق فلا شفعة) لما
تقدم في تعريفها من اختصاصها بالبيع، وما ذكر ليس بيعا حتى الصلح
بناء على أصالته، (ولو اشتراه بثمن كثير ثم عوضه عنه بيسير، أو أبرأه
من الأكثر) ولو حيلة على تركها (أخذ الشفيع بالجميع) إن شاء، لأنه
الثمن والباقي معاوضة جديدة، أو إسقاط لما ثبت. ومقتضى ذلك أن الثمن
الذي وقع عليه العقد لازم للمشتري، وجائز للبائع أخذه، وإن كان بينهما
مواطاة على ذلك، إذ لا يستحق المشتري أن يأخذ من الشفيع إلا ما ثبت
في ذمته، ولا يثبت في ذمته إلا ما يستحق البائع المطالبة به.
وقال في التحرير: لو خالف أحدهما ما تواطيا عليه فطالب صاحبه
بما أظهر له لزمه في ظاهر الحكم ويحرم عليه في الباطن، لأن صاحبه إنما
رضي بالعقد المتواطئ، (أو ترك الشفيع) الأخذ لما يلزمه من الغرم.
(ولو اختلف الشفيع والمشتري في) مقدار (الثمن حلف المشتري)
على المشهور، لأنه أعرف بالعقد، ولأنه المالك فلا يزال ملكه إلا بما
يدعيه.
ويشكل بمنع كون حكم المالك كذلك مطلقا (1) وقد تقدم قبول
قول المنكر في كثير (2) خصوصا مع تلف العين وعموم " اليمين
على من أنكر (3) " وارد هنا، ومن ثم (4) ذهب ابن الجنيد إلى تقديم قول
الشفيع، لأنه منكر. والاعتذار للأول (5) بأن المشتري لا دعوى له
414

على الشفيع، إذ لا يدعي شيئا في ذمته، ولا تحت يده، إنما الشفيع
يدعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يدعيه، والمشتري ينكره (1)
ولا يلزم من قوله (2): اشتريته بالأكثر، أن يكون مدعيا عليه (3)
وإن كان (4) خلاف الأصل، لأنه (5) لا يدعي استحقاقه إياه (6)
عليه، ولا يطلب تغريمه إياه إنما (7) يتم قبل الأخذ بالشفعة، أما بعده
فالمشتري يدعي الثمن في ذمة الشفيع. ويأتي فيه (8) جميع ما سبق (9).
415

لا يقال: إنه لا يأخذ (1) حتى يستقر أمر الثمن، لما تقدم
من اشتراط العلم بقدره، فما داما متنازعين لا يأخذ ويتجه الاعتذار (2).
لأنا نقول: المعتبر في أخذه (3) علمه بالقدر بحسب ما عنده، لا على وجه
يرفع الاختلاف، فإذا زعم العلم بقدره جاز له الأخذ ووقع النزاع
فيه بعد تملكه للشقص، فيكون المشتري هو المدعي.
ويمكن أيضا أن يتملك (4) الشقص برضاء المشتري قبل دفع الثمن
ثم يقع التنازع بعده فيصير المشتري مدعيا. وتظهر الفائدة (5) لو أقاما بينة
فالحكم لبينة الشفيع على المشهور (6)، وبينة (7) المشتري على الثاني (8).
416

(ولو ادعى أن شريكه اشترى بعده) وأنه يستحق عليه الشفعة
فأنكر الشريك التأخر (حلف الشريك) لأنه منكر، والأصل عدم
الاستحقاق، (ويكفيه الحلف على نفي الشفعة) وإن أجاب بنفي التأخر
لأن الغرض هو الاستحقاق فيكفي اليمين لنفيه. وربما كان صادقا في نفي
الاستحقاق وإن كان الشراء متأخرا لسبب من الأسباب المسقطة للشفعة فلا
يكلف الحلف على نفيه.
ويحتمل لزوم حلفه على نفي التأخر على تقدير الجواب به، لأنه
ما أجاب به إلا ويمكنه الحلف عليه، وقد تقدم مثله في القضاء (1)،
(ولو تداعيا السبق تحالفا)، لأن كل واحد منهما مدع، ومدعى عليه
فإذا تحالفا استقر ملكهما لاندفاع دعوى كل منهما بيمين الآخر
(ولا شفعة)، لانتفاء السبق.
417

كتاب السبق والرماية
419

كتاب السبق والرماية (1)
(السبق والرماية) وهو عقد شرع لفائدة التمرن على مباشرة النضال
والاستعداد لممارسة القتال. والأصل فيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" لا سبق (2) إلا في نصل (3)، أو خف (4)، أو حافر (5) " وقوله
صلى الله عليه وآله وسلم. " إن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه
ما خلا الحافر، والخف، والريش، والنصل (6) ".
(وإنما ينعقد السبق) بسكون الباء (من الكاملين) بالبلوغ،
421

والعقل (الخاليين من الحجر)، لأنه يقتضي تصرفا في المال (على الخيل
والبغال، والحمير) وهي داخله في الحافر المثبت في الخبر (1)، (والإبل
والفيلة) وهما داخلان في الخف، (وعلى السيف، والسهم، والحراب (2))
وهي داخلة في النصل، ويدخل السهم في الريش على الرواية الثانية (3)
إذا اشتمل عليه (4)، تسمية للشئ باسم جزئه، وأطلق السبق على ما يعم
الرمي تبعا للنص (5)، وتغليبا للاسم، (لا بالمصارعة، والسفن،
والطيور، والعدو)، ورفع الأحجار، ورميها، ونحو ذلك، لدلالة
الحديث السابق على نفي مشروعية ما خرج عن الثلاثة.
هذا إذا تضمن السبق بذلك العوض، أما لو تجرد عنه ففي تحريمه
نظر، من دلالة النص على عدم مشروعيته إن روي السبق بسكون الباء
ليفيد نفي المصدر، وإن روي بفتحها كما قيل: إنه الصحيح رواية، كان
المنفي مشروعية العوض عليها (6)، فيبقى الفعل على أصل الإباحة، إذ لم يرد
شرعا ما يدل على تحريم هذه الأشياء، خصوصا مع تعلق غرض صحيح بها.
422

ولو قيل بعدم ثبوت رواية الفتح فاحتمال الأمرين يسقط دلالته (1)
على المنع.
(ولا بد فيها (2) من إيجاب وقبول على الأقرب)، لعموم قوله
تعالى: " أوفوا بالعقود "، " والمؤمنون عند شروطهم " وكل من جعله
لازما حكم بافتقاره إلى إيجاب وقبول.
وقيل: هو جعالة لوجود بعض خواصها فيه، وهي (3): أن بذل
العوض فيه على (4) ما لا يوثق بحصوله (5) وعدم تعيين العامل (6)،
فإن قوله: من سبق فله كذا غير متعين عند العقد، ولأصالة عدم اللزوم
وعدم اشتراط القبول (7)، والأمر بالوفاء بالعقد مشروط بتحققه، وهو
موضع النزاع. سلمنا لكن الوفاء به هو العمل بمقتضاه لزوما وجوازا،
وإلا لوجب الوفاء بالعقود الجائزة، وفيه (8) نظر، لأن وجود بعض
423

الخواص لا يقتضي الاتحاد (1) في الحكم مطلقا (2) وأصالة عدم اللزوم
ارتفعت بما دل عليه (3)، والأصل في الوفاء العمل بمقتضاه (4) دائما (5)
وخروج العقد الجائز (6) تخصيص للعام فيبقى (7) حجة في الباقي (8).
نعم الشك بقي في كونه (9) عقدا.
(وتعيين العوض) وهو المال الذي يبذل للسابق منهما قدرا،
وجنسا، ووصفا.
وظاهر العبارة ككثير: أنه (10) شرط في صحة العقد، وفي التذكرة
أنه ليس بشرط، وإنما المعتبر تعيينه لو شرط. وهو حسن.
(ويجوز كونه (11) منهما معا)، ومن أحدهما وفائدته (12) حينئذ
424

أن الباذل إن كان هو السابق أحرز ماله، وإن كان غيره أحرزه
(ومن بيت المال) لأنه معد للمصالح وهذا منها، لما فيه من البعث
على التمرن على العمل المترتب (1) عليه إقامة نظام الجهاد، (ومن أجنبي)
سواء كان الإمام أم غيره، وعلى كل تقدير فيجوز كونه عينا، ودينا
حالا، ومؤجلا.
(ولا يشترط المحلل) وهو الذي يدخل بين المتراهنين بالشرط
في عقده (2) فيتسابق معهما من غير عوض يبذله ليعتبر (3) السابق منهما
ثم إن سبق (4) أخذ العوض، وإن لم يسبق لم يغرم، وهو بينهما
كالأمين وإنما لم يشترط (5) للأصل، وتناول ما دل على الجواز للعقد (6)
الخالي منه، وعند بعض العامة، وبعض (7) أصحابنا هو شرط، وبه (8)
سمي محللا، لتحريم العقد بدونه عندهم، وحيث شرط لزم، فيجري
دابته بينهما، أو إلى أحد الجانبين مع الإطلاق، وإلى ما شرط مع التعيين
425

لأنهما (1) بإخراج السبق (2) متنافران، فيدخل بينهما، لقطع تنافرهما.
(ويشترط في السبق تقدير المسافة) التي يستبقان فيها (ابتداء،
وغاية) لئلا يؤدي إلى التنازع، ولاختلاف الأغراض في ذلك اختلافا
ظاهرا، لأن من الخيل ما يكون سريعا في أول عدوه، دون آخره،
فصاحبه يطلب قصر المسافة، ومنها ما هو بالعكس (3)، فينعكس الحكم
(وتقدير الخطر) وهو العوض إن شرطاه، أو مطلقا (4).
(وتعيين ما يسابق عليه (5)) بالمشاهدة ولا يكفي الإطلاق (6)،
ولا التعيين بالوصف، لاختلاف الأغراض بذلك كثيرا (واحتمال السبق
بالمعينين) بمعنى احتمال كون كل واحد يسبق صاحبه (فلو علم قصور
أحدهما بطل)، لانتفاء الفائدة حينئذ، لأن الغرض منه استعلام السابق،
ولا يقدح رجحان سبق أحدهما إذا أمكن سبق الآخر، لحصول الغرض معه
(وإن بجعل السبق) بفتح الباء وهو العوض (لأحدهما) وهو
السابق منهما، لا مطلقا، (أو للمحلل إن سبق، لا لأجنبي)،
426

ولا للمسبوق منهما ومن المحلل، ولا جعل القسط الأوفر للمتأخر،
أو للمصلي (1)، والأقل للسابق، لمنافاة ذلك كله للغرض الأقصى
من شرعيته وهو الحث على السبق، والتمرن عليه، (ولا يشترط التساوي
في الموقف (2)) للأصل، وحصول الغرض مع تعيين المبدأ والغاية.
وقيل: يشترط (3)، لانتفاء معرفة جودة عدو الفرس، وفروسية
الفارس مع عدم التساوي، لأن عدم السبق قد يكون مستندا إليه، فيخل
بمقصوده ومثله (4) إرسال إحدى الدابتين قبل الأخرى.
(والسابق هو الذي يتقدم على الآخر بالعنق) ظاهره اعتبار التقدم
بجميعه وقيل: يكفي بعضه وهو حسن. ثم إن اتفقا في طول العنق،
أو قصره وسبق الأقصر عنقا ببعضه فواضح، وإلا اعتبر سبق الطويل
بأكثر من القدر الزائد، ولو سبق بأقل من قدر الزائد فالقصير هو السابق
وفي عبارة كثير أن السبق يحصل بالعنق والكتد معا، وهو بفتح
الفوقانية أشهر من كسرها: مجمع الكتفين بين أصل العنق والظهر، وعليه
يسقط اعتبار بعض العنق، وقد يتفق السبق بالكتد وحده كما لو قصر
عنق السابق به (5)، أو رفع أحد الفرسين عنقه بحيث لم يمكن
427

اعتباره (1) به، وبالقوائم فالمتقدم بيديه عند الغاية سابق، لأن السبق
يحصل بهما والجري عليهما.
والأولى حينئذ تعيين السبق بأحد الأربعة (2) ومع الإطلاق (3)
يتجه الاكتفاء بأحدها، لدلالة العرف عليه، ويطلق على السابق المجلي.
(والمصلي هو الذي يحاذي رأسه صلوى السابق وهما: العظمان النابتان
عن يمين الذنب وشماله) والتالي هو الثالث، والبارع الرابع، والمرتاح
الخامس، والحظي السادس، والعاطف السابع، والمؤمل مبنيا للفاعل الثامن
واللطيم بفتح أوله وكسر ثانيه التاسع، والسكيت بضم السين ففتح الكاف
العاشر، والفسكل بكسر الفاء فسكون السين فكسر الكاف، أو بضمهما
كقنفذ الأخير.
وتظهر الفائدة فيما لو شرط للمجلي مالا، وللمصلي أقل منه، وهكذا
إلى العاشر.
(ويشترط في الرمي معرفة الرشق) بكسر الراء وهو عدد الرمي
الذي يتفقان عليه (كعشرين، وعدد الإصابة) كعشرة منها (4)
وصفتها (5) من المارق) وهو الذي يخرج من الغرض نافذا ويقع
من ورائه، (والخاسق) بالمعجمة والمهملة، وهو الذي يثقب الغرض
ويقف فيه، (والخازق) بالمعجمة والزاي. وهو ما خدشه ولم يثقبه
وقيل: ثقبه ولم يثبت فيه، (والخاصل) بالخاء المعجمة والصاد
428

المهملة وهو يطلق على القارع وهو ما أصاب الغرض ولم يؤثر فيه،
وعلى الخارق، وعلى الخاسق (1) وقد عرفتهما (2)، وعلى المصيب (3) له
كيف كان، (وغيرها (4)) من الأوصاف كالخاصر وهو ما أصاب
أحد جانبيه، والخارم وهو الذي يخرم حاشيته، والحابي وهو الواقع
دونه (5) ثم يحبو إليه مأخوذ (6) من حبو الصبي، ويقال (7):
على ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب (8) إليه فأصابه وهو المزدلف،
والقارع وهو الذي يصيبه بلا خدش.
ومقتضى اشتراطه (9) تعيين الصفة بطلان العقد بدونه، وهو أحد
القولين، لاختلاف النوع الموجب للغرر.
429

وقيل: يحمل على أخير (1) ما ذكره بمعناه الأخير. وهو الأقوى،
لأنه القدر المشترك بين الجميع فيحمل الإطلاق عليه، ولأصالة البراءة
من وجوب التعيين، ولأن اسم الإصابة واقع على الجميع فيكفي اشتراطه
ولا غرر حيث يعلم من الإطلاق الدلالة على المشترك.
(وقدر (2) المسافة) إما بالمشاهدة، أو بالتقدير كمائة ذراع،
لاختلاف الإصابة بالقرب والبعد، (و) قدر (الغرض) وهو ما يقصد
أصابته من قرطاس، أو جلد، أو غيرهما، لاختلافه بالسعة والضيق.
ويشترط العلم بوضعه (3) من الهدف وهو ما يجعل فيه الغرض
من تراب، وغيره، لاختلافه في الرفعة، والانحطاط الموجب لاختلاف
الإصابة، (والسبق (4)) وهو العوض، (وتماثل (5) جنس الآلة)
أي نوعها الخاص كالقوس العربي، أو المنسوب إلى وضع خاص (6)،
لاختلاف الرمي باختلافها (لا شخصها (7))، لعدم الفائدة بعد تعيين
النوع ولأدائه إلى التضييق بعروض مانع من المعين يحوج إلى إبداله.
430

بل قيل: إنه لو عينه (1) لم يتعين، وجاز الإبدال، وفسد الشرط
وشمل إطلاق الآلة القوس، والسهم، وغيرهما. وقد ذكر جماعة أنه
لا يشترط تعيين السهم، لعدم الاختلاف الفاحش الموجب لاختلاف الرمي،
بخلاف القوس. وأنه لو لم يعين جنس الآلة انصرف إلى الأغلب عادة
لأنه جار مجرى التقييد لفظا، فإن اضطربت فسد العقد، للغرر.
(ولا يشترط) تعيين (المبادرة) وهي اشتراط استحقاق العوض
لمن بدر إلى إصابة عدد معين من مقدار رشق معين مع تساويهما (2)
في الرشق، كخمسة من عشرين، (ولا المحاطة) وهي اشتراط
استحقاقه (3) لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات
أحدهما بإصابات الآخر وطرح ما اشتركا فيه.
(ويحمل المطلق على المحاطة)، لأن اشتراط السبق إنما يكون
لإصابة معينة من أصل العدد المشترط في العقد (4)، وذلك يقتضي إكمال
العدد كله لتكون الإصابة المعينة منه، وبالمبادرة قد لا يفتقر إلى الإكمال
فإنهما إذا اشترطا رشق عشرين وإصابة خمسة فرمى كل واحد عشرة فأصاب
431

أحدهما خمسة، والآخر أربعة مثلا فقد نضله صاحب الخمسة، ولا يجب
عليه الإكمال.
بخلاف ما لو شرطا المحاطة، فإنهما يتحاطان أربعة بأربعة ويبقى
لصاحب الخمسة واحد، ويجب الإكمال، لاحتمال اختصاص كل واحد (1)
بإصابة خمسة فيما يبقى.
وقيل: يحمل على المبادرة لأنه المتبادر من إطلاق السبق (2)
لمن أصاب عددا معينا، وعدم وجوب الإكمال مشترك بينهما فإنه قد لا يجب
الإكمال في المحاطة على بعض الوجوه، كما إذا انتفت فائدته (3)، للعلم
باختصاص المصيب بالمشروط على كل تقدير (4)، بأن رمى أحدهما
في المثال خمسة عشر فأصابها، ورماها الآخر فأصاب خمسة فإذا تحاطا (5)
خمسة بخمسة بقي للآخر عشرة، وغاية ما يتفق مع الإكمال أن يخطئ
صاحب العشرة الخمسة ويصيبها الآخر فيبقى له فضل خمسة وهي الشرط (6)
وما اختاره (7) المصنف أقوى، لأنه المتبادر، وما ادعي منه (8)
432

في المبادرة غير متبادر، ووجوب الإكمال فيها (1) أعلب، فتكثر الفائدة
التي بسببها شرعت المعاملة، ولو عينا أحدهما (2) كان أولى.
(فإذا تم النضال) وهو المراماة. وتمامه بتحقق الإصابة المشروطة
لأحدهما، سواء أتم العدد أجمع أم لا (ملك الناضل) وهو الذي غلب
الآخر (العوض)، سواء جعلناه (3) لازما كالإجارة أم جعالة.
أما الأول (4) فلأن العوض في الإجارة وإن كان يملك بالعقد
إلا أنه هنا لما كان للغالب وهو غير معلوم، بل يمكن عدمه أصلا توقف
الملك على ظهوره (5)، وجاز كونه (6) لازما برأسه يخالف الإجارة
في هذا المعنى (7)، وأما على الجعالة فلأن المال إنما يملك فيها بتمام العمل.
وجواز (8) الرهن عليه قبل ذلك وضمانه، نظرا إلى وجود السبب
المملك وهو العقد.
433

وهذا يتم في الرهن، أما في الضمان فيشكل (1) بأن مجرد السبب
غير كاف (2)، كيف ويمكن تخلفه (3) بعدم الإصابة فليس (4) بتام.
وهذا (5) مما يرجح كونه (6) جعالة.
(وإذا نضل أحدهما صاحبه) بشئ (فصالحه على ترك النضل
لم يصح)، لأنه مفوت للغرض من المناضلة (7)، أو مخالف لوضعها (8)
434

(ولو ظهر استحقاق العوض) المعين في العقد (وجب على الباذل مثله
أو قيمته)، لأنهما أقرب إلى ما وقع التراضي عليه من العوض الفاسد
كالصداق إذا ظهر فساده (1).
ويشكل بأن استحقاق العوض المعين يقتضي فساد المعاملة كنظائره (2)
وذلك يوجب الرجوع إلى أجرة المثل، لا العوض الآخر (3).
نعم لو زادت أجرة المثل عن مثل المعين، أو قيمته اتجه سقوط
الزائد، لدخوله (4) على عدمه وهذا هو الأقوى. والمراد بأجرة المثل
هنا ما يبذل لذلك العمل الواقع من المستحق له عادة، فإن لم تستقر
العادة على شئ رجع إلى الصلح.
وربما قيل بأنه أجرة مثل الزمان الذي وقع العمل فيه، نظرا
إلى أن ذلك أجرة مثل الحر لو غصب تلك المدة. والأجود الأول.
435

كتاب الجعالة
437

كتاب الجعالة (1)
(الجعالة) لغة مال يجعل على فعل، وشرعا (صيغة ثمرتها
تحصيل المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العلم فيهما) أي في العمل والعوض
كمن رد عبدي فله نصفه مع الجهالة به وبمكانه، وبهذا تتميز عن الإجارة
على تحصيل منفعة معينة، لأن التعيين (2) شرط في الإجارة، وكذا (3)
عوضها. أما عدم اشتراط العلم بالعمل هنا فموضع وفاق، وأما العوض
ففيه خلاف يأتي تحقيقه.
(ويجوز على كل عمل محلل مقصود) للعقلاء (غير واجب
على العامل) فلا يصح على الأعمال المحرمة كالزنا، ولا على ما لا غاية له
معتدا بها عقلا كنزف (4) ماء البئر، والذهاب ليلا إلى بعض المواضع
الخطيرة ونحوهما مما يقصده العابثون. نعم لو كان الغرض به التمرن
على الشجاعة وإضعاف الوهم ونحوه من الأغراض المقصودة للعقلاء صح،
وكذا لا يصح على الواجب عليه كالصلاة.
(ولا يفتقر إلى قبول) لفظي، بل يكفي فعل مقتضى الاستدعاء به
(ولا إلى مخاطبة شخص معين فلو قال: من رد عبدي، أو خاط ثوبي)
439

بصيغة العموم (فله كذا صح، أو فله مال، أو شئ)، ونحوهما
من العوض المجهول (صح، إذ العلم بالعوض غير شرط في تحقق الجعالة
وإنما هو شرط في تشخصه، وتعينه فإن أراد) ذلك (التعيين فليذكر
جنسه وقدره، وإلا) يذكره (1)، أو ذكره ولم يعينه (تثبت بالرد
أجرة المثل).
ويشكل (2) بأن ثبوت أجرة المثل لا تقتضي صحة العقد، بل هي
ظاهرة في فساده، وإنما أوجبها (3) الأمر بعمل له أجرة عادة كما
لو استدعاه ولم يعين عوضا، إلا أن يقال: إن مثل ذلك (4) يعد جعالة
أيضا فإنها (5) لا تنحصر في لفظ، ويرشد إليه (6) اتفاقهم على الحكم
من غير تعرض للبطلان (7).
وفيه (8) أن الجعالة مستلزمة لجعل شئ، فإذا لم يذكره لا يتحقق
مفهومها وإن ترتب عليها العوض.
وقيل: إن كانت الجهالة لا تمنع من التسليم لزم بالعمل العوض
440

المعين، لا أجرة المثل كمن رد عبدي فله نصفه فرده من لا يعرفه (1)
ولا بأس به (2). وعلى هذا (3) فيصح جعله (4) صبرة مشاهدة مجهولة
المقدار، وحصة من نماء شجر على عمله، وزرع كذلك (5) ونحوها.
والفرق بينه، وبين الشئ والمال: مقوليتهما (6) على القليل، والكثير
المفضي إلى التنازع والتجاذب فلم يصح على هذا الوجه، بخلاف
ما لا يمنع من التسليم فإنه أمر واحد لا يقبل الاختلاف، ومسماه لتشخصه
لا يقبل (7) التعدد، وقبوله للاختلاف قيمة بالزيادة والنقصان قد قدم
441

عليه العامل كيف كان. ويمكن التبرع به، فإذا قدم على العوض الخاص
انتفى الغرر، لأنه معين في حد ذاته.
(ويشترط في الجاعل الكمال) بالبلوغ، والعقل، (وعدم الحجر)
لأنه باذل المال فيعتبر رفع الحجر عنه، بخلاف العامل فإنه يستحق الجعل
وإن كان صبيا مميزا بغير إذن وليه، وفي غير المميز، والمجنون وجهان.
من (1) وقوع العمل المبذول عليه، ومن (2) عدم القصد.
(ولو عين الجعالة لواحد ورد غيره فهو متبرع) بالعمل
(لا شئ له)، للمتبرع، ولا للمعين، لعدم الفعل، (ولو شارك المعين
فإن قصد التبرع عليه فالجميع للمعين) لوقوع الفعل بأجمعه له، (وإلا)
يقصد التبرع عليه بأن أطلق، أو قصد العمل لنفسه، أو التبرع على المالك
(فالنصف) للمعين خاصة، لحصوله بفعلين: أحدهما مجعول له، والآخر
متبرع فيستحق النصف بناء على قسمة العوض على الرؤس.
والأقوى بسطه على عملهما، فيستحق المعين بنسبة عمله، قصر
عن النصف أم زاد. وهو خيرة المصنف في الدروس ومثله (3) ما لو عمل
معه المالك.
(ولا شئ للمتبرع، وتجوز الجعالة من الأجنبي) فيلزمه المال،
دون المالك إن لم يأمره به، ولو جعله من مال المالك بغير إذنه فهو
فضولي، (ويجب عليه) أي على الجاعل مطلقا (4) (الجعل مع العمل
442

المشروط) حيث يتعين، وإلا (1) فما ذكر بدله (وهي جائزة من طرف
العامل مطلقا) قبل التلبس بالعمل وبعده، فله الرجوع متى شاء،
ولا يستحق شيئا لما حصل منه من العمل قبل تمامه مطلقا (2).
(وأما الجاعل فجائزة) من طرفه (قبل التلبس) بالعمل،
(وأما بعده فجائزة بالنسبة إلى ما بقي من العمل) فإذا فسخ فيه انتفى
عنه بنسبته من العوض (أما الماضي فعليه أجرته) وهذا في الحقيقة
لا يخرج عن كونها جائزة من قبله مطلقا (3) فإن المراد بالعقد الجائز،
أو الإيقاع ما يصح فسخه لمن جاز من طرفه، وثبوت العوض لا ينافي
جوازه كما أنها بعد تمام العمل يلزمها جميع العوض، مع أنها من العقود
الجائزة، وكذا الوكالة بجعل (4) بعد تمام العمل.
واستحقاق الجعل لا يخرجها عن كونها عقدا جائزا، فينبغي أن يقال:
إنها جائزة مطلقا (5) لكن إذا كان الفسخ من المالك ثبت للعامل بنسبة
ما سبق من العمل إلى المسمى على الأقوى.
وقيل: أجرة مثله (6).
443

وربما أشكل ذلك (1) فيما لو كانت على رد ضالة مثلا ثم فسخ
وقد صارت بيده، فإنه لا يكاد يتحقق للفسخ معنى حينئذ، إذ لا يجوز له
تركها، بل يجب تسليمها إلى المالك، أو من يقوم مقامه فلا يتحقق
فائدة للفسخ حينئذ.
ويمكن دفعه بأن فائدة البطلان عدم سلامة جميع العوض له على هذا
التقدير، بل يستحق لما سبق بنسبته ويبقى له فيما بعد ذلك أجرة المثل
على ما يعمله إلى أن يتسلمه المالك وهو حفظه عنده، ونحوه، إذ لا يجب
عليه حينئذ رده على المالك، بل تمكينه منه إن كان قد علم بوصوله
إلى يده، وإن لم يعلم وجب إعلامه.
(ولو رجع) المالك فيها (2) قبل العمل، أو في أثنائه (ولم يعلم
العامل رجوعه حتى أكمل العمل فله كمال الأجرة)، ولو علم في الأثناء
فله بنسبة ما سلف قبل العلم وينبغي أن يراد بالعلم ما يثبت به ذلك شرعا
ليشمل السماع من المالك، والشياع المفيد للعلم، وخبر العدلين، لا الواحد
وإن حكم به (3) في عزل الوكالة بنص خاص (4).
(ولو أوقع المالك صيغتين) للجعالة مختلفتين في مقدار العوض (5)
444

أو في بعض أوصافها (1) (عمل بالأخيرة إذا سمعهما) العامل، لأن
الجعالة جائزة، والثانية رجوع عن الأولى، سواء زادت أم نقصت
(وإلا) يسمعهما (2) (فالمعتبر ما سمع) من الأولى والأخيرة (3)،
ولو سمع الثانية بعد الشروع في العمل فله من الأولى بنسبة ما عمل إلى الجميع
ومن الثانية بنسبة الباقي.
(وإنما يستحق الجعل على الرد بتسليم المردود) إلى مالكه مع الإطلاق
أو التصريح بالجعل على إيصاله إلى يده، (فلو جاء به إلى باب منزل
المالك فهرب فلا شئ للعامل)، لعدم إتمامه العمل الذي هو شرط
الاستحقاق.
ومثله (4) ما لو مات قبل وصوله إلى يده وإن كان بداره،
مع احتمال الاستحقاق هنا، لأن المانع من قبل الله تعالى، لا من قبل
العامل، ولو كان الجعل على إيصاله إلى البلد، أو إلى منزل المالك
استحق الجميع بالامتثال، (ولا يستحق الأجرة إلا ببذل الجاعل) أي
استدعائه الرد، سواء كان مع بذل عوض أم لا (فلو رد بغيره (5)
كان متبرعا) لا عوض له مطلقا (6)، وكذا لو رد من لم يسمع الجعالة
على قصد التبرع، أو بقصد يغاير ما بذله المالك جنسا، أو وصفا،
445

ولو رد بنية العوض مطلقا (1) وكان ممن يدخل في عموم الصيغة،
أو إطلاقها ففي استحقاقه قولان، منشأهما: فعله (2) متعلق الجعل
مطابقا لصدوره من المالك على وجه يشمله، وأنه (3) عمل محترم
لم يقصد به فاعله التبرع وقد وقع بإذن الجاعل فقد وجد المقتضي (4)
والمانع ليس إلا عدم علمه بصدور الجعل، ومثله (5) يشك في مانعيته،
لعدم الدليل عليه فيعمل المقتضي (6) عمله، ومن (7) أنه بالنسبة
إلى اعتقاده متبرع، إذ لا عبرة بقصده من دون جعل المالك، وعدم
سماعه (8) في قوة عدمه (9) عنده.
وفصل ثالث ففرق بين من رد كذلك (10) عالما بأن العمل بدون
446

الجعل تبرع وإن قصد العامل العوض، وبين غيره (1)، لأن الأول (2)
متبرع محضا، بخلاف الثاني (3). واستقرب المصنف الأول (4).
والتفصيل (5) متجه.
مسائل
(كلما لم يعين (6) جعل) إما لتركه أصلا بأن استدعى الرد
وأطلق، أو لذكره مبهما كما سلف (7) (فأجره المثل) لمن عمل مقتضاه
سامعا للصيغة غير متبرع بالعمل، إلا أن يصرح بالاستدعاء مجانا فلا شئ
وقيل: لا أجرة مع إطلاق الاستدعاء، والأول (8) أجود. نعم
لو كان العمل مما لا أجرة له عادة لقلته فلا شئ للعامل كمن أمر غيره
447

بعمل من غير أن يذكر له أجرة (1) (إلا في رد الآبق من المصر)
الذي فيه مالكه إليه (فدينار، وفي رده من غيره)، سواء كان من مصر
آخر أم لا (2) (أربعة دنانير) في المشهور ومستنده ضعيف (3).
ولو قيل بثبوت أجرة المثل فيه (4) كغيره كان حسنا. والمراد
بالدينار على القول به: الشرعي (5) وهو المثقال الذي كانت قيمته عشرة
دراهم.
(والبعير كذا) أي كالآبق في الحكم المذكور، ولا نص عليه
بخصوصه، وإنما ذكره الشيخان (6) وتبعهما عليه جماعة.
448

ويظهر من المفيد أن به رواية، لأنه قال: بذلك ثبتت السنة،
وفي إلحاقه على تقدير ثبوت الحكم في الآبق إشكال. ويقوى الإشكال
لو قصرت قيمتهما (1) عن الدينار والأربعة. وينبغي حينئذ أن يثبت
على المالك أقل الأمرين من قيمته، والمقدر شرعا، ومبنى الرواية على الغالب
من زيادة قيمته (2) عن ذلك كثيرا.
(ولو بذل جعلا) لمن رده واحدا كان أم أكثر (فرده جماعة
استحقوه بينهم بالسوية (3)) ولو كان العمل غير الرد من الأعمال التي
يمكن وقوعها أجمع من كل واحد منهم كدخول داره مع الغرض الصحيح
فلكل ما عين.
(ولو جعل لكل من الثلاثة جعلا مغايرا) للآخرين كأن جعل
لأحدهما دينارا، وللآخر دينارين، وللثالث ثلاثة (فردوه فلكل ثلث
ما جعل له)، ولو رده أحدهم فله ما عين له أجمع، ولو رده اثنان
منهم فلكل منهما نصف ما عين له، (ولو لم يسم لبعضهم) جعلا
مخصوصا (فله ثلث أجرة المثل) ولكل واحد من الآخرين ثلث ما عين له
ولو رده من لم يسم له وأحدهما (4) فله نصف أجرة مثله، وللآخر
450

نصف ما سمي له، وهكذا، (ولو كانوا أزيد) من ثلاثة (فبالنسبة)
أي لو ردوه أجمع فلكل واحد بنسبة عمله إلى المجموع من أجرة المثل،
أو المسمى.
(ولو اختلفا في أصل الجعالة) بأن ادعى العامل الجعل وأنكره
المالك وادعى التبرع (حلف المالك) لأصالة عدم الجعل، (وكذا)
يحلف المالك لو اختلفا (في تعيين الآبق) مع اتفاقهما على الجعالة،
بأن قال المالك: إن المردود ليس هو المجعول وادعاه العامل، لأصالة
براءة ذمته من المال الذي يدعي العامل استحقاقه.
(ولو اختلفا في السعي بأن قال المالك: حصل في يدك قبل الجعل)
بفتح الجيم، وقال الراد: بل بعده (حلف) المالك (أيضا، للأصل)
وهو براءة ذمته من حق الجعالة، أو عدم تقدم الجعل على حصوله
في يده، وإن كان الأصل أيضا عدم تقدم وصوله إلى يده على الجعل،
إلا أنه بتعارض الأصلين لا يثبت في ذمة المالك شئ (1) ومثله (2)
ما لو قال المالك: حصل في يدك قبل علمك بالجعل، أو من غير سعي
وإن كان بعد صدوره.
(وفي قدر (3) الجعل كذلك) يحلف المالك، لأصالة براءته
من الزائد، ولأن العامل مدع للزيادة، والمالك منكر (فيثبت للعامل)
بيمين المالك (أقل الأمرين من أجرة المثل، ومما ادعاه)، لأن الأقل
إن كان الأجرة فقد انتفى ما يدعيه العامل بيمين المالك، وإن كان
ما يدعيه العامل، فلاعترافه بعدم استحقاقه للزائد، وبراءة ذمة المالك منه،
451

والحال أنهما معترفان بأن عمله يجعل في الجملة، وأنه عمل محترم فتثبت له
الأجرة إن لم ينتف بعضها (1) بإنكاره، (إلا أن يزيد ما ادعاه المالك)
عن أجرة المثل فتثبت الزيادة، لاعترافه باستحقاق العامل إياها، والعامل
لا ينكرها.
(وقال) الشيخ نجيب الدين (ابن نما رحمه الله: إذا حلف المالك
على نفي ما ادعاه) العامل (ثبت ما ادعاه) هو، لأصالة عدم الزائد،
واتفاقهما على العقد المشخص بالعوض المعين، وانحصاره في دعواهما،
فإذا حلف المالك على نفي ما ادعاه العامل ثبت مدعاه، لقضية (2)
الحصر (وهو قوي كمال الإجارة) إذا اختلفا في قدره (3).
وقيل: يتحالفان (4)، لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه فلا ترجيح
لأحدهما فيحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر ويثبت الأقل كما مر (5)
والتحقيق أن اختلافهما في القدر إن كان مجردا عن التسمية بأن قال
العامل: إني استحق مائة من جهة الجعل الفلاني فأنكر المالك وادعى أنه
خمسون، فالقول قول المالك، لأنه منكر محض والأصل براءته
من الزائد، كما يقدم قوله لو أنكر أصل الجعل. ولا يتوجه اليمين
هنا من طرف العامل أصلا.
452

وإن قال: جعلت لي مائة فقال المالك: بل خمسين ففيه الوجهان
الماضيان (1) في الإجارة.
والأقوى تقديم قول المالك أيضا (2)، لاتفاقهما على صدور الفعل
بعوض، واختلافهما في مقداره خاصة، فليس كل منهما مدعيا لما ينفيه الآخر.
وإن كان اختلافهما في جنس المجعول مع اختلافه بالقيمة فادعى
المالك جعل شئ معين يساوي خمسين، وادعى العامل جعل غيره مما يساوي
مائتين فالتحالف هنا متعين، لأن كلا منهما يدعي ما ينكره الآخر،
إلا أن ذلك (3) نشأ من اختلاف الجعل جنسا، أو وصفا، لا من اختلافه
قدرا، وإذا فرض اختلاف (4) الجنس فالقول بالتحالف أولى وإن تساويا
قيمة. وإنما ذكرنا اختلاف الجنس في هذا القسم، لأن جماعة كالمحقق
والعلامة شركوا بينه وبين الاختلاف قدرا في الحكم، وليس بواضح.
ويبقى في القول بالتحالف مطلقا (5) إشكال آخر وهو فيما إذا تساوت
الأجرة (6) وما يدعيه المالك، أو زاد ما يدعيه (7) عنها، فإنه لا وجه
453

لتحليف العامل بعد حلف المالك على نفي الزائد الذي يدعيه العامل، لثبوت
ما حكم به من مدعى المالك زائدا عن الأجرة، أو مساويا باعترافه فتكليف
العامل باليمين حينئذ لا وجه له، لاعتراف المالك به، وإنما يتوجه لو زادت
أجرة المثل عما يدعيه المالك فيتوقف إثبات الزائد من الأجرة عما يدعيه
على يمين المدعي وهو العامل.
" انتهى الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس إن شاء الله تعالى "
أوله كتاب الوصايا
* * *
تمت التعاليق الموضحة لهذا الجزء في ليلة الأحد - الثامن من شهر الله
الحرام سنة 1387 هج‍.
في مكتبة " جامعة النجف الدينية " صانها الله عن الحدثان.
فشكرا له على نعمائه. ونسأله التوفيق لإتمامه، إنه ولي التوفيق.
السيد محمد كلانتر
454