الكتاب: شرح اللمعة
المؤلف: الشهيد الثاني
الجزء: ٣
الوفاة: ٩٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات جامعة النجف الدينية
ردمك:
ملاحظات: منشورات مكتبة الداوري - قم / مطبعة أمير - قم / الطبعة الأولى ١٤١٠ (نسخة أفست)

منشورات
جامعة النجف الدينية
(11)
اللمعة الدمشقية
للشهيد السعيد: محمد بن جمال الدين مكي العاملي
(الشهيد الأول)
قدس سره
734 - 786
الجزء الثالث
1

نام كتاب: اللمعة الدمشقية 1 - 10
مؤلف: شهيد أول
ناشر: انتشارات داوري - قم
چاپ: جاپخانة أمير
نوبت جاپ: چاپ أول
تيراژ: 2000 دوره
تاريخ انتشار: 1410 ه‍ ق
2

الإهداء
إن كان الناس يتقربون إلى الأكابر بتقديم مجهوداتهم فليس لنا
أن نتقرب إلى أحد سوى سيدنا ومولانا إمام زماننا وحجة عصرنا
(الإمام المنتظر) عجل الله تعالى فرجه.
فإليك يا حافظ الشريعة بألطافك الخفية، وإليك يا صاحب
الأمر وناموس الحقيقة أقدم مجهودي المتواضع في سبيل إعلاء كلمة
الدين وشريعة جدك المصطفى وبقية آثار آبائك الأنجبين، دينا قيما
لا عوج فيه ولا أمتا.
ورجائي القبول والشفاعة في يوم لا ترجى إلا شفاعتكم أهل
البيت. عبدك الراجي
3

(عند الصباح يحمد القوم السري)
كان أملي وطيدا بالفوز فيما أقدمت عليه من مشروع في سبيل الهدف
الأقصى للدراسات الدينية (الفقه الإسلامي الشامل).
فأردت الخدمة بهذا الصدد لأزيل بعض مشاكل الدراسة والآن وقد حقق الله
عز وجل تلك الأمنية بإخراج الجزء الأول من هذا الكتاب الضخم إلى الأسواق.
فرأيت النجاح الباهر نصب عيني: انهالت الطلبة على اقتناءه بكل
ولع واشتياق.
فله الشكر على ما أنعم والحمد على ما وفق.
بيد أن الأوضاع الراهنة، وما اكتسبته الأيام من مشاكل إنجازات
العمل وفق المراد أحرجتني بعض الشئ. فإن الطبعة بتلك الصورة المنقحة
المزدانة بأشكال توضيحية، وفي أسلوب شيق كلفتني فوق ما كنت
أتصوره من حساب وأرقام مما جعلتني أئن تحت عبئه الثقيل، ولا
من مؤازر أو مساعد.
فرأيت نفسي بين أمرين: الترك حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا،
أو الإقدام المجهد مهما كلف الأمر من صعوبات.
فاخترت الطريق الثاني واحتملت صعوباته في سبيل الدين، والإشادة
بشريعة (سيد المرسلين)، وإحياء آثار (أئمة الهدى المعصومين)
صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
فاتبعت بعون الله عز وجل (الجزء الثاني) (بالجزء الثالث) بعزم
قوي، ونفس آمنة.
وكل اعتمادي على الله سبحانه وتعالى وتوسلي إلى صاحب الشريعة
الغراء وأهل بيته الأطهار عليهم صلوات الملك العلام.
ولا سيما ونحن في جوار سيدنا الكريم مولى الكونين (أمير المؤمنين)
عليه الصلاة والسلام.
فبك يا مولاي استشفع إلى ربي ليسهل لنا العقبات ويؤمن علينا
التبعات إنه ولي ذلك والقادر عليه. السيد محمد كلانتر
4

الروضة البهية
في شرح
اللمعة الدمشقية
للشهيد السعيد: زين الدين الجبعي العاملي
(الشهيد الثاني)
قدس سره
911 - 965
5

بسم الله الرحمن الرحيم
لم أقم بهذا العمل
(تصحيح هذا السفر الجليل والتعليق عليه وطبعه بهذه الصورة
الزاهية) لسوى خدمة الدين الإسلامي الحنيف قربة لوجهه الكريم.
وإبداء لصفحات بيضاء من (الفقه الجعفري).
فأقول متحديا ومباهيا: أن لا نجاح للإنسانية سوى بخوعها للدين،
وسلوكها على المحجة البيضاء الناصعة التي تتمثل في حنايا الأحكام الإسلامية
العريضة، والتي عرضها - بشكلها الواقعي للأمة - أئمتها الهداة المعصومون
عليهم الصلاة والسلام.
إلا وهو فقه (أهل البيت) الذي هم أدرى بما في البيت.
نعم لم يبعثني على القيام بهذا المشروع الجلل سوى تحقيق هذه الأمنية
العميقة في نياط قلبي.
وقد قامت أناس بتشجيع ما قمت به من (مشاريع) قياما طاهرا
حيث كان تلقاءيا ومنبعثا عن ركيزة فطرة الإيمان السليمة خدمة للدين
الحنيف قربة إلى الله عز وجل.
ومنهم وفي مقدمتهم سماحة شيخنا آية الله الشيخ مرتضى آل يسن
دام ظله.
فيما تفضل به من رسالة قيمة وجيزة ذات مغزى جليل تعرب
عن نية صادقة، وموقف مشرف نبيل. فجزاه عن الإسلام خيرا.
السيد محمد كلانتر
وإليك نص الكلمة:
6

بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزي العلامة المفضال المجاهد السيد محمد كلانتر أيده الله
بعد التحية والدعاء والشكر والثناء
لقد تسلمت الجزء الثاني بعد الجزء الأول من كتاب (اللمعة الدمشقية)
المطبوع على نفقتكم في النجف الأشرف، وإني إذ أشكركم أجزل الشكر
على هذه الهدية القيمة أود أن أقدر جهودكم المشكورة المتمثلة فيما
علقتموه على هذا الكتاب توضيحا لما يحتاج منه إلى توضيح وتيسيرا
لما يحتاج منه إلى تيسير فوفرتم بعملكم هذا شطرا كبيرا من الوقت
على دارس هذا الكتاب ومدرسه، كما أحسنتم أي إحسان
للشهيدين السعيدين طاب ثراهما بما سلطتم على مطالبهما من
الأضواء الكشافة التي أنارت الطريق إلى تفهمها واستيعابها
دون أن تكلف طالبها أي جهد أو عناء وهذا ما يجب أن
يشكره لكم كل من الأستاذ والتلميذ عند دراسة هذا
الكتاب الجليل، وما أشد إعجابي باختياركم هذا العمل
الإنساني بالذات وأنه لعمل له أهميته البالغة في الأوساط
العلمية التي يهمها بلوغ الهدف في أقصر وقت وسوف
يخلد أثره الطيب ما خلد الفقه في دنيا الفقهاء، وإني
لأرجو أن يؤدي بكم هذا النشاط المشكور إلى الاستمرار على مثل
هذا العمل بالنسبة إلى غير هذا الكتاب من كتب الدراسة
الدينية المفتقرة إلى مثل هذا التسهيل والتيسير ولا شك
أن لكم على ذلك من الله الأجر الجزيل ومن الناس الذكر الجميل.
والسلام عليكم ورحمة الله مرتضى آل ياسين
7

كتاب الكفارات
9

كتاب الكفارات
(الكفارات) (1) وهي تنقسم إلى معينة كبعض كفارات الحج
ولم يذكرها هنا اكتفاء بما سبق (2)، وإلى مرتبة ومخيرة (3)،
وما جمعت الوصفين (4)، وكفارة جمع (5) (فالمرتبة) ثلاث (كفارة
الظهار، وقتل الخطأ، وخصالهما) المرتبة (خصال كفارة، الإفطار في شهر
رمضان: العتق) أولا، (فالشهران) مع تعذر العتق، (فالستون)
أي إطعام الستين لو تعذر الصيام، (و). الثالثة (6) (كفارة من أفطر
في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، وهي إطعام عشرة مساكين، ثم صيام
ثلاثة أيام) مع العجز عن الإطعام.
(والمخيرة كفارة شهر رمضان) في أجود القولين (7)، (و) كفارة
11

(خلف النذر والعهد) إن جعلناهما ككفارة رمضان، كما هو أصح الأقوال
رواية (1).
(وفي كفارة جزاء الصيد) وهو الثلاث الأول من الثلاثة الأولى (2)
مما ذكر في الكفارات، لا مطلق جزائه (3) (خلاف) في أنه مرتب،
أو مخير. والمصنف اختار فيما سبق الترتيب وهو أقوى ومبنى الخلاف
على دلالة ظاهر الآية (4) العاطفة للخصال بأو الدالة على التخيير، ودلالة
12

الخبر على أن ما في القرآن بأو فهو على التخيير (1)، وعلى ما روي (2)
نصا من أنها على الترتيب وهو مقدم (3).
(والتي جمعت) الوصفين (4) (كفارة اليمين، وهي إطعام عشرة
مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة) مخيرا بين الثلاث، (فإن عجز
فصيام ثلاثة أيام، وكفارة الجمع لقتل المؤمن عمدا ظلما، وهي عتق
رقبة وصيام شهرين) متتابعين، (وإطعام ستين مسكينا) وقد تقدم (5)
أن الإفطار في شهر رمضان على محرم مطلقا (6) يوجبها أيضا. فهذه
جملة الأقسام.
وبقي هنا أنواع أختلف في كفاراتها أتبعها بها (7) فقال: (والحالف
بالبراءة من الله ورسوله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام)
على الاجتماع والانفراد (8) (يأثم) صادقا كان أم كاذبا (9)، وفي الخبر (10)
13

أنه يبرأ بذلك منهم صادقا وكاذبا واختلف في وجوب الكفارة به مطلقا (1)
أو مع الحنث (2) فنقل المصنف هنا قولين من غير ترجيح، وكذا
في الدروس (و) هو أنه (يكفر كفارة ظهار، فإن عجز فكفارة يمين
على قول) الشيخ في النهاية وجماعة، ولم نقف على مستنده، وظاهرهم
وجوب ذلك مع الحنث وعدمه ومع الصدق والكذب.
(وفي توقيع العسكري عليه السلام) إلى محمد بن الحسن الصفار
الذي رواه محمد بن يحيى في الصحيح (3) (أنه) مع الحنث (يطعم عشرة
مساكين) لكل مسكين مد (ويستغفر الله تعالى). والعمل بمضمونها حسن
لعدم المعارض مع صحة الرواية.
وكونها مكاتبة ونادرة لا يقدح مع ما ذكرناه (4)، وهو اختيار
العلامة في المختلف، وذهب جماعة إلى عدم وجوب كفارة مطلقا (5) لعدم
انعقاد اليمين، إذ لا حلف إلا بالله تعالى (6)، واتفق الجميع على تحريمه
مطلقا (7).
(وفي جز المرأة شعرها في المصاب كفارة ظهار) على ما اختاره هنا
وقبله (8) العلامة في بعض كتبه وابن إدريس، ولم نقف على المأخذ،
14

(وقيل): كبيرة (1) (مخيرة) ذهب إليه الشيخ في النهاية، استنادا
إلى رواية ضعيفة (2)، وفي الدروس نسب القول الثاني إلى الشيخ
ولم يذكر الأول.
والأقوى عدم الكفارة مطلقا (3)، لأصالة البراءة: نعم يستحب
لصلاحية الرواية لأدلة السنن (4)، ولا فرق في المصاب بين القريب وغيره
للإطلاق (5).
وهل يفرق بين الكل والبعض: ظاهر الرواية اعتبار الكل، لإفادة
الجمع المعرف، أو المضاف (6) العموم. واستقرب في الدروس عدم
الفرق، لصدق جز الشعر وشعرها عرفا بالبعض، وكذا الإشكال (7)
في إلحاق الحلق، الإحراق بالجز، من (8) مساواته له في المعنى واختاره
15

في الدروس. ومن (1) عدم النص وأصالة البراءة وبطلان القياس وعدم
العلم بالحكمة (2) الموجبة للإلحاق، وكذا إلحاق جزه في غير المصاب به (3)
من عدم النص، واحتمال الأولوية، وهي ممنوعة (4).
(وفي نتفه) أي نتف شعرها، (أو خدش وجهها، أو شق الرجل
ثوبه في موت ولده، أو زوجته كفارة يمين على قول الأكثر) ومنهم
المصنف في الدروس جازما به من غير نقل خلاف، وكذلك العلامة
في كثير من كتبه. ونسبته هنا إلى القول يشعر بتوقفه فيه وهو المناسب
لأن مستنده الرواية التي دلت على الحكم السابق (5)، والمصنف اعترف
بضعفها في الدروس، وليس بين المسألتين فرق إلا تحقق الخلاف في الأولى
دون هذه (6). والكلام في نتف بعض الشعر كما سبق (7).
ولا فرق بين الولد للصلب وولد الولد وإن نزل ذكرا، أو أنثى
لذكر. وفي ولد الأنثى قولان (8) أجودهما عدم اللحوق، ولا في الزوجة
16

بين الدائم والمتمتع بها - والمطلقة رجعيا زوجة، ولا يلحق بها الأمة
وإن كانت سرية (1)، أو أم ولد. ويعتبر في الخدش الإدماء كما صرحت
به الرواية (2) وأطلق الأكثر، وصرح جماعة منهم العلامة في التحرير
بعدم الاشتراط، والمعتبر منه مسماه (3) فلا يشترط استيعاب الوجه،
ولا شق جميع الجلد.
ولا يلحق به خدش غير الوجه وإن أدمى، ولا لطمه مجردا، ويعتبر
في الثوب مسماه عرفا، ولا فرق فيه بين الملبوس وغيره (4)، ولا بين
شقه ملبوسا ومنزوعا، ولا بين استيعابه بالشق وعدمه، ولا كفارة بشقه
على غير الولد والزوجة، وأجازه (5) جماعة على الأب والأخ لما نقل
من شق بعض الأنبياء والأئمة عليهم السلام فيهما (6)، ولا في شق المرأة
على الميت مطلقا (7) وإن حرم.
(وقيل: من تزوج امرأة في عدتها فارقها وكفر بخمسة أصوع
17

دقيقا) نسب ذلك إلى القول متوقفا فيه، وجزم به في الدروس ومستنده
رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1)، وهي مع تسليم سندها
لا تصريح فيها بالوجوب فالقول بالاستحباب أوجه (2)، وفي الرواية (3)
تصريح بالعالم، وأطلق الأكثر ولا حجة في لفظ الكفارة على اختصاصها
بالعالم (4)، ولا فرق في العدة بين الرجعية والبائن، وعدة الوفاة وغيرها (5)
وفي حكمها ذات البعل وهو مصرح في الرواية (6)، ولا بين المدخول بها
وغيرها والدقيق في الرواية والفتوى مطلق (7). وربما قيل باختصاصه
بنوع يجوز إخراجه كفارة وهو دقيق الحنطة والشعير.
(ومن نام عن صلاة العشاء حتى تجاوز نصف الليل أصبح صائما)
ظاهره كون ذلك على وجه الوجوب، لأنه مقتضى الأمر (8). وفي الدروس
18

نسب القول به إلى الشيخ، وجعل الرواية به مقطوعة (1)، وحينئذ (2)
فالاستحباب أقوى، ولا فرق بين النائم كذلك (3) عمدا وسهوا، وفي إلحاق
السكران به قول ضعيف (4)، وكذا من تعمد تركها (5)، أو نسيه (6)
من غير نوم، ولا يلحق به ناسي غيرها (7) قطعا، فلو أفطر ذلك اليوم
ففي وجوب الكفارة من حيث تعينه على القول بوجوبه، أولا (8) بناء
على أنه كفارة فلا كفارة (9) في تركها وجهان أجودهما الثاني (10) ولو سافر
فيه مطلقا (11) أفطره وقضاه، وكذا لو مرض، أو حاضت المرأة،
19

أو وافق العيد، أو أيام التشريق مع احتمال سقوطه حينئذ (1) ولو صادف
صوما متعينا تداخلا مع احتمال قضائه (2).
(وكفارة ضرب العبد فوق الجد) الذي وجب عليه بسبب ما فعله
من الذنب، أو مطلقا (3) (عتقه مستحبا) عند الأكثر. وقيل: وجوبا
وتردد المصنف في الدروس مقتصرا على نقل الخلاف، وقيل: المعتبر
تجاوز حد الحر، لأنه المتيقن والمتبادر عند الإطلاق، ولو قتله فكفارته
كغيره (4).
(وكفارة الإيلاء كفارة اليمين)، لأنه يمين خاص (5)، (ويتعين
العتق في المرتبة بوجودان الرقبة ملكا، أو تسبيبا) كما لو ملك الثمن ووجد
الباذل لها زيادة (6) على داره وثيابه اللائقين بحاله، وخادمه اللائق به،
أو المحتاج إليه، وقوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي النفقة، ووفاء دينه
وإن لم يطالب به. نعم لو تكلف العادم العتق أجزأه، إلا مع مطالبة
الديان، للنهي عن العتق حينئذ (7) وهو عبادة، والعبرة بالقدرة عند العتق
لا الوجوب.
20

(ويشترط فيها الإسلام) وهو الإقرار بالشهادتين مطلقا (1) على الأقوى
وهو المراد من الإيمان المطلوب في الآية (2)، ولا يشترط الإيمان الخاص
وهو الولاء على الأظهر. وطفل أحد المسلمين بحكمه، وإسلام الأخرس بالإشارة، وإسلام
المسبي بالغا بالشهادتين، وقبله بانفراد المسلم به (3) عند المصنف وجماعة
وولد الزنا بهما بعد البلوغ (4)، وبتبعية (5) السابي على القول.
وفي تحققه (6) بالولادة من المسلم (7) وجهان، من (8) انتفاءه شرعا.
وتولده (9).
21

منه حقيقة فلا يقصر عن السابي، والأول أقوى (1).
(والسلامة من) العيوب الموجبة للعتق وهي: (العمى والإقعاد.
والجذام والتنكيل) الصادر عن مولاه، وهو أن يفعل به فعلا فظيعا
بأن يجدع أنفه، أو يقلع أذنيه ونحوه (2) لانعتاقه بمجرد حصول هذه
الأسباب على المشهور (3)، فلا يتصور إيقاع العتق عليه ثانيا.
ولا يشترط سلامته من غيرها من العيوب فيجزي الأعور، والأعرج،
والأقرع، والخصي، والأصم (4). ومقطوع أحد الأذنين واليدين
ولو مع إحدى الرجلين، والمريض وإن مات في مرضه، والهرم (5)،
والعاجز عن تحصيل كفايته، وكذا من تشبث بالحرية مع بقائه على الملك
كالمدبر (6) وأم الولد وإن لم يجز بيعها، لجواز تعجيل عتقها (7)،
22

وفي إجزاء المكاتب الذي لم يتحرر منه شئ قولان (1). وإجزاؤه
لا يخلو من قوة، دون المرهون إلا مع إجازة المرتهن، والمنذور (2)
عتقه والصدقة (3) به (4) وإن كان معلقا بشرط لم يحصل (5) بعد
على قول رجحه المصنف في الدروس (6).
(والخلو عن العوض) فلو أعتقه وشرط عليه عوضا لم يقع
عن الكفارة، لعدم تمحض القربة. وفي انعتاقه بذلك نظر (7) وقطع
المصنف في الدروس بوقوعه، وكذا لو قال له غيره: أعتقه عن كفارتك
ولك علي كذا، واعترف المصنف هنا بعدم وقوع العتق مطلقا (8)،
23

نعم لو أمره بعتقه عن الآمر بعوض، أو غيره أجزأ (1)، والنية هنا
من الوكيل، ولا بد من الحكم بانتقاله إلى ملك الآمر ولو لحظة، لقوله
صلى الله عليه وآله " لا عتق إلا في ملك " (2) وفي كونه هنا قبل العتق
أو عند الشروع فيه، أو بعد وقوع الصيغة ثم يعتق، أو بكون العتق
كاشفا عن ملكه بالأمر أوجه (3) والوجه انتقاله بالأمر المقترن بالعتق.
(والنية) المشتملة على قصد الفعل على وجهه (4) متقربا، والمقارنة (5)
للصيغة، (والتعيين للسبب) الذي يكفر عنه، سواء تعددت الكفارة
في ذمته أو لا، وسواء تغاير الجنس (6) أم لا كما يقتضيه الإطلاق (7)
وصرح به في الدروس ووجهه أن الكفارة اسم مشترك بين أفراد مختلفة،
24

والمأمور به إنما يتخصص بمميزاته عن غيره مما يشاركه.
ويشكل بأنه مع اتخاذها في ذمته لا اشتراك، فتجزي نيته عما
في ذمته من الكفارة، لأن غيره ليس مأمورا به، بل ولا يتصور وقوعه
منه في تلك الحالة شرعا، فلا وجه للاحتراز عنه كالقصر والتمام (1)
في غير موضع التخيير.
والأقوى أن المتعدد في ذمته مع اتحاد نوع سببه كإفطار يومين
من شهر رمضان، وخلف نذرين كذلك (2) نعم لو اختلفت أسبابه توجه
ذلك (3) ليحصل التمييز وإن اتفق مقدار الكفارة، وقيل: لا يفتقر إليه
مطلقا (4).
وعلى ما اخترناه لو أطلق (5) برأت ذمته من واحدة لا بعينها فيتعين
في الباقي الإطلاق سواء كان بعتق أم غيره من الخصال المخيرة، أو المرتبة
على تقدير العجز (6)، ولو شك في نوع ما في ذمته أجزأه الإطلاق
عن الكفارة على القولين (7)، كما يجزيه العتق عما في ذمته لو شك بين
كفارة ونذر، ولا يجزي ذلك (8).
25

في الأول كما لا يجزي العتق مطلقا (1) ولا بنية الوجوب.
(ومع العجز) عن العتق في المرتبة (يصوم شهرين متتابعين) هلاليين
وإن نقصا إن ابتدأ من أوله، ولو ابتدأ من أثنائه أكمل ما بقي منه
ثلاثين (2) بعد الثاني، وأجزأه الهلالي في الثاني (3)، ولو اقتصر هنا (4)
على شهر ويوم تعين العددي فيهما، والمراد بالتتابع أن لا يقطعهما ولو
في شهر ويوم بالإفطار اختيارا ولو بمسوغه كالسفر، ولا يقطعه غيره (5)
كالحيض والمرض والسفر الضروري (6) والواجب، بل يبني على ما مضى
عند زوال العذر على الفور هذا إذا فاجأه السفر (7).
أما لو علم به قبل الشروع لم يعذر للقدرة على التتابع في غيره، كما
لو علم بدخول العيد، بخلاف الحيض، للزومه في الطبيعة عادة (8)،
والصبر إلى سن اليأس تغرير (9) بالواجب، وإضرار بالمكلف، وتجب
26

فيه النية، والتعيين كالعتق، وما يعتبر (1) في نيته، ولو نسيها ليلا جددها
إلى الزوال فإن استمر إليه لم يجز ولم يقطع التتابع على الأقوى (2).
(ومع العجز) عن الصيام (يطعم ستين مسكينا) فيما يجب فيه
ذلك ككفارة شهر رمضان، وقتل الخطأ، والظهار، والنذر لا مطلق
المرتبة، فإنه في كفارة إفطار قضاء رمضان، وكفارة اليمين إطعام عشرة
وأطلق الحكم اتكالا على ما علم (3) (إما إشباعا) في أكلة واحدة،
(أو تسليم مد إلى كل واحد على أصح القولين) فتوى وسندا (4) وقيل
مدان مطلقا (5)، وقيل: مع القدرة، ويتساوى في التسليم الصغير والكبير
من حيث القدر وإن كان الواجب في الصغير تسليم الولي، وكذا في الإشباع
إن اجتمعوا ولو انفرد الصغار (6) احتسب الاثنان بواحد ولا يتوقف (7)
على إذن الولي.
ولا فرق بين أكل الصغير كالكبير، ودونه، لإطلاق النص (8)
وندوره (9)، والظاهر أن المراد بالصغير غير البالغ مع احتمال الرجوع
27

إلى العرف (1)، ولو تعذر العدد (2) في البلد وجب النقل إلى غيره
مع الإمكان، فإن تعذر كرر على الموجودين في الأيام بحسب المتخلف (3).
والمراد بالمسكين هنا من لا يقدر على تحصيل قوت سنته فعلا وقوة (4)
فيشمل الفقير، ولا يدخل الغارم (5) وإن استوعب دينه ماله، ويعتبر
فيه الإيمان وعدم وجوب نفقته على المعطي، أما على غيره فهو غني
مع بذل المنفق، وإلا فلا (6).
وبالطعام مسماه (7) كالحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما وما يغلب
على قوت البلد، ويجزي التمر والزبيب مطلقا (8)، ويعتبر كونه سليما
من العيب والمزج بغيره، فلا يجزي المسوس (9)، والممتزج بزوان (10)
28

وتراب غير معتادين (1)، والنية مقارنة للتسليم إلى المستحق، أو وكيله،
أو وليه، أو بعد وصوله إليه قبل إتلافه، أو نقله (2) عن ملكه،
أو للشروع (3) في الأكل، ولو اجتمعوا فيه (4) ففي الاكتفاء بشروع
واحد، أو وجوب تعددها مع اختلافهم فيه وجهان (5).
(وإذا كسى الفقير فثوب) في الأصح (6)، والمعتبر مسماه من إزار (7)
ورداء (8)، وسراويل (9)، وقميص (10) (ولو غسيلا (11) إذا لم ينخرق)
29

أو ينسحق (1) جدا بحيث لا ينتفع به إلا قليلا وفاقا للدروس، وجنسه
القطن والكتان والصوف والحرير الممتزج والخالص للنساء (2) وغير (3)
البالغين، دون الرجال والخناثى (4)، والفرو والجلد المعتاد (5) لبسه
والقنب (6) والشعر كذلك (7)، ويكفي ما يسمى ثوبا للصغير وإن كانوا
منفردين (8)، ولا يتكرر على الموجودين لو تعذر العدد مطلقا (9)، لعدم
النص (10) مع احتماله (11).
(وكل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز عن صومهما)
أجمع (صام ثمانية عشر يوما) وإن قدر على صوم أزيد منها، (فإن عجز)
عن صوم الثمانية عشر أجمع (تصدق عن كل يوم) من الثمانية عشر (بمد)
30

من طعام، وقيل: عن الستين، ويضعف بسقوط حكمها (1) قبل ذلك (2)
وكونه (3) خلاف المتبادر (4)، وعدم (5) صحته (6) في الكفارة المخيرة،
لأن القادر على إطعام الستين يجعله (7) أصلا لا بدلا، بل لا يجزيه الثمانية
عشر مع قدرته على إطعام الستين، لأنها (8) بدل اضطراري، وهو (9)
31

بدل اختياري، (فإن عجز) عن إطعام القدر المذكور (1) وإن قدر
على بعضه (2) (استغفر الله تعالى) ولو مرة بنية الكفارة.
32

كتاب النذر
33

كتاب النذر وتوابعه
من العهد واليمين (وشرط الناذر الكمال) بالبلوغ والعقل، (والاختيار
والقصد) إلى مدلول الصيغة، (والإسلام، والحرية) فلا ينعقد نذر الصبي
والمجنون مطلقا (1)، ولا المكره، ولا غير القاصد كموقع (2) صيغته
عابثا، أو لاعبا، أو سكران (3)، أو غاضبا غضبا يرفع قصده إليه (4)
ولا الكافر مطلقا (5)، لتعذر القربة على وجهها (6) منه وإن استحب
له الوفاء به لو أسلم، ولا نذر المملوك (7)، (إلا أن يجيز المالك) قبل
35

إيقاع صيغته، أو بعده على المختار عند المصنف، (أو تزول الرقية) قبل
الحل (1) لزوال المانع.
والأقوى وقوعه بدون الإذن باطلا (2)، لنفي ماهيته في الخبر (3)
المحمول على نفي الصحة (4)، لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة حيث لا يراد
نفيها، وعموم الأمر بالوفاء بالنذر مخصوص بنذر المذكور (5)، كما دل
36

عليه الخبر (1) لا بنذره مع النهي (2) (وإذن الزوج كإذن السيد) في اعتبار
توقفه عليها (3) سابقا، أو لحوقها له قبل الحل، أو ارتفاع الزوجية قبله (4)
ولم يذكر توقف نذر الولد على إذن الوالد، لعدم النص الدال عليه هنا،
37

وإنما ورد في اليمين (1) فيبقى على أصالة (2) الصحة.
وفي الدروس الحقه بهما (3) لإطلاق اليمين في بعض الأخبار على النذر
كقول الكاظم عليه السلام لما سئل عن جارية حلف منها بيمين فقال:
لله علي أن لا أبيعها فقال: ف (4) لله بنذرك (5)، والإطلاق وإن كان
من كلام السائل إلا أن تقرير الإمام له عليه كتلفظه به (6)، ولتساويهما (7)
في المعنى، وعلى (8) هذا لا وجه لاختصاص الحكم بالولد، بل يجب
38

في الزوجة مثله (1)، لاشتراكهما في الدليل نفيا وإثباتا.
أما المملوك فيمكن اختصاصه (2) بسبب الحجر عليه، والعلامة
اقتصر عليه هنا (3) وهو أنسب، والمحقق شرك بينه وبين الزوجة في الحكم
كما هنا (4)، وترك الولد وليس بوجه (5).
(والصيغة: إن كان كذا فلله علي كذا) هذه صيغة النذر المتفق
عليه بواسطة الشرط (6)، يستفاد من الصيغة أن القربة المعتبرة في النذر
إجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره (7) من العبادات، بل يكفي
39

تضمن الصيغة لها، وهو هنا موجود بقوله: لله علي وإن لم يتبعها بعد ذلك
بقوله: قربة إلى الله أو لله ونحوه (1)، وبهذا (2) صرح في الدروس
وجعله أقرب، وهو الأقرب.
ومن لا يكتفي بذلك (3) ينظر إلى أن القربة غاية للفعل فلا بد
من الدلالة عليها، وكونها شرطا للصيغة والشرط مغاير للمشروط (4)،
ويضعف (5) بأن القربة كافية بقصد الفعل لله في غيره كما أشرنا،
40

وهو هنا حاصل، والتعليل لازم (1)، والمغايرة (2) متحققة، لأن الصيغة
بدونها إن كان كذا فعلي كذا، فإن الأصل في النذر الوعد بشرط
فتكون إضافة لله خارجة.
(وضابطه) أي ضابط النذر والمراد منه هنا المنذور (3) وهو الملتزم
بصيغة النذر (أن يكون طاعة (4)) واجبا كان، أو مندوبا، (أو مباحا (5)
راجحا) في الدين، أو الدنيا (6)، فلو كان متساوي الطرفين، أو مكروها
41

أو حراما التزم فعلهما (1) لم ينعقد وهو في الأخيرين وفاقي، وفي المتساوي
قولان، فظاهره هنا بطلانه، وفي الدروس رجح صحته، وهو (2) أجود.
هذا إذا لم يشتمل على شرط، وإلا فسيأتي اشتراط كونه طاعة لا غير (3)
وفي الدروس ساوى بينهما (4) في صحة المباح الراجح والمتساوي. والمشهور
ما هنا.
(مقدورا للناذر) بمعنى صلاحية تعلق قدرته به عادة في الوقت المضروب له فعلا، أو قوة (5)، فإن كان وقته معينا اعتبرت فيه،
وإن كان مطلقا (6) فالعمر.
واعتبرنا ذلك (7).
42

مع كون المتبادر القدرة الفعلية (1) لأنها (2) غير مرادة لهم،
كما صرحوا به كثيرا، لحكمهم بأن من نذر الحج وهو عاجز عنه
بالفعل، لكنه يرجو القدرة ينعقد نذره ويتوقعها في الوقت،
فإن خرج (3) وهو عاجز بطل (4)، وكذا (5) لو نذر الصدقة بمال
وهو فقير، أو نذرت الحائض الصوم مطلقا، أو في وقت يمكن فعله
فيه بعد الطهارة وغير ذلك (6)، وإنما أخرجوا بالقيد الممتنع (7) عادة
كنذر الصعود إلى السماء، أو عقلا كالكون في غير حيز، والجمع بين
الضدين، أو شرعا كالاعتكاف جنبا مع القدرة (8) على الغسل، وهذا
43

القسم (1) يمكن دخوله في كونه طاعة، أو مباحا، فيخرج به (2)،
أو بهما.
(والأقرب احتياجه إلى اللفظ) فلا يكفي النية في انعقاده، وإن استحب
الوفاء به، لأنه (3) من قبيل الأسباب، والأصل فيها (4) اللفظ الكاشف
عما في الضمير، ولأنه (5) في الأصل وعد بشرط، أو بدونه، والوعد
لفظي، والأصل عدم النقل، وذهب جماعة منهم الشيخان إلى عدم اشتراطه
للأصل (6)، وعموم الأدلة (7)، ولقوله صلى الله عليه وآله: إنما الأعمال
44

بالنيات (1)، وإنما لكل امرئ ما نوى (2) وإنما للحصر، والباء (3)
سببية فدل على حصر السببية فيها، واللفظ إنما اعتبر في العقود ليكون
دالا على الإعلام بما في الضمير، والعقد هنا مع الله العالم بالسرائر وتردد
المصنف في الدروس، والعلامة في المختلف، ورجح في غيره الأول (4).
(و) كذلك (5) الأقرب (انعقاد التبرع) به من غير شرط،
لما مر من الأصل والأدلة (6) المتناولة له.
وقول بعض أهل اللغة أنه وعد بشرط والأصل عدم النقل معارض
بنقله (7) أنه بغير شرط أيضا، وتوقف المصنف في الدروس والصحة
45

أقوى (1).
(ولا بد من كون الجزاء طاعة) إن كان نذر (2) مجازاة بأن يجعله
أحد العبادات المعلومة، فلو كان مرجوحا، أو مباحا (3) لم ينعقد لقول
الصادق عليه السلام في خبر أبي الصباح الكناني (4): ليس النذر بشئ
حتى يسمي شيئا لله صياما، أو صدقة، أو هديا، أو حجا، إلا أن هذا
الخبر يشمل المتبرع به من غير شرط والمصنف لا يقول به (5)، وأطلق
الأكثر اشتراط كونه طاعة، وفي الدروس استقرب في الشرط والجزاء
جواز تعلقهما بالمباح (6)، محتجا بالخبر السابق في بيع الجارية (7) والبيع
مباح إلا أن يقترن بعوارض مرجحة.
(و) كون (الشرط) وهو ما علق الملتزم به عليه (سائغا) سواء
كان راجحا، أم مباحا (إن قصد) بالجزاء (الشكر) كقوله: إن حججت
أو رزقت ولدا، أو ملكت كذا فلله علي كذا، من أبواب الطاعة،
(وإن قصد الزجر) عن فعله (اشترط كونه معصية، أو مباحا راجحا
46

فيه المنع) كقوله: إن زنيت أو بعت داري مع مرجوحيته فلله علي
كذا، ولو قصد في الأول (1) الزجر، وفي الثاني (2) الشكر لم ينعقد،
والمثال واحد، وإنما الفارق القصد، والمكروه كالمباح المرجوح (3) وإن
لم يكنه (4) فكان عليه أن يذكره (5)، ولو انتفى القصد في القسمين (6)
لم ينعقد لفقد الشرط (7). ثم الشرط إن كان من فعل الناذر فاعتبار
كونه سائغا واضح، وإن كان من فعل الله كالولد والعافية ففي إطلاق
47

الوصف (1) عليه تجوز (2)، وفي الدروس اعتبر صلاحيته (3)، لتعلق
الشكر به وهو حسن.
(والعهد - كالنذر) في جميع هذه الشروط والأحكام (وصورته
عاهدت الله، أو علي عهد الله) أن أفعل كذا، أو أتركه، أو إن فعلت
كذا، أو تركته، أو رزقت كذا فعلي كذا على الوجه المفصل في الأقسام
والخلاف في انعقاده بالضمير (4)، ومجردا عن الشرط مثله (5).
(واليمين - هي الحلف بالله) أي بذاته تعالى من غير اعتبار اسم
من أسمائه (6) (كقوله: ومقلب القلوب والأبصار والذي نفسي بيده،
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة (7)، لأن المقسم به فيها مدلول المعبود
بالحق إله من في السماوات والأرض من غير أن يجعل (8) اسما لله تعالى
(أو) الحلف (باسمه) تعالى المختص به (كقوله: والله وتالله وبالله
48

وأيمن الله) بفتح الهمزة وكسرها مع ضم النون وفتحها (1)، وكذا
ما اقتطع (2) منها للقسم، وهو سبع عشرة صيغة (3)، (أو أقسم بالله،
49

أو بالقديم) بالمعنى المتعارف اصطلاحا (1) وهو الذي لا أول لوجوده،
(أو الأزلي (2) أو الذي لا أول لوجوده).
وما ذكره هنا تبعا للعلامة والمحقق قد استضعفه (3) في الدروس
بأن مرجع القسم الأول (4) إلى أسماء تدل على صفات الأفعال كالخالق
والرازق التي هي أبعد من الأسماء الدالة على صفات الذات كالرحمن والرحيم
التي هي دون اسم الذات وهو الله جل اسمه، بل هو الاسم الجامع،
وجعل (5) الحلف بالله هو قوله: والله وبالله وتالله بالجر وأيمن الله،
وما اقتضب (6) منها.
وفيه أن هذه السمات (7)
50

المذكورة في القسم الأول (1) لا تتعلق بالأسماء المختصة، ولا المشتركة،
لأنها ليست موضوعة للعلمية، وإنما هي دالة على ذاته بواسطة الأوصاف
الخاصة (2) به، بخلاف غيرها من الأسماء فإنها موضوعة للإسمية ابتداء،
فكان ما ذكروه أولى مما تعقب به (3). نعم لو قيل: بأن الجميع حلف
بالله من غير اعتبار اسم جمعا بين ما ذكرناه وحققه من أن الله جل
اسمه هو الاسم الجامع (4)، ومن ثم رجعت الأسماء إليه ولم يرجع (5)
إلى شئ منها، فكان كالذات (6) كان حسنا (7)، ويراد بأسمائه
ما ينصرف إطلاقها إليه من الألفاظ الموضوعة للإسمية وإن أمكن فيها
المشاركة حقيقة أو مجازا كالقديم والأزلي والرحمن والرب والخالق والباري
والرازق (8).
51

(ولا ينعقد بالموجود والقادر والعالم) والحي والسميع والبصير وغيرها
من الأسماء المشتركة بينه وبين غيره من غير أن تغلب عليه وإن نوى بها
الحلف، لسقوط حرمتها بالمشاركة.
(ولا بأسماء المخلوقات الشريفة) كالنبي والأئمة والكعبة والقرآن لقوله
صلى الله عليه وآله: من كان حالفا فليحلف بالله، أو ليذر (1).
(واتباع مشيئة الله تعالى) لليمين (يمنع الانعقاد) وإن علمت
مشيئته لمتعلقه (2) كالواجب والمندوب على الأشهر (3)، مع اتصالها به (4)
عادة، ونطقه (5) بها (6)، ولا يقدح التنفس والسعال، وقصده (7)
إليها (8) عند النطق بها (9) وإن انتفت عند اليمين (10).
52

دون العكس (1) ولا فرق بين قصد التبرك، والتعليق هنا (2)، لإطلاق
النص، وقصره العلامة على ما لا تعلم مشيئة الله فيه كالمباح، دون
الواجب، والندب، وترك الحرام، والمكروه والنص مطلق (3)، والحكم
نادر.
وتوجيهه حسن، لكنه غير مسموع في مقابلة النص.
(والتعليق على مشيئة الغير يحبسها (4)، ويوقفها على مشيئته إن
علق عقدها عليه (5) كقوله: لأفعلن كذا إن شاء زيد، فلو جهل
الشرط لم ينعقد (6)، ولو أوقف حلها عليه (7) كقوله: إلا أن يشاء
53

زيد انعقدت ما لم يشأ حلها (1)، فلا تبطل إلا أن يعلم الشرط (2)،
وكذا في جانب النفي كقوله: لا أفعل إن شاء زيد، أو إلا أن يشاء (3)
فيتوقف انتفاؤه (4) على مشيئته في الأول (5)، وينتفي بدونها في الثاني (6)
فلا يحرم الفعل قبل مشيئته، ولا يحل قبلها (7).
(ومتعلق اليمين كمتعلق النذر) في اعتبار كونه طاعة، أو مباحا
راجحا دينا، أو دنيا، أو متساويا، إلا أنه لا إشكال هنا (8) في تعلقها
54

بالمباح، ومراعاة الأولى فيها (1)، وترجيح مقتضى اليمين عند التساوي.
وظاهر عبارته هنا عدم انعقاد المتساوي، لإخراجه (2) من ضابط
النذر، مع أنه لا خلاف فيه هنا (3) كما اعترف به في الدروس،
والأولوية متبوعة (4) ولو طرأت بعد اليمين (5)، فلو كان البر (6) أولى
في الابتداء ثم صارت المخالفة أولى اتبع (7) ولا كفارة، وفي عود اليمين
55

بعودها (1) بعد انحلالها (2) وجهان (3)، أما لو لم ينعقد ابتداء
للمرجوحية لم تعد (4) وإن تجددت بعد ذلك (5) مع احتماله (6).
واعلم أن الكفارة تجب بمخالفة مقتضى الثلاثة (7) عمدا اختيارا،
فلو خالف ناسيا، أو مكرها، أو جاهلا فلا حنث، لرفع الخطأ والنسيان
56

وما استكرهوا عليه، وحيث تجب الكفارة (1) تنحل (2) وهل تنحل
في الباقي (3) وجهان، واستقرب المصنف في قواعده الانحلال، لحصول
المخالفة وهي (4) لا تتكرر كما لو تغمد (5) وإن افترقا (6) بوجوب
الكفارة وعدمها (7).
57

كتاب القضاء
59

كتاب القضاء (1)
أي الحكم بين الناس (وهو) واجب كفاية في حق الصالحين له،
إلا أنه مع حضور الإمام (وظيفة الإمام عليه السلام، أو نائبه) فيلزمه
نصب قاض في الناحية ليقوم به، ويجب على من عينه الإجابة، ولو لم
يعين وجبت كفاية، فإن لم يكن أهلا إلا واحد تعينت عليه، ولو لم
يعلم به الإمام لزمه (2).
61

الطلب، وفي استحبابه مع التعدد عينا (1) قولان أجودهما ذلك مع الوثوق
من نفسه بالقيام به.
(وفي الغيبة ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء) وهي البلوغ
والعقل والذكورة والإيمان والعدالة وطهارة المولد إجماعا، والكتابة والحرية
والبصر على الأشهر (2)، والنطق وغلبة الذكر (3)، والاجتهاد
في الأحكام الشرعية وأصولها، ويتحقق بمعرفة المقدمات الست وهي الكلام،
والأصول، والنحو، والتصريف، ولغة العرب، وشرائط الأدلة (4)،
والأصول (5) الأربعة وهي الكتاب، والسنة، والإجماع، ودليل العقل.
والمعتبر من الكلام ما يعرف به الله تعالى، وما يلزمه من صفات
الجلال والإكرام وعدله وحكمته، ونبوة نبينا صلى الله عليه وآله وعصمته
وإمامة الأئمة عليهم السلام كذلك (6)، ليحصل الوثوق بخبرهم، ويتحقق
الحجة به، والتصديق (7) بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله من أحوال
الدنيا والآخرة، كل ذلك بالدليل التفصيلي.
ولا يشترط الزيادة على ذلك بالاطلاع على ما حققه المتكلمون
62

من أحكام الجواهر والأعراض، وما اشتملت عليه كتبه من الحكمة
والمقدمات، والاعتراضات، وأجوبة الشبهات وإن وجب معرفته كفاية
من جهة أخرى (1)، ومن (2) ثم صرح جماعة من المحققين بأن الكلام ليس
شرطا في التفقه، فإن ما يتوقف عليه منه مشترك بين سائر المكلفين.
ومن الأصول ما يعرف به أدلة الأحكام من الأمر والنهي،
والعموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، والإجمال والبيان وغيرها مما
اشتملت عليه مقاصده، ومن النحو والتصريف ما يختلف المعنى باختلافه
ليحصل بسببه معرفة المراد من الخطاب (3)، ولا يعتبر الاستقصاء فيه
على الوجه التام، بل يكفي الوسط منه فما دون، ومن اللغة ما يحصل به
فهم كلام الله ورسوله ونوابه عليهم السلام بالحفظ، أو الرجوع إلى أصل
مصحح يشتمل على معاني الألفاظ المتداولة في ذلك.
ومن شرائط الأدلة معرفة الأشكال الاقترانية، والاستثنائية،
وما يتوقف عليه من المعاني المفردة وغيرها، ولا يشترط الاستقصاء في ذلك
بل يقتصر على المجزئ منه، وما زاد عليه فهو مجرد تضييع للعمر،
وترجئة (4) للوقت.
والمعتبر من الكتاب الكريم معرفة ما يتعلق بالأحكام وهو نحو
63

من خمسمائة آية، إما بحفظها، أو فهم مقتضاها ليرجع إليها متى شاء،
ويتوقف على معرفة الناسخ منها من المنسوخ، ولو بالرجوع إلى أصل
يشتمل عليه.
ومن السنة جميع ما اشتمل منها على الأحكام، ولو في أصل مصحح
رواه عن عدل بسند متصل إلى النبي والأئمة، ويعرف الصحيح (1)
منها والحسن (2)، والموثق (3) والضعيف (4)، والموقوف (5)
والمرسل (6)، والمتواتر (7) والآحاد (8)، وغيرها من الاصطلاحات
التي دونت في رواية الحديث، المفتقر إليها في استنباط الأحكام،
64

وهي (1) أمور اصطلاحية توقيفية، لا مباحث علمية، ويدخل في أصول
الفقه معرفة أحوالها (2) عند التعارض وكثير من أحكامها (3)،
ومن الإجماع والخلاف أن يعرف أن ما يفتي به لا يخالف الإجماع، إما
بوجود موافق من المتقدمين، أو بغلبة ظنه على أنه واقعة متجددة لم يبحث
عنها السابقون بحيث حصل فيها أحد الأمرين (4)، لا معرفة كل مسألة
أجمعوا عليها، أو اختلفوا، ودلالة العقل من الاستصحاب والبراءة
الأصلية وغيرهما داخلة في الأصول، وكذا معرفة ما يحتج به
من القياس (5)، بل يشتمل كثير من مختصرات أصول الفقه كالتهذيب
ومختصر الأصول لابن الحاجب على ما يحتاج إليه من شرائط الدليل
المدون في علم الميزان، وكثير من كتب النحو على ما يحتاج إليه
من التصريف.
65

نعم يشترط مع ذلك كله أن يكون له قوة يتمكن بها من رد الفروع
إلى أصولها واستنباطها منها. وهذه هي العمدة في هذا الباب،
وإلا فتحصيل تلك المقدمات قد صارت في زماننا سهلة لكثرة ما حققه
العلماء والفقهاء فيها، وفي بيان استعمالها، وإنما تلك القوة بيد الله تعالى
يؤتيها من يشاء من عباده على وفق حكمته ومراده، ولكثرة المجاهدة
والممارسة لأهلها مدخل عظيم في تحصيلها (1)، " والذين جاهدوا
فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين (2) ":
وإذا تحقق المفتي بهذا الوصف وجب على الناس الترافع إليه، وقبول
قوله، والتزام حكمه، لأنه منصوب من الإمام عليه السلام على العموم
بقوله: " انظروا إلى رجل منكم قد روى حديثنا، وعرف أحكامنا
فاجعلوه قاضيا فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه (3).
وفي بعض الأخبار: " فارضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما
فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما بحكم الله استخف، وعلينا رد،
والراد علينا راد على الله، وهو على حد الشرك بالله عز وجل (4) ".
66

(فمن عدل عنه إلى قضاة الجور كان عاصيا) فاسقا لأن ذلك
كبيرة عندنا، ففي مقبول عمر بن حنظلة السابق: " من تحاكم إلى طاغوت
فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا، لأنه أخذه بحكم الطاغوت،
وقد أمر الله أن يكفر بها ". ومثله كثير.
(وتثبت ولاية القاضي) المنصوب من الإمام (بالشياع) وهو
إخبار جماعة به يغلب على الظن صدقهم، (أو بشهادة عدلين) وإن لم
تكن بين يدي حاكم، بل يثبت بهما أمره عند كل من سمعهما، ولا يثبت
بالواحد، ولا بقوله وإن شهدت له القرائن، ولا بالخط مع أمن التزوير
مع احتماله.
(ولا بد) في القاضي المنصوب من الإمام (من الكمال) بالبلوغ،
والعقل، وطهارة المولد، (والعدالة)، ويدخل فيها الإيمان، (وأهلية
الإفتاء) بالعلم بالأمور المذكورة، (والذكورة، والكتابة) لعسر الضبط
بدونها (1) لغير النبي صلى الله عليه وآله، (والبصر)، لافتقاره
إلى التمييز بين الخصوم، وتعذر ذلك مع العمى في حق غير النبي، وقيل:
إنهما ليسا بشرط، لانتفاء الأول في النبي صلى الله عليه وآله، والثاني
في شعيب عليه السلام، ولإمكان الضبط بدونهما بالحفظ والشهود.
وبقي من الشرائط التي اعتبرها المصنف وغيره غلبة الحفظ، وانتفاء
الخرس والحرية على خلاف في الأخير ويمكن دخول الأول (2) في شرط
الكمال، وعدم اعتبار الأخير (3) هنا مع أنه قطع به (4) في الدروس،
67

وليس دخول الثاني (1) في الكمال أولى (2) من دخول البصر والكتابة
فكان اللازم ذكره، أو إدخال الجميع في الكمال.
وهذا الشرائط كلها معتبرة في القاضي مطلقا (3) (إلا في قاضي
التحكيم) وهو الذي تراضى به الخصمان ليحكم بينهما مع وجود قاض
منصوب من قبل الإمام عليه السلام وذلك في حال حضوره (4) فإن حكمه
ماض عليهما، وإن لم يستجمع جميع هذه الشرائط.
هذا مقتضى العبارة، ولكن ليس المراد أن يجوز خلوه (5) منها (6)
أجمع، فإن استجماعه لشرائط الفتوى شرط إجماعا، وكذا بلوغه، وعقله،
وطهارة مولده، وغلبة حفظه، وعدالته، وإنما يقع الاشتباه في الباقي
والمصنف في الدروس قطع بأن شروط قاضي التحكيم هي شروط القاضي
المنصوب أجمع من غير استثناء، وكذلك قطع به المحقق في الشرائع،
68

والعلامة في كتبه وولده فخر المحققين في الشرح، فإنه قال فيه (1)
التحكيم الشرعي هو أن يحكم الخصمان واحدا جامعا لشرائط الحكم
سوى نص من (2) له (3) توليته (4) شرعا عليه بولاية القضاء.
ويمكن حمل هذه العبارة (5) على ذلك (6) بجعله استثناء من اعتبار
جميع الشرائط كلها التي من جملتها توليته (7) المدلول عليه بقوله أولا (8)
أو نائبه، ثم قوله: وتثبت ولاية القاضي الخ، ثم ذكر باقي الشرائط
فيصير التقدير أنه يشترط في القاضي اجتماع ما ذكر إلا قاضي التحكيم
69

فلا يشترط فيه اجتماعه، لصحته (1) بدون التولية، وهذا هو الأنسب
بفتوى المصنف والأصحاب.
ويمكن على بعد أن يستثنى من الشرط المذكور أمر آخر بأن لا يعتبر
المصنف هنا فيه البصر والكتابة، لأن حكمه في واقعة، أو وقائع خاصة
يمكن ضبطها بدونهما، أو لا يجب عليه ضبطها، لأنه قاضي تراض
من الخصمين فقد قدما على ذلك، ومن أراد منهما ضبط ما يحتاج إليه
أشهد عليه، مع أن في الشرطين خلافا في مطلق القاضي، ففيه أولى
بالجواز، لانتفاء المانع الوارد في العام (2) بكثرة الوقائع، وعسر الضبط
بدونهما، وأما الذكورية فلم ينقل أحد فيها خلافا ويبعد اختصاص قاضي
التحكيم بعدم اشتراطها وإن كان محتملا، ولا ضرورة هنا إلى استثنائها (3)
لأن الاستثناء (4) هو المجموع لا الأفراد.
واعلم أن قاضي التحكيم لا يتصور في حال الغيبة مطلقا (5)، لأنه
إن كان مجتهدا نفذ حكمه بغير تحكيم، وإلا لم ينفذ حكمه مطلقا إجماعا،
وإنما يتحقق مع جمعه للشرائط حال حضوره عليه السلام وعدم نصبه كما
بيناه. وقد تحرر من ذلك: أن الاجتهاد شرط في القاضي في جميع الأزمان
والأحوال، وهو موضع وفاق. وهل يشترط في نفوذ حكم قاضي التحكيم
70

تراضي الخصمين به بعده (1) قولان: أجودهما العدم عملا بإطلاق
النصوص (2).
(ويجوز ارتزاق القاضي من بيت المال مع الحاجة) إلى الارتزاق
لعدم المال، أو الوصلة إليه، سواء تعين القضاء عليه أم لا، لأن بيت
المال معد للمصالح وهو من أعظمها. وقيل: لا يجوز مع تعينه عليه
لوجوبه، ويضعف بأن المنع حينئذ من الأجرة لا من الرزق، (ولا يجوز
الجعل (3)، ولا الأجرة (4) (من الخصوم)، ولا من غيرهم، لأنه
في معنى الرشا (5).
(والمرتزقة) من بيت المال (المؤذن، والقاسم (6)، والكاتب)
للإمام، أو لضبط بيت المال، أو الحجج (7)، ونحوها من المصالح،
(ومعلم القرآن والآداب) كالعربية، وعلم الأخلاق الفاضلة، ونحوها،
(وصاحب الديوان) الذي بيده ضبط القضاة والجند وأرزاقهم ونحوها
من المصالح، (ووالي بيت المال) الذي يحفظه ويضبطه ويعطي منه
71

ما يؤمر به ونحوه، وليس الارتزاق منحصرا فيمن ذكر، بل مصرفه
كل مصلحة من مصالح الإسلام ليس لها جهة غيره (1)، أو قصرت
جهتها (2) عنها (3).
(ويجب على القاضي التسوية بين الخصمين في الكلام، معهما،
(والسلام) عليهما، ورده (4) إذا سلما، (والنظر) إليهما، (و)
غيرها من (أنواع الإكرام) كالإذن في الدخول، والقيام، والمجلس (5)
وطلاقة الوجه، (والإنصات) لكلامهما، (والإنصاف) لكل منهما إذا
وقع منه (6) ما يقتضيه، هذا هو المشهور بين الأصحاب.
وذهب سلار والعلامة في المختلف إلى أن التسوية بينهما مستحبة عملا
بأصالة البراءة، واستضعافا لمستند الوجوب (7)، هذا إذا كانا مسلمين،
أو كافرين، (و) لو كان أحدهما مسلما والآخر كافرا كان (له أن يرفع
72

المسلم على الكافر في المجلس) رفعا صوريا، أو معنويا كقربه إلى القاضي (1)
أو على يمينه (2) كما جلس علي عليه السلام بجنب شريح في خصومة له
مع يهودي (3)، (وأن يجلس المسلم مع قيام الكافر). وهل تجب
التسوية بينهما (4) فيما عدا ذلك (5) ظاهر العبارة وغيرها ذلك (6)،
ويحتمل تعديه إلى غيره من وجوه الإكرام (7).
(ولا تجب التسوية) بين الخصمين مطلقا (8) (في الميل القلبي)،
إذ لا غضاضة (9) فيه على الناقص، ولا إدلال (10) للمتصف، لعدم
اطلاعهما، ولا غيرهما عليه. نعم تستحب التسوية فيه (11) ما أمكن.
(وإذا بدر أحد الخصمين بدعوى سمع منه) وجوبا تلك الدعوى
لا جميع ما يريده منها، ولو قال الآخر كنت أنا المدعي لم يلتفت إليه
73

حتى تنتهي تلك الحكومة، (ولو ابتدرا) معا (سمع من الذي على يمين
صاحبه) دعوى واحدة، ثم سمع دعوى الآخر لرواية محمد بن مسلم
عن الباقر عليه السلام (1)، وقيل: يقرع بينهما لورودها لكل مشكل (2)
وهذا منه، ومثله (3) ما لو تزاحم الطلبة عند مدرس والمستفتون عند
المفتي مع وجوب التعليم والإفتاء، لكن هنا يقدم الأسبق، فإن جهل،
أو جاءوا معا أقرع بينهم، ولو جمعهم على درس واحد مع تقارب
أفهامهم جاز، وإلا فلا (4)، (وإذا سكتا) فله أن يسكت حتى
يتكلما، وإن شاء (فليقل (5): ليتكلم المدعي منكما، أو تكلما)،
أو يأمر (6) من يقول: ذلك، (ويكره تخصيص أحدهما بالخطاب)
لما فيه من الترجيح الذي أقل مراتبه الكراهة.
(وتحرم الرشوة) بضم الراء وكسرها، وهو أخذه مالا من أحدهما
74

أو منهما، أو من غيرهما على الحكم، أو الهداية إلى شئ من وجوهه (1)
سواء حكم لباذلها بحق أم باطل. وعلى تحريمها إجماع المسلمين، وعن الباقر
عليه السلام، أنه الكفر بالله ورسوله (2) وكما تحرم على المرتشي تحرم
على المعطي، لإعانته على الإثم والعدوان، إلا أن يتوقف عليها تحصيل
حقه فتحرم على المرتشي خاصة (فتجب إعادتها) مع وجودها، ومع تلفها
المثل، أو القيمة، (وتلقين أحد الخصمين حجته) أو ما فيه ضرر
على خصمه، وإذا ادعى المدعي (فإن وضح الحكم لزمه القضاء، إذا
التمسه (3) المقضي له) فيقول: حكمت، أو قضيت، أو أنفذت،
أو مضيت، أو ألزمت، ولا يكفي ثبت عندي، أو أن دعواك ثابتة.
وفي أخرج إليه من حقه، أو أمره بأخذه العين، أو التصرف فيها قول
جزم به العلامة، وتوقف المصنف.
(ويستحب) له قبل الحكم (ترغيبهما في الصلح) فإن تعذر حكم
بمقتضى الشرع، فإن اشتبه أرجأ (4) حتى يتبين، وعليه الاجتهاد
في تحصيله، ويكره (إن يشفع) إلى المستحق (في إسقاط حق)،
أو إلى المدعي (في إبطال) دعوى، (أو يتخذ حاجبا وقت القضاء)
75

لنهي النبي صلى الله عليه وآله عنه (1) (أو يقضي مع اشتغال القلب
بنعاس، أوهم، أو غم، أو غضب، أو جوع)، أو شبع مفرطين
أو مدافعة الأخبثين، أو وجع ولو قضى مع وجود أحدهما نفذ.
القول في كيفية الحكم
(المدعي هو الذي يترك لو ترك) الخصومة وهو المعبر عنه بأنه
الذي يخلى وسكوته (2)، وقيل هو من يخالف قوله الأصل (3)،
أو الظاهر (4)، (والمنكر مقابله) في الجميع (5)، ولا يختلف موجبها
76

غالبا، كما إذا طالب زيد عمرا بدين في ذمته، أو عين في يده فأنكر
فزيد لو سكت ترك، ويخالف قوله الأصل، لأصالة براءة ذمة عمرو
من الدين، وعدم تعلق حق زيد بالعين، ويخالف قوله الظاهر من براءة
عمرو، وعمرو لا يترك، ويوافق قوله الأصل والظاهر. فهو مدعى عليه
وزيد مدع على الجميع (1).
وقد يختلف كما إذا أسلم زوجان قبل الدخول فقال الزوج: أسلمنا
معا فالنكاح باق، وقالت: مرتبا فلا نكاح. فهي على الأولين (2)
مدعية، لأنها لو تركت الخصومة لتركت واستمر النكاح المعلوم وقوعه (3)
والزوج لا يترك لو سكت عنها (4) لزعمها انفساخ النكاح، والأصل
عدم التعاقب (5).
77

لاستدعائه (1) تقدم أحد الحادثين على الآخر والأصل عدمه (2)،
وعلى الظاهر الزوج مدع، لبعد التساوق (3) فعلى الأولين (4) يحلف
الزوج (5) ويستمر النكاح (6) وعلى الثالث (7) تحلف المرأة ويبطل،
وكذا لو ادعى الزوج الإنفاق مع اجتماعهما (8) ويساره وأنكرته (9)،
فمعه (10) الظاهر، ومعها (11) الأصل.
وحيث عرف المدعي فادعى دعوى ملزمة معلومة جازمة قبلت
78

اتفاقا وإن تخلف الأول (1) كدعوى هبة غير مقبوضة، أو وقف
كذلك (2)، أو رهن عند مشترطه (3) لم تسمع وإن تخلف الثاني (4)
كدعوى شئ وثوب وفرس ففي سماعها قولان:
أحدهما وهو الذي جزم به المصنف في الدروس العدم، لعدم
فائدتها وهو حكم الحاكم بها لو أجاب المدعى عليه بنعم، بل لا بد من ضبط
المثلي بصفاته، والقيمي بقيمته، والأثمان بجنسها ونوعها وقدرها وإن كان
البيع وشبهه ينصرف إطلاقه إلى نقد البلد، لأنه إيجاب في الحال وهو غير
مختلف (5)، والدعوى إخبار عن الماضي وهو مختلف (6).
والثاني: وهو الأقوى السماع، لإطلاق الأدلة (7) الدالة على وجوب

(1) المائدة: الآية 250.
79

الحكم، وما ذكر (1) لا يصلح للتقييد، لإمكان الحكم بالمجهول،
فيحبس حتى يبينه كالإقرار (2)، ولأن المدعي ربما يعلم حقه بوجه ما
خاصة بأن يعلم أن له عنده ثوبا، أو فرسا، ولا يعلم شخصهما،
ولا صفتهما، فلو لم تسمع دعواه بطل حقه، فالمقتضي له موجود،
والمانع مفقود.
والفرق بين الإقرار والدعوى بأن المقر لو طولب بالتفصيل ربما
رجع، والمدعي لا يرجع لوجود داعي الحاجة فيه دونه غير كاف
في ذلك (3)، لما ذكرناه وإن تخلف الثالث (4) وهو الجزم بأن صرح
بالظن، أو الوهم ففي سماعها أوجه (5) أوجهها السماع فيما يعسر

(1) النساء: الآية 64.
(2) المائدة: الآية 45.
80

الاطلاع عليه كالقتل، والسرقة، دون المعاملات، وإن لم يتوجه على المدعي
هنا الحلف برد، ولا نكول، ولا مع شاهد، بل إن حلف المنكر،
أو أقر، أو نكل وقضينا به، وإلا وقفت الدعوى. إذا تقرر ذلك فإذا
ادعى دعوى مسموعة (1) طولب المدعى عليه بالجواب.
(وجواب المدعى عليه إما إقرار) بالحق المدعى به أجمع،
(أو إنكار) له أجمع، أو مركب منهما (2) فيلزمه حكمهما (3)،
(أو سكوت) وجعل السكوت جوابا مجاز شائع في الاستعمال فكثيرا
ما يقال، ترك الجواب جواب المقال، (فالإقرار يمضي) على المقر
(مع الكمال) أي كمال المقر على وجه يسمع إقراره بالبلوغ، والعقل
مطلقا، ورفع الحجر فيما يمتنع نفوذه به، وسيأتي تفصيله، فإن التمس
المدعي حينئذ الحكم حكم عليه فيقول: ألزمتك ذلك، أو قضيت
عليك به.
(ولو التمس) المدعي من الحاكم (كتابة إقراره كتب وأشهد
مع معرفته (4)، أو شهادة عدلين بمعرفته، أو اقتناعه بحليته (5))
لا بمجرد إقراره وإن صادقه المدعي، حذرا من تواطؤهما على نسب
81

لغيرهما، ليلزما ذا النسب بما لا يستحق عليه (1)، (فإن ادعى
الإعسار) وهو عجزه عن أداء الحق لعدم ملكه لما زاد عن داره وثيابه
اللائقة بحاله ودابته وخادمه كذلك (2)، وقوت يوم وليلة له ولعياله
الواجبي النفقة.
(وثبت صدقه) فيه (ببينة مطلعة على باطن أمره) مراقبة له
في خلواته، واجدة صبره على ما لا يصبر عليه واجد المال عادة حتى
ظهر لها قرائن الفقر، ومخايل (3) الإضاقة، مع شهادتها على نحو ذلك (4)
بما يتضمن الإثبات (5)، لا على النفي الصرف (6)، (أو بتصديق
خصمه) له على الإعسار، (أو كان أصل الدعوى بغير مال)، بل
جناية أوجبت مالا، أو إتلافا فإنه حينئذ يقبل قوله فيه (7)، لأصالة
عدم المال، بخلاف ما إذا كان أصل الدعوى مالا فإن أصالة بقائه تمنع
82

من قبول قوله، وإنما يثبت (1) إعساره بأحد الأمرين: البينة، أو تصديق
الغريم وظاهره أنه لا يتوقف مع البينة على اليمين وهو أجود القولين،
ولو شهدت البينة بالإعسار في القسم الثاني (2) فأولى بعدم اليمين،
وعلى تقدير كون الدعوى ليست مالا (وحلف) على الإعسار (ترك)
إلى أن يقدر، ولا يكلف التكسب في المشهور، وإن وجب عليه السعي
على وفاء الدين، (وإلا) يتفق ذلك بأن لم يقم بينة، ولا صادقه
الغريم مطلقا (3)، ولا حلف حيث لا يكون أصل الدعوى مالا (حبس)
وبحث عن باطن أمره (حتى يعلم حاله) فإن علم له مال أمر بالوفاء،
فإن امتنع باشره القاضي ولو ببيع ماله إن كان مخالفا للحق (4)، وإن علم
عدم المال، أو لم يف الموجود بوفاء الجميع أطلق بعد صرف الموجود.
(وأما الإنكار فإن كان الحاكم عالما) بالحق (قضى بعلمه)
مطلقا (5) على أصح القولين، ولا فرق بين علمه به في حال ولايته
ومكانها (6) وغيرهما، وليس له حينئذ طلب البينة من المدعي مع فقدها
83

قطعا، ولا مع وجودها على الأقوى وإن قصد (1) دفع التهمة، إلا
مع رضاء المدعي. والمراد بعلمه هنا العلم الخاص وهو الاطلاع الجازم،
لا بمثل وجود خطه به إذا لم يذكر الواقعة وإن أمن التزوير.
نعم لو شهد عنده عدلان بحكمه به ولم يتذكر فالأقوى جواز القضاء
كما لو شهدا بذلك (2) عند غيره. ووجه المنع إمكان رجوعه إلى العلم
لأنه (3) فعله، بخلاف شهادتهما عند الحاكم على حكم غيره فإنه يكفي
الظن، تنزيلا لكل باب على الممكن فيه (4)، ولو شهدا عليه (5)
بشهادته به، لا بحكمه فالظاهر أنه كذلك (6).
84

(وإلا) يعلم الحاكم بالحق (طلب البينة) من المدعي إن لم يكن (1)
عالما بأنه موضع المطالبة بها، وإلا جاز للحاكم السكوت، (فإن قال:
لا بينة لي عرفه أن له إحلافه، فإن طلبه) أي طلب إحلافه (حلفه
[الحاكم]، ولا يتبرع) الحاكم (بإحلافه)، لأنه حق للمدعي فلا
يستوفي بدون مطالبته وإن كان إيقاعه إلى الحاكم، فلو تبرع المنكر به،
أو استحلفه الحاكم من دون التماس المدعي لغى، (و) كذا (لا يستقل به
الغريم (2) من دون إذن الحاكم) لما قلناه: من أن إيقاعه موقوف على إذنه
وإن كان حقا لغيره، لأنه (3) وظيفته، (فإن حلف) المنكر على الوجه
المعتبر (سقطت الدعوى عنه) وإن بقي الحق في ذمته (وحرم مقاصته
به (4) لو ظفر له المدعي بمال وإن كان مماثلا لحقه، إلا أن يكذب
المنكر نفسه بعد ذلك (5).
(و) كذا (لا تسمع البينة) من المدعي (بعده) أي بعد حلف
المنكر على أصح الأقوال، لصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام
إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر بحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له
قبله وإن أقام بعد ما استحلفه خمسين قسامة، فإن اليمين قد أبطلت كل
ما ادعاه (6)، وغيرها من الأخبار. وقيل: تسمع بينته مطلقا (7)،
85

وقيل: مع عدم علمه بالبينة وقت تحليفه ولو بنسيانها. والأخبار حجة
عليهما (1).
(وإن لم يحلف) المدعى عليه (ورد اليمين) على المدعي (حلف
المدعي) إن كانت دعواه قطعية (2)، وإلا لم يتوجه الرد عليه كما مر (3)
وكذا لو كان المدعي وليا، أو وصيا فإنه لا يمين عليه وإن علم بالحال (4)
بل يلزم المنكر بالحلف فإن أبى حبس إلى أن يحلف، أو يقضى بنكوله
(فإن امتنع) المدعي من الحلف حيث يتوجه عليه (سقطت دعواه)
في هذا المجلس قطعا، وفي غيره على قول مشهور، إلا أن يأتي ببينة،
ولو استمهل أمهل، بخلاف المنكر، ولو طلب المدعي إحضار المال قبل
حلفه ففي إجابته قولان: أجودهما العدم، ومتى حلف المدعي ثبت حقه
لكن هل يكون حلفه كإقرار الغريم، أو كالبينة (5) قولان: أجودهما
الأول.
86

وتظهر الفائدة في مواضع كثيرة متفرقة في أبواب الفقه، (وإن نكل)
المنكر عن اليمين وعن ردها على المدعي بأن قال: أنا نأكل، أو قال:
لا أحلف عقيب قول الحاكم له: أحلف، أو لا أرد (ردت اليمين أيضا)
على المدعي بعد أن يقول الحاكم للمنكر: إن حلفت، وإلا جعلتك ناكلا
ورددت اليمين، مرة (1) ويستحب ثلاثا فإن حلف المدعي ثبت حقه،
وإن نكل فكما مر (2).
(وقيل) والقائل به الشيخان والصدوقان وجماعة: (يقضى)
على المنكر بالحق (بنكوله)، لصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق
عليه السلام أنه حكى عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنه ألزم
أخرس بدين ادعي (3) عليه فأنكر ونكل عن اليمين فألزمه بالدين
بامتناعه عن اليمين (4).
(والأول أقرب)، لأن النكول أعم من ثبوت الحق، لجواز تركه
87

إجلالا، ولا دلالة للعام (1) على الخاص (2)، ولما روي (3) عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه رد اليمين على صاحب الحق، وللأخبار (4) الدالة
على رد اليمين على المدعي من غير تفصيل، ولأن الحكم مبني على الاحتياط
التام، ولا يحصل إلا باليمين، وفي هذه الأدلة نظر بين.
(وإن قال) المدعي مع إنكار غريمه (لي بينة عرفه) الحاكم
(أن له إحضارها، وليقل: أحضرها إن شئت) إن لم يعلم ذلك (5)
(فإن ذكر غيبتها خيره بين إحلاف الغريم والصبر)، وكذا يتخير بين
إحلافه وإقامة البينة وإن كانت حاضرة، وليس له (6) طلب إحلافه،
ثم إقامة البينة، فإن طلب (7) إحلافه ففيه ما مر (8)، وإن طلب (9)
88

إحضارها أمهله إلى أن يحضر (1)، (وليس له (2) إلزامه (3) بكفيل)
للغريم، (ولا ملازمته (4) لأنه تعجيل عقوبة لم يثبت موجبها. وقيل:
له (5) ذلك (6)، (وإن أحضرها وعرف الحاكم العدالة) فيها (حكم)
بشهادتها بعد التماس المدعي سؤالها (7) والحكم، ثم لا يقول لهما: إشهدا
بل من كان عنده كلام أو شهادة ذكر ما عنده إن شاء، فإن أجابا بما
لا يثبت به حق طرح قولهما، وإن قطعا بالحق، وطابق الدعوى، وعرف
العدالة حكم كما ذكرنا.
(وإن عرف الفسق ترك)، ولا يطلب التزكية لأن الجارح
مقدم (8) (وإن جهل) حالها (استزكى) أي طلب من المدعي تزكيتها
89

فإن زكاها بشاهدين على كل من الشاهدين يعرفان (1) العدالة ومزيلها (2)
أثبتها (3)، (ثم سأل الخصم عن الجرح) فإن اعترف بعدمه حكم كما
مر، وإن (استنظر أمهله ثلاثة أيام)، فإن أحضر الجارح نظر في أمره
على حسب ما يراه من تفصيل (4)، وإجمال (5)، وغيرهما (6)، فإن
قبله قدمه على التزكية لعدم المنافاة (7)، (فإن لم يأت بالجارح)
مطلقا (8)، أو بعد المدة (حكم عليه بعد الالتماس) أي التماس المدعي
الحكم.
(وإن ارتاب الحاكم بالشهود) مطلقا (9) (فرقهم) استحبابا،
(وسألهم عن مشخصات القضية) زمانا ومكانا وغيرهما من المميزات،
90

(فإن اختلفت أقوالهم سقطت) شهادتهم. ويستحب له عند الريبة وعظهم
وأمرهم بالتثبت والأخذ بالجزم، (ويكره له أن يعنت الشهود) أي
يدخل عليهم العنت وهو المشقة (إذا كانوا من أهل البصيرة بالتفريق)
وغيره من التحزيز (1).
(ويحرم) عليه (إن يتعتع الشاهد) أصل التعتعة في الكلام
التردد فيه (وهو) هنا (أن يداخله في الشهادة) فيدخل معه كلمات
توقعه في التردد، أو الغلط بأن يقول الشاهد: إنه اشترى كذا فيقول
الحاكم: بمائة، أو في المكان الفلاني، أو يريد أن يتلفظ بشئ ينفعه
فيداخله بغيره ليمنعه من إتمامه ونحو ذلك، (أو يتعقبه (2)) بكلام
ليجعله تمام ما يشهد به بحيث لولاه (3) لتردد، أو أتى بغيره (4)،
بل يكف عنه حتى ينتهي ما عنده وإن لم يفد (5)، أو تردد (6)،
ثم يرتب (7) عليه ما يلزمه، (أو يرغبه في الإقامة) إذا وجده مترددا
91

أو يزهده (1) لو توقف، ولا يقف (2) عزم الغريم عن الإقرار
إلا في حقه تعالى) فيستحب أن يعرض المقر بحد الله تعالى بالكف عنه
والتأويل.
(لقضية ما عز بن مالك عند النبي صلى الله عليه وآله) حين أقر
عنده بالزنا في أربعة مواضع، والنبي صلى الله عليه وآله يردده ويوقف
عزمه تعريضا لرجوعه، ويقول له: لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت
قال: لا قال: أفنكتها لا تكني قال: نعم، قال: حتى غاب ذلك
منك في ذلك منها قال: نعم، قال: كما يغيب المرود (3) في المكحلة (4)
والرشا في البئر، قال: نعم، قال: هل تدري ما الزنا، قال: نعم
أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا، فعند ذلك أمر برجمه (5)
وكما يستحب تعريضه للإنكار يكره لمن علمه منه غير الحاكم حثه
على الإقرار، لأن هزالا قال لماعز: بادر إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله قبل أن ينزل فيك قرآن فقال له النبي صلى الله عليه وآله
92

لما علم به: ألا (1) سترته بثوبك كان خيرا لك.
واعلم أن المصنف رحمه الله ذكر أولا أن جواب المدعى عليه إما
إقرار، أو إنكار، أو سكوت، ولم يذكر القسم الثالث، ولعله أدرجه
في قسم الإنكار على تقدير النكول، لأن مرجع حكم السكوت على المختار
إلى تحليف المدعي بعد إعلام الساكت بالحال. وفي بعض نسخ الكتاب
نقل أن المصنف ألحق بخطه قوله: (وأما السكوت فإن كان لآفة)
من طرش، أو خرس (توصل) الحاكم (إلى) معرفة (الجواب)
بالإشارة المفيدة لليقين، ولو بمترجمين عدلين، (وإن كان) السكوت
(عنادا حبس حتى يجيب) على قول الشيخ في النهاية، لأن الجواب
حق واجب عليه، فإذا امتنع منه حبس حتى يؤديه، (أو يحكم عليه
بالنكول بعد عرض الجواب عليه) بأن يقول له: إن أجبت، وإلا
جعلتك ناكلا، فإن أصر حكم بنكوله على قول من يقضي بمجرد النكول
ولو اشترطنا معه (2) إحلاف المدعي أحلف بعده. ويظهر من المصنف
التخيير بين الأمرين (3)، والأولى جعلهما (4) إشارة إلى القولين (5)،
وفي الدروس اقتصر على حكايتهما قولين ولم يرجح شيئا. والأول أقوى.
93

القول في اليمين
(لا تنعقد اليمين الموجبة للحق) من المدعي (1)، (أو المسقطة
للدعوى) من المنكر (إلا بالله تعالى) وأسمائه الخاصة (مسلما كان الحالف
أو كافرا)، ولا يجوز بغير ذلك كالكتب المنزلة والأنبياء والأئمة لقول
الصادق عليه السلام: لا يحلف بغير الله (2)، وقال: اليهودي والنصراني
والمجوسي لا تحلفوهم إلا بالله (3) وفي تحريمه بغير الله في غير الدعوى
نظر، من ظاهر النهي في الخبر (4)، وإمكان (5) هذا؟ على الكراهة
أما بالطلاق والعتاق والكفر (6) والبراءة فحرام قطعا. (ولو أضاف
مع الملالة خالق كل شئ في المجوسي كان حسنا) إماطة (7) لتأويله
94

ويظهر من الدروس تعين إضافة نحو (1) ذلك فيه لذلك (2)، ومثله
خالق النور والظلمة.
(ولو رأى الحاكم ردع الذمي بيمينهم فعل، إلا أن يشتمل
على محرم) كما لو اشتمل على الحلف بالأب والابن ونحو ذلك وعليه
حمل ما روي (3) أن عليا عليه السلام استحلف يهوديا بالتوراة. وربما
أشكل تحليف بعض الكفار بالله تعالى، لإنكارهم له فلا يرون له حرمة،
كالمجوس فإنهم لا يعتقدون وجود إله، خلق النور والظلمة فليس في حلفهم
به عليهم كلفة، إلا أن النص (4) ورد بذلك.
(وينبغي التغليظ بالقول) مثل والله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم
الطالب الغالب، الضار النافع، المدرك المهلك، الذي يعلم من السر
ما يعلمه من العلانية، (والزمان) كالجمعة والعيد، وبعد الزوال،
والعصر، (والمكان) كالكعبة والحطيم والمقام، والمسجد الحرام، والحرم
والأقصى (5) تحت الصخرة، والمساجد في المحراب. واستحباب التغليظ
ثابت (في الحقوق كلها، إلا أن ينقص المال عن نصاب القطع) وهو
ربع دينار، ولا يجب على الحالف الإجابة إلى التغليظ، ويكفيه قوله:
والله ما له عندي حق.
(ويستحب للحاكم وعظ الحالف قبله) وترغيبه في ترك اليمين،
إجلالا لله تعالى، أو خوفا من عقابه على تقدير الكذب، ويتلو عليه ما
95

ورد في ذلك من الأخبار والآثار، مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه
وآله، من أجل الله أن يحلف به أعطاه الله خيرا مما ذهب منه (1)،
وقول الصادق (2) عليه السلام: من حلف بالله كاذبا كفر، ومن حلف
بالله صادقا أثم، إن الله عز وجل يقول: " ولا تجعلوا الله عرضة
لأيمانكم (3)!!، وعنه (4) عليه السلام قال حدثني أبي أن أباه كانت
عنده امرأة من الخوارج فقضى لأبي أنه طلقها، فادعت عليه صداقها
فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه، فقال له أمير المدينة: يا علي إما
أن تحلف، أو تعطيها فقال لي يا بني: قم فاعطها أربعمائة دينار، فقلت
يا أبه جعلت فداك: ألست محقا قال: بلى ولكني أجللت الله عز وجل
أن أحلف به يمين صبر (5).
96

(ويكفي الحلف على نفي الاستحقاق وإن أجاب) في إنكاره
(بالأخص) كما إذا ادعي عليه قرضا فأجاب بأني ما اقترضت، لأن
نفي الاستحقاق يشمل المتنازع وزيادة (1)، ولأن المدعي قد يكون صادقا
فعرض ما يسقط الدعوى، ولو اعترف به وادعى المسقط طولب
بالبينة، وقد يعجز عنها فدعت الحاجة إلى قبول الجواب المطلق، وقيل:
يلزمه الحلف على وفق ما أجاب به، لأنه بزعمه قادر على الحلف عليه
حيث نفاه بخصوصه إن طلبه منه المدعي ويضعف بما ذكرناه، وبإمكان
التسامح في الجواب بما لا يتسامح في اليمين.
(و) الحالف (يحلف) أبدا (على القطع في فعل نفسه وتركه
وفعل غيره)، لأن ذلك يتضمن الاطلاع على الحال الممكن معه القطع،
(وعلى نفي العلم في نفي فعل غيره) كما لو ادعي (2) على مورثه مالا
فكفاه الحلف على أنه لا يعلم به (3)، لأنه يعسر الوقوف عليه (4)،
بخلاف إثباته فإن الوقوف عليه لا يعسر.
97

القول في الشاهد واليمين
(كل ما يثبت بشاهد وامرأتين يثبت بشاهد ويمين، وهو كل ما كان
مالا، أو كان المقصود منه المال كالدين والقرض (1) تخصيص بعد
التعميم (2)، (والغصب، وعقود المعاوضات كالبيع والصلح (3)،
والإجارة، والهبة المشروطة بالعوض، (والجناية الموجبة للدية كالخطأ،
وعمد الخطأ، وقتل الوالد ولده، وقتل الحر العبد، والمسلم الكافر،
وكسر العظام (4) وإن كان عمدا، (و) كذا (الجايفة (5)
والمأمومة (6)).
98

والمنقلة (1) لما في إيجابها (2) القصاص على تقدير العمد من التغرير.
(ولا يثبت) بالشاهد واليمين عيوب النساء (3) وكذا عيوب (4)
الرجال، لاشتراكهما في عدم تضمنهما المال، (ولا الخلع) لأنه إزالة
قيد النكاح بفدية وهي (5) شرط فيه، لا داخلة في حقيقته (6)، ومن (7)
ثم أطلق المصنف والأكثر (8) وهذا يتم مع كون المدعي هو المرأة، أما
99

لو كان الرجل فدعواه تتضمن المال (1) وإن انضم إليه أمر آخر (2)،
فينبغي القطع بثبوت المال كما لو اشتملت الدعوى على الأمرين في غيره (3)
كالسرقة، فإنهم قطعوا بثبوت المال (4). وهذا قوي وبه جزم في الدروس
(والطلاق) المجرد عن المال وهو واضح، (والرجعة) لأن مضمون
الدعوى إثبات الزوجية وليست مالا وإن لزمها النفقة، لخروجها (5)
عن حقيقتها (6)، (والعتق على قول) مشهور لتضمنه إثبات الحرية وهي
ليست مالا، وقيل: يثبت (7) بهما (8) لتضمنه المال من حيث إن العبد
مال للمولى فهو يدعي زوال المالية، والكتابة والتدبير والاستيلاد).
وظاهره عدم الخلاف فيها، مع أن البحث آت فيها (9). وفي الدروس
100

ما يدل على أنها (1) بحكمه، لكن لم يصرحوا بالخلاف فلذا أفردها،
(والنسب) وإن ترتب عليه وجوب الإنفاق، إلا أنه (2) خارج
عن حقيقته (3) كما مر (4)، (والوكالة) لأنها ولاية على التصرف
وإن كان في مال (5).
101

(والوصية إليه (1) كالوكالة (بالشاهد واليمين) متعلق بالفعل السابق،
أي لا تثبت هذه المذكورات بهما.
(وفي النكاح قولان): أحدهما وهو المشهور عدم الثبوت
مطلقا (2)، لأن المقصود الذاتي منه الإحصان، وإقامة السنة، وكف
النفس عن الحرام والنسل وأما المهر والنفقة فإنهما تابعان: والثاني القبول
مطلقا (3) نظرا إلى تضمنه المال (4) ولا نعلم قائله، وفي ثالث قبوله
من المرأة دون الرجل لأنها تثبت النفقة والمهر، وذهب إليه العلامة.
والأقوى المشهور، (ولو كان المدعون جماعة) وأقاموا شاهدا واحدا
(فعلى كل واحد يمين)، لأن كل واحد يثبت حقا لنفسه ولا يثبت مال
لأحد بيمين غيره.
(ويشترط شهادة الشاهد أولا، وتعديله (5)) والحلف بعدهما،
102

(ثم الحكم يتم بهما لا بأحدهما فلو رجع الشاهد غرم النصف)، لأنه
أحد جزئي سبب فوات المال على المدعى عليه، (والمدعي لو رجع غرم
الجميع)، لاعترافه بلزوم المال له (1) مع كونه (2) قد قبضه (3)،
ولو فرض تسلم الشاهد المال ثم رجع أمكن ضمانه الجميع إن شاء المالك،
لاعترافه بترتب يده على المغصوب، فيتخير المالك في التضمين (ويقضى
على الغائب عن مجلس القضاء) سواء بعد أم قرب وإن كان في البلد
ولم يتعذر عليه حضور مجلس الحكم على الأقوى، لعموم الأدلة (4)،
ولو كان في المجلس لم يقض عليه إلا بعد علمه، ثم الغائب على حجته
لو حضر، فإن ادعى بعده (5) قضاء (6) أو إبراء أقام به البينة، وإلا
103

أحلف المدعي، ومحله (1) حقوق الناس، لا حقوق الله تعالى، لأن
القضاء على الغائب احتياط، وحقوق الله تعالى مبنية على التخفيف لغنائه،
ولو اشتمل (2) على الحقين كالسرقة قضي بالمال دون القطع (3).
(وتجب اليمين مع البينة على بقاء الحق (4) إن كانت الدعوى
لنفسه، ولو كانت لموكله، أو للمولى عليه فلا يمين عليه (5)، ويسلم
المال بكفيل إلى أن يحضر المالك (6)، أو يكمل (7) ويحلف ما دام المدعى
عليه غائبا، (وكذا تجب) اليمين مع البينة (في الشهادة على الميت والطفل
أو المجنون) أما على الميت فموضع وفاق، وأما على الغائب والطفل
والمجنون فلمشاركتهم له في العلة المومى إليها في النص (8)، وهو أنه
104

لا لسان له للجواب فيستظهر الحاكم بها إذ يحتمل لو حضر كاملا أن يجيب
بالإيفاء، أو الإبراء فيتوجه اليمين، وهو من باب اتحاد (1) طريق
المسألتين، لا من باب القياس.
وفيه نظر للفرق مع فقد النص، وهو أن الميت لا لسان له مطلقا
في الدنيا بخلاف المتنازع فيمكن مراجعته إذا حضر (2)، أو كمل (3)،
وترتيب حكم على جوابه، بخلاف الميت فكان أقوى في إيجاب اليمين فلا يتحد الطريق (4). وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين دعوى العين والدين
وقيل بالفرق وثبوت اليمين في الدين خاصة، لاحتمال الإبراء منه
وغيره (5) من غير [علم] الشهود، بخلاف العين فإن ملكها إذا ثبت
استصحب، ويضعف بأن احتمال تجدد نقل الملك ممكن في الحالين (6)
والاستظهار وعدم اللسان آت فيهما.
(القول في التعارض) - أي تعارض الدعوى في الأموال (لو
105

تداعيا ما في أيديهما (1) فادعى كل [واحد] منهما المجموع ولا بينة
(حلفا) كل منهما على نفي استحقاق الآخر (واقتسماه) بالسوية، وكذا
لو نكلا عن اليمين (2)، ولو حلف أحدهما ونكل الآخر فهو للحالف،
فإن كانت يمينه بعد نكول صاحبه حلف يمينا واحدة تجمع النفي
والإثبات (3)، وإلا (4) افتقر إلى يمين أخرى للإثبات، (وكذا)
يقتسمانه (إن أقاما بينة ويقضى لكل منهما بما في يد صاحبه)، بناء على ترجيح بينة الخارج (5) ولا فرق هنا بين تساوي البينتين عددا
وعدالة واختلافهما.
(ولو خرجا) فذو اليد من صدقه (6) من هي (7) بيده
مع اليمين (8)، وعلى المصدق اليمين (9) للآخر، فإن امتنع (10) حلف
106

الآخر (1) وأغرم (2) له (3) لحيلولته (4) بينه (5) وبينها (6) بإقراره (7)
الأول (8) ولو صدقهما فهي لهما بعد حلفهما، أو نكولهما إحلافه إن ادعيا
علمه، ولو أنكرهما قدم قوله بيمينه، ولو كان لأحدهما بينة في جميع
هذه الصور (فهي لذي البينة) مع يمينه، (ولو أقاماها رجح الأعدل)
شهودا، فإن تساووا في العدالة (فالأكثر) شهودا، فإن تساووا فيهما
(فالقرعة) فمن خرج اسمه حلف وأعطي الجميع فإن نكل أحلف الآخر
وأخذ، فإن امتنعا قسمت نصفين، وكذا يجب اليمين على من رجحت
بينته وظاهر العبارة (9) عدم اليمين فيهما (10)، والأول مختاره
107

في الدروس (1) في الثاني (2) قطعا، وفي الأول (3) ميلا.
(ولو تشبث أحدهما) أي تعلق بها بأن كان ذا يد عليها (فاليمين
عليه) إن لم يكن للآخر بينة، سواء كان للمتشبث بينة أم لا، (ولا
يكفي بينته (4) عنها) أي عن اليمين، لأنه منكر فيدخل في عموم
اليمين على من أنكر وإن كان له بينة، فلو نكل عنها حلف الآخر وأخذ
فإن نكل أقرت (5) في يد المتشبث، (ولو أقاما) أي المتشبث والخارج
(بينة ففي الحكم لأيهما خلاف). فقيل: تقدم بينة الداخل مطلقا (6)
لما روي (7) أن عليا عليه السلام قضى بذلك، ولتعارض البينتين فيرجع
إلى تقديم ذي اليد، وقيل: الخارج مطلقا (8) عملا بظاهر الخبر (9)
المستفيض، من أن القول قول ذي اليد، والبينة بينة المدعي؟ الشامل
لموضع النزاع، وقيل: تقدم بينة الخارج إن شهدتا بالملك المطلق، أو
108

المسبب، أو بينته (1) خاصة (2) بالسبب، ولو انفردت (3) بينة
الداخل قدم وقيل مع تسببهما (4) تقدم بينة الداخل أيضا، وتوقف
المصنف هنا وفي الدروس مقتصرا على نقل الخلاف وهو (5) في موضعه
لعدم دليل متين من جميع الجهات، وفي شرح الإرشاد رجح القول
الثالث، وهو مذهب الفاضلين (6). ولا يخلو من رجحان.
(ولو تشبثا وادعى أحدهما الجميع والآخر النصف) مشاعا (ولا بينة
اقتسماها) نصفين (بعد يمين مدعي النصف) للآخر (7)، من دون
العكس (8)، لمصادقته إياه على استحقاق النصف الآخر، ولو كان
109

النصف المتنازع معينا اقتسماه بالسوية بعد التحالف (1) فيثبت لمدعيه (2)
الربع. والفرق أن كل جزء من العين على تقدير الإشاعة يدعي كل منهما
تعلق حقه به ولا ترجيح، بخلاف المعين إذ لا نزاع في غيره (3)، ولم
يذكروا في هذا الحكم خلافا، وإلا فلا يخلو من نظر.
ولو أقاما بينة فهي للخارج (4) على القول بترجيح بينته، وهو
مدعي الكل) لأن في يد مدعي النصف النصف فمدعي الكل خارج عنه
(وعلى) القول (الآخر) يقسم (بينهما) نصفين كما (5) لو لم يكن
بينة، لما ذكرناه من (6) استقلال يد مدعي النصف عليه فإذا رجحت
110

بينته به (1) أخذه، ولو أقام أحدهما خاصة بينة حكم بها (2)، (ولو
كانت في يد ثالث وصدق أحدهما صار صاحب اليد) فيترتب عليه ما
فصل (3)، (وللآخر (4) إحلافهما) ولو أقاما بينة فللمستوعب (5)
النصف، وتعارضت البينتان في الآخر، فيحكم للأعدل فالأكثر فالقرعة (6)
ويقضى لمن خرج (7) بيمينه، فإن أمتنع حلف الآخر (8) فإن نكلا قسم
بينهما، فللمستوعب (9) ثلاثة أرباع وللآخر (10) الربع، وقيل: يقسم
على ثلاثة (11)، فلمدعي الكل اثنان، ولمدعي النصف واحد، لأن المنازعة
111

وقعت في أجزاء غير معينة فيقسم على طريق العول على حسب سهامها (1)
وهي ثلاثة (2) كضرب الديان (3) مع قصور مال المفلس، وكل موضع
حكمنا بتكافؤ البينات، أو ترجيحها بأخذ الأسباب إنما هو مع إطلاقها (4)
أو اتحاد التاريخ.
(ولو كان تاريخ إحدى البينتين أقدم قدمت (5)) لثبوت الملك
112

بها سابقا فيستصحب (1). هذا إذا شهدتا بالملك المطلق، أو المسبب،
أو بالتفريق (2). أما لو شهدت إحداهما باليد والأخرى بالملك، فإن
كان المتقدم هو اليد رجح الملك لقوته وتحققه الآن، وإن انعكس (3)
ففي ترجيح أيهما قولان للشيخ، وتوقف المصنف في الدروس مقتصرا
على نقلهما.
(القول في القسمة (4) - وهي تمييز أحد النصيبين) فصاعدا
(عن الآخر، وليست بيعا) عندنا (5) (وإن كان فيها رد (6)،
113

لأنها (1) لا تفتقر إلى صيغة، ويدخلها (2) الإجبار ويلزمها (3) ويتقدر
أحد النصيبين بقدر الآخر (4)، والبيع فيه شئ من ذلك (5)،
واختلاف اللوازم يدل على اختلاف الملزومات (6)، واشتراك كل جزء
يفرض قبلها (7) بينهما، واختصاص كل واحد بجزء معين، وإزالة
ملك الآخر عنه بعدها (8) بعوض مقدر بالتراضي ليس حدا لبيع (9)
حتى يدل عليه (10). وتظهر الفائدة في عدم ثبوت الشفعة للشريك بها (11)
114

وعدم بطلانها بالتفرق قبل القبض فيما يعتبر فيه التقابض في البيع (1)،
وعدم خيار المجلس وغير ذلك (2).
(ويجبر الشريك) على القسمة (لو التمس شريكه) القسمة،
(ولا ضرر (3) ولا رد). والمراد بالضرر نقص قيمة الشقص بها (4)
عنه (5) منضما نقصا فاحشا على ما اختاره المصنف في الدروس، وقيل:
مطلق نقص القيمة، وقيل عدم الانتفاع به منفردا، وقيل: عدمه (6)
على الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة، والأجود الأول (7).
(ولو تضمنت ردا) أي دفع عوض خارج عن المال المشترك
من أحد الجانبين (لم يجبر) الممتنع منهما، لاستلزامه المعاوضة على جزء
من مقابله صوري (8)، أو معنوي (9) وهو (10) غير لازم، (وكذا)
115

لا يجبر الممتنع (لو كان فيها ضرر، كالجواهر والعضائد (1) الضيقة
والسيف). والضرر في هذه المذكورات يمكن اعتباره بجميع المعاني (2)
عدا الثالث (3) في السيف (4) فإنه ينتفع بقسمته غالبا في غيره (5)
مع نقص فاحش (فلو طلب) أحدهما (المهاياة (6) وهي قسمة
المنفعة بالأجزاء (7)، أو بالزمان (جاز ولم يجب) إجابته، سواء كان
مما يصح قسمته إجبارا أم لا، وعلى تقدير الإجابة لا يلزم الوفاء بها،
بل يجوز لكل منهما فسخها، فلو استوفى أحدهما ففسخ الآخر (8)،
أو هو (9) كان عليه أجرة حصة الشريك.
116

(وإذا عدلت السهام) بالأجزاء إن كانت (1) في متساويها
كيلا، أو وزنا، أو ذرعا، أو عدا بعدد الأنصباء (2)، أو بالقيمة (3)
إن اختلفت، كالأرض والحيوان و (اتفقا على اختصاص كل واحد
بسهم لزم (4)) من غير قرعة لصدق القسمة مع التراضي الموجبة لتميز
الحق، ولا فرق بين قسمة الرد وغيرها، (وإلا) يتفقا على الاختصاص
(أقرع) بأن يكتب أسماء الشركاء، أو السهام كل في رقعة وتصان
ويؤمر من لم يطلع على الصورة بإخراج إحداهما (5) على اسم أحد
المتقاسمين (6)، أو أحد السهام (7). هذا إذا اتفقت السهام قدرا (8)،
ولو اختلفت (9).
117

قسم على أقل السهام وجعل لها (1) أول يعينه المتقاسمون وإلا الحاكم،
وتكتب أسماؤهم لا أسماء السهام حذرا من التفريق (2)، فمن خرج اسمه
أولا أخذ من الأول وأكمل نصيبه منها (3) على الترتيب، ثم يخرج الثاني
إن كانوا أكثر من اثنين وهكذا، ثم إن اشتملت القسمة على رد اعتبر
رضاهما بعدها (4) وإلا فلا (5).
119

(ولو ظهر غلط) في القسمة ببينة، أو باطلاع المتقاسمين (1)
(بطلت، ولو ادعاه) أي الغلط (أحدهما ولا بينة حلف الآخر)
لأصالة الصحة، فإن حلف (2) (تمت) القسمة، (وإن نكل) عن اليمين
(حلف المدعي) إن لم يقض بالنكول (3) (ونقضت (4). ولو ظهر) في المقسوم (استحقاق بعض معين بالسوية) لا يخل إخراجه بالتعديل
(فلا نقض (5) لأن فائدة القسمة باقية، وهو إفراد كل حق
120

على حدة، (وإلا) يكن متساويا في السهام بالنسبة (نقضت) القسمة
لأن ما يبقى لكل واحد لا يكون بقدر حقه، بل يحتاج أحدهما إلى الرجوع
على الآخر، وتعود الإشاعة، (وكذا لو كان) المستحق (مشاعا)،
لأن القسمة حينئذ لم تقع برضاء جميع الشركاء.
121

كتاب الشهادات
123

كتاب الشهادات
(وفصوله أربعة):
(الأول - الشاهد وشرطه البلوغ إلا في) الشهادة على (الجراح)
ما لم يبلغ النفس (1)، وقيل: مطلقا (2) (بشرط بلوغ العشر) سنين
(وأن يجتمعوا على مباح (3)، وأن لا يتفرقوا) بعد الفعل المشهود به
إلى أن يؤدوا الشهادة. والمراد حينئذ (4) أن شرط البلوغ ينتفي ويبقى
ما عداه من الشرائط التي من جملتها العدد، وهو اثنان في ذلك (5)
والذكورية، ومطابقة الشهادة للدعوى، وبعض (6) الشهود لبعض،
125

وغيرهما (1). ولكن روي (2) هنا الأخذ بأول قولهم لو اختلف (3)،
والتهجم على الدماء في غير محل الوفاق ليس بجيد (4).
وأما العدالة فالظاهر أنها غير متحققة لعدم التكليف الموجب للقيام
بوظيفتها من جهة التقوى، والمروءة غير كافية، واعتبار صورة الأفعال (5)
والتروك لا دليل عليه، وفي اشتراط اجتماعهم على المباح تنبيه عليه (6).
(والعقل) فلا تقبل شهادة المجنون حالة جنونه، فلو دار (7)
جنونه قبلت شهادته مفيقا (8) بعد العلم باستكمال فطنته في التحمل والأداء
126

وفي حكمه (1) الأبله (2) والمغفل (3) الذي لا يتفطن لمزايا الأمور،
(والإسلام) فلا تقبل شهادة الكافر وإن كان ذميا، (ولو كان المشهود
عليه كافرا على الأصح) لاتصافه بالفسق والظلم المانعين من قيول
الشهادة، خلافا للشيخ رحمه الله حيث قبل شهادة أهل الذمة لملتهم وعليهم
استنادا إلى رواية ضعيفة، وللصدوق حيث قبل شهادتهم على مثلهم
وإن خالفهم في الملة كاليهود على النصارى.
ولا تقبل شهادة غير الذمي إجماعا، ولا شهادته على المسلم إجماعا.
(إلا في الوصية عند عدم) عدول (المسلمين) فتقبل شهادة الذمي
بها (4)، ويمكن أن يريد اشتراط فقد المسلمين مطلقا (5) بناء على تقديم
المستورين (6) والفاسقين الذين (7) لا يستند فسقهما إلى الكذب وهو قول
العلامة في التذكرة، ويضعف باستلزامه.
127

التعميم في غير محل الوفاق (1) وفي اشتراط السفر قولان: أظهرهما
العدم (2)، وكذا الخلاف في إحلافهما بعد العصر (3) فأوجبه العلامة
عملا بظاهر الآية (4). والأشهر العدم (5) فإن قلنا به فليكن بصورة
الآية بأن يقولا بعد الحلف بالله: " لا نشتري به ثمنا ولو كان
ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين (6) ".
(والإيمان) وهو هنا الولاء فلا تقبل شهادة غير الإمامي مطلقا (7)
مقلدا كان أم مستدلا. (والعدالة (8)) وهي هيئة نفسانية راسخة تبعث
على ملازمة التقوى والمروة (9).
128

(وتزول بالكبيرة) مطلقا (1)، وهي ما توعد عليها بخصوصها
في كتاب، أو سنة، وهي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبعين وسبعة.
ومنها (2) القتل والربا والزنا واللواط والقيادة والدياثة، وشرب
المسكر، والسرقة، والقذف، والفرار من الزحف، وشهادة الزور،
وعقوق الوالدين، والأمن من مكر الله، واليأس من روح الله، والغصب والغيبة، والنميمة، واليمين الفاجرة (3)، وقطيعة الرحم، وأكل مال
اليتيم، وخيانة الكيل والوزن، وتأخير الصلاة عن وقتها، والكذب
خصوصا على الله ورسوله (4) صلى الله عليه وآله، وضرب المسلم بغير
حق، وكتمان الشهادة والرشوة، والسعاية (5) إلى الظالم ومنع الزكاة،
وتأخير الحج عن عام الوجوب اختيارا، والظهار، وأكل لحم الخنزير
والميتة، والمحاربة بقطع الطريق، والسحر. للتوعد (6) على ذلك كله،
وغيره، وقيل: الذنوب كلها كبائر ونسيه الطبرسي في التفسير إلى أصحابنا
129

مطلقا (1)، نظرا إلى اشتراكها (2) في مخالفة أمر الله تعالى ونهيه،
وتسمية بعضها صغيرا بالإضافة
إلى ما هو أعظم منه، كالقبلة بالإضافة
إلى الزنا وإن كانت كبيرة بالإضافة إلى النظرة، وهكذا.
(والإصرار على الصغيرة) وهي ما دون الكبيرة من الذنب.
والإصرار إما فعلي كالمواظبة على نوع، أو أنواع من الصغائر، أو حكمي وهو العزم على فعلها ثانيا بعد وقوعه وإن لم يفعل، ولا يقدح ترك السنن
إلا أن يؤدي إلى التهاون. فيها، وهل هذا هو مع ذلك من الذنوب،
أم مخالفة المروءة كل محتمل، وإن كان الثاني أوجه، (وبترك المروءة)
وهي التخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه، فالأكل في السوق والشرب
فيها لغير سوقي، إلا إذا غلبه العطش، والمشي مكشوف الرأس بين
الناس، وكثرة السخرية والحكايات المضحكة، ولبس الفقيه لباس الجندي
وغيره مما لا يعتاد لمثله بحيث يسخر منه، وبالعكس (3)، ونحو ذلك
يسقطها (4)، ويختلف الأمر فيها باختلاف الأحوال والأشخاص
والأماكن (5)، ولا يقدح فعل السنن وإن استهجنها العامة، وهجرها الناس
كالكحل، والحناء، والحنك في بعض البلاد، وإنما العبرة بغير الراجح
شرعا.
(وطهارة المولد) فترد شهادة ولد الزنا ولو في اليسير على الأشهر
130

وإنما ترد شهادته مع تحقق حاله شرعا، فلا اعتبار بمن تناله الألسن
وإن كثرت ما لم يحصل العلم، (وعدم التهمة) بضم التاء وفتح الهاء،
وهي أن يجر إليه بشهادته نفعا، أو يدفع عنه بها (1) ضررا.
(فلا تقبل شهادة الشريك لشريكه في المشترك بينهما) بحيث يقتضي
الشهادة المشاركة، (ولا) شهادة الوصي في متعلق وصيته (2)، ولا
يقدح في ذلك (3) مجرد دعواه الوصاية، ولا (4) مع شهادة من لا
تثبت (5) بها (6)، لأن (7) المانع ثبوت الولاية الموجبة للتهمة بإدخال
131

المال تحتها، (ولا) شهادة (الغرماء للمفلس (1) والميت، (والسيد
لعبده) على القول بملكه، للانتفاع بالولاية عليه. والشهادة في هذه
الفروض جالبة للنفع.
(و) أما ما يدفع الضرر فشهادة (العاقلة بجرح شهود الجناية)
خطأ (2)، وغرماء المفلس بفسق شهود دين آخر، لأنهم يدفعون بها (3)
ضرر المزاحمة. ويمكن اعتباره (4) في النفع، وشهادة الوصي والوكيل
بجرح الشهود على الموصي، والموكل (5)، وشهادة الزوج بزنا زوجته
التي قذفها لدفع ضرر الحد. ولا يقدح مطلق التهمة، فإن شهادة الصديق
لصديقه مقبولة، والوارث لمورثه بدين وإن كان مشرفا على التلف ما لم
يرثه (6) قبل الحكم بها (7)، وكذا شهادة رفقاء القافلة على اللصوص
132

إذا لم يكونوا مأخوذين (1) ويتعرضوا (2) لذكر ما أخذ لهم.
(والمعتبر في الشروط) المعتبرة في الشهادة (وقت الأداء لا وقت
التحمل)، فلو تحملها ناقصا ثم كمل حين الأداء سمعت، وفي اشتراط
استمرارها إلى حين الحكم قولان: اختار المصنف في الدروس ذلك (3)،
ويظهر من العبارة عدمه (4).
(وتمنع العداوة الدنيوية) وإن لم تتضمن (5) فسقا، وتتحقق
(بأن يعلم منه السرور بالمساءة، وبالعكس (6)، أو بالتقاذف (7)،
ولو كانت العداوة من أحد الجانبين اختص بالقبول الخالي منها، وإلا (8)
133

لملك كل غريم رد شهادة العدل عليه بأن يقذفه ويخاصمه، (ولو شهد)
العدو (لعدوه قبل إذا كانت العداوة لا تتضمن فسقا)، لانتفاء التهمة
بالشهادة له. واحترز بالدنيوية عن الدينية فإنها غير مانعة، لقبول شهادة
المؤمن على أهل الأديان، دون العكس (1) مطلقا (2).
(ولا تقبل شهادة كثير السهو، بحيث لا يضبط المشهود به)
وإن كان عدلا، بل ربما كان وليا (3). ومن هنا قيل: نرجو شفاعة
من لا تقبل شهادته، (ولا) شهادة (المتبرع بإقامتها) قبل استنطاق
الحاكم، سواء كان قبل الدعوى أم بعدها، للتهمة بالحرص على الأداء
ولا يصير بالرد مجروحا، فلو شهد بعد ذلك غيرها (4) قبلت
وفي إعادتها (5) في غير ذلك المجلس وجهان، والتبرع مانع.
(إلا أن يكون في حق الله تعالى) كالصلاة والزكاة والصوم بأن
يشهد بتركها، ويعبر عنها ببينة الحسبة (6) فلا يمنع، لأن الله أمر
بإقامتها، فكان في حكم استنطاق الحاكم قبل الشهادة، ولو اشترك الحق
كالعتق والسرقة والطلاق والخلع والعفو عن القصاص ففي ترجيح حق الله
تعالى أو الآدمي وجهان، أما الوقف العام فقبولها فيه أقوى بخلاف الخاص
على الأقوى، (ولو ظهر للحاكم سبق القادح في الشهادة على حكمه) بأن
134

ثبت كونهما صبيين، أو أحدهما، أو فاسقين أو غير ذلك (نقض)
لتبين الخطأ فيه.
(ومستند الشهادة العلم القطعي) بالمشهود به، أو رؤيته فيما يكفي
فيه) الرؤية، كالأفعال من الغصب والسرقة والقتل والرضاع والولادة
والزنا واللواط، وتقبل فيه (1) شهادة الأصم، لانتفاء الحاجة إلى السمع
في الفعل، (أو سماعا) في الأقوال (نحو العقود) والإيقاعات والقذف
(مع الرؤية) أيضا ليحصل العلم بالمتلفظ، إلا أن يعرف الصوت قطعا
فيكفي على الأقوى، (ولا يشهد إلا على من يعرفه) بنسبه أو عينه،
فلا يكفي انتسابه له، لجواز التزوير، (ويكفي معرفان عدلان) بالنسب
(و) يجوز أن (تسفر المرأة عن وجهها) ليعرفها الشاهد عند التحمل
والأداء (2)، إلا أن يعرف صوتها قطعا.
(ويثبت بالاستفاضة) وهي استفعال من الفيض، وهو الظهور
والكثرة. والمراد بها هنا شياع الخبر إلى حد يفيد السامع الظن [الغالب]
المقارب للعلم، ولا تنحصر في عدد بل يختلف باختلاف المخبرين، نعم
يعتبر أن يزيدوا عن عدد الشهود المعدلين ليحصل الفرق بين خبر العدل
وغيره، والمشهور أنه يثبت بها (3) (سبعة النسب والموت والملك المطلق
والوقف والنكاح والعتق وولاية القاضي)، لعسر إقامة البينة في هذه
الأسباب مطلقا (4).
135

(ويكفي) في الخبر بهذه الأسباب (متاخمة (1) العلم) أي مقاربته
(على قول قوي)، وبه جزم في الدروس، وقيل: يشترط أن يحصل
العلم، وقيل: يكفي مطلق الظن حتى لو سمع من شاهدين عدلين صار
متحملا، لإفادة قولهما الظن. وعلى المختار (2) لا يشترط العدالة، ولا
الحرية والذكورة، لإمكان استفادته (3) من نقائضها (4). واحترز بالملك المطلق عن المستند إلى سبب كالبيع فلا يثبت السبب به (5)، بل
الملك الموجود في ضمنه، فلو شهد بالملك وأسنده إلى سبب يثبت (6)
بالاستفاضة كالإرث قبل (7)، ولو لم يثبت (8) بها (9) كالبيع قبل (10)
في أصل الملك، لا في السبب. ومتى اجتمع في ملك استفاضة، ويد،
وتصرف بلا منازع فهو منتهى الإمكان، فللشاهد القطع بالملك،
136

وفي الاكتفاء بكل واحد من الثلاثة (1) في الشهادة بالملك قول قوي.
(ويجب التحمل)
للشهادة (على من له أهلية الشهادة) إذا دعي إليها خصوصا (2)
أو عموما (3) (على الكفاية) لقوله تعالى: " ولا يأب الشهداء إذا ما
دعوا (4) " فسره الصادق عليه السلام: بالتحمل (5)، ويمكن جعله (6)
دليلا عليه (7) وعلى الإقامة فيأثم الجميع لو أخلوا به مع القدرة،
(فلو فقد سواه) فيما يثبت به وحده ولو مع اليمين (8)، أو كان
تمام (9) العدد (تعين) الوجوب كغيره من فروض الكفاية إذا لم يقم
به غيره، (ويصح تحمل الأخرس) للشهادة، (وأداؤه بعد القطع
137

بمراده) ولو بمترجمين عدلين. وليسا (1) فرعين عليه (2)، ولا يكفي
الإشارة في شهادة الناطق.
(وكذا يجب الأداء) مع القدرة (على الكفاية) إجماعا، سوا
استدعاه ابتداء أم لا على الأشهر، (إلا مع خوف ضرر غير مستحق)
على الشاهد، أو بعض المؤمنين. واحترز بغير المستحق عن مثل ما لو
كان للمشهود عليه حق على الشاهد لا يطالبه به، وينشأ من شهادته
المطالبة، فلا يكفي ذلك في سقوط الوجوب (3)، لأنه ضرر مستحق.
وإنما يجب الأداء مع ثبوت الحق بشهادته لانضمام من يتم به العدد، أو
حلف المدعي إن كان مما يثبت بشاهد ويمين (4). فلو طلب من اثنين
[فيما] يثبت بهما لزمهما (5)، وليس لأحدهما الامتناع بناء (6)
138

على الاكتفاء بحلف المدعي مع الآخر، لأن من مقاصد الإشهاد التورع
عن اليمين، ولو كان الشهود أزيد من اثنين فيما يثبت بهما وجب على اثنين
منهما كفاية، ولو لم يكن إلا واحد لزمه الأداء إن كان مما يثبت بشاهد
ويمين (1) وإلا فلا. ولو لم يعلم صاحب الحق بشهادة الشاهد وجب
عليه تعريفه إن خاف بطلان الحق بدون شهادته، (ولا يقيمها) الشاهد
(إلا مع العلم) القطعي.
(ولا يكفي الخط) بها (وإن حفظه) بنفسه، وأمن التزوير
(ولو شهد معه ثقة) على أصح القولين، لقول النبي صلى الله عليه وآله
لمن أراه الشمس: " على مثلها فاشهد، أو دع (2) "، وقيل: إذا
شهد معه ثقة، وكان المدعي ثقة، أقامها بما عرفه من خطه وخاتمه،
استنادا إلى رواية شاذة.
(ومن نقل عن الشيعة جواز الشهادة بقول المدعي إذا كان أخا (3)
في الله معهود الصدق، فقد أخطأ في نقله)، لإجماعهم على عدم
جواز الشهادة بذلك، (نعم هو مذهب)، محمد بن علي الشلمغاني
(العزاقري) نسبة إلى أبي العزاقر بالعين المهملة والزاي والقاف والراء
أخيرا (من الغلاة). لعنه الله ووجه الشبهة على من نسب ذلك إلى الشيعة
أن هذا الرجل الملعون كان منهم أولا، وصنف كتابا سماه كتاب التكليف
وذكر فيه هذه المسألة ثم غلا، وظهر منه مقالات منكرة فتبرأت الشيعة
منه، وخرج فيه توقيعات كثيرة من الناحية المقدسة على يد أبي القاسم
ابن روح وكيل الناحية، فأخذه السلطان وقتله، فمن رأى هذا الكتاب
139

وهو على أساليب الشيعة وأصولهم توهم أنه منهم وهم بريئون منه، وذكر
الشيخ المفيد رحمه الله أنه ليس في الكتاب ما يخالف سوى هذه المسألة.
الفصل الثاني
(في تفصيل الحقوق) بالنسبة إلى الشهود. وهي على ما ذكره
في الكتاب خمسة أقسام. (فمنها. ما يثبت بأربعة رجال، وهو الزنا (1)
واللواط والسحق، ويكفي في) الزنا (الموجب للرجم ثلاثة رجال
وامرأتان، وللجلد رجلان وأربع نسوة (2) ولو أفرد هذين (3)
عن القسم الأول (4) وجعل (5) الزنا قسما برأسه كما فعل في الدروس كان
140

أنسب، لاختلاف حاله (1). بالنظر إلى الأول (2) فإن الأولين (3)
لا يثبتان إلا بأربعة رجال والزنا يثبت بهم (4) وبمن ذكر.
(ومنها) ما يثبت (برجلين) خاصة (وهي الردة (5) والقذف (6)
والشرب) شرب الخمر وما في معناه (7)، (وحد السرقة) احترز به
عن نفس السرقة فإنها (8) تثبت بهما، وبشاهد وامرأتين، وبشاهد ويمين
بالنسبة إلى ثبوت المال خاصة، (والزكاة والخمس والنذر والكفارة)
وهذه الأربعة ألحقها المصنف بحقوق الله تعالى وإن كان للآدمي فيها حظ
بل هو المقصود منها، لعدم (9) تعين المستحق على الخصوص. وضابط
هذا القسم (10) على ما ذكره بعض الأصحاب ما كان من حقوق الآدمي
ليس مالا، ولا المقصود منه المال، وهذا الضابط لا يدخل تلك الحقوق
الأربعة فيه (11).
141

(و) منه (الإسلام والبلوغ والولاء والتعديل والجرح
والعفو عن القصاص والطلاق والخلع) وإن تضمن (2) المال، لكنه (3)
ليس نفس حقيقته (والوكالة والوصية إليه) احترز به عن الوصية له
بمال (4) فإنه من القسم الثالث (5) (والنسب والهلال)، وبهذا يظهر
أن الهلال من حق الآدمي، فيثبت فيه الشهادة على الشهادة كما سيأتي.
(ومنها. ما يثبت برجلين، ورجل وامرأتين، وشاهد ويمين،
وهو) كل ما كان مالا، أو الغرض منه المال، مثل (الديون والأموال)
الثابتة من غير أن تدخل في اسم الدين (والجناية الموجبة للدية) كقتل
الخطأ والعمد المشتمل (6) على التغرير بالنفس كالهاشمة (7) والمنقلة،
وما لا قود (8) فيه كقتل الوالد ولده، والمسلم الكافر، والحر العبد،
142

وقد تقدم في باب الشاهد واليمين، ولم يذكر ثبوت ذلك (1) بامرأتين،
مع اليمين مع أنه قوى في الدروس ثبوته (2) بهما (3)، للرواية (4)،
ومساواتهما (5) للرجل حالة انضمامهما (6) إليه (7) في ثبوته (8)
بهما (9) من غير يمين.
وبقي من الأحكام أمور تجمع حق الآدمي المالي وغيره (10)،
كالنكاح والخلع والسرقة (11) فيثبت بالشاهد واليمين المال دون غيره،
143

واستبعد المصنف ثبوت المهر دون النكاح للتنافي (1).
(ومنها) ما يثبت (بالرجال والنساء ولو منفردات). وضابطه
ما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا، (كالولادة والاستهلال) وهو ولادة
الولد حيا ليرث، سمي ذلك استهلالا، للصوت الحاصل عند ولادته ممن
حضر عادة، كتصويت من رأى الهلال، فاشتق منه (2)، (وعيوب
النساء الباطنة) كالقرن والرتق، دون الظاهرة كالجذام والبرص
والعمى، فإنه من القسم الثاني (3)، (والرضاع) على الأقوى،
144

(والوصية له (1)) أي بالمال، احتراز عن الوصية إليه (2)، وهذا
الفرد (3) خارج من الضابط (4)، ولو أفرده (5) قسما كما صنع
في الدروس كان حسنا، ليرتب عليه باقي أحكامه (6)، فإنه (7) يختص
بثبوت جميع الوصية برجلين (8)، وبأربع نسوة (9)، وثبوت (10)
ربعها (11) بكل واحدة (12)، فبالواحدة (13) الربع، وبالاثنتين (14)
145

النصف، وبالثلاث ثلاثة الأرباع، من غير يمين، وباليمين مع المرأتين (1)
ومع الرجل، وفي ثبوت النصف بالرجل، أو الربع من غير يمين، أو
سقوط شهادته أصلا أوجه، من مساواته (2) للاثنتين وعدم (3) النص
وأنه (4) لا يقصر عن المرأة، والأوسط (5) أوسط، وأشكل منه (6)
الخنثى، وإلحاقه (7) بالمرأة قوي، وليس للمرأة تضعيف (8) المال
146

ليصير ما أوصى به ربع ما شهدت به للكذب، لكن لو فعلت استباح
الموصى له الجميع مع علمه (1) بالوصية لا بدونه (2)، وكذا القول
فيما (3) [لا] يثبت بشهادته (4) الجميع.
(ومنها). ما يثبت (بالنساء منضمات) إلى الرجال (خاصة)
أو إلى اليمين على ما تقدم (وهو الديون والأموال) وهذا القسم داخل
في الثالث (5)، قيل وإنما أفرد ليعلم احتياج النساء إلى الرجال فيه (6)
صريحا (7)، وليس بصحيح (8)، لأن الانضمام يصدق مع اليمين،
147

وفي الأول (1) تصريح بانضمامهن إلى الرجل صريحا، فلو عكس (2)
المعتذر كان أولى، ولقد كان إبداله (3) ببعض (4) ما أشرنا إليه
من الأقسام سابقا التي أدرجها (5)، وإدراجه (6) هو أولى كما فعل
في الدروس.
148

الفصل الثالث
(في الشهادة على الشهادة. ومحلها حقوق الناس كافة) بل ضابطه
كل ما لم يكن عقوبة لله تعالى مختصة به إجماعا، أو مشتركة على الخلاف
(سواء كانت) الحقوق (عقوبة كالقصاص، أو غير عقوبة) مع كونه
حقا غير مالي (كالطلاق والنسب والعتق، أو مالا كالقرض، وعقود
المعاوضات، وعيوب النساء) هذا وما بعده من أفراد الحقوق التي ليست
مالا رتبها مشوشة (والولادة، والاستهلال، والوكالة والوصية
بقسميها) وهما الوصية إليه (1) وله (2).
(ولا يثبت في حق الله تعالى محضا كالزنا واللواط والسحق، أو
مشتركا كالسرقة والقذف، على خلاف (3)، منشأه مراعاة الحقين (4)
ولم يرجح هنا شيئا، وكذا في الدروس، والوقوف على موضع اليقين (5)
149

أولى، وهو (1) اختيار الأكثر. فيبقى ضابط محل الشهادة على الشهادة
ما ليس بحد.
(ولو اشتمل الحق على الأمرين (2) كالزنا (يثبت) بالشهادة
على الشهادة (حق الناس خاصة، فيثبت بالشهادة) على الشهادة
(على إقراره بالزنا نشر الحرمة) لأنها من حقوق الآدميين (لا الحد)
لأنه عقوبة لله تعالى، وإنما افتقر إلى إضافة الشهادة على الشهادة ليصير
من أمثله المبحث. أما لو شهد على إقراره بالزنا شاهدان فالحكم كذلك (3)
على خلاف (4)، لكنه (5) من أحكام القسم السابق (6). ومثله (7)
150

ما لو شهد على إقراره بإتيان البهيمة شاهدان يثبت بالشهادة عليهما (1)
تحريم البهيمة وبيعها، دون الحد، (ويجب أن يشهد على كل واحد
عدلان) لتثبت شهادته (2) بهما (3).
(ولو شهدا (4) على الشاهدين فما زاد) كالأربعة في الزنا والنسوة (5)
(جاز)، لحصول الغرض وهو ثبوت شهادة كل واحد بعدلين، بل
يجوز أن يكون الأصل (6) فرعا لآخر فيثبت (7) بشهادته (8) مع آخر
* (9)
151

وفيما يقبل فيه شهادة النساء يجوز على كل امرأة أربع (1) كالرجال (2)
وقيل لا يكون النساء فرعا (3)، لأن شهادة الفرع تثبت شهادة الأصل
لا ما شهد به، (ويشترط) في قبول شهادة الفرع (تعذر) حضور
(شاهد الأصل بموت، أو مرض، أو سفر)، وشبهه (4)، (وضابطه
المشقة في حضوره) وإن لم يبلغ حد التعذر.
واعلم أنه لا يشترط تعديل الفرع (5) للأصل، وإنما ذلك (6)
152

فرض الحاكم، نعم يعتبر تعيينه (1)، فلا تكفي (2) أشهدنا عدلان،
ثم إن أشهداهما (3) قالا: أشهدنا فلان أنه يشهد بكذا، وإن سمعاهما (4)
يشهدان جازت شهادتهما (5)، عليهما (6)، وإن لم تكن شهادة الأصل
عند حاكم على الأقوى، لأن العدل لا يتسامح بذلك (7) بشرط ذكر
الأصل للسبب (8)، وإلا (9) فلا، لاعتياد التسامح عند غير الحاكم
به (10)، وإنما تجوز شهادة الفرع مرة واحدة (وتقبل الشهادة الثالثة)
153

على شاهد الفرع (فصاعدا).
الفصل الرابع
(في الرجوع) عن الشهادة (إذا رجعا) أي الشاهدان فيما يعتبر
فيه الشاهدان، أو الأكثر حيث يعتبر (قبل الحكم امتنع الحكم)، لأنه
تابع للشهادة وقد ارتفعت، ولأنه (1) لا يدرى أصدقوا في الأول، أو
في الثاني فلا يبقى ظن الصدق فيها، (وإن كان الرجوع بعده لم ينقض
الحكم) إن كان مالا، و (ضمن الشاهدان) ما شهدا به من المال
(سواء كانت العين باقية، أو تالفة) على أصح القولين. وقيل: تستعاد
العين القائمة.
ولو كانت الشهادة على قتل، أو رجم، أو قطع، أو جرح)
أو حد، وكان قبل استيفائه لم يستوف، لأنها تسقط بالشبهة، والرجوع
شبهة. والمال لا يسقط بها، وهو في الحد في معنى النقض، وفي القصاص
قيل: ينتقل إلى الدية لأنها بدل ممكن عند فوات محله. وعليه (2)
لا ينقض، وقيل: تسقط لأنها (3) فرعه، فلا يثبت الفرع من دون
الأصل، فيكون ذلك في معنى النقض أيضا والعبارة تدل بإطلاقها على عدم
النقض مطلقا (4) واستيفاء (5) متعلق الشهادة وإن كان حدا، والظاهر
154

أنه (1) ليس بمراد. وفي الدروس لا ريب أن الرجوع فيما يوجب الحد
قبل استيفائه يبطل الحد، سواء كان لله، أو (2) للإنسان لقيام الشبهة
الدارئة، ولم يتعرض للقصاص. وعلى هذا فإطلاق العبارة إما ليس بجيد
أو خلاف المشهور، ولو كان بعد استيفاء المذكورات واتفق موته بالحد،
(ثم رجعوا واعترفوا بالتعمد اقتص منهم أجمع) إن شاء وليه، ورد
على كل واحد ما زاد عن جنايته كما لو باشروا، (أو) اقتص
(من بعضهم) ورد عليه ما زاد عن جنايته (ويرد الباقون نصيبهم)
من الجناية، (وإن قالوا أخطأنا فالدية عليهم) أجمع موزعة، ولو تفرقوا
في العمد والخطأ فعلى كل واحد لازم قوله، فعلى المعترف بالعمد القصاص
بعد رد ما يفضل من ديته عن جنايته، وعلى المخطئ نصيبه من الدية.
(ولو شهدا بطلاق ثم رجعا، قال الشيخ في النهاية: ترد (3)
155

إلى الأول، ويغرمان المهر للثاني (1)، وتبعه أبو الصلاح) استنادا
إلى رواية (2) حسنة حملت على تزويجها بمجرد سماع البينة، لا بحكم الحاكم
(وقال في الخلاف: إن كان (3) بعد الدخول فلا غرم) للأول،
لاستقرار المهر في ذمته (4) به (5) فلا تفويت، والبضع لا يضمن
بالتفويت (6)، وإلا (7) لحجر على المريض بالطلاق، إلا أن يخرج
البضع من ثلث ماله، ولأنه (8) لا يضمن له لو قتلها قاتل، أو قتلت (9)
156

نفسها، أو حرمت (1) نكاحها برضاع، (وهي زوجة الثاني)، لأن
الحكم لا ينقض بعد وقوعه.
(وإن كان (2) قبل الدخول غرما للأول نصف المهر) الذي
غرمه لأنه وإن كان (3) ثابتا بالعقد، كثبوت الجميع بالدخول، إلا
أنه كان معرضا للسقوط بردتها (4)، أو الفسخ لعيب، بخلافه بعد الدخول
لاستقراره (5) مطلقا (6) وهذا هو الأقوى وبه قطع في الدروس، ونقله
هنا قولا كالآخر (7) يدل على تردده فيه، ولعله (8) لمعارضة الرواية
المعتبرة.
واعلم أنهم أطلقوا الحكم في الطلاق من غير فرق بين البائن،
157

والرجعي ووجه حصول السبب المزيل للنكاح في الجملة (1)، خصوصا
بعد انقضاء عدة الرجعي (2)، فالتفويت حاصل على التقديرين (3)،
ولو قيل: بالفرق، واختصاص الحكم بالبائن كان حسنا (4)، فلو شهدا
بالرجعي لم يضمنا إذ لم يفوتا شيئا، لقدرته (5) على إزالة السبب بالرجعة
ولو لم يراجع حتى انقضت العدة احتمل إلحاقه (6) بالبائن والغرم (7)
وعدمه (8)، لتقصيره بترك الرجعة، ويجب تقييد الحكم في الطلاق مطلقا
بعدم عروض وجه مزيل للنكاح، فلو شهدا به (9) ففرق ورجعا
فقامت بينة أنه كان بينهما (10) رضاع محرم فلا غرم إذ لا تفويت.
(ولو ثبت تزوير الشهود) بقاطع (11) كعلم الحاكم به (12)، لا
158

بإقرارهما، لأنه رجوع، ولا بشهادة غيرهما، لأنه تعارض (1) (نقض
الحكم) لتبين فساده، (واستعيد المال) إن كان المحكوم به مالا، (فإن
تعذر أغرموا)، وكذا يلزمهم كل ما فات (2) بشهادتهم، (وعزروا
على كل حال) سواء كان ثبوته (3) قبل الحكم، أم بعده، فات شئ
أم لا، وشهروا) في بلدهم وما حولها، لتجتنب شهادتهم،
ويرتدع غيرهم، ولا كذلك من تبين غلطه، أو ردت شهادته،
لمعارضة (4) بينة أخرى، أو ظهور فسق، أو تهمة، لإمكان كونه (5)
صادقا في نفس الأمر فلم يحصل منه بالشهادة أمر زائد (6).
159

كتاب الوقف
161

كتاب الوقف
(وهو تحبيس الأصل) أي جعله على حالة لا يجوز التصرف فيه
شرعا على وجه ناقل له عن الملك إلا ما استثني (1)، (وإطلاق المنفعة)
وهذا ليس تعريفا، بل ذكر شئ من خصائصه، أو تعريف لفظي،
موافقة للحديث الوارد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: حبس الأصل،
وسبل الثمرة (2)، وإلا (3) لانتقض بالسكنى وأختيها والحبس،
وهي (4) خارجة عن حقيقته كما سيشير إليه، وفي الدروس عرفه بأنه
الصدقة الجارية تبعا لما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: إذا مات
ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية الحديث (5).
163

(ولفظه الصريح) الذي لا يفتقر في دلالته عليه إلى شئ آخر
(وقفت) خاصة على أصح القولين (وأما حبست وسبلت وحرمت
وتصدقت فمفتقر إلى القرينة) كالتأبيد، ونفي البيع والهبة والإرث، فيصير
بذلك (1) صريحا. وقيل: الأولان (2) صريحان أيضا بدون الضميمة،
ويضعف باشتراكهما. بينه (3) وبين غيره فلا يدل على الخاص (4) بذاته
فلا بد من انضمام قرينة تعينه. ولو قال جعلته وقفا، أو صدقة مؤبدة
محرمة كفي، وفاقا للدروس، لأنه كالصريح. ولو نوى الوقف فيما يفتقر
إلى القرينة وقع باطنا (5) ودين (6) بنيته لو ادعاه (7)، أو ادعى
غيره (8)، ويظهر منه عدم اشتراط القبول مطلقا (9)، ولا القربة.
164

أما الثاني (1) فهو أصح الوجهين، لعدم دليل صالح على اشتراطها (2)
وإن توقف عليها الثواب.
وأما الأول (3) فهو أحد القولين، وظاهر الأكثر، لأصالة عدم
الاشتراط، ولأنه إزالة ملك فيكفي فيه الإيجاب كالعتق. وقيل: يشترط
إن كان الوقف على من يمكن في حقه القبول (4)، وهو أجود،
وبذلك (5) دخل في باب العقود، لأن إدخال شئ في ملك الغير يتوقف
على رضاه (6)، وللشك في تمام السبب بدونه (7) فيستصحب (8)،
فعلى هذا يعتبر فيه ما يعتبر في العقود اللازمة، من اتصاله بالإيجاب عادة
165

ووقوعه بالعربية وغيرها.
نعم لو كان على جهة عامة، أو قبيلة كالفقراء لم يشترط (1)،
وإن أمكن قبول الحاكم له (2)، وهذا (3) هو الذي قطع به في الدروس
وربما قيل: باشتراط قبول الحاكم فيما له ولايته (4). وعلى القولين
لا يعتبر قبول البطن الثاني، ولا رضاه، لتمامية الوقف قبله (5) فلا ينقطع
ولأن قبوله (6) لا يتصل بالإيجاب، فلو اعتبر لم يقع له.
(ولا يلزم) الوقف بعد تمام صيغته (بدون القبض) وإن كان
في جهة عامة قبضها الناظر (7) فيها، أو الحاكم، أو القيم المنصوب من قبل
الواقف لقبضه، ويعتبر وقوعه (8) (بإذن الواقف) كغيره لامتناع
التصرف في مال الغير بغير إذنه، والحال أنه لم ينتقل إلى الموقوف عليه
بدونه (9)، (فلو مات) الواقف (قبله) أي قبل قبضه
166

المستند (1) إلى إذنه (بطل) ورواية (2) عبيد بن زرارة صريحة فيه،
ومنه (3) يظهر أنه لا تعتبر فوريته.
والظاهر أن موت الموقوف عليه كذلك (4)، مع احتمال قيام وارثه
مقامه (5)، ويفهم من نفيه اللزوم (6) بدونه أن العقد صحيح قبله فينتقل
الملك انتقالا متزلزلا يتم بالقبض وصرح غيره وهو (7) ظاهره في الدروس
أنه (8) شرط الصحة، وتظهر الفائدة في النماء المتخلل بينه (9) وبين
167

العقد، ويمكن أن يريد هنا باللزوم الصحة بقرينة حكمه بالبطلان لو مات
قبله (1)، فإن ذلك (2) من مقتضى عدم الصحة، لا اللزوم كما صرح
به في هبة الدروس، واحتمل إرادته (3) من كلام بعض الأصحاب فيها (4)
(ويدخل في وقف الحيوان لبنه وصوفه) وما شاكله (5) (الموجودان
حال العقد ما لم يستثنهما)، كما يدخل ذلك في البيع، لأنهما كالجزء
من الموقوف بدلالة العرف، وهو الفارق بينهما وبين الثمرة فإنها (6) لا
تدخل وإن كانت (7) طلعا لم يؤبر (8).
(وإذا تم) الوقف (لم يجز الرجوع فيه)، لأنه من العقود
اللازمة، (وشرطه) مضافا إلى ما سلف (9) (التنجيز) فلو علقه
على شرط (10).
168

أو صفة (1) بطل إلا أن يكون (2) واقعا والواقف عالم بوقوعه كقوله:
وقفت إن كان اليوم الجمعة، وكذا في غيره من العقود، (والدوام)
فلو قرنه بمدة، أو جعله على من ينقرض غالبا (3) لم يكن وقفا،
والأقوى صحته حبسا يبطل بانقضائها (4)، وانقراضه (5)، فيرجع
إلى الواقف، أو وارثه حي انقراض الموقوف عليه كالولاء (6). ويحتمل
إلى وارثه عند موته (7) ويسترسل فيه إلى أن يصادف الانقراض، ويسمى
169

هذا منقطع الآخر، ولو انقطع أوله (1)، أو وسطه (2)، أو طرفاه (3)
فالأقوى بطلان ما بعد القطع، فيبطل الأول (4) والأخير (5) ويصح
أول الآخر (6).
170

(والإقباض) وهو تسليط الواقف للقابض عليه (1)، ورفع يده
عنه 2) له (3)، وقد يغاير (4) الإذن (5) في القبض الذي اعتبره
سابقا بأن يأذن فيه ولا يرفع يده عنه، (وإخراجه عن نفسه) فلو وقف
على نفسه بطل وإن عقبه بما يصح الوقف عليه، لأنه حينئذ منقطع
الأول (6)، وكذا لو شرط لنفسه الخيار في نقضه متى شاء، أو في مدة
معينة (7) - نعم لو وقفه على قبيل هو منهم ابتداء، أو صار منهم
171

شارك، أو شرط عوده إليه عند الحاجة فالمروي (1) والمشهور اتباع
شرطه (2)، ويعتبر حينئذ (3) قصور ماله عن مؤنة سنة فيعود عندها (4)
ويورث (5) عنه لو مات وإن كان (6) قبلها (7)، ولو شرط أكل
أهله منه صح الشرط كما فعل النبي (8) صلى الله عليه وآله بوقفه،
وكذلك فاطمة (9) عليها السلام، ولا يقدح كونهم واجبي النفقة، فتسقط
نفقتهم إن اكتفوا به (10). ولو وقف على نفسه وغيره صح نصفه
على الأقوى إن اتحد، وإن تعدد فبحسبه (11)، فلو كان جمعا كالفقراء
172

بطل في ربعه (1)، ويحتمل النصف (2)، والبطلان رأسا (3).
(وشرط الموقوف أن يكون عينا) فلا يصح وقف المنفعة، ولا
الدين، ولا المبهم، لعدم (4) الانتفاع به (5) مع بقائه (6)، وعدم (7)
وجوده (8) خارجا، والمقبوض (9).
173

والمعين بعده (1) غيره (2)، (مملوكة) إن أريد بالمملوكية صلاحيتها له (3)
بالنظر إلى الواقف ليحترز عن وقف نحو الخمر والخنزير من المسلم فهو (4)
شرط الصحة، وإن أريد به (5) الملك الفعلي ليحترز به (6) عن وقف ما لا
يملك (7) وإن صلح له (8) فهو شرط اللزوم (9). والأولى أن يراد به (10)
174

الأعم (1) وإن ذكر (2) بعض تفصيله (3) بعد، (ينتفع بها (4)
مع بقائها)، فلا يصح وقف ما لا ينتفع به إلا مع ذهاب عينه كالخبز
والطعام والفاكهة، ولا يعتبر في الانتفاع به كونه في الحال، بل يكفي
المتوقع كالعبد والجحش الصغيرين، والزمن الذي يرجى زوال زمانته
وهل يعتبر طول زمان المنفعة، إطلاق العبارة والأكثر يقتضي عدمه (5)،
فيصح وقف ريحان يسرع فساده (6)، ويحتمل اعتباره (7) لقلة المنفعة
ومنافاتها (8) للتأبيد المطلوب من الوقف، وتوقف في الدروس، ولو
كان (9) مزروعا صح، وكذا ما يطول نفعه كمسك وعنبر.
(ويمكن إقباضها) فلا يصح وقف الطير في الهواء، ولا السمك
في ماء لا يمكن قبضه عادة، ولا الآبق، والمغصوب، ونحوها. ولو
وقفه على من يمكنه قبضه فالظاهر الصحة، لأن الإقباض المعتبر من المالك
هو الإذن في قبضه، وتسليطه عليه، والمعتبر من الموقوف عليه تسلمه
175

وهو ممكن، (ولو وقف ما لا يملكه وقف (1) على إجازة المالك)
كغيره (2) من العقود. لأنه عقد صدر من صحيح العبارة قابل للنقل
وقد أجاز المالك فيصح. ويحتمل عدمها (3) هنا وإن قيل به في غيره
لأن عبارة الفضولي لا أثر لها، وتأثير الإجازة غير معلوم، لأن الوقف
فك ملك في كثير من موارده، ولا أثر لعبارة الغير فيه، وتوقف المصنف
في الدروس، لأنه نسب عدم الصحة إلى قول ولم يفت بشئ، وكذا
في التذكرة. وذهب جماعة إلى المنع هنا، ولو اعتبرنا فيه التقرب قوي
المنع، لعدم صحة التقرب بملك الغير.
(ووقف المشاع جائز كالمقسوم)، لحصول الغاية المطلوبة من الوقف
وهو تحبيس الأصل وإطلاق الثمرة به، وقبضه (4) كقبض المبيع في توقفه
على إذن المالك والشريك عند المصنف مطلقا (5)، والأقوى أن ذلك (6)
في المنقول، وغيره (7) لا يتوقف على إذن الشريك، لعدم (8) استلزام
176

التخلية التصرف في ملك الغير.
(وشرط الواقف الكمال) بالبلوغ والعقل والاختيار ورفع الحجر،
(ويجوز أن يجعل النظر) على الموقوف (لنفسه، ولغيره) في متن الصيغة
(فإن أطلق) ولم يشترطه لأحد (فالنظر في الوقف العام إلى الحاكم)
الشرعي، (وفي غيره) وهو الوقف على معين (إلى الموقوف عليهم)،
والواقف مع الإطلاق كالأجنبي.
ويشترط في المشروط له النظر العدالة، والاهتداء (1) إلى التصرف
ولو عرض له (2) الفسق انعزل، فإن عاد (3) عادت إن كان (4)
مشروطا من الواقف، ولا يجب على المشروط له القبول، ولو قبل لم
يجب عليه الاستمرار، لأنه في معنى التوكيل، وحيث يبطل النظر يصير
كما لو لم يشترط. ووظيفة الناظر مع الإطلاق العمارة والإجارة، وتحصيل
الغلة، وقسمتها على مستحقها، ولو فوض إليه بعضها (5) لم يتعده،
ولو جعله (6) لاثنين وأطلق لم يستقل أحدهما بالتصرف، وليس للواقف
177

عزل المشروط في العقد، وله (1) عزل المنصوب من قبله (2) لو شرط
النظر لنفسه فولاه (3)، لأنه وكيل، ولو آجر الناظر مدة فزادت
الأجرة في المدة، أو ظهر طالب بالزيادة لم ينفسخ العقد، لأنه جرى
بالغبطة في وقته إلا أن يكون في زمن خياره (4) فيتعين عليه الفسخ. ثم
إن شرط له شئ عوضا عن عمله لزم، وليس له غيره، وإلا فله
أجرة المثل عن عمله مع قصد (5) الأجرة به.
(وشرط الموقوف عليه وجوده، وصحة تملكه، وإباحة الوقف عليه
فلا يصح)، الوقف (على المعدوم ابتداء) بأن يبدأ به، ويجعله
من الطبقة الأولى، فيوقف على من يتجدد من ولد شخص ثم عليه (6)
مثلا، (ويصح تبعا) بأن يوقف عليه وعلى من يتجدد من ولده، وإنما
يصح تبعية المعدوم الممكن وجوده عادة كالولد أما ما لا يمكن وجوده
178

كذلك (1) كالميت لم يصح مطلقا (2)، فإن ابتدأ به بطل الوقف،
وإن أخره كان منقطع الآخر أو الوسط، وإن ضمه إلى موجود بطل فيما
يخصه خاصة على الأقوى، (ولا على) من لا يصح تملكه شرعا مثل
(العبد) وإن تشبث بالحرية كأم الولد، وجبريل) وغيره من الملائكة
والجن والبهائم، ولا يكون وقفا على سيد (3) العبد ومالك الدابة عندنا،
وينبغي أن يستثنى من ذلك العبد المعد لخدمة الكعبة والمشهد والمسجد
ونحوها من المصالح العامة، والدابة المعدة لنحو ذلك أيضا لأنه كالوقف
على تلك المصلحة.
ولما كان اشتراط أهلية الموقوف عليه للملك يوهم عدم صحته على ما لا
يصح تملكه من المصالح العامة كالمسجد والمشهد والقنطرة، نبه على صحته
وبيان وجهه بقوله (والوقف على المساجد والقناطر في الحقيقة) وقف
(على المسلمين) وإن جعل متعلقه بحسب اللفظ غيرهم، (إذ هو مصروف
إلى مصالحهم)، وإنما أفاد تخصيصه بذلك (4) تخصيصه ببعض مصالح
المسلمين وذلك لا ينافي الصحة، ولا يرد أن ذلك (5) يستلزم جواز
الوقف على البيع (6) والكنائس، كما يجوز الوقف على أهل الذمة. لأن
179

الوقف على كنائسهم وشبهها وقف على مصالحهم، للفرق (1). فإن الوقف
على المساجد مصلحة للمسلمين، وهي مع ذلك طاعة وقربة، فهي جهة
من جهات المصالح المأذون فيها، بخلاف الكنائس، فإن الوقف عليها
وقف على جهة خاصة من مصالح أهل الذمة لكنها معصية، لأنها إعانة
لهم على الاجتماع إليها للعبادات المحرمة، والكفر، بخلاف الوقف عليهم
أنفسهم. لعدم استلزامه المعصية بذاته، إذ نفعهم من حيث الحاجة،
وأنهم عباد الله، ومن جملة بني آدم المكرمين، ومن تجويز (2) أن يتولد
منهم المسلمون لا معصية (3) فيه. وما يترتب عليه من إعانتهم به
على المحرم كشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير والذهاب إلى تلك الجهات
المحرمة ليس مقصودا للواقف، حتى لو فرض قصده (4) له (5) حكمنا
180

ببطلانه، ومثله الوقف عليهم لكونهم كفارا، كما لا يصح الوقف على فسقة
المسلمين من حيث هم فسقة (ولا على الزناة والعصاة) من حيث هم
كذلك (1)، لأنه إعانة على الإثم والعدوان فيكون معصية. أما لو وقف
على شخص متصف بذلك (2) لا من حيث كون الوصف مناط الوقف
صح، سواء أطلق أم قصد جهة محللة.
(والمسلمون من صلى إلى القبلة) أي اعتقد الصلاة إليها وإن لم
يصل، لا مستحلا وقيل: يشترط الصلاة بالفعل، وقيل: يختص
بالمؤمن وهما ضعيفان، (إلا الخوارج والغلاة) فلا يدخلون في مفهوم
المسلمين وإن صلوا إليها للحكم بكفرهم، ولا وجه لتخصيصه بهما، بل كل
من أنكر ما علم من الدين ضرورة كذلك (3) عنده، والنواصب كالخوارج
فلا بد من استثنائهم أيضا.
وأما المجسمة فقطع المصنف بكفرهم في باب الطهارة من الدروس
وغيرها، وفي هذا الباب منها (4) نسب خروج المشبهة منهم إلى القبل،
مشعرا بتوقفه فيه (5)، والأقوى خروجه (6)، إلا أن يكون الواقف
181

من إحدى الفرق فيدخل (1) فيه مطلقا (2)، نظرا إلى قصده، ويدخل
الإناث تبعا، وكذا من بحكمهم كالأطفال والمجانين، ولدلالة العرف
عليه (3).
(والشيعة من شايع عليا عليه السلام) أي اتبعه (وقدمه) على غيره
في الإمامة وإن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة بعده، فيدخل فيهم
الإمامية، والجارودية من الزيدية، والإسماعيلية غير الملاحدة (4) منهم،
والواقفية، والفطحية، وغيرهم، وربما قبل بأن ذلك (5) مخصوص بما
إذا كان الواقف من غيرهم، أما لو كان منهم صرف إلى أهل نحلته
خاصة، نظرا إلى شاهد حاله، وفحوى قوله، وهو حسن من وجود
القرينة، وإلا فحمل اللفظ على عمومه أجود.
(والإمامية: الاثنا عشرية) أي القائلون بإمامة الاثني عشر المعتقدون
لها، وزاد في الدروس اعتقاد عصمتهم عليهم السلام أيضا، لأنه لازم
المذهب، ولا يشترط هنا اجتناب الكبائر اتفاقا وإن قيل به في المؤمنين
وربما أو هم كلامه في الدروس ورود الخلاف هنا أيضا، وليس كذلك.
ودليل القائل يرشد إلى اختصاص الخلاف بالمؤمنين، (والهاشمية من ولده
هاشم بأبيه) أي اتصل إليه بالأب وإن علا، دون الأم على الأقرب،
وكذا كل قبيلة) كالعلوية، والحسينية، يدخل فيها من اتصل بالمنسوب
182

إليه بالأب دون الأم، ويستوي فيه الذكور والإناث، (وإطلاق
الوقف) على متعدد (يقتضي التسوية) بين أفراده وإن اختلفوا بالذكورية
والأنوثية، لاستواء الإطلاق والاستحقاق بالنسبة إلى الجميع، (ولو
فضل) بعضهم على بعض (لزم) بحسب ما عين، عملا بمقتضى
الشرط.
(وهنا مسائل):
الأولى - (نفقة العبد الموقوف والحيوان) الموقوف (على الموقوف
عليهم) إن كانوا معينين، لانتقال الملك إليهم وهي تابعة له، ولو كان
على غير معينين ففي كسبه مقدمة على الموقوف عليه (1)، فإن قصر
الكسب ففي بيت المال، إن كان، وإلا وجب كفاية على المكلفين كغيره (2)
من المحتاجين إليها، ولو مات العبد فمؤنة تجهيزه كنفقته (3)، ولو كان
الموقوف عقارا فنفقته (4) حيث شرط الواقف، فإن انتفى الشرط ففي غلته
فإن قصرت لم يجب الإكمال، ولو عدمت لم تجب عمارته بخلاف الحيوان
لوجوب صيانة روحه، (ولو عمي العبد، أو جذم) أو أقعد
(انعتق) كما لو لم يكن موقوفا، (بطل الوقف) بالعتق، (وسقطت
183

النفقة) من (1) حيث الملك، لأنها كانت تابعة له فإذا زال زالت.
الثانية - (لو وقف في سبيل الله انصرف إلى كل قربة)، لأن
المراد من السبيل الطريق إلى الله أي إلى ثوابه ورضوانه، فيدخل فيه كل
ما يوجب الثواب من نفع المحاويج (2)، وعمارة المساجد، وإصلاح
الطرقات، وتكفين الموتى. وقيل: يختص بالجهاد، وقيل: بإضافة الحج
والعمرة إليه، والأول أشهر، (وكذا) لو وقف (في سبيل الخير،
وسبيل الثواب)، لاشتراك الثلاثة في هذا المعنى، وقيل: سبيل الثواب
الفقراء والمساكين، ويبدأ بأقاربه، وسبيل الخير الفقراء والمساكين وابن
السبيل والغارمون، الذين استدانوا لمصلحتهم، والمكاتبون. والأول أقوى
إلا أن يقصد الواقف غيره.
الثالثة - (إذا وقف على أولاده اشترك أولاد البنين والبنات)،
لاستعمال الأولاد فيما يشمل أولادهم استعمالا شائعا لغة وشرعا كقوله تعالى
" يا بني (3) آدم، يا بني إسرائيل، ويوصيكم الله في أولادكم "،
184

وللإجماع على تحريم حليلة ولد الولد ذكرا وأنثى من قوله تعالى:
" وحلائل أبنائكم " ولقوله صلى الله عليه وآله (1): " لا تزرموا (2)
ابني " يعني الحسن، أي لا تقطعوا عليه بوله لما بال في حجره.
والأصل في الاستعمال الحقيقة، وهذا الاستعمال كما دل على دخول أولاد
الأولاد في الأولاد، دل على دخول أولاد الإناث أيضا، وهذا أحد
القولين في المسألة.
وقيل: لا يدخل أولاد الأولاد مطلقا (3) في اسم الأولاد، لعدم
فهمه عند الإطلاق، ولصحة السلب فيقال في ولد الولد: ليس ولدي
بل ولد ولدي، وأجاب المصنف في الشرح (4) عن الأدلة الدالة
على الدخول بأنه ثم (5) من دليل خارج، وبأن اسم الولد لو كان
شاملا للجميع (6) لزم الاشتراك (7) وإن عورض بلزوم المجاز فهو
185

أولى (1)، وهذا (2) أظهر. نعم لو دلت قرينة على دخولهم كقوله:
الأعلى فالأعلى (3) اتجه دخول من دلت عليه، ومن خالف في دخولهم
كالفاضلين فرضوا المسألة فيما لو وقف على أولاد أولاده، فإنه حينئذ
يدخل أولاد البنين والبنات بغير إشكال، وعلى تقدير دخولهم بوجه
فاشتراكهم (بالسوية)، لأن ذلك مقتضى الإطلاق، والأصل عدم
التفاضل، (إلا أن يفضل) بالتصريح، أو بقوله: على كتاب الله
ونحوه، (ولو قال: على من انتسب إلي لم يدخل أولاد البنات)
على أشهر القولين، عملا بدلالة اللغة والعرف والاستعمال.
الرابعة - (إذا وقف مسجدا لم ينفك وقفه بخراب القرية)،
للزوم الوقف، وعدم صلاحية الخراب لزواله، لجواز عودها، أو انتفاع
المارة به، وكذا لو خرب المسجد، خلافا لبعض العامة، قياسا على عود
الكفن إلى الورثة عند اليأس من الميت، بجامع استغناء المسجد عن المصلين
كاستغناء الميت عن الكفن، والفرق واضح، لأن الكفن ملك للوارث
وإن وجب بذله في التكفين، بخلاف المسجد لخروجه بالوقف على وجه
فك الملك كالتحرير (4)، ولإمكان الحاجة إليه بعمارة القرية، وصلاة
المارة، بخلاف الكفن.
186

وإذا وقف على الفقراء، أو العلوية انصرف إلى من في بلد
الواقف منهم ومن حضره) بمعنى جواز الاقتصار عليهم من غير أن يتتبع
غيرهم ممن يشمله الوصف، فلو تتبع جاز. وكذا لا يجب انتظار من غاب
منهم عند القسمة. وهل يجب استيعاب من حضر ظاهر العبارة ذلك (1)
بناء على أن الموقوف عليه يستحق على جهة الاشتراك، لا على وجه
بيان المصرف، بخلاف الزكاة (2)، وفي الرواية (3) دليل عليه، ويحتمل
جواز الاقتصار على بعضهم (4)، نظرا إلى كون الجهة المعينة مصرفا، و
على القولين لا يجوز الاقتصار على أقل من ثلاثة، مراعاة لصيغة
الجمع (5). نعم لا تجب التسوية بينهم، خصوصا مع اختلافهم في المزية
بخلاف الوقف على المنحصرين (6) فيجب التسوية بينهم بالاستيعاب. وأعلم
أن الموجود في نسخ الكتاب بلد الواقف، والذي دلت عليه الرواية (7)
187

وذكره الأصحاب ومنهم المصنف في الدروس اعتبار بلد الوقف، لا الواقف
وهو أجود.
الخامسة - (إذا آجر البطن الأول الوقف ثم انقرضوا تبين بطلان
الإجارة في المدة الباقية)، لانتقال الحق إلى غيرهم، وحقهم وإن كان
ثابتا عند الإجارة إلا أنه مقيد بحياتهم، لا مطلقا (1)، فكانت الصحة
في جميع المدة مراعاة باستحقاقهم لها، حتى لو آجروها مدة يقطع فيها
بعدم بقائهم إليها عادة فالزائد باطل من الابتداء ولا يباح لهم أخذ
قسطه من الأجرة، وإنما أبيح في الممكن، استصحابا للاستحقاق بحسب
الإمكان، ولأصالة البقاء.
وحيث تبطل في بعض المدة (فيرجع المستأجر على ورثة الآجر (2)
بقسط المدة الباقية (إن كان قد قبض الأجرة، وخلف تركة) فلو لم
يخلف مالا لم يجب على الوارث الوفاء من ماله كغيرها (3) من الديون
هذا إذا كان قد آجرها لمصلحته، أو لم يكن ناظرا، فلو كان ناظرا
وآجرها لمصلحة البطون لم تبطل الإجارة، وكذا لو كان المؤجر هو الناظر
في الوقف مع كونه غير مستحق.
188

كتاب العطية
189

كتاب العطية (1)
(وهي) أي العطية باعتبار الجنس (أربعة):
(الأول - الصدقة: وهي عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول) إطلاق
العقد على نفس العطية لا يخلو من تساهل، بل في إطلاقه على جميع
المفهومات المشهورة من البيع والإجارة وغيرهما. وإنما هو دال عليها،
ويعتبر في إيجاب الصدقة وقبولها ما يعتبر في غيرها من العقود اللازمة،
(وقبض بإذن الموجب)، بل بإذن المالك، فإنه لو وكل في الإيجاب
لم يكن للوكيل الإقباض.
(ومن شرطها القربة) فلا تصح بدونها وإن حصل الإيجاب والقبول
والقبض، للروايات الصحيحة الدالة عليه، (فلا يجوز الرجوع فيها
بعد القبض). لتمام الملك، وحصول العوض وهو القربة، كما لا يصح
الرجوع في الهبة مع التعويض. وفي تفريعه بالفاء إشارة إلى أن القربة
عوض، بل العوض الأخروي أقوى من العوض الدنيوي.
(ومفروضها محرم على بني هاشم من غيرهم إلا مع قصور خمسهم)
لأن الله تعالى جعل لهم الخمس عوضا عنها، وحرمها عليهم، معللا بأنها
أوساخ الناس، والأقوى اختصاص التحريم بالزكاة المفروضة، دون
المنذورة والكفارة وغيرهما. والتعليل بالأوساخ يرشد إليه، (وتجوز الصدقة
على الذمي) رحما كان أم غيره، وعلى المخالف للحق، (لا الحربي)
والناصب، وقيل: بالمنع من غير المؤمن وإن كانت ندبا. وهو بعيد،
191

(وصدقة السر أفضل) إذا كانت مندوبة، للنص عليه في الكتاب (1)
والسنة (2)، (إلا أن يتهم بالترك) فالاظهار أفضل، دفعا لجعل
عرضه (3) عرضة (4) للتهم، فإن ذلك (5) أمر مطلوب شرعا،
حتى للمعصوم، كما ورد في الأخبار (6)، وكذا الأفضل إظهارها لو
قصد به متابعة الناس له فيها، لما فيه (7) من التحريض على نفع الفقراء
(الثاني - الهبة: وتسمى نحلة وعطية وتفتقر إلى الإيجاب)
وهو كل لفظ دل على تمليك العين من غير عوض، كوهبتك و ملكتك
وأعطيتك ونحلتك وأهديت إليك وهذا لك مع نيتها (8)، ونحو ذلك،
(والقبول) وهو اللفظ الدال على الرضا، (والقبض بإذن الواهب)
إن لم يكن مقبوضا بيده من قبل، (ولو وهبه ما بيده لم يفتقر إلى قبض
جديد، ولا إذن فيه ولا مضي زمان) يمكن فيه قبضه، لحصول
192

القبض المشروط، فأغنى عن قبض آخر، وعن مضي زمان يسعه،
إذ لا مدخل للزمان في ذلك، مع كونه مقبوضا، وإنما كان معتبرا مع عدم
القبض، لضرورة امتناع حصوله بدونه. وإطلاق العبارة يقتضي عدم
الفرق بين كونه بيده بإيداع، أو عارية، أو غصب، أو غير ذلك،
والوجه واحد. وقيل: بالفرق بين القبض بإذنه وغيره وهو حسن، إذ
لا يد للغاصب شرعا، (وكذا إذا وهب الولي الصبي)، أو الصبية
(ما في يد الولي كفى الإيجاب والقبول) من غير تجديد القبض، لحصوله
بيده، وهي بمنزلة يده، ولا مضي زمان. وقيل: يعتبر قصد القبض
عن الطفل لأن المال المقبوض بيد الولي له فلا ينصرف إلى الطفل إلا
بصارف وهو القصد وكلام الأصحاب مطلق.
(ولا يشترط في الإبراء) وهو إسقاط ما في ذمة الغير من الحق
(القبول)، لأنه إسقاط حق، لا نقل ملك، وقيل: يشترط لاشتماله
على المنة، ولا يجبر على قبولها كهبة العين والفرق واضح (1)، (و)
كذا (لا) يشترط (في الهبة القربة) للأصل، لكن لا يثاب عليها (2)
بدونها (3)، ومعها (4) تصير عوضا كالصدقة.
(ويكره تفضيل بعض الولد على بعض) وإن اختلفوا في الذكورة
والأنوثة، لما فيه من كسر قلب المفضل عليه، وتعريضهم للعداوة،
193

وروي (1) أن النبي صلى الله عليه وآله قال لمن أعطى بعض أولاده
شيئا: " أكل (2) ولدك أعطيت مثله " قال لا قال: " فاتقوا الله
واعدلوا بين أولادكم " فرجع في تلك العطية، وفي رواية (3) أخرى:
" لا تشهدني على جور "، وحيث يفعل يستحب الفسخ مع إمكانه
للخبر (4) وذهب بعض الأصحاب إلى التحريم، وفي المختلف خص
الكراهة بالمرض والاعسار، لدلالة بعض الأخبار (5) عليه والأقوى
الكراهة مطلقا (6)، واستثنى من ذلك ما لو اشتمل المفضل على معنى
يقتضيه، كحاجة زائدة، وزمانة، واشتغال بعلم، أو نقص المفضل
عليه بسفه، أو فسق، أو بدعة، ونحو ذلك.
(ويصح الرجوع في الهبة بعد الإقباض ما لم يتصرف الموهوب)
تصرفا متلفا للعين، أو ناقلا للملك، أو مانعا من الرد كالاستيلاد، أو
مغيرا للعين كقصارة (7) الثوب، ونجارة الخشب، وطحن الحنطة
194

على الأقوى في الأخير. وقيل: مطلق التصرف وهو ظاهر العبارة،
وفي تنزيل موت المتهب (1) منزلة التصرف قولان، من عدم وقوعه منه
فتتناوله الأدلة المجوزة للرجوع. ومن انتقال الملك عنه بالموت بفعله تعالى
وهو أقوى من نقله بفعله، وهو (2) أقوى. وخيرة (3) المصنف
في الدروس والشرح، (أو يعوض) عنها بما يتفقان عليه، أو بمثلها،
أو قيمتها مع الإطلاق، (أو يكن رحما) قريبا وإن لم يحرم نكاحه،
أو يكن زوجا أو زوجة على الأقوى، لصحيحة زرارة (4).
(ولو عابت لم يرجع بالأرش على الموهوب) وإن كان بفعله،
لأنها غير مضمونة عليه وقد سلطه على إتلافها مجانا فأبعاضها أولى (5)،
(ولو زادت زيادة متصلة) كالسمن (6)، وإن كان بعلف المتهب (7)
(فللواهب) إن جوزنا الرجوع حينئذ (8)، (والمنفصلة) كالولد واللبن
(للموهوب له)، لأنه نماء حدث في ملكه فيختص به، سواء كان
الرجوع قبل انفصالها (9) بالولادة والحلب، أم بعده (10)، لأنه منفصل
195

حكما (1). هذا إذا تجددت الزيادة بعد ملك المتهب بالقبض، فلو كان
قبله (2) فهي للواهب.
(ولو وهب أو وقف أو تصدق في مرض موته فهي من الثلث)
على أجود القولين (إلا أن يجيز الوارث) ومثله (3) ما لو فعل ذلك
في حال الصحة، وتأخر القبض إلى المرض، ولو شرط في الهبة عوضا
يساوي الموهوب نفذت (4) من الأصل، لأنها معاوضة بالمثل، كالبيع
بثمن المثل (5).
(الثالث - السكنى) وتوابعها. وكان الأولى عقد الباب للعمري
لأنها أعم موضوعا (6) كما فعل في الدروس، (ولا بد فيها من إيجاب
وقبول كغيرها من العقود، (وقبض) على تقدير لزومها (7). أما
لو كانت جائزة كالمطلقة (8) كان الإقباض شرطا في جواز التسلط
196

على الانتفاع (1). ولما كانت الفائدة بدونه منتفية أطلق اشتراطه (2)
فيها (3)، ويفهم من إطلاقه عدم اشتراط التقرب، وبه صرح في الدروس
وقيل: يشترط، والأول أقوى، نعم حصول الثواب متوقف على نيته (4)
(فإن أقتت بأمد) مضبوط، (أو عمر أحدهما) المسكن (5)
أو الساكن (لزمت) تلك المدة وما دام العمر باقيا (وإلا)
توقت بأمد، ولا عمر أحدهما (جاز الرجوع فيها) متى شاء، (وإن
مات أحدهما) مع الإطلاق (بطلت (6)) وإن لم يرجع. كما هو شأن
العقود الجائزة، بخلاف الأولين (7)، (ويعبر عنها) أي عن السكنى
(بالعمرى) إن قرنت بعمر أحدهما، (والرقبى) إن قرنت بالمدة،
ويفترقان (8) عنها بوقوعهما على ما لا يصلح للسكنى، فيكونان أعم (9)
197

منها (1) من هذا الوجه (2)، وإن كانت (3) أعم منهما من حيث جواز
إطلاقها في المسكون، مع اقترانها بالعمر والمدة والإطلاق بخلافهما (4).
(وكل ما صح وقفه) من أعيان الأموال (صح إعماره) وإرقابه
وإن لم يكن مسكنا، وبهذا ظهر عموم (5) موضوعهما، (وإطلاق
198

السكنى) الشامل للثلاثة (1) حيث يتعلق بالمسكن (يقتضي سكناه بنفسه
ومن جرت عادته) أي عادة الساكن (به) أي بإسكانه معه كالزوجة
والولد، والخادم، والضيف والدابة إن كان في المسكن موضع معد
لمثلها (2)، وكذا وضع ما جرت العادة بوضعه فيها (3) من الأمتعة والغلة
بحسب حالها (4)، (وليس له أن يؤجرها)، ولا يغيرها، (ولا أن يسكن
غيره) وغير من جرت عادته به (إلا بإذن المسكن)، وقيل: يجوزان
مطلقا (5). والأول أشهر وحيث تجوز الإجارة فالأجرة للساكن (6).
(الرابع - التحبيس. وحكمه حكم السكنى في اعتبار العقد والقبض،
والتقييد بمدة والإطلاق) ومحله كالوقف (7)، (وإذا حبس عبده أو فرسه)
أو غيرهما مما يصلح لذلك (في سبيل الله، أو على زيد لزم ذلك، ما دامت
بالعين باقية، وكذا لو حبس عبده، أو أمته في خدمة الكعبة، أو مسجد
199

أو مشهد (1).
وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين إطلاق العقد وتقييده بالدوام،
ولكن مع الإطلاق في حبسه على زيد سيأتي ما يخالفه (2)، وفي الدروس
أن الحبس على هذه القرب غير زيد يخرج عن الملك بالعقد، ولم يذكر
هو ولا غيره حكم ذلك (3) لو قرنه بمدة، ولا حكم غير المذكورات،
وبالجملة فكلامهم في هذا الباب غير منقح، (ولو حبس على رجل
ولم يعين وقتا ومات الحابس كان ميراثا) بمعنى أنه غير لازم كالسكنى
فتبطل بالموت، ويجوز الرجوع فيه متى شاء، ولو قرن فيه بمدة لزم فيها،
ورجع إلى ملكه بعدها (4).
واعلم أن جملة أقسام المسألة كالسكنى، إما أن يكون على قربة
كالمسجد، أو على آدمي ثم إما أن يطلق، أو يقرنه بمدة، أو يصرح
بالدوام. والمحبس إما أن يكون عبدا، أو فرسا، أو غيرهما من الأموال
التي يمكن الانتفاع بها في ذلك الوجه. ففي الآدمي يمكن فرض سائر
الأموال (5) ليستوفي منافعها، وفي سبيل الله يمكن فرض العبد والفرس
والبعير والبغل والحمار وغيرها، وفي خدمة المسجد ونحوه يمكن فرض
العبد والأمة والدابة إذا احتيج إليها في نقل الماء ونحوه، وغيره من الأملاك
200

ليستوفي منفعتها بالإجارة، ويصرف (1) على مصالحه، وكلامهم في تحقيق
أحكام هذه الصور قاصر جدا فينبغي تأمله.
201

كتاب المتاجر
203

كتاب المتاجر
(المتاجر) جمع متجر وهو مفعل من التجارة (1)، إما مصدر ميمي
بمعناها كالمقتل، وهو " هنا " نفس التكسب، أو اسم مكان لمحل التجارة،
وهي الأعيان المكتسب بها، والأول أليق بمقصود العلم، فإن الفقيه يبحث
عن فعل المكلف والأعيان متعلقات فعله، وقد أشار المصنف إلى الأمرين (2)
معا فإلى الثاني (3) بتقسيمه الأول (4)، وإلى الأول (5) بقوله أخيرا:
ثم التجارة تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة، والمراد بها (6) هنا (7)
205

التكسب بما هو أعم (1) من البيع: فعقد الباب بعد ذكر الأقسام للبيع (2)
خاصة غير جيد (3)، وكان إفرادها (4) بكتاب، ثم ذكر البيع
في كتاب كغيره مما يحصل به الاكتساب كما صنع في الدروس أولى،
وفيه (5) فصول.
(الأول ينقسم موضوع التجارة) وهو ما يكتسب به ويبحث
فيها عن عوارضه اللاحقة له من حيث الحكم الشرعي (إلى محرم ومكروه
ومباح)، ووجه الحصر في الثلاثة أن المكتسب به إما أن يتعلق به نهي،
أولا، والثاني المباح، والأول إما أن يكون النهي عنه مانعا من النقيض،
أولا، والأول الحرام، والثاني المكروه، ولم يذكر الحكمين الآخرين وهما:
الوجوب والاستحباب، لأنهما من عوارض التجارة كما سيأتي في أقسامها،
(فالمحرم الأعيان النجسة كالخمر) المتخذ من العنب، (والنبيذ) المتخذ
206

من التمر، وغيرهما من الأنبذة كالبتع (1) والمزر (2) والجعة (3)
والفضيخ (4) والنقيع (5) وضابطها المسكر وإن لم يكن مائعا كالحشيشة
إن لم يفرض لها (6) نفع آخر، وقصد ببيعها (7) المنفعة المحللة.
(والفقاع (8) وإن لم يكن مسكرا، لأنه خمر استصغره الناس،
(والمائع النجس غير القابل للطهارة) إما لكون نجاسته ذاتية كأليات (9)
الميتة، والمبانة من الحي، أو عرضية كما لو وقع فيه نجاسة وقلنا بعدم
قبوله للطهارة كما هو أصح القولين في غير الماء النجس، (إلا الدهن)
بجميع أصنافه (10)، (للضوء تحت السماء) لا تحت الظلال (11) في المشهور
207

والنصوص (1) مطلقة فجوازه مطلقا (2) متجه، والاختصاص بالمشهور (3)
تعبد، لا لنجاسة دخانه، فإن دخان النجس عندنا طاهر، لاستحالته.
وقد يعلل بتصاعد شئ من أجزائه مع الدخان قبل إحالة النار له
بسبب السخونة إلى أن يلقى الظلال فتتأثر (4) بنجاسته.
وفيه عدم صلاحيته (5) مع تسليمه للمنع. لأن تنجيس مالك
العين لها غير محرم. والمراد الدهن النجس بالعرض كالزيت تموت فيه
الفأرة ونحوه، لا بالذات كألية الميتة، فإن استعماله محرم مطلقا (6)،
للنهي (7) عن استعماله كذلك (8).
(والميتة) وأجزاؤها التي تحلها الحياة، دون ما لا تحله، مع طهارة
208

أصله بحسب ذاته (1)، (والدم) وإن فرض لها نفع حكمي (2)
كالصبغ (3)، (وأرواث (4) وأبوال غير المأكول) وإن فرض لهما
نفع (5)، أما هما مما يؤكل لحمه فيجوز مطلقا (6)، لطهارتهما،
ونفعهما، وقيل: بالمنع مطلقا (7)، إلا بول الإبل للاستشفاء (8) به
(والخنزير والكلب) البريان مطلقا (9)، (إلا كلب الصيد والماشية (10)
والزرع والحائط) كالبستان والجر و (11) القابل (12) للتعليم، ولو خرجت
الماشية عن ملكه، أو حصد الزرع، أو استغل (12) الحائط لم يحرم
209

اقتناؤها (1)، رجاء لغيرها (2)، ما لم يطل الزمان بحيث يلحق
بالهراش (3)، (وآلات اللهو) من الدف (4) والمزمار (5) والقصب (6)
وغيرها، (والصنم) المتخذ لعبادة الكفار، (والصليب (7)) الذي
يبتدعه النصارى، (وآلات القمار كالنرد (8)) بفتح النون،
(والشطرنج (9)) بكسر الشين فسكون الطاء ففتح الراء، (والبقيرى (10))
بضم الباء الموحدة، وتشديد القاف مفتوحة، وسكون الياء المثناة من تحت
وفتح الراء المهملة قال الجوهري: هي لعبة للصبيان وهي كومة من تراب
210

حولها خطوط، وعن المصنف رحمه الله: أنها الأربعة (1) عشر.
(وبيع السلاح) بكسر السين من السيف، والرمح والقوس،
والسهام، ونحوها (لأعداء الدين) مسلمين كانوا، أم كفارا، ومنهم
قطاع الطريق في حال الحرب، أو التهيؤ له (2)، لا مطلقا (3)، ولو
أرادوا الاستعانة به على قتال الكفار لم يحرم، ولا يلحق بالسلاح ما يعد
جنة للقتال كالدرع والبيضة (4) وإن كره، (وإجارة المساكن والحمولة)
بفتح الحاء وهي الحيوان الذي يصلح للحمل كالإبل والبغال والحمير،
والسفن داخلة فيه (5) تبعا (6)، (للمحرم) كالخمر وركوب الظلمة
وإسكانهم لأجله (7) ونحوه (8)، (وبيع العنب التمر) وغيرهما مما
يعمل منه المسكر، (ليعمل مسكرا) سواء شرطه في العقد، أم حصل
الاتفاق عليه، (والخشب ليصنع صنما)، أو غيره من الآلات المحرمة،
(ويكره بيعه لمن يعمله) من غير أن يبيعه لذلك، إن لم يعلم أنه يعمله
وإلا فالأجود التحريم، وغلبة الظن كالعلم، وقيل: يحرم ممن يعمله
211

مطلقا (1)).
(ويحرم عمل الصور المجسمة (2) ذوات الأرواح. واحترز
بالمجسمة عن الصور المنقوشة على نحو الوسادة والورق، والأقوى تحريمه
مطلقا (3). ويمكن أن يريد ذلك (4) بحمل الصفة (5) على الممثل (6)
لا المثال (7).
(والغناء) بالمد وهو مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب،
أو ما سمي في العرف غناء وإن لم يطرب (8)، سواء كان في شعر،
212

أم قرآن، أم غيرهما، واستثنى منه (1) المصنف وغيره الحداء (2)
للإبل، وآخرون ومنهم المصنف في الدروس فعله (3) للمرأة في الأعراس
إذا لم تتكلم بباطل، ولم تعمل بالملاهي، ولو بدف فيه صنج (4)،
لا بدونه (5)، ولم يسمع صوتها أجانب الرجال. ولا بأس به.
(ومعونة الظالمين بالظلم) كالكتابة لهم، وإحضار المظلوم ونحوه،
لا معونتهم بالأعمال المحللة كالخياطة، وإن كره التكسب بماله، (والنوح
بالباطل) بأن تصف (6) الميت بما ليس فيه، ويجوز بالحق إذا لم
تسمعها (7) الأجانب، (وهجاء المؤمنين) بكسر لا هاء والمد وهو ذكر
معايبهم بالشعر ولا فرق في المؤمن بين الفاسق وغيره، ويجوز هجاء
213

غيرهم (1) كما يجوز لعنه.
(والغيبة) بكسر المعجمة وهو القول وما في حكمه في المؤمن بما
يسوءه لو سمعه مع اتصافه به وفي حكم القول الإشارة باليد وغيرها
من الجوارح، والتحاكي بقول، أو فعل كمشية (2) الأعرج، والتعريض
كقوله: أنا لست متصفا بكذا، أو الحمد لله الذي لم يجعلني كذا، معرضا
بمن يفعله، ولو فعل ذلك بحضوره، أو قال فيه ما ليس به فهو أغلظ
تحريما، وأعظم تأثيما، وإن لم يكن غيبة اصطلاحا. واستثني منها
نصح المستشير، وجرح الشاهد، والتظلم وسماعه، ورد من ادعى
نسبا ليس له، والقدح في مقالة، أو دعوى باطلة في الدين، والاستعانة
على دفع المنكر، ورد العاصي إلى الصلاح، وكون المقول فيه مستحقا
للاستخفاف، لتظاهره بالفسق، والشهادة على فاعل المحرم حسبة وقد
أفردنا لتحقيقها رسالة شريفة من أراد الاطلاع على حقائق أحكامها
فليقف عليها.
(وحفظ كتب الضلال) عن التلف، أو عن ظهر القلب،
(ونسخها ودرسها) قراءة، ومطالعة، ومذاكرة، (لغير النقض)
لها، (أو الحجة) على أهلها بما اشتملت عليه مما يصلح دليلا لإثبات
الحق، أو نقض الباطل لمن كان من أهلها، (أو التقية) وبدون ذلك (3)
يجب إتلافها، إن لم يمكن إفراد مواضع الضلال، وإلا اقتصر عليها،
(وتعلم السحر) وهو كلام، أو كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل له
في بدنه، أو عقله، ومنه عقد الرجل عن حليلته، وإلقاء البغضاء بينهما
214

واستخدام الجن والملائكة (1)، واستنزال الشياطين في كشف الغائبات،
وعلاج المصاب، وتلبسهم ببدن صبي، أو امرأة في كشف أمر على لسانه
ونحو ذلك، فتعلم ذلك كله وتعليمه حرام، والتكسب به سحت، ويقتل
مستحله.
والحق أن له أثرا حقيقيا وهو أمر وجداني (2)، لا مجرد التخييل
كما زعم كثير. ولا بأس بتعلمه ليتوقى به، أو يدفع سحر المتنبئ به،
وربما وجب على الكفاية لذلك (3) كما اختاره المصنف في الدروس.
(والكهانة) بكسر الكاف وهي عمل يوجب طاعة بعض الجان
له فيما يأمره به، وهو قريب من السحر، أو أخص منه.
(والقيافة) وهي الاستناد إلى علامات وإمارات، يترتب عليها
إلحاق نسب ونحوه، وإنما يحرم إذا رتب عليها محرم، أو جزم بها،
(والشعبذة (4)) وهي الأفعال العجيبة المترتبة على سرعة اليد بالحركة
215

فيلبس (1) على الحس. كذا عرفها المصنف، (وتعليمها) كغيرها
من العلوم والصنائع المحرمة، (والقمار) بالآلات المعدة له، حتى اللعب
بالخاتم، والجوز، والبيض، ولا يملك ما يترتب عليه من الكسب، وإن
وقع من غير المكلف، فيجب رده على مالكه، ولو قبضه غير مكلف
فالمخاطب برده الولي، فإن جهل مالكه تصدق به عنه، ولو انحصر
في محصورين وجب التخلص منهم ولو بالصلح، (والغش) بكسر الغين
(الخفي)، كشوب اللبن بالماء، ووضع الحرير في البرودة ليكتسب ثقلا
ويكره، بما لا يخفي، كمزج الحنطة بالتراب والتبن، وجيدها برديئها
(وتدليس الماشطة) بإظهارها في المرأة محاسن ليست فيها، من تحمير (2)
وجهها، ووصل شعرها، ونحوه، ومثله فعل المرأة له من غير ماشطة،
ولو انتفى التدليس كما لو كانت مزوجة فلا تحريم.
(وتزيين كل من الرجل والمرأة بما يحرم عليه) كلبس الرجل
السوار، والخلخال، والثياب المختصة بها عادة. ويختلف ذلك باختلاف
الأزمان والأصقاع (3)، ومنه (4) تزيينه بالذهب وإن قل، والحرير إلا
ما استثنى، وكلبس المرأة ما يختص بالرجل، كالمنطقة والعمامة.
(والأجرة على تغسيل الموتى وتكفينهم) وحملهم إلى المغتسل،
وإلى القبر، وحفر قبورهم، (ودفنهم، والصلاة عليهم)، وغيرها
216

من الأفعال الواجبة كفاية، ولو اشتملت هذه الأفعال على مندوب،
كتغسيلهم زيادة على الواجب، وتنظيفهم و وضوئهم وتكفينهم بالقطع
المندوبة، وحفر القبر زيادة على الواجب الجامع لوصفي: كتم الريح،
وحراسة الجثة إلى أن يبلغ القامة، وشق اللحد، ونقله إلى ما يدفن فيه
من مكان زائد على ما لا يمكن دفنه فيه لم يحرم التكسب به.
(والأجرة على الأفعال الخالية من غرض حكمي (1) كالعبث)
مثل الذهاب إلى مكان بعيد، أو في الظلمة، أو رفع صخرة، ونحو
ذلك، مما لا يعتد بفائدته عند العقلاء.
(والأجرة على الزنا) واللواط وما شاكلهما.
(ورشا القاضي) بضم أوله وكسره مقصورا جمع رشوة بهما (2)
وقد تقدم.
(والأجرة على الأذان و الإقامة) على أشهر القولين، ولا بأس
بالرزق (4) من بيت المال، والفرق بينهما أن الأجرة تفتقر إلى تقدير
العمل، والعوض، والمدة، والصيغة الخاصة، والرزق منوط بنظر الحاكم
ولا فرق في تحريم الأجرة بين كونها من معين (5)، ومن أهل البلد
والمحلة، وبيت المال، ولا يلحق بها (6) أخذ ما أعد للمؤذنين من أوقاف
مصالح المسجد، وإن كان مقدرا وباعثا على الأذان. نعم لا يثاب فاعله
217

إلا مع تمحض الإخلاص به كغيره من العبادات.
(والقضاء (1)) بين الناس لوجوبه سواء احتاج إليها (2) أم لا
وسواء تعين عليه القضاء أم لا، (ويجوز الرزق من بيت المال) وقد
تقدم في القضاء أنه من جملة المرتزقة منه، (والأجرة على تعليم الواجب
من التكليف) سواء وجب عينا، كالفاتحة والسورة، وأحكام العبادات
العينية، أم كفاية كالتفقه في الدين، وما يتوقف عليه من المقدمات علما
وعملا، وتعليم المكلفين صيغ العقود والإيقاعات ونحو ذلك.
(وأما المكروه - فكالصرف) وعلل في بعض الأخبار (3) بأنه
لا يسلم فاعله من الربا، (وبيع الأكفان (4))، لأنه يتمنى كثرة الموت
والوباء، (والرقيق) لقوله صلى الله عليه وآله: " شر الناس من باع
الناس " (5)، (واحتكار الطعام) وهو حبسه بتوقع زيادة السعر.
والأقوى تحريمه مع استغنائه عنه، وحاجة الناس إليه، وهو اختياره
في الدروس، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: " الجالب مرزوق،
والمحتكر ملعون " (6)، وسيأتي الكلام في بقية أحكامه، (والذباحة)
لإفضائها إلى قسوة القلب، وسلب الرحمة وإنما تكره إذا اتخذها حرفة
218

وصنعة، لا مجرد (1) فعلها (2)، كما لو احتاج إلى صرف دينار،
أو بيع كفن، أو ذبح شاة ونحو ذلك، والتعليل (3) بما ذكرناه في الأخبار
يرشد إليه، (والنساجة) والمراد بها ما يعم الحياكة (4)، والأخبار (5)
متضافرة بالنهي عنها، والمبالغة في ضعتها، ونقصان فاعلها، حتى نهي
عن الصلاة خلفه. والظاهر اختصاص النساجة والحياكة بالمغزول ونحوه،
فلا يكره عمل الخوص ونحوه، بل روي أنه (6) من أعمال الأنبياء
والأولياء، (والحجامة) مع شرط الأجرة، لا بدونها كما قيده (7) المصنف
في غيره وغيره (8)، ودل عليه الخبر (9)، وظاهره (10) هنا الإطلاق
219

(وضراب (1) الفحل) بأن يؤجره لذلك مع ضبطه بالمرة والمرات المعينة
أو بالمدة، ولا كراهة في ما يدفع إليه على جهة الكرامة لأجله.
(وكسب الصبيان) المجهول أصله، لما يدخله من الشبهة الناشئة
من اجتراء الصبي على ما لا يحل، لجهله، أو علمه بارتفاع القلم عنه،
ولو علم اكتسابه من محلل فلا كراهة، وإن أطلق الأكثر، كما أنه لو
علم تحصيله، أو بعضه من محرم وجب اجتنابه، أو اجتناب ما علم منه،
أو اشتبه به، ومحل الكراهة تكسب الولي (2) به، أو أخذه (3) منه،
أو الصبي (4) بعد رفع الحجر عنه (و) كذا يكره كسب (من لا
يجتنب المحرم) في كسبه. (والمباح - ما خلا عن وجه رجحان)
من الطرفين بأن لا يكون راجحا، ولا مرجوحا لتتحقق الإباحة (بالمعنى
الأخص (5)).
(ثم التجارة) - وهي نفس التكسب (تنقسم بانقسام الأحكام
الخمسة) فالواجب منها ما توقف تحصيل مؤنته ومؤنة عياله الواجبي النفقة
عليه، ومطلق التجارة التي يتم بها نظام النوع الإنساني، فإن ذلك
من الواجبات الكفائية وإن زاد على المؤنة، والمستحب ما يحصل به المستحب
220

وهو التوسعة على العيال، ونفع المؤمنين، ومطلق المحاويج غير المضطرين
والمباح ما يحصل به الزيادة في المال من غير الجهات الراجحة والمرجوحة،
والمكروه والحرام التكسب بالأعيان المكروهة والمحرمة وقد تقدمت.
(الفصل الثاني: في عقد البيع وآدابه - وهو) أي عقد البيع
(الإيجاب والقبول الدالان على نقل الملك بعوض معلوم) وهذا كما هو
تعريف للعقد يصلح تعريفا للبيع نفسه، لأنه (1) عند المصنف وجماعة
عبارة عن العقد المذكور، استنادا إلى أن ذلك (2) هو المتبادر من معناه (3)
فيكون (4) حقيقة فيه (5) ويمكن أن يكون الضمير (6) عائدا إلى البيع
نفسه، وأن يكون إضافة البيع بيانية (7)، ويؤيده أنه في الدروس عر ف
البيع بذلك، مزيدا قيد التراضي، وجعل جنس التعريف الإيجاب
والقبول أولى من جعله اللفظ الدال كما صنع غيره، لأنهما جنس قريب
واللفظ بعيد، وباقي القيود خاصة مركبة، يخرج بها من العقود ما لا نقل
فيه كالوديعة، والمضاربة، والوكالة، وما تضمن نقل الملك بغير عوض
كالهبة والوصية بالمال، وشمل ما كان ملكا للعاقد وغيره، فدخل بيع
الوكيل والولي، وخرج بالعوض المعلوم الهبة المشروط فيها مطلق الثواب
221

وبيع المكره حيث يقع صحيحا إذ لم يعتبر التراضي، وهو وارد على تعريفه
في الدروس، وبيع الأخرس بالإشارة وشراؤه، فإنه يصدق عليه الإيجاب
والقبول، ويرد على تعريف أخذ " اللفظ " جنسا كالشرائع، وبقي فيه، دخول
عقد الإجارة، إذ الملك يشمل العين والمنفعة والهبة المشروط فيها عوض
معين، والصلح المشتمل على نقل الملك بعوض معلوم، فإنه ليس بيعا
عند المصنف والمتأخرين.
وحيث كان البيع عبارة عن الإيجاب والقبول المذكورين (فلا يكفي
المعاطاة) وهي إعطاء كل واحد من المتبايعين ما يريده من المال عوضا
عما يأخذه من الآخر باتفاقهما على ذلك بغير العقد المخصوص، سواء في ذلك
الجليل والحقير، على المشهور بين أصحابنا، بل كاد يكون إجماعا، (نعم
يباح) بالمعاطاة (التصرف) من كل منهما فيما صار إليه من العوض،
لاستلزام دفع مالكه له على هذا الوجه الإذن في التصرف فيه، وهل هي
إباحة، أم عقد متزلزل، ظاهر العبارة الأول، لأن الإباحة ظاهرة فيها
ولا ينافيه (1) قوله (ويجوز الرجوع) فيها (2) (مع بقاء العين)،
لأن ذلك (3) لا ينافي الإباحة. وربما ظهر من بعض الأصحاب الثاني (4)
لتعبيره
بجواز فسخها (5) الدال على وقوع أمر يوجبه (6).
222

وتظهر الفائدة في النماء فعلى الثاني (1) هو للقابض مع تحقق اللزوم
بعده (2)، وعلى الأول (3) يحتمله (4) وعدمه (5) ويفهم من جواز
الرجوع مع بقاء العين عدمه (6) مع ذهابها، وهو كذلك، ويصدق (7)
بتلف العينين (8)، وإحداهما، وبعض كل واحدة منهما، ونقلها عن ملكه
وبتغييرها كطحن الحنطة، فإن عين المنتقل غير باقية مع احتمال العدم (9)
أما لبس الثوب مع عدم تغيره فلا أثر له، وفي صبغه، وقصره (10)،
وتفصيله، وخياطته، ونحو ذلك من التصرفات المغيرة للصفة مع بقاء
الحقيقة نظر (11)، وعلى تقدير الرجوع في العين وقد استعملها من انتقلت
223

إليه يأخذها بغير أجرة، لإذنه في التصرف مجانا، ولو نمت وتلف النماء
فلا رجوع به كالأصل، وإلا (1) فالوجهان.
وهل تصير مع ذهاب العين بيعا، أو معاوضة خاصة وجهان
من (2) حصرهم المعاوضات وليست أحدها، ومن (3) اتفاقهم على أنها
ليست بيعا بالألفاظ الدالة على التراضي فكيف تصير بيعا بالتلف.
ومقتضى المعاطاة أنها مفاعلة من الجانبين، فلو وقعت بقبض أحد
العوضين خاصة مع ضبط الآخر على وجه يرفع الجهالة ففي لحوق أحكامها
نظر، من (4) عدم تحققها. وحصول (5) التراضي، وهو اختياره
224

في الدروس على تقدير دفع السلعة دون الثمن، (ويشترط وقوعهما)
أي الإيجاب والقبول (بلفظ الماضي) العربي (كبعت) من البائع،
(واشتريت) من المشتري، (وشريت) منهما، لأنه مشترك بين البيع
والشراء، (وملكت) بالتشديد من البائع، وبالتخفيف من المشتري
وتملكت، (ويكفي الإشارة) الدالة على الرضا على الوجه المعين (مع العجز)
عن النطق لحرس وغيره، ولا تكفي مع القدرة. نعم تفيد المعاطاة
مع الإفهام الصريح.
(ولا يشترط تقديم الإيجاب على القبول، وإن كان) تقديمه
(أحسن)، بل قبل: بتعينه، ووجه عدم الاشتراط أصالة الصحة،
وظهور كونه عقدا فيجب الوفاء به، ولتساويهما في الدلالة على الرضا،
وتساوي المالكين في نقل ما يملكه إلى الآخر، ووجه التعيين (1) الشك
في ترتب الحكم مع تأخره (2) ومخالفته (3) للأصل (4) ولدلالة مفهوم
القبول على ترتبه (5).
225

على الإيجاب لأنه رضى به، ومنه (1) يظهر وجه الحسن. ومحل
الخلاف ما لو وقع القبول بلفظ اشتريت كما ذكره أو ابتعت أو تملكت الخ
لا بقبلت وشبهه، وإن أضاف إليه (2) باقي الأركان لأنه صريح
في البناء على أمر لم يقع.
(ويشترط في المتعاقدين الكمال) يرفع الحجر الجامع للبلوغ والعقل
والرشد، (والاختيار إلا أن يرضى المكره بعد زوال إكراهه)، لأنه
بالغ رشيد قاصد إلى اللفظ دون مدلوله (3)، وإنما منع عدم الرضا،
فإذا زال المانع أثر العقد كعقد الفضولي حيث انتفى القصد إليه من مالكه
مع تحقق القصد إلى اللفظ في الجملة، فلما لحقته إجازة المالك أثرت،
ولا (4) تعتبر مقارنته للعقد للأصل، بخلاف العقد المسلوب بالأصل
226

كعبارة الصبي، فلا تجبره (1) إجازة الولي، ولا رضاه بعد بلوغه (2)
(والقصد، فلو أوقعه الغافل، أو النائم، أو الهازل لغى) وإن لحقته
الإجازة، لعدم القصد إلى اللفظ أصلا، بخلاف المكره.
وربما أشكل (3) الفرق في الهازل من ظهور قصده إلى اللفظ (4)
من حيث كونه عاقلا مختارا، وإنما تخلف قصد مدلوله. وألحق المصنف
بذلك المكره على وجه يرتفع قصده أصلا، فلا يؤثر فيه الرضا المتعقب
كالغافل والسكران، وهو حسن مع تحقق الإكراه بهذا المعنى، فإن الظاهر
من معناه (5) حمل المكره للمكره على الفعل خوفا على نفسه، أو ما
في حكمها (6) مع حضور عقله وتمييزه.
واعلم أن بيع المكره إنما يقع موقوفا (7) مع وقوعه (8) بغير حق
ومن ثم جاز بيعه في مواضع كثيرة، كمن أجبره الحاكم على بيع ماله
227

لوفاء دينه، ونفقة واجب النفقة، وتقويم العبد على معتق (1) نصيبه (2)
منه (3)، وفكه (4) من الرق ليرث، وإذا أسلم عبد الكافر (5)،
أو اشتراه وسوغناه، أو اشترى المصحف (6)، وبيع (7) الحيوان إذا
228

امتنع مالكه من القيام بحق نفقته، والطعام (1) عند المخمصة يشتريه خائف
التلف، والمحتكر (2) مع عدم وجود غيره، واحتياج الناس إليه،
ونحو ذلك.
(ويشترط في اللزوم الملك) لكل من البائع والمشتري لما ينقله
من العوض، (أو إجازة المالك) فبدونه يقع (3) العقد موقوفا على إجازة
المالك، لا باطلا من أصله على أشهر القولين، (وهي) أي الإجازة
اللاحقة من المالك (كاشفة عن صحة العقد) من حين وقوعه، لا ناقلة له
من حينها، لأن السبب الناقل للملك هو العقد المشروط بشرائطه، وكلها
كانت حاصلة إلا رضاء المالك، فإذا حصل الشرط عمل السبب التام عمله
لعموم الأمر (4) بالوفاء بالعقود، فلو توقف العقد على أمر آخر لزم
أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصة، بل هو مع الآخر.
ووجه الثاني توقف التأثير عليه فكان كجزء السبب، وتظهر الفائدة
في النماء، فإن جعلناها كاشفة (فالنماء) المنفصل (المتخلل) بين العقد

(1) المائدة: الآية 1.
229

والإجازة الحاصل من المبيع (للمشتري، ونماء الثمن المعين للبائع)، ولو
جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز، ثم إن اتحد العقد فالحكم كما ذكر (1)،
وإن ترتبت العقود على الثمن، أو المثمن، أو هما وأجاز الجميع صح
أيضا، وإن أجاز أحدهما فإن كان المثمن (2) صح في المجاز وما بعده
من العقود (3)، أو الثمن (4) صح وما قبله (5).
والفرق (6) أن إجازة المبيع (7) توجب انتقاله (8) عن ملك المالك
المجيز إلى المشتري فتصح العقود المتأخرة عنه، وتبطل السابقة لعدم
.
230

الإجازة (1).
231

وإجازة (1) الثمن توجب انتقاله (2) إلى ملك المجيز فتبطل التصرفات
232

المتأخرة عنه حيث لم يجزها، وتصح السابقة (1)، لأن ملك
الثمن المتوسط (2) يتوقف على صحة العقود السابقة، وإلا لم يمكن تملك
ذلك الثمن (3). هذا إذا بيعت الأثمان في جميع العقود، أما لو تعلقت
العقود بالثمن الأول مرارا كان (4) كالمثمن في صحة ما أجيز وما بعده،
وهذا القيد وارد على ما أطلقه الجميع في هذه المسألة كما فصلناه أولا،
مثاله لو باع مال المالك بثوب، ثم باع الثوب بمائة، ثم باعه المشتري
بمائتين، ثم باعه مشتريه بثلثمائة فأجاز المالك العقد الأخير، فإنه لا يقتضي
إجازة ما سبق، بل لا يصح سواه (5) ولو أجاز الوسط صح وما بعده
كالمثمن. نعم لو كان قد باع الثوب بكتاب، ثم باع الكتاب بسيف،
ثم باع السيف بفرس، فإجازة بيع السيف بالفرس تقتضي إجازة ما سبقه
233

من العقود، لأنه إنما يملك السيف إذا ملك العوض الذي اشترى به وهو
الكتاب، ولا يملك الكتاب إلا إذا ملك العوض الذي اشترى به وهو
الثوب، فهنا يصح ما ذكروه.
(ولا يكفي في الإجازة السكوت عند العقد) مع علمه به، (أو
عند عرضها) أي الإجازة (عليه)، لأن السكوت أعم من الرضا فلا
يدل عليه، بل لا بد من لفظ صريح فيها كالعقد، (ويكفي أجزت)
العقد، أو البيع، (أو أنفذت، أو أمضيت، أو رضيت وشبهه)
كأقررته، وأبقيته، والتزمت به، (فإن لم يجز انتزعه من المشتري)،
لأنه عين ماله، (ولو تصرف) المشتري (فيه بما له أجرة) كسكنى
الدار، وركوب الدابة (رجع بها (1) عليه)، بل له الرجوع بعوض المنافع
وإن لم يستوفها، مع وضع يده عليها، لأنه حينئذ كالغاصب وإن كان
جاهلا، (ولو نما كان) النماء (لمالكه) متصلا كان، أم منفصلا،
باقيا كان، أم هالكا، فيرجع عليه بعوضه وإن كان جاهلا، وكذا
يرجع بعوض المبيع نفسه لو هلك في يده، أو بعضه (2) مع تلف بعضه
بتفريط وغيره، والمعتبر في القيمي قيمته يوم التلف، إن كان التفاوت
بسبب السوق، وبالأعلى (3) إن كان (4) بسبب زيادة عينية (5)،
(ويرجع المشتري على البائع بالثمن إن كان باقيا، عالما كان، أو جاهلا)
234

لأنه ماله ولم يحصل منه ما يوجب نقله عن ملكه، فإنه إنما دفعه عوضا
عن شئ لم يسلم له.
(وإن تلف قيل) والقائل به الأكثر، بل ادعى عليه في التذكرة
الإجماع: (لا رجوع به مع العلم) بكونه غير مالك ولا وكيل، لأنه
سلطه على إتلافه مع علمه بعدم استحقاقه له فيكون بمنزلة الإباحة، بل
ظاهر كلامهم عدم الرجوع به مطلقا (1)، لما ذكرناه من الوجه (2)
(وهو) مع بقاء العين في غاية البعد، ومع تلفه (بعيد مع توقع الإجازة)
لأنه حينئذ لم يبحه له مطلقا (3)، بل دفعه متوقعا، لكونه عوضا عن
المبيع، فيكون مضمونا له، ولتصرف البائع فيه تصرفا ممنوعا منه،
فيكون مضمونا عليه، وأما مع بقائه فهو عين مال المشتري، ومع تسليم
الإباحة لم يحصل ما يوجب الملك، فيكون القول بجواز الرجوع به (4)
مطلقا (5) قويا وإن كان نادرا، إن لم يثبت الإجماع على خلافه (6)،
والواقع خلافه (7)، فقد ذهب المحقق إلى الرجوع به مطلقا، وكيف
يجتمع تحريم تصرف البائع فيه مع عدم رجوع المشتري به في حال، فإنه
235

حينئذ لا محالة غاصب، آكل للمال بالباطل ولا فرق في هذا الحكم بين
الغاصب محضا، والبائع فضوليا مع عدم إجازة المالك.
(ويرجع) المشتري على البائع (بما اغترم) للمالك حتى بزيادة
القيمة عن الثمن لو تلفت العين فرجع بها عليه على الأقوى، لدخوله (1)
على أن تكون له مجانا، أما ما قابل الثمن من القيمة فلا يرجع به لرجوع
عوضه (2) إليه، فلا يجمع بين العوض والمعوض. وقيل: لا يرجع
بالقيمة مطلقا (3)، لدخوله على أن تكون العين مضمونة عليه، كما هو
شأن البيع الصحيح والفاسد (4)، كما لو تلفت العين، وفيه أن ضمانه (5)
236

للمثل، أن القيمة أمر زائد على فوات العين الذي [قد] قدم على ضمانه
وهو مغرور من البائع بكون المجموع له بالثمن، فالزائد بمنزلة ما رجع (1)
عليه (2) به (3)، وقد حصل له في مقابله نفع، بل أولى. هذا إذا
237

كانت الزيادة على الثمن موجودة حال البيع (1)، أما لو تجددت بعده
فحكمها (2) حكم الثمرة، فيرجع بها أيضا كغيرها (3) مما حصل له (4)
في مقابلته (5) نفع (6) على الأقوى، لغروره (7)، ودخوله (8)
على أن يكون ذلك له بغير عوض.
أما ما أنفقه عليه (9) ونحوه مما لم يحصل له في مقابلته نفع فيرجع
به قطعا (إن كان جاهلا) بكونه مالكا، أو مأذونا بأن ادعى البائع
ملكه، أو الإذن فيه، أو سكت ولم يكن المشتري عالما بالحال.
(ولو باع غير المملوك مع ملكه ولم يجز المالك صح) البيع
238

(في ملكه) ووقف في ما لا يملك على إجازة مالكه، فإن أجاز صح
البيع ولا خيار، (و) إن رد (تخير المشتري مع جهله) بكون بعض
المبيع غير مملوك للبائع، لتبعض الصفقة، أو الشركة (فإن) فسخ
رجع كل مال إلى مالكه، وإن (رضي صح البيع في المملوك) للبائع
(بحصته من الثمن)، ويعلم مقدار الحصة (بعد تقويمهما جمعيا، ثم تقويم
أحدهما) منفردا، ثم نسبة قيمته (1) إلى قيمة المجموع، فيخصه (2)
من الثمن مثل تلك النسبة، فإذا قوما جميعا بعشرين، وأحدهما بعشرة
صح في المملوك بنصف الثمن كائنا ما كان، وإنما أخذ بنسبة القيمة ولم
يخصه (3) من الثمن قدر ما قوم به لاحتمال زيادتها عنه ونقصانها،
فربما جمع في بعض الفروض بين الثمن والمثمن (4) على ذلك التقدير (5)
كما لو كان قد اشترى المجموع في المثال بعشرة.
وإنما يعتبر قيمتهما مجتمعين إذا لم يكن لاجتماعهما مدخل في زيادة
قيمة كل واحد كثوبين، أما لو استلزم ذلك كمصراعي باب لم يقوما
239

مجتمعين، إذ لا يستحق مالك كل واحد ماله إلا منفردا، وحينئذ فيقوم
كل منهما منفردا، وينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين، ويؤخذ
من الثمن بتلك النسبة. نعم لو كانا لمالك واحد فأجاز في أحدهما دون
الآخر أمكن فيه ما أطلقوه، مع احتمال ما قيدناه.
(وكذا لو باع ما يملك) مبنيا للمجهول (وما لا يملك كالعبد
مع الحر، والخنزير مع الشاة)، فإنه يصح في المملوك بنسبة قيمته
إلى مجموع القيمتين من الثمن، (ويقوم الحر لو كان عبدا) على ما
هو عليه من الأوصاف (1) والكيفيات (2)، (والخنزير عند مستحليه)
إما بإخبار جماعة منهم كثيرة يؤمن اجتماعهم على الكذب، ويحصل بقولهم
العلم، أو الظن المتاخم له، أو بإخبار عدلين مسلمين يطلعان على حاله
عندهم، لا منهم مطلقا (3)، لاشتراط عدالة المقوم. هذا مع جهل المشتري
بالحال ليتم قصده إلى شرائهما.
ويعتبر العلم بثمن المجموع لا الأفراد، فيوزع حيث لا يتم له،
أما مع علمه بفساد البيع فيشكل صحته لإفضائه إلى الجهل بثمن المبيع حال
البيع، لأنه في قوة بعتك العبد بما يخصه من الألف إذا وزعت عليه
وعلى شئ آخر لا يعلم مقداره الآن (4)، أما مع جهله فقصده إلى شراء
المجموع، ومعرفة مقدار ثمنه كاف، وإن لم يعلم مقدار ما يخص كل جزء
240

ويمكن جريان الإشكال في البائع مع علمه بذلك (1)، ولا بعد
في بطلانه (2) من ظرف أحدهما (3) دون الآخر، هذا إذا لم يكن
المشتري قد دفع الثمن، أو كانت عينه باقية، أو كان جاهلا، وإلا (4)
جاء فيه مع علمه بالفساد ما تقدم (5) في الفضولي بالنسبة إلى الرجوع
بالثمن.
(وكما يصح العقد من المالك، يصح من القائم مقامه وهم) أي
القائم، جمعه باعتبار معنى الموصول، ويجوز توحيده نظرا إلى لفظه (ستة:
الأب، والجد له) وإن علا، (والوصي) من أحدهما على الطفل
والمجنون الأصلي، ومن طرأ جنونه قبل البلوغ (والوكيل) عن المالك
ومن له الولاية حيث يجوز له التوكيل، (والحاكم) الشرعي حيث تفقد
الأربعة، (وأمينه) وهو منصوبة لذلك، أو ما هو أعم منه، (وبحكم
الحاكم المقاص (6)) وهو من يكون له على غيره مال فيجحده، أو لا
241

يدفعه إليه مع وجوبه، فله الاستقلال بأخذه من ماله قهرا من جنس
حقه إن وجده، وإلا فمن غيره بالقيمة، مخيرا بين بيعه من غيره،
ومن نفسه (1).
ولا يشترط إذن الحاكم وإن أمكن، لوجوده ووجود البينة المقبولة
عنده في الأشهر، ولو تعذر الأخذ إلا بزيادة جاز، فتكون في يده أمانة
في قول إلى أن يتمكن من ردها فيجب على الفور، ولو توقف أخذ
الحق على نقب جدار، أو كسر قفل جاز، ولا ضمان على الظاهر،
ويعتبر في المأخوذ كونه زائدا على المستثنى في قضاء الدين، ولو تلف
من المأخوذ شئ قبل تملكه ففي ضمانه قولان، ويكفي في التملك النية،
سواء كان بالقيمة، أم بالمثل، وفي جواز المقاصة من الوديعة قولان،
والمروي (2) العدم، وحمل على الكراهة، وفي جواز مقاصة الغائب
من غير مطالبته وجهان، أجودهما العدم إلا مع طولها بحيث يؤدي
إلى الضرر، ولو أمكن الرجوع هنا إلى الحاكم فالأقوى توقفه عليه.
(ويجوز للجميع) أي جميع من له الولاية ممن تقدم (3) (تولي
242

طرفي العقد) بأن يبيع من نفسه (1)، وممن (2) له الولاية عليه، (إلا
الوكيل والمقاص) فلا يجوز توليهما طرفيه، بل يبيعان من الغير،
والأقوى كونهما كغيرهما، وهو اختياره في الدروس، لعموم (3) الأدلة
وعدم وجود ما يصلح للتخصيص، (ولو استأذن الوكيل جاز)، لانتفاء
المانع حينئذ (4).
(ويشترط كون المشتري مسلما إذا ابتاع مصحفا، أو مسلما)، لما
في ملكه للأول (5) من الإهانة، وللثاني (6) من الإذلال وإثبات السبيل
له عليه، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (7)، وقيل: يصح
243

ويؤمر بإزالة ملكه، وفي حكم المسلم ولده الصغير، والمجنون، ومسبيه (1)
المنفرد به إن ألحقناه (2) به (3) فيه (4)، ولقيط يحكم بإسلامه ظاهرا
(إلا فيمن ينعتق عليه (5) فلا منع، لانتفاء السبيل بالعتق عليه،
وفي حكمه (6) مشروط العتق عليه في البيع، ومن (7) أقر بحريته وهو
في يد غيره.
وضابطه جواز شرائه حيث يتعقبه العتق قهرا (8).
244

وفي حكم البيع تملكه له اختيارا كالهبة (1) لا بغيره (2) كالإرث
وإسلام عبده، بل يجبر على بيعه من مسلم على الفور مع الإمكان، وإلا
حيل بينهما بوضعه على يد مسلم إلى أن يوجد راغب، وفي حكم بيعه (3)
منه (4) إجارته (5) له (6) الواقعة على عينه (7) لا على ذمته (8)،
كما لو استدان منه (9)، وفي حكم المصحف أبعاضه، وفي إلحاق ما
245

يوجد منه (1) في كتاب غيره (2) شاهدا (3)، أو نحوه نظر.
من (4) الجزئية وعدم (5) صدق الاسم، وفي إلحاق كتب الحديث النبوية
به (6) وجه.
(وهنا مسائل)
الأولى - (يشترط كون المبيع مما يملك)
أي يقبل الملك شرعا، (فلا يصح بيع الحر، وما لا نفع فيه غالبا
كالحشرات) بفتح الشين كالحيات والعقارب والفئران (7) والخنافس (8)
246

والنمل ونحوها، إذ لا نفع فيها يقابل بالمال، وإن ذكر لها منافع
في الخواص (1)، وهو الخارج بقوله: غالبا، (وفضلات (2)
الإنسان) وإن كانت طاهرة (إلا لبن المرأة) فيصح بيعه، والمعاوضة
عليه مقدرا بالمقدار المعلوم، أو المدة، لعظم (3) الانتفاع به، (ولا
المباحات قبل الحيازة)، لانتفاء الملك عنها حينئذ (4)، والمتبايعان فيها
سيان، وكذا بعد الحيازة قبل نية التملك إن اعتبرناها (5) فيه (6) كما
هو الأجود، (ولا الأرض المفتوحة عنوة) بفتح العين أي قهرا كأرض
العراق والشام، لأنها للمسلمين قاطبة لا تملك على الخصوص، (إلا تبعا
لآثار المتصرف) من بناء وشجر فيه، فيصح في الأقوى، وتبقى تابعة
له (7) ما دامت الآثار، فإذا زالت (8) رجعت (9) إلى أصلها، والمراد
منها المحياة وقت الفتح، أما الموات فيملكها المحيي ويصح بيعها كغيرها
من الأملاك.
(والأقرب عدم جواز بيع رباع مكة) أي دورها (زادها الله
شرفا، لنقل الشيخ في الخلاف الإجماع) على عدم جوازه، (إن قلنا
247

إنها فتحت عنوة)، لاستواء الناس فيها حينئذ، ولو قلنا إنها فتحت
صلحا جاز، وفي تقييد المنع بالقول بفتحها عنوة مع تعليله بنقل
الإجماع المنقول بخبر الواحد تنافر، لأن الإجماع إن ثبت لم يتوقف على أمر
آخر (1)، وإن لم يثبت افتقر إلى التعليل (2) بالفتح عنوة وغيره، ويبقى
فيه (3) أنه على ما اختاره سابقا من ملكه تبعا للآثار ينبغي الجواز (4)
للقطع بتجدد الآثار في جميع دورها (5) عما كانت عليه عام الفتح. وربما
علل المنع بالرواية عن النبي صلى الله عليه وآله بالنهي عنه (6)،
وبكونها في حكم المسجد، لآية الإسراء (7)، مع أنه كان (8) من بيت
أم هانئ لكن الخبر (9) لم يثبت، وحقيقة المسجدية منتفية، ومجاز
المجاورة والشرف والحرمة (10)
248

ممكن، والإجماع (1) غير متحقق، فالجواز (2) متجه.
(الثانية - يشترط في المبيع أن يكون مقدورا على تسليمه
فلو باع الحمام الطائر)
أو غيره من الطيور المملوكة (لم يصح، إلا أن تقضي العادة
بعوده) فيصح، لأنه حينئذ كالعبد المنفذ (3) في الحوائج، والدابة المرسلة
(ولو باع) المملوك (الآبق) المتعذر تسليمه (صح مع الضميمة)
إلى ما يصح بيعه منفردا (4) (فإن وجده) المشتري وقدر على إثبات
يده عليه، (وإلا كان الثمن بإزاء الضميمة)، ونزل الآبق بالنسبة
إلى الثمن منزلة المعدوم، ولكن لا يخرج بالتعذر عن ملك المشتري، فيصح
عتقه عن الكفارة، وبيعه لغيره مع الضميمة، (ولا خيار للمشتري
مع العلم بإباقه). لقدومه (5) على النقص، أما لو جهل جاز الفسخ
إن كان البيع صحيحا، ويشترط في بيعه ما يشترط في غيره من كونه معلوما
موجودا عند العقد وغير ذلك، سوى القدرة على تسليمه، فلو ظهر تلفه
249

حين البيع، أو استحقاقه لغير البائع، أو مخالفا للوصف بطل البيع فيما
يقابله في الأولين (1)، وتخير المشتري في الأخير (2) على الظاهر.
(ولو قدر المشتري على تحصيله) دون البائع (فالأقرب عدم اشتراط
الضميمة) في صحة البيع، لحصول الشرط وهو القدرة على تسلمه. ووجه
الاشتراط (3) صدق الإباق معه (4) الموجب للضميمة بالنص (5).
وكون (6) الشرط التسليم وهو أمر آخر غير التسلم.
ويضعف بأن الغاية المقصودة التسليم حصوله (7) بيد المشتري
بغير مانع وهي موجودة، والموجبة للضميمة العجز عن تحصيله وهي
مفقودة، (وعدم لحوق أحكامها (8) لو ضم) فيوزع الثمن عليهما لو لم
يقدر على تحصيله، أو تلف قبل القبض، ولا يتخير لو لم يعلم بإباقه،
250

ولا يشترط في الضميمة صحة إفرادها بالبيع (1) لأنه حينئذ بمنزلة المقبوض
وغير ذلك من الأحكام، ولا يلحق بالآبق غيره مما في معناه كالبعير
الشارد، والفرس العاير (2) على الأقوى، بل المملوك (3) المتعذر تسليمه
بغير الإباق، اقتصارا فيما خالف الأصل (4) على المنصوص.
(أما الضال والمجحود) من غير إباق (فيصح البيع، ويراعي
بإمكان التسليم)، فإن أمكن في وقت قريب لا يفوت به شي من المنافع
يعتد به، أو رضي المشتري بالصبر إلى أن يسلم لزم، (وإن تعذر فسخ المشتري إن شاء)
وإن شاء التزم وبقي على ملكه ينتفع به بالعتق ونحوه، ويحتمل قويا بطلان البيع، لفقد شرط الصحة، وهو إمكان
التسليم. وكما يجوز جعل الآبق مثمنا يجوز جعله ثمنا، سواء أكان في مقابله
آبق آخر، أم غيره، لحصول معنى البيع في الثمن والمثمن.
(وفي احتياج العبد الآبق المجعول ثمنا إلى الضميمة احتمال)، لصدق
251

الإباق المقتضي لها (1) (ولعله (2) الأقرب)، لاشتراكهما في العلة
المقتضية لها (3)، (وحينئذ يجوز أن يكون أحدهما ثمنا، والآخر مثمنا
مع الضميمتين، ولا يكفي) الضميمة في الثمن والمثمن (ضم آبق آخر
إليه)، لأن الغرض من الضميمة أن تكون ثمنا إذا تعذر تحصيله فتكون
جامعة لشرائطه (4) التي من جملتها إمكان التسليم (5)، والآبق الآخر
ليس كذلك.
(ولو تعددت العبيد) في الثمن والمثمن (كفت ضميمة واحدة)
لصدق الضميمة مع الآبق، ولا يعتبر فيها (6) كونها متمولة إذا وزعت
على كل واحد (7)،
252

لأن ذلك (1) يصير بمنزلة ضمائم، مع أن الواحدة كافية. وهذه الفروع
من خواص هذا الكتاب، ومثلها (2) في تضاعيفه (3) كثير ننبه عليه
إن شاء الله تعالى في مواضعه.
(الثالثة - يشترط) في المبيع
(أ يكون طلقا، فلا يصح بيع الوقف)
العام مطلقا (4)، إلا أن يتلاشى ويضمحل، بحيث لا يمكن
الانتفاع به في الجهة المقصودة مطلقا (5) كحصير يبلى (6)، ولا يصلح
253

للانتفاع به في محل الوقف، وجذع (1) ينكسر كذلك (2)، ولا يمكن
صرفهما بأعيانهما في الوقود (3) لمصالحه، كآجر المسجد فيجوز بيعه
حينئذ (4) وصرفه في مصالحه، إن لم يمكن الاعتياض (5) عنه بوقف
ولو (6) لم يكن أصله موقوفا، بل اشتري للمسجد مثلا من غلته (7)
أو بذله له باذل صح للناظر بيعه مع المصلحة مطلقا (8).
(ولو أدى بقاؤه إلى خرابه لخلف بين أربابه) في الوقف المحصور (9)
(فالمشهور الجواز) أي جواز بيعه حينئذ، وفي الدروس اكتفى في جواز
بيعه بخوف خرابه، أو خلف أربابه المؤدي إلى فساده، وقل أن يتفق
254

في هذه المسألة فتوى واحد، بل في كتاب واحد في باب البيع والوقف
فتأملها، أو طالع (1) شرح المصنف للإرشاد تطلع على ذلك.
والأقوى في المسألة ما دلت عليه صحيحة (2) علي بن مهزيار
عن أبي جعفر الجواد عليه السلام من جواز بيعه (3) إذا وقع بين أربابه
خلف شديد، وعلله عليه السلام بأنه ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس
وظاهره أن خوف أدائه (4) إليهما، أو إلى أحدهما ليس بشرط، بل هو
مظنة لذلك (5)، ومن هذا الحديث اختلفت أفهامهم في الشرط المسوغ
للبيع، ففهم المصنف هنا أن المعتبر الخلف المؤدي إلى الخراب، نظرا
إلى تعليله بتلف المال، فإن الظاهر أن المراد بالمال الوقف، إذ لا دخل
لغيره (6) في ذلك (7)، ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه (8) وإن احتاج
إلى بيعه أرباب الوقف ولم تكفهم غلته، أو كان بيعه أعود (9)، أو
غير ذلك مما قيل، لعدم دليل صالح عليه، وحيث يجوز بيعه يشتري
بثمنه ما يكون وقفا على ذلك الوجه إن أمكن، مراعيا للأقرب
255

إلى صفته (1) فالأقرب، والمتولي لذلك الناظر إن كان، وإلا الموقوف
عليهم إن انحصروا، وإلا فالناظر العام.
(ولا) بيع الأمة (المستولدة) من المولى، ويتحقق الاستيلاد
المانع من البيع بعلوقها (2) في ملكه وإن لم تلجه (2) الروح كما سيأتي،
فقوله: (ما دام الولد حيا) مبني على الأغلب (4)، أو على التجوز (5)
256

لأنه قبل ولوج (1) الروح لا يوصف بالحياة إلا مجازا، ولو مات
صارت كغيرها من إمائه عندنا، أما مع حياته (2) فلا يجوز بيعها، (إلا
في ثمانية مواضع) وهذا الجمع من خواص هذا الكتاب.
(أحدها - في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها، سواء كان حيا، أو
ميتا)، أما مع الموت فموضع وفاق، وأما مع الحياة فعلى أصح القولين
لإطلاق النص (3)، والمراد بإعساره أن لا يكون له من المال ما يوفي (4)
ثمنها زائدا على المستثنيات (5) في وفاء الدين.
(وثانيها - إذا جنت على غير مولاها) فيدفع ثمنها في الجناية،
أو رقبتها إن رضي المجني عليه، ولو كانت الجناية على، مولاها لم يجز،
لأنه لا يثبت له على ماله مال.
(وثالثها - إذا عجز مولاها عن نفقتها)، ولو أمكن تأديتها ببيع
257

بعضها وجب الاقتصار عليه، وقوفا فيما خالف الأصل (1) على موضع
الضرورة (2).
(ورابعها - إذا مات قريبها ولا وارث له سواها) لتعتق وترثه
وهو تعجيل عتق أولى بالحكم من إبقائها لتعتق بعد وفاة مولاها.
(وخامسها - إذا كان علوقها بعد الارتهان) فيقدم حق المرتهن
لسبقه، وقيل: يقدم حق الاستيلاد، لبناء العتق على التغليب،
ولعموم (3) النهي عن بيعها.
(وسادسها - إذا كان علوقها بعد الإفلاس) أي بعد الحجر
على المفلس، فإن مجرد ظهور الإفلاس لا يجوب تعلق حق الديان بالمال
والخلاف هنا كالرهن.
(وسابعها - إذا مات مولاها ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق
وإن لم يكن ثمنا لها)، لأنها إنما تعتق بموت مولاها من نصيب ولدها،
ولا نصيب له مع استغراق الدين فلا تعتق، وتصرف في الدين.
258

(وثامنها - بيعها على من تنعتق عليه، فإنه في قوة العتق)
فيكون تعجيل (1) خير يستفاد من مفهوم الموافقة، حيث إن المنع
من البيع لأجل العتق، (وفي جواز بيعها بشرط العتق نظر، أقربه
259

الجواز لما ذكر (1)، فإن لم يف المشتري بالشرط فسخ البيع وجوبا،
فإن لم يفسخه المولى احتمل انفساخه بنفسه، وفسخ (2) الحاكم إن اتفق،
وهذا موضع تاسع، وما عدا الأول من هذه المواضع غير منصوص
بخصوصه، وللنظر فيه مجال وقد حكاها (3) في الدروس بلفظ قيل،
وبعضها (4) جعله احتمالا من غير ترجيح لشئ منها، وزاد بعضهم مواضع
أخر، عاشرها في كفن سيدها إذا لم يخلف سواها، ولم يمكن بيع
بعضها فيه، وإلا اقتصر عليه. وحادي عشرها إذا أسلمت قبل مولاها
الكافر (5)، وثاني عشرها إذا كان ولدها غير وارث لكونه قاتلا، أو
كافرا، لأنها لا تنعتق بموت مولاها حينئذ، إذ لا نصيب لولدها.
وثالث عشرها إذا جنت على مولاها جناية تستغرق قيمتها (6)، ورابع
260

عشرها إذا قتلته خطأ، وخامس عشرها إذا حملت في زمن خيار البائع،
أو المشترك (1) ثم فسخ البائع بخياره، وسادس عشرها إذا خرج مولاها
عن الذمة وملكت أمواله التي هي منها، وسابع عشرها إذا لحقت هي
بدار الحرب ثم استرقت، وثامن عشرها إذا كانت لمكاتب مشروط،
ثم فسخ كتابته، وتاسع عشرها إذا شرط أداء الضمان منها قبل الاستيلاد
ثم أولدها، فإن حق المضمون له أسبق من حق الاستيلاد كالرهن
والفلس السابقين، والعشرون إذا أسلم أبوها، أو جدها وهي مجنونة،
أو صغيرة، ثم استولدها الكافر بعد البلوغ قبل أن تخرج عن ملكه وهذه
في حكم إسلامها عنده، وفي كثير من هذه المواضع نظر (2).
261

(الرابعة - لو جنى العبد خطأ لم تمنع جنايته من بيعه)
لأنه لم يخرج عن ملك مولاه بها، والتخيير في فكه للمولى،
فإن شاء فكه بأقل الأمرين من أرش الجناية وقيمته، وإن شاء دفعه
إلى المجني عليه، أو وليه ليستوفي من رقبته ذلك (1)، فإذا باعه (2)
262

بعد الجناية كان التزاما بالفداء على أصح القولين، ثم إن فداه (1) وإلا
جاز للمجني عليه استرقاقه فينفسخ البيع إن استوعبت (2) قيمته، لأن
حقه أسبق، ولو كان المشتري جاهلا بعيبه تخير أيضا (3).
(ولو جني عمدا فالأقرب أنه) أي البيع (موقوف على رضا
المجني عليه، أو وليه لأن التخيير في جناية العمد إليه (4) وإن لم يخرج
عن ملك سيده، فبالثاني (5) يصح البيع وبالأول (6) يثبت التخيير (7)
فيضعف قول الشيخ ببطلان البيع فيه، نظرا إلى تعلق حق المجني عليه
قبله، ورجوع الأمر إليه، فإن (8) ذلك لا يقتضي البطلان، ولا يقصر
عن بيع الفضولي، ثم إن أجاز البيع ورضي بفدائه بالمال وفكه المولى لزم
البيع، وإن قتله، أو استرقه بطل، ويتخير المشتري قبل استقرار حاله
263

مع جهله للعيب المعرض للفوات، ولو كانت الجناية في غير النفس
واستوفي فباقيه مبيع، وللمشتري الخيار مع جهله، للتبعيض (1)، مضافا
إلى العيب (2) سابقا.
(الخامسة - يشترط علم الثمن قدرا وجنسا ووصفا)
قبل إيقاع عقد البيع، (فلا يصح البيع بحكم أحد المتعاقدين، أو
أجنبي) اتفاقا، وإن ورد في رواية شاذة " جواز " تحكيم المشتري،
فيلزمه الحكم بالقيمة فما زاد، (ولا بثمن مجهول القدر وإن شوهد)،
لبقاء الجهالة، وثبوت الغرر المنفي معها، خلافا للشيخ في الموزون،
وللمرتضى في مال السلم، ولابن الجنيد في المجهول مطلقا (3) إذا كان
المبيع صبرة (4)، مع اختلافهما جنسا، (ولا مجهول الصفة) كمائة درهم
وإن كانت مشاهدة لا يعلم وصفها مع تعدد النقد الموجود، (ولا مجهول
الجنس، وإن علم قدره)، لتحقق الجهالة في الجميع.
فلو باع كذلك كان فاسدا وإن اتصل به القبض، ولا يكون
كالمعاطاة، لأن شرطها اجتماع شرائط صحة البيع سوي العقد الخاص (5)
(فإن قبض المشتري المبيع والحال هذه، كان مضمونا عليه)، لأن كل
264

عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وبالعكس (1)، فيرجع به
وبزوائده (2) متصلة ومنفصلة، وبمنافعه المستوفاة وغيرها على الأقوى،
ويضمنه (إن تلف بقيمته يوم التلف) على الأقوى، وقيل: يوم
القبض، وقيل: الأعلى منه (3) إليه (4)، وهو حسن إن كان التفاوت
بسبب نقص في العين أو زيادة، أما باختلاف السوق فالأول (5)
أحسن، ولو كان مثليا ضمنه بمثله، فإن تعذر فقيمته يوم الإعواز
على الأقوى.
(السادسة - إذا كان العوضان من المكيل، أو الموزون
أو المعدود فلا بد من اعتبارهما بالمعتاد)
من الكيل أو الوزن أو العدد، فلا يكفي المكيال المجهول كقصعة (6)
حاضرة وإن تراضيا به، ولا الوزن المجهول كالاعتماد على صخرة معينة
265

وإن عرفا قدرها تخمينا (1)، ولا العدد المجهول بأن عولا على ملئ
اليد، أو آلة (2) يجهل ما تشتمل عليه ثم اعتبرا العدد به، للغرر المنهي
عنه في ذلك كله، (ولو باع المعدود وزنا صح)، لارتفاع الجهالة به
وربما كان أضبط، (ولو باع الموزون كيلا، أو بالعكس أمكن الصحة
فيهما)، للانضباط، ورواية وهب عن الصادق عليه السلام، ورجحه
في سلم الدروس.
(ويحتمل صحة العكس) وهو بيع المكيل وزنا، (لا الطرد (3)،
لأن الوزن أصل للكيل) وأضبط منه، وإنما عدل إلى الكيل تسهيلا،
(ولو شق العد) في المعدود لكثرته أو لضرورة (اعتبر مكيال ونسب
الباقي إليه)، واغتفر التفاوت الحاصل بسببه، وكذا القول في المكيل
والموزون حيث يشق وزنهما وكيلهما، وعبر كثير من الأصحاب في ذلك
يتعذر العد، والاكتفاء بالمشقة والعسر كما فعل المصنف أولى، بل لو قيل:
بجوازه مطلقا (4)، لزوال الغرر، وحصول العلم، واغتفار التفاوت
كان حسنا، وفي بعض الأخبار (5) دلالة عليه.
266

(السابعة - يجوز ابتياع جزء معلوم النسبة)
كالنصف والثلث (مشاعا تساوت أجزاؤه) كالحبوب والأدهان،
(أو اختلفت) كالجواهر والحيوان (إذا كان الأصل) الذي بيع جزؤه
(معلوما) بما يعتبر فيه من كيل، أو وزن، أو عد، أو مشاهدة،
(فيصح بيع نصف الصبرة المعلومة) المقدار والوصف، (ونصف الشاة
المعلومة) بالمشاهدة، أو الوصف، (ولو باع شاة غير معلومة من قطيع
بطل) وإن علم عدد ما اشتمل عليه من الشياه وتساوت أثمانها، لجهالة
عين المبيع.
(ولو باع قفيزا (1) من صبرة صح، وإن لم يعلم كمية الصبرة)
لأن المبيع مضبوط المقدار، وظاهره الصحة وإن لم يعلم اشتمال الصبرة
على القدر المبيع، (فإن نقصت تخير المشتري بين الأخذ) للموجود منها
(بالحصة) أي بحصته من الثمن (2)، (وبين الفسخ) لتبعض الصفقة
واعتبر بعضهم العلم باشتمالها على المبيع، أو أخبار البائع به، وإلا لم
يصح وهو حسن، نعم لو قبل بالاكتفاء بالظن الغالب باشتمالها عليه
267

كان متجها، ويتفرع عليه ما ذكره (1) أيضا.
واعلم أن أقسام بيع الصبرة عشرة ذكر المصنف بعضها منطوقا،
وبعضها مفهوما، وجملتها أنها إما أن تكون معلومة المقدار، أو مجهولته،
فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع، وبيع جزء منها معلوم مشاع، وبيع
مقدار كقفيز تشتمل عليه، وبيعها كل قفيز بكذا، لا بيع كل قفيز منها
بكذا، والمجهولة يبطل بيعها في جميع الأقسام الخمسة إلا الثالث (2).
وهل ينزل القدر المعلوم في الصورتين (3) على الإشاعة، أو يكون المبيع
ذلك المقدار في الجملة، وجهان أجودهما الثاني. وتظهر الفائدة فيما
لو تلف بعضها، فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة (5)، وعلى الثاني (6)
يبقى المبيع ما بقي قدره (7).
268

(الثامنة - يكفي المشاهدة عن الوصف
ولو غاب وقت الابتياع)
بشرط أن يكون مما لا (1) يتغير عادة كالأرض والأواني والحديد
والنحاس، أو لا تمضي مدة يتغير فيها عادة، ويختلف باختلافها زيادة
ونقصانا، كالفاكهة والطعام والحيوان (2). فلو مضت المدة كذلك (3)
لم يصح، لتحقق الجهالة المترتبة على تغيره عن تلك الحالة. نعم لو احتمل (4)
الأمرين (5) صح، عملا بأصالة البقاء (6) (فإن ظهر المخالفة) بزيادته
أو نقصانه فإن كان (7) يسيرا يتسامح بمثله عادة فلا خيار، وإلا (تخير
269

المغبون) منهما، وهو البائع إن ظهر زائدا، والمشتري إن ظهر ناقصا (1)
(ولو اختلفا في التغير قدم قول المشتري مع يمينه) إن كان هو المدعي
للتغير (2) الموجب للخيار والبائع ينكره، لأن البائع يدعي علمه (3) بهذه
الصفة وهو (4) ينكره، ولأن الأصل (5) عدم وصول حقه إليه (6)،
270

فيكون في معنى المنكر، ولأصالة بقاء يده (1) على الثمن.
وربما قبل بتقديم قول البائع، لتحقق الاطلاع (2) المجوز للبيع،
وأصالة (3) عدم التغير. ولو انعكس الفرض بأن ادعى البائع تغيره
في جانب الزيادة وأنكر المشتري احتمل تقديم قول المشتري أيضا، كما
يقتضيه إطلاق (4) العبارة، لأصالة عدم التغير، ولزوم (5) البيع.
والظاهر تقديم قول البائع لعين ما ذكر في المشتري (6) وفي تقديم قول
271

المشتري فيهما (1) جمع بين متنافيين مدعى ودليلا (2)، والمشهور
272

في كلامهم هو القسم الأول (1)، فلذا أطلق (2) المصنف هنا، لكن
273

نافره (1) تعميمه الخيار للمغبون منهما قبله وعطفه (2) عليه (3) مطلقا,
ولو اتفقا على تغيره لكن اختلفا في تقدمه (4) على البيع وتأخره (5)
فإن شهدت القرائن بأحدهما (6) حكم به (7)، وإن احتمل الأمران
فالوجهان (8)، وكذا لو وجداه تالفا وكان مما يكفي في قبضه التخلية
274

واختلفا في تقدم التلف عن البيع وتأخره (1)، أو لم يختلفا (2)، فإنه
يتعارض أصلا عدم تقدم كل منهما فيتساوقان ويتساقطان، ويتجه تقديم
حق المشتري لأصالة بقاء يده، وملكه للثمن، والعقد الناقل قد شك
في تأثيره، لتعارض الأصلين (3).
275

التاسعة - يعتبر (1) ما يراد طعمه)
كالدبس (وريحه) كالمسك، أو يوصف على الأولى (2) (ولو
اشتراه) من غير اختبار، ولا وصف، (بناء على الأصل (3)) وهو
الصحة (جاز) مع العلم به من غير هذه الجهة كالقوام، واللون،
وغيرهما مما يختلف قيمته باختلافه، وقيل: لا يصح بيعه إلا بالاعتبار،
أو الوصف كغيره، للغرر، والأظهر جواز البناء على الأصل، إحالة
على مقتضى الطبع، فإنه أمر مضبوط عرفا لا يتغير غالبا إلا بعيب فيجوز
الاعتماد عليه، لارتفاع الغرر به (4)، كالاكتفاء برؤية ما يدل بعضه
على باقيه غالبا، كظاهر الصبرة، وأنموذج المتماثل، وينجبر النقص
بالخيار، (فإن خرج معيبا تخير المشتري بين الرد والأرش) إن لم
يتصرف فيه تصرفا زائدا على اختباره، (ويتعين الأرش لو تصرف فيه)
كما في غيره من أنواع المبيع، (وإن كان) المشتري المتصرف (أعمى)
لتناول الأدلة (5) له، خلافا لسلار حيث خير الأعمى بين الرد والأرش
وإن تصرف.
276

(وأبلغ في الجواز) من غير اعتباره (ما يفسد باختباره، كالبطيخ
والجوز والبيض)، لمكان الضرورة والحرج، (فإن) اشتراه فظهر
صحيحا فذاك، وإن (ظهر فاسدا) بعد كسره (رجع بأرشه)،
وليس له الرد، للتصرف إن كان له (1) قيمة، (ولو لم يكن لمكسوره
قيمة) كالبيض الفاسد (رجع بالثمن أجمع)، لبطلان البيع، حيث
لا يقابل الثمن مال.
(وهل يكون العقد مفسوخا من أصله) نظرا إلى عدم المالية
من حين العقد فيقع باطلا ابتداء، (أو يطرأ عليه الفسخ) بعد الكسر
وظهور الفساد، التفاتا إلى حصول شرط الصحة حين العقد (2)، وإنما
تبين الفساد بالكسر (3) فيكون هو المفسد (نظر) ورجحان الأول (4)
واضح، لأن ظهور الفساد كشف عن عدم المالية في نفس الأمر حين
البيع، لا أحدث عدمها (5) حينه (6)، والصحة مبنية على الظاهر (7)
277

وفي الدروس جزم بالثاني (1) وجعل الأول احتمالا، وظاهر كلام
الجماعة (2).
(و) تظهر (الفائدة في مؤنة نقله عن الموضع) الذي اشتراه فيه
إلى موضع اختباره، فعلى الأول (3) على البائع، وعلى الثاني (4)
على المشتري لوقوعه في ملكه، ويشكل بأنه وإن كان ملكا للبائع
حينئذ (5) لكن نقله بغير أمره (6)، فلا يتجه الرجوع عليه بالمؤنة.
وكون (7) المشتري هنا كجاهل استحقاق المبيع حيث يرجع بما غرم إنما
278

يتجه مع الغرور، وهو منفي هنا، لاشتراكهما في الجهل، ولو أريد
بها (1) مؤنة نقله (2) من موضع الكسر لو كان (3) مملوكا وطلب
مالكه (4) نقله (5)، أو ما في حكمه (6) انعكس (7) الحكم، واتجه
كونه (8) على البائع مطلقا (9)، لبطلان البيع على التقديرين (10).
واحتمال كونه (11) المشتري لكونه (12).
279

من فعله وزوال (1) المالية عنهما (2) مشترك أيضا بين الوجهين (3)،
وكيف كان فبناء حكمها (4) على الوجهين ليس بواضح.
وربما قيل بظهور الفائدة أيضا في ما لو تبرأ البائع من عيبه فيتجه
كون تلفه من المشتري على الثاني (5) دون الأول (6). ويشكل صحة
الشرط على تقدير فساد الجميع، لمنافاته (7) لمقتضى (8) العقد، إذ لا
شئ في مقابلة الثمن فيكون أكل مال بالباطل، وفيما (9) لو رضي به (10)
المشتري بعد الكسر، وفيه أيضا نظر، لأن الرضا بعد الحكم بالبطلان لا
أثر له.
280

(العاشرة - يجوز بيع المسك في فأره)
بالهمز جمع فأرة (1) به (2) أيضا كالفأرة في غيره (3)، وهي
الجلدة المشتملة على المسك (وإن لم تفتق) بناء على أصل (4) السلامة
فإن ظهر بعد فتقه معيبا تخير (وفتقه بأن يدخل فيه خيط) بإبرة،
ثم (يخرج ويشم أحوط) لترتفع الجهالة رأسا.
(الحادية عشرة - لا يجوز بيع سمك الآجام
مع ضميمة القصب، أو غيره)
للجهالة، ولو في بعض المبيع، (ولا اللبن في الضرع) بفتح
الضاد وهو الثدي لكل ذات خف (5)، أو ظلف (6) (كذلك (7))
281

أي وإن ضم إليه (1) شيئا، ولو لبنا (2) محلوبا، لأن ضميمة المعلوم
إلى المجهول تصير المعلوم مجهولا، أما عدم الجواز بدون الضميمة فموضع
وفاق، وأما معها فالمشهور أنه كذلك (3)، وقيل: يصح استنادا
إلى رواية (4) ضعيفة، وبالغ الشيخ فجوز ضميمة ما في الضرع إلى ما
يتجدد مدة معلومة، والوجه المنع. نعم لو وقع ذلك (5) بلفظ الصلح اتجه الجواز، وفصل آخرون فحكموا بالصحة مع كون المقصود بالذات
المعلوم وكون المجهول تابعا والبطلان مع العكس (6) وتساويهما (7)
في القصد الذاتي وهو حسن، وكذا القول في كل مجهول ضم إلى معلوم.
(ولا الجلود والأصواف والأشعار على الأنعام) وإن ضم إليها
غيره أيضا، لجهالة مقداره، مع كون غير الجلود موزونا فلا يباع
جزافا (8)، (إلا أن يكون الصوف وشبهه مستجزا، أو شرط جزه
282

فالأقرب الصحة)، لأن المبيع حينئذ مشاهد، والوزن غير معتبر مع كونه
على ظهرها وإن استجزت، كالثمرة على الشجرة وإن استجزت.
وينبغي على هذا عدم اعتبار اشتراط جزه، لأن ذلك لا مدخل له
في الصحة، بل غايته مع تأخيره أن يمتزج بمال البائع، وهو لا يقتضي
بطلان البيع كما لو امتزجت لقطة الخضر بغيرها، فيرجع إلى الصلح (1)
ولو شرط تأخيره مدة معلومة، وتبعية المتجدد بني على القاعدة السالفة،
فإن كان المقصود بالذات هو الموجود صح وإلا فلا.
(الثانية عشرة - يجوز بيع دود القز،
لأنه حيوان طاهر ينتفع به)
منفعة مقصودة محللة، (ونفس القز وإن كان الدود فيه، لأنه
كالنوى في التمر) فلا يمنع من بيعه، وربما احتمل المنع، لأنه إن كان
حيا عرضة (2) للفساد، وإن كان (3) ميتا دخل في عموم النهي عن بيع
الميتة، وهو (4) ضعيف، لأن عرضة الفساد لا يقتضي المنع، والدود
لا يقصد بالبيع حتى تمنع ميتته، وإلى جوابه أشار المصنف بقوله لأنه
كالنوى، وقد يقال: أن في النوى منفعة مقصودة كعلف الدواب،
283

بخلاف الدود الميت (1)، وكيف كان لا تمنع من صحة البيع (2).
(الثالثة عشرة - إذا كان المبيع في ظرف جاز بيعه)
مع وزنه (3) معه (4) (وأسقط ما جرت العادة به للظرف)
سواء كان ما جرت به زائدا عن وزن الظرف قطعا، أم ناقصا، ولو
لم تطرد العادة لم يجز إسقاط ما يزيد، إلا مع التراضي. ولا فرق بين
إسقاطه بغير ثمن أصلا، وبثمن مغاير للمظروف (5)، (ولو باعه
مع الظرف) من غير وضع جاعلا مجموع الظرف والمظروف مبيعا واحدا
بوزن واحد (فالأقرب الجواز)، لحصول معرفة الجملة الرافعة للجهالة،
ولا يقدح (6) الجهل بمقدار كل منهما منفردا، لأن المبيع هو الجملة،
لا كل فرد بخصوصه. وقيل: لا يصح حتى يعلم مقدار كل منهما، لأنهما
284

في قوة، مبيعين، وهو ضعيف.
(القول في الآداب: وهي أربعة وعشرون)
الأول - (التفقه فيما يتولاه) من التكسب، ليعرف صحيح العقد
من فاسده، ويسلم من الربا، (و) لا يشترط معرفة الأحكام بالاستدلال
كما يقتضيه ظاهر الأمر (1) بالتفقه، بل (يكفي التقليد)، لأن المراد به
هنا معرفتها على وجه يصح، وقد قال علي عليه السلام: " من أتجر

(1) التوبة الآية 123.
285

بغير علم فقد ارتطم (1) في الربا، ثم ارتطم (2) ".
الثاني - (التسوية بين المعاملين في الإنصاف) فلا يفرق بين
المماكس (3) وغيره، ولا بين الشريف والحقير. نعم لو فاوت بينهم
بسبب فضيلة ودين فلا بأس، لكن يكره للآخذ قبول ذلك، ولقد
كان السلف يوكلون في الشراء من لا يعرف هربا من ذلك (4).
الثالث - (إقالة النادم) قال الصادق عليه السلام: " أيما عبد
مسلم أقال مسلما في بيع أقال الله عثرته يوم القيامة (5) " وهو مطلق
في النادم وغيره، إلا أن ترتب الغاية (6) مشعر به (7)، وإنما يفتقر
إلى الإقالة (إذا تفرقا من المجلس، أو شرطا عدم الخيار)، فلو كان
286

للمشتري خيار فسخ به (1) ولم يكن محتاجا إليها (2) (وهل تشرع الإقالة
في زمن الخيار، الأقرب نعم) لشمول الأدلة (3) له (4) خصوصا
الحديث السابق فإنه لم يتقيد بتوقف المطلوب (5) عليها (6)، (ولا يكاد
يتحقق الفائدة) في الإقالة حينئذ (7).
287

(إلا إذا قلنا هي بيع (1)) فيترتب عليها (2) أحكام البيع من الشفعة
وغيرها (3)، بخلاف الفسخ، أو قلنا: (بأن الإقالة من ذي الخيار
إسقاط للخيار (4)، لدلالتها (5) على الالتزام بالبيع، وإسقاط الخيار
لا يختص بلفظ، بل يحصل بكل ما دل عليه، من قول، وفعل وتظهر
الفائدة حينئذ (6) فيما لو تبين بطلان الإقالة فليس له الفسخ بالخيار.
(ويحتمل سقوط خياره بنفس طلبها (7) مع علمه بالحكم (8) لما
ذكرناه من الوجه (9)، ومن ثم (10) قيل بسقوط الخيار لمن قال:
288

لصاحبه اختر (1) وهو مروي (2) أيضا، والأقوى عدم السقوط
في الحالين (3)، لعدم دلالته (4) على الالتزام حتى بالالتزام (5)،
ويجوز أن يكون مطلوبه من الإقالة تحصيل الثواب بها (6) فلا ينافي إمكان
فسخه بسبب آخر (7) وهو (8) من أتم الفوائد.
الرابع - (عدم تزيين المتاع) ليرغب فيه الجاهل مع عدم غاية
أخرى للزينة، أما تزيينه لغاية أخرى كما لو كانت الزينة مطلوبة عادة
فلا بأس.
الخامس - (ذكر العيب) الموجود في متاعه (إن كان) فيه عيب
ظاهرا كان، أم خفيا، للخبر (9).
289

ولأن ذلك (1) من تمام الإيمان والنصيحة (2).
السادس - (ترك الحلف على البيع والشراء) قال صلى الله عليه
وآله وسلم: " ويل (3) للتاجر من (4) لا والله وبلى والله "، وقال
صلى الله عليه وآله وسلم: " من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلا
فلا يشترى ولا يبيع: الربا، والحلف، وكتمان العيب، والمدح إذا باع، والذم
إذا اشترى (5) " وقال الكاظم عليه السلام: " ثلاثة لا ينظر الله إليهم
أحدهم رجل اتخذ الله عز وجل بضاعة لا يشتري إلا بيمين، ولا يبيع
إلا بيمين (6)، وموضع الأدب الحلف صادقا، أما الكاذب فعليه
لعنة الله (7) ".
السابع - المسامحة فيهما (8)، وخصوصا في شراء آلات الطاعات)
290

فإن ذلك (1) موجب للبركة والزيادة، وكذا يستحب في القضاء
والاقتضاء (2) للخبر (3).
الثامن - (تكبير المشتري ثلاثا، وتشهده الشهادتين بعد الشراء)
وليقل بعدهما: اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من فضلك، فاجعل لي فيه
فضلا، اللهم إني اشتريته التمس فيه رزقا، فاجعل لي فيه رزقا ".
التاسع - (أن يقبض ناقصا، ويدفع راجحا، نقصانا ورجحانا
لا يؤدي إلى الجهالة) بأن يزيد كثيرا بحيث يجهل مقداره تقريبا (4)،
ولو تنازعا في تحصيل الفضيلة قدم من بيده الميزان والمكيال، لأنه الفاعل
المأمور بذلك (5)، زيادة على كونه معطيا وآخذا (6).
العاشر - (أن لا يمدح أحدهما سلعته، و [لا] يذم سلعة
291

صاحبه) للخبر (1) المتقدم وغيره. (ولو ذم سلعة نفسه بما لا يشمل
على الكذب فلا بأس).
الحادي عشر - (ترك الربح على المؤمنين) قال الصادق عليه السلام:
" ربح المؤمن على المؤمن حرام، إلا أن يشتري بأكثر من مائة درهم
فأربح عليه قوت يومك، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وأرفقوا
بهم (2) "، (إلا مع الحاجة فيأخذ منهم نفقة يوم) له ولعياله،
(موزعة (3) على المعاملين) في ذلك اليوم مع انضباطهم (4)، وإلا (5)
ترك الربح على المعاملين بعد تحصيل قوت يومه، كل ذلك مع شرائهم
للقوت، أما للتجارة فلا بأس به مع الرفق كما دل عليه الخبر (6).
الثاني عشر - (ترك الربح على الموعود بالإحسان) بأن يقول له:
292

هلم أحسن إليك فيجعل إحسانه الموعود به ترك الربح عليه قال الصادق
عليه السلام: إذا قال الرجل للرجل هلم أحسن بيعك يحرم عليه
الربح، والمراد به الكراهة المؤكدة.
الثالث عشر - (ترك السبق إلى السوق والتأخر فيه)، بل يبادر
إلى قضاء حاجته ويخرج منه، لأنه مأوى الشياطين، كما أن المسجد مأوى
الملائكة فيكون على العكس، ولا فرق في ذلك (3) بين التاجر
وغيره، ولا بين أهل السوق عادة، وغيرهم.
الرابع عشر - (ترك معاملة الأدنين) وهم الذين يحاسبون
على الشئ الأدون، أو من لا يسره الإحسان، ولا تسوءه الإساءة،
أو من لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه، (والمحارفين) بفتح الراء وهم
الذين لا يبارك لهم في كسبهم، قال الجوهري: رجل محارف بفتح
الراء أي محدود محروم، وهو خلاف قولك مبارك، وقد حورف كسب
293

فلان إذا شدد عليه في معاشه، كأنه ميل برزقه عنه، (والمؤفين) أي
ذوي الآفة والنقص في أبدانهم، للنهي عنه في الأخبار (1)، معللا بأنهم
أظلم شئ، (والأكراد) للحديث عن الصادق عليه السلام، معللا بأنهم
حي من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء (2)، ونهى فيه أيضا عن مخالطتهم (وأهل الذمة) للنهي عنه، ولا يتعدى إلى غيرهم من أصناف
الكفار (3) للأصل (4)، والفارق (5)، (وذوي الشبهة في المال) كالظلمة
لسريان شبههم إلى ماله.
الخامس عشر - (ترك التعرض للكيل، أو الوزن إذا لم يحسن)
حذرا من الزيادة والنقصان المؤديين إلى المحرم، وقيل: يحرم حينئذ،
للنهي (6) عنه في الأخبار المقتضي للتحريم، وحمل على الكراهة.
السادس عشر - (ترك الزيادة في السلعة وقت النداء) عليها
من الدلال، بل يصبر حتى يسكت ثم يزيد إن أراد، لقول علي
عليه السلام: " إذا نادي المنادي فليس لك أن تزيد، وإنما يحرم الزيادة
294

النداء، ويحلها السكوت (1) ".
السابع عشر - (ترك السوم (2)) وهو الاشتغال بالتجارة (ما
بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) لنهي (3) النبي صلى الله عليه وآله
وسلم عنه، ولأنه وقت الدعاء، ومسألة الله تعالى، لا وقت تجارة،
وفي الخبر أن الدعاء فيه أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد (4).
الثامن عشر - (ترك دخول المؤمن في سوم أخيه) المؤمن (بيعا
وشراء) بأن يطلب ابتياع الذي يريد أن يشتريه، ويبذل زيادة عنه ليقدمه
البائع، أو يبذل للمشتري متاعا غير ما اتفق هو والبائع عليه لقول النبي
صلى الله عليه وآله وسلم: " لا يسوم الرجل على سوم أخيه (5) وهو
295

خبر معناه النهي، ومن ثم قيل: بالتحريم، لأنه الأصل في النهي،
وإنما يكره، أو يحرم (بعد التراضي، أو قربه) فلو ظهر له ما يدل
على عدمه فلا كراهة ولا تحريم.
(ولو كان السوم بين اثنين) سواء دخل أحدهما على النهي،
أم لا بأن ابتدءا فيه معا قبل محل النهي (لم يجعل نفسه بدلا من أحدهما)
لصدق الدخول في السوم، (ولا كراهة فيما يكون في الدلالة، (1) لأنها
موضوعة عرفا لطلب الزيادة ما دام الدلال يطلبها، فإذا حصل الاتفاق
بين الدلال والغريم تعلقت الكراهة، لأنه لا يكون حينئذ في الدلالة وإن
كان بيد الدلال،
(وفي كراهة طلب المشتري من بعض الطالبين الترك له (2) نظر)
من عدم صدق الدخول في السوم من حيث الطلب منه،
ومن مساواته (4) له (5) في المعنى حيث أراد أن يحرمه مطلوبه والظاهر
القطع بعدم التحريم على القول به في السوم، وإنما الشك في الكراهة،
(ولا كراهية في ترك الملتمس منه)، لأنه قضاء حاجة لأخيه، وربما
استحبت إجابته لو كان مؤمنا، ويحتمل الكراهة لو قلنا بكراهة طلبه،
لإعانته له على فعل المكروه. وهذا الفروع من خواص الكتاب.
التاسع عشر - (ترك توكل حاضر لباد) وهو الغريب الجالب
296

للبلد وإن كان قرويا، قال النبي صلى الله عليه وآله: " لا يتوكل
حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض (1) "، وحمل
بعضهم النهي على التحريم وهو حسن لو صح الحديث، وإلا فالكراهة
أوجه، للتسامح في دليلها، وشرطه (2) ابتداء الحضري به، فلو التمسه (3)
منه (4) الغريب فلا بأس به، وجهل (5) الغريب بسعر البلد، فلو علم
به لم يكره، بل كانت مساعدته محض الخير، ولو باع مع النهي انعقد
وإن قيل بتحريمه، ولا بأس بشراء البلدي (له (6)، للأصل (7).
العشرون - (ترك التلقي للركبان) وهو الخروج إلى الركب (8)
القاصد إلى بلد للبيع عليهم، أو الشراء منهم، (وحده أربعة فراسخ)
فما دون، فلا يكره ما زاد، لأنه سفر للتجارة، وإنما يكره (إذا قصد
الخروج لأجله)، فلو اتفق مصادفة الركب في خروجه لغرض لم يكن
به بأس، (ومع جهل البائع، أو المشتري القادم بالسعر) في البلد،
297

فلو علم به لم يكره كما يشعر به تعليله صلى الله عليه وآله في قوله:
" لا يتلق أحدكم تجارة، خارجا (1) من المصر، والمسلمون يرزق الله
بعضهم من بعض (2) "، والاعتبار بعلم من يعامله خاصة (3).
(و) كذا ينبغي (ترك شراء ما يتلقى) ممن اشتراه من الركب
بالشرائط (4) ومن ترتبت يده على يده وإن ترامى لقول الصادق عليه السلام
" لا تلق ولا تشتر ما يتلقى ولا تأكل منه (5) "، وذهب جماعة
إلى التحريم، لظاهر النهي في هذه الأخبار. وعلى القولين يصح البيع،
(ولا خيار للبائع والمشتري إلا مع الغبن) فيتخير المغبون على الفور
في الأقوى، ولا كراهة في الشراء والبيع منه بعد وصوله إلى حدود البلد
بحيث لا يصدق التلقي، وإن كان جاهلا بسعره للأصل (6)، ولا في بيع
نحو المأكول والعلف عليهم وإن تلقى.
الحادي والعشرون - (ترك الحكرة) بالضم وهو جمع الطعام وحبسه
يتربص به الغلاء، والأقوى تحريمه مع حاجة الناس إليه، لصحة الخبر
بالنهي عنه عن النبي صلى الله عليه وآله: " وأنه لا يحتكر الطعام
298

إلا خاطئ (1) وأنه ملعون (2) ".
وإنما تثبت الحكرة (في) سبعة أشياء (الحنطة والشعير والتمر
والزبيب والسمن والزيت والملح، وإنما يكره إذا وجد باذل غيره
يكتفي به الناس، (ولو لم يوجد غيره وجب البيع) مع الحاجة، ولا
يتقيد بثلاثة أيام في الغلاء، وأربعين في الرخص، وما روي (3)
من التحديد بذلك محمول على حصول الحاجة في ذلك الوقت، لأنه
مظنها، (ويسعر) عليه حيث يجب عليه البيع) إن أجحف) في الثمن
لما فيه من الإضرار المنفي، (وإلا فلا)، ولا يجوز التسعير في الرخص
مع عدم الحاجة قطعا، والأقوى أنه مع الاجحاف حيث يؤمر به
لا يسعر عليه أيضا، بل يؤمر بالنزول عن المجحف وإن كان (4) في معنى
التسعير، إلا أنه لا يحصر في قدر خاص.
الثاني والعشرون - (ترك الربا في المعدود على الأقوى)،
للأخبار (5) الصحيحة الدالة على اختصاصه بالمكيل والموزون، وقيل:
يحرم فيه أيضا، استنادا إلى رواية (6) ظاهرة في الكراهة، (وكذا
في النسيئة) في الربوي، (مع اختلاف الجنس) كالتمر بالزبيب، وإنما
299

كره فيه، للأخبار (1) الدالة على النهي عنه، إلا أنها في الكراهة
أظهر، لقوله صلى الله عليه وآله: " إذا اختلف الجنس فبيعوا كيف
شئتم (2) "، وقيل: بتحريمه، لظاهر النهي (3) السابق.
300

الثالث والعشرون - (ترك نسبة الربح والوضيعة إلى رأس المال)
بأن يقول: بعتك بمائة وربح المائة عشرة، أو وضيعتها، للنهي (1) عنه
ولأنه بصورة الربا، وقيل: يحرم عملا بظاهر النهي (2)، وترك
نسبته (3) كذلك (4) أن يقول: بعتك بكذا وربح كذا، أو وضيعته.
الرابع والعشرون - (ترك بيع ما لا يقبض (5) مما يكال، أو
يوزن) للنهي عنه في أخبار (6) صحيحة حملت على الكراهة، جمعا
بينها، وبين ما دل على الجواز والأقوى التحريم، وفاقا للشيخ رحمه الله
في المبسوط مدعيا الإجماع والعلامة رحمه الله في التذكرة والإرشاد،
301

لضعف روايات (1) الجواز المقتضية لحمل النهي (2) في الأخبار الصحيحة
على غير ظاهره.
(الفصل الثالث: في بيع الحيوان) وهو قسمان أناسي وغيره،
ولما كان البحث عن البيع موقوفا على الملك، وكان تملك الأول موقوفا
على شرائط نبه عليها أو لا، ثم عقبه بأحكام البيع. والثاني وإن كان كذلك
إلا أن لذكر ما يقبل الملك منه محلا آخر بحسب ما اصطلحوا عليه، فقال:
(والأناسي تملك بالسبي مع الكفر الأصلي)، وكونهم غير ذمة.
واحترز بالأصلي عن الارتداد، فلا يجوز السبي وإن كان المرتد بحكم الكافر
في جملة (3) من الأحكام، (و) حيث يملكون بالسبي (يسري الرق
في أعقابهم) وإن أسلموا (بعد) الأسر، (ما لم يعرض لهم سبب
محرر) من عتق، أو كتابة، أو تنكيل، أو رحم على وجه (4).
(والملقوط في دار الحرب رق إذا لم يكن فيها مسلم) صالح لتولده
302

منه، (بخلاف) لقيط (دار الإسلام) فإنه حر ظاهرا، (إلا أن
يبلغ) ويرشد على الأقوى، (ويقر على نفسه بالرق)، فيقبل منه
على أصح القولين، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (1). وقيل:
لا يقبل، لسبق الحكم (2) بحريته شرعا فلا يتعقبها الرق بذلك. وكذا
القول في لقيط دار الحرب إذا كان فيها مسلم. وكل مقر بالرقية بعد
بلوغه ورشده وجهالة نسبه مسلما كان، أم كافرا، لمسلم أقر، أم لكافر،
وإن بيع على (3) الكافر لو كان المقر مسلما، (والمسبي حال الغيبة
يجوز تملكه ولا خمس فيه) للإمام عليه السلام، ولا لفريقه (4)، وإن كان
حقه أن يكون للإمام عليه السلام خاصة، لكونه مغنوما بغير إذنه
إلا أنهم عليهم السلام أذنوا لنا في تملكه كذلك (5) (رخصة) منهم
303

لنا، وأما غيرنا فتقر (1) يده عليه، ويحكم له بظاهر الملك، للشبهة (2)
كتملك (3) الخراج والمقاسمة، فلا يؤخذ منه (4) بغير رضاه مطلقا (5)
(ولا يستقر للرجل ملك الأصول) وهم الأبوان وآباؤهما وإن علوا
(والفروع) وهم الأولاد ذكورا وإناثا وإن سفلن، والإناث المحرمات
كالعمة والحالة والأخت، (نسبا) إجماعا، (ورضاعا) على أصح
القولين، للخبر (6) الصحيح معللا فيه بأنه يحرم من الرضاع ما يحرم
من النسب، ولأن الرضاع لحمة كلحمة النسب.
(ولا) يستقر (للمرأة ملك العمودين) الآباء وإن علوا،
والأولاد وإن سفلوا، ويستقر على غيرهما وإن حرم نكاحه كالأخ والعم
والخال وإن استحب لها اعتاق المحرم، وفي إلحاق الخنثى هنا بالرجل،
أو المرأة نظر، من (7) الشك في الذكورية التي هي سبب عتق غير
العمودين فيوجب الشك في عتقهم، والتمسك (8) بأصالة بقاء الملك،
304

ومن (1) إمكانها فيعتقون، لبنائه (2) على التغليب، وكذا الإشكال
لو كان (3) مملوكا، وإلحاقه (4) بالأنثى في الأول (5)، وبالذكر
في الثاني (6) لا يخلو من قوة، تمسكا بالأصل (7) فيهما (8).
والمراد بعدم استقرار ملك من ذكر أنه يملك ابتداء بوجود سبب
305

الملك آنا (1) قليلا لا يقبل غير العتق، ثم يعتقون، إذ لولا الملك لما
حصل العتق. ومن عبر من الأصحاب بأنهما (2) لا يملكان ذلك (3) تجوز
في إطلاقه (4) على المستقر، ولا فرق في ذلك (5) كله بين الملك القهري
والاختياري، ولا بين الكل والبعض، فيقوم عليه باقيه إن كان
مختارا (6) على الأقوى، وقرابة الشبهة (7) بحكم الصحيح، بخلاف قرابة
306

الزنا على الأقوى، لأن الحكم الشرعي يتبع الشرع لا اللغة (1)، ويفهم
من إطلاقه كغيره الرجل والمرأة أن الصبي والصبية لا يعتق عليهم ذلك (2)
لو ملكوه إلى أن يبلغوا، والأخبار (3) مطلقة في الرجل والمرأة كذلك (4)
ويعضده أصالة (5) البراءة، وإن كان خطاب الوضع غير مقصور
على المكلف (6).
(ولا تمنع الزوجية من الشراء فتبطل) الزوجية ويقع الملك، فإن
كان المشتري الزوج استباحها بالملك، وإن كانت الزوجة حرم عليها
وطء (7) مملوكها مطلقا (8)، وهو موضع وفاق، وعلل ذلك (9) بأن
307

التفصيل في حل الوطء يقطع الاشتراك بين الأسباب (1)، وباستلزامه
اجتماع علتين على معلول (2) واحد، ويضعف بأن علل الشرع معرفات (3)
وملك البعض كالكل (4)، لأن البضع لا يتبعض.
(والحمل يدخل) في بيع الحامل (مع الشرط) أي شرط دخوله
لا بدونه في أصح القولين، للمغايرة كالثمرة، والقائل بدخوله (5)
مطلقا (6) ينظر إلى أنه كالجزء من الأم، وفرع عليه عدم جواز
استثنائه (7) كما لا يجوز استثناء الجزء (8) المعين من الحيوان.
308

وعلى المختار (1) لا تمنع جهالته (2) من دخوله مع الشرط، لأنه تابع،
سواء قال: بعتكها وحملها، أم قال: وشرطت لك حملها، ولو لم يكن (3)
معلوما وأريد إدخاله فالعبارة الثانية (4) نحوها لا غير، ولو لم يشترطه
واحتمل وجوده عند العقد وعدمه فهو للمشتري، لأصالة عدم تقدمه،
فلو اختلفا في وقت العقد قدم قول البائع مع اليمين، وعدم البينة
للأصل (5)، والبيض تابع مطلقا (6)، لا كالحمل (7) كسائر (8)
الأجزاء وما يحتويه البطن.
(ولو شرط فسقط قبل القبض رجع) المشتري من الثمن (بنسبته)
لفوات بعض المبيع (بأن يقوم حاملا ومجهضا) أي مسقطا لا حائلا (9)
309

للاختلاف (1)، ومطابقة الأول (2) للواقع، ويرجع (3) بنسبة التفاوت
بين القيمتين من الثمن.
(ويجوز ابتياع جزء مشاع من الحيوان) كالنصف والثلث،
(لا معين) كالرأس والجلد، ولا يكون (4) شريكا بنسبة قيمته (5)
على الأصح، لضعف (6) مستند الحكم بالشركة، وتحقق (7) الجهالة،
،
310

وعدم (1) القصد إلى الإشاعة فيبطل البيع بذلك (2)، إلا أن يكون
مذبوحا، أو يراد ذبحه، فيقوى صحة الشرط.
(ويجوز النظر إلى وجه المملوكة إذا أراد شراءها، وإلى محاسنها)
وهي مواضع الزينة كالكفين، والرجلين، والشعر وإن لم يأذن المولى،
ولا تجوز الزيادة عن ذلك إلا بإذنه، ومعه (3) يكون تحليلا يتبع ما دل
عليه لفظه حتى العورة " ويجوز مس ما أبيح له نظره مع الحاجة، وقيل:
يباح له النظر إلى ما عدا العورة بدون الإذن، وهو بعيد.
(ويستحب تغيير اسم المملوك عند شرائه) أي بعده، وقوى
في الدروس اطراده في الملك الحادث مطلقا (4)، (والصدقة عنه بأربعة
311

دراهم) شرعية (1)، (وإطعامه) شيئا (حلوا، ويكره وطء) الأمة
(المولودة من الزنا بالملك، أو بالعقد، للنهي (2) عنه في الخبر،
معللا بأن ولد الزنا لا يفلح، وبالعار، وقيل: يحرم بناء على كفره،
وهو ممنوع، (والعبد لا يملك شيئا) مطلقا (3) على الأقوى، عملا بظاهر
الآية (4)، والأكثر على أنه يملك في الجملة، فقيل: فاضل (5)
الضريبة وهو مروي (6)، وقيل: أرش (7) الجناية، وقيل: ما ملكه

(1) النحل: الآية 75 - 76.
312

مولاه معهما (1)، وقيل: مطلقا (2)، لكنه محجور عليه بالرق،
استنادا (3) إلى أخبار (4) يمكن حملها على إباحة تصرفه في ذلك (5)
بالإذن جمعا.
وعلى الأول (6) (فلو اشتراه ومعه مال فللبايع)، لأن الجميع
مال المولى، فلا يدخل (7) في بيع نفسه، لعدم دلالته عليه، (إلا
بالشرط، فيراعى فيه شروط المبيع) من كونه معلوما لهما، أو ما
313

في حكمه (1)، وسلامته (2) من الربا بأن يكون الثمن مخالفا لجنسه (3)
الربوي، أو زائدا (4) عليه (5)، وقبض مقابل الربوي في المجلس
وغيرها (6).
314

(ولو جعل العبد) لغيره (جعلا على شرائه لم يلزم)، لعدم
صحة تصرفه بالحجر، وعدم الملك، وقيل: يلزم إن كان له مال،
بناء على القول بملكه، وهو ضعيف، (ويجب) على البائع (استبراء
الأمة قبل بيعها) إن كان قد وطئها وإن عزل، (بحيضة، أو مضي
خمسة وأربعين يوم فيمن لا تحيض، وهي في سن من تحيض، ويجب
على المشتري أيضا استبراؤها، إلا أن يخبره الثقة بالاستبراء). والمراد
بالثقة العدل، وإنما عبر به (1) تبعا للرواية (2)، مع احتمال الاكتفاء
بمن تسكن النفس إلى خبره، وفي حكم إخباره له بالاستبراء إخباره بعدم
وطئها.
(أو تكون لامرأة) وإن أمكن تحليلها لرجل، لإطلاق النص (3)
ولا يلحق (4) بها العنين والمجبوب والصغير الذي لا يمكن في حقه الوطء
وإن شارك (5) فيما ظن كونه (6) علة، لبطلان (7) القياس، وقد يجعل
بيعها من امرأة ثم شراؤها منها وسيلة إلى إسقاط الاستبراء، نظرا
315

إلى إطلاق النص (1)، من غير التفات إلى التعليل (2) بالأمن من وطئها
لأنها ليست منصوصة، ومنع العلة المستنبطة (3) وإن كانت مناسبة،
(أو تكون يائسة أو صغيرة، أو حائضا (4) إلا زمان (5) حيضها،
وإن بقي منه (6) لحظة.
(واستبراء الحامل بوضع الحمل) مطلقا (7)، لإطلاق النهي
عن وطئها في بعض الأخبار حتى تضع ولدها (8)، واستثنى في الدروس
ما لو كان الحمل عن زنا فلا حرمة له والأقوى الاكتفاء بمضي أربعة
أشهر وعشرة أيام لحملها، وكراهة وطئها بعدها إلا أن يكون من زنا
فيجوز مطلقا (9)، على كراهة، جمعا بين الأخبار الدال بعضها على المنع
316

مطلقا (1) كالسابق، وبعض على التحديد بهذه الغاية (2)، بحمل الزائد
على الكراهة.
(ولا يحرم في مدة الاستبراء غير الوطء) قبلا ودبرا من الاستمتاع
على الأقوى، للخبر (3) الصحيح، وقيل: يحرم الجميع، ولو وطئ
في زمن الاستبراء أثم وعزر مع العلم بالتحريم، ولحق به الولد، لأنه
فراش كوطئها حائضا، وفي سقوط الاستبراء حينئذ وجه، لانتفاء فائدته
حيث قد اختلط الماءان، والأقوى وجوب الاجتناب بقية المدة، لإطلاق
النهي فيها، ولو وطئ الحامل بعد مدة الاستبراء عزل، فإن لم يفعل
كره بيع الولد، واستحب له عزل قسط من ماله يعيش به، للخبر (4)
معللا بتغذيته بنطفته، وأنه شارك في إتمامه، وليس في الأخبار تقدير
القسط (5)، وفي بعضها أنه يعتقه ويجعل له شيئا يعيش به، لأنه
غذاه بنطفته.
وكما يجب الاستبراء في البيع يجب في كل ملك زائل وحادث بغيره
من العقود، وبالسبي والإرث، وقصره على البيع ضعيف، ولو باعها
من غير استبراء أثم وصح البيع، وغيره (6)، ويتعين حينئذ تسليمها
317

إلى المشتري ومن في حكمه إذا طلبها، لصيرورتها ملكا له، ولو أمكن
إبقاؤها برضاه مدة الاستبراء، ولو بالوضع في يد عدل وجب، ولا يجب
على المشتري الإجابة.
(ويكره التفرقة بين الطفل والأم قبل سبع سنين) في الذكر
والأنثى، وقيل: يكفي في الذكر حولان وهو أجود، لثبوت ذلك
في حضانة الحرة، ففي الأمة أولى، لفقد النص هنا، وقيل: يحرم
التفريق في المدة (1)، لتضافر الأخبار (2) بالنهي عنه، وقد قال صلى الله
عليه وآله: " من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين
أحبته " (3).
(والتحريم أحوط)، بل أقوى. وهل يزول التحريم، أو الكراهة
برضاهما، أو رضى الأم وجهان، أجودهما ذلك (4)، ولا فرق بين البيع
وغيره على الأقوى، وهل يتعدى الحكم إلى غير الأم من الأرحام المشاركة
لها في الاستئناس والشفقة كالأخت، والعمة، والخالة قولان، أجودهما
ذلك (5)، لدلالة بعض الأخبار (6) عليه، ولا يتعدى الحكم إلى البهيمة
318

للأصل (1)، فيجوز التفرقة بينهما بعد استغنائه عن اللبن مطلقا (2)،
وقبله (3) إن كان مما يقع عليه الذكاة، أو كان له ما يمونه من غير
لبن أمه وموضع الخلاف بعد سقي الأم اللبأ (4)، أما قبله (5) فلا يجوز
مطلقا (6)، لما فيه من التسبب إلى هلاك الولد، فإنه لا يعيش بدونه (7)
على ما صرح به جماعة.
مسائل
الأولى - (لو حدث في الحيوان عيب قبل القبض فللمشتري الرد
والأرش)، أما الرد فموضع وفاق، وأما الأرش فهو أصح القولين،
لأنه عوض عن جزء فائت، وإذا كانت الجملة مضمونة على البائع قبل
القبض فكذا أجزاؤها، (وكذا) لو حدث (في زمن الخيار) المختص
بالمشتري، أو المشترك بينه وبين البائع، أو غيره (8)، لأن الجملة فيه
مضمونة على البائع أيضا، أما لو كان الخيار مختصا بالبائع، أو مشتركا
319

بينه، وبين أجنبي فلا خيار للمشتري هذا إذا كان التعيب من قبل الله
تعالى، أو من البائع، ولو كان من أجنبي فللمشتري عليه (1) الأرش
خاصة (2) ولو كان بتفريط المشتري فلا شئ.
(وكذا) الحكم (في غير الحيوان)، بل في تلف المبيع أجمع،
إلا أن الرجوع فيه بمجموع القيمة، فإن كان التلف من قبل الله تعالى
والخيار للمشتري ولو بمشاركة غيره فالتلف من البائع (3)، وإلا (4)
فمن المشتري، وإن كان التلف من البائع، أو من أجنبي وللمشتري خيار
واختار الفسخ والرجوع بالثمن، وإلا (5) رجع على المتلف بالمثل، أو
القيمة، ولو كان الخيار للبائع والمتلف أجنبي، أو المشتري تخير (6)،
ورجع على المتلف.
320

(الثانية - لو حدث)
في الحيوان (عيب من غير جهة المشتري (1) في زمن الخيار
فله (2) الرد بأصل الخيار)، لأن العيب الحادث غير مانع منه (3)
هنا (4)، لأنه (5) مضمون على البائع فلا يكون مؤثرا في رفع الخيار،
(والأقرب جواز الرد بالعيب أيضا،)، لكونه (6) مضمونا.
(وتظهر الفائدة (7) لو أسقط الخيار الأصلي والمشترط) فله الرد
بالعيب.
وتظهر الفائدة أيضا في ثبوت الخيار بعد انقضاء الثلاثة وعدمه (8)
فعلى اعتبار خيار الحيوان خاصة (9) يسقط الخيار (10)، وعلى ما
321

اختاره (1) المصنف رحمه الله يبقى (2)، إذ لا يتقيد خيار العيب
بالثلاثة (3) وإن اشترط حصوله (4) في الثلاثة فما قبلها (5)، وغايته
ثبوته (6) فيها (7) بسببين (8) وهو (9) غير قادح، فإنها (10) معرفات
يمكن اجتماع كثير منها في وقت واحد، كما في خيار المجلس والحيوان
والشرط والغبن، إذا اجتمعت في عين واحدة قبل التفرق.
(وقال الفاضل نجم الدين (11) أبو القاسم) جعفر بن سعيد رحمه الله
322

في الدرس) على ما نقل عنه: لا يرد إلا بالخيار (1)، وهو (2)
ينافي حكمه في الشرائع بأن الحدث) الموجب لنقص الحيوان (في الثلاثة
من مال البائع)، وكذا التلف (3)، (مع حكمه) فيها بعد ذلك بلا
فصل (بعدم الأرش فيه (4)، فإنه إذا كان مضمونا على البائع كالجملة
324

لزمه (1) الحكم بالأرش، إذ لا معنى لكون الجزء مضمونا إلا ثبوت
أرشه، لأن الأرش عوض الجزء الفائت، أو التخيير بينه (2) وبين الرد
كما أن ضمان الجملة يقتضي الرجوع بمجموع عوضها وهو الثمن.
والأقوى التخيير بين الرد والأرش كالمتقدم (3)، لاشتراكهما
في ضمان البائع، وعدم المانعية من الرد وهو المنقول عن شيخه نجيب
الدين بن نما رحمه الله (4)، ولو كان حدوث العيب بعد الثلاثة منع الرد
بالعيب السابق، لكونه (5) غير مضمون على البائع، مع تغير المبيع،
فإن رده (6) مشروط ببقائه على ما كان فيثبت في السابق (7) الأرش
خاصة (8).
325

(الثالثة - لو ظهرت الأمة مستحقة فاغرم)
المشتري (الواطئ العشر (1)) إن كانت بكرا، (أو نصفه)
إن كانت ثيبا، لما تقدم من جواز رجوع المالك على المشتري، عالما كان
أم جاهلا بالعين (2)، ومنافعها المستوفاة، وغيرها (3)، فإن ذلك (4)
هو عوض بضع الأمة، للنص (5) الدال على ذلك (6)، (أو مهر المثل)
لأنه القاعدة الكلية في عوض البضع بمنزلة قيمة المثل في غيره، وإطراحا
للنص (7) الدال على التقدير بالعشر أو نصفه، وهذا الترديد توقف
من المصنف في الحكم، أو إشارة إلى القولين، لا تخيير بين الأمرين (8)
326

والمشهور منهما الأول (1)، (و) أغرم (الأجرة) عما استوفاه
من منافعها، أو فاتت تحت يده. (وقيمة الولد) يوم ولادته لو كان
قد أحبلها وولدته حيا (رجع بها (2)) أي بهذه المذكورات جمع
(على البائع مع جهله) بكونها مستحقة، لما تقدم (3) من رجوع
المشتري الجاهل بفساد البيع على البائع بجميع ما يغرمه.
والغرض من ذكر هذه هنا التنبيه على مقدار ما يرجع به مالك
الأمة على مشتريها الواطئ لها، مع استيلادها، ولا فرق في ثبوت
العقر (4) بالوطء بين علم الأمة بعدم صحة البيع، وجهلها على أصح
القولين، وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة، لأن ذلك (5) حق للمولى
ولا " تزر وازرة وزر أخرى (6) "، ولا تصير بذلك (7) أم ولد،
لأنها في نفس الأمر ملك غير الواطئ.
وفي الدروس لا يرجع عليه بالمهر إلا مع الإكراه، استنادا إلى أنه
لا مهر لبغي (8)، ويضعف بما مر (9).
327

وأن المهر المنفي (1) مهر الحرة بظاهر الاستحقاق (2)، ونسبة (3) المهر
ومن ثم يطلق عليها (4) المهيرة (5)، ولو نقصت بالولادة ضمن نقصها
مضافا إلى ما تقدم (6) ولو ماتت ضمن القيمة.
وهل يضمن مع ما ذكر أرش البكارة لو كانت بكرا، أم يقتصر
على أحد الأمرين (7) وجهان، أجودهما عدم التداخل، لأن أحد
الأمرين عوض الوطء، وأرش البكارة عوض جناية فلا يدخل
أحدهما في الآخر، ولو كان المشتري عالما باستحقاقها حال الانتفاع لم
يرجع بشئ، ولو علم مع ذلك بالتحريم كان زانيا، والولد رق، وعليه
328

المهر مطلقا (1)، ولو اختلفت حاله بأن كان جاهلا عند البيع، ثم تجدد
له العلم رجع بما غرمه حال الجهل، وسقط الباقي.
(الرابعة - لو اختلف مولى مأذون)
وغيره (في عبد أعتقه المأذون عن الغير، ولا بينة) لمولى المأذون
ولا للغير (حلف المولى) أي مولى المأذون واسترق العبد المعتق،
لأن يده (2) على ما بيد المأذون فيكون قوله (3).
329

مقدما على من خرج (1) عند عدم البينة.
(ولا فرق بين كونه) أي العبد الذي أعتقه المأذون (أبا للمأذون
أولا) وإن كانت الرواية تضمنت كونه (2) أباه، لاشتراكهما (3)
في المعنى المقتضي لترجيح قول ذي اليد (4).
(ولا بين دعوى مولى الأب شرائه من ماله) بأن يكون قد دفع
للمأذون مالا يتجر به فاشترى أباه من سيده بماله، (وعدمه)، لأنه
على التقدير الأول يدعى فساد البيع، ومدعي صحته (5) مقدم، وعلى الثاني
خارج، لمعارضة يده (6) القديمة يد المأذون (7) الحادثة فيقدم، والرواية
تضمنت الأول (8)، (ولا بين استئجاره على حج وعدمه)، لأن
330

ذلك (1) لا مدخل له في الترجيح، وإن كانت الرواية تضمنت الأول (2)
والأصل في هذه المسألة رواية علي بن أشيم عن الباقر عليه السلام
في من دفع إلى مأذون ألفا ليعتق عنه نسمة، ويحج (3) عنه بالباقي
فأعتق أباه، وأحجه بعد موت الدافع، فادعى وارثه ذلك (4)، وزعم
كل من مولى المأذون ومولى الأب أنه اشتراه بماله فقال: إن الحجة تمضي
ويرد رقا لمولاه حتى يقيم الباقون بينة (5)، وعمل بمضمونها الشيخ
ومن تبعه، ومال إليه في الدروس، والمصنف هنا (6)، وجماعة أطرحوا
الرواية، لضعف سندها، ومخالفتها لأصول المذهب في رد العبد إلى مولاه
مع اعترافه ببيعه، ودعواه (7) فساده، ومدعي الصحة مقدم، وهي (8)
331

مشتركة بين الآخرين (1)، إلا أن مولى المأذون أقوى يدا فيقدم (2).
واعتذر في الدروس عن ذلك (3) بأن المأذون بيده مال لمولى الأب
وغيره، وبتصادم الدعاوي (4) المتكافئة يرجع إلى أصالة بقاء الملك
على مالكه 5)، قال (6): ولا تعارضه (7) فتواهم بتقديم دعوى
332

الصحة (1) على الفساد (2)، لأنها (3) مشتركة بين متقابلين (4) متكافئين
فتساقطا.
وفيهما نظر (5)، لمنع تكافؤهما (6).
333

مع كون من (1) عدا مولاه خارجا، والداخل مقدم فسقطا (2) دونه (3)، ولم
يتم الأصل (4)، ومنه (5) يظهر عدم تكافؤ الدعويين الأخريين (6)، لخروج
الآمر وورثته عما في يد المأذون التي هي بمنزلة يد سيده، والخارجة لا تكافئ
الداخلة فتقدم (7)، وإقرار المأذون (8) بما في يده لغير المولى غير
مسموع (9) فلزم إطراح الرواية (10)، ولاشتمالها على مضي الحج (11)،
مع أن ظاهر الأمر حجه بنفسه ولم يفعل (12)، ومجامعة (13) صحة الحج
334

لعوده رقا وقد حج بغير إذن سيده، فما أختاره (1) هنا أوضح.
ونبه بقوله: ولا بين دعوى مولى الأب شراءه من ماله وعدمه
على خلاف الشيخ ومن تبعه، حيث حكموا بما ذكر (2)، مع اعترافهم
بدعوى مولى الأب فساد البيع، وعلى خلاف العلامة حيث حملها (3)
على إنكار (4).
335

مولى الأب البيع لإفساده، هربا (1) من تقديم مدعي الفساد، والتجاء (2)
إلى تقديم منكر بيع عبده، وقد عرفت (3) ضعف تقديم مدعي الفساد،
ويضعف الثاني (4).
336

بمنافاته لمنطوق الرواية الدالة على دعوى كونه (1) اشتري (2) بماله.
هذا كله مع عدم البينة، ومعها تقدم إن كانت (3) لواحد،
وإن كانت لاثنين، أو للجميع بني على تقديم بينة الداخل، أو الخارج
عند التعارض (4)، فعلى الأول (5) الحكم كما ذكر (6)، وعلى الثاني (7)
يتعارض الخارجان. ويقوى تقديم ورثة الآمر بمرجح الصحة.
337

واعلم أن الاختلاف يقتضي تعدد المختلفين، والمصنف اقتصر
على نسبته إلى مولى المأذون، وكان حقه إضافة غيره معه، وكأنه اقتصر
عليه لدلالة المقام على الغير، أو على ما اشتهر من المتنازعين في هذه
المادة.
(الخامسة - لو تنازع المأذون (3) بعد شراء كل منهما
صاحبه في الأسبق)
منهما ليبطل بيع المتأخر، لبطلان الإذن بزوال الملك (4)، (ولا
بينة) لهما، ولا لأحدهما بالتقدم.
(قيل: يقرع) والقائل بها مطلقا (5) غير معلوم، والذي نقله
المصنف، وغيره عن الشيخ: القول بها (6)، مع تساوي الطريقين،
338

عملا برواية وردت بذلك (1)، وقيل بها مع اشتباه السابق أو السبق (2)
(وقيل: يمسح الطريق) التي سلكها كل واحد منهما إلى مولى
الآخر، ويحكم بالسبق لمن طريقه أقرب مع تساويهما في المشي، فإن تساويا
بطل البيعان، لظهور الاقتران.
هذا إذا لم يجز الموليان (3)، (ولو أجيز عقدهما (4) فلا إشكال)
في صحتهما.
(ولو تقدم العقد من أحدهما صح خاصة) من غير توقف على إجازة
(إلا مع إجازة الآخر (5)
339

فيصح العقدان، ولو كانا (1) وكيلين صحا معا.
والفرق بين الإذن والوكالة أن الإذن ما جعلت تابعة للملك،
والوكالة ما أباحت التصرف المأذون فيه مطلقا (2)، والفارق بينهما (3)
مع اشتراكهما في مطلق الإذن إما تصريح المولى بالخصوصيتين، أو دلالة القرائن عليه (5)، ولو تجرد اللفظ عن القرينة لأحدهما فالظاهر
340

حمله على الإذن، لدلالة العرف عليه (1).
واعلم أن القول بالقرعة مطلقا (2) لا يتم في صورة الاقتران،
لأنها (3) لإظهار المشتبه (4)، ولا اشتباه حينئذ (5)، وأولى بالمنع (6)
تخصيصها (7) في هذه الحالة (8)، والقول بمسح الطريق مستند إلى رواية (9)
ليست سليمة الطريق، والحكم للسابق مع علمه (10) لا إشكال فيه (11)،
كما أن القول بوقوفه (12) مع الاقتران كذلك (13)، ومع الاشتباه (14)
341

تتجه القرعة، ولكن مع اشتباه السابق يستخرج برقعتين (1) لإخراجه،
ومع اشتباه السبق والاقتران ينبغي ثلاث رقع في إحداها الاقتران (2)
ليحكم بالوقوف معه.
هذا إذا كان شراؤهما لمولاهما، أما لو كان لأنفسهما كما يظهر
من الرواية (3)، فإن أحلنا (4) ملك العبد بطلا، وإن أجزناه
صح السابق، وبطل المقارن واللاحق حتما، إذ لا يتصور ملك العبد
لسيده (5).
342

(السادسة - الأمة المسروقة من أرض الصلح لا يجوز
شراؤها)
لأن مال أهلها محترم به (1)، (فلو اشتراها) أحد من السارق
(جاهلا) بالسرقة، أو الحكم (ردها) على بائعها (واستعاد ثمنها)
منه، (ولو لم يوجد الثمن) بأن أعسر (2) البائع، أو امتنع عن رده (3)
ولم يمكن إجباره، أو بغير ذلك من الأسباب (4) (ضاع (5))
على دافعه، (وقيل: تسعى) الأمة (6) (فيه لرواية (7) مسكين
السمان عن الصادق عليه السلام.
ويضعف بجهالة الراوي، ومخالفة الحكم للأصول (8)، حيث إنها
ملك للغير، وسعيها كذلك (9)، ومالكها لم يظلمه في الثمن، فكيف
343

يستوفيه (1) من سعيها، مع أن ظالمه لا يستحقها ولا كسبها، ومن ثم
نسبه المصنف إلى القول، تمريضا له.
ولكن يشكل حكمه (2) بردها إلا أن يحمل ردها على مالكها
لا على البائع، طرحا للرواية الدالة على ردها عليه (3)، وفي الدروس
استقرب العمل بالرواية المشتملة على ردها على البائع واستسعائها في ثمنها
لو تعذر على المشتري أخذه من البائع ووارثه مع موته.
واعتذر عن الرد إليه بأنه تكليف له (4) ليردها إلى أهلها، إما
لأنه سارق، أو لأنه ترتبت (5) يده عليه، وعن (6) استسعائها بأن فيه
جمعا بين حق المشتري وحق صاحبها (7)، نظرا إلى أن مال الحربي فئ
في الحقيقة، وإنما صار محترما بالصلح احتراما عرضيا فلا يعارض (8)
344

ذهاب مال محترم (1) في الحقيقة.
ولا يخفي أن مثل ذلك (2) لا يصلح لتأسيس مثل هذا الحكم (3)،
وتقريبه (4) للنص إنما يتم لو كانت الرواية مما تصلح للحجية، وهي (5)
بعيدة عنه (6)، وتكليف البائع بالرد لا يقتضي جواز دفعها (7) إليه كما
في كل غاصب (8)، وقدم يده (9) لا أثر له في هذا الحكم، وإلا
لكان الغاصب من الغاصب يجب عليه الرد إليه، وهو باطل. والفرق (10)
في المال بين المحترم بالأصل والعارض لا مدخل له في هذا الترجيح،
مع اشتراكهما في التحريم، وكون المتلف للثمن ليس هو مولى الأمة،
345

فكيف يستوفى من ماله، وينتقض بمال أهل الذمة فإن تحريمه عارض ولا
يرجح عليه مال المسلم المحترم بالأصل عند التعارض.
والأقوى اطراح الرواية بواسطة مسكين، وشهرتها لم تبلغ حد
وجوب العمل بها، وإنما عمل بها الشيخ على قاعدته (1)، واشتهرت بين
أتباعه، وردها المستنبطون لمخالفتها للأصول.
والأقوى وجوب رد المشتري لها على مالكها، أو وكيله، أو وارثه
ومع التعذر على الحاكم، وأما الثمن فيطالب به البائع مع بقاء عينه
مطلقا (2)، ومع تلفه إن كان المشتري جاهلا بسرقتها، ولا تستسعي الأمة
مطلقا (3).
(السابعة - لا يجوز بيع عبد من عبدين)
من غير تعيين، سواء كانا متساويين في القيمة والصفات، أم مختلفين
لجهالة المبيع المقتضية للبطلان، (ولا) بيع (عبيد) كذلك (4)،
للعلة (5)، وقيل: يصح مطلقا (6)، استنادا إلى ظاهر رواية (7)
ضعيفة، وقيل: يصح مع تساويهما من كل وجه، كما يصح بيع قفيز
346

من صبرة متساوية الأجزاء، ويضعف بمنع تساوي العبدين على وجه يلحق
بالمثلي، وضعف (1) الصحة مطلقا واضح.
(ويجوز شراؤه) أي شراء العبد (موصوفا) على وجه ترتفع
الجهالة (سلما، لأن ضابط المسلم فيه ما يمكن ضبطه كذلك (2)
وهو (3) منه (4) كغيره (5) من الحيوان إلا ما يستثنى، (والأقرب
جوازه (6)) موصوفا (حالا) لتساويهما في المعنى المصحح للبيع (فلو
باعه) عبدا كذلك (7) (ودفع إليه عبدين للتخيير) أي ليتخير ما شاء
منهما (فأبق أحدهما) من يده (بني) ضمان الآبق (على ضمان المقبوض
بالسوم)، وهو الذي قبضه ليشتريه فتلف في يده بغير تفريط، فإن
قلنا بضمانه كما هو المشهور ضمن هنا، لأنه في معناه (8)، إذ
الخصوصية (9) ليست لقبض السوم، بل لعموم قوله صلى الله عليه وآله
347

وسلم: " على اليد (1) ما أخذت حتى تؤدي "، وهو مشترك بينهما (2)
وإن قلنا بعدم ضمانه (3) لكونه مقبوضا بإذن المالك والحال أنه لا تفريط
فيكون كالودعي لم يضمن هنا (4)، بل يمكن عدم الضمان هنا (5) وإن
قلنا به ثمة (6)، لأن المقبوض بالسوم مبيع بالقوة، أو مجازا بما يؤول
إليه (7)،، وصحيح المبيع وفاسده مضمون.
بخلاف صورة الفرض (8)، لأن المقبوض ليس كذلك (9) لوقوع
البيع سابقا، وإنما هو محض استيفاء حق، لكن يندفع ذلك (10) بأن المبيع
لما كان أمرا كليا، وكان كل واحد من المدفوع صالحا لكونه فردا له (11)
كان في قوة المبيع، بل دفعهما للتخير حصر له (12) فيهما فيكون (13)
348

بمنزلة المبيع حيث إنه منحصر فيهما، فالحكم هنا (1) بالضمان أولى منه (2)
(والمروي (3) عن الباقر عليه السلام بطريق ضعيف، ولكن
عمل به الأكثر (انحصار حقه فيهما) على سبيل الإشاعة، لا كون حقه أحدهما في الجملة. (وعدم (4) ضمانه) أي الآبق (على المشتري فينفسخ
نصف المبيع *، تنزيلا للآبق منزلة التالف قبل القبض، مع أن نصفه
مبيع (ويرجع) المشتري (بنصف الثمن على البائع) وهو عوض التالف
(ويكون) العبد (الباقي بينهما) بالنصف، (إلا أن يجد الآبق يوما
فيتخير) في أخذ أيهما شاء، وهو مبني على كونهما بالوصف المطابق للمبيع
وتساويهما في القيمة.
ووجه انحصار حقه فيهما كونه عينهما (5) للتخيير، كما لو حصر
الحق في واحد، وعدم ضمان الآبق إما لعدم ضمان المقبوض بالسوم، أو
كون القبض على هذا الوجه يخالف قبض السوم، للوجه الذي ذكرناه (6)
أو غيره (7)، أو تنزيلا لهذا التخيير منزلة الخيار الذي لا يضمن الحيوان
التالف في وقته (8).
349

ويشكل (1) بانحصار الحق الكلي قبل تعيينه في فردين، ومنع ثبوت
الفرق بين حصره في واحد، وبقائه كليا، وثبوت المبيع في نصف الموجود
المقتضي للشركة، مع عدم الموجب لها (2)، ثم الرجوع إلى التخيير (3)
لو وجد الآبق، وأن دفعه الاثنين ليس تشخيصا وإن حصر الأمر فيهما
350

لأصالة بقاء الحق في الذمة (1) إلى أن يثبت المزيل شرعا، كما لو حصره (2)
في عشرة وأكثر. هذا مع ضعف (3) الرواية عن إثبات مثل هذه
الأحكام المخالفة للأصول.
(وفي انسحابه (4) في الزيادة على اثنين إن قلنا به) في الاثنين،
وعملنا بالرواية، (تردد) من (5) صدق العبدين في الجملة، وعدم (6)
ظهور تأثير الزيادة، مع كون محل التخيير زائدا عن الحق (7)،
والخروج (8) عن المنصوص المخالف للأصل، فإن سحبنا الحكم وكانوا
351

ثلاثة فأبق واحد فات ثلث المبيع وارتجع ثلث الثمن إلى آخر ما ذكر (1)
ويحتمل بقاء التخيير (2) وعدم فوات شئ (3)، سواء حكمنا بضمان (4)
الآبق أم لا، لبقاء محل التخيير الزائد عن الحق.
(وكذا لو كان المبيع غير عبد كأمة (5) فدفع إليه أمتين أو
إماء، وقطع في الدروس بثبوت الحكم هنا (6)، (بل) في انسحاب
الحكم (في أي عين كانت) كثوب وكتاب، إذا دفع إليه منه اثنين،
أو أكثر، التردد، من المشاركة فيما ظن كونه علة (7) الحكم وبطلان (8)
القياس. والذي ينبغي القطع هنا بعدم الانسحاب، لأنه قياس محض
لا نقول به، ولو هلك أحد العبدين ففي انسحاب الحكم الوجهان،
352

من (1) أن تنزيل الإباق منزلة التلف يقتضي الحكم مع التلف بطريق أولى
ومن (2) ضعفه (3) بتنجيز التنصيف من غير رجاء لعود التخيير، بخلاف
الإباق (4) والأقوى عدم اللحاق هذا كله على تقدير العمل بالرواية،
نظرا إلى انجبار ضعفها بما زعموه من الشهرة.
والذي أراه منع الشهرة في ذلك (5)، وإنما حكم الشيخ بهذه
ونظائرها على قاعدته (6)، والشهرة بين أتباعه خاصة كما أشرنا إليه
في غيرها (7). والذي يناسب الأصل (8) أن العبدين إن كانا مطابقين
353

للمبيع تخير بين اختيار الآبق والباقي، فإن اختار الآبق رد الموجود ولا
شئ له، وإن اختار الباقي انحصر حقه فيه، وبني ضمان الآبق على ما
سبق (1)، ولا فرق حينئذ بين العبدين، وغيرهما من الزائد والمخالف.
وهذا هو الأقوى.
(الفصل الرابع: في بيع الثمار - ولا يجوز بيع الثمرة قبل
ظهورها)
وهو بروزها إلى الوجود وإن كانت في طلع (2)، أو كمام () 3
(عاما) واحدا. بمعنى ثمرة ذلك العام وإن وجدت في شهر، أو أقل،
سواء في ذلك ثمرة النخل، وغيرها، وهو موضع وفاق، وسواء ضم
إليها شيئا، أم لا (ولا) بيعها (4) قبل ظهورها أيضا (أزيد) من عام
(على الأصح)، للغرر (5)، ولم يخالف فيه إلا الصدوق لصحيحة
354

يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام الدالة على الجواز، ولا
يخلو من قوة إن لم يثبت الإجماع على خلافه.
(ويجوز) بيعها (بعد بدو صلاحها) إجماعا، (وفي جوازه
قبله بعد الظهور) من غير ضميمة، ولا زيادة عن عام، ولا مع الأصل
ولا بشرط القطع (خلاف، أقربه الكراهة)، جمعا بين الأخبار
بحمل ما دل منها على النهي على الكراهة، والقول الآخر للأكثر المنع،
(وتزول) الكراهة (بالضميمة) إلى ما يصح إفراده بالبيع، (أو شرط
القطع) وإن لم يقطع بعد ذلك مع تراضيهما عليه (2)، (أو بيعها
مع الأصول) وهو في معنى الضميمة، (وبدو الصلاح) المسوغ للبيع
مطلقا (3)، أو من غير كراهة وهو (احمرار التمر) بالمثناة من فوق
مجازا (4) في ثمرة النخل، باعتبار ما يؤول إليه، (أو اصفراره) فيما
يصفر، (أو انعقاد ثمرة غيره) من شجر الفواكه (وإن كانت في كمام)
بكسر الكاف جمع أكمة بفتح الهمزة وكسر الكاف وفتح الميم مشددة،
وهي غطاء الثمرة والنور (5) كالرمان، وكذا لو كانت في كمامين كالجوز
واللوز، وهذا هو الظهور المجوز للبيع أيضا.
355

وإنما يختلف بدو الصلاح والظهور في النخل (1)، ويظهر في غيرها
عند جعله تناثر الزهر بعد الانعقاد، أو تلون الثمرة، أو صفاء لونها،
أو الحلاوة، وطيب الأكل في مثل التفاح، أو النضج في مثل البطيخ
أو تناهي عظم بعضه في مثل القثاء (2) كما زعمه الشيخ رحمه الله
في المبسوط.
(ويجوز بيع الخضر بعد انعقادها) وإن لم يتناه عظمها (لقطة
ولقطات معينة) أي معلومة العدد، (كما يجوز شراء الثمرة الظاهرة،
وما يتجدد في تلك السنة، وفي غيرها) مع ضبط السنين، لأن الظاهر
منها (3) بمنزلة الضميمة إلى المعدوم، سواء كانت المتجددة من جنس
الخارجة، أم غيره.
(ويرجع في اللقطة إلى العرف) فما دل على صلاحيته للقطع يقطع
وما دل على عدمه لصغره، أو شك فيه لا يدخل، أما الأول فواضح
وأما المشكوك فيه فلأصالة بقائه على ملك مالكه، وعدم دخوله فيما
أخرج باللقط، (فلو امتزجت الثانية) بالأولى لتأخير المشتري قطعها
في أوانه (تخير المشتري بين الفسخ والشركة)، للتعيب بالشركة،
ولتعذر تسليم المبيع منفردا، فإن اختار الشركة فطريق التخلص بالصلح
(ولو اختار الإمضاء فهل للبائع الفسخ، لعيب الشركة نظر، أقربه
356

ذلك (1) إذا لم يكن تأخر القطع بسببه (2)) بأن يكون قد منع المشتري
منه (3).
(وحينئذ) أي حين إذ يكون الخيار للبائع (لو كان الاختلاط
بتفريط المشتري مع تمكين البايع، وقبض المشتري أمكن عدم الخيار
للمشتري)، لأن التعيب جاء من قبله فيكون دركه عليه، لا على البايع
كما لو حصل مجموع التلف من قبله، (ولو قيل: بأن الاختلاط إن كان
قبل القبض تخير المشتري) مطلقا (4)، لحصول النقص مضمونا على البائع
كما يضمن الجملة كذلك (5).
(وإن كان بعده (6)، فلا خيار لأحدهما)، لاستقرار البيع
بالقبض، وبراءة البائع من دركه بعده (كان قويا) وهذا القول لم
يذكر في الدروس غيره جازما به، وهو حسن إن لم يكن الاختلاط قبل
القبض بتفريط المشتري، وإلا فعدم الخيار له أحسن، لأن العيب
من جهته فلا يكون مضمونا على البائع. وحيث يثبت الخيار للمشتري
بوجه لا يسقط ببذل البائع له ما شاء، ولا الجميع على الأقوى، لأصالة
بقاء الخيار وإن انتفت العلة (7) الموجبة له، كما لو بذل للمغبون
357

التفاوت (1)، ولما في قبول المسموح به من المنة (2).
(وكذا يجوز بيع ما يخرط) أصل الخرط أن يقبض باليد
على أعلى القضيب ثم يمرها عليه إلى أسفله ليأخذ عنه الورق، ومنه (3)
المثل السائر " دونه خرط (4) القتاد " والمراد هنا ما يقصد من ثمرته،
ورقه (كالحناء والتوت) بالتائين المثناتين من فوق (خرطة وخرطات،
وما يجز كالرطبة) بفتح الراء وسكون الطاء وهي الفصة (5)
358

والقضب (1)، (والبقل) كالنعناع (جزة وجزات، ولا تدخل
الثمرة) بعد ظهورها (في بيع الأصول) مطلقا (2)، ولا غيره من العقود،
(إلا في) ثمرة (النخل) فإنها تدخل في بيعه خاصة (بشرط عدم
التأبير (3)، ولو نقل أصل النخل بغير البيع فكغيره (4) من الشجر.
(ويجوز استثناء ثمرة شجرة معينة، أو شجرات) معينة، (وجزء
مشاع (5)) كالنصف، والثلث، (وأرطال معلومة، وفي هذين)
الفردين، وهما استثناء الجزء المشاع، والأرطال المعلومة (يسقط من
الثنيا (6) وهو المستثنى (بحسابه (7) أي نسبته إلى الأصل (لو خاست
الثمرة) بأمر من الله تعالى.
(بخلاف المعين) كالشجرة والشجرات (9)، فإن استثناءها كبيع
359

الباقي منفردا (1)، فلا يسقط منها (2) بتلف شئ من المبيع شئ (3)،
لامتياز حق كل واحد منهما عن صاحبه، بخلاف الأول (4) لأنه حق
شائع في الجميع فيوزع الناقص عليهما (5) إذا كان التلف بغير تفريط.
قال المصنف رحمه الله في الدروس: وقد يفهم من هذا التوزيع (6)
تنزيل شراء صاع من الصبرة على الإشاعة (7)، وقد تقدم (8) ما يرجح
عدمه، ففيه سؤال الفرق (9).
وطريق توزيع النقص على الحصة المشاعة: جعل الذاهب عليهما،
والباقي لهما على نسبة الجزء (10).
360

وأما في الأرطال المعلومة فيعتبر الجملة (1) بالتخمين، وينسب إليها
المستثنى، ثم ينظر الذاهب فيسقط منه بتلك النسبة (2).
مسائل
(الأولى - لا يجوز بيع الثمرة بجنسها) أي نوعها الخاص كالعنب
بالعنب والزبيب، والرطب بالرطب والتمر (على أصولها)، أما بعد جمعها
فيصح مع التساوي (نخلا كان) المبيع ثمره (3)، (أو غيره) من الثمار
إجماعا في الأول (4)، وعلى المشهور في الثاني (5)، تعدية للعلة المنصوصة (6)
في المنع من بيع الرطب بالتمر وهي (7) نقصانه (8) عند الجفاف إن
بيعت (9) بيابس، وتطرق (10) احتمال الزيادة في كل من العوضين
361

الربويين. ولا فرق في المنع بين كون الثمن (1) منها، ومن غيرها وإن
كان الأول (2) أظهر (3) منعا.
(ويسمى في النخل مزابنة) وهي مفاعلة من الزبن وهو الدفع
ومنه (4) الزبانية، سميت (5) بذلك لبنائها على التخمين المقتضي للغبن،
فيريد المغبون دفعه، والغابن خلافه فيتدافعان، وخص التعريف بالنخل
للنص عليه بخصوصه مفسرا به المزابنة في صحيحة (6) عبد الرحمن بن
أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام: والحق به (7) غيره لما ذكرناه (8)
وفي إلحاق اليابس وجه، والرطب نظر (9).
362

(ولا بيع (1) السنبل بحب منه، أو من غيره من جنسه، ويسمى
محاقلة) مأخوذة من الحقل جمع حقلة وهي الساحة التي تزرع، سميت
بذلك لتعلقها بزرع في حقلة، وخرج بالسنبل بيعه قبل ظهور الحب فإنه
جائز، لأنه حينئذ غير مطعوم، (إلا العرية (2)) هذا استثناء
من تحريم بيع المزابنة (3)، والمراد بها النخلة تكون في دار الإنسان،
أو بستانه (4)، فيشتري مالكهما، أو مستأجرهما، أو مستعيرهما رطبها (5)
(بخرصها (6) تمرا من غيرها) مقدرا (7) موصوفا حالا، وإن لم
363

يقبض في المجلس، أو بلغت (1) خمسة أوسق، ولا يجوز بتمر منها (2)
لئلا يتحد العوضان، ولا يعتبر مطابقة ثمرتها جافة لثمنها في الواقع، بل
تكفي المطابقة ظنا، فلو زادت عند الجفاف عنه (3)، أو نقصت لم
يقدح في الصحة، ولا عرية في غير النخل، فإن ألحقناه (4) بالمزابنة،
وإلا لم يتقيد بقيودها (5).
(الثانية - يجوز بيع الزرع قائما)
على أصوله (6)، سواء أحصد، أم لا، قصد قصله (7)،
364

أم لا، لأنه (1) قابل للعلم مملوك فتناولته الأدلة (2)، خلافا للصدوق
حيث شرط كونه (3) سنبلا، أو القصل (4)، (وحصيدا (5)) أي
محصودا وإن لم يعلم مقدار ما فيه (6)، لأنه (7) حينئذ (8) غير مكيل
ولا موزون، بل يكفي في معرفته المشاهدة، (وقصيلا) أي مقطوعا
بالقوة (9)، بأن شرط قطعه قبل أن يحصد (10) لعلف (11) الدواب،
فإذا باعه (12) كذلك وجب على المشتري قصله بحسب الشرط.
365

(فلو لم يقصله المشتري فللبائع قصله) وتفريغ أرضه (1) منه،
لأنه (2) حينئذ (3) ظالم، ولا حق لعرق ظالم (4)، (وله المطالبة
بأجرة أرضه) عن المدة التي بقي (5) فيها بعد إمكان قصله مع
الإطلاق (6)، وبعد المدة التي شرطا قصله فيها مع التعيين، ولو كان
شراؤه (7) قبل أوان قصله وجب على البائع الصبر إلى أوانه مع الإطلاق (8)
كما لو باع الثمرة والزرع للحصاد (9).
366

ومقتضى الإطلاق (1) جواز تولي البائع قطعه مع امتناع المشتري
منه (2) وإن قدر على الحاكم، وكذا أطلق جماعة.
والأقوى توقفه (3) على إذنه (4) حيث يمتنع المشتري مع إمكانه (5)
فإن تعذر (6) جاز له (7) حينئذ (8) مباشرة القطع، دفعا للضرر
المنفي (9)، وله (10) إبقاؤه والمطالبة بأجرة الأرض عن زمن العدوان،
وأرش الأرض إن نقصت بسببه، إذا كان التأخير بغير رضاه (11).
367

(الثالثة - يجوز أن يتقبل أحد الشريكين بحصة صاحبه
من الثمرة (1))
بخرص معلوم وإن كان منها، (ولا يكون) ذلك (بيعا)،
ومن ثم لم يشترط فيه شروط البيع، بل معاملة مستقلة، وفي الدروس
أنه نوع من الصلح، (و) يشكل بأنه (2) (يلزم (3) بشرط السلامة)
فلو كان صلحا للزم مطلقا (4).
368

وظاهر المصنف رحمه الله والجماعة أن الصيغة بلفظ القبالة (1)،
وظاهر الأخبار (2) تأديه بما دل على ما اتفقا عليه، ويملك المتقبل الزائد
ويلزمه (3) لو نقص، وأما الحكم بأن قراره (4) مشروط بالسلامة فوجهه
غير واضح، والنص (5) خال عنه (6) وتوجيهه (7) بأن المتقبل لما
369

رضي بحصة معينة في العين صار بمنزلة الشريك، فيه (1) أن العوض
غير لازم كونه منها، وإن جاز ذلك فالرضا بالقدر، لا به مشتركا
إلا أن ينزل (2) على الإشاعة كما تقدم (3)، ولو كان النقصان لا بآفة
بل لخلل في الخرص (4) لم ينقص شئ (5)، كما لا ينقص (6) لو كان
بتفريط المتقبل، وبعض الأصحاب سد باب هذه المعاملة، لمخالفتها
للأصول (7) الشرعية.
370

والحق أن أصلها ثابت (1)، ولزومها مقتضى العقد (2)، باقي
فروعها (3) لا دليل عليه.
(الرابعة - يجوز الأكل مما يمر (4) به من ثمر النخل
والفواكه والزرع (5)، بشرط عدم القصد (6)،
وعدم الإفساد)
أما أصل الجواز فعليه الأكثر، ورواه (7) ابن أبي عمير مرسلا
عن الصادق عليه السلام، ورواه غيره، وأما اشتراط عدم القصد فلدلالة
ظاهر المرور (8) عليه، والمراد كون الطريق قريبة منها (9) بحيث يصدق
المرور عليها (10) عرفا، لا أن يكون طريقه على نفس (11) الشجرة.
371

وأما الشرط الثاني (1) فرواه (2) عبد الله بن سنان عن الصادق
عليه السلام، قال يأكل منها، ولا يفسد، والمراد به أن يأكل كثيرا
بحيث يؤثر فيها أثرا بينا ويصدق مع الإفساد عرفا، ويختلف ذلك (3)
بكثرة الثمرة والمارة وقتلهما (4)، وزاد بعضهم عدم علم الكراهة ولا
ظنها (5)، وكون (6) الثمرة على الشجرة.
(ولا يجوز أن يحمل) معه شيئا منها وإن قل، للنهي (7) عنه
372

صريحا في الأخبار، ومثله (1) أن يطعم أصحابه، وقوفا (2) فيما خالف
الأصل على موضع الرخصة، وهو أكله بالشرط (3).
(وتركه بالكلية أولى)، للخلاف فيه (4)، ولما روي (5) أيضا
من المنع منه، مع اعتضاده (6) بنص الكتاب (7) الدال على النهي
عن أكل أموال الناس بالباطل، وبغير تراض، ولقبح التصرف في مال
الغير، وباشتمال أخبار (8) النهي على الحظر وهو مقدم على ما تضمن
الإباحة والرخصة، ولمنع كثير من العمل بخبر الواحد (9) فيما وافق

(1) النساء: الآية 29.
373

الأصل فكيف فيما خالفه (1).
(الفصل الخامس - في الصرف وهو بيع الأثمان)
وهي الذهب والفضة (بمثلها (2)، ويشترط فيه) زيادة على غيره
من أفراد البيع (التقابض في المجلس) الذي وقع فيه العقد، (أو
اصطحابهما) في المشي عرفا وإن فارقاه (3) (إلى) حين (القبض)،
ويصدق الاصطحاب بعدم زيادة المسافة التي بينهما عنها (4) وقت العقد،
فلو زادت ولو خطوة بطل، (أو رضاه) أي رضا الغريم الذي هو
المشتري، كما يدل عليه آخر المسألة (بما في ذمته) أي ذمة المديون الذي
هو البائع (قبضا) أي مقبوضا، أقام المصدر مقام المفعول (بوكالته (5)
إياه (في القبض (6))،
374

لما في ذمته (1).
وذلك (فيما إذا اشترى) من له في ذمته (2) نقد (بما (3)
في ذمته (4)) من النقد (نقدا آخر)، فإن ذلك (5) يصير بمنزلة
المقبوض.
مثاله: أن يكون لزيد في ذمة عمرو دينار فيشتري زيد من عمرو
بالدينار عشرة دراهم في ذمته ويوكله في قبضها (6) في الذمة بمعنى رضاه
بكونها في ذمته، فإن البيع والقبض صحيحان، لأن ما في الذمة بمنزلة
المقبوض بيد من هو في ذمته، فإذا جعله وكيلا في القبض (7) صار
كأنه (8) قابض لما في ذمته، فصدق التقابض قبل التفرق.
375

والأصل في هذه المسألة ما روي (1) فيمن قال لمن في ذمته دراهم:
حولها إلى دنانير، أن ذلك يصح وإن لم يتقابضا، معللا بأن النقدين (2)
من واحد، والمصنف رحمه الله عدل عن ظاهر (3) الرواية إلى الشراء
بدل التحويل والتوكيل (4) صريحا في القبض والرضا (5) فيه (6)
بكونه (7) في ذمة الوكيل القابض، لاحتياج (8) الرواية إلى تكلف
إرادة هذه الشروط بجعل الأمر بالتحويل توكيلا في تولي طرفي العقد،
376

وبنائه (1) على صحته وصحة القبض إذا توقف البيع عليه (2) بمجرد التوكيل
في البيع، نظرا إلى أن التوكيل في شئ إذن في لوازمه التي يتوقف
عليها. ولما كان ذلك (3) أمرا خفيا عدل المصنف رحمه الله إلى التصريح
بالشروط.
(ولو قبض البعض) خاصة قبل التفرق (صح فيه) أي في ذلك
البعض المقبوض وبطل في الباقي (وتخيرا) معا في إجازة ما صح فيه
وفسخه (4)، لتبعض (5) الصفقة (إذا لم يكن من أحدهما تفريط)
في تأخير القبض، ولو كان تأخيره (6) بتفريطهما فلا خيار لهما، ولو
اختص أحدهما به (7) سقط خياره، دون الآخر، (ولا بد من قبض
الوكيل) في القبض عنهما، أو عن أحدهما (في مجلس العقد قبل تفرق
المتعاقدين).
377

ولا اعتبار بتفرق الوكيل (1) وأحدهما، أو هما (2)، أو
الوكيلين (3)، وفي حكم مجلس العقد ما تقدم (4)، فكان يغني قوله:
قبل تفرق المتعاقدين عنه (5)، لشمول الثاني (6)، لما في حكم المجلس
هذا إذا كان وكيلا في القبض، دون الصرف.
(ولو كان وكيلا في الصرف) سواء كان مع ذلك (7) وكيلا
في القبض، أم لا (فالمعتبر مفارقته (8)) لمن وقع العقد معه (9)،
378

دون المالك. والضابط أن المعتبر التقابض قبل تفرق المتعاقدين، سواء
كانا (1) مالكين، أم وكيلين.
(ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد)، لأنه حينئذ (2) يجمع (3)
حكم الربا والصرف فيعتبر فيه التقابض في المجلس نظر إلى الصرف، وعدم
التفاضل نظرا إلى الربا، سواء اتفقا في الجودة والرداءة والصفة، أم
اختلفا، بل (وإن كان أحدهما مكسورا، أو رديئا) والآخر صحيحا،
أو جيد الجوهر.
(وتراب معدن أحدهما يباع بالآخر (4)، أو بجنس غيرهما (5)
لا بجنسه، لاحتمال زيادة أحد العوضين عن الآخر، فيدخل الربا،
379

ولو علم زيادة الثمن عما في التراب من جنسه لم يصح هنا (1) وإن
صح في المغشوش بغيره (2)، لأن التراب لا قيمة له (3) ليصلح
في مقابلة الزائد.
(وترابا هما) إذا جمعا (4)، أو أريد بيعهما معا (5) (يباعان
بهما (6)) فينصرف كل إلى مخالفه، ويجوز بيعهما (7) بأحدهما (8)
مع زيادة الثمن على مجانسه (9) بما يصلح عوضا في مقابل الآخر، وأولى
منهما بيعهما بغيرهما، (ولا عبرة باليسير من الذهب في النحاس) بضم
النون، (واليسير من الفضة في الرصاص) بفتح الراء، (فلا يمنع
380

من صحة البيع بذلك الجنس) وإن لم يعلم زيادة الثمن عن ذلك اليسير،
ولم يقبض في المجلس ما يساويه، لأنه مضمحل، وتابع غير مقصود
بالبيع، ومثله المنقوش منهما على السقوف والجدران بحيث لا يحصل منه
شئ يعتد به على تقدير نزعه.
ولا فرق في المنع من الزيادة في أحد المتجانسين بين العينية وهي
الزيادة في الوزن، والحكمية كما (1) لو بيع المتساويان وشرط مع أحدهما
شرطا وإن كان صنعة.
(وقيل: يجوز اشتراط صياغة خاتم في شراء درهم بدرهم، للرواية)
التي رواها أبو الصباح الكناني رحمه الله عن الصادق عليه السلام قال:
سألته عن الرجل يقول للصائغ: صغ لي هذا الخاتم، وأبدل لك درهما
طازجيا (2) بدرهم غلة. قال عليه السلام " لا بأس ". واختلفوا
في تنزيل الرواية فقيل: إن حكمها مستثنى من الزيادة الممنوعة، فيجوز
بيع درهم بدرهم مع شرط صياغة الخاتم، ولا يتعدى إلى غيره (3)،
اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص، وهو القول الذي حكاه
المصنف رحمه الله، وقيل يتعدى إلى كل شرط (4)، لعدم الفرق،
وقيل: إلى كل شرط حكمي.
381

والأقوال كلها ضعيفة، لأن بناءها على دلالة الرواية على أصل (1)
الحكم.
(وهي (2) غير صريحة في المطلوب)، لأنها تضمنت إبدال درهم
طازج بدرهم غلة مع شرط الصياغة من جانب الغلة.
وقد ذكر أهل اللغة أن الطازج هو الخالص، والغلة غيره وهو
المغشوش، وحينئذ فالزيادة الحكمية وهي الصياغة في مقابلة الغش، وهذا
لا مانع منه مطلقا (3) وعلى هذا يصح الحكم (4) ويتعدى (5)، لا (6)
في مطلق الدرهم كما (7) ذكروه ونقله عنهم المصنف رحمه الله،
(مع مخالفتها (8) أي الرواية (للأصل (9)) لو حملت على الإطلاق (10)
كما ذكروه، لأن الأصل المطرد عدم جواز الزيادة من أحد الجانبين
382

حكمية كانت، أم عينية، فلا يجوز الاستناد فيما خالف (1) الأصل
إلى هذه الرواية، مع أن في طريقها من لا يعلم حاله.
(والأواني المصوغة (2) من النقدين إذا بيعت بهما (3) معا
(جاز) مطلقا (4)، (وإن بيعت (5) بأحدهما) خاصة (اشترطت
زيادته (6) على جنسه)، لتكون الزيادة في مقابلة الجنس الآخر، بحيث
تصلح (7) ثمنا له (8) وإن قل (9)، ولا فرق في الحالين (10) بين العلم
383

بقدر كل واحد منهما، وعدمه (1)، ولا بين إمكان تخليص (2) أحدهما
عن الآخر، وعدمه، ولا بين بيعها (3) بالأقل مما فيها من النقدين،
والأكثر.
(ويكفي غلبة الظن) في زيادة الثمن على مجانسه من الجوهر، لعسر
العلم اليقيني بقدره (4) غالبا، ومشقة التخليص الموجب له (5).
وفي الدروس اعتبر القطع بزيادة الثمن وهو أجود.
(وحلية السيف والمركب يعتبر فيها (6) العلم إن أريد بيعها) أي
الحلية (بجنسها)، والمراد بيع الحلية، والمحلى، لكن لما كان الغرض
التخلص من الربا والصرف خص الحلية، ويعتبر مع بيعها بجنسها زيادة
الثمن عليها، لتكون الزيادة في مقابلة السيف والمركب إن ضمهما إليها
(فإن تعذر) العلم (كفى الظن الغالب بزيادة الثمن عليها).
والأجود اعتبار القطع، وفاقا للدروس وظاهر الأكثر، فإن تعذر
384

بيعت بغير جنسها، بل يجوز بيعها بغير الجنس مطلقا (1) كغيرها، وإنما
خص المصنف موضع الاشتباه (2).
(ولو باعه بنصف دينار فشق (3)) أي نصف كامل مشاع،
لأن النصف حقيقة في ذلك (4)، (إلا أن يراد) نصف (صحيح
عرفا) بأن يكون هناك نصف مضروب بحيث ينصرف الإطلاق إليه،
(أو نطقا) بأن يصرح بإرادة الصحيح وإن (5) لم يكن الإطلاق محمولا
عليه فينصرف (6) إليه، وعلى الأول (7) فلو باعه بنصف دينار آخر
تخير بين أن يعطيه شقي دينارين ويصير شريكا فيهما، وبين أن يعطيه
دينارا كاملا عنهما (8)، وعلى الثاني (9) لا يجب قبول الكامل (10).
385

(وكذا) القول (في نصف درهم (1)) وأجزائهما (2) غير
النصف.
(وحم تراب الذهب والفضة عند الصياغة) بفتح الصاد وتشديد
الياء جمع صائغ (حكم) تراب (المعدن) في جواز بيعه مع اجتماعهما
بهما (3). وبغيرهما، وبأحدهما مع العلم بزيادة الثمن عن مجانسه (4)،
ومع الانفراد (5) بغير جنسه (6).
(ويجب) على الصائغ (الصدقة به (7) مع جهل أربابه) بكل
وجه. ولو علمهم في محصورين وجب التخلص منهم، ولو بالصلح
مع جهل حق كل واحد بخصوصه، ويتخير مع الجهل بين الصدقة بعينه
وقيمته.
(والأقرب الضمان لو ظهروا ولم يرضوا بها) أي بالصدقة لعموم
386

الأدلة (1) الدالة على ضمان ما أخذت اليد، خرج منه ما إذا رضوا، أو
استمر الاشتباه فيبقى الباقي (2).
ووجه العدم (3) إذن الشارع له في الصدقة فلا يتعقب الضمان،
ومصرف هذه الصدقة الفقراء والمساكين، ويلحق بها (4) ما شابهها من
الصنائع الموجبة لتخلف أثر المال، كالحدادة والطحن والخياطة والخبازة.
(ولو كان بعضهم معلوما وجب الخروج من حقه) وعلى هذا (5)
يجب التخلص من كل غريم يعلمه، وذلك (6) يتحقق عند الفراغ من
عمل كل واحد، فلو أخر حتى صار (7) مجهولا أثم بالتأخير، ولزمه
حكم ما سبق (8). (خاتمة - الدراهم والدنانير يتعينان بالتعيين)
عندنا (في الصرف وغيره)، لعموم الأدلة (9) الدالة على التعيين،
387

والوفاء بالعقد، ولقيام المقتضي في غيرها (1)، (فلو ظهر عيب في المعين)
ثمنا كان، أم مثمنا (من غير جنسه) بأن ظهرت الدراهم نحاسا، أو
رصاصا (بطل) البيع (فيه)، لأن ما وقع عليه العقد غير مقصود
بالشراء، والعقد تابع له (2)، (فإن كان بإزائه مجانسه (3) بطل البيع
من أصله) إن ظهر الجميع كذلك، (4) وإلا (5) فبالنسبة (كدراهم
388

بدراهم (1)، وإن كان) ما بإزائه (مخالفا) في الجنس (2) (صح)
البيع (في السليم وما قابله، ويجوز) لكل منهما (الفسخ مع الجهل)
بالعيب، لتبعض الصفقة.
(ولو كان العيب من الجنس) كخشونة الجوهر، واضطراب
السكة (وكان بإزائه مجانس (3)، فله الرد بغير أرش)، لئلا يلزم
زيادة جانب المعيب المفضي إلى الربا (4)، لأن هذا النقص حكمي (5)،
فهو في حكم الصحيح، (وفي المخالف (6)) بإزاء المعيب (إن كان
صرفا) كما لو باعه ذهبا بفضة فظهر أحدهما معيبا من الجنس (7) (فله
الأرش في المجلس، والرد).
أما ثبوت الأرش فللعيب، ولا يضر هنا زيادة عوضه (8) للاختلاف
واعتبر كونه في المجلس للصرف (9).
389

ووجه الرد ظاهر، لأنه مقتضى خيار العيب بشرطه (1).
(وبعد التفرق له الرد، ولا يجوز أخذ الأرش من النقدين)،
لئلا يكون صرفا (2) (بعد التفرق، ولو أخذ) الأرش (من غيرهما (3)
قيل) والقائل العلامة رحمه الله: (جاز)، لأنه (4) حينئذ (5)
كالمعاوضة بغير الأثمان (6) فيكون جملة (7) العقد بمنزلة بيع وصرف
والبيع ما أخذ عوضه بعد التفرق.
ويشكل (8) بأن الأرش جزء من الثمن، والمعتبر فيه النقد الغالب
390

فإذا اختار الأرش لزم النقد حينئذ (1)، واتفاقهما (2)
391

على غيره (1) معاوضة على النقد الثابت في الذمة أرشا لا نفس الأرش (2).
ويمكن دفعه (3) بأن الثابت وإن كان هو النقد لكن لما لم يتعين
392

إلا باختياره الأرش، إذ لو رد لم يكن الأرش ثابتا كان (1) ابتداء
تعلقه (2) بالذمة الذي هو بمنزلة المعاوضة اختياره (3) فيعتبر حينئذ (4)
قبضه قبل التفرق (5)، مراعاة للصرف، وكما يكفي في لزوم معاوضة
الصرف دفع نفس الأثمان قبل التفرق كذا يكفي دفع عوضها (6) قبله (7)
بل (8)
393

مطلق براءة ذمة من يطلب (1) منه (2) منه (3)، فإذا اتفقا
على جعله (4) من غير النقدين جاز، وكانت المعاوضة كأنها واقعة به (5)
وفيه (6) أن ذلك يقتضي جواز أخذه (7) في مجلس اختياره
من النقدين أيضا (8)، ولا يقولون به، ولزومه (9) وإن كان موقوفا
على اختياره (10) إلا أن سببه (11) العيب الثابت حالة العقد فقد صدق
394

التفرق قبل أخذه (1) وإن لم يكن مستقرا (2)
والحق أنا إن اعتبرنا في ثبوت الأرش السبب (3) لزم بطلان البيع
فيما قابله (4) بالتفرق (5) قبل قبضه (6) مطلقا (7)، وإن اعتبرنا (8)
حالة اختياره (9)، أو جعلناه (10) تمام السبب على وجه النقل لزم جواز
أخذه (11) في مجلسه مطلقا (12)، وإن جعلنا ذلك (13) كاشفا
395

عن ثبوته (1) بالعقد لزم البطلان فيه (2) أيضا (3)، وعلى كل حال
فالمعتبر منه (4) النقد الغالب، وما اتفقا على أخذه أمر آخر (5)، والوجه
الأخير (6) أوضح، فيتجه مع اختياره (7) البطلان فيما قابله (8)
مطلقا (9)، وإن رضي بالمدفوع (10) لزم (11).
فإن قيل: المدفوع أرشا ليس هو أحد عوضي الصرف، وإنما هو
عوض صفة (12) فائتة في أحد العوضين، ويترتب استحقاقها (13) على صحة
396

العقد وقد حصل التقابض في كل من العوضين فلا مقتضي للبطلان، إذ
وجوب التقابض إنما هو في عوضي الصرف (1)، لا فيما وجب بسببهما (2)
قلنا: الأرش وإن لم يكن أحد العوضين، لكنه كالجزء من الناقص
منهما، ومن ثم (3) حكموا بأنه جزء من الثمن نسبته (4) إليه (5) كنسبة
قيمة الصحيح إلى المعيب (6)، والتقابض الحاصل في العوضين وقع
متزلزلا، إذ يحتمل رده (7) رأسا، وأخذ (8) أرش النقصان الذي هو
كتتمة العوض الناقص، فكان (9) بمنزلة بعض العوض، والتخيير (10)
397

بين أخذه (1) والعفو عنه ورد المبيع (2) لا ينافي ثبوته (3)، غايته،
التخيير بينه (4)، وبين أمر آخر (5)، فيكون (6) ثابتا ثبوتا تخييريا بينه
وبين ما ذكر (7).
(ولو كان) العيب الجنسي (في غير صرف) بأن كان العوض
الآخر عرضا (فلا شك في جواز الرد والأرش)، إعطاء للمعيب
حكمه شرعا (8)، ولا مانع منه (9) هنا (مطلقا سواء كان قبل
التفرق، أم بعده.
398

(ولو كانا) أي العوضان (غير معينين (1) فله الإبدال)
مع ظهور العيب جنسيا كان، أم خارجيا، لأن العقد وقع على أمر كلي
والمقبوض غيره (2)، فإذا لم يكن (3) مطابقا لم يتعين لوجوده (4)
في ضمنه (5)، لكن الإبدال (ما داما في المجلس في الصرف،) أما
بعده (6) فلا، لأنه يقتضي عدم الرضا بالمقبوض قبل التفرق وأن الأمر
الكلي باق في الذمة فيؤدي إلى فساد الصرف.
هذا إذا كان العيب من الجنس (7)، أما غيره (8) فالمقبوض
ليس ما وقع عليه العقد مطلقا (9) فيبطل بالتفرق، لعدم التقابض
في المجلس.
399

ويحتمل قويا مع كون العيب جنسيا جواز إبداله بعد التفرق،
لصدق التقابض في العوضين قبله (1)، والمقبوض محسوب عوضا وإن
كان معيبا، لكونه (2) من الجنس فلا يخرج (3) عن حقيقة العوض
المعين، غايته كونه (4) مفوتا لبعض الأوصاف فاستدراكه ممكن بالخيار
ومن ثم (5) لو رضي به (6) استقر ملكه عليه، ونماؤه له
على التقديرين (7).
بخلاف غير الجنسي (8) وحينئذ (9) فإذا فسخ (10) رجع الحق (11)
إلى الذمة، فيتعين حينئذ (12).
400

كونه (1) عوضا صحيحا، لكن يجب قبض البدل في مجلس الرد، بناء
على أن الفسخ رفع (2) العوض، فإذا لم يقدح (3) في الصحة سابقا
يتعين القبض حينئذ (4) ليتحقق التقابض.
ويحتمل قويا سقوط اعتباره (5) أيضا، لصدق التقابض في العوضين
الذي هو شرط الصحة (6)، وللحكم بصحة الصرف بالقبض السابق
فيستصحب (7) إلى أن يثبت خلافه،
401

وما وقع (1) غير كاف في الحكم بوجوب التقابض، لأنه (2) حكم
طارئ بعد ثبوت البيع.
(وفي غيره) أي غير الصرف له الإبدال، (وإن تفرقا)، لانتفاء
المانع منه (3) مع وجود المقتضي له (4) وهو العيب في عين لم يتعين
عوضا.
(الفصل السادس: في السلف)
وهو بيع (مضمون) في الذمة، مضبوط بمال معلوم مقبوض
في المجلس إلى أجل معلوم بصيغة خاصة، (وينعقد بقوله) أي قول
المسلم وهو المشتري (أسلمت إليك، أو أسلفتك)، أو سلفتك
بالتضعيف، وفي سلمتك وجه، (كذا في كذا إلى كذا (5)، ويقبل
المخاطب) وهو المسلم إليه وهو البائع بقوله: قبلت وشبهه، ولو جعل
الإيجاب منه جاز بلفظ البيع والتمليك، واستلمت منك واستلفت وتسلفت
ونحوه.
402

(ويشترط فيه (1)) شروط البيع بأسرها (2)، ويختص بشروط
(ذكر الجنس)، والمراد به هنا الحقيقة النوعية كالحنطة والشعير،
(والوصف الرافع للجهالة) الفارق بين أصناف ذلك النوع (3)،
لا مطلق الوصف، (بل الذي يختلف لأجله (4) الثمن اختلافا ظاهرا)
لا يتسامح بمثله عادة، فلا يقدح الاختلاف اليسير غير المؤدي إليه (5)،
والمرجع في الأوصاف إلى العرف وربما كان العامي أعرف بها من الفقيه،
وحظ الفقيه منها الإجمال، والمعتبر من الوصف ما يتناوله الاسم المزيل (6)
لاختلاف أثمان الأفراد الداخلة في المعين (7)، (ولا يبلغ فيه (8) الغاية)
فإن بلغها (9) وأفضى إلى عزة الوجود بطل، وإلا (10) صح.
(واشتراط الجيد والردئ جائز)، لإمكان تحصيلهما بسهولة،
والواجب أقل ما يطلق عليه اسم الجيد، فإن زاد عنه (11) زاد خيرا،
403

وما (1) يصدق عليه اسم الردئ، وكلما قلل الوصف (2) فقد أحسن.
(و) شرط (الأجود والأردأ ممتنع)، لعدم الانضباط، إذ ما
من جيد إلا ويمكن وجود أجود (3) منه، وكذا الأردأ، والحكم في الأجود وفاق (4)، وأما الأردأ فالأجود أنه كذلك (5).
وربما قيل بصحته (6)، والاكتفاء بكونه (7) في المرتبة الثانية
من الردئ لتتحقق الأفضلية (8) ثم إذا كان الفرد المدفوع أردأ فهو
الحق، وإلا فدفع الجيد عن الردئ جائز، وقبوله لازم، فيمكن التخلص
بخلاف الأجود (9).
ويشكل بأن ضبط المسلم فيه (10) معتبر على وجه يمكن الرجوع
404

إليه عند الحاجة مطلقا (1)، ومن جملتها (2) ما لو امتنع المسلم إليه
من دفعه (3) فيؤخذ من ماله بأمر الحاكم قهرا، وذلك (4) غير ممكن
هنا، لأن الجيد غير متعين عليه فلا يجوز لغيره (5) دفعه فيتعذر
التخلص (6)، فعدم الصحة أوضح، وتردد المصنف في الدروس.
(وكل ما لا يضبط وصفه يمتنع السلم فيه، كاللحم والخبز والنبل (7)
المنحوت) ويجوز قبله (8)، لإمكان ضبطها (9) بالعدد والوزن، وما
يبقى فيه (10) من الاختلاف (11) غير قادح، لعدم اختلاف الثمن بسببه (12)
بخلاف المعمول، (والجلود) لتعذر ضبطها، وبالوزن لا يفيد الوصف
المعتبر، لأن أهم أوصافها السمك ولا يحصل به (13)، وقيل: يجوز،
405

لإمكان ضبطه بالمشاهدة، ورد بأنه (1) خروج عن السلم، لأنه (2)
دين، ويمكن الجمع بمشاهدة جملة يدخل المسلم فيه في ضمنها (3) من غير
تعيين، وهو غير مخرج عن وضعه (4) كاشتراطه (5) من غلة قرية
معينة لا تخيس (6) عادة، وحينئذ (7) فيكفي مشاهدة الحيوان عن الإمعان
في الوصف، والمشهور المنع مطلقا (8).
(والجواهر واللآلئ للكبار، لتعذر ضبطها) على وجه يرفع
بسببه (9) اختلاف الثمن، (وتفاوت الثمن فيها (10) تفاوتا باعتبارات
لا تحصل بدون المشاهدة أما اللآلئ الصغار التي لا تشتمل على أوصاف
كثيرة تختلف القيمة باختلافها فيجوز مع ضبط ما يعتبر فيها سواء في ذلك
المتخذة للدواء، وغيرها، وكذا القول في بعض الجواهر التي لا يتفاوت
الثمن باعتبارها تفاوتا بينا كبعض العقيق وهو خيرة الدروس.
(ويجوز السلم في الحبوب والفواكه، والخضر، والشحم،
406

والطيب، والحيوان كله) ناطقا، وصامتا، (حتى في شاة لبون)،
لإمكان ضبطها، وكثرة وجود مثلها، وجهالة مقدار اللبن غير مانعة
على تقدير وجوده (1)، لأنه (2) تابع، (ويلزم تسليم شاة يمكن أن
تحلب في مقارب زمان التسليم)، فلا يكفي الحامل وإن قرب زمان
ولادتها (3)، (ولا يشترط أن يكون اللبن حاصلا بالفعل حينئذ (4)،
فلو حلبها وسلمها أجزأت)، لصدق اسم الشاة اللبون عليها بعده.
(أما الجارية الحامل، أو ذات الولد، أو الشاة كذلك (5)
فالأقرب المنع (6)، لاعتبار وصف كل واحد منهما (7)، فيعز اجتماعهما
في واحد (8)، ولجهالة (9) الحمل وعدم إمكان وصفه. وقيل: يجوز
في الجميع (10)، لإمكانه (11) من غير عسر، واغتفار الجهالة في الحمل
407

لأنه تابع، وفي الدروس جوز في الحامل مطلقا (1)، وفي ذات الولد
المقصود بها الخدمة، دون التسري والأجود الجواز مطلقا (2)، لأن عزة
وجود مثل ذلك (3) غير واضح، وعموم الأمر بالوفاء (4) بالعقد يقتضيه
(ولا بد من قبض الثمن قبل التفرق، أو المحاسبة به (5) من دين
عليه (6) أي على المسلم (7) (إذا لم يشترط ذلك (8) في العقد)
بأن يجعل الثمن نفس ما في الذمة (ولو شرطه (9) كذلك (10)
(بطل، لأنه بيع دين بدين) أما كون المسلم فيه دينا فواضح وأما
الثمن الذي في الذمة فلأنه دين في ذمة المسلم فإذا جعل عوضا للمسلم فيه
408

صدق بيع الدين بالدين، لأن نفس الدين قد قرن بالباء (1) فصار (2)
ثمنا، بخلاف المحاسبة عليه قبل التفرق إذا لم يشترط، لأنه استيفاء دين
قبل التفرق، مع عدم ورود العقد عليه، فلا يقصر (3) عما لو أطلقاه
ثم أحضره قبل التفرق، وإنما يفتقر إلى المحاسبة مع تخالفهما (4) جنسا (5)
أو وصفا (6)، أما لو اتفق ما في الذمة والثمن فيهما (7) وقع التهاتر (8)
قهريا ولزم العقد.
409

ولكن المصنف في الدروس استشكل على هذا (1) صحة العقد،
استنادا إلى أنه يلزم منه (2) كون مورد العقد دينا بدن، ويندفع بأن
بيع الدين بالدين لا يتحقق إلا إذا جعلا معا في نفس العقد متقابلين (3)
في المعاوضة، قضية (4) للباء وهي (5) منتفية هنا، لأن الثمن هنا أمر
كلي، وتعيينه (6) بعد العقد في شخص لا يقتضي كونه هو الثمن الذي
جرى عليه العقد ومثل هذا التقاص والتحاسب استيفاء (7)، لا معاوضة
ولو أثر مثل ذلك (8) لأثر مع إطلاقه (9)، ثم دفعه في المجلس،
لصدق بيع الدين بالدين عليه ابتداء، بل قيل بجواز الصورة الثانية
أيضا، وهي ما لو جعل الدين ثمنا في العقد، نظرا إلى أن ما في الذمة
410

بمنزلة المقبوض.
(وتقديره) أي المسلم فيه، أو ما يعم الثمن (بالكيل، أو الوزن
المعلومين) في ما يكال، أو يوزن، وفيما لا يضبط إلا به (1)، وإن
جاز بيعه (2) جزافا كالحطب والحجارة، لأن المشاهدة ترفع الغرر،
بخلاف الدين، واحترز بالمعلومين عن الإحالة على مكيال، أو صنجة (3)
مجهولين فيبطل، (أو العدد) في المعدود، (مع قلة التفاوت) كالصنف
الخاص من الجوز واللوز، أما مع كثرته (4) كالرمان فلا يجوز بغير الوزن
والظاهر أن البيض ملحق بالجوز في جوازه مع تعيين الصنف،
وفي الدروس قطع بإلحاقه بالرمان الممتنع به (5)، وفي مثل الثوب يعتبر
ضبطه بالذرع وإن جاز بيعه بدونه (6) مع المشاهدة كما مر، وكان عليه
أن يذكره (7) أيضا، لخروجه عن الاعتبارات المذكورة (8)، ولو جعلت
هذه الأشياء ثمنا فإن كان مشاهدا لحقه حكم البيع المطلق، فيكفي
411

مشاهدة ما يكفي مشاهدته فيه (1)، واعتبار ما يعتبر.
(وتعيين الأجل المحروس (2) من التفاوت) بحيث لا يحتمل الزيادة
والنقصان إن أريد موضوعه (3)، ولو أريد به مطلق البيع لم يشترط (4)
وإن وقع بلفظ السلم (5).
(والأقرب جوازه أي السلم (5) (حالا مع عموم الوجود (6))
أي وجود المسلم فيه (عند العقد)، ليكون مقدورا على تسليمه حيث
يكون مستحقا (7).
ووجه القرب أن السلم بعض جزئيات البيع (8)، وقد (9) استعمل
412

لفظه (1) في نقل الملك على الوجه المخصوص (2) فجاز استعماله في الجنس (3)
لدلالته عليه حيث يصرح بإرادة المعنى العام (4)، وذلك عند قصد
الحلول (5)، كما ينعقد البيع بملكتك كذا بكذا (6)، مع أن التمليك
موضوع لمعنى آخر (7)، إلا أن قرينة العوض المقابل عينته للبيع، بل
هذا أولى (8)، لأنه بعض أفراده، بخلاف التمليك المستعمل شرعا في الهبة
بحيث لا يتبادر عند الإطلاق غيرها (9)، وإنما صرفه عنها (10) القيود
الخارجية.
ومثله القول فيما لو استعملا السلم في بيع عين شخصية (11)، وأولى
413

بالجواز (1)، لأنها أبعد عن الغرر (2).
والحلول أدخل في إمكان التسليم من التأجيل (3).
ومن التعليل (4) يلوح وجه المنع فيهما (5) حيث إن بناءه على البيع
المؤجل مثمنه الثابت في الذمة (6)، وقد قال النبي (7) صلى الله عليه
وآله: " من أسلف فليسلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم، أو أجل
معلوم (8) ".
وأجيب بتسليمه (9)
414

حيث يقصد السلم الخاص، والبحث فيما لو قصدا به (2) البيع الحال،
واعلم أن ظاهر عبارة المصنف هنا وفي الدروس وكثير أن الخلاف (3)
مع قصد السلم، وأن المختار جوازه مؤجلا وحالا مع التصريح بالحلول
ولو قصدا، بل مع الإطلاق أيضا، ويحمل على الحلول، والذي يرشد
إليه التعليل (4) والجواب (5) أن الخلاف فيما لو قصد به (6) البيع
المطلق واستعمل السلم فيه (7) بالقرائن، أما إذا أريد به (8) السلف
المطلق (9) اشترط ذكر الأجل.
(ولا بد من كونه (10) عام الوجود عند رأس الأجل إذا شرط
الأجل) في البلد الذي شرط تسليمه فيه، أو بلد العقد حيث يطلق (11)
على رأي المصنف هنا، أو فيما قاربه بحيث ينقل إليه عادة، ولا يكفي
415

وجوده فيما لا يعتاد نقله منه إليه إلا نادرا (1)، كما لا يشترط وجوده
حال العقد حيث يكون مؤجلا، ولا فيما بينهما، ولو عين غلة بلد لم
يكف وجوده في غيره وإن اعتيد نقله إليه، ولو انعكس بأن عين غلة
غيره (2) مع لزوم التسليم به (3) شارطا نقله إليه فالوجه الصحة، وإن
كان يبطل مع الإطلاق. والفرق (4) أن بلد التسليم حينئذ بمنزلة شرط
آخر، والمعتبر هو بلد المسلم فيه.
(والشهور يحمل) إطلاقها (على الهلالية) مع إمكانه كما إذا وقع
العقد في أو الشهر، ولو وقع في أثنائه ففي عده هلاليا بجبره مقدار
ما مضى منه، أو إكماله ثلاثين (5) يوما، أو انكسار الجميع لو كان
معه غيره (6).
416

وعدها ثلاثين يوما (1) أوجه: أوسطها الوسط (2)، وقواه في الدروس
ويظهر من العبارة الأول (3).
(ولو شرط تأجيل بعض الثمن بطل في الجميع) أما في المؤجل
فظاهر، لاشتراط قبض الثمن قبل التفرق المنافي له (4)، وعلى تقدير
عدم منافاته (5) لقصر (6) الأجل يمتنع من وجه آخر (7)، لأنه بيع
الكالئ فقد فسره أهل اللغة بأنه بيع مضمون مؤجل بمثله، وأما
البطلان في الحال على تقدير بطلان المؤجل فلجهالة قسطه (8) من الثمن
وإن جعل كلا منهما قدرا معلوما كتأجيل خمسين من مائة، لأن المعجل
يقابل من المبيع قسطا أكثر مما يقابله المؤجل، لتقسيط الثمن على الأجل
أيضا، والنسبة عند العقد غير معلومة.
وربما قيل بالصحة للعلم بجملة الثمن، والتقسيط غير مانع، كما
لا يمنع لو باع ماله ومال غيره فلم يجز المالك، بل لو باع الحر والعبد
417

بثمن واحد مع كون بيع الحر باطلا من حين العقد كالمؤجل هنا (1).
(ولو شرط موضع التسليم لزم)، لوجوب الوفاء بالشرط السائغ
(وإلا) يشترط (اقتضى) الإطلاق التسليم (في موضع العقد) كنظائره
من المبيع المؤجل هذا أحد الأقوال في المسألة، والقول الآخر: اشتراط
تعيين موضعه (2) مطلقا، وهو اختياره في الدروس، لاختلاف الأغراض
باختلافه (3) الموجب لاختلاف الثمن والرغبة، ولجهالة (4) موضع
الاستحقاق، لابتنائه (5) على موضع الحلول المجهول (6) وبهذا (7) فارق
الفرض المحمول على موضعه، لكونه معلوما.
وأما النسيئة فخرج بالإجماع على عدم اشتراط تعيين محله، وفصل
ثالث باشتراطه (8) إن كان في حمله مؤنة، وعدمه (9).
418

بعدمه (1)، ورابع بكونهما (2) في مكان قصدهما مفارقته (3) وعدمه (4)
وخامس باشتراطه فيهما (5)، ووجه الثلاثة (6).
419

مركب من الأولين (1) ولا ريب أن التعيين مطلقا (2) أولى.
(ويجوز اشتراط السائغ في العقد) كاشتراط حمله إلى موضع معين،
وتسليمه كذلك (3)، ورهن (4) وضمين، وكونه من غلة أرض، أو
420

بلد لا تخيس (1) فيها غالبا، ونحو ذلك، (و) كذا يجوز (بيعه بعد
حلوله)، وقبل قبضه (على الغريم، وغيره على كراهة)، للنهي (2)
عن ذلك في قوله صلى الله عليه وآله: " لا تبيعن شيئا حتى تقبضه "،
ونحوه المحمول على الكراهة، وخصها (3) بعضهم بالمكيل والموزون،
وآخرون بالطعام، وحرمه آخرون فيهما (4) وهو الأقوى، حملا لما ورد
صحيحا من النهي على (5) ظاهره، لضعف المعارض (6) الدال على الجواز
الحامل للنهي على الكراهة، وحديث النهي عن بيع مطلق ما لم يقبض لم
يثبت (7)، وأما بيعه (8).
421

قبل حلوله (1) فلا، لعدم استحقاقه حينئذ. نعم لو صالح عليه (2)
فالأقوى الصحة.
(وإذا دفع) المسلم إليه (فوق الصفة وجب القبول)، لأنه خير
وإحسان، فالامتناع منه عناد ولأن الجودة صفة لا يمكن فصلها
فهي (3) تابعة، بخلاف ما لو دفع أزيد قدرا يمكن فصله ولو
في ثوب (4)، وقيل: لا يجب (5)، لما فيه (6) من المنة (ودونها)
أي دون الصفة المشترطة (لا يجب) قبوله وإن كان أجود من وجه آخر
لأنه ليس حقه مع تضرره به ويجب تسليم الحنطة ونحوها عند الإطلاق
نقية من الزوان (7) والمدر (8)، والتراب، والقشر غير المعتاد،
وتسليم التمر والزبيب جافين، والعنب والرطب صحيحين، ويعفى عن اليسير
المحتمل (9) عادة.
(ولو رضي المسلم به) أي بالأدون صفة (لزم)، لأنه
أسقط حقه من الزاد برضاه، كما يلزم لو رضي بغير جنسه، (ولو
422

انقطع) المسلم فيه (عند الحلول) حيث يكون مؤجلا ممكن الحصول
بعد الأجل عادة فاتفق عدمه (تخير) المسلم (بين الفسخ) فيرجع
برأس ماله، لتعذر الوصول إلى حقه، وانتفاء الضرر، (و) بين
(الصبر) إلى أن يحصل، وله أن لا يفسخ ولا يصبر، بل يأخذ قيمته
حينئذ (1)، لأن ذلك (2) هو حقه. والأقوى أن الخيار ليس فوريا
فله الرجوع بعد الصبر إلى أحد الأمرين (3) ما لم يصرح بإسقاط حقه
من الخيار، ولو كان الانقطاع بعد بذله (4) له ورضاه (5) بالتأخير
سقط خياره، بخلاف ما لو كان بعدم (6) المطالبة، أو بمنع البائع
423

مع إمكانه (1).
وفي حكم انقطاعه عند الحلول موت المسلم إليه قبل الأجل، وقبل
وجوده، لا العلم (2) قبله بعدمه (3) بعده (4)، بل يتوقف الخيار
على الحلول على الأقوى، لعدم وجود المقتضي له الآن، إذ لم يستحق
شيئا حينئذ، ولو قبض البعض تخير أيضا بين الفسخ في الجميع، والصبر
وبين أخذ ما قبضه، والمطالبة بحصة غيره من الثمن، أو قيمة المثمن
على القول الآخر، وفي تخير المسلم إليه مع الفسخ (5) في البعض وجه
قوي، لتبعض الصفقة عليه، إلا أن يكون الانقطاع من تقصيره (6)
فلا خيار له.
(الفصل السابع: في أقسام البيع بالنسبة إلى الإخبار بالثمن
وعدمه، وهو أربعة أقسام)
لأنه إما أن يخبر به، أو لا، والثاني المساومة (7)،
424

والأول إما أن يبيع معه (1) برأس المال، أو بزيادة عليه، أو نقصان
عنه، والأول (2) التولية، والثاني (3) المرابحة، والثالث (4) المواضعة،
وبقي قسم خامس وهو إعطاء بعض المبيع برأس ماله (5) ولم يذكره كثير
وذكره المصنف هنا وفي الدروس، وفي بعض الأخبار (6) دلالة عليه (7)
وقد تجتمع الأقسام في عقد واحد، بأن اشترى خمسة ثوبا بالسوية (8)،
لكن ثمن نصيب أحدهم عشرون، والآخر خمسة عشر، والثالث عشرة،
والرابع خمسة، والخامس لم يبين، ثم باع من عدا الرابع نصيبهم
بستين بعد إخبارهم (9) بالحال، والرابع شرك في حصته، فهو بالنسبة
425

إلى الأول (1) مواضعة، والثاني (2) تولية، والثالث (3) مرابحة،
والرابع (4) تشريك، والخامس (5).
426

مساومة، واجتماع قسمين (1)، وثلاثة (2)،
427

وأربعة (1) منها (2) على قياس ذلك (3)، والأقسام الأربعة: -
(أحدها - المساومة)
وهي البيع بما يتفقان عليه من غير تعرض للأخبار بالثمن، سواء
علمه (4) المشتري، أم لا وهي أفضل الأقسام.
(وثانيها - المرابحة: ويشترط فيها العلم)
أي علم كل من البائع والمشتري (بقدر الثمن، و) قدر (الربح)
والغرامة (5)، والمؤن (6) إن ضمها (7)، (ويجب على البائع الصدق)
في الثمن، والمؤن، وما طرأ من موجب النقص (8) والأجل (9) وغيره (10)
(فإن لم يحدث فيه زيادة قال: اشتريته، أو هو علي، أو تقوم)
428

بكذا، (وإن زاد بفعله) من غير غرامة مالية (أخبر) بالواقع، بأن
يقول: اشتريته بكذا، وعملت فيه عملا يساوي كذا، ومثله (1)، ما
لو عمل فيه متطوع.
(وإن زاد باستئجاره) عليه (ضمه فيقول: تقوم علي) بكذا
(لا اشتريت به (2))، لأن الشراء لا يدخل فيه إلا الثمن، بخلاف
تقوم علي فإنه يدخل فيه الثمن، وما يلحقه من أجرة الكيال، والدلال
والحارس، والمحرس (3)، والقصار (4)، والرفاء (5)، والصباغ،
وسائر المؤن المرادة للاسترباح (6)، لا ما يقصد به استبقاء الملك، دون
الاسترباح، كنفقة العبد، وكسوته، وعلف (7) الدابة نعم العلف الزائد
على المعتاد للتسمين يدخل، والأجرة وما في معناها (8) لا تضم
إلى اشتريت بكذا، (إلا أن يقول: واستأجرت بكذا) فإن الأجرة
تنضم حينئذ إلى الثمن للتصريح بها.
واعلم أن دخول المذكورات ليس من جهة الإخبار، بل فائدته
429

إعلام المشتري بذلك ليدخل في قوله: بعتك بما اشتريت، أو بما قام
علي، أو بما اشتريت واستأجرت وربح كذا.
(وإن طرأ عيب وجب ذكره)، لنقص المبيع به عما كان حين
شراه، (وإن أخذ أرشا) بسببه (1) (أسقطه) لأن الأرش جزء
من الثمن، فكأنه اشتراه بما عداه، وإن كان قوله: اشتريته بكذا حقا
لطروء النقصان الذي هو بمنزلة الجزء، ولو كان الأرش بسبب جناية لم
يسقط من الثمن، لأنها حق متجدد لا يقتضيها العقد كنتاج الدابة،
بخلاف العيب وإن كان حادثا بعد العقد حيث يضمن، لأنه بمقتضى
العقد أيضا فكان كالموجود حالته. ويفهم من العبارة إسقاط مطلق الأرش
وليس كذلك، وبما قيدناه صرح في الدروس كغيره (2).
(ولا يقوم أبعاض (3) الجملة) ويخبر بما يقتضيه التقسيط
من الثمن وإن كانت متساوية، أو أخبر بالحال، لأن (4) المبيع المقابل
بالثمن هو المجموع، لا الأفراد وإن يقسط الثمن عليها (5) في بعض
الموارد، كما لو تلف بعضها، أو ظهر مستحقا.
430

(ولو ظهر كذبه) في الإخبار بقدر الثمن، أو ما في حكمه (1)
أو جنسه (2)، أو وصفه (3)، (أو غلطه) بينة (4)، أو إقرار
(تخير المشتري) بين رده، وأخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد،
لغروره (5). وقيل: له أخذه بحط الزيادة وربحها (6)، لكذبه مع كون
ذلك (7) هو مقتضى المرابحة شرعا، ويضعف بعدم العقد على ذلك (8)
فكيف يثبت مقتضاه (9).
وهل يشترط في ثبوت خيار المشتري على الأول (10) بقاؤه
على ملكه (11) وجهان،
431

أجودهما العدم (1)، لأصالة بقائه (2) مع وجود المقتضي (3)، وعدم
صلاحية ذلك (4) للمانع، فمع التلف، أو انتقاله عن ملكه انتقالا لازما،
أو وجود مانع من رده كالاستيلاد يرد مثله، أو قيمته (5) إن اختار (6)
الفسخ، ويأخذ الثمن، أو عوضه (7) مع فقده.
(ولا يجوز الإخبار بما اشتراه من غلامه) الحر، (أو ولده)،
أو غيرهما (حيلة، لأنه خديعة) وتدليس، فلو فعل ذلك أثم وصح
البيع، لكن يتخير المشتري إذا علم بين رده، وأخذه بالثمن، كما لو
ظهر كذبه في الإخبار. (نعم لو اشتراه) من ولده، أو غلامه (ابتداء
من غير سابقة بيع عليهما)، ولا مواطأة على الزيادة، وإن لم يكن سبق
منه (8) بيع (جاز)، لانتفاء المانع حينئذ (9) إذ لا مانع من معاملة
من ذكر، (و) كذا (لا) يجوز (الإخبار بما قوم عليه التاجر)
432

على أن يكون له (1) الزائد من غير أن يعقد معه (2) البيع، لأنه كاذب
في إخباره، إذ مجرد التقويم لا يوجبه (3)، (والثمن) على تقدير بيعه
كذلك (4) (له) أي للتاجر، (وللدلال الأجرة)، لأنه عمل عملا
له (5) أجرة عاد فإذا فات المشترط (6) رجع إلى الأجرة، ولا فرق
في ذلك (7) بين ابتداء التاجر له (8) به، واستدعاء الدلال ذلك (9)
منه، خلافا للشيخين رحمهما الله حيث حكما بملك الدلال الزائد في الأول (10)
استنادا إلى أخبار صحيحة يمكن حملها على الجعالة، بناء على أنه لا يقدح
فيها (11) هذا النوع من الجهالة.
وثالثها - المواضعة [وهي] كالمرابحة في الأحكام) من الأخبار
على الوجوه المذكورة (12) (إلا أنها بنقيصة معلومة) فتقول: بعتك بما
433

اشتريته، أو تقوم علي ووضيعة كذا، أو حط كذا. فلو كان قد
اشتراه بمائة فقال: بعتك بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة فالثمن
تسعون، أو (1) لكل عشرة، زاد (2) عشرة أجزاء من أحد عشر جزء
من الدرهم، لأن الموضوع (3) في الأول (4) من نفس العشرة، عملا
بظاهر التبعيض (5)، وفي الثاني (6).
434

من خارجها (1)، فكأنه قال: من كل أحد عشر (2)، ولو أضاف
الوضيعة إلى العشرة (3) احتمل الأمرين (4)، نظرا إلى احتمال الإضافة (5)
للأم ومن (6).
والتحقيق هو الأول (7)، لأن شرط الإضافة بمعنى من كونها
تبيينية (8)، لا تبعيضية بمعنى (9) كون المضاف جزئيا جزئيات
المضاف إليه بحيث يصح إطلاقه (10) على المضاف وغيره (11)، والإخبار
به (12) عنه (13) كخاتم فضة، لا جزء من كل (14) كبعض القوم،
435

ويد زيد، فإن كان القوم لا يطلق على بعضه، ولا زيد على يده،
والموضوع هنا (1) بعض العشرة، فلا يخبر بها (2) عنه (3) فتكون
بمعنى اللام.
(ورابعها - التولية وهي الاعطاء برأس المال) فيقول بعد علمهما
بالثمن وما تبعه (4): وليتك هذا العقد، فإذا قبل (5) لزمه (6) مثله (7)
جنسا، وقدرا، وصفة، ولو قال: بعتك، أكمله (8) بالثمن، أو بما
قام عليه (9) ونحوه (10)، ولا يفتقر في الأول (11) إلى ذكره (12)،
ولو قال: وليتك السلعة احتمل في الدروس الجواز (والتشريك جائز)
436

وهو أن يجعل له (1) فيه (2) نصيبا بما يخصه (3) من الثمن بأن
(يقول: شركتك) بالتضعيف (4) (بنصفه بنسبة ما اشتريت مع علمهما)
بقدره، ويجوز تعديته بالهمزة، ولو قال: أشركتك بالنصف كفى
ولزمه (5) نصف مثل الثمن، ولو قال: أشركتك في النصف كان
له (6) الربع، إلا أن يقول: ينصف الثمن فيتعين النصف، ولو لم
يبين الحصة كما لو قال: في شئ منه (7) أو أطلق بطل، للجهل بالمبيع
ويحتمل حمل الثاني (8) على التنصيف (وهو) أي التشريك (في الحقيقة
بيع الجزء المشاع برأس المال) لكنه يختص (9) عن مطلق البيع بصحته بلفظه.
(الفصل الثامن - في الربا)
بالقصر وألفه بدل من واو (10) (ومورده) أي محل وروده
(المتجانسان إذا قدر بالكيل، أو الوزن وزاد أحدهما) عن الآخر
قدرا ولو بكونه مؤجلا (11).
437

وتحريمه مؤكد، وهو من أعظم الكبائر، (والدرهم منه أعظم)
وزرا (1) (من سبعين زنية) بفتح أوله وكسره كلها بذات محرم،
رواه هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام (2).
(وضابط الجنس) هنا: (ما دخل تحت اللفظ الخاص (3))
كالتمر والزبيب واللحم، (فالتمر جنس) لجميع أصنافه، (والزبيب
جنس) كذلك (4) (والحنطة والشعير) هنا (جنس) واحد (في المشهور)
وإن اختلفا لفظا واشتملا على أصناف، لدلالة الأخبار الصحيحة (5)
على اتحادهما الخالية عن المعارض، وفي بعضها أن الشعير من الحنطة (6)
فدعوى اختلافهما نظرا إلى اختلافهما صورة وشكلا ولونا وطعما وإدراكا
وحسا واسما غير مسموع (7). نعم هما في غير الربا كالزكاة جنسان (8)
إجماعا، (واللحوم تابعة للحيوان) فلحم الضأن والمعز جنس، لشمول
الغنم لهما، والبقر والجاموس جنس، والعراب والبخاتي جنس.
(ولا ربا في المعدود) مطلقا على أصح القولين، نعم يكره،
438

(ولا بين الوالد وولده) فيجوز لكل منهما أخذ الفضل على الأصح،
والأجود اختصاص الحكم بالنسبي مع الأب (1)، فلا يتعدى إليه (2)
مع الأم، ولا مع الجد ولو للأب (3)، ولا إلى ولد الرضاع، اقتصار
بالرخصة على مورد اليقين (4)، مع احتمال التعدي في الأخيرين (5)،
لإطلاق اسم الولد عليهما شرعا، (ولا) بين (الزوج وزوجته) دواما
ومتعة على الأظهر (6)، (ولا بين المسلم والحربي، إذا أخذ المسلم
الفضل)، وإلا ثبت (7). ولا فرق في الحربي بين المعاهد وغيره،
ولا بين كونه في دار الحرب والإسلام.
(ويثبت بينه) أي بين المسلم، (وبين الذمي) على الأشهر،
وقيل: لا يثبت كالحربي، للرواية (8) المخصصة له كما خصصت
439

غيره (1). وموضع الخلاف ما إذا أخذ المسلم الفضل، أما إعطاؤه
إياه (2) فحرام قطعا، (ولا في القسمة (3) لأنها ليست بيعا، ولا
معاوضة، بل هي تمييز الحق عن غيره، ومن جعلها بيعا مطلقا (4)
أو مع اشتمالها على الرد (5) أثبت فيها الربا.
(ولا يضر (6) عقد التبن والزوان) بضم الزاي وكسرها
وبالهمز وعدمه (اليسير (8)) في أحد العوضين، دون الآخر،
أو زيادة عنه، لأن ذلك لا يقدح في إطلاق المثلية والمساواة قدرا،
ولو خرجا عن المعتاد ضرا (9)، ومثلهما يسير التراب وغيره مما لا ينفك
الصنف عنه غالبا كالدردي (10) في الدبس والزيت.
440

(ويتخلص منه (1)) أي من الربا إذا أريد بيع أحد المتجانسين
بالآخر متفاضلا (بالضميمة) إلى الناقص منهما، أو الضميمة إليهما،
مع اشتباه الحال (2)، فتكون الضميمة في مقابل الزيادة (3).
(ويجوز بيع مد عجوة (4) ودرهم بمدين، أو درهمين (5)،
وبمدين ودرهمين (6) وأمداد ودراهم (7)، ويصرف كل إلى مخالفه (8))
وإن لم يقصده (9)، وكذا لو ضم غير ربوي (10)، ولا يشترط
441

في الضميمة أن تكون ذات وقع (1) في مقابل الزيادة، فلو ضم دينارا
إلى ألف درهم ثمنا لألفي درهم جاز، للرواية (2)، وحصول (3)
التفاوت عند المقابلة، وتوزيع الثمن عليهما باعتبار القيمة على بعض الوجوه
لا يقدح، لحصوله حينئذ بالتقسيط، لا بالبيع، فإنه (4) إنما وقع
على المجموع بالمجموع، فالتقسيط غير معتبر ولا مفتقر إليه (6).
نعم لو عرض سبب يوجبه كما لو تلف الدرهم المعين قبل القبض (7)
442

أو ظهر مستحقا (1) وكان في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية إلى الربا (2)
احتمل بطلان البيع (3) حينئذ، للزوم التفاوت في الجنس الواحد،
والبطلان (4) في مخالف التالف خاصة، لأن كلا من الجنسين قد قوبل
بمخالفه فإذا بطل بطل ما قوبل به خاصة (5) وهذا (6) هو الأجود
والموافق لأصول المذهب والمصحح لأصل البيع (7)،
443

وإلا (1) كان مقتضى المقابلة لزوم الربا من رأس.
ويتخلص من الربا أيضا (بأن يبيعه بالمماثل، ويهبه الزائد) في عقد
واحد، أو بعد البيع (من غير شرط) للهبة في عقد البيع، لأن الشرط
حينئذ زيادة في العوض المصاحب له (2)، (أو) بأن (يقرض كل
منهما صاحبه ويتبارءا (3) بعد التقابض الموجب لملك كل منهما ما اقترضه
وصيرورة عوضه في الذمة.
ومثله ما لو وهب كل منهما الآخر عوضه، ولا يقدح في ذلك كله
كون هذه العقود غير مقصودة بالذات (4)، مع أن العقود تابعة
للقصود (5)، لأن قصد التخلص من الربا الذي لا يتم إلا بالقصد
إلى بيع صحيح، أو قرض، أو غيرهما كاف في القصد إليها، لأن ذلك
غاية مترتبة على صحة العقد مقصودة، فيكفي جعلها غاية، إذ لا يعتبر
قصد جميع الغايات المترتبة على العقد.
444

(ولا يجوز بيع الرطب بالتمر) للنص المعلل بكونه ينقص إذا
جف (1)، (وكذا كل ما ينقص مع الجفاف) كالعنب بالزبيب تعدية
للعلة المنصوصة إلى ما يشاركه فيها (2)، وقيل: يثبت في الأول من غير
تعدية ردا لقياس العلة (3)، وقيل: بالجواز في الجميع ردا لخبر
الواحد (4)، واستنادا (5) إلى ما يدل بظاهره على اعتبار المماثلة بين
الرطب واليابس (6). وما اختاره (7) المصنف أقوى، وفي الدروس
جعل التعدية إلى غير المنصوص أولى (8).
(ومع اختلاف الجنس) في العوضين (يجوز التفاضل نقدا)
445

إجماعا، (ونسية) على الأقوى، للأصل (1)، والأخبار (2). واستند
المانع إلى خبر (3) دل بظاهر على الكراهة (4) ونحن نقول بها (5).
(ولا عبره بالأجزاء المائية في الخبز، والخل، والدقيق) بحيث
يجهل مقداره في كل من العوضين الموجب لجهالة مقدارهما، وكذا
لو كانت مفقودة من أحدهما كالخبز اليابس واللين، لإطلاق الحقيقة
عليهما، مع كون الرطوبة يسيرة غير مقصودة، كقليل الزوان والتبن
في الحنطة، (إلا أن يظهر ذلك للحس ظهورا بينا) بحيث يظهر التفاوت
بينهما فيمنع، مع احتمال عدم منعه مطلقا (6)، كما أطلقه في الدروس وغيره
لبقاء الاسم الذي يترتب عليه تساوي الجنسين عرفا (7).
(ولا يباع اللحم بالحيوان مع التماثل كلحم الغنم بالشاة) إن كان
مذبوحا، لأنه (8) في قوة اللحم فلا بد من تحقق المساواة، ولو كان حيا
فالجواز قوي، لأنه حينئذ غير مقدر بالوزن (9) (ويجوز) بيعه
446

به (1) (مع الاختلاف) قطعا، لانتفاء المانع مع وجود المصحح (2).
(الفصل التاسع - في الخيار (3) وهو أربعة عشر) قسما
وجمعه بهذا القدر من خواص الكتاب (4).
(الأول - خيار المجلس) أضافه (5) إلى موضع الجلوس مع كونه
غير معتبر في ثبوته (6)، وإنما المعتبر عدم التفرق إما تجوزا (7) في إطلاق
بعض أفراد الحقيقة، أو حقيقة عرفية (8).
(وهو مختص بالبيع) بأنواعه (9)، ولا يثبت في غيره (10)
447

من عقود المعاوضات وإن قام مقامه. كالصلح (1).
ويثبت للمتبايعين (2) ما لم يفترقا، (ولا يزول بالحائل) بينهما،
غليظا كان أم رقيقا، مانعا من الاجتماع (3) أم غير مانع، لصدق عدم
التفرق (4) معه، (ولا بمفارقة) كل واحد منهما (5) (المجلس مصطحبين)
وإن طال الزمان ما لم يتباعد ما بينهما (6) عنه (7) حالة العقد، وأولى
بعدم زواله (8) لو تقاربا عنه (9).
(ويسقط (10) باشتراط سقوطه في العقد) عنهما، أو عن أحدهما
بحسب الشرط، (وبإسقاطه بعده (11)) بأن يقولا: أسقطنا الخيار،
أو أوجبنا البيع، أو التزمناه أو اخترناه، أو ما أدى ذلك (12).
448

(وبمفارقة أحدهما صاحبه (1) ولو بخطوة اختيارا، فلو أكرها
أو أحدهما عليه (2) لم يسقط، مع منعهما من التخاير (3)، فإذا زال
الإكراه فلهما الخيار في مجلس الزوال، ولو لم يمنعا من التخاير لزم
العقد (4). (ولو التزم به أحدهما سقط خياره خاصة) إذ لا ارتباط
لحق أحدهما بالآخر.
(ولو فسخ أحدهما وأجاز الآخر قدم الفاسخ) وإن تأخر
عن الإجازة، لأن إثبات الخيار (5) إنما قصد به التمكن من الفسخ،
دون الإجازة، لأصالتها، (وكذا) يقدم الفاسخ على المجيز (في كل
خيار مشترك)، لاشتراك الجميع في العلة التي أشرنا إليها (6).
(ولو خيره (7) فسكت فخيارهما باق) أما الساكت فظاهر
449

إذ لم يحصل منه ما يدل على سقوط الخيار، وأما المخير فلأن تخييره
صاحبه أعم من اختياره العقد (1) فلا يدل عليه (2)، وقيل: يسقط
خياره استنادا إلى رواية لم تثبت عندنا (3).
(الثاني - خيار الحيوان وهو ثابت للمشتري خاصة) على المشهور
وقيل: لهما، وبه (4) رواية صحيحة (5) ولو كان حيوانا بحيوان (6) قوي
ثبوته لهما كما يقوى ثبوته للبائع وحده لو كان الثمن خاصة - وهو (7)
ما قرن بالباء حيوانا.
ومدة هذا الخيار (8) (ثلاثة أيام مبدأها من حين العقد)
على الأقوى، ولا يقدح اجتماع خيارين (9).
450

فصاعدا (1) وقيل: من حين التفرق، بناء على حصول الملك به (2)
(ويسقط (3) باشتراط سقوطه) في العقد، (أو إسقاطه بعد العقد)
كما تقدم (4)، (أو تصرفه (5)) أي تصرف ذي الخيار سواء كان (6)
لازما كالبيع أم لم يكن كالهبة قبل القبض، بل مطلق الانتفاع كركوب
الدابة ولو في طريق الرد، ونعلها وحلب ما يحلب، [ولبس الثوب،
وقصارته (7)، وسكنى الدار].
ولو قصد به الاستخبار ولم يتجاوز مقدار الحاجة (8) ففي منعه
من الرد وجهان (9)، أما مجرد سوق الدابة إلى منزله فإن كان قريبا
451

بحيث لا يعد تصرفا عرفا فلا أثر له (1)، وإن كان بعيدا مفرطا
احتمل قويا منعه، وبالجملة فكل ما يعد تصرفا عرفا يمنع، وفلا.
(الثالث - خيار الشرط وهو بحسب الشرط إذا كان الأجل
مضبوطا) متصلا بالعقد (2) أم منفصلا، فلو كان منفصلا صار العقد
جائزا بعد لزومه مع تأخره (3) عن المجلس.
(ويجوز اشتراطه (4) لأحدهما ولكل منهما، ولأجنبي عنهما (5)،
أو عن أحدهما) ولأجنبي مع أحدهما عنه (6) وعن الآخر (7) ومعهما (8)
452

واشتراط الأجنبي تحكيم (1) لا توكيل عمن جعل عنه (2) فلا اختيار له
معه (3).
(واشتراط المؤامرة) وهي مفاعلة من الأمر بمعنى اشتراطهما (4)
أو أحدهما استئمار من سمياه والرجوع إلى أمره مدة مضبوطة، فيلزم العقد
من جهتهما (5) ويتوقف على أمره (6)، فإن أمر بالفسخ جاز للمشروط
له استئماره الفسخ (7) والظاهر أنه (8) لا يتعين عليه، لأن الشرط مجرد
استئماره، لا التزام قوله.
453

وإن أمره بالالتزام لم يكن له الفسخ قطعا، وإن كان الفسخ أصلح
عملا بالشرط (1)، ولأنه (2) لم يجعل لنفس خيارا.
فالحاصل أن الفسخ يتوقف على أمره لأنه خلاف مقتضى العقد،
فيرجع إلى الشرط (3)، وأما الالتزام بالعقد فلا يتوقف (4).
وظاهر معنى المؤامرة وكلام الأصحاب: أن المستأمر - بفتح الميم -
ليس له الفسخ ولا الالتزام، وإنما إليه الأمر والرأي خاصة فقول المصنف
رحمه الله: (فإن المستأمر: فسخت أو أجزت فذاك، وإن سكت
فالأقرب اللزوم، ولا يلزم المستأمر الاختيار) إن قرئ المستأمر بالفتح
- مبينا للمجهول - أشكل بما ذكرناه (5).
وإن قرئ بالكسر - مبنيا للفاعل - بمعنى المشروط له المؤامرة
لغيره، فمعناه (6): إن قال: فسخت بعد أمره له بالفسخ، أو أجزت
بعد أمره له بالإجازة لزم، وإن سكت ولم يلتزم ولم يفسخ سواء فعل
454

ذلك بغير استئمار أم بعده ولم يفعل مقتضاه لزم لما بيناه من أنه لا يجب
عليه امتثال الأمر، وإنما يتوقف فسخه على موافقة الآمر.
وهذا الاحتمال (1) أنسب بالحكم (2) لكن دلالة ظاهر العبارة
على الأول أرجح (3)، خصوصا بقرينة قوله: ولا يلزم الاختيار (4)،
فإن اللزوم المنفي (5) ليس إلا عمن جعل له المؤامرة (6)، وقوله:
(وكذا كل من جعل له الخيار (7)) فإن المجعول له هنا الخيار هو
455

الأجنبي المستشار، لا المشروط له (1) إلا أن للمشروط له حظا
من الخيار (2) عند أمر الأجنبي [له] بالفسخ.
وكيف كان فالأقوى أن المستأمر بالفتح ليس له الفسخ ولا
الإجازة (3)، وإنما إليه الأمر، وحكم امتثاله ما فصلناه (4)، وعلى هذا (5)
فالفرق بين اشتراط المؤامرة لأجنبي، وجعل الخيار له (6) واضح، لأن
الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره، لا جعل الخيار له، بخلاف
من جعل له الخيار.
456

وعلى الأول (1) يشكل الفرق بين المؤامرة، وشرط الخيار.
والمراد بقوله: وكذا كل من جعل له الخيار، أنه إن فسخ أو
أجاز نفذ، وإن سكت إلى أن انقضت مدة الخيار لزم البيع، كما
أن المستأمر هنا لو سكت عن الأمر، أو المستأمر بالكسر لو سكت
عن الاستئمار لزم العقد، لأن الأصل فيه اللزوم إلا بأمر خارج (2)
وهو منتف.
(ويجب اشتراط مدة المؤامرة) بوجه منضبط، حذرا من الغرر (3)
خلافا للشيخ حيث جوز الإطلاق.
(الرابع - خيار التأخير) أي تأخير إقباض الثمن والمثمن
(عن ثالثة) أيام (فيمن باع ولا قبض (4)) الثمن، (ولا أقبض)
المبيع، (ولا شرط التأخير) أي تأخير الإقباض والقبض فللبائع الخيار
بعد الثلاثة في الفسخ (وقبض البعض كلا قبض) لصدق عدم قبض
الثمن (5).
457

وإقباض المثمن متجمعا ومنفردا (1)، ولو قبض الجميع أو أقبضه فلا خيار
وإن عاد إليه بعده (2).
وشرط القبض المانع كونه (3) بإذن المالك فلا أثر لما يقع بدونه
وكذا لو ظهر الثمن مستحقا أو بعضه (4)، ولا يسقط بمطالبة البائع
بالثمن بعد الثلاثة (5) وإن كان قرينة الرضا بالعقد.
ولبذل المشتري الثمن بعدها قبل الفسخ ففي سقوط الخيار وجهان:
ومنشأهما الاستصحاب، وزوال الضرر (6).
458

(وتلفه) أي المبيع (من البائع مطلقا) في الثلاثة وبعدها، لأنه
غير مقبوض، وكل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، ونبه
بالإطلاق على خلاف بعض الأصحاب حيث زعم أن تلفه في الثلاثة
من المشتري، لانتقال المبيع إليه، وكون التأخير لمصلحته (1) وهو (2)
غير مسموع في مقابلة القاعدة الكلية (3) الثابتة بالنص (4) والإجماع.
(الخامس - خيار ما يفسد ليومه، وهو ثابت بعد دخول الليل)
هذا هو الموافق لمدلول الرواية (5). ولكن يشكل بأن الخيار لدفع الضرر
وإذا توقف ثبوته على دخول الليل مع كون الفساد يحصل في يومه لا
يندفع الضرر، وإنما يندفع بالفسخ قبل الفساد. وفرضه المصنف
في الدروس خيار ما يفسده المبيت وهو حسن، وإن كان فيه خروج
عن النص (6)،
459

لتلافيه بخبر الضرار (1)، واستقرب تعديته (2) إلى كل ما يتسارع إليه
الفساد عند خوفه ولا يتقيد بالليل.
واكتفى في الفساد بنقص الوصف وفوات الرغبة كما في الخضروات
واللحم والعنب وكثير من الفواكه، واستشكل فيما لو استلزم التأخير فوات
السوق (3)، فعلى هذا (4) لو كان مما يفسد في يومين تأخر الخيار
عن الليل إلى حين خوفه (5). وهذا كله متجه، وإن خرج عن مدلول
النص (6).
460

الدال على هذا الحكم (1)، لقصوره (2) عن إفادة الحكم متنا (3)
وسندا (4)، وخبر الضرار المتفق عليه يفيده في الجميع (5).
(السادس - خيار الرؤية (6) وهو ثابت لمن لم ير) إذا باع أو
اشترى بالوصف.
ولو اشترى برؤية قديمة - 7) فكذلك يتخير لو ظهر بخلاف ما رآه
وكذا من طرف البائع (8) إلا أنه (9)
461

ليس من أفراد هذا القسم (1) بقرينة قوله: ولا بد فيه من ذكر الجنس:
إلى آخره فإنه (2) مقصور على ما لم ير [أصلا (3)]، إذ لا يشترط
وصف ما سبقت رؤيته.
وإنما يثبت الخيار فيما لم ير (إذا زاد في طرف البائع (4)،
أو نقص في طرف المشتري (5)) ولو وصف لهما (6) فزاد ونقص
باعتبارين (7) تخيرا، أو قدم الفاسخ منهما (8).
462

وهل هو (1) على الفور أو التراخي وجهان: أجودهما الأول
وهو خيرته في الدروس (2).
(ولا بد فيه) أي في بيع ما يترتب عليه خيار الرؤية وهو العين
الشخصية الغائبة (من ذكر الجنس، والوصف) الرافعين للجهالة،
(والإشارة إلى معين (3) فلو انتفى الوصف بطل (4)، ولو انتفت
الإشارة كان المبيع كليا لا يوجب الخيار لو لم يطابق المدفوع، بل عليه
إبداله (5)، (ولو رأى البعض ووصف الباقي تخير في الجميع مع عدم
المطابقة (6) وليس له الاقتصار على فسخ ما لم ير لأنه مبيع واحد (7)
(السابع - خيار الغبن) بسكون الباء وأصله الخديعة، والمراد هنا
البيع، أو الشراء بغير القيمة (8) (وهو ثابت) في المشهور لكل من البائع
463

والمشتري (1) (مع الجهالة) بالقيمة (2) (إذا كان الغبن) وهو الشراء
بزيادة عن القيمة، أو البيع بنقصان عنها (بما لا يتغابن) أي يتسامح
(به غالبا) والمرجع فيه (3) إلى العادة، لعدم تقديره شرعا، وتعتبر
القيمة وقت العقد ويرجع فيها (4) إلى البينة عند الاختلاف، وفي الجهالة
إليها (5) للمطلع على حاله (6). والأقوى قبول قوله فيها (7) بيمينه
مع إمكانها (8) في حقه، ولا يسقط الخيار ببذل الغابن التفاوت وإن
انتفى موجبه (9)، استصحابا لما ثبت قبله (10). نعم اتفقا على إسقاطه
بالعوض صح كغيره من الخيار.
464

(و) كذا (لا يسقط (1) بالتصرف) سواء كان المتصرف الغابن
أم المغبون، وسواء خرج به (2) عن الملك كالبيع أم منع مانع من رده
كالاستيلاد، أم لا (إلا أن يكون المغبون المشتري، وقد أخرجه
عن ملكه) فيسقط خياره، إذ لا يمكنه رد العين المنتقلة إليه ليأخذ الثمن
ومثله ما لو عرض له ما يمنع من الرد شرعا كالاستيلاد وإن لم يخرج
عن الملك هذا هو المشهور وعليه عمل المصنف رحمه الله في غير الكتاب.
(وفيه نظر للضرر) على المشتري مع تصرفه فيه على وجه يمنع
من رده لو قلنا بسقوط خياره به (3) (مع الجهل) بالغبن، أو بالخيار
والضرر منفي بالخبر (4)، بل هو (5) مستند خيار الغبن، إذ لا نص
فيه بخصوصه (وحينئذ (6) فيمكن الفسخ) مع تصرفه كذلك (7)
(وإلزامه بالقيمة (8) إن كان قيميا، (أو المثل) إن كان مثليا جمعا
بين الحقين (9)
465

(وكذا (1) لو تلفت العين، أو استولد الأمة)، كما يثبت ذلك (2)
لو كان المتصرف المشتري، والمغبون البائع، فإنه (3) إذا فسخ
ولم يجد العين يرجع إلى المثل أن القيمة وهذا الاحتمال (4) متوجه
لكن لم أقف على قائل به، نعم لو عاد إلى ملكه (5) بفسخ، أو إقالة،
أو غيرهما، أو موت الولد (6) جاز له الفسخ إن لم يناف الفورية (7).
واعلم أن التصرف مع ثبوت الغبن إما أن يكون في المبيع المغبون
فيه (8)، أو في ثمنه (9)، أو فيهما (10)، ثم إما أن يخرج عن الملك،
أو يمنع من الرد كالاستيلاد، أو يرد (11) على المنفعة خاصة كالإجارة،
أو يوجب تغير العين بالزيادة العينية كغرس الأرض، أو الحكمية كقصارة
466

الثوب (1)، أو المشوبة (2) كصبغه، أو النقصان بعيب ونحوه، أو
بامتزاجها بمثلها بما يوجب الشركة (3) بالمساوي أو الأجود، أو الأردأ
أو بغيرها (4)، أو بهما (5) على وجه الاضمحلال (6) كالزيت يعمل
صابونا، أو لا يوجب شيئا من ذلك (7).
ثم إما أن يزول المانع من الرد قبل الحكم ببطلان الخيار (8)، أو
بعده، أو لا يزول، والمغبون إما البائع، أو المشتري أو هما.
فهذه جملة أقسام المسألة، ومضروبها يزيد عن مائتي مسألة (9)
467

وهي (1) مما تعم بها البلوى، وحكمها غير مستوفى في كلامهم.
وجملة الكلام فيه أن المغبون إن كان هو البائع لم يسقط خياره
بتصرف المشتري مطلقا (2) فإن فسخ (3) ووجد العين باقية على ملكه
لم تتغير تغير يوجب زيادة القيمة، ولا يمنع من ردها أخذها، وإن
وجدها متغيرة بصفة محضة كالطحن والقصارة فللمشتري أجرة عمله.
ولو زادت قيمة العين بها (4) شاركه (5) في الزيادة بنسبة القيمة (6)،
وإن كان (7) صفة من وجه، وعينا من آخر كالصبغ (8) صار (9)
468

شريكا بنسبته (1) كما مر (2)، وأولى هنا (3)، ولو كانت الزيادة
عينا محضة كالغرس أخذ (4) المبيع وتخير بين قلع الغرس بالأرش (5)
وإبقاءه بالأجرة (6)، لأنه وضع بحق (7)، ولو رضي ببقائه بها (8)
واختار المشتري قلعه فالظاهر أنه لا أرش له (9)، وعليه (10) تسوية
الحفر حينئذ، ولو كان زرعا وجب إبقاؤه إلى أوان بلوغه بالأجرة.
وإن وجدها ناقصة (11) أخذها مجانا كذلك (12) إن شاء، وإن
469

وجدها ممتزجة بغيرها فإن كان بمساو، أو أردأ صار شريكا إن شاء (1)
وإن كان بأجود (2) ففي سقوط خياره، أو كونه شريكا بنسبة القيمة،
أو الرجوع إلى الصلح أوجه (3)، ولو مزجها بغير الجنس بحيث لا يتميز
فكالمعدومة (4)، وإن وجدها منتقلة عن ملكه بعقد لازم كالبيع والعتق
رجع إلى المثل، أو القيمة، وكذا (5) لو وجدها على ملكه مع عدم
إمكان ردها كالمستولدة. ثم إن استمر المانع استمر السقوط (6)، وإن
زال قبل الحكم بالعوض بأن رجعت إلى ملكه، أو مات الولد أخذ العين
مع احتمال العدم، لبطلان حقه بالخروج فلا يعود (7)، ولو كان
العود (8) بعد الحكم بالعوض (9) ففي رجوعه إلى العين وجهان من بطلان
470

حقه من العين (1)، وكون (2) العوض للحيلولة وقد زالت.
ولو كان الناقل مما يمكن إبطاله كالبيع بخيار ألزم (3) بالفسخ،
فإن امتنع (4) فسخه الحاكم، فإن تعذر (5) فسخه المغبون، وإن وجدها
منقولة المنافع (6) جاز له الفسخ، وانتظار انقضاء المدة (7)، وتصير
ملكه من حينه (8) وليس له فسخ الإجارة (9) ولو كان النقل جائزا
كالسكنى المطلقة فله الفسخ (10).
هذا كله إذا لم يكن تصرف (11) في الثمن تصرفا يمنع من رده
وإلا سقط خياره، كما لو تصرف المشتري في العين (12)، والاحتمال
471

السابق (1) قائم فيهما (2) فإن قلنا به (3) دفع مثله، أو قيمته.
وإن كان المغبون هو المشتري لم يسقط خياره بتصرف البائع في الثمن
مطلقا (4) فيرجع إلى عين الثمن، أو مثله، أو قيمته (5)، وأما
تصرفه (6) فيما غبن فيه فإن لم يكن (77) ناقلا عن الملك على وجه
لازم، ولا مانعا من الرد، ولا منقصا للعين فله ردها (8). وفي الناقل
والمانع ما تقدم (9).
ولو كان قد زادها فأولى بجوازه (10)، أو نقصها، أو مزجها،
472

أو آجرها فوجهان (1)، وظاهر كلامهم أنه (2) غير مانع، لكن إن كان
النقص من قبله ردها مع الأرش، وإن كان من قبل الله تعالى فالظاهر
أنه كذلك (3) كما لو تلفت (4).
ولو كانت الأرض (5) مغروسة فعليه قلعه من غير أرش إن لم
يرض البائع بالأجرة (6)، وفي خلطه (7) بالأردأ الأرش. وبالأجود
إن بذل له بنسبته (8) أنصفه، وإلا فإشكال (9).
(الثامن - خيار العيب، وهو (10) كل ما زاد عن الخلقة الأصلية)
وهي خلقة أكثر النوع الذي يعتبر فيه ذلك ذاتا (11) وصفة (12)، (أو
473

نقص) عنها (عينا كان) الزائد والناقص (كالإصبع) زائدة
على الخمس، أو ناقصة منها، (أو صفة كالحمى ولو يوما) بأن
يشتريه فيجده محموما، أو يحم قبل القبض وإن برئ ليومه، فإن وجد
ذلك (1) في المبيع سواء أنقص قيمته، أم زادها فضلا عن المساواة
(فللمشتري الخيار مع الجهل) بالعيب عند الشراء (بين (2) الرد
والأرش، وهو (3) جزء) من الثمن نسبته إليه (4) (مثل نسبة التفاوت
بين القيمتين) فيؤخذ ذلك (5) (من الثمن) بأن يقوم المبيع صحيحا
ومعيبا ويؤخذ من الثمن مثل تلك النسبة (6)، لا تفاوت ما بين المعيب
والصحيح، لأنه (7) قد يحيط بالثمن، أو يزيد عليه فيلزم أخذه العوض
والمعوض، كما إذا اشتراه بخمسين وقوم معيبا بها (8) وصحيحا بمائة،
474

أو أزيد (1)، وعلى اعتبار النسبة يرجع في المثال بخمسة وعشرين (2)
وعلى هذا القياس.
(ولو تعددت القيم) إما لاختلاف المقومين، أو لاختلاف قيمة
أفراد ذلك النوع المساوية للمبيع، فإن ذلك (3) قد يتفق نادرا، والأكثر
ومنهم المصنف رحمه الله في الدروس عبروا عن ذلك (4) باختلاف
المقومين (5) (أخذت قيمة واحدة (6) متساوية النسبة إلى الجميع (7)
أي منتزعة منه (8) نسبتها إليه (9) بالسوية (فمن القيمتين) يؤخذ
(نصفهما)، ومن الثلاث ثلثها، (ومن الخمس خمسها) وهكذا (10).
475

وضابطه أخذ قيمة منتزعة من المجموع نسبتها (1) إليه كنسبة الواحد
إلى عدد تلك القيم (2)، وذلك لانتفاء الترجيح (3). وطريقه (4) أن تجمع القيم الصحيحة على حدة، والمعيبة كذلك
وتنسب إحداهما إلى الأخرى ويؤخذ بتلك النسبة (5).
476

ولا فرق بين اختلاف المقومين في قيمته صحيحا ومعيبا (1)،
وفي إحديهما (2).

أي نسبة تفاوت (ما بين الصحيح والمعيب) إلى الصحيح.
477

وقيل: ينسب معيب كل قيمة إلى صحيحها ويجمع قدر النسبة
ويؤخذ من المجتمع بنسبتها (1)، وهذا الطريق منسوب إلى المصنف،
478

وعبارته هنا وفي الدروس لا تدل عليه (1).
وفي الأكثر يتحد الطريقان (2). وقد يختلفان في يسير، كما
480



* ملحوظة: القيمة على الطريق الثاني إنما هي للمعيب خاصة.
483

لو قالت (1) إحدى البينتين: إن قيمته اثنا عشر صحيح، وعشرة معيبا،

(1) لأن ثمن (12) يساوي (1 / 2. 1) فثلاثة أثمانه يساوي (2 / 1. 4)
485

والأخرى (1): ثمانية صحيحا، وخمسه معيبا، فالتفاوت بين القيمتين
الصحيحتين ومجموع المعيبتين الربع (2) فيرجع بربع الثمن، وهو ثلاثة
من اثني عشر لو كان كذلك (3)، وعلى الثاني (4) يؤخذ تفاوت ما بين
القيمتين على قول الأولى (5) وهو السدس (6)، وعلى قول الثانية ثلاثة
أثمان (7). ومجموع ذلك من الاثني عشر ستة ونصف. يؤخذ نصفها:
486

ثلاثة وربع. فظهر التفاوت (1).
ولو كانت ثلاثا (2) فقالت (3) إحداها:
487

كالأولى (1) والثانية: عشرة صحيحا وثمانية معيبا، والثالثة: ثمانية صحيحا
وستة معيبا. فالصحيحة ثلاثون (2)، والمعيبة أربعة وعشرون (3)
والتفاوت (4) ستة هي الخمس (5).
489

وعلى الثاني (1) يجمع سدس الثمن وخمسه وربعه (2) ويؤخذ ثلث
المجموع (3) وهو يزيد عن الأول بثلث خمس (4).
ولو اتفقت (5) على الصحيحة كإثني عشر، دون المعيبة (6)
490

فقالت إحداهما (1): عشرة، والأخرى: ستة، فطريقته (2) تنصيف
المعيبتين، ونسبة النصف إلى الصحيحة (3)، أو تجمع المعيبتين مع تضعيف
الصحيحة وأخذ (4) مثل نسبة المجموع إليه (5) وهو (6) الثلث وعلى الثاني (7) يؤخذ من الأولى (8) السدس، ومن الثانية النصف (9)
ويؤخذ نصفه (10) وهو الثلث أيضا (11).
492

ولو انعكس (1) بأن اتفقتا على الستة معيبا (2) وقالت إحداهما:
493

ثمانية صحيحا، وأخرى: عشرة فإن شئت (1) جمعتهما وأخذت التفاوت وهو
494

الثلث، أو أخذت (1) نصف الصحيحتين ونسبته إلى المعيبة وهو الثلث
أيضا. وعلى الثاني (2) يكون التفاوت ربعا وخمسين (3) فنصفه (4)
وهو ثمن وخمس (5) ينقص عن الثلث بنصف خمس (6). وعلى هذا
القياس.
(ويسقط الرد بالتصرف) في المبيع، سواء كان قبل علمه بالعيب
أم بعده، وسواء كان التصرف ناقلا للملك (7) أم لا، مغيرا للعين
أم لا، عاد إليه بعد خروجه عن ملكه أم لا. وما تقدم في تصرف
495

الحيوان آت هنا (1)، (أو حدوث عيب بعد القبض) مضمون (2)
على المشتري، سواء كان حدوثه من جهته (3) أم لا.
واحترزنا بالمضمون عليه (4) عما لو كان حيوانا وحدث فيه العيب
في الثلاثة (5) من غير جهة المشتري (6)، فإنه (7) حينئذ لا يمنع من الرد
ولا الأرش، لأنه (8) مضمون على البائع.
ولو رضي البائع برده (9) مجبورا بالأرش، أو غير مجبور جاز
وفي حكمه (10) ما لو اشترى صفقة (11) متعددا وظهر فيه (12)
496

عيب وتلف أحدها (1)، أو اشترى اثنان صفقة (2) فامتنع أحدهما
من الرد فإن الآخر يمنع منه (3) وله الأرش، وإن أسقطه (4) الآخر
سواء اتحدت العين أم تعددت، اقتسماها أم لا.
وأولى بالمنع (5) من التفرق الوارث عن واحد، لأن التعدد هنا
طارئ على العقد. سواء في ذلك خيار العيب وغيره.
وكذا الحكم (6) لو اشترى شيئين فصاعدا فظهر في أحدهما عيب،
فليس له رده، بل ردهما، أو إمساكهما بأرش المعيب.
وكذا يسقط الرد، دون الأرش إذا اشترى من ينعتق عليه (7)
لانعتاقه بنفس الملك، ويمكن رده (8) إلى التصرف، وكذا يسقط الرد
497

بإسقاطه (1) مع اختياره الأرش أو لا معه (2).
(و) حيث يسقط الرد (يبقى الأرش، ويسقطان) أي الرد والأرش
معا (بالعلم به) أي بالعيب (قبل العقد)، فإن قدومه عليه عالما به (3)
رضا بالمعيب، (وبالرضا به بعده (4)) غير مقيد بالأرش، وأولى
منه (5) إسقاط الخيار، (وبالبراءة (6)) أي براءة البائع (من العيوب
ولو إجمالا) كقوله: برئت من جميع العيوب على أصح القولين، ولا
فرق بين علم البائع والمشتري بالعيوب وجهلهما والتفريق، ولا بين الحيوان
وغيره، ولا بين العيوب الباطنة وغيرها، ولا بين الموجودة حالة العقد
والمتجددة حيث تكون (7) مضمونة على البائع، لأن الخيار بها ثابت
بأصل العقد (8).
498

وإن كان السبب حينئذ (1) غير مضمون.
(والإباق) عند البائع (وعدم الحيض) ممن شأنها الحيض بحسب
سنها (عيب (2)) ويظهر من العبارة الاكتفاء بوقوع الإباق مرة قبل
العقد، وبه صرح بعضهم، والأقوى اعتبار اعتياده، وأقل ما يتحقق (3)
بمرتين ولا يشترط إباقه عند المشتري، بل متى تحقق ذلك عند البائع
جاز الرد، ولو تجدد عند المشتري في الثلاثة من غير تصرف فهو كما لو
وقع عند البائع، ولا يعتبر في ثبوت عيب الحيض مضي ستة أشهر كما
ذكره جماعة، بل يثبت بمضي مدة تحيض فيها أسنانها في تلك البلاد،
(وكذا الثفل (4) بضم المثلثة وهو ما استقر تحت المائع من كدرة
(في الزيت) وشبهه (غير المعتاد). أما المعتاد منه فليس بعيب،
لاقتضاء طبيعة الزيت وشبهه كون ذلك فيه غالبا، ولا يشكل صحة البيع
مع زيادته عن المعتاد بجهالة قدر المبيع المقصود بالذات فيجهل مقدار ثمنه
لأن مثل ذلك غير قادح مع معرفة مقدار الجملة كما تقدم في نظائره.
499

(التاسع - خيار التدليس) وهو تفعيل من الدلس محركا، هو
الظلمة كأن المدلس يظلم الأمر ويبهمه حتى يوهم غير الواقع، ومنه (1)
اشتراط صفة فتفوت، سواء كان (2) من البائع أم من المشتري (فلو
شرط صفة كمال كالبكارة، أو توهمها) المشتري كمالا ذاتيا (كتحمير
الوجه، ووصل الشعر فظهر الخلاف، تخير) بين الفسخ والإمضاء
بالثمن، (ولا أرش) لاختصاصه (3) بالعيب، والواقع ليس بعيب،
بل فوات أمر زائد، ويشكل ذلك في البكارة من حيث إنها بمقتضى الطبيعة
وفواتها نقص يحدث على الأمة ويؤثر في نقصان القيمة تأثيرا بينا فيتخير
بين الرد والأرش، بل يحتمل ثبوتهما وإن لم يشترط، لما ذكرناه (4)
خصوصا في الصغيرة التي ليست محل الوطئ، فإن أصل الخلقة والغالب
متطابقان في مثلها على البكارة فيكون فواتها عيبا وهو في الصغيرة قوي
وفي غيرها متجه إلا أن الغالب لما كان على خلافه في الإماء كانت الثيبوبة
فيهن بمنزلة الخلقة الأصلية وإن كانت عارضة.
وإنما يثبت الحكم مع العلم بسبق الثيبوبة على البيع بالبينة، أو إقرار
البائع، أو قرب زمان الاختبار إلى زمان البيع بحيث لا يمكن تجدد
الثيبوبة فيه عادة، وإلا فلا خيار، لأنها قد تذهب بالعلة والنزوة (5)
وغيرهما، نعم لو تجددت في زمن خيار الحيوان، أو خيار الشرط ترتب
الحكم.
500

ولو انعكس الفرض بأن يشترط الثيبوبة فظهرت بكرا فالأقوى
تخيره أيضا بين الرد والإمساك بغير أرش، لجواز تعلق غرضه بذلك (1)
فلا يقدح فيه كون البكر أتم غالبا
(وكذا (2) التصرية) وهو جمع لبن الشاة وما في حكمها في ضرعها
بتركها بغير حلب، ولا رضاع فيظن الجاهل بحالها كثرة ما تحلبه فيرغب
في شرائها بزيادة وهو تدليس محرم، وحكمه ثابت (للشاة) إجماعا،
(والبقرة والناقة) على المشهور، بل قيل: إنه إجماع، فإن ثبت (3)
فهو الحجة، وإلا فالمنصوص (4) الشاة، وإلحاق غيرها بها قياس، إلا
أن يعلل (5) بالتدليس العام فيلحقان بها (6). وهو متجه (7)،
وطرد (8) بعض الأصحاب الحكم في سائر الحيوانات حتى الآدمي،
وفي الدروس أنه ليس بذلك البعيد للتدليس.
وتثبت التصرية إن لم يعترف بها البائع ولم تقم بها بينة (بعد
اختبارها ثلاثة أيام) فإن اتفقت فيها الحلبات عادة، أو زادت اللاحقة
501

فليست مصراة وإن اختلفت في الثلاثة فكان بعضها ناقصا عن الأولى
نقصانا خارجا عن العادة، وإن زاد بعدها في الثلاثة يثبت الخيار بعد
الثلاثة بلا فصل على الفور، ولو ثبتت بالإقرار، أو البينة جاز الفسخ
من حين الثبوت مدة الثلاثة، ما لم يتصرف بغير الاختبار بشرط النقصان
فلو تساوت، أو زادت هبة من الله تعالى فالأقوى زواله، ومثله (1)
ما لو لم يعلم بالعيب حتى زال.
(ويرد معها) إن اختار ردها (اللبن) الذي حلبه منها (حتى
المتجدد) منه بعد العقد، أو (مثله لو تلف). أما رد الموجود فظاهر
لأنه جزء من المبيع، وأما المتجدد فلإطلاق النص (2) بالرد الشامل له.
ويشكل بأنه (3) نماء المبيع الذي هو ملكه والعقد إنما ينفسخ
من حينه (4) والأقوى عدم رده، واستشكل في الدروس، ولو لم
يتلف اللبن لكن تغير في ذاته أو صفته بأن عمل جبنا، أو مخيضا (4)
ونحوهما ففي رده بالأرش إن نقص، أو مجانا، أو الانتقال إلى بدله
502

أوجه: أجودها الأول (1).
واعلم أن الظاهر من قوله: بعد اختبارها ثلاثة: ثبوت الخيار المستند
إلى الاختبار بعد الثلاثة كما ذكرناه سابقا (2)، وبهذا (3) يظهر الفرق
بين مدة التصرية، وخيار الحيوان، فإن الخيار في ثلاثة الحيوان فيها،
وفي ثلاثة التصرية بعدها، ولو ثبت التصرية بعد البيع بالإقرار، أو البينة
فالخيار ثلاثة (4)، ولا فورية فيها (5) على الأقوى وهو اختياره في الدروس
ويشكل حينئذ الفرق (6)، بل ربما قيل: بانتفاء فائدة خيار
التصرية حينئذ (7) لجواز الفسخ في الثلاثة بدونها (8).
ويندفع بجواز تعدد الأسباب وتظهر الفائدة فيما لو أسقط أحدهما،
ويظهر من الدروس تقييد خيار التصرية بالثلاثة مطلقا (9)، ونقل
503

عن الشيخ أنها (1) لمكان خيار الحيوان.
ويشكل بإطلاق توقفه على الاختبار ثلاثة (2) فلا يجامعها (3) حيث
لا تثبت بدونه (4)، والحكم بكونه (5) يتخير في آخر جزء منها بوجب
المجاز في الثلاثة (6).
(العاشر - خيار الاشتراط (7) حيث لا يسلم الشرط لمشترطه بائعا
504

ومشتريا (ويصح اشتراط سائغ (1) في العقد إذا لم يود إلى جهالة
في أحد العوضين، أو يمنع منه الكتاب والسنة)، وجعل ذلك شرطا بعد
قيد السائغ تكلف (2) (كما لو شرط تأخير المبيع) في يد البائع، (أو
الثمن) في يد المشتري (ما شاء) كل واحد منهما، هذا مثال ما يؤدي
إلى جهالة في أحدهما، فإن الأجل له قسط من الثمن، فإذا كان مجهولا
يجهل الثمن، وكذا القول في جانب المعوض، (أو عدم وطئ الأمة،
أو) شرط (وطئ البائع إياها) بعد البيع مرة، أو أزيد، أو مطلقا،
هذه أمثلة ما يمنع منه الكتاب والسنة.
(و) كذا (يبطل) الشرط (باشتراط غير المقدور) للمشروط
عليه (كاشتراطه حمل الدابة فيما بعد، أو أن الزرع يبلغ السنبل)،
سواء شرط عليه أن يبلغ ذلك بفعله أم بفعل الله، لاشتراكهما في عدم
المقدورية.
(ولو شرط تبقية الزرع) في الأرض إذا بيع أحدهما دون الآخر
(إلى أوان السنبل جاز)، لأن ذلك مقدور له ولا يعتبر تعيين مدة البقاء
بل يحمل على المتعارف من البلوغ، لأنه منضبط.
(ولو شرط غير السائغ بطل) الشرط (و أبطل العقد) في أصح
القولين، لامتناع بقائه بدونه (3)، لأنه غير مقصود بانفراده (4)، وما
هو مقصود لم يسلم، ولأن للشرط قسطا من الثمن فإذا بطل يجهل الثمن.
505

وقيل: يبطل الشرط خاصة لأنه الممتنع شرعا دون البيع، ولتعلق التراضي
بكل منهما. ويضعف بعدم قصده منفردا، وهو شرط الصحة.
(ولو شرط عتق المملوك) الذي باعه منه (جاز)، لأنه شرط
سائغ، بل راجح، سواء شرط عتقه عن المشتري أم أطلق، ولو شرط
عنه (1) ففي صحته قولان: أجودهما المنع، إذ لا عتق إلا في ملك،
(فإن أعتقه) فذاك، (وإلا تخير البائع) بين فسخ البيع، وإمضائه،
فإن فسخ استرده، وإن انتقل قبله عن ملك المشتري، وكذا يتخير لو
مات قبل العتق فإن فسخ رجع بقيمته يوم التلف، لأنه وقت الانتقال
إلى القيمة، وكذا لو انعتق قهرا (2)، (وكذا كل شرط لم يسلم)
لمشترطه فإنه (يفيد تخيره) بين فسخ العقد المشروط فيه، وإمضائه،
(ولا يجب على المشترط عليه فعله)، لأصالة العدم، (وإنما فائدته
جعل البيع عرضه للزوال) بالفسخ (عند عدم سلامة الشرط، ولزومه)
أي البيع (عند الإتيان به)، وقيل: يجب الوفاء بالشرط ولا يتسلط
المشروط له على الفسخ إلا مع تعذر وصوله إلى شرطه، لعموم الأمر
بالوفاء بالعقد الدال على الوجوب، وقوله صلى الله عليه وآله: المؤمنون
عند شروطهم إلا من عصى الله، فعلى هذا لو امتنع المشروط عليه
من الوفاء بالشرط ولم يمكن إجباره رفع أمره إلى الحاكم ليجبره عليه
إن كان مذهبه ذلك (3)، فإن تعذر فسخ حينئذ إن شاء.
506

وللمصنف رحمه الله في بعض تحقيقاته تفصيل (1) وهو أن الشرط
الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافيا في تحققه ولا يحتاج بعده
إلى صيغة فهو لازم (2).
507

لا يجوز الإخلال به كشرط الوكالة (1) في العقد وإن احتاج بعده
إلى أمر آخر (2) وراء ذكره في العقد كشرط العتق (3) فليس بلازم،
بل يقلب العقد اللازم جائزا (4)، وجعل السر فيه أن اشتراط " ما
العقد كاف في تحققه (5) " كجزء من الإيجاب والقبول فهو تابع لهما
في اللزوم والجواز، واشتراط " ما سيوجد (6) " أمر منفصل عن العقد،
وقد علق عليه العقد والمعلق على الممكن ممكن وهو معنى قلب اللازم
جائزا. والأقوى اللزوم مطلقا (7)، وإن كان تفصيله أجود مما اختاره
هنا (8).
(الحادي عشر - خيار الشركة، سواء قارنت العقد، كما لو اشترى
شيئا فظهر بعضه مستحقا، أو تأخرت بعده إلى قبل القبض كما لو امتزج
المبيع بغيره بحيث لا يتميز) فإن المشتري يتخير بين الفسخ لعيب الشركة
508

والبقاء فيصير شريكا بالنسبة (1)، وقد يطلق على الأول (2) تبعض
الصفقة أيضا (وقد يسمى هذا (3) عيبا مجازا) لمناسبته للعيب في نقص
المبيع بسبب الشركة، لاشتراكهما في نقص وصف فيه، وهو (4) هنا
منع المشتري من التصرف في المبيع كيف شاء، بل يتوقف على إذن
الشريك فالتسلط عليه ليس بتام، فكان كالعيب بفوات وصف فيجبر
بالخيار، وإنما كان إطلاق العيب في مثل ذلك على وجه المجاز لعدم
خروجه به عن خلقته الأصلية. لأنه قابل بحسب ذاته للتملك منفردا
ومشتركا فلا نقص في خلقته، بل في صفته على ذلك الوجه.
(الثاني عشر - خيار تعذر التسليم، فلو اشترى شيئا ظنا إمكان
تسليمه (5)) بأن كان طائرا يعتاد عوده، أو عبدا مطلقا (6)، أو دابة
مرسلة (ثم عجز بعده (7)) بأن أبق وشردت ولم يعد الطائر ونحو ذلك
(تخير المشتري)، لأن المبيع قبل القبض مضمون على البائع ولما لم ينزل
ذلك منزلة التلف، لإمكان الانتفاع به على بعض الوجوه جبر بالتخيير
فإن اختار التزام البيع صح.
509

وهل له الرجوع بشئ (1) يحتمله (2)، لأن فوات القبض نقص
حدث على المبيع قبل القبض فيكون مضمونا على البائع. ويضعف أن
الأرش ليس في مقابلة مطلق النقص (3)، لأصالة البراءة، وعملا بمقتضى
العقد (4)، بل في مقابلة العيب المتحقق بنقص الخلقة، أو زيادتها كما
ذكر وهو هنا منفي.
(الثالث عشر - خيار تبعض الصفقة، كما لو اشترى سلعتين
فتستحق إحداهما) فإنه يتخير بين التزام الأخرى بقسطها من الثمن
والفسخ فيها، ولا فرق في الصفقة المتبعضة بين كونها متاعا واحدا فظهر
استحقاق بعضه، أو أمتعة كما مثل هنا، لأن أصل الصفقة: البيع الواحد
سمي البيع بذلك، لأنهم كانوا يتصافقون بأيديهم إذا ت بايعوا، يجعلونه
دلالة على الرضاء به (5)، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله لعروة
البارقي لما اشترى الشاة: " بارك الله لك في صفقة يمينك (6) " وإنما
خص تبعض الصفقة هنا بالسلعتين لإدخاله الواحدة في خيار الشركة،
ولو جعل موضوع تبعض الصفقة أعم كما هو (7) كان أجود، وإن
510

اجتمع (1) حينئذ في السلعة الواحدة خياران بالشركة، وتبعض الصفقة
فقد تجتمع (2) أنواع الخيار أجمع في مبيع واحد، لعدم التنافي.
(الرابع عشر - خيار التفليس) إذا وجد غريم المفلس متاعه فإنه
يتخير بين أخذه مقدما على الغرماء، وبين الضرب بالثمن معهم. (وسيأتي
تفصيله) في كتاب الدين، (ومثله غريم الميت مع وفاء التركة) بالدين
وقيل: مطلقا (3). وكان المناسب جعله (4) قسما آخر حيث
تحرى الاستقصاء (5) هنا لأقسام الخيار بما لم يذكره غيره.
511

الفصل العاشر: (في الأحكام (1): وهي خمسة):
(الأول - النقد والنسيئة (2)) أي البيع الحال والمؤجل، سمي
الأول نقدا باعتبار كون ثمنه منقودا (3) ولو بالقوة (4)، والثاني مأخوذ
من النسئ وهو تأخير الشئ تقول: أنسأت الشئ إنساء: إذا أخرته،
والنسيئة: اسم وضع موضع المصدر (5).
واعلم أن البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن والمثمن وتأخيرها والتفريق
أربعة أقسام:
فالأول " النقد " والثاني " بيع الكالئ بالكالئ ". بالهمز اسم
فاعل أو مفعول (6) من المراقبة (7) لمراقبة كل واحد من الغريمين صاحبه
لأجل دينة.
512

و " مع حلول المثمن وتأجيل الثمن (1) " هو " النسيئة ".
وبالعكس " السلف (2) ". وكلها صحيحة عدا البيع الثاني (3)
فقد ورد النهي عنه (4) وانعقد الإجماع على فساده.
(وإطلاق البيع يقتضي كون الثمن حالا وإن شرط تعجيله)
في متن العقد (أكده)، لحصوله (5) بدون الشرط، (فإن وقت
التعجيل) بأن شرط تعجيله في هذا اليوم مثلا (تخير) البائع (لو لم يحصل)
الثمن (في الوقت) المعين، ولو لم يعين له زمانا لم يفد سوى التأكيد
في المشهور، ولو قيل: بثبوته (6) مع الإطلاق أيضا لو أخل به
عن أول وقته كان حسنا، للإخلال بالشرط (7).
(وإن شرط التأجيل اعتبر ضبط الأجل، فلا يناط) أي لا يعلق
(بما يحتمل الزيادة والنقصان كمقدم الحاج) أو إدراك الغلة، (ولا
بالمشترك = بين أمرين، أو أمور حيث لا مخصص لأحدهما (كنفرهم)
من منى، فإنه مشترك بين أمرين (8) (وشهر ربيع) المشترك بين
513

شهرين (1) فيبطل العقد بذلك، ومثله (2) التأجيل إلى يوم معين
من الأسبوع (3) كالخميس (4).
(وقيل): يصح، و (يحمل على الأول) في الجميع (5)،
لتعليقه الأجل على اسم معين وهو يتحقق بالأول، لكن يعتبر علمهما
بذلك (6) قبل العقد ليتوجه قصدهما إلى أجل مضبوط فلا يكفي ثبوت
ذلك شرعا مع جهلهما، أو أحدهما به، ومع القصد لا إشكال في الصحة
وإن لم يكن الإطلاق محمولا عليه (7) ويحتمل الاكتفاء في الصحة بما
يقتضيه الشرع في ذلك، قصداه أم لا، نظرا إلى كون الأجل الذي
عيناه مضبوطا في نفسه شرعا، وإطلاق اللفظ منزل على الحقيقة الشرعية
(ولو جعل لحال ثمنا، ولمؤجل أزيد منه، أو فاوت بين أجلين)
في الثمن بأن قال: بعتك حالا بمائة، ومؤجلا إلى شهرين بمائتين، أو
مؤجلا إلى شهر بمائة، وإلى شهرين بمائتين (بطل)، لجهالة الثمن
بتردده بين الأمرين، وفي المسألة قول ضعيف بلزوم أقل الثمنين إلى أبعد
514

الأجلين، استنادا إلى رواية ضعيفة (1)، (ولو أجل البعض المعين)
من الثمن وأطلق الباقي، أو جعله حالا (صح)، للانضباط، ومثله (2)
ما لو باعه سلعتين في عقد بثمن أحداهما نقد، والأخرى نسيئة،
وكذا لو جعله (3) أو بعضه نجوما (4) معلومة،
(ولو اشتراه (5) البائع) في حالة كون بيعه الأول (نسيئة صح)
البيع الثاني (قبل الأجل وبعده بجنس الثمن وغيره بزيادة) عن الثمن
الأول، (ونقصان) عنه، لانتفاء المانع في ذلك كله، مع عموم الأدلة
على جوازه. وقيل: لا يجوز بيعه بعد حلوله بزيادة عن ثمنه الأول،
أو نقصان عنه مع اتفاقهما (6) في الجنس، استنادا إلى رواية (7) قاصرة
السند والدلالة (8)، (إلا أن يشترط في بيعه) الأول (ذلك) أي
بيعه من البائع (فيبطل) البيع الأول، سواء كان حالا أم مؤجلا،
515

وسواء شرط بيعه من البائع بعد الأجل أم قبله على المشهور (1)، ومستنده
غير واضح.
فقد علل باستلزامه الدور، لأن بيعه له يتوقف على ملكيته له
المتوقفة على بيعه (2).
وفيه (3) أن المتوقف على حصول الشرط هو لزوم البيع لا انتقاله
إلى ملكه (4)، كيف لا (5) واشتراط نقله إلى ملك البائع من المشتري
516

مستلزم لانتقاله إليه (1) غايته (2) أن تملك البائع موقوف على تملك
المشتري (3)، وأما أن تملك المشتري موقوف على تملك البائع فلا (4)،
ولأنه وارد في باقي الشروط (5) خصوصا شرط بيعه للغير (6) مع صحته
517

إجماعا، وأوضح لملك المشتري (1) ما لو جعل الشرط بيعه من البائع بعد
الأجل (2) لتخلل ملك المشتري فيه (3).
وعلل بعدم حصول القصد إلى نقله عن البائع (4). ويضعف (5) بأن
الغرض حصول القصد إلى ملك المشتري وإنما رتب عليه نقله ثانيا،
518

بل شرط النقل ثانيا يستلزم القصد إلى النقل الأول لتوقفه عليه (1).
ولاتفاقهم (2) على أنهما لو لم يشترط ذلك في العقد صح وإن كان
من قصدهما رده، مع أن العقد يتبع القصد (3)، والمصحح له
ما ذكرناه من أن قصد رده بعد ملك المشتري له غير مناف لقصد البيع
بوجه (4)، وإنما المانع عدم القصد إلى نقل الملك إلى المشتري أصلا (5)
بحيث لا يترتب عليه حكم الملك.
(ويجب قبض الثمن لو دفعه إلى البائع) مع الحلول مطلقا (6)،
519

(وفي الأجل) أي بعده، (لا قبله)، لأنه غير مستحق حينئذ (1)،
وجاز تعلق غرض البائع بتأخير القبض إلى الأجل (2)، فإن الأغراض
لا تنضبط، (فلو امتنع) البائع من قبضه حيث يجب (قبضه الحاكم)
إن وجد، (فإن تعذر) قبض الحاكم ولو بالمشقة البالغة في الوصول
إليه، أو امتناعه (3) من القبض (فهو أمانة في يد المشتري لا يضمنه
لو تلف بغير تفريط، وكذا كل من امتنع من قبض حقه).
ومقتضى العبارة أن المشتري يبقيه بيده مميزا على وجه الأمانة،
وينبغي مع ذلك أن لا يجوز له التصرف فيه (4)، وأن يكون نماؤه (5)
للبائع تحقيقا لتعينه (6) له.
وربما قيل: ببقائه (7) على ملك المشتري وإن كان تلفه من البائع،
وفي الدروس أن للمشتري التصرف فيه فيبقى في ذمته، (ولا حجر (8)
520

في زيادة الثمن ونقصانه) على البائع والمشتري (إذا عرف المشتري
القيمة)، وكذا إذا لم يعرف، لجواز بيع الغبن إجماعا. وكأنه أراد
نفي الحجر على وجه لا يترتب عليه خيار فيجوز بيع المتاع بدون قيمته
وأضعافها، (إلا أن يؤدي إلى السفه) من البائع، أو المشتري فيبطل
البيع، ويرتفع السفه بتعلق غرض صحيح بالزيادة والنقصان، إما لقلتهما (1)
لو لترتب غرض آخر يقابله كالصبر بدين حال ونحوه.
(ولا يجوز تأجيل الحال بزيادة فيه (2)، ولا بدونها (3)، إلا
أن يشترط الأجل في عقد لازم فيلزم الوفاء به، ويجوز تعجيله بنقصان
منه بإبراء، أو صلح. (ويجب) على المشتري إذا باع ما اشتراه مؤجلا
(ذكر الأجل في غير المساومة (4) فيتخير المشتري بدونه) أي بدون
ذكره (5) بين الفسخ والرضاء به حالا، (للتدليس) وروي (6) أن
للمشتري من الأجل مثله.
(الثاني - في القبض: إطلاق العقد) بتجريده عن شرط تأخير
521

أحد العوضين، أو تأخيرهما إذا كانا عينين، أو أحدهما (يقتضي قبض
العوضين فيتقابضان معا لو تمانعا) من التقدم، (سواء كان الثمن عينا،
أو دينا). وإنما لم يكن أحدهما أولى بالتقديم لتساوي الحقين في وجوب
تسليم كل منهما إلى مالكه.
وقيل: يجبر البائع على الإقباض أولا، لأن الثمن تابع للمبيع.
ويضعف باستواء العقد في إفادة الملك لكل منهما، فإن امتنعا
أجبرهما الحاكم معا مع إمكانه (1)، كما يجبر الممتنع من قبض ماله،
فإن تعذر (2) فكالدين إذا بذله لا مديون فامتنع من قبوله.
(ويجوز اشتراط تأخير أقباض المبيع مدة معينة) كما يجوز اشتراط
تأخير الثمن، (والانتفاع به منفعة معينة) لأنه شرط سائغ فيدخل تحت
العموم (3)، (والقبض في المنقول) كالحيوان والأقمشة والمكيل والموزون
والمعدود (نقله، وفي غيره (4) التخلية) بينه وبينه (5) بعد رفع اليد
عنه وإنما كان القبض مختلفا كذلك (6) لأن الشارع لم يحده فيرجع فيه
522

إلى العرف، وهو (1) دال على ما ذكر.
وفي المسألة أقوال أخر هذا أجودها: فمنها ما اختاره في الدروس
من أنه في غير المنقول التخلية وفي الحيوان نقله. وفي المعتبر (2) كيله،
أو وزنه، أو عده، أو نقله (3).
وفي الثوب وضعه في اليد، واستند في اعتبار الكيل، أو الوزن
في المعتبر بهما (4) إلى صحيحة (5) معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام
وفي دلالتها عليه نظر (6). وإلحاق المعدود بهما (7) قياس. والفرق بين
523

الحيوان وغيره ضعيف.
ومنها الاكتفاء بالتخلية مطلقا (1)، ونفي عنه البأس في الدروس
بالنسبة إلى نقل الضمان (2)، لا زوال التحريم، والكراهة عن البيع قبل
القبض، والعرف يأباه (3)، والأخبار (4) تدفعه.
وحيث يكتفى بالتخلية فالمراد بها (5) رفع المانع للمشتري من القبض
بالإذن فيه (6)، ورفع يده، ويد غيره عنه إن كان (7) ولا يشترط
مضي زمان يمكن وصول المشتري إليه (8) إلا أن يكون في غير بلده
بحيث يدل العرف على عدم القبض بذلك (9)، والظاهر أن اشتغاله (10)
524

بملك البائع غير مانع منه وإن وجب على البائع التفريغ، ولو كان (1)
مشتركا ففي توقفه على إذن الشريك قولان: أجودهما العدم، لعدم استلزامه (2)
التصرف في مال الشريك. نعم لو كان منقولا توقف على إذنه (3) لافتقار
قبضه إلى التصرف بالنقل فإن امتنع من الإذن نصب الحاكم من يقبضه
أجمع بعضه أمانة، وبعضه لأجل البيع، وقيل: يكفي حينئذ التخلية وإن
لم يكتف بها (4) قبله (5)، (وبه) أي بالقبض كيف فرض ينتقل
الضمان إلى المشتري إذا لم يكن له (6) خيار) مختص به، أو مشترك بينه
وبين أجنبي، فلو كان الخيار لهما (7) فتلفه بعد القبض زمنه (8) منه (9)
أيضا وإذا كان انتقال الضمان مشروطا بالقبض (فلو تلف قبله (10) فمن
البائع) مطلقا (11) (مع أن النماء) المنفصل المتجدد بين العقد والتلف
525

(للمشتري (1)) ولا بعد في ذلك (2)، لأن التلف لا يبطل البيع
من أصله، بل يفسخه من حين (3) كما لو انفسخ بخيار.
هذا إذا كان تلفه من الله تعالى، أما لو كان من أجنبي، أو
من البائع تخير المشتري بين الرجوع بالثمن كما لو تلف من الله تعالى، وبين
مطالبة المتلف بالمثل، أو القيمة، ولو كان التلف من المشتري فهو بمنزلة
القبض (4) (وإن تلف بعضه، أو تعيب) من قبل الله، أو قبل البائع
(تخير المشتري في الإمساك مع الأرش والفسخ)، ولو كان العيب من قبل
أجنبي فالأرش عليه للمشتري (5) إن التزم، وللبائع (6) إن فسخ، (ولو
غصب من يد البائع) قبل إقباضه (وأسرع عوده بحيث لم يفت
من منافعه ما يعتد به عرفا، (أو أمكن) البائع (نزعه بسرعة)
كذلك (7) (فلا خيار) للمشتري، لعدم موجبه (8)، (وإلا) يمكن
تحصيله بسرعة (تخير المشتري) بين الفسخ، والرجوع على البائع بالثمن
526

إن كان دفعه، والالتزام (1) بالمبيع وارتقاب حصوله فينتفع حينئذ بما
لا يتوقف على القبض كعتق العبد.
ثم إن تلف في يد الغاصب فهو مما تلف قبل قبضه فيبطل البيع،
وإن كان قد رضي (2) بالصبر، مع احتمال كونه (3) قبضا، وكذا
لو رضي بكونه في يد البائع، وأولى بتحقق القبض هنا، (ولا أجرة
على البائع في تلك المدة) التي كانت في يد الغاصب وإن كانت العين
مضمونة عليه، لأن الأجرة بمنزلة النماء المتجدد وهو غير مضمون، وقيل
يضمنها، لأنها بمنزلة النقص الداخل قبل القبض، وكالنماء المتصل (4)
والأقوى اختصاص الغاصب بها (إلا أن يكون المنع منه) (5)
فيكون غاصبا إذا كان المنع بغير حق، فلو حبسه ليتقابض، أو ليقبض
الثمن حيث شرط تقدم قبضه فلا أجرة عليه (6)، للإذن في إمساكه شرعا،
وحيث يكون المنع سائغا (7) فالنفقة على المشتري، لأنه ملكه، فإن
امتنع من الإنفاق رفع البائع أمره إلى الحاكم ليجبره عليه، فإن تعذر (8)
أنفق بنية الرجوع ورجع كنظائره.
527

(وليكن المبيع) عند إقباضه (مفرغا) من أمتعه البائع وغيرهما
مما لم يدخل في المبيع، ولو كان مشغولا بزرع لم يبلغ (1) وجب الصبر
إلى أوانه إن اختاره (2) البائع ولو كان فيه (3) ما لا يخرج إلا بهدم
وجب أرشه (4) على البائع، والتفريغ وإن كان واجبا إلا أن القبض
لا يتوقف عليه (5)، فلو رضي المشتري بتسلمه مشغولا تم القبض ويجب
التفريغ بعده.
(ويكره بيع المكيل والموزون قبل قبضه) للنهي (6) عنه المحمول
على الكراهة جمعا، (وقيل: يحرم إن كان طعاما) وهو الأقوى، بل
يحرم بيع مطلق المكيل والموزون، لصحة الأخبار (7) الدالة على النهي،
وعدم مقاومة المعارض لها (8) على وجه يوجب حمله (9) على خلاف
ظاهره (10)، وقد تقدم (11).
(ولو ادعى المشتري نقصان المبيع) بعد قبضه (حلف إن لم يكن
528

حضر الاعتبار)، لأصالة عدم وصول حقه إليه، (وإلا يكن) كذلك
بأن حضر الاعتبار (أحلف البائع) عملا بالظاهر من أن صاحب الحق
إذا حضر اعتباره يحتاط لنفسه ويعتبر مقدار حقه، ويمكن موافقة الأصل
للظاهر باعتبار آخر، وهو أن المشتري لما قبض حقه كان في قوة المعترف
بوصول حقه إليه كملا (1)، فإذا ادعى بعد ذلك (2) نقصانه كان مدعيا
لما يخالف الأصل (3)، ولا يلزم مثله في الصورة الأولى، لأنه إذا لم
يحضر لا يكون معترفا بوصول حقه، لعدم اطلاعه عليه، حتى لو فرض
اعترافه فهو مبني على الظاهر بخلاف الحاضر، (ولو حول المشتري
الدعوى) حيث لا يقبل قوله في النقص (4) (إلى عدم إقباض الجميع)
من غير تعرض لحضور الاعتبار وعدمه، أو معه (5) (حلف)، لأصالة
عدم وصول حقه إليه (ما لم يكن (6) سبق بالدعوى الأولى) فلا تسمع
الثانية لتناقض كلاميه، وهذه من الحيل التي يترتب عليها الحكم الشرعي،
كدعوى براءة الذمة من حق المدعي لو كان قد دفعه إليه بغير بينة فإنه
لو أقر بالواقع لزمه.
(الثالث فيما يدخل في المبيع) عند إطلاق لفظه (و) الضابط إنه
529

(يراعى فيه اللغة والعرف) العام، أو الخاص (1)، وكذا يراعى
الشرع بطريق أولى، بل هو مقدم عليهما (2)، ولعله أدرجه (3) في العرف
لأنه عرف خاص، ثم إن اتفقت (4)، وإلا قدم الشرعي، ثم العرفي،
ثم اللغوي (ففي بيع البستان بلفظه (5) (تدخل الأرض والشجر)
قطعا (والبناء) كالجدار وما أشبهه من الركائز (6) المثبتة في داخله لحفظ
التراب عن الانتقال. أما البناء المعد للسكنى ونحوه ففي دخوله وجهان:
أجودهما اتباع العادة. (ويدخل فيه الطريق، والشرب) للعرف، ولو
باعه بلفظ الكرم تناول شجر العنب، لأنه مدلوله لغة، وأما الأرض
والعريش (7) والبناء والطريق والشرب فيرجع فيها إلى العرف، وكذا
ما اشتمل عليه من الأشجار وغيره، وما شك في تناول اللفظ له لا يدخل
ويدخل (في الدار الأرض والبناء أعلاه وأسفله، إلا أن ينفرد
الأعلى عادة) فلا يدخل إلا بالشرط، أو القرينة، (والأبواب) المثبتة
وفي المنفصلة كألواح الدكاكين وجهان: أجودهما الدخول، للعرف.
وانفصالها (8) للارتفاق فتكون كالجزء وإن انفصلت. وإطلاق العبارة
530

يتناولها (1). وفي الدروس قيدها بالمثبتة فيخرج (والأغلاق المنصوبة)،
دون المنفصلة كالأقفال (2) (والأخشاب المثبتة) كالمتخذة لوضع الأمتعة
وغيرها، دون المنفصلة وإن انتفع بها في الدار، لأنها (3) كالآلات
الموضوعة بها (4)، (والسلم المثبت) في البناء لأنه حينئذ (5) بمنزلة
الدرجة، بخلاف غير المثبت، لأنه كالآلة، وكذا الرف (6). وفي حكمها
الخوابي (7) المثبتة في الأرض والحيطان، (والمفتاح) وإن كان منقولا
لأنه بمنزلة الجزء من الأغلاق المحكوم بدخولها.
والمراد غير مفتاح القفل، لأنه تابع لغلقه ولو شهدت القرينة
بعدم دخوله لم يدخل، وكذا يدخل الحوض والبئر والحمام المعروف
531

بها (1) والأوتاد، دون الرحى وإن كانت مثبتة، لأنها لا تعد منها،
وإثباتها لسهولة الارتفاق (2) بها.
(ولا يدخل الشجر) الكائن بها (إلا مع الشرط، أو يقول:
بما أغلق عليه بابها، أو ما دار عليه حائطها)، أو شهادة القرائن
بدخوله كالمساومة (3) عليه، وبذل ثمن لا يصلح إلا لهما (4)، ونحو
ذلك، (و) يدخل (في النخل الطلع إذا لم يؤبر (5)) بتشقيق طلع
الإناث. وذر طلع الذكور فيه ليجئ ثمرته أصلح، (ولو أبر فالثمرة
للبائع)، ولو أبر البعض فلكل حكمه على الأقوى، والحكم مختص بالبيع
فلو انتقل النخل بغيره (6) لم يدخل الطلع مطلقا (7) متى ظهر كالثمرة.
(و) حيث لا يدخل في البيع (يجب تبقيتها إلى أوان أخذها) عرفا بحسب تلك الشجرة، فإن اضطرب العرف فالأغلب، ومع التساوي (8)
532

ففي الحمل على الأقل (1)، أو الأكثر، أو اعتبار التعيين، وبدونه (2)
يبطل أوجه (3).
(وطلع الفحل) للبائع متى ظهر، (وكذا باقي الثمار مع الظهور)
وهو انعقادها سواء كانت بارزة أم مستترة في كمام (4)، أو ورد (5)
533

وكذا القول فيما يكون المقصود منه الورد (1)، أو الورق (2)، ولو كان
وجوده (3) على التعاقب (4) فالظاهر (5) منه حال البيع للبائع، والمتجدد
للمشتري، ومع الامتزاج يرجع إلى الصلح.
(ويجوز لكل منهما) أي من البائع الذي بقيت له الثمرة والمشتري
(السقي) مراعاة لملكه (إلا أن يستضرا) معا فيمنعان، (ولو تقابلا
في الضرر والنفع رجحنا مصلحة المشتري)، لأن البائع هو الذي أدخل
الضرر على نفسه ببيع الأصل، و تسليط المشتري عليه الذي يلزمه جواز
سقيه، وتوقف في الدروس حيث جعل ذلك (6) احتمالا ونسبه
إلى الفاضل (7)، واحتمل تقديم صاحب (8) الثمرة، لسبق حقه (9)،
ويشكل (10) تقديم المشتري حيث يوجب نقصا في الأصل يحيط بقيمة
534

الثمرة وزيادة فينبغي تقديم مصلحة البائع مع ضمانه لقيمة الثمرة جمعا
بين الحقين.
(و) يدخل (في القرية البناء) المشتمل على الدور وغيرها
(والمرافق) كالطرق والساحات، لا الأشجار والمزارع إلا مع الشرط،
أو العرف كما هو الغالب الآن، أو القرينة، وفي حكمها الضيعة في عرف
الشام، (و) يدخل (في العبد) والأمة (ثيابه الساترة للعورة)،
دون غيرها، اقتصارا على المتيقن دخوله، لعدم دخولها في مفهوم العبد
لغة. والأقوى دخول ما دل العرف عليه من ثوب، وثوبين، وزيادة
وما يتناوله بخصوصه من غير الثياب كالحزام والقلنسوة والخف وغيرها،
ولو اختلف العرف بالحر والبرد دخل ما دل عليه حال البيع، دون غيره
وما شك في دخوله لا يدخل للأصل، ومثله الدابة فيدخل فيها النعل،
دون آلاتها، إلا مع الشرط والعرف.
(الرابع - في اختلافهما: ففي قدر الثمن يحلف البائع مع قيام
العين، والمشتري مع تلفها) على المشهور، بل قيل: إنه إجماع. وهو (1)
535

بعيد، ومستنده رواية (1) مرسلة، وقيل: يقدم قول المشتري مطلقا (2)
لأنه (3) ينفي الزائد، والأصل عدمه، وبراءة ذمته، وفيه (4) قوة إن
لم يثبت الإجماع على خلافه (5)، مع أنه (6) خيرة التذكرة، وقيل:
يتحالفان ويبطل البيع، لأن كلا منهما مدع ومنكر، لتشخص العقد بكل
واحد من الثمنين. وهو خيرة المصنف في قواعده، وشيخه فخر الدين
في شرحه (7)، وفي الدروس نسب القولين (8) إلى الندور،
وعلى (9) المشهور لو كانت العين قائمة لكنها قد انتقلت عن المشتري
536

انتقالا لازما كالبيع والعتق ففي تنزيله (1) منزلة التلف (2) قولان:
أجودهما العدم، لصدق القيام عليها وهو البقاء، ومنع مساواته (3) للتلف
في العلة الموجبة للحكم، وتلف بعضه ففي تنزيله (4) منزلة تلف الجميع
أو بقاء الجميع، أو إلحاق كل جزء بأصله (5) أوجه، أوجهها الأول (6)
لصدق عدم قيامها (7) الذي هو (8) مناط تقديم قول البائع، ولو امتزج
بغيره فإن بقي التمييز وإن عسر التخليص فالعين قائمة، وإلا (9)
537

فوجهان (1) وعدمه (2) أوجه، لعدم صدق القيام عرفا، فإن ظاهره (3)
أنه أخص من الوجود.
(ولو اختلفا في تعجيله) أي الثمن (وقدر الأجل) على تقدير اتفاقهما عليه (4) في الجملة (وشرط رهن (5)، أو ضمين عن البائع
يحلف البائع)، لأصالة عدم ذلك كله. وهذا مبني على الغالب من أن
البائع يدعي التعجيل وتقليل الأجل حيث يتفقان على أصل التأجيل،
فلو اتفق خلافه فادعى هو الأجل، أو طوله لغرض يتعلق بتأخير القبض
قدم قول المشتري للأصل، (وكذا) يقدم قول البائع لو اختلفا
) في قدر المبيع) للأصل.
وقد كان ينبغي مثله (6) في الثمن بالنسبة إلى المشتري لولا
538

الرواية. ولا فرق بين كونه (1) مطلقا، أو معينا كهذا الثوب فيقول:
بل هو والآخر. هذا إذا لم يتضمن الاختلاف (2) في الثمن كبعتك
هذا الثوب بألف فقال: بل هو والآخر بألفين.
وإلا (3) قوي التحالف، إذ لا مشترك (4) هنا يمكن الأخذ به.
(وفي تعيين المبيع (5) كم إذا قال: بعتك هذا الثوب فقال:
بل هذا (يتحالفان)، لادعاء كل منهما ما ينفيه الآخر بحيث لم يتفقا
على أمر ويختلفا فيما زاد، وهو ضابط التحالف فيحلف كل منهما يمينا
واحدة على نفي ما يدعيه الآخر، لا على أثبات ما يدعيه، ولا جامعة
بينهما (6) فإذا حلفا انفسخ العقد، ورجع كل منهما إلى عين ماله، أو
بدلها، والبادي منهما باليمين من ادعى عليه أولا، فإن حلف الأول
539

ونكل الثاني وقضينا بالنكول (1) يثبت ما يدعيه الحالف، وإلا (2)
حلف يمينا ثانية على إثبات ما يدعيه.
ثم إذا حلف البائع على نفي ما يدعيه المشتري بقي على ملكه، فإن
كان الثوب في يده (3)، وإلا (4) انتزعه من يد المشتري، وإذا حلف
المشتري على نفي ما يدعيه البائع وكان الثوب في يده (5) لم يكن للبائع
مطالبته (6) به (7) لأنه (8) لا يدعيه، وإن كان (9) في يد البائع
لم يكن له (10) التصرف فيه (11)، لاعترافه بكونه للمشتري وله (12)
ثمنه في ذمته (13)،
540

فإن كان قد قبض (1) الثمن رده على المشتري وله (2) أخذ الثوب قصاصا
وإن لم يكن قد قبض الثمن أخذ الثوب قصاصا أيضا، فإن زادت قيمته
عنه (3) فهو مال لا يدعيه أحد (4) وفي بعض نسخ الأصل:
(وقال الشيخ والقاضي: يحلف البائع كالاختلاف في الثمن) وضرب
عليه في بعض النسخ المقروءة على المصنف رحمه الله.
(و) حيث يتحالفان (يبطل العقد من حينه) أي حين التحالف،
لا من أصله، فنماء الثمن المنفصل المتخلل بين العقد والتحالف للبائع،
وأما المبيع فيشكل حيث لم يتعين. نعم لو قيل به (5) في مسألة الاختلاف
في قدر الثمن توجه حكم نماء (6) المبيع، (و) اختلافهما (في شرط
مفسد يقدم مدعي الصحة)، لأنها الأصل في تصرفات المسلم، (ولو
اختلف الورثة تزل كل وارث منزلة مورثة) فتحلف ورثة البائع
لو كان الاختلاف في قدر المبيع، والأجل، وأصله، وقدر الثمن
مع قيام العين، وورثة (7) المشتري مع تلفها، وقيل: يقدم قول ورثة
541

المشتري في قدر (1) الثمن مطلقا (2)، لأنه (3) الأصل، وإنما خرج
عنه (4) مورثهم بالنص فيقتصر فيه (5) على مورده (6) المخالف للأصل
وله وجه، غير أن قيام الوارث مقام المورث مطلقا (7) أجود (8)،
لأنه (9) بمنزلته (10) ولو قلنا: بالتحالف (11)
542

ثبت (1) بين الورثة قطعا.
(الخامس - إطلاق الكيل والوزن) والنقد (ينصرف إلى المعتاد)
في بلد العقد لذلك المبيع (2) إن اتحد، (فإن تعدد (3) فالأغلب)
استعمالا وإطلاقا، فإن اختلفا (4) في ذلك (5) ففي ترجيح أيهما نظر،
ويمكن حينئذ (6) وجوب التعيين (7) كما لو لم يغلب، (فإن تساوت)
في الاستعمال في المبيع الخاص (وجب التعيين)، لاستحالة الترجيح
بدونه، واختلاف الأغراض، (ولو لم يعين بطل البيع) لما ذكر (8)
(وأجرة اعتبار المبيع) بالكيل، أو الوزن، أو النقد (9) (على البائع)
543

لأنه لمصلحته، (واعتبار الثمن (1) على المشتري، وأجرة الدلال على الآمر)
ولو أمراه فالسابق (2) إن كان مراد كل منهما المماكسة (3) معه، ولو
أمراه بتولي الطرفين الإيجاب والقبول (فعليهما) أجرة واحدة بالتنصيف
سواء اقترنا أم تلاحقا (4)، ولو منعنا من تولي الطرفين من الواحد
امتنع أخذ أجرتين، لكن لا يتجه حمل كلام الأصحاب (5): أنه لا يجمع
544

بينهما لواحد، عليه (1)، لأنه قد عبر به (2) من يرى جوازه (3)،
بل المراد أنه لا يجمع بينهما لعمل واحد وإن أمره البائع بالبيع، والمشتري
بالشراء، بل له أجرة واحدة عليهما (4)، أو على أحدهما كما فصلناه (5)
(ولا يضمن الدلال) ما يتلف بيده من الأمتعة (إلا بتفريط).
والمراد به (6) ما يشمل التعدي مجازا أو اشتراكا (فيحلف على عدمه)
لو ادعى عليه التفريط، لأنه (7) أمين فيقبل قوله في عدمه (8)
(فإن ثبت) التفريط في حقه ضمن القيمة (حلف على) مقدار
(القيمة لو خالفه البائع) فادعى أنها أكثر مما اعترف به، لأصالة البراءة
من الزائد، ولا ينافيه التفريط وإن أوجب الإثم كما يقبل قول الغاصب
فيها (9) على أصح القولين.
545

(خاتمة: الإقالة فسخ لا بيع)
عندنا، سواء وقعت بلفظ الفسخ أم الإقالة (في (1) حق المتعاقدين
والشفيع) وهو الشريك، إذ لا شفعة هنا بسبب الإقالة، وحيث كانت
فسخا لا بيعا (فلا يثبت بها شفعة) للشريك، لاختصاصها (2) بالبيع،
ونبه بقوله: في حق المتعاقدين: على خلاف بعض العامة حيث جعلها (3)
بيعا في حقهما (4)، وبقوله (5): والشفيع، على خلاف آخرين،
حيث جعلوها (6) بيعا في حقه (7)، دونهما (8)، فيثبت له (9) بها (10)
الشفعة، (ولا تسقط أجرة الدلال) على البيع (بها (11)، لأنه (12)
استحقها (13)
546

بالبيع السابق (1) فلا يبطله للفسخ اللاحق (2)، وكذا (3)
أجرة الوزان، والكيال، والناقد بعد صدور هذه الأفعال، لوجود
سبب (4) الاستحقاق، (ولا تصح بزيادة في الثمن) الذي وقع عليه
البيع سابقا، (ولا بنقيصته (5))، لأنها فسخ ومعناه رجوع كل عوض
إلى مالكه، فإذا شرط فيها ما يخالف مقتضاها (6) فسد الشرط
وفسدت (7) بفساده، ولا فرق بين الزيادة العينية (8) والحكمية (9)
كالانتظار بالثمن.
(ويرجع) بالإقالة (كل عوض إلى مالكه) إن كان باقيا،
ونماؤه المتصل تابع له. وأما المنفصل فلا رجوع به وإن كان حملا لم
ينفصل، (فإن كان تالفا تمثله) إن كان مثليا، (أو قيمته) يوم
التلف إن كان قيميا، أو تعذر المثل (10)، ولو وجده معيبا رجع بأرشه
لأن الجزء، أو الوصف الفائت بمنزلة التالف. و ألفاظها (11) تفاسخنا
547

وتقايلنا، معا (1)، أو متلاحقين (2) من غير فصل يعتد به، أو يقول
أحدهما: أقلتك فيقبل الآخر وإن لم يسبق التماس.
واحتمل المصنف في الدروس الاكتفاء بالقبول الفعلي.
548

تم بحمد الله التعاليق القيم في ليلة السبت الثاني والعشرين من ربيع
الأول سنة 1387 في مكتبة (جامعة النجف الدينية) العامرة إلى ظهور
(من تحيى البلاد بظهوره) عجل الله تعالى فرجه الشريف.
549