الكتاب: ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة
المؤلف: الشهيد الأول
الجزء: ٣
الوفاة: ٧٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: محرم ١٤١٩
المطبعة: ستاره - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-١٠٥-٢
ملاحظات: ٩٦٤-٣١٩-١٠٢-٨ / ٤ VOLS.

ذكرى الشيعة
في
أحكام الشريعة
تأليف
الشهيد الأول
محمد بن جمال الدين مكي العاملي الجزيني قدس سره
734 - 786 ه‍ ق
الجزء الثالث
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

BP الشهيد الأول، محمد بن مكي، 734 - 786 ق.
3 / 182 ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف الشهيد الأول محمد بن جمال
(8 ذ 9 ش) - الدين مكي العاملي الجزيني، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
- قم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1418 ق = 1376.
ج 4 نموذج - (مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 199 - 202) 432 / 297 المصادر بالهوامش
1. الفقه الجعفري القرن 8 ق. 2. عبادات الشيعة. الف. مؤسسة آل
البيت عليهم السلام لإحياء التراث. ب. العنوان.
شابك (ردمك) 8 - 102 - 319 - 964 / أجزاء
. VOLS 4 / 8 - 102 - 319 - ISBN 964
شابك (ردمك) 2 - 105 - 319 - 964 / ج 3
3. VOL / 2 - 105 - 319 - ISBN 964
الكتاب: ذكرى الشيعة / ج 3
المؤلف: الشهيد الأول
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
الطبعة: الأولى - محرم 1419 ه‍
الفلم والألواح الحساسة (الزنك): نور - قم
المطبعة: ستارة - قم
الكمية 5000 نسخة
السعر: 7500 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور شهد (خيابان شهيد فاطمى) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 996 / 37185 - هاتف 4 - 730001
4

الباب الرابع
في الستر.
وفيه فصول ثلاثة:
الأول: فيما يجب ستره.
وفيه مسائل:
الأولى: أجمع العلماء على وجوب ستر العورة في الصلاة، وعندنا وعند
الأكثر انه شرط في الصحة، لقوله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل
مسجد) (1) قيل: اتفق المفسرون على أن الزينة هنا ما توارى به العورة للصلاة
والطواف لأنهما المعبر عنهما بالمسجد، والامر للوجوب.
ويؤيده قوله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري
سوآتكم) (2). أمر تعالى باللباس المواري للسوءة، وهي: ما يسوء الانسان
انكشافه، ويقبح في الشاهد اظهاره، وترك القبيح واجب.
قيل وأول سوء أصاب الانسان من الشيطان انكشاف العورة، ولهذا ذكره
تعالى في سياق قصة آدم عليه السلام.
ولقول النبي صلى الله عليه وآله: " لا يقبل الله صلاة حائض الا بخمار " (3)
وهي البالغ، فغيرها كذلك إذ لا قائل بالفرق.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يصلي في

(1) سورة الأعراف: 31.
(2) سورة الأعراف: 26.
(3) مسند أحمد 6: 150، 259، سنن ابن ماجة 1: 215 ح 655، سنن أبي داود 1: 173
ح 641، الجامع الصحيح 2: 215 ح 377، الاحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 3: 106
ح 1708، المستدرك على الصحيحين 1: 251.
5

قميص واحد: " إذا كان كثيفا فلا بأس به " (1) ومفهوم الشرط حجة.
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام فيمن يخرج من سفينة عريانا ولم يجد
شيئا يصلي فيه، فقال: " يصلي إيماء، وان كانت امرأة جعلت يديها على
فرجها، وان كان رجلا وضع يده على سوءته، ثم يجلسان فيومئان إيماء، ولا
يركعان ولا يسجدان " (2)
وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في العريان: " إن أصاب
حشيشا يستر منه عورته أتم صلاته بالركوع والسجود، وان لم يصب شيئا يستر
به عورته أومأ وهو قائم " (3).
فترك أعظم أركان الصلاة صريح في شرطية الستر في الصحة.
الثانية: يجب الستر في غير الصلاة والطواف عن الناظر اجماعا، لقول
النبي صلى الله عليه وآله: " لعن الله الناظر والمنظور إليه " (4).
وعن زين العابدين عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: عورة المؤمن على المؤمن حرام " (5).
اما في الخلوة فلا يجب، لقضية الأصل، ولأنه لا ناظر فلا يتناوله اللعن.
وقوله صلى الله عليه وآله: " لا تكشف فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا
ميت " (6) محمول على الناظر.

(1) الكافي 3: 394 ح 2، التهذيب 2: 217 ح 855.
(2) الكافي 3: 396 ح 16، التهذيب 2: 364 ح 1512، 3: 178 ح 403.
(3) التهذيب 2: 365 ح 1515، 3: 296 ح 900.
(4) تحف العقول: 11، السنن الكبرى 7: 99.
(5) الكافي 6: 497 ح 8، الفقيه 1: 66 ح 252.
(6) مسند أحمد 1: 146، سنن ابن ماجة 1: 469 ح 1460، سنن أبي داود 3: 196 ح 3140،
مسند أبي يعلى 1: 277 ح 331، سنن الدارقطني 1: 225، المستدرك على الصحيحين 4:
180.
6

قالوا: الجن والملائكة ناظرون، والله أحق أن يستحيى منه (1).
قلنا: الستر هاهنا غير ممكن، على أن الفخذ ليس من العورة - كما يأتي
إن شاء الله - فيحمل على الاستحباب.
الثالثة: اختلف الأصحاب في العورة، فالمشهور انها السوءتان، فالقبل:
القضيب والأنثيان، والدبر: نفس المخرج، وليست الأليتان والفخذ منها. هذا
في الرجل، واما في المرأة الحرة فجميع بدنها ورأسها، الا الوجه وظاهر الكفين
والقدمين، اقتصارا على المتفق عليه فيهما بين جميع العلماء، وأصالة البراءة من
وجوب غيره، ولأن أنسا روى: ان النبي صلى الله عليه وآله حسر الإزار عن فخذه
يوم خيبر، حتى اني لأنظر إلى بياض فخذه عليه السلام (2).
وعن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله كاشفا عن فخذيه وأذن
للشيخين في الدخول (3).
وروى الصدوق: ان الباقر عليه السلام كان يطلي عانته ويلف الإزار
على الإحليل، فيطلي غيره سائر بدنه (4).
وعن الصادق عليه السلام: " الفخذ ليس من العورة " (5).
وروى الميثمي، عن محمد بن حكيم: ان الصادق عليه السلام رئي
وهو متجرد وعلى عورته ثوب، فقال: " ان الركبة ليست من العورة " (6).

(1) صحيح البخاري 1: 78، الجامع الصحيح 5: 97 ح 2796، سنن ابن ماجة 1: 618 ح 1920.
(2) مسند أحمد 3: 102، صحيح البخاري 1: 103، صحيح مسلم 2: 1043 ح 1365، سنن
النسائي 6: 131، السنن الكبرى 2: 330.
(3) صحيح مسلم 4: 1866 ح 2401، السنن الكبرى 2: 231.
(4) الفقيه 1: 65 ح 250، وفى الكافي 6: 497 ح 7.
(5) الفقيه 1: 67 ح 253.
(6) التهذيب 1: 374 ح 1150، وفيه: " ان الفخذ ".
7

وروى زرارة عن الباقر عليه السلام: أدنى ما تصلي فيه المرأة: " درع
وملحفة فتنشرها على رأسها وتجلل بها " (1).
واجمع العلماء على عدم وجوب ستر وجهها - الا أبا بكر بن هشام (2) -
وعلى عدم وجوب ستر الكفين - الا أحمد وداود (3) لقوله تعالى: (ولا يبدين
زينتهن الا ما ظهر منها) (4) قال ابن عباس: هي الوجه والكفان (5).
واما القدمان فالمشهور عندنا انهما ليستا من العورة، لبدوهما غالبا،
ولقضية الأصل. ويظهر من كلام الشيخ - في الاقتصار - وكلام أبى الصلاح منع
كشف اليدين والقدمين (6) لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله: " المرأة
عورة " (7).
قلنا: خرج ذلك بدليل، ولأن الباقر عليه السلام جوز الصلاة للمرأة في
الدرع والمقنعة إذا كان كثيفا (8) وهما لا يستران القدمين غالبا.
ولا فرق بين ظاهر الكفين وباطنهما، وكذا القدمان، لبروز ذلك كله
غالبا وحد اليدين الزند، والقدم مفصل الساق. نعم، يجب ستر شئ من اليد
والقدم، لتوقف الواجب عليه.
وهنا أقوال نادرة للأصحاب:

(1) التهذيب 1: 217 ح 853، الاستبصار 1: 338 ح 1478.
(2) المغني 1: 672.
(3) المغني 1: 672.
(4) سورة النور: 31.
(5) الدر المنثور 5: 41 عن ابن شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(6) الاقتصاد: 258، الكافي في الفقه: 139.
(7) الجامع الصحيح 3: 476 ح 1173، الاحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 7: 445
ح 5569، مجمع الزوائد 2: 35، عن الطبراني في الكبير.
(8) الفقيه 1: 243 ح 1081.
8

أحدها: قول ابن البراج: ان العورة من السرة إلى الركبة (1).
والثاني: قول أبي الصلاح: انها من السرة إلى نصف الساق (2).
والثالث: قول ابن الجنيد: ان الرجل والمرأة سواء في أن العورة هي
القبل والدبر (3).
لرواية أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وآله: " أسفل
السرة، وفوق الركبة، من العورة " (4).
وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: " الركبة من العورة " (5).
وروي ابن بكير منا: " لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة مكشوفة الرأس " (6).
والجواب: يحمل الخبران الأول على الندب توفيقا، والخبر الاخر
ضعيف السند، مخالف للمشهور ولما هو أصح (7) سندا، وتأوله الشيخ بالحمل
على الضرورة أو الصغيرة (8).
الرابعة: يجوز للأمة أن تصلي مكشوفة الرأس، وكذا الصبية، باجماع
العلماء الا الحسن البصري (9). وهو محجوج بسبق الاجماع وتأخره.
وروي محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: " ليس على الأمة
قناع " (10).

(1) المهذب 1: 83.
(2) الكافي في الفقه 139.
(3) مختلف الشيعة: 83.
(4) سنن الدارقطني 1: 231، السنن الكبرى 2: 229.
(5) سنن الدارقطني 1: 231.
(6) التهذيب 2: 218 ح 857، الاستبصار 1: 389 ح 1481.
(7) في س: أوضح.
(8) راجع الهامش 6.
(9) المجموع 3: 169، المغني 1: 674.
(10) الكافي 3: 394 ح 2، التهذيب 2: 217 ح 855.
9

وروى عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام: " ليس
على الإماء أن يتقنعن في الصلاة " (1).
وهل يستحب للأمة القناع؟ أثبته في المعتبر ونقله عن عطا، وعن عمر
انه نهى عن ذلك، وضرب أمة لآل أنس رآها بمقنعة.
قال: لنا: انه أنسب بالخفر والحياء، وهما مرادان من الأمة كالحرة،
وفعل عمر جاز أن يكون رأيا (2).
قلت: روى البزنطي باسناده إلى حماد اللحام عن الصادق عليه السلام
في المملوكة تقنع رأسها إذا صلت، قال: " لا، قد كان أبي إذا رأى الخادمة
تصلي مقنعة ضربها، لتعرف الحرة من المملوكة " (3).
وروى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه عن أبي خالد القماط، قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأمة، أتقنع رأسها؟ فقال: " ان شاءت فعلت،
وان شاءت لم تفعل. سمعت أبي يقول: كن يضربن، فيقال لهن: لا تشبهن
بالحرائر ".
وأوجب الحسن البصري الخمار على الأمة المتزوجة والسرية (4) وهو
مدفوع بالاجماع.
فروع:
المعتق بعضها كالحرة في وجوب الستر، تغليبا للحرية، ذكره الشيخ

(1) التهذيب 2: 217 ح 854، الاستبصار 1: 389 ح 1479.
(2) المعتبر 2: 103، وراجع: المغني 1: 674.
(3) رواه الصدوق في علل الشرائع: 345 باسناده عن البزنطي عن حماد بن عثمان عن حماد
الخادم عن أبي عبد الله عليه السلام.
ورواه البرقي في المحاسن: 318 بسند آخر عن حماد اللحام عن أبي عبد الله عليه
السلام.
(4) راجع المغني 1: 674.
10

والفاضل (1).
وقد روى الصدوق عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: " ليس
على الأمة قناع في الصلاة، ولا على المدبرة، والمكاتبة إذا اشترط عليها مولاها
حتى تؤدي جميع مكاتبتها " (2) وهو يشعر بما قالوه، للتخصيص بالمشروطة.
والأقرب الحاق الخنثى بالمرأة في وجوب الستر، أخذا بالمبرئ للذمة.
ولو أعتقت الأمة في الأثناء وجب عليها الستر، فان افترقت إلى فعل كثير
استأنفت مع سعة الوقت، وأتمت لا معه، لتعذر الشرط حينئذ فتصلي بحسب
المكنة.
وفي الخلاف: تستمر المعتقة وأطلق (3)، لان دخولها كان مشروعا
والصلاة على ما افتتحت عليه.
لنا: ان الستر شرط وقد أمكن فتجب مراعاته.
اما الصبية فتستأنف لو بلغت في الأثناء، لان النفل لا يجزئ عن
الفرض. ولو ضاق الوقت عن الركعة والطهارة أتمت مستترة ان أمكن.
والمشروطة إذا لم تؤد شيئا كالقن، وان أدت سترت.
ويجب على الأمة ستر ما عدا الرأس، عملا بالدليل، واقتصارا على
موضع الرخصة. وفي المعتبر لما حكى هذا عن الشيخ، قال: ويقرب عندي
جواز كشف وجهها ويديها وقدميها، لما قلناه في الحرة (4).
قلت: ليس هذا موضع التوقف، لأنه من باب كون المسكوت عنه أولى
بالحكم من المنطوق به، ولا نزاع في مثله.
والأقرب وجوب ستر الاذنين والشعر من المرأة، لرواية الفضيل عن الباقر

(1) المبسوط 1: 87، تذكرة الفقهاء 1: 93.
(2) الفقيه 1: 244 ح 1085، علل الشرائع: 346.
(3) الخلاف 1: 396 المسألة: 146.
(4) المعتبر 2: 103، ولاحظ: المبسوط 1: 88.
11

عليه السلام، قال: " صلت فاطمة عليها السلام وخمارها على رأسها، ليس
عليها أكثر مما وارث به شعرها وأذنيها " (1).
وفي الصدغين وما لم يجب غسله من الوجه نظر، من تعارض العرف
اللغوي والشرعي. اما العنق فلا شك في وجوب ستره من الحرة، واما الأمة
فالأقرب تبعيته للرأس، لعسر ستره من دون الرأس.
الخامسة: الأفضل للحرة الصلاة في ثلاثة أثواب: درع وخمار وملحفة،
لخبر جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (2)، وخبر ابن أبي يعفور عنه
عليه السلام بلفظة " الإزار " مكان " الملحفة " (3).
والأفضل للرجل ستر ما بين السرة والركبة وادخالهما في الستر، للخروج
من الخلاف، ولأنه مما يستحيى منه. وستر جميع البدن أفضل، والرداء أكمل،
والتعمم والتسرول أتم، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: " إذا صلى
أحدكم فليلبس ثوبيه، فان الله أحق أن يتزين له " (4).
وروي: " ركعة بسراويل تعدل أربعا بغيره " وكذا روي في العمامة.
والتحنك بالعمامة مستحب على الأصح. وقال ابن بابويه - رحمه الله -:
لا يجوز تركه (5) لمرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام: " من تعمم فلم
يتحنك فأصابه داء لا دواء له، فلا يلومن الا نفسه " (6) ومثله رواية عيسى بن حمزة
عنه عليه السلام (7).

(1) الفقيه 1: 167 ح 785.
(2) التهذيب 2: 218 ح 860، الاستبصار 1: 390 ح 1484.
(3) الكافي 3: 395 ح 11، التهذيب 2: 217 ح 856، الاستبصار 1: 389 ح 1480.
(4) السنن الكبرى 2: 236، كنز العمال 7: 331 ح 19120 عن الطبراني في الأوسط.
(5) الفقيه 1: 172.
(6) الكافي 6: 460، التهذيب 2: 215 ح 846.
(7) المحاسن: 378، الكافي 6: 461 ح 7، التهذيب 1: 215 ح 847.
12

وجوابه: منع الدلالة.
ويجزئ مسمى الرداء، روى زرارة عن الباقر عليه السلام: أدنى ما
يجزئك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي خطاف " (1).
وروى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام في رجل ليس معه الا
سراويل قال: " يحل التكة منه ويطرحها على عاتقه ويصلي، وان كان معه
سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف " (2).
وروى الكليني عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: " إذا
لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا " (3).
وروى عن جميل، قال: سأل مرازم أبا عبد الله عليه السلام - وانا معه
حاضر - عن الرجل يصلي في إزار مرتديا به؟ قال: " يجعل على رقبته منديلا
أو عمامة يتردى به " (4).
تنبيه:
استحباب التحنك عام.
قال الصدوق: روى عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه قال: " من
خرج في سفره فلم يدر العمامة تحت حنكه، فأصابه ألم لا دواء له، فلا يلومن
الا نفسه " (5).
وقال الصادق عليه السلام: " ضمنت لمن خرج من بيته معتما أن يرجع
إليهم سالما " (6).

(1) الفقيه 1: 166 ح 783.
(2) الفقيه 1: 166 ح 782، التهذيب 2: 366 ح 1519.
(3) الكافي 3: 393 ح 1، التهذيب 2: 216 ح 852.
(4) الكافي 3: 395 ح 6، التهذيب 2: 366 ح 1518.
(5) الفقيه 1: 173 ح 814.
(6) الفقيه 1: 173 ح 815.
13

وقال عليه السلام: " اني لأعجب ممن يأخذ في حاجة وهو على وضوء
كيف لا تقضى حاجته، واني لأعجب ممن يأخذ في حاجة وهو معتم تحت
حنكه كيف لا تقضى حاجته " (1).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: " الفرق بين المسلمين والمشركين
التلحي " (2).
وروى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أمر بالتلحي، ونهي عن
الاقتعاط (3).
قال صاحب الغريبين: يقال: جاء الرجل مقتعطا، إذا جاء معتما طابقيا
لا يجعلها تحت ذقنه.
وفي الصحاح: الاقتعاط: شد العمامة على الرأس من غير إدارة تحت
الحنك. والتلحي: تطويق العمامة تحت الحنك (4).
فرع:
الأقرب تأدي هذه السنة بكون جزء من العمامة تحت الحنك، سواء كان
بالذؤابة أو بالطرف أو بالوسط، لصدق التحنك، وان كان المعهود أفضل.
وفي الاكتفاء بالتلحي بغيرها بحيث يضمها نظر، من مخالفة المعهود،
ومن إمكان كون الغرض حفظ العمامة من السقوط وهو حاصل. ولكن خبر
الفرق بين المسلمين والمشركين مشعر باعتبار التحنك المعهود.
المسألة السادسة: هل الستر شرط في الصحة مع الامكان على
الاطلاق، أو ان شرطية مقيدة بالعمد؟

(1) الفقيه 1: 173 ح 816.
(2) الفقيه 1: 173 ح 817. وفيه " التلحي بالعمائم ".
(3) رواه في الفائق والنهاية مادة لحى، ولم نجده في كتب الأحاديث. وقد أورده عن العامة في الفقيه 1:
173 ح 817.
(4) الصحاح، مادتي قعط، لحى.
14

قال ابن الجنيد: لو صلى وعورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد في الوقت
فقط (1).
وقال الشيخ في المبسوط: فان انكشفت عورتاه في الصلاة وجب عليه
سترهما ولا تبطل صلاته، سواء كان ما انكشف عنه قليلا أو كثيرا، بعضه أو
كله (2).
وقال المحقق في المعتبر: لو انكشفت العورة ولم يعلم، سترها ولم تبطل
صلاته، تطاولت المدة قبل علمه أو لم تطل، كثيرا كان الكشف أو قليلا،
لسقوط التكليف مع عدم العلم (3).
والذي رواه علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام في الرجل
يصلي وفرجه خارج لا يعلم به، هل عليه إعادة؟ قال: " لا إعادة عليه وقد تمت
صلاته " (4).
والفاضل - رحمه الله - في المختلف مال إلى كلام الشيخ وحمله على
عدم العلم مع أنه مطلق، واحتج بالرواية. واحتج لابن الجنيد، بان الستر شرط
إجماعا وقد انتفى، فينتفي المشروط. وأجاب: بمنع كون الستر شرطا مطلقا،
انما هو شرط مع الذكر (5).
وكلام الشيخ والمحقق ليس فيهما تصريح بان الاخلال بالستر غير مبطل
مع النسيان على الاطلاق، لأنه يتضمن ان الستر حصل في بعض الصلاة، فلو
انتفى في جميع الصلاة لم يعرضا له، بخلاف كلام ابن الجنيد، فإنه صريح
في الامرين.

(1) مختلف الشيعة: 83.
(2) المبسوط 1: 87.
(3) المعتبر 2: 106.
(4) التهذيب 2: 216 ح 851.
(5) مختلف الشيعة: 83.
15

والرواية تضمنت الفرج وجاز كونه للجنس - فيشمل الفرجين - وللوحدة،
فإن كان للجنس ففيه مخالفة في الظاهر لكلام ابن الجنيد، وان كان للوحدة
ففيه موافقة في الظاهر لكلام الجماعة.
وليس بين الصحة مع عدم الستر بالكلية، وبينها مع عدمه ببعض
الاعتبارات، تلازم. بل جاز أن يكون المقتضي للبطلان انكشاف جميع العورة
في جميع الصلاة، فلا يحصل البطلان بدونه. وجاز أن يكون المقتضي للصحة
ستر جميعها في جميعها، فتبطل بدونه.
واما تخصيص ابن الجنيد بالإعادة في الوقت فوجهه: ان القضاء انما
يجب بأمر جديد، ولم يوجد هنا. ولقائل أن يقول: إذا كان الستر شرطا على
الاطلاق فهو كالطهارة التي لا يفترق الحال فيها بين الوقت وخارجه.
ولو قيل: بان المصلي عاريا مع التمكن من الساتر يعيد مطلقا،
والمصلي مستورا ويعرض له التكشف في الأثناء بغير قصد لا يعيد مطلقا، كان
قويا. نعم يجب عليه عند الذكر الستر قطعا، فلو أخل به بطلت حينئذ لا
قبله.
السابعة: لو وجد ساتر إحداهما وجب، لعموم: " فأتوا منه ما استطعتم " (1)
ولأصالة عدم اشتراط إحداهما بالأخرى. وحينئذ فالأولى صرفه إلى القبل
لبروزه واستقبال القبلة به، والاخر مستور بالأليتين، الا انه يومئ، لبقاء العورة.
ولو صرفه إلى الاخر فالأولى البطلان، لتحقق المخالفة.
والشيخ قال: ان وجد ما يستر بعض عورته وجب عليه ستر ما قدر عليه (2)
وأطلق.
اما الخنثى المشكل، فان أمكنه ستر القبلين وجب وقدم على الدبر، والا

(1) مسند أحمد 2: 247، صحيح مسلم 2: 975 ح 1337، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان
6: 7 ح 3696، السنن الكبرى 1: 215.
(2) المبسوط 1: 88.
16

فالأقرب ستر الذكر لبروزه. وقال بعض العامة: يستر ما ليس للمطلع، فإن كان
عنده رجل ستر آلة النساء، وان كان عنده امرأة ستر. آلة الرجل،
لزيادة الفحش (1).
ولو كان في الثوب خرق، فإن لم يحاذ العورة فلا بحث، وان حاذاها
بطل. ولو جمعه بيده بحيث يتحقق الستر بالثوب صح.
ولو وضع يده عليه فالأقرب البطلان، لعدم فهم الستر ببعض البدن من
اطلاق اللفظ.
ولو وضع غير المصلي يده عليه في موضع يجوز له الوضع أمكن الصحة،
لحصول الستر وخروجه عن المصلي. والوجه البطلان أيضا، لمخالفة الستر
المعهود، والا لجاز ستر جميع العورة ببدن الغير.
ويلحق بذلك الاحكام، وهي مسائل:
الأولى: لا تسقط الصلاة بعدم الساتر اجماعا. ويكفي في الستر مسماه
ولو بورق الشجر أو الحشيش، لرواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: " إن
أصاب حشيشا يستر منه عورته أتم صلاته بالركوع والسجود " (2).
ولو لم يجده وأمكن وضع طين بحيث يستر الحجم واللون، وجب.
والأقرب انه لا يجزئ مع إمكان الستر بغيره، لعدم انصراف اللفظ إليه. ووجه
الاجزاء حصول مقصود الستر. نعم، لو خاف تناثره لجفافه لم يجز مع وجود
الثوب قطعا.
ولو ستر اللون فقط لا مع امكان ستر الحجم وجب، لما روى ابن بابويه
عن عبيد الله الرافقي، عن قيم حمام الباقر عليه السلام، أنه قال: النورة
سترة " (3). وفي سقوط الايماء هنا نظر من حيث اطلاق الستر عليه، ومن اباء

(1) المجموع 3: 182.
(2) التهذيب 2: 365 ح 1515.
(3) الفقيه 1: 65 ح 250 عن عبيد الله المرافقي، وفي نسخة: الواقفي، وفي الكافي 6: 497 ح 7
عبيد الله الدابقي.
17

العرف.
ولو كان الثوب رقيقا يبدو منه الحجم لا اللون فالاكتفاء به أقوى، لأنه
يعد ساترا، وفى رواية تأتى انه إذا وصف لم يجز (1).
ولو وجد وحلا ولا ضرر فيه تلطخ به. ولو لم يجد الا ماء كدرا استتر به
مع امكانه، وفي المعتبر: لا يجبان، للمشقة والضرر (2).
ولو وجد حفيرة ولجها، والأقرب: انه يصلي قائما، لامكانه مع استتار
العورة، وبه أفتى الشيخ (3).
وهل يركع ويسجد؟ قطع به المحقق، لحصول الستر، ولم يثبت شرطية
التصاقه بالبدن (4) فيجب إتمام الأركان. وفي مرسل أيوب بن نوح عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال: " العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها
فسجد فيها وركع " (5).
والشيخ لم يصرح بالركوع والسجود.
وأولى بالجواز الفسطاط الضيق إذا لم يمكن لبسه، اما الحب والتابوت
فمرتب على الفسطاط والحفيرة، لعدم التمكن من الركوع والسجود فيه، الا أن
تكون صلاة الجنازة والخوف.
الثانية: لا يجب زر الثوب إذا كان لا تبدو العورة منه حينا ما، أفتى به
الشيخ (6) وهو في رواية زياد بن سوقة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: " لا
بأس بان يصلى أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلولة، ان دين محمد صلى

(1) الكافي 3: 402 ح 24، التهذيب 2: 214 ح 837.
(2) المعتبر 2: 106.
(3) المبسوط 1: 87.
(4) المعتبر 2: 105.
(5) التهذيب 2: 365 ح 1517، 3: 179 ح 405.
(6) المبسوط 1: 88.
18

الله عليه وآله حنيف " (1). واشترطنا عدم بدو العورة ولو في حين ما لاختلال
الشرط. وفي رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام: " إذا كان
القميص صفيقا، أو القباء ليس بطويل الفرج، فلا بأس " (2).
ولو برزت العورة حين الركوع للناظرين بطلت الصلاة حينئذ. وقال بعض
العامة، تبطل من أصلها إذا لم يصل في ساتر العورة (3). ويترتب: ما لو استدرك
الستر، أو اقتدى به عالم قبل الركوع ثم نوى الانفراد، فعلى ما قلناه يصح،
وعلى ما قاله لا يصح.
ولو برزت للمصلي لا لغيره، فالأقرب البطلان إذا قدر رؤية الغير لو حاذى
الموضع، وأطلق في المعتبر الصحة إذا بانت له حالة الركوع (4) والأقرب
الاجتزاء بكثافة اللحية المانعة من الرؤية، ووجه المنع انه غير معهود في الستر
كما مر.
فان قلت: روى غياث بن إبراهيم، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه،
أنه قال: " لا يصلي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه ازار " (5).
قلت: حملها الشيخ على الاستحباب، مع امكان حملها على ما تبدو
معه العورة. ويؤيد حمل الشيخ ما رواه إبراهيم الأحمري عن أبي عبد الله عليه
السلام في الرجل يصلي وأزراره محلولة؟ قال: " لا ينبغي ذلك " (6).
واما ما رواه العامة عن سلمة بن الأكوع، قلت: يا رسول الله اني أصيد،

(1) الكافي 3: 395 ح 8، الفقيه 1: 174 ح 74، التهذيب 2: 216 ح 850، 357 ح 1477،
الاستبصار 1: 392 ح 1492.
(2) الكافي 3: 393 ح 1، التهذيب 2: 216 ح 852، باختصار في الألفاظ.
(3) لاحظ: المجموع 3: 174.
(4) المعتبر 2: 106.
(5) التهذيب 2: 326 ح 1334، 357 ح 1476، الاستبصار 1: 392 ح 1495.
(6) التهذيب 2: 369 ح 1535، الاستبصار 1: 392 ح 1496.
19

فأصلي في القميص الواحد؟ قال: " نعم، وازرره بشوكة " (1) فان صح فيحمل
على الحملين المذكورين.
الثالثة: يجب شراء الساتر بثمن مثله مع المكنة، أو استئجاره. ولو زاد
عن المثل وتمكن منه، فالأقرب انه كماء الطهارة.
ولو أعير وجب القبول إذ لا كثير منة فيه.
ولو وهب منه قطع الشيخ بوجوب القبول أيضا (2) وهو قوي لتمكنه من
الستر. والفاضل يمنعه للمنة (3)، وهو بناء على أنه ليس للموهوب رده بعد الصلاة
الا بعقد جديد، لاتصال الهبة بالتصرف. ولو قلنا بجواز الرد فهو كالعارية.
ولو وجد الساتر في أثناء الصلاة فكما مر في المعتقة. ولو طال زمان
حمله إليه ولم يخرج عن كونه مصليا انتظر، وان خرج بطلت، وحينئذ ليس له
الاشتغال بشئ من أفعال الصلاة. ويحتمل البطلان، لأنه مصل أمكنه الستر
ولم يفعل، وفيه منه ظاهر.
الرابعة: الستر يراعي من الجوانب ومن فوق، ولا يراعي من تحت. فلو
كان على طرف سطح ترى عورته من تحته أمكن الاكتفاء، لان الستر انما يلزم
من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها. وعدمه - وهو الذي اختاره الفاضل (4) -
لان الستر من تحت انما لا يراعى إذا كان على وجه الأرض، لعسر التطلع
حينئذ، اما صورة الفرض فالأعين تبتدر لادراك العورة.
ولو قام على مخرم لا يتوقع ناظر تحته، فالأقرب انه كالأرضين، لعدم

(1) ترتيب مسند الشافعي 1: 63 ح 187، مسند أحمد 4: 49، صحيح البخاري 1: 99، سنن
أبي داود 1: 170 ح 632، سنن النسائي 2: 70، شرح معاني الآثار 1: 380.
(2) المبسوط 1: 88.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 94)
(4) تذكرة الفقهاء 1: 94.
20

ابتدار الأعين.
الخامسة: لو احتاج إلى شراء الثوب والماء، ومعه ثمن أحدهما قدم
الثوب، لان للماء بدلا. وتخص المرأة بالثوب الموصى به لأولى الناس به في
موضع معين، أو المنذور وشبهه، لان عورتها أفحش، ثم الخنثى، ثم الرجل.
ومع التساوي يمكن تقديم الصالح للإمامة منهم، ثم الأفضل بخصال دينية،
ثم القرعة. ولو أمكن التناوب فعل، ويقدم بالقرعة.
السادسة: لو فقد الساتر صلى عاريا مع سعة الوقت عند الشيخ (1). وعند
المرتضى وسلار يجب التأخير (2) بناء على أصلهما في أصحاب الاعذار.
ومال في المعتبر إلى تفصيل التيمم بالرجاء المظنون وعدمه (3) وهو
قريب، اما مجرد الرجاء فلا، لعموم الامر بالصلاة عند الوقت.
قال الأكثر: ويصلي قائما إن لم يره أحد والا فجالسا (4) لمرسل ابن
مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قالوا: ويومئ بالركوع والسجود في
الحالين (6).
والمرتضى: يصلي جالسا مومئا مطلقا (7)، لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه
السلام في العاري: " ان كان امرأة جعلت يدها على فرجها، وان كان رجلا
وضع يده على سوءته، يجلسان فيومئان إيماء، ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما

(1) النهاية: 130.
(2) جمل العلم والعمل 3: 49، المراسم: 62.
(3) المعتبر 2: 108.
(4) راجع: النهاية: 130، المبسوط 1: 130، الخلاف 1: 399 المسألة 151، المراسم: 77،
مختلف الشيعة: 84.
(5) التهذيب 2: 365 ح 1516.
(6) راجع: المقنعة: 36، السرائر: 80، المعتبر 2: 104، مختلف الشيعة: 83.
(7) جمل العلم والعمل 3: 49.
21

خلفهما، تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما " (1) ورواه العامة عن عبد الله بن
عمر: قالوا: ولو يخالفه أحد (2).
وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام اطلاق القيام
والايماء (3) واختارها ابن إدريس (4).
وفي المعتبر احتمل التخيير بين القيام والقعود، لتعارض الروايتين،
وضعف المفصلة بالارسال، ونقل التخيير عن ابن جريج من العامة (5).
قلت: وهو مذهب أبي حنيفة قال: والقعود أولى، لان الايماء خلف عن
الأركان، ولا خلف عن ستر العورة (6).
واما المراسيل فإذا تأيدت بالشهرة صارت في قوة المسانيد، وخصوصا مع
ثقة المرسل، وعبد الله بن مسكان من أجل الثقات من أصحاب الكاظم عليه
السلام وروي قليلا عن أبي عبد الله عليه السلام.
قال الشيخ الجليل أبو النضر محمد بن مسعود العياشي - قدس الله
روحه - كان ابن مسكان لا يدخل على أبي عبد الله عليه السلام شفقة أن لا
يوفيه حق اجلاله، وكان يسمع من أصحابه ويأبى أن يدخل عليه (7).
قلت: لعله انما دخل على الكاظم عليه السلام مع امتناعه عن الدخول
على أبيه عليه السلام، لترقيه في قوتي العلم والعمل، حتى صار في زمن
الكاظم عليه السلام أهلا للدخول عليه.

(1) الكافي 3: 396 ح 16، التهذيب 2: 364 ح 1512، 3: 178 ح 403.
(2) المغني 1: 665.
(3) التهذيب 2: 365 ح 1515، 3: 296 ح 900.
(4) السرائر: 55.
(5) المعتبر 2: 105.
(6) الهداية 1: 44، المغني 1: 664، شرح العناية 1: 230 - 231، الاختيار 1: 58،
المجموع 3: 183.
(7) حكاه عنه الكشي في اختيار معرفة الرجال: 382 رقم 716.
22

فروع: هل يومئ القائم للسجود قائما أم قاعدا؟ أطلق الأصحاب والرواية. وكان
شيخنا عميد الدين - نضر الله وجهه - يقوي جلوسه، لأنه أقرب إلى هيئة
الساجد فيدخل تحت: " فاتوا منه ما استطعتم " (1).
ويشكل: بأنه تقييد للنص، ومستلزم للتعرض لكشف العورة في القيام
والقعود، فان الركوع والسجود انما سقطا لذلك، فليسقط الجلوس الذي هو
ذريعة إلى السجود، ولأنه يلزم القوم: بقيام المصلي جالسا ليومئ للركوع لمثل
ما ذكره، ولا أعلم به قائلا، فالتمسك بالاطلاق أولى.
ويجب الايماء هنا بالرأس لخبر زرارة (2) لما فيه من قرب الشبه بالراكع
والساجد. وقد قال الفاضلان - في المعتبر والتذكرة والنهاية - يومئ المريض
برأسه فان تعذر فبالعينين (3) فهذا أولى.
قال الأصحاب: وليكن السجود أخفض هنا وفي المريض (4) بمعنى
زيادة الانخفاض في السجود الايمائي عن الانخفاض في الركوع الايمائي،
كما كان الانخفاض في السجود الحقيقي أزيد. والظاهر أن ذلك واجب،
ليفترقا، وليقرب من الأصل.
وهل يجب أن يبلغ في الايماء إلى حد لو زاد عليه لبدت العورة؟ الأقرب
ذلك، استصحابا للأصل. ويمكن الاجتزاء بمسمى الايماء بالرأس، لظاهر

(1) مسند أحمد 2: 247، صحيح مسلم 2: 975 ح 1337، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان
6: 7 ح 3696، السنن الكبرى 1: 215.
(2) تقدم في ص 22 الهامش 1.
(3) المعتبر 2: 160، تذكرة الفقهاء 1: 110، نهاية الإحكام 1: 441.
(4) راجع: المقنعة 36، المبسوط 1: 130، جمل العلم والعمل 3: 49، تذكرة الفقهاء 1:
123.
23

الرواية.
وهل يجب في الايماء للسجود وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين
على المعهود؟ يحتمل ذلك، لما قلناه. وعدمه، لصدق مسمى الايماء.
وكذا، هل يجب وضع شئ يسجد عليه بجبهته مع الايماء؟ لم يعرض
له الأصحاب هنا. فان قلنا به وأمكن تقريب مرتفع إليه، وجب وسجد عليه.
وان لم يمكن، وكان هناك من يقرب إليه شيئا، فعل. وان تعذر الا بيده، سقط
السجود عليها وقرب المسجد بها، لان الجبهة أشرف أعضاء السجود.
ولم أظفر في هذه كلها بكلام سابق في هذا الباب. نعم، ما ذكره الشيخ
في المبسوط - في المريض - انه لو عجز عن كمال الركوع حتى رأسه وظهره،
فإن لم يقدر عليه أومأ برأسه وظهره. وان عجز عن كمال السجود وضع شيئا ثم
سجد عليه (1) قال: وان رفع إليه شيئا وسجد عليه كان أيضا جائزا (2).
وفي التذكرة - في المريض -: يدني جبهته من الأرض إلى أقصى ما يقدر
عليه، ولو افتقر إلى نصب مخدة وشبهها جاز (3).
وفي المعتبر - في المريض أيضا -: لو عجز عن السجود جاز أن يرفع إليه
ما يسجد عليه ولم يجز الايماء، لأنه أتم.
قال: وبه روايات، منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه؟ فقال: " لا، الا
ان يكون مضطرا ليس عنده غيرها، وليس شئ مما حرم الله الا وقد أحله لمن
اضطر إليه " (4).

(1) المبسوط 1: 110.
(2) المبسوط 1: 110.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 122.
(4) المعتبر 2: 161 - 162.
ورواية أبي بصير في التهذيب 3: 177 ح 397.
24

قلت: وروى سماعة، قال: سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس؟
قال: " فليصل وهو مضطجع، وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزئ
عنه " (1) وهذا يدل على أن وضع المسجد معتبر في غير هذه الصورة بطريق
الأولى.
السابعة: يستحب للعراة الصلاة جماعة - رجالا كانوا أو نساء - اجماعا
لعموم شرعية الجماعة وأفضليتها. ومنع بعض العامة من الجماعة الا في
الظلمة حذرا من بدو العورة (2) ساقط، لأنا نتكلم على تقدير عدمه.
ثم الذي دل عليه خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في
قوم قطع عليهم الطريق واخذت ثيابهم، فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف
يصنعون؟ فقال: " يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه، فيومئ الامام
بالركوع والسجود ويركعون ويسجدون خلفه على وجوههم " (3) وبها عمل
الشيخ في النهاية (4).
وقال المرتضى والمفيد: يومئ الجميع كالصلاة فرادى (5) وهو اختيار ابن
إدريس مدعيا للاجماع (6).
وفي المعتبر رجح مضمون الرواية، لجودة سندها (7).
ويشكل بان فيه تفرقة بين المنفرد والجامع، وقد نهي المنفرد عن الركوع
والسجود - كما تقدم - لئلا تبدو العورة. وقد روي عبد الله بن سنان عن أبي

(1) التهذيب 3: 306 ح 944.
(2) كمالك وأبي حنيفة والأوزاعي، راجع: المغني 1: 668.
(3) التهذيب 2: 365 ح 1514.
(4) النهاية: 130.
(5) المقنعة: 36، جمل العلم والعمل 3: 49.
(6) السرائر: 80.
(7) المعتبر 2: 107.
25

عبد الله عليه السلام: " يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو
جالس " (1) وأطلق.
وبالجملة يلزم من العمل برواية إسحاق أحد أمرين: اما اختصاص
المأمومين بهذا الحكم، واما وجوب الركوع والسجود على كل عار إذا أمن
المطلع، والامر الثاني لا سبيل إليه، والامر الأول بعيد.
فروع:
الأول: الظاهر أن هذا الحكم مخصوص بأمنهم المطلع، لان فحوى
إيماء الامام يشعر به، فلو كان المطلع فالايماء لا غير، واطلاع بعضهم على
بعض غير ضائر، لأنهم في حيز التستر باعتبار التضام واستواء الصف.
ولكن يشكل بان المطلع هنا ان صدق وجب الايماء والا وجب القيام.
ويجاب بان التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار الاطلاع بخلاف القيام،
فكأن المطلع موجود حالة القيام، وغير معتد به حالة الجلوس.
الثاني: لو احتاجوا إلى صفين فالصف الأول كالامام، والصف الثاني
يركعون ويسجدون، وكذا لو تعددت الصفوف. نعم لو كانوا في مكان مظلم
أمكن وجوب الركوع والسجود على الجميع.
الثالث: لو جامعهم ذو ثوب وهو أهل للإمامة أمهم متما والا صلى فيه،
واستحب اعارته غيره، لأنه تعاون على البر والتقوى. ولو أمكن اعارته الجميع
فعل، ووجب عليهم القبول. وليعر من يصلح للإمامة مع ضيق الوقت، ومع
سعته ليس لهم الائتمام مع إمكان استعارة الثوب، ولا يجوز تأخر الصلاة عن
الوقت انتظارا لهذا الساتر، وليس لصاحب الثوب الائتمام بأحدهم، لان القائم
لا يأتم بالقاعد.
الرابع: لو اجتمعت النساء والرجال تعذرت الإمامة للجميع ان قلنا

(1) التهذيب 2: 365 ح 1513، 3: 178 ح 404.
26

بتحريم المحاذاة، فليصل كل على حدته جماعة، والا جاز. ولو كان هناك
حائل صح، وكذا مع الظلمة أو الآفة المانعة من الرؤية.
الخامس: يجب عليهم غض البصر مع امكان الرؤية، فلو تركوه أثموا.
وفي بطلان صلاة المنظور وجه بعيد، لان الرؤية ليس من فعله. ولا تبطل صلاة
الناظر، لأنه نهي عن خارج من الصلاة.
27

الفصل الثاني: في الساتر.
تجوز الصلاة في كل ما يستر العورة عدا أمور:
أحدهما: جلد الميتة ولو دبغ باجماعنا - الا من شذ (1) - لما مر، ولما رووه
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا تنتفعوا من الميتة بشئ " (2).
وعنه عليه الصلاة والسلام: " لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب " (3)
وهو شامل لحالتي الدباغ وعدمه.
وروينا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: " لا، ولو دبغ
سبعين مرة " (4).
وفي مرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام: " لا تصل في شئ
منه ولا شسع " (5).
ولأن الميتة نجسة، والدباغ غير مطهر.
والمبطل للصلاة فيه علم كونه ميتة، أو الشك إذا وجد مطروحا لأصالة
عدم التذكية، أو في يد كافر عملا بالظاهر من حاله، أو في سوق الكفر.

(1) قال في جواهر الكلام 8: 49 بعد حكاية هذا الاستثناء عن المصنف: لم نتحقق ذلك، ولعله
الشلمغاني الذي حكي عن ظاهره الجواز، لكن لم يثبت انه منا... واما احتمال انه الصدوق
والكاتب ففيه انهما وان قالا بطهارته الا انهما وافقا على المنع من الصلاة، ومن هنا حكي عن
المجمع الاجماع من أصحابنا حتى القائلين بطهارته.
(2) شرح معاني الآثار 1: 468، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2: 286 ح 1276، نيل الأوطار
1: 78 عن البخاري في تاريخه.
(3) مسند أحمد 4: 310، سنن أبي داود 4: 67 ح 4127، الجامع الصحيح 4: 222 ح 1729،
الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2: 286 ح 1274، السنن الكبرى 1: 15.
(4) الفقيه 1: 160 ح 750، التهذيب 2: 203 ح 794.
(5) التهذيب 2: 203 ح 793.
28

ولو وجد في يد مستحل بالدبغ ففيه صور ثلاث:
أ: ان يخبر بأنه ميتة، فليجتنب، لاعتضاده بالأصل من عدم
الذكاة.
ب: أن يخبر بأنه مذكى، فالأقرب القبول، لأنه الأغلب، ولكونه ذا
يد عليه فيقبل قوله فيه، كما يقبل في تطهير الثوب النجس. ويمكن المنع،
لعموم: فتثبتوا " (1) ولأن الصلاة في الذمة بيقين فلا تزول بدونه.
ج، أن يسكت، ففي الحمل على الأغلب من التذكية، أو على
الأصل من عدمها، الوجهان.
وقد روى في التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج، قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: اني أدخل سوق المسلمين - أعني هذا الخلق الذين يدعون
الاسلام - فاشتري منها الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها: أليس هي ذكية؟
فيقول: بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟ فقال: " لا، ولكن لا
بأس أن تبيعها، وتقول: قد شرط الذي اشتريتها منه انها ذكية ". قلت: وما
أفسد ذلك؟ قال: " استحلال أهل العراق للميتة، وزعموا أن دباغ جلد الميت
ذكاته، ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك الا على رسول الله صلى الله عليه
وآله " (2).
وفي هذا الخبر إشارة إلى أنه لو أخبر المستحل بالذكاة لا يقبل منه، لان
المسؤول في الخبر إن كان مستحلا فذاك، والا فبطريق الأولى.
وعن أبي بصير عنه عليه السلام: " كان علي بن الحسين عليه السلام
رجلا صردا فلا يدفئه فراء الحجاز، لان دباغها بالقرظ. وكان يبعث إلى العراق
فيؤتي مما قبلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي

(1) كذا في النسخ والظاهر أنها إشارة إلى الآية 6 من سورة الحجرات، وانظر مجمع البيان 5: 131.
(2) الكافي 3: 398 ح 5، التهذيب 2: 204 ح 798.
29

يليه، وكان يسئل عن ذلك، فيقول: ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود
الميتة، ويزعمون ان دباغه ذكاته " (1).
قلت: الصرد - بفتح الصاد وكسر الراء -: من يجد البرد سريعا. يقال:
صرد الرجل يصرد صردا، فهو صرد ومصراد.
وفي هذا دلالة على جواز لبسه في غير الصلاة، وكذا في مفهوم خبر
محمد بن مسلم السالف، لأنه فيه: سألته عن الجلد الميت، أيلبس في الصلاة
إذا دبغ؟ (2). ويمكن حمل هذا على ما لم يعلم كونه ميتة، ويكون فعل الامام
احتياطا للدين، والمفهوم في السالف ضعيف، لان تحريم الميتة يستلزم
تحريم وجوه الانتفاع.
تنبيه:
هذه الصور الثلاث آتية في غير المستحل، والقبول إذا أخبر بالذكاة أقوى
منه في الأول وان كان فاسقا، وإذا سكت فأولى أيضا.
اما ما يشترى من سوق الاسلام، فيحكم عليه بالذكاة إذا لم يعلم كون
البائع مستحلا، عملا بالظاهر، ونفيا للحرج.
ويكفي في سوق الاسلام أغلبية المسلمين، لرواية إسحاق بن عمار،
عن العبد الصالح عليه السلام، قال: " لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما
صنع في أرض الاسلام ". قلت له: فإن كان فيها غير أهل الاسلام؟ قال: " إن كان
الغالب عليها المسلمين فلا بأس " (3).
وعن البزنطي، قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا
يدري أذكية هي أم لا، أيصلي فيها؟ فقال: " نعم، ليس عليكم المسألة ان أبا

(1) الكافي 3: 397 ح 2، التهذيب 2: 203 ح 796.
(2) تقدم في ص 28 الهامش 4.
(3) التهذيب 2: 368 ح 1532، باختلاف يسير.
30

جعفر عليه السلام كان يقول: ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، ان
الدين أوسع عليهم من ذلك " (1) ورواه في الفقيه عن سليمان بن جعفر
الجعفري، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه السلام: عن الرجل يأتي
السوق، الحديث (2).
قال ابن بابويه: وسأل إسماعيل بن عيسى أبا الحسن الرضا عليه السلام
عن الجلود والفراء تشترى، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟
قال: " عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتموهم
يصلون فلا تسألوهم " (3).
وعن علي بن أبي حمزة، ان رجلا سأل أبا عبد الله عليه السلام - وانا
عنده - عن الرجل يتقلد السيف يصلي فيه، قال: " نعم ". فقال الرجل، ان فيه
الكيمخت. فقال: " وما الكيمخت؟ " فقال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا ومنه
ما يكون ميتة. فقال: " ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه " (4). وفيه دلالة على
تغليب الذكاة عند الشك، وهو يشمل المستحل وغيره.
وعن البزنطي، عن الرضا عليه السلام: سألته عن الخفاف تأتي السوق
فيشتري الخف لا يدري أذكي هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه أيصلى فيه؟
قال: " نعم، أنا أشتري الخف من السوق ويصنع لي فأصلي فيه، وليس عليكم
المسألة " (5).
قلت، وهذا يدل على الاخذ بظاهر الحال على الاطلاق، وهو شامل
للاخذ من المستحل وغيره.

(1) التهذيب 2: 368 ح 1529.
(2) الفقيه 1: 167 ح 787.
(3) الفقيه 1: 167 ح 788، التهذيب 2: 371 ح 1544.
(4) التهذيب 2: 368 ح 1530.
(5) قرب الإسناد: 170، التهذيب 2: 371 ح 1545.
31

ويؤيده ان أكثر العامة لا يراعي في الذبيحة الشروط التي اعتبرناها (1)،
مع الحكم بحل ما يذكونه، بناء على الغالب من القيام بتلك الشرائط. وأيضا
فهم مجمعون على استحلال ذبائح أهل الكتاب واستعمال جلودها (2)، ولم
يعتبر الأصحاب ذلك (3)، أخذا بالأغلب في بلاد الاسلام من استعمال ما ذكاه
المسلمون.
وثانيها: جلد غير المأكول وصوفه وشعره ووبره - عدا الخز والسنجاب -
ذكي أو لا، دبغ أو لا، لما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله بطريق المقدام
ابن معدي كرب: انه نهى عن جلود السباع والركوب عليها (4) وهو شامل لغير
الصلاة لكنه خرج بدليل آخر.
وروينا عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: انه أخرج كتابا زعم أنه
إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله: " ان الصلاة في كل شئ حرم أكله
فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد، لا تقبل تلك
الصلاة حتى تصلى في غيره " (5).
قال في المعتبر: ولأن خروج الروح من الحي سبب الحكم بموته الذي
هو سبب المنع من الانتفاع بالجد، ولا تنهض الذباحة مبيحة ما لم يكن
المحل قابلا. واعترض على نفسه بجواز استعماله في غير الصلاة، وأجاب:
بامكان استعداده بالذبح لذلك دون الصلاة، لعدم تمامية الاستعداد له (6).
قلت: هذا تحكم محض، لان الذكاة ان صدقت فيه أخرجته عن الميتة

(1) المغني 11: 43، المجموع 9: 75.
(2) المغني 11: 36، المجموع 9: 78.
(3) راجع، النهاية: 97، شرائع الاسلام 2: 78، تذكرة الفقهاء 1: 94.
(4) سنن أبي داود 4: 68 ح 4131، سنن النسائي 7: 176، السنن الكبرى 1: 21.
(5) الكافي 3: 397 ح 1، التهذيب 2: 209 ح 818، الاستبصار 1: 383 ح 1454.
(6) المعتبر 2: 79 - 80.
32

والا لم يجز الانتفاع، ولأن تمامية الاستعداد عنده بكونه مأكول اللحم فيتخلف
عند انتفاء أكل لحمه، فليسند المنع من الصلاة فيه إلى عدم أكل لحمه من غير
توسط نقض الذكاة فيه.
هذا كله فيما يقع عليه الذكاة - كالسباع - وان اختلف فيها، اما الذي لا
يقع عليه الذكاة - كالكلب والخنزير - فبطريق الأولى، لأنه ميتة ودباغه لا يطهره
عند أكثر العامة، لنجاسة عينه (1). واما الحشرات فقد جزم كثير من الأصحاب
بعدم وقوع الذكاة عليها (2) فهي من هذا القبيل، وعلى وقوع الذكاة هي من قبيل
الأول.
واختلفوا أيضا في المسوخ، وقد بينا في شرح الارشاد وقوع الذكاة
عليها (3) فالمانع إذن عدم أكل اللحم.
وقد روى محمد بن الحسن الأشعري عن الرضا عليه السلام، قال:
" الفيل كان ملكا زنا، والذئب كان أعرابيا ديوثا، والأرنب كانت امرأة تخون
زوجها ولا تغتسل من حيضها، والوطواط كان يسرق تمور الناس، والقردة
والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت، والجريث والضب فرقة من
بني إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى عليه السلام لم يؤمنوا فتاهوا،
فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البر، والفأرة هي الفويسقة، والعقرب كان
نماما، والدب والوزغ والزنبور كان لحاما يسرق في الميزان " (4).
وروى الصدوق في الخصال باسناده إلى مغيرة عن أبي عبد الله عليه
السلام، عن أبيه، عن جده: " المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا: القردة
والخنازير، والخفاش، والضب، والدب، والفيل، والدعموص، والجريث

(1) المجموع 1: 215، المغني 1: 84.
(2) راجع: المعتبر 2: 80 شرائع الاسلام 3: 210.
(3) راجع: شرح الارشاد: 273، وقد اختار هناك عدم وقوع الذكاة عليها.
(4) الكافي 6: 246 ح 14، علل الشرائع: 485، التهذيب 9: 39 ح 166.
33

والعقرب، وسهيل، والزهرة، والعنكبوت، والقنفذ " وذكر في القرد والخنزير ما
مر " والخفاش امرأة سحرت ظئرها، والضب اعرابي يقتل كل من مر به، والفيل
ناكح البهائم، والدعموص زان " وهو دويبة تغوص في الماء وجمعه دعاميص،
" والجريث نمام، والعقرب هماز، والدب سارق الحاج، وسهيل عشار صاحب
مكس، والزهرة امرأة افتتن بها الملكان (1)، والعنكبوت امرأة سيئة الخلق عاصية
لزوجها، والقنفذ رجل سئ الخلق " (2).
وذكر بسند آخر إلى النبي صلى الله عليه وآله: " ان الفيل لوطي لا يدع
رطبا ولا يابسا، والدب مخنث، والجريث ديوث يدعو إلى زوجته، والضب
أعرابي يسرق الحاج بمحجنه، والوطواط سارق الثمار من رؤوس النخل،
والدعموص نمام يفرق بين الأحبة، والعقرب لداغ (3) لا يسلم على لسانه
أحد، والعنكبوت امرأة خانت زوجها، والأرنب امرأة لا تتطهر من حيض ولا
غيره، وسهيل عشار باليمن والزهرة نصرانية افتتن بها الملكان واسمها
ناهيل " (4).
قال الصدوق: الزهرة وسهيل دابتان في البحر وليسا نجمين، ولكن سمي
بهما النجمان كالحمل والثور.
قال: والمسوخ جميعها لم تبق أكثر من ثلاثة أيام ثم ماتت ولم تتوالد،
وهذه الحيوانات على صورها سميت مسوخا استعارة (5).

(1) في المصدر زيادة: " هاروت وماروت ".
(2) الخصال: 493.
(3) في المصدر و س: لذاع.
(4) الخصال: 494 ح 2.
(5) الخصال: 494.
34

تنبيهات:
الأول: أجمع الأصحاب على جواز الصلاة في وبر الخز الخالص. وقد
روى معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام، انه سأله عن الصلاة في الخز،
فقال: " صل فيه " (1).
وعن أبي عبد الله عليه السلام: " لا بأس به " (2).
وروى سليمان بن جعفر الجعفري: انه رأى الرضا عليه السلام يصلي
في جبة خز (3).
والظاهر أن ذكاته اخراجه حيا، لما رواه ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله
عليه السلام: أنه كان عنده ودخل عليه رجل من الخزازين، فقال له: جعلت
فداك، ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال: " لا بأس بالصلاة فيه ". فقال له
الرجل: جعلت فداك انه ميت وهو علاجي وأنا اعرفه فقال له أبو عبد الله عليه
السلام: " أنا أعرف به منك ". فقال له الرجل: انه علاجي وليس أحد أعرف به
مني! فتبسم أبو عبد الله عليه السلام، ثم قال: " تقول انه دابة تخرج من الماء،
أو تصاد من الماء، فإذا فقد الماء مات ". فقال الرجل: صدقت جعلت فداك
هكذا هو! فقال أبو عبد الله عليه السلام: " فإنك تقول: انه دابة تمشى على
أربع وليس هو في حد الحيتان، فتكون ذكاته خروجه من الماء ". فقال الرجل:
أي والله هكذا أقول! فقال أبو عبد الله عليه السلام: " فان الله تعالى أحله،
وجعل ذكاته موته، كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها " (4).

(1) التهذيب 2: 212 ح 829.
(2) التهذيب 2: 212 ح 830، الاستبصار 1: 387 ح 1464.
(3) الفقيه 1: 170 ح 802، التهذيب 2: 212 ح 832.
(4) الكافي 3: 399 ح 11، التهذيب 2: 211 ح 828.
35

قال في المعتبر: عندي في هذه الرواية توقف، لان في طريقها محمد
ابن سليمان الديلمي وهو ضعيف. ولتضمنها حله، مع اتفاق الأصحاب على أنه
لا يحل من حيوان البحر الا ماله فلس من السمك، ما اجماعنا على جواز
الصلاة فيه، مذكي كان أو ميتا، لأنه طاهر في حال الحياة ولم ينجس بالموت (1).
قلت: مضمونها مشهور بين الأصحاب فلا يضر ضعف الطريق.
والحكم بحله جاز ان يستند إلى حل استعماله في الصلاة وان لم يذك، كما
أحل الحيتان بخروجها من الماء حية، فهو تشبيه للحل بالحل لا في جنس
الحلال.
وكأن المحقق - رحمه الله - يرى أنه لا نفس له سائلة، فلذلك حكم
بطهارته لا باعتبار الرواية، قال: حدثني جماعة من التجار انه القندس ولم
أتحققه (2).
قلت: لعله ما يسمى في زماننا بمصر: وبر السمك، وهو مشهور هناك.
ومن الناس من زعم أنه كلب الماء وعلى هذا يشكل ذكاته بدون الذبح، لأن الظاهر
أنه ذو نفس سائلة، والله أعلم.
اما جلده فالأصح جواز الصلاة فيه، لقول الرضا عليه السلام في خبر
سعد بن سعد: " إذا حل وبره حل جلده " (3). وانكره ابن إدريس (4) ولا وجه له،
لعدم افتراق الأوبار والجلود في الحكم غالبا.
واما المغشوش منه بالحرير فجائز، إذ الحرام انما هو الحرير المحض،
وهو مروي عن الباقر عليه السلام في الحرير المخلوط بالخز، ولحمته أو سداه

(1) المعتبر 2: 84.
(2) المعتبر 2: 84.
(3) الكافي 6: 452 ح 7، التهذيب 2: 372 ح 1547.
(4) السرائر: 56.
36

خز أو كتان، أو قطن، جائز (1).
ولا يجوز ما غش بوبر الأرانب والثعالب على الأشهر، وادعى فيه بعض
الأصحاب الاجماع (2) وهو مروي عن أبي عبد الله عليه السلام بطريقين الا ان
فيهما انقطاعا (3).
ولا تعارضهما رواية داود الصرمي عن أبي الحسن الثالث عليه السلام
بجوازه (4) لاشتهارهما دونها، وامكان حملها على التقية.
الثاني: قال الشيخ في المبسوط: لا خلاف في جواز الصلاة في
السنجاب والحواصل (5).
وقيدها ابن حمزة وبعضهم بالخوارزمية (6) تبعا لما ذكره في التهذيب عن
بشير بن بشار، قال سألته عن الصلاة في الفنك والسنجاب، إلى قوله عليه
السلام: " صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية " (7).
ومنع منه في النهاية (8) ورواية زرارة السالفة تدل على المنع من حيث
عدم أكل لحمه (9) - وهو ظاهر الأكثر (10) - ولأن في صدر الرواية انه سأله عليه
السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب.
ويعارضها صحيحة أبي علي بن راشد، عن أبي جعفر عليه السلام:

(1) التهذيب 2: 367 ح 1524، الاستبصار 1: 386 ح 1468.
(2) كابن زهرة في الغنية: 493.
(3) التهذيب 2: 212 ح 830، 831، الاستبصار 1: 387 ح 1469، 1470.
(4) الفقيه 1: 170 ح 805، التهذيب 2: 213 ح 834، الاستبصار 1: 387 ح 1471.
(5) المبسوط 1: 83.
(6) الوسيلة: 87، الفقيه 1: 172، المقنع: 24.
(7) التهذيب 2: 210 ح 823، وفي الاستبصار 1: 384 ح 1458 عن بشير بن يسار.
(8) النهاية: 587.
(9) تقدمت في ص 32 الهامش 5.
(10) راجع: الفقيه 1: 170، المهذب 1: 75، مختلف الشيعة: 79.
37

" صل في الفنك والسنجاب، فاما السمور فلا تصل فيه " (1). ورواية مقاتل عن أبي
الحسن عليه السلام في الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب: " لا خير
في ذا كله ما خلا السنجاب، فإنه دابة لا تأكل اللحم " (2).
قال المحقق: الخاص مقدم على العام (3).
قلت: يدفع عمومه ويجعله خاصا معارضا ما في صدره. نعم، هو أسلم
سندا، لان في طريق الأول ابن بكير (4) وهو فاسد العقيدة وان كان ثقة.
والأقرب الجواز، والخبر الأول لعله محمول على الكراهية في السنجاب
وان حرم الباقي، ويجوز استعمال المشترك في معنييه بقرينة.
فرع:
انما يجوز الصلاة فيه مع تذكيته، لأنه ذو نفس قطعا، والدباغ غير مطهر
عندنا. وقد اشتهر بين التجار والمسافرين انه غير مذكى، ولا عبرة بذلك، حملا
لتصرف المسلمين على ما هو الأغلب. نعم، لو علم ذلك حرم استعماله.
الثالث: لا تجوز الصلاة في جلد الثعلب والأرنب والفنك والسمور، ولا
في وبره، على الأشهر في الروايات والفتاوى، لعدم حل اللحم، ولتضمن خبر
زرارة ذلك (5) ورواية ابن أبي زيد عن الرضا عليه السلام في الثعالب: " لا تصل
فيها " (6) ورواية علي بن مهزيار عن أبي الحسن الماضي كذلك (7).
وروي سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام: النهي عن

(1) الكافي 3: 400 ح 14، التهذيب 2: 210 ح 822، الاستبصار 1: 384 ح 1457.
(2) الكافي 3: 401 ح 16، التهذيب 2: 210 ح 821، الاستبصار 1: 384 ح 1456.
(3) المعتبر 2: 86.
(4) تقدم في ص 32 الهامش 5.
(5) تقدم في ص 32 الهامش 5.
(6) التهذيب 2: 206 ح 807، 210 ح 824، الاستبصار 1: 381 ح 1445.
(7) الكافي 3: 399 ح 8، التهذيب 2: 206 ح 808، الاستبصار 1: 381 ح 1446.
38

الصلاة في السمور، وذكر السائل انه يأخذ الدجاج والحمام (1).
ويعارضها خبر عمار عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، سألته
عن الفراء السمور والسنجاب والثعلب وأشباهه؟ قال: " لا بأس بالصلاة
فيه " (2). وخبر علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في السمور والفنك
والثعالب وجميع الجلود؟ قال: " لا بأس بذلك " (3).
واذعن بهذين الخبرين المحقق لوضوح سندهما، وقال: لو عمل بهما
عامل جاز، وان كان الاحتياط للعبادة المنع (4).
قلت: هذان الخبران مصرحان بالتقية، لقوله في الأول: (وأشباهه)،
وفي الثاني: و (جميع الجلود)، وهذا العموم لا يقول به الأصحاب.
وهذه الأخبار لم تتضمن الأرنب، لكن رواية الخز المغشوش دالة
عليها (5). وقد روى علي بن مهزيار قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة:
عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب
من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب: " لا تجوز الصلاة فيها " (6).
وفي المقنع: لا بأس بالصلاة في السنجاب والسمور والفنك (7) لما روي
في ذلك من الرخص.
الرابع: لا تجوز الصلاة في قلنسوة أو تكة متخذين من جلد غير المأكول

(1) التهذيب 2: 211 ح 827، الاستبصار 1: 385 ح 1461.
(2) التهذيب 2: 210 ح 825، الاستبصار 1: 384 ح 1459، عن حماد عن الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام.
(3) التهذيب 2: 211 ح 826، الاستبصار 1: 385 ح 1560.
(4) المعتبر 2: 87.
(5) تقدمت في ص 37 الهامش 4.
(6) الكافي 3: 399 ح 9، التهذيب 2: 206 ح 806، الاستبصار 1: 383 ح 1451.
(7) المقنع: 24.
39

لتناول الأدلة لهما.
وفي التهذيب حمل رواية. جميل بجواز الصلاة في جلود الثعالب
الذكية على القلنسوة والتكة وشبههما مما لا تتم به الصلاة (1). فقضية كلامه
الجواز والأشبه المنع، واستثناء ذلك انما ثبت في النجاسة وهي مانع عرضي،
ومثل ذلك ما لو اتخذتا من وبر غير المأكول، لما قلناه من العموم.
وفي رواية محمد بن عبد الجبار انه كتب إلى أبي محمد عليه السلام
يسأله: هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير، أو تكة
من وبر الأرانب؟ فكتب: " لا تحل الصلاة في الحرير المحض، وان كان الوبر
ذكيا حلت الصلاة فيه " (2).
وأجيب بضعف المكاتبة، ولأنها تضمنت قلنسوة عليها وبر فلا يلزم منه
جوازها من الوبر.
وثالثها: الحرير المحض للرجل في غير الحرب والضرورة، وعليه
اجماع علماء الاسلام. وتبطل الصلاة فيه عندنا، للنهي الدال على فساد
العبادة، سواء كان هو الساتر للعورة أو غيره.
والاخبار بتحريم لبسه متظافرة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم
السلام. وعن أبي الحرث عن الرضا عليه السلام النهي عن الصلاة فيه (3) وقد
تقدمت المكاتبة (4).
واما رواية محمد بن بزيع، عن الرضا عليه السلام في الصلاة في ثوب
ديباج: " لا بأس ما لم يكن فيه التماثيل " (5) فحملها الشيخ على الحرب، أو

(1) التهذيب 2: 206.
(2) التهذيب 2: 207 ح 810، الاستبصار 1: 383 ح 1453.
(3) التهذيب 2: 208 ح 814، الاستبصار 1: 386 ح 1464.
(4) راجع الهامش 2.
(5) التهذيب 2: 208 ح 815، الاستبصار 1: 386 ح 1465.
40

على غير المحض.
واما رواية يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام: " لا بأس
بالثوب ان يكون سداه وزره وعلمه حريرا، وانما كره الحرير المبهم للرجال " (1)
فمن باب اطلاق المكروه على الحرام.
وكذا رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: " وانما يكره الحرير
المحض للرجال والنساء " (2) وفيه ما مر من استعمال المشترك في معنييه.
وكذا رواية جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام: انه كان يكره
القميص المكفوف بالديباج، ويكره لباس الحرير (3).
واما القلنسوة والتكة فقد دلت الرواية السابقة على المنع، وقد روى عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام في الثوب علمه ديباج: " لا تصل فيه " (4).
ويمكن الحمل على الكراهية، لما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه
السلام: " كل شئ لا تتم الصلاة فيه وحده، فلا بأس بالصلاة فيه، مثل: تكة
الإبريسم، والقلنسوة، والخف، والزنار يكون في السراويل ويصلى فيه " (5) ولأنه
لا يزيد عن الكف بالحرير كما يجعل في الذيل ورؤوس الأكمام، وقد رووا عن
النبي صلى الله عليه وآله: انه نهى عن الحرير، الا موضع إصبعين، أو ثلاث،
أو أربع (6) وروينا عن جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام: انه كان
يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج (7)، والأصل في الكراهية استعمالها

(1) الفقيه 1: 171 ح 808، التهذيب 2: 209 ح 817، الاستبصار 1: 386 ح 1467.
(2) التهذيب 2: 367 ح 1524، الاستبصار 1: 386 ح 1468.
(3) الكافي 3: 403 ح 27، 6: 454 ح 6، التهذيب 2: 364 ح 1510.
(4) التهذيب 2: 372 ح 1548.
(5) التهذيب 2: 357 ح 1478.
(6) صحيح مسلم 3: 1643 ح 2069، سنن ابن ماجة 2: 1188 ح 3593، سنن أبي داود 4:
47 ح 4042، مسند أبي يعلى 1: 189 ح 213، شرح معاني الآثار 4: 244.
(7) راجع الهامش 3.
41

في بابها. وبه أفتى الأصحاب (1).
وروت أسماء - في الصحاح -: انه كان للنبي صلى الله عليه وآله جبة
كسروانية لها لبنة ديباج، وفرجاها مكفوفان بالديباج، وكان النبي صلى الله عليه
وآله يلبسها، قالت أسماء: فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها (2).
قلت: اللبنة: الجيب.
ثم هنا مسائل:
الأولى: يجوز افتراش الحرير والصلاة عليه والتكأة، لرواية علي بن
جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام: " تفترشه وتقوم عليه، ولا تسجد عليه " في
سؤال علي له أيصلح للرجل النوم عليه والتكأة (3)؟ وظاهر الكلام شمول
الجواب.
وتردد فيه المحقق، قال: لعموم تحريمه على الرجال (4).
قلت: الخاص مقدم على العالم مع اشتهار الرواية، مع أن أكثر
الأحاديث تتضمن اللبس.
الثانية: يجوز لبس الحرير للنساء اجماعا، لما تقدم من تخصيص
الرجال، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " حرام على ذكور
أمتي " (5).

(1) راجع: المبسوط 1: 84، النهاية 98، المعتبر 2: 89، تذكرة الفقهاء 1: 95.
(2) المصنف لابن أبي شيبة 8: 170، مسند أحمد 6: 347، صحيح مسلم 3: 1641
ح 2069، سنن ابن ماجة 2: 1188 ح 3594، سنن أبي داود 4: 49 ح 4054.
(3) قرب الإسناد: 86، التهذيب 2: 373 ح 1553.
(4) المعتبر 2: 89.
(5) المصنف لابن أبي شيبة 8: 163، مسند أحمد 1: 96، 115، سنن ابن ماجة 2: 1189
ح 3595، سنن أبي داود 4: 50 ح 4057، سنن النسائي 8: 160، مسند أبي يعلى 1: 235
ح 272.
42

وفي صحيح مسلم عن علي عليه السلام، قال: " أهديت لرسول الله
صلى الله عليه وآله حلة سيراء فبعث بها إلي وأمرني فاطرتها بين نسائي " (1).
وفي خبر آخر عن علي عليه السلام: " ان أكيدر دومة أهدى إلى النبي
صلى الله عليه وآله ثوب حرير، فقال: شفقة خمرا بين الفواطم " (2).
قلت: السيراء - بالسين المهملة المكسورة، والياء المثناة تحت
المفتوحة - هي الحلة فيها خطوط صفر. ومعنى أطرتها: شققتها، لما في العبارة
الأخرى، اما من قولهم: أطرت المال بين القوم فطار لفلان كذا، أي: قدر، واما من
أطرت الشئ آطره إذا عطفته. ودومة: موضع بالشام قرب تبوك، والمشهور فيها
ضم الدال وأجاز جماعة فتحها، وانكره ابن دريد ونسبه إلى خطأ المحدثين (3).
واما صلاتهن فيه فالمشهور الجواز، لجواز اللبس لهن، والامر بالصلاة
مطلق فلا يتقيد الا بدليل.
ومنعه محمد بن بابويه (4) لان زرارة سمع الباقر عليه السلام: ينهى عن
لباس الحرير للرجال والنساء، الا ما كان من خز مخلوط في لحمته أو سداه،
أو كتان أو قطن، وانما يكره الحرير المحض للرجال والنساء (5). قال: وورد
الرخصة لهن بلبسه لا يلزم منها جواز الصلاة فيه، فيبقى النهي العام بحاله (6).
قلنا: طريق الخبر فيه موسى بن بكر وهو واقفي، مع معارضته بأشهر منه

(1) المصنف لابن أبي شيبة 8: 159، مسند أحمد 1: 139، صحيح البخاري 7: 195،
صحيح مسلم 3: 1644 ح 2071، سنن أبي داود 4: 47 ح 4043، سنن النسائي 8: 197.
(2) مسند أحمد 1: 130، صحيح مسلم 3: 1645 ح 2071، سنن ابن ماجة 2: 1189
ح 3596، مسند أبي يعلى 1: 343 ح 437، شرح معاني الآثار 4: 253.
(3) جمهرة اللغة 3: 301.
(4) الفقيه 1: 171.
(5) التهذيب 2: 367 ح 1524، الاستبصار 1: 386 ح 1468.
(6) الفقيه 1: 171.
43

وأصح طريقا (1) وفتوى الأصحاب (2). ولو صح أول بحمل النهي على معنييه
لقرينة، وتحمل الكراهية كذلك.
قال المحقق: هذه الرواية لا تبلغ حجة في تقييد إطلاق الأوامر
القرآنية (3). وفي المبسوط، تنزههن عنه أفضل (4).
الثالثة: انما يحرم الحرير المحض اما الممتزج بغيره فلا، لما سبق. ولا
فرق بين كون الحرير أكثر أو أقل - ولو كان الخليط عشرا، قاله المحقق (5) - لما
رووه عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وآله انما نهي عن الثوب الحرير
المصمت (6) ولأصالة الحل، الا مع صدق الثوب من الحرير، وهو غير صادق
مع المزج.
نعم، لو استهلك الحرير الخليط حتى أطلق عليه الحرير حرم، ولذا
لو خيط الحرير بغيره لم يخرج عن التحريم، وأظهر في المنع ما لو كانت البطانة
حريرا وحدها أو الظهارة.
اما الحشو بالحرير فقد قطع المحقق بمنعه، لعموم النهي، وللسرف (7)
وهو ظاهر ابن بابويه (8). وبعض العامة جوزه، لأنه لا خيلاء فيه (9).
وقد قال الحسين بن سعيد: قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبى
الحسن الرضا عليه السلام يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز، فكتب إليه

(1) التهذيب 2: 208 ح 817، الاستبصار 1: 386 ح 1467.
(2) راجع: الوسيلة: 87، المراسم: 64، الغنية: 493.
(3) المعتبر 2: 89.
(4) المبسوط 1: 83.
(5) المعتبر 2: 90.
(6) مسند أحمد 1: 313، سنن أبي داود 4: 50 ح 4055، شرح معاني الآثار 4: 255.
(7) المعتبر 2: 91.
(8) الفقيه 1: 171، المقنع 24.
(9) المجموع 4: 438.
44

- وقرأته -: " لا بأس بالصلاة فيه "، أورده الشيخ في التهذيب (1) وأوله ابن بابويه
بقز الماعز دون قز الإبريسم (2).
قال المحقق: ولأن الراوي لم يسمعه من محدث وانما وجده في
كتاب (3).
قلت يضعف الأول بأنه خلاف الحقيقة الظاهرة، والثاني بان اخبار
الراوي بصيغة الجزم، والمكاتبة المجزوم بها في قوة المشافهة، مع أن الخاص
مقدم على العام، فلو قيل بالعمل برواية الحسين لم يكن بعيدا.
ويؤيده ما ذكره الصدوق في الفقيه: انه كتب إبراهيم بن مهزيار إلى أبي
محمد عليه السلام في الرجل يجعل في جبة بدل القطن قزا، هل يصلي فيه؟
فكتب: " نعم، لا بأس به " (4) أورده الصدوق بصيغة الجزم أيضا.
الرابعة: يجوز لبس الحرير المحض للرجال في الحرب باتفاق علمائنا.
وقد رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام: " وان كان فيه
تماثيل " (5).
وروى العامة: انه كان لعروة يلمق من ديباج بطانته من سندس محشو
قزا، وكان يلبسه في الحرب (6) بمحضر التابعين، ولم ينكر عليه ذلك.
قلت: اليلمق: القبا، فارسي معرب.
قالوا: ولأن لبسه انما منع للخيلاء، وهو سائغ في الحرب، لما روي أن

(1) التهذيب 2: 364 ح 1509.
(2) الفقيه 1: 171 ح 807.
(3) المعتبر 2: 91.
(4) الفقيه 1: 171 ح 807.
(5) الكافي 6: 453 ح 3، الفقيه 1: 171 ح 807، التهذيب 2: 208 ح 816، الاستبصار 1:
386 ح 1466.
(6) المصنف لعبد الرزاق 11: 71 ح 19943، سنن سعيد بن منصور 2: 207 ح 2531،
المصنف لابن أبي شيبة 8: 166.
45

النبي صلى الله عليه وآله رأي رجلا من أصحابه يختال في مشيته بين الصفين،
فقال عليه السلام: " انها لمشية يبغضها الله الا في هذه المواطن " (1).
قال المحقق: ولأنه تحصل به قوة القلب، ومنع لضرر الزرد عند حركته،
فجرى مجرى الضرورة (2).
الخامسة: يجوز لبسه مع الضرورة اجماعا، كالبرد الشديد المانع من
نزعه، أو الحر مع عدم غيره، وكدفع القمل.
وفي صحيح مسلم عن أنس: ان رسول الله صلى الله عليه وآله رخص
لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في القمص الحرير في السفر من حكة
كانت بهما، أو وجع كان بهما (3) وفي رواية أخرى عنه عنه ولم يذكر السفر (4).
وفي رواية أخرى عنه عنه صلى الله عليه وآله: انهما شكوا القمل، فرخص لهما
في قمص الحرير في غزاة لهما (5). والظاهر تعدي هذه الرخصة، لان مناطها
الضرورة.
السادسة: يحرم على الخنثى لبسه، أخذا بالاحتياط.
اما الصبي، فهل يحرم على الولي تمكينه منه؟ نحتمله (6) لعموم (الذكر) (7)
ولقول جابر: كنا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري (8). وقوى في المعتبر

(1) سيرة ابن هشام 3: 71، كنز العمال 4: 317 ح 10685 عن الطبراني في الكبير.
(2) المعتبر 2: 88.
(3) مسند أحمد 3: 215، صحيح مسلم 3: 1646 ح 2076، سنن أبي داود 4: 50 ح 4056،
السنن الكبرى 3: 268.
(4) المصنف لابن أبي شيبة 8: 167، صحيح البخاري 4: 50، 7: 195، صحيح مسلم 3:
1646 ح 2076، سنن ابن ماجة 2: 188 ح 3592، سنن النسائي 8: 202.
(5) مسند أحمد 3: 192، صحيح البخاري 4: 50، صحيح مسلم 3: 1647 ح 2076، الجامع
الصحيح 4: 218 ح 1722، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 395 ح 5408.
(6) في س: يحتمل.
(7) تقدم في ص 42 الهامش 5.
(8) سنن أبي داود 4: 50 ح 4059.
46

الكراهية، لعدم تناول التكليف الصبي، وفعل جابر والصحابة تورع (1)، وتبعه
الفاضل في التذكرة (2) ولعله الأقرب، تمسكا بالأصل، وعدم قاطع يخرج عنه.
السابعة: لو لم يجد المصلي الا الحرير، ولا ضرورة (3) في التعري،
صلى عاريا عندنا، لان وجوده كعدمه مع تحقق النهي عنه. وجوزه العامة بل
أوجبوه، لان ذلك من الضرورات (4).
ولو وجد النجس والحرير، واضطر إلى أحدهما للبرد أو الحر، فالأقرب
لبس النجس، لان مانعه عرضي.
ورابعها: الذهب، والصلاة فيه حرام على الرجال، فلو موه به ثوبا وصلى
فيه بطل، بل لو لبس خاتما منه وصلي فيه بطلت صلاته، قاله الفاضل، لقول
الصادق عليه السلام: " جعل الله الذهب حلية لأهل الجنة، فحرم على الرجال
لبسه والصلاة فيه " رواه موسى بن أكيل النميري (5) عنه. وفعل المنهي عنه
مفسد للعبادة.
وقوي في المعتبر عدم الابطال بلبس خاتم من ذهب، لاجرائه مجري
لبس خاتم مغصوب (6) والنهي ليس عن فعل من أفعال الصلاة، ولا عن شرط
من شروطها.
فرع:
لو موه الخاتم بذهب فالظاهر تحريمه، لصدق اسم الذهب عليه. نعم،
لو تقادم عهده حتى اندرس وزال مسماه جاز. ومثله الاعلام على الثياب من

(1) المعتبر 2: 91.
(2) تذكرة الفقهاء: 96.
(3) كذا في النسخ ولعل الصحيح: ولا ضرر.
(4) المجموع 3: 142، 180، فتح العزيز 4: 104.
(5) التهذيب 2: 227 ح 894.
(6) المعتبر 2: 92.
47

الذهب، أو المموه به، في المنع من لبسه والصلاة فيه.
قال أبو الصلاح: تكره الصلاة في الثوب المصبوغ، وآكده كراهية
الأسود، ثم الأحمر المشبع، والمذهب، والموشح، والملحم بالحرير
والذهب (1).
قال: وأفضل الثياب البياض من القطن والكتان (2).
وخامسها: المغصوب، فتبطل الصلاة فيه مع العلم بالغصب عند جميع
الأصحاب، لتحقق النهي المفسد للعبادة، ولاشتمال العبادة على قبيح فلا
تكون مأمورا بها.
وفي المعتبر أسند التحريم إلى جميع الأصحاب، والبطلان إلى الأكثر،
واختار البطلان إن ستر العورة به أو سجد عليه أو قام فوقه، لأنه منهي عن تلك
الحركة المخصوصة مع أنها جزء من الصلاة، ولو لم يكن كذلك لم تبطل كما
لو لبس خاتما مغصوبا (3).
قال: لأني لم أقف على نص عن أهل البيت عليهم السلام بابطال
الصلاة (4).
والتزم الفاضل البطلان بالخاتم المغصوب وغيره مما يستصحب في
الصلاة، لتحقق النهي عن ذلك. ولو لم يستصحب صحت صلاته في آخر
الوقت (5).
وهذا كله بناء على أن الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده، وان النهي
في العبادة مفسد، سواء كان عن اجزائها أو عن وصف لا تنفك منه. ولا تخلو

(1) الكافي في الفقه: 140.
(2) الكافي في الفقه: 140.
(3) المعتبر: 2: 92.
(4) المعتبر 2: 92.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 96، نهاية الإحكام 1: 378.
48

هذه المقدمات من نظر، فقول المحقق لا يخلو من قوة، وان كان الاحتياط
للدين الابطال كيف كان.
اما لو جهل الغصبية فلا تحريم ولا ابطال، لعدم توجه النهي هنا.
ولو جهل الحكم لم يعذر، لأنه جمع بين الجهل والتقصير في التعليم.
ولو نسي الحكم فكذلك، لاستناده إلى تقصيره في التحفظ.
ولو نسي الغصب فوجهان، من رفع القلم عن الناسي، واختاره ابن إدريس
، واستناده إلى عدم التكرار المتضمن للتذكار (1). ويمكن القول بالإعادة
في الوقت، لقيام السبب وعدم تيقن الخروج عن العهدة، بخلاف ما بعد الوقت
لزوال السبب، والقضاء انما يجب بأمر جديد وهو غير معلوم التوجه هنا. وهو
خيرة المختلف (2).
وسادسها: أن لا يكون نجسا، وقد مر حكمه.
وسابعها: أن لا يصلي في نعل ساتر ظهر القدم ليس له ساق،
كالشمشك والنعل السندي. وأسنده في المعتبر إلى الشيخين، استنادا إلى فعل
النبي صلى الله عليه وآله وعمل الصحابة والتابعين والأئمة الصالحين (3).
والمعتمد ضعيف، فإنه شهادة على النفي غير المحصور، ومن الذي
أحاط علما بأنهم كانوا لا يصلون فيما هو كذلك.
ومنع سلار من الصلاة في الشمشك والنعل السندي الا صلاة الجنازة (4).
وكرهه الشيخ - في المبسوط - وابن حمزة، وجوزوا ذا الساق كالخفين
والجرموقين (5) - والجرموق خف واسع قصير يلبس فوق الخف - استنادا إلى

(1) السرائر: 58.
(2) مختلف الشيعة: 82.
(3) المعتبر 2: 93، راجع: المقنعة: 25، النهاية: 98.
(4) المراسم: 65.
(5) المبسوط 1: 83، الوسيلة: 88.
49

فعل من ذكرناه.
وقد روى البزنطي - فيما سلف - عن الرضا عليه السلام جواز الصلاة في
الخف (1) ومثله روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (2) ورواية الحسن بن
الجهم عنه عليه السلام أيضا (3) ورواية إبراهيم بن مهزيار قال: سألته عن
الصلاة في جرموق وبعثت إليه به، فقال: " يصلى فيه " (4).
وثامنها: أن لا يكون رقيقا يحكي البشرة، فلو حكاها لم يكف في الستر،
لعدم صدق اسمه. وفى مرفوع أحمد بن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال " لا تصل فيما شف أو وصف " يعني الثوب المصقل (5).
قلت: معنى شف: لاحت منه البشرة، ووصف: حكى الحجم، وفي
خط الشيخ أبي جعفر في التهذيب " أو صف " بواو واحدة، والمعروف بواوين من
الوصف.
وتاسعها: أن لا يكون ثقيلا يمنع بعض الأفعال مع القدرة على غيره الا
لضرورة، لمنافاته الواجب المقصود بالذات. فلو لم يجد سواه صلى عاريا ولو
قلنا بجواز الصلاة في النجس اختيارا، إذ النجس يمكن معه استيفاء الافعال
مع الفوز بالستر، بخلاف الثقيل. وكذا لو كان صلبا كالحديد المانع من بعض الأفعال.

(1) التهذيب 2: 371 ح 1545.
(2) الكافي 3: 403 ح 28، التهذيب 2: 234 ح 920.
(3) الكافي 3: 404 ح 31، التهذيب 2: 234 ح 921.
(4) الكافي 3: 404 ح 32، التهذيب 2: 234 ح 923.
(5) التهذيب 2: 214 ح 837.
50

الفصل الثالث: فيما تكره فيه الصلاة أو تستحب.
وفيه مسائل..
الأولى: تكره في الثوب الذي يلاصق وبر الأرانب أو الثعالب، سواء كان
فوقه أو تحته، لاستبعاد تخلصه منهما، وقد قيل بنجاستهما (1) فلا أقل من
الكراهية.
وعليه يحمل ما رواه أبو علي بن راشد عن أبي جعفر عليه السلام: وسألته
عن الصلاة في الثوب الذي يلي الثعالب، فقال: " لا " (2).
وكذا ما رواه في التهذيب عن علي بن مهزيار، عن رجل سأل الماضي
عليه السلام عن الصلاة في الثعالب، فنهي عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي
يليه، فلم أدر أي الثوبين: الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد؟ فوقع
بخطه: " الذي يلصق بالجلد "، وذكر أبو الحسن (3) انه سأله عن هذه المسألة،
فقال: " لا تصل في الذي فوقه، ولا في الذي تحته " (4) كما حمله الشيخ في
المبسوط، قال: الان أن يكون أحدهما رطبا، لان ما هو نجس إذا كان يابسا لا
تتعدى منه النجاسة إلى غيره (5).
قلت: هذا بناء على نجاسة الثعلب، أو على عدم وقوع الذكاة عليه،
وكلام الشيخ صريح في أن نجاسة الميتة لا تتعدي الا بالرطوبة، الا ان يريد به
نفس الوبر، لكن الرواية مصرحة بالجلد.

(1) أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 110.
(2) الكافي 3: 400 ح 14، التهذيب 2: 210 ح 822، الاستبصار 1: 384 ح 1457.
(3) في الكافي والتهذيب زيادة " عليه السلام ".
(4) الكافي 3: 399 ح 8، وفي التهذيب 2: 206 ح 808، والاستبصار 1: 381 ح 1446 عن
الرضا عليه السلام.
(5) المبسوط 1: 83.
51

وقول ابن بابويه: إياك أن تصلي في ثعلب، ولا في الثوب الذي يليه من
تحته وفوقه (1) يحمل أيضا على الكراهية. ويمكن أيضا حمل كلام الشيخ في
النهاية: لا يجوز (2) على ذلك.
ولو وجد على الثوب وبر، فالظاهر عدم وجوب الإزالة، لطهارته على
الأصح، وكذا شعر ما لا يؤكل لحمه.
وفي التهذيب ان علي بن الريان كتب إلى أبي الحسن عليه السلام: هل
تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الانسان وأظفاره من قبل ان ينفضه
ويلقيه عنه؟ فوقع: " يجوز " (3).
وفي مكاتبة محمد بن عبد الجبار إلى أبي محمد عليه السلام في قلنسوة
عليها وبر ما لا يؤكل لحمه: " ان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه إن شاء الله " (4).
الثانية: تكره في الرقيق الذي لا يحكي، تباعدا من حكاية الحجم،
وتحصيلا لكمال الستر. نعم، لو كان تحته ثوب آخر لم يكره إذا كان الأسفل
ساترا للعورة.
اما الثوب الواحد الصفيق، فظاهر الأصحاب عدم الكراهية للرجل، لما
رواه البخاري عن جابر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي في
ثوب واحد متوشحا به (5).
وقد روى الأصحاب عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه: انه رآه

(1) الفقيه 1: 170.
(2) النهاية: 97.
(3) الفقيه 1: 172 ح 812، التهذيب 2: 367 ح 1526.
(4) التهذيب 2: 207 ح 810، الاستبصار 1: 383 ح 1453.
(5) المصنف لعبد الرزاق 1: 350 ح 1366، مسند أحمد 3: 294، صحيح البخاري 1: 102،
صحيح مسلم 1: 396 ح 518، السنن الكبرى 2: 237.
52

يصلي في إزار واحد قد عقده على عنقه (1).
وروى محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي
في ثوب واحد: " إذا كان صفيقا فلا بأس " (2).
والشيخ في المبسوط: يجوز إذا كان صفيقا، ويكره إذا كان رقيقا (3).
وفي الخلاف: يجوز في قميص وان لم يزره ولا يشد وسطه، سواء كان
واسع الجيب أو ضيقه (4).
وروى زياد بن سوقة عن أبي جعفر عليه السلام: " لا بأس ان يصلى في
الثوب الواحد وأزراره محلولة، ان دين محمد حنيف "، وقد مر (5).
ولا يعارضه رواية غياث بن إبراهيم، عن جعفر عن أبيه، قال، " لا يصلي
الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه ازار " (6) للحمل على الكراهية.
وبعض العامة: الفضل في ثوبين (7) لما روى عن النبي صلى الله عليه
وآله: " إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما " (8) ولا بأس به، والاخبار الأول لا
تنافيه لدلالتها على الجواز. ويؤيده عموم قوله تعالى: (خذوا زينتكم عند كل
مسجد) (9) ودلالة الاخبار: " ان الله أحق أن يتزين له " (10) وأورد هذا في التذكرة

(1) الكافي 3: 394 ح 2، التهذيب 2: 217 ح 855.
(2) الكافي 3: 393 ح 1، التهذيب 2: 216 ح 852.
(3) المبسوط 1: 83.
(4) الخلاف 1: 401 المسألة: 152.
(5) تقدم في ص 19 الهامش 1.
(6) التهذيب 2: 326 ح 1334، 357 ح 1476، الاستبصار 1: 392 ح 1495.
(7) قاله احمد، راجع: المغني 1: 657، الشرح الكبير 1: 494.
(8) سنن أبي داود 1: 172 ح 635، السنن الكبرى 2: 236.
(9) سورة الأعراف: 31.
(10) شرح معاني الآثار 1: 378، السنن الكبرى 2: 236.
53

عن النبي صلى الله عليه وآله وأفتى به (1).
فيكون مع القميص إزار أو سراويل مع الاتفاق على أن الامام يكره له ترك
الرداء، وقد رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام: " لا ينبغي الا
ان يكون عليه رداء، أو عمامة يرتدي بها " (2).
والظاهر أن الفاعل بثوب واحد من الأصحاب انما يريد به الجواز
المطلق، ويريد به أيضا على البدن، والا فالعمامة مستحبة مطلقا، وكذا
السراويل، وقد روي تعدد الصلاة الواحدة بالتعمم والتسرول.
اما المرأة فلا بد من ثوبين: درع وخمار، الا ان يكون الثوب يشمل الرأس
والجسد، وعليه حمل الشيخ رواية عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام
في جواز صلاة المسلمة بغير قناع (3).
ويستحب ثلاث للمرأة، لرواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه
السلام: درع، وخمار، وملحفة (4). ورواية عبد الله بن أبي يعفور عنه عليه
السلام: " ازار، ودرع، وخمار ". قال: " فإن لم تجد فثوبين تأتزر بأحدهما
وتقنع بالآخر ". قلت: فإن كان درعا وملحفة ليس عليها مقنعة؟ قال: " لا بأس
إذا تقنعت بالملحفة " (5).
الثالثة: تكره الصلاة في الثياب السود، لما رواه الكليني عمن رفعه إلى
أبي عبد الله عليه السلام: " يكره السواد الا في ثلاثة: الخف، والعمامة،
والكساء " (6).

(1) تذكرة الفقهاء 1: 93.
(2) الكافي 3: 394 ح 3، التهذيب 2: 366 ح 1521.
(3) التهذيب 2: 218، الاستبصار 1: 389، والحديث فيهما برقم 858، 1482.
(4) التهذيب 2: 218 ح 860، الاستبصار 1: 390 ح 1484.
(5) الكافي 3: 395 ح 11، التهذيب 2: 217 ح 856، الاستبصار 1: 389 ح 1480.
(6) الكافي 3: 403 ح 29، الفقيه 1: 163 ح 767، الخصال: 148، علل الشرائع: 347،
التهذيب 2: 213 ح 835.
54

وفي مرفوع آخر إليه عليه السلام في القلنسوة السوداء: " لا تصل فيها،
فإنها لباس أهل النار " (1).
وقال ابن بابويه: ولا تصل في السواد (2) فان النبي صلى الله عليه وآله
قال: " لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي، فتكونوا
أعدائي " (3).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله: " البسوا من ثيابكم البياض، فإنها
من خير ثيابكم " (4) وفيه دلالة على أفضلية البيض للمصلحة، فالمضاد لا
يشاركها في المصلحة.
ويكره للرجال - خاصة - المزعفر والمعصفر، قال المحقق: لما روي عن
عبد الله بن عمرو، قال: رأى النبي صلى الله عليه وآله علي ثوبين معصفرين،
قال: " هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها "، ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله
انه نهى الرجال عن المزعفر (5).
قلت: الأول أورده مسلم (6) وروى أيضا عن علي عليه السلام: " ان
رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن لبس القسي، والمعصفر، وعن تختم

(1) الكافي 3: 403 ح 30، الفقيه 1: 162 ح 765، التهذيب 2: 213 ح 836.
(2) المقنع: 24.
(3) رواه الصدوق في الفقيه 1: 163 ح 769، وعلل الشرائع: 348، باسناده إلى الإمام الصادق
عليه السلام قال: " أوحى الله عز وجل إلى نبي من أنبيائه: قل للمؤمنين ان لا يلبسوا
ملابس... ".
(4) مسند أحمد 1: 247، السنن الكبرى 5: 33.
(5) المعتبر 2: 94.
ورواية عبد الله بن عمرو في: المصنف لعبد الرزاق 11: 79 ح 19974، مسند أحمد 2:
162، سنن النسائي 8: 203.
ونهي النبي صلى الله عليه وآله في مصادر الهامش رقم 2 من الصفحة التالية.
(6) صحيح مسلم 3: 1647 ح 2077.
55

الذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع " (1).
قلت: القسي - بفتح القاف وتشديد السين المهملة - منسوب إلى القس
موضع، وهي من ثياب مصر فيها حرير.
وعن أنس: ان النبي صلى الله عليه وآله نهى ان يتزعفر الرجل (2).
وروينا عن يزيد بن خليفة، عن أبي عبد الله عليه السلام: انه كره
الصلاة في المشبع بالعصفر (والمصفر) (3) بالزعفران (4).
قال المحقق: وتكره في الأحمر، لرواية حماد بن عثمان، عن أبي
عبد الله عليه السلام، أنه قال: " تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع
المفدم ".
قال: والمفدم - بسكون الفاء -: المصبوغ المشبع بالحمرة (5).
فرع:
اقتصر كثير من الأصحاب على السواد في الكراهية (6).
وقال الفاضل: لا يكره شئ من الألوان سوى السواد والمعصفر والمزعفر
والمشبع بالحمرة، للأصل، ولما روى البراء: ما رأيت من ذي لمة في حلة
حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وآله (7).

(1) الموطأ 1: 80، مسند أحمد 1: 126، صحيح مسلم 3: 1648 ح 2087، سنن أبي داود
4: 47 ح 4044، الجامع الصحيح 2: 49 ح 264.
(2) صحيح البخاري 7: 197، صحيح مسلم 3: 1662 ح 2101، سنن أبي داود 4: 80
ح 4179، سنن النسائي 8: 189، مسند أبي يعلى 7: 5 ح 3888.
(3) في المصدر: " المضرج ".
(4) التهذيب 2: 373 ح 1550.
(5) المعتبر 2: 94.
ورواية حماد في: الكافي 3: 402 ح 22، التهذيب 2: 373 ح 1549.
(6) راجع النهاية: 97، المراسم: 62، الوسيلة: 85، نهاية الإحكام 2: 387.
(7) تذكرة الفقهاء 1: 99.
ورواية البراء في: سنن ابن ماجة 2: 1190 ح 3599، الجامع الصحيح 4: 219
ح 1724.
56

قلت: اللمة - بكسر اللام وتشديد الميم - الشعر يجاوز شحمة الأذن.
وكان عليه السلام يخطب، فرأى الحسن والحسين عليهم السلام عليهما
قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل إليهما صلى الله عليه وآله ولم ينكر
لباسهما. قال وروى الجمهور ان النبي صلى الله عليه وآله كان يصبغ ثيابه
كلها حتى عمامته بالصفرة ولبس صلى الله عليه وآله بردين أخضرين، ودخل
مكة وعليه عمامة سوداء (1).
وفي المبسوط: ولبس الثياب المفدمة بلون من الألوان، والتختم
بالحديد، مكروه في الصلاة (2). فظاهره كراهية المشبع مطلقا، واختاره أبو
الصلاح (3) وابن الجنيد (4) وابن إدريس (5) والأولى حمل رواية حماد عليه،
والتخصيص بالحمرة أخذه المحقق من ظاهر كلام الجوهري (6).
الرابعة: تكره في ثوب فيه تماثيل أو خاتم أو سيف ممثلين، سواء الرجل

(1) تذكرة الفقهاء 1: 99.
وعدم انكاره صلى الله عليه وآله لباس الحسنين في: مسند أحمد 5: 354، سنن ابن ماجة 2: 1190 ح 3600، الجامع الصحيح 5: 658 ح 3774، سنن النسائي 3: 108.
وصبغ ثيابه صلى الله عليه وآله بالصفرة في: سنن أبي داود 4: 52 ح 4064.
ولبسه صلى الله عليه وآله بردين أخضرين في: سنن أبي داود 4: 52 ح 4065.
ودخوله صلى الله عليه وآله مكة وعليه عمامة سوداء في: مسند أحمد 3: 363، صحيح
مسلم 2: 990 ح 1358، سنن ابن ماجة 2: 942 ح 2822، سنن أبي داود 4: 54 ح 4076،
الجامع الصحيح 4: 225 ح 1735، سنن النسائي 5: 201.
(2) المبسوط 1: 95.
(3) الكافي في الفقه: 140.
(4) مختلف الشيعة: 80.
(5) السرائر: 56.
(6) راجع الصحاح 5: 2001 - مادة فدم -.
57

والمرأة.
ويظهر من كلام الشيخ وابن البراج التحريم في الثوب والخاتم مع
التماثيل (1). ورواية ابن بزيع عن الرضا عليه السلام: انه سأله عن الثوب، فكره
ما فيه التماثيل (2). وروى عمار: انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة
في ثوب يكون في علمه مثال طير أو غير ذلك، قال: " لا "، وفي الخاتم فيه
مثال الطير أو غير ذلك " لا تجوز الصلاة فيه " (3). ويمكن حملهما على الكراهية
توفيقا، ولأصالة الصحة.
وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من طريقي العامة والخاصة: " ان
الملك لا يدخل بيتا فيه كلب، ولا تمثال جسد " (4) لا يدل على التحريم، لان
الملك ينفر من المكروه كما ينفر من الحرام.
فرع:
خص ابن إدريس الكراهية بتماثيل الحيوان لا غيرها كالأشجار (5)، ولعله
نظر إلى تفسير قوله تعالى: (يعملون له ما يشاء عن محاريب وتماثيل) (6) فعن
أهل البيت عليهم السلام انها كصور الأشجار (7).
وقد روي العامة في الصحاح ان رجلا قال لابن عباس: اني أصور هذه
الصور فافتني فيها؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " كل
مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسا، فتعذبه في جهنم "، وقال:

(1) المبسوط 1: 84، النهاية 99، المهذب 1: 75.
(2) الفقيه 1: 172 ح 810، عيون أخبار الرضا 2: 18.
(3) الفقيه 1: 165 ح 776، التهذيب 2: 372 ح 1548.
(4) الكافي 3: 393 ح 27، الخصال: 138، التهذيب 2: 377 ح 1570، صحيح مسلم 3:
1664 ح 2104، سنن أبي داود 4: 73 ح 4153.
(5) السرائر: 56.
(6) سورة سبأ: 13.
(7) المحاسن: 618، الكافي 6: 476 ح 3، مجمع البيان 8: 383.
58

إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له (1).
وفي مرسل ابن أبي عمير، عن الصادق عليه السلام في التماثيل في
البساط لها عينان وأنت تصلي، فقال: " ان كان لها عين واحدة فلا بأس، وان
كان لها عينان فلا " (2) وعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: " لا
بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه " (3). وأكثر هذه يشعر بما
قاله ابن إدريس، وان أطلقه كثير من الأصحاب.
فائدة:
تكره الصلاة إلى الوسائد الممثلة إذا كانت تجاه القبلة الا أن تغطي،
ويكره وضع الدراهم السود الممثلة بين يدي المصلي ولتكن خلفه، روى ذلك
كله ليث المرادي عن الصادق عليه السلام (4).
ولو كانت التماثيل تحته فلا بأس بالصلاة عليها، روى ذلك محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (5).
وروي أيضا عنه: لا بأس بالصلاة وفي ثوبه دراهم ممثلة (6) وقيده في خبر
حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام بان تكون مواراة (7).
وفي رواية سعد بن إسماعيل عن أبيه عن الرضا عليه السلام في المصلي

(1) مسند أحمد 1: 360، صحيح مسلم 3: 1670 ح 2110، مسند أبي يعلى 4: 451
ح 2577، شرح معاني الآثار 4: 286، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 537 ح 5818،
السنن الكبرى 7: 270.
(2) الكافي 3: 392 ح 22، التهذيب 2: 363 ح 1506.
(3) التهذيب 2: 363 ح 1503.
(4) الفقيه 1: 158 ح 741، التهذيب 2: 363 ح 1504.
(5) الفقيه 1: 158 ح 740 التهذيب 2: 363 ح 1505.
(6) التهذيب 2: 363 ح 1507.
(7) الكافي 3: 402 ح 20، التهذيب 2: 364 ح 1508.
59

والبساط عليه تماثيل، أيصلي عليه؟ فقال: " والله اني لأكرهه " (1) والخبر السالف
لا ينافيه بحمله على الجواز.
الخامسة: يكره اشتمال الصماء بالاجماع. وفسره في المبسوط والنهاية
بان يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه تحت يديه، ويجمعهما على منكب واحد،
كفعل اليهود (2).
وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: " إياك والتحاف الصماء،
بان تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد " (3).
وعن علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام في طريق الرداء: " لا
يصلح جمعهما على اليسار، ولكن اجمعهما على اليمين " (4).
وفي صحاح العامة عن جابر: ان النبي صلى الله عليه وآله نهى ان يأكل
الرجل بشماله، أو يمشى في نعل واحدة، وان يشتمل الصماء، وان يحتبي في
ثوب واحد كاشفا عن فرجه (5).
ورووا عن أبي سعيد الخدري: ان النبي صلى الله عليه وآله نهى عن
اشتمال الصماء، وهو: ان يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن، ويرد طرفيه
تحت منكبه الأيسر (6).
وعن ابن مسعود: ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى ان يلبس الرجل

(1) التهذيب 2: 370 ح 1540، الاستبصار 1: 394 ح 1503.
(2) المبسوط 1: 83، النهاية: 94.
(3) الكافي 3: 394 ح 4، الفقيه 1: 168 ح 792، معاني الأخبار: 390، التهذيب 2: 214
ح 841، الاستبصار 1: 388 ح 1474.
(4) التهذيب 2: 373 ح 1551.
(5) صحيح مسلم 3: 1661 ح 2099، مسند أبي يعلى 3: 306 ح 1772، السنن الكبرى 2:
224، تاريخ بغداد 13: 111.
(6) مسند أحمد 3: 94، الأدب المفرد: 389 ح 1180، سنن أبي داود 3: 255 ح 3378،
باختلاف في اللفظ والمعنى واحد.
60

ثوبا واحدا يأخذ بجوانبه عن منكبيه، تدعى تلك الصماء (1).
وقال ابن فارس: ان يلتحف بالثوب، ثم يلقى الجانب الأيسر على
الأيمن (2).
وقال الجوهري: ان تجلل جسدك بثوبك، نحو شملة الاعراب
بأكسيتهم، وهو ان يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر،
ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا (3).
قال: وذكر أبو عبيد ان الفقهاء يقولون: هو ان يشتمل بثوب واحد ليس
عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه
فرجه (4).
وقال الهروي: هو ان يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا (5).
قال القتيبي: وانما قيل صماء لأنه إذا اشتمل به سد على يديه ورجليه
المنافذ كلها كالصخرة الصماء.
وقال الأصمعي: ان يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده، ولا يرفع منه
جانبا، فيكون فيه فرجة يخرج منها يده.
قال في الغريبين: من فسره بما قاله أبو عبيد فلكراهية التكشف وابداء
العورة، ومن فسره تفسير أهل اللغة فإنه كره ان يتزمل به شاملا جسده، مخافة
ان يدفع منها إلى حالة سادة لمتنفسه فيهلك.

(1) المغني 1: 658.
(2) مجمل اللغة 1: 531.
(3) الصحاح 5: 1968 حكاه عن أبي عبيد.
(4) الصحاح 5: 1968، وفيه " فرجة "، وهو الأنسب للحكم بالكراهة. ولكن الموجود في غريب
الحديث كما في المتن.
(5) حكاه عنه الهروي في غريب الحديث 2: 117.
61

فرع: على ما فسرناه به لا فرق بين ان يكون تحته ثوب آخر أولا، كما قال في
المعتبر (1) وعلى تفسير الفقهاء انما يكره إذا لم يكن ثوب ساتر للفرج.
السادسة: تكره الصلاة في ثوب المتهم بالتساهل في النجاسة احتياطا
للصلاة، وكذا من لا يتوفى المحرمات في الملابس.
ولا يحرم، للأصل، ولرواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام:
أن سنانا أتاه سأله في الذمي يعيره الثوب، وهو يعلم أنه يشرب الخمر ويأكل
لحم الخنزير، فيرده عليه، أيغسله؟ قال عليه السلام: " صل فيه ولا تغسله،
فإنك أعرته وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه، فلا بأس ان تصلي فيه حتى
تستيقن انه نجسه " (2).
وعن المعلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام: " لا بأس بالصلاة في
الثياب التي يعملها المجوس والنصارى واليهود " (3).
وعن معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثياب
السابرية يعملها المجوس وهم يشربون الخمر، ألبسها ولا أغسلها وأصلي فيها؟
قال: " نعم ". قال معاوية: فقطعت له قميصا، وخطته وفتلت له أزرارا ورداء من
السابري، ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار، فكأنه عرف ما أريد
فخرج فيها إلى الجمعة (4).
وانما قلنا بالكراهية، لما روى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام

(1) المعتبر 2: 96.
(2) التهذيب 2: 361 ح 1495، الاستبصار 1: 392 ح 1497.
(3) التهذيب 2: 361 ح 1496.
(4) التهذيب 2: 362 ح 1497.
62

في الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري ويشرب الخمر فيرده أفيصلي
فيه قبل ان يغسله؟ قال: " لا يصل فيه حتى يغسله " (1). والتوفيق بالاستحباب،
قال الشيخ: لان الأصل في الأشياء كلها الطهارة، فلا يجب الغسل الا بعد
العلم بالنجاسة (2). وروى الحلبي عن الصادق عليه السلام في ثوب
المجوسي: " يرش بالماء " (3).
قلت: في هذه الأخبار إشارة إلى أن غلبة ظن النجاسة لا تقوم مقام العلم
وان استند إلى سبب، وكذا فتوى الشيخ - رحمه الله - في النهاية والتهذيب (4)،
وقال في المبسوط: لا تصل في ثوب عمله كافر، ولا في ثوب اخذ ممن يستحل
شيئا من النجاسات أو المسكرات (5).
السابعة: يكره اللثام إذا لم يمنع القرآن، وان منع شيئا من الأذكار الواجبة
حرم. والمفيد أطلق المنع من اللثام (6).
وفي مضمر سماعة في الرجل يصلي ويتلو القرآن وهو متلثم: " لا بأس
به، وان كشف عن فيه فهو أفضل " (7).
وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يقرأ في صلاته
وثوبه على فيه، فقال: " لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة " (8).
وكذا يكره النقاب للمرأة ما لم يمنع من الأذكار، وهو في خبر سماعة

(1) التهذيب 2: 361 ح 1494، الاستبصار 1: 393 ح 1498.
(2) التهذيب 2: 361.
(3) التهذيب 2: 362 ح 1498.
(4) النهاية 99، التهذيب 2: 361.
(5) المبسوط 1: 84.
(6) المقنعة: 25.
(7) التهذيب 2: 230 ح 904.
(8) الكافي 3: 315 ح 15، الفقيه 1: 173 ح 818، التهذيب 2: 97 ح 364، 229 ح 903،
الاستبصار 1: 398 ح 1519.
63

المذكور: والمرأة المتنقبة " إذا كشفت عن موضع السجود لا بأس به، وان
سفرت فهو أفضل " (1).
وتكره لها الصلاة في خلخال ذي صوت، قالوا: لاشتغالها به.
الثامنة: يكره استصحاب الحديد بارزا، ولا بأس بالمستور.
وقد روى موسى بن أكيل عن الصادق عليه السلام: " لا بأس بالسكين
والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة، ولا بأس بالسيف وكل آلة سلاح في
الحرب، وفى غير ذلك لا يجوز في شئ من الحديد، فإنه مسخ نجس " (2).
وروى عمار: " إذا كان الحديد في غلاف فلا بأس به " (3). فالجمع بينهما
بحمل المطلق على المقيد.
وعن الصادق عليه السلام: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا
يصلي الرجل وفي يده خاتم حديد " (4).
قال المحقق: قد بينا ان الحديد ليس بنجس باتفاق الطوائف، فإذا ورد
التنجيس حملناه على كراهية استصحابه، فان النجاسة قد تطلق على ما
يستحب تجنبه، وتسقط الكراهية مع ستره، وقوفا بالكراهية على موضع الاتفاق
ممن كرهه (5).
التاسعة: ذكر كثير من الأصحاب كراهة الصلاة في قباء مشدود، الا في
الحرب (6).

(1) التهذيب 1: 230 ح 904.
(2) الكافي 3: 400 ح 13، التهذيب 2: 227 ح 894.
(3) قال الشيخ في التهذيب 2: 227 ذيل الحديث 894: (وقد قدمنا رواية عمار الساباطي ان
الحديد متى كان في غلاف...) ولم نلاحظ غيره.
(4) الكافي 3: 404 ح 35، الفقيه 1: 163 ح 771، التهذيب 2: 227 ح 895.
(5) المعتبر 2: 98.
(6) راجع: النهاية: 98، المراسم: 64، المهذب 1: 74، شرائع الاسلام 1: 70.
64

قال الشيخ: ذكره علي بن الحسين بن بابويه، وسمعناه من الشيوخ
مذاكرة، ولم أجد به خبرا مسندا (1).
قلت: قد روى العامة ان النبي صلى الله عليه وآله قال: " لا يصلي
أحدكم الا وهو محزم " (2) وهو كناية عن شد الوسط، وكرهه في المبسوط (3).
العاشرة: قال في التذكرة يكره التصليب في الثوب، لان عائشة قالت:
ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان لا يترك شيئا فيه تصليب الا قضبه يعني:
قطعه، ولما فيه من التشبه بالنصارى (4).
الحادية عشرة: حكى في التذكرة كراهة السدل، وهو: أن يلقى طرف
الرداء من الجانبين، ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى، ولا يضم طرفيه
بيده، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله نهي عنه (5).
وبه قطع ابن إدريس، ونسبه إلى اليهود، ذكر انه هو اشتمال الصماء عند
أهل اللغة، وانه قول المرتضى رحمه الله (6). وجزم ابن الجنيد أيضا بكراهة
السدل، ونسبه إلى اليهود.
وللعامة فيه خلاف، قال ابن المنذر: ولا أعلم فيه حديثا [يثبت] (7).

(1) التهذيب 2: 232.
(2) مسند أحمد 2: 458، سنن أبي داود 3: 253 ح 3369.
(3) المبسوط 1: 83.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 99.
ورواية عائشة في: مسند أحمد 6: 237، سنن أبي داود 4: 72 ح 4151.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 99.
ونهي النبي صلى الله عليه وآله في: مسند أحمد 2: 295، سنن أبي داود 1: 174 ح 643،
الجامع الصحيح 2: 217 ح 378، المستدرك على الصحيحين 1: 253.
(6) السرائر: 56.
(7) المجموع 3: 178، المغني 1: 658، الشرح الكبير 1: 504، وما بين المعقوفين من
المصدر.
65

الثانية عشرة: يكره الإزار فوق القميص، لقول الصادق عليه السلام في
رواية أبي بصير: " لا ينبغي ان تتوشح بإزار فوق القميص (1) إذا صليت، فإنه من
زي الجاهلية " (2)، و " لا ينبغي " ظاهره الكراهية، ولأن موسى بن بزيع سأل الرضا
عليه السلام أشد الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة، فقال: " لا بأس
به " (3).
وقد قيل: ان في الائتزار فوق القميص تشبها باهل الكتاب، وقد نهينا
عن التشبه بهم (4).
وروى موسى بن القاسم البجلي، قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه
السلام يصلي في قميص قد ائتزر فوقه بمنديل (5).
قال في المعتبر: الوجه ان التوشح فوق القميص مكروه، واما شد المئزر
فوقه فليس بمكروه (6) مع أن علي بن يقطين روى عن العبد الصالح، هل
يصلي الرجل وعليه ازار متوشح به فوق القميص؟ فكتب: " نعم " (7).
وقال في التهذيب عقيب الأخبار المذكورة: لا تناقض، لان المراد
بالاخبار المتقدمة هو أن لا يلتحف الانسان بالإزار ويشتمل به كما يلتحف
اليهود، واما التوشح بالإزار فهو ليغطي ما قد كشف منه، ويستر ما تعرى من
بدنه، لما رواه سماعة قال: سألته عن رجل يشتمل في صلاته بثوب واحد،

(1) في الكافي زيادة: " وأنت تصلي، ولا تتزر بإزار فوق القميص " وراجع في ذلك: الحدائق
الناضرة 7: 120، جواهر الكلام 8: 237.
(2) الكافي 3: 395 ح 8، التهذيب 2: 214 ح 840، الاستبصار 1: 388 ح 1473.
(3) الفقيه 1: 166 ح 780، التهذيب 2: 214 ح 842، الاستبصار 1: 388 ح 1475.
(4) قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 99.
(5) التهذيب 2: 215 ح 843، الاستبصار 1: 388 ح 1476.
(6) المعتبر 2: 96.
(7) التهذيب 2: 215 ح 844.
66

قال: " لا يشتمل بثوب واحد، فاما ان يتوشح فيغطي منكبيه فلا بأس " (1).
قلت: روى الشيخ في التهذيب عن محمد بن إسماعيل، عن بعض
أصحابنا، عن أحدهم عليهم السلام، قال: " الارتداء فوق التوشح في الصلاة
مكروه، والتوشح فوق القميص مكروه " (2).
فقد تحصلنا من هذه على ما قاله في المعتبر، ولا بأس به، لامساس
الحاجة إليه في الثوب الشاف، وان كان جعله تحت القميص أولى، حتى ادعى
الفاضل الاجماع على عدم كراهيته (3) مع أنه قد روى زياد بن المنذر عن أبي
جعفر عليه السلام في الذي يتوشح ويلبس قميصه فوق الإزار، قال: " هذا عمل
قوم لوط ". قلت فإنه يتوشح فوق القميص. قال: " هذا من التجبر " (4).
وقال ابن الجنيد: لا بأس ان يتزر فوق القميص إذا كان يصف ما تحته،
ليستر عورته.
الثالثة عشرة: تستحب الصلاة في النعل العربية عند علمائنا، لما رواه
عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام: " إذا صليت فصل
في نعليك إذا كانت طاهرة، فإنه يقال ذلك من السنة " (5).
وعن معاوية بن عمار: رأيت أبا عبد الله عليه السلام يصلي في نعليه غير
مرة، ولم أره ينزعهما (6).
وعن علي بن مهزيار: رأيت أبا جعفر عليه السلام صلى حين زالت
الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام وعليه نعلاه لم ينزعهما (7).

(1) التهذيب 2: 215، ورواية سماعة فيه برقم 845.
(2) التهذيب 2: 214 ح 839، الاستبصار 1: 387 ح 1472.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 99.
(4) الفقيه 1: 168 ح 795، التهذيب 2: 371 ح 1542.
(5) الفقيه 1: 358 ح 1573، التهذيب 2: 233 ح 919.
(6) التهذيب 2: 233 ح 916.
(7) التهذيب 2: 233 ح 918.
67

ويستحب زر الثوب الذي له أزرار، لأنه أصول للعورة، ولما رواه غياث
ابن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: " لا يصل الرجل محلول
الأزرار " (1) جمعا بينه وبين رواية زياد بن سوقة السالفة (2).
وروى إبراهيم الأحمري عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي
وأزراره محلولة، قال: " لا ينبغي ذلك " (3) وهو ظاهر في الكراهية.
وروي عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي فيدخل يده
في ثوبه، قال: " ان كان عليه ثوب آخر - ازار أو سراويل - فلا بأس، وان لم
يكن فلا يجوز له ذلك، وان أدخل يدا واحدة ولم يدخل الأخرى فلا بأس " (4).
ومنع الجواز هنا يراد به الكراهية، لرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام في الرجل يصلي ولا يخرج يديه من ثوبه، فقال: " إن اخرج يديه
فحسن، وان لم يخرج فلا بأس " (5).
وروى أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام في المصلي
رجلا أو امرأة وعليه خضابه: لا يصلى وهو عليه، لكن ينزعه وان كانت خرقته
نظيفة (6). وحملها الشيخ على الندب لروايات، منها: رواية رفاعة ان سأل أبا
الحسن عليه السلام عن المختضب إذا تمكن من السجود والقراءة، أيصلي في
حنائه؟ قال: " نعم إذا كانت خرقته طاهرة وكان متوضئا " (7).
ويستحب لمن صلى في سراويل وحده ان يجعل على عاتقه شيئا ولو

(1) التهذيب 2: 326 ح 1334، 357 ح 1476، الاستبصار 1: 392 ح 1495.
(2) تقدمت في ص 53 الهامش 5.
(3) التهذيب 2: 369 ح 1535، الاستبصار 1: 392 ح 1496.
(4) الكافي 3: 395 ح 10، التهذيب 2: 356 ح 1475، الاستبصار 1: 392 ح 1494.
(5) الفقيه 1: 174 ح 822، التهذيب 2: 356 ح 1474، الاستبصار 1: 391 ح 1491.
(6) الكافي 3: 408 ح 2، التهذيب 2: 255 ح 1469، الاستبصار 1: 390 ح 1486.
(7) الفقيه 1: 173 ح 819، التهذيب 2: 356 ح 1470، الاستبصار 1: 391 ح 1487.
68

نكته، ولو كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف، روى ذينك عبد الله
ابن سنان عن الصادق عليه السلام (1).
وروى محمد بن الحسين بن كثير، عن أبيه، قال: رأيت على أبي
عبد الله عليه السلام جبة صوف بين ثوبين غليظين، فقلت له في ذلك، فقال:
" رأيت أبى يلبسها، انا إذا أردنا ان نصلي لبسنا أخشن ثيابنا " (2).
قلت: اما للمبالغة في الستر وعدم الشف والوصف، واما للتواضع لله
تعالى، مع أنه قد روي استحباب التجمل في الصلاة (3) وذكره ابن الجنيد وابن
البراج وأبو الصلاح وابن إدريس (4).
وروى غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام: " لا
تصلي المرأة عطلا " (5) - وهي بضم العين والطاء والتنوين - وهي: التي خلا
جيدها من القلائد.
وسأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام في الرجل يصلي ومعه دبة
من جلد حمار، وعليه نعل من جلد حمار: " لا يصلح ان يصلي وهي معه، الا
ان يتخوف عليها ذهابا فلا بأس " (6).
قلت: الدبة - بفتح الدال والتشديد - وعاء الذهن. وتستحب الصدقة بثمن الثوب الذي يصلي فيه لو باعه، تأسيا بزين
العابدين عليه السلام فيما رواه الشيخ عن الحلبي: ان علي بن الحسين عليه
السلام كان يلبس الكساء الخز في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه وتصدق بثمنه،

(1) الفقيه 1: 166 ح 782، التهذيب 2: 366 ح 1519.
(2) التهذيب 2: 367 ح 1525.
(3) الكافي 6: 444 ح 14، السنن الكبرى 2: 236.
(4) المهذب 1: 84، الكافي في الفقه: 139، السرائر: 55.
(5) التهذيب 2: 371 ح 1543.
(6) التهذيب 2: 373 ح 1553.
69

ويقول: " اني لأستحيي من ربي ان آكل ثمن ثوب عبدت الله فيه " (1).
الرابعة عشرة: تجوز الصلاة وعليه برطلة، لقول الصادق عليه السلام:
لا " يضره " (2).
ولو استعار ثوبا وصلى فيه، فأخبره المعير انه كان نجسا، لم يعد وان كان
في الوقت، لعدم إفادة قوله العلم. ولو أفاد بني على الخلاف في إعادة مثله في
الوقت، اما مع الخروج فلا اشكال في عدم الإعادة، وسأل العيص أبا عبد الله
عليه السلام في ذلك، فقال: " لا يعيد شيئا من صلاته " (3).
وروي محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام فيمن يرى في ثوب
أخيه دما وهو يصلي، قال: " لا يؤذنه حتى ينصرف " (4) وفيه دلالة على عدم
الإعادة في الوقت. والرواية صحيحة، وأوردها الفاضل في التذكرة ولم يعرض
لها (5).
وتجوز الصلاة مستصحبا للمسك، لطهارته، ورواه علي بن جعفر عن
أخيه عليه السلام (6) وفي مكاتبة إلى العسكري عليه السلام: " لا بأس به إذا
كان ذكيا " (7).
قلت: المراد به ان يكون طاهرا، ويحتمل أمرين:
أحدهما: التحرز من نجاسة عارضة له.
والثاني: التحرز مما يؤخذ من الظبي في حال الحياة بجلده، لان السؤال

(1) التهذيب 2: 369 ح 1534.
(2) الفقيه 1: 172 ح 813، التهذيب 2: 362 ح 1501.
(3) الكافي 3: 404 ح 1، التهذيب 2: 360 ح 1490، الاستبصار 1: 180 ح 631.
(4) الكافي 3: 406 ح 8.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 100.
(6) الفقيه 1: 164 ح 775، التهذيب 2: 362 ح 1499.
(7) التهذيب 2: 362 ح 1500.
70

عن فأرة المسك.
ويجوز لبس ما يتمندل به في الصلاة، كما روي في مرفوعة محمد بن
يحيى عن الصادق عليه السلام: " صل في منديلك الذي تتمندل به، ولا تصل
في منديل يتمندل به غيرك " (1).
ويلحق بذلك آداب في اللباس منقولة من أخبار الكافي وغيره.
يستحب اظهار النعمة، ونظافة الثوب، فبئس العبد القاذورة (2).
قلت: الظاهر أنه هنا الذي لا يتنزه عن الأقذار. وفي اللغة: يقال على
المبالغ في التنزه (3) وعلى الذي لا يخال الناس لسوء خلقه (4).
ويستحب التزين للصاحب كالغريب، واكثار الثياب وإجادتها، فلا سرف
في ثلاثين قميصا ولا في نفاسة الثوب، فقد لبس زين العابدين عليه السلام
ثوبين للصيف بخمسمائة درهم (5) وأصيب الحسين عليه السلام وعليه الخز (6)،
ولبس الصادق عليه السلام الخز (7). وما نقل عن الصحابة من ضد ذلك،
للاقتار، وتبعا للزمان. نعم، يستحب استشعار الغليظ، وتجنب الثوب الذي فيه
شهرة.
والأفضل القطن، فإنه لباس رسول الله صلى الله عليه وآله (8) والأبيض.
ولا بأس بالمعصفر والأحمر والمصبوغ - وان كرهت الصلاة فيه - والوشي: وهو
- بفتح الواو وسكون الشين - ضرب من الثياب معروف، ويقال: هو الذي نسج

(1) الكافي 3: 402 ح 23.
(2) الكافي 6: 439 ح 6.
(3) النهاية لابن الأثير 4: 28.
(4) الصحاح 2: 788 مادة - قذر -.
(5) الكافي 6: 441 ح 5.
(6) الكافي 6: 442 ح 7.
(7) قرب الإسناد: 8، الكافي 6: 452 ح 10.
(8) الكافي 6: 450 ح 2.
71

على لونين.
والنهي عن لبس الصوف والشعر للتنزيه، أو بحسب الزمان، لان الصادق
عليه السلام فعله، وروى عن أبيه وجده فعله (1).
ويستحب قصر الثوب، فالقميص إلى فوق الكعب، والإزار إلى نصف
الساق، والرداء إلى الأليين. وليرفع الثوب الطويل ولا يجر. ولا يتجاوز بالكم
أطراف الأصابع، نص عليه في القميص (2). ولا يبتذل ثوب الصون (3).
ويستحب رقع الثوب، والدوام على التحنك. وروي سدل طرف العمامة
من قدم واخر والتحنك للامام، والخارج إلى سفر آكد (4). ويجوز لبس القلنسوة
ذات الاذنين والمضربة (5).
ويستحب استجادة الحذاء. وفي صحاح العامة عن جابر، قال: سمعت
النبي صلى الله عليه وآله يقول في غزوة غزوناها: " استكثروا من النعال، فان
الرجل لا يزال راكبا ما انتعل " (6).
ويستحب ابتداء اللبس باليمين، والخلع باليسار، لما رووه عن النبي
صلى الله عليه وآله (7) ورويناه (8).
ويكره المشي في نعل واحدة، وبه أخبار كثيرة في الصحاح (9) ومن طرق

(1) الكافي 6: 450 ح 4.
(2) الكافي 6: 457 ح 7.
(3) الكافي 6: 460 ح 1.
(4) الكافي 6: 461 ح 1، 6.
(5) الكافي 6: 461 ح 1، 6.
(6) مسند أحمد 3: 337، صحيح مسلم 3: 1660 ح 2096، سنن أبي داود 4: 69 ح 4133،
الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 402 ح 5434.
(7) مسند أحمد 2: 245، صحيح مسلم 3: 1660 ح 2097، سنن أبي داود 4: 70 ح 4139،
الجامع الصحيح 4: 244 ح 1779، الاحسان بترتيب صحيح ابن حيان 7: 401 ح 5431.
(8) الكافي 6: 467 ح 1، 2، 3.
(9) راجع: صحيح مسلم 3: 1660 ح 2097، سنن أبي داود 4: 69 ح 4136، الجامع الصحيح
4: 242 ح 1774.
72

الأصحاب (1) وفي بعضها: " الا لا صلاح الاخر " مع الرواية عن النبي صلى الله
عليه وآله: " إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في الاخر حتى يصلحها " (2).
وتكره النعال الملس والممسوحة بل ينبغي المخصرة، ولا يترك تعقيب
النعل.
ويكره عقد الشراك فينبغي القبالان، تأسيا بفعل النبي صلى الله عليه
وآله (3).
ويستحب الخلع عند الجلوس، واختيار الصفراء لا السوداء.
ويستحب لبس الخف، ويكره الأبيض المقشور.
ويستحب التختم بالورق، وليكن في اليمين، ويكره في اليسار، وفى
رواية رخص في اليسار (4) وقد روى العامة عن أنس انه رأى النبي صلى الله عليه
وآله تختم في خنصر يساره (5) والمشهور من روايات الأصحاب ان معاوية سن
ذلك (6).
وفي صحاح العامة: كراهة التختم في الوسطى والبنصر، عن علي عليه
السلام عن النبي صلى الله عليه وآله (7).
ويستحب جعل الفص مما يلي الكف، ورووه في الصحاح (8)

(1) راجع: الكافي 6: 534 ح 8، 10.
(2) مسند أحمد 2: 528، صحيح مسلم 3: 1660 ح 2098، سنن أبي داود 4: 70 ح 4137،
سنن النسائي 8: 217.
(3) الجامع الصحيح 4: 242 ح 1772، سنن النسائي 8: 217.
(4) تحف العقول: 488.
(5) صحيح مسلم 3: 1659 ح 2095.
(6) راجع: مناقب آل أبي طالب 3: 302. ومحاضرات الأدباء 2: 374.
(7) صحيح مسلم 3: 1659 ح 2096.
(8) صحيح البخاري 7: 200، صحيح مسلم 3: 1658 ح 2094، سنن النسائي 8: 173.
73

ورويناه (1).
ويكره التختم بالحديد (2). وروي ان التختم بالعقيق ينفي الفقر
والنفاق، ويقضى له بالحسنى، ويأمن في سفره (3) وبالياقوت ينفي الفقر (4)
وبالزمرد يسر لا عسر فيه (5).
وروي استحباب التختم بالفيروزج، ويسمي: الظفر، وبالجزع
اليماني، وفص البلور (6).
ورووا ان النبي صلى الله عليه وآله كان له خاتم ورق فصه حبشي (7).
قلت: الجزع - بسكون الزاي بعد الجيم المفتوحة - خرز، واليماني:
خرز فيها بياض وسواد.
ويستحب نقش الخاتم، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة بعده (8).
ويجوز تحلية الصبيان والنساء بالذهب.
ويستحب القناع بالليل، ويكره بالنهار (9).
ويكره لبس البرطلة (10) والزيادة على فراش له، وآخر لأهله، وآخر
لضيفه، فان الزائد للشيطان (11).

(1) مكارم الأخلاق 1: 89.
(2) الجعفريات: 185.
(3) راجع: الكافي 6: 470 ح 1 - 3، 5.
(4) الكافي 6: 471 ح 1.
(5) الكافي 6: 471 ح 3.
(6) راجع: الكافي 6: 472.
(7) صحيح مسلم 3: 1658 ح 2094.
(8) راجع: الكافي 6: 473، باب نقش الخواتيم.
(9) المستفاد مما رواه في الكافي 6: 478 كراهيته فيهما.
(10) الكافي 6: 479 ح 5.
(11) الكافي 6: 479 ح 6.
74

ويستحب التسرول جالسا - وقد روي أنه ينفي وجع الخاصرة (1) -
والتعمم قائما (2).

(1) الكافي 6: 479 ح 7.
(2) راجع: النهاية: 100، المهذب 1: 76، المعتبر 2: 108، تذكرة الفقهاء 1: 87.
75

الباب الخامس:
في المكان
وفيه فصول:
الأول:
لا خلاف في جواز الصلاة في المكان المملوك، أو المأذون فيه صريحا
أو فحوى، كالمساجد، والربط، والصحاري، والأماكن المأذون في غشيانها
والاستقرار فيها.
اما المغصوب، فتحريم الصلاة فيه مجمع عليه، واما بطلانها فقول
الأصحاب (1)، وعليه بعض العامة (2) لتحقق النهي المفسد في العبادة.
قالوا: النهي عن أمر خارج عن الصلاة، كرؤية غريق يحتاج إلى انقاذه،
وليس هناك غير هذا المصلي (3).
قلنا: الحركات والسكنات أجزاء حقيقية من الصلاة وهي منهي عنها،
وانقاذ الغريق أمر خارج. على أن لملتزم ان يلتزم بطلان صلاته، لتضيق
الانقاذ، فينهى عن الصلاة ولو في ضيق الوقت، لان لها بدلا.
ولا فرق بين الغاصب وغيره ممن علم الغصب وان جهل الحكم. وفي
الصلاة في الصحارى المغصوبة وجه للمرتضى - رحمه الله - استصحابا لما
كانت عليه قبل الغصب.
ولو صلى في المغصوب اضطرارا - كالمحبوس، ومن يخاف على نفسه

(1) النهاية: 100، المراسم: 65، الوسيلة: 89 المعتبر 2: 108.
(2) راجع: المجموع 3: 164، المغني 1: 758.
(3) المغني 1: 758.
77

التلف بخروجه منه - صحت صلاته، لعموم: " وما استكرهوا عليه " (1) واشتراط
ضيق الوقت يعلم مما سلف، والأقرب عدمه. ولو صلى فيه ناسيا فكالثوب
المغصوب.
ولا فرق في البطلان بين غصب العين والمنفعة، كادعاء الوصية بها، أو
استئجارها كذبا، وكاخراج روشن أو ساباط في موضع يمنع منه. ولو غصب دابة
وصلى عليها فرضا للضرورة، أو نفلا مطلقا، بطل أيضا بل أبلغ، وكذا
السفينة، ولو لوحا واحدا مما له مدخل في استقرار المصلي.
ولا فرق بين جميع الصلوات حتى الجمعة والعيد والجنازة. والفرق
ركيك، والاعتذار بلزوم فوات هذه إذا امتنع منها أرك (2). والتشبيه بالصلاة خلف
الخوارج والمبتدعة (3) سهو في سهو.
ولو صلى المالك في المغصوب صحت صلاته اجماعا، الا من
الزيدية (4). ولو أذن للغاصب أو لغيره صحت الصلاة مع بقاء الغصبية.
وقال الشيخ في المبسوط: فان صلي في مكان مغصوب مع الاختيار لم
تجز الصلاة فيه، ولا فرق بين ان يكون هو الغاصب أو غيره ممن أذن له في
الصلاة فيه، لأنه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه (5).
واختلف في معناه ففي المعتبر: ان الاذن: المالك، لأنه قال: الوجه
الجواز لمن أذن له المالك (6).

(1) الخصال: 417، سنن ابن ماجة 1: 659 ح 2045، الجامع الصغير 2: 16 ح 4461 عن
الطبراني.
(2) المغني 1: 759.
(3) المغني 1: 759.
(4) راجع: تذكرة الفقهاء 1: 87.
(5) المبسوط 1: 84.
(6) المعتبر 2: 109.
78

وقال الفاضل: الاذن: الغاصب (1).
وكلاهما مشكل.
أما الأول: فلما قاله في المعتبر. وأما الثاني: فلانه لا يذهب الوهم إلى
احتمال جواز اذن الغاصب، فكيف ينفيه الشيخ معللا له بما لا يطابق هذا
الحكم. ويمكن توجيه الأول: بان المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه
لم يفد اذنه الإباحة، كما لو باعه فإنه باطل لا يبيح المشتري التصرف فيه.
ويجوز ان تقرأ (اذن) بصيغة المجهول، ويراد به الاذن المطلق المستند
إلى شاهد الحال، فان طريان الغصب يمنع من استصحابه كما صرح به ابن إدريس
(2) ويكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى - رحمه الله - وتعليل الشيخ
مشعر بهذا.
ثم هنا مسائل:
الأولى: لو علم الكراهية من صاحب الصحراء وشبهها امتنعت الصلاة،
لأنه كالغاصب حينئذ. ولو جهل بني على شاهد الحال.
ولو علم أنها لمولى عليه، فالظاهر الجواز، لاطلاق الأصحاب، وعدم
تخيل ضرر لا حق به فهو كالاستظلال بحائطه، ولو فرض ضرر امتنع منه ومن
غيره. ووجه المنع: ان الاستناد إلى أن المالك أذن بشاهد الحال، والمالك
هنا ليس أهلا للاذن، الا ان يقال: ان الولي أذن هنا، والطفل لابد له من ولي.
الثانية: لو نهى الاذن في القرار عن الصلاة لم يصل، فان نهى في الأثناء
فالاتمام قوي استصحابا، ولأن الصلاة على ما افتتحت عليه. ويمكن القطع
مع سعة الوقت ترجيحا لحق الادمي، والخروج مصليا جمعا بين الحقين، وهو
ضعيف، لان فيه تغيير هيئة الصلاة فقد أسقط حق الله تعالى.

(1) تذكرة الفقهاء 1: 87، تحرير الأحكام: 32.
(2) السرائر: 58.
79

ولو كان إيقاع الصلاة باذنه ثم رجع ففيه الأوجه، ولكن يترجح الاتمام
هنا، لان العارية قد تلزم في بعض الصور، وهذا اذن صريح وإعارة محضته.
وعلى كل تقدير لو ضاق الوقت لم يحتمل القطع، بل الخروج مصليا
حتى في المكان المغصوب.
الثالثة: حكم النافلة حكم الفريضة هنا.
وكذا الطهارة، وفي المعتبر: لا تبطل في المكان المغصوب، لان الكون
ليس جزءا منها ولا شرطا فيها (1).
ويشكل: بان الافعال المخصوصة من ضرورتها المكان، فالامر بها أمر
بالكون مع أنه منهي عنه، وهو الذي قطع به الفاضل، قال: وكذا لو أدى الزكاة
أو قرأ القرآن المنذور في المكان المغصوب لا يجزئان. اما الصوم في المكان
المغصوب فجزم بصحته، لأنه لا مدخل للكون فيه (2).
الرابعة: يشترط طهارة المكان، بمعني: أن النجس إذا تعدى إلى ثوبه
أو بدنه بطلت الصلاة. ولو كان يابسا لم تبطل عدا مسقط الجبهة.
والمرتضى اشترط طهارة جميع المصلى مطلقا (3).
واشترط أبو الصلاح طهارة مساقط السبعة (4).
لنا قضية الأصل، وعموم: " جعلت لي الأرض مسجدا " (5) وقول الصادق
عليه السلام في خبر زرارة في الشاذكونة تكون عليها الجنابة، أيصلى عليها في
المحمل؟ فقال: " لا بأس " (6).

(1) المعتبر 2: 109.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 87.
(3) عنه المحقق في المعتبر 1: 431.
(4) الكافي في الفقه: 140.
(5) سيأتي بتمامه في ص 113 الهامش 2.
(6) الفقيه 1: 158 ح 739، التهذيب 1: 369 ح 1537، الاستبصار 1: 393 ح 1499. وفي
الجميع: عن الباقر عليه السلام.
80

وروى عمار عن الصادق عليه السلام في الأرض النجسة إذا أصابتها
الشمس: " فلا تجوز الصلاة على القذر حتى ييبس " (1).
وبإزائها خبر عبد الله بن بكير عن الصادق عليه السلام في الشاذكونة
يصيبها الاحتلام أيصلي عليها؟ قال: " لا " (2). وطريق الجمع الحمل على
الكراهية، أو على تعدي النجاسة، مع أن الصحة هي المشهورة بين
الأصحاب.
واحتج العامة بنهي النبي صلى الله عليه وآله عن الصلاة في المزبلة
والمجزرة، ولا علة سوى النجاسة (3).
قلنا: هي متعدية غالبا، مع إمكان كونه نهي تنزيه.
وعلى قول المرتضى، الأقرب ان المكان ما لاصق أعضاء المصلي وثيابه
لا ما أحاط به في الجهات الأخر، لأنه المفهوم من المكان.
ولو كان المكان نجسا بما عفي عنه - كدون الدرهم دما - ويتعدى،
فالظاهر أنه عفو لأنه لا يزيد على ما هو على المصلي.
وعلى قول المرتضى، لو كان على المكان ولا يتعدى فالأقرب انه
كذلك، لما قلناه. ويمكن البطلان، لعدم ثبوت العفو هنا.
وعلى قول المرتضى، الظاهر أنه لا يشترط طهارة كل ما تحته، فلو كان
المكان نجسا ففرش عليه طاهر صحت الصلاة، وقد رواه عامر القمي عن
الصادق عليه السلام (4).
ولو سقط طرف ثوبه أو عمامته على نجاسة، أمكن على قوله بطلان

(1) التهذيب 1: 272 ح 802، 2: 372 ح 1548، الاستبصار 1: 193 ح 675.
(2) التهذيب 2: 369 ح 1536، الاستبصار 1: 393 ح 1501.
(3) المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 1: 68. وانظر سنن ابن ماجة 1: 246 ح 746، الجامع
الصحيح 2: 178 ح 346، السنن الكبرى 2: 329.
(4) الكافي 3: 392 ح 25، الفقيه 1: 157 ح 733، التهذيب 2: 374 ح 1556.
81

الصلاة، اعتدادا بان ذلك مكان الصلاة.
الخامسة: اختلفت الروايات في صلاة المرأة أمام الرجل أو إلى
جانبيه، فروي جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام جوازها بحذائه (1).
وروى العلاء عن محمد عن أحدهما عليهما السلام: " لا ينبغي ذلك " (2).
والسؤال عن حذائه أيضا.
وروى عمار عن الصادق عليه السلام: " لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها
أكثر من عشر أذرع، وان كانت عن يمينه أو يساره فكذلك، فان صلت خلفه فلا
بأس وان كانت تصيب ثوبه، وان كانت قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة
فلا بأس " (3) وروى مثل ذلك جماعة عن الباقر والصادق عليهما السلام (4).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " أخروهن من حيث أخرهن الله " (5).
وعلى الأول المرتضى - رحمه الله - والحليون (6). وعلى الثاني الشيخان
واتباعهما (7) وأضافوا إليه دعوى الاجماع (8). والأول أثبت، لان الامر بالصلاة
مطلق فلا يتقيد بغير ثبت، والاخبار متعارضة، والجمع بالكراهية متوجه.
وقال الجعفي: ومن صلى وحياله امرأة ليس بينهما قدر عظم الذراع
فسدت صلاته.
وروى جميل عن الصادق عليه السلام: " إذا كان سجودها مع ركوعه فلا

(1) التهذيب 2: 232 ح 912، الاستبصار 1: 400 ح 1527.
(2) الكافي 3: 298 ح 4، التهذيب 2: 230 ح 905، الاستبصار 1: 398 ح 1520.
(3) التهذيب 2: 298 ح 911، الاستبصار 1: 399 ح 1526.
(4) راجع: الكافي 3: 298، التهذيب 2: 230 ح 905 - 911، الاستبصار 1: 393.
(5) جامع الأصول 11: 16 ح 8480، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3: 149 ح 5115 موقوفا
عن ابن مسعود.
(6) راجع: السرائر: 75، المعتبر 2: 110، تذكرة الفقهاء 1: 89، مختلف الشيعة: 85.
(7) المقنعة: 25، النهاية: 100، المبسوط 1: 86، الوسيلة: 87، الكافي في الفقه: 120.
(8) الخلاف 1: 423 المسألة: 171.
82

بأس " (1).
وعن زرارة عن الباقر عليه السلام: " لا تصلي قدامه، الا ان يكون قدامها
ولو بصدره " (2).
فرع:
لا فرق بين المحرم والأجنبية، والمقتدية به والمنفردة، لشمول اللفظ.
نعم، يشترط كون الصلاتين صحيحتين، فلا يتعلق بالفاسد هنا حكم المنع ولا
الكراهية.
ويزول التحريم أو الكراهية بالحائل، أو بعد عشر أذرع فصاعدا. ولو لم
يمكن التباعد بذلك، قدم الرجل في الصلاة وجوبا أو استحبابا، الا مع ضيق
الوقت، لما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في المرأة تزامل
الرجل في المحمل، أيصليان جميعا؟ قال: " لا، ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ
صلت المرأة " (3).
ولو اقترنت الصلاتان بطلتا. ولو سبقت إحداهما، أمكن بطلان الثانية
لا غير، لسبق انعقاد الأولى فيمنع من انعقاد الثانية. ويحتمل بطلانهما معا،
لتحقق الاجتماع في الموقف المنهي عنه.
ولو اقتدت بامام بطلت صلاة أهل الجانبين والوراء. ولو حاذت الامام،
قال الشيخ: تبطل صلاتهما دون المأمومين (4) وهو بناء على أن الطارئة تدافع
السابقة فتبطلان. ومع هذا، فعلى مذهبه ينبغي بطلان صلاة من خلفها أيضا
بدون الحائل أو البعد، ثم صحة صلاتهم مشكلة مع علمهم ببطلان صلاة
الامام، اما مع الجهل فلا بحث.

(1) التهذيب 2: 379 ح 1581، الاستبصار 1: 399 ح 1524.
(2) التهذيب 2: 379 ح 1582، الاستبصار 1: 399 ح 1525.
(3) الكافي 3: 298 ح 4، التهذيب 2: 231 ح 907، الاستبصار 1: 399 ح 1522.
(4) المبسوط 1: 86.
83

وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام: إذا صلت حيال الامام
وكان في الصلاة قبلها أعادت وحدها (1) وفيه دلالة على فساد الطارئ.

(1) التهذيب 2: 232 ح 913.
84

الفصل الثاني: في مكروهات المكان.
تكره الصلاة في مواضع:
أحدهما: الفريضة جوف الكعبة عند الأكثر (1) وحرمها في الخلاف (2)
وتبعه ابن البراج (3).
واحتج الشيخ بالاجماع. ولقول الله تعالى: (فولوا وجوهكم شطره)
أي: نحوه وانما يصدق ذلك إذا كان خارجا منه. ولأن النبي صلى الله عليه
وآله في رواية أسامة دخل البيت ودعا، وخرج فوقف على بابه وصلى ركعتين
وقال: " هذه القبلة، هذه القبلة " وأشار إليها، فإذا صلى في جوفها لم يصل إلى
ما أشار إليه بأنه هو القبلة. وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام
قال: " لا تصل المكتوبة في جوف الكعبة " (4). ولاستلزامه الاستدبار بصلاة
الفريضة، وهو قبيح.
وأجيب بمنع الاجماع، كيف وهو في أكثر كتبه قائل بالكراهية (5)!
والنحو: الجهة، ويكفي استقبال أي جزء كان منه خارجا فكذا داخلا وإذا
استقبل جزءا منها فقد استقبل الكعبة، فيخرج الجواب عن رواية أسامة. والنهي
في رواية ابن مسلم للكراهية كما عليه الأصحاب. والاستدبار القبيح هو

(1) راجع: الوسيلة، المعتبر 2: 66، تذكرة الفقهاء 1: 88.
(2) الخلاف 1: 439 المسألة: 186.
(3) المهذب 1: 76.
(4) الخلاف 1: 440 المسألة: 186.
ورواية أسامة في: مسند أحمد 5: 201، صحيح مسلم 2: 968 ح 1330، سنن النسائي
5: 220، السنن الكبرى 2: 8.
ورواية محمد بن مسلم في: الكافي 3: 391 ح 18، التهذيب 2: 376 ح 1564.
(5) المبسوط 1: 85، النهاية: 101، الاستبصار 1: 299، الجمل والعقود: 178.
85

المشتمل على ترك الاستقبال لا مطلق الاستدبار.
فإن قلت: فما وجه الكراهية إذن؟
قلت: التفصي من الخلاف أولا، وجواز الائتمام في الفريضة فيكثر
المستدبرون، ولأن صورة الاستدبار واقعة في الجملة.
وكذا يكره على سطحها إذا أبرز شيئا منها، لأنها قبلة إلى أعنان السماء،
فيتحقق الاستدبار أيضا، ولما روي أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن
الصلاة على ظهر بين الله (1) فيحمل على الكراهية.
قالوا: إذا صلى جوفها أو على سطحها، فقد صلى فيها وعليها لا إليها،
والواجب الصلاة إليها (2).
قلنا: قد بينا ان المراد بالصلاة إليها إلى جزء من جهتها. ولا يفتقر إلى
سترة بين يديه مثبتة أو غير مثبتة.
قال الكليني - رحمه الله - عقيب إيراد رواية محمد بن مسلم المذكورة:
وروى في حديث آخر: " يصلي في أربع جوانبها إذا اضطر إلى ذلك " (3).
قلت: هذا إشارة إلى أن القبلة إنما هي جميع الكعبة، فعند الضرورة إذا
صلى في الأربع فكأنه استقبل جميع الكعبة، وانما جازت النوافل لأنه لا يشترط
فيها الاستقبال عند كثير من الأصحاب (4).
وفي التهذيب: لا تجوز صلاة الفريضة في الكعبة مع الاختيار، وتجوز
مع الضرورة وخوف الوقت، لرواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه
السلام: " لا تصل المكتوبة في الكعبة ".

(1) سنن ابن ماجة 1: 246 ح 747، الجامع الصحيح 2: 178 ح 346، السنن الكبرى 2:
329.
(2) المغني 1: 757.
(3) الكافي 3: 391.
(4) راجع: الوسيلة: 86، شرائع الاسلام 1: 67، المعتبر 2: 65.
86

وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: " لا تصلح المكتوبة
جوف الكعبة "، وأما إذا خاف فوت الصلاة فلا بأس ان يصليها جوف الكعبة.
وعن يونس بن يعقوب قلت لأبي عبد الله عليه السلام: حضرت الصلاة
المكتوبة وانا في الكعبة، أفأصلي فيها؟ قال: " صل " (1).
قلت: الأصح الكراهية لا غير وتنتفي بضيق الوقت، وهو أحرى في
الجمع بين الأخيار وعموم الكتاب والسنة.
وروى الأصحاب عن عبد السلام بن صالح عن الرضا عليه السلام في
الذي تدركه الصلاة فوق الكعبة، فقال: " ان قام لم يكن له قبلة، ولكن يستلقي
على قفاه ويفتح عينيه إلى السماء، ويقصد بقلبه القبلة في السماء إلى البيت
المعمور ويقرأ، فإذا أراد أن يركع غمض عينيه، وإذا أراد أن يرفع رأسه من
الركوع فتح عينيه، والسجود على نحو ذلك " (2) وادعي الشيخ عليه الاجماع (3)
وفيه إشارة إلى اعتبار البنية (4) والى امتناع الفريضة أيضا جوفها.
ورده المتأخرون باستلزامه سقوط القيام ومعظم أركان الصلاة اختيارا،
والرواية لم يثبت صحة سندها، فكيف تعارض الاحكام المقطوع بوجوبهما! (5).
وثانيها: إلى القبور. وقال المفيد: لا تجوز الا بحائل ولو عنزة، أو قدر
لبنة، أو ثوب موضوع، ولو كان قبر امام (6). والعموم يدفع هذا، وقد روى
علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام في الصلاة بين القبور

(1) التهذيب 5: 279، والروايات الثلاث فيه برقم 953 - 955، والاستبصار 1: 298 ح 1101 -
1103.
(2) الكافي 3: 392 ح 21، التهذيب 2: 376 ح 1566.
(3) الخلاف 1: 441 المسألة: 188.
(4) في س: النية.
(5) راجع: المعتبر 2: 68، تذكرة الفقهاء 1: 100.
(6) المقنعة: 25.
87

قال: " لا بأس " (1).
وروى معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام: " لا بأس بالصلاة بين
المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة " (2) وكأن هذا حجة المفيد، لأن المطلق يحمل
على المقيد.
قلنا: يدل على ثبوت البأس مع اتخاذه قبلة، والبأس أعم من المحرم.
والشيخ كره الصلاة بين القبور الا مع الساتر ولو عنزة، أو بعد عشر أذرع
قدامه وعن جانبيه، ولا بأس ان يكون ذلك خلفه (3) لرواية عمار عن الصادق
عليه السلام: " لا يجوز "، وشرط في الخلف عشرا أيضا (4).
فرع:
لو صلى على ظهر القبر كره أيضا. ولو تكرر الدفن فيه والنبش، وعلم
نجاسة التراب بالصديد وتعدى إلى المصلى، امتنع والا فلا.
وثالثها: البيع والكنائس، عند ابن البراج (5) وسلار (6) وابن إدريس (7) لعدم
انفكاكها من نجاسة غالبا. وفي رواية العيص عن الصادق عليه السلام الجواز،
وانه يجوز جعلها مساجد (8) وبه قال الشيخ المفيد والشيخ أبو جعفر رحمهم
الله (9).
ولو كانت مصورة كره قطعا من حيث الصور.

(1) الفقيه 1: 158 ح 337، التهذيب 2: 374 ح 1555، الاستبصار 1: 397 ح 1515.
(2) التهذيب 2: 288 ح 897، الاستبصار 1: 397 ح 1514.
(3) المبسوط 1: 85، النهاية: 99.
(4) الكافي 3: 390 ح 13، التهذيب 2: 227 ح 896، الاستبصار 1: 397 ح 1513.
(5) المهذب 1: 76.
(6) المراسم: 65.
(7) السرائر: 58.
(8) التهذيب 2: 222 ح 874.
(9) المقنعة: 25، المبسوط 1: 86، النهاية: 100.
88

ورابعها: بيوت المجوس، لأنها مظنة النجاسة. وروى أبو بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام: " رش وصل " (1) اي: في بيوت المجوس.
قال الأصحاب: ولا بأس ببيت فيه يهودي أو نصراني لا مجوسي (2)،
لرواية أبي جميلة عنه عليه السلام (3).
وخامسها: إلى النجاسة الظاهرة كالعذرة، لرواية الفضيل بن يسار عن
الصادق عليه السلام: " تنح عنها ما استطعت، ولا تصل على الجواد " (4).
وكذا إلى حائط ينز من بالوعة البول، لمرسلة أحمد بن أبي نصر عن
الصادق عليه السلام (5).
وكذا في بيوت الغائط، للمظنة، وفحوى الخبر (6).
وسادسها: على الجادة، لما مر، ولما روى أن النبي صلى الله عليه
وآله: نهى عن الصلاة بمحجة الطريق (7) ولرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه
السلام: " لا بأس ان تصلي في الظواهر التي بين الجواد، فاما على الجواد
فلا " (8).
وسابعها: مرابض الخيل والبغال والحمر، لكراهية فضلاتها وبعد
انفكاك الموضع منها، ولمضمر سماعة: " فاما مرابض الخيل والبغال فلا " (9)

(1) التهذيب 2: 222 ح 877.
(2) راجع: المبسوط 1: 86، النهاية: 101، الوسيلة: 88، شرائع الاسلام 1: 72، نهاية الإحكام 1: 346.
(3) الكافي 3: 389 ح 6، التهذيب 2: 377 ح 1571.
(4) المحاسن: 365، الكافي 3: 391 ح 17، التهذيب 2: 226 ح 893، 376 ح 1563.
(5) الكافي 3: 388 ح 4، التهذيب 2: 221 ح 871.
(6) الكافي 3: 388 ح 4، التهذيب 2: 221 ح 871.
(7) سنن ابن ماجة 1: 246 ح 747، السنن الكبرى 2: 329.
(8) الكافي 3: 388 ح 5، التهذيب 2: 220 ح 865.
(9) التهذيب 2: 220 ح 867، الاستبصار 1: 395 ح 1506.
89

وزاد الكليني في روايته عن سماعة: الحمير (1).
ولا بأس بمرابض الغنم إذا نضحه بالماء وقد كان يابسا، لما في هذه
الرواية (2).
وثامنها: معاطن الإبل - وهي مباركها - لما روي عن النبي صلى الله عليه
وآله: " إذا أدركتك الصلاة وأنت في مراح الغنم فصل فيه فإنها سكينة وبركة،
وإذا أدركت الصلاة وأنت في معاطن الإبل فأخرج منها وصل فإنها جن من جن
خلقت " (3).
وقيل: ان عطنها مواطن الجن، ولأنه لا يؤمن نفورها فتشغل المصلي.
ولا تمنع فضلاتها من الصلاة فيها عندنا، لطهارتها.
وتاسعها: حديث معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام من: " البيداء
وهي ذات الجيش، وذات الصلاصل، وضجنان " (4).
وفي رواية البزنطي عن الرضا عليه السلام: " لا تصل في البيداء ". فسأله
عن حدهما، فقال: " كان جعفر عليه السلام إذا بلغ ذات الجيش جد في
المسير، ولا يصلي حتى يأتي معرس النبي صلى الله عليه وآله ". قلت: وأين
ذات الجيش؟ فقال: " دون الحفيرة بثلاثة أميال " (5).
قلت: قال بعض العلماء: هي الشرف الذي أمام ذي الحلفية مما يلي
مكة، وكل أرض ملساء تسمى البيداء.
وعاشرها: في بيت فيه خمر أو مسكر، لرواية عمار عن الصادق عليه

(1) الكافي 3: 388 ح 3.
(2) راجع الهامش 9، من الصفحة 89.
(3) ترتيب مسند الشافعي 1: 67 ح 199، السنن الكبرى 2: 449.
(4) الكافي 3: 389 ح 10، التهذيب 2: 375 ح 1560، وصدر الحديث: " الصلاة تكره في ثلاثة
مواطن من الطريق: البيداء... ".
(5) المحاسن: 365، الكافي 3: 389 ح 7، التهذيب 2: 375 ح 1558.
90

السلام (1).
وحادي عشرها: ما أرسله عبد الله بن الفضل عن أبي عبد الله عليه
السلام، قال: " عشرة مواضع لا يصلي فيها: الطين، والماء، والحمام،
والقبور، ومسان الطرق، وقرى النمل، ومعاطن الإبل، ومجرى الماء،
والسبخ، والثلج " (2).
وفي رواية سماعة، قال: سألته عن الصلاة في السباخ، قال: " لا بأس
به " (3). قال في التهذيب: المراد به مع استواء موضع السجود، لتصريح رواية أبي
بصير عن الصادق عليه السلام بهذا التفصيل (4)، وفي حكمها في الكراهية
الرمل المنهال اما الملبد فلا بأس.
وثاني عشرها: ما رواه عمار عنه عليه السلام من النهي عن الصلاة وفي
قبلته مصحف مفتوح، أو نار، أو حديد، ولو كانت في مجمرة، أو قنديل
معلق (5).
وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام في السراج في القبلة:
" لا يصلح ان يستقبل النار " (6).
وهذه المناهي للكراهية عند أكثر الأصحاب، ولما رفعه عمرو بن إبراهيم

(1) الكافي 3: 392 ح 24، التهذيب 2: 220 ح 864، 377 ح 1568، الاستبصار 1: 189
ح 660.
(2) الكافي 3: 390 ح 12، الفقيه 1: 156 ح 725، الخصال: 434، التهذيب 2: 219
ح 863، الاستبصار 1: 394 ح 1504.
(3) التهذيب 2: 221 ح 872، الاستبصار 1: 395 ح 1508.
(4) التهذيب 2: 221، الاستبصار 1: 396، والحديث فيهما برقم 873، 1509.
(5) الكافي 3: 390 ح 15، الفقيه 1: 165 ح 776، التهذيب 2: 225 ح 888، الاستبصار 1:
396 ح 1510.
(6) قرب الإسناد: 87، الكافي 3: 391 ح 16، الفقيه 1: 162 ح 763، التهذيب 2: 225
ح 889، الاستبصار 1: 396 ح 1511.
91

الهمداني إلى الصادق عليه السلام: " لا بأس بالصلاة إلى النار والسراج
والصورة، ان الذي يصلي له أقرب إليه من الذي بين يديه " (1)، ونسبها الصدوق
- في الفقيه - والشيخ إلى الشذوذ والارسال، فلا يعمل بها الا رخصة، وهو
مخالف لعادة الشيخ في التأويل فإنه هنا ممكن.
قال الأصحاب: وتكره في بيوت النيران، لئلا يشبه عابد النار (2).
وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: " انه يطرح على التماثيل
قدامة ثوبا، وان كانت خلفه أو عن جانبيه فلا بأس " (3).
وثالث عشرها: وادي الشقرة - بضم الشين، واسكان القاف - لمرسلة ابن
فضال عن الصادق عليه السلام: " لا تصل فيه " (4).
وقيل: بفتح الشين وكسر القاف، وانه موضع مخصوص.
وقيل: ما فيه شقائق النعمان.
وقيل: انها والبيداء وضجنان وذات الصلاصل مواضع خسف.
قال في التذكرة: وكذا كل موضع خسف به (5).
ورابع عشرها: بطون الأودية، لكونه مجرى الماء فجاز ان يهجم عليه.
وخامس عشرها: أرض عذب أهلها، لان الرسول صلى الله عليه وآله لما
مر بالحجر قال: " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، الا ان تكونوا باكين ان
يصيبكم مثل ما أصابهم " (6). وليس في هذا دلالة على كراهية الصلاة فيها.

(1) الفقيه 1: 162 ح 764، علل الشرائع: 342، التهذيب 2: 226 ح 890، الاستبصار 1:
396 ح 1512.
(2) المبسوط 1: 86، المهذب 1: 76، الوسيلة: 88.
(3) المحاسن: 617، التهذيب 2: 226 ح 891، الاستبصار 1: 394 ح 1502، باختصار في
الألفاظ.
(4) الكافي 3: 390 ح 11، التهذيب 2: 375 ح 1561.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 88.
(6) المصنف لعبد الرزاق 1: 415 ح 1625، مسند أحمد 2: 9، صحيح البخاري 1: 118،
صحيح مسلم 4: 2285 ح 2980، الاحسان بترتيب صحيح ابن حيان 8: 28 ح 6168.
92

نعم، روي أن عليا عليه السلام ترك الصلاة في أرض بابل لذلك حتى عبر،
وصلى في الموضع المشهور بعد ما ردت له الشمس إلى وقت الفضيلة (1).
وسادس عشرها: ما تضمنه الخبر المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله
انه نهي عن الصلاة في سبعة مواطن، وقد تقدم أكثرها بأدلة أخرى، وهي: ظهر
بيت الله، والمقبرة، والمزبلة، والمجزرة، والحمام، وعطن الإبل، ومحجة
الطريق (2).
وسابع عشرها: الصلاة إلى باب مفتوح أو انسان مواجه، قاله أبو
الصلاح (3).
وقال في التذكرة: لاستحباب السترة بينه وبين ممر الطريق (4).
وقال في المعتبر: لا بأس باتباع فتواه، لأنه أحد الأعيان (5).
فروع:
لا بأس بالنافلة جوف الكعبة بل يستحب، لما ذكره الأصحاب في
المناسك (6) ورواه العامة عن بلال، قال: ترك صلى الله عليه وآله عمودا عن
يمينه، وعمودا عن يساره، وثلاثة أعمدة من ورائه، وكان البيت على ستة أعمدة
إذ ذاك وصلى (7). وكذا على ظهرها.

(1) الفقيه 1: 130 ح 611، علل الشرائع: 352.
(2) سنن ابن ماجة 1: 246 ح 747، الجامع الصحيح 2: 178 ح 346، السنن الكبرى 2:
329.
(3) في النسخة المطبوعة من " الكافي في الفقه " سقط، أثبت فيه محقق الكتاب عبارة المتن عن
مختلف الشيعة وتذكرة الفقهاء للعلامة الحلي.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 88.
(5) المعتبر 2: 116.
(6) كابن حمزة في الوسيلة: 90.
(7) الموطأ 1: 398، ترتيب مسند الشافعي 1: 68 ح 200، مسند أحمد 2: 113، صحيح
البخاري 1: 134، صحيح مسلم 2: 966 ح 1329، سنن أبي داود 2: 213 ح 2023.
93

وفي اشتراط اذن أهل الذمة في البيعة والكنيسة احتمال، تبعا لغرض
الواقف، وعملا بالقرينة، ولاطلاق الاخبار بالصلاة فيها.
والظاهر أن الكراهية في بيت فيه مجوسي شاملة لبيت المصلي، ويمكن
تعديها إلى اجتماعه معه في الصحراء.
ولا فرق بين كون الطريق مشغولا بالمارة أو لا، للعموم. نغم، لو عطل
المارة بصلاته فالأقرب فسادها، لتحقق النهي.
والأقرب انه لا فرق في المعطن والمريض بين كون الدابة حاضرة فيه أو
لا. ولا فرق بين ان يعلم طهارة الحمام أولا. اما المسلخ فالظاهر عدم
الكراهية، وقال في التذكرة: ان عللناه بالنجاسة لم يكره، وان عللناه بكشف
العورة أو بكونه مأوى الشياطين كره (1).
ولو اضطر إلى الصلاة على الثلج لبده وسجد على غيره، فان تعذر قال
الشيخ: دق الثلج وسجد عليه (2) والمراد ان يجتمع فتتمكن منه الجبهة. وروى
داود الصرمي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام، إلى قوله: " ان أمكنك أن
لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه، وان لم يمكن فسوه واسجد عليه " (3).
وفي التعدي إلى بيت فيه فقاع احتمال، أقربه ذلك، لما روي: " انه
خمر مجهول " (4).
ولو كان في البيت اناء فيه بول وشبهه احتمل ذلك، لما روي: " ان
الملك لا يدخل بيتا فيه كلب، ولا تمثال جسد، ولا اناء يبال فيه " (5) وحينئذ

(1) تذكرة الفقهاء 1: 88.
(2) المبسوط 1: 86.
(3) الكافي 3: 390 ح 14، الفقيه 1: 169 ح 798، التهذيب 2: 310 ح 1256.
(4) الكافي 6: 422 ح 1، 7، 8، التهذيب 9: 124 ح 539، 541.
(5) الكافي 3: 393 ح 27، الخصال: 138، التهذيب 2: 377 ح 1570.
94

يمكن كراهة الصلاة في بيت فيه أحد هذه، إذ القرب من الملك محبوب
وخصوصا في الصلاة.
تتمة:
قال أبو الصلاح: لا يحل للمصلي الوقوف في معاطن الإبل، ومرابط
الخيل والبغال والحمير والبقر، ومرابض الغنم، وبيوت النار، ومذابح
الانعام، والحمامات، وعلى البسط المصورة، وفي البيت المصور، ولنا في
فسادها في هذه المحال نظر (1).
ثم قال: لا يجوز التوجه إلى النار، والسلاح المشهور، والنجاسة
الظاهرة، والمصحف المنشور، والقبور، ولنا في فساد الصلاة مع التوجه إلى
شئ من ذلك نظر (2).
وكأنه نظر إلى صيغ النهي في الاخبار، وتردد في الفساد، من الامتثال
والنهي عن وصف خارجي، ومن اجرائه مجرى النهي عن المكان المغصوب.
والأصح الكراهية، لما قاله الأكثر.
قال: ويكره التوجه إلى الطريق، والحديد والسلاح المتواري، والمرأة
النائمة بين يديه أشد كراهية. وكأنه نظر إلى أن في ذلك نقصا في أعمال
الصلاة (3).
وقال الصدوق والمفيد - رحمهما الله - لا تجوز الصلاة على جواد
الطرق (4) حملا للنهي على ذلك. ويعارض برواية محمد بن الفضيل عن الرضا
عليه السلام: " كل طريق يوطأ ويتطرق، وكانت فيه جادة أولم تكن، فلا ينبغي

(1) الكافي في الفقه: 141.
(2) في النسخة المطبوعة من " الكافي في الفقه " سقط، أثبت فيه محقق الكتاب عبارة المتن عن
مختلف الشيعة وتذكرة الفقهاء للعلامة الحلي.
(3) الكافي في الفقه: 141.
(4) الفقيه 1: 156، المقنعة: 25.
95

الصلاة فيه " (1) وبرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام في الصلاة على ظهر
الطريق: " لا بأس " (2).
ومنع الصدوق من الصلاة في بيت فيه خمر محصور في آنية (3). وقال
المفيد: لا تجوز الصلاة في بيوت الخمور (4) لظاهر النهي. وشهرة الكراهة مع
قضية الأصل تدفعه.
وقال ابن الجنيد: ولا أختار ان تصلى الفريضة في الكعبة وقضاؤها لغير
ضرورة، ولو صلاها وقضاها أو النوافل فيها جارت. فظاهره كراهة النافلة أيضا.
قال: وكل أرض اختلطت بها نجاسة فلا يلقى المصلي بمساجده إياها،
وان جعل بينهما حائلا جاز. وكأنه يرى وجوب طهارة المصلى، الا ان يريد
الاستحباب.
قال: وكذلك منازل أهل الذمة، وبيعهم وكنائسهم، وبيوت نيرانهم،
وكذا بيوت من يرى طهارة بعض الأنجاس.
وظاهره تعليل كراهة الصلاة على الطريق بأنها مظنة النجاسة - وبه علل
الفاضل (5) - قال: ولا تستحب الصلاة على الأرض الرطبة، لان الجبهة تغوص
فيها ولامكان نجاسة الماء الذي بلها. قال: وقد روي أن النبي صلى الله عليه
وآله صلى راكبا بالايماء من أجل مطر.
وذكر ابن الجنيد ان التماثيل والنيران مشعلة في قناديل، أو سرج أو شمع
أو جمر، معلقة أو غير معلقة، سنة المجوس وأهل الكتاب.
قال: ويكره ان يكون في القبلة مصحف منشور وان لم يقرأ فيه، أو سيف

(1) الكافي 3: 389 ح 8، الفقيه 1: 156 ح 728، التهذيب 2: 220 ح 866.
(2) الكافي 3: 388 ح 5، التهذيب 2: 220 ح 865.
(3) الفقيه 1: 159، المقنع: 25.
(4) المقنعة: 25.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 88.
96

مسلول، أو مرآة يرى المصلي نفسه أو ما وراءه.
وقال في المبسوط والنهاية في بيوت المجوس: انه يرش الموضع بالماء،
فإذا جف صلى فيه (1) والتقييد بالجفاف حسن.
قال في المبسوط: ولا يصلي وفى قبلته أو يمينه أو شماله صورة وتماثيل
الا ان يغطيها، فان كانت تحت رجله فلا بأس (2).
وقال في السيف المشهور: لا بأس بكونه في القبلة عند الخوف من
العدو (3).
وقال: تكره الصلاة في موضع ينز حائط قبلته من بول أو قذر (4)، فزاد ذكر
القذر.
وألحق الشئ المكتوب بالمصحف، لأنه يشغله عن الصلاة (5) وبه علل
في النهاية (6).
وقال الصدوق: وسأل علي بن جعفر أخاه عليه السلام عن المصلي
وأمامه شئ من الطير، أو نخلة حاملة، أو يصلي في كرم حامل، فقال: " لا
بأس ". وعن المصلي وأمامه حمار واقف، قال: " يضع بينه وبينه قصبة أو عودا،
أو شيئا يقيمه بينهما، ثم يصلي " (7).
قال الصدوق: وسأل عمار الصادق عليه السلام في المصلي وبين يديه
تور فيه نضوح، قال: " نعم ". وعن الرجل يلبس الخاتم وفيه مثال طائر أو غير

(1) المبسوط 1: 86، النهاية: 100.
(2) المبسوط: 1: 86 - 87.
(3) المبسوط: 1: 86.
(4) المبسوط: 1: 86.
(5) المبسوط: 1: 87.
(6) النهاية: 101.
(7) الفقيه: 1 164 ح 775 وفيه: شئ من الطين.
97

ذلك، قال: " لا تحوز الصلاة " (1).
قال: وسأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه السلام في الصلاة متلثما،
فقال: " اما على الدابة فنعم، وما على الأرض فلا " (2).
وعن عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام: كراهة حمل
الدراهم الممثلة، وكراهة جعلها في قبلته (3).
وعلل الصدوق كراهة السيف في القبلة لأنها أمن، رواه عن أمير المؤمنين
عليه السلام (4).
قال: وسأل علي بن جعفر أخاه عليه السلام في المصلي وأمامه مشجب
عليه ثياب، قال: " لا بأس " (5)، وكذا من أمامه ثوم أو يصل (6)، وكذا على الرطبة
النابتة إذا الصق جبهته بالأرض، أو الحشيش النابت المبتل وان أصاب أرضا
جددا (7).
وقال الشيخ أبو جعفر الكليني في روايته عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه
السلام: انه رآه في المنازل بطريق مكة يرش أحيانا موضع جبهته، ثم يسجد
عليه رطبا كما هو، وربما لم يرش الذي يرى أنه رطب (8).
قلت: لعله لدفع الغبار عنه والشين.
قال الحلبي: وسألته عن الرجل يخوض الماء فتدركه الصلاة، فقال:

(1) الفقيه 1: 165 ح 776، وفي التهذيب 2: 372 ح 1548.
(2) الفقيه 1: 166 ح 778، وفي الكافي 3: 408 ح 1، والتهذيب 2: 229 ح 900، والاستبصار
1: 397 ح 1516.
(3) الفقيه 1: 166 ح 779.
(4) الفقيه 1: 161 ح 759.
(5) الفقيه 1: 161 ح 760.
(6) الفقيه 1: 162 ح 761.
(7) الفقيه 1: 162 ح 762.
(8) الكافي 3: 388 ح 5، وفي الفقيه 1: 157 ح 730.
98

" ان كان في حرب فإنه يجزئه الايماء، وان كان تاجرا فليقم ولا يدخله حتى
يصلي " (1).
قلت: هذا محمول على سعة الوقت وامكان الأرض.
وروى الكليني عن أيوب بن نوح عن أبي الحسن الأخير عليه السلام
فيمن تحضره الصلاة وهو بالبيداء، فقال: " يتنحى عن الجواد يمنة ويسرة
ويصلي " (2).
قلت: هذا بين للجواز، وما تقدم للكراهة، ويمكن حمله على غير
البيداء المعهودة.
وقال الجعفي: لا تصل خلف نيام، ولا متحدثين. ولا بأس بالصلاة في
مكان كان حشا، ينظف ويطرح عليه ما يواريه ويكون مسجدا. ولا بأس بالصلاة
على الأرض الرطبة، الا أن تكون رطوبتها من بالوعة.
وقال في التماثيل: إذا كانت في القبلة فألق عليها ثوبا، ولا بأس بما كان
خلف أو إلى جوانبه.
وفي التهذيب عن محمد بن إبراهيم: سألته عن الصلاة على السرير مع
القدرة على الأرض، فكتب: " لا بأس " (3).
وعن محمد بن مصادف عن الصادق عليه السلام: النهي عن الصلاة
فوق الكدس من الحنطة المطين وان كان مسطحا (4) وهو للكراهية تعظيما لها
- والكدس بضم الكاف وسكون الدال واحد الأكداس - لرواية عمر بن حنظلة

(1) الكافي 3: 388 ح 5، وفي التهذيب 2: 375 ح 1557.
(2) الكافي 3: 389 ح 9، الفقيه 1: 158 ح 735، التهذيب 2: 375 ح 1559.
(3) التهذيب 2: 310 ح 1258.
(4) التهذيب 2: 309 ح 1252، الاستبصار 1: 400 ح 1529، عن محمد بن مضارب عن
الصادق عليه السلام.
99

عنه عليه السلام: " صل عليه " (1).
وعن عمرو بن جميع عنه عليه السلام انه كره الصلاة في المساجد
المصورة، قال: " لا يضركم ذلك اليوم، ولو قام العدل رأيتم كيف يصنع في
ذلك " (2).

(1) التهذيب 2: 309 ح 1253، الاستبصار 1: 400 ح 1528.
(2) الكافي 3: 369 ح 6، التهذيب 3: 259 ح 726.
100

الفصل الثالث: في مستحبات المكان.
وتنتظمها مطالب ثلاثة.
الأول: تستحب السترة - بضم السين - في قبلة المصلي اجماعا، فإن كان
في مسجد أو بيت فحائطه أو سارية، وان كان في فضاء أو طريق جعل
شاخصا بين يديه.
وهنا مسائل:
الأولى: يجوز الاستتار بكل ما يعد ساترا ولو عنزة، فقد كان النبي
صلى الله عليه وآله تركز له الحربة فيصلي إليها (1) ويعرض البعير فيصلي إليه (2)
وركزت له العنزة فصلى الظهر يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع (3).
والعنزة: العصا في أسفلها حديد. والأولى بلوغها ذراع، قاله الجعفي،
والفاضل وزاد: فما زاد (4).
وقد روي أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كان طول رحل
رسول الله صلى الله عليه وآله ذراعا، وكان إذا صلى وضعه بين يديه، يستتر به
ممن يمر بين يديه " (5).
وروى أيضا عنه عليه السلام: " ان كان بين يديك قدر ذراع رافع من

(1) سنن الدارمي 1: 328، صحيح البخاري 1: 133، صحيح مسلم 1: 359 ح 501، سنن
النسائي 2: 62، السنن الكبرى 2: 269.
(2) سنن الدارمي 1: 328، صحيح مسلم 1: 359 ح 502، سنن أبي داود 1: 184 ح 692،
السنن الكبرى 2: 269.
(3) المصنف لعبد الرزاق 2: 17 ح 2314، مسند أحمد 4: 307، صحيح البخاري 1: 133،
صحيح مسلم 1: 360 ح 503، سنن أبي داود 1: 183 ح 688، سنن النسائي 2: 73.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 89.
(5) الكافي 3: 296 ح 2، التهذيب 2: 322 ح 1317، الاستبصار 1: 406 ح 1549.
101

الأرض فقد استترت " (1).
ويجوز الاستتار بالسهم والخشبة، وكل ما كان أعرض فهو أفضل. وروى
معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه
وآله يجعل العنزة بين يديه إذا صلى " (2).
وروى السكوني عن الصادق عليه السلام باسناده إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله: " إذا صلى أحدكم بأرض فلاة، فليجعل بين يديه مثل
مؤخرة الرحل فإن لم يجد فحجرا، فإن لم يجد فسهما، فإن لم يجد فيخط في
الأرض بين يديه " (3).
وعن أبي عبد الله عليه السلام برواية غياث: " ان النبي صلى الله عليه
وآله وضع قلنسوة وصلى إليها " (4).
وعن محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام: " تكون بين يديه كومة
من تراب، أو يخط بين يديه بخط " (5).
وروى العامة الخط عن النبي صلى الله عليه وآله (6) وانكره بعض
العامة (7). ثم هو عرضا، وبعض العامة طولا، أو مدورا، أو كالهلال (8).
الثانية: إذا نصب بين يديه عنزة أو عودا لم يستحب الانحراف عنه يمينا

(1) الكافي 3: 297 ح 3، التهذيب 2: 323 ح 1319، الاستبصار 1: 406 ح 1551.
(2) الكافي 3: 296 ح 1، التهذيب 2: 322 ح 1316، الاستبصار 1: 406 ح 1548.
(3) التهذيب 2: 378 ح 1577، الاستبصار 1: 407 ح 1556.
(4) التهذيب 2: 323 ح 1320، الاستبصار 1: 406 ح 1550.
(5) التهذيب 2: 378 ح 1574، الاستبصار 1: 407 ح 1555.
(6) المنصف لعبد الرزاق 2: 12 ح 2286، مسند أحمد 2: 249، سنن ابن ماجة 1: 303
ح 943، سنن أبي داود 1: 183 ح 689، السنن الكبرى 2: 270.
(7) كمالك وأبي حنيفة، راجع: المدونة 1: 113، المغني 2: 71.
(8) راجع: المغني 2: 71.
102

ولا يسارا، قاله في التذكرة (1).
وقال ابن الجنيد: يجعله عن جانبه الأيمن ولا يتوسطها فيجعلها
مقصده تمثيلا بالكعبة.
وقال بعض العامة: لتكن على الأيمن أو الأيسر (2).
الثالثة: يستحب الدنو من السترة، لما روي عن النبي صلى الله عليه
وآله: " إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته " (3).
وقدره ابن الجنيد بمربض الشاة - لما صح من خبر سهل بن سعد
الساعدي، قال: " كان بين مصلى النبي صلى الله عليه وآله وبين الجدار ممر
الشاة " (4) - وبعض العامة بثلاث أذرع (5).
ويجوز الاستتار بالحيوان، لما مر. ويجزئ إلقاء العصا عرضا إذا لم
يمكن (6) نصبها، لأنه أولى من الخط.
الرابعة: سترة الامام سترة لمن خلفه، لان النبي صلى الله عليه وآله لم
يأمر المؤتمين بسترة ولأن ظهر كل واحد منهم سترة لصاحبه.
ولو كانت السترة مغصوبة، لم يحصل الامتثال عند الفاضل، لعدم
الاتيان بالمأمور به شرعا (7).
ويشكل: بان المأمور به الصلاة إلى سترة وقد حصل، ونصبها أمر خارج

(1) تذكرة الفقهاء 1: 89.
(2) كابن حنبل، راجع: المغني 2: 71.
(3) المصنف لابن أبي شيبة 1: 279، مسند أحمد 4: 2، سنن أبي داود 1: 185 ح 695، سنن
النسائي 2: 62، شرح معاني الآثار 1: 458.
(4) صحيح البخاري 1: 133، صحيح مسلم 1: 364 ح 508، سنن أبي داود 1: 185 ح 696،
الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 4: 49 ح 2368، السنن الكبرى 2: 272.
(5) كالشافعي، راجع: المجموع 3: 247، المغني 2: 70، الشرح الكبير 1: 660.
(6) في م، ط: يكن.
(7) تذكرة الفقهاء 1: 90.
103

عن الصلاة، كالوضوء من الاناء المغصوب.
اما لو كانت نجسة لم تضر، الا مع نجاسة ظاهرة.
الخامسة: قال في التذكرة: لا باس ان يصلي في مكة إلى غير سترة،
لان النبي صلى الله عليه وآله صلى هناك وليس بينه وبين الطواف سترة، ولأن
الناس يكثرون هناك لأجل المناسك ويزدحمون، وبه سميت بكة لتباك الناس
فيها، فلو منع المصلي من يجتاز بين يديه ضاق على الناس (1).
قال: وحكم الحرم كله كذلك، لان ابن عباس قال: أقبلت راكبا على
حمار أتان والنبي صلى الله عليه وآله يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، ولأن
الحرم محل المشاعر والمناسك (2).
قلت: وقد روي في الصحاح: ان النبي صلى الله عليه وآله صلى
بالأبطح فركزت له عنزة، رواه أنس وأبو جحيفة (3) ولو قيل: السترة مستحبة
مطلقا، ولكن لا يمنع المار في مثل هذه الأماكن لما ذكر، كان وجها.
السادسة: يستحب دفع المار بين يديه، لقوله صلى الله عليه وآله: " لا
يقطع الصلاة شئ، فادرؤوا ما استطعتم " (4) وروي ابن أبي يعفور والحلبي عن
الصادق عليه السلام مثله (5).

(1) تذكرة الفقهاء 1: 90.
وفعل النبي صلى الله عليه وآله في: سنن أبي داود 2: 211 ح 2016، شرح معاني الآثار
1: 461.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 90.
ورواية ابن عباس في: صحيح البخاري 1: 132، السنن الكبرى 2: 277.
(3) المصنف لعبد الرزاق 2: 17 ح 2314، مسند أحمد 4: 307، صحيح البخاري 1: 133،
صحيح مسلم 1: 360 ح 503، سنن أبي داود 1: 183 ح 688، سنن النسائي 2: 73.
(4) المصنف لابن أبي شيبة 1: 280، سنن أبي داود 1: 191 ح 719، السنن الكبرى 2: 278.
(5) الكافي 3: 365 ح 10، 297 ح 3، التهذيب 2: 322 ح 1318، 1322، الاستبصار 1:
406 ح 1552، 1553.
104

وعن أبي بصير عنه عليه السلام: " لا يقطع الصلاة شئ: كلب ولا حمار
ولا امرأة، ولكن استتروا بشئ " (1).
وروي سفيان بن خالد عنه عليه السلام: " ان الذي أصلي به أقرب إلى
من الذي قدامي " (2).
وفي الكليني عن محمد بن مسلم: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه
السلام، فقال له: رأيت ابنك موسى يصلى والناس يمرون بين يديه، فلا
ينهاهم وفيه ما فيه. فقال: " ادعوه لي "، فقال له في ذلك، فقال: " ان الذي كنت
أصلي له كان أقرب إلي منهم، يقول الله عز وجل: (ونحن أقرب إليه من حبل
الوريد فضمنه إلى نفسه
ثم قال: " بأبي أنت وأمي يا مودع الاسرار " (3).
ولا يقطع الصلاة مرور الكلب الأسود والمرأة والحمار، لما مر. ورواية
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله بذلك (4) منسوخة ان صحت. وروت
عائشة: ان النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي صلاة الليل كلها وانا معترضة
بينه وبين القبلة (5).
السابعة يكره المرور بين يدي المصلي، سواء كان له سترة أم لا، لما
فيه من شغل قلبه، وتعريضه للدفع.
وحرمه بعض العامة (6) لما صح عن النبي صلى الله عليه وآله في رواية
أبي جهيم الأنصاري: " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن

(1) الكافي 3: 297 ح 3، التهذيب 2: 323 ح 1319، الاستبصار 1: 406 ح 1551.
(2) التهذيب 2: 323 ح 1321، الاستبصار 1: 407 ح 1554.
(3) الكافي 3: 297 ح 4.
والآية في سورة ق: 16.
(4) صحيح مسلم 1: 365 ح 511، سنن ابن ماجة 1: 306 ح 950، السنن الكبرى 2: 274.
(5) المصنف لعبد الرزاق 2: 32 ح 2374، المصنف لابن أبي شيبة 1: 280، مسند أحمد 6:
199، سنن الدارمي 1: 328، صحيح البخاري 1: 137، صحيح مسلم 1: 366 ح 512.
(6) كابن حنبل، راجع: المغني 2: 76.
105

يقف أربعين، خيرا له من أن يمر بين يديه "، شك أحد الرواة بين اليوم أو الشهر
أو السنة (1). وهو محمول على التغليظ، لأنه صح في خبر ابن عباس انه مر بين
يدي الصف راكبا ولم ينكر عليه ذلك (2).
فان قلت: في الرواية وانا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، فترك الانكار لعدم
البلوغ (3).
قلت: الصبي ينكر عليه المحرمات والمكروهات على سبيل
التأديب.
الثامنة: لو احتاج في الدفع إلى القتال لم يجز، ورواية أبي سعيد
الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله: " فان أبي فليقاتله، فإنما هو
شيطان " (4) للتغليظ أيضا، أو تحمل على دفاع مغلظ لا يؤدي إلى جرح ولا
ضرر.
التاسعة: هل كراهة المرور وجواز الدفع مختص بمن استتر أو مطلقا؟
نظر، من حيث تقصيره وتضييعه حق نفسه (5) وفي كثير من الاخبار التقييد بما
إذا كان له سترة ثم لا يضره ما مر بين يديه (6)، ومن اطلاق باقي الاخبار. ويمكن

(1) الموطأ 1: 154، سنن الدارمي 1: 329، صحيح البخاري 1: 136، صحيح مسلم 1:
363 ح 507 سنن أبي داود 1: 186 ح 701، السنن الكبرى 2: 268.
(2) الموطأ 1: 155، صحيح البخاري 1: 132، صحيح مسلم 1: 361 ح 504، سنن أبي داود
1: 190 ح 715، السنن الكبرى 2: 277.
(3) في م: البلاغ.
(4) المصنف لابن أبي شيبة 1: 279، مسند أحمد 3: 63، سنن أبي ماجة 1: 307 ح 954،
سنن أبي داود 1: 191 ح 718، شرح معاني الآثار 1: 460.
وراجع الهامش 7. وانظر الهامش 1، مع الصحفة 107.
(5) لاحظ: صحيح مسلم 1: 362، سنن أبي داود 1: 185، السنن الكبرى 2: 267، أبواب:
منع المار بين يدي المصلى.
(6) صحيح مسلم 1: 358 ح 499، سنن أبي داود 1: 183 ح 685، السنن الكبرى 2: 269.
106

ان يقال بحمل المطلق على المقيد.
ولو بعد عن السترة فهو كفاقدها. ولو كان في الصف الأول فرجة، جاز
التخطي بين الصف الثاني، لتقصيرهم باهمالها. ولو لم يجد المار سبيلا سوى
ذلك لم يدفع، لامتناع التكليف بالمحال، أو الحكم بعطلة الناس عن
حاجاتهم.
وغلا بعض العامة في ذلك وجوز الدفع مطلقا، لحديث أبي سعيد
الخدري، ودفعه الشاب مرتين ولم يكن له مساغ (1).
قلنا: ان صح النقل فهو رأي رآه، والحديث الذي رواه: " إذا صلى
أحدكم إلى شئ يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفع في
نحره. وان أبي فليقاتله، فإنما هو شيطان " (2) ليس فيه تصريح بعدم المساغ،
فيحمل على وجود المساغ.
ولا يجب نصب السترة إجماعا، لان النبي صلى الله عليه وآله تركها في
بعض الأحيان، كما روى الفضل بن عباس: أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله
ونحن في بادية لنا، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة
تعبثان بين يديه فما بالي بذلك (3).
وليست شرطا في صحة الصلاة أيضا بالاجماع، وانما هي من كمال
الصلاة.
(المطلب الثاني) (4): تستحب المكتوبة في المساجد والمشاهد

(1) المصنف لعبد الرزاق 2: 20 ح 2328، صحيح البخاري 1: 135، صحيح مسلم 1: 362
ح 505.
(2) تقدم في ص 106 الهامش 4.
(3) المصنف لعبد الرزاق 2: 28 ح 2358، سنن أبي داود 1: 191 ح 718، سنن النسائي 2:
65، شرح معاني الآثار 1: 458، السنن الكبرى 2: 278.
(4) أثبتناها من ط، وفي م، س: العاشرة.
107

الشريفة، وقد ورد فيها فضائل جمة سبق بعض ما روي في المشاهد.
وروي الشيخ في التهذيب - في باب المزار - في الصحيح عن معاوية
ابن عمار، عن الصادق عليه السلام، قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
الصلاة في مسجدي كألف في غيره الا المسجد الحرام، فان صلاة في
المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي " (1).
وعن خالد القلانسي عن الصادق عليه السلام، قال: " مكة حرم الله
وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليهما السلام، الصلاة فيها بمائة ألف
صلاة، والدرهم فيها بمائة ألف درهم. والمدينة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي
ابن أبي طالب عليهما السلام، الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة، والدرهم فيها
بعشرة آلاف درهم. والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب،
الصلاة فيها بألف صلاة " (2).
وعن نجم بن حطيم عن الباقر عليه السلام: " لو يعلم الناس ما في
مسجد الكوفة لأعدوا له الزاد والرواحل من مكان بعيد، ان صلاة فريضة فيه
تعدل حجة، وصلاة نافلة تعدل عمرة " (3).
وعن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: " النافلة في
هذا المسجد تعدل عمرة مع النبي صلى الله عليه وآله، والفريضة تعدل حجة
مع النبي صلى الله عليه وآله، وقد صلى فيه ألف نبي وألف وصي " (4).
وعن هارون بن خارجة عن الصادق عليه السلام: " ان رسول الله
صلى الله عليه وآله صلى في مسجد الكوفة ليلة الاسراء ركعتين، وان المكتوبة

(1) التهذيب 6: 14 ح 30، وفي الفقيه 1: 147 ح 681.
(2) الكافي 4: 586 ح 1، كامل الزيارات: 29، الفقيه 1: 147 ح 679، التهذيب 6: 31
ح 58.
(3) كامل الزيارات: 28، التهذيب 6: 32 ح 60.
(4) كامل الزيارات: 28، التهذيب 6: 32 ح 61.
108

فيه بألف صلاة، والنافلة بخمسمائة، وان الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر
لعبادة " (1).
وعن إسماعيل بن زيد عن الصادق عليه السلام: ان أمير المؤمنين عليه
السلام منع رجلا من السفر إلى المسجد الأقصى، وأمره بلزوم مسجد الكوفة
والصلاة فيه، فان المكتوبة فيه حجة مبرورة، والنافلة عمرة مبرورة (2).
وروى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: " صلاة
في بيت المقدس تعدل ألف صلاة، وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة
صلاة، وصلاة في مسجد القبيلة تعدل خمسا وعشرين، وصلاة في مسجد
السوق اثنتا عشرة صلاة، وصلاة الرجل في منزله صلاة واحدة " (3).
وروي ابن أبي عمير عن بعض أصحابه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: اني لأكره الصلاة في مساجدهم، قال: " لا تكره، فما من مسجد بني
الا على قبر نبي أو وصي نبي، قتل فأصاب تلك البقعة رشتة من دمه، فأحب
الله ان يذكر فيها، فاد فيها الفريضة والنوافل واقض ما فاتك " (4).
وعن الحلبي عن الصادق عليه السلام: المسجد الذي أسس على
التقوى مسجد قباء (5).
وروى العامة في الصحاح بعدة أسانيد ان النبي صلى الله عليه وآله قال:
" صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، الا المسجد

(1) الكافي 3: 490 ح 1، كامل الزيارات: 28، أمالي الصدوق: 315، التهذيب 3: 250
ح 688، 6: 32 ح 62.
(2) الكافي 3: 491 ح 2، كامل الزيارات: 32، التهذيب 3: 251 ح 689.
(3) الفقيه 1: 152 ح 703، وفى ثواب الأعمال: 51، والتهذيب 3: 253 ح 698.
(4) الكافي 3: 370 ح 14، التهذيب 3: 258 ح 723.
(5) الكافي 3: 296 ح 2، التهذيب 3: 261 ح 736.
109

الحرام " (1).
ومعناه عند الأكثر: ان استثناء المسجد الحرام يدل على أفضليته على
مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله.
وعند الأقل: ان الاستثناء من التضعيف، اي ان المسجد الحرام لا يزيد
عليه مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله بألف بل بأقل من ذلك (2)، وهو
خلاف الظاهر. وبناه على معتقده من أفضلية المدينة ومسجدها على مكة
ومسجدها، وقد بينا في القواعد ضعفه (3).
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله: " لا تشد الرحال الا إلى
ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى " (4). وفي لفظ
آخر عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " انما يسافر إلى ثلاثة
مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد ايلياء " (5).
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله: " لا تشد الرحال
الا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى " (6).
قلت: أجمع العلماء - الا من شذ - على أن المراد بهذا النفي بالنسبة
إلى المساجد، أي: لا يصلح ذلك إلى مسجد غير هذه الثلاثة، لتقارب

(1) الموطأ 1: 196، المصنف لعبد الرزاق 5: 120 ح 9131، مسند أحمد 2: 239، سنن الدارمي
1: 330، صحيح البخاري 2: 76، صحيح مسلم 2: 1012 ح 1394.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 163.
(3) القواعد والفوائد 2: 121 ضمن القاعدة 189.
(4) المصنف لعبد الرزاق 5: 132 ح 9158، مسند أحمد 2: 278، صحيح البخاري 2: 76،
صحيح مسلم 2: 1014 ح 1397، سنن ابن ماجة 1: 452 ح 1409، سنن النسائي 2: 37.
(5) صحيح مسلم 2: 1015 ح 1397، السنن الكبرى 5: 244.
(6) صحيح البخاري 2: 77، الجامع الصحيح 2: 148 ح 326، سنن ابن ماجة 1: 452
ح 1410، المصنف لعبد الرزاق 5: 132 ح 9159، مسند أحمد 3: 77، صحيح البخاري
2: 77، مسند أبي يعلى 2: 388 ح 1160.
110

المساجد سواها في الفضل، فليس سفره إلى مسجد بلد آخر ليصلي فيه بأولى
من مقامه عند مسجد بلده والصلاة فيه. وهذا النهي يراد به نهي التنزيه، لانعقاد
الاجماع على عدم تحريم السفر إلى غير المساجد المذكورة لتجارة أو قربة من
القرب.
وقال بعضهم: المراد: لا يستحب شد الرحال الا إلى هذه، ولا يلزم
من نفي الاستحباب نفي الجواز (1).
وارتكب واحد من العامة تحريم زيارة الأنبياء والأئمة والصالحين عليهم
السلام، متمسكا بهذا الخبر على مطلوبه، ذاهبا إلى أنه لابد من إضمار شئ
هنا ولتكن العبادة، لان الاسفار المطلقة ليست حراما (2).
وهو تحكم محض، لان إباحة الشد للأسفار المطلقة يستلزم أولوية
اباحته لما هو عبادة، إذ العبادة أرجح في نظر الشرع من السفر المباح، ويلزمه

(1) القائل بهذا هو: أبو محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، وهو ممن يجوز السفر إلى زيارة
قبور الأنبياء والصالحين، ويراه - كسائر علماء المسلمين - ليس بمحرم، لعموم قول النبي
صلى الله عليه وآله: " زوروا القبور ".
وقد احتج لذلك بان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يزور مسجد قباء.
وأما عن حديث: " لا تشد الرحال... "، فقد أجاب عنه: بأن ذلك محمول على نفي
الاستحباب.
كذا حكاه عنه ابن تيمية في كتابه الزيارة، المسألة الثانية ص 19 - 20.
(2) من ارتكب هذا هو ابن تيمية قدوة الفرقة الوهابية، قال - بعد أن عد زيارة قبر الرسول
الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من جنس الشرك وأسبابه!!! -:
وهل يجوز السفر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين؟
لا يجوز ذلك، لما ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " لا تشد
الرحال الا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى " انتهى.
وهذا كلام باطل خيل لاتباعه أنه حق فحرموا على أنفسهم - لجهلهم وتحجر عقولهم -
أعظم القربات إلى الله تعالى وأكثرها ثوابا، وعلى خلافهم جرت سيرة المسلمين واجماع
علمائهم كما سنشير إليه فلاحظ.
111

عدم الشد لزيارة احياء العلماء وطلب العلم وصلة الرحم، وقد جاء: " من زار
عالما فكم زار بيت المقدس " (1) وورد: " اطلبوا العلم ولو بالصين " (2)، و " سر
سنتين بر والديك " (3)، ولا يخالف أحد في إباحة هذا مع أنه عبادة، فتعين ان
المراد بالحديث: لا يستحق، أو لا يتأكد، أو لا أولى بالشد، من هذه الثلاثة،
أو يضمر المساجد، كما سبق ذكره.
وهذا القائل كلامه صريح في نفي مطلق زيارة قبور الأنبياء والصلحاء،
لأنه احتج بأنه لم يثبت في الزيارة خبر صحيح، بل كل ما ورد فيها موضوع
بزعمه (4). وكل هذا مراغمة للفرقة المحقة والطائفة الناجية، الذين يرون تعظيم

(1).
(2) الكامل لابن عدي 4: 1438، تاريخ بغداد 9: 364، فردوس الاخبار 1: 101 ح 205.
(3) الفقيه 4: 260.
(4) كذا زعم ابن تيمية الحراني في كتابه الزيارة، إذ قال فيه: ليس عن النبي صلى الله عليه
وسلم في زيارة قبره ولا قبر الخليل حديثا ثابتا أصلا. كتاب الزيارة: المسألة الأولى ص 12
- 13.
وقال أيضا: والأحاديث الكثيرة المروية في زيارة قبره كلها ضعيفة، بل موضوعة، لم
يرو الأئمة ولا أصحاب السنن المتبعة - كسنن أبي داود والنسائي ونحوهما - فيها شيئا.
كتاب الزيارة: المسألة الرابعة ص: 38.
وقال أيضا: ما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فكلها
ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث، بل هي موضوعة، لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة
شيئا منها، ولم يحتج أحد من الأئمة بشئ منها. كتاب الزيارة المسألة الثانية ص 22.
وهذه الطريقة في التشويش على السذج والبسطاء من المسلمين تمثل منهجا عاما
لابن تيمية في عرض عقائد وآرائه في سائر كتبه، إذ كل ما خالف اعتقاده فلا بد وأن يذيله
بنحو هذه العبارات.
والعجب من ابن تيمية أنه أغفل كلامه قبل هذا وتناساه تماما، إذ ذكر بنفسه - وقبل
صفحتين من كلامه المذكور - بعض من جوز السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين، كأبي
حامد الغزالي الشافعي، وأبي الحسن بن عبدوس الحراني الحنبلي، وأبي محمد بن قدامة
المقدسي الحنبلي. مع أنه لم يذكر عالما ولا جاهلا أيده على حرمة الزيارة هذا فضلا عن
توافر أحاديث زيارة القبور في السنن وغيرها.
انظر: سنن الدارقطني 1: 217 / 2667 باب المواقيت في الحج، عن ابن عمر: " من حج
فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي " أخرجه من طريق عبد الله بن محمد بن
عبد العزيز، وفى حديث 2669، عن ابن عمر: " من زار قبري وجبت له شفاعتي "، أخرجه
من طريق القاضي المحاملي، وفي حديث 2668، عن حاطب " من زارني بعد موتي
فكأنما زارني في حياتي "، أخرجه من طريق أبى عبيد، والقاضي أبي عبد الله، وابن مخلد.
وسنن النسائي بشرح السيوطي 4: 89، عن بريدة " انى كنت نهيتكم أن تأكلوا لحوم
الأضاحي إلا ثلاثة فكلوا... ونهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا
هجرا، وفي 4: 90، عن أبي هريرة مرفوعا: " فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت ". وقد
علمت كذب ابن تيمية على النسائي بأنه لم يذكر شيئا من زيارة القبور.
هذا فضلا عن وجود أحاديث أخرى في الزيارة تجدها في السنن الكبرى للبيهقي 5:
245 و 246، وشعب الايمان 3: 488 حديث 4151 و 4152 و 4153 و 4154 والمعجم
الكبير للطبراني 12: 407، والمطالب العالية لابن حجر ح 1253 و 1254، ومجمع الزوائد
4: 2: ومشكاة المصابيح ح 2756، والدر المنثور 1: 237، وارواء الغليل 4: 335، وكنز
العمال ح 12368 و 12369 و 42582 وغيرها.
وأما عن استحباب الزيارة من طرق الشيعة عن أهل البيت عليهم السلام فقد بلغت فوق
حد التواتر وألفت فيها كتب كثيرة.
هذا، وفي كتاب (ابن تيمية / حياته وعقائده) للأستاذ صائب عبد الحميد ص 181 -
186 كلام في غاية الأهمية عن زيارة القبور واثبات استحبابها وصحة الأحاديث الواردة
فيها مع تهافت ابن تيمية بشأنها، فراجع.
112

الزيارات والمزارات، ويهاجرون إليها ويجاورون، وفي رضى الله تعالى لأهلهم
وديارهم يفارقون، انعقد اجماع سلفهم وخلفهم على ذلك، وفيهم أهل البيت
عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ويروون في ذلك
أخبارا تفوت العد، وتتجاوز الاحصاء، بالغة حد التواتر، وقد روى منها الحافظ
ابن عساكر من العامة طرفا صالحا، منها حديث: " وستكون حثالة من العامة
يعيرون شيعتكم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها " (1) وغيره.

(1) اعلم أنه لا يوجد على ظهر الأرض من يكفر المسلمين على زيارتهم قبر رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم سوى فرقة الوهابية التي أخذت بمن حكم علماء أهل السنة أنفسهم
على ضلالته وهو ابن تيمية ومن هنا يعلم أن المراد بتلك الحثالة: هم الوهابية، تلك الفرقة
التي ظهرت بعد أكثر من الف عام من عمر الاسلام على يد محمد بن عبد الوهاب، الذي
حكم أخوه عليه - وهو أقرب الناس إليه - بالانحراف والضلال، وله كتاب معروف في
تكفير أخيه وتحذير الناس من بدعه وعلى رأسها حرمة زيارة قبر النبي الأعظم صلى الله
عليه وآله وسلم.
ويكفي أن تعلم أن في معجم مؤلفات الأمة الاسلامية في الرد على الفرقة الوهابية أكثر
من 250 كتابا لأهل السنة أنفسهم، [وانظر: فصلية تراثنا العدد: 17 والصادرة عن مؤسسة آل
البيت عليهم السلام لإحياء التراث] وكتاب الزيارة لابن تيمية الذي يتبجح به الوهابيون
اليوم قد نسفه أهل السنة نسفا ونقضوه حرفا بحرف، فقد الف العلامة السبكي الشافعي
علي بن عبد الكافي (683 - 756 ه‍) كتابا نقض فيه جميع مزاعم ابن تيمية ويعرف كتابه
ب‍: (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) كما يعرف بعنوان: (شن الغارة على من أنكر السفر
للزيارة).
قال الصفدي: قرأته عليه بالقاهرة وكتبت عليه نظما، منه:
لقول ابن تيمية زخرف * أتى في زيارة خير الأنام
فجاءت نفوس الورى تشتكي * إلى خير حبر وأزكى إمام
فصنف هذا وداواهم * فكان يقينا شفاء السقام
انظر: طبقات الشافعية الكبرى 10: 167، 308، والوافي بالوفيات 21: 255 - 256.
وبما أن هذه الفرقة المنحرفة عن الحق بمخالفتها لاجماع الأمة على ضرورة تعظيم
قبور الأنبياء والأولياء والصالحين ووضوح هذه المخالفة بتهديم تلك القبور وتكفير
زائريها، فلا عجب أن ينبري العلماء من كل مذهب للرد على هذه الفرقة التي سيطرت
بجهود الاستعمار ودعمه على الحرمين الشريفين (مكة المشرفة والمدينة المنورة).
ونتيجة لتلك السيطرة فقد حاول الحجاج من مشارق الأرض ومغاربها أن يتقوا
الوهابية ومجازرها في مواسم الحج والعمرة على الرغم مما في نفوسهم من الشوق العظيم
لتقبيل المكان الذي ضم جسد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، نعم يتقونهم أخذا
بالحديث الذي رواه أهل السنة أنفسهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " كيف أنتم في
قوم مرجت عهودهم وأماناتهم وصاروا حثالة؟ وشبك بين أصابعه. قالوا: " كيف نصنع؟ قال
صلى الله عليه وآله وسلم: اصبروا وخالقوا الناس بأخلاقهم وخالفوهم في أعمالهم "، كشف
الأستار للهيثمي 4: 133 ح 2324.
ترى هل تجد بعد هذا مصداقا للحثالة غير فوقة الوهابية؟!
113

مع أن جميع المسلمين مجمعون على زيارة النبي صلى الله عليه وآله
منذ نقله الله إلى دار عفوه ومحل كرامته إلى هذا الزمان، ففي كل سنة يعملون
المطي ويشدون الرحال ولا ينصرفون الا بعد السلام عليه، وانعقاد الاجماع في
هذه الاعصار قبل ظهور صاحب هذه المقالة الشنيعة وبعده حجة قاطعة على
هذا المقام، وأي حجة أقوى من اجماع جميع أهل الاسلام على زيارة النبي
صلى الله عليه وآله، باعمال المطي وشد الرحال في كل عام.
واما الأخبار الواردة في زيارته فهي كثيرة جدا، قد ضمنها العلماء في
كتبهم المأثورة وسننهم المشهورة، مثل ما رواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة:
ان النبي صلى الله عليه وآله، قال: " ما من رجل يسلم علي، الا رد الله علي
روحي حتى أرد عليه السلام " (1).
ولم يزل الصحابة والتابعون كلما دخلوا المسجد يسلمون على النبي
صلى الله عليه وآله، ولا حاجة إلى الاستدلال بالاخبار في هذا المقام المجمع
عليه، فإنه عدول من يقين إلى شك، ومن علم إلى ظن.
تتمة: روى العامة في صحاحهم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وآله:
" أول مسجد وضع على الأرض المسجد الحرام، ثم المسجد الأقصى بعده
بأربعين سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد " (2).
وعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة

(1) سنن أبي داود 2: 218 ح 2041، السنن الكبرى 5: 245، مجمع الزوائد 10: 162 عن
الطبراني في الأوسط.
(2) صحيح البخاري 4: 177، صحيح مسلم 1: 370 ح 520، سنن ابن ماجة 1: 248
ح 753، سنن النسائي 2: 32.
115

وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي، وجعلت
لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان،
ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة " (1).
وعن حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " فضلنا على الناس
بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا،
وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء " (2).
وعن أنس: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة، فنزل في علو
المدينة في بني عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم ارسل إلى ملأ
بني النجار فجاؤوا متقلدين بسيوفهم، فجاء معهم حتى ألقى بفناء أبي أيوب،
وكان يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، ثم قال: " يا بني
النجار ثامنوني بحائطكم هذا ". قالوا: لا والله ما نطلب ثمنه الا إلى الله وكان
فيه نخل وقبور المشركين، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالنخل فقطع،
وبقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت. قال: فصفوا النخل قبلة وجعلوا
عضادتيه حجارة (3).
والخرب: جمع خربة، وهي: النقب في الأرض، كأنه أراد تسوية
الحفر. وروي الأصحاب بالاسناد إلى عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه
السلام أنه قال: " الأرض كلها مسجد، الا بئر غائط أو مقبرة " (4).

(1) صحيح البخاري 1: 119، صحيح مسلم 1: 370 ح 521، سنن النسائي 1: 210، مسند
أبي عوانة 1: 396، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8: 104 ح 6364.
(2) صحيح مسلم 1: 371 ح 522، السنن الكبرى 1: 223.
(3) مسند أحمد 3: 211، صحيح البخاري 1: 117، صحيح مسلم 1: 373 ح 524، سنن
ابن ماجة 1: 245 ح 742، سنن أبي داود 1: 123 ح 453، سنن النسائي 2: 39.
(4) التهذيب 3: 259 ح 728، الاستبصار 1: 441 ح 1699.
116

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " ان رسول
الله صلى الله عليه وآله بني مسجده بالسميط، ثم إن المسلمين كثروا، فقالوا:
يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه. فقال: " نعم " فامر به فزيد فيه وبناه
بالسعيدة.
ثم إن المسلمين كثروا، فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد
فيه. فقال: " نعم " فأمر به فزيد فيه وبني جداره بالأنثى والذكر. ثم اشتد عليهم
الحر فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظل. قال: " نعم " فأمر به فأقيمت
فيه سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر.
فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم، فقالوا:
يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله:
لا، عريش كعريش موسى صلى الله عليه وآله، فلم يزل كذلك حتى قبض
رسول الله صلى الله عليه وآله.
وكان جداره قبل ان يظلل قامة، فكان إذا كان الفئ ذراعا - وهو قدر
مربض عنز - صلى الظهر، وإذا كان ضعف ذلك صلى العصر ". وقال:
السميط: لبنة لبنة، والسعيدة: لبنة ونصف، والأنثى والذكر: لبنتان
متخالفتان (1).
وعن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
كم كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: " كان ثلاثة آلاف وستمائة
ذراع تكسيرا " (2).
تنبيه:
من المساجد الشريفة مسجد الغدير، وهو بقرب الجحفة، جدرانه باقية

(1) الكافي 3: 295 ح 1، التهذيب 3: 261 ح 738.
(2) الكافي 3: 296 ح 2، 4: 555 ح 7، الفقيه 1: 147 ح 682، التهذيب 3: 261 ح 737.
117

إلى اليوم، وهو مشهور بين، وقد كان طريق الحج عليه غالبا.
وروى حسان الجمال، قال: حملت أبا عبد الله عليه السلام من المدينة
إلى مكة، فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر في ميسرة المسجد، فقال: " ذلك
موضع قدم رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: من كنت مولاه فعلي
مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. ثم نظر في الجانب الآخر فقال:
" ذلك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبى حذيفة وأبى عبيدة بن
الجراح فلما ان رأوه رافعا يده قال بعضهم: انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا
مجنون، فنزل جبرئيل بقوله تعالى: (وان يكاد الذين) إلى آخر السورة (1).
ومنها: مسجد براثا في غربي بغداد، وهو باق إلى الان، رأيته وصليت
فيه.
روى الجماعة عن جابر الأنصاري، قال: صلى بنا علي عليه السلام
ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراة ونحن زهاء مائة ألف رجل، فنزل نصراني من
صومعته فقال: أين عميد هذا الجيش؟ فقلنا: هذا. فاقبل عليه وسلم عليه ثم
قال: يا سيدي أنت نبي؟ قال: " لا، النبي سيدي قد مات ". قال أفأنت وصي
نبي؟ قال: " نعم ". فقال: انما بنيت الصومعة من أجل هذه الموضع وهو براثا،
وقرأت في الكتب المنزلة انه لا يصلي في هذا الموضع بذا الجمع الا نبي أو
وصي نبي، ثم أسلم. فقال له علي عليه السلام: " من صلى ها هنا؟ ". قال:
صلى عيسى بن مريم وأمه. فقال له علي عليه السلام: " والخليل عليه
السلام " (2).
ومنها: مسجد السهلة. روى عبد الرحمن بن سعيد الخزاز، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " بالكوفة مسجد يقال له: مسجد السهلة، لو أن عمي

(1) الكافي 4: 566 ح 2، الفقيه 1: 148 ح 688، التهذيب 3: 263 ح 746.
(2) الفقيه 1: 151 ح 699، التهذيب 3: 264 ح 747.
118

زيدا أتاه فصلي فيه واستجار الله جار الله له عشرين سنة. فيه مناخ الراكب،
وبيت إدريس النبي. وما أتاه مكروب قط، فصلي فيه ما بين العشائين فدعا الله
عز وجل، الا فرج الله كربته " (1).
وعن صالح بن أبي الأسود، عن أبي عبد الله عليه السلام: " اما انه منزل
صاحبنا إذا أقام بأهله " (2).
وروى حبة العرني، قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحيرة،
فقال: " لتتصلن هذه بهذه "، وأومأ بيده إلى الكوفة والحيرة: " حتى يباع الذراع
فيما بينهما بدنانير، وليبنين بالحيرة مسجد له خمسمائة باب، يصلي فيه خليفة
القائم لان مسجد الكوفة ليضيق عنهم، وليصلين فيه اثنا عشر إماما عدلا ".
قلت: يا أمير المؤمنين: ويسع مسجد الكوفة الناس يومئذ؟ قال: " تبني له أربع
مساجد: مسجد الكوفة أصغرها، وهذا، ومسجدان في طرف الكوفة من هذا
الجانب وهذا الجانب " (3).
ومنها: مسجد غني، ومسجد الحمراء، ومسجد جعفي، الثلاثة
بالكوفة. جعلها أبو جعفر الباقر عليه السلام مباركة، رواه محمد بن مسلم،
وذكر فيها مساجد ملعونة: مسجد ثقيف، ومسجد الأشعث، ومسجد جرير بن
عبد الله البجلي، ومسجد سماك، ومسجد شبث بن ربعي (4). وان هذه
الأربعة الأخيرة جددت بالكوفة فرحا لقتل الحسين عليه السلام، رواه هشام بن
سالم عن أبي جعفر عليه السلام (5).

(1) الكافي 3: 495 ح 3، التهذيب 3: 252 ح 693.
(2) الكافي 3: 495 ح 2، التهذيب 3: 252 ح 692.
(3) التهذيب 3: 253 ح 699.
(4) الكافي 3: 489 ح 1، التهذيب 3: 249 ح 685، وفيهما بدل (مسجد شبث بن ربعي):
(مسجد بالخمراء) في الكافي، و (مسجد الحمراء) في التهذيب.
(5) الكافي 3: 490 ح 2، التهذيب 3: 250 ح 687.
119

المطلب الثالث: في مباحث المساجد.
الأول: يستحب بناؤها استحبابا مؤكدا بالاجماع.
قال الله تعالى: (انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) (1).
وقال تعالى: (وان المساجد لله) (2).
وروي أبو عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
" من بني مسجدا بني الله له بيتا في الجنة " - وفي بعض الأخبار: " كمفحص
قطاة " (3) - قال أبو عبيدة: فمر بي أبو عبد الله عليه السلام في طريق مكة وقد
سويت أحجارا لمسجد، فقلت: جعلت فداك نرجو ان يكون هذا من ذاك
فقال: " نعم " (4).
وروي العامة في الصحاح عن عثمان، قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وآله يقول: " من بني مسجدا بني الله له في الجنة مثله " (5).
الثاني: يستحب كثرة الاختلاف إليها روي الأصبغ عن أمير المؤمنين
عليه السلام: " من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاذ مستفادا في
الله، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو يسمع كلمة تدله على هدى، أو كلمة
ترده عن ردى، أو رحمة منتظرة، أو يترك ذنبا خشية أو حياء " (6).

(1) سورة التوبة: 18.
(2) سورة الجن: 18.
(3) المحاسن: 55، الفقيه 1: 152 ح 704.
(4) الكافي 3: 368 ح 1، التهذيب 3: 264 ح 748.
(5) صحيح البخاري 1: 122، صحيح مسلم 1: 378 ح 533، سنن ابن ماجة 1: 243
ح 736، الجامع الصحيح 3: 134 ح 318، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 68.
ح 1607.
(6) الفقيه 1: 153 ح 714، الخصال 409، ثواب الأعمال: 46، التهذيب 3: 248 ح 681.
120

قلت: كأن الثامنة: " ترك الذنب حياء " يعني من الله، أو من الملائكة،
أو من الناس، كما أن الخشية كذلك. ويجوز أن تكون الخشية من الله،
والحياء من الناس.
وعن إسماعيل بن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه، قال: " قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: الاتكاء في المسجد رهبانية العرب، المؤمن مجلسه
مسجده، وصومعته بيته " (1).
وفي مرسل علي بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " من
مشى إلى المسجد لم يضع رجلا على رطب ولا يابس الا سبحت له الأرض
إلى الأرضين السابعة " (2).
وعن السكوني، عن جعفر عليه السلام، عن أبيه، قال: " قال النبي
صلى الله عليه وآله: من كان القرآن حديثه، والمسجد بيته، بني الله له بيتا في
الجنة " (3).
وبالاسناد عن النبي صلى الله عليه وآله: " من سمع النداء في المسجد،
فخرج منه من غير علة، فهو منافق الا ان يريد الرجوع إليه " (4).
وعن طلحة بن زيد، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن علي عليه
السلام، قال: " لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد
إذا كان فارغا صحيحا " (5).
الثالث: يستحب تعاهد النعل عند باب المسجد، لما رواه الأصحاب

(1) التهذيب 3: 249 ح 684.
(2) الفقيه 1: 152 ح 702، ثواب الأعمال: 46، التهذيب 3: 255 ح 706
(3) ثواب الأعمال: 47، أمالي الصدوق: 405، التهذيب 3: 255 ح 707.
(4) أمالي الصدوق: 405، التهذيب 2: 262 ح 740.
(5) التهذيب 3: 261 ح 735.
121

عن النبي صلى الله عليه وآله (1)، وترك دخول من أكل شيئا من المؤذي ريحه،
لما رووه عن علي عليه السلام (2).
الرابع: دخوله على طهارة، وتقديم اليمين، والدعاء بما رووه عند
الدخول، وهو: " بسم الله، والسلام على رسول الله، صلى الله وملائكته على
محمد وآل محمد، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته. اللهم اغفر لي ذنوبي،
وافتح لي أبواب رحمتك، واجعلني من عمار مساجدك جل ثناء وجهك ". وعند
الخروج: " اللهم اغفر لي، وافتح لي أبواب فضلك ".
فإذا دخل فليصل ركعتين تحية المسجد، لما رواه أبو قتادة عن النبي
صلى الله عليه وآله، قال: " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع " (4).
وليدع الله عقيبهما، وليصل على النبي صلى الله عليه وآله. وان لم يصل جلس
مستقبل القبلة، وحمد الله، وصلي على النبي صلى الله عليه وآله، ودعا الله
وسأله حاجته.
الخامسة: يستحب ترك أحاديث الدنيا في المساجد، للنهي عن
ذلك (3).
وترك الحذف بالحصى، لقول النبي صلى الله عليه وآله فيمن فعل ذلك:
" ما زالت تلعنه حتى وقعت " (6) وفي النهاية: لا يجوز (7).

(1) التهذيب 3: 255 ح 709، مكارم الأخلاق: 123.
(2) التهذيب 3: 255 ح 708.
(3) التهذيب 3: 263 ح 744، 745، مع تفاوت يسير.
(4) الموطأ 1: 162، المصنف لعبد الرزاق 1: 428 ح 1673، مسند أحمد 5: 305، صحيح
البخاري 1: 120، صحيح مسلم 1: 495 ح 714، سنن ابن ماجة 1: 324 ح 1013.
(5) تنبيه الخواطر 1: 69.
(6) التهذيب 3: 262 ح 741.
(7) النهاية: 110.
122

وترك كشف السرة والفخذ والركبة، وفي النهاية: لا يجوز (1).
ونهي رسول الله صلى الله عليه وآله عن سل السيف فيه وبري النبل (2)
وانشاد الشعر وقال: " من سمعتموه ينشد الشعر في المسجد فقولوا: فض الله
فاك، وانما نصبت المساجد للقرآن " (3).
وترك تصوير المساجد، لقول أبي عبد الله عليه السلام وقد سأله. عمرو
ابن جميع عن الصلاة في المساجد المصورة، فقال: " أكره ذلك، ولكن لا
يضركم اليوم، ولو قام العدل رأيتم كيف يصنع في ذلك " (4).
وترك زخرفتها، والظاهر أنه حرام، وكذا نقشها، لان ذلك لم يفعل في
عهد النبي صلى الله عليه وآله وعهد الصحابة فيكون بدعة، كذا قاله في
المعتبر (5). وحرم بعض الأصحاب الصور أيضا (6).
وترك الشرف، لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام، عن
أبيه، عن علي عليه السلام: " انه رأي مسجدا بالكوفة قد شرف، فقال: " كأنه
بيعة، وقال: " ان المساجد تبني جما لا تشرف " (7).
وترك المحاريب، لما في هذه الرواية: " ان عليا عليه السلام كان يكسر
المحاريب إذا رآها في المساجد، ويقول: كأنها مذابح اليهود " (8) قال
الأصحاب: المراد بها المحاريب الداخلة (9).

(1) النهاية: 110.
(2) الكافي 3: 369 ح 8، التهذيب 3: 258 ح 724.
(3) الكافي 3: 369 ح 5، التهذيب 3: 259 ح 725.
(4) الكافي 3: 369 ح 6، التهذيب 3: 259 ح 726.
(5) المعتبر 2: 451.
(6) كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1: 91.
(7) الفقيه 1: 153 ح 709، علل الشرائع: 320، التهذيب 3: 253 ح 696.
(8) الفقيه 1: 153 ح 708، علل الشرائع: 320، التهذيب 3: 253 ح 697.
(9) راجع: المبسوط 1: 160، السرائر: 60، المعتبر 2: 452.
123

وترك البيع، والشراء، والمجانين، والصبيان، والاحكام، والضالة،
والحدود، ورفع الصوت، رواه علي بن أسباط مرسلا عن أبي عبد الله عليه
السلام (1).
وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: " جنبوا مساجدكم
صبيانكم، ومجانينكم، وشرائكم، وبيعتكم، واجعلوا مطاهركم على أبواب
مساجدكم " (2).
وروى لا بأس بانشاد الضالة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام، وكذا
قال: لا بأس بانشاد الشعر (3) وهما مشعران بالبأس، أو لنفي التحريم. وليس
ببعيد حمل إباحة إنشاد الشعر على ما يقل منه وتكثر منفعته، كبيت حكمة، أو
شاهد على لغة في كتاب الله، أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله، وشبهه، لأنه من
المعلوم ان النبي صلى الله عليه وآله كان ينشد بين يديه البيت والابيات من
الشعر في المساجد ولم ينكر ذلك (4).
وترك تظليلها، لما رواه الحلبي قال: سألته عن المساجد المظلمة، يكره
القيام فيها؟ قال: " نعم، ولكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم " (5). وقد سلف ان
النبي صلى الله عليه وآله ظل مسجده (6) ولعل المراد به تظليل جميع
المسجد، أو تظليل خاص، أو في بعض البلدان، والا فالحاجة ماسة إلى
التظليل لدفع الحر والقر.
وترك تعليق السلاح في المسجد الأكبر (7).

(1) الفقيه 1: 154 ح 716، علل الشرائع: 319، الخصال: 410، التهذيب 3: 249 ح 682.
(2) التهذيب 3: 254 ح 702.
(3) قرب الإسناد: 120، التهذيب 3: 249 ح 683.
(4) صحيح البخاري 1: 122، صحيح مسلم 4: 1932 ح 2485، سنن النسائي 2: 48.
(5) الفقيه 1: 152 ح 706، التهذيب 3: 253 ح 695.
(6) تقدم في ص 117 الهامش 1.
(7) راجع الهامش 5.
124

وترك تطويل المنارة، لما روى السكوني عن الصادق عليه السلام، عن
أبيه، عن علي عليه السلام: " انه مر على منارة طويلة فأمر بهدمها، ثم قال: لا
ترفع المنارة الا مع سطح المسجد " (1). وكذا يكره جعل المنارة وسطها، وفي
النهاية: لا يجوز وسطها (2).
وترك اخراج الحصى منها، لرواية وهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه،
قال: " إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها، أو في مسجد
آخر، فإنها تسبح " (3). وعده بعض الأصحاب من المحرم (4). لظاهر الامر
بالرد.
وترك البصاق فيه، لرواية غياث بن إبراهيم، عن الصادق عليه السلام،
عن أبيه: " ان عليا عليه السلام قال: البزاق في المسجد خطيئة، وكفارته
دفنه " (5).
وعن إسماعيل بن مسلم، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه
عليهم السلام، قال: " من وقر بنخامته المسجد لقي الله يوم القيامة ضاحكا قد
أعطي كتابه بيمينه " (6).
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: " من تنخع في
المسجد، ثم ردها في جوفه، لم تمر بداء في جوفه الا أبرأته " (7).
وقد روى في التهذيب عن عبد الله بن سنان عنه عليه السلام، قلت له:

(1) الفقيه 1: 155 ح 723، التهذيب 3: 256 ح 710.
(2) النهاية: 109.
(3) الفقيه 1: 154 ح 718، علل الشرائع: 320، التهذيب 3: 256 ح 711.
(4) كالمحقق في شرائع الاسلام 1: 128.
(5) التهذيب 3: 256 ح 712، الاستبصار 1: 442 ح 1704.
(6) التهذيب 3: 256 ح 713، الاستبصار 1: 442 ح 1705.
(7) الفقيه 1: 152 ح 700، ثواب الأعمال: 35، التهذيب 3: 256 ح 714.
125

الرجل يكون في المسجد في الصلاة فيريد ان يبصق، فقال: " عن يساره، وان
كان في غير صلاة فلا يبزق حذاء القبلة، ويبزق عن يمينه وعن شماله " (1).
وعن طلحة بن زيد، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه: " لا يبصقن
أحدكم في الصلاة قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبزق عن يساره وتحت قدمه
اليسرى " (2).
وعن محمد بن مهزيار، قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام تفل في
المسجد الحرام فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود ولم يدفنه (3).
ثم قال الشيخ: في هذه الأخبار دلالة على نفي الاثم فلا تنافي (4). ثم
روى عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: " ان أبا جعفر عليه
السلام كان يصلي في المسجد، فيبصق أمامه وعن يمينه وعن شماله وخلفه،
على الحصى، ولا يغطيه " (5).
قلت: يجوز ان يفعل الامام المكروه في بعض الأحيان، لبيان جوازه،
أو لضرورة، فلا يكون للضرورة مكروها.
وترك الوضوء فيها من الغائط والبول، لما رواه رفاعة بن موسى عن أبي
عبد الله عليه السلام من الكراهية (6).
وترك النوم فيها، وخصوصا في المسجدين، قاله الجماعة (7). وقد روى

(1) التهذيب 3: 257 ح 715، وفي الكافي 3: 370 ح 12، والاستبصار 1: 442 ح 1707.
(2) التهذيب 3: 257 ح 716، وفي الفقيه 1: 180 ح 852.
(3) التهذيب 3: 257 ح 717، وفي الكافي 3: 370 ح 13، والاستبصار 1: 443 ح 1708 عن
علي بن مهزيار.
(4) التهذيب 3: 257.
(5) التهذيب 3: 257 ح 18، الاستبصار 1: 443 ح 1709.
(6) الكافي 3: 369 ح 9، التهذيب 3: 257 ح 719.
(7) راجع: المبسوط 1: 161، السرائر: 60، المعتبر 2: 453.
126

زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في النوم في المساجد: " لا بأس الا في
المسجدين: مسجد النبي صلى الله عليه وآله، والمسجد الحرام ". قال: وكان
يأخذ بيدي في بعض الليل، فيتنحى ناحية ثم يجلس، فيتحدث في المسجد
الحرام فربما نام، فقلت له في ذلك، فقال: " انما يكره أن ينام في المسجد الذي
كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، فاما في هذا الموضع فليس به
بأس " (1).
وروى عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام في النوم في
المسجد ومسجد الرسول، قال: " نعم، أين ينام الناس! " (2).
وربما استدل على كراهية النوم مطلقا بقوله تعالى: (لا تقربوا الصلاة
وأنتم سكارى)، فعن زيد الشحام عن الصادق عليه السلام: " سكر
النوم " (3).
وترك قصع القمل، قاله الجماعة رحمهم الله (4).
وترك التكلم بالعجمية، لرواية السكوني، عن الصادق عليه السلام،
باسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: " انه نهي عن رطانة الأعاجم في
المساجد " (5).
وترك تعلية المساجد، اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وآله فان مسجده
كان قامة، كما مر (6).
وترك إقامة الحدود، لخوف تلويث بحادث في المحدود.

(1) الكافي 3: 370 ح 11، التهذيب 3: 258 ح 721.
(2) الكافي 3: 369 ح 10، التهذيب 3: 258 ح 720.
(3) الكافي 3: 371 ح 15، التهذيب 3: 258 ح 722، والآية في سورة النساء: 43.
(4) راجع: المبسوط 1: 161، شرائع الاسلام 1: 128، تذكرة الفقهاء 1: 91.
(5) التهذيب 3: 262 ح 739، وبسند آخر في الكافي 3: 369 ح 7.
(6) تقدم في ص: 117، هامش 1.
127

وترك عمل الصنائع مطلقا، قاله الأصحاب (1)، وعليه نبه حديث بري
النبل: " انما بني لغير ذلك " (2) وقول النبي صلى الله عليه وآله: " انما نصبت
المساجد للقرآن " (3).
السادس: يستحب كنسها، وخصوصا يوم الخميس وليلة الجمعة، لرواية
عبد الحميد عن أبي إبراهيم عليه السلام، قال: " قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة، فأخرج من التراب ما يذر
في العين، غفر له " (4).
السابع: يستحب الاسراج فيها، لما رواه في التهذيب باسناده إلى أنس،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أسرج في مسجد من مساجد الله
سراجا، لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له، ما دام في ذلك المسجد
ضوء من السراج " (5) ولأن فيه إعانة المتهجدين فيه على مآربهم، وترغيبا
للمترددين إليه فيؤمن الخراب عليه.
الثامن: يحرم ادخال النجاسة إليها وازالتها (فيها) (6) قاله الأصحاب (7) لقول
النبي صلى الله عليه وآله: " جنبوا مساجدكم النجاسة " (8) ولأن كراهية الوضوء
من البول والغائط يشعر به.

(1) راجع: المبسوط 1: 161، السرائر: 60، المعتبر 2: 453، شرائع الاسلام 1: 128، تذكرة
الفقهاء 1: 91.
(2) الكافي 3: 369 ح 8، التهذيب 3: 258 ح 724.
(3) الكافي 3: 369 ح 5، التهذيب 3: 259 ح 725.
(4) الفقيه 1: 152 ح 701، أمالي الصدوق: 405، ثواب الأعمال: 51، التهذيب 3: 254
ح 703.
(5) المحاسن: 57، الفقيه 1: 154 ح 717، التهذيب 3: 261 ح 733.
(6) أثبتناها من ط.
(7) راجع: المبسوط 1: 161، السرائر: 60، المعتبر 2: 451.
(8) المعتبر 2: 451، تذكرة الفقهاء 1: 91.
128

ولم أقف على اسناد هذا الحديث النبوي، والظاهر أن المسألة
إجماعية، ولامر النبي صلى الله عليه وآله بتطهير مكان البول (1)، ولظاهر: " فلا
يقربوا المسجد " (2)، وللامر بتعاهد النعل (3).
نعم، الأقرب عدم تحريم ادخال نجاسة غير ملوثة للمسجد وفرشه،
للاجماع على جواز دخول الصبيان والحيض من النساء جوازا مع عدم انفكاكهم
من نجاسة غالبا، وقد ذكر الأصحاب جواز دخول المجروح والسلس
والمستحاضة مع أمن التلويث، وجواز القصاص في المساجد للمصلحة مع
فرش ما يمنع من التلويث.
فرع:
لو كان في المسجد نجاسة ملوثة وجب اخراجها كفاية.
ولو أدخلها مكلف تعين عليه الاخراج، فلو أخرجها وصلى صحت
قطعا، وكذا لو اشتعل بالصلاة عن الاخراج مع ضيق الوقت.
ولو كان مع السعة، خرج من أن الامر بالمضيق يقدم امتثاله على
الموسع، وان الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده، وان النهي مفسد، فساد
الصلاة. وليس بشئ، بل الأقرب الصحة على كل حال للاتيان بالعبادة موافقة
لأمر الشارع، ولم يثبت كون ذلك مانعا، وقضية الأصل تنفيه.
والمقدمات في بعضها منع، وهي القائلة: ان الامر بالشئ يستلزم النهي
عن ضده، فإنه ان أريد به الضمد العام - أعني: الترك المطلق - فمسلم، ولا
يلزم منه النهي عن فعل آخر، وان أريد به الخاص فممنوع، والا لزم وجوب
المباح، وتحقيقه في الأصول.

(1) مسند أحمد 3: 110، صحيح البخاري 1: 65، صحيح مسلم 1: 336 ح 284، مسند أبي
عوانة 1: 214.
(2) سورة التوبة: 28.
(3) المصنف لعبد الرزاق 1: 388 ح 1515، سنن أبي داود 1: 175 ح 650.
129

التاسع: لا يجوز جعل المسجد أو بعضه في ملك أو طريق، لان الوقف
للتأبيد، وقد اتخذ للعبادة فلا ينصرف إلى غيرها، فلو اخذ وجب اعادته. ولا
تزول المسجدية بزوال الآثار قطعا، لان العرصة داخلة في الوقف.
وكذا لا يجوز استعمال آلته في غير إلا لمسجد (1) آخر، لمكان
الوقف. وانما يجوز في غيره من المساجد عند تعذر وضعها فيه، أو لكون
المسجد الاخر أحوج إليها منه، لكثرة المصلين أو لاستيلاء الخراب عليه.
نعم، لا يجوز نقضها على حال ولو كان لبناء مسجد آخر أعظم أو أفضل، لقوله
تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعي في
خرابها) (2).
فروع:
لو أريد توسعة المسجد ففي جواز النقض وجهان: من عموم المنع، ومن أن فيه إحداث مسجد، ولاستقرار قول الصحابة على توسعة مسجد رسول الله
صلى الله عليه وآله بعد انكارهم، ولم يبلغنا انكار علي عليه السلام ذلك، وقد
أوسع السلف المسجد الحرام ولم يبلغنا انكار علماء ذلك العصر.
نعم، الأقرب ان لا تنقض الا بعد الظن الغالب بوجود العمارة. ولو أخر
النقض إلى اتمامها كان أولى، الا مع الاحتياج إلى الآلات.
ولو أريد إحداث باب فيه لمصلحة عامة - كازدحام المصلين في الخروج
أو الدخول فتوسع عليهم - فالأقرب جوازه، وتصرف آلاته في المسجد أو غيره.
ولو كان لمصلحة خاصة - كقرب المسافة على بعض المصلين - احتمل جوازه
أيضا، لما فيه من الإعانة على القربة وفعل الخير.

(1) في س: في مسجد.
(2) سورة البقرة: 114.
130

وكذا يجوز فتح روزنة أو شباك للمصلحة العامة، وفي جوازه للمصلحة
الخاصة الوجهان.
العاشر: لا يجوز اتخاذ المساجد في المواضع المغصوبة، ولا في
الطرق المسلوكة المضرة بالمارة. ولو كان الطريق أزيد من سبع أذرع فاتخذت
فيه، ولا يضر بالمارة، فالظاهر الجواز.
ويجوز اتخاذها على الحش، لقول الباقر عليه السلام في المكان يكون
حشا ثم ينظف ويجعل مسجدا: " يطرح عليه من التراب حتى يواريه "، رواه عنه
أبو الجارود (1) ومثله رواه مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام، وزاد:
" ويقطع ريحه " (2).
ويجوز اتخاذها في البيع والكنائس، لرواية العيص بن القاسم عن أبي
عبد الله عليه السلام في البيع والكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟
فقال: " نعم " (3).
فرع:
المراد بنقضها نقض ما لا بد منه في تحقق المسجدية كالمحراب
وشبهه، ويحرم نقض الزائد، لابتنائها للعبادة. ويحرم أيضا اتخاذها في ملك
أو طريق، لما فيه من تغيير الوقف المأمور باقراره. وانما يجوز اتخاذها مساجد
إذا باد أهلها، أو كانوا أهل حرب، فلو كانوا أهل ذمة حرم التعرض لها.
الحادي عشر: الأقرب شرعية اتيان المساجد للنساء، وقد رووه في
صحاحهم (4). نعم، الأقرب ان البيت أفضل لهن، لما فيه من الاستتار، وعدم

(1) الكافي 3: 368 ح 2، التهذيب 3: 259 ح 727، الاستبصار 1: 441 ح 1701.
(2) قرب الإسناد: 31، التهذيب 3: 260 ح 729، الاستبصار 1: 441 ح 1702.
(3) الكافي 3: 368 ح 3، التهذيب 3: 260 ح 732.
(4) صحيح مسلم 1: 326 ح 442، سنن النسائي 2: 42.
131

التعرض للفتنة، وقول الصادق عليه السلام: " خير مساجد نسائكم البيوت " (1).
الثاني عشر: لا يجوز الدفن في المساجد، لما فيه من شغله بما لم
يوضع له. ودفن فاطمة عليها السلام في الروضة (2) ان صح فهو من خصوصياتها
بما تقدم من نص النبي صلى الله عليه وآله، وقد روى البزنطي قال: سألت أبا
الحسن عليه السلام عن قبر فاطمة، فقال: " دفنت في بيتها، فلما زادت بنو
أمية في المسجد صارت في المسجد " (3).
الثالث عشر: لا يجوز لأحد من المشركين دخول المساجد على
الاطلاق، ولا عبرة باذن مسلم له، لان المانع نجاسة، للآية (4).
فان قلت: لا تلويث هنا.
قلت: معرض له غالبا، وجاز اختصاص هذا التغليظ بالكافر. وقول
النبي صلى الله عليه وآله: " من دخل المسجد فهو آمن " (5) منسوخ بالآية، وكذا
ربط ثمامة في المسجد (6) ان صح.
الرابع عشر: يستحب الوقف على المساجد، بل هو من أعظم
المثوبات، لتوقف بقاء عمارتها غالبا عليه التي هي من أعظم مراد الشارع.
وروى ابن بابويه ان الصادق عليه السلام سئل عن الوقف على
المساجد، فقال: " لا يجوز، لان المجوس وقفوا على بيت النار " (7).

(1) الفقيه 1: 154 ح 719، التهذيب 3: 252 ح 694.
(2) راجع الفقيه 4: 341، التهذيب 6: 9، مصباح المتهجد: 653.
(3) الفقيه 1: 148 ح 684، التهذيب 3: 255 ح 705.
(4) سورة التوبة: 28.
(5) سنن أبي داود 3: 162 ح 3022.
(6) مسند أحمد 2: 452، صحيح البخاري 1: 125، صحيح مسلم 3: 1386 ح 1764، سنن
أبي داود 3: 57 ح 2679، السنن الكبرى 1: 171.
(7) الفقيه 1: 154 ح 720.
132

وأجاب بعض الأصحاب بان الرواية مرسلة، وبامكان الحمل على ما هو
محرم فيها كالزخرفة والتصوير (1).
الخامس عشر: انما تصير البقعة مسجدا بالوقف، اما بصيغة (وقفت)
وشبهها، واما بقوله: (جعلته مسجدا) ويأذن في الصلاة فيه، فإذا صلى فيه
واحد تم الوقف.
ولو قبضه الحاكم، أو أذن في قبضه، فالأقرب انه كذلك، لان له الولاية
العامة. ولو صلى فيه الواقف، فالأقرب الاكتفاء بعد العقد.
ولو بناه بنية المسجد لم يصر مسجدا. نعم، لو أذن للناس بالصلاة فيه
بنية المسجدية ثم صلوا أمكن صيرورته مسجدا، لان معظم المساجد في
الاسلام على هذه الصورة.
وقال الشيخ في المبسوط: إذا بني مسجدا خارج داره في ملكه، فان نوى
به ان يكون مسجدا يصلي فيه كل من أراده زال ملكه عنه، وان لم ينو ذلك
فملكه باق عليه، سواء صلي فيه أو لم يصل (2). فظاهره الاكتفاء بالنية، وأولى
منه إذا صلي فيه، وليس في كلامه دلالة على التلفظ، ولعله الأقرب.
وقال ابن إدريس: ان وقفه ونوى القربة، وصلى فيه الناس ودخلوه، زال
ملكه عنه (3).
ولو اتخذ في داره مسجدا له ولعياله، ولم يتلفظ بالوقف ولا نواه، جاز له
تغييره وتوسيعه وتضييقه، لما رواه أبو الجارود عن الباقر عليه السلام في
المسجد يكون في البيت فيريد أهل البيت ان يتوسعوا بطائفة منه، أو يحولوه
إلى غير مكانه، قال: " لا بأس بذلك " (4).

(1) ذكره العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 91.
(2) المبسوط 1: 162.
(3) السرائر: 60.
(4) الكافي 3: 368 ح 2، التهذيب 3: 259 ح 727.
133

خاتمة:
روى الشيخ في التهذيب باسناده إلى إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله
عليه السلام، قلت له: ان رجلا يصلي بنا نقتدي به، فهو أحب إليك أو في
المسجد؟ قال: " المسجد أحب إلي " (1).
قلت: هذا يحتمل أمرين:
أحدهما: ان صلاتهم في المسجد جماعة أفضل، وهذا لا اشكال فيه،
لان فيه جمعا بين الجماعة والمسجد.
والثاني: أن تكون الصلاة في المسجد لا جماعة أفضل من الصلاة في
غيره جماعة، كما هو ظاهر الحديث، لان تضاعف الصلاة في المسجد أعظم
غالبا من تضاعفها بالجماعة، إذ ورد في الجماعة خمس وعشرون وسبع
وعشرون (2) وفي المسجد ما مر (3). ويعارضه ما روي عن الرضا عليه السلام
من أفضلية الصلاة جماعة على الصلاة في مسجد الكوفة فرادى (4).
وقال ابن الجنيد: روي عن الصادق عليه السلام ان رسول الله صلى الله
عليه وآله قال: " لا صلاة لمن لم يصل في المسجد مع المسلمين الا من علة،
ولا غيبة لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا، ومن رغب عن جماعة
المسلمين سقطت عدالته ووجب هجرانه، وان رفع إلى امام المسلمين أنذره
وحذره. ومن لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته، وثبتت عدالته. ومن

(1) التهذيب 3: 261 ح 734.
(2) لاحظ: الكافي 3: 371 ح 1، التهذيب 3: 24 ح 82، الصحيح البخاري 1: 165، صحيح
مسلم 1: 450 ح 560، سنن ابن ماجة 1: 259 ح 789، السنن الكبرى 1: 59.
(3) تقدم في ص: 107 وما بعدها.
(4) التهذيب 3: 25 ح 88.
134

قربت داره من المسجد لزمه من حضور الجماعة ما لا يلزم من بعد منه " (1).
قال: ويستحب ان يقرأ في دخوله المسجد: (ان في خلق السماوات
والأرض) إلى قوله: (لا يخلف الميعاد) تمام خمس آيات، وآية
الكرسي، والمعوذتين، وآية السخرة. ويحمد الله، ويصلي على محمد وآله
وأنبياء الله وملائكته ورسله، ويسأل الله الدخول في رحمته، ويسلم على
الحاضرين فيه وان كانوا في صلاة، فان كانوا ممن ينكر ذلك سلم خفيا على
الملائكة، ويصلي ركعتين قبل جلوسه.
ولا بأس بقتل الحية والعقرب فيه، ولا يتخذه متجرا، ولا مجلس
حديث، ولا يتحدث فيه بالهزل، ولا بمآثر الجاهلية، ولا يرفع فيه الصوت الا
بذكر الله تعالى، ولا يشهر فيه السلاح.
قال: ويستحب ان يجعل الانسان لنفسه حظا من صلاته النوافل في
منزله، ولا يجعله كالقبر له.
وقال الشيخ في المبسوط: لا تجوز أن تكون مزخرفة، أو مذهبة، أو فيها
شئ من التصاوير، وإذا استهدم مسجد استحب نقضه واعادته إذا أمكن وكان
بحيث ينتابه الناس فيصلون فيه. ولا بأس باستعمال آلته في اعادته، أو في بناء
غيره من المساجد، ولا يجوز بيع آلته بحال (2).
قلت: جوزه في المختلف عند الحاجة إلى عمارته، أو عمارة غيره مع
عدم الانتفاع بها، ويتولاه الحاكم (3) وهو حسن. وكذا لو استغني عنها، وخيف
عليها التلف مع البقاء، فالأقرب الجواز تحصيلا للمصلحة.
قال الشيخ: ويكره ان يتخذ المسجد طريقا، الا لضرورة. ونص على

(1) صدر الحديث في: التهذيب 6: 241 ح 596، الاستبصار 2: 12 ح 33.
(2) المبسوط 1: 160.
(3) مختلف الشيعة: 161.
135

كراهية اخراج الحصى، ولا يتنعل قائما بل جالسا. وقال: لا يقصع القمل، فان
فعل دفنها في التراب (1).
وقال الجعفي: ويكره زخرفة المساجد، وتكره المقصورة والمنارة، الا أن تكون
مع سطح المسجد.
وقال ابن إدريس: لا يجوز أن تكون مزخرفة ولا مذهبة، أو فيها شئ من
التصاوير، أو مشرفة بل المستحب ان تبنى جما (2). وفي كلامه هذا اجمال بين
حمل عدم الجواز على الكراهية أو التحريم، لأنه جعل بإزاءه المستحب. وفي
النهاية: لا يجوز ان تبنى مشرفة (3).
قال ابن إدريس: ولا بأس بالأحكام فيها (4) كما قاله الشيخ في
الخلاف (5) قال ابن إدريس: لان أمير المؤمنين عليه السلام حكم في جامع
الكوفة وقضى فيه بين الناس بلا خلاف، ودكة القضاء إلى يومنا هذا معروفة (6).
قال الراوندي - رحمه الله - الحكم المنهي عنه في المساجد ما كان فيه
جدل وخصومة (7).
وفي المختلف: يحتمل ان يراد انفاذ الاحكام - كالحبس على الحقوق -
والملازمة فيها عليها (8).
وربما قيل: دوام الحكم فيها مكروه، وأما إذا اتفق في بعض الأحيان

(1) المبسوط 1: 160 - 161.
(2) السرائر: 60.
(3) النهاية: 108.
(4) السرائر: 60.
(5) الخلاف 6: 210 المسألة 3.
(6) السرائر: 60.
(7) مختلف الشيعة: 160.
(8) مختلف الشيعة: 160.
136

فلا.
وقال الشيخ في النهاية - وتبعه ابن أدرس -: لا يجوز التوضؤ من الغائط
والبول في المساجد، ولا بأس بالوضوء فيها من غير ذلك (1).
وسوى ابن إدريس بين المنع من الوضوء عن البول والغائط والمنع من
إزالة النجاسة فيها (2).
وفي المبسوط: لا يجوز إزالة النجاسة في المساجد، ولا الاستنجاء من
البول والغائط فيها، وغسل الأعضاء في الوضوء لا بأس به فيها (3). فكأنه فسر
الرواية بالاستنجاء، ولعله مراده في النهاية (4) وهو حسن.
ومنع ابن إدريس من جعل الميضاة وسطه (5) وهو حق ان لم تسبق
المسجد.

(1) النهاية: 109، السرائر: 60.
(2) السرائر: 60.
(3) المبسوط 1: 161.
(4) النهاية: 109 حيث قال: لا يجوز التوضؤ من الغائط والبول في المساجد.
(5) السرائر: 60.
137

الفصل الرابع: فيما يسجد عليه
وفيه مسائل:
الأولى: أطبق الأصحاب على أنه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض، ولا ما ينبت منها - كالجلد، والصوف، والشعر، والحرير - واجمع العامة على
جوازه.
لنا ما رووه في الصحاح عن أنس، قال: كنا نصلي مع رسول الله
صلى الله عليه وآله في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا ان يمكن جبهته من
الأرض بسط ثوبه فسجد عليه (1).
فدل على أنهم كانوا يسجدون على الأرض،
وانما يعدلون إلى الثوب للضرورة.
وعن خباب، قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله الصلاة في
الرمضاء فلم يشكنا (2). وفي بعضها: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
حر الرمضاء في جباهنا وآنفنا فلم يشكنا (3). فلو كان السجود جائزا على غير
الأرض - من ثوب ونحوه - لم يجنحوا إلى الشكاية، ولكان رسول الله صلى الله
عليه وآله يشكيهم.
والأنف - بالمد - جمع أنف، ويجمع على أنوف وآناف.
وعن رافع بن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: " لا تتم صلاة
أحدكم حتى يتوضأ كما أمر الله، ثم يسجد ممكنا جبهته من الأرض " (4)،

(1) صحيح مسلم 1: 433 ح 620. مسند أحمد 3: 100، سنن الدارمي 1: 308، سنن
ابن ماجة 1: 329 ح 1033، سنن أبي داود 1: 177 ح 660.
(2) صحيح مسلم 1: 433 ح 619. سنن ابن ماجة 1: 222 ح 675، مسند أحمد 5:
108.
(3) السنن الكبرى 2: 105، 107.
(4) سنن أبي داود 1: 227 ح 858، السنن الكبرى 2: 102، وفي الجميع: عن رفاعة بن رافع.
138

والأرض حقيقة في المعهودة لا فيما أقل مطلقا.
واما ما رواه الخاصة فكثير:
فعن هشام بن الحكم قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عما يجوز
السجود عليه وما لا يجوز؟ قال: " السجود لا يجوز الا على الأرض، أو على ما
أنبتت الأرض " (1).
وعن الحلبي عنه عليه السلام: سألته عن الصلاة على البساط من الشعر
والطنافس، قال: " لا تسجد عليه، وان بسطت عليه الحصير وسجدت على
الحصير فلا بأس " (2).
وفي التهذيب باسناده إلى الرضا عليه السلام، قال: " لا تسجد على
القفر، ولا على القير، ولا على الصاروج " (3).
الثانية: لا يجوز السجود على ما خرج بالاستحالة عن اسم الأرض
- كالمعادن - لزوال الاسم، وروى يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: " لا تسجد على الذهب والفضة " (4) وفي مكاتبة أبي الحسن
الماضي عليه السلام: " لا تصل على الزجاج، لأنه من الملح والرمل، وهما
ممسوخان " (5) ولأن المعهود من صاحب الشرع مواظبة السجود على الأرض لا
على شئ من المعادن.
الثالثة: لا يجوز السجود على المأكول عادة كالثمار، ولا على الملبوس
عادة، لما روى هشام، والفضل بن عبد الملك، وحماد بن عثمان، عن أبي

(1) الفقيه 1: 177 ح 840، علل الشرائع: 341، التهذيب 2: 234 ح 925.
(2) أوردها المحقق في المعتبر 2: 117.
(3) التهذيب 2: 304 ح 1228، الاستبصار 1: 334 ح 1254.
(4) الكافي 3: 332 ح 9، التهذيب 2: 304 ح 1229.
(5) الكافي 3: 332 ح 14، علل الشرائع: 342، التهذيب 2: 304 ح 1231، باختصار في
الألفاظ.
139

عبد الله عليه السلام: " لا يجوز السجود الا على الأرض، وما أنبتته الأرض،
الا ما اكل أو لبس " (1).
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: " لا بأس بالصلاة
على البورياء والخصفة، وكل نبات، إلا الثمرة " (2).
قلت: البورياء - بضم الباء الموحدة والمد مع كسر الراء - فارسية، وهي:
الباري بالعربية، قاله ابن قتيبة.
وعن زرارة عنه عليه السلام في السجود على الزفت - يعني: القير -
فقال: " لا، ولا على الثوب الكرسف، ولا على الصوف، ولا على شئ من
الحيوان، ولا على طعام، ولا على شئ من ثمار الأرض، ولا على شئ من
الرياش " (3).
نعم، روى داود الصرمي قال: سألت أبا الحسن الثالث عليه السلام هل
يجوز السجود على الكتان والقطن من غير تقية؟ فقال: " جائز " (4)، وبه روايات أخر
(5) حملها الشيخ على الضرورة من حر أو برد ونحوهما، وعلى التقية (6).
والمرتضى - رحمه الله - في الموصلية أو المصرية الثانية عمل بها، وحمل
رواية المنع على الكراهية (7) وحسنه الشيخ المحقق في المعتبر (8).
وقال الفاضل في المختلف - في المنع من السجود على القطن

(1) الكافي 3: 330 ح 1، الفقيه 1: 174 ح 826، 177 ح 840، علل الشرائع: 341، التهذيب
2: 234 ح 924، 925، 303 ح 1225، الاستبصار 1: 331 ح 1241.
(2) الفقيه 1: 169 ح 800، التهذيب 2: 311 ح 1262.
(3) الكافي 3: 330 ح 2، التهذيب 2: 303 ح 1226، الاستبصار 1: 331 ح 1242.
(4) التهذيب 2: 307 ح 1246، الاستبصار 1: 332 ح 1246.
(5) لاحظ: التهذيب 2: 307 ح 1247، 1248، الاستبصار 1: 332 ح 1247، 1248.
(6) المصدر السابق.
(7) المسائل الموصليات الثانية 1: 174.
(8) المعتبر 2: 119.
140

والكتان -: انه قول علمائنا أجمع، فلا يعتد بخلاف المرتضى، مع فتواه
بالموافقة في الجمل، والانتصار، والمصرية الثالثة. والاخبار محمولة على
التقية حتى الاخبار المتضمنة لعدم التقية، أو على الضرورة، كما قاله
الشيخ (1). وعلى هذا العمل إن شاء الله.
الرابعة: يجوز السجود على ما منع منه عند التقية والضرورة. روى عيينة
عن الصادق عليه السلام جواز السجود على الثوب لشدة الحر (2). ومثله مكاتبة
أبي الحسن عليه السلام في السجود على الثوب للحر أو البرد أو لترك ما يكره
السجود عليه (3).
وعليه تحمل رواية المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه عليه السلام
بجواز السجود على القير والصهروج (4) لمعارضة الرواية السالفة (5).
وعن أبي جعفر عليه السلام في خائف الرمضاء: يسجد على ثوبه، ومع
عدم ثوب على ظهر كفه، قال: " فإنها أحد المساجد " (6).
وروى علي بن يقطين، عن أبي الحسن الأول عليه السلام في السجود
على المسح - بكسر الميم - وهو: البلاس - بفتح الباء وكسرها - والبساط،
فقال: " لا بأس في حال التقية " (7).
ولا إشكال في جواز السجود على النبات غير المأكول، لما مر، ولأن
النبي صلى الله عليه وآله كان يسجد على الخمرة (8) - بضم الخاء المعجمة

(1) مختلف الشيعة: 86، وراجع: جمل العلم والعمل 3: 29، الانتصار: 38.
(2) التهذيب 2: 306 ح 1239، الاستبصار 2: 332 ح 1248.
(3) التهذيب 2: 307 ح 1243، الاستبصار 1: 333 ح 1252.
(4) الفقيه 1: 175 ح 828، التهذيب 2: 303 ح 1224، الاستبصار 1: 334 ح 1255.
(5) تقدمت في ص 139 الهامش 3.
(6) التهذيب 2: 306 ح 1240، الاستبصار 1: 333 ح 1249.
(7) الفقيه 1: 176 ح 831، التهذيب 2: 307 ح 1245، الاستبصار 1: 332 ح 1244.
(8) مسند أحمد 1: 269، صحيح البخاري 1: 106، صحيح مسلم 1: 458 ح 270، سنن
ابن ماجة 1: 328 ح 1028، الجامع الصحيح 2: 151 ح 331.
141

وسكون الميم -: شئ منسوج من السعف أصغر من المصلى، قاله
الفارابي (1).
وقال الهروي: هي سجادة، بقدر ما يضع عليه الرجل حر وجهه في
سجوده، من حصير، أو نسيجة من خوص.
وروى حمران بن أعين عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: " كان أبي
يصلي على الخمرة، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث
يسجد " (2).
تنبيهان:
الأول: لو عملت الخمرة بخيوط من جنس ما يجوز السجود عليه، فلا
اشكال في جواز السجود عليها. ولو عملت بسيور، فإن كانت مغطاة بحيث تقع
الجبهة على الخوص صح السجود أيضا، ولو وقعت على السيور لم يجز، وعليه
دلت رواية محمد بن علي بن الريان، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر
عليه السلام يسأله عن الصلاة على الخمرة المدنية، فكتب الجواز فيما كان
معمولا بخيوط لا بسيور (3).
وأطلق في المبسوط جواز السجود على المعمولة بالخيوط (4).
الثاني: علم من ذلك عدم كراهة السجود على شئ ليس عليه سائر
الجسد. ورواية غياث بن إبراهيم، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن
علي عليه السلام بالكراهة (5) متروكة مع ضعف السند.

(1) ديوان الأدب 1: 166.
(2) الكافي 3: 332 ح 11، التهذيب 2: 305 ح 1234، الاستبصار 1: 335 ح 1529.
(3) الكافي 3: 331 ح 7، التهذيب 2: 306 ح 1238، عن علي بن الريان.
(4) المبسوط 1: 90.
(5) الكافي 3: 332 ح 10، التهذيب 2: 305 ح 1233، الاستبصار 1: 335 ح 1261.
142

الخامسة: لا يمنع حمل المصلي شيئا من جنس ما يسجد عليه من جواز
السجود عليه على الأصح، لدخوله في العموم، وأصالة الجواز. فلو كانت
قلنسوته نباتا غير القطن والكتان، أو كان بين جبهته وبين العمامة ما يصح
السجود عليه، صح.
ومنع الشيخ من السجود على ما هو حامل له، ككور العمامة
- بفتح الكاف - وطرف الرداء (1). فان قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه
فمرحبا بالوفاق، وان جعل المانع نفس الحمل - كمذهب بعض العامة (2) -
طولب بدليل المنع، مع أنه قد روى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام في
خائف الرمضاء: " يسجد على بعض ثوبه "، فقال: ليس علي ثوب يمكنني أن
أسجد على طرفه ولا ذيله (3). وروى أحمد بن عمر قال: سألت أبا الحسن عليه
السلام عن الرجل يسجد على كم قميصه من أذى الحر والبرد أو على ردائه، فقال:
" لا بأس به " (4).
وان احتج برواية الأصحاب عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق
عليه السلام في السجود على العمامة: " لا يجزئه حتى تصل جبهته إلى
الأرض " (5).
قلنا: لا دلالة فيه على كون المانع الحمل، بل جاز لفقد كونه مما يسجد
عليه، وكذا ما رواه طلحة بن زيد، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن
علي عليه السلام: " انه كان لا يسجد على الكم، ولا على العمامة " (6).

(1) الخلاف 1: 357 المسألة: 113.
(2) كمالك وأبي حنيفة، راجع: المجموع 3: 425.
(3) التهذيب 2: 306 ح 1240، الاستبصار 1: 333 ح 1249.
(4) التهذيب 2: 306 ح 1241، الاستبصار 1: 333 ح 1251.
(5) الكافي 3: 334 ح 9، التهذيب 2: 86 ح 319.
(6) التهذيب 2: 310 ح 1255.
143

نعم، كونه منفصلا أفضل، عملا بفعل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة
بعده، بل السجود على الأرض أفضل منه على النبات - كالحصر والبواري - الا
مع المانع من الأرض، لرواية إسحاق بن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه
السلام في السجود على الحصر والبواري، فقال: " لا بأس، وان تسجد على
الأرض، أحب إلي، فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يحب ان يمكن جبهته
من الأرض، فانا أحب لك ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبه " (1).
السادسة: لا كراهة في السجود على المروحة والسواك والعود، لأنها في
معني الخمرة. وقد روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام جوازه، وقال: " انما
كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي تعبد من دون الله، وانا لم نعبد
غير الله قط، فاسجد على المروحة أو على عود أو سواك " (2). والأصل في ذلك
ما تقدم في جواز السجود على ما ليس عليه سائر الجسد.
السابعة: لا يجوز السجود على ما لا تتمكن الجبهة عليه، من نحو
القطن والرمل المنهال والوحل، لان حقيقة الخضوع لا تتم الا بتمكين الجبهة،
ولما مر من رواية رافع عن النبي صلى الله عليه وآله (3)، ولوجوب الطمأنينة وذلك
مانع منها. هذا مع الاختيار.
وروى عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: سألته عن حد الطين الذي
لا يسجد فيه، ما هو؟ قال: " إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض " (4).
ويستحب زيادة التمكن، لما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: " قال علي عليه السلام: اني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها

(1) التهذيب 2: 311 ح 1263.
(2) الفقيه 1: 236 ح 1039، التهذيب 2: 311 ح 1264.
(3) تقدم في ص 138 الهامش 4.
(4) الكافي 3: 390 ح 13، الفقيه 1: 286 ح 1301، التهذيب 2: 376 ح 1562.
144

أثر السجود " (1).
الثامنة: روى داود بن فرقد عن أبي الحسن عليه السلام جواز السجود
على القراطيس والكواغد المكتوب عليها (2).
وروى صفوان الجمال: انه رأى أبا عبد الله عليه السلام في المحمل
يسجد على قرطاس (3) وفي رواية جميل بن دراج عنه عليه السلام: انه كره ان
يسجد على قرطاس عليه كتاب (4) لاشتغاله بقراءته.
ولا يكره في حق الأمي، ولا في القارئ إذا كان هناك مانع من البصر،
كذا قاله الشيخ - في المبسوط - وابن إدريس (5).
وفي النفس من القرطاس شئ، من حيث اشتماله على النورة
المستحيلة، الا ان نقول: الغالب جوهر القرطاس، أو نقول: جمود النورة يرد
إليها اسم الأرض.
ويختص المكتوب بان أجرام الحبر مشتملة غالبا على شئ من
المعادن، الا ان يكون هناك بياض يصدق عليه الاسم. وربما تخيل ان لون
الحبر عرض، والسجود في الحقيقة انما هو على القرطاس. وليس بشئ، لان
العرض لا يقوم بغير حامله، والمداد أجسام محسوسة مشتملة على اللون.
وينسحب البحث في كل مصبوغ من النبات، وفيه نظر.

(1) التهذيب 2: 313 ح 1375.
(2) الاستبصار 1: 334 ح 1257. وفي التهذيب 2: 235 ح 929، 309 ح 1250 عن داود بن
يزيد، وفي الفقيه 1: 176 ح 830 عن داود بن أبي يزيد. راجع في ذلك معجم رجال الحديث
7: 93.
(3) التهذيب 2: 309 ح 1251، الاستبصار 1: 334 ح 1258.
(4) الكافي 3: 332 ح 12، التهذيب 2: 304 ح 1232، الاستبصار 1: 334 ح 1256.
(5) المبسوط 1: 90، السرائر: 57.
145

فرع:
الأكثر اتخاذ القرطاس من القنب، فلو اتخذ من الإبريسم فالظاهر
المنع، الا ان يقال: ما اشتمل عليه من أخلاط النورة مجوز له، وفيه بعد،
لاستحالتها عن اسم الأرض.
ولو اتخذ من القطن أو الكتان، أمكن بناؤه على جواز السجود عليهما،
وقد سلف. وأمكن ان المانع اللبس، حملا للقطن والكتان المطلقين على
لبسه، وعليه يخرج جواز السجود على ما لم يصلح للبس من القطن والكتان.
التاسعة: لو وقعت الجبهة على مالا يصح السجود عليه، فإن كان أعلى
من لبنة رفعها ثم سجد، لعدم صدق مسمى السجود. وان كان لبنة فما دون،
فالأولى ان تجر ولا ترفع، لئلا يلزم تعد السجود.
وعلى ذلك دلت رواية الحسين بن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام
في السجود على المكان المرتفع، قال: " ارفع رأسك ثم ضعه " (1).
وروى معاوية بن عمار عنه عليه السلام: " إذا وضعت جبهتك على نبكة
فلا ترفعها، ولكن جرها على الأرض " (2). النبكة - بالنون المفتوحة والباء
الموحدة المفتوحة والكاف -: واحدة النبك، وهي اكمة حديدة الرأس. فيحمل
على كونه لبنة فما دون، مع أنه قد روى الحسين بن حماد أيضا عنه عليه السلام
في الرجل يسجد على الحصى: " يرفع رأسه حتى يستمكن " (3)، ويمكن حمله
على المرتفع.

(1) التهذيب 2: 302 ح 1219، الاستبصار 1: 330 ح 1237.
(2) الكافي 3: 333 ح 3، التهذيب 2: 302 ح 1221، الاستبصار 1: 330 ح 1238.
(3) التهذيب 2: 310 ح 1260.
146

ويجوز تسوية موضع السجود في أثناء الصلاة، لان ذلك من أعمال
الصلاة مع أنه ليس بكثير. ورى يونس بن يعقوب انه رأى الصادق عليه السلام
يسوى الحصى في موضع سجوده بين السجدتين (1).
وفي رواية طلحة بن زيد،
عنه عليه السلام، عن أبيه عليه السلام: " ان عليا عليه السلام كره تنظيم
الحصى في الصلاة " (2). فيمكن الجواب من وجهين:
أحدهما: حمل التسوية على كونها طريقا إلى تمكن الجبهة، والتنظيم
على مجرد التحسين.
وثانيهما: حمل التنظيم على ترتيب خاص زائد على التسوية، مع أن
طلحة بتري أو عامي.
ويجوز مسح الجبهة في الصلاة من التراب، كما رواه حماد بن عثمان
عن الصادق عليه السلام، وقال عليه السلام: ان أباه كان يفعله (3). نعم،
الأفضل تأخيره إلى الفراغ من الصلاة، وحينئذ المستحب ازالته، حذرا من
النسبة إلى الرياء، ولما فيه من تشويه الخلق.
العاشرة: روى إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عليه السلام جواز
الصلاة على سرير من ساج والسجود عليه (4)، وفي رواية أخرى: لا بأس
بالصلاة على سرير وان قدر على الأرض (5). والظاهر أن الأرض أفضل، لما
سلف، ولفظة " لا بأس " مشعرة بذلك.
وروى الحسن بن محبوب عن أبي الحسن عليه السلام في الجص يوقد
عليه بالعذرة وعظام الموتى ويجصص به المسجد، أيسجد عليه؟ فكتب إلي

(1) الفقيه 1: 176 ح 834، التهذيب 2: 301 ح 1215.
(2) التهذيب 2: 298 ح 1203.
(3) التهذيب 2: 301 ح 1216، عن حماد بن عثمان عن عبيد الله الحلبي.
(4) الفقيه 1: 169 ح 799، التهذيب 2: 310 ح 1259.
(5) التهذيب 2: 310 ح 1258.
147

بخطه: " ان الماء والنار قد طهراه " (1).
وفيه إشارة إلى جواز السجود على الجص، وفي الفرق بينه وبين
الصاروج تردد، وقد سبق النهي عنه، وكذا في طهارته بالماء والنار، لان
الاستحالة ان حصلت بالنار لم يجز السجود والا لم يطهر، والماء ينجس بوقوعه
عليه فكيف يطهر؟ إلا أن يقال: الماء مطهر مطلقا، سواء كان واردا أو مورودا
عليه، وفي الحديث إشارة إليه ولعل إزالة النار الاجزاء المائية مطهر وان لم تقع
الاستحالة، وقد سبق.
وروى داود الصرمي عن أبي الحسن عليه السلام: " ان أمكنك أن لا
تسجد على الثلج فلا تسجد عليه، وان لم يمكنك فسوه واسجد عليه " (2). وهذا
يحتمل ان يضع فوقه ما يصح السجود عليه مع الامكان، ومع التعذر يسجد
عليه.
ولو وجد ملبوسا من نبات الأرض فهو أولى من الثلج، لان المانع هنا
عرضي بخلاف الثلج. وقد روى ذلك منصور بن حازم، عن غير واحد من
الأصحاب، عن أبي جعفر عليه السلام: انا نكون بأرض باردة يكون فيها
الثلج، أفنسجد عليه؟ فقال: " لا، ولكن اجعل بينك وبينه شيئا، قطنا أو
كتانا " (3).
الحادية عشرة: جميع ما ذكرناه انما هو في موضع الجبهة خاصة دون
باقي المساجد.
والواجب فيه مسماه، روى ذلك جماعة منهم: زرارة وبريد، عن الباقر
عليه السلام، قال: " الجبهة إلى الانف، أي ذلك أصبت به الأرض في السجود

(1) الكافي 3: 330 ح 3، الفقيه 1: 175 ح 829، التهذيب 2: 235 ح 928، 306 ح 1237.
(2) الكافي 3: 390 ح 14، الفقيه 1: 169 ح 798، التهذيب 2: 310 ح 1256، الاستبصار
1: 336 ح 1263.
(3) التهذيب 2: 308 ح 1247، الاستبصار 1: 332 ح 1247.
148

أجزأك، والسجود عليه كله أفضل " (1).
وعورض برواية علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام في المرأة
تطول قصتها وإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه
الشعر، هل يجوز ذلك؟ قال: " لا، حتى تضع جبهتها على الأرض " (2).
قلت: القصة - بضم القاف وتشديد الصاد المهملة -: شعر الناصية.
وقد يجاب بحمله على الاستحباب، أو على كون الواصل إلى الأرض
ينقص عن المسمى، ومثله ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه
السلام في الرجل يسجد وعليه العمامة لا تصيب جبهته الأرض: " لا يجزئه
ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض " (3) لأن المطلق يحمل على المقيد، فيراد
به شئ من الجبهة.
وقدره في الفقيه - في موضعين - بدرهم (4) وكذا في المقنع (5). واختاره
ابن إدريس رحمه الله، وصدر المسألة بما إذا كان في جبهته علة (6) فكأنه يرى أن
الاجتزاء بالدرهم مع تعذر الأكثر. وقد روى في الكافي عن زرارة عن الباقر
عليه السلام: " الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع
السجود، فأيما سقط من ذلك على الأرض أجزأك، مقدار الدرهم، ومقدار
طرف الأنملة " (7).
الثانية عشرة: لا يجوز ان يكون موضع سجوده أرفع من موقفه بما يزيد

(1) الكافي 3: 333 ح 1، التهذيب 2: 298 ح 1199، الاستبصار 1: 326 ح 1221.
(2) قرب الإسناد: 101، التهذيب 2: 313 ح 1276.
(3) الكافي 3: 334 ح 9، التهذيب 2: 86 ح 319.
(4) الفقيه 1: 175، 205.
(5) المقنع: 26.
(6) السرائر: 47.
(7) الكافي 3: 333 ح 1.
149

عن لبنة، ويجوز قد لبنة، قاله الأصحاب (1) ورواه عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام: " إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة
فلا بأس " (2)، ومفهوم الشرط يدل على المنع من الزائد، ولأنه يخرج به عن
مسمى الساجد.
وفي رواية عمار عنه عليه السلام في المريض يقوم على فراشه ويسجد
على الأرض، فقال: " إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل استقام له ان يقوم
عليه ويسجد على الأرض، وان كان أكثر من ذلك فلا " (3) وهو دليل على مساواة
النزول العلو في موضعا الجبهة.
والمستحب تساوي المساجد، لرواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام: " ليكن مستويا " وقد سأله عن موضع الجبهة يرتفع عن مقامه (4).
وعن أبي بصير عنه عليه السلام: " اني أحب ان أضع وجهي في موضع
قدمي " وكره ان يرفع موضع الجبهة (5).
فرع:
اللبنة والأجرة هي المعتادة في بلد صاحب الشرع وأهل بيته، والمراد به
أن تكون موضوعة على أكبر سطوحها، فسمكها جائز علوه وانخفاضه، وقدرت
بأربع أصابع تقريبا.
الثالثة عشرة: تشترط طهارة موضع الجبهة اجماعا، وفي باقي المساجد
خلاف سلف، والمشتبه بالنجس كالنجس إذا كان محصورا. ويشترط في
الجميع كونه مملوكا أو مأذونا فيه، لحرمة التصرف في مال الغير، فلو سجد على

(1) راجع: النهاية: 83، شرائع الاسلام 1: 86.
(2) التهذيب 2: 313 ح 1271.
(3) الكافي 3: 411 ح 13، التهذيب 3: 307 ح 949.
(4) الكافي 3: 333 ح 4، التهذيب 2: 85 ح 315.
(5) التهذيب 2: 85 ح 316.
150

النجس أو المغصوب فكالصلاة في النجس أو في المكان المغصوب في جميع الأحكام.
ولو سجد على غير الأرض ونباتها، أو على المأكول أو الملبوس متعمدا،
بطل ولو جهل الحكم. ولو ظنه غيره أو نسي، فالأقرب الصحة، ولا يجب
التدارك ولو كان في محل السجود بل لا يجوز، ولو كان ساجدا جر الجبهة.
الرابعة عشرة: المشهور كراهة نفخ موضع السجود، وقد روى النهي محمد
ابن مسلم عن الصادق عليه السلام (1) وهو محمول على الكراهية، لما رواه أبو بكر
الحضرمي عنه عليه السلام: " لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود
ما لم يؤذ أحدا " (2).
وفي مرسل إسحاق بن عمار عنه عليه السلام: لا بأس بنفخ موضع
السجود (3)، فيحمل على نفي التحريم، أو على ما لم يؤذ.
ولو أدى إلى النطق بحرفين كان حراما قاطعا للصلاة.
الخامسة عشرة: لو كان في ظلمة، وخاف من السجود على الأرض حية
أو عقربا أو مؤذيا، ولم يكن عنده شئ يسجد عليه غير الثوب، جاز السجود
عليه، للرواية (4) ولوجوب التحرز من الضرر المظنون كالمعلوم.
ولو تعذر الثوب وخاف على بقية الأعضاء جاز الايماء، وكذا في كل
موضع يتعذر ما يسجد عليه. والأقرب وجوب الايماء إلى ما يقارب السجود
الحقيقي، لأنه أقرب إليه.
وروى عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يومئ في المكتوبة إذا
لم يجد ما يسجد عليه، ولم يكن له موضع يسجد فيه، قال: " إذا كان هكذا فليومئ

(1) التهذيب 2: 302 ح 1222، الاستبصار 1: 329 ح 1235.
(2) التهذيب 2: 329 ح 1351، الاستبصار 1: 330 ح 1236.
(3) الفقيه 1: 177 ح 838، التهذيب 2: 302 ح 1220، الاستبصار 1: 329 ح 1234.
(4) فقه الرضا: 114.
151

في الصلاة كلها " (1).
وروى أيضا عنه في الرجل يصيبه مطر، وهو في موضع لا يقدر ان
يسجد فيه من الطين، ولا يجد موضعا جافا، قال: " يفتتح الصلاة، فإذا ركع
فليركع كما يركع إذا صلى، فإذا رفع رأسه من الركوع فليومئ بالسجود ايماء وهو
قائم، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة " (2) ويحمل على عدم تمكنه من
الجلوس.
وروى في التهذيب: " ان النبي صلى الله عليه وآله صلي في يوم وحل
ومطر في المحمل " (3) رواه جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام. وفي رواية
أخرى عنه عليه السلام: " صلى رسول الله صلى الله عليه وآله على راحلته
الفريضة في يوم مطير " (4) وقيده في مكاتبة أبي الحسن عليه السلام
ب‍ " الضرورة الشديدة " (5).
وروى أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام: " من كان في مكان لا
يقدر على الأرض فليومئ ايماء " (6). وفي مضمر سماعة في الأسير يمنع من
الصلاة قال: " يومئ إيماء " (7).
السادسة عشرة: قال ابن بابويه في الفقيه: قال الصادق عليه السلام:
" السجود على الأرض فريضة، وعلى غير ذلك سنة " (8) والظاهر أن المراد بالسنة
هنا الجائز لا انه أفضل.

(1) التهذيب 2: 311 ح 1265، 3: 175 ح 389.
(2) التهذيب 2: 312 ح 1266، 3: 175 ح 390.
(3) التهذيب 3: 232 ح 602.
(4) الفقيه 1: 285 ح 1249، التهذيب 3: 231 ح 599.
(5) التهذيب 3: 231 ح 600.
(6) الفقيه 1: 159 ح 745، التهذيب 3: 175 ح 388.
(7) الفقيه 1: 159 ح 746، وفي التهذيب 2: 382 ح 1592 عن أبي عبد الله عليه السلام.
(8) الفقيه 1: 174 ح 824، وفي التهذيب 2: 235 ح 926.
152

قال: وقال عليه السلام: " السجود على طين قبر الحسين عليه السلام
ينور إلى الأرض السابعة، ومن كانت معه سبحة من طين قبره عليه السلام كتب
مسبحا وان لم يكن يسبح بها " (1).
قال: وروى عن علي بن يحيى أنه قال: رأيت جعفر بن محمد عليه
السلام كلما سجد ورفع رأسه أخذ الحصى من جبهته فوضعه على الأرض (2).
قال: وقال هشام بن الحكم لأبي عبد الله عليه السلام: ما العلة في
ذلك؟ يعني المنع من السجود على ما اكل أو لبس، قال عليه السلام: " لان
السجود هو الخضوع لله، وأبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في
سجوده في عبادة الله تعالى لا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء
الدنيا الذين اغتروا بغرورها، والسجود على الأرض أفضل، لأنه أبلغ في
التواضع والخضوع لله عز وجل " (3).
السابعة عشرة: جوز الفاضل السجود على الحنطة والشعير قبل الطحن،
لان القشر حاجز بين المأكول والجبهة (4).
ويشكل بجريان العادة بأكلها غير منخولة وخصوصا الحنطة وخصوصا
الصدر الأول، فالأقرب المنع.
وقوى جواز السجود على الكتان قبل غزله ونسجه، وتوقف فيه بعد
غزله (5).
وجوز السجود على القنب، لعدم اعتياد لبسه، وتوقف فيما لو اتخذ منه
ثوب. والظاهر القطع بالمنع، لأنه معتاد اللبس في بعض البلدان.
ومنع الشيخ في المبسوط من السجود على الرماد، والمنع من السجود

(1) الفقيه 1: 174 ح 825.
(2) الفقيه 1: 176 ح 835 عن علي بن بجيل.
(3) الفقيه 1: 177 ح 840، وفي علل الشرائع: 341.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 92.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 92.
153

على الصاروج (1) يستلزم المنع من السجود على النورة بطريق الأولى.

(1) المبسوط 1: 89 - 90.
154

الباب السادس:
في القبلة
وفصول ثلاثة:
الأول: في الماهية.
قال الله تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها
فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (1).
روى علي بن إبراهيم باسناده إلى الصادق عليه السلام: " ان النبي
صلى الله عليه وآله صلى بمكة إلى بيت المقدس ثلاث عشرة سنة، وبعد هجرته
صلى بالمدينة إليه سبعة أشهر، ثم وجهه الله إلى الكعبة، وذلك أن اليهود كانوا
يعيرون رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون له: أنت تابع لنا تصلي إلى
قبلتنا. فاغتم لذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، وخرج في جوف الليل ينظر
إلى آفاق السماء ينتظر من الله تعالى في ذلك أمرا، فلما أصبح وحضر وقت
صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلى من الظهر ركعتين، فنزل جبرئيل
عليه السلام فأخذ بعضديه وحوله إلى الكعبة وانزل عليه: (قد نرى) الآية،
فكان صلى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة " (2).
وفي الفقيه مثله، الا أنه قال: " صلى بالمدينة تسعة عشر شهرا "، وزاد:
" انه بلغ قوما بمسجد المدينة وقد صلوا من العصر ركعتين فتحولوا "، قال:
ويسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين (3).
وروى الشيخ في التهذيب باسناده إلى معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله

(1) البقرة: 144.
(2) تفسير القمي 1: 63.
(3) الفقيه 1: 178 ح 843.
155

عليه السلام: ان صرفه إلى الكعبة كان بعد رجوعه من بدر (1).
وعن الحلبي عنه عليه السلام: " ان بني عبد الأشهل أتوهم وهم في
الصلاة قد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس، فقيل لهم: ان نبيكم قد صرف إلى
الكعبة، فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء، وجعلوا الركعتين
الباقيتين إلى الكعبة، فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين " (2).
وروى العامة ما يقرب من هذا، وان النبي صلى الله عليه وآله تحول في
أثناء صلاته بمسجد بني سلمة، وقد صلى ركعتين بأصحابه من صلاة الظهر (3)
ولكن في رواية أنس: تسعة أشهر أو عشرة أشهر (4) تقدير ما صلى بالمدينة إلى
بيت المقدس. وفي رواية البراء بن عازب: ستة عشر شهرا أو سبعة عشر
شهرا (5). وعن معاذ بن جبل: ثلاثة عشر شهرا (6).
وفي مسند مسلم ان ابن عمر قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ
جائهم آت فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد انزل عليه الليلة وقد أمر
ان تستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى
الكعبة (7).
وعن أنس: فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا

(1) التهذيب 2: 43 ح 135.
(2) التهذيب 2: 43 ح 138، عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام.
(3) الطبقات الكبرى 1: 241.
(4) جامع البيان 2: 4.
(5) صحيح البخاري 1: 110، صحيح مسلم 1: 374 ح 525، الجامع الصحيح 2: 169
ح 340، سنن الدارقطني 1: 273، السنن الكبرى 2: 1.
(6) جامع البيان 2: 4.
(7) صحيح البخاري 1: 111، صحيح مسلم 1: 375 ح 526، سنن النسائي 2: 61، سنن
الدارقطني 1: 273.
156

ركعتين (1)، فنادى: الا ان القبلة قد حولت، فمالوا هم كما هو نحو القبلة (2).
وزعم بعض العامة ان ذلك كان في رجب بعد زوال الشمس قبل بدر
بشهرين (3).
وروى المفسرون: ان النبي صلى الله عليه وآله كان بمكة إذا استقبل
بيت المقدس جعل الكعبة امامه ليستقبلها أيضا، وأسندوه إلى ابن عباس (4).
ونقلوا أيضا: ان قبلته بمكة كانت الكعبة، فلما هاجر امر باستقبال بيت
المقدس، فكان صلى الله عليه وآله يتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة، لأنها
قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام وهي أسبق القبلتين، ولأن ذلك أدعى للعرب إلى
الايمان، لان الكعبة مفخرهم ومطافهم ومزارهم، ولمخالفة اليهود (5).
والمراد بالشطر: النحو، قال (6):
واطعن بالقوم شطر الملوك * حتى إذا حقق المجدح
ثم هنا مسائل:
الأولى: يجب التوجه إلى الكعبة اجماعا، وللنص. وعن أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا): " امر
أن يقيم وجهه للقبلة، ليس فيه شئ من عبادة الأوثان " (7).
وروي عنه أيضا في قوله تعالى: (أقيموا وجوهكم عند كل مسجد) انه
إلى القبلة (8).

(1) كذا، وفي المصادر: ركعة.
(2) صحيح مسلم 1: 375 ح 527، سنن أبي داود 1: 274 ح 1045.
(3) جامع البيان 2: 3.
(4) التفسير الكبير 4: 124، مجمع البيان 1: 227.
(5) التفسير الكبير 4: 124، مجمع البيان 1: 227.
(6) القائل هو درهم بن زيد الأنصاري، راجع لسان العرب 2: 421.
(7) التهذيب 2: 42 ح 133، والآية في سورة الروم: 30.
(8) التهذيب 2: 43 ح 134، والآية في سورة الأعراف: 28.
157

وروى أسامة: ان النبي صلى الله عليه وآله لما صلى خرج من الكعبة،
قال: " هذه القبلة " (1).
الثانية: تختلف مقامات المصلي، فالقائم في وسطها يستقبل أي جزء
شاء منها، وكذا القائم على سطحها، ويبرز بين يديه شيئا منها.
والمصلي ورائها مشاهدا يستقبل أي جدرانها شاء.
والمصلي في سرداب يجب عليه استقبال جهتها، وكذا المصلي على
أعلى منها - كجبل أبى قبيس، وروى في التهذيب باسناده إلى خالد عن
الصادق عليه السلام في الرجل يصلي على أبي قبيس مستقبل القبلة، فقال:
" لا بأس " (2) وروى عبد الله بن سنان عنه عليه السلام انه سئل عن الصلاة فوق
أبي قبيس هل تجزئ؟ فقال: " نعم، انها قبلة من موضعها إلى السماء " (3) -
والمصلي من غير مشاهدة ولا حكمها.
الثالثة: يجب معرفة القبلة على الأعيان، لتوقف الواجب عينا عليها،
وكفاية في مواضع فروض الكفاية، ويستحب في مواضع الاستحباب، وسيأتي
بيانها إن شاء الله تعالى.
الرابعة: الأصح ان الجهة معتبرة لغير المشاهد ومن بحكمه، لان الشطر
النحو كما مر، ولأنه لو اعتبرت العين مع البعد لزم بطلان صلاة الصف
المستطيل الذي يخرج عن سمت الكعبة، واعتبار المسجد لأهل الحرم يلزم
منه بطلان صلاة صف في الحرم يزيد طوله على مساحة المسجد، واعتبار
الحرم للخارج يلزم منه ذلك، لان قبلة كل إقليم واحدة، ومعلوم خروج سعتهم
عن سعة الحرم.

(1) مسند أحمد 5: 201، صحيح مسلم 2: 968 ح 1330، سنن النسائي 5: 220، السنن
الكبرى 2: 8.
(2) الكافي 3: 391 ح 19، التهذيب 2: 376 ح 1565.
(3) التهذيب 2: 383 ح 1598.
158

وأكثر الأصحاب على أن الكعبة قبلة أهل المسجد الذي هو قبلة أهل
الحرم الذي هو قبلة أهل الدنيا (1)، حتى ادعي الشيخ فيه الاجماع (2).
وقد روي من طريق العامة عن مكحول بسنده ان النبي صلى الله عليه
وآله قال: " الكعبة قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم
قبلة لأهل الدنيا " (3).
ومن طريق الخاصة رواه أبو الوليد الجعفي عن الصادق عليه السلام (4)
وأرسله عبد الله بن محمد الحجال عنه عليه السلام (5)، والمفضل بن عمر (6)
وسيأتي حديثه.
وأجاب في المعتبر: بان الاجماع كيف يتحقق مع مخالفة جماعة من
أعيان فضلائنا - يعني به كالمرتضى وابن الجنيد، وتبعهما أبو الصلاح وابن
إدريس - واما الاخبار فضعيفة الاسناد (7).
قلت: لعل ذكر المسجد والحرم إشارة إلى الجهة فيرتفع الخلاف،
والاخبار إذا اشتهرت بين الأصحاب لا سبيل إلى ردها.
فإن قلت: عين الحرم غير كافية لما مر.
قلت: ذكره على سبيل التقريب إلى افهام المكلفين، واظهار لسعة
الجهة، وان لم يكن ملتزما. ولأن كل مصل انما عليه سمته المخصوص،

(1) راجع: المبسوط 1: 77، النهاية: 62، المهذب 1: 84، الوسيلة: 82، المراسم: 60،
الغنية: 494.
(2) الخلاف 1: 295 المسألة 41.
(3) السنن الكبرى 2: 10 عن ابن عباس.
(4) التهذيب 2: 44 ح 140.
(5) الفقيه 1: 177 ح 841، التهذيب 2: 44 ح 139.
(6) الفقيه 1: 178 ح 842، التهذيب 2: 44 ح 142.
(7) المعتبر 2: 66. وراجع: جمل العلم والعمل 3: 29، الكافي في الفقه: 138، السرائر: 42.
159

وليس عليه اعتبار طول الصف أو قصره، مع أن الجرم الصغير كلما ازداد القوم
عنه بعدا ازدادوا له محاذاة.
وقد روى معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يقوم في
الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا، قال:
" قد مضت صلاته، وما بين المشرق والمغرب قبلة " (1).
وفي الفقيه عن زرارة عن الباقر عليه السلام أنه قال: " لا صلاة الا إلى
القبلة ". قلت: وأين حد القبلة؟ فقال: " ما بين المشرق والمغرب كله قبلة " (2).
وهذا نص على الجهة.
فرع:
المراد بالجهة السمت الذي يظن كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة كما قال
بعض العامة: ان الجنوب قبلة لأهل الشمال وبالعكس، والمشرق قبلة لأهل
المغرب وبالعكس (3) لأنا نتيقن الخروج هنا عن القبلة، وهو ممتنع. على أن
الخلاف هنا قليل الجدوى، لأنه ان أريد به قصد المصلي فالواجب عليه التوجه
وان لم يخطر قصد الجهة أو العين بباله، وان أريد به تحقيق موقف المصلي فلا
يحصل بهذا الخلاف مغايرة فيه، وان أريد به تحقيق التياسر الذي يأتي
فسيأتي ما فيه.
الخامسة: العين انما تعتبر مع المشاهدة إذا كانت موجودة، لو زالت
- والعياذ بالله - كفت جهتها أيضا، وتعتبر حينئذ الجهة التي تشتمل على العين
لا أزيد منها. فلو لم يبق لها رسم، ولا من يعلم مقدارها، فطريق الاحتياط لا
يخفى.

(1) الفقيه 1: 179 ح 846، التهذيب 2: 48 ح 157، الاستبصار 1: 297 ح 1095.
(2) الفقيه 1: 180 ح 855.
(3) قاله أبو حنيفة، لاحظ: فتح العزيز 3: 242.
160

ولا يحتاج المصلي هنا إلى سترة، لبقاء القبلة حقيقة. وكذا لو صلى
داخلها إلى الباب المفتوح لم يحتج إلى ذلك، سواء كانت العتبة باقية أولا،
وكذا على سطحها، بل يبرز بين يديه في الموضعين قليلا منها، بحيث إذا
سجد بقي أمامه جزء يسير.
والشيخ في الخلاف يوجب على المصلي في السطح الاستلقاء - كما
سلف محتجا بالاجماع. ويشكل بمخالفته في المبسوط (1) وبالرواية عن
الرضا عليه السلام (2). وقد مر الجواب في المكان (3).
والخلاف في السطح في الفريضة كالخلاف في جوفها ومع الضرورة
تجوز الفريضة (4) فيهما اجماعا. وإذا صلى وسطها استقبل أي جدرانها شاء،
قال في الفقيه: الأفضل ان يقف بين العمودين على البلاطة الحمراء، ويستقبل
الحجر الأسود (5).
فرع:
لو استطال صف المأمومين مع المشاهدة حتى خرج عن الكعبة، بطلت
صلاة الخارج، لعدم اجزاء الجهة هنا. ولو استداروا صح، للاجماع عليه عملا
في كل الاعصار السالفة. نعم، يشترط ان لا يكون المأموم أقرب إلى الكعبة
من الامام.
السادسة: يتوجه أهل كل إقليم إلى جهة ركنهم، ولكل علامات
مشهورة، والمأثور عن أهل البيت عليهم السلام ذكر علامة أهل المشرق،

(1) المبسوط 1: 85.
(2) الخلاف 1: 441 المسألة: 188.
وتقدمت رواية الرضا عليه السلام في ص 87 الهامش 2.
(3) تقدم في ص 87.
(4) في س: الصلاة.
(5) الفقيه 1: 178.
161

بحسب سؤال أهله إذ أكثر الرواة منهم.
روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام حيث سأله عن القبلة،
فقال: " ضع الجدي في قفاك وصل " (1).
وقال في الفقيه: قال رجل للصادق عليه السلام: اني أكون في السفر ولا
أهتدي للقبلة، فقال له: " أتعرف الكوكب الذي يقال له له الجدي ". قال: نعم.
قال: " اجعله على يمينك، فإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين الكفين " (2).
ومن أمارات المشرق موازاة المنكب الأيسر للفجر، والأيمن للشفق.
ومنها كون عين الشمس عند الزوال على الحاجب الأيمن.
واما غيرهم فقد ذكر الأصحاب وغيرهم (3) لهم امارات أكثرها مأخوذ من
علم الهيئة، وهي مفيدة للظن الغالب بالعين وللقطع بالجهة، وهي تارة بالكواكب
وتارة بالرياح، وأضعفها الرياح لاضطراب هبوبها، والمعول عليه منها أربع:
الجنوب: ومحلها ما بين مطلع سهيل إلى مطلع الشمس في
الاعتدالين، والظاهر أنها في البلاد الشامية تستقبل بطن كتف المصلي الأيسر
مما يلي وجهه إلى يمينه، ويجعلها اليمني على مرجع الكتف اليمنى.
وثانيها: الصبا، ومحلها ما بين مطلع الشمس إلى الجدي، وهي قد تقع
على ظهر المصلى، وقد يقال إن مبدأ هبوبها من مطلع الشمس يجعله الشامي
على الخد الأيسر.
وثالثها: الشمال، ومحلها من الجدي إلى مغرب الشمس في
الاعتدال، وتمر إلى مهب الجنوب كما أن الجنوب تمر إلى مهب الشمال،
ويجعلها الشامي على الكشف اليمنى.

(1) التهذيب 2: 45 ح 143.
(2) الفقيه 1: 181 ح 860.
(3) راجع المبسوط 1: 77، المعتبر 2: 69، التذكرة 1: 101، المغني 1: 493، الشرح
الكبير 1: 521.
162

ورابعها: الدبور، وهي من مغرب الشمس إلى سهيل، وهي مقابلة
للصبا، وتكون على صفحة وجه المصلي اليمنى.
وهذه العلامات يتقارب فيها أهل العراق والشام، لاتساع زوايا الرياح.
وأما الكواكب فأوثق من الرياح، قال تعالى: (وبالنجم هم
يهتدون) (1) فأقواها القطب الشمالي، وهو نقطة مخصوصة يدور عليها
الفلك، وأقرب الكواكب إليها نجم خفي في بنات نعش الصغرى حوله أنجم
دائرة، في أحد طرفيها الفرقدان وفي الاخر الجدي، وبين ذلك أنجم صغار
ثلاثة من فوق وثلاثة من أسفل، تدور حول القطب في كل يوم وليلة دورة
واحدة، فيكون الجدي عند طلوع الشمس مكان الفرقدين عند غروبها.
وذلك النجم الخفي لا يكاد يراه الا حديد النظر، وهو لا يتغير عن مكانه
الا يسيرا لا يتبين للحس، إذا استدبر في الأرض الشامية حصل الاستقبال،
وينحرف في مشارق الشام - كدمشق وما قاربها - إلى اليسار قليلا، وكلما قرب
إلى المغرب كان انحرافه أكثر، وفي حران وما يواليها يكون القطب خلف ظهره
معتدلا من غير انحراف، ويجعله العراقي بحذاء ظهر أذنه اليمنى على علوها
فيكون مستقبلا باب الكعبة.
ويخلف القطب الجدي - مكبرا، وأهل الهيئة يصغرونه ليتميز عن البرج -
فيجعله العراقي إذا كان في موازاة القطب خلف منكبه الأيمن والشامي خلف
الكتف اليسرى واليمني يجعله بين العينين، والمغربي على الخد الأيسر.
وتعلم استقامة الجدي إذا كان إلى الأرض، والفرقدان إلى السماء،
وبالعكس، أما إذا كان أحدهما في المشرق، أو فيما بين المشرق والمغرب،
فالاعتبار بالقطب.
والقطب - كما مر - في أنجم دائرة حوله على هيئة السمكة، الجدي

(1) سورة النحل: 16.
163

رأسها والفرقدان ذنبها، فمتى كانت السمكة منتصبة رأسها مما يلي السماء،
وذنبها مما يلي الأرض، أو بالعكس، فالجدي حينئذ علامة. وإذا استقبل
الجدي في هذه الحالة، أو القطب في العراق وكان على مؤخر العين اليسرى،
فذلك دبر القبلة.
ومن العلامات: سهيل، وهو يكون وقت طلوعه بين عيني الشامي،
ووقت غيبوبته على عينه اليمنى، ويجعله اليمنى غائبا بين كتفيه.
ومنها: بنات نعش، فيجعلها الشامي غائبة خلف الاذن اليمنى.
ومنها: الثريا والعيوق، فيجعلهما المغربي على اليمين واليسار عند
طلوعهما.
ومنها: الشمس، وهي تكون متوسطة شتاء في قبلة المصلي تقريبا،
وصيفا مسامتة لرأسه.
ومنها: القمر، وهو يكون عند الغروب ليلة السابع من الشهر مقارنا للقبلة
أو مائلا عنها يسيرا، ويكون عند طلوع الفجر قبلة أيضا تقريبا ليلة إحدى
وعشرين.
فائدة:
ذكر الشيخ أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي - وهو من أجلاء فقهائنا -
في كتاب (إزاحة العلة في معرفة القبلة): ان العراق وخراسان وما كان في حدود
- مثل: الكوفة، وبغداد، وحلوان، إلى الري، ومرو، وخوارزم - يستقبلون
الباب والمقام. ويستدل عليها بجعل الجدي إذا طلع خلف المنكب الأيمن،
والهقعة (1) إذا طلعت بين الكتفين، والدبور مقابلة الصبا على يمينه، والجنوب
على يساره.

(1) في البحار 84: 77 عن إزاحة العلة " الهنعة ".
وانظر لسان العرب 8: 373، 377.
164

وأهل سميساط (1) والجزيرة إلى باب الأبواب يتوجهون إلى حيث يقابل ما
بين الركن الشامي إلى نحو المقام. وعلامتهم جعل بنات نعش خلف الاذن
اليمنى، والعيوق إذا طلع خلف الاذن اليسرى، وسهيل إذا بدا للمغيب بين
العينين، والجدي إذا طلع بين الكتفين، والمشرق على يده اليسرى، والصبا
على مرجع الكتف اليسرى، والشمال على صفحة الخد الأيمن، والدبور على
العين اليمنى، والجنوب على العين اليسرى.
وأهل الشام إلى منتهى حدوده، يستقبلون الميزاب إلى الركن الشامي.
وعلامتهم جعل بنات نعش غائبة خلف الاذن اليمنى، والجدي طالعا خلف
الكتف اليسرى، ومغيب سهيل على العين اليمنى، وطلوعه بين العينين،
والمشرق على عينه اليسرى، والصبا على الخد الأيسر، والشمال على الكتف
اليمنى، والدبور على صفحة الخد الأيمن، والجنوب مستقبل الوجه.
وأهل مصر والإسكندرية والقيروان إلى السوس الأقصى، من المغرب
إلى البحر الأسود، يستقبلون ما بين الركن الغربي إلى الميزاب. وعلامتهم
جعل الصليب إذا طلع بين العينين، وبنات نعش إذا غابت بين الكتفين،
والجدي إذا طلع خلف الاذن اليسرى، والصبا على المنكب الأيسر، والشمال
بين العينين، والدبور على اليمنى من اليدين، والجنوب على اليسر من
العينين.
وأهل الحبشة والنوبة، يستقبلون ما بين الركن الغربي واليماني،
وعلامتهم جعل الثريا والعيوق طالعين على اليمين والشمال، والشولة إذا غابت
بين الكتفين، والجدي على صفحة الخد الأيسر، والمشرق بين العينين،
والصبا على العين اليسرى، والدبور على المنكب الأيمن، والجنوب على

(1) في معاجم البلدان: بلدان متقاربان هما شمشاط وسميساط.
انظر مراصد الاطلاع 2: 741، 811 وغيره.
165

العين اليمنى.
وأهل الصين واليمن والتهائم إلى صنعاء وعدن وحضرموت إلى البحر
الأسود، يستقبلون المستجار والركن اليماني. وعلامتهم جعل الجدي إذا طلع
بين العينين، وسهيل إذا غاب بين الكتفين، والمشرق على الاذن اليمنى،
والصبا على صفحة الخد الأيمن، والشمال على العين اليسرى، والدبور على
المنكب الأيسر، والجنوب على مرجع الكتف اليمنى.
وأهل السند والهند والملتان، يستقبلون ما بين الركن اليماني إلى الحجر
الأسود. وعلامتهم جعل بنات نعش طالعة على الخد الأيمن، والجدي إذا طلع
على الاذن اليمنى، والثريا إذا غابت على العين اليسرى، وسهيل إذا طلع
خلف الاذن اليسرى، والمشرق على اليد اليمنى، والصبا على صفحة الخد
الأيمن، والشمال قبالة الوجه، والدبور على المنكب الأيسر، والجنوب بين
الكتفين.
وأهل البصرة والأهواز وفارس وسجستان إلى التبت إلى الصين،
يستقبلون ما بين الباب والحجر الأسود. وعلامتهم جعل النسر الطائر إذا طلع
بين الكتفين، والجدي إذا طلع على الخد الأيمن، والشولة إذا نزلت للمغيب
بين عينيه، والمشرق على أصل المنكب الأيمن، والصبا على الاذن اليمنى،
والشمال على العين اليمنى، والدبور على الخد الأيسر، والجنوب بين العينين.
تنبيهات:
الأول: أكثر الأصحاب ذكر خراسان في قبلة أهل العراق، وحكم باتحاد
العلامات (1) وبلغني ان بها محرابا للامام أبي الحسن الرضا عليه السلام، فان
صح النقل فلا عدول عنه، والا فالأولى جواز الاجتهاد في التيامن والتياسر وان
كان الاستقبال إلى الركن العراقي، وكلام الأصحاب لا ينافيه.

(1) راجع: المقنعة: 14، النهاية: 63، المراسم: 61.
166

الثاني: لا اجتهاد في محراب رسول الله صلى الله عليه وآله في جهة
القبلة، ولا في التيامن والتياسر، فإنه منزل منزلة الكعبة، وروي انه لما أراد
نصبه زويت له الأرض فجعله بإزاء الميزاب (1)، ولأن النبي صلى الله عليه وآله
معصوم لا يتصور منه الخطأ، وعند من جوز من العامة لا يقر عليه، فهو صواب
قطعا، فيستقبله معاينة وتنصب المحاريب هناك عليه. وفي معنى المدينة كل
موضع تواتر ان النبي صلى الله عليه وآله صلى فيها إلى جهة معينة مضبوطة
الان.
وكذا لا اجتهاد في المسجد الأعظم بالكوفة في التيامن ولا في التياسر،
لمثل ما قلناه في النبي صلى الله عليه وآله، لوجوب عصمة الامام كالنبي
صلى الله عليهما، وقد نصبه أمير المؤمنين وصلى إليه هو والحسن والحسين
عليهم السلام.
واما محراب مسجد البصرة فنصبه عتبة بن غزوان، فهو كسائر محاريب
الاسلام. وربما قيل بمساواته مسجد الكوفة، لان أمير المؤمنين عليه السلام
صلى فيه وجمع من الصحابة، فكما لا اجتهاد في مسجد الكوفة فكذا في
مسجد البصرة، وهو قوي.
واما مسجد المدائن فصلى فيه الحسن عليه السلام، فإن كان المحراب
مضبوطا فكذلك.
وبمشهد سر من رأى صلوات الله على مشرفيه مسجد منسوب إلى الإمام الهادي
عليه السلام فلا اجتهاد في قبلته أيضا ان كانت مضبوطة.
ولو تخيل الماهر في أدلة القبلة تيامنا وتياسرا في محراب رسول الله
صلى الله عليه وآله ومحراب أمير المؤمنين عليه السلام فخياله باطل، لا يجوز
له ولا لغيره العمل به.

(1) وفاء الوفا 1: 365 عن ابن النجار.
167

الثالث: المحاريب المنصوبة في مساجد المسلمين، وفي الطرق التي
هي جادتهم، يتعين التوجه إليها، ولا يجوز الاجتهاد في الجهة قطعا.
وهل يجوز في التيامن والتياسر؟ الأقرب جوازه، لان الخطأ في الجهة مع
استمرار الخلق واتفاقهم ممتنع، اما الخطأ في التيامن والتياسر فغير بعيد، وعن
عبد الله بن المبارك انه أمر أهل مرو بالتياسر بعد رجوعه من الحج (1). ووجه
المنع: ان احتمال إصابة الخلق الكثير أقرب من احتمال إصابة الواحد، وقد
وقع في زماننا اجتهاد بعض علماء الهيئة في قبلة مسجد دمشق وان فيها تياسرا
عن القبلة، مع انطواء الاعصار الماضية على عدم ذلك.
وجاز ترك الخلق الكثير الاجتهاد في ذلك لأنه غير واجب عليهم، فلا
تدل مجرد صلاتهم على تحريم اجتهاد غيرهم، وانما يعارض اجتهاد العارف
ان لو ثبت وجوب الاجتهاد على الكثير أو ثبت وقوعه، وكلاهما في حيز المنع،
بل لا يجب الاجتهاد قطعا، بل لو كانت قرية صغيرة نشأ فيها قرون من
المسلمين لم يجتهد في قبلتها.
نعم، يجب الاجتهاد في العلامات المنصوبة في الطرق النادر مرور
المسلمين بها، أو يستوي فيها مرور المسلمين والكفار، وكذا في قرية خربة لا
يدرى انها من بناء المسلمين أو الكفار.
الرابع: الأقرب ان قبور المسلمين بمثابة العلامات المنصوبة في الطرق
المسلوكة للمسلمين، ولو شك في القبر فلا تعويل، وهذا كله مع عدم علم
الغلط في ذلك، فلو علمه وجب الاجتهاد في مواضعه.
ولا فرق بين محراب صلاة العيد وغيرها من الصلوات، إذ اجتماع
المسلمين حاصل في الجميع.
الخامس: القائم بمكة للصلاة تجب عليه مشاهدة الكعبة، لقدرته على

(1) راجع فتح العزيز 3: 224.
168

اليقين. وفى حكم المعاينة إذا نصب محرابا بعد المعاينة، فإنه يصلي إليه
دائما، لأنه يتيقن الصواب. وكذا الذي نشأ بمكة ويتيقن الإصابة، ولو شك
وجبت المعاينة بالترقي إلى سطح الدار.
ولا يكفي الاجتهاد هنا بالعلامات، لأنه عدول من يقين إلى ظن مع
قدرته على اليقين، وانه غير جائز.
نعم، لو تعذر عليه ذاك - كالمحبوس، أو خائف ضيق الوقت - جاز
الاجتهاد، وكذا من هو في نواحي الحرم، فلا يكلف للصعود إلى الجبال ليرى
الكعبة، ولا الصلاة في المسجد ليراها، للحرج، بخلاف الصعود على
السطح، ولأن الغرض هنا المعاينة قبل حدوث الحائل فلا يتغير بما طرأ منه.
قالوا: فيه مشقة (1).
قلنا: مطلق المشقة ليست مانعة، والا لارتفع التكليف.
وأوجب الشيخ والفاضل صعود الجبل مع القدرة (2) وهو بعيد، والا لم تجز
الصلاة في الأبطح وشبهه من المنازل الا بعد مشاهدة الكعبة، لأنه متمكن
ولعله أسهل من صعود الجبل.
السادس: ظاهر كلام الأصحاب ان الحجر من الكعبة بأسره (3) وقد دل
عليه النقل انه كان منها في زمن إبراهيم وإسماعيل إلى أن بنت قريش الكعبة
فأعوزتهم الآلات فاختصروها بحذفه، وكان كذلك في عهد النبي صلى الله
عليه وآله، ونقل عنه صلى الله عليه وآله الاهتمام بادخاله في بناء الكعبة (4).
وبذلك احتج ابن الزبير حيث أدخله فيها ثم أخرجه الحجاج بعده ورده إلى ما

(1) المجموع 3: 213.
(2) المبسوط 1: 78، تذكرة الفقهاء 1: 101.
(3) راجع: المبسوط 1: 357، المهذب 1: 233، شرائع الاسلام 1: 267.
(4) صحيح البخاري 2: 179، صحيح مسلم 2: 968 ح 1333، الجامع الصحيح 3: 225
ح 875، سنن النسائي 5: 216.
169

كان (1) ولأن الطواف يجب خارجه.
وللعامة خلاف في كونه من الكعبة بأجمعه أو بعضه أوليس منها (2) وفي
الطواف خارجه (3) وبعض الأصحاب له فيه كلام أيضا (4) مع اجماعنا على
وجوب ادخاله في الطواف. وانما الفائدة في جواز استقباله في الصلاة بمجرده،
فعلى القطع بأنه من الكعبة يصح والا امتنع، لأنه عدول عن اليقين إلى الظن.
السابع: لو وقف المصلي على طرف من أطراف الكعبة، فحاذاها ببعض
بدنه والبعض الاخر خارج عن المحاذاة، فليس بمستقبل، لصدق انه انما استقبل
ببعضه. ولبعض العامة وجه بالصحة اكتفاء باستقباله بوجهه (5) وهو ضعيف، لان
الوجه بعضه.

(1) صحيح مسلم 2: 968 ح 1333.
(2) راجع: المجموع 8: 25، المغني 3: 402.
(3) راجع: المجموع 8: 25، المغني 3: 402.
(4) لعله العلامة في التذكرة 1: 36 حجري.
وانظر الحدائق الناظرة 16: 104 وما بعدها وجواهر الكلام 19: 292.
(5) المجموع 3: 200.
170

الفصل الثاني: في المستقبل.
وفيه مسائل.
الأولى: لا يجوز الاجتهاد للقادر على العلم، لأنه عدول عن اليقين. ولا
يجوز للقادر على الاجتهاد التقليد، إذ الحجة أقوى من قول الغير، ولرواية زرارة
عن الباقر عليه السلام: " يجزئ التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة " (1)
والاجماع منعقد على أنه يبني على غلبة ظنه، قاله في التذكرة (2).
وفي مضمر سماعة - بطريقين في التهذيب - " اجتهد رأيك وتعمد القبلة
جهدك " (3) وظاهر الشيخ فيه ان الاجتهاد لا يكون الا عند الضرورة (4)، وكأنه
يريد بها عند تعذر الصلاة إلى أربع جهات، كما هو ظاهره في الخلاف (5).
ولو اجتهد وأخبر بخلافه، أمكن العمل على أقوى الظنين، لأنه راجح،
وهو قريب. ووجه المنع انه ليس من أهل التقليد.
ونعني بالمجتهد هنا العارف بأدلة القبلة المذكورة وغيرها.
ولو خاف فوت الوقت بالاجتهاد أمكن جواز التقليد، لأنه موضع ضرورة.
وظاهر الأصحاب وجوب الصلاة إلى أربع جهات مع الامكان، والا فإلى
المحتمل (6) لمرسلة خداش عن الصادق عليه السلام، قلت: ان هؤلاء
المخالفين يقولون: إذا أطبقت علينا واظلمت ولم نعرف السماء كنا وأنتم سواء

(1) الكافي 3: 285 ح 7، التهذيب 2: 45 ح 146، الاستبصار 1: 295 ح 1087.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 102.
(3) التهذيب 2: 46 ح 147، 148، وفي الكافي 3: 284 ح 1، والفقيه 1: 143 ح 667.
(4) التهذيب 2: 45.
(5) الخلاف 1: 302، المسألة 49.
(6) المبسوط 1: 78، المعتبر 2: 70، تذكرة الفقهاء 1: 103.
171

في الاجتهاد! فقال: " ليس كما يقولون، إذا كان كذلك فليصل لأربع وجوه " (1).
والأول يلوح من المختلف (2).
ولو خفيت الامارات على المجتهد للغيم وشبهه، أو تعارضت عنده
فتحير، احتمل جواز التقليد أيضا، لعجزه عن تحصيل الجهة فهو كالعاجز عن
الاجتهاد، واختاره في المختلف (3).
والظاهر: وجوب الأربع، لان القدرة على أصل الاجتهاد حاصلة، والعارض سريع الزوال.
ولو قلنا: بجواز تقليده غيره فلا قضاء عندنا، إذ هو في معنى العاجز عن
الاجتهاد، وله الصلاة في أول الوقت وان توقع زوال العذر، كما مر في أولي الأعذار.
ويجئ على قول المرتضى وجوب التأخير (4) مع إمكان القطع هنا بوجوب
التأخير، لان العارض عرضته للزوال، فهو أبلغ من تأخير فاقد الماء لتوقعه،
وحينئذ تؤخر إلى قدر الجهات الأربع فيصلى إليها. ولو منع عن الصلاة إلى
بعض الجهات سقطت.
الثانية: العاجز عن الاجتهاد: اما ان لا يمكنه التعلم - كالمكفوف -
فالأقرب جواز التقليد له، إذ هو كالعامي في الأحكام الشرعية، إذ أدلة القبلة
مرئية ولا طريق إلى الرؤية.
وفي الخلاف: يصلي إلى أربع، وقال فيه وفي العامي: إذا كان الحال
ضرورة جاز أن يرجعا إلى غيرهما، وان خالفاه كان لهما ذلك (5).

(1) التهذيب 2: 45 ح 144، الاستبصار 1: 295 ح 1085.
(2) مختلف الشيعة: 77.
(3) مختلف الشيعة: 78.
(4) الناصريات: 225 المسألة 51، جمل العلم والعمل 3: 25.
(5) الخلاف 1: 302 المسألة 49.
172

وان قلنا بالتقليد - وهو الأصح - فليقلد المسلم العدل العارف
بالامارات، رجلا كان أو امرأة، حرا أو عبدا، لان المعتبر بالمعرفة والعدالة
وليس من الشهادة في شئ.
فان تعذر العدل فالمستور، فان تعذر ففي جواز الركون إلى الفاسق مع
ظن صدقه تردد، من قوله تعالى: (فتبينوا) (1) ومن أصالة صحة اخبار
المسلم. اما لو لم يجد سوى الكافر، ففيه وجهان مرتبان، وأولى بالمنع، لان
قبول قوله ركون إليه وهو منهي عنه. ويقوى فيهما الجواز، إذ رجحان الظن يقوم
مقام العلم في العبادات. وأطلق في المبسوط المنع من قبول الفاسق
والكافر (2).
ثم التقليد هو قبول قول الغير المستند إلى الاجتهاد، فلو أخبر العدل عن
يقين القبلة - كما في المواقف المفيدة لليقين في التيامن والتياسر - فهو من باب
الاخبار، ويجوز التعويل عليه بطريق الأولى. ولو أخبر المكفوف بصير بمحل
القطب منه وهو عالم بدلالته، فهو اخبار أيضا.
ولو وجد مجتهدين، فالأقرب الرجوع إلى الأعلم والأوثق عنده، فان
تساويا تخير. ويحتمل وجوب الصلاة إلى الجهتين، جمعا بين التقليدين.
ويحتمل التخيير مطلقا، لوجود الأهلية في كل منهما، ويضعف بأنه رجوع إلى
المرجوح مع وجود الراجح فامتنع كالفتاوى. وعلى القول: بسقوط التقليد من
أصله، يصلي إلى أربع.
وفي معنى المكفوف: العامي الذي لا أهلية عنده لمعرفة الأدلة، لان
فقد البصيرة أشد من فقد البصر، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (3). وفي

(1) سورة الحجرات: 6.
(2) المبسوط 1: 80.
(3) المبسوط 1: 79.
173

الخلاف يصلي إلى الأربع (1). وأطلق أبو الصلاح وجوب الأربع لمن لا يعلم
الجهة ولا يظنها (2).
وان أمكنه تعلم الأدلة وجب عليه التعلم، والأقرب انه من فروض
الأعيان لتوقف صحة فرض الغين عليه فهو كباقي شرائط الصلاة، سواء كان
يريد السفر أولا، لان الحاجة إليه قد تعرض بمجرد مفارقة الوطن. ويحتمل
كون ذلك من فروض الكفاية كالعلم بالأحكام الشرعية، ولندور الاحتياج إلى
مراعاة العلامات فلا يكلف آحاد الناس بها، ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله
عليه وآله والأئمة بعده إلزام آحاد الناس بذلك.
إذا تقرر ذلك، فان قلنا بأنه من فروض الكفاية، فللعامي ان يقلد
- كالمكفوف - ولا قضاء عليه. وان قلنا بالأول، وجب تعلم الأدلة ما دام
الوقت، فإذا ضاق الوقت ولو يستوف المحتاج إليه صلى إلى أربع، أو قلد على
الخلاف ولا قضاء.
ويحتمل قويا وجوب تعلم الامارات عند عروض حاجته إليها عينا،
بخلاف ما قبله، لأنه توقع ذلك وان كان حاصلا لكنه نادر.
وعلى كل حال فصلاة غير المتعلم عند عدم الحاجة صحيحة ولو قلنا
بالوجوب العيني، لأنه موسع على الاحتمال القوي إلى عروض الحاجة،
ويكفي في الحاجة إرادة السفر عن بلده ولو كان بقربه مما يخفى عليه فيه جهة
القبلة أو التيامن والتياسر. ولو قلنا بأنه واجب مضيق عينا، لم يقدح تركه في
صحة الصلاة، لأنه إخلال بواجب لم تثبت مشروطية الصلاة به.
الثالثة: لو وجد العاجز من يخبره عن علم وآخر عن اجتهاد، رجع إلى
الأول، لأنه أوثق.

(1) الخلاف 1: 57 المسألة 49.
(2) الكافي في الفقه: 139.
174

ولو وجد القادر على الاجتهاد مخبرا عن علم، ففي جواز الاجتهاد
وجهان. وقطع بعض العامة بمنعه (1)، لان مثار الاجتهاد زائل، لان غايته الظن،
والاخبار هنا عن القطع. ووجه الجواز ان قول الغير انما يفيد الظن إذ هو خبر
محتمل للامرين في نفسه، والظن باعتبار القرينة، وان الظاهر صدق مخبره،
وذلك الظن مثله يحصل باجتهاده. والفرق بين، إذ الاجتهاد ظني في طريقه
وغايته، واخبار المتيقن ظني في طريقه لا في غايته.
ولو لم يجد المقلد سوى صبي مميز أمكن الرجوع إليه، لإفادة قوله
الظن، وخصوصا إذا أخبر عن قطع، وهو قول المبسوط (2).
ولو منعنا المتمكن من العوام من التقليد وجبت الصلاة عليه إلى أربع
جهات، لان القطع يحصل به، وهو الذي اختاره الشيخ في أحد القولين (3).
وحيث قلنا بجواز التقليد، لو عدم المخبر وجبت الصلاة إلى أربع قطعا
ان احتمل، والا فإلى المحتمل.
الرابعة: لو اجتهد لصلاة فدخل وقت أخرى، فان عرض شك وجب
تجديد الاجتهاد، والا فالأقرب البناء على الأول، إذ الأصل استمرار الظن
السابق حتى يتبين خلافه.
وأوجب الشيخ التجديد دائما ما لم تحصره الامارات (4) للسعي في إصابة
الحق، ولأن الاجتهاد الثاني ان خالف الأول وجب المصير إليه، لان تغير
الاجتهاد لا يكون الا لامارة أقوى من الأولى، وأقوى الظنين أقرب إلى اليقين،
وان وافقه تأكد الظن.
وهذان الاحتمالان جاريان في طلب المتيمم عند دخول وقت صلاة

(1) كالشافعي، راجع: الوجيز 1: 38.
(2) المبسوط 1: 80.
(3) المبسوط 1: 79، 80، النهاية 63.
(4) المبسوط 1: 81.
175

أخرى، وفي المجتهد إذا سئل عن واقعة اجتهد فيها.
فرع:
لا فرق بين تجديد الاجتهاد هنا بين صلاة الفريضة والنافلة، الا عند من
جوزها من الأصحاب حضرا إلى غير القبلة (1) فلا حاجة إلى الاجتهاد. ولا فرق
أيضا بين تغير المكان وعدمه، لان أدلة القبلة لا تختلف بحسب الأمكنة،
بخلاف مكان المتيمم. ولو ظهر خطأ الاجتهاد بالاجتهاد فلا إعادة للأول، قال
الفاضل: ولا نعلم فيه خلافا (2).
الخامسة: لو خالف المجتهد اجتهاده وصلى فصادف القبلة، فالأقرب
عدم الاجزاء، لعدم اتيانه بالمأمور به. وفي المبسوط يجزئه (3) لان المأمور به
هو التوجه إلى القبلة وقد أتى به.
وفي التعويل على قبلة النصارى واليهود نظر، من أنه ركون إليهم، ومن
الظن الغالب باستقبالهم الجهة المعينة.
السادسة: لو اختلف المجتهدون صلوا فرادى لا جماعة، لان المأموم
ان كان محقا في الجهة فسدت صلاة إمامه والا فصلاته، فيقطع بفساد صلاة
المأموم على التقديرين.
واحتمل الفاضل صحة الاقتداء كالمصلين حال شدة الخوف، ولأنهم
كالقائمين حول الكعبة، يستقبل كل واحد منهم جهة غير الاخر مع صحة
الصلاة جماعة (4).
ويمكن الجواب بمنع الاقتداء حالة الشدة مع اختلاف الجهة، ولو سلم
فالاستقبال هنا ساقط بالكلية بخلاف المجتهدين، والفرق بين المصلين إلى نواحي

(1) حكاه العلامة في مختلف الشيعة عن بعض المتأخرين: 79.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 103.
(3) المبسوط 1: 80.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 102.
176

الكعبة وبين المجتهدين ظاهر، للقطع بان كل جهة قبلة هناك، والقطع بخطأ
واحد هنا، وكذا نقول في صلاة الشدة ان كل جهة قبلة.
السابعة: لو صلى جماعة في بيت مظلم بالاجتهاد، ثم تبين لهم
تخالفهم في الجهة ولم يعلموا إلى أي جهة صلى الامام، رجح الفاضل صحة
صلاتهم، لأنه لا يعلم الخطأ في فعل امامه (1).
والأقرب ان نقول: ان كانت تلك الصلاة مغنية عن القضاء كما لو كانت
الجهات ليس فيها استدبارا، أو قلنا: ان الاستدبار لا يوجب القضاء، فصلاتهم
صحيحة، والتخالف هنا في جهة الامام غير ضائر، لان غايته انه صلى خلف
من صلاته غير صحيحة في نفس الامر وهو لا يعلم بالفساد، ولا يقدح ذلك في
صحة صلاة المأموم وان وجب إعادة الصلاة، اما أداء مع بقاء الوقت أو قضاء
مع خروجه. وكل من تعين له موجب الاستدراك وجب عليه، وكل من لم يتعين
له لم يجب التدارك، سواء كان ذلك لمصادفته القبلة، أو التيامن والتياسر
يسيرا، أو لأنه لم يدر هل جهته صحيحة أو فاسدة.
ولو اتفق جهلهم أجمع بفساد الجهة فلا إعادة. ولو علموا ان فيهم من
تجب عليه الإعادة أو القضاء اشتبه، فالأقرب: انه لا إعادة ولا قضاء، لأصالة
صحة صلاة كل واحد منهم وهو شاك في مفسدها، كالواجدين ولا قضاء، لأصالة
صحة صلاة كل واحد منهم وهو شاك في مفسدها، كالواجدين منيا على ثوب
مشترك. ويحتمل إعادتهم أجمع، لتيقن الخروج عن العهدة.
الثامنة: لو اختلف الإمام والمأموم في التيامن والتياسر، فالأقرب: جواز
الاقتداء، لان صلاة كل منهما صحيحة مغنية عن القضاء والاختلاف هنا يسير،
ولأن الواجب مع البعد الجهة وهي حاصلة هنا، والتكليف بالعين مع البعد
ضعيف.

(1) تذكرة الفقهاء 1: 102 - 103.
177

وقوى في التذكرة عدم الجواز، وبناه على أن الواجب إصابة العين (1)،
مع أنه صدر باب القبلة بعدم وجوبه (2).
التاسعة: لو تغير اجتهاد أحد المأمومين انحرف ونوى الانفراد إذا كان
ذلك غير يسير. ولو تغير اجتهاد الامام انحرف وأتم المأمومون منفردين، أو
مؤتمين ببعضهم.
العاشرة: لو ضاق الوقت الا عن صلاة، وأدى اجتهاد أحدهم إلى جهة،
جاز للاخر الاقتداء به إذا قلده وان كان مجتهدا، لتعذره حينئذ.
وهل يجب تقليده؟ الأقرب: نعم، لعجزه، وظن صدق الاخر. ووجه
المنع ان الشرع جعل فرضه عند ضيق الوقت التخيير فليس عليه سواه، وفيه
منع ظاهر، إذ التخيير انما يكون عند عدم المرجح.
الحادية عشرة: لو نصب مبصر للمكفوف علامة، جاز التعويل عليها
وقت كل صلاة ما لم يغلب ظنه على تغيرها. ولو مس الكعبة بيده أو محراب
مسجد لا يشك فيه فكذلك.
ولو عول على رأيه المجرد مع امكان المقلد أعاد إن أخطأ، ولو أصاب
قال في المبسوط: أجزئه (3) والأقرب المنع، لأنه دخل دخولا غير مشروع.
وأطلق في المبسوط الاجزاء مع ضيق الوقت (4) وهو بعيد مع كونه مخطئا، الا ان
يكون المقلد مفقودا، ولم يصل إلى دبر القبلة عند الشيخ (5) ولو أصاب هنا
فكالأول فيما قاله الشيخ وقلناه. نعم، لو فقد المقلد صح هنا قطعا.
ولو صلى مقلدا ثم أبصر في الأثناء، فإن كان عاميا استمر، وان كان

(1) تذكرة الفقهاء 1: 103.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 100.
(3) المبسوط 1: 80.
(4) المبسوط 1: 80.
(5) المبسوط 1: 81.
178

مجتهدا اجتهد، فان وافق أو انحرف يسيرا صح فيستقيم حينئذ، وان كان إلى
نفس اليمين أو اليسار أعاد، وأولى منه إذا كان مستدبرا.
ولو افتقر في اجتهاده إلى زمان كثير لا يتسامح في الصلاة بمثله،
فالأقرب: البناء وسقوط الاجتهاد، لأنه في معني العامي، لتحريم قطع
الصلاة والظاهر إصابة المخبر، ويقوى مع كونه مخبرا عن علم، بل يمكن هنا
عدم الاجتهاد لما سلف.
واحتاط في المعتبر بالاستئناف مع افتقاره إلى تأمل كثير (1) وهو احتياط
المبسوط، وقال: وان قلنا له يمضي فيها لأنه لا دليل على انتقاله كان قويا (2).
ولو صلى بصيرا فكف في الأثناء بنى، فان انحرف قصدا بطلت إن خرج
عن السمت، وان كان اتفاقا وأمكنه علم الاستقامة استقام ما لم يكن قد خرج
إلى حد الابطال بالخروج عن الجهة، وان لم يمكنه فان اتفق مسدد عول عليه
وينتظره إن لم يخرج عن كونه مصليا، والا فالأقرب البطلان إذا توقع مسددا
بعد، ولو ضاق الزمان عن التوقع كان بقي مقدار أربع جهات صلى إليها، وكذا
يصلي إلى الأربع مع السعة وعدم توقع المسدد.
وهل يحتسب بتلك الصلاة منها؟ نظر من حيث وقوعها في جهتين فلا
تكون صحيحة، ومن صحة ما سبق منها قطعا، وجواز ابتدائها الان إلى هذه
الجهة بأجمعها فالبعض أولى.
وحينئذ هل له الانحراف إلى جهة أخرى غير ما هو قائم إليها؟ يحتمل
ذلك، تنزيلا للاتمام منزله الابتداء. والأقرب المنع، تقليلا للاختلاف
والاضطراب في الصلاة، ولتخيل القرب إلى الجهة الأولى بهذا الموقف،
بخلاف العدول إلى جهة أخرى.

(1) المعتبر 2: 71.
(2) المبسوط 1: 81.
179

الثانية عشرة: لو صلى بالاجتهاد إلى جهة أو لضيق الوقت، ثم تبين
الانحراف يسيرا استقام، بناء على أن القبلة هي الجهة، ولقول الصادق عليه
السلام: " ما بين المشرق والمغرب قبلة " (1).
ولو تبين الانحراف الكثير استأنف، وظاهر كلام الأصحاب ان الكثير ما
كان إلى سمت اليمين أو اليسار أو الاستدبار (2) لرواية عمار عن الصادق عليه
السلام في رجل صلى إلى غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة: " ان كان متوجها
ما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة حين يعلم، وان كان متوجها
إلى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة " (3).
وعقل منه الشيخ إعادة المستدبر وان خرج الوقت (4) ولعل المراد به مع
بقاء الوقت، لان ظاهر من (هو في الصلاة) ان الوقت باق.
ويمكن ان يحتج برواية معمر بن يحيى، عن أبي عبد الله عليه السلام
فيمن صلى إلى غير القبلة ثم تبين له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى، قال:
يصليها قبل أن يصلي هذه التي دخل وقتها، الا ان يخاف فوت التي دخل
وقتها " (5). فالجمع بينها وبين ما يأتي بالحمل على الاستدبار، وطريقها
ضعيف، وحملت على من صلى بغير اجتهاد ولا تقليد إلى جهة واحدة مع سعة
الوقت (6).
وكذا الحكم لو تبين الحال بعد الفراغ من الصلاة، فيعيد في الوقت لا

(1) الفقيه 1: 179 ح 846، التهذيب 2: 48 ح 157، الاستبصار 1: 297 ح 1095.
(2) راجع: المعتبر 2: 72، مختلف الشيعة: 78.
(3) الكافي 3: 285 ح 8، التهذيب 2: 48 ح 159، 142 ح 555، الاستبصار 1: 298
ح 1100.
(4) الخلاف 1: 303. المسألة 51، المبسوط 1: 80.
(5) التهذيب 2: 46 ح 150، الاستبصار 1: 297 ح 1099.
(6) حملها المحقق في المعتبر 2: 74.
180

خارجه، إذا تحقق الخروج عن الجهة ولو استدبر، لرواية عبد الرحمن بن أبي
عبد الله عن الصادق عليه السلام: " إذا استبان انك صليت وأنت على غير القبلة
وأنت في وقت فأعد، وان فاتك فلا تعد! (1) وكذا رواية سليمان بن خالد عنه عليه
السلام (2) وظاهر رواية زرارة عن الباقر عليه السلام (3).
فروع:
لو تبين في أثناء الصلاة الاستدبار أو الجانبين وقد خرج الوقت، أمكن
القول بالاستقامة ولا إعادة، لدلالة فحوى الاخبار عليه. ويمكن الإعادة، لأنه
لم يأت بالصلاة في الوقت.
وهل المصلى إلى جهة ناسيا كالظان في الاحكام؟ قطع به الشيخان (4)،
لعموم: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " (5). وضعفه الفاضلان، لأنه مستند إلى
تقصيره (6) بخلاف الظان. والأقرب المساواة، لشمول خبر عبد الرحمن
للناسي (7).
اما جاهل الحكم، الحكم، فالأقرب انه يعيد مطلقا، الا ما كان بين المغرب
والمشرق، لأنه ضم جهلا إلى تقصير. ووجه المساواة: " الناس في سعة مما

(1) الكافي 3: 284 ح 3، التهذيب 2: 47 ح 154، 142 ح 554، الاستبصار 1: 296
ح 1090.
(2) الكافي 3: 285 ح 9، التهذيب 2: 47 ح 152، 142 ح 553، الاستبصار 1: 296
ح 1091.
(3) التهذيب 2: 48 ح 156، الاستبصار 1: 297 ح 1094.
(4) المقنعة: 14، المبسوط 1: 80.
(5) الخصال: 417، سنن ابن ماجة 1: 659 ح 2045، كنز العمال 4: 233 ح 10307 عن
الطبراني.
(6) المعتبر 2: 74، مختلف الشيعة: 79.
(7) تقدم في الهامش 1.
181

لم يعلموا ".
الثالثة عشرة: ذهب ابن أبي عقيل وابن بابويه - في ظاهر كلامه - إلى أنه
عند خفاء القبلة يصلي حيث شاء، ولا إعادة عليه بعد خروج الوقت لو تبين
الخطأ (1).
والأكثر أوجبوا الصلاة إلى أربع (2) لرواية خداش السالفة، وهي بطريقين
في التهذيب (3).
ويمكن ان يحتج بما تقدم من أحاديث التحري (4) وان المراد به التخيير،
وبان التكليف ساقط مع عدم العلم، وبعموم: (فأينما تولوا فثم وجه الله) (5)
وهو أولى من اعتقاد نسخ الآية، ومال في المختلف إلى هذا القول (6).
ويمكن أن يطعن في رواية خداش بالارسال وجهالته أيضا، فانا لم نقف
على توثيقه بعد، الا انها معتضدة بالعمل من عظماء الأصحاب وبالعبد من قول
العامة، الا انه يلزم من العمل بها سقوط الاجتهاد بالكلية في القبلة لأنها
مصرحة به، والأصحاب مفتون بالاجتهاد.
ويمكن ان يكون الاجتهاد الذي صار إليه الأصحاب هو ما أفاد القطع
بالجهة - من نحو مطلع الشمس ومغربها، ودلالة الكواكب - دون الاجتهاد
المفيد للظن كالرياح، أو ظن بعض الكواكب، الكوكب الذي هو العلامة مع
عدم القطع به.

(1) الفقيه 1: 179، وحكاه عن ابن أبي عقيل العلامة في مختلف الشيعة: 77.
(2) راجع: المقنعة: 14، المبسوط 1: 80، النهاية: 63، المراسم: 61، الكافي في الفقه:
139.
(3) التهذيب 2: 45 ح 144 و 145، الاستبصار 1: 295 ح 1085 و 1086 وانظر ص: 172
الهامش 1.
(4) تقدمت في ص 171.
(5) سورة البقرة: 115.
(6) مختلف الشيعة: 78.
182

الرابعة عشرة: لو تغير اجتهاده مصليا، انحرف وبني ان كان لا يبلغ
موضع الإعادة، والا أعاد. ولو شك مصليا في اجتهاده لم يلتفت، لان الدخول
شرعي بظن قوي فلا يزول بالشك.
ولو صلى باجتهاده فكف في أثناء الصلاة استمر، لان اجتهاده أقوى من
اجتهاد غيره بالنسبة إليه، فان انحرف استقام إن علم والا قلد في الأثناء، فان
تعذر أبطلها مع سعة الوقت والا أتم بحاله.
ولو وجد المكفوف محرابا فهو أولى من التقليد. وكذا الركون إلى المخبر
عن علم أولى من الركون إلى المجتهد.
ولو قلد مجتهدا، فأخبره مجتهد آخر في الأثناء بخطئه وان الصواب كذا،
فإن كان أعلم أو أعدل عول على الثاني، والا استمر. أما لو كان إخبار الثاني
عن علم، فإنه يرجع إليه كيف كان إذا كان عدلا، لاستناده إلى اليقين الذي هو
أقوى من الاجتهاد.
ولو قيل للمكفوف أنت مستقبل الشمس أو مستدبرها، وهو يعلم أن جهته
ليست في صوبها وجب عليه العدول أيضا، لأنه كانتقال المجتهد إلى اليقين.
ولو قال الثاني أنت على الخطأ قطعا، فالظاهر ترجيحه على الأول،
تنزيلا لقطعه منزلة الاخبار عن الحسن، ولا اعتبار بتجويز كونه مجتهدا، لان
الاجتهاد لا يحصل عنه القطع.
ولو اقتصر على إخباره بخطئه، ولما يتبين الصواب منه ولا من غيره، فان
أمكن تحصيل الصواب قبل الخروج عن اسم المصلي استمر إلى وجود
المخبر، ويكون حكمه ما سلف من تبين الخطأ. وان عجز عن درك الصواب
الا بالخروج عن اسم الصلاة بطلت، إذ لا سبيل إلى الاستمرار على الخطأ
والصواب غير معلوم.
ولو كان إخبار الثاني بعد الفراغ من الصلاة لم يلتفت إليه، الا ان يخبر
عن قطع فيراعي ما سلف.
183

الخامسة عشرة: اشتهر بين الأصحاب استحباب التياسر لأهل المشرق
عن سمتهم قليلا (1) ويظهر من كلام الشيخ وجوبه (2) لما رواه المفضل بن
عمر، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار
عن القبلة وعن السبب فيه، فقال: " ان الحجر الأسود لما أنزله الله سبحانه من
الجنة ووضع في موضعه، جعل انصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر،
فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال، وعن يسارها ثمانية أميال. فإذا انحرف
الانسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب الحرم، وإذا انحرف ذات
اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة " (3).
وروى الكليني عن علي بن محمد رفعه، قال: قيل لأبي عبد الله عليه
السلام: لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال: " لان للكعبة ستة
حدود: أربعة منها على يسارك، واثنان منها على يمينك، فمن أجل ذلك وقع
التحريف إلى اليسار " (4).
والروايتان ضعيفتان، لعدم اسناد الأولى إلى المفضل، مع أن
النجاشي ضعفه (5) وقطع سند الثانية. والعمدة الشهرة بين الأصحاب، حتى أن
الشيخ ادعي عليه الاجماع (6).
وفيه إشارة إلى أن النائي يتوجه إلى الحرم.
ووجوبه بعيد، لان ظاهره إرادة الاستظهار والاحتياط - كما صرح به
المصنفون - فلا يكون واجبا.

(1) راجع المقنعة: 14، السرائر: 42، المراسم: 61، المعتبر 2: 69.
(2) المبسوط 1: 78، النهاية: 63، الخلاف 1: 297 المسألة 42.
(3) الفقيه 1: 178 ح 842، علل الشرائع: 318، التهذيب 2: 44 ح 142.
(4) الكافي 3: 478 ح 6، التهذيب 2: 44 ح 141.
(5) رجال النجاشي: 146 رقم 1112.
(6) الخلاف 1: 297 المسألة 42.
184

ويرد عليه: ان الانحراف اما إلى القبلة فيجب، واما عنها فيحرم، فلا
معنى للاستحباب.
ويجاب: بان الانحراف في القبلة، وجاز أن تكون الجهة على ما مر،
واتساعها ظاهر فالميل إلى اليسار تمكن فيها، أو إصابة ما يقرب إلى الكعبة من
الجهات.
فرع:
إذا قلنا بهذا التياسر فليس بمقدر، بل مرجعه إلى اجتهاد المصلي، ومن
ثم جعلنا المسألة من مسائل الاجتهاد، ولا ريب في اختلاف ذلك بحسب
اختلاف بلدان المشرق، ولعل البالغ في المشرق إلى تخومه يسقط عنه هذا
التياسر بل لا يجوز له، للقطع بأنه يخرج عن العلامات المنصوبة لهم،
والخبران لا يدلان على غير أهل العراق، لان المفضل كوفي وغالب الرواة
عنهم عليهم السلام عراقيون.
وللمحقق - رحمه الله - في هذا مسألة حسنة، صدر إنشاؤها عن ايراد
الإمام العلامة نصير الدين أبي جعفر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي
- رحمه الله - لما اجتمعا في بعض المجالس.
السادسة عشرة: لو اجتهد إلى جهة فصلى، ثم تبين الخطأ في الأثناء،
فان حصل الصواب بعده بما لا يخرجه عن اسم المصلى بنى على ما سلف من
اعتبار التيامن والتياسر وغيرهما، وان كان لا يمكن تحصيله في ذلك الزمان
فالأجود البطلان، لامتناع الاستمرار على الخطأ، وعدم علم الجهة وظنها.
ولو تحير الشامي أو اليمني فاجتهد وصلى إلى جهة، فانكشف الغيم فإذا
كوكب في الأفق، يقطع بأنه اما في المشرق أو في المغرب وهو بإزائه، فإنه
يتبين الخطأ قطعا ويحكم هنا ببطلان الصلاة في الحال، فان رأى الكوكب
ينحط علم به المغرب، وان رآه يرتفع علم به المشرق، وان أطبق الغيم في
الحال فالتحير باق الا انه في جهتين، فان انكشف فيما بعد والا صلى إليهما
185

لا غير.
ولو كان المصلي مشرقيا أو مغربيا، لم يحكم ببطلان صلاته في الحال
بظهور الكوكب الأفقي، بل يتربص لينظر علوه وعدمه فيبني على ما علمه. ولو
عاد الغيم في الحال لم يحكم هنا ببطلان الصلاة، لأصالة صحتها، واستناده
إلى اجتهاده الذي لم يعلم خطأه وهل تجب عليه الصلاة إلى الجهة الأخرى؟
يمكن ذلك أن لم يكن الاجتهاد الأول باقيا ولا تجدد غيره، وان كان باقيا فلا،
وان تجدد غيره استأنف.
ولو كان المصلي من إحدى الزوايا التي بين الجهات الأربع، فظهور
الكوكب الأفقي لا يبطل استمراره أيضا في الحال، بل بعد اعتبار العلو
والانخفاض يراعي ما سلف، فيستمر مع إصابة القبلة أو ما في حكمها،
ويستأنف مع عدمهما ان بقي الوقت، أو مطلقا لو كان مستدبرا على القول به.
ولو عاد الغيم، فان قطع على مخالفة قبلته أو ما في حكمها أعاد إلى
الجهات التي يعلم معها إصابة القبلة، وان لم يقطع على المخالفة فالبناء
متعين. وفي الصلاة إلى جهة أخرى الاحتمال، فيراعى جهتين ليس فيهما
محض المشرق والمغرب.
السابعة عشرة: لو صلى أربع صلوات بأربع اجتهادات إلى أربع جهات،
فعلى ما قلناه: ان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، لا إعادة عليه.
ويحتمل إعادة الكل، لتيقن الخطأ في ثلاث منها على احتمال اعتبار
العين ان كانت مختلفة العدد، أو إعادة ثلاث مرددة ان اتفق العدد.
ويحتمل إعادة ما صلاة أولا وصحة الأخيرة، ويجعل هذا الاجتهاد
ناسخا لما سبق.
ويضعف الأول: بأنه لو وجبت الإعادة لم يؤمر بالصلاة مع تغير
الاجتهاد، والثاني: بأنه تحكم إذ الاجتهادات متعاقبة متنافية.
ويحتمل قويا انه مع تغير الاجتهاد يؤمر بالصلاة إلى أربع، لان الاجتهاد
186

عارضه الاجتهاد فتساقطا فتحير. ولا يجب إعادة ما صلاه أولا، لامكان صحته
ودخوله مشروعا.
187

الفصل الثالث: فيما يستقبل له.
وفيه مسائل.
الأولى: يجب الاستقبال في فرائض الصلوات، وبالميت في أحواله
السابقة، وعند الذبح على ما يأتي إن شاء الله، كل ذلك مع الاختيار.
ويحرم الاستقبال فيما مر.
ويستحب للجلوس للقضاء، والدعاء مؤكدا، والجلوس مطلقا إلى القبلة
أفضل، لقولهم عليهم السلام: " أفضل المجالس ما استقبل به القبلة " (1).
ويكره الاستقبال في الجماع.
ولا تكاد الإباحة بالمعنى الأخص تتحقق هنا.
الثانية: يسقط الاستقبال في الصلاة عند الضرورة وعدم التمكن منه،
كالمصلوب، والمريض الذي لا يجد من يوجهه إلى القبلة مع عجزه عنها،
وكالمضطر إلى الصلاة ماشيا مع عدم إمكان الاستقبال، وكما في حال شدة
الخوف وان قدر على الاستقبال لولا القتال.
ويسقط في الميت أيضا عند التعذر، وفى الذبح في الصائلة والمتردية
إذا لم يمكن فيها الاستقبال.
الثالثة: لا تصح الفريضة على الراحلة اختيارا اجماعا لاختلال
الاستقبال وان كانت منذورة، سواء نذرها راكبا أو مستقرا على الأرض، لأنها
بالنذر أعطيت حكم الواجب. وكذا صلاة الجنازة، لان أظهر أركانها القيام،
وأقوى شروطها الاستقبال.
وقد روى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام: أيصلي الرجل شيئا

(1) وسائل الشيعة 12: 109 ح 3، مستدرك الوسائل 8: 406 ح 1 الغايات: 87.
188

من الفرائض راكبا من غير ضرورة؟ فقال: " لا " (1).
وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه عليه السلام: " لا يصلي الفريضة
على الدابة الا مريض " (2).
و (شئ) نكرة في سياق نفي فيعم، " والفريضة " محلى بلام الجنس إذ
لا معهود فيعم.
ويدلان على جواز ذلك عند الضرورة، وعليه دل قوله تعالى: (فان
خفتم فرجالا أو ركبانا) (3) وهو يدل بفحواء على مطلق الضرورة، وقد تقدم ذكر
صلاة النبي صلى الله عليه وآله على الراحلة في المطر (4).
والعامة منعوا من الفريضة على الراحلة عند الضرورة، الا ان يخاف
الانقطاع عن الرفقة بالنزول، أو يخاف على نفسه أو ماله بالنزول، فيصلى ثم
يعيد إذا نزل عنها (5). ويبطله: ان الامتثال يقتضي الاجزاء.
الرابعة: لو تمكن الراكب من الاستقبال واستيفاء الافعال، كالراكب في
الكنيسة (6)، أو على بعير معقول، ففي صحة صلاته وجهان، أصحهما
المنع.
اما الأول فلعدم الاستقرار، ولهذا لا يصح صلاة الماشي مستقبلا
مستوفيا للأفعال، لان المشي أفعال كثيرة خارجة عن الصلاة فتبطلها، وانما
خرجت النافلة بدليل آخر مع المساحقة فيها.

(1) التهذيب 3: 308 ح 954.
(2) التهذيب 3: 308 ح 952.
(3) سورة البقرة: 239.
(4) تقدم في ص 152، الهامش 4.
(5) المجموع 3: 242.
(6) الكنيسة: هي شئ يغرز في المحمل أو الرحل، ويلقى عليه ثوب يستظل به الراكب ويستتر به.
مجمع البحرين، مادة كنس.
189

واما البعير المعقول فلان إطلاق الامر بالصلاة ينصرف إلى القرار
المعهود، وهو ما كان على الأرض وما في معناها، كالزورق المشدود على
الساحل، لأنه بمثابة السرير والماء بمثابة الأرض، وتحركه سفلا وصعدا كتحرك
السرير على وجه الأرض، وليست الدابة للقرار عليها.
ومن هذا يظهر عدم صحة الصلاة في الأرجوحة المعلقة بالحبال، فإنها
لا تعد عرفا مكان القرار. ويمكن الفرق بينهما بان البعير المعقول معرض لعدم
الاستقرار بخلاف الأرجوحة، وقد روى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام
جواز الصلاة على الرف المعلق بين نخلتين (1) وهو يعطي جواز الصلاة في
الأرجوحة.
ولو احتمل قوم سريرا عليه مصل فكالبعير المعقول، بل أولى بالصحة،
لأنه قد يؤمن منهم أسباب الاختلال.
ولو كانت الدابة واقفة وأمكن استيفاء الافعال، فهي مرتبة على المعقولة،
وأولى بالبطلان هنا، لان الحركة إليها أقرب.
الخامسة: جوز الفاضل الصلاة في السفينة فرضا ونفلا، مختارا - في
ظاهر كلامه - وان كانت سائرة (2) وهو قول ابن بابويه وابن حمزة (3). وكثير من
الأصحاب جوزه، ولم يذكروا الاختيار (4).
وروى حماد بن عيسى عن الصادق عليه السلام: " ان استطعتم ان
تخرجوا إلى الجدد فأخرجوا، فإن لم تقدروا فصلوا قياما، فإن لم تستطيعوا
فصلوا قعودا وتحروا القبلة " (5). وعن علي بن إبراهيم قال: سألته عن الصلاة

(1) قرب الإسناد: 86، التهذيب 2: 373 ح 1553.
(2) نهاية الإحكام 1: 406، تذكرة الفقهاء 1: 104، منتهى المطلب 1: 223.
(3) الهداية: 35، الوسيلة: 84.
(4) المقنعة: 35، المراسم: 76، المهذب 1: 118.
(5) قرب الإسناد: 11، الكافي 3: 441 ح 1، التهذيب 3: 170 ح 374، الاستبصار 1: 454
ح 1761.
190

في السفينة، قال: " لا يصلي فيها وهو قادر على الشط " (1).
وبإزاء هذه روايات ظاهرها الجواز مع الاختيار، مثل رواية عبيد الله
الحلبي عن الصادق عليه السلام (2). وقال له جميل بن دراج: تكون السفينة
قريبة من الجدد، فأخرج فأصلي؟ فقال: " صل فيها اما ترضى بصلاة نوح عليه
السلام " (3).
والأقرب المنع الا لضرورة، لان القرار ركن في القيام وحركة السفينة
تمنع من ذلك، ولأن الصلاة فيها مستلزمة للحركات الكثيرة الخارجة عن
الصلاة.
وأجاب الفاضل: بأنها بالنسبة إلى المصلي حركة عرضية وهو ساكن (4).
وبما قلناه قال أبو الصلاح (5) وابن إدريس - في باب صلاة المسافر -
حيث قال: ومن اضطر إلى الصلاة في سفينة فأمكنه ان يصلي قائما لم يجزه
غير ذلك، وان خاف الغرق وانقلاب السفينة جاز ان يصلي جالسا (6).
والعامة يجوزون لراكب البحر الصلاة في السفينة وان كانت جارية تتحرك
بما فيها من دواب وغيرها، لمساس الحاجة إلى ركوب البحر، فجعل الماء على
الأرض كالأرض، وجعلت السفينة كالصفا على وجه الأرض (7). وترددوا في
جوازها في نحو دجلة للمقيم ببغداد اختيارا (8) لقدرته على الشط وإقامة الأركان

(1) التهذيب 3: 170 ح 375، الاستبصار 1: 455 ح 1762.
(2) الفقيه 1: 291 ح 1322.
(3) الفقيه 1: 291 ح 1323، التهذيب 3: 295 ح 894.
(4) منتهى المطلب 1: 223.
(5) الكافي في الفقه: 147.
(6) السرائر: 75.
(7) لاحظ: المجموع 3: 242.
(8) راجع: المجموع 3: 242.
191

والشرائط.
السادسة: إذا اضطر إلى الفريضة على الراحلة أو ماشيا أو إلى السفينة،
وجب مراعاة الشرائط والأركان مهما أمكن، امتثالا لأمر الشارع، فان تعذر أتى
بما يمكن. فلو أمكن الاستقبال في حال دون حال وجب بحسب مكنته،
لعموم: " وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره " (1) ولو لم يتمكن الا بالتحريمة
وجب، فان تعذر سقط.
فرع:
في وجوب تحري الأقرب إلى القبلة من الجهات فالأقرب نظر، من
الخروج عن الجهة فتتساوى الجهات، ومن أن للقرب أثرا، ولهذا افترقت
الجهات في الاستدراك لو ظهر خطأ الاجتهاد. ولو قيل: يجب تحري ما بين
المشرق والمغرب دون باقي الجهات الثلاث، لتساويها في الاستدراك لو ظهر
الخطأ في الاجتهاد، كان قويا. وحينئذ يترجح المشرق والمغرب على
الاستدبار، على القول بالقضاء فيه مع خروج الوقت.
اما النوافل فتجوز على الراحلة اختيارا باتفاقنا إذا كان مسافرا، طال سفره
أو قصر، لما رووه من أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي سبحته حيث
توجهت به ناقته (2) وأوتر على راحلته (3) وفعله علي عليه السلام (4) وابن عباس
ولقول الصادق عليه السلام في صلاة المريض في المحمل: " اما النافلة
فنعم " (5).

(1) سورة البقرة: 144.
(2) صحيح البخاري 1: 32، صحيح مسلم 1: 486 ح 700، السنن الكبرى 2: 4.
(3) صحيح مسلم 1: 487 ح 700، السنن الكبرى 2: 6.
(4) قرب الإسناد: 54، السنن الكبرى 2: 6.
(5) التهذيب 3: 308 ح 953.
192

ويستقبل بالتكبير، لقوله عليه السلام: " استقبل القبلة وكبر، وصل حيث
ذهب بك بعيرك " (1) ولا يحتاج إلى غيره، لقوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه
الله) (2) ولقوله عليه السلام للكرخي لما قال: اني أتحرى على أن أتوجه في
المحمل إلى القبلة: " ما هذا الضيق، اما لك برسول الله أسوة " (3).
ولو صلى على الراحلة حاضرا جاز أيضا، قاله الشيخ (4) لقول الكاظم
عليه السلام في صلاة النافلة على الدابة في الأمصار: " لا بأس " (5) ومنعه ابن
أبي عقيل (6). وكذا الماشي، لقول الصادق عليه السلام في المصلى تطوعا وهو
يمشي: " نعم " (7).
وفي الفريضة عند الضرورة، لقوله تعالى: (فان خفتم فرجالا أو
ركبانا) (8) وغير الخوف مساو له في الضرورة.
ويومئ الراكب والماشي للركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض. ولو
حرف الدابة عن القبلة في الفريضة عمدا بطلت، ولو كان بفعلها أو جماحها
لم تبطل، لعدم الاستطاعة، طال الانحراف أو لا.
وراكب التعاسيف - وهو: الهائم الذي لا مقصد له بل يستقبل تارة
ويستدبر أخرى - له التنفل كغيره، ولا يتعين طريق الراكب لقبلته، بل لو أمكنه
التوجه إلى القبلة وجب - وان كان بالركوب منحرفا أو مقلوبا - في الفريضة.
نعم، في النافلة إذا لم يمكن القبلة فقبلته طريقه استحبابا.

(1) التهذيب 3: 233 ح 606.
(2) سورة البقرة: 115.
(3) الفقيه 1: 285 ح 1295، التهذيب 3: 229 ح 586.
(4) الخلاف 1: 299 المسألة 45.
(5) التهذيب 3: 229 ح 589.
(6) مختلف الشيعة: 79.
(7) أخرجه المحقق في المعتبر 2: 77.
(8) سورة البقرة: 239.
193

فرع:
لو أمكن الركوب والمشي في الفريضة مع عدم إمكان الاستقرار فظاهر
الآية التخيير.
ويمكن ترجيح المشي، لحصول ركن القيام.
ويعارضه: ان حركته ذاتية وحركة الراكب عرضية فهو مستقر بالذات،
ومع ذلك فلا يجوز ان يكون لبيان شرعية الامرين وان كان بينهما ترتيب، كآية
كفارة الصيد.
نعم، لو أمكن الركوع والسجود للماشي دون الراكب، أو بالعكس،
وجب الأكمل منهما.
ولو أمكن الراكب النزول للركوع والسجود وجب، ولا يكون ذلك منافيا
للصلاة، لأنه من أفعالها كما سيأتي إن شاء الله في صلاة الخوف.
وكذا لو أمكن أحدهما الاستقبال دون الاخر وجب تحصيل ما به
الاستقبال، وكذا باقي الشرائط.
194

الباب السابع:
في الأذان والإقامة:
وهما وحي من الله تعالى عندنا كسائر العبادات على لسان جبرئيل عليه
الصلاة والسلام. فروى الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام: " انه لما
أسري برسول الله صلى الله عليه وآله فبلغ البيت المعمور، حضرت الصلاة
فأذن جبرئيل وأقام، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى خلفه الملائكة
والنبيون عليهم السلام (1).
وروى منصور عن الصادق عليه السلام، قال: " لما هبط جبرئيل عليه
السلام بالاذان على رسول الله صلى الله عليه وآله كان رأسه في حجر علي،
فأذن جبرئيل وأقام، فلما انتبه رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يا علي
أسمعت؟ قال: نعم. قال: أحفظت؟ قال: نعم. قال: ادع بلالا فعلمه " (2).
ونسبه العامة إلى رؤيا عبد الله بن زيد في منامه (3) وهو بعيد عن أحوال
رسول الله صلى الله عليه وآله وتلقيه العبادة بالوحي، ولقوله تعالى: (ان هو الا
وحي يوحى) (4).
قال ابن أبي عقيل: أجمعت الشيعة عن الصادق عليه السلام انه لعن
قوما زعموا ان النبي صلى الله عليه وآله أخذ الاذان من عبد الله بن زيد، فقال:
" ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون انه أخذ الاذان من عبد الله بن زيد.

(1) الكافي 3: 302 ح 1 عن الفضل وزرارة عن الباقر عليه السلام.
(2) الكافي 3: 302 ح 2، الفقيه 1: 183 ح 865، التهذيب 2: 277 ح 1099.
(3) مسند أحمد 4: 43، سنن ابن ماجة 1: 232 ح 706، سنن أبي داود 1: 135 ح 499،
الجامع الصحيح 1: 358 ح 189، السنن الكبرى 1: 390.
(4) سورة النجم: 53.
195

وثوابه عظيم، فعن النبي صلى الله عليه وآله: " المؤذنون أطول الناس
أعناقا يوم القيامة " (1).
" من أذن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة " (2).
" للمؤذن فيما بين الأذان والإقامة مثل أجر المتشحط بدمه في سبيل
الله "، فقال علي عليه السلام: " يا رسول الله صلى الله عليه وآله انهم يجتلدون
على الاذان ". قال: " كلا انه يأتي على الناس زمان يطرحون الاذان على
ضعفائهم وتلك لحوم حرمها الله على النار " (3).
وعن الباقر عليه السلام: " من أذن سبع سنين احتسابا جاء يوم القيامة ولا
ذنب له " (4).
" من أذن عشر سنين محتسبا يغفر الله له مد بصره وصوته في السماء،
ويصدقه كل رطب ويابس سمعه، وله من كل من يصلي معه في المسجد
سهم، وله من كل من يصلي بصوته حسنة " (5).
وعن الصادق عليه السلام: " ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر: مؤذن
أذن احتسابا، وامام أم قوما وهم به راضون، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه " (6).
" إذا أذنت في أرض فلاة وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة، وان
أقمت قبل ان تؤذن صلى خلفك صف واحد " (7) وفي رواية أخرى: " حد الصف
ما بين المشرق والمغرب " ولم يذكر الفلاة فيها (8).

(1) عيون أخبار الرضا 2: 61، صحيح مسلم 1: 290 ح 387، السنن الكبرى 1: 432.
(2) الفقيه 1: 185 ح 881، ثواب الأعمال: 52، التهذيب 2: 283 ح 1126.
(3) الفقيه 1: 184 ح 869، ثواب الأعمال: 53، التهذيب 2: 283 ح 1130.
(4) الفقيه 1: 186 ح 883، ثواب الأعمال: 52، التهذيب 2: 283 ح 1128.
(5) الفقيه 1: 185 ح 882، الخصال: 448، التهذيب 2: 284 ح 1131.
(6) التهذيب 2: 283 ح 1127.
(7) التهذيب 2: 52 ح 173.
(8) الفقيه 1: 186 ح 887.
196

وعن أبي الحسن عليه السلام: " من صلى بأذان وإقامة صلى وراءه
صفان من الملائكة، وان أقام بغير أذان صلى واحد عن يمينه وآخر عن
يساره " (1).
وعن محمد بن مسلم، قال لي الصادق عليه السلام: " إذا أذنت وأقمت
صلى خلفك صفان من الملائكة، وان أقمت بغير أذان صلى خلفك صف
واحد " (2). في اخبار كثيرة من طرق الأصحاب وغيرها.
ثم الاذان لغة: الاعلام، ويقال: إيذان وأذين وفعله أذن يأذن، ثم آذن
بالمد للتعدية، ويقال للمؤذن: أذين. وقول عدي بن زيد (3).
وسماع يأذن الشيخ له * وحديث مثل ماذي مشار
يريد به استمع، لان الاستماع سبب في العلم، فيرجع إلى أذن بمعنى
علم، ومنه قوله تعالى: (فأذنوا بحرب من الله ورسوله) (4) أي: اعلموا، ومن
قرأ بالمد فمعناه: أعلموا من ورائكم بالحرب.
وشرعا الأذكار المعهودة للاعلام بأوقات الصلوات.
والإقامة لغة: مصدر أقام بالمكان، والتاء عوض من عين الفعل لان
أصله إقوام، أو مصدر أقام الشئ بمعنى أدامه، ومنه (يقيمون الصلاة) (5).
وشرعا الأذكار المعهودة عند إقامة الصلاة، أي: فعلها.
وفي الباب فصول:

(1) الفقيه 1: 186 ح 888.
(2) التهذيب 2: 52 ح 174.
(3) لسان العرب 13: 10.
(4) سورة البقرة: 279.
(5) سورة لقمان: 4.
197

الأول: في كيفية الأذان والإقامة.
وفيه مسائل.
الأولى: لا يجوزان قبل الوقت اجماعا، لأنه اعلام بدخول الوقت.
وتجويز تقديم الاذان في الصبح رخصة، ليتأهب الناس للصلاة، ولقول النبي
صلى الله عليه وآله: " ان ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فإذا سمعتم أذانه فكلوا
واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال " (1).
قال الصدوق: فغيرته العامة، وقالوا: ان بلالا يؤذن بليل (2).
قلت: ويؤيده ما رووه ان النبي صلى الله عليه وآله قال لبلال: " لا تؤذن
حتى يستبين لك الفجر هكذا " ومد يده عرضا (3) وكأنه قد جعل له وظيفة الاذان
المؤخر، ولأن المبصر يراعي الصبح فيفوض إليه، بخلاف الأعمى.
ولا يشترط في التقديم مؤذنان، فلو كان واحدا جاز له تقديمه، نعم،
يستحب اعادته بعده، ليعلم بالأول قرب الوقت وبالثاني دخوله، لئلا يتوهم
طلوع الفجر بالأول. وروى ابن سنان عن الصادق عليه السلام قلت له: ان لنا
مؤذنا يؤذن بليل، فقال: " ان ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة، واما السنة
فإنه ينادي من طلوع الفجر " (4).
فروع:
لاحد لهذا التقديم عندنا بل ما قارب الفجر، وتقديره بسدس الليل أو

(1) الفقيه 1: 194.
(2) الفقيه 1: 194، وراجع: مسند أحمد 2: 9، صحيح البخاري 1: 160، الجامع الصحيح
1: 394 ح 203.
(3) سنن أبي داود 1: 147 ح 534.
(4) التهذيب 2: 53 ح 177.
198

نصفه تحكم (1) وروى أنه كان بين اذاني بلال وابن أم مكتوم نزول هذا وصعود
هذا (2).
وينبغي ان يجعل ضابطا في التقديم، ليعتمد عليه الناس.
ولا فرق بين رمضان وغيره في التقديم، وسيجئ مزيد بحث في هذه
المسألة إن شاء الله تعالى.
الثانية: فصولهما خمسة وثلاثون في أشهر الروايات (3)، وعليه عمل
الأصحاب. فالاذان ثمانية عشر:
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله.
اشهد ان محمدا رسول الله، اشهد ان محمدا رسول الله.
حي على الصلاة، حي على الصلاة.
حي على الفلاح، حي على الفلاح.
حي على خير العمل، حي على خير العمل.
الله أكبر، الله أكبر.
لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.
والإقامة سبعة عشر، الا ان التكبير في أولها مثنى، والتهليل في آخرها
مرة، وتزيد: (قد قامت الصلاة) مثنى بعد (حي على خير العمل).
وفي رواية الفضيل بن يسار وزرارة عن الباقر، وعبد الله بن سنان عن
الصادق عليهما السلام: التكبير في أول الاذان (الله أكبر الله أكبر) (4) وفي هذه

(1) المجموع 3: 88، المغني 1: 457.
(2) مسند الطيالسي: 231 ح 1661، المصنف لعبد الرزاق 1: 492 ح 1892، صحيح البخاري
3: 37، شرح معاني الآثار 1: 138، السنن الكبرى 1: 429.
(3) الكافي 3: 302 ح 3، التهذيب 2: 59 ح 208، الاستبصار 1: 305 ح 1132.
(4) التهذيب 2: 59 ح 209، 210، الاستبصار 1: 305 ح 1133، 1134.
199

الرواية عن الباقر عليه السلام: الإقامة مثله بزيادة (قد قامت الصلاة)، فعلى
هذا الاذان ستة عشر والإقامة ثمانية عشر.
وروى أبو بكر الحضرمي وكليب الأسدي عن الصادق عليه السلام:
تربيع التكبير في أول الاذان - كما هو المشهور - وعد باقي الفصول المشهورة،
وجعل الإقامة مثله (1) فعلى هذه الرواية للإقامة عشرون فصلا.
وحمل الشيخ رواية تثنية التكبير في الاذان على أنه ترك التربيع في الاذان
اعتمادا على فهم السامع ذلك، لان زرارة روى عن الباقر عليه السلام: " تفتتح
الاذان بأربع تكبيرات " (2).
وروى معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام: " الاذان مثنى مثنى،
والإقامة واحدة " (3) فعلى هذه الاذان ستة عشر فصلا والإقامة تسع كلمات.
وروى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام: " الإقامة مرة مرة، الا قوله:
الله أكبر الله أكبر، فإنه مرتان " (4).
وحملهما الشيخ على التقية أو العجلة، لما روى أبو عبيدة عن الباقر عليه
السلام: انه كبر واحدة في الاذان وقال: " لا بأس به إذا كنت مستعجلا ". وروى
صفوان عن الصادق عليه السلام: " الاذان مثنى مثنى، والإقامة مثنى " (5).
وقد حكى الشيخ رواية أربع تكبيرات في آخر الاذان وتربيع التكبير في
أول الإقامة، وروى تربيعه أيضا في آخرها وتثنية التهليل آخرها، قال: وان عمل

(1) الفقيه 1: 188 ح 897، التهذيب 2: 60 ح 211، الاستبصار 1: 306 ح 1135.
(2) التهذيب 2: 61، الاستبصار 1: 307، ورواية زرارة فيهما برقم 213، 1137.
(3) التهذيب 2: 61 ح 214، الاستبصار 1: 307 ح 1138، وفيهما لفظة " واحدة " مكررة.
(4) التهذيب 2: 61 ح 215، الاستبصار 1: 307 ح 1139.
(5) التهذيب 2: 62، الاستبصار 1: 307. والروايتين فيهما برقم 216، 217، 1140،
1141، وفي رواية صفوان: " الإقامة مثنى مثنى ".
200

عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوما (1). والمعتمد المشهور.
نعم، يجوز النقص في السفر. روى بريد بن معاوية عن الباقر عليه
السلام، قال: " الاذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة، الاذان واحدا
واحدا، والإقامة واحدة " (2) ولكن الإقامة التامة وحدها أفضل منها مفردين،
لمرسلة عن الصادق عليه السلام مشهورة (3).
وقال ابن الجنيد: إذا أفرد الإقامة عن الاذان ثنى (لا إله إلا الله) في
آخرها، وان أتى بها معه فواحدة (4).
قال: ولا بأس للمسافر أن يفرد كلمات الإقامة مرة مرة، الا التكبير في
أولها فإنه مرتان.
تنبيه:
معنى (حي): هلم وأقبل، تعدى بعلى وإلى. والفلاح: الفوز والبقاء،
أي: ان الصلاة سبب في الفوز بالثواب، أو سبب البقاء والدوام في الجنة.
الثالثة: أجمعنا على ترك التثويب في الاذان، سواء فسر ب‍: الصلاة خير
من النوم أو بما يقال بين الأذان والإقامة من الحيعلتين مثنى في أذان الصبح
أو غيرها، الا ما قاله ابن الجنيد من أنه لا بأس بالتثويب في أذان الفجر خاصة
وتكرير ذلك، وما يأتي من قول الجعفي. ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه
السلام بالنداء والتثويب في الإقامة (5) محمولة على التقية، وكذا غيرها (6).
واما الترجيع - وهو: تكرير الفصل زيادة على الموظف - فقد روى زرارة

(1) النهاية: 68.
(2) التهذيب 2: 62 ح 219، الاستبصار 1: 308 ح 1143.
(3) التهذيب 2: 62 ح 218، الاستبصار 1: 308 ح 1142.
(4) مختلف الشيعة: 90.
(5) التهذيب 2: 62 ح 221، الاستبصار 1: 308 ح 1145.
(6) التهذيب 2: 63 ح 222، الاستبصار 1: 308 ح 1146.
201

عن الباقر عليه السلام: " وان شئت زدت على التثويب: حي على الفلاح.
مكان: الصلاة خير من النوم " (1).
وروى أبو بصير عن الصادق عليه السلام: " لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة،
وفي حي على الصلاة، وفي حي على الفلاح، المرتين والثلاث وأكثر، إذا كان
إماما يريد جماعة القوم لم يكن به بأس " (2).
وفي المبسوط: الترجيع غير مسنون، وهو: تكرار التكبير والشهادتين في
أول الاذان، فان أراد تنبيه غيره جاز تكرار الشهادتين (3).
قال في المعتبر: ويشهد لقوله رواية أبي بصير (4) وعنى به ما تلوناه عنه.
ومن العامة من سن الترجيع، وهو ان يذكر كلمتي الشهادتين مرتين على
خفض في الصوت، ثم يعود إلى الترتيب ويرفع الصوت (5). ومنهم من قال: لا
يزيد في كلمات الاذان بل يخفض بها مرة، ويجهر بها مرة (6). ومستندهم
ضعيف.
الرابعة: قال الشيخ: واما ما روي في شواذ الاخبار من قول: ان عليا
ولي الله وآل محمد خير البرية، مما لا يعمل عليه في الاذان، ومن عمل به كان
مخطأ (7).
وقال في المبسوط: لو فعل لم يأتم به (8).

(1) التهذيب 2: 63 ح 224، الاستبصار 1: 309 ح 1148.
(2) الكافي 3: 308 ح 34، التهذيب 2: 63 ح 225، الاستبصار 1: 309 ح 1149.
(3) المبسوط 1: 95.
(4) المعتبر 2: 144.
وتقدمت رواية أبي بصير في الهامش 2.
(5) قاله الشافعي ومالك، راجع: المجموع 3: 91، فتح العزيز 3: 165.
(6) قاله الصيدلاني، راجع: فتح العزيز 3: 167.
(7) النهاية: 69.
(8) المبسوط 1: 99، وليس فيه: (لم)، والظاهر أنه سقط من النسخة المطبوعة إذ بدونها لا تنسق
عبارة الشيخ.
202

وقال ابن بابويه: والمفوضة رووا اخبارا وضعوها في الاذان: محمد وآل
محمد خير البرية، واشهد ان عليا ولي الله وانه أمير المؤمنين حقا حقا، ولا شك
ان عليا ولي الله وان آل محمد خير البرية، وليس ذلك من أصل الاذان (1).
قال: وانما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون المدلسون أنفسهم
في جملتنا (2).
الخامسة: يستحب الحكاية للسامع اجماعا لما روى أبو سعيد
الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " إذا سمعتم النداء فقولوا كما
يقول المؤذن " (3).
وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: " كان رسول الله صلى الله
عليه وآله إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول في كل شئ " (4).
وقال الباقر عليه السلام لمحمد بن مسلم: " لا تدعن ذكر الله على كل
حال، لو سمعت المنادي بالاذان وأنت على الخلاء فاذكر الله تعالى، وقل كما
يقول " (5).
وروى ابن بابويه ان حكايته تزيد في الرزق (6).
وليقل الحاكي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أكفي بها
عن كل من أبي وجحد، وأعين بها من أقر وشهد، ليكون له من الاجر عدد

(1) الفقيه 1: 188 ح 897.
(2) الفقيه 1: 188 ح 897.
(3) الموطأ 1: 67، المصنف لعبد الرزاق 1: 478 ح 1842، سنن الدارمي 1: 272، صحيح
البخاري 1: 159، صحيح مسلم 1: 288 ح 383، سنن ابن ماجة 1: 238 ح 720، سنن
أبي داود 1: 144 ح 522.
(4) الكافي 3: 307 ح 29.
(5) الفقيه 1: 187 ح 892.
(6) الفقيه 1: 189 ح 904.
203

الفريقين، روي ذلك عن الصادق عليه السلام (1).
فروع:
الحكاية بجميع ألفاظ الاذان حتى الحيعلات، للخبر (2).
وقال في المبسوط: روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " يقول
إذا قال: حي على الصلاة: لا حول ولا قوة الا بالله " (3).
ولو كان في الصلاة لم يحيعل فتبطل به، ولو قال بدلها في الصلاة: (لا
حول ولا قوة الا بالله) فلا بأس. ولو كان يقرأ القرآن، قطعه وحكى الاذان، وغيره
من الكلام بطريق الأولى.
وظاهر الشيخ انه لا يستحب حكايته في الصلاة وان كانت الحكاية فيها
جائزة، وصرح بذلك في الخلاف (4).
ولو فرغ من الصلاة ولم يحكه، فالظاهر سقوط الحكاية، قال الشيخ:
يؤتى به لا من حيث كونه أذانا بل من حيث كونه ذكرا (5).
وقال الفاضل في مقصد الجمعة من تذكرته: الأقرب انه لا يستحب
حكاية الاذان الثاني يوم الجمعة، وأذن عصر عرفة، وعشاء المزدلفة، وكل أذان
مكروه، وأذان المرأة. اما الاذان المقدم قبل الفجر، فالوجه استحباب حكايته،
وكذا أذان من أخذ عليه أجرا وان حرم دون أذان المجنون والكافر (6).
ويستحب ان يأتي بما نقصه المؤذن، وفي الرواية عن الصادق عليه

(1) المحاسن: 49، الكافي 3: 307 ح 30، الفقيه 1: 187 ح 891، ثواب الأعمال: 52.
(2) إشارة إلى الخبر المتقدم في الهامش رقم 4.
(3) المبسوط 1: 97.
(4) الخلاف 1: 285، المسألة 29.
(5) المبسوط 1: 97.
(6) تذكرة الفقهاء 1: 156.
204

السلام: " إذا نقص المؤذن، وأنت تريد ان تصلي بأذانه، فأتم ما نقص " (1).
وليقل عند سماع الشهادتين: وانا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد
رسولا، وبالأئمة الطاهرين أئمة. اللهم صلى على محمد وآله محمد. اللهم
رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه
المقام المحمود الذي وعدته، وارزقني شفاعته يوم القيامة.
وعن الصادق عليه السلام: " من قال حين يسمع أذان الصبح: اللهم إني
أسألك باقبال نهارك، وادبار ليلك، وحضور صلواتك وأصوات دعاتك، ان
تتوب علي انك التواب الرحيم، وقال مثله حين يسمع أذان المغرب (الا
انه يقول موضع نهارك ليلك وبالعكس) (2) ثم مات من يومه أو ليلته مات
تائبا " (3).
السادسة: يستحب الطهارة فيه اجماعا، لما روي أن النبي صلى الله
عليه وآله قال: " حق وسنة أن لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر " (4).
ويجوز على غير طهر، لقول علي عليه السلام: " لا بأس ان يؤذن وهو
جنب، ولا يقيم حتى يغتسل " (5) وهو يدل على أن شرعية الطهارة في الإقامة

(1) التهذيب 2: 280 ح 1112.
(2) العبارة موجودة في هامش م ومذيلة بكلمة (صح)، وهي ليست في س والمصادر، وكذلك ليست
في المصادر التي شرحت (الفقيه) أو نقلت منه، مثل: روضة المتقين 2: 237، بحار الأنوار
84: 173، وسائل الشيعة 4: 669.
(3) الفقيه 1: 187 ح 890، أمالي الصدوق: 219 فلاح السائل: 227. وفي ثواب الأعمال:
183، عيون أخبار الرضا 1: 253، كشف الغمة 2: 291 عن الإمام الرضا عليه السلام.
(4) السنن الكبرى 1: 397، تلخيص الحبير 3: 190 عن البيهقي والدارقطني في الافراد وأبو
الشيخ في الاذان.
(5) الفقيه 1: 188 ح 896، التهذيب 2: 53 ح 181.
205

آكد، ولقول الصادق عليه السلام: " ولا تقم الا وأنت على وضوء " (1) ومن ثم
جعل المرتضى الطهارة شرطا في الإقامة (2).
ولو أحدث خلال الإقامة استحب له الاستئناف بعد الطهارة، وفي أثناء
الاذان يتطهر ويبني.
ويستحب الاستقبال فيهما اجماعا، تأسيا بمؤذني رسول الله صلى الله
عليه وآله (3)، وفي الإقامة آكد، وأوجبه فيها المرتضى والمفيد (4).
ويكره الالتفات يمينا وشمالا، سواء كان على المنارة أو لا، ولا يلوي
عنقه عند الحيعلتين، ولا يستدبر بجميع بدنه إن كان في المنارة.
ويستحب ان يضع إصبعيه في اذنيه، لان الصادق عليه السلام جعله من
السنة (5).
واستحب سلار ذكر الله تعالى بين الفصول مدحه وتسبيحه (6).
ويستحب ان يكون قائما مع القدرة، لأنه أبلغ لصوته، ولقول النبي
صلى الله عليه وآله: " يا بلال قم فناد بالصلاة " (7) وقال الباقر عليه السلام: " لا
يؤذن جالسا الا راكب أو مريض " (8) وقيامه على مرتفع، لقول الصادق عليه
السلام: " كان حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قامة، فيقول لبلال:

(1) التهذيب 2: 53 ح 179.
(2) جمل العلم والعمل 3: 30.
(3) المغني 1: 472، تلخيص الحبير 3: 179.
(4) المقنعة: 15، جمل العلم والعمل 3: 30.
(5) الفقيه 1: 184 ح 873، التهذيب 2: 284 ح 1135.
(6) المراسم: 69.
(7) صحيح مسلم 1: 285 ح 377، الجامع الصحيح 1: 363 ح 190، سنن النسائي 2: 3،
السنن الكبرى 1: 392.
(8) التهذيب 2: 57 ح 199، الاستبصار 1: 302 ح 1120.
206

اعل فوق الجدار، وارفع صوتك بالاذان " (1).
ويجوز الاذان قاعدا، لرواية محمد بن مسلم (2) والقيام في الإقامة آكد،
للنص عن العبد الصالح (3).
ويجوز الاذان راكبا وماشيا، وتركه أفضل، وفي الإقامة آكد، لرواية أبي بصير
عن الصادق عليه السلام: " لا بأس ان تؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير
وضوء، ولا تقيم وأنت راكب أو جالس، الا من علة أو تكون في أرض
ملصة " (4).
وينبغي للمؤذن راكبا أو ماشيا استقبال القبلة بالتشهد، للنص عن
أحدهما عليهما السلام (5).
ولو أقام ماشيا إلى الصلاة فلا بأس، للنص عن الصادق عليه السلام لما
قال له يونس الشيباني: أأقيم وانا ماش؟ قال: " نعم ". وقال: " إذا أقمت فأقم
مترسلا، فإنك في الصلاة ". فقال له: أفيجوز المشي في الصلاة؟ فقال: " نعم
إذا دخلت من باب المسجد فكبرت وأنت مع إمام عادل، ثم مشيت إلى الصلاة
أجزأك " (6).
وقال ابن بابويه: لا بأس بالاذان قائما وقاعدا، ومستقبلا ومستدبرا،
وذاهبا وجائيا، وعلى غير وضوء. والإقامة على وضوء مستقبلا. وان كان إماما
فلا يؤذن الا قائما (7).

(1) المحاسن: 48، الكافي 3: 307 ح 31، التهذيب 2: 58 ح 206.
(2) التهذيب 2: 56 ح 194، الاستبصار 1: 302 ح 1118.
(3) الكافي 3: 305 ح 16، التهذيب 2: 56 ح 195، الاستبصار 1: 302 ح 1119.
(4) الفقيه 1: 183 ح 868، التهذيب 2: 56 ح 192.
(5) الفقيه 1: 185 ح 878، التهذيب 2: 56 ح 196.
(6) التهذيب 2: 57 ح 198، 282 ح 1125.
(7) المقنع: 28.
207

السابعة: يستحب الوقوف على فصولهما، لقول الصادق عليه السلام:
في رواية خالد بن نجيح: " الأذان والإقامة مجزومان " (1) وفي خبر آخر:
" موقوفا " (2).
ويستحب التأني في الاذان، والحدر في الإقامة، لقول الباقر عليه
السلام: " الاذان جزم بافصاح الألف والهاء، والإقامة حدر " (3).
قلت: الظاهر أنه ألف (الله) الأخيرة غير المكتوبة وهاؤه في آخر
الشهادتين، وعن النبي صلى الله عليه وآله: " لا يؤذن لكم من يدغم الهاء " (4)
وكذا الألف والهاء في الصلاة من (حي على الصلاة).
وقال ابن إدريس: المراد بالهاء هاء (اله) لا هاء (اشهد) ولا هاء (الله)،
لأنهما مبنيتان (5).
ولا ينافي حدر الإقامة قوله: " فأقم مترسلا " لامكان حمله على ترسل لا
يبلغ ترسل الاذان، أو على ترسل لا حركة فيه ولا ميلا عن القبلة، كما في
حديث سليمان بن صالح عن الصادق عليه السلام: " وليتمكن في الإقامة كما
يتمكن في الصلاة " (6).
تنبيه:
الحدر في الإقامة مستحب مع مراعاة الوقوف على الفصول، فيكره
الاعراب فيها - كما يكره في الاذان - للحديث (7).

(1) الفقيه 1: 184 ح 874.
(2) الفقيه 1: 184 ح 874.
(3) التهذيب 2: 58 ح 203.
(4) المغني 1: 479 عن الدارقطني في الافراد.
(5) السرائر: 44.
(6) الكافي 3: 306 ح 21، التهذيب 2: 56 ح 197.
(7) الكافي 3: 306 ح 26، الجامع الصحيح 1: 373 ح 195، المستدرك على الصحيحين 1:
204.
208

ويستحب رفع الصوت بالاذان، لرواية بن وهب عن الصادق عليه
السلام: " ارفع به صوتك، وإذا أقمت فدون ذلك " (1). ولأن الغرض الابلاغ ولا
يتم الا برفع الصوت، وليس عليه ان يجهد نفسه، والمؤذن لنفسه والحاضرين
يكفيه الجهر، وان رفع كان أفضل. ولقول الصادق عليه السلام: " إذا أذنت فلا
تخفين صوتك، فان الله يأجرك على مد صوتك فيه " (2) وعن الباقر عليه
السلام: " لا يجزئك من الأذان والإقامة الا ما أسمعت نفسك وأفهمته (3) " (4).
ويجوز للمريض الاسرار، لقوله عليه السلام: " لابد للمريض ان يؤذن
ويقيم إذا أراد الصلاة، ولو في نفسه ان لم يقدر على أن يتكلم به " (5). وكل من
أسر بهما فلابد من اسماع نفسه.
وينبغي رفع الصوت بالاذان في المنزل، ليولد له، ويزول سقمه، رواه
هشام بن إبراهيم عن الرضا عليه السلام، قال: ففعلت ذلك فاذهب الله عني
سقمي وكثر ولدي. قال محمد بن راشد: وكنت دائم العلة ما انفك منها في
نفسي وجماعة خدمي، فلما سمعت ذلك من هشام عملت به، فاذهب الله عني
وعن عيالي العلل (6).
الثامنة: يكره الكلام في خلالهما، وفي الإقامة آكد، لقول الصادق عليه

(1) الفقيه 1: 185 ح 876.
(2) التهذيب 2: 58 ح 205، وليس فيه " على ".
(3) في المصدر: " أو فهمته ". وضبطها الشيخ البهائي كما في المتن، قال في فصل الأذان والإقامة
من كتابه الحبل المتين: 201: الثاني - عدم الاجتزاء بسماع الهمهمة غير المفهمة ان كان
المؤذن غيره، كما يظهر من قوله عليه السلام: " وأفهمته " وهو مضبوط في الكتب المعتبرة بالبناء
للمفعول، وجعله عطفا تفسيريا لاسماع النفس محتمل أيضا. واما الحمل على فهم معاني
الاذان فبعيد جدا.
(4) الفقيه 1: 184 ح 875.
(5) علل الشرائع: 329، التهذيب 2: 282 ح 1123، الاستبصار 1: 300 ح 1109.
(6) الكافي 3: 308 ح 33، 6: 9 ح 9، الفقيه 1: 189 ح 903، التهذيب 2: 59 ح 207.
209

السلام لأبي هارون المكفوف: " إذا أقمت فلا تتكلم، ولا تومئ بيدك " (1)
والروايات الدالة على جواز الكلام فيهما (2) لا تنافي الكراهية.
وتزيد الكراهية بعد قوله: (قد قامت الصلاة)، وبعد فراغ الإقامة، لقوله
عليه السلام: " إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على أهل
المسجد، الا ان يكونوا قد اجتمعوا من شتى، وليس لهم امام، فلا بأس ان
يقول بعضهم لبعض: تقدم يا فلان " (3).
ويستحب إعادة الإقامة لو تكلم، لقوله عليه السلام: " لا تكلم إذا أقمت
الصلاة، فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة " (4).
وعمل الشيخان والمرتضى بظاهر خبر تحريم الكلام وأفتوا بالتحريم، الا
بما يتعلق بالصلاة من تقديم امام أو تسوية صف (5).
والمفيد والمرتضى حرما الكلام في الإقامة أيضا (6).
فرع:
لو طال الكلام في خلال الاذان أو السكوت أو النوم أو الجنون أو
الاغماء، بحيث لا يذكر ان الثاني مبني على الأول، استأنفه ليحصل ما يسمى
أذانا.
وكذا لو ارتد ثم عاد، وقال الشيخ في المبسوط: يستأنف (7) وأطلق، مع

(1) الكافي 3: 305 ح 20، التهذيب 2: 54 ح 185، الاستبصار 1: 301 ح 1111.
(2) راجع: التهذيب 2: 54 ح 186، 55 ح 188، 189، الاستبصار 1: 301 ح 1110،
1111، 1115.
(3) التهذيب 2: 55 ح 189، الاستبصار 1: 301 ح 1116.
(4) التهذيب 2: 55 ح 191، الاستبصار 1: 301 ح 1112.
(5) المقنعة: 15، النهاية: 66، مختلف الشيعة: 90.
(6) المقنعة: 15، مختلف الشيعة: 88.
(7) المبسوط 1: 96.
210

قوله: انه لو أتم الاذان ثم ارتد اعتد به، وانه وقع صحيحا أولا فلا يبطل الا
بدليل (1) قال في المعتبر: ما ذكره من الحجة يلزم في الموضعين (2).
وأطلق أيضا البناء مع الاغماء إذا أفاق، وجعل استئنافه أفضل (3).
التاسعة: يكره ان يكون المؤذن لحانا، حذرا من إحالة المعنى - كما لو
نصب رسول الله - ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: " يؤمكم أقرؤكم،
ويؤذن لكم أفصحكم " (4).
وفي حديث آخر: " ويؤذن لكم خياركم " (5).
ولو كان فيه لثغة فلا بأس، لما روي أن بلالا كان يبدل الشين سينا (6).
العاشرة: يستحب الفصل بينهما بركعتين في الظهر والعصر محسوبتين
من سنتيهما، لما روي عن الصادق والكاظم عليهما السلام: " يؤذن للظهر عند
ست ركعات، ويؤذن للعصر على ست ركعات " (7).
ويجوز بجلسة، وفي المغرب بنفس، لقول الصادق عليه السلام: " بين
كل أذانين قعدة الا المغرب فان بينهما نفسا " (8).
وروي استحباب الجلسة في المغرب عن الصادق عليه السلام: " وانه

(1) المبسوط 1: 96.
(2) المعتبر 2: 134.
(3) المبسوط 1: 96.
(4) الفقيه 1: 185 ح 880.
(5) الفقيه 1: 185 ح 880، سنن ابن ماجة 1: 240 ح 726، سنن أبي داود 1: 161 ح 590،
مسند أبي يعلى 4: 231 ح 2343، السنن الكبرى 1: 426.
(6) المغني 1: 479، الشرح الكبير 1: 450.
(7) التهذيب 2: 286 ح 1144 وفيه: أو أبي الحسن عليه السلام، وفي الموضعين " على " بدل
" عند ".
(8) التهذيب 2: 64 ح 229، الاستبصار 1: 309 ح 1150.
211

كالمتشحط بدمه في سبيل الله " (1).
وعنه عليه السلام: " افصل بين الأذان والإقامة بقعود، أو كلام، أو
تسبيح، وقال: يجزئه الحمد لله " (2).
وعنه عليه السلام: " لابد من قعود بين الأذان والإقامة " (3).
وفي مضمر الجعفري: " أفرق بينهما بجلوس أو ركعتين " (4).
وذكر الأصحاب الفصل بسجدة، أو خطوة، أو سكتة (5).
وعن الصادق عليه السلام: انه أذن وأقام ولم يفصل بينهما بجلوس (6)
ولعله فصل بينهما بسكوت، أو خطوة، أو تسبيحة.
وقد روى العامة عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه قال لبلال:
" اجعل بين أذانك وإقامتك بقدر ما يفرغ الاكل من أكله، والشارب من شربه،
والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجة " (7) يراد به المتخلي.
وعن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله: " جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة
سنة " (8).
ويستحب ان يقول في جلوسه ما روى عنهم عليهم السلام: " اللهم
اجعل قلبي بارا، وعيشي قارا، ورزقي دارا، واجعل لي عند قبر رسول الله

(1) المحاسن: 50، التهذيب 2: 64 ح 231، الاستبصار 1: 309 ح 1151.
(2) الفقيه 1: 185 ح 877، وصدره في التهذيب 2: 49 ح 162.
(3) التهذيب 2: 64 ح 226.
(4) التهذيب 2: 64 ح 227.
(5) راجع: المقنعة: 15، المبسوط 1: 96، المعتبر 2: 142.
(6) التهذيب 2: 285 ح 1138.
(7) الجامع الصحيح 1: 373 ح 195، المستدرك على الصحيحين 1: 204، السنن الكبرى 1:
428.
(8) المغني 1: 458، الشرح الكبير 1: 444 عن أبي تمام في فوائده.
212

صلى الله عليه وآله قرارا ومستقرا " (1) ويستحب قوله ساجدا (2).
وعن النبي صلى الله عليه وآله: " الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد " (3).
الحادية عشرة: يستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله عند ذكره
للمؤذن والسامع، في الاذان وغيره، لعموم قوله تعالى: (صلوا عليه) (4)
صلى الله عليه وآله، ولقول الباقر عليه السلام: " وافصح بالألف والهاء، وصل
على النبي صلى الله عليه وآله كلما ذكرته، أو ذكره ذاكر عندك، في أذان أو
غيره " (5).
وقال ابن بابويه: قال الصادق عليه السلام: " كان اسم النبي صلى الله
عليه وآله يكرر في الاذان، وأول من حذفه ابن أروى " (6).
الثانية عشرة: ذكر الفضل بن شاذان في العلل عن الرضا عليه السلام
أنه قال: " انما امر الناس بالاذان تذكيرا للناسي، وتنبيها للغافل، وتعريفا لجاهل
الوقت، وليكون المؤذن داعيا إلى عبادة الخالق (7) بالتوحيد، مجاهرا بالايمان،
معلنا بالاسلام. وانما بدئ فيه بالتكبير وختم بالتهليل لان الله تعالى أراد ان
يكون الابتداء بذكره والانتهاء بذكره، وانما ثني ليتكرر في آذان المستمعين،
فان سها عن الأول لم يسه عن الثاني، ولأن الصلاة ركعتان.
وجعل التكبير في أول الاذان أربعا لان أول الاذان يبدو في غفلة، وجعل

(1) الكافي 3: 308 ح 32، التهذيب 2: 64 ح 230.
(2) مصباح المتهجد: 28.
(3) المصنف لعبد الرزاق 1: 495 ح 1909، مسند أحمد 3: 155، سنن أبي داود 1: 144
ح 521، الجامع الصحيح 1: 415 ح 212.
(4) سورة الأحزاب: 56.
(5) الكافي 3: 303 ح 7، الفقيه 1: 184 ح 875.
(6) الفقيه 1: 195 ح 913.
(7) في المصادر الثلاث زيادة: " ومرغبا فيها، ومقرا له ".
213

بعد التكبير التشهد لان أول الايمان هو الاقرار بالوحدانية، والثاني الاقرار
بالرسالة لرسول الله صلى الله عليه وآله، وان طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان،
وجعل شهادتين كما جعل في سائر (الكتب) (1) شهادتين.
وجعل بعدهما الدعاء إلى الصلاة لان الاذان انما هو نداء للصلاة،
فجعل وسط الاذان الدعاء إليها والى الفلاح والى خير العمل، وختم الكلام
باسمه كما فتح باسمه " (2).
الثالثة عشرة: ثبت من طريق الأصحاب (حي على خير العمل) في عهد
النبي صلى الله عليه وآله، وان بلالا لما قال: لا أؤذن لاحد بعد رسول الله
صلى الله عليه وآله، لما تركت: (حي على خير العمل) (3) وان الثاني أمر بتركها
لئلا يتخاذل الناس عن الجهاد (4) وكان ابن النباح مؤذن علي عليه السلام يقولها،
فإذا رآه علي عليه السلام: " مرحبا بالقائلين عدلا، وبالصلاة مرحبا وأهلا " (5).
وقال ابن الجنيد: روي عن سهل بن حنيف، وعبد الله بن عمر، والباقر
والصادق عليهما السلام: انهم كانوا يؤذنون ب‍ (حي على خير العمل)، وفي
حديث ابن عمر انه سمع أبا مجذورة ينادي: ب‍ (حي على خير العمل) في أذانه
عند رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلى شاهدنا آل الرسول. وعليه العمل
بطبرستان، واليمن، والكوفة ونواحيها، وبعض بغداد (6).

(1) في المصادر الثلاث: " الحقوق ".
(2) الفقيه 1: 195 ح 915، علل الشرائع: 258، عيون أخبار الرضا 2: 105.
(3) الفقيه 1: 184 ح 872.
(4) دعائم الاسلام 1: 142، علل الشرائع: 368.
(5) الفقيه 1: 187 ح 890.
ما روي عن سهل في:
وعن ابن عمر في: المصنف لعبد الرزاق 1: 464 ح 1797، المنصف لابن أبي شيبة 1:
215، السنن الكبرى 1: 424.
وعن الباقر والصادق عليهما السلام في: التهذيب 2: 60 ح 210، 211، الاستبصار 1:
305 ح 1134، 1136.
214

وقال ابن أبي عبيد: إنما أسقط (حي على خير العمل) من نهي عن
المتعتين وعن بيع أمهات الأولاد، خشية ان يتكل الناس بزعمه على الصلاة
ويدعوا الجهاد. قال: وقد روي أنه نهي عن ذلك كله في مقام واحد (1).
وثبت أيضا ان رسول الله صلى الله عليه وآله اذن وكان يقول: " اشهد اني
رسول الله "، وتارة يقول: " اشهد ان محمدا رسول الله "، وأنكر العامة أذانه
عليه السلام.
نعم، كان اشتغاله بالإمامة الدائمة تمنعه من ذلك، فإنها أفضل من
الاذان، لقوله عليه السلام: " الأئمة ضمناء، والمؤذنون أمناء " (2) فبدأ بالأئمة،
والضامن أكثر عملا من الأمين فيكون أكثر ثوابا، ولأن النبي صلى الله عليه وآله
لم يكن ليترك الأفضل إلى غيره. وقوله صلى الله عليه وآله: " فأرشد الله الأئمة،
وغفر للمؤذنين " (3) لا يدل على أفضلية الاذان، لان دعاء النبي صلى الله عليه
وآله لهم مستجاب، ومن أرشد فهو مستحق للمغفرة، فقد جمع له بين الامرين.
واما الإقامة، فقال الشيخ: هي أفضل من الاذان (4) لقربها من الصلاة
ولقول الصادق عليه السلام: " إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة " (5) ولشدة
تأكيدها باعتبار الطهارة والقيام وشدة كراهة الكلام.

(1) انظر: البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار 2: 192 وشرح الأزهار 1: 223،
وانظر شرح العضدي على المختصر الأصولي لابن الحاجب بحاشية السعد التفتازاني 2:
41 - 42.
(2) ترتيب مسند الشافعي 1: 58 ح 174، المصنف لعبد الرزاق 1: 477 ح 1839، السنن
الكبرى 1: 430.
(3) ترتيب مسند الشافعي 1: 58 ح 174، المصنف لعبد الرزاق 1: 477 ح 1839، السنن
الكبرى 1: 430.
(4) حكاه عنه العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 104.
(5) الكافي 3: 306 ح 21، التهذيب 2: 56 ح 197.
215

الرابعة عشرة: الترتيب شرط في صحة الأذان والإقامة، بينهما وبين
كلماتهما، تأسيا بمؤذني رسول الله صلى الله عليه وآله، وبما علمه جبرئيل عليه
السلام (1) ولقول الصادق عليه السلام: " من سها في الاذان فقدم أو أخر، أعاد
على الأول الذي أخره حتى يمضى إلى آخره " (2).
فعلى هذا لو أخل بالترتيب لم تحصل له فضيلة الاذان، ولم يعتد به في
الجماعة، ولم يكتف به أهل البلد. وان تعمد ذلك معتقدا انه أذان أثم
باعتقاده، وان أسمع غيره أمكن إثمه بفعله أيضا، لجواز اعتقاد بعض الجهال
تصويبه.
وقد أطلق عليه بعض الأصحاب الوجوب بهذا المعنى (3) وهذا هو
الوجوب غير المستقر.

(1) التهذيب 2: 60 ح 210، الاستبصار 1: 305 ح 1134.
(2) التهذيب 2: 280 ح 1115.
(3) راجع الوسيلة: 90، الغنية: 494.
216

الفصل الثاني: في المؤذن.
وفيه مسائل.
الأولى: أجمع العلماء على اشتراط عقله، لرفع القلم عن المجنون فلا
حكم لعبارته، ولأن المؤذن أمين ولا يتصور فيه الأمانة.
وفي حكمه الصبي غير المميز، اما المميز فيعتد بأذانه اجماعا منا.
ورى العامة: ان بعض ولد أنس كان يؤذن لعمومته ويصلون جماعة، وانس
شاهد لا ينكره (1) وروينا عن علي عليه السلام: " لا بأس ان يؤذن الغلام قبل
ان يحتلم " (2).
وقول النبي صلى الله عليه وآله: " يؤذن لكم خياركم " (3) حث على صفة
الكمال، إذ الاجماع واقع على جواز أذان غير الخيار. نعم، بلوغ المؤذن
أفضل، لهذا الخبر ولأنه يقلده أولو العذر، ولأن مؤذني النبي صلى الله عليه وآله
كانوا بالغين.
وفي حكم المجنون السكران الذي لا تحصيل له، لعدم انتظام كلامه
غالبا، وعدم قصده.
الثانية: يشترط فيه الاسلام اجماعا، لهذا الحديث، ولقوله صلى الله
عليه وآله: " المؤذنون امناء " (4) وقوله صلى الله عليه وآله: " اللهم اغفر
للمؤذنين " (5) وقول الصادق عليه السلام: " لا يجوز ان يؤذن الا رجل مسلم

(1) المغني 1: 459، الشرح الكبير 1: 448، عن ابن المنذر.
(2) الفقيه 1: 188 ح 896، التهذيب 2: 53 ح 181.
(3) تقدم في ص 211 الهامش 5.
(4) تقدم في ص 215 الهامش 4.
(5) تقدم في ص 215 الهامش 5.
217

عارف (1) ولأنه داع إلى الصلاة وليس من أهلها، ولأنه لا يعتقد مضمون
الكلمات ولا الصلاة التي دعا إليها فهو كالمستهزئ.
فان قلت: التلفظ بالشهادتين إسلام فلا يتصور أذان الكافر.
قلت: قد يتلفظ بهما غير عارف بمعناهما - كالأعجمي، أو مستهزئا، أو
حاكيا أو غافلا، أو متأولا عدم عموم النبوة كالعيسوية من اليهود - فلا يوجب
تلفظه بهما الحكم بالاسلام. ولئن خلا عن العارض وحكم باسلامه، لم يعتد
بأذانه، لوقوع أوله في الكفر.
الثالثة: لا تشترط الحرية، فيجوز أذان العبد اجماعا، لعموم الألفاظ
الدالة على شرعية الاذان بالنسبة إلى المكلفين، ولأنه تصح إمامته - على ما
يأتي إن شاء الله - فالاذان أولى.
الرابعة: الاذان مشروع للنساء، فيعتد بأذان المرأة لهن عند علمائنا.
وروى العامة عن عائشة انها كانت تؤذن وتقيم (2) وان النبي صلى الله عليه وآله
اذن لام ورقة ان تؤذن وتقيم وتؤم نساءها (3) ولقول الصادق عليه السلام في المرأة
تؤذن: " حسن ان فعلت " (4). نعم، لا يتأكد في حقهن، لما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله: " ليس على النساء أذان، ولا إقامة " (5) ومثله عن الصادق
عليه السلام، رواه جميل بن دراج (6).

(1) الكافي 3: 304 ح 13، التهذيب 2: 277 ح 1101.
(2) المصنف لعبد الرزاق 3: 126 ح 5015، 5016، المصنف لابن أبي شيبة 1: 223،
المستدرك على الصحيحين 1: 203، السنن الكبرى 1: 408، 3: 131.
(3) راجع: السنن الكبرى 1: 406، كنز العمال 8: 306.
(4) التهذيب 2: 58 ح 202.
(5) الخصال: 511، السنن الكبرى 1: 408، كنز العمال 7: 697 ح 20981 عن أبي الشيخ
في الاذان.
(6) الكافي 3: 305 ح 18، التهذيب 2: 57 ح 200.
218

وتجزئها الشهادتان، لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام: " إذا شهدت
الشهادتين فحسبها " (1) وروى عبد الله عن الصادق عليه السلام: " يجزئها ان
تكبر وتشهد الشهادتين " (2).
ولو أذنت للمحارم، فكالأذان للنساء في الاعتداد. اما للأجانب، فظاهر
المبسوط الاعتداد به، لأنه لا مانع منه، مع أنه نهي ان يرفعن أصواتهن بحيث
يسمعن الرجال (3). فان أراد به مع الاسرار، فبعيد الاجتزاء بما لم يسمع، لان
المقصود بالاذان الابلاغ، وعليه دل قوله صلى الله عليه وآله: " ألقه على بلال،
فإنه أندى منك صوتا " (4). وان أراد مع الجهر فأبعد، للنهي عن سماع صوت
الأجنبية، الا ان يقال: ما كان من قبيل الأذكار وتلاوة القرآن مستثنى، كما
استثني الاستفتاء من الرجال، وتعلمهن منهم، والمحاورات الضرورية.
وفي حكم المرأة الخنثى، فتؤذن للمحارم من الرجال والنساء، ولأجانب
النساء لا لأجانب الرجال.
ولعل الشيخ يجعل سماع الرجل صوت المرأة في الاذان كسماعها صوته
فيه، فان صوت كل منهما بالنسبة إلى الاخر عورة.
الخامسة: يعتد بأذان الفاسق - خلافا لابن الجنيد (5) - لاطلاق الألفاظ
في شرعية الاذان والحث عليه، ولأنه يصح منه الاذان لنفسه فيصح لغيره.
نعم، العدل أفضل، لقوله صلى الله عليه وآله: " يؤذن لكم خياركم " (6) ولأن

(1) التهذيب 2: 58 ح 201.
(2) التهذيب 2: 58 ح 202.
(3) المبسوط 1: 96.
(4) مسند أحمد 4: 43، سنن الدارمي 1: 269، سنن ابن ماجة 1: 232 ح 706، سنن أبي
داود 1: 135 ح 499، شرح معاني الآثار 1: 142، سنن الدارقطني 1: 241.
(5) مختلف الشيعة: 90.
(6) تقدم في ص 211 الهامش 5.
219

ذوي الأعذار يقلدونه، ولقوله صلى الله عليه وآله: " المؤذنون امناء " (1).
فروع:
لو أراد الامام أو الحاكم نصب مؤذن يرزق من بيت المال، فالأقرب
اعتبار عدالته، لان كمال المصلحة يتوقف عليه. وكذا لو تشاح العدل والفاسق
قدم العدل.
ولو تشاح العدول أو الفاسقون قدم الأعلم بالأوقات، لامن الغلط معه
ولتقليد أرباب الاعذار له، ومنه يعلم تقديم المبصر على المكفوف، ثم الأشد
محافظة على الاذان في الوقت، ثم الأندى صوتا، ثم من ترتضيه الجماعة
والجيران. ومع التساوي فالقرعة، لقول النبي صلى الله عليه وآله: " لو يعلم
الناس ما في الاذان والصف الأول، ثم لم يجدوا الا ان يستهموا عليه،
لفعلوا " (2) ولقولهم عليهم السلام: " كل أمر مجهول فيه القرعة " (3).
ولا يترجح في الاذان نسل أبي محذورة - بحاء مهملة وذال معجمة -
وسعد القرظ - بفتح القاف والراء والظاء المعجمة - ولا نسل الصحابة بعد
نسلهما (4) لاطلاق الأوامر بالاذان، البعث عليه والتقييد خلاف الأصل. قال
في المعتبر: وهو مذهب علمائنا (5).
السادسة: يستحب ان يكون مبصرا، لمكان المعرفة بالأوقات. لو أذن
الأعمى جاز واعتد به، كما كان ابن أم مكتوم رضي الله عنه (6) وكرهه بغير مسدد

(1) تقدم في ص 215 الهامش 4، 5.
(2) الموطأ 1: 68، المصنف لعبد الرزاق 1: 524 ح 2007، مسند أحمد 2: 533، صحيح
البخاري 1: 59، صحيح مسلم 1: 325 ح 437، سنن النسائي 2: 23.
(3) الفقيه 3: 52 ح 174، التهذيب 6: 240 ح 593، ونصه: " كل مجهول ففيه القرعة ".
(4) قاله الشافعي، راجع: المجموع 3: 102.
(5) المعتبر 2: 133.
(6) صحيح مسلم 1: 287 ح 381، سنن أبي داود 1: 147 ح 535، السنن الكبرى 1: 427.
220

الشيخ وابن إدريس (1) وينبغي أن يتقدمه بصير.
وأن يكون المؤذن عالما بالأوقات ليأمن الغلط، ولو أذن الجاهل في وقته
صح واعتد به.
وأن يكون صيتا، ليعم النفع به، ولقول النبي صلى الله عليه وآله لعبد الله
ابن زيد: " ألقه على بلال، فإنه أندى منك صوتا " (2) أي: أرفع.
وأن يكون حسن الصوت، لتقبل القلوب على سماعه.
السابعة: يجوز تعدد المؤذن وان زاد على اثنين.
وقال الشيخ أبو علي - في شرح نهاية والده -: الزائد على الاثنين بدعة
باجماع أصحابنا.
وقال والده في الخلاف: لا ينبغي الزيادة على اثنين، واستدل باجماع
الفرقة على ما رووه من أن الاذان الثالث بدعة (3).
وفي المبسوط يجوز ان يكون المؤذن اثنين اثنين إذا أذنوا في موضع
واحد فإنه أذان واحد، فاما إذا أذن واحد بعد الاخر فليس ذلك بمسنون ولا
مستحب. ولا بأس ان يؤذن جماعة كل واحد منهم في زاوية من المسجد، لأنه
لا مانع منه (4).
وفسر كلامه: إذا أذن واحد بعد الاخر، بان يبني أحدهما على فصول
الاخر (5) وهو التراسل.
وقيل: بل يكره أذان الثاني بعد الأول إذا كان الوقت ضيقا، اما حقيقة

(1) المبسوط 1: 97، السرائر: 43.
(2) تقدم في ص 219 الهامش 4.
(3) الخلاف 1: 290 المسألة 35.
(4) المبسوط 1: 98.
(5) فسره بذلك المحقق في المعتبر 2: 133، والعلامة في منتهى المطلب 1: 259.
221

واما حكما باجتماع الامام والمأمومين، اما مع الاتساع فلا كراهة فيه (1).
وهل يستحب ترتيب مؤذنين للمسجد؟ الأقرب نعم، تأسيا بالنبي
صلى الله عليه وآله في بلال وابن أم مكتوم (2) ومن أظهر فوائده أذان أحدهما قبل
الصبح والاخر بعده.
الثامنة: يجوز ان يتولى الأذان والإقامة واحد، وان يؤذن واحد ويقيم
غيره.
وهل يستحب اتحاد المؤذن والمقيم؟ لم يثبت عندنا ذلك، وكذا لم يثبت
استحباب اختصاص المؤذن الأول بالإقامة. وقد روى العامة: ان رجلا من بني
صداء أذن في غيبة بلال، فلما جاء بلال هم بالإقامة، فقال النبي صلى الله
عليه وآله: " ان أخا صداء قد أذن، ومن أذن فليقم " (3).
فرع:
لا ينبغي أن يسبق المؤذن الراتب في المسجد بالاذان، فلو سبقه سابق
اعتد به.
وهل تبقى وظيفة الإقامة للراتب؟ أوجه: عدمها، لقضية بلال. وثبوتها
مطلقا، لأن الظاهر أن الصدائي أذن بإذن رسول الله صلى الله عليه وآله فصار
كالراتب. والتفصيل بالتفريط من الراتب فتزول وظيفة الإقامة منه، وعدمه

(1) قال العاملي في مفتاح الكرامة 2: 278 بعد ايراد العبارة عن المصنف: فإن كان
هذا الكلام
كله من كلام القائل، يكون الشهيد هنا متأملا في الحكمين معا، أو في الأخير فقط. وان كان
الأخير ليس من كلام القيل كان متأملا في الحكم الأول فقط.
(2) الكافي 4: 98 ح 1، 3، الفقيه 1: 193 ح 95، وراجع السنن الكبرى 1: 429، سنن
الترمذي 1: 392، 203.
(3) المصنف لعبد الرزاق 1: 475 ح 1833، مسند أحمد 4: 169، سنن ابن ماجة 1: 237
ح 717، سنن أبي داود 1: 142 ح 514، شرح معاني الآثار 1: 142، السنن الكبرى 1:
381.
222

فتبقى.
التاسعة: الظاهر أن الإقامة منوطة بإذن الامام صريحا، أو بشاهد الحال
كحضوره عند كما الصفوف. وروى العامة عن علي عليه السلام: " المؤذن
أملك بالاذان، والامام أملك بالإقامة " (1).
العاشرة: إذا وجد من يتطوع بالاذان، لم يجز تقديم غيره واعطاؤه من
بيت المال، لحصول الغرض بالمتطوع.
ولو لم يوجد متطوع جاز رزقه من بيت المال، قال الشيخ من سهم
المصالح، ولا يكون من الصدقات، ولا الأخماس، لان لذلك أقواما
مخصوصين، ويجوز ان يعطيه الامام من ماله (2).
ولا يكون ذلك اجرة، لتحريم الأجرة عليه عند أكثر الأصحاب (3) لما
روينا عن علي عليه السلام أنه قال: " آخر ما فارقت حبيبي أنه قال: يا علي إذا
صليت فصل صلاة أضعف من خلفك، ولإن تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه
أجرا " (4).
وقال المرتضى في المصباح: تكره الأجرة (5) تسوية بينها وبين الرزق،
وهو متجه، ويحمل الحديث عليه.
فرع: لو احتج إلى الزيادة على واحد ولم يوجد متطوع، جاز ان يرزق الزائد،
تحصيلا للمصلحة. وكذا لو كان غير المتطوع أكمل بأحد المرجحات جاز
رزقه.

(1) المصنف لعبد الرزاق 1: 476 ح 1836، المصنف لابن أبي شيبة 1: 414، السنن الكبرى
2: 19.
(2) المبسوط 1: 98.
(3) راجع: الخلاف 1: 290. المسألة 36، السرائر: 44، مختلف الشيعة: 90.
(4) الفقيه 1: 184 ح 870، التهذيب 2: 283 ح 1129.
(5) مختلف الشيعة: 90.
223

الفصل الثالث: فيما يؤذن له، واحكام الاذان.
وفيه مسائل.
الأولى: لا يجب الاذان عينا ولا كفاية على أهل المصر، ولا في مساجد
الجماعة، للأصل، ولعدم علم ذلك من الشرع مع عموم البلوي به، ولقول
الباقر عليه السلام: " انما الاذان سنة " (1).
واختلف الأصحاب في وجوبه في مواضع:
أحدهما: للصبح والمغرب، فأوجبه ابن أبي عقيل فيهما، وأوجب الإقامة
في جميع الخمس (2) لرواية سماعة عن الصادق عليه السلام: " لا تصل الغداة
والمغرب الا بأذان وإقامة، ورخص في سائر الصلوات بإقامة، والاذان
أفضل " (3).
الثاني: أوجبهما المرتضى - في الجمل - على الرجال دون النساء في
كل صلاة جماعة في سفر أو حضر، وأوجبهما عليهم في سفر وحضر في الصبح
والمغرب وصلاة الجمعة، وأوجب الإقامة خاصة على الرجال في كل
فريضة (4).
وقال ابن الجنيد: يجبان على الرجال جماعة وفرادى، سفرا وحضرا، في
الصبح والمغرب والجمعة، وتجب الإقامة في باقي المكتوبات (5).

(1) التهذيب 2: 285 ح 1139، الاستبصار 1: 304 ح 1130.
(2) مختلف الشيعة: 87.
(3) التهذيب 2: 51 ح 167، الاستبصار 1: 299 ح 1106.
(4) جمل العلم والعمل 3: 29، وليست فيه الفقرة الأخيرة: و (أوجب الإقامة) الخ، وانما هي في
النسخة التي اعتمدها القاضي ابن البراج في شرح جمل العلم والعمل: 78، وقد حكاها
العلامة في مختلف الشيعة: 87.
(5) مختلف الشيعة: 87.
224

قال: وعلى النساء التكبير والشهادتان فقط (1).
وقد روى أبو بصير عن أحدهما عليهما السلام: " ان صليت الجماعة لم
يجز الا أذان وإقامة، وان كنت وحدك تبادر أمرا تخاف ان يفوتك تجزئك إقامة،
الا في الفجر والمغرب فإنه ينبغي ان تؤذن فيهما وتقيم، من اجل انه لا يقصر
فيهما " (2).
الثالث: أوجبهما الشيخان، وابن البراج، وابن حمزة في صلاة
الجماعة (3).
قال في المبسوط: ومتى صلى جماعة بغير أذان وإقامة لم يحصل فضيلة
الجماعة، والصلاة ماضية (4).
وقال أبو الصلاح: هما شرط في الجماعة (5)، لرواية أبي بصير هذه.
لنا: الأصل، وقول الباقر عليه السلام: " انما الاذان سنة " (6) وهو صحيح
السند. وخبر أبي بصير في طريقه علي بن أبي حمزة وهو واقفي، مع امكان
حمله على الندب.
وروى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام في الإقامة وحدها في
المغرب، فقال: " لا بأس " (7).
وروى عبيد الله الحلبي عنه عليه السلام في الاجتزاء بالإقامة سفرا بغير

(1) مختلف الشيعة: 87.
(2) الكافي 3: 303 ح 9، التهذيب 2: 50 ح 163، الاستبصار 1: 299 ح 1105.
(3) المقنعة: 15، النهاية: 64، المهذب 1: 88، الوسيلة: 91.
(4) المبسوط 1: 95.
(5) الكافي في الفقه: 143، وقال أيضا في الصفحة 120 " والمسنون... الأذان والإقامة
للمنفرد ".
(6) التهذيب 2: 285 ح 1139، الاستبصار 1: 304 ح 1130.
(7) التهذيب 2: 51 ح 169، الاستبصار 1: 300 ح 1108.
225

أذان، فقال: " نعم " (1).
وروى زرارة عنه عليه السلام في ناسي الأذان والإقامة حتى يكبر، قال:
" يمضى ولا يعيد " (2).
إذا ظهر ذلك علم أن الجماعة يتأكد الاذان فيها على الانفراد، والصبح
والمغرب آكد من باقي الفرائض، والجهرية آكد من الاخفاتية، والإقامة آكد من
الاذان.
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام: " أدنى ما يجزئ من الاذان: ان
تفتتح الليل بأذان وإقامة، وتفتتح النهار بأذان وإقامة، ويجزئك في سائر الصلوات
إقامة بغير أذان " (3).
الثانية: يسقط الأذان والإقامة في غير الخمس والجمعة باجماع العلماء،
بل يقول المؤذن: الصلاة، ثلاثا، بنصب الصلاة ورفعها.
وقال ابن بابويه: اذان العيدين طلوع الشمس (4).
ويسقطان عند ضيق الوقت، بحيث يلزم من فعلهما خروج وقت الصلاة
أو بعضها، لان الندب لا يعارض الفرض.
وعن الجماعة الثانية إذا لم تتفرق الأولى، لما رواه أبو بصير عن الصادق
عليه السلام في الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم، أيؤذن ويقيم؟ قال:
" ان كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم، وان كان قد تفرق
الصف أذن وأقام " (5).
وعن علي عليه السلام أنه قال لرجلين دخلا المسجد وقد صلى الناس:

(1) التهذيب 2: 51 ح 171.
(2) التهذيب 2: 279 ح 1106، الاستبصار 1: 302 ح 1121.
(3) الفقيه 1: 186 ح 885.
(4) الفقيه 1: 324.
(5) التهذيب 2: 281 ح 1120.
226

" ان شئتما فليؤم أحدكما صاحبه، ولا يؤذن ولا يقيم " (1). وهذا وان لم يذكر فيه
التفرق الا انه يحمل على المقيد به.
وعن الصادق عليه السلام إذ قال له أبو علي: صلينا الفجر، فانصرف
بعضنا وجلس بعض في التسبيح، فدخل علينا رجل المسجد فأذن فمنعناه،
فقال الصادق عليه السلام: " أحسنت، ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع ".
فقلت: فان دخلوا وأرادوا ان يصلوا فيه جماعة؟ قال: " يقومون في ناحية
المسجد ولا يبدر بهم إمام " (2) وهذه تدل على كراهة الاذان للمنفرد أيضا
- خلافا لابن حمزة (3) - وعلى ان تفرق البعض غير كاف في زوال المنع.
وفي المبسوط: إذا أذن في مسجد دفعة لصلاة بعينها، كان ذلك كافيا
لمن يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد، ويجوز له ان يؤذن فيما بينه وبين
نفسه، وان لم يفعل فلا شئ عليه (4) وكلامه مؤذن باستحباب الاذان سرا، وان
الكراهية عامة، لقوله: لكل من يصلي تلك الصلاة، وهو يشمل التفرق وغيره.
فرع:
الأقرب انه لا فرق بين المسجد وغيره، وذكره في الرواية بناء على الأغلب.
الثالثة: من صلى خلف من لا يقتدي به أذن لنفسه وأقام، لرواية محمد

(1) التهذيب 2: 281 ح 1119.
(2) التهذيب 3: 55 ح 190.
وفي الفقيه 1: 266 ح 1215: " ولا يبدو لهم امام " راجع في ذلك الحدائق الناضرة 7:
387.
(3) قال العاملي في مفتاح الكرامة 2: 266 بعد أن حكى ما في الذكرى عن ابن حمزة: ولم أجد
في الوسيلة سوى قوله: يكره الاجتماع مرتين في صلاة ومسجد واحد. راجع الوسيلة: 106.
(4) المبسوط 1: 98.
227

ابن عذافر عن الصادق عليه السلام: " أذن خلف من قرأت خلفه " (1) في اخبار
كثيرة (2) يعلم منها انه لا يعتد بأذان المخالف، اما لنقصه من فصوله غالبا، واما
لغير ذلك.
وقد روى عمار عنه عليه السلام أنه قال: " لا يستقيم الاذان، ولا يجوز
أن يؤذن به، الا رجل مسلم عارف. فان علم الاذان فأذن به ولم يكن عارفا، لم
يجز أذانه، ولا إقامته، ولا يقتدي به " (3).
ولو خشي الداخل معهم فوت الصلاة بالاشتغال بهما، اجتزأ بقوله: (قد
قامت الصلاة) إلى آخر الإقامة، لرواية معاذ بن كثير عنه عليه السلام (4).
قال الشيخ في المبسوط: وروي انه يقول: (حي على خير العمل) مرتين،
لأنه لم يقل ذلك (5).
وقد روى ابن سنان عن الصادق عليه السلام: " إذا أذن مؤذن فنقص
الاذان، وأنت تريد ان تصلي بأذانه، فأتم ما نقص هو من أذانه " (6). وهذا كما
يدل على التعميل يدل على التهليل أيضا، وكذا ما نقصه سهوا.
الرابعة: يجوز للامام والمصلين خلفه الاجتزاء بأذان مؤذن المسجد، أو
المؤذن في المصر إذا سمعوه، إذ كان النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده
يفعلون ذلك، ولرواية عمرو بن خالد عن الباقر عليه السلام، قال: كنا معه
فسمع إقامة جار له بالصلاة، فقال: " قوموا "، فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا

(1) الفقيه 1: 251 ح 1130، التهذيب 3: 56 ح 192.
(2) راجع: الكافي 3: 306 ح 22، التهذيب 2: 281 ح 1116.
(3) الكافي 3: 304 ح 13، التهذيب 2: 277 ح 1101.
(4) الكافي 3: 306 ح 22، التهذيب 2: 281 ح 1116.
(5) المبسوط 1: 99.
(6) التهذيب 2: 280 ح 1112.
228

إقامة، قال: " يجزئكم أذان جاركم " (1).
والطريق وان كان رجاله زيدية الا انه معتضد بعمل السلف، وبرواية أبي
مريم الأنصاري، قال: صلى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا ازار ولا
رداء، ولا أذان ولا إقامة، فلما انصرف قلت له في ذلك: فقال: " ان قميصي
كثيف، فهو يجزئ ان لا يكون علي ازار ولا رداء. واني مررت بجعفر وهو يؤذن
ويقيم، فلم أتكلم، فأجزاني ذلك " (2).
فرع:
يعلم من هذا انه لا يشترط كون المؤذن قاصدا الجماعة، وان سماعه
معتبر، وان الكلام يقدح في الاجتزاء بالإقامة، كما علم مما سلف.
وفي اجتزاء المنفرد بهذا الاذان نظر، أقربه ذلك، لأنه من باب التنبيه
بالأدنى على الاعلى.
وهل يستحب تكرار الأذان والإقامة للامام السامع، أو لمؤذنه، أو
للمنفرد؟ يحتمل ذلك، وخصوصا مع اتساع الوقت. اما المؤذن للجماعة
والمقيم لهم فلا يستحب معه الأذان والإقامة لهم قطعا.
الخامسة: روى عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يؤذن ويقيم
ليصلي وحده، فيجئ رجل آخر فيقول له: نصلي جماعة، هل يجوز ان يصليا
بذلك الأذان والإقامة؟ قال: " لا، ولكن يؤذن ويقيم " (3).
وبها أفتي الأصحاب (4) ولم أر لها رادا سوى الشيخ نجم الدين، فإنه
ضعف سندها بأنهم فطحية، وقرب الاجتزاء بالاذان والإقامة أولا، لأنه قد ثبت

(1) التهذيب 2: 285 ح 1141.
(2) التهذيب 2: 280 ح 1113.
(3) الكافي 3: 304 ح 13، الفقيه 1: 258 ح 1168، التهذيب 2: 277 ح 1101، 3: 282
ح 834.
(4) راجع: المبسوط 1: 98، تذكرة الفقهاء 1: 107.
229

جواز اجتزائه بأذان غيره فبأذان نفسه أولى (1).
قلت: ضعف السند لا يضر مع الشهرة في العمل والتلقي بالقبول،
والاجتزاء بأذان غيره لكونه صادف نية السامع للجماعة فكأنه أذن للجماعة،
بخلاف الناوي بأذانه الانفراد.
السادسة: كما يستحب الاذان للأداء يستحب للقضاء، لعموم:
" فليقضها كما فاتته " (2).
ولو أذن وأقام لأول ورده، ثم أقام للبواقي، جاز وان كان أقل فضلا.
وربما قيل: بأنه الأفضل (3) لما روي: " ان النبي صلى الله عليه وآله
شغل يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا
فأذن وأقام فصلى الظهر، ثم أمره فأقام فصلى العصر، ثم أمره فأقام فصلى
المغرب، ثم أمره فأقام فصلى العشاء " (4) ولا ينافي العصمة لوجهين:
أحدهما: ما روي من أن الصلاة كانت تسقط أداء مع الخوف ثم
تقضى، حتى نسخ ذلك بقوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة)
الآية (5).
الثاني: جاز ان يكون ذلك لعدم تمكنة من استيفاء أفعال الصلاة، ولم
يكن قصر الكيفية مشروعا، وهو عائد إلى الأول، وعليه المعول.
ولو جمع الحاضر أو المسافر بين الصلاتين، فالمشهور ان الاذان يسقط

(1) المعتبر 2: 137.
(2) عوالي اللآلي 3: 107 ح 105، المهذب البارع 1: 460.
(3) المجموع 3: 83.
(4) مسند الطيالسي: 44 ح 333، مسند أحمد 1: 375، الجامع الصحيح 1: 337 ح 179،
سنن النسائي 2: 17، السنن الكبرى 1: 403.
(5) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ: 119، السنن الكبرى 3: 251.
والآية في سورة النساء: 102.
230

في الثانية، قاله ابن أبي عقيل والشيخ (1) وجماعة (2) سواء جمع بينهما في وقت
الأولى أو الثانية، لان الاذان إعلام بدخول الوقت وقد حصل بالاذان الأول.
وليكن الاذان للأولى ان جمع بينهما في وقت الأولى، وان جمع بينهما في وقت
الثانية أذن للثانية، ثم أقام وصلى الأولى - لمكان الترتيب - ثم أقام للثانية.
وقد روى الأصحاب عن الباقر عليه السلام: " ان النبي صلى الله عليه
وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وبين المغرب والعشاء بأذان
وإقامتين " (3).
وعلى هذا يكون الجمع بين ظهري عرفة وعشاءي المزدلفة مندرجا في
هذا، لا لخصوصية البقعة بل لمكان الجمع. وقد روى ابن سنان عن الصادق
عليه السلام، قال: " السنة في الاذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي،
ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة " (4).
وهل يكره الاذان هنا؟ لم أقف فيه على نص ولا فتوى، ولا ريب في
استحباب ذكر الله على كل حال، فلو أذن من حيث إنه ذكر فلا كراهية.
والأصل فيه: ان سقوط الاذان هنا هل هو رخصة وتخفيف، أو هو لتحصيل
حقيقة الجمع؟ فعلى الأول لا يكره، وعلى الثاني يكره.
اما الاذان للعصر يوم الجمعة، فقال الشيخ في النهاية: لا يجوز (5) وفي
المبسوط: [يكره] (6).
وقال ابن إدريس: انما يسقط أذان العصر عمن صلى الجمعة، اما

(1) المبسوط 1: 96، الخلاف 1: 284 المسألة 27.
(2) المعتبر 2: 136، تذكرة الفقهاء 1: 106.
(3) الفقيه 1: 186 ح 885، التهذيب 3: 18 ح 66.
(4) التهذيب 2: 282 ح 1122.
(5) النهاية: 107.
(6) المبسوط 1: 151.
231

المصلي ظهرا فلا، ونقله عن المفيد وابن البراج (1).
وقد روى حفص بن غياث عن الباقر والصادق عليهما السلام: " الاذان
الثالث يوم الجمعة بدعة " (2) والطريق ضعيف، مع إمكان أن يراد به المسمى
بالاذان الثاني ويكون ثالثا بالنسبة إلى الإقامة.
واحتج الشيخ على الكراهية بما ذكرناه من جمع النبي صلى الله عليه
وآله (3) وظاهر انه لا تصريح فيه بالكراهة، والأقرب الجزم بانتفاء التحريم،
وأنه يكره في مواضع استحباب الجمع.
اما لو اتفق الجمع مع عدم استحبابه، فإنه يسقط أذان الاعلام، ويبقى
أذان الذكر والاعظام.
السابعة: الناسي للاذان والإقامة حتى دخل في الصلاة يتداركهما ما لم
يركع، رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام (4) وعلي بن يقطين عن الكاظم
عليه السلام، لكن أطلق العود إذا لم يفرغ من الصلاة (5) والمطلق يحمل على
المقيد.
ولا تنافيهما رواية زرارة وأبي الصباح عن الصادق عليه السلام بعدم إعادة
الناسي (6) لان الثابت الاستحباب، وهو لا ينافي جواز الترك.
وأطلق في المبسوط استحباب الرجوع (7).

(1) السرائر: 67.
(2) الكافي 3: 421 ح 5، التهذيب 3: 19 ح 67.
(3) راجع الخلاف 1: 284 المسألة 27.
(4) التهذيب 2: 278 ح 1103، الاستبصار 1: 304 ح 1127.
(5) التهذيب 2: 279 ح 1110، الاستبصار 1: 303 ح 1125.
(6) التهذيب 2: 279 ح 1106، 1108، الاستبصار 1: 302 ح 1121، 1123.
(7) المبسوط 1: 95.
232

وفي النهاية خص العامد بالرجوع (1) واختاره ابن إدريس، ومنع من جواز
الرجوع للناسي (2).
وابن أبي عقيل جوز الرجوع للإقامة أيضا (3).
وابن الجنيد: يرجع للإقامة ما لم يقرأ عامة السورة، وان خاف ضيق
الوقت كبر وتشهد الشهادتين مرة مرة (4).
وروى زكريا بن آدم عن الرضا عليه السلام ان ذكر ترك الإقامة في الركعة
الثانية وهو في القراءة: سكت وقال: (قد قامت الصلاة) مرتين، ثم مضى في
قراءته (5) وهو يشكل بأنه كلام ليس من الصلاة، ولا من الأذكار.
وروى محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام في ناسي الأذان والإقامة
وذكر قبل ان يقرأ: " فليصل على النبي صلى الله عليه وآله وليقم، وان كان قد
قرأ فليتم صلاته " (6).
وروى حسين بن أبي العلاء عنه عليه السلام: " إن ذكر انه لم يقم قبل
أن يقرأ فليسلم على النبي صلى الله عليه وآله، ثم يقيم ويصلي " (7).
قلت: أشار بالصلاة على النبي أولا وبالسلام في هذه الرواية إلى قطع
الصلاة، فيمكن ان يكون السلام على النبي قاطعا لها، ويكون المراد بالصلاة
هناك: السلام، وان يراد الجمع بين الصلاة والسلام، فيجعل القطع بهذا من
خصوصيات هذا الموضع، لأنه قد روي أن التسليم على النبي آخر الصلاة

(1) النهاية: 65.
(2) السرائر: 43.
(3) مختلف الشيعة: 88.
(4) مختلف الشيعة: 88.
(5) التهذيب 2: 278 ح 1104، الاستبصار 1: 304 ح 1128.
(6) الكافي 3: 305 ح 14، التهذيب 2: 278 ح 1102، الاستبصار 1: 303 ح 1126.
(7) التهذيب 2: 278 ح 1105، الاستبصار 1: 304 ح 1129.
233

ليس بانصراف (1). ويمكن ان يراد القطع بما ينافي الصلاة، اما استدبار أو
كلام، ويكون التسليم على النبي مبيحا لذلك. وعلى القول بوجوب التسليم،
يمكن ان يقال يفعل هنا ليقطع به الصلاة.
وروى نعمان الرازي عنه عليه السلام في ناسيهما حتى كبر: " ان كان
دخل المسجد من نية أن يؤذن ويقيم، فليمض في صلاته " (2) قيد المضي
بان يكون من نية الناسي ذلك، فيعلم انه لو لم يكن من نية فعلهما قطع
الصلاة، وهو يحتمل أمرين:
أحدهما: أنه يكون قد تعمد تركهما.
الثاني: ان لا يخطرا بباله. قان أريد الأول أمكن جعله حجة للشيخ في
النهاية (3) فانا لم نقف له على حجة هنا.
الثامنة: قال ابن الجنيد: لا يستحب الاذان جالسا الا في حال تباح فيها
الصلاة كذلك، وكذلك الراكب إذا كان محاربا أو في أرض ملصة، وإذا أراد ان
يؤذن اخرج رجليه جميعا من الركاب، وكذا إذا أراد الصلاة راكبا، ويجوز
للماشي ويستقبل القبلة في التشهد مع الامكان، فاما الإقامة فلا تجوز الا وهو
قائم على الأرض مع عدم المانع.
قال: ولا بأس ان يستدبر المؤذن في أذانه إذا اتى بالتكبير والتهليل
والشهادة تجاه القبلة، ولا يستدبر في اقامته. ولا بأس ان يؤذن الرجل ويقيم
غيره. ولأن بالاذان على غير طهارة، والإقامة لا تكون الا على طهارة، وبما يجوز
ان يكون داخلا به في الصلاة، فان ذكر ان إقامته كانت على غير ذلك رجع
فتطهر وابتدأ بها من أولها.

(1) الفقيه 1: 229 ح 1014، التهذيب 2: 316 ح 1292.
(2) التهذيب 2: 279 ح 1107، الاستبصار 1: 303 ح 1122.
(3) تقدم قوله في ص 231 الهامش 5.
234

لا يحوز الكلام بعد (قد قامت الصلاة) للمؤذن، ولا للتابعين، الا
بواجب لا يجوز لهم الامساك عنه.
التاسعة: لو عرض قطع الصلاة بحدث أو غيره أعادها، ولا يعيد الاذان
مطلقا ولا الإقامة الا ان يتكلم، لما سلف من إعادة الإقامة مع الكلام.
وروى عمار عن الصادق عليه السلام فيمن نسي حرفا من الأذان والإقامة
، قال: يرجع إلى الحرف الذي نسيه فيستقبله وما بعده (1) ذكر لك ابن
بابويه.
وفي التهذيب روى عن عمار عنه عليه السلام: في الإقامة البناء، وفيمن
نسي حرفا من الاذان حتى تأخر (2) في الإقامة فليمض في الإقامة فليس عليه
شئ (3).
وروى عبد الله بن سنان عنه عليه السلام: " يجزئك إذا خلوت في بيتك
إقامة بغير أذان (4). وروى الحلبي عنه عليه السلام عن أبيه: " انه كان إذا صلى
وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذن " (5). قال في التهذيب: هذا انما يكون
للمنفرد غير المصلي جماعة (6).
قلت: في هذين الخبرين دلالة على أنه لا يتأكد الاذان للخالي وحده،
إذ الغرض الأهم من الاذان الاعلام وهو منفي هنا، اما أصل الاستحباب فإنه
قائم، لعموم شرعية الاذان، ويكون الاذان هنا لذكر الله تعالى ورسوله صلى الله
عليه وآله.

(1) الفقيه 1: 187 ح 894.
(2) كذا في النسخ، وفي المصدر: " يأخذ ".
(3) التهذيب 2: 280 ح 1114.
(4) التهذيب 2: 50 ح 166.
(5) التهذيب 2: 50 ح 165.
(6) التهذيب 2: 51.
235

فان قلت: " كان " يدل على الدوام، والامام لا يداوم على ترك
المستحب، فدل على سقوط أصل الاستحباب.
قلت: يكفي في الدوام التكرار، ولا محذور في اخلال الامام
بالمستحب أحيانا، إذ المحذور انما هو الهجران للمستحب.
العاشرة: يستحب الأذان والإقامة في غير الصلاة في مواضع:
منها: في الفلوات الموحشة. روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام:
" إذا تغولت بكم الغول فأذنوا " (1).
وفي الجعفريات عن النبي صلى الله عليه وآله: " إذا تغولت بكم
الغيلان، فأذنوا بأذان الصلاة " (2) ورواه العامة (3).
وفسره الهروي: بان العرب تقول ان الغيلان في الفلوات تراءى للناس
تتغول تغولا، أي: تلون تلونا، فتضلهم عن الطريق وتهلكهم (4). وروي في
الحديث: " لا غول " (5) وفيه ابطال لكلام العرب، فيمكن ان يكون الاذان لدفع
الخيال الذي يحصل في الفلوات وان لم يكن له حقيقة.
ومنها: الاذان في اذن المولود اليمنى، والإقامة في اليسرى، نص عليه
الصادق عليه السلام (6).
ومنها: من ساء خلقه يؤذن في اذنه، فعن الصادق عليه السلام: " من لم
يكن يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه، ومن ساء خلقه فأذنوا في اذنه " (7).

(1) الفقيه 1: 195 ح 910.
(2) الجعفريات: 42.
(3) مسند أحمد 3: 305، 382، الاستذكار 27: 261 ح 41065، ميزان الاعتدال 3:
276 ح 6404.
(4) راجع: تهذيب اللغة 8: 193.
(5) مسند أحمد 3: 312، صحيح مسلم 4: 1744 ح 2222.
(6) الفقيه 1: 195 ح 911.
(7) الفقيه 1: 195 ح 912.
236

وفي مضمر سليمان الجعفري: سمعته يقول: " أذن في بيتك فإنه يطرد
الشيطان، ويستحب من اجل الصبيان " (1)، وهذا يمكن حمله على أذان
الصلاة.
ومنها: الاذان المقدم على الصبح، لما مر.
ومنعه المرتضى - في ظاهر كلامه - وابن إدريس (2).
وقال ابن الجنيد: لا يؤذن لصلاة الا بعد دخول وقتها، وكذا أبو الصلاح
- رحمه الله - في الكافي (3). وصرح الجعفي بأنه لا يؤذن للفجر قبل وقتها
كغيرها.
واحتج المرتضى: بان الاذان دعاء إلى الصلاة، وعلم على حضورها،
ففعله قبل وقتها وضع للشئ في غير موضعه، وبأنه روي أن بلالا أذن قبل
طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وآله ان يعيد الاذان (4).
وأجيب: بجواز تقدم الامارة على الحضور، للتأهب للصلاة بالطهارة من
الخبث والحدث، وبان فيه فائدة امتناع الصائم من الجماع واحتياطه بعدم
الاكل إلى غير ذلك من الفوائد، واما إعادة الاذان فنقول به. وروى عمران بن
علي عن الصادق عليه السلام في الاذان قبل الفجر: " إذا كان في جماعة فلا،
وان كان وحده فلا بأس " (5).
الحادية عشرة: يجوز التثويب للتقية - وهو قول: الصلاة خير من النوم -
في أذان الصبح أو العشاء الآخرة، ومع عدم التقية الأشهر الكراهية.

(1) الكافي 3: 308 ح 35.
(2) الناصريات: 192 المسألة 68، جمل العلم والعمل 3: 30، السرائر: 43.
(3) الكافي في الفقه: 121.
(4) الناصريات: 228 المسألة 68.
والرواية في سنن أبي داود 1: 146 ح 532، السنن الكبرى 1: 383.
(5) الكافي 3: 306 ح 23. التهذيب 2: 53 ح 176.
237

وقال في الخلاف: التثويب في أذان العشاء بدعة (1).
وقال في المبسوط: يكره التثويب، ولا يستحب الترجيع (2).
وقال المرتضى في الانتصار والناصرية بكراهة التثويب (3).
وروى معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام في التثويب الذي
بين الأذان والإقامة، قال: " ما نعرفه " (4).
وقد سبق تجويز ابن الجنيد التثويب في أذان الفجر (5).
وقال الجعفي: تقول في صلاة الصبح بعد قولك (حي على خير
العمل): (الصلاة خير من النوم) مرتين، وليستا من أصل الاذان. وقد رواه
البزنطي عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام (6) وحمله الشيخ
على التقية (7).
قال في المعتبر: لست أرى هذا التأويل شيئا، فان في جملة الاذان (حي
على خير العمل) وهو انفراد الأصحاب، لكن الأوجه ان يقال: فيه روايتان عن
أهل البيت أشهرهما تركه (8).
قلت: وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام، أنه قال: " كان أبي

(1) الخلاف 1: 288 المسألة 31.
(2) المبسوط 1: 95.
(3) الانتصار: 39، الناصريات: 228 المسألة 69. وانظر مفتاح الكرامة 2: 289، جواهر الكلام
9: 113.
(4) الكافي 3: 303 ح 6، الفقيه 1: 188 ح 895، التهذيب 2: 63 ح 223، الاستبصار 1:
308 ح 1147.
(5) تقدم في ص 201.
(6) أورده المحقق في المعتبر 2: 145 عن كتاب البزنطي.
(7) لم يرو الشيخ هذا الحديث في كتابيه، وحمل على التقية أحاديث أخرى تتضمن مؤداه.
راجع: التهذيب 2: 63، الاستبصار 1: 308، مفتاح الكرامة 1: 290.
(8) المعتبر 2: 145.
238

ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم " (1) قال الشيخ: أجمعت الطائفة على ترك
العمل بهذه (2).
وفي النهاية: التثويب: تكرير الشهادتين دفعتين، وتبعه ابن إدريس، ولم
يجوزاه (3) وكذلك لم يجوزا قول: (الصلاة خير من النوم) (4).
وجوز الشيخ تكرير الشهادتين للاشعار (5).
ونقل الشيخ: انه لا خلاف في نفي التثويب في غير الصبح والعشاء (6)،
يعني به بين العامة.
وفي قديم الشافعي ثبوته في الصبح خاصة وعليه أصحابه (7) وفي
الجديد: لا تثويب، وفسره: بالصلاة خير من النوم (8).
وأبو حنيفة روي عنه ان التثويب هو: ان تقول بعد الاذان ومكث قدر
عشرين آية: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) (9).
واما العشاء الآخرة فلم يقل أحد باستحباب التثويب فيها الا الحسن بن
صالح بن حي (10) ونقل عن الجعفي: انه مستحب في جميع الصلوات.
واشتقاق التثويب من ثاب إذا رجع إلى الدعاء أي: الصلاة بعدما دعا
إليها بالحيعلتين.

(1) التهذيب 2: 63 ح 222، الاستبصار 1: 308 ح 1146، السرائر: 483.
(2) المصدر السابق.
(3) النهاية: 67، السرائر: 43.
(4) النهاية: 67، السرائر: 43.
(5) النهاية: 67.
(6) المبسوط 1: 95.
(7) المجموع 3: 92، فتح العزيز 3: 169، الوجيز 1: 36.
(8) المجموع 3: 90، فتح العزيز 3: 169، بدائع الصنائع 1: 148.
(9) المغني 4: 453، شرح فتح القدير 1: 214.
(10) المجموع 3: 98.
239

الثانية عشرة: قال ابن إدريس: يستحب للامام ان يلي الأذان والإقامة
ليحصل له ثواب الجميع، الا ان يكون أمير جيش أو سرية، فالمستحب أن يلي
الأذان والإقامة غيره. ونقله عن الشيخ المفيد في رسالته إلى ولده (1).
قلت: في استحباب هذا الجمع نظر، لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه
وآله الا نادرا، ولا واظب عليه أمير المؤمنين عليه السلام، ولا الصحابة والأئمة
بعدهم غالبا، الا ان نقول: هؤلاء أمراء جيوش أو في معناهم.
الثالثة عشرة: قال في المبسوط: لا فرق بين ان يكون الاذان في المنارة
أو على الأرض، والمنارة لا يجوز ان تعلى على حائط المسجد، ويكره الاذان
في الصومعة (2)، مع أنه استحب ان يكون المؤذن على موضع مرتفع (3). ويمكن
الجمع بين كلاميه: بان المرتفع مخصوص بما ليس منارة عالية عن سطح
المسجد، ولا صومعة.
وروى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام وسأله عن الاذان في المنارة،
أسنة هو؟ فقال: " انما كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وآله في الأرض، ولم يكن
يومئذ منارة " (4).
وروى السكوني: " ان عليا عليه السلام مر على منارة طويلة فأمر بهدمها،
ثم قال: لا ترفع المنارة الا مع سطح المسجد " (5).
والفاضلان استحبا فعله في المنارة، لأنه قد ثبت وضعها في الجملة،
ولو الاذان فيها لكانت عبثا " (6).

(1) السرائر: 44.
(2) المبسوط 1: 96.
(3) المبسوط 1: 98.
(4) التهذيب 2: 284 ح 1134.
(5) في الفقيه 1: 155 ح 723 مرسلا، وفي التهذيب 3: 256 ح 710 عن السكوني عن جعفر عن
أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام.
(6) المعتبر 2: 122، مختلف الشيعة: 88.
240

وقال ابن حمزة: يستحب في المأذنة، ويكره في الصومعة (1).
الرابعة عشرة: قال ابن البراج - رحمه الله -: يستحب لمن أذن أو أقام
ان يقول في نفسه عند (حي على خير العمل): آل محمد خير البرية، مرتين.
ويقول أيضا في نفسه إذا فرغ من قوله (حي على الصلاة): لا حول ولا قوة الا
بالله، وكذلك يقول عند قوله: حي على الفلاح). وإذا قال: (قد قامت
الصلاة)، قال: اللهم أقمها وأدمها، واجعلني من خير صالحي أهلها عملا،
وإذا فرغ من قوله: (قد قامت الصلاة) قال في نفسه: اللهم رب (2) الدعوة
التامة، والصلاة القائمة، أعط محمدا صلواتك عليه وآله سؤله يوم القيامة،
وبلغه الدرجة والوسيلة من الجنة، وتقبل شفاعة في أمته (3).
وروى السكوني عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه، عن علي
عليه السلام: " ان النبي صلى الله عليه وآله كان إذا دخل المسجد وبلال يقيم
الصلاة جلس " (4).
وروى عمران الحلبي انه سأل الصادق عليه السلام عن الاذان في
الفجر، قبل الركعتين أو بعدهما؟ فقال: " إذا كنت إماما تنتظر جماعة فالاذان
قبلهما، وان كنت وحدك فلا يضرك أقبلهما أذنت أو بعدهما " (5).
الخامسة عشرة: ذكر معظم الأصحاب الفصل بخطوة بين الأذان والإقامة
(6) ولم أجد به حديثا.

(1) الوسيلة: 92.
(2) في ط والمصدر زيادة: (هذه).
(3) المهذب 1: 90.
(4) التهذيب 2: 281 ح 1118.
(5) التهذيب 2: 285 ح 1142.
(6) راجع المبسوط 1: 96، المهذب 1: 90، المراسم: 69، المعتبر 2: 142، نهاية الإحكام
1: 416.
241

وذكروا تأكيد استحباب الاذان في الجهرية (1) ولم أجد سوى أخبار الغداة
والمغرب. وعلله بعضهم: بان الجهر فيها يؤذن بعناية الشرع بالتنبيه عليها،
وفي الاذان زيادة تنبيه (2). وعلل الصادق عليه السلام الغداة والمغرب بعدم
التقصير فيهما (3).
والمفيد - رحمه الله - جعل العشاء الآخرة مع الظهرين في الاجتزاء
بالإقامة للمنفرد (4).
السادسة عشرة: قال الشيخ: ليس من السنة ان يلتفت الامام بعد الفراغ
من الإقامة يمينا وشمالا، ولا ان يقول: استووا رحمكم الله، لعدم الدليل
عليه (5).
قلت: قد ثبت استواء الصفوف - لما يأتي إن شاء الله - وقد استثنى
الأصحاب من الكلام بعد الإقامة تسوية الصفوف والامام أحق الجماعة
بذلك، فإذا استشعر عدم استواء استحب له الامر بالاستواء.
ولما تقضت أبواب المقدمات فحري ان نشرع في الصلاة، وينحصر
النظر فيها في أربعة أركان:

(1) راجع: المبسوط 1: 95، المعتبر 2: 135، تذكرة الفقهاء 1: 106، نهاية الإحكام 1:
418.
(2) المعتبر 2: 135، تذكرة الفقهاء 1: 106.
(3) التهذيب 2: 49 ح 161، الاستبصار 1: 299 ح 1104.
(4) المقنعة: 15.
(5) الخلاف 1: 317 المسألة: 68، المبسوط 1: 103.
242

الركن الأول:
في أفعال الصلاة وتوابعها
وفصوله أربعة:
الأول: في الافعال.
وهي إما واجبة أو مندوبة.
والواجبات ثمانية: النية، والتكبير، والقيام، والقراءة، والركوع،
والسجود، والتشهد، والتسليم. والمندوبة تذكر في تضاعيف هذه إن شاء الله
تعالى.
الأول: النية.
وقد سبق بيان حقيقتها ووجوبها، ولنذكر هنا مسائل:
الأولى: قيل: ان النية شرط لا جزء، لأنه الشرط ما يتوقف عليه تأثير
المؤثر أو ما يقف عليه صحة الفعل والمعنيان موجودان في النية، ولأن " أول
الصلاة التكبير " والنية مقارنة أو سابقة فلا تكون جزء، ولأنها لو كانت جزء
لافتقرت إلى نية أخرى ويتسلسل، ولأن النية تتعلق بالصلاة فلو كانت جزء منها
لتعلق الشئ بنفسه، ولأن قوله صلى الله عليه وآله: " الأعمال بالنيات " (1) يدل
على مغايرة العمل للنية.
وتحقيق الحال فيه: ان الجزء والشرط يشتركان في أنه لابد منهما إذا كان -
الجزء ركنا، ويفترقان بان الشرط ما يتقدم على الماهية - كالطهارة وستر العورة -
والجزء ما تلتئم منه الماهية - كالركوع والسجود -.

(1) التهذيب 4: 186 ح 519، مسند أحمد 1: 25، صحيح البخاري 1: 4، صحيح مسلم 3:
1515 ح 1907، سنن أبي داود 2: 262 ح 2201، الجامع الصحيح 4: 1079 ح 2147،
السنن الكبرى 7: 341.
243

وقيل: الجزء ما تشتمل عليه الماهية.
ونقض بترك الكلام والفعل الكثير وسائر المفسدات، فإنها مما تشتمل
ماهية الصلاة على وجوب تركها، مع أنها لا تعد جزء وانما يعدها بعضهم
شروطا.
وأجيب: بان المراد ب‍ (ما تشتمل عليه الماهية) من الأمور الوجودية
المتلاحقة التي افتتاحها التكبير واختتامها التسلم، وظاهر ان التروك أمور عدمية
ليس فيها تلاحق، وهذا فيه تفسير آخر للاجزاء، وحينئذ الشروط ما عداها.
وقيل: ان الشرط ما يساوق جميع ما يعتبر في الصلاة، والركن ما يكون
معتبرا فيها لا بمساوقة، فان الطهارة والاستقبال تساوق الركوع والسجود وسائر
أفعال الصلاة، بخلاف الركوع فإنه لا يصاحب جميع الأفعال، ولا ريب ان
حقيقة الصلاة انما تلتئم من هذه الأفعال المخصوصة، فما لم يشرع فيها ليس
بمصل وان وجد منه سائر المقدمات.
وظاهر ان النية مقارنة للتكبير الذي هو جزء وركن، فلا يبعد انتظامها
في الاجزاء، وخصوصا عند من أوجب بسط النية على التكبير، أو حضورها من
أوله إلى آخره (1) ولأن قوله تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له
الدين) (2) مشعر باعتبار العبادة حال الاخلاص، وهو المراد بالنية، ولا نعني
بالجزء الا ما كان منتظما مع الشئ بحيث يشمل الكل حقيقة واحدة.
وحينئذ نجيب عن تمسك القائلين بالشرطية.
اما عن الأول: فلان النية وان توقف عليها تأثير المصلي في جعل
الافعال متعبدا بها، أو توقف عليها صحة الفعل بمعنى: استتباع غايته من
الثواب فلا ينافي ذلك جزئيتها، لان سائر الأجزاء التي هي كذلك تتوقف

(1) راجع: المعتبر 2: 150، شرائع الاسلام 1: 78.
(2) سورة البينة: 5.
244

عليها الصلاة في صحتها، وفي جعل أفعالها متعبدا بها شرعا - توقف معية،
فلم لا تكون النية كذلك؟
وعن الثاني: انه مصادرة على المطلوب.
وعن الثالث: منع الملازمة وسند المنع ان قولنا: الجزء من العبادة
يفتقر إلى نية ليست القضية فيه كلية، فإنه يخرج عنها النية والنظر الأول
المعرف، لوجوب النظر والمعرفة.
وعن الرابع: انه لما كانت النية لا تحتاج إلى نية كان متعلقها بقية أجزاء
الصلاة فلا تتعلق بنفسها، فقول المصلي أو قصده (أصلي) عبارة عن الاتيان
بمعظم أفعال الصلاة، تسمية للشئ باسم أكثره.
وعن الخامس: ان المغايرة حاصلة بين جزء الماهية وكلها ضرورة، ولا
يلزم منه الشرطية.
وهذه المسألة لا جدوى لها فيما يتعلق بالعمل لا فيما ندر - كالنذر لمن
كان مصليا في وقت كذا، أو ابتدأ الصلاة في وقت كذا - فان جعلناها جزء
استحق وبر، والا فلا. والاتفاق واقع على اعتبارها في الصلاة بحيث تبطل
الصلاة بفواتها ولو نسيانا، سواء جعلناها شرطا أو جزء، وقد اختار في المعتبر
انها شرط واحتج بالوجهين الأولين (1).
واما ما يتخيل من أن القول بالشرطية يستلزم جواز ايقاعا قاعدا وغير
مستقبل بل وغير متطهر ولا مستور العورة فليس بسديد، إذ المقارنة المعتبرة
للجزء تنفي هذه الاحتمالات ولو جعلناها شرطا.
الثانية: النية قصد، ومتعلقة المقصود، فلا بد من كونه معلوما، فيجب
إحضار ذات الصلاة وصفاتها الواجبة من التعيين والأداء أو القضاء والوجوب
للتقرب إلى الله تعالى، ثم يقصد إلى هذا المعلوم.

(1) المعتبر 2: 149.
245

وتحقيقه: انه إذا أريد نية الظهر مثلا، فالطريق إليها احضار المنوي
بمميزاته عن غيره في الذهن، فإذا حضر قصد المكلف إلى ايقاعه تقربا إلى
الله وليس فيه ترتيب بحسب التصور، وان وقع ترتيب فإنما هو بحسب التعبير
عنه بالألفاظ، إذ من ضرورتها ذلك. فلو ان مكلفا أحضر في ذهنه الظهر
الواجبة المؤداة، ثم استحضر قصد فعلها تقربا وكبر، كان ناويا، ولو جعل القربة
مميزا، كأن يستحضر الظهر الواجبة المؤداة المتقرب بها ويكبر مع إرادة التقرب
منه، صحت النية. ولكنه يكفي إرادة التقرب منه عن استحضاره أولا وعن جعله
مشخصا رابعا، ولا يكفي تشخيصه عن جعله غاية، فمن ثم جعل احضار
الذات والصفات مشخصات، ولم يجعل القربة مشخصا بل جعلت غاية، فاتي
بلام التعليل في قوله: (للتقرب إلى الله تعالى).
فان قلت: بين لي انطباق هذه العبارة على النية المعهودة، وهي:
(أصلي فرض الظهر) إلى آخره، فان مفهوم هذه العبارة المذكورة في الكتاب
يقتضي ان قوله: (أصلي) إلى آخره بعد ذلك الاحضار، فيلزم تكرر النية، أو
نية النية، وهما محالان.
قلت: إذا عبر المكلف بهذه الألفاظ، فقوله: (فرض الظهر) إشارة إلى
الفرض والتعيين، و (أداء) إلى الأداء، و (لوجوبه) إلى ما يقوله المتكلمون من أنه
ينبغي فعل الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه، وقوله (قربة إلى الله) هي غاية
الفعل المتعبد به. وفي هذا احضار الذات والصفات كما ذكر، فقوله: (أصلي)
هو عبارة عن القصد المتعلق بها وهو وان كان متقدما لفظا فإنه متأخر معنى.
وفي قولنا (للتقرب إلى الله) إشارة إلى فائدة، هي: ان الغاية ليست متعددة بل
هي متحدة، أعني التقرب إلى الله تعالى الذي هو غاية كل عبادة.
وعلى ترتيب النية المعهودة بتلك الألفاظ المخصوصة وانتصابها على
المفعول له، أو الاتيان فيها بلام التعليل، يشكل اعرابه من حيث عدم تعدد
المفعول لأجله إذا كان المغيا واحدا الا بالواو.
246

واعتذر بعض النحاة من الأصحاب بان الوجوب مثلا في هذه النية غاية
لما قبله، والتقرب غاية للوجوب، فتعدد الغاية بحسب تعدد المغيا، فاستغني
عن الواو. فإذا صورت النية على الوجه الذي ذكرناه لم يكن إلا غاية واحدة
ويزول ذلك الايراد من أصله، مع أنه ليس له تعلق بالنية الشرعية، بل متعلقة
الألفاظ التي لا مدخل لها في المقصود. فان أريد التعبير بنية تطابق ما ذكرنا
ملفوظة فليقل أصلي فرض الظهر الواجب المؤدى أو المقضي قربة إلى الله وهذه
العبارة كافية في هذا المقام ونحوها من العبارات والغرض بها ايصال المعاني
إلى فهم المكلفين لا التلفظ بها.
ومن الأصحاب من جعل احضار ذات الصلاة وصفاتها هي المقصودة،
والأمور الأربعة مشخصات للمقصود، أي: يقصد الذات والصفات مع التعيين
والوجوب والأداء والقربة، وكانت نية هكذا: (أصلي فرض الظهر) بان أوجد
النية وتكبيرة الاحرام مقارنة لها، ثم اقرأ، ويعدد أفعال الصلاة إلى آخرها، ثم
يعيد (أصلي فرض الظهر) على هذه الصفات أداء إلى آخره (1). وهذا وان كان
مجزئا، الا ان الاعراض عنه من أوجه ثلاثة.
أحدها: انه لم يعهد عن السلف فعله.
وثانيها: انه زيادة تكليف والأصل عدمه.
وثالثها: انه عند فراغه من التعدد وشروعه في النية، لا تبقى تلك الاعداد
في التخيل مفصلة، فإن كان الغرض التفصيل فقد فات، وان اكتفى بالتصور
الاجمالي فهو حاصل ب‍ (صلاة الظهر) إذ مسماها تلك الأفعال.
على أن جميع ما عدده انما يفيد التصور الاجمالي، إذ واجب كل واحد
من تلك الأفعال لم يعرض له، مع أنها اجزاء، منها مادية أو صورية.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنه يجب عند إحضار الذات والصفات والقصد

(1) راجع: شرائع الاسلام 1: 78.
247

إليها ان يجعل قصده مقارنا لأول التكبير، ويبقى على استحضاره إلى انتهاء
التكبير، فلو عزبت قبل تمام التكبير ففي الاعتداد بها وجهان:
أحدهما: نعم، لعسر هذه الاستدامة الفعلية، ولأن ما بعد أول التكبير
في حكم الاستدامة، والاستمرار الحكمي كاف فيها.
والثاني: عدم الاعتداد بها، لان الغرض بها انعقاد الصلاة وهو لا يحصل
الا بتمام التكبير. ومن ثم لو رأى المتيمم الماء في أثناء التكبير بطل تيممه.
والوجه وجوبه الا أن يؤدي إلى الحرج.
ومن الأصحاب من جعل النية بأسرها بين الألف والراء (1) وهو مع العسر
مقتض لحصول أول التكبير بغير نية.
ومن العامة من جوز تقديم النية على التكبير بشئ يسير كنية الصوم (2)
وهو غير مستقيم، لأنه إن وقعت المقارنة بعده فهي المعتبرة والا لم تجز، وانما
جاز التقدم في الصوم لعسر المقارنة.
الثالثة: يجب ان يقصد في النية جميع مشخصات الصلاة، لان جنس
الفعل لا يستلزم وجوهه الا بالنية، وهي ما ذكرناه آنفا.
وهل يجب تعيين الفرضية؟ أوجبه في المعتبر، ليتميز عن الظهر المعادة
مثلا (3). والظاهر أن الوجوب كاف عنه، وبه تخرج المعادة إن أتى به في النية،
ولو جعله معللا كقوله (لوجوبه) فان فيه دلالة على أن الفعل واجب في نفسه،
والمتكلمون لما أوجبوا إيقاع الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه جمعوا بين الامرين،
فينوي الظهر المفروض أو الواجب لكونه واجبا. وهذا يطرد في جميع نيات
العبادات، وان كانت ندبا نوى الندب لندبه، لكن معظم الأصحاب لم يتعرضوا

(1) يظهر من أبي الصلاح في الكافي في الفقه: 139، ولاحظ: الجامع للشرائع: 75.
(2) كأبي حنيفة، راجع: المبسوط للسرخسي 1: 10، المجموع 3: 257.
(3) المعتبر 2: 149.
248

له في غير الصلاة.
ولو نوى فريضة الوقت أجزأ عن نية الظهر أو العصر مثلا، لحصول
التعيين به إذ لا مشارك لها. هذا إذا كان في الوقت المختص، اما في المشترك
فيحتمل المنع لاشتراك الوقت بين الفريضتين، ووجه الاجزاء ان قضية الترتيب
يجعل هذا الوقت للأولى.
ولو صلى الظهر، ثم نوى بعدها فريضة الوقت، أجزأ وان كان في
المشترك. ويجزئ ان ينوى فرض الظهر، لأنه قد صار علما على الصلاة، وان
كان في الأصل اسما لوقت الظهيرة، ولا يفتقر إلى نية فرض صلاة الظهر على
الأقرب.
الرابعة: لا يشترط تعيين عدد الركعات، ولا تفاصيل الافعال، بل يكفي
الاجمال في إحضار ذات الصلاة. ولو تعرض للعدد، لم يضر. ولو أخطأ في
العدد، فالأقرب البطلان، الا ان يكون الخطأ في التلفظ فلا عبرة به.
ولو تخير المسافر بين التمام والقصر - كما في أحد الأماكن الأربعة،
وكما لو قصد أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه على قول (1) أو خرج من منزله
بعد وجوب الصلاة وصلاها مسافرا على قول (2) - جزم كثير من الأصحاب بأنه
لا يشترط التعيين، بل يكفي القصد إلى مطلق الصلاة (3) ولهذا يجوز عدول
المسافر إلى التمام لو نوى في أثناء الصلاة الإقامة. ويحتمل وجوبه، لان
الفرضين مختلفان، فلا يتخصص أحدهما الا بالنية.
وعلى الأول لو نوى أحدهما فله العدول إلى الاخر. وعلى الثاني يحتمل
ذلك، لأصالة بقاء التحيير. ويحتمل جواز العدول من التمام إلى القصر دون

(1) قاله سلار في المراسم: 75، والمفيد كما في مختلف الشيعة: 162.
(2) الخلاف 1: 577 المسألة: 332، المعتبر 2: 150.
(3) كالمحقق في المعتبر 2: 150، والعلامة في تذكرة الفقهاء 1: 111.
249

العكس، كي لا يقع الزائد بغير نية.
ولا يشترط تعيين الاستقبال، لحصوله وان لم ينوه، كما لا يشترط ان
ينوى: وانا طاهر.
ولا تعيين اليوم. فلو نوى ظهر الجمعة وكان الخميس، فإن كان متعمدا
فالأقرب البطلان، وان كان ظانا لم يضر، لأنه الوقت تعين شرعا. اما لو نوى
القاضي ظهر يوم الخميس وكان عليه ظهر الجمعة لظنه الجمعة لم يجز، لان
الوقت غير متعين له شرعا - أعني وقت الفعل - وانما يقضي ما وجب في ذمته
ولم ينو ما وجب. ويحتمل الاجزاء، لأنه قصد إلى ما في ذمته، وانما أخطأ في
نسبته إلى زمان لا يضر ترك نسبته إليه.
ولا تشترط نية القيام أو القعود. ولو نوى الفرض قاعدا وهو مخاطب
بالقيام، أو بالعكس، فالأولى البطلان لتلاعبه.
تنبيه:
قال أبو الصلاح: من حق المصلي ان يكون طائعا بايقاع الصلاة على
الوجه المشروع، متكاملة الاحكام والشروط والكيفيات، عامدا في حال فعلها
بكونه معترفا بنعمه سبحانه خاضعا له (1).
قال: ويستحب ان يرجو بفعلها مزيد الثواب، والنجاة من العقاب،
وليقتدى به ويرغم الضالون (2).
الخامسة: لابد في النافلة من نية سببها، كالاستسقاء، والعيد المندوب.
والرواتب الأقرب اعتبار اضافتها إلى الفرائض لتتميز، وفي الليلة يضيفها إلى
الليل. والفاضل اكتفى بنية الفعل في الرواتب، وهو بعيد، لاشتراكه.
ولابد من نية النفل أيضا. ولو نوى في النفل عددا، وقلنا بجواز الزيادة
على ركعتين، فله الزيادة والنقص.

(1) الكافي في الفقه: 139.
(2) الكافي في الفقه: 139.
250

ولا يشترط في النافلة المطلقة سوى النفل والقربة.
السادسة: لو فرق بين التكبير وبين التقريب بقوله (تعالى) أو (إن شاء الله)
بطلت النية، الا ان يكون مستحضرا لها بالفعل حال التلفظ.
ولا يستحب الجمع بين اللفظ والقلب في النية، لأن النية من أفعال
القلوب، ولم يثبت استعمال اللسان فيها. ولو جمع لم يضر.
السابعة: يجب استدامة حكم النية إلى آخر الصلاة اجماعا، ولا يجب
الاستحضار الفعلي، لعسره، ولا يستحب، لتحقق انعقاد الصلاة.
ومعنى الحكم: أن لا ينوي المنافي في باقي الصلاة. فلو نوي الخروج
في الحال، أو تردد فيه، أو شك هل يخرج أم لا، بطل. اما خواطر النفس
بالوسوسة فعفو.
ولو نوى الخروج في الثانية، أو علقه على أمر ممكن، أو نوى ببعض
الافعال غير الصلاة، أو نوى بواجبها الندب، أو بأدائها القضاء، أو بأفعال الظهر
العصر، أو الرياء ولو كان بالذكر المندوب، بطلت، لعدم الاستمرار الواجب.
اما لو نوى بالزيادة على الواجب من الافعال الوجوب، أو الرياء، أو غير
الصلاة، فإنه يلتحق بالفعل الخارج عن الصلاة فتبطل إن كثر، والا فلا.
ولو نوى فعل المنافي - كالحدث، والكلام، والاستدبار - ففي الابطال
وجهان، أقربهما: نعم، للتنافي بين إرادتي الضدين.
ويجوز النقل من الفريضة إلى غيرها في الفوائت المترتبة، ومن الحاضرة
إلى الفائتة وبالعكس، ومن الفرض إلى النفل لطالب الجماعة، وناسي قراءة
الجمعة فيها.
ولا يجوز النقل من النفل إلى الفرض، لان القوي لا يبنى على
الضعيف. وللشيخ قول بجوازه في الصبي يبلغ في أثناء الصلاة (1).

(1) المبسوط 1: 73، وراجع مفتاح الكرامة 2: 69.
251

الثامنة: لو نوى الفريضة ثم عزبت النية، لم يضر. ولو نوى النفل حينئذ
ببعض الافعال أو بجميع الصلاة خطأ، فالأقرب الاجزاء، لاستتباع نية الفريضة
باقي الافعال فلا يضر خطؤه في النية، ولما رواه عبد الله بن أبي يعفور عن
الصادق عليه السلام في رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة وهو يرى أنها
نافلة، فقال: " هي التي قمت فيها ولها "، وقال: " إذا قمت في فريضة فدخلك
الشك بعد فأنت في الفريضة، وانما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول
صلاته " (1).
وروى يونس عن معاوية، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
قام في الصلاة المكتوبة فسها فظن أنها نافلة أو كان في النافلة فظن أنها
مكتوبة، قال: " هي على ما افتتح الصلاة عليه " (2).
التاسعة: لو شك في النية بعد التكبير لم يلتفت، لانتقاله عن محله.
ولو شك وهو لم يكبر أعاد.
ولو شك في أثناء التكبير فالأقرب الإعادة، وخصوصا إذا أوجبنا
استحضارها إلى آخر التكبير.
ولو شك هل نوى ظهرا أو عصرا، أو نفلا أو فرضا، بنى على ما قام إليه،
فإن لم يعلمه بطلت صلاته، لعدم الترجيح.
ولو شك بعد صلاة أربع هل صلى الظهر أو العصر، فالأقرب البناء على
الظهر، لأن الظاهر أنه بدأ بالواجب أولا.
ويحتمل أن يصلي رباعية مرددة بين
الظهر والعصر، لحصول البراءة به إذا كانت الأولى صادفت الوقت المشترك.
العاشرة: قال في الخلاف: من دخل في صلاة بنية النفل، ثم نذر في
خلالها اتمامها، فإنه يجب عليه اتمامها، قال: لان عندنا النذر ينعقد بالقلب

(1) التهذيب 2: 343 ح 1420، 382 ح 1594، وفي سؤال الراوي: وهو ينوي انها نافلة.
(2) التهذيب 2: 197 ح 776، 343 ح 1419.
252

كما ينعقد بالقول. نعم، لو تلفظ بالنذر بطلت صلاته (1)، وسيأتي إن شاء الله
تحقيق ذلك.

(1) الخلاف 1: 307 المسألة: 54.
253

الواجب الثاني: تكبيرة الاحرام.
وفيها مسائل:
الأولى: هي ركن في الصلاة بمعنى: بطلان الصلاة بتركها عمدا
وسهوا اجماعا - وكذا باقي أركان الصلاة التي هي: النية، والقيام، والركوع،
والسجدتان معا - لقول النبي صلى الله عليه وآله: " لا يقبل الله صلاة امرئ حتى
يضع الطهور مواضعه، ثم يستقبل القبلة فيقول: الله أكبر " (1) ولأنه كان يفتتح
الصلاة بالتكبير دائما.
وسأل زرارة الباقر والصادق عليهما السلام في ناسي تكبيرة الاحرام،
فقال: " يعيد " (2) ورواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام (3).
وبإزاء هذه الروايات: ان الناسي لا يعيد، كرواية الحلبي عن الصادق
عليه السلام (4).
وروى ذريح عنه عليه السلام (5) وزرارة عن الباقر عليه السلام: ان
الناسي يكبر قبل القراءة أو بعدها (6).
وروى البزنطي عن الرضا عليه السلام في ناسي تكبيرة الافتتاح حتى كبر
للركوع: " يجزئه " (7).
وروى أبو بصير عن الصادق عليه السلام فيمن نسي أن يكبر فبدأ

(1) فتح العزيز 3: 267، الشرح الكبير 1: 540، وراجع تلخيص الحبير 3: 267.
(2) الكافي 3: 347 ح 1، التهذيب 1: 142 ح 556، 557، الاستبصار 1: 351 ح 1326.
(3) التهذيب 2: 143 ح 560، الاستبصار 1: 351 ح 1329.
(4) الفقيه 1: 226 ح 999، التهذيب 2: 144 ح 565، الاستبصار 1: 352 ح 1330.
(5) التهذيب 2: 143 ح 559، الاستبصار 1: 351 ح 1328.
(6) الفقيه 1: 226 ح 1001 التهذيب 2: 145 ح 567، الاستبصار 1: 352 ح 1331.
(7) الفقيه 1: 226 ح 1000، التهذيب 2: 144 ح 566، الاستبصار 1: 353 ح 1334.
254

بالقراءة، فقال: " ان ذكر وهو قائم كبر، وان ركع فليمض في صلاته " (1).
وهذه الروايات تخالف اجماع الأصحاب - بل إجماع الأمة، الا الزهري
والأوزاعي فإنهما لم يبطلا الصلاة بتركها سهوا (2) - وحملها الشيخ على
الشك (3).
الثانية: التكبير جزء من الصلاة عندنا وعند الأكثر، لقول النبي صلى الله
عليه وآله: " انما هي: التكبير، والتسبيح، وقراءة القرآن " (4).
وقال شاذ من العامة: ليس التكبير من الصلاة، بل الصلاة ما بعده، لقوله
صلى الله عليه وآله: " تحريمها التكبير " والمضاف مغاير للمضاف إليه (5).
قلنا: كل جزء يغاير كله ويصح إضافته إليه، كما يقال: ركوع الصلاة،
وسجود الصلاة، ووجه زيد.
واما رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام: " ان أمير المؤمنين عليه
السلام قال: أول صلاة أحدكم الركوع " (6) فالمراد ان أول ما يعلم به كون
الانسان مصليا الركوع لان ما قبله محتمل للصلاة وغيرها، أو ان الركوع أفضل
مما سبق فكأنه أول بالنسبة إلى الفضل.
ويؤيده رواية زرارة عن الباقر عليه السلام في فرائض الصلاة: " انها:
الوقت، والطهور، والركوع، والسجود، والقبلة، والدعاء " (7).

(1) التهذيب 2: 145 ح 568، الاستبصار 1: 352 ح 1332.
(2) المجموع 3: 291.
(3) التهذيب 2: 144، الاستبصار 1: 352.
(4) سيأتي صدره في 433 الهامش 3.
(5) المجموع 3: 290.
والحديث النبوي في: مسند ترتيب الشافعي: 70 ح 206، الجامع الصحيح 1: 9 ح 3،
سنن أبي داود 1: 16 ح 61.
(6) التهذيب 2: 97 ح 362.
(7) الكافي 3: 272 ح 5، التهذيب 2: 139 ح 543، وفيهما زيادة: " والتوجه ".
255

الثالثة: يتعين فيها (الله أكبر) مرتبا. فلو عكس الترتيب، أو عرف أكبر أو
نكره، أو قال: الله الأكبر، بطلت، لان الذي وقع بيانا من النبي صلى الله عليه
وآله (1) هو الصيغة المخصوصة فلا يجوز العدول عنها. وابعد من الاجزاء قوله:
الله العظيم أو الجليل.
وقال ابن الجنيد: ينعقد بقوله: الله الأكبر، وان كان فعله مكروها (2).
ولا تجزئ الترجمة للقادر، تأسيا بما فعله صاحب الشرع. فلو لم يعلمه
وجب عليه التعلم، ولا يصلي الا مع ضيق الوقت فيحرم بلغته، لان المعنى
معتبر مع اللفظ، فإذا تعذر اللفظ وجب اعتبار المعنى.
اما الأخرس، فيجب عليه النطق بما يمكن، فان تعذر حرك لسانه وأشار
بإصبعه ويكون ذلك بدلا من اللفظ، تحصيلا للمعنى مهما أمكن.
ولو أخل المصلي بحرف منها، بطلت. وحينئذ لو وصل همزة (الله)
فالأقرب البطلان، لان التكبير الوارد من صاحب الشرع انما كان بقطع الهمزة،
ولا يلزم من كونها همزة وصل، سقوطها، إذ سقوط همزة الوصل من خواص
الدرج بكلام متصل ولا كلام قبل تكبيرة الاحرام، فلو تكلفه فقد تكلف مالا
يحتاج إليه، فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعا.
الرابعة: يشترط فيها جميع شروط الصلاة من الاستقبال والقيام
وغيرهما، تحقيقا للجزئية. فلو كبر وهو آخذ في القيام، أو وهو هاو إلى الركوع
كما يتفق للمأموم، فالأقرب البطلان، لان الانحناء ليس قياما حقيقيا.
وهل تنعقد نافلة؟ الأقرب المنع، لعدم نيتها. ووجه الصحة حصول
التقرب، والقصد إلى الصلاة، والتحريم بتكبيرة لا قيام فيها، وهي من
خصائص النافلة.

(1) سنن ابن ماجة 1: 264 ح 803، المغني 1: 540، الشرح الكبير 1: 540.
(2) المعتبر 2: 152، تذكرة الفقهاء 1: 112.
256

وجوز الشيخ أن يأتي ببعض التكبير منحنيا (1) ولم نقف على مأخذه.
ويشترط فيها الموالاة. فلو فصل بين الجلالة وأكبر بكلمة - كقوله الله
الجليل، أو تعالى أكبر - أو سكت بينهما بما يعد فصلا، أو جعلهما على هيئة
التلفظ بأسماء العدد، بطلت، لان كل ذلك تغيير للهيئة المتلقاة من صاحب
الشرع.
الخامسة: يشترط القصد إلى الافتتاح. فلو قصد به تكبير الركوع، أو لم
يقصد أحدهما، بطل.
ولو قصدهما معا - كما في المأموم - فالاجزاء مذهب ابن الجنيد والشيخ
في الخلاف، محتجا باجماعنا (2) ورواه معاوية بن شريح عن الصادق عليه
السلام: " إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع، أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في
الصلاة والركوع " (3). ويمكن حمل كلام الشيخ والرواية على أن المراد سقوط
تكبير الركوع هنا ويكون له ثوابه لاتيانه بصورة التكبير عند الركوع، لا على أن
المصلي قصدهما معا، لان الفعل الواحد لا يكون له جهتا وجوب وندب.
ولو قلنا بوجوب تكبيرة الركوع - كما يجئ، وقد صرح به الشيخ هنا في
الخلاف (4) - لم تجز الواحدة، لان تداخل المسببات مع اختلاف الأسباب
خلاف الأصل، وكذا لو نذر تكبيرة الركوع لم تجز الواحدة. وحينئذ لو قصدهما
معا، فالأقرب عدم تحرمه بالصلاة، لعدم تمحض القصد إليها. ولا تنعقد
صلاته نفلا أيضا، لعدم نية، أو لان المسبب الواحد لا يجزئ عن السببين،
فعلى هذا لو نوى المتنفل بالتكبيرة الواحدة تكبيرتي الاحرام والركوع لم يحصلا
ولا أحدهما.

(1) الخلاف 1: 340 المسألة: 92.
(2) الخلاف 1: 314 المسألة: 63.
(3) الفقيه 1: 265 ح 1214، التهذيب 3: 45 ح 157.
(4) الخلاف 1: 314 المسألة: 63.
257

وعندي في هذه المسألة نظر، لان الأسباب قد تتداخل وجوبا - كما في
إجزاء الغسل الواحد للجنب وماس الميت - وندبا - كما في إجزاء الغسل
المندوب عن أسباب كثيرة - والفعل الواحد قد يحصل به الواجب والندب كما
في الجمع بين الصلاة على البالغ ستا والناقص عنها.
فرع:
لو كبر للافتتاح، ثم كبر ثانيا له مصاحبا للنية ولم ينو بطلان الأولى بطلت
الثانية، لأنه زيادة ركن، فلو كبر ثالثا صحت.
ولو نوى بطلان الأولى، وقلنا: بان النية كافية، صحت الثانية.
ولو نوى بالثانية الافتتاح غير مصاحب نية الصلاة فالأقرب، البطلان، أما إذا
لم ينو بالأول الافتتاح فظاهر، لعدم المقارنة، وأما إذا نوى به فلزيادة الركن،
ان قلنا: بنية الافتتاح المجردة عن نية الصلاة تحصل ركنية، والا فلا إبطال.
السادسة: يستحب فيه الاتيان بلفظة الجلالة من غير مد، فلو بالغ في
مد الألف المتخلل بين الهاء واللام كره، ولو أسقطه بالكلية بطل، ولا عبرة
بالكتابة ولا باللغة الضعيفة فيه بالسقوط.
ولو مد همزة (الله) صار بصورة الاستفهام، فان قصده بطلت الصلاة،
والا ففيه وجهان: البطلان، لخروجه عن صيغة الاخبار، والصحة، لان ذلك
كاشباع الحركة. والأول أولى.
ويأتي بلفظ أكبر على زنة افعل، فلو أشبع فتحة الباء صار جمع كبر
- بفتح الكاف والباء - وهو: الطبل له وجه واحد، فان قصده بطلت والا
فالوجهان. اما لو كان الاشباع يسيرا لا يتولد منه ألف لم يضر.
السابعة: يستحب رفع اليدين به وبسائر تكبير الصلاة.
وأوجبه المرتضى (1) لان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام

(1) الانتصار: 44.
وفعل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في: المصنف لابن أبي شيبة 1:
234، صحيح البخاري 1: 187، صحيح مسلم 1: 292 ح 390.
258

فعلوه (1) وللامر به قوله تعالى: (فصل لربك وانحر) (2) وروى ابن سنان عن
الصادق عليه السلام في النحر: " رفع اليدين حذاء الوجه " (3).
قلنا: الفعل أعم من الواجب والندب، وكذا الامر.
وحد الرفع محاذاة الاذنين والوجه، لما روي عن النبي صلى الله عليه
وآله (2) والصادق عليه السلام (5).
وقال الشيخ: يحاذي بهما شحمتي الاذن (6).
وقال ابن أبي عقيل: يرفعهما حذو منكبيه، أو حيال خديه، لا يجاوز
بهما اذنيه.
وقال ابن بابويه: يرفعهما إلى النحر، ولا يجاوز بهما الاذنين حيال
الخدين (7).
وليكونا مبسوطتين، ويستقبل بباطن كفيه القبلة. ولتكن الأصابع
مضمومة، وفي الابهام قولان، وفرقه أولى، واختاره ابن إدريس (8) تبعا للمفيد (9)

(1) التهذيب 2: 65 ح 234، 235 و 66 ح 236.
(2) سورة الكوثر: 2.
(3) التهذيب 2: 66 ح 237.
(4) المصنف لابن أبي شيبة 1: 233، سنن أبي داود 1: 193 ح 728، سنن النسائي 2: 122،
سنن الدارقطني 1: 292.
(5) التهذيب 2: 65 ح 233، 235.
(6) المبسوط 1: 103، الخلاف 1: 320 المسألة: 72.
(7) الفقيه 1: 198.
(8) السرائر: 44
(9) المقنعة: 16.
259

وابن البراج (1) وكل ذلك منصوص (2).
ولو كانت يداه تحت ثيابه ولم يخرجهما، رفعهما تحت الثياب. ولو كان
بهما عذر يمنع من كمال الرفع، رفع المقدور. ولو كان بإحداهما عذر، رفع
الأخرى. ومقطوع اليدين يرفع الذراعين، ولو قطع الذراعان رفع العضدان. ولو
قدر على الرفع فوق المنكبين، أو دون الاذنين، ولم يقدر على محاذاة الاذنين،
اختار الأول، لاشتماله على المستحب.
ويكره ان يتجاوز بهما رأسه واذنيه اختيارا، لما رواه العامة من نهي النبي
صلى الله عليه وآله (3) ورواه ابن أبي عقيل فقال: قد جاء عن أمير المؤمنين
عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله مر برجل يصلي وقد رفع يديه فوق
رأسه، فقال: مالي أرى أقواما يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم كأنها آذان خيل
شمس؟! " (4).
وعن أبي بصير عن الصادق عليه السلام: " إذا افتتحت الصلاة فكبرت،
فلا تتجاوز اذنيك، ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك " (5).

(1) المهذب 1: 92.
(2) قال العاملي في مفتاح الكرامة 2: 349 بعد حكايته لكلام الشهيد ما ملخصه: لم أقف على
نص بالعموم ولا الخصوص، لا في موضع الوفاق ولا في موضع الخلاف، الا قول الباقر عليه
السلام: " ولا تنشر أصابعك، وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك ". واستدل بعضهم على ضم
الأصابع بخبر حماد في وصف صلاة أبي عبد الله عليه السلام، وهو لا يؤدى المطلوب الا ان
يقال إنه ذكر في صدر الرواية: (فقام أبو عبد الله عليه السلام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه
على فخذيه قد ضم أصابعه وقضية الاستصحاب بقاء ذلك إلى حال الرفع، وكذا خبر البحار عن
زيد النرسي عن أبي الحسن عليه السلام لا يصلح دليلا في المقام، فالمدار على الاجماع
والاستصحاب في الأصابع ويبقى الكلام في الابهام.
وراجع: الحدائق الناضرة 8: 51، جواهر الكلام 9: 237.
(3) مسند أحمد 5: 101، 107، سنن أبي داود 1: 262 ح 1000، سنن النسائي 3: 4.
(4) المعتبر 2: 157، منتهى المطلب 1: 269.
(5) التهذيب 2: 65 ح 233.
260

والأصح ان التكبير يبتدأ به في ابتداء الرفع، وينتهي عند انتهاء الرفع - لا
في حال القرار مرفوعتين ولا حال إرسالهما، كما قاله بعض الأصحاب (1) - لقول
عمار: رأيت أبا عبد الله عليه السلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (2). ولا
فرق بين الرجل والمرأة في ذلك، ولا بين صلاة الفرض والنفل.
ويتأكد استحباب الرفع في تكبيرة الاحرام، وكذا يتأكد استحباب الرفع
في التكبير كله للامام.
الثامنة: يستحب ترك الاعراب في آخره، لما روي عن النبي صلى الله
عليه وآله أنه قال: " التكبير جزم " (3).
ويستحب الجهر بها للامام ليعلم من خلفه افتتاحه، والاسرار للمأموم،
اما المنفرد فله الخيرة في ذلك. وأطلق الجعفي رفع الصوت بها.
والتوجه بست غيرها أو أربع اثنتين، لرواية أبي بصير عن الصادق عليه
السلام: " إذا افتتحت الصلاة فكبر، إن شئت واحدة، وان شئت ثلاثا، وان
شئت خمسا، وان شئت سبعا، كل ذلك مجزئ غير انك إذا كنت إماما لم تجهر
الا بتكبيرة واحدة " (4).
وليدع عقيب الثالثة بما روى الحلبي عن الصادق عليه السلام: " اللهم
أنت الملك الحق، لا اله أنت سبحانك، اني ظلمت نفسي فاغفر لي انه لا
يغفر الذنوب الا أنت. ثم يكبر تكبيرتين ويقول: لبيك وسعديك، والخير في
يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، لا ملجأ منك الا إليك،
سبحانك وحنانيك تبارك وتعاليت سبحانك رب البيت. ثم يكبر اثنتين

(1) نسبه إلى بعض العلماء العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 113، ونهاية الإحكام 1: 457.
(2) مثله في التهذيب 2: 66 ح 236 عن ابن سنان.
(3) سنن الترمذي 2: 95 ح 296.
(4) التهذيب 2: 66 ح 239.
وآخره اقتباس من الآية 79 من سورة الأنعام.
261

ويقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة،
حنيفا مسلما وما أنا من المشركين " (1).
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام في التوجه: " وجهت وجهي للذي فطر
السماوات والأرض على ملة إبراهيم، حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، ان
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت
وأنا من المسلمين " (2).
وقد ورد الدعاء عقيب السادسة بقوله: " يا محسن قد أتاك المسئ، وقد
أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسئ، وأنت المحسن وأنا المسئ، فصل
على محمد وآله، وتجاوز عن قبيح ما تعلم مني " (3).
وورد أيضا انه يقول: " رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي " (4) الآية.
وكل حسن.
قال الأصحاب: ويتخير المصلي في تعيين تكبيرة الاحرام من هذه،
والأفضل جعلها الأخيرة (5).
والأقرب عموم استحباب السبع في جميع الصلوات. وقال علي بن
بابويه: تختص بالمواضع الستة: أول كل فريضة، وأول صلاة الليل، والوتر،
وأول نافلة الزوال، وأول نافلة المغرب، وأول ركعتي الاحرام (6) وزاد الشيخان:

(1) الكافي 3: 310 ح 7، التهذيب 2: 67 ح 244.
(2) التهذيب 2: 67 ح 245.
وآخره اقتباس من الآيتين 162، 163 من سورة الأنعام.
(3) فلاح السائل: 155، وراجع البحار 84: 375.
(4) أورد عن شرح النفلية في: مستدرك الوسائل 4: 143 ح 7.
والآية في سورة إبراهيم: 40.
(5) كالطوسي في المبسوط 1: 104، والعلامة في نهاية الإحكام 1: 458.
(6) الفقيه 1: 307.
262

الوتيرة (1).
لنا انه ذكر الله تعالى، والاخبار مطلقة فالتخصيص يحتاج إلى دليل.
ويجوز الولاء بينها، لما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام " استفتح
الصلاة بسبع تكبيرات ولاء " (2).
وزاد ابن الجنيد بعد التوجه: استحباب تكبيرات سبع، و (سبحان الله)
سبعا، و (الحمد لله) سبعا، و (لا إله إلا الله) سبعا، من غير رفع يديه، ونسبه
إلى الأئمة عليهم السلام (3).
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام: " إذا كبرت في أول الصلاة بعد
الاستفتاح إحدى وعشرين تكبيرة، ثم نسيت التكبير، أجزأك " (4).
فرع:
لو لحق المأموم الامام حال القراءة استحب له التوجه بالسبع، ثم يقرأ
مستحبا في الاخفاتية - كما يأتي إن شاء الله - ولو خاف فوت القراءة ترك التوجه،
قاله في المبسوط (5).
فائدة:
روى زرارة عن الباقر عليه السلام: " ان الحسين عليه السلام أبطأ عن
الكلام، فخرج به النبي صلى الله عليه وآله إلى الصلاة فأقامه عن يمينه، وافتتح
رسول الله صلى الله عليه وآله فكبر الحسين عليه السلام، فأعاد رسول الله
صلى الله عليه وآله التكبير فأعاد الحسين عليه السلام، وهكذا سبعا، فجرت

(1) المقنعة: 17، المبسوط 1: 104، النهاية: 73.
(2) الخصال: 347، التهذيب 2: 287 ح 1152.
(3) مختلف الشيعة: 99.
(4) الفقيه 1: 227 ح 1002، التهذيب 2: 144 ح 564.
(5) المبسوط 1: 104.
263

السنة بذلك " (1).
وروى هشام بن الحكم عن الكاظم عليه السلام علة أخرى، وهي: " ان
النبي صلى الله عليه وآله لما أسري به إلى السماء قطع سبعة حجب، فكبر عند
كل حجاب تكبيرة، حتى وصل إلى منتهى الكرامة " (2).
وروى الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام: " انما صارت التكبيرات
في أول الصلاة سبعا، لان أصل الصلاة ركعتان واستفتاحهما بسبع تكبيرات:
للافتتاح والركوع وتكبيرتين للسجود، فإذا كبر سبعا أولا لم يضره السهو عن
بعض التكبيرات " (3).
قال ابن بابويه: لا تناقض في هذه العلل، بل كثرتها مؤكدة (4).
قال: وسأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى رفع اليدين في
التكبيرة الأولى، فقال: " معناه الله أكبر الواحد الأحد ليس كمثله شئ، لا
يلمس بالأخماس، ولا يدرك بالحواس " (5).
تنبيهات:
الأول: روى الحلبي عن الصادق عليه السلام: ان الامام يسر في الست
الزائدة، ويجهر بالواجبة (6).
الثاني: لا يستحب رفع اليدين بالدعاء بين التكبيرات، ولا بعدها، قاله
ابن الجنيد: وظاهر الأصحاب انه لا يرفع يديه بدعاء في الصلاة، الا دعاء
القنوت.

(1) الفقيه: 1: 199 ح 918، علل الشرائع: 332.
(2) الفقيه 1: 199 ح 919.
(3) الفقيه 1: 200 ح 920، علل الشرائع: 261، عيون أخبار الرضا 1: 108.
(4) الفقيه 1: 200.
(5) الفقيه 1: 200 ح 922.
(6) الخصال: 347، التهذيب 2: 287 ح 1151.
264

الثالث: لا فرق في استحباب التكبيرات بين المنفرد والإمام والمأموم.
وظاهر ابن الجنيد اختصاص المنفرد بالاستحباب، وهو شاذ.
التاسعة: يكبر المأموم بعد تكبير الامام، تحقيقا للقدوة. فلو كبر معه
قطع الشيخ بالصحة في المبسوط (1) كما يجوز أن يساوقه في بقية الافعال، وان
كان تأخره في التكبير أفضل.
ومنع منه في الخلاف، لان معني الاقتداء أن يفعل الفعل كما فعله
الامام، وذلك لا يكون الا بعد فراغ الامام، ولما روي عن النبي صلى الله عليه
وآله: " انما الامام مؤتم به، فإذا كبر فكبروا " وهو نص (2) فان كبر قبله لم
يصح، ووجب قطعها بتسليمة ويستأنف بعده.
قال: وكذا لو كان قد صلى شيئا من الصلاة وأراد ان يدخل مع الامام
قطعها واستأنف معه (3) (4).
والظاهر أن هذا القطع في الموضعين مستحب، تحصيلا لفضيلة
الجماعة. واما وجوب كونه بتسليمة كما ذكره الشيخ فمشكل على مذهبه من
ندبية التسليم (5) ويمكن أن يراد به الوجوب التخييري بينه وبين فعل باقي
المنافيات وان كان التسليم أفضل، أما وجوبه عينا فلا، وخصوصا عند القائلين
بندبية التسليم.
الواجب الثالث: القيام، وانما اخر عن النية والتكبير ليتمحض جزءا من

(1) المبسوط 1: 103.
(2) الخلاف 1: 318 المسألة: 69.
(3) الخلاف 1: 318 المسألة: 70.
(4) وراجع في الحديث النبوي: المصنف لعبد الرزاق 2: 461 ح 4082، مسند أحمد 2: 314،
صحيح البخاري 1: 175، صحيح مسلم 1: 308 ح 411، سنن ابن ماجة 1: 276 ح 846،
سنن أبي داود 1: 164 ح 603، سنن النسائي 2: 83، مسند أبي يعلى 10: 315 ح 5909،
الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 271 ح 2104.
(5) الخلاف 1: 376 المسألة: 134.
265

الصلاة، إذ هو قبلهما شرط محض، وفي أثنائهما متردد بين الشرط والجزء. ولو
قدم البحث فيه عليهما جاز، كما فعله جماعة منهم: الشيخ في المبسوط.
والكلام إما في واجباته، أو في مستحباته، وفي الواجبات مسائل.
الأولى: على وجوب القيام اجماع العلماء، وقوله تعالى: (وقوموا لله
قانتين) (1) أي: مطيعين.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعمران بن الحصين: " صل
قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب " (2).
وروى أبو حمزة عن الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: (الذين
يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم): " الصحيح يصلي قائما، والمريض
يصلي جالسا، والأضعف من المريض يصلي على جنبه " (3).
الثانية: حد القيام الانتصاب مع الاقلال، ولا يخل بالانتصاب اطراق
الرأس، إذ المعتبر نصب الفقار. ويخل به الميل إلى اليمين أو اليسار اختيارا
بحيث يزول عن سنن القيام، وكذا إذا انحنى ولو لم يبلغ حد الراكع لم يجزئه.
اما من تقوس ظهره لكبر أو زمانة فإنه يجزئه تلك الحالة، بل يجب عليه القيام
كذلك، ولا يجوز له القعود عندنا.
والمراد بالاقلال ان يكون غير مستند إلى شئ، بحيث لو رفع السناد
سقط.
وروى علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام في الاستناد إلى حائط
المسجد، ووضع اليد عليه من غير مرض ولا علة، فقال: " لا بأس " وكذا لو

(1) سورة البقرة: 238.
(2) مسند أحمد 4: 426، صحيح البخاري 2: 60، سنن ابن ماجة 1: 386 ح 1223، سنن
أبي داود 1: 250 ح 952 الجامع الصحيح 2: 208 ح 372، سنن الدارقطني 1: 380.
(3) الكافي 3: 411 ح 11، التهذيب 2: 169 ح 672، 3: 176 ح 396.
والآية في سورة آل عمران: 191.
266

استعان على القيام بتناول جانب المسجد من غير علة (1).
واخذ أبو الصلاح بظاهر الخبر، وعد الاعتماد على ما يجاور المصلي من
الأبنية مكروها (2) والخبر لا يدل على الاعتماد صريحا، إذ الاستناد يغايره وليس
بمستلزم له، اما مع الضرورة فلا شك في جواز الاعتماد.
ولو عجز عن الركوع والسجود وقدر على القيام، لم يسقط بعجزه عنهما،
ووجب القيام ثم الاتيان بما قدر منهما، فان تعذرا أومأ بالرأس، فان تعذر
فبطرفه. ولو قدر على القيام في بعض القراءة وجب.
الثالثة: لو عجز عن القيام أصلا قعد، ولا عبرة بقدرته على المشي مقدار
صلاته إذا كان يتعذر عليه القيام للصلاة، لقول الباقر عليه السلام: " ذاك إليه،
هو أعلم بنفسه " (3). وروى جميل عن الصادق عليه السلام: " هو أعلم بنفسه،
إذا قوي فليقم " (4).
وفي رواية سليمان المروزي عن الفقيه: " المريض انما يصلي قاعدا إذا
صار إلى الحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته " (5). وتحمل على
من يتمكن من القيام إذا قدر على المشي، لتلازم بينهما غالبا، فلا يرد جواز
انفكاكهما.
فرع:
لو قدر على القيام، ولما يقدر على المشي، وجب.
ولو عجز عن القيام مستقرا، وقدر على القيام ماشيا أو مضطربا من غير

(1) قرب الإسناد: 94، الفقيه 1: 237 ح 1045، التهذيب 2: 326 ح 1339.
(2) الكافي في الفقه: 125.
(3) التهذيب 3: 177 ح 399. وفي الكافي 4: 118 ح 2، والتهذيب 4: 256 ح 758 عن الإمام الصادق
عليه السلام.
(4) الكافي 3: 410 ح 3، التهذيب 2: 169 ح 773، 3: 177 ح 400.
(5) التهذيب 3: 178 ح 402.
267

معاون، ففي ترجيحه على القيام ساكنا بمعاون، أو على القعود لو تعذر
المعاون، نظر، أقربه ترجيحهما عليه، لان الاستقرار ركن في القيام إذ هو
المعهود من صاحب الشرع.
وقال الفاضل: يجب المشي، ولا يصلي قاعدا (1).
الرابعة: إذا انتقل فرضه إلى القعود، قعد كيف شاء.
والأفضل أن يتربع قارئا، ويثني رجليه راكعا، ويتورك بين السجدتين
ومتشهدا. فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه لما صلى جالسا تربع (2).
وروى حمران بن أعين عن أحدهما عليهما السلام، قال: " كان أبي عليه
السلام إذا صلى جالسا تربع، فإذا ركع ثنى رجليه " (3) وهو شامل للفريضة
والنافلة.
وانما حملناه على الندب، لما رواه معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه
السلام في المصلي جالسا يتربع أو يبسط رجله: " لا بأس بذلك " (4).
نعم، يكره الاقعاء، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " لا تقع
اقعاء الكلاب " (5).
وفسره الأصحاب: بان يفرش رجليه، ويضع أليتيه على عقبيه (6).
وفسره أبو عبيد: بان يجلس على وركيه، وينصب فخذيه وركبتيه، ويضع
يديه على الأرض، لان الكلب كذا يصنع (7).
وقال بعض الأصحاب: ان يقعد على عقبيه، ويجعل يديه على

(1) تذكرة الفقهاء 1: 110.
(2) سنن الدارقطني 1: 397، سنن النسائي 3: 224، المستدرك على الصحيحين 1: 258.
(3) الفقيه 1: 238 ح 1049، التهذيب 2: 171 ح 679.
(4) الفقيه 1: 238 ح 1050، التهذيب 2: 170 ح 678.
(5) سنن ابن ماجة 1: 289 ح 894، 895.
(6) العلامة في نهاية الإحكام 1: 438.
(7) غريب الحديث 1: 210.
268

الأرض (1).
والمراد بثني الرجلين: أن يفترشهما تحته، ويقعد على صدورهما بغير
اقعاء.
الخامسة: احتمل بعض الأصحاب في كيفية ركوع القاعد وجهين
ذكرهما العامة، وهما متقاربان.
الأول: أن ينحني حتى يصير بالإضافة إلى القاعد المنتصب، كالراكع
قائما بالإضافة إلى القائم المنتصب، فتعرف النسبة بين حالة الانتصاب وبين
الركوع قائما، ويقدر كأن الماثل من شخصه عند القعود هو قدر قامته، فينحي
بمثل تلك النسبة.
الثاني: أن ينحني إلى حد تكون النسبة بينه وبين السجود، كالنسبة
بينهما في حال القيام. ومعناه: ان أكمل الركوع عند القيام ان ينحني بحيث
يستوي ظهره وعنقه ويمدهما، وحينئذ تحاذي جبهته موضع سجوده. وأقله: أن
ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه، وحينئذ يقابل وجهه أو بعض الوجه ما وراء
ركبتيه من الأرض، وتبقى بين الموضع المقابل وموضع السجود مسافة،
فيراعي هذه النسبة في حال القعود.
فأكمل ركوع القاعد أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده،
وأقله أن ينحني قدر ما يحاذي وجهه ما قدام ركبتيه من الأرض.
فروع:
الأول: قدر القاعد على الانحناء إلى أقل ركوع مثله، ولم يقدر على
الزيادة عليه، فيجب عليه الاتيان به للركوع مرة وللسجود أخرى، وليس له أن
ينقص منه للركوع ليصير السجود أخفض، لأنه يستلزم ترك الركوع للقادر عليه،
وهو غير جائز.

(1) لم نعثر على القائل، وانظر مفتاح الكرامة 2: 449.
269

الثاني: قدر على أكمل ركوع القاعد من غير زيادة، فالأقرب المساواة
للأول وان أتى به مرتين. لكن يجوز هنا الاقتصار في الركوع على الأقل وايثار
السجود بالزائد، والظاهر أنه لا يجب ذلك، لبعد المنع من الركوع الكامل
للقادر عليه.
الثالث: قدر على أكمل الركوع وزيادة، فيجب هنا إيثار السجود بالزائد
قطعا، لان الفرق بينهما واجب مع الامكان وقد أمكن، وهو معني قولهم: يجب
ان يكون السجود أخفض.
الرابع: قدر على زيادة الخفض في السجود ولا ريب في وجوبه، حتى
لو أمكنه السجود على أحد الجبينين أو الصدغين أو الذقن أو عظم الرأس
وجب، والا وجب ادناء رأسه من الأرض بحسب الطاقة - ولو افتقر إلى رفع ما
يسجد عليه وجب - لما سبق في باب ما يسجد عليه من رواية أبي بصير عن
الصادق عليه السلام (1).
الخامس: ركع أكمل الركوع، فلما رفع تعذر ذلك للسجود، اقتصر على
المقدور، لان الأخفضية انما تجب مع الامكان. ولو علم من نفسه انه إذا ركع
أكمل الركوع عجز عن أخفضية السجود، اقتصر على أقل الركوع.
المسألة السادسة: يجوز القعود مع القدرة على القيام لخائف التلف من
القيام، أو زيادة المرض، أو العدو، أو المشقة الشديدة، أو قصر السقف. ولو
أمكن الانحناء قدم على القعود. ولو أمكن في البعض حالة أكمل، وجبت
بحسب المكنة.
السابعة: الأقرب وجوب الاعتماد على الرجلين معا في القيام، ولا تجزئ
الواحدة مع القدرة، لعدم الاستقرار، وللتأسي بصاحب الشرع. ولا يجوز
تباعدهما بما يخرجه عن حد القيام.

(1) تقدمت في ص 150، الهامش 5.
270

ولو تردد الامر بين الانحناء وبين تفريق الرجلين تعارض القول بقيام
النصف الاعلى والأسفل، ففي ترجيح أحدهما نظر، أقربه ترجيح قيام الاعلى،
لان به يتحقق الفرق بين الركوع والقيام، ولبقاء مسمى القيام معه، ولأنه كقصر
القامة.
الثامنة: لو عجز عن القعود وقدر على القيام والاضطجاع، فالأقرب
الايماء للسجود قائما، وكذا يجعل مكان جلوسه بين السجدتين قيامه، ولا
يجعل سجوده وجلوسه مضطجعا، لان القيام أكمل، ويجب [زيادة] انخفاضه في
السجود عن الانخفاض في الركوع ان أمكن.
التاسعة: لو عجز عن القعود مستقلا وجب متعمدا على شئ، فان عجز
صلى مضطجعا على جانبه الأيمن - كالملحود - مستقبلا بوجهه القبلة، لما مر،
ولقول الصادق عليه السلام في رواية حماد: " المريض إذا لم يقدر ان يصلي
قاعدا يوجه كما يوجه الرجل في لحده، وينام على جنبه الأيمن ثم يومئ
بالصلاة، فإن لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه جائز، ويستقبل
بوجهه القبلة " (1). وفيها دلالة على أن الجانب الأيمن مقدم على الأيسر، وعلى

(1) أخرجها المحقق في المعتبر 2: 161.
وروى الشيخ في التهذيب باسناده عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المريض
إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا كيف قدر صلى، اما ان يوجه فيومئ ايماء " وقال: " يوجه كما
يوجه... " الخ وكما في المتن عن حماد.
قال المجلسي في بحار الأنوار 84: 337 بعد ايراده الروايتين عن التهذيب والمعتبر: وتشابه
الخبرين في أكثر الألفاظ يوهم اشتباه عمار بحماد منه رحمه الله أو من النساخ، وتغيير عبارة
الخبر لتصحيح مضمونه نقلا بالمعني، وجلالته تقتضي كونه خبرا آخر، واشتباه النساخ بعيد
لاتفاق ما رأينا من النسخ على حماد، وسائر اجزاء الخبر كما نقلنا، الا ان يكون من الناسخ
الأول، والله أعلم.
وقال البحراني في الحدائق الناضرة 8: 76 بعد رده على من قال بوحدة الروايتين:
فالظاهر عندي ان رواية حماد مستقلة متنا وسندا. ومثله قال العاملي في مفتاح الكرامة 2:
312.
271

انه لو عجز عن الأيمن أجزأه الأيسر، ومن الأصحاب من خير بين الجنبين.
ويومئ برأسه للركوع والسجود. ولو أمكن تقريب مسجد إليه ليضع عليه
جبهته ويكون بصورة الساجد، وجب.
وقد روى الشيخ - في باب صلاة المضطر - عن سماعة، قال: سألته عن
المريض لا يستطيع الجلوس، قال: " فليصل وهو مضطجع، وليضع على
جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزئ عنه، ولن يكلفه الله ما لا طاقة له به " (1).
قلت يمكن أن يراد به مع اعتماده على ذلك الشئ، وهذا لا ريب في
وجوبه. ويمكن أن يراد به على الاطلاق، اما مع الاعتماد فظاهر، واما مع عدمه
فلان السجود عبارة عن الانحناء وملاقاة الجبهة ما يصح السجود عليه باعتماد،
فإذا تعذر ذانك وملاقاة الجبهة ممكنة وجب تحصيله، لان " الميسور لا يسقط
بالمعسور " (2) فان قلنا به أمكن انسحابه في المستلقي.
اما المومئ قائما، فيجب اعتماد جبهته على ما يصح السجود عليه مع
إمكانه قطعا، وان عجز صلى مستلقيا، لمرسلة محمد بن إبراهيم عن الصادق
عليه السلام: " المريض إذا لم يقدر على الصلاة جالسا صلى مستلقيا يكبر ثم
يقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبح، فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتحه
عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد ان يسجد غمض عينيه ثم سبح، فإذا سبح
فتح عينيه فيكون فتحه عينيه رفع رأسه من السجود، ثم يتشهد وينصرف " (3).
والجمع بين الروايتين بالحمل على التقية أو بأنه ترك ذكر الجنب لعلمه
بفهم المخاطب. هذا مع أن الأولى أجود سندا، ومعتضدة بقوله تعالى:

(1) التهذيب 3: 306 ح 944.
(2) عوالي اللآلي 4: 58 ح 205.
(3) الكافي 3: 411 ح 12، الفقيه 1: 235 ح 1033، التهذيب 2: 169 ح 671، 3: 176
ح 393.
272

(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) (1) وبعمل الأصحاب، وبما
رواه في الفقيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " المريض يصلي قائما،
فإن لم يستطع صلى جالسا، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فإن لم
يستطع صلى على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى وأومأ ايماء، وجعل
وجهه نحو القبلة وجعل سجوده أخفض من ركوعه " (2).
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: " ان رسول الله صلى الله عليه وآله
سأله مريض من الأنصار وقد دخل عليه كيف يصلي، فقال: ان استطعتم ان
تجلسوه، والا فوجهوه إلى القبلة، ومروه فليومئ برأسه ايماء، ويجعل السجود
أخفض من الركوع، وان كان لا يستطيع أن يقرأ فاقرؤا عنده وأسمعوه " (3).
فروع:
المستلقي كالمحتضر في استقباله بوجهه وأخمصيه القبلة. والأقرب ان
الايماء بالطرف انما يكون مع العجز عن الرأس، لأنه أقرب إلى السجود.
ويجوز الاستلقاء للعلاج وايقاع الصلاة فيه وان قدر على القيام، سواء
كان العلاج للعين أو غيرها، إذا حكم الطبيب باحتياجه إليه، لقول الصادق
عليه السلام وسأله سماعة بن مهران: عن الرجل يكون في عينيه الماء فينزع
الماء منها، فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أو أقل أو أكثر، فيمتنع
من الصلاة الا ايماء وهو على حاله، فقال: " لا بأس بذلك " (4).
وسأله بزيع المؤذن فقال له: اني أريد أن اقدح عيني، فقال: " افعل ".
فقلت: انهم يزعمون أنه يلقى على قفاه كذا وكذا يوما لا يصلي قاعدا! قال:

(1) سورة آل عمران: 191.
(2) الفقيه 1: 236 ح 1037.
(3) الفقيه 1: 236 ح 1038.
(4) الفقيه 1: 235 ح 1035، التهذيب 3: 306 ح 945.
273

" افعل " (1) ومثله رواه محمد بن مسلم عنه عليه السلام (2). ولقول الصادق عليه
السلام: " ليس من شئ حرم الله الا وقد أباحه لمن اضطر إليه " (3).
قالوا: لم يرخص الصحابة لابن عباس في الاستلقاء لعلاج العين، وكان
قد قال له الأطباء: ان مكثت سبعا عالجناك، وكان فيمن أفتاه بالمنع أم سلمة
وعائشة وأبو هريرة، فترك العلاج فكف بصره (4).
قلنا لعله لم يكن البرء مظنونا.
ولو تمكن من حالة عليا منفرا، وإذا اقتدى لم يتمكن، صلى منفردا،
كمن يتمكن من القيام وحده ولا يتمكن مع الامام لتطويله. ويحتمل جواز
القدوة، فيجلس إذا عجز إذا كان الجلوس بعد استيفاء واجب القراءة ولم يستلزم
الاخلال بركن من الأركان، لأنه ليس فيه أكثر من التخلف عن الامام لعذر،
وهو جائز إذا فاجأه العذر، كالمزاحم عن السجود.
المسألة العاشرة: ينتقل كل من القادر إذا تجدد عجزه، والعاجز إذا
تجددت قدرته، إلى ما يقدر عليه مستمرا ولا يستأنف، لأصالة الصحة،
وللامتثال المقتضي للاجزاء.
فالقائم إذا عجز اعتمد، ثم قعد، ثم اضطجع، ثم استلقى، ولا يعد
هذا فعلا كثيرا. وكذا لو قدر المستلقي اضطجع، ثم قعد، ثم اعتمد، ثم قام
مستقبلا. ولو قدر المستلقي على القيام التام وجب من غير توسط غيره، وكذا
لو عجز القائم عن الوسائط استلقى.
قال الأصحاب: ويقرأ في انتقاله إلى ما هو أدنى، لان تلك الحالة أقرب

(1) الفقيه 1: 236 ح 1036.
(2) الكافي 3: 410 ح 4.
(3) التهذيب 3: 177 ح 397.
(4) السنن الكبرى 2: 309، وراجع: تلخيص الحبير 3: 301.
274

إلى ما كان عليه (1).
ويشكل بان الاستقرار شروط مع القدرة ولم يحصل، وتنبه عليه رواية
السكوني عن الصادق عليه السلام في المصلي يريد التقدم، قال: " يكف عن
القراءة في مشيه حتى يتقدم ثم يقرأ " (2)، وقد عمل الأصحاب بمضمون
الرواية (3).
ولا يقرأ المنتقل إلى الاعلى قطعا، لان فرضه انتقل إلى الحالة العليا،
فلو كان قد قرأ بعضا بني، ويجوز الاستئناف بل هو أفضل، لتقع جميع القراءة
متتالية في الحال الاعلى.
ولو خف بعد القراءة وجب القيام للركوع. وهل تجب الطمأنينة في هذا
القيام قبل الهوي؟ قال الفاضل: لا تجب (4) بناء على أن القيام انما تجب
الطمأنينة فيه لأجل القراءة وقد سقطت. ويحتمل الوجوب:
اما أولا: فلضرورة كون الحركتين المتضادتين في الصعود والهبوط بينهما
سكون، فينبغي مراعاته ليتحقق الفصل بينهما.
واما ثانيا: فلان ركوع القائم يجب ان يكون عن طمأنينة، وهذا ركوع
قائم.
واما ثالثا: فلان معه يتيقن الخروج عن العهدة. ولا تستحب إعادة القراءة
هنا، لعدم الامر بتكرارها في الركعة الواحدة وجوبا ولا ندبا.

(1) شرائع الاسلام 1: 80.
(2) الكافي 3: 316 ح 24، التهذيب 2: 290 ح 1165.
(3) قال العاملي في مفتاح الكرامة 2: 315 بعد حكاية قول المصنف هذا: ان نسبة ذلك إلى
الأصحاب لا يخلو من ريبة، لأنا لم نجد أحدا من القدماء صرح بذلك، وقد تتبعت... فلم
أجد في موضع منها التصريح بذلك... اللهم الا ان يكونوا ذكروا ذلك في مطاوي كلامهم مما
زاغ عنه النظر، أو يكون الشهيد أراد مشايخه كالفخر والعميد والعلامة والآبي وغيرهم ممن
شاهدهم أو نقل له ذلك عنهم، فليتأمل.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 110، نهاية الإحكام 1: 442.
275

ولو خف في ركوعه قاعدا قبل الطمأنينة وجب اكماله، بان يرتفع منحنيا
إلى حد الراكع، وليس له الانتصاب لئلا يزيد ركوعا، ثم يأتي بالذكر قائما لأنه
لم يكن أكمله، فان اجتزأنا بالتسبيحة الواحدة لم يجز البناء، لعدم سبق كلام
تام الا ان نقول: هذا الفصل لا يقدح في الموالاة، وان أوجبنا التعدد أتى بما
بقي قطعا.
ولو خف بعد الطمأنينة، قام للاعتدال من الركوع، ووجبت الطمأنينة في
الاعتدال.
ولو خف بعد الاعتدال من الركوع قبل الطمأنينة فيه، قام ليطمئن.
ولو خف بعد الطمأنينة في الاعتدال، فالأقرب وجوب القيام، ليسجد
عن قيام كسجود القائم. وفي وجوب الطمأنينة في هذا القيام بعد، الا إذا عللنا
بتحصيل الفصل الظاهر بين الحركتين، فتجب الطمأنينة.
ولو ركع القائم فعجز عن الطمأنينة، فالأقرب الاجتزاء به، ويأتي بالذكر
فيه وبعده، وليس له الجلوس ليركع ركوع الجالس مطمئنا. وحينئذ ان تمكن
من الاعتدال والطمأنينة وجب، وان تمكن من مجرد الاعتدال فالظاهر وجوبه
وتسقط الطمأنينة، مع احتمال جلوسه للاعتدال والطمأنينة فيه.
الحادية عشرة: قد سبق جواز النافلة قاعدا للقادر على القيام،
والأقرب عدم جواز الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة على القعود والقيام،
لعدم ثبوت النقل فيه، مع أصالة عدم التشريع، والاعتذار بان الكيفية تابعة
للأصل فلا تجب كالأصل مردود، لان الوجوب هنا بمعني الشرط، كالطهارة
في النافلة وترتيب الافعال فيها.
الكلام في مستحبات القيام، وهي أمور:
منها: ان يقول ما قاله الصادق عليه السلام في خبر ابان، قال: " إذا قمت
إلى الصلاة فقل: اللهم إني أقدم إليك محمدا بين يدي حاجتي، وأتوجه به إليك
فاجعلني به وجيها في الدنيا والآخرة، ومن المقربين، واجعل صلاتي به متقبلة،
276

وذنبي به مغفورا، ودعائي به مستجابا، انك أنت الغفور الرحيم " (1).
ومنها: ما قاله ابن بابويه، قال: إذا قمت إلى الصلاة فلا تأتها متكاسلا
ولا متناعسا ولا مستعجلا، ولكن على سكون ووقار، فإذا دخلت في صلاتك
فعليك بالتخشع والاقبال على صلاتك، واخشع ببصرك (إلى الله عز وجل) (2)
ولا ترفعه إلى السماء، وليكن نظرك إلى موضع سجودك، واشغل قلبك
بصلاتك، فإنه لا يقبل من صلاتك الا ما أقبلت عليه منها بقلبك، حتى أنه ربما
قبل من صلاة العبد ربعها وثلثها ونصفها (3).
قلت: روى زرارة عن الباقر عليه السلام، وروى محمد بن مسلم في
الصحيح عنه عليه السلام: " ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها وثلثها وربعها
وخمسها، فما يرفع له الا ما اقبل عليه منها بقلبه، وانما أمروا بالنوافل ليتمم
لهم ما نقصوا من الفريضة " (4).
وفي الصحيح عن الفضيل بن يسار عن الباقر والصادق عليهما السلام:
" انما لك من صلاتك ما أقبلت عليه منها، فان أوهمها كلها أو غفل عن أدائها
لفت فضرب بها وجه صاحبها " (5).
وقال: ليكن قيامك في الصلاة قيام العبد الذليل بين يدي الملك
الجليل، ولا تقدم رجلا على رجل، وراوح بين قدميك واجعل بينهما قدر ثلاث
أصابع إلى شبر (6). وفي المبسوط: أربع أصابع إلى شبر (7).

(1) الكافي 3: 309 ح 3، الفقيه 1: 197 ح 917، التهذيب 2: 287 ح 1149.
(2) ليست في المصدر.
(3) الفقيه 1: 197.
(4) الكافي 3: 299 ح 1، 363 ح 2، علل الشرائع: 328، 358، التهذيب 2: 341 ح 1413.
(5) الكافي 3: 363 ح 4، التهذيب 2: 342 ح 1417.
(6) الفقيه 1: 198.
(7) المبسوط 1: 101.
277

وأكثر هذه مسند عنهم عليهم السلام في التهذيب، مع أن ابن بابويه
ضمن في كتابه الحكم بصحة ما يورده (1).
ومنها: الاعتدال في القيام وإقامة النحر، لمرسلة حريز عن الباقر عليه
السلام في قوله تعالى: (فصل لربك وانحر) قال: " النحر الاعتدال في القيام
ان يقيم صلبه ونحره " (2).
وقال أبو الصلاح: يرخي ذقنه على صدره (3).
ومنها: أن يثبت على قدميه، ولا يطأ مرة على هذه ومرة على هذه، ولا
يتقدم مرة ويتأخر أخرى، قالهما الجعفي.
ولنورد هنا حديثين مشهورين معتبري الاسناد يشتملان على معظم أفعال
الصلاة.
أحدهما: رواه زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: " إذا قمت في الصلاة
فلا تلصق قدمك بالأخرى، دع بينهما إصبعا أقل ذلك إلى شبر أكثره. وأسدل
منكبيك، وأرسل يديك، ولا تشبك أصابعك، وليكونا على فخذيك قباله
ركبتيك، وليكن نظرك موضع سجودك.
فإذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك، تجعل بينهما قدر شبر،
وتمكن راحتيك من ركبتيك، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل
اليسرى، وبلغ بأطراف أصابعك في ركوعك عين الركبة، وفرج أصابعك إذا
وضعتهما على ركبتيك، فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك
أجزأك ذلك، وأحب إلي ان تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين
الركبة وتفرج بينهما، وأقم صلبك، مد عنقك، وليكن نظرك إلى ما بين

(1) الفقيه 1: 3.
(2) الكافي 3: 336 ح 9، التهذيب 2: 84 ح 309.
والآية في سورة الكوثر: 2.
(3) الكافي في الفقه: 142.
278

قدميك.
فإذا أردت ان تسجد، فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا، وابدأ بيديك
تضعهما على الأرض قبل ركبتيك وتضعهما معا، ولا تفترش ذراعيك افتراش
السبع ذراعه، ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ولكن تجنح بمرفقيك،
ولا تلزق كفيك بركبتيك ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك، ولا
تجعلهما بين يدي ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا، وابسطهما على
الأرض بسطا واقبضهما إليك قبضا، وان كان تحتهما ثوب فلا يضرك، وان
أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل، ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك
ولكن ضمهن جميعا.
قال: وإذا قعدت في تشهدك فالصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا
وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض، وظاهر قدمك اليمنى على باطن
قدمك اليسرى، وألياك على الأرض، وطرف ابهامك اليمنى على الأرض.
وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك، ولا تكون قاعدا على الأرض انما قعد
بعضك على بعض، فلا تصبر للتشهد والدعاء " (1).
الثاني: رواه حماد بن عيسى، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام يوما:
" يا حماد أتحسن أن تصلي ". قال فقلت يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في
الصلاة. قال: " لا عليك يا حماد قم فصل ". قال: فقمت بين يديه متوجها إلى
القبلة فاستفتحت الصلاة، فركعت وسجدت. فقال: " يا حماد لا تحسن أن
تصلي، ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون أو سبعون سنة، فلا يقيم صلاة
واحدة بحدودها تامة!
قال حماد: فأصابني في نفسي الذل، فقلت: جعلت فداك فعلمني
الصلاة. فقام أبو عبد الله عليه السلام مستقبل القبلة منتصبا، فأرسل يديه جميعا

(1) الكافي 3: 343 ح 1، التهذيب 2: 83 ح 308.
279

على فخذيه، قد ضم أصابعه وقرب بين قدميه، حتى كان بينهما قدر ثلاث
أصابع منفرجات، واستقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة لم يحرفهما عن القبلة،
وقال بخشوع: " الله أكبر " ثم قرأ الحمد - بترتيل - وقل هو الله أحد.
ثم صبر هنيئة بقدر ما يتنفس وهو قائم، ثم رفع يديه حيال وجهه وقال:
" الله أكبر " وهو قائم، ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه متفرجات، ورد ركبتيه إلى
خلفه حتى استوي ظهره، حتى لو صب عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل
لاستواء ظهره، ومد عنقه وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل، فقال: " سبحان
ربي العظيم وبحمده ".
ثم استوي قائما، فلما استمكن من القيام قال: " سمع الله لمن حمده "
ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه، ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي
الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه، فقال: " سبحان ربي الأعلى وبحمده "
ثلاث مرات، ولم يضع شيئا من جسده على شئ منه، وسجد على ثمانية
أعظم: الكفين، والركبتين، وأنامل إبهامي الرجلين، والجبهة، والأنف،
وقال: " سبعة منها فرض يسجد عليها، وهي التي ذكرها الله في كتابه فقال:
(وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) (1) وهي: الجبهة، والكفان،
والركبتان (2)، والإبهامان، ووضع الانف على الأرض سنة ".
ثم رفع رأسه من السجود، فلما استوي جالسا قال: " الله أكبر " ثم قعد
على فخذه الأيسر، قد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر، فقال:
" استغفر (3) ربي وأتوب إليه " ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية، وقال
كما قال في الأولى، ولم يضع شيئا من بدنه على شئ منه في ركوع ولا سجود،
وكان مجنحا ولم يضع ذراعيه على الأرض. فصلى ركعتين على هذا، ويداه

(1) سورة الجن: 17.
(2) أثبتناها من ط والمصادر.
(3) في ط والمصادر زيادة: " الله ".
280

مضمومتا الأصابع وهو جالس في التشهد، فلما فرغ من التشهد سلم فقال: " يا
حماد هكذا صل " (1).
قلت: الظاهر أن صلاة حماد كانت مسقطة للقضاء والا لامره بقضائها،
ولكنه عدل به إلى الصلاة التامة كما قال: " فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها
تامة ".
وقوله: (وغمض عينيه) لا ينافيه ما اشتهر بين الأصحاب من استحباب
نظره إلى ما بين قدميه (2) كما دل حديث زرارة (3) لان الناظر إلى ما بين قدميه
تقرب صورته من صورة المغمض، والشيخ قال في النهاية: وغمض عينيك فإن لم
تفعل فليكن نظرك إلى ما بين رجليك (4)، فأراد بالتغميض معناه الحقيقي،
مع أن مسمعا روى عن أبي عبد الله عليه السلام: " ان النبي صلى الله عليه وآله
نهي أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة " (5).
قال في المعتبر: خبر حماد خاص فيقدم (6).
ومنها: القنوت، وهو مستحب في قيام كل ثانية قبل الركوع، فريضة أو
نافلة، وفيه مباحث.
أ: في استحبابه في الجملة، وعليه الأكثر.
وظاهر ابن أبي عقيل وجوبه في الجهرية (7) وابن بابويه وجوبه مطلقا، وان

(1) الكافي 3: 311 ح 8، الفقيه 1: 196 ح 916، أمالي الصدوق: 337، التهذيب 2: 81
ح 301.
(2) راجع: المقنعة: 16، والمبسوط 1: 101، والسرائر: 46.
(3) تقدم في ص 278 - 279 الهامش 1.
(4) النهاية: 71.
(5) التهذيب 2: 314 ح 1280.
(6) المعتبر 2: 346.
(7) حكاه عنه المحقق في المعتبر 2: 243، والعلامة في مختلف الشيعة: 96.
281

الاخلال به عمدا يبطل الصلاة (1).
لنا: الأصل، وصحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام: " ان شئت
فاقنت، وان شئت لا تقنت " (2).
وخبر يونس بن بعقوب عن الصادق عليه السلام: " لا تقنت الا في
الفجر " (3) وخبر سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام: " ليس القنوت
الا في الغداة والجمعة والوتر والمغرب " (4)، نفي القنوت في غيرها، وهذان
الشيخان لا ينفيانه.
وخبر عبد الملك عن الصادق عليه السلام، وسأله هل القنوت قبل
الركوع أو بعده، فقال: " لا قبله، ولا بعده " (5) نفي الوجوب، لثبوت الاستحباب
بأخبار تكاد تبلغ التواتر، وباجماع الامامية.
روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: " القنوت في كل ركعتين
في التطوع أو الفريضة " (6).
وعن زرارة عنه عليه السلام: " القنوت في كل الصلوات " (7).
لهما: خبر وهب عن الصادق عليه السلام: " من ترك القنوت رغبة عنه
فلا صلاة له " (8) وخبر عمار عنه عليه السلام: " ليس له ان يدعه متعمدا " (9).
وفي صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام وسأله عن الفرض في الصلاة،

(1) الفقيه 1: 207.
(2) التهذيب 2: 91 ح 340، الاستبصار 1: 340 ح 1281.
(3) التهذيب 2: 91 ح 339، الاستبصار 1: 340 ح 1280.
(4) التهذيب 2: 91 ح 338، الاستبصار 1: 340 ح 1279.
(5) التهذيب 3: 17 ح 60، الاستبصار 1: 417 ح 1604.
(6) الفقيه 1: 207 ح 934، التهذيب 2: 90 ح 236، الاستبصار 1: 339 ح 1277.
(7) الفقيه 1: 208 ح 935، 312 ح 1417.
(8) الكافي 3: 339 ح 6.
(9) التهذيب 2: 315 ح 1285.
282

فقال: " الوقت، والطهور، والقبلة، والتوجه، والركوع، والسجود، والدعاء " وما
سوى ذلك؟ " سنة في فريضة " (1) ولا ريب ان القنوت دعاء، ولا قائل بوجوب
دعاء في الصلاة غيره.
والجواب: ان المنفي كمال الصلاة، والرغبة عنه أخص من الدعوى،
إذ تركه متعمدا قد يكون رغبة وقد لا يكون. وقوله: " ليس له ان يدعه " مبالغة
في تأكده. والدعاء جاز حمله على القراءة وباقي الأذكار الواجبة، فان معنى
الدعاء فيها.
واحتجا بقوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) (2).
وجوابه: ان معنى (قانتين) مطيعين، سلمنا انه بمعني القنوت، ولكن لا
دلالة فيه على الوجوب، لأنه أمر مطلق، ولو دل لم يدل على التكرار، ولأن
الصلاة مشتملة على القراءة والأذكار وفيها معنى الدعاء، فيتحقق الامتثال بدون
القنوت.
ب: يتأكد في الجهرية، لما مر، ولرواية محمد بن مسلم عن الصادق
عليه السلام: " أما ما جهرت فيه فلا تشك " (3). وكذا يتأكد في الوتر، لرواية ابن
سنان عنه عليه السلام: " القنوت في: المغرب، والعشاء، والغداة، والوتر " (4).
ج: محله قبل الركوع اجماعا منا، لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام:
" القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع " (5). ورواية معمر بن يحيى
عنه عليه السلام: " ان شئت بعد الركوع " (6) حملت على القضاء أو التقية (7).

(1) الكافي 3: 272 ح 5، التهذيب 2: 139 ح 543، 241 ح 955.
(2) سورة البقرة: 238.
(3) الكافي 3: 339 ح 1، التهذيب 2: 89 ح 331، الاستبصار 1: 338 ح 1272.
(4) التهذيب 2: 89 ح 332، الاستبصار 1: 338 ح 1273.
(5) الكافي 3: 430 ح 7، التهذيب 2: 89 ح 330، الاستبصار 1: 338 ح 1271.
(6) التهذيب 2: 92 ح 343، الاستبصار 1: 341 ح 1283.
(7) حملها الشيخ في التهذيب والاستبصار، راجع الهامش السابق.
283

وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: " كل قنوت قبل الركوع
الا الجمعة، فان الركعة الأولى فيها قبل الركوع، وفي الأخيرة بعد الركوع " (1).
وعليه في الجمعة معظم الأصحاب (2).
وابن أبي عقيل ظاهره ان القنوت متعدد، وانه قبل الركوع في
الركعتين (3).
وظاهر ابن بابويه ان القنوت فيها واحد، وانه بعد الركوع (4).
وظاهر المفيد أيضا الوحدة، الا انه قبل الركوع في الركعة الأولى (5) وعليه
دل صحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام مع الامام يقنت في الركعة الأولى،
وفي الظهر في الركعة الثانية قبل الركوع (6).
وابن إدريس أنكر تعدد القنوت في الجمعة (7) وظاهره انه في الثانية قبل
الركوع.
قال في المعتبر: ويظهر لي ان الامام يقنت قنوتين إذا صلى جمعة، ومن
عداه يقنت مرة جامعا كان أو منفردا، واحتج بروايتي معاوية بن عمار وأبي
بصير (8).
ومال في المعتبر إلى جواز القنوت مطلقا بعد الركوع، للخبر السالف

(1) التهذيب 2: 90 ح 334، 3: 17 ح 62، الاستبصار 1: 339 ح 1275، 418 ح 1606.
(2) راجع: المبسوط 1: 113، المهذب 1: 103، المعتبر 2: 244.
(3) مختلف الشيعة: 106.
(4) راجع: الفقيه 1: 267، وفيه: (قبل الركوع)، وكذا حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة:
106.
(5) الاشراف: 7.
(6) الكافي 3: 427 ح 2، التهذيب 3: 16 ح 59، الاستبصار 1: 417 ح 1603.
(7) السرائر: 48.
(8) المعتبر 2: 244، ورواية معاوية تقدمت في الهامش 6، ورواية أبي بصير تقدمت في ص 377
الهامش 1.
284

المحمول على التقية أو القضاء، وقال: ليس في الاخبار ما يدل على أن الاتيان
به بعد الركوع قضاء (1).
د: يقنت في مفردة الوتر، لما مر.
ولا فرق بينه وبين غيره في كونه قبل الركوع، لرواية عمار عن الصادق
عليه السلام في ناسي القنوت في الوتر أو غير الوتر، قال: " ليس عليه شئ ".
قال: " ان ذكره وقد أهوى إلى الركوع، قبل ان يضع يده على الركبتين، فليرجع
قائما فليقنت ثم ليركع. وان وضع يده على ركبتيه، فليمض في صلاته " (2).
نعم الظاهر استحباب الدعاء في الوتر بعد الركوع أيضا، لما روي عن
أبي الحسن الكاظم عليه السلام: انه كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر،
قال: " هذا مقام من حسناته نعمة منك " إلى آخر الدعاء (3) وسماه في المعتبر:
قنوتا (4).
ولا فرق في قنوت الوتر بين أيام السنة كلها، وقول بعض العامة
باختصاص النصف الأخير من شهر رمضان (5) تحكم.
ه‍: لو نسي القنوت، قال الشيخ ومن تبعه: يقضيه بعد الركوع، فلو لم
يذكر حتى ركع في الثالثة قضاه بعد الفراغ (6) رواه أبو بصير قال: سمعته يذكر
عند أبي عبد الله عليه السلام في الساهي عن القنوت: يقنت بعد ما ينصرف
وهو جالس (7).

(1) المعتبر 2: 245.
(2) التهذيب 2: 131 ح 507.
(3) الكافي 3: 325 ح 16، التهذيب 2: 132 ح 508.
(4) المعتبر 2: 241.
(5) المغني 1: 820، الشرح الكبير 1: 755.
(6) المبسوط 1: 113، النهاية: 89، المهذب 1: 98، الكافي في الفقه: 149، المعتبر 2:
245، مختلف الشيعة: 139، نهاية الإحكام 1: 509.
(7) التهذيب 2: 160 ح 631، الاستبصار 1: 344 ح 1298.
285

وروى أن قنوت الناسي بعد الركوع محمد بن مسلم وزرارة، عن الباقر
والصادق عليهما السلام (1).
ولا ينافيه رواية معاوية بن عمار، قال: سألته عن ناسي القنوت حتى
يركع، أيقنت؟ قال: " لا " (2)، لاحتمال ان ينفي الوجوب، أي لا يجب. وكذا
ما رواه معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام، أنه قال له: في قنوت الوتر
إذا نسي أيقنت بعد الركوع؟ قال: " لا " (3).
قال الصدوق: وانما منع الصادق عليه السلام ذلك في الوتر والغداة
خلافا للعامة، لأنهم يقنتون فيهما بعد الركوع، وانما أطلق ذلك في سائر
الصلوات لان جمهور العامة لا يرون القنوت فيها (4).
وروى قضاءه في الطريق زرارة عن الباقر عليه السلام في ناسي القنوت
وهو في الطريق، قال: " يستقبل القبلة ثم ليقله، إني لأكره للرجل أن يرغب عن
سنة رسول الله صلى الله عليه وآله أو يدعها " (5).
و: يستحب الجهر فيه في الجهرية والاخفاتية، للرواية الصحيحة عن
زرارة، عن الباقر عليه السلام: " القنوت كله جهار " (6).
ولا ينافيه رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام:
" ان شاء جهر، وان شاء لم يجهر " وكان السؤال عن التشهد وذكر الركوع

(1) رواية محمد بن مسلم وزرارة عن الباقر عليه السلام في: التهذيب 2: 160 خ 628،
الاستبصار 1: 344 ح 1295.
ورواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام في: التهذيب 2: 160 ح 629،
الاستبصار 1: 344 ح 1296.
(2) التهذيب 2: 161 ح 633، الاستبصار 1: 345 ح 1300.
(3) الفقيه 1: 312 ح 1421.
(4) الفقيه 1: 313.
(5) الكافي 3: 340 ح 10، التهذيب 2: 315 ح 1283.
(6) الفقيه 1: 209 ح 944، السرائر: 480.
286

والسجود والقنوت (1)، لجواز ان يكون ذلك التخيير لرفع توهم تعيين أحدهما.
وقال المرتضى والجعفي - رحمه الله -: انه تابع للصلاة في الجهر
والاخفات (2)، لعموم: " صلاة النهار عجماء، وصلاة الليل جهرا " (3).
قلنا: الخاص مقدم.
وقال ابن الجنيد: يستحب ان يجهر به الامام ليؤمن من خلفه على
دعائه. فان أراد لفظ (آمين) فسيأتي إن شاء الله تعالى انه مبطل، وان أراد الدعاء
بالاستجابة فلا بأس.
وهل يسر به المأموم؟ الأقرب: نعم، لعموم قول الصادق عليه السلام في
رواية أبي بصير: " ينبغي للامام أن يسمع من خلفه كل ما يقول، ولا ينبغي لمن
خلفه أن يسمعه شيئا مما يقول " (4) ومثله رواية حفص بن البختري عن علي عليه
السلام (5).
ز: يستحب التكبير له قائما رافعا يديه - كما سلف - لحسن معاوية بن
عمار عنه عليه السلام: " التكبير في صلاة الفرض في الخمس خمس وتسعون
تكبيرة، منها: " تكبيرة القنوت خمس " (6) ومثله رواية الصباح المزني عن أمير
المؤمنين عليه السلام (7).

(1) التهذيب 2: 102 ح 385.
(2) حكاه عن المرتضى: المحقق في المعتبر 2: 343، والعلامة في تذكرة الفقهاء 1: 129،
ونهاية الإحكام 1: 508.
(3) ورد ما بمعناه في: التهذيب 2: 298 ح 1161، الاستبصار 1: 313 ح 1165، ووردت
الفقرة الأولى عن الحسن في: غريب الحديث لأبي عبيد 1: 170، تهذيب اللغة 1:
391، الفائق 2: 395.
(4) التهذيب 3: 49 ح 170.
(5) الكافي 3: 337 ح 5، الفقيه 1: 260 ح 1189، التهذيب 2: 102 ح 384، وفي الجميع:
عن أبي عبد الله عليه السلام.
(6) الكافي 3: 310 ح 5، التهذيب 2: 87 ح 323، الاستبصار 1: 336 ح 1264.
(7) الخصال 1: 593، التهذيب 2: 87 ح 325، الاستبصار 1: 336 ح 1266.
287

والمفيد - رحمه الله -: لا تكبير للقنوت، ويكبر عنده للقيام من التشهد،
فالتكبير عنده أربع وتسعون (1).
والروايات تخالفه، مع أنه قد روي مشهورا بعدة طرق منها: رواية محمد
ابن مسلم عن الصادق عليه السلام في القائم من التشهد يقول: " بحول الله
وقوته أقوم واقعد " (2) وفي بعضها: " بحولك وقوتك أقوم واقعد " (3) وفي بعضها:
" واركع واسجد " (4) ولم يذكر في شئ منها التكبير، فالأقرب سقوطه للقيام وثبوته
للقنوت، وبه كان يفتي المفيد وفي آخر عمره رجع عنه إلى المذكور أولا.
قال الشيخ: ولست أعرف بقوله هذا حديثا أصلا (5).
ح: يستحب رفع اليدين به تلقاء وجهه مبسوطتين، يستقبل ببطونهما
السماء وظهورهما الأرض، قاله الأصحاب (6).
وروى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام: " وترفع يديك حيال
وجهك، وان شئت تحت ثوبك (7)، وتتلقى بباطنهما السماء ".
وقال المفيد: يرفع يديه حيال صدره (8).

(1) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 48، وراجع رسالة الاشراف: 6.
(2) الكافي 3: 338 ح 11، التهذيب 2: 88 ح 326.
(3) التهذيب 2: 88 ح 327، الاستبصار 1: 338 ح 1268.
(4) التهذيب 2: 86 ح 320.
(5) الاستبصار 1: 337.
(6) السرائر: 47، المعتبر 2: 247.
(7) قال البحراني في الحدائق الناضرة 8: 386 بعد ايراده الرواية عن كتابنا هذا: ولم أقف على
رواية عن عبد الله بن سنان بهذه الصورة، والذي وقفت عليه انما هي الرواية الواردة في الوتر.
ونحو هذا قال الشيخ محمد حسن في جواهر الكلام 10: 369.
والرواية الواردة في الوتر هي ما رواه الصدوق في الفقيه 1: 309 ح 1410 والطوسي في
التهذيب 2: 131 ح 504، باسنادهما عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" تدعو في الوتر على العدو... وترفع يديك في الوتر حيال وجهك، وان شئت فتحت ثوبك ".
(8) المقنعة: 26.
288

وحكى في المعتبر قولا بجعل باطنهما إلى الأرض (1).
ويفرق الابهام عن الأصابع، قاله ابن إدريس (2).
ويستحب نظره إلى بطونهما، ذكره الجماعة (3).
ويجوز ترك الرفع للتقية، لرواية علي بن محمد انه كتب إلى الفقيه يسأله
عن القنوت، فكتب: " إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين، وقل ثلاث
مرات: بسم الله الرحمن الرحيم " (4).
ويمسح وجهه بيديه، ويمرهما على لحيته وصدره، قاله الجعفي، وهو
مذهب بعض العامة (5).
ط: أفضل ما يقال فيه كلمات الفرج، قال ابن إدريس: وروي انها
أفضله (6) وقد ذكرها الأصحاب (7)، وفي المبسوط والمصباح، هي أفضل (8).
وروى سعد بن أبي خلف عن الصادق عليه السلام، قال: " يجزئك في
القنوت: اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة، انك على
كل شئ قدير " (9).
وفي النهاية: أدناه: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، انك أنت الأعز
الأكرم (10).

(1) المعتبر 2: 247.
(2) السرائر: 47.
(3) راجع: السرائر: 47، المعتبر 2: 246، تذكرة الفقهاء 1: 128.
(4) التهذيب 2: 315 ح 1286.
(5) المجموع 3: 501، مغني المحتاج 1: 167.
(6) السرائر: 48.
(7) راجع: المقنعة: 16، الكافي في الفقه: 123، تذكرة الفقهاء 1: 128.
(8) المبسوط 1: 113، مصباح المتهجد: 35.
(9) الكافي 3: 340 ح 12، التهذيب 2: 87 ح 322.
(10) النهاية: 72.
289

وعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أدنى القنوت،
فقال: " خمس تسبيحات " (1).
وقال ابن أبي عقيل، والجعفي، والشيخ: أقله ثلاث تسبيحات (2).
واختار ابن أبي عقيل الدعاء بما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في
القنوت: " اللهم إليك شخصت الابصار، ونقلت الاقدام، ورفعت الأيدي،
ومدت الأعناق، وأنت دعيت بالألسن، واليك سرهم ونجواهم في الأعمال،
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الفاتحين. اللهم انا نشكو إليك
غيبة نبينا، وقلة عددنا، وكثرة عدونا، وتظاهر الأعداء علينا، ووقوع الفتن بنا،
ففرج ذلك اللهم بعدل تظهره، وامام حق نعرفه، اله الحق آمين رب العالمين ".
قال: وبلغني ان الصادق عليه السلام كان يأمر شيعته ان يقنتوا بهذا بعد
كلمات الفرج.
قال ابن الجنيد: وأدناه: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم.
وقال: والذي استحب فيه ما يكون فيه حمد الله وثناء عليه، والصلاة على
رسول الله والأئمة صلى الله عليهم، وان يتخير لنفسه من الدعاء وللمسلمين ما
هو مباح له.
ي: يجوز الدعاء فيه بما سنح للدين والدنيا. روى إسماعيل بن الفضل،
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القنوت وما يقال فيه، فقال: " ما قضى
الله على لسانك، ولا أعلم فيه شيئا موقتا " (3).
يا: يجوز الدعاء فيه للمؤمنين بأسمائهم، والدعاء على الكفرة
والمنافقين، لان النبي صلى الله عليه وآله دعا في قنوته لقوم بأعيانهم وعلى

(1) الكافي 3: 340 ح 11، التهذيب 2: 315 ح 1282
(2) النهاية: 72.
(3) الكافي 3: 340 ح 8، التهذيب 2: 314 ح 1281.
290

آخرين بأعيانهم، كما روي أنه قال: " اللهم انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن
هشام، وعياش بن ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، واشدد وطأتك على
مضر ورعل وذكوان " (1).
وقنت أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى،
وعمرو بن العاص، ومعاوية، وأبي الأعور وأشياعهم (2). قاله ابن أبي عقيل.
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: " تدعو في الوتر
على العدو، وان شئت سميتهم " (3).
وروى العامة عن أبي الدرداء أنه قال: إني لأدعو لسبعين أخا من إخواني
بأسمائهم وأنسابهم، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة (4).
يب: يستحب إطالة القنوت، فقد ورد عنهم عليهم السلام: " أفضل
الصلاة ما طال قنوتها ".
وروى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه باسناده إلى الصادق عليه
السلام: " صل يوم الجمعة الغداة بالجمعة والاخلاص، واقنت في الثانية بقدر
ما قمت (5) في الركعة الأولى ".
تنبيهات:
الأول: يجوز الدعاء في سائر أحوال الصلاة، للأصل، وعموم: " ادعوا
ربكم " (6) وما سلف من خبر: ان الدعاء فرض (7). وروي عبد الرحمن بن سيابة

(1) صحيح مسلم 1: 466 ح 675، شرح معاني الآثار 1: 241، السنن الكبرى 2: 197.
(2) رواه محمد بن المثنى في كتابه - ضمن الأصول الستة عشر: 88، وابن أبي شيبة في مصنفه
2: 317، والطوسي في أماليه 2: 335.
(3) الفقيه 1: 309 ح 1410، التهذيب 2: 131 ح 504.
(4) لاحظ: السنن الكبرى 2: 245.
(5) في م، ط: قنت. وكما في المتن في بحار الأنوار 85: 206، ووسائل الشيعة 4: 919.
(6) سورة الأعراف: 55.
(7) راجع ص 283 الهامش 1.
291

قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أدعو وانا ساجد؟ قال: " نعم، ادع للدنيا
والآخرة، فإنه رب الدنيا ورب الآخرة " (1).
الثاني: منع سعد بن عبد الله من جواز الدعاء في القنوت بالفارسية،
حسبما رواه الشيخ محمد بن بابويه عن شيخه محمد بن الحسن، عنه ونقل عن
محمد بن الحسن الصفار جوازه، واختاره ابن بابويه، لقول أبي جعفر الثاني
عليه السلام: " لا بأس ان يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شئ يناجي
ربه عز وجل " (2).
قال: ولو لم يرد هذا الخبر، لكنت أجيزه بالخبر الذي روي عن الصادق
عليه السلام أنه قال: " كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي "، والنهي عن الدعاء
بالفارسية غير موجود. وقال الصادق عليه السلام: " كل شئ ناجيت به ربك
في الصلاة فليس بكلام " (3).
واختاره الشيخ في النهاية: بأي لغة كانت (2) والفاضلان: لصدق اسم
الدعاء عليه (4).
اما الأذكار الواجبة فلا يجوز مع الاختيار.
الثالث: قد تقدمت كلمات الفرج في أحكام الأموات، ويجوز ان يقول
فيها هنا: (وسلام على المرسلين)، ذكر ذلك هنا جماعة من الأصحاب،
منهم: المفيد (5) وابن البراج (6) وابن زهرة (7).

(1) الكافي 3: 323 ح 6، التهذيب 2: 299 ح 1207.
(2) الفقيه 1: 208، والحديث فيه برقم 936.
(3) الفقيه 1: 208، والخبرين فيه برقم 937، 938.
(4) النهاية: 74.
(5) المعتبر 2: 241، مختلف الشيعة: 98.
(6) المقنعة: 16.
(7) المهذب 1: 94.
(8) الغنية: 497.
292

وسئل عنه الشيخ نجم الدين في الفتاوي فجوزه، لأنه بلفظ القرآن، مع
ورود النقل.
الرابع: روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن الصادق عليه السلام في
الرجل يدرك الركعة الأخيرة مع الامام فيقنت الامام، أيقنت معه؟ قال: " نعم،
ويجزئه من القنوت لنفسه " (1).
تتمة:
قد بينا استحباب وضع اليدين على الفخذين بإزاء الركبتين حال القيام،
فلو وضعهما على غير ذلك جاز، غير أنه لا يجوز للمصلي وضع اليمين على
الشمال ولا بالعكس، فوق السرة ولا تحتها، فتبطل لو تعمد فعله.
ونقل الشيخ والمرتضى فيه الاجماع (2). وروى محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهما السلام قال: قلت له: الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على
اليسرى، فقال: " ذلك التكفير لا تفعله " (3) وفي مرسلة حريز عن الصادق عليه
السلام: " لا تكفر، انما يصنع ذلك المجوس " (4). ولأن أفعال الصلاة متلقاة من
الشرع، ولا شرع هنا. وللاحتياط. ولأنه فعل كثير خارج عن الصلاة.
وخالف في ذلك ابن الجنيد حيث جعل تركه مستحبا (5) وأبو الصلاح
حيث جعل فعله مكروها (6) ومن الأصحاب من لم يتعرض له كابن أبي عقيل
وسلار.
وقال الشيخ نجم الدين في المعتبر: الوجه عندي الكراهية، لمخالفته ما

(1) التهذيب 2: 315 ح 1287، وفي سؤال الراوي: الركعة الأخيرة من الغداة.
(2) الخلاف 1: 321 المسألة: 74، الانتصار: 41.
(3) التهذيب 2: 84 ح 310.
(4) الكافي 3: 336 ح 9، التهذيب 2: 84 ح 309، عن أبي جعفر عليه السلام.
(5) مختلف الشيعة: 100.
(6) الكافي في الفقه: 125.
293

دلت عليه الأحاديث من استحباب وضعهما على الفخذين. والاجماع غير
معلوم لنا، وخصوصا مع وجود المخالف من أكابر الفضلاء. والتمسك بأنه فعل
كثير في غاية الضعف، لان وضع اليدين على الفخذين ليس بواجب، ولم
يتناول النهي وضعهما في موضع معين، فكان للمكلف وضعهما كيف شاء.
وتلقي أفعال الصلاة من الشرع حق، لكن كما لم يثبت تشريع وضع
اليمين على الشمال لم يثبت تحريمه، فصار للمكلف وضعهما كيف شاء،
وعدم تشريعه لا يدل على تحريمه. والاحتياط معارض بان الأوامر المطلقة
بالصلاة دالة باطلاقها على عدم المنع، أو نقول: متى يحتاط إذا علم ضعف
مستند المانع، أم إذا لم يعلم؟ ومستند المانع هنا معلوم الضعف.
واما الرواية فظاهرها الكراهية، لما تضمنته من التشبيه بالمجوس. وأمر
النبي صلى الله عليه وآله بمخالفتهم ليس على الوجوب، لأنهم قد يفعلون
الواجب من اعتقاد الإلهية وانه فاعل الخير، فلا يمكن حمل الحديث على
ظاهره (1).
قال: فإذن ما قاله الشيخ أبو الصلاح من الكراهية أولى، ويؤيد ما ذكرناه
ان النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر به الأعرابي، وكذا رواية أبى حميد حكاية
صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله (2).
قال: واحتجاج العامة على شرعيته برواية وائل بن حجر، قال: رأيت
النبي صلى الله عليه وآله وضع يديه على صدره إحداهما على الأخرى، وبرواية

(1) المعتبر 2: 257.
وامر النبي صلى الله عليه وآله في: صحيح مسلم 1: 222 ح 260، السنن الكبرى 1:
150.
(2) المعتبر 2: 257.
وحديث الأعرابي سيأتي في ص 363 الهامش 3.
ورواية أبي حميد في: سنن ابن ماجة 1: 280 ح 862، سنن أبي داود 1: 194 ح 730،
السنن الكبرى 2: 24.
294

سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون ان يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه
اليسرى في الصلاة، قال أبو حازم: لا أعلمه الا ينهي ذلك إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله، وعن ابن مسعود: ان النبي صلى الله عليه وآله مر به وهو
واضع شماله على يمينه فوضعها على شماله، مردود، بمخالفتهم لمضمون
رواية وائل، لان منهم من يضعها فوق السرة، ومنهم من يضعها تحتها، ورواية
سهل لم يبين فيها الامر، وقول أبي حازم مشعر بشكه في ذلك، وخبر ابن مسعود
حكاية في واقعة مخصوصة (1).
قلت: في بعض كلامه - رحمه الله - مناقشة، وذلك لأنه قائل في كتبه
بتحريمه وابطاله الصلاة (2). والاجماع وان لم يعلمه فهو إذا نقل بخبر الواحد
حجة عند جماعة من الأصوليين (3). واما الروايتان، فالنهي فيهما صريح وهو
التحريم على ما اختاره معظم الأصوليين، وخلاف المعين لا يقدح في
الاجماع. والتشبه بالمجوس فيما لم يدل دليل على شرعه حرام، وأين الدليل
الدال على شرعية هذا الفعل؟ والامر بالصلاة مقيد بعدم التكفير الثابت في
الخبرين المعتبري الاسناد اللذين عمل بهما معظم الأصحاب. فحينئذ الحق
ما صار إليه الأكثر وان لم يكن إجماعا.

(1) المعتبر 2: 256، 258.
ورواية وائل في: السنن الكبرى 2: 30.
ورواية سهل في: مسند أحمد 5: 336، صحيح البخاري 1: 188، السنن الكبرى 2:
28.
ورواية ابن مسعود في: سنن ابن ماجة 1: 266 ح 811، سنن أبي داود 1: 200 ح 755،
سنن النسائي 2: 126.
(2) شرائع الاسلام 1: 91، المختصر النافع: 34.
(3) العلامة في نهاية الوصول في البحث السادس من مباحث الاجماع ومن العامة.
انظر المحصول 4: 152، والمعتمد 2: 67.
295

تنبيه:
لا ريب في جوازه عند التقية، ولا فرق بين كون اليد على الأخرى بحائل
أو غيره. ولو وضع اليسرى على اليمنى عند التقية احتمل البطلان، لأنه لم يأت
بالتقية على وجهها فيكون المحذور سليما من المعارض، والصحة إذا تأدت بها
التقية.
ولو ترك الوضع عند التقية، فكترك الغسل في مسح الوضوء وقد سلف،
وأولى هنا بالصحة، لأنه خارج عن الصلاة، بخلاف الغسل والمسح، فان
الجزئية محققة فيهما فيتحقق النهي عن العبادة في الجملة، والأقرب هنا الجزم
بعدم البطلان.
296

الواجب الرابع:
القراءة والنظر في واجباتها وسننها ولواحقها.
الأول: في الواجبات.
وفيه مسائل.
الأولى: تجب قراءة الحمد عينا في الصلاة الواجبة في الصبح وأوليي
الصلوات الباقية اجماعا منا، لفعل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم
السلام والصحابة والتابعين، وقول النبي صلى الله عليه وآله: " لا صلاة لمن لم
يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " رواه عبادة بن الصامت (1).
وروينا عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، أنه قال: " من
ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة، ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته " (2).
وعن محمد بن مسلم، عن الباقر عليه السلام في الذي لا يقرأ بفاتحة
الكتاب: " لا صلاة له الا ان يقرأ بها في جهر أو اخفات " (3).
والخبر الأول صريح في عدم ركنيتها، لعدم بطلان الصلاة بتركها
نسيانا، وبه صرح خبر منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام (4) وخبر معاوية
ابن عمار عنه أيضا (5) في أخبار كثيرة (6).
واحتجاج بعض العامة بقولة تعالى: (فاقرؤا ما تيسر منه)، وبان النبي

(1) مسند أحمد 5: 316، صحيح البخاري 1: 192، صحيح مسلم 1: 295 ح 394، سنن
ابن ماجة 1: 273 ح 837، الجامع الصحيح 2: 25 ح 247، سنن النسائي 2: 137، سنن
الدارقطني 1: 321، السنن الكبرى 2: 164..
(2) الكافي 3: 347 ح 1، التهذيب 2: 146 ح 569، الاستبصار 1: 353 ح 1335.
(3) الكافي 3: 317 ح 28، التهذيب 2: 146 ح 573، الاستبصار 1: 310 ح 1152.
(4) الكافي 3: 348 ح 3، التهذيب 2: 146 ح 570.
(5) التهذيب 2: 146 ح 571، الاستبصار 1: 354 ح 1337، السرائر: 484.
(6) لاحظ: التهذيب 2: 146 ح 572، 574، الاستبصار 1: 354 ح 1338 - 1340.
297

صلى الله عليه وآله لما علم الأعرابي قال له: " ثم اقرأ ما تيسر معك من
القرآن "، وبتساوي الفاتحة وسائر القرآن في الاحكام فكذا في الصلاة (1)
ضعيف، لان قوله عليه السلام: " لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب " أخص
من قوله تعالى: (ما تيسر منه) فيبنى العام عليه، وعدم تعليم الأعرابي الفاتحة
ممنوع، فإنه نقل: " ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله تعالى " (2) والقياس عندنا
باطل، مع منع التساوي في جميع الأحكام فإنه محل النزاع.
الثانية: " بسم الله الرحمن الرحيم " آية من الفاتحة، ومن كل سورة - خلا
براءة - اجماعا منا. ورواه العامة من فعل النبي صلى الله عليه وآله عن أم
سلمة (3) وانه قال: " إذا قرأتم الفاتحة فاقرؤا: بسم الله الرحمن الرحيم، فإنها
أم القرآن والسبع المثاني، وان بسم الله الرحم الرحيم آية منها " (4).
وروى: انه قرأ الفاتحة فقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " وعدها آية (5).
وروينا عن الأئمة عليهم السلام ذلك بطرق كثيرة، منها: رواية معاوية
ابن عمار عن الصادق عليه السلام: " انها آية في الفاتحة والسورة " (6). ورواية
صفوان: انه صلى خلفه عليه السلام أياما، وكان يقرأها ويجهر بها في الاخفاتية (7).

(1) قاله أبو حنيفة، راجع: المجموع 3: 327.
والآية في سورة المزمل: 20.
وحديث تعليم الأعرابي سيأتي بتمامه في ص 363 الهامش 3.
(2) ترتيب مسند الشافعي 1: 70 ح 207، مسند أحمد 4: 34.
(3) مسند أحمد 6: 302، سنن أبي داود 4: 37 ح 4001، مسند أبي يعلى 12: 350 ح 6920،
شرح معاني الآثار 1: 199، سنن الدارقطني 1: 307، المستدرك على الصحيحين 1:
232، السنن الكبرى 2: 44.
(4) سنن الدارقطني 1: 312، السنن الكبرى 2: 45، مجمع الزوائد 2: 109، عن الطبراني
في الأوسط.
(5) راجع الهامش 4.
(6) الكافي 3: 312 ح 1، التهذيب 2: 69 ح 251، الاستبصار 1: 311 ح 1155.
(7) التهذيب 2: 68 ح 246، الاستبصار 1: 310 ح 1154.
298

وقد روي ما يعارض ذلك: كرواية محمد بن مسلم عنه عليه السلام في
الرجل يكون إماما يستفتح بالحمد ولا يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال:
" لا يضر " (1). ورواية محمد بن علي الحلبي عنه عليه السلام: انه لا يقرأها في
السورة (2) في أخبار أخرى (3). وحملها الأصحاب على التقية، أو النسيان، أو
النافلة (4).
وابن الجنيد يرى أن البسملة في الفاتحة بعضها، وفي غيرها افتتاح لها،
ولعله يحتج بهذه الرواية، وهو متروك.
تنبيه:
أجمع المسلمون على وجوب القراءة في الصلاة، الا الحسن بن صالح
ابن حي وابن علية والأصم، ويروى عن أنس وعكرمة، وعن عمر
فيمن نسي القراءة: لا بأس (5).
لنا: الاجماع، وانقراض المذكورين، وقول النبي صلى الله عليه وآله:
" لا صلاة إلا بقراءة " (6) وقوله تعالى: (فاقرؤا ما تيسر منه) (7)، والنسيان عذر

(1) التهذيب 2: 68 ح 247، 288 ح 1156، الاستبصار 1: 312 ح 1159.
(2) التهذيب 2: 68 ح 249، الاستبصار 1: 312 ح 1161.
(3) راجع: التهذيب 2: 288 ح 1154، الاستبصار 1: 311 ح 1158.
(4) التهذيب 2: 68 ح 69، المعتبر 2: 169.
(5) بداية المجتهد 1: 125 والمجموع 34: 330 وعمدة القارئ 6: 9 والحاوي الكبير 2:
102، التفسير الكبير 1: 188 والمصنف لعبد الرزاق 2: 122 ح 2748. والمصنف
لابن أبي شيبة 1: 396. السنن الكبرى 2: 381، والاستذكار 4: 124.
(6) المصنف لعبد الرزاق 2: 120 ح 2743، مسند أحمد 2: 308، صحيح مسلم 1: 297
ح 396، السنن الكبرى 2: 193.
(7) سورة المزمل: 20.
299

لعموم: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " (1).
وهل الفاتحة متعينة في النافلة؟ الأقرب ذلك، لعموم الأدلة.
وقال الفاضل: لا تجب فيها، للأصل (2). فان أراد الوجوب بالمعنى
المصطلح عليه فهو حق، لان الأصل إذا لم يكن واجبا لا تجب أجزاؤه. وان
أراد به الوجوب المطلق ليدخل فيه الوجوب بمعنى الشرط، بحيث تنعقد النافلة
من دون الحمد، فممنوع.
واما حمل الشيخ في التهذيب أخبار سقوط البسملة على النافلة، فالمراد
به سقوطها من السورة، صرح بذلك (3).
الثالثة: تجب سورة كاملة في الثنائية والأولين من غيرها، على المشهور
بين الأصحاب.
وخالف فيه: ابن الجنيد، وسلار، والشيخ في النهاية، والمحقق في
المعتبر، فإنهم ذهبوا إلى استحبابها (4) فعندهم يجوز التبعيض كما يجوز تركها
بالكلية.
لنا فعل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، وقول الصادق
عليه السلام: " لا تقرأ في المكتوبة أقل من سورة ولا أكثر " رواه منصور بن
حازم (5). وفي مكاتبة يحيى بن عمران إلى أبى جعفر عليه السلام في تارك

(1) الكافي 2: 335 ح 1، 2، الخصال: 417، التوحيد: 353، الجامع الصغير 2: 16
ح 4461 عن الطبراني في الكبير.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 114.
(3) التهذيب 2: 69.
(4) المراسم: 69، النهاية: 75، المعتبر 2: 173، وحكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف
الشيعة: 91.
(5) الكافي 3: 314 ح 12، التهذيب 2: 69 ح 253، الاستبصار 1: 314 ح 1167، وفي
الجميع: " بأقل... بأكثر ".
300

البسملة في السورة بعد الحمد: يعيد الصلاة (1) وهو يستلزم وجوب السورة.
وعورضا بخبري الحلبي وعلي بن رئاب عن الصادق عليه السلام:
" فاتحة الكتاب وحدها تجزئ في الفريضة " (2) وهما من الصحيح. وروى عمر
ابن يزيد - في الصحيح أيضا - عنه عليه السلام: إجزاء السورة الواحدة في
الركعتين من الفريضة إذا كانت أكثر من ثلاث آيات (3).
وحمل الشيخ الخبرين الأولين في التهذيب على الضرورة، لما رواه
الحلبي في الصحيح عنه عليه السلام: " لا بأس ان يقرأ الرجل في الفريضة
بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين، إذا ما عجلت به حاجة أو تخوف
شيئا " (4).
وحمل الخبر الثالث على أن المراد تكررها في الركعة الثانية دون ان
يفرقها في الركعتين، هذا إذا لم يحسن غيرها، فاما مع التمكن من غيرها فإنه
يكره ذلك، لما رواه علي ين جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام في الرجل يقرأ
سورة واحدة في الركعتين من الفريضة وهو يحسن غيرها، قال: " إذا أحسن
غيرها فلا يفعل، وان لم يحسن غيرها فلا بأس " (5).
قلت الحمل الأول حسن، واما الثاني فمشكل، لأنه لو أراد تكرارها
لم يكن في التقييد بزيادتها على ثلاث آيات فائدة، إذ يكره تكرار ما زاد وما لم
يزد، ولو حملت على الضرورة كما حمل الخبران الأولان عليها كان أحسن،
أي: انه إذا لم يتمكن من قراءة سورة كاملة في الركعة، ويتمكن من قراءة سورة
في الركعتين، وجب إذا أصاب كل ركعة آيتين فصاعدا.

(1) الكافي 3: 313 ح 2، التهذيب 2: 69 ح 252، الاستبصار 1: 311 ح 1156.
(2) التهذيب 2: 71 ح 259، 260.
(3) التهذيب 2: 71 ح 262، الاستبصار 1: 315 ح 1173.
(4) التهذيب 2: 71، الاستبصار 1: 314 والحديث فيهما برقم 261، 1172.
(5) التهذيب 2: 71، الاستبصار 1: 315، والحديث فيهما برقم 263، 1174.
301

وفيه إشارة إلى أن البسملة ليست معدودة في الآي، أو انها مع الآية التي
بعدها آية كاملة، لان أقل السور عددا لا تنقص بالبسملة عن أربع.
قال في المعتبر: حمل الرواية بالسورة على الاستحباب، وحمل الرواية
بعدمها على الجوار أقرب.
وأورد رواية حريز عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام في السورة
تصلى في الركعتين من الفريضة، فقال: " نعم، إذا كانت ست آيات، نصفها
في الركعة الأولى، والنصف الآخر في الركعة الثانية ".
ورواية زرارة عن الباقر عليه السلام في رجل قرأ سورة فغلط، أيدع
المكان الذي غلط فيه ويمضي في قراءته، أو يدع تلك السورة ويتحول عنها
إلى غيرها؟ فقال: " كل ذلك لا بأس به، وان قرأ آية واحدة فشاء ان يركع بها
ركع ".
ورواية إسماعيل بن الفضيل، قال. صلى بنا أبو عبد الله أو أبو جعفر فقرأ
بفاتحة الكتاب وآخر المائدة، فلما التفت إلينا فقال: " انما أردت ان
أعلمكم " (1).
قلت: يمكن حمل هذه الروايات على التقية، إذ عمل أكثر الأصحاب
على خلافها يشعر باعراضهم عنها لعلة من العلل، أو تحمل على العذر.
الرابعة: لا تجزئ القراءة بغير العربية ولا بمرادفها منها باجماعنا، لقوله
تعالى: (انا أنزلناه قرآنا عربيا) (2) ولفوات الاعجاز إذ هو باعتبار لفظة ونظمه،

(1) المعتبر 2: 173.
ورواية أبي بصير في التهذيب 2: 294 ح 1182، والاستبصار 1: 315 ح 1175.
ورواية زرارة في التهذيب 2: 293 ح 1181.
ورواية إسماعيل في التهذيب 2: 294 ح 1183 وفيه: (وأبو جعفر)، والاستبصار 1: 316
ح 1176.
(2) سورة يوسف: 2.
302

ولأن الترجمة مغايرة للمترجم والا لكانت ترجمة الشعر شعرا، ولأن النبي
صلى الله عليه وآله لم يفعله ولا نقل عن أحد من الأئمة والصحابة.
قالوا: قال الله تعالى: (ان هذا لفي الصحف الأولى) (1).
قلنا: الإشارة إلى معنى قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه
فصلى) الآيات (2) أو إلى معنى قوله: (والآخرة خير وأبقى) (3). سلمنا، لكن
معناه ان معاني القرآن في الصحف ولا يلزم منه كونها قرآنا، وكذا قوله تعالى:
(وانه لفي زبر الأولين) (4)، ولأنه لو كان القرآن سابقا في الكتب المنزلة لم يكن
لرسول الله صلى الله عليه وآله وأمته اختصاص، لكنه مختص به كما نطق القرآن
العزيز بذلك في آي كثيرة، كقوله تعالى: (بما أوحينا إليك هذا القرآن) (5)
(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق) (6) وقوله تعالى: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم
محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) (7).
قالوا: قال: سبحانه: (لأنذركم به ومن بلغ) وأنذر العجم بالعجمية (8)
قلنا: ذلك تفسير لألفاظ القرآن.
فرع:
لو ضاق الوقت ولا يعلم غير الترجمة، ففي تقديمها على الذكر الذي هو

(1) الآية في سورة الاعلى: 18.
(2) سورة الاعلى: 14، 15.
(3) سورة الاعلى: 17.
(4) سورة الشعراء: 196.
(5) سورة يوسف: 3.
(6) سورة المائدة: 48.
(7) سورة الأنبياء: 2.
(8) قاله أبو حنيفة، راجع: المغني 1: 486، بدائع الصنائع 1: 112.
والآية في سورة الأنعام: 19.
303

بدل عن القراءة تردد.
والذي اختاره الشيخ في الخلاف انه يذكر الله ويكبره، ولا يقرأ المعنى
بغير العربية بأي لغة كانت، فان فعل ذلك بطلت صلاته. قال: وروى عبد الله
ابن أبي أوفى: ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: اني لا أستطيع
ان أحفظ شيئا من القرآن، فماذا أصنع؟ فقال له: " قل: سبحان الله والحمد
لله، " فلو كان معناه قرآنا لقال له: احفظ بأي لغة سهلت عليك، فلما عدل به
إلى التسبيح والتحميد دل على أنه لا يكون قرآنا بغير هذه العبارة (1).
ويحتمل تقديم الترجمة على الذكر، لقربه إلى القرآن، ولجواز التكبير
بالعجمية عند الضرورة. ولعل النبي صلى الله عليه وآله انما لم يأمر الأعرابي
بحفظه بغير العربية (2) لعلمه بتعذرها عليه.
ويمكن الفرق بين التكبير وبين القراءة، بان المقصود في التكبير لا يتغير
بالترجمة، إذ الغرض الأهم معناه فالترجمة أقرب إليه، بخلاف القرآن فان
الاعجاز يفوت، إذ نظم القرآن معجز، وهو الغرض الأقصى، وهذا هو الأصح.
الخامسة: لا يجوز الاخلال بحرف من الفاتحة عمدا، ولا من السورة
بعدها، لعدم صدق الامتثال. وكذا يجب الترتيب بين كلماتها وآيها على الوجه
المنقول بالتواتر، لان ذلك هو القرآن الذي امر بقراءته في الصلاة. وكذا
التشديد، لان الاخلال به إخلال بحرف. وكذا حركات الاعراب والبناء، سواء

(1) الخلاف 1: 343 المسألة: 94.
والرواية في: مسند الطيالسي: 109 ح 813، مسند أحمد 4: 352، سنن أبي داود 1:
220 ح 832، سنن النسائي 2: 143، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 148
ح 1806، سنن الدارقطني 1: 313، المستدرك على الصحيحين 1: 241، السنن الكبرى
2: 381.
وسيأتي بتمامه في ص 306 الهامش 1.
(2) راجع الهامش 1.
304

تغير المعنى بالاخلال بها أو لا، تأسيا بصاحب الشرع وأهل بيته.
ويجب مراعاة مخارج الحروف حتى الضاد والظاء وان عسر ما لم يتعذر
- وليس في الحمد ظاء - لان اخراج الحرف من غير مخرجه اخلال بحقيقة ذلك
الحرف الذي هو اخلال بماهية القراءة.
فرع:
تجوز القراءة بالمتواتر، ولا تجوز بالشواذ. ومنع بعض الأصحاب من
قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف (1) وهي كمال العشر، والأصح جوازها، لثبوت
تواترها كثبوت قراءة القراء السبعة.
السادسة: يجب تعلم الفاتحة على من لم يحسنها، اجماعا من كل من
أوجب القراءة، لتوقف الواجب عليه.
فان ضاق الوقت، قرأ ما يحسن منها اجماعا.
فإن لم يحسن منها شيئا، قرأ ما يحسن من غيرها بقدرها، لعموم:
(فاقرؤا ما تيسر منه) (2) ويقرأ سورة غيرها إذ السورة ممكنة فلا تسقط بفوات
الحمد.
فإن لم يحسن شيئا من غيرها، سبح الله وحمده وهلله وكبره بقدر القراءة،
لأمر النبي صلى الله عليه وآله الأعرابي ان يحمد الله ويكبره ويهلله (3).
فإن لم يحسن شيئا من غيرها، سبح الله وحمده وهلله وكبره بقدر القراءة،
لأمر النبي صلى الله عليه وآله الأعرابي ان يحمد الله ويكبره ويهلله (3).
وروى العامة: ان النبي صلى الله عليه وآله لما قاله له رجل: يا رسول
الله لا أستطيع شيئا من القرآن، فعلمني ما يجزئ؟ فقال: " قل: سبحان الله،
والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة الا بالله " قال: هذا لله

(1) كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1: 115.
(2) سورة المزمل: 20.
(3) سنن أبي داود 1: 228 ح 861، الجامع الصحيح 2: 100 ح 302، السنن الكبرى 2:
380.
305

فما لي؟ قال قل (1): " اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني، وارزقني وعافني " (2).
فروع:
هل يشترط مساواة الذكر للفاتحة قدرا حتى في الحروف؟
قال في المعتبر: لا، لان الخبر الأول دل على مطلق الحمد والتكبير
والتهليل. نعم، الأفضل ان لا يقصر عن حروفها (3).
ولو قيل: يتعين ما يجزئ في الأخيرتين من التسبيح - على ما يأتي إن شاء
الله - كان وجها، لأنه قد ثبت بدليته عن الحمد في الأخيرتين، فلا يقصر بدل
الحمد في الأولين عنهما. وروي عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام:
" ان الله فرض من الصلاة الركوع والسجود، الا ترى لو أن رجلا دخل في
الاسلام لا يحسن يقرأ القرآن أجزأه ان يكبر ويسبح ويصلي " (4). وما قلناه مختار
ابن الجنيد والجعفي (5).
ولو لم يحسن شيئا، وضاق الوقت عن التعلم، وأمكن الائتمام وجب،
لأنه يسقط القراءة. وان تعذر احتمل وجوب قيام بقدر الحمد، لعموم: " فاتوا
منه ما استطعتم " (6) وهو مختار الفاضل - رحمه الله - (7).
ولو أمكنه القراءة من المصحف وجبت وقدمه على الذكر، لحصول
حقيقة القراءة، ولكنه لا يكفي مع امكان التعلم، لان المأمور به القراءة عن ظهر

(1) أثبتناها من ط والمصادر.
(2) تقدم في ص 304 الهامش 1.
(3) المعتبر 2: 171.
والخبر المعنى هو ما تقدم في ص 396 الهامش 3.
(4) التهذيب 2: 147 ح 575، الاستبصار 1: 310 ح 1153.
(5) مختلف الشيعة: 92.
(6) مسند أحمد 2: 247، صحيح مسلم 2: 975 ح 1337، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان
6: 7 ح 3696، السنن الكبرى 1: 215.
(7) تذكرة الفقهاء 1: 115.
306

القلب إذ هو المتبادر إلى الافهام، ولأن النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر
الأعرابي بالقراءة من المصحف (1).
وروى الحسن الصيقل عن الصادق عليه السلام في المصلي يقرأ في
المصحف يضع السراج قريبا منه، قال: " لا بأس " (2).
وفي المبسوط والخلاف: يجوز أن يقرأ في الصلاة من المصحف إذا لم
يحسن ظاهرا (3) وقضية كلامه انه إذا أحسن لم يجز، والتمكن من الحفظ في
قوة من يحسنه ظاهرا.
واجتزأ الفاضلان به وان أمكنه الحفظ، معللين بان الواجب مطلق
القراءة (4)، وهو محل النزاع، وعلى قولهما يتخير المكلف بين الحفظ والقراءة
في المصحف، وحينئذ يجب تحصيل المصحف اما بشراء أو استئجار أو
استعارة.
ولو احتاج إلى مصباح في الظلمة، وجب تحصيله مع القدرة، فان ترك
ذلك بطلت صلاته ولو تلا فيها غير الفاتحة من القرآن.
ولو تتبع قارئا أجزأ عند الضرورة، وعلى قولهما يجزئ اختيارا. وفي
ترجيحه على المصحف احتمال لاستظهاره في الحال، ولو كان يستظهر في
المصحف استويا. وفي وجوبه عند امكانه احتمال، لأنه أقرب إلى الاستظهار
الدائم.
وإذا عدل إلى القرآن عن الفاتحة لعجزه عنها، فالأقرب وجوب كونه
بقدرها فزائدا، وحينئذ يمكن اعتبار الحروف، ولو أمكن سبع آيات فهو أولى،
ويجب التتالي فيها إن حفظ المتتالي والا أجزء التفريق، ويجزئ ولو آية إذا

(1) تقدم في ص 304 الهامش 1.
(2) التهذيب 2: 294 ح 1184.
(3) المبسوط 1: 109، الخلاف 1: 427 المسألة: 175.
(4) المعتبر 2: 174، تذكرة الفقهاء 1: 115، نهاية الإحكام 1: 473.
307

ساوت حروفها.
وفي المبسوط: إذا لم يحسنها وأحسن غيرها قرأ ما يحسنه عند ضيق
الوقت، سواء كان بعدد آيها أو دونها أو أكثر (1). وظاهره قراءة ما شاء، الا ان
يحمل (قراءة دونها) على من لا يحسن سواه. وفي المعتبر صرح بعدم وجوب
كون المقروة بقدرها (2).
ولو علم شيئا من الفاتحة اقتصر عليه، وهل يجب تكراره بقدرها؟ نفاه
في المعتبر (3).
ولو كان يحسن غيره من القرآن، ففي تكراره أو ضم ما يحسن من القرآن
إليه نظر، من أن بعضها أقرب إليها من غيرها فيكرره، كما لو أحسن غيرها من
القرآن فإنه لا يعدل إلى الذكر. ومن أن الشئ الواحد لا يكون أصلا وبدلا عن
غيره، فيأتي بما يحسن منها ويضم إليه بقدر الباقي. ويدل عليه أيضا ان النبي
صلى الله عليه وآله علم السائل " الحمد لله " (4) وهي من جملة الفاتحة ولم يأمره
بتكررها، ويضعف بان هذا القدر لا يسمى قرآنا، ولأنه لو سمي قرآنا لكان
مراعاته أولى من الذكر.
ولو أحسن النصف الأول منها قرأه، فان أحسن غيره قرأ بقدر النصف
الثاني ويقدم ما يحفظ منها. ولو أحسن النصف الأخير قرأ من غيرها أولا ثم أتى
بالنصف الأخير. وعلى القول بالتكرار يكرر.
ولو لم يحفظ غيره، وقلنا بعدم التكرار، عوض عن النصف الفائت
بالذكر، فإن كان المحفوظ هو الأول قدمه على الذكر والا قدم الذكر عليه.
وعلى قول الشيخ ومن تبعه يراعي قدر النصف، اما وجوبا أو استحبابا. وعلى
.

(1) المبسوط 1: 106.
(2) المعتبر 2: 170.
(3) المعتبر 2: 170.
(4) تقدم في ص 304 الهامش 1.
308

ما قلناه يراعى نصف المجزئ عن الجميع تقريبا.
ولو أحسن وسطها عوض عن الطرفين من غيرها، فإن لم يحسنه عوض
عنهما بالذكر قبل وبعد.
ولو أحسن بعض آية، فإن كان يسمى قرآنا قرأه والا فالذكر. ولو كان لا
يحسن الذكر الا بالعجمية وضاق الوقت أتى به.
ولو كان يحسن قرآنا مترجما، ففي ترجيح الذكر المترجم عليه أو العكس
نظر، من حيث إن ترجمة القرآن أقرب أقرب إليه من الذكر، ومن أن الغرض الأقصى
من القرآن نظمه المعجز وهو يفوت بالترجمة، بخلاف الأذكار كما سلف. وقوى
الفاضل تقديم القرآن هنا (1).
ولو تعلم في الأثناء، فإن كان قبل شروعه في البدل قرأ المبدل، وان كان
في أثناء البدل قال في التذكرة: قرأ ما لم يأت ببدله، لأنه امتثل (2). ولو قيل
بوجوب المبدل كله كان وجها، لأنه في محل القراءة بعد وهو متمكن منها،
سواء كان قد شرع في الذكر فتعلم بعض القرآن أو تعلم الفاتحة، أو كان قد
شرع في غيرها من القراءة فتعلم الفاتحة.
نعم، لو كان قد ركع مضت الركعة واستأنف القراءة فيما بقي. واحتمل
الفاضل استحباب العدول إلى النفل، لثبوته في استدراك قراءة الجمعة مع
استحبابه، ففي استدراك الواجب أولى (3).
ولقائل ان يمنع انه استدراك واجب، لان إتمام هذه الصلاة الان مجزئ،
وإذا نقل نية إلى النفل ثم أعادها فقد أتى بصلاة أكمل منها، فهو في معنى قراءة
الجمعة في أنه صفة كمال بالنسبة إلى هذه الصلاة، ولما كان القياس عندنا

(1) تذكرة الفقهاء 1: 115.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 115.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 115.
309

باطلا بقي الدليل الدال على ابطال العمل خليا عن المعارض، ومن هذا يظهر
ضعف القول بان المتيمم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة يعدل إلى النافلة (1)،
وقد سبق.
السابعة: لو لم يحسن السورة وجب عليه التعلم. فلو تعلم بعضها
وضاق الوقت أتى به. ولو لم يحسن شيئا منها لم يعوض عنها بالذكر، اقتصارا
على موضع النقل. ولو كان يحفظ قرآنا غير الفاتحة، وجب عليه أن يقرأ منه
بدل الفاتحة، ثم يقرأ سورة كاملة. ولو لم يحفظ سوى سورة، قرأ منها بدل
الفاتحة، وكررها عن السورة بعد الحمد.
الثامنة: يجب تقديم الحمد على السورة، فان خالف عمدا أعاد، وان
كان ناسيا أعاد السورة بعد الحمد، والجاهل لا يعذر هنا. ولو لم نوجب
السورة، لم يضر التقديم على الأقرب، لأنه أتى بالواجب، وما سبق قرآن لا يبطل
الصلاة. نعم، لا يحصل له ثواب قراءة السورة بعد الحمد، ولا يكون مؤديا
للمستحب.
وكذا يجب تقديم كل آية سابقة على لا حقتها في الحمد والسورة، لان
الامر بالقراءة ينصرف إلى المنزل على ترتيبه، فلو خالف عمدا بطلت الصلاة،
ولو كان نسيانا استأنف القراءة، ولا يجزئه البناء على ما يحصل به الترتيب،
للاخلال بالموالاة، نعم، لو قرأ النصف الثاني من الحمد ناسيا، ثم قرأ الأول مع
استمرار النسيان ثم تذكر، بنى.
التاسعة: تجب الموالاة في القراءة. فلو قرأ خلالها من غيرها عمدا
بطلت الصلاة، لتحقق المخالفة المنهي عنها. وفي المبسوط: يستأنف القراءة
ولا تبطل الصلاة (2).

(1) قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 65.
(2) المبسوط 1: 106.
310

ولو كان ناسيا استأنف القراءة. وفي المبسوط: يبني على الأول (1).
ولو سكت في أثنائها بما يزيد على العادة، فإن كان لأنه ارتج عليه فطلب
التذكر لم يضر الا ان يخرج عن كونه مصليا، وإن سكت متعمدا لا لحاجة حتى
خرج عن كونه قارئا استأنف القراءة.
ولو خرج بالسكوت عن كونه مصليا بطلت.
ولو نوى قطع القراءة وسكت، قال في المبسوط: يعيد الصلاة، بخلاف
ما لو سكت لا بنية القطع، أو نوى القطع ولم يسكت (2) مع أنه يقول: إن الصلاة
لا تبطل بنية فعل المنافي (3).
وربما يجاب: بان المبطل هنا نية القطع مع القطع، فهو نية المنافي مع
فعل المنافي.
ويشكل: بان قواطع الصلاة محصورة، ونية قطع القراءة لا تؤثر، وقطع
القراءة بمجرده لا يؤثر كما ذكره الشيخ. اما لو نوي قطع القراءة لا بعزم العود
إليها، فهو كنية قطع الصلاة بفعل المنافي، ان ثبت ان هذا القطع مناف للصلاة
من حيث إنه لا شغل له الان سوى القراءة، فإذا نوى قطع القراءة وترك القراءة
فهو قطع للصلاة بالفعل، لأنه ترك واجبا في الصلاة متعمدا.
ولقائل أن يقول: اما ان نقول نية المنافي تؤثر أو لا، فان قلنا بتأثيرها
بطلت، سواء قطع القراءة أو لا. وان قلنا لا تؤثر حتى يفعل المنافي، فلا نسلم
ان مطلق ترك القراءة مناف، وانما تتحقق المنافاة إذا أتى بعده بالركوع فيكون
قد أخل بواجب، أو لبث بعد القطع زمانا يخرج به عن كونه مصليا، فتحقق
المنافاة لا بمجرد ترك القراءة بل بهذا المنافي.

(1) المبسوط 1: 105.
(2) المبسوط 1: 105.
(3) المبسوط 1: 102.
311

فروع:
لما كان الركن الأعظم في القرآن نظمه لم تجز القراءة بما يخل بالنظم،
كما لو قرئ مقطعا كأسماء العدد وأسماء الحروف. اما لو وقف في موضع لا
يقف القراء عليه ويعدونه من القبيح فإنه لا يبطل، لحصول مسمى القرآن.
ولو كرر آية من الحمد أو السورة لاصلاح، لم يقدح في الموالاة وان لم
يأت بالآية التي قبلها وبعض العامة قال: يأتي بما قبلها ثم يكررها (1). ولو
كررها عمدا فكذلك، وكذا الآيتان فصاعدا.
ولو شك في كلمة، أتى بها، والأجود إعادة ما يسمى قرآنا، وأولى منه عدم
جواز الاتيان بمجرد الحرف الذي شك فيه أو تيقن فساده، لأنه لا يعد بعض
الكلمة كلمة فضلا عن كونه قرآنا.
ولو كرر الفاتحة عمدا، فالأقرب عدم البطلان، لان الكل قرآن، ولأن
تكرار الآية جائز. واحتمل الفاضل بطلان الصلاة، لمخالفة المأمور به (2) وكذا
لو كرر السورة والخطب فيه أسهل لان القرآن بين السورتين قيل بجوازه، وهو
في قوة القران.
اما لو اعتقد المكرر استحباب التكرار توجه الابطال، لأنه ليس بمشروع
على هذا الوجه، فيكون الآتي به آتيا بغير المشروع، وأولى بالبطلان ما لو اعتقد
وجوبه. ولو كرر شيئا من ذلك نسيانا فلا شئ عليه.
ولا يقدح في الموالاة سؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة عند آيتيهما،
لاستحباب ذلك لما روي حذيفة من فعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك وقد قرأ
سورة البقرة، وكان مقتديا به (3) وروى سماعة قال: قال عليه السلام: " ينبغي

(1) المجموع 3: 358.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 116.
(3) صحيح مسلم 1: 536 ح 772، سنن ابن ماجة 1: 429 ح 1351، سنن أبي داود 1: 230
ح 871، سنن النسائي 2: 177.
312

لمن قرأ القرآن، إذا مر بآية فيها مسألة أو تخويف، ان يسأل الله عند ذلك خير ما
يرجو، ويسأل العافية من النار ومن العذاب " (2). وكذا لا بأس بالحمد عند
العطسة في أثناء القراءة، وتسميت العاطس.
ولو أخل المصلي بالموالاة ساهيا لم تبطل، الا ان يخرج عن كونه
مصليا.
العاشرة: قراءة الأخرس تحريك لسانه بها مهما أمكن، ويعقد قلبه
بمعناها، لان " الميسور لا يسقط بالمعسور " (3).
وروى الكليني عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " تلبية
الأخرس، وتشهده، وقراءته للقرآن، في الصلاة، تحريك لسانه واشارته
بإصبعه " (4). وهذا يدل على اعتبار الإشارة بالإصبع في القراءة كما مر في
التكبير.
ولو تعذر افهامه جميع معانيها، افهم البعض وحرك لسانه به، وامر
بتحريك اللسان بقدر الباقي تقريبا وان لم يفهم معناه مفصلا. وهذه لم أر فيها
نصا.
والتمتام والفأفاء والألثغ والأليغ يجب عليهم السعي في اصلاح اللسان،
ولا يجوز لهم الصلاة مع سعة الوقت مهما أمكن التعلم، فان تعذر ذلك صحت
القراءة بما يقدرون عليه. والأقرب عدم وجوب الائتمام عليهم، لان صلاتهم
مشروعة.
الحادية عشرة: يجزئ بدل الحمد اختيارا، في الثالثة من المغرب
والأخيرتين من الظهرين والعشاء، التسبيح عند علمائنا أجمع.

(1) الكافي 3: 301 ح 1، التهذيب 2: 286 ح 1147.
(2) عوالي اللآلي 4: 58 ح 205.
(3) الكافي 3: 315 ح 17.
313

وروى العامة عن علي عليه السلام أنه قال " اقرأ في الأوليين، وسبح في
الأخيرتين (1) ".
وروينا في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام تجزئ في الركعتين
الأخيرتين ان تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وتكبر (2)
وتركع.
والمفيد - رحمه الله - اقتصر على منطوق هذه الرواية (3).
والشيخ في النهاية والاقتصاد كرر ذلك ثلاثا، فتكون اثني عشرة (4). وفي
المبسوط - وتبعه جماعة - عشر، وهي: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله،
ثلاث مرات، ثم يقول في الثالثة: والله أكبر (5).
وفي كتاب حريز تسع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، ثلاثا (6)،
واختاره ابن بابويه (7) وأبو الصلاح (8).
وهذه الأقوال لم نجد بها شاهدا صريحا، الا ما رواه حريز عن زرارة عن
الباقر عليه السلام، قال: " ان كنت إماما (9) فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
ثلاث مرات، ثم تكبر وتركع " (10).
قال ابن إدريس: يجزئ المستعجل أربع، وغيره عشر (11).

(1) المصنف لابن أبي شيبة 1: 372.
(2) الكافي 3: 319 ح 2، التهذيب 2: 98 ح 367، الاستبصار 1: 321 ح 1198.
(3) المقنعة: 18.
(4) النهاية: 76، الاقتصاد: 261.
(5) المبسوط 1: 106، السرائر: 46، المراسم: 72.
(6) حكاه عنه المحقق في المعتبر 2: 189
(7) مختلف الشيعة: 92.
(8) الكافي في الفقه: 117.
(9) في الفقيه زيادة: " أو وحدك ".
(10) الفقيه 1: 256 ح 1158، السرائر: 479.
(11) السرائر: 46.
314

وقال ابن الجنيد: والذي يقال مكان القراءة تحميد وتسبيح وتكبير، يقدم
ما شاء (1). ويشهد له صحيح عبيد الله الحلبي عن الصادق عليه السلام: " إذا
كنت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما، وقل: الحمد لله وسبحان الله والله
أكبر " (2).
وفي صحيح عبيد بن زرارة عنه عليه السلام في الركعتين الأخيرتين من
الظهر: " تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك، وان شئت فاتحة الكتاب " (3).
وروي علي بن حنظلة عنه عليه السلام: " إن شئت الفاتحة، وان شئت
فاذكر الله " (4).
ومال صاحب البشرى جمال الدين ابن طاووس العلوي - رحمه الله - إلى
إجزاء الجميع، لعدم الترجيح. وأورد على نفسه التخيير بين الوجود والعدم وهو
غير معهود، وأجاب بالتزامه كالمسافر في مواضع التخيير.
وفي المعتبر: الوجه جواز الكل، وان كانت رواية الأربع أولى، والأكثر
أحوط ولكنه لا يلزم (5). وهو قول قوي، لكن العمل بالأكثر أولى، مع اعتقاد
الوجوب.
تنبيهات:
أحدها: هل يجب الترتيب فيه كما صورة في رواية زرارة؟ الظاهر نعم،
أخذا بالمتيقن. ونفاه في المعتبر، للأصل، مع اختلاف الرواية (6).

(1) مختلف الشيعة: 92.
(2) التهذيب 2: 99 ح 372، الاستبصار 1: 322 ح 1203.
(3) التهذيب 2: 98 ح 368، الاستبصار 1: 321 ح 1199.
(4) التهذيب 2: 98 ح 369، الاستبصار 1: 321 ح 1200.
(5) المعتبر 2: 190.
(6) المعتبر 2: 190.
315

وثانيها: هل يجب الاخفات فيه؟ الأقرب نعم، تسوية بيه وبين البدل.
ونفاه ابن إدريس (1) للأصل، وعدم النص.
قلنا: عموم الاخفات في الفريضة كالنص، مع اعتضاده بالاحتياط.
وثالثها: هل يسقط التخيير بنسيان القراءة في الأوليين؟ المشهور لا،
لعموم شرعيته.
وقال في المبسوط: ان نسي القراءة في الأوليين لم يبطل تخييره، وانما
الأولى له القراءة لئلا تخلو الصلاة منها، وقد روي " انه إذا نسي في الأوليين القراءة
تعين في الأخيرتين " (2).
ولن نظفر بحديث صريح في ذلك، لكن روى محمد بن مسلم عن الباقر
عليه السلام في ناسي الفاتحة: " لا صلاة له " (3).
وروى الحسين بن حماد عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: أسهو
عن القراءة في الركعة الأولى، قال: " اقرأ في الثانية " قلت: أسهو في الثانية،
قال: " اقرأ في الثالثة " قلت: أسهو في صلاتي كلها، قال: " إذا حفظت الركوع
والسجود تمت صلاتك " (4).
وهذه يظهر منها تعين القراءة للناسي لكنه غير مصرح به، إذ الامر بالقراءة
وان كان للوجوب الا انه لا ينافي التخيير بينها وبين التسبيح، فان كل واحدة من
خصال التخيير توصف بالوجوب.
وقال في الخلاف: ان نسي القراءة في الأوليين قرأ في الأخيرتين،
واحتج بهذه الرواية، وأورد رواية معاوية بن عمار الآتية دليلا على بقاء التخيير،

(1) السرائر: 46.
(2) المبسوط 1: 106.
(3) الكافي 3: 317 ح 28، التهذيب 2: 146 ح 573، الاستبصار 1: 354 ح 1339.
(4) الفقيه 1: 227 ح 1004، التهذيب 2: 148 ح 579، الاستبصار 1: 355 ح 1342.
316

ثم جعل القراءة أحوط (1).
ورابعها: في المفاضلة بين القراءة والتسبيح. فقال ابن أبي عقيل:
التسبيح أفضل ولو نسي القراءة في الأوليين، لرواية معاوية بن عمار عن الصادق
عليه السلام في ناسي القراءة في الأوليين فتذكر في الأخيرتين، قال: " اني أكره
أن أجعل آخر صلاتي أولها " (2).
وظاهر ابني بابويه أفضلية التسبيح للامام والمأموم (3) وهو مختار ابن إدريس
(4).
وفي الاستبصار: الامام الأفضل له القراءة (5).
وابن الجنيد: يستحب للامام التسبيح إذا تيقن انه ليس معه مسبوق، وان
علم دخول المسبوق أو جوزه قرأ، ليكون ابتداء الصلاة للداخل بقراءة والمأموم
يقرأ فيهما، والمنفرد يجزئه مهما فعل (6).
وظاهر الشيخ في أكثر كتبه المساواة (7).
والذي رواه محمد بن حكيم، عن أبي الحسن عليه السلام أفضلية
القراءة (8) وأطلق.
وروى منصور بن حازم، عن الصادق عليه السلام: يقرأ الإمام، ويتخير
المأموم (9).

(1) الخلاف 1: 341 المسألة: 93.
(2) التهذيب 2: 146 ح 571، الاستبصار 1: 354 ح 1337.
(3) الفقيه 1: 203، مختلف الشيعة: 92.
(4) السرائر: 48.
(5) الاستبصار 1: 322.
(6) مختلف الشيعة: 92.
(7) المبسوط 1: 106، النهاية: 76، الجمل والعقود: 181.
(8) التهذيب 2: 98 ح 370، الاستبصار 1: 322 ح 1201.
(9) التهذيب 2: 98 ح 371، الاستبصار 1: 322 ح 1202.
317

وروى معاوية بن عمار، عنه عليه السلام: قراءة الإمام، وتخير
المنفرد (1).
وروى علي بن حنظلة، عنه عليه السلام: " هما والله سواء، ان شئت
سبحت، وان شئت قرأت " وسأله عن الأفضل (2).
وروى الحلبي عنه عليه السلام: " إذا قمت في الركعتين لا تقرأ
فيهما " (3).
وخامسها: أجمع الأصحاب على الاجتزاء بالحمد في الأخيرتين، وهو
في رواية جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يقرأ الإمام
في الركعتين في آخر الصلاة؟ فقال: " بفاتحة الكتاب، ولا يقرأ الذين خلفه،
ويقرأ الرجل فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب " (4) وغيرها من الروايات (5).
وسادسها: يجوز ان يقرأ في ركعة من الأخيرتين، ويسبح في الأخرى،
لان التخيير في الركعتين تخيير في كل واحدة منهما، وفي رواية الحسين بن
حماد اشعار به، لان قوله: " اقرأ في الثالثة " (6) مشعر ببقاء التخيير في الرابعة.
وسابعها: ليس فيه بسملة، لأنها جزء من القراءة لا من التسبيح.
والأقرب: انها غير مسنونة هنا، ولو أتى بها لم يكن به بأس.
وثامنها: انه إذا شرع في القراءة أو التسبيح، فالأقرب انه ليس له العدول
إلى الاخر، لأنه ابطال للعمل ولو كان العدول إلى الأفضل، مع احتمال جوازه
- كخصال الكفارة - وخصوصا إلى الأفضل.

(1) الكافي 3: 319 ح 1، التهذيب 2: 294 ح 1185.
(2) التهذيب 2: 98 ح 369، الاستبصار 1: 321 ح 1200.
(3) التهذيب 2: 99 ح 372، الاستبصار 1: 322 ح 1203.
(4) التهذيب 2: 295 ح 1186.
(5) راجع: الكافي 3: 319 ح 1، التهذيب 2: 294 ح 1185.
(6) تقدمت في ص 316 الهامش: 4.
318

ولو شرع في أحدهما بغير قصد إليه، فالظاهر الاستمرار عليه، لاقتضاء
نية الصلاة فعل أيهما. ولو كان قاصدا إلى أحدهما، فسبق لسانه إلى الاخر،
فالأقرب ان التخيير باق، فان تخير غيره أتى به، وان تخير ما سبق إليه لسانه
فالأجود استئنافه، لأنه عمل بغير نية.
وتاسعها: لو شك في عدده بنى على الأقل، لأنه المتيقن. ولو ظهر له
الزيادة فلا بأس.
وعاشرها: انه يجب فيه الموالاة الواجبة في القراءة، ومراعاة اللفظ
المخصوص به باللسان العربي، فلا تجزئ ترجمته. نعم، لو اضطر إليه ولم
يمكنه العربية فالأقرب جوازه، لما سبق في التكبير والأذكار في الأوليين.
وحادي عشرها: المشهور انه لا يستحب الزيادة على اثنتي عشرة.
وقال ابن أبي عقيل: يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر سبعا، أو خمسا، وأدناه ثلاث في كل ركعة (1). ولا بأس باتباع هذا الشيخ
العظيم الشأن في استحباب تكرار ذكر الله تعالى.
وثاني عشرها: حكمه حكم القراءة في الوجوب وعدم الركنية، فتبطل
الصلاة بتعمد تركه لا بنسيانه.
المسألة الثانية عشرة: المشهور وجوب الجهر في الصبح والأوليين من
المغرب والعشاء الآخرة، ووجوب الاخفات في البواقي، فتبطل الصلاة
بمخالفة ذلك عمدا.
ونقل الشيخ فيه الاجماع، واحتج بخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه، أو أخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه،
فقال: " ان فعل ذلك متعمدا، فقد نقض صلاته وعليه الإعادة. وان فعل ذلك
ناسيا، أو ساهيا، أو لا يدري، فلا شئ عليه وقد تمت صلاته " (2).

(1) مختلف الشيعة: 92.
(2) الخلاف 1: 372 المسألة: 130.
وخبر زرارة في الفقيه 1: 227 ح 1003، التهذيب 2: 162 ح 635، الاستبصار 1: 313
ح 1163.
319

وقال ابن الجنيد: لو جهر بالقراءة فيما يخافت بها، أو خافت فيما يجهر
بها، جاز ذلك، والاستحباب ان لا يفعل ذلك في انفراده (1)، وهو منقول عن
المرتضى رحمه الله (2).
وقد روى علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام في الرجل يصلي من
الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة، هل عليه أن لا يجهر؟ قال: " ان شاء جهر، وان
شاء لم يفعل " (3)، وحمل على الجهر العالي (4).
والشيخ يقول: هذا يوافق العامة، والعمل على السابق (5)، يعني خبر
زرارة. قال في المعتبر: هذا تحكم من الشيخ، فان بعض الأصحاب لا يرى
وجوب الجهر بل يستحبه (6).
قلت: لم يعتد الشيخ بخلافه، ومن القواعد المقررة ان من يعرف اسمه
ونسبه لم يعتد بخلافه.
ويمكن الاستدلال على وجوب الجهر والاخفات بفعل النبي صلى الله عليه
وآله، والتأسي به واجب، ولقوله صلى الله عليه وآله: " صلوا كما رأيتموني
أصلي " (7).
فان قلت: ما تصنع بقوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت

(1) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 93.
(2) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 93.
(3) قرب الإسناد: 94، التهذيب 2: 162 ح 636، الاستبصار 1: 313 ح 1164.
(4) حملها العلامة في مختلف الشيعة: 93.
(5) التهذيب 2: 162، الاستبصار 1: 313.
(6) المعتبر 2: 177.
(7) مسند أحمد 5: 53، سنن الدارمي 1: 286، صحيح البخاري 1: 162، الاحسان بترتيب
صحيح ابن حبان 3: 85 ح 1656، سنن الدارقطني 1: 273، السنن الكبرى 3: 120.
320

بها) (1) فان ظاهره التخيير، وبه استدل العامة.
قلت: الحقيقة هنا غير مرادة، لامتناع الانفكاك عن الجهر والاخفات،
بل المراد نفي الجهر الزائد عن المعتاد، ونفي المخافتة التي تقصر عن
الاسماع، لرواية سماعة عن الصادق عليه السلام في تفسيرها: " الجهر ان ترفع
صوتك شديدا، والمخافتة ما دون سمعك " (2).
فان قلت: ففي رواية علي بن فضال، عن بعض أصحابنا، عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال: " السنة في صلاة النهار بالاخفاء، والسنة في صلاة
الليل بالاجهار " (3) والسنة ترادف الندب.
قلت: حملها الشيخ على النافلة (4). ولو سلم إرادة الفريضة فالسنة
تطلق على الفرض كثيرا، بمعنى: انه ثابت بالسنة.
تنبيه:
أقل الجهر ان يسمع من قرب منه إذا كان يسمع، وحد الاخفات اسماع
نفسه ان كان يسمع والا تقديرا، قال في المعتبر: وهو اجماع العلماء، ولأن ما
لا يسمع لا يعد كلاما ولا قراءة (5)، ولرواية سماعة السابقة (6).
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: " لا يكتب من القراءة والدعاء
الا ما اسمع نفسه " (7).

(1) سورة الإسراء: 110.
(2) الكافي 3: 315 ح 21، التهذيب 2: 290 ح 1164.
(3) التهذيب 2: 289 ح 1161، الاستبصار 1: 313 ح 1165.
(4) الاستبصار 1: 314.
(5) المعتبر 2: 177.
(6) تقدمت في الهامش 3.
(7) الكافي 3: 313 ح 6، التهذيب 2: 97 ح 363، الاستبصار 1: 320 ح 1194.
321

وروى الحلبي عن الصادق عليه السلام في الرجل يقرأ في الصلاة وثوبه
على فيه، فقال: " لا بأس بذلك إذا اسمع اذنيه الهمهمة " (1).
فإن قلت: فقد روى علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليهما السلام: " لا
بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم توهما " (2).
قلت: حمله الشيخ على من كان في موضع تقية، لمرسلة محمد بن أبي
حمزة عنه عليه السلام: " يجزئك من القراءة معهم مثل حديث النفس " (3).
ولا جهر على المرأة اجماعا من الكل، فيكفيها اسماع نفسها تحقيقا أو
تقديرا. ولو جهرت وسمعها الأجنبي، فالأقرب الفساد مع علمها، لتحقق النهي
في العبادة. ولو سمعها المحرم، أو النساء، أو لم يسمعها أحد، فالظاهر
الجواز، للأصل، وان عدم وجوب الجهر عليها معلل بكون صوتها عورة. فرع: الخنثى تتخير في الجهر والاخفات، وان جهرت في مواضع الجهر فهو
أولى، إذا لم يستلزم سماع من يحرم سماعه.
اما باقي أذكار الصلاة فقد سبق ما يدل على استحباب الجهر للامام،
والاسرار للمأموم، واما المنفرد فالظاهر تخييره، لرواية علي عن أخيه عليه
السلام، قال: سألته عن التشهد، والقول في الركوع والسجود والقنوت، للرجل
ان يجهر به؟ قال: " ان شاء جهر، وان شاء لم يجهر " (4) وقد سبق.
الثالثة عشرة: لا يجوز ان يقرأ في الفريضة عزيمة على الأشهر، للزوم
أحد الامرين: اما الاخلال بالواجب ان نهيناه عن السجود، واما زيادة سجدة

(1) الكافي 3: 315 ح 15، التهذيب 2: 97 ح 364، الاستبصار 1: 320 ح 1195.
(2) التهذيب 2: 97 ح 365، الاستبصار 1: 321 ح 1196.
(3) التهذيب 2: 97، الاستبصار 1: 321، والحديث فيهما برقم 366، 1197،
(4) التهذيب 2: 313 ح 1272.
322

في الصلاة متعمدا ان أمرناه به، وكلاهما ممنوع منه. ولرواية زرارة عن أحدهما
عليهما السلام: " لا يقرأ في المكتوبة شئ من العزائم، فان السجود زيادة في
المكتوبة " (1).
وفي رواية سماعة: " لا تقرأ في الفريضة، إقرأ في التطوع " (2) يعني: سورة
العلق.
وقد روى عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يقرأ في المكتوبة
سورة فيها سجدة من العزائم، فقال: " إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها، وإن
أحب أن يرجع فيقرأ سورة غيرها " الحديث (3).
والأشهر بين الأصحاب العمل على الخبرين الأولين - وان كان في
سندهما كلام - إلا ابن الجنيد، حيث يقول: إن كان في فريضة أومأ، فإذا فرغ
قرأها وسجد (4) ولكنه لا يرى وجوب سورة بعد الحمد، ورواية عمار دالة عليه
أيضا.
ومن ثم قال في المعتبر: إن قلنا بوجوب السورة وحرمنا الزيادة لزم المنع
من قراءة العزيمة، وان أجزنا أحدهما لم نمنع إذا ترك موضع السجود (5).
قلت: وكذا لو لم نوجب السجود في الحال لمانع يمنع منه - وهو التلبس
بالصلاة التي ينافيها زيادة السجود - لم نحكم بالبطلان كما قاله ابن الجنيد،
وفي بعض الروايات إيماء إليه، مثل رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:
" ان صليت مع قوم فقرأ الامام: (اقرأ باسم ربك) أو شيئا من العزائم، وفرغ
من قراءته ولم يسجد، فأومئ ايماء " (6).

(1) الكافي 3: 318 ح 6، التهذيب 2: 96 ح 361.
(2) التهذيب 2: 292 ح 1174، الاستبصار 1: 320 ح 1191.
(3) التهذيب 2: 293 ح 1177.
(4) حكاه عنه المحقق في المعتبر 2: 175.
(5) المعتبر 2: 176.
(6) الكافي 3: 318 ح 4، التهذيب 2: 291 ح 1168، الاستبصار 1: 320 ح 1192.
323

وهناك أخبار مطلقة في إباحة قراءة العزائم في الصلاة، وهي محمولة
على النافلة - كرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام (1) ورواية عبد الله بن سنان
عنه عليه السلام (2) ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (3) -
للجمع بين الروايات، وزيادة السجود في النافلة مغتفر.
وقد دلت رواية الحلبي على أن السجود إذا كان في آخرها، سجد وقام
فقرأ الحمد ثم ركع (4).
وروى وهب بن وهب، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن علي
عليه السلام: " إذا كان السجود آخرها أجزأ الركوع بها " (5). وحمله الشيخ على
من يصلي مع قوم لا يمكنه ان يسجد ويقوم ويقرأ الحمد، مستشهدا بمقطوعة
سماعة: " إذا قم منفردا فليقرأ الفاتحة ثم يركع، وان كان مع إمام لا يسجد أومأ
بها وركع " (6).
وفي المبسوط: يقرأ إذا قام من السجود الحمد وسورة أخرى أو آية (7).
فرع:
لو قرأ العزيمة سهوا في الفريضة، ففي وجوب عنها ما لم يتجاوز
النصف وجهان، يلتفتان على أن الدوام كالابتداء أو لا؟ والأقرب: الأول.
وان تجاوز، ففي جواز الرجوع وجهان أيضا، من تعارض عمومين
أحدهما: المنع من الرجوع هنا مطلقا. والثاني: المنع من زيادة سجدة، وهو

(1) الكافي 3: 318 ح 5، التهذيب 2: 291 ح 1167، الاستبصار 1: 319 ح 1189.
(2) الكافي 3: 317 ح 1، التهذيب 2: 291 ح 1170.
(3) التهذيب 2: 292 ح 1176 عن محمد عن أحدهما عليهما السلام.
(4) راجع الهامش 6 من الصفحة السابقة.
(5) التهذيب 2: 292، ح 1173، الاستبصار 1: 319 ح 1190.
(6) التهذيب 2: 292، الاستبصار 1: 319، والمقطوعة فيهما برقم 1174، 1191
(7) المبسوط 1: 114.
324

أقرب. وان منعناه أومأ بالسجود ثم يقضيها.
ويحتمل وجوب الرجوع ما لم يتجاوز السجدة، وهو قريب أيضا، مع قوة
العدول مطلقا ما دام قائما.
وابن إدريس قال: ان قرأها ناسيا مضى في صلاته، ثم قضى السجود
بعدها (1) وأطلق.
الرابعة عشرة: لا يجوز ان يقرأ ما يفوت الوقت بقراءته، لاستلزامه تأخير
الصلاة عن وقتها عمدا وهو حرام. وقد روى في التهذيب عن عامر بن عبد الله
عن الصادق عليه السلام، قال: " من قرأ شيئا من ال‍ (حم) في صلاة الفجر فاته
الوقت " (2).
ولو ظن التضيق بعد شروعه فيها، وجب العدول إلى أقصر منها - وان
تجاوز نصف الأولى - إذا ضاق الوقت عن تمامها.
الخامسة عشرة: اختلف الروايات في القرآن بين سورتين في الفريضة
مع الفاتحة. فروى منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام: " لا تقرأ في
المكتوبة بأقل من سورة ولا أكثر " (3).
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يقرأ
السورتين في الركعة، فقال: " لا لكل سورة ركعة " (4).
وروى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام، قلت له: أقرأ سورتين في
ركعة؟ قال: " نعم ". قلت: أليس يقال: اعط كل سورة حقها من الركوع

(1) السرائر: 45.
(2) التهذيب 2: 295 ح 1189.
(3) الكافي 3: 314 ح 12، التهذيب 2: 69 ح 253، الاستبصار 1: 314 ح 1167، وفي
الجميع: " بأكثر ".
وقد تقدم في ص 300 الهامش 5.
(4) التهذيب 2: 70 ح 254، الاستبصار 1: 314 ح 1168.
325

والسجود؟ فقال: " ذاك في الفريضة، فاما في النافلة فلا بأس " (1).
وظاهر هذه كلها التحريم، وعليه الشيخ في النهاية، وجعله مفسدا
للصلاة (2) وكذا لم يجوزه في التهذيب (3) وفي الخلاف جعله الأظهر من
المذهب ولم يذكر الفساد (4). وقال في المبسوط: قراءة سورة بعد الحمد
واجبة، غير أنه ان قرأ بعض السورة أو قرن بين سورتين بعد الحمد لا يحكم
ببطلان الصلاة (5).
والمرتضى - رحمه الله - جعله أيضا مفسدا للصلاة (6).
وروى علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في القران بين
السورتين في المكتوبة والنافلة، قال: " لا بأس " (7). وروى زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام: " انما يكره ان يجمع بين السورتين في الفريضة، فاما النافلة فلا
بأس " (8). وعليه الشيخ في الاستبصار (9) وابن إدريس (10) والشيخ نجم الدين (11)
وهو أقرب، حملا للروايات الأول على الكراهية توفيقا، ولقضية الأصل.
وربما احتج بان فعل النبي صلى الله عليه وآله لم يكن القران، والا

(1) التهذيب 2: 70 ح 257، الاستبصار 1: 316 ح 1179.
(2) النهاية: 75.
(3) التهذيب 2: 296.
(4) الخلاف 1: 366 المسألة: 87.
(5) المبسوط 1: 107.
(6) الانتصار: 44.
(7) التهذيب 2: 296 ح 1192، الاستبصار 1: 317 ح 1181.
(8) الكافي 3: 314 ح 10، التهذيب 2: 70 ح 258، الاستبصار 1: 317 ح 1180، السرائر:
486.
(9) الاستبصار 1: 317.
(10) السرائر: 45.
(11) المعتبر 2: 174.
326

لوجب أو استحب ولم يقل به أحد، فتعين الافراد، فيجب التأسي به.
فنقول: وجوب التأسي به معناه ان يفعل مثل فعله لأنه فعله، فإذا فعله
على وجه الندب فالتأسي به فعله على وجه الندب، ونحن نقول المستحب
الافراد ويكره القران، ومنصب النبوة مرفوع عن المكروه. اما النافلة فلا كراهة في
القران فيها، لما سلف، ورواية عبد الله ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام: " لا
بأس ان تجمع في النافلة من السور ما شئت " (1).
وروى محمد بن القاسم انه سأل عبد صالحا: هل يجوز ان يقرأ في
صلاة الليل بالسورتين والثلاث؟ فقال: " ما كان من صلاة الليل فاقرأ بالسورتين
والثلاث، وما كان من صلاة النهار فلا تقرأ الا سورة سورة " (2) وفي هذه الرواية
دلالة على ترك القران في نافلة النهار.
والمراد ب‍ (الفريضة) ما عدا الكسوف، لما يأتي إن شاء الله من تعدد
السورة في الركعة الواحدة ومن جعل كل ركوع ركعة، فالفريضة على اطلاقها.
السادسة عشرة: قال الأكثر: ان الضحى وألم نشرح سورة واحدة، وكذا
الفيل ولايلاف (3) ومستندهم النقل، وارتباط كل منهما بصاحبتها معني. وحينئذ
لو قرأ إحداهما في ركعة، وجب قراءة الأخرى على ترتيب المصحف على
القول بوجوب السورة.
وقد روى زيد الشحام، قال: صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام الفجر،
فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة الواحدة (4).
وروى أيضا: صلى أبو عبد الله عليه السلام فقرأ في الأولى والضحى،

(1) التهذيب 2: 73 ح 270.
(2) التهذيب 2: 73 ح 269.
(3) راجع: الهداية: 31، الانتصار: 440، المبسوط 1: 107، النهاية: 77، شرائع الاسلام
1: 83، تذكرة الفقهاء 1: 116.
(4) التهذيب 2: 72 ح 266، الاستبصار 1: 317 ح 1182.
327

وفي الثانية ألم نشرح (1) وحمل الشيخ هذه على النافلة (2).
وروى المفضل عنه عليه السلام، سمعته يقول: " لا تجمع بين سورتين
في ركعة واحدة، الا الضحى وألم نشرح، وسورة الفيل ولايلاف قريش " (3).
وهنا مباحث ثلاثة:
أحدها: انهما سورة واحدة أم سورتان؟ فتوى الأكثر على الواحدة، ورواية
المفضل تدل على أنهما سورتان، ويؤيده الاجماع على وضعهما في
المصحف سورتين، وهو متواتر.
وثانيها: هل تجب قراءة الثانية إذا قرأ الأولى؟ أفتى به الأصحاب، بناء
على وجوب السورة الكاملة وعلى انهما سورة، والروايتان تدلان على الوقوع من
الامام، وهو أعم من الوجوب.
فإن قلت: لو كانا سورتين لم يقرن بينهما الامام، لأنه لا يفعل المحرم
ولا المكروه، فدل على أنهما سورة، وكل سورة لا يجوز تبعيضها في الفريضة.
قلت: لم لا يستثنيان من الحرام أو المكروه، لتناسبهما في الاتصال،
وقد أومأ في المعتبر إلى هذا (4).
وثالثها: هل تعاد البسملة بينهما؟ نفاه الشيخ في التبيان (5) قضاء لحق
الوحدة، ولأن الشاهد على الوحدة اتصال المعني والبسملة تنفيه. واستعظمه
ابن إدريس، لتواتر البسملة بينهما، وكتبها في المصحف مع تجريدهم إياه عن
النقط والاعراب، ولا ينافي ذلك الوحدة كما في سورة النمل (6).

(1) التهذيب 2: 72 ح 265، الاستبصار 1: 318 ح 1184.
(2) المصدر السابق، ذيل الأحاديث.
(3) مجمع البيان 10: 544، المعتبر 2: 188.
(4) المعتبر 2: 188.
(5) التبيان 10: 371.
(6) السرائر: 46.
328

وقال في المعتبر: ان كانتا سورتين وجبت البسملة، وان كانت واحدة فلا
بسملة، للاتفاق على أنها ليست آيتين من سورة واحدة (1) سوى النمل.

(1) المعتبر 2: 188.
329

النظر الثاني: في سنن القراءة.
فمنها: الاستعاذة قبل القراءة في الركعة الأولى خاصة من كل صلاة،
لعموم: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (1) أي: أردت
القراءة، ولما روى أبو سعيد الخدري: ان النبي صلى الله عليه وآله كان يقول
قبل القراءة: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " (2). وعن الصادق عليه السلام:
" ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب " (3) رواه الحلبي.
ويستحب الاسرار بها ولو في الجهرية، قاله الأكثر، ونقل الشيخ فيه
الاجماع منا (4). وروى حنان بن سدير، قال: صليت خلف أبي عبد الله عليه
السلام، فتعوذ باجهار، ثم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم (5) ويحمل على
الجواز.
وصورته ما روى الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله (6). وروي: " أعوذ
بالسميع (7) العليم من الشيطان الرجيم " وراه البزنطي عن معاوية بن عمار عن
الصادق عليه السلام، واختاره المفيد في المقنعة (8).
وروى سماعة، قال: سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة

(1) سورة النحل: 98.
(2) المصنف لعبد الرزاق 2: 86 ح 2589.
(3) الكافي 3: 310 ح 7، التهذيب 2: 67 ح 244.
(4) الخلاف 1: 327 المسألة: 79.
(5) التهذيب 2: 289 ح 1158.
(6) راجع الهامش 2.
(7) في س: " بالله السميع "، وهو موافق لما نقلوه عن الذكرى في: وسائل الشيعة 4: 801،
والحدائق الناضرة 8: 163، ومفتاح الكرامة 2: 400. واما في بحار الأنوار 85: 6 فهو موافق
لما في المتن.
(8) المقنعة: 16، وفيه كما في نسخة س.
330

الكتاب، قال: " فليقل: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع
العليم، ثم ليقرأ ما دام لم يركع " (1).
وقال ابن البراج: يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ان
ان الله هو السميع العليم.
وللشيخ أبي علي بن الشيخ الأعظم أبي جعفر الطوسي قول بوجوب
التعوذ للامر به، وهو غريب، لان الامر هنا للندب بالاتفاق، وقد نقل فيه والده
في الخلاف الاجماع منا (2).
وقد روى الكليني باسناده إلى فرات بن أحنف، عن أبي جعفر عليه
السلام، قال: " مفتاح (3) كل كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم،
فإذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ، فإذا قرأت بسم الله
الرحمن الرحيم سترتك فيما بين السماء والأرض " (4).
فرع:
لا تتكرر الاستعاذة عندنا وعند الأكثر، ولو نسيها في الأولى لم يأت بها
في الثانية.
ومنها: الجهر بالبسملة في مواضع الاخفات جمع، لرواية حنان (5)
ورواية صفوان، قال: صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام أياما، فكان إذا
كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأخفى ما
سوى ذلك (6) وزاد الكليني في روايته: وكان يجهر في السورتين جميعا (7).

(1) التهذيب 2: 147 ح 574، الاستبصار 1: 254 ح 1340.
(2) الخلاف 1: 325 المسألة: 76.
(3) في المصدر: " أول ".
(4) الكافي 3: 313 ح 3.
(5) التهذيب 2: 289 ح 1158.
(6) التهذيب 2: 68 ح 246، الاستبصار 1: 310 ح 1154.
(7) الكافي 3: 315 ح 20.
331

وقد صرح باستحبابه في جميع الصلوات ابن بابويه (1) والمرتضى في
الجمل (2) والشيخ في النهاية (3) والخلاف (4) والمبسوط (5).
وتفرد ابن إدريس باختصاص الاستحباب بأوليي الظهرين لا الأواخر،
لعدم تعين القراءة فيها، وللاحتياط، ولقول الشيخ في الجمل: والجهر بها في
الموضعين، أي: الأوليين (6).
وهو قول مرغوب عنه:
أما أولا: فلانه يسبق إليه، وهو بإزاء إطلاق الروايات والأصحاب بل
بإزاء تصريحهم بالعموم.
وأما ثانيا: فلان المشهور من شعار الشيعة الجهر بالبسملة، وذلك لكونها
بسملة في مواضع الاخفات، فلا يتفاوت الحال في ذلك إقامة للشعار.
والجواب عن تمسكه بتعين القراءة ان ذلك عين المتنازع فيه، ونحن لا
نقول بالبسملة حال عدم القراءة فضلا عن الجهر بها، اما حال وجود القراءة فهي
مساوية لسائر القرآن. واما الاحتياط فمعارض بأصل البراءة من وجوب الاخفات
بها. واما الموضعان فلم لا يكونان أول الحمد حيث كانت وأول السورة.
قال المحقق - رحمه الله -: هذا تخصيص لما نص عليه الأصحاب
ودلت عليه الروايات، فان تمسك بوجوب الاخفات نقضنا عليه بما تتعين فيه القراءة
من الاخفاتية، وان تمسك بنص الأصحاب والمنقول لزمه العمل بالاخفات في كل
موضع يقرأ فيه تعين أو لم يتعين (7).

(1) لاحظ: الفقيه 1: 202.
(2) جمل العلم والعمل 3: 32.
(3) النهاية: 76.
(4) الخلاف 1: 331 المسألة: 83.
(5) المبسوط 1: 105.
(6) السرائر: 45، وراجع: الجمل والعقود: 183.
(7) المعتبر 2: 181.
332

وقال ابن أبي عقيل: تواترت الاخبار عنهم عليهم السلام ان لا تقية في
الجهر بالبسملة.
وهاهنا أقوال أخر:
أحدها: قول ابن الجنيد - رحمه الله - وهو: ان الجهر بها انما هو
للامام، اما المنفرد فلا، وصرح بان الامام يجهر بالبسملة في الأخيرتين (1).
وثانيها: قول ابن البراج: انه يجب الجهر بها في الاخفاتية على
الاطلاق (2).
وثالثها: قول أبي الصلاح: انه يجب الجهر بها في أوليي الظهر والعصر
في الحمد والسورة (3).
وربما احتج ابن الجنيد بالروايتين الأوليين، فان المذكور فيهما الامام.
وجوابه ان التأسي اقتضى الاستحباب لغير الامام، إماما كان أو منفردا. نعم،
في حق الامام يتأكد استحباب الجهر بالبسملة. ولعل ابن البراج يحتج بمداومة
الامام على ذلك، فيجب التأسي به. وكل ذلك تدفعه الشهرة بين الأصحاب.
وقد روى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون
إماما فيستفتح بالحمد ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، قال: " لا يضره " (4)
والمراد به الاخفات بها عند الشيخ في أحد تأويليه (5) والتأويل الاخر انه ترك
البسملة ناسيا (6).
وروى محمد بن علي الحلبي عنه عليه السلام فيمن يقرأ بسم الله

(1) راجع: السرائر: 45، مختلف الشيعة: 93.
(2) المهذب 1: 92.
(3) الكافي في الفقه: 117.
(4) التهذيب 2: 68 ح 247، الاستبصار 1: 312 ح 1159.
(5) التهذيب 2: 68، 288.
(6) التهذيب 2: 68، 288.
333

الرحمن الرحيم، قال: " ان شاء سرا، وان شاء جهرا " (1) وهذا صريح في عدم
الوجوب، مع إمكان حمل كلام الموجب على الوجوب التخييري، إذ القراءة
الواجبة لا تنفك عن صفتي الجهر والاخفات فيجب كل منهما على البدل،
وهذا يتم ان قلنا بتباين الصفتين، وان قلنا بان الاخفات جزء من الجهر فلا.
ومنها: تعمد الاعراب، أي: إظهار حركاته، بحيث يتميز بعضها عن
بعض بالقدر الذي لا يخرج إلى الحروف التي منها حركات الاعراب، ويجوز
ان يراد بتعمد الاعراب ان لا يكثر الوقف، وخصوصا على ما لا ينبغي الوقف
عليه.
ومنها: الوقوف على مواضعه، وأجودها التام، ثم الحسن، ثم الجائز،
وذلك معروف عند القراء وقد الف فيه كتب جمة.
ويجوز الوقوف على ما شاء والوصل. روى علي بن جعفر عن أخيه
عليهما السلام في الرجل يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة أخرى في النفس الواحد،
قال: " ان شاء قرأ في نفس، أو شاء غيره " (2). نعم، يكره قراءة التوحيد بنفس
واحد، لما رواه محمد بن يحيى بسنده إلى الصادق عليه السلام (3).
ومنها: الترتيل، وهو حفظ الوقوف وأداء الحروف، لقوله تعالى: (ورتل
القرآن ترتيلا) (4).
وقال في المعتبر: الترتيل تبيين الحروف من غير مبالغة، وربما وجب إذا
أريد به النطق بالحروف من مخارجها بحيث لا يدمج بعضها في بعض، ويمكن
حمل الآية عليه، لان الامر عند الاطلاق للوجوب. وروى عبد الله البرقي مرسلا
عن الصادق عليه السلام: " ينبغي للعبد إذا صلى ان يرتل قراءته، وإذا مر بآية

(1) التهذيب 2: 68 ح 249، الاستبصار 1: 312 ح 1161.
(2) قرب الإسناد: 93، الترتيب 2: 296 ح 1193.
(3) الكافي 3: 314 ح 11.
(4) سورة المزمل: 73.
334

فيها ذكر الجنة والنار سأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار، وإذا مر بيا أيها الناس،
أو يا أيها الذين آمنوا، قال: لبيك ربنا " (1).
قلت: هذه الرواية تدل على جواز التلبية في الصلاة، ومثلها رواية أبي
جرير عن الكاظم عليه السلام، قال: " ان الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد
فليسبح، فإذا دعته الوالدة فليقل لبيك " (2).
ومنها: انه " إذا ختم: (والشمس وضحاها) فليقل: صدق الله وصدق
رسوله. وإذا قرأ: (الله خير أم ما يشركون) قال: الله خير الله أكبر. وإذا قرأ:
(ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) قال: كذب العادلون بالله. وإذا قرأ:
(الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك) الآية قال: الله
أكبر ثلاثا " روي ذلك عمار، عن الصادق عليه السلام (3).
ومنها: السكوت إذا فرغ من الحمد والسورة، فهما سكتتان، لرواية
إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام عن أبيه: " ان رجلين من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله اختلفا في صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله،
فكتب إلى أبي بن كعب: كم كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله من سكتة؟
قال: كانت له سكتتان: إذا فرغ من أم القرآن، وإذا فرغ من السورة " (4).
وفي رواية حماد تقدير السكتة بعد السورة بنفس (5).
وقال ابن الجنيد: روى سمرة وأبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه

(1) المعتبر 2: 181.
والرواية في التهذيب 2: 124 ح 471.
(2) التهذيب 2: 350 ح 1452.
(3) التهذيب 2: 297 ح 1195.
والآيات على الترتيب: سورة الشمس: 1، سورة النحل: 59، سورة الأنعام: 6، سورة الإسراء
: 111.
(4) التهذيب 2: 297 ح 1196.
(5) الفقيه 1: 196 ح 916، أمالي الصدوق: 337، التهذيب 2: 81 ح 301.
335

وآله: ان السكتة الأولى بعد تكبيرة الافتتاح، والثانية بعد الحمد (1).
فرع:
الظاهر استحباب السكوت عقيب الحمد في الأخيرتين قبل الركوع،
وكذا عقيب التسبيح.
ومنها: استحباب قراءة ما رواه محمد بن مسلم: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: القراءة في الصلاة منها شئ موقت، فقال: " لا، الا الجمعة تقرأ
بالجمعة والمنافقين ". قلت له: فأي السور أقرأ في الصلوات؟ قال: " اما الظهر
والعشاء فتقرأ فيهما سواء، والعصر والمغرب سواء، واما الغداة فأطول. ففي
الظهر والعشاء ب‍ (سبح باسم ربك الاعلى) و (الشمس وضحاها) ونحوها،
والعصر والمغرب: (إذا جاء نصر الله) و (ألهاكم التكاثر) ونحوها، والغداة
ب‍ (عم يتسائلون) والغاشية والقيامة وهل أتى " (2).
ورواية عيسى بن عبد الله القمي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
" كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الغداة ب‍ (عم يتسائلون) و (هل
أتاك حديث الغاشية) و (لا أقسم بيوم القيامة) وشبهها. ويصلي الظهر
ب‍ (سبح) و (الشمس وضحاها) (3). ويصلي المغرب ب‍ (قل هو الله أحد)
و (إذا جاء نصر الله) و (إذا زلزلت). ويصلي العشاء الآخرة بنحو مما يصلي
الظهر، ويصلي العصر بنحو من المغرب " (4).
وقال الصدوق - رحمه الله -: أفضل ما يقرأ في الصلاة في اليوم والليلة
في الركعة الأولى الحمد و (انا أنزلناه) وفي الثانية الحمد و (قل هو الله أحد)

(1) رواية سمرة وأبي بن كعب في: سنن أبي داود 1: 207 ح 779، السنن الكبرى 2: 196.
(2) التهذيب 2: 95 ح 354، وصدر الحديث في الكافي 3: 313 ح 4.
(3) في المصدر زيادة: " وهل اتاك حديث الغاشية وشبهها ".
(4) التهذيب 2: 95 ح 355.
336

الا في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة فالجمعة والأعلى، وفي صبحها
وظهريها بالجمعة والمنافقين (1).
وقال إن نسيهما أو إحداهما في الظهر يوم الجمعة رجع ما لم يقرأ
النصف، فان قرأ النصف أتمها ركعتين ندبا، ثم أعاد الظهر بالسورتين (2).
قال: ومن قرأ في الغداة يوم الاثنين والخميس بهل أتى والغاشية وقاه الله
شر اليومين (3).
قال: وحكى من صحب الرضا عليه السلام إلى خراسان انه كان يقرأ في
صلاته السور التي ذكرناها، فلذلك اخترناها (4).
قلت: روى الكليني عن أبي علي بن راشد، قلت لأبي الحسن عليه
السلام: جعلت فداك انك كتبت إلى محمد بن الفرج تعمله ان أفضل ما يقرأ
في الفرائض ب‍ (إنا أنزلناه) و (قل هو الله أحد) وان صدري ليضيق بقراءتهما
في الفجر، فقال عليه السلام: " لا يضيقن صدرك بقراءتهما، فان الفضل والله
فيهما " (5).
قال ابن بابويه: وانما يستحب قراءة القدر في الأولى والتوحيد في الثانية،
لان القدر سورة النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته، فيجعلهم المصلي وسيلة
إلى الله تعالى، لأنه بهم وصل إلى معرفته. واما التوحيد فالدعاء على أثرها
مستجاب، وهو القنوت (6).
ومنها: استحباب ما تضمنته رواية معاذ بن مسلم عن الصادق عليه

(1) الفقيه 1: 201.
(2) الفقيه 1: 201 - 202.
(3) الفقيه 1: 201.
(4) الفقيه 1: 202.
(5) الكافي 3: 315 ح 19، التهذيب 2: 290 ح 1163.
(6) الفقيه 1: 207.
337

السلام: " لا تدع ان تقرأ ب‍ (قل هو الله أحد) و (قل يا أيها الكافرون) في
سبعة مواطن: في الركعتين قبل الفحر، وركعتي الزوال، وركعتين بعد
المغرب، وركعتين في أول صلاة الليل، وركعتي الاحرام، والفجر إذا أصبحت
فيهما، وركعتي الطواف " (1). قال الشيخ: وفي رواية أخرى: انه يقرأ في هذا كله ب‍ (قل هو الله أحد)
وفي الثانية ب‍ (قل يا أيها الكافرون) الا في الركعتين قبل الفحر، فإنه يبدأ
ب‍ (قل يا أيها الكافرون) ثم يقرأ في الركعة الثانية (قل هو الله أحد) (2)، وهذا
حكاية لكلام الشيخ أبي جعفر الكليني - رحمه الله - ولم يذكرا سند الرواية.
قال الشيخ: ويستحب ان يقرأ التوحيد في كل ركعة من الركعتين الأوليين
من صلاة الليل ثلاثين مرة (3) مع قوله بالمواضع السبعة (4).
وروى الكليني عن محمد بن مسلم: ليس في القراءة شئ موقت، الا
الجمعة يقرأ فيها الجمعة والمنافقين (5).
تنبيهات:
الأول: قال ابن بابويه: قد رويت رخص في القراءة في ظهر الجمعة بغير
سورة الجمعة والمنافقين لا استعملها، ولا أفتي بها، الا في حال السفر
والمرض وخيفة فوت حاجة (6) لما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه
السلام: " لا بأس ان تقرأ في صلاة الجمعة بغير الجمعة والمنافقين إذا كنت

(1) الكافي 3: 316 ح 22، الفقيه 1: 314 ح 1427، التهذيب 2: 74 ح 273.
(2) الكافي 3: 316 ح 22، التهذيب 2: 74 ح 274.
(3) المبسوط 1: 108.
(4) المبسوط 1: 108.
(5) الكافي 3: 313 ح 4.
(6) الفقيه 1: 201.
338

مستعجلا " (1). فظاهره وجوب السورتين فيها وفي الجمعة، وهو اختيار أبي
الصلاح (2).
وأوجب السورتين المرتضى في الجمعة وقال: قد روي أن المنفرد أيضا
يلزمه قراءتهما (3).
وروى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام: " من صلى بغير الجمعة
والمنافقين أعاد الصلاة " (4).
وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام، قال: " ان الله تعالى أكرم
بالجمعة المؤمنين، فسنها رسول الله صلى الله عليه وآله بشارة لهم، والمنافقين
توبيخا للمنافقين، ولا ينبغي تركهما، فمن تركهما متعمدا فلا صلاة له " (5).
والجواب: المعارضة برواية علي بن يقطين عن أبي الحسين عليه السلام
في الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا، قال: " لا بأس
بذلك " (6) وجوازه في الجمعة يستلزم أولوية جوازه في الظهر، فتحمل الرواية
على تأكد الندبية، وأن يكون قوله: " لا صلاة له " أي كاملة، بقرينة قوله " لا ينبغي
تركهما " وللتوفيق بين الروايات.
واعلم أن الشيخ نجم الدين نقل في المعتبر ان ابن بابويه أوجبهما في
الظهر والعصر في كتابه الكبير، وحكى كلامه متضمنا العصر (7) ولم نر في النسخ

(1) الفقيه 1: 268 ح 1225، التهذيب 3: 242 ح 653، الاستبصار 1: 415 ح 1591.
(2) الكافي في الفقه: 151.
(3) المعتبر 2: 184.
(4) الكافي 3: 426 ح 7، التهذيب 3: 7 ح 21، الاستبصار 1: 414 ح 1588.
(5) الكافي 3: 425 ح 4، التهذيب 3: 6 ح 16، الاستبصار 1: 414 ح 1583.
(6) التهذيب 3: 7 ح 19، الاستبصار 1: 414 ح 1586.
(7) قال في المعتبر 2: 183: (قال ابن بابويه في كتابه، التكبير: وفي الظهر والعصر بالجمعة
والمنافقين، فان نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر، وقرأت غيرهما ثم ذكرت، فارجع إلى
سورة الجمعة والمنافقين ما لم تقرأ نصف السورة) إلى آخر ما تقدم نقله عن ابن بابويه في
ص 335 الهامش 1. وظاهر ان ما في المعتبر بخلاف ما حكي عنه في المتن، راجع في ذلك
الحدائق الناضرة 8: 187، مفتاح الكرامة 2: 404، جواهر الكلام 9: 409.
339

التي وصلت إلينا سوى الظهر، وهو الذي نقله الفاضل في المختلف (1).
الثاني: وافق المرتضى الصدوق في قراءة المنافقين في صبح الجمعة (2)
ورواه الشيخ في المبسوط (3) وهو في خبر ربعي وحريز رفعاه إلى أبي جعفر عليه
السلام، قال: " إذا كانت ليلة الجمعة يستحب ان يقرأ في العتمة سورة الجمعة
وإذا جاءك المنافقون، وفي صلاة الصبح مثل ذلك " (4).
وخير ابن أبي عقيل بين المنافقين وبين الاخلاص (5).
وقال الشيخان: بل يقرأ في الثانية (قل هو الله أحد) (6) وهو موجود في
رواية أبي الصباح الكناني (7) وأبى بصير (8) عن الصادق عليه السلام، والطريق
رجال الواقفة ولكنه مشهور.
الثالث: يستحب قراءة الجمعة في أولى المغرب ليلة الجمعة، والأعلى
في الثانية، لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام (9).
وقال في المصباح والاقتصاد: يقرأ في الثانية التوحيد (10) لرواية أبي
الصباح عنه عليه السلام (11).

(1) مختلف الشيعة: 94.
(2) الانتصار: 54.
(3) المبسوط 1: 108.
(4) التهذيب 3: 7 ح 18، الاستبصار 1: 414 ح 1585.
(5) مختلف الشيعة: 94.
(6) المقنع: 26، المبسوط 1: 108.
(7) التهذيب 3: 5 ح 13.
(8) الكافي 3: 425 ح 2، التهذيب 3: 6 ح 14، الاستبصار 1: 413 ح 1582.
(9) الكافي 3: 425 ح 2، التهذيب 3: 6 ح 14، الاستبصار 1: 413 ح 1582.
(10) مصباح المتهجد: 230، الاقتصاد: 262.
(11) تقدمت في الهامش 7.
340

الرابع: يستحب قراءة الجمعة والأعلى في عشاء ليلة الجمعة، لرواية
أبي الصباح أيضا عنه عليه السلام (1) ورواه أبو بصير عنه أيضا (2).
وقال ابن أبي عقيل: يقرأ في الثانية المنافقين، ووافق في الأولى على
الجمعة (3) لرواية حريز السالفة (4). والأول أشهر وأظهر في الفتوى.
الخامس: اختلف الأصحاب - رضي الله عنهم - في الجهر بالظهر يوم
الجمعة، مع اتفاقهم على استحباب الجهر في صلاة الجمعة. فاستحب
الجهر في الظهر الشيخ - رحمه الله - (5) ورواه الحلبي عن الصادق (6) ومحمد
ابن مروان عنه (7) وعمران الحلبي عنه (8) ومحمد بن مسلم عنه (9).
وقال ابن بابويه: الجهر فيها رخصة يجوز الاخذ بها، والأصل انه انما
يجهر فيها إذا كانت خطبة، فإذا صلاها وحده فهي كصلاة الظهر في سائر الأيام
يخفي فيها القراءة. وكذلك في السفر من صلى الجمعة جماعة بغير خطبة جهر
بالقراءة وان أنكر ذلك عليه. وكذلك إذا صلى ركعتين بخطبة في السفر جهر
فيها (10).
والمرتضى - رحمه الله - قال: والمنفرد بصلاة الظهر يوم الجمعة روي أنه
يجهر بالقراءة استحبابا. وروي ان الجهر انما يستحب ان صليت مقصورة
بخطبة، أو صليت ظهرا أربعا في جماعة، ولا جهر على المنفرد (11). وقوى ابن

(1) تقدمت في الهامش 7.
(2) تقدمت في الهامش 8.
(3) مختلف الشيعة: 94.
(4) تقدمت في ص 428 الهامش 8.
(5) المبسوط 1: 151، النهاية: 107، الخلاف 1: 632 المسألة: 407.
(6) الكافي 3: 425 ح 5، التهذيب 3: 14 ح 49، الاستبصار 1: 416 ح 1593.
(7) التهذيب 3: 15 ح 50 - 52، الاستبصار 1: 416 ح 1594 - 1596.
(8) التهذيب 3: 15 ح 50 - 52، الاستبصار 1: 416 ح 1594 - 1596.
(9) التهذيب 3: 15 ح 50 - 52، الاستبصار 1: 416 ح 1594 - 1596.
(10) الفقيه 1: 296.
(11) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 65، والعلامة في مختلف الشيعة: 95.
341

إدريس هذا الأخير، محتجا بعدم الدليل والاحتياط (1).
وقد روى جميل عن أبي عبد الله عليه السلام في الجماعة يوم الجمة
في السفر، قال: " يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، ولا
يجهر الامام انما يجهر إذا كانت خطبة " (2). وروى محمد بن مسلم، قال:
سألته عن صلاة الجمعة في السفر، قال: " يصنعون كما يصنعون في الظهر،
ولا يجهر الامام بالقراءة انما يجهر إذا كانت خطبة " (3). وحملهما الشيخ على
التقية (4).
وفي كلام ابن بابويه - رحمه الله - إشارة إلى أن الجمعة تصلى سفرا بغير
خطبة، وانها يجهر بها. فان أراد به الجمعة الحقيقية أشكلت بعدم انعقادها سفرا
وبغير خطبة، وكلامه يدل على انعقادها سفرا بخطبة وغيرها. وان أراد الظهر
المقصورة اشعر بان الجهر تابع لصلاتها جماعة، وهو ينافي قوله: (انما يجهر
فيها إذا كانت خطبة)، وفي بعض النسخ: (انما يجهر إذا كانت جماعة)،
وحينئذ لا تنافي.
وقد دل على تسمية ما في السفر جمعة رواية محمد بن مسلم عن الصادق
عليه السلام، أنه قال: " صلوا في السفر جمعة جماعة بغير خطبة واجهروا
بالقراءة " (5). والظاهر أنه أراد ان الجهر تابع للجماعة، سواء صليت ظهرا أو
جمعة، كما حكاه المرتضى واختاره ابن إدريس (6).

(1) السرائر: 65.
(2) التهذيب 3: 15 ح 53، الاستبصار 1: 416 ح 1597.
(3) التهذيب 3: 15 ح 54، الاستبصار 1: 416 ح 1598.
(4) الهامش السابق.
(5) التهذيب 3: 15 ح 51، الاستبصار 1: 416 ح 1595.
(6) راجع ص 341 - 342 الهامش 11، 1.
342

وقال في المعتبر: من الأصحاب من منع الجهر الا في الجمعة خاصة.
ثم ذكر روايتي جميل ومحمد بن مسلم، وقال: هما أولى وأشبه بالمذهب،
واستضعف تأويل الشيخ إياهما بالتقية (1).
فحصل من هذا ثلاثة أقوال:
الأول: عدم استحباب الجهر في الظهر مطلقا، وهو اختياره في المعتبر
ولعله الأقرب.
الثاني: استحبابه فيها مطلقا، وهو قول الشيخ ومن تبعه، ومنهم الفاضل
في المختلف (2).
الثالث: استحبابه فيها إذا صليت جماعة لا انفرادا، وهو ظاهر
الصدوق، ومختار ابن إدريس.
ومنها: استحباب تطويل قراءة الركعة الأولى على الثانية، قاله في
المعتبر، لما روى أبو قتادة: ان النبي صلى الله عليه وآله كان يقرأ في الأوليين
من الظهر فاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى ويقصر في الأخرى، وكذا
في العصر والصبح. قال: وهو منقول عن الأئمة عليهم السلام (3).
قلت: لم أر هذا القول لغيره - رحمه الله - وهذا الحديث من طرق
العامة، وقد رووا أيضا عن أبي سعيد الخدري: ان النبي صلى الله عليه وآله
كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية،
وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية (4).

(1) المعتبر 2: 304 - 305.
(2) مختلف الشيعة: 95.
(3) المعتبر 2: 174.
والرواية في صحيح البخاري 1: 193، صحيح مسلم 1: 333 ح 451، سنن النسائي 2:
165، السنن الكبرى 2: 66.
(4) صحيح مسلم 1: 334 ح 452، السنن الكبرى 2: 64.
343

وقال الشيخ في الخلاف: لا ترجيح بين الركعتين، محتجا بعدم الدليل،
وعموم الاخبار في قراءة سورة مع الحمد. والعامة مختلفون في ذلك (1).
ومنها: استحباب مغايرة السورة في الركعتين، وكراهة تكرار الواحدة في
الركعتين إذا أحسن غيرها، فإن لم يحسن غيرها فلا بأس، روى ذلك علي بن
جعفر عن أخيه عليهما السلام (2).
واما كون السورة الثانية بعد الأولى على ترتيب المصحف فلا تعرفه
الأصحاب، فلا يكره عندهم التقديم والتأخير. نعم، الروايات المتضمنة
للتعيين غالبها على ترتيب القرآن، وقد روي تقديم التوحيد على الجحد في
المواضع السبعة كما مر (3).
ومنها: ما رواه محسن الميثمي عن الصادق عليه السلام، قال: " يقرأ في
صلاة الزوال في الركعة الأولى التوحيد، وفي الثانية الجحد، وفي الثالثة
التوحيد وآية الكرسي، وفي الرابعة التوحيد و (آمن الرسول) إلى آخر البقرة،
وفي الخامسة التوحيد والخمس من آل عمران (ان في خلق السماوات) إلى
(الميعاد)، وفي السادسة التوحيد وثلاث آيات السخرة (ان ربكم الله الذي
خلق السماوات والأرض) إلى (المحسنين)، وفي السابعة التوحيد والآيات
من سورة الأنعام (وجعلوا لله شركاء الجن) إلى (اللطيف الخبير)، وفي
الثامنة التوحيد وآخر سورة الحشر: (لو أنزلنا هذا القرآن) إلى آخرها " (4).
ومنها: استحباب قول المأموم عند فراغ الامام من الحمد: (الحمد لله
رب العالمين)، روى ذلك جميل عن الصادق عليه السلام (5).

(1) الخلاف 1: 338 المسألة: 89.
وراجع: المجموع 3: 386، عمدة القارئ 6: 9.
(2) قرب الإسناد: 95، التهذيب 2: 71 ح 263، الاستبصار 1: 315 ح 1174.
(3) تقدم في ص 338 الهامش 1.
(4) التهذيب 2: 73 ح 272.
(5) الكافي 3: 313 ح 5، التهذيب 2: 74 ح 275، الاستبصار 1: 318 ح 1185.
344

النظر الثالث: في اللواحق:
وفيه مسائل:
الأولى: المشهور بين الأصحاب تحريم قول آمين عقيب الحمد، حتى أنه
تبطل بعمده الصلاة لغير تقية.
وادعى بعضهم الاجماع عليه، فقال الشيخ - رحمه الله - في الخلاف
قول آمين يقطع الصلاة، سواء كان ذلك سرا أو جهرا، آخر الحمد أو قبلها،
للامام والمأموم، وعلى كل حال. واحتج باجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في أن
ذلك يبطل الصلاة، وبقول النبي صلى الله عليه وآله: " ان هذه الصلاة لا
يصلح فيها شئ من كلام الآدميين " وقول آمين من كلام الآدميين، وبرواية
الحلبي عن الصادق عليه السلام انه سأله أقول آمين إذا فرغت من فاتحة
الكتاب؟ قال: " لا " (1).
وقال ابن بابويه: ولا يجوز ان يقال بعد فاتحة الكتاب آمين، لان
ذلك كان يقوله النصارى (2).
وقال المفيد والمرتضى - رحمهما الله -: يحرم قول آمين آخر الحمد،
ويقولان: تبطل الصلاة به (3) وتبعهما جمهور الأصحاب (4).

(1) الخلاف 1: 334 المسألة: 84.
وقول النبي صلى الله عليه وآله في: مسند الطيالسي: 150 ح 1105، المصنف لابن أبي
شيبة 2: 432، مسند أحمد 5: 447، سنن الدارمي 1: 353، صحيح مسلم 1: 381.
ح 537، سنن أبي داود 1: 244 ح 930، سنن النسائي 3: 14، السنن الكبرى 2: 249.
ورواية الحلبي في التهذيب 2: 74 ح 276، الاستبصار 1: 318 ح 1186.
(2) الفقيه 1: 255.
(3) المقنعة: 16، الانتصار: 42.
(4) راجع: الوسيلة: 97، المعتبر 2: 185.
345

قال ابن زهرة - رحمه الله -: يحرم بالاجماع والاحتياط، وبأنها عمل كثير
خارج عن الصلاة، وبأنها انما تكون على دعاء تقدمها والقارئ لا يجب عليه
قصد الدعاء مع القراءة فلا معنى لها حينئذ، وإذا انتفى جوازها عند عدم القصد
انتفى عند قصد القراءة والدعاء، لان أحدا لم يفرق بينهما (1).
والشيخ في التبيان يمنع من قصد القراءة والدعاء، للزوم استعمال
المشترك في معنييه، وهو غير جائز (2).
وفي المعتبر صدر كلامه بالمنع منها، محتجا بحديث الآدميين، وبقول
النبي صلى الله عليه وآله: " انما هي التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن " و " انما "
للحصر وليس التأمين أحدها، لان معناها: اللهم استجب، ولو نطق بذلك
أبطل صلاته فكذا ما قام مقامه.
ولأن النبي صلى الله عليه وآله علم الصلاة جماعة ولم يذكر التأمين،
وبان أبا حميد الساعدي لما وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله لم
يذكره، وكذا أبو قتادة.
ولأنه لو كان النطق بها تأمينا لم تجز الا لمن قصد الدعاء، لكن ذلك
ليس شرطا بالاجماع، اما عندنا فللمنع مطلقا، واما عند الجمهور فللاستحباب
مطلقا.
ولأن التأمين يستدعى سبق دعاء، ولا يتحقق الدعاء الا مع قصده، فعلى
تقدير عدم القصد يخرج التأمين عن حقيقته فيكون لغوا (3).

(1) الغنية: 496.
(2) التبيان: 1: 46.
(3) المعتبر 2: 185.
وحديث الآدميين وقول النبي صلى الله عليه وآله تقدم في ص 345 الهامش 1.
ورواية أبي حميد في: سنن ابن ماجة 1: 280 ح 862، سنن أبي داود 1: 194 ح 730،
السنن الكبرى 2: 24.
ورواية أبي قتادة في: سنن ابن ماجة 1: 279 ح 859، السنن الكبرى 2: 25.
346

ثم ذكر تمسك العامة برواية هريرة: ان رسول الله صلى الله عليه
وآله، قال: " إذا قال الامام: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا:
آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر الله له "، وبرواية وائل بن حجر قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قال: (ولا الضالين) قال: آمين، ورفع
صوته بها، وبقوله صلى الله عليه وآله لبلال: " لا تسبقني " (1).
وأجاب: بأن أبا هريرة شهد عليه عمر بأنه عدو الله وعدو المسلمين،
وحكم عليه بالخيانة في مال البحرين، وأوجب عليه عشرة آلاف دينا، فكيف
يسكن إلى نقله! ولأن ذلك لو قاله النبي صلى الله عليه وآله لم يختص به أبو
هريرة ووائل، وخصوصا إذا كان يرفع صوته بها، ولأن مالكا أنكر التأمين في
رواية عنه فلو كان مشهورا لم يخف عليه (2).
ثم قال في المعتبر: ويمكن ان يقال بالكراهية، ويحتج بما رواه ابن أبي
عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن قول الناس في
الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين، قال: " ما أحسنها، واخفض
الصوت بها ". وطعن في الرواية بالمنع بأن في طريقها في التهذيب محمد بن

(1) المعتبر 2: 187.
ورواية أبي هريرة في الموطأ 1: 87، ترتيب مسند الشافعي 1: 81 ح 228، صحيح
البخاري 1: 198، صحيح مسلم 1: 307 ح 410، سنن أبي داود 1: 246 ح 935.
ورواية وائل في سنن ابن ماجة 1: 278 ح 855، سنن أبي داود 1: 246 ح 932، الجامع
الصحيح 2: 27 ح 348، السنن الكبرى 2: 57.
وقوله صلى الله عليه وآله لبلال في المصنف لعبد الرزاق 2: 96 ح 6236، السنن الكبرى
2: 56.
(2) المعتبر 2: 187.
لاحظ في اتهام أبي هريرة: الطبقات الكبرى لابن سعد 4: 335.
وراجع في انكار مالك: المغني 1: 564، حلية العلماء 1: 90، بداية المجتهد 1:
146.
347

سنان وهو مطعون فيه، وفي طريقها في جامع البزنطي عبد الكريم وليس كابن
أبى عمير (1).
قلت: استدلاله على الكراهة بهذه الرواية غير متجه، لان استحسانها
على سبيل التعجب ينفي كراهيتها، والحق ان هذه الرواية تنادي على نفسها
بالتقية، لان الاخبار مصرحة بالنهي عنها، ولو حملت هذه على استحبابها كان
تناقضا ظاهرا فلم تبق الا التقية.
وكذا ما روى معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أقول
آمين إذا قال الامام (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)؟ قال: " هم اليهود
والنصارى " (2) مؤذن بالتقية، لأنه عدل عن الجواب عن المسؤول عنه إلى غيره،
وهذا صريح في التقية، كذا قاله الشيخ (3). وقد يتوهم ان قوله: " هم اليهود
والنصارى " جواب، أي: هم القائلون آمين، كما قاله ابن بابويه - رحمه
الله - (4).
والعجب كيف لم يستشهد المحقق بكلام ابن الجنيد هنا، إذ
يقول في كتاب الإمامة: ولا يصل الامام ولا غيره قراءة (ولا الضالين)
بآمين، لان ذلك يجرى مجرى الزيادة في القرآن مما ليس منه، وربما سمعها
الجاهل قرأها من التنزيل، وقد روى سمرة وأبي بن كعب السكتتين، ولو يذكرا
فيها آمين (5).

(1) المعتبر 2: 186.
ورواية جميل في التهذيب 2: 75 ح 277، والاستبصار 1: 318 ح 1187.
ورواية التهذيب رواها الشيخ باسناده عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن محمد
الحلبي، وقد تقدمت في ص 345 الهامش 1.
(2) التهذيب 2: 75 ح 278، الاستبصار 1: 319 ح 1188.
(3) المصدر السابق.
(4) الفقيه 1: 255.
(5) تقدمت رواية سمرة وأبي في ص 336 الهامش 1.
348

ثم قال: ولو قال المأموم في نفسه: اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم، كان
أحب إلي، لان ذلك ابتداء دعاء منه. وإذا قال: آمين تأمينا على ما تلاه الامام،
صرف القراءة إلى الدعاء الذي يؤمن عليه سامعه.
وقال - في حدود الصلاة -: ويستحب ان يجهر به الامام - يعني القنوت -
في جميع الصلاة، ليؤمن من خلفه على دعائه. فظاهره جواز التأمين عقيب
الحمد وغيرها.
قلت: المعتمد تحريمها وابطال الصلاة بفعلها، عملا بقول الأكثر،
ودعوى الاجماع من أكابر الأصحاب (1). ورواية جميل المذكورة محمولة على
التقية، لأنه نفسه روى عن الصادق عليه السلام بطريق آخر: " إذا كنت خلف
الامام، فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها، فقل أنت: الحمد لله رب العالمين، ولا
تقل: آمين " (2) وهو نهي والأصل فيه التحريم، وهذه الرواية صحيحة السند، لا
يرد عليها ما ذكره في المعتبر في حديث الحلبي من الطعن.
وأما ما جرى في تضاعيف الحجة من قول الشيخ: ان قصد الدعاء
والقراءة غير جائز لأنه استعمال للمشترك في المعنيين، فضعيف، فان المعنى
هنا متحد وهو الدعاء المنزل قرآنا، ومن المعلوم ان الله تعالى انما كلف
المكلفين بهذه الصيغة لإرادة الدعاء، فكيف تبطل الصلاة بقصده!.
ومن قول المحقق " انما هي التسبيح " إلى آخره، فان الحصر غير مراد
منه، لخروج معظم أفعال الصلاة منه، كالركوع والسجود والتشهد والدعاء.
وكذا قوله ببطلان الصلاة بقوله: اللهم استجب، ضعيف، فان الدعاء بالمباح
جائز في الصلاة باجماعنا، وهذا دعاء عام في طلب استجابة جميع ما يدعى
به. وقد تابعه على هذا الفاضل في التذكرة (3) وليس بذاك.

(1) كالمرتضى في الانتصار: 42، والطوسي في الخلاف 1: 334 المسألة: 84.
(2) الكافي 3: 313 ح 5، التهذيب 2: 74 ح 275، الاستبصار 1: 318 ح 1185.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 118.
349

وكثير من الأصحاب لم أقف له على التأمين بنفي ولا إثبات، كابن أبي
عقيل، والجعفي في الفاخر، وأبي الصلاح - رحمهم الله -.
الثانية: تستحب السورة في النافلة عقيب الحمد بالاجماع، ولتكن من
طوال السور في نوافل الليل - كالانعام والكهف والحم - ومن قصارها في نوافل
النهار.
قال في المبسوط: والاقتصار على سورة الاخلاص أفضل، يعني: في
نوافل النهار (1) ويستحب الاخفات فيها، والجهر في نوافل الليل عند علمائنا
أجمع، لما تقدم من قول الصادق عليه السلام: " السنة في صلاة النهار
بالاخفات، والسنة في صلاة الليل بالاجهار " (2).
وروى العامة عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " إذا
رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النهار، فارجموه بالبعر " (3).
وذكر بعض العامة ضابطا للجهر والاخفات - وتبعهم عليه بعض
الأصحاب (4) - وهو: ان كل صلاة تختص بالنهار، ولا نظير لها بالليل، فجهر
كالصبح. وكل صلاة تختص بالليل، ولا نظير لها بالنهار، فجهر أيضا
كالمغرب. وكل صلاة تفعل نهارا، ولها نظير بالليل، فما تفعل بالنهار فسر
كالظهرين، وما تفعل ليلا فجهر كالعشاء.
فعلى هذا صلاة الجمعة والعيد يسن الاجهار بهما، لأنهما تفعلان
نهارا، ولا نظير لهما ليلا. والكسوف يستحب فيها الاسرار، لأنها تفعل نهارا،
ولها نظير بالليل وهي الخسوف، فيجهر فيه. والأصل فيه قوله صلى الله عليه

(1) المبسوط 1: 108.
(2) التهذيب 2: 289 ح 1161، الاستبصار 1: 313 ح 1165.
(3) المصنف (لابن أبي شيبة) 1: 365 عن يحيى بن أبي كثير، المهذب (لأبي إسحاق
الشيرازي) 1: 81، المعتبر 2: 184.
(4) كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1: 117.
350

وآله: " صلاة النهار عجماء " (1).
وهذا قياس محض لا أصل له عندنا، وقد نص الأصحاب على الجهر
بصلاة الكسوف كالخسوف (2). ويلزم ان صلاة الاستسقاء سر، وقد نص
الجماعة على أنها كالعيد، والعيد جهر (3). ويلزم أيضا أن يكون القضاء تابعا
لليل والنهار، والاجماع واقع من الأصحاب على أنه يقضى كما فات، لعموم
قوله صلى الله عليه وآله: " فليقضها كما فاتته " (4) وكذا قضاء النوافل يجهر فيه
ويسر على ما كان، نص عليه الشيخ في الخلاف، ولم يحتج بالاجماع بل
بالحديث (5).
فرع:
إذا قلنا بأن المأموم يقرأ ندبا، فلا جهر عليه في الجهرية، لما مر في رواية
إسماع الامام الأذكار للمأموم دون العكس (6)، ولأن بعض الصحابة جهر خلف
النبي صلى الله عليه وآله فلما فرغ من الصلاة قال: " ما بالي أنازع القرآن " (7)
وفيه إشارة إلى أن الجهر فيه تشويش قراءة الإمام.

(1) المصنف (لابن أبي شيبة) 1: 364 عن الحسن وأبي عبيدة، غريب الحديث (لأبي
عبيد) 1: 170 عن الحسن، وراجع: المهذب 1: 81، المجموع 3: 239.
(2) راجع: المراسم: 80، السرائر: 72، الغنية: 500، المعتبر 2: 239.
(3) راجع: المقنعة: 24، المبسوط 1: 134، المراسم: 83، السرائر: 72.
(4) عوالي اللآلي 3: 107 ح 150.
(5) الخلاف 1: 387 المسألة: 140.
(6) الكافي 3: 337 ح 5، والفقيه 1: 260 ح 1189، التهذيب 2: 102 ح 383 و 384.
(7) الموطأ 1: 86، مسند أحمد 2: 487، سنن ابن ماجة 1: 276 ح 848، سنن أبي داود 1:
218 ح 826، الجامع الصحيح 2: 118 ح 312، سنن النسائي 2: 141، شرح معاني الآثار
1: 217، السنن الكبرى 2: 157.
351

تنبيه:
قال ابن أبي عقيل: يجهر في صلوات السنن التي تكون في الجماعة،
وأطلق.
الثالثة: القراءة ليست ركنا على الصحيح من المذهب، ونقل فيه الشيخ
الاجماع في الخلاف (1) لان المعني به: ما تبطل الصلاة بالاخلال به نسيانا
والقراءة ليست كذلك، لما روي أن منصور بن حازم سأل الصادق عليه السلام:
اني صليت المكتوبة ونسيت ان أقرأ في صلاتي كلها، فقال: " أليس قد أتممت
الركوع والسجود؟ " قلت: بلى. فقال: " تمت صلاتك " (2) ويقرب منه رواية
معاوية بن عمار عنه عليه السلام (3).
ونقل في المبسوط عن بعض الأصحاب ركنيتها (4) وهو أيضا قول جماعة
من العامة (5) لقول النبي صلى الله عليه وآله: " لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة
الكتاب " (6) ولرواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في الذي لا يقرأ
الفاتحة: " لا صلاة له، الا ان يقرأ في جهر أو اخفات " (7).

(1) الخلاف 1: 409 المسألة: 156.
(2) الكافي 3: 348 ح 3، التهذيب 2: 146 ح 570، الاستبصار 1: 353 ح 1336.
(3) التهذيب 2: 146 ح 571، الاستبصار 1: 354 ح 1337، السرائر: 484.
(4) المبسوط 1: 105.
(5) كالشافعي ومالك وغيرهم، راجع: المجموع 3: 327، المغني 1: 555، فتح العزيز 3:
308.
(6) مسند أحمد 5: 316، صحيح البخاري 1: 192، صحيح مسلم 1: 295 ح 394، سنن
ابن ماجة 1: 273 ح 837، الجامع الصحيح 2: 25 ح 247، سنن النسائي 2: 137، سنن
الدارقطني 1: 321، السنن الكبرى 2: 164.
(7) الكافي 3: 317 ح 28، التهذيب 2: 146 ح 573، الاستبصار 1: 354 ح 1339.
352

والجواب: المراد نفي الكمال، توفيقا بين الروايات.
ويحتج على العامة بما روي: ان عمر صلى المغرب فلم يقرأ، فلما فرغ
قيل له في ذلك فقال: كيف كان الركوع والسجود. قالوا: حسنا. فقال: فلا
بأس، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة (1) فدل على اشتهاره بينهم.
الرابعة: يجوز العدول من سورة إلى أخرى في الفريضة والنافلة ما لم
يتجاوز نصفها، فلا يجوز في الفريضة - قاله الشيخان (2) - الا في سورتي
التوحيد والجحد، فلا عدول عنهما بالشروع، لرواية عمرو بن أبي نصر عن أبي
عبد الله عليه السلام: يرجع من كل سورة الا من (قل هو الله أحد) و (قل يا
أيها الكافرون) (3) ومثله روى الحلبي عنه عليه السلام (4).
ولم أقف الان على اعتبار النصف، لكن روى عبيد بن زرارة عنه عليه
السلام في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ غيرها، فقال: " له ان يرجع ما بينه
وبين ان يقرأ ثلثيها " (5).
والشيخ في التهذيب لما حكي كلام المفيد بتجاوز النصف، لم يذكر له
شاهدا سوى ما رواه أبو بصير عنه في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة،
ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها، ثم يذكر قبل أن يركع، قال: " يركع
ولا يضره " (6). وهذا لا دلالة فيه على اعتبار النصف، إذ مفهوم الاسم ليس فيه
حجة. نعم، يظهر منه على بعد استحباب قراءة السورة.

(1) الام 7: 237، المصنف لعبد الرزاق 2: 122 ح 2748، المصنف لابن أبي شيبة 1: 396،
السنن الكبرى 2: 381.
(2) المقنعة: 24، المبسوط 1: 107، النهاية: 77.
(3) الكافي 3: 317 ح 25، التهذيب 2: 190 ح 752، 290 ح 1166.
(4) التهذيب 2: 190 ح 753.
(5) التهذيب 2: 293 ح 1180.
(6) التهذيب 2: 190 والحديث فيه برقم 754.
353

وفي المعتبر نقل عن المرتضى تحريم الرجوع عن التوحيد والجحد، ثم
قال: والوجه الكراهية، لقوله تعالى: (فاقرأوا ما تيسر منه). قال: ولا تبلغ
الرواية قوة في تخصيص الآية (1).
وقال ابن بابويه في الفقيه: فان نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر
- يعني به الجمعة والمنافقين - ثم ذكرت، فارجع إليهما ما لم تقرأ نصف
السورة، فان قرأت نصف السورة فتممها واجعلها ركعتي نافلة (2). ولم يشترط
هنا تجاوز النصف، بل اكتفى بقراءة النصف.
وقال ابن بابويه أيضا: من أراد ان يقرأ في صلاته بسورة فقرأ غيرها
فليرجع منها إلى غيرها، الا أن تكون السورة (قل هو الله أحد) فلا يرجع منها
إلى غيرها، الا يوم الجمعة في صلاة الظهر، فإنه يرجع منها إلى سورة الجمعة
والمنافقين (3). وكأنه بناه على مذهبه من وجوب السورتين، فلذلك عدل من
التوحيد ولم يذكر الجحد.
وقد روى الكليني عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام في
الرجل يريد ان يقرأ سورة الجمعة فيقرأ (قل هو الله أحد)، قال: " يرجع إلى
سورة الجمعة " (4). قال: وروى أيضا: " يتمها ركعتين ثم يستأنف " (5).
وقال الشيخ - رحمه الله -: يجوز الانتقال من سورة إلى غيرها ما لم
يتجاوز نصفها الا سورة الكافرين والاخلاص، فإنه لا ينتقل عنهما الا في الظهر
يوم الجمعة، فإنه يجوز له الانتقال عنهما إلى الجمعة والمنافقين (6).

(1) المعتبر 2: 191.
والآية في سورة المزمل: 20.
(2) الفقيه 1: 200، المقنع: 45.
(3) الفقيه 1: 268.
(4) الكافي 3: 426 ح 6، التهذيب 3: 8 ح 22، 241 ح 649.
(5) الكافي 3: 426 ح 6، التهذيب 3: 8 ح 22، 241 ح 649.
(6) المبسوط 1: 107، النهاية: 77.
354

وقال الجعفي - رحمه الله -: وان أخذت في سورة وبدا لك في غيرها،
فاقطعها ما لم تقرأ نصفها الا (قل هو الله أحد) و (قل يا أيها الكافرون)، فان
كنت في صلاة الجمعة والصبح يومئذ أو العشاء ليلة الجمعة فاقطعهما وخذ في
سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون. فعمم الحكم في الصلوات الثلاث.
وقال ابن إدريس - في باب القراءة -: للمصلي إذا بدأ بسورة ان يرجع
عنها ما لم يبلغ نصفها، الا التوحيد والجحد فإنه لا يرجع عنهما (1) وأطلق، وكذا
قال المحقق في الشرائع - رحمهما الله (2) -.
وقال ابن إدريس - في باب الجمعة - بجواز الرجوع من الجحد
والاخلاص إلى الجمعة والمنافقين في ظهر الجمعة ما لم يبلغ النصف (3).
وقال ابن الجنيد: لا يستحب للمصلي أن يرجع عن (قل هو الله أحد)
و (قل يا أيها الكافرون) إذا بدأ بهما، وله ان يرجع عن غيرهما إليهما ما لم
يبلغ النصف.
فتبين ان الأكثر اعتبروا النصف، والشيخ اعتبر مجاوزة النصف، ولعل
مراده بلوغ النصف.
فرع:
متى انتقل وجب إعادة البسملة، تحقيقا للجزئية. ولو بسمل بقصد
الاطلاق، أو لا بقصد سورة، لم يجز بل تجب البسملة عند القصد. اما لو
جرى لسانه على بسملة وسورة، فالأقرب الاجزاء، لرواية أبي بصير السالفة (4)
ولصدق الامتثال.

(1) السرائر: 46.
(2) شرائع الاسلام 1: 99.
(3) السرائر: 65.
(4) تقدمت في ص 353 الهامش 6.
355

وروى البزنطي عن أبي العباس في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ في
أخرى، قال: " يرجع إلى التي يريد وان بلغ النصف " (1).
قلت: هذا حسن، ويحمل كلام الأصحاب والروايات على من لم يكن
مريدا غير هذه السورة، لأنه إذا قرأ غير ما اراده لم يعتد به، ولهذا قال: " يرجع "
فظاهره تعيين الرجوع.
الخامسة: قال ابن أبي عقيل - رحمه الله -: لا يقرأ في الفريضة ببعض
السورة، ولا بسورة فيها سجدة، مع قوله بان السورة غير واجبة (2).
وقال أيضا: من قرأ في صلوات السنن في الركعة الأولى ببعض السورة
وقام في الركعة الأخرى، ابتدأ من حيث بلغ ولم يقرأ بالفاتحة (3) وهو غريب،
والمشهور قراءة الحمد.
وقد روى سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام فيمن قرأ الحمد ونصف
سورة، هل يجزئه في الثانية أن لا يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السورة؟ فقال:
" يقرأ الحمد، ويقرأ ما بقي من السورة " (4) والظاهر أنه في النافلة.
السادسة: أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أن المعوذتين - بكسر الواو -
من القرآن العزيز، وانه يجوز القراءة بهما في فرض الصلاة ونفلها.
وروي منصور بن حازم قال: أمرني أبو عبد الله عليه السلام ان اقرأ
المعوذتين في المكتوبة (5).
وعن مولى سام قال: أمنا أبو عبد الله عليه السلام في صلاة المغرب فقرأ

(1) وعن الذكرى أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 85: 61 عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه
السلام.
(2) حكى عنه العلامة في مختلف الشيعة: 91 وجوب السورة.
(3) مختلف الشيعة: 94.
(4) التهذيب 2: 295 ح 1191، الاستبصار 1: 316 ح 1177.
(5) التهذيب 2: 96 ح 356.
356

المعوذتين (1).
وعن ابن مسعود: انهما ليستا من القرآن، وانما أنزلتا لتعويذ الحسن
والحسين عليهما السلام (2) وخلافه انقرض، واستقر الاجماع الان من العامة
والخاصة على ذلك.
السابعة: لا قراءة عندنا في الأخيرتين زائدا على الحمد فرضا، ولا نفلا،
وعليه الاجماع منا.
وفي الجعفريات عن النبي صلى الله عليه وآله: انه كان يقرأ في ثالثة
المغرب: (ربنا لا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة ان أنت
الوهاب) (3) وهو محمول على إيرادها دعاء، لا انها جزء من الصلاة.
الثامنة: قال ابن بابويه - رحمه الله -: قال الرضا عليه السلام: " انما
جعل القراءة في الركعتين الأوليين والتسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه
الله تعالى من عنده، وبين ما فرضه من عند رسول الله صلى الله عليه وآله " (4).
وسأل محمد بن حمران أبا عبد الله عليه السلام عن علة الجهر فيما يجهر
فيه والاخفات في غيره، وعن علة أفضلية التسبيح في الأخيرتين. فقال: " لان
النبي صلى الله عليه وآله لما أسري به إلى السماء كان أول صلاة افترض الله
جل اسمه عليه الظهر يوم الجمعة، فأضاف الله تعالى إليه الملائكة تصلي
خلفه، وأمر نبيه ليجهر لهم بالقراءة ليبين لهم فضله. ثم افترض عليه العصر
ولم يضف إليه أحدا من الملائكة، وأمره أن يخفي القراءة، لأنه لم يكن وراءه
أحد. ثم افترض عليه المغرب وأضاف إليه الملائكة وأمره بالاجهار، وكذلك

(1) الكافي 3: 317 ح 26، التهذيب 2: 96 ح 357، عن صابر مولى بسام.
(2) مسند أحمد 5: 129، وفي الدر المنثور 6: 416 عن أحمد والبزاز والطبراني وابن مردويه.
(3) الجعفريات: 41.
والآية في سورة آل عمران: 8.
(4) الفقيه 1: 202 ح 924، علل الشرائع: 262، عيون أخبار الرضا 2: 109.
357

العشاء الآخرة والفجر. وصار التسبيح أفضل، لان النبي صلى الله عليه وآله لما
كان في الأخيرتين ذكر ما كان فيه من عظمة الله تعالى، فدهش وقال: سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله " (1).
قال: وسأل يحيى بن أكثم القاضي أبا الحسن عليه السلام عن صلاة
الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار، فقال: " لان النبي صلى الله
عليه وآله كان يغلس بها " (2).
وفي علل ابن شاذان عن الرضا عليه السلام أنه قال: " امر الناس بالقراءة
في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا، وليكون محفوظا مدروسا. وانما
بدأ بالحمد لأنه ليس شئ من القرآن والكلام جمع فيه جوامع الخير والحكمة
ما جمع في سورة الحمد، وذلك أن قوله تبارك وتعالى:
(الحمد لله) انما هو أداء لما أوجب الله على خلفه من الشكر، وشكر
لما وفق عبده من الخير.
(رب العالمين) توحيد له وتحميد واقرار بأنه الخالق المالك لا غيره.
(الرحمن الرحيم) استعطاف وذكر آلائه ونعمائه على جميع خلقه.
(مالك يوم الدين) إقرار بالبعث والحساب والمجازاة، وايجاب ملك
الآخرة له كايجاب ملك الدنيا.
(إياك نعبد) رغبة وتقرب إلى الله تعالى، واخلاص له بالعمل دون
غيره.
(وإياك نستعين) استزادة من توفيقه وعبادته واستدامة لما أنعم عليه.
(اهدنا الصراط المستقيم) استرشاد (3) واعتصام بحبله، واستزادة في

(1) الفقيه 1: 202 ح 925، علل الشرائع: 322.
(2) الفقيه 1: 203 ح 926، علل الشرائع: 322.
(3) في الفقيه زيادة: " لدينه "، وفي العلل والعيون: " لأدبه ".
358

المعرفة لربه عز وجل ولعظمته وكبريائه.
(صراط الذين أنعمت عليهم) توكيد في السؤال والرغبة، وذكر لما تقدم
من نعمه على أوليائه، ورغبة في مثل تلك النعم.
(غير المغضوب عليهم) استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين
المستخفين به وبأمره ونهيه.
(ولا الضالين) اعتصام من أن يكون من الذين ضلوا عن سبيله من غير
معرفة فهم يحسبون انهم يحسنون صنعا " (1).
وذكر العلة في الجهر: " ان الصلوات التي يجهر فيها في أوقات مظلمة،
فجهر فيها ليعلم المار ان هناك جماعة فيصلي معهم، والتي يخافت فيها يكفي
فيها مشاهدة المصلي لأنها بالنهار " (2).
تتمة:
روى في التهذيب عن زرارة قلت لأبي جعفر عليه السلام: أصلي
ب‍ (قل هو الله أحد)؟ فقال: " نعم، قد صلى رسول الله صلى الله عليه وآله
في كلتا الركعتين ب‍ (قل هو الله أحد) لم يصل قبلها ولا بعدها ب‍ (قل هو الله
أحد) أتم منها " (3).
قلت: تقدم كراهة ان يقرأ بالسورة الواحدة في الركعتين، فيمكن ان
تستثنى من ذلك (قل هو الله أحد) لهذا الحديث، ولاختصاصها بمزيد
الشرف، أو فعله النبي صلى الله عليه وآله لبيان جوازه.
وروي الكليني عن محمد بن يحيى باسناده إلى الصادق عليه السلام،

(1) الفقيه 1: 203 ح 927، علل الشرائع: 260، عيون أخبار الرضا 2: 107.
(2) الفقيه 1: 203 ح 927، علل الشرائع: 263، عيون أخبار الرضا 2: 109.
(3) التهذيب 2: 96 ح 359.
359

قال: " يكره أن يقرأ (قل هو الله أحد) بنفس واحد " (1).
وروى أبو حمزة الثمالي عن زين العابدين عليه السلام، أنه قال له: " ان
الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان إلى قرين الامام فيقول: هل ذكر ربه؟ فان قال
نعم تركه، وان قال لا ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتى ينصرفوا ". قال:
فقلت جعلت فداك أليس يقرؤون القرآن، قال: " بلى، ليس حيث تذهب يا
ثمالي انما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم " (2).
قلت: لعل الموجب للجهر بها يحتج بهذا الحديث.
وروى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في الرجل يصلي
في موضع يريد أن يتقدم، قال: " يكف عن القراءة في مشيه، حتى يتقدم إلى
الموضع الذي يريد ثم يقرأ " (3).
قلت: هذا الحكم مشهور بين الأصحاب (4). وهل الكف واجب؟ توقف
فيه بعض المتأخرين (5)، والأقرب وجوبه، لظاهر الرواية، وان القرار شرط في
القيام.
وروى حريز بن عبد الله قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل قرأ
سورة في ركعة فغلط يدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في قرائته، أو يدع
تلك السورة ويتحول منها إلى غيرها؟ فقال: " كل ذلك لا بأس به، وان قرأ آية
واحدة فشاء أن يركع بها ركع " (6).
قلت: وهو محمول على النافلة، لما مر، قاله الشيخ - رحمه الله - (7)

(1) الكافي 3: 314 ح 11.
(2) التهذيب 2: 290 ح 1162.
(3) الكافي 3: 316 ح 24، التهذيب 2: 290 ح 1165.
(4) راجع: المبسوط 1: 109، تذكرة الفقهاء 1: 118.
(5) كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1: 118.
(6) التهذيب 2: 293 ح 1181.
(7) التهذيب 2: 294.
360

وكذا ما ورد في هذا الباب، مع أن الأشهر في الاخبار ان السورة مستحبة في
الفريضة، وان كان العمل من الأصحاب غالبا على الوجوب (1).
وروي محمد بن حمزة مرسلا عن الصادق عليه السلام، قال: " يجزئك
إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس " (2).
وعن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في المصلي خلف من
لا يقتدى بصلاته والامام يجهر بالقراءة، قال: " اقرأ لنفسك، وان لم تسمع
نفسك فلا بأس " (3).
قلت: هذا يدل على الاجتزاء بالاخفات عن الجهر للضرورة، وعلى
الاجتزاء بما لا يسمعه عما يجب اسماعه نفسه للضرورة أيضا، ولم يلزم فيها
سقوط القراءة، لان " الميسور لا يسقط بالمعسور " (4).
وجوز الشيخ في المبسوط الصلاة باللحن عند تعذر الاصلاح
والمشقة (5).
وقال: إذا جهر فلا يرفع صوته عاليا بل يجهر متوسطا، ولا يخافت دون
إسماع نفسه (6).
قال: وعلى الامام أن يسمع من خلفه القراءة ما لم يبلغ صوته حد العلو،
فان احتاج إلى ذلك لم يلزمه بل يقرأ قراءة وسطا (7).
قال: ويكره اللثام إذا منع من سماع القراءة، وان لم يمنع من سماعها

(1) راجع: المبسوط 1: 107، المهذب 1: 97، الكافي في الفقه: 118.
(2) الكافي 3: 315 ح 16، التهذيب 2: 97 ح 366، الاستبصار 1: 321 ح 1197.
(3) التهذيب 3: 36 ح 129.
(4) عوالي اللآلي 4: 58 ح 205.
(5) المبسوط 1: 106.
(6) المبسوط 1: 108.
(7) المبسوط 1: 109.
361

فلا بأس، وإذا غلط الامام رد عليه من خلفه (1).
وقال ابن الجنيد: ولا يقرأ وفي فيه ما يمنعه عن إقامة الحروف على
حقها، فإن لم يمنعه ذلك فلا بأس إذا لم يكن يلوكه ويمضغه ولا كان محرما.
ولا يرجع بالقرآن في صلاة، ولا غيرها، ترجيع الغناء والألحان. والمصلي
وحده يقرأ ما يسمع نفسه من غير إجهار، ولا إخفات، ولا إعجال، ولا حذف،
بل بترتيل وتبيين لحروف ما يقرؤه.

(1) المبسوط 1: 109.
362

الواجب الخامس: الركوع.
وفيه مسائل:
الأولى: يجب الركوع بالاجماع، ولقوله تعالى: (اركعوا واسجدوا) (1)
ولقوله تعالى: (واركعوا مع الراكعين) (2) ولما روي: ان رجلا دخل المسجد
ورسول الله صلى الله عليه وآله جالس في ناحية المسجد، فصلى ثم جاء فسلم
عليه، فقال صلى الله عليه وآله: " وعليك السلام، إرجع فصل فإنك لم
تصل ". فرجع فصلى ثم جاء فقال له مثل ذلك، فقال له الرجل في الثالثة:
علمني يا رسول الله؟ فقال: " إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء، ثم استقبل
القبلة فكبر، ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم
ارفع رأسك حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى
تستوي قائما، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " (3).
وعن علي عليه السلام: " أول الصلاة الركوع " (4).
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " ان الله تعالى
فرض من الصلاة: الركوع، والسجود " (5). في أخبار كثيرة (6).

(1) سورة الحج: 77.
(2) سورة البقرة: 43.
(3) مسند أحمد 2: 437، صحيح البخاري 1: 192، صحيح مسلم 1: 298 ح 397، سنن
ابن ماجة 1: 336 ح 1060، سنن أبي داود 1: 226 ح 856، الجامع الصحيح 2: 103.
ح 303، سنن النسائي 2: 124، مسند أبي يعلي 11: 449 ح 6577، السنن الكبرى 2:
371.
(4) التهذيب 2: 97 ح 362.
(5) التهذيب 2: 147 ح 575.
(6) لاحظ: التهذيب 2: 146 ح 569 - 571، الاستبصار 1: 353 ح 1335 - 1337.
363

ويدل على ركنيته عدم تحقق اسم الصلاة بدونه، إذ هي مجموع ركعات
ولا يتقوم المجموع الا باجزائه، ولرواية زرارة عن الباقر عليه السلام: " لا تعاد
الصلاة الا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود " (1).
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: " إذا أيقن انه ترك ركعة من
الصلاة، وقد سجد سجدتين وترك الركوع، استأنف الصلاة " (2). ورواية رفاعة
عنه عليه السلام في الرجل ينسى الركوع حتى يسجد ويقوم، قال:
" يستقبل " (3). إلى غير ذلك من الاخبار.
وهو ركن في جميع الركعات، ويجب في كل ركعة مرة، وفي صلاة
الآيات في كل ركعة خمس كل واحد منها ركن.
وقال في المبسوط: هو ركن في الأوليين من كل صلاة، وفي الثالثة من
المغرب، واما في الأخيرتين من الرباعيات فلا تبطل الصلاة بتركه سهوا، بل
يحذف السجدتين أو إحداهما ويعود إليه (4).
وفي التهذيب أورد رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: فيمن
تيقن ترك الركوع حتى سجد " يلقي السجدتين ويبني، وان تيقن بعد الفراغ صلى
ركعة وسجدتين ولا شئ عليه ". ورواية العيص عن الصادق عليه السلام فيمن
نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر انه لم يركع، قال: " يقوم فيركع
ويسجد سجدتي السهو " ثم حملهما على الأخيرتين (5). وفيهما دلالة على قضاء
الركوع بعد الصلاة، وهو غريب، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام المسألة.

(1) الفقيه 1: 225 ح 991، التهذيب 2: 152 ح 597.
(2) التهذيب 2: 148 ح 580، 149 ح 580، 149 ح 587، الاستبصار 1: 355 ح 1343، 356 ح 1349.
(3) الكافي 3: 348 ح 2، التهذيب 2: 148 ح 581، 582 الاستبصار 1: 355 ح 3144،
3145.
(4) المبسوط 1: 109.
(5) التهذيب 2: 149، والحديثين فيه برقم 585، 586.
364

الثانية: لا يتحقق مسمى الركوع شرعا الا بانحناء الظهر إلى أن تبلغ
اليدان عيني الركبتين اجماعا، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله لما روى أنه كان
يمسك راحتيه على ركبتيه في الركوع كالقابض عليهما ويفرج بين أصابعه (1).
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام: " وتمكن راحتيك من ركبتيك " (2).
وهو دليل على الانحناء هذا القدر، لان الاجماع على عدم وجوب وضع
الراحتين.
واعتبرنا الانحناء للتحرز من أن ينخنس، ويخرج ركبتيه وهو ماثل
منتصب، فإنه لا يجزئه. وكذا لو جمع بين الانحناء والانخناس، بحيث لولا
الانخناس لم تبلغ الراحتان، لم يجز.
والراكع خلقه أو لعارض، يستحب أن يزيد انحناء يسيرا، ليفرق بين
قيامه وركوعه، قاله الشيخ (3) واختاره في المعتبر، لان ذلك حد الركوع فلا يلزم
الزيادة عليه (4). وفي الشرائع وأكثر كتب الفاضل: يجب ان يزيد انحناء، ليكون
فارقا بين حالة القيام وحالة الركوع، فان المعهود افتراقهما (5).
ولو أمكنه أن ينقص من انحنائه حال قيامه - باعتماد أو غيره - وجب ذلك
قطعا، لا يجب الزيادة حال الركوع قطعا، لحصول الفرق.
الثالثة: يجب أن يقصد بهويه الركوع. فلو هوى لسجدة العزيمة أو غيرها
في النافلة، أو هوى لقتل حية أو لقضاء حاجة، فلما انتهي إلى حد الراكع أراد
ان يجعله ركوعا، لم يجزه، لقوله صلى الله عليه وآله: " انما الأعمال بالنيات،

(1) سنن الترمذي 2: 45 ح 26.
(2) الكافي 3: 334 ح 1، 319 ح 1، التهذيب 2: 77 ح 289، 83 ح 308.
(3) المبسوط 1: 110.
(4) المعتبر 2: 194.
(5) شرائع الاسلام 1: 85، قواعد الأحكام: 34، نهاية الإحكام 1: 480.
365

وانما لكل امرئ ما نوى " (1) فيجب عليه الانتصاب ثم الهوي للركوع، ولا يكون
ذلك زيادة ركوع.
ولو تعذر الانحناء للركوع، أتى بالمقدور. ولو أمكنه إيصال إحدى
اليدين دون الأخرى، لعارض في أحد الشقين، وجب. لو أمكنه الانحناء إلى
أحد الجانبين، فظاهر المبسوط الوجوب (2). ولو افتقر إلى ما يعتمد عليه في
انحنائه وجب. ولو تعذر ذلك كله، أجزأه الايماء برأسه ووجب عليه فعله، لأنه
بعض الواجب المقدور، وقد رواه إبراهيم الكرخي عن الصادق عليه السلام (3).
فرع:
لو لم يضع يديه على ركبتيه، وشك بعد انتصابه هل أكمل الانحناء،
احتمل العود، لعموم رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام في رجل شك
وهو قائم فلا يدري أركع أم لم يركع، قال: " يركع " (4)، وكذا رواية عمران
الحلبي (5). ويحتمل عدمه، لأن الظاهر منه اكمال الركوع، ولأنه في المعنى
شك بعد الانتقال. والوجهان ذكرهما الفاضل (6).
الرابعة: تجب الطمأنينة في الركوع، بمعنى: استقرار الأعضاء وسكونها
حتى يرجع كل عضو إلى مستقرة، لما سبق في حديث الأعرابي (7).

(1) التهذيب 4: 186 ح 519، مسند أحمد 1: 25، صحيح البخاري 1: 2، صحيح مسلم 3:
1515 ح 1907، سنن أبي داود 2: 262 ح 2201، الجامع الصحيح 4: 1079 ح 2147،
السنن الكبرى 7: 341.
(2) المبسوط 1: 109.
(3) الفقيه 1: 238 ح 1052، التهذيب 3: 307 ح 951.
(4) الكافي 3: 348 ح 1، التهذيب 2: 150 ح 590، الاستبصار 1: 357 ح 1352.
(5) التهذيب 2: 150 ح 589، الاستبصار 1: 357 ح 1351.
(6) تذكرة الفقهاء 1: 119.
(7) تقدم في ص 363 الهامش 3.
366

وعن النبي صلى الله عليه وآله: " لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره
في الركوع والسجود " (1).
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام: " وأقم صلبك، ومد عنقك " (2).
ويجب كونها بقدر الذكر الواجب، لتوقف الواجب عليها.
ولا يجزئ عن الطمأنينة مجاوزة الانحناء القدر الواجب، ثم العود إلى
الرفع مع اتصال الحركات، لعدم صدقها حينئذ. نعم، لو تعذرت أجزأ زيادة
الهوى ويبتدئ بالذكر عند الانتهاء إلى حد الراكع، وينتهي بانتهاء الهوي.
وهل يجب هذا الهوي لتحصيل الذكر في حد الراكع؟ الأقرب لا، للأصل،
فحينئذ يتم الذكر رافعا رأسه.
وعد الشيخ في الخلاف الطمأنينة ركنا (3). ويضعف بقضية الأصل،
وبصدق مسمى الركوع بالانحناء الذي هو ركن، وبأن الطمأنينة وجبت للذكر
الذي هو غير ركن. وكأن الشيخ يقصر الركن فيها على استقرار الأعضاء
وسكونها، والحديث دال عليه، ولأن مسمى الركوع لا يتحقق يقينا الا به. اما
الزيادة التي توازي الذكر الواجب فلا إشكال في عدم ركنيتها.
الخامسة: يجب الذكر فيه إجماعا منا، والمعظم على تعين التسبيح (4)
الا الحليين الأربعة: ابن إدريس (5) وسبطه يحيى (6) والفاضلين (7) - رحمهم الله

(1) مسند أحمد 4: 122، سنن ابن ماجة 1: 282 ح 870، سنن أبي داود 1: 226 ح 855،
الجامع الصحيح 2: 51 ح 265، سنن النسائي 2: 183، السنن الكبرى 2: 88.
(2) الكافي 3: 334 ح 1، التهذيب 2: 83.
(3) الخلاف 1: 348 المسألة: 98.
(4) راجع الخلاف 1: 348 المسألة: 99، الكافي في الفقه: 118.
(5) السرائر: 46، 50.
(6) الجامع للشرائع: 83.
(7) المعتبر 2: 196، مختلف الشيعة: 95، تذكرة الفقهاء 1: 119.
367

تعالى - وفي المبسوط إشارة إليه (1).
لنا: ما رواه عقبة بن عامر، قال: لما نزلت: (فسبح باسم ربك
العظيم) قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله: " اجعلوها في ركوعكم ". ولما
نزلت: (سبح اسم ربك الاعلى) قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله:
" اجعلوها في سجودكم " ورواه الشيخ في التهذيب مسندا (2) ورواه العامة (3).
ورواية هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام: " يقول في الركوع:
سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى. الفريضة من ذلك
تسبيحة، والسنة ثلاث، والفضل سبع " (4).
ورواية زرارة عن الباقر عليه السلام، قلت له: ما يجزئ من القول في
الركوع والسجود، فقال: " ثلاث تسبيحات في ترسل، وواحدة تامة تجزئ " (5)
ورواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام، قال: سألته أخف ما
يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال: " ثلاث تسبيحات ترسلا، تقول: سبحان
الله، سبحان الله، سبحان الله " (6).
وليقين البراءة به.
احتجوا: برواية هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام، قلت له:
يجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود: لا إله إلا الله والحمد لله

(1) المبسوط 1: 111.
(2) التهذيب 2: 313 ح 1273.
(3) مسند الطيالسي: 135 ح 1000، مسند أحمد 4: 155، سنن الدارمي 1: 299، سنن ابن
ماجة 1: 287 ح 887، سنن أبي داود 1: 230 ح 869، مسند أبي يعلي 3: 279 ح 1738،
شرح معاني الآثار 1: 235، السنن الكبرى 2: 86.
(4) التهذيب 2: 76 ح 282، الاستبصار 1: 322 ح 1204.
(5) التهذيب 2: 76 ح 283، الاستبصار 1: 323 ح 1205.
(6) التهذيب 2: 77 ح 288، الاستبصار 1: 324 ح 1212.
368

والله أكبر؟ فقال: " نعم، كل هذا ذكر الله " (1) وكذا رواه هشام بن سالم عنه (2).
وبرواية مسمع عنه: " لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث
تسبيحات، أو قدرهن مترسلا، وليس له أن يقول - ولا كرامة -: سبح سبح
سبح " (3).
وأكثر هذه الأخبار صحيح من الجانبين، فالحمل على الأفضل في
الاخبار الأول متوجه، الا ان العمل بما عليه أكثر الأصحاب أولى.
فروع:
ظاهر ابني بابويه تخيره بين واحدة كبرى أو ثلاث صغرى (4) أعني:
(سبحان ربي العظيم وبحمده) أو (سبحان الله) ثلاثا.
وقال أبو الصلاح: يجب الثلاث على المختار، والواحدة على المضطر.
ثم قال: أفضله (سبحان ربي العظيم وبحمده)، ويجوز (سبحان الله) (5).
فظاهره ان المختار لو قال: (سبحان ربي العظيم وبحمده) ثلاثا كانت واجبة.
وأكثر الروايات خالية من لفظ (وبحمده)، والأولى وجوبها، لثبوتها في
خبر حماد في الركوع والسجود، وكرر الكبرى فيه ثلاثا (6) وكذا رواه زرارة وأبو
بكر الحضرمي عن الباقر عليه السلام: ثلاثا (7) ولعله حجة أبي الصلاح، وهو

(1) الكافي 3: 329 ح 5، التهذيب 2: 302 ح 1217.
(2) التهذيب 2: 302 ح 1218، وفي الكافي 3: 321 ح 8 ليس فيه: " الحمد لله "، و " كل هذا
ذكر الله ".
(3) التهذيب 2: 77 ح 286.
(4) حكاه عن ابن بابويه العلامة في مختلف الشيعة: 96، وفي الفقيه 1: 206، والمقنع: 28،
والهداية: 32 تخيره بين ثلاث كبرى أو ثلاث صغرى.
(5) الكافي في الفقه: 118.
(6) تقدم في ص 279 - 281 الهامش 1.
(7) الكافي 3: 329 ح 1، التهذيب 2: 76 ح 283، 80 ح 300، الاستبصار 1: 323 ح 1205،
324 ح 1213.
369

محمول على الندب (1).
وقد روى علي بن يقطين عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال:
سألته عن الركوع والسجود، كم يجزئ فيه من التسبيح؟ فقال: " ثلاثة، وتجزئك
واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض " (2).
وقد تقدم في رواية هشام ان الفريضة واحدة (3).
وقد روى العامة عن حذيفة: ان النبي صلى الله عليه وآله كان يقول في
ركوعه: " سبحان ربي العظيم وبحمده "، وفي سجوده: " سبحان ربي الأعلى
وبحمده " (4).
السادسة: يجب رفع الرأس من الركوع إجماعا، وتجب الطمأنينة فيه،
لما تقدم في حديث الأعرابي (5) وحديث حماد (6). وروي أبو بصير عن الصادق
عليه السلام: " إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك، فإنه لا صلاة لمن لم
يقم صلبه " (7).
ولا حد لهذه الطمأنينة سوى الاستقرار والسكون، بحيث يرجع العضو
إلى مستقره. وجعلها الشيخ ركنا في الخلاف (8) لظاهر الاخبار، والأكثرون على
عدم بطلان الصلاة بتركها نسيانا (9).

(1) التهذيب 2: 80.
(2) التهذيب 2: 76 ح 284، الاستبصار 1: 323 ح 1206.
(3) تقدم في ص 454 الهامش 3.
(4) المنصف لابن أبي شيبة 1: 248، سنن الدارقطني 1: 341، وراجع: نيل الأوطار 2: 272.
(5) تقدم في ص 363 الهامش 3.
(6) تقدم في ص 279 - 281 الهامش 1.
(7) الكافي 3: 320 ح 6، التهذيب 2: 78 ح 290.
(8) الخلاف 1: 69 المسألة 49.
(9) كالمحقق في المعتبر 2: 197، وشرائع الاسلام 1: 85، والعلامة في تذكرة الفقهاء 1:
136.
370

السابعة: يستحب في الركوع زيادة الانحناء، بحيث يستوي الظهر
والرأس والعنق، وهو يحصل بالمبالغة في ذلك، وبرد الركبتين إلى خلفه ومد
العنق، وقد سبق في خبر حماد ذلك (1).
وروي ان النبي صلى الله عليه وآله كان يستوي في الركوع، بحيث لو
صب الماء على ظهره لاستمسك (2) ومثله رواه إسحاق بن عمار عن الصادق
عليه السلام: " ان عليا عليه السلام كان يعتدل في الركوع مستويا، حتى يقال
لو صب الماء على ظهره لاستمسك " (3).
ويكره فيه خمسة أشياء:
أ: التبازخ، وهو: تسريج الظهر وإخراج الصدر، وهو بالزاء والخاء
المعجمتين.
ب: التدبيخ - بالخاء والحاء - وهو: أن يقبب الظهر ويطأطئ الرأس،
روي ذلك في نهي النبي صلى الله عليه وآله (4). وروي أيضا بالذال
المعجمة (5)، والدال المهملة أعرف. والنهي للكراهة هنا.
وعن علي عليه السلام بطريق إسحاق المذكور: " ان عليا كان يكره ان
يحدر رأسه ومنكبيه في الركوع ولكن يعتدل ".
ج: الانخناس الذي يكون معه تمام الانحناء للواجب، وهو: تقويس
الركبتين والتراجع إلى الوراء، ولو لم يحصل معه تمام الانحناء أبطل كما سبق.

(1) تقدم في ص 279 - 281 الهامش 1.
(2) معاني الأخبار: 280، سنن ابن ماجة 1: 283 ح 872، مجمع الزوائد 2: 123 عن الطبراني
في الكبير وأبي يعلى.
(3) أورده المجلسي في بحار الأنوار 85: 118 عن ذكرى الشيعة.
(4) رواه أبو عبيد في غريب الحديث 1: 358 وابن قتيبة في غريب الحديث 1: 183
والأزهري في تهذيب اللغة 4: 431.
(5) السنن الكبرى 2: 85.
371

د: التطبيق - وهو: جعل إحدى الكفين على الأخرى ثم ادخالهما بين
ركبتيه - لما روي أن سعد بن أبي وقاص قال: كنا نفعل ذلك فأمرنا بضرب
الأكف على الركب (1)، وهو يدل على شرعيته ثم نسخه، ولعل ذلك خفي على
ابن مسعود صاحبه، والأسود بن يزيد، وعبد الرحمن بن الأسود، فقالوا
باستحبابه (2).
ولا يحرم على الأقرب، إذ ليس فيه أكثر من ترك وضعهما على الركبتين
الذي هو مستحب وهو قول أبي الصلاح (3) والفاضلين (4).
وظاهر الخلاف وابن الجنيد التحريم (5)، وحينئذ يمكن البطلان، للنهي
عن العبادة كالكتف، ويمكن الصحة، لان النهي عن وصف خارج.
ه‍: الركوع ويداه تحت ثيابه، بل تكونان بارزتين أو في كميه، قاله
الأصحاب (6). وروى عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يدخل يديه
تحت ثوبه، قال: " ان كان عليه ثوب آخر فلا بأس، وان لم يكن فلا يجوز
ذلك، وان أدخل يدا واخرج أخرى فلا بأس " (7).
وقال ابن الجنيد: ولو ركع ويداه تحت ثيابه، جاز ذلك إذا كان عليه مئزر
أو سراويل.

(1) سنن الدارمي 1: 298، صحيح البخاري 1: 200، صحيح مسلم 1: 380 ح 535، سنن
ابن ماجة 1: 283 ح 873، سنن أبي داود 1: 299 ح 867، الجامع الصحيح 2: 44
ح 259، سنن النسائي 2: 85، مسند أبي يعلى 2: 134 ح 812.
(2) المجموع 3: 411، المغني 1: 577، المبسوط للسرخسي 1: 19.
(3) الكافي في الفقه: 125.
(4) المعتبر 2: 201، شرائع الاسلام 1: 85، مختلف الشيعة: 100.
(5) الخلاف 1: 347 المسألة: 97، مختلف الشيعة: 100
(6) راجع المبسوط 1: 112، الوسيلة: 97، المعتبر 2: 206، شرائع الاسلام 1: 85.
(7) الكافي 3: 395 ح 10، التهذيب 2: 356 ح 1475، الاستبصار 1: 392 ح 1494.
372

وقال أبو الصلاح: يكره إدخال اليدين في الكمين أو تحت الثياب (1)
وأطلق.
وألحق الشيخ بالكراهية القراءة في الركوع، وكذا يكره عنده في السجود
والتشهد (2). وقد روى العامة عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه
وآله، أنه قال: " الا انى نهيت ان اقرأ راكعا، أو ساجدا " (3) ولعله ثبت طريقه
عند الشيخ رحمه الله.
وقد روى في التهذيب قراءة المسبوق مع التقية في ركوعه (4)، وروى عن
عمار عن الصادق عليه السلام في الناسي حرفا من القراءة: لا يقرؤه راكعا بل
ساجدا (5).
الثامنة: يستحب أن يجعل بين القدمين والركبتين قدر شبر كما كان في
القيام. ورواية زرارة متضمنة التفريج بين الركبتين، والشبر بين القدمين (6)
والظاهر أنهما كالمتلازمين، وصرح ابن الجنيد بمراعاة ذلك بين الركبتين.
ويستحب ان يجنح بمرفقيه، مخرجا ذراعيه عن ملاصقة جنبيه، فاتحا
إبطيه، لما سبق في خبر حماد (7) وان ينظر إلى ما بين قدميه، لرواية زرارة عن
الباقر عليه السلام (8) وفي رواية غياث عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي

(1) الكافي في الفقه: 125.
(2) المبسوط 1: 111.
(3) المصنف لعبد الرزاق 2: 144 ح 2832، مسند أحمد 1: 114، صحيح مسلم 1: 349
ح 480، سنن أبي داود 4: 47 ح 4045، سنن النسائي 2: 217، مسند أبي يعلى 1: 330 ح 415،
السنن الكبرى 2: 87.
(4).
(5) التهذيب 2: 297 ح 1195، وفي الكافي 3: 315 ح 18.
(6) تقدمت في ص 278 - 279 الهامش 1.
(7) تقدم في 277 - 279 الهامش 1.
(8) تقدمت في ص 278 - 279 الهامش 1.
373

عليهما السلام: " لا تجاوز بطرفك في الصلاة موضع سجودك " (1) ومن ثم قال
ابن بابويه: ينظر الراكع ما بين قدميه إلى موضع سجوده (2).
ويستحب وضع اليدين على عيني الركبتين مفرجات الأصابع، لما سبق
عن النبي صلى الله عليه وآله (3) وعن الصادق عليه السلام في خبر حماد: " وملأ
كفيه من ركبتيه " (4).
ويستحب البدأة بوضع اليد اليمنى، لخبر زرارة عن الباقر عليه السلام (5).
ويسقط مع التعذر، ول قدر بإحداهما وضعها.
التاسعة: يستحب التكبير للركوع قائما رافعا يديه كما سبق، لما سبق في
خبر حماد (6).
وروي الحسن بن سعيد في كتابه عن علي عليه السلام باسناده: " رفع
اليدين في التكبير هو العبودية ". وروى زرارة عن الصادق عليه السلام:
" رفعك يدك في الصلاة زينتها " (7).
ونقل المرتضى في الانتصار انفراد الامامية بايجاب رفع اليدين
بالتكبير (8)، قال في المعتبر: ولا أعرف ما حكاه - رحمه الله - (9).
وقال ابن الجنيد: إذا أراد ان يكبر للركوع والسجود رفع يديه مع نفس
لفظه بالتكبير، ولو لم يفعل أجزأه ذلك الا في تكبيرة الاحرام. وظاهره وجوب

(1) التهذيب 2: 326 ح 1334.
(2) الفقيه 1: 204.
(3) تقدم في ص 365 الهامش 1.
(4) تقدم في ص 279 - 281 الهامش 1.
(5) الكافي 3: 319 ح 1، التهذيب 2: 77 ح 289، 83 ح 308.
(6) تقدم في ص 279 - 281 الهامش 1.
(7) التهذيب 2: 76 ح 181.
(8) الانتصار: 44.
(9) المعتبر 2: 199.
374

الرفع فيها خاصة.
وقال الشيخ في الخلاف: يجوز ان يهوي بالتكبير (1) وهو حق الا ان
التكبير في القيام أفضل.
وأوجب ابن أبي عقيل تكبير الركوع والسجود (2) وأوجب سلار ذلك
وتكبير القيام (3) عملا بظاهر الاخبار، كما في رواية زرارة عن الباقر عليه
السلام: " إذا أردت ان تركع فقل وأنت منتصب: الله أكبر " (4) ورواية الحلبي عن
الصادق عليه السلام: " إذا سجدت فكبر " (5).
ويعارض بخبر أبي بصير عنه عليه السلام: أدنى ما يجزئ في التكبير في
الصلاة واحدة (6) مع استقرار الاجماع على خلاف قوليهما.
العاشرة: يستحب الذكر أمام التسبيح اجماعا. قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: " اما الركوع فعظموا الرب، واما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن
ان يستجاب لكم " (7).
وليكن رواه زرارة عن الباقر عليه السلام: " رب لك ركعت، ولك أسلمت،
وبك آمنت، وعليك توكلت، وأنت ربي خشع لك سمعي وبصري، وشعري
وبشري، ولحمي ودمي، ومخي وعصبي، وعظامي وما أقلته قدماي، غير
مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر " (8).

(1) الخلاف 1: 347 المسألة: 96.
(2) مختلف الشيعة: 96.
(3) المراسم: 69.
(4) الكافي 3: 319 ح 1، التهذيب 2: 77 ح 289.
(5) الكافي 3: 321 ح 1، التهذيب 2: 79 ح 295.
(6) التهذيب 2: 66 ح 238.
(7) المصنف لعبد الرزاق 2: 145 ح 2839، مسند أحمد 1: 155، سنن الدارمي 1: 304،
صحيح مسلم 1: 348 ح 479، سنن أبي داود 1: 232 ح 876، سنن النسائي 2: 190،
مسند أبي يعلى 1: 332 ح 417، شرح معاني الآثار 1: 233، السنن الكبرى 2: 110.
(8) الكافي 3: 319 ح 1، التهذيب 2: 77 ح 289.
375

ثم يسبح ثلاثا كبريات أو خمسا أو سبعا، وظاهر الشيخ وابن الجنيد وكثير
انه نهاية الكمال (1)، وفي رواية هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام إشارة
إليه حيث قال: " الفريضة تسبيحة، والسنة ثلاث، والفضل في سبع " (2).
ولكن روى حمزة بن حمران والحسن بن زياد: انهما صليا مع الصادق
عليه السلام فعددا عليه في الركوع (سبحان ربي العظيم) أربعا أو ثلاثا وثلاثين
مرة، وقال أحدهما في حديثه (وبحمده) في الركوع والسجود (3). وروي ابان
ابن تغلب: انه عد على الصادق عليه السلام في الركوع والسجود ستين
تسبيحة (4).
قال في المعتبر: الوجه استحباب ما لا يحصل معه السأم الا ان يكون
إماما (5)، وهو حسن. ولو علم من المأمومين حب الإطالة استحب له أيضا
التكرار.
ولا ينبغي ان ينقص المصلي من الثلاث شيئا، لرواية أبي بكر الحضرمي
عن الباقر عليه السلام: " يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا في الركوع،
وسبحان ربي الاعلى وبحمده ثلاثا في السجود، فمن نقص واحدة نقص ثلث
صلاته، ومن نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبح فلا صلاة له " (6).
والمراد به نقص الكمال والفضيلة.
فروع:
الظاهر استحباب الوتر، لظاهر الأحاديث، وعد الستين لا ينافي الزيادة

(1) المبسوط 1: 111، المقنعة: 16، المقنع: 28، المراسم: 71.
(2) التهذيب 2: 76 ح 282، الاستبصار 1: 322 ح 1204.
(3) الكافي 3: 329 ح 3، التهذيب 2: 300 ح 1210، الاستبصار 1: 325 ح 1214.
(4) الكافي 3: 329 ح 2، التهذيب 2: 299 ح 1205.
(5) المعتبر 2: 202.
(6) الكافي 3: 329 ح 1، التهذيب 2: 157 ح 615، الاستبصار 1: 324 ح 1213.
376

عليه. ولو شك في العدد بنى على الأقل. والأقرب ان الواجبة هي الأولى، لأنه
مخاطب بذلك حال الركوع، ولا يفتقر إلى قصد ذلك. نعم، لو نوى وجوب
غيرها فالأقرب الجواز، لعدم يقين التضيق.
والطمأنينة للمستحبات لا ريب في استحبابها، لأن جواز تركها ينفي
وجوبها الا إذا قدم المستحب، فان الظاهر وجوب الطمأنينة تخييرا، لأنه لم
يأت بالواجب بعد. وكذا الكلام في طمأنينة السجود، وزيادة القيام للقنوت،
والدعاء بعد فراغ واجب القراءة.
أما القيام في القراءة الواجبة فموصوف بالوجوب وان كان بسورة طويلة،
غاية ما في الباب انه من قبيل الواجب المخير.
اما لو أدخل التكبيرات الزائدة على الاستفتاح في الصلاة، أو سأل الجنة
واستعاذ من النار في أثناء القراءة، ففي وجوب هذا القيام نظر، أقربه الوجوب،
لما سبق، وكذا القيام للوقف المستحب في أثناء القراءة.
اما القيام الذي يقع فيه السكوت للتنفس فلا اشكال في وجوبه، لأنه من
ضرورات القراءة.
الحادية عشرة: يستحب ان يقول بعد رفع رأسه من الركوع: (سمع الله
لمن حمده) إماما كان أو مأموما، لقول النبي صلى الله عليه وآله: " لا تتم صلاة
أحدكم " إلى قوله " ثم يقول: سمع الله لمن حمده " (1). واستدل بعض العامة
بهذا على وجوبها (2)، وهو غير دال، لان الأفضلية تمام أيضا.
ومحلها بعد تمكنه من الانتصاب، لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام:
" قل: سمع الله لمن حمده - وأنت منتصب قائم - الحمد لله رب العالمين، أهل

(1) سنن أبي داود 1: 226 ح 857.
(2) المجموع 3: 414، المغني 1: 584، الشرح الكبير 1: 582.
377

الجبروت والكبرياء والعظمة (1) رب العالمين. تجهر بها صوتك " (2). وفيه دليل
على الجهر بهذه، ولعله لغير المأموم، إذ يستحب الاخفات له في جميع
أذكاره.
وروى الحسين بن سعيد باسناده إلى أبي بصير عن الصادق عليه
السلام: " سمع الله لمن حمده، الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم،
بحول الله وقوته أقوم واقعد، أهل الكبرياء والعظمة والجبروت ".
وباسناده إلى محمد بن مسلم، عنه عليه السلام: " إذا قال الامام: سمع
الله لمن حمده، قال من خلفه: ربنا لك الحمد. وان كان وحده إماما أو غيره
قال: سمع الله لمن حمده، الحمد لله رب العالمين ".
ونقل في المعتبر عن الخلاف: ان الإمام والمأموم يقولان: الحمد لله
رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة، ثم قال: وهو مذهب علمائنا (3).
وأنكر في المعتبر: (ربنا لك الحمد) وذكر ان المروي ما ذكره الشيخ
قال في المبسوط: وان قال: (ربنا ولك الحمد) لم تفسد صلاته (4).
وروايتنا لا واو فيها، والعامة مختلفون في ثبوتها وسقوطها، لأنها زيادة
لا معني لها (5) وزعم بعضهم ان الواو قد تكون مقحمة في كلام العرب وهذه
منها (6) لو ورد اللفظين في الصحاح والاخبار عندهم (7).
قال ابن أبي عقيل: وروي " اللهم لك الحمد، ملء السماوات وملء

(1) في ط والكافي زيادة: " لله "، وفي التهذيب: " الحمد لله ".
(2) الكافي 3: 319 ح 1، التهذيب 2: 77 ح 289.
(3) المعتبر 2: 204، راجع: الخلاف 1: 350 المسألة: 101.
(4) المعتبر 2: 204، راجع: المبسوط 1: 112.
(5) المجموع 3: 418، الوجيز 1: 43، المغني 1: 583.
(6) المجموع 3: 418.
(7) مسند أحمد 3: 162، صحيح البخاري 1: 201، سنن ابن ماجة 1: 284 ح 876، سنن
أبي داود 1: 224 ح 847، سنن النسائي 2: 196، سنن الدارقطني 1: 329.
378

الأرض، وملء ما شئت من شئ بعد " (1).
والذي أنكره في المعتبر تدفعه قضية الأصل، والخبر حجة عليه وطريقه
صحيح، واليه ذهب صاحب الفاخر، واختاره ابن الجنيد ولم يقيده بالمأموم.
واستحب أيضا في الذكر هنا: بالله أقوم واقعد.
وذهب ابن أبي عقيل - في ظاهر كلامه - وابن إدريس، وصرح به أبو
الصلاح وابن زهرة، إلى أنه يقول: (سمع الله لمن حمده) في حال ارتفاعه،
وباقي الأذكار بعد انتصابه (2). وهو مردود بالاخبار المصرحة بان الجميع بعد
انتصابه، وهو قول الأكثر (3).
ويستحب الترتيل في أذكار الركوع والرفع، والخبر عن حماد يتضمن
الترتيل في التسبيح في الركوع والسجود (4).
الثانية عشرة: روى معاوية بن عمار، قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام
يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد وإذا رفع رأسه من
السجود، وإذا أراد ان يسجد الثانية (5).
ورواية ابن مسكان عنه عليه السلام قال في الرجل يرفع يده كلما أهوى
إلى الركوع والسجود، وكلما رفع رأسه من ركوع أو سجود (6).
وظاهرهما مقارنة الرفع للرفع، وعدم تقييد الرفع بالتكبير، فلو ترك التكبير
فظاهرهما استحباب الرفع.

(1) رواه الثقفي في الغارات 1: 246، وعبد الرزاق في مصنفه 2: 163 ح 2907، ومسلم في
صحيحه 1: 346 ح 476، والبيهقي في سننه 2: 94.
(2) السرائر: 47، الكافي في الفقه: 123، الغنية: 497.
(3) راجع: النهاية: 71، المقنع: 28، المعتبر 2: 304، تذكرة الفقهاء 1: 120، نهاية الإحكام 1: 486.
(4) الكافي 3: 311 ح 8، الفقيه 1: 196 ح 916، التهذيب 2: 81 ح 301.
(5) التهذيب 2: 75 ح 279.
(6) التهذيب 2: 75 ح 280، وتمامه: قال: " هي العبودية ".
379

والحديثان أوردهما في التهذيب ولم ينكر منهما شيئا، وهما يتضمنان رفع
اليدين عند رفع الرأس من الركوع، ولم أقف على قائل باستحبابه الا ابني
بابويه (1) وصاحب الفاخر، ونفاه ابن أبي عقيل والفاضل (5)، وهو ظاهر ابن
الجنيد.
والأقرب استحبابه، لصحة سند الحديثين وأصالة الجواز وعموم أن
الرفع زينة الصلاة، واستكانة من المصلي " (3)، وحينئذ يبتدئ بالرفع عند ابتداء
رفع الرأس، وينتهي بانتهائه، وعليه جماعة من العامة (4).
الثالثة عشرة: يستحب للامام رفع صوته بالذكر في الركوع والرفع ليعلم
المأموم، لما سبق من استحباب إسماع الامام المأمومين، اما المأموم فسر، واما
المنفرد فمخير إلا التسميع، فإنه جهر على اطلاق الرواية السالفة (5).
وتجوز الصلاة على النبي وآله في الركوع والسجود بل تستحب، ففي
الصحيح عن عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يذكر النبي صلى الله عليه وآله وهو في الصلاة المكتوبة اما راكعا أو ساجدا،
فيصلي عليه وهو على تلك الحال؟ فقال: " نعم، ان الصلاة على نبي الله
صلى الله عليه وآله كهيئة التكبير والتسبيح، وهي عشر حسنات، يبتدرها ثمانية
عشر ملكا، أيهم يبلغه إياها " (6).
وعن الحلبي عنه عليه السلام: " كل ما ذكرت الله عز وجل به، والنبي

(1) الفقيه 1: 305، الهداية: 39.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 120.
(3) مجمع البيان 5: 550، وفي الدر المنثور 6: 403 عن ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم
والبيهقي.
(4) المجموع 3: 399، المغني 1: 582.
(5) تقدمت ص 378 الهامش 2.
(6) الكافي 3: 322 ح 5، التهذيب 2: 299 ح 1206.
380

صلى الله عليه وآله، فهو من الصلاة " (1).
ويلحق بذلك أحكام.
يرجع طويل اليدين وقصيرهما في قدر الانحناء إلى مستوى الخلقة،
وكذا فاقدهما.
ويجب أن يأتي بالذكر الواجب حال طمأنينته. فلو شرع فيه قبل
الطمأنينة، أو أتمه بعدها عامدا، بطلت صلاته الا ان يعيده حيث يمكن العود.
ولا ينبغي مد التكبير قصدا لبقائه ذاكرا إلى تمام الهوى، لما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله ان قال: " التكبير جزم " (2).
ورفع اليدين ثابت في حق القاعد والمضطجع والمستلقي.
وقال الكراجكي في الروضة: محل التكبير عند إرسال اليدين بعد الرفع.
ولو قال في الرفع: من حمد الله سمع، لم يأت بالمستحب، وفي بطلان
الصلاة نظر، من الشك في كونه ثناء على الله تعالى.
ولو نوى بالتحميد الوظيفة وشكر نعمة يتذكرها، أو نوى العاطس به
الوظيفتين، فلا بأس، لعدم تغير الغرض بهذه النية، وأصالة الصحة.
ولو سقط رفع الرأس لعارض، سقط الذكر فيه.
ولو زال العذر بعد السجود، أو الشروع بوضع الجبهة، لم يلتفت.
ولو كان قبل وضع الجبهة، استدركه عند الفاضل (3) وهو قوي، لوجوب
الانتصاب والطمأنينة مع الامكان وقد أمكن، وبه علل في المعتبر ولم يرجح
شيئا (4). وفي المبسوط: يمضي في صلاته (5) للحكم بسقوطه وقد خرج عن

(1) الكافي 3: 337 ح 6، التهذيب 2: 316 ح 1293.
(2) تلخيص الحبير 3: 283.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 120.
(4) المعتبر 2: 205.
(5) المبسوط 1: 112.
381

محله، والأصل عدم وجوب العود الا بأمر جديد ولم يثبت.
وكذا لو ركع واطمأن فسقط إلى الأرض، لم يحتج إلى القيام عند
الشيخ (1) لان محله قد فات.
ولو سقط قبل ركوعه، وجب العود له قطعا.
ولو سقط بعد الركوع قبل الطمأنينة، فالأقرب عند المحقق انه لا يعيد،
لان الركوع المشروع قد حصل، فلو أعاد لزاد ركوعا (2) وهو جيد على مذهبه إذ
الطمأنينة ليست عنده ركنا (3) ويجئ على قول الشيخ في الخلاف وجوب
العود (4).
ولو ترك الطمأنينة في الركوع عمدا في صلاة النافلة، فان قلنا بركنيته
بطلت قطعا كما لو ترك الركوع، وان قلنا بعدمها فالأقرب البطلان.
وقطع الفاضل بأنه لو ترك الاعتدال من الركوع والسجود في النافلة
صحت وكان تاركا للأفضل (5) وفيه بعد، لان حقيقة الصلاة انما تتم باجزائها،
فهو كترك سجدة أو ترك الفاتحة فيها.
وفي المبسوط: لو شك في الرفع من الركوع بعد هويه إلى السجود لم
يلتفت (6). وكذا لو شك في أصل الركوع، قاله في الخلاف، محتجا باجماعنا
على أن الشك بعد الانتقال لا حكم له (7). والمحقق اقتصر على حكاية الأخير

(1) المبسوط 1: 112.
(2) المعتبر 2: 194.
(3) المعتبر 2: 205.
(4) الخلاف 1: 348 المسألة: 98.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 120.
(6) المبسوط 1: 112.
(7) انظر الخلاف 1: 352 المسألة: 104، وفيه: إذا خر ساجدا ثم شك هل رفع رأسه من
الركوع أم لا مضى في صلاته وبعد أورد دليله بالاجماع.
ولم يذكر فيه أصل الركوع. ولكن نقل الشك في أصل الركوع عن الخلاف في المعتبر 2:
205 والشهيد اخذه من المعتبر. وليس في النسخ التي بأيدينا الشك في أصل الركوع فلاحظ
المعتبر ودليله فيه ما خرجناه عن الخلاف عين المسألة التي ذكره المعتبر.
382

فكأنه متوقف فيه (1) والوجه القطع بما أفتي به الشيخ في الموضعين.
وقال في المبسوط: لو رفع رأسه من الركوع وبقى يدعو ويقرأ ساهيا،
مضى في صلاته ولا شئ عليه (2). ومفهومه انه لا يتعمده، وانه لو تعمده تغير
الحكم.
وبعض المتأخرين اختار قول بعض العامة، من أنه لو طول عمدا بذكر
أو قراءة بطلت صلاته، لأنه واجب قصير فلا يشرع فيه التطويل (3).
ويرده ما تقدم من حديث الحلبي (4) وقد روي معاوية بن عمار، قال:
قلت للصادق عليه السلام: رجلان افتتحا الصلاة في ساعة واحدة. فتلا هذا
القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه، ودعا الاخر أكثر من تلاوته، ثم انصرفا في ساعة
واحدة، أيهما أفضل؟ قال: " كل فيه فضل، كل حسن ". قلت: اني قد علمت أن
كلا حسن وان كلا فيه فضل. فقال: " الدعاء أفضل، اما سمعت قول الله عز وجل:
(وقال ربكم ادعوني) الآية، هي والله العبادة، هي والله العبادة، أليست هي
أشدهن!؟ هي والله أشدهن، هي والله أشدهن، هي والله أشدهن " (5). وهذا
يشمل الدعاء في جميع أحوال الصلاة وتطويله. نعم، لو خرج بذلك عن كونه
مصليا بطلت صلاته.
ومن فروع ابن الجنيد: لو كان أقطع الزند، أوصل مكان القطع إلى
الركبة ووضعه عليها. فان أراد به الاستحباب فلا بأس، وان أراد الوجوب في

(1) المعتبر 2: 205.
(2) المبسوط 1: 112.
(3) المجموع 4: 126.
(4) تقدم في ص 381 الهامش 1.
(5) التهذيب 2: 104 ح 394، السرائر: 472.
والآية في سورة غافر: 60.
383

الايصال، فممنوع إذ الواجب انحناء يصل معه الكفان لا رؤوس الزندين.
قال: ولو كانت مشدودة فعل بها كذلك، وكذا لو كانت له يد بغير ذراع.
قال: ولا بأس بالدعاء فيهما - يعني الركوع والسجود - لأمر الدين
والدنيا، من غير أن يرفع يديه في الركوع عن ركبتيه، ولا عن الأرض في
سجوده.
ولو عد التسبيح في ركوعه وسجوده، وحفظ على نفسه صلاته، لم أر
بذلك بأسا.
ولو نسي التسبيح، الا انه قد لبث راكعا وساجدا بمقدار تسبيحة واحدة،
أجزأه ومفهومه انه لو لم يلبث لم يجزه، فيكون إشارة إلى أن الطمأنينة ركن
كقول الشيخ، والله تعالى أعلم.
384

الواجب السادس: السجود.
وفيه مسائل.
الأولى: أجمع العلماء على وجوب السجود في الصلاة، لنص القرآن،
ونص النبي صلى الله عليه وآله قولا - كما في تعليم المسئ في صلاته (1) - وفعلا
- في سائر صلواته - ولخبري حماد وزرارة (2).
وتجب في كل ركعة سجدتان، فهما معا ركن تبطل الصلاة بالاخلال
بهما معا، عمدا وسهوا وجهلا. ولو أخل بواحدة منهما سهوا لم تبطل، سواء
كان في الأوليين أو في الأخيرتين، وهنا خلاف في موضعين:
أحدهما: ان الاخلال بالسجدتين معا مبطل في الأخيرتين كالأوليين،
والخلاف فيه مع الشيخ كما تقدم في الركوع (3).
لنا: رواية زرارة عن الباقر عليه السلام: " لا تعاد الصلاة الا من خمسة:
الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود " (4). وروي الحلبي عن الصادق
عليه السلام: " الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور، وثلث ركوع، وثلث
سجود " (5).
واحتج الشيخ في التهذيب برواية البزنطي عن الرضا عليه السلام فيمن
ذكر في الثانية وهو راكع انه ترك سجدة في الأولى، قال: " كان أبو الحسن عليه
السلام يقول: إذا تركت السجدة في الركعة الأولى، فلم تدر أواحدة أو اثنتين،
استقبلت حتى يصح لك ثنتان. فإذا كان في الثالثة والرابعة، فتركت سجدة بعد

(1) تقدم في ص 363 الهامش 3.
(2) تقدما في ص 378 - 381.
(3) راجع ص 364.
(4) الفقيه 1: 225 ح 991، التهذيب 2: 152 ح 597.
(5) الكافي 3: 273 ح 8، التهذيب 2: 140 ح 544.
385

أن تكون قد حفظت الركوع، أعدت السجود " (1).
ويعارض بما يأتي، مع قصوره عن الدلالة على محل النزاع، إذ ظاهره انه
شك في السجود، ويكون (الترك) بمعني توهم الترك، وقرينته " فلم تدر أواحدة
أو اثنتين "، ويكون فيه دلالة على أن الشك في أفعال الأوليين يبطل دون
الأخيرتين. ومعنى قوله: " بعد أن تكون قد حفظت الركوع " ان يتعلق الشك
بالسجود لا غير، لأنه لو تعلق بالركوع والسجود كان شكا في ركعة، فيصير شكا
في العدد وله حكم آخر.
وهذا التأويل لا غبار عليه، الا ان في إعادة الصلاة بالشك في أفعال
الأوليين بعدا ومخالفة للمشهور، وليس ببعيد حمل (الاستقبال) على
الاستحباب.
ويظهر من كلام الشيخ في المبسوط ان الأوليين أيضا يلفق فيهما السجود
والركوع (2) لما مر، وهو متروك.
الثاني: ان الاخلال بالسجدة الواحدة غير مبطل إذا كان سهوا، وعليه
معظم الأصحاب بل هو اجماع.
وفي كلام ابن أبي عقيل إيماء إلى أن الاخلال بالواحدة مبطل وان كان
سهوا (3) لصدق الاخلال بالركن إذ الماهية المركبة تفوت بفوات جزء منها،
وتمسكا برواية المعلى بن خنيس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام في رجل
نسي السجدة من صلاته، قال: " إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبني على
صلاته ثم يسجد سجدتي السهو بعد انصرافه، وان ذكرها بعد ركوعه أعاد

(1) التهذيب 2: 154 ح 605، الاستبصار 1: 360 ح 1364.
وصدره في الكافي 3: 349 ح 3 ونصه: " كان أبو الحسن عليه السلام... استقبلت الصلاة
حتى يصح لك انهما اثنتان ".
(2) المبسوط 1: 119.
(3) مختلف الشيعة: 131.
386

الصلاة، ونسيان السجدة في الأوليين والأخيرتين سواء " (1).
والجواب: ان انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلقا، والا لكان الاخلال
بعضو من أعضاء السجود مبطلا ولم يقل به أحد، بل المؤثر هو انتفاؤها بالكلية.
ولعل الركن مسمى السجود، ولا يتحقق الاخلال به الا بترك السجدتين معا.
واما الحديث ففي سنده إرسال، وفي المعلى كلام.
ويعارض بما رواه إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه السلام: " إذا ذكر
بعد ركوعه انه لم يسجد، فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها، فإنها
قضاء " (2)، ويقرب منه رواية حكم بن حكيم عنه عليه السلام (3).
وروى أبو بصير، قال: سألته عمن نسي ان يسجد سجدة واحدة فذكرها
وهو قائم، قال: " يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على
صلاته، فإذا انصرف قضاها " (4).
وفي رواية عمار عن الصادق عليه السلام في ناسي سجدة فذكرها بعد
ركوعه: يمضي، فإذا سلم سجد " قلت: فإنه لم يذكر الا بعد ذلك. قال:
" يقضي ما فاته إذا ذكره " (5).
الثانية: يجب السجود على الأعضاء السبعة، وهي: الجبهة، والكفان،
والركبتان، وإبهاما الرجلين، اجماعا منا - وان كان المرتضى يجتزئ عن الكفين
بمفصلهما عند الزندين (6) - لما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله بطريق ابن
عباس: " أمرت بالسجود على سبعة أعظم: اليدين، والركبتين، وأطراف

(1) التهذيب 2: 154 ح 606، الاستبصار 1: 359 ح 1363.
(2) التهذيب 2: 153 ح 602، الاستبصار 1: 359 ح 1361.
(3) التهذيب 2: 150 ح 588، الاستبصار 1: 357 ح 1350.
(4) الفقيه 1: 228 ح 1008، التهذيب 2: 152 ح 598، الاستبصار 1: 358 ح 1360.
(5) التهذيب 2: 153 ح 604، الاستبصار 1: 359 ح 1362.
(6) جمل العلم والعمل 3: 32.
387

القدمين، والجبهة " (1)، وما مر في خبر حماد، وفيه: " أنامل إبهامي الرجلين " (7)
فهو مشعر بتعينهما، والرواية عن النبي صلى الله عليه وآله مشعرة باطلاق
الأصابع.
وفي المبسوط: إن وضع بعض أصابع رجليه أجزأ (3).
وابن زهرة: يسجد على أطراف القدمين (4).
وأبو الصلاح: أطراف أصابع الرجلين (5).
وفي النهاية ذكر الابهامين هنا، وفي باب التحنيط الأصابع (6) وجمع
بينهما، قال في النكت: لما كانت المساجد لا تنفك أن يجامعها في السجود
غيرها مسح عليه وان لم يجب السجود عليه، وتسمى مساجد لاتفاق السجود
عليها لا لوجوبه (7).
والوجه تعين الابهامين. نعم، لو تعذر السجود عليهما، لعدمهما أو
قصرهما، أجزأ على بقية الأصابع.
ويجب الانحناء إلى ما يساوي موقفه، أو يزيد عليه بقدر لبنة موضوعة
على أكبر سطوحها، كما سلف.
وهل يجب كون الأسافل (8) أعلى من الأعالي؟ الظاهر لا، لقضية

(1) ترتيب مسند الشافعي 1: 91 ح 255، المصنف لعبد الرزاق 2: 180 ح 2972، صحيح
البخاري 1: 206، صحيح مسلم 1: 354 ح 490، سنن ابن ماجة 1: 286 ح 883، سنن
النسائي 2: 209، السنن الكبرى 2: 103.
(2) تقدم في ص 281 الهامش 1.
(3) المبسوط 1: 112.
(4) الغنية: 496.
(5) الكافي في الفقيه: 119.
(6) النهاية: 36، و 71.
(7) نكت النهاية: 604.
(8) في هامش م: اي دبره. وراجع في ذلك مفتاح الكرامة 2: 435.
388

الأصل، ولأن الارتفاع بقدر اللبنة يشعر بعدم وجوب هذا التنكس، نعم، هو
مستحب لما فيه من زيادة الخضوع، والتجافي المستحب.
ولو تعذر الانحناء، رفع ما يسجد عليه كما مر.
فروع:
مسمى السجود يتحقق بالاعتماد على هذه السبعة، ويرتفع بعدم وضع
الجبهة في الظاهر لا بعدم باقي الأعضاء، فلو نسي بعضها فهو ساجد، ولو
نسي الجبهة فليس بساجد، ولا ريب في البطلان بتعمد ترك أيها كان.
والواجب في كل منها مسماه كما سلف في باب المكان، والأقرب ان لا
ينقص في الجبهة عن درهم، لتصريح الخبر (1) وكثير من الأصحاب به (2)
فيحمل المطلق من الاخبار (3) وكلام الأصحاب على المقيد.
ويستحب الاستيعاب لها، لما فيه من المبالغة في الخضوع، ولا يقوم
غير الأعضاء مقامها، الا الجبهة يقوم مقامها أحد الجبينين، لأنه أقرب إليها من
الذقن، فان تعذرا فعلى الذقن. ولو أمكن ايصال الجبهة بحفرة وجب.
وقال في المبسوط: ان كان هناك دمل أو جراح، ولم يتمكن من السجود
عليه، سجد على أحد جانبيه، فإن لم يتمكن سجد على ذقنه. وان جعل لموضع
الدمل حفيرة يجعلها فيها كان جائزا (4)، وهو تصريح بعدم الوجوب، وقال في
النهاية نحو ذلك (5).

(1) الكافي 3: 333 ح 1.
(2) راجع: الفقيه 1: 205، المقنع: 26، الهداية: 39، السرائر: 47.
(3) راجع: التهذيب 2: 85 ح 313، 298 ح 1199 - 1201، الاستبصار 1: 326 ح 1221،
1222.
(4) المبسوط 1: 114.
(5) النهاية: 82.
389

وقال ابن حمزة: يسجد على أحد جانبيها، فإن لم يتمكن فالحفيرة، فإن لم
يتمكن فعلى ذقنة (1). وقال علي بن بابويه: يحفر حفيرة ذو الدمل، وان كان
بجبهته علة تمنعه من السجود سجد على قرنه الأيمن من جبهته، فان عجز
فعلى قرنه الأيسر من جبهته، فان عجز فعلى ظهر كفه، فان عجز فعلى ذقنه (2)،
وتبعه ولده - رحمه الله - (3).
والذي في رواية مصادف: انه خرج به دمل، فرآه الصادق عليه السلام
يسجد على جانب، فأمره بحفيرة ليقع سالم الجبهة على الأرض (4).
وعن الصادق عليه السلام - في رواية مرسلة - فيمن بجبهته علة لا يقدر
على السجود عليها، فقال: " يضع ذقنه على الأرض، لقوله تعالى: (يخرون
للأذقان سجدا) (5).
ولو تعذر ذلك كله أومأ، كما سلف.
الثالثة: يجب التسبيح فيه عينا على الأقوى، وصورته: سبحان ربي الأعلى
وبحمده، لما مر، والخلاف فيه كما في الركوع.
وتجب الطمأنينة بقدره الا مع الضرورة المانعة، وليست ركنا خلافا
للشيخ في الخلاف (6).
ويجب رفع الرأس من السجود الأول، والاعتدال جالسا، والطمأنينة في
الاعتدال، والعود إلى السجود كالأول. ودليل ذلك ما سبق في الركوع.

(1) لم نلاحظه في (الوسيلة) ولعله في كتابه الاخر (الواسطة).
(2) الفقيه 1: 174، المقنع: 26.
(3) الفقيه 1: 174، المقنع: 26.
(4) الكافي 3: 333 ح 5، التهذيب 2: 86 ح 317.
(5) الكافي 3: 334 ح 6، التهذيب 2: 86 ح 318.
والآية في سورة الإسراء: 107.
(6) الخلاف 1: 359 المسألة: 116.
390

وذهب الشيخ إلى ركنية الطمأنينة بين السجدتين (1)، ولعله في هذه
المواضع يريد بالركن مطلق الواجب، لأنه حصر الأركان بالمعنى المصطلح
عليه في الخمسة المشهورة (2).
الرابعة: يجب الهوي للسجود. فلو هوى لاخذ شئ، أو قتل حية أو
عقرب، لم يجز الا ان يعود إلى القيام والهوي. ولو صار بصورة الساجد والحالة
هذه، احتمل البطلان، لزيادة صورة السجود.
ولو قصد السجود، فسقط بغير اختياره، فالأقرب الاجزاء عملا بالقصد
السابق، ولا يجب تجديد النية لكل فعل.
ولو سقط على جنبه، استدرك السجود، والأقرب انه يقعد ثم يسجد.
ولو أمكن صيرورته ساجدا بانقلابه من غير قعود، فالأقرب اجزاؤه،
لصدق مسمى السجود مع إرادته السابقة.
ولو سجد، فعرض له ألم ألقاه على جنبه، فالأقرب الاجزاء إن حصلت
الطمأنينة، والا وجب التدارك إن قصر الزمان، وان طال بحيث يخرج عن اسم
المصلي بطلت صلاته.
الخامسة: يجب الاعتماد على مواضع الأعضاء بالقاء ثقلها عليها، فلو
تحامل عنها لم يجز، لعدم حصول تمام المراد من الخشوع، ولأن الطمأنينة لا
تحصل بهذا القدر، ولرواية علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام: " تجزئك
واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض " (3) يعني تسبيحة.
وروى علي بن جعفر عن أخيه في الرجل يسجد على الحصى ولا يمكن
جبهته من الأرض، قال: " يحرك جبهته حتى يتمكن، فينحي الحصى عن

(1) الخلاف 1: 360 المسألة: 117.
(2) المبسوط 1: 100.
(3) التهذيب 2: 76 ح 284، الاستبصار 1: 323 ح 1206.
391

جبهته ولا يرفع رأسه " (1).
ولو سجد على مثل القطن والصوف، وجب أن يعتمد عليه حتى تثبت
الأعضاء ويحصل مسمى الطمأنينة ان أمكن، والا لم يصل عليه مع امكان
غيره.
ولا تجب المبالغة في الاعتماد، بحيث يزيد على قدر ثقل الأعضاء. ولو
وضع الأعضاء السبعة على الأرض منبطحا، لم يجز - لعدم مسمى السجود -
الا لضرورة.
ويجب ان يلقى ببطن كفيه ما يسجد عليه، فلو لقي بظهريهما لم يجز،
الا مع الضرورة. ولو لقي بمفصل الكفين من عند الزندين، أجزأ عند
المرتضى (2) وابن الجنيد، لصدق السجود على اليدين. وأكثر الأصحاب على
وجوب ملاقاة الكفين بباطنهما (3) تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته.
ولا يجب الجمع بين الأصابع والكف وان كان مستحبا، بل يكفي أحدهما إذا صدق مسمى اليد.
وقال ابن الجنيد: يكره السجود على نفس قصاص الشعر دون الجبهة،
ويجزئ منها قدر الدرهم إذا كان بها علة. فظاهره الزيادة على ذلك مع
الاختيار والروايات تدفعه.
وأما سنن السجود:
فمنها: التكبير له قائما رافعا يديه - كما مر - والهوي بعد اكماله، لما

(1) قرب الإسناد: 93، التهذيب 2: 312 ح 1270.
(2) جمل العلم والعمل 3: 32.
(3) راجع: المقنع: 26، الغنية: 496، المعتبر: 26.
392

روي من فعل النبي صلى الله عليه وآله (1) وأمر به الباقر عليه السلام (2) ووصفه
حماد عن الصادق عليه السلام (3).
ولو كبر في هويه جاز وترك الأفضل. قيل: ولا يستحب مده ليطابق
الهوي، لما ورد: " ان التكبير جزم " (4).
وقال ابن أبي عقيل: يبدأ بالتكبير قائما، ويكون انقضاء التكبير مع
مستقرة ساجدا. وخير الشيخ في الخلاف بين هذا وبين التكبير قائما (5).
وفي الكافي للكليني باسناده إلى معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله عليه
السلام، قال: " كان علي بن الحسين عليه السلام إذا أهوى ساجدا انكب وهو
يكبر " (6).
ومنها: الهوي إليه بخشوع وخضوع، ثم يبتدئ بوضع يديه أولا قبل
ركبتيه، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من الامر به (7) وأمر الباقر عليه
السلام به (8).
ويجوز تقديم الركبتين، لقول الصادق عليه السلام: " لا بأس للرجل أن

(1) راجع في التكبير: صحيح البخاري 1: 199، صحيح مسلم 1: 293 ح 392، الموطأ 1:
76 ح 17، 19.
وفي رفع اليدين: صحيح البخاري 1: 187، صحيح مسلم 1: 292 ح 390، الموطأ 1:
75 ح 16.
(2) الكافي 3: 320 ح 3، التهذيب 2: 297 ح 1197.
(3) تقدم في ص 281 الهامش 1.
(4) تلخيص الحبير 3: 283.
(5) الخلاف 1: 353 المسألة: 107.
(6) الكافي 3: 336 ح 5.
(7) مسند أحمد 2: 381، سنن الدارمي 1: 303، سنن أبي داود 1: 222 ح 840، سنن النسائي
2: 207، سنن الدارقطني 1: 344، السنن الكبرى 2: 99.
(8) الكافي 3: 334 ح 1، التهذيب 2: 83 ح 308.
393

يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه " (1) ولا يدل على نفي استحباب البدأة
باليدين. ويستحب ان يكونا معا، وروي: " السبق باليمنى " (2) وهو اختيار
الجعفي.
ومنها: مساواة مساجده في العلو والهبوط، لقول الصادق عليه السلام:
" اني أحب ان أضع وجهي موضع قدمي " وكره رفع الجبهة عن الموقف (3). ولو
كان موضع الجبهة أخفض من القدم جاز، والأفضل التساوي.
قال ابن الجنيد: ولا يختار ان يكون موضع السجود الا مساويا لمقام
المصلي من غير رفع ولا هبوط، فإن كان بينهما قدر أربع أصابع مقبوضة جاز
ذلك مع الضرورة لا الاختيار. ولو كان علو مكان السجود كانحدار التل ومسيل
الماء، جاز ما لم يكن في ذلك تحرف وتدريج، وان تجاوز أربع أصابع
لضرورة. وظاهره ان الأرض المنحدرة كغيرها في اعتبار الضرورة.
وروي الكليني عن عبد الله بن سنان، عن الصادق عليه السلام في موضع
جبهة الساجد يكون أرفع من قيامه، قال: " لا، ولكن يكون مستويا " (4).
ومنها: ان يقول ما امر به الصادق عليه السلام أمام التسبيح: " اللهم لك
سجدت، وبك آمنت (5)، وعليك توكلت وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه
وشق سمعه وبصره، والحمد لله رب العالمين، تبارك الله أحسن الخالقين " (6)
وان قال: (خلقه وصوره) كان حسنا.
ومنها: الدعاء فيه للذين والدنيا، لقول النبي صلى الله عليه وآله: " واما

(1) التهذيب 2: 78 ح 294، الاستبصار 1: 326 ح 1218.
(2) قال في بحار الأنوار اجمالا 81: 193: هي رواية عمار، وكذا قال البحراني في الحدائق
الناضرة 8: 292، والعاملي في مفتاح الكرامة 2: 444.
(3) التهذيب 2: 85 ح 316.
(4) الكافي 3: 333 ح 4، التهذيب 2: 85 ح 315.
(5) في المصدرين زيادة: " ولك أسلمت ".
(6) الكافي 3: 321 ح 1، التهذيب 2: 79 ح 295.
394

السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن ان يستجاب لكم " (1). وقال الصادق عليه
السلام فيه: " ادع الله للدنيا والآخرة " (2).
ومنها: تكرار التسبيح - كما مر في الركوع - والايتار.
ومنها: التخوية في الهوي إليه، بان يسبق بيديه ثم يهوي بركبتيه، لرواية
حفص عن الصادق عليه السلام، قال: " كان علي عليه السلام إذا سجد
يتخوى كما يتخوى البعير الضامر " يعني: بروكه (3).
وقال ابن أبي عقيل: يكون أول ما يقع منه على الأرض يداه، ثم ركبتاه،
ثم جبهته، ثم أنفه والارغام به سنة.
والتجافي في السجود، ويسمى تخوية أيضا، لأنه القاء الخواء بين
الأعضاء، لان النبي صلى الله عليه وآله فرج يديه على جنبيه (4) وفرج بين
رجليه (5) وجنح بعضديه (6) ونهى عن افتراش الذراعين كما يفترش الكلب (7) ولما
سبق في حديث حماد (8)، وقول الباقر عليه السلام: " لا تفترش ذراعيك افتراش
السبع " (9).
ونقل الفاضل عن العامة كراهة ان يجمع ثيابه وشعره في سجوده، لنهي

(1) تقدم في ص 375 الهامش 7.
(2) الكافي 3: 323 ح 6، التهذيب 2: 299 ح 1207.
(3) الكافي 3: 321 ح 2، التهذيب 2: 79 ح 296.
(4) صحيح البخاري 1: 205، صحيح مسلم 1: 356 ح 495، السنن الكبرى 2: 114.
(5) السنن الكبرى 2: 115.
(6) سنن أبي داود 1: 237 ح 900، السنن الكبرى 2: 114.
(7) صحيح البخاري 1: 208، صحيح مسلم 1: 355 ح 493، سنن ابن ماجة 1: 288.
ح 892، سنن أبي داود 1: 236 ح 897، الجامع الصحيح 2: 65 ح 275، سنن النسائي 2:
211.
(8) تقدم في ص 281 الهامش 1.
(9) الكافي 3: 334 ح 1، التهذيب 2: 83 ح 308.
395

النبي صلى الله عليه وآله، معللا بأنها تركع بركوعه وتسجد بسجوده، ثم قال:
ولعل النهي لما فيه من الفعل الذي ليس من الصلاة (1).
قلت: قد روى مصادف عن الصادق عليه السلام: النهي عن عقص
الشعر في الصلاة (2). وروى الشيخ في التهذيب بطريق طلحة بن زيد عن
الصادق عليه السلام: " ان عليا عليه السلام كان يكره ان يصلي على قصاص
شعره حتى يرسله ارسالا " (3).
ومنها: استحباب التكبير للرفع من السجدة الأولى قاعدا معتدلا، ثم
التكبير للسجدة الثانية معتدلا أيضا، ثم التكبير لها بعد رفعه واعتداله، لما سبق
في خبر حماد (4).
وابن الجنيد: إذا أراد أن يدخل في فعل من فرائض الصلاة، ابتدأ
بالتكبير مع حال ابتدائه، وهو منتصب القامة لافظ به رافع يديه إلى نحو صدره.
وإذا أراد أن يخرج من ذلك الفعل، كان تكبيره بعد الخروج منه، وحصوله فيها
يليه من انتصاب ظهره في القيام وتمكنه من الجلوس. ويقرب منه كلام
المرتضى (5). وليس في هذا مخالفة للتكبير في الاعتدال، بل هو نص عليه.
وفي المعتبر أشار إلى مخالفة كلام المرتضى، لأنه لم يذكر في المصباح
الاعتدال، وضعفه برواية حماد (6).
ومنها: الارغام بالأنف بان يسجد على الانف مع الأعضاء السبعة، لما

(1) تذكرة الفقهاء 3: 195 المسألة 267، وراجع: المجموع 4: 98، مغني المحتاج 1: 201.
والمبسوط للسرخسي 1: 34، والمغني 1: 697 وغيرها من مصادر التذكرة.
(2) الكافي 3: 409 ح 5، التهذيب 2: 232 ح 914.
(3) التهذيب 2: 298 ح 1203.
(4) تقدم في ص 281 الهامش 1.
(5) حكاه عنه العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 122.
(6) المعتبر 2: 214.
ورواية حما تقدمت في ص 281 الهامش 1.
396

مر في خبر حماد (1)، ولقول الباقر عليه السلام: " قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: السجود على سبعة أعظم... ويرغم بالأنف ارغاما، والفرض السبعة،
والارغام سنة من النبي صلى الله عليه وآله " (2).
واما ما روي في التهذيب عن علي عليه السلام: " لا تجزئ صلاة لا
يصيب الانف ما يصيب الجبين " (3) محمول على نفي الاجزاء الكامل، وكذا ما
رواه العامة من قول النبي صلى الله عليه وآله: " لا صلاة لمن لم يصب أنفه من
الأرض ما يصيب الجبهة " (4) لقوله صلى الله عليه وآله: " أمرت أن اسجد على
سبعة أعظم " (5).
وتجزئ إصابة الأرض بما حصل من الانف.
واعتبر المرتضى - رحمه الله - إصابة الطرف الذي يلي الحاجبين (6).
وقال ابن الجنيد: يماس الأرض بطرف الانف وحدبته إذا أمكن ذلك
للرجل والمرأة.
وقال الصدوق - في المقنع والفقيه -: الارغام بالأنف سنة، ومن لم يرغم
بأنفه فلا صلاة له (7).
ومنها: الدعاء بين السجدتين بما مر في خبر حماد (8). وروي عن النبي

(1) تقدم في ص 281 الهامش 1.
(2) الخصال: 349، التهذيب 2: 299 ح 1204، الاستبصار 1: 327 ح 1224.
(3) التهذيب 2: 298 ح 1202، الاستبصار 1: 327 ح 1223.
(4) المغني 1: 592.
وفي المصنف لعبد الرزاق 2: 182 ح 2982، المصنف لابن أبي شيبة 1: 262، سنن
الدارقطني 1: 348، السنن الكبرى 2: 104، " الجبين " بدل " الجبهة ".
(5) تقدم في ص 388 الهامش 1.
(6) جمل العلم والعمل 3: 32.
(7) الفقيه 1: 205، الهداية: 32، ولم نلاحظه في المقنع.
(8) تقدم في ص 281 الهامش 1.
397

صلى الله عليه وآله انه كان يقول بينهما: " اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني،
وارزقني " (1).
وعن الصادق عليه السلام: " اللهم اغفر لي، وارحمني، واجبرني،
وعافني، اني لما أنزلت إلي من خير فقير، تبارك الله رب العالمين " (2). وأسقط
ابن الجنيد " تبارك ". إلى آخرها، وزاد: " سمعت وأطعت، غفرانك ربنا واليك
المصير ".
ومنها: التورك بين السجدتين، بان يجلس على وركه الأيسر، ويخرج
رجليه جميعا من تحته، ويجعل رجله اليسرى على الأرض، وظاهر قدمه اليمنى
على باطن قدمه اليسرى، ويفضي بمقعدته إلى الأرض، كما في خبر حماد (3).
وروى ابن مسعود التورك عن النبي صلى الله عليه وآله (4).
ولا يستحب عندنا الافتراش، وهو: ان يثني رجله اليسرى فيبسطها
ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته، ويجعل بطون
أصابعه على الأرض معتمدا عليها ليكون أطرافها إلى القبلة. ويظهر من خبر
زرارة عن الباقر عليه السلام كراهيته، حيث قال: " وإياك والقعود على قدميك
فتتأذى بذلك. ولا تكون قاعدا على الأرض، انما قعد بعضك على بعض " (5).
وقال ابن الجنيد - في الجلوس بين السجدتين -: يضع ألييه على بطن
قدميه، ولا يقعد على مقدم رجليه وأصابعهما، ولا يقعي اقعاء الكلب.
وقال - في تورك التشهد -: يلزق ألييه جميعا ووركه الأيسر وظاهر فخذه
الأيسر بالأرض، فلا يجزئه غير ذلك ولو كان في طين. ويجعل بطن ساقه

(1) سنن أبي داود 1: 224 ح 850، السنن الكبرى 2: 122، بزيادة: " واهدني ".
(2) الكافي 3: 321 ح 1، التهذيب 2: 79 ح 295.
(3) تقدم في ص 281 الهامش 1.
(4) المغني 1: 607، نيل الأوطار 2: 305.
(5) الكافي 3: 334 ح 1، التهذيب 2: 83 ح 308.
398

الأيمن على رجله اليسرى، وباطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر، ويلزق
حرف ابهام رجله اليمنى مما يلي حرفها الأيسر بالأرض وباقي أصابعها عاليا
عليها، (ولا يستقبل) (1) بركبتيه جميعا القبلة. ويقرب منه قول المرتضى (2).
ومنها: جلسة الاستراحة، لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام:
" إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية حين تريد أن تقوم، فاستو جالسا ثم قم " (3).
وروى الأصبغ: ان عليا عليه السلام كان إذا رفع رأسه من السجود قعد
حتى يطمئن ثم يقوم. فقيل له: كان أبو بكر وعمر إذا رفعا من السجود نهضا
على صدور أقدامهما كما تنهض الإبل. فقال: " انما يفعل ذلك أهل الجفاء
من الناس، ان هذا من توقير الصلاة " (4).
وصفة الجلوس فيها كالجلوس بين السجدتين.
وأوجبها المرتضى رحمه الله، لما روي من أن النبي صلى الله عليه وآله
كان يفعلها (5) ولصورة الامر في رواية أبي بصير.
ويدفعه ان النبي صلى الله عليه وآله كان يواظب على المستحب.
ويعارض بما رواه أبو هريرة: ان النبي صلى الله عليه وآله كان ينهض على
صدور قدميه (6) وبما رواه زرارة: انه رأى الباقر والصادق عليهما السلام إذا رفعا

(1) اختلف النقل عن ابن الجنيد في ذلك، ففي الحدائق الناضرة 8: 305 أثبتها كما في المتن،
وفي مفتاح الكرامة 2: 450، وجواهر الكلام 10: 180 نقلا العبارة عن الذكرى بلفظ
(يستقبل)، وكذا في المعتبر 2: 215 عندما حكى قول المرتضى.
(2) المعتبر 2: 215.
(3) التهذيب 2: 82 ح 303، الاستبصار 1: 328 ح 1229.
(4) التهذيب 2: 314 ح 1277.
(5) الانتصار: 46.
وروى فعل النبي صلى الله عليه وآله أبو داود في سننه 1: 223 ح 843، سنن النسائي 2:
234، السنن الكبرى 2: 123.
(6) الجامع الصحيح 2: 80 ح 288، السنن الكبرى 2: 124.
399

رؤوسهما من الثانية نهضا ولم يجلسا (1). وروي رحيم عن الرضا عليه السلام:
انه كان يجلس في الرفع من الركعة الأولى والثالثة، فقال له: أفنصنع كما
تصنع؟ فقال: " لا تنظروا إلى ما اصنع أنا، انظروا إلى ما تؤمرون " (2). وهو
صريح في عدم الوجوب.
وقال ابن أبي عقيل: إذا أراد النهوض الزم ألييه الأرض، ثم نهض معتمدا
على يديه.
وقال ابن الجنيد: إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى
والثالثة، حتى تماس ألياه الأرض أو اليسرى وحدها يسيرا ثم يقوم، جاز ذلك.
وقال علي بن بابويه: لا بأس ان لا يقعد في النافلة.
ويكره الاقعاء فيها، وفي الجلوس بين السجدتين على الأشهر، قال في
المعتبر: وبه قال معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم (3).
وروى العامة عن علي عليه السلام: " ان رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: لا تقع بين السجدتين " (4).
وعن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا رفعت رأسك من
السجود فلا تقع كما يقعي الكلب " (5).
وروينا عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام: " لا تقع بين

(1) التهذيب 2: 83 ح 305، الاستبصار 1: 328 ح 1231.
(2) التهذيب 2: 82 ح 304، الاستبصار 1: 328 ح 1230.
(3) المعتبر 2: 218.
قال العاملي في مفتاح الكرامة 2: 451 بعد حكاية هذا عن المعتبر ومنتهى المطلب: لعل
محمدا ومعاوية يذهبان إلى ما رويا. راجع: التهذيب 2: 83 ح 306، الاستبصار 1: 328
ح 1227.
(4) سنن ابن ماجة 1: 289 ح 894، الجامع الصحيح 2: 72 ح 282، السنن الكبرى 2: 120.
(5) سنن ابن ماجة 1: 289 ح 896.
400

السجدتين " (1).
وقال الصدوق - رحمه الله -: لا بأس بالاقعاء بين السجدتين، ولا بأس
به بين الأولى والثانية، وبين الثالثة والرابعة، ولا يجوز الاقعاء في التشهدين (2).
وتبعه ابن إدريس الا في التشهد، قال: وتركه أفضل، وفي التشهد آكد (3).
وفي المبسوط: الأفضل التورك بين السجدتين وبعد الثانية، وان أقعى
جاز (4)، لرواية عبيد الله الحلبي عن الصادق عليه السلام: " لا بأس بالاقعاء بين
السجدتين " (5).
قلنا: لا ينافي الكراهة، ونقل في الخلاف الاجماع على كراهته (6)، وفي
مرسلة حريز عن الباقر عليه السلام: " لا تكفر، ولا تلثم، ولا تحتفز، ولا تقع
على قدميك، ولا تفترش ذراعيك " (7).
وصورة الاقعاء: ان يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على
عقبيه، قاله في المعتبر، ونقل عن بعض أهل اللغة انه الجلوس على ألييه ناصبا
فخذيه مثل اقعاء الكلب، قال: والمعتمد الأول (8).
ومنها: الدعاء في جلسة الاستراحة بقوله: (بحول الله وقوته أقوم واقعد
واركع واسجد)، قاله في المعتبر (9).
والذي ذكره علي بن بابويه وولده، والجعفي وابن الجنيد، والمفيد،

(1) الكافي 3: 336 ح 3، التهذيب 2: 301 ح 1213، الاستبصار 1: 327 ح 1225.
(2) الفقيه 1: 206.
(3) السرائر: 74.
(4) المبسوط 1: 113.
(5) التهذيب 2: 301 ح 1212، الاستبصار 1: 327 ح 1226.
(6) الخلاف 1: 71 المسألة 65.
(7) الكافي 3: 336 ح 9، التهذيب 2: 84 ح 309.
(8) المعتبر 2: 218.
(9) المعتبر 2: 216، وليس فيه: (اركع واسجد).
401

وسلار، وأبو الصلاح، وابن حمزة، وهو ظاهر الشيخ رحمه الله، ان هذا القول
يقوله عند الاخذ في القيام (1) وهو الأصح، لرواية عبد الله بن سنان عن الصادق
عليه السلام: " إذا قمت من السجود قلت: اللهم بحولك وقوتك أقوم واقعد،
وان شئت قلت: وراكع واسجد " (2). وفي رواية محمد بن مسلم عنه: " إذا قام الرجل من السجود قال: بحول
الله وقوته أقوم واقعد " (3).
وعنه عنه: " إذا تشهدت ثم قمت فقل: بحول الله أقوم وأقعد " (4).
وعن رفاعة عنه عليه السلام: " كان علي إذا نهض من الأوليين قال:
بحولك وقوتك أقوم واقعد " (5).
ومنها: ضم أصابع يديه مبسوطتين، لما في خبر زرارة الطويل (6).
وقال ابن الجنيد: يفرق الابهام عنها، ويستقبل بأصابعها القبلة، وقال:
لو لم يجنح الرجل كان أحب إلي.
والشيخان واقفا على استقباله بالأصابع القبلة، ولم يصرحا بالتجنيح بل
قالا: يجافي مرفقيه عن جنبيه، ويقل بطنه ولا يلصقه بفخذيه، ولا يحط
صدره، ولا يرفع ظهره محدودبا، ويفرج بين فخذيه (7) وهذا الاخر قاله في

(1) الفقيه 1: 207، المقنعة: 16، المراسم: 71، الكافي في الفقه: 42، المبسوط 1:
111، النهاية: 72، وما عن ابن حمزة ليس في كتابه " الوسيلة " ولعله في " الواسطة ".
(2) التهذيب 2: 86 ح 320.
(3) التهذيب 2: 87 ح 321.
(4) الكافي 3: 338 ح 11، التهذيب 2: 88 ح 326، الاستبصار 1: 337 ح 1267.
(5) التهذيب 2: 88 ح 327، الاستبصار 1: 338 ح 1268.
(6) تقدم في ص 278 - 279 الهامش 1.
(7) المقنعة: 16، المبسوط 1: 112، النهاية: 71.
402

المبسوط (1) والتجنيح مذكور في رواية حماد (2).
ومنها: البدأة برفع الركبتين إذا قام من السجود قبل يديه، لما رووه عن
مالك بن الحويرث في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله، قال: لما رفع
رأسه استوى قاعدا ثم اعتمد بيديه على الأرض (3). وروينا عن محمد بن مسلم
عن الصادق عليه السلام: انه رآه يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد، وإذا أراد القيام
رفع ركبتيه قبل يديه (4) ولأنه أيسر من السبق برفع اليدين، فيكون مرادا لله
تعالى، لقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر) (5). ولأنه أشبه بالتواضع.
ومنها: جعل يديه بحذاء اذنيه، لما في خبر حماد (6).
ويكره نفخ موضع السجود، جمعا بين رواية محمد بن مسلم عن الصادق
عليه السلام وسأله عنه فقال: " لا " (7) وبين رواية إسحاق بن عمار عن رجل من
بني عجل عنه عليه السلام: " لا بأس " (8). ويمكن حمل النهي على نفخ يؤذي
غيره، لرواية أبي بكر الحضرمي عن الصادق عليه السلام، قال: " لا بأس
بالنفخ في الصلاة من موضع السجود ما لم يؤذ أحدا " (9).
ويجوز أن يمسح جبهته إذا لصق بها التراب، لرواية عبيد الله الحلبي:
ان الصادق عليه السلام قال: " كان أبو جعفر عليه السلام يمسح جبهته في

(1) المبسوط 1: 113.
(2) تقدمت في ص 281 الهامش 1.
(3) صحيح البخاري 1: 209، سنن أبي داود 1: 222 ح 842، الجامع الصحيح 2: 80
ح 288، سنن النسائي 2: 234، السنن الكبرى 2: 124.
(4) التهذيب 2: 78 ح 291.
(5) سورة البقرة: 185.
(6) تقدم في الهامش 2.
(7) الكافي 3: 334 ح 8، التهذيب 2: 302 ح 1222، الاستبصار 1: 329 ح 1235.
(8) الفقيه 1: 177 ح 838، التهذيب 2: 302 ح 1220، الاستبصار 1: 329 ح 1234.
(9) التهذيب 2: 329 ح 1351، الاستبصار 1: 330 ح 1236.
403

الصلاة إذا لصق بها التراب " (1) وفي الفقيه: يكره ذلك في الصلاة، ويكره ان
تركه بعدما صلى (2).
ومنها: استحباب زيادة التمكين في السجود، لتحصيل أثره الذي مدح
الله تعالى عليه بقوله: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) (3).
وروى السكوني عن الصادق عليه السلام، قال: " قال علي عليه
السلام: اني لأكره للرجل ان أرى جبهته جلحاء ليس فيها أثر السجود " (4).
وروى إسحاق بن الفضل عن الصادق عليه السلام: " ان رسول الله
صلى الله عليه وآله كان يحب ان يمكن جبهته من الأرض " (5).
ومنها: انه يستحب للمرأة، ان ترفع شعرها عن جبهتها - وان كان تصيب
الأرض بعضها - لزيادة التمكين، لرواية علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام
قال: سألته عن المرأة تطول قصتها، فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على
الأرض وبعض يعظيه الشعر، هل يجوز ذلك؟ قال: " لا، حتى تضع جبهتها
على الأرض " (6).
والظاهر أنه على الكراهة، لما روى زرارة عن الباقر عليه السلام: " ما
بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب، ما وضعت منه أجزأك " (7).
وابن الجنيد قال: لا يستحب للمرأة ان تطول قصتها، حتى يستر شعرها
بعض جبهتها عن الأرض، أو ما تسجد عليه.

(1) التهذيب 2: 301 ح 1216.
(2) الفقيه 1: 177.
(3) سورة الفتح: 29.
(4) التهذيب 2: 313 ح 1275.
(5) التهذيب 2: 311 ح 1213.
(6) قرب الإسناد: 100، التهذيب 2: 313 ح 1276.
(7) التهذيب 2: 85 ح 313.
404

ومنها: كشف باقي الأعضاء، قاله في المبسوط، واما الجبهة فكشفها
واجب. وقال - بعد الحكم بإجزاء بعض من كل عضو -: والكمال ان يضع
العضو بكماله (1).
ومنها: استحباب زيادة الجلوس بين السجدتين على القدر الواجب،
وسماه في المبسوط: جلسة الاستراحة، وكذا سمى الجلوس بعد الثانية (2).
ومنها: نظره في حال سجوده إلى طرف أنفه، قاله جماعة من
الأصحاب (3).
ومنها: ما تضمنته رواية زرارة - وذكر علي بن بابويه -: انه إذا رفع رأسه
من السجدة الأولى قبض يديه إليه قبضا، فإذا تمكن من الجلوس رفعهما
بالتكبير (4).
ومنها: انه إذا قام واعتمد على يديه، بسطهما ولا يعجن بهما، ذكره
الجعفي، ورواه الشيخ في التهذيب، والكليني في الكافي، عن الحلبي عن
الصادق عليه السلام: " إذا سجد الرجل ثم أراد أن ينهض، فلا يعجن بيديه في
الأرض، لكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض " (5).
ومنها: ان يكون نظره في جلوسه بين السجدتين إلى حجره، قاله
المفيد (6) وسلار (7). وأطلق ابن البراج ان الجالس ينظر إلى حجره (8).

(1) المبسوط 1: 112.
(2) المبسوط 1: 113.
(3) راجع: المقنعة: 16، الفقيه 1: 205، الهداية: 39، المبسوط 1: 101، السرائر: 47.
(4) تقدمت في ص 278 - 279 الهامش 1.
(5) الكافي 3: 336 ح 6، التهذيب 2: 303 ح 1223.
(6) المقنعة: 16.
(7) المراسم: 71.
(8) المهذب 1: 93.
405

الواجب السابع: التشهد.
وفيه مسائل:
الأولى: هو واجب في الثنائية مرة، وفيما عداها مرتين، باجماع علمائنا،
لفعل النبي صلى الله عليه وآله. وعن ابن مسعود: علمني رسول الله صلى الله
عليه وآله التشهد وسط الصلاة (1). وكان صلى الله عليه وآله يعلمهم التشهد آخر
الصلاة (2). وروى يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام: " التشهد في
كتاب علي شفع " (3).
ويجب الجلوس بقدره، تأسيا بفعله صلى الله عليه وآله.
وعبارته مروية في أحاديث كثيرة، منها: رواية محمد بن مسلم، عن
الصادق عليه السلام: " التشهد في الصلاة مرتان: إذا استويت جالسا فقل:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شربك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم
تنصرف ". قلت: قول العبد: التحيات لله والصلوات الطيبات. قال: " ذلك اللطف
يلطف العبد به ربه " (4).
وتجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فيه باجماعنا، وجعلها
الشيخ في الخلاف ركنا (5).
ورووا عن عائشة: انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " لا

(1) مسند أحمد 1: 459.
(2) مجمع الزوائد 2: 142.
(3) التهذيب 2: 102 ح 380.
(4) التهذيب 2: 101 ح 379، الاستبصار 1: 342 ح 1289.
(5) الخلاف 1: 369 المسألة: 128.
406

تقبل صلاة الا بطهور وبالصلاة علي " (1).
وروى كعب بن عجزة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول
في الصلاة: " اللهم صلى على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل
إبراهيم انك حميد مجيد " (2).
وعن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" من صلى صلاة، ولم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي، لم تقبل " (3).
وروى الشيخ عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام:
" التشهد في الركعتين الأوليين: الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل
محمد، وتقبل شفاعته (4) وارفع درجته " (5).
وروى البزنطي عن الرضا عليه السلام: انه يجزئ التشهد الذي في
الثانية في الرابعة (6).
ومن مضمرات سماعة في المصلي خلف غير العدل: " يجلس قدر ما
يقول: اشهد ان لا اله الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده

(1) سنن الدارقطني 1: 355.
(2) السنن الكبرى 2: 147.
راجع: سنن الدارمي 1: 309، صحيح مسلم 1: 305 ح 406، سنن ابن ماجة 1: 293.
ح 904، سنن أبي داود 1: 257 ح 976، الجامع الصحيح 2: 352 ح 483، سنن الدارقطني
1: 272.
(3) سنن الدارقطني 1: 355.
(4) في المصدر زيادة: " في أمته ".
(5) التهذيب 2: 92 ح 344.
(6) التهذيب 2: 101 ح 377، الاستبصار 1: 342 ح 1287.
407

ورسوله صلى الله عليه وآله " (1). وهذه الرواية عبارة المقنعة (2).
الثانية: يستحب التورك فيه، ورواه العامة عن النبي صلى الله عليه
وآله (3) وقد تقدم في خبري حماد وزرارة (4).
وصفته كما تقدم. وقال ابن أبي عقيل: ينصب طرف إبهامه اليمنى على
الأرض.
ويكره الاقعاء. وقال ابن بابويه والشيخ - في النهاية -: لا يجوز (5). وعلله
ابن بابويه بان المقعي ليس بجالس، انما يكون بعضه قد جلس على بعض،
فلا يصبر للدعاء والتشهد (6).
ويكون نظره حال التشهد إلى حجره، قاله الأصحاب (7).
ويضع يديه على فخذيه، مبسوطة الأصابع مضمومة عند علمائنا (8)، لما
رووه ورويناه من فعل النبي صلى الله عليه وآله (9) وتفرد ابن الجنيد بأنه يشير

(1) سقطت التحية من الحجرية ومن التهذيب المطبوع 3: 51 ح 177 والحجري 1: 292
وملاذ الأخيار 4: 750 والوسائل ط الاسلامية 5: 458 ب 56 صلاة الجماعة ح 2.
هذا وأما في النسخ الخطية والكافي 3: 380 ح 7، والوافي - أورده عن الكافي فقط -
8: 1249 ح 8173، وفي الحجري منه 2: 186، والوسائل ط مؤسستنا 8: 405
ح 11027، وترتيب التهذيب 1: 399 فهي مثبته.
وانظر: الذكرى: 411 من هذا الجزء، والحدائق الناضرة 8: 455.
(2) المقنعة: 16، 17، وليس في الموضعين: صلى الله عليه وآله وسلم.
(3) المغني 1: 607، وراجع نيل الأوطار 2: 305.
(4) تقدما في ص 278 - 281 الهامش 1.
(5) الفقيه 1: 206، النهاية: 72.
(6) الفقيه 1: 206.
(7) راجع: المقنعة: 17، المبسوط 1: 101، الوسيلة: 94.
(8) راجع الكافي 3: 311 ح 8، التهذيب 2: 81 ح 301، من فعل أبي عبد الله (ع)، وراجع:
صحيح مسلم 1: 408 ح 579، 508، سنن أبي داود 1: 257 ح 987، سنن الدارمي 1:
308.
(9) راجع: المبسوط 1: 115، المعتبر 2: 299.
408

بالسبابة في تعظيمه لله عز وجل، كما تقوله العامة (1).
ويسمع الامام من خلفه، ويسر المأموم - لما سلف - ويتخير المنفرد،
وقد مر.
الثالثة: أفضله ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " إذا
جلست في الركعة الثانية فقل: بسم الله وبالله، والحمد لله، وخير الأسماء لله،
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (وان) (2) محمدا عبده ورسوله، أرسله
بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، اشهد انك نعم الرب، وأن محمدا نعم
الرسول، اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع
درجته. ثم تحمد الله مرتين أو ثلاثا ثم تقوم
فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم الله وبالله، والحمد لله، وخير الأسماء
لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،
أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، اشهد انك نعم الرب وأن محمدا
نعم الرسول، التحيات لله، الصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات
الرائحات السابغات الناعمات لله، ما طاب وزكى وظهر وخلص - بفتح اللام -
وصفا فلله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، اشهد ان ربي نعم الرب،
وأن محمدا نعم الرسول واشهد ان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من
في القبور، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله الحمد
لله رب العالمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد (3) وترحم على محمد وآل محمد، كما

(1) المجموع 3: 452، 460، فتح العزيز 3: 497، المغني 1: 607، الشرح الكبير 1:
608.
(2) في المصدر: " واشهد ان ".
(3) في المصدر زيادة: " وبارك على محمد وآل محمد، وسلم على محمد وآل محمد ".
409

صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا
بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا انك رؤوف رحيم. اللهم
صل على محمد وآل محمد وامنن علي بالجنة، وعافني من النار.
اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر للمؤمنين والمؤمنات ولمن
دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات، ولا تزد الظالمين الا تبارا.
ثم قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على أنبياء
الله ورسله، السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقربين، السلام على
محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده، السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين " (1).
وأكثر الأصحاب افتتحوه بقولهم: بسم الله وبالله، والأسماء الحسنى
كلها لله (2).
الرابعة: روى حبيب الخثعمي عن أبي جعفر عليه السلام، أنه قال:
" إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه " (3).
وروى بكر بن حبيب عنه عليه السلام: " إذا حمدت الله أجزأك، لو كان
كما يقولون واجبا على الناس هلكوا، انما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون " (4).
وروى زرارة عنه عليه السلام: يجزئ في الركعتين الأوليين ان تقول:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ويجزئ في الأخيرتين الشهادتان (5).
والخبران الأولان ينفيان وجوب التشهد أصلا ورأسا، والخبر الأخير ينفي

(1) التهذيب 2: 99 ح 373.
(2) راجع: المقنعة: 17، المقنع: 29، النهاية: 83.
(3) التهذيب 2: 101 ح 376، الاستبصار 1: 341 ح 1286.
(4) الكافي 3: 337 ح 1، التهذيب 2: 101 ح 378، الاستبصار 1: 342 ح 1288.
(5) التهذيب 2: 100 ح 374، الاستبصار 1: 341 ح 1284.
410

وجوب الشهادة بالرسالة في التشهد الأول، ووجوب الصلاة عن النبي وآله في
التشهد الأخير. وروى سورة بن كليب عنه عليه السلام أدنى ما يجزئ من التشهد
الشهادتان (1)، وهذا أيضا ليس فيه ذكر الصلاة على النبي وآله.
وروى زرارة عنه عليه السلام في المحدث قبل التشهد، يتوضأ، ويأتي
به حيث كان (2) وروى زرارة عن الصادق عليه السلام كذلك، وقال " انما
التشهد سنة " (3).
وأجاب الشيخ بان الاخبار انما تنفى وجوب ما زاد على الشهادتين
ونقول به، وكذا قوله: " انما التشهد سنة " أي ما زاد على الواجب، والحديث
محمول على أنه لم يكمل التشهد لا انه لم يأت به (4).
قلت: ولو حملت على التقية كان أنسب، لأنه مذهب كثير من العامة -
كالشافعي، وأهل العراق، والأوزاعي ومالك - إذ يقولون بعدم وجوب التشهد
الأول (5)، وقال بعدم وجوب الثاني أيضا مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي (6)
ورووه عن علي عليه السلام (7) وسعيد بن المسيب والنخعي والزهري وقد أشار
الشيخ أيضا إلى ذلك (8).
والصدوق في المقنع اقتصر في التشهدين على الشهادتين ولم يذكر

(1) الكافي 3: 337 ح 3، التهذيب 2: 101 ح 375، الاستبصار 1: 341 ح 1285.
(2) الكافي 3: 347 ح 2، التهذيب 2: 318 ح 1301، الاستبصار 1: 343 ح 1291.
(3) الكافي 3: 346 ح 1، التهذيب 2: 318 ح 1300، الاستبصار 1: 342 ح 1290.
(4) التهذيب 2: 101، 318، الاستبصار 1: 242.
(5) راجع: المجموع 3: 450، فتح العزيز 3: 492، مغني المحتاج 1: 172.
(6) راجع المجموع 3: 462، فتح العزيز 3: 503، المغني 1: 613.
(7) المجموع 3: 462.
(8) التهذيب 2: 320.
411

الصلاة على النبي وآله، ثم قال: وأدنى ما يجزئ في التشهد ان يقول
الشهادتين، أو يقول: بسم الله وبالله، ثم يسلم (1).
ووالده في الرسالة لم يذكر الصلاة على النبي وآله في التشهد الأول.
والقولان شاذان لا يعدان، ويعارضهما اجماع الامامية على الوجوب.
واما الصلاة على النبي وآله فعلمت من دليل آخر، فلا ذكرها
هنا، فعن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: " من تمام الصوم
اعطاء الزكاة كما الصلاة على النبي وآله من تمام الصلاة، ومن صام ولم يؤدها
فلا صوم له إذا تركها متعمدا، ومن صلى ولم يصل على النبي صلى الله عليه
وآله وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له " (2).
على أن ابن الجنيد قال: تجزئ الشهادتان إذا لم تخل الصلاة من
الصلاة على محمد وآله في أحد التشهدين، مع أنه روي عن كعب بن عجرة
ان النبي صلى الله عليه وآله كان يقول ذلك (3)، وعن ابن مسعود عن النبي
صلى الله عليه وآله: " إذا تشهد أحدكم في صلاته، فليقل: اللهم صل على
محمد وآل محمد " (4).
فروع:
ظاهر الأصحاب وخلاصة الاخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقا، فعلى هذا
لا يضر ترك (وحده لا شريك له)، ولا لفظ (عبده) وفي رواية أبي بصير " وأن محمدا
" (5) بغير لفظ اشهد. نعم، لو بدل الألفاظ المخصوصة، بمرادفها من

(1) المقنع: 29.
(2) الفقيه 2: 119 ح 515، التهذيب 2: 159 ح 625، 4: 108 ح 314، الاستبصار 1: 343
ح 1292.
(3) تقدمت رواية كعب في ص 407 الهامش 2.
(4) المستدرك على الصحيحين 1: 269، السنن الكبرى 2: 379.
(5) تقدمت في ص 410 الهامش 1، وقد تقدم أيضا ان في المصدر: " واشهد ان ".
412

العربية أو غيرها من اللغات، لم يجز، نعم، تجزئ الترجمة لو ضاق الوقت عن
التعلم. والأقرب وجوب التحميد عند تعذر الترجمة، للروايتين السابقتين (1).
اما لو أضاف (الال) أو (الرسول) من غير لفظ (عبده) إلى المضمر، أو
أسقط (واو) العطف في الثاني، فظاهر الاخبار المنع، ويمكن استناد الجواز
إلى رواية حبيب (2) فإنها تدل بفحواها على ذلك، والأولى المنع.
وعبارة الصلاة في الأشهر: (اللهم صل على محمد وآل محمد). وسبق
في رواية سماعة " صلى الله عليه وآله " (3) فيمكن اختصاصه بحال
الضرورة كما تضمنت الرواية، ويمكن اجزاؤه، لحصول مسمى الصلاة.
ولا تحيات في التشهد الأول باجماع الأصحاب، غير أن أبا الصلاح قال
فيه: (بسم الله وبالله، والحمد لله، والأسماء الحسنى كلها لله، لله ما طاب وزكا
ونما وخلص، وما خبث فلغير الله) (4) وتبعه ابن زهرة (5).
ولو أتى بالتحيات في الأول معتقدا لشرعيتها مستحبا أثم، واحتمل
البطلان. ولو لم يعتقد استحبابها خلا عن إثم الاعتقاد، وفي البطلان وجهان
عندي. ولم أقف للأصحاب على هذا الفرع.
الخامسة: يجوز الدعاء في التشهد للدين والدنيا، لعموم الامر بالدعاء
لقوله تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) (6) ولما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال لابن مسعود: " ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه " (7)،

(1) تقدمتا في ص 410 الهامش 3 و 4.
(2) تقدمت في ص 410 الهامش 3.
(3) تقدمت في ص 408 الهامش 1.
(4) الكافي في الفقه: 123.
(5) الغنية: 497.
(6) سورة غافر: 60.
(7) صحيح البخاري 1: 212، سنن أبي داود 1: 254 ح 968، سنن النسائي 3: 51، السنن
الكبرى 2: 153.
413

وروى عنه صلى الله عليه وآله " فليتخير من الدعاء ما شاء " (1) وقد تقدم في رواية
أبي بصير (2) طرف منه.
ويستحب ان يقوم بالتكبير من التشهد الأول عند المفيد - رحمه الله - (3)،
ولا نعلم له مأخذا، والمشهور انه يقوم بقوله: (بحول الله وقوته أقوم واقعد)
لرواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام (4) ولا يحتاج إلى تكبير، وقد
تقدم في تكبير القنوت بيان ذلك.

(1) مسند أحمد 1: 427، صحيح مسلم 1: 302 ح 402، السنن الكبرى 2: 153.
(2) تقدمت في ص 410 الهامش 1.
(3) المقنعة: 16.
(4) الكافي 3: 338 ح 11، التهذيب 2: 88 ح 326، الاستبصار 1: 337 ح 1267.
414

الواجب الثامن: التسليم.
تجب صيغة (السلام عليكم) عند أكثر من أوجبه، وهم: ابن أبي
عقيل (1) والمرتضى (2) وأبو الصلاح (3) وابن زهرة (4).
قال ابن أبي عقيل: فإذا فرغ من التشهد، وأراد ان يسمل على مذهب آل
الرسول عليهم السلام، فإن كان إماما أو منفردا سلم تسليمة واحدة مستقبل
القبلة يقول: (السلام عليكم)، وان كان خلف إمام يقتدي بصلاته فتسليمتين:
تسليمة يرد على من على يمينه، والأخرى على من على يساره ان كان يساره
أحد. ومن ترك التسليم ساهيا فلا شئ عليه، ومن تركه متعمدا فصلاته باطلة
وعليه الإعادة.
وقال - في سياق التشهد -: اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر
لي ولوالدي، وارحمهما كما ربياني صغيرا، وامنن علي بالجنة طولا منك، وفك
رقبتي من النار، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على
محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده، السلام على محمد بن عبد الله
ورسول رب العالمين، وصل على جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، اللهم صل على
ملائكتك المقربين، السلام على أنبياء الله المرسلين وعلى أئمة المؤمنين أولهم
وآخرهم، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ومن لم يقل شيئا من هذا فان
الشهادتين تجزئه، ومن أتى به كان أفضل من تركه، ومن تركه لم تفسد عليه
صلاته، الا في الشهادتين ان تركهما ساهيا فلا شئ عليه، وان تركهما متعمدا

(1) المعتبر 2: 233.
(2) الناصريات: 231 المسألة 82.
(3) الكافي في الفقه: 119.
(4) الغنية: 496.
415

بطلت صلاته وعليه الإعادة.
فهذا تصريح منه بوجوب (السلام عليكم)، وبندب (السلام علينا)،
وبتقدمها على (السلام عليكم).
والمرتضى - رحمه الله - في الناصرية، لما قال الناصر: تكبيرة الافتتاح
من الصلاة والتسليم ليس منها، قال: لم أجد إلى هذه الغاية لأصحابنا نصا في
هاتين المسألتين، ويقوى في نفسي ان تكبير الافتتاح من الصلاة، وان التسليم
أيضا من جملة الصلاة وهو ركن من أركانها، وهو مذهب الشافعي ووجدت
بعض أصحابنا يقول في كتاب له: ان السلام سنة غير مفروض ومن تركه متعمدا
لا شئ عليه. وقال أبو حنيفة: تكبير الافتتاح ليس من الصلاة، والتسليم ليس
بواجب ولا هو من الصلاة، وإذا قعد عنده قدر التشهد خرج من الصلاة بالسلام
والكلام وغيرهما (1).
ثم استدل على الأول بما خلاصته: ان النية تقارن التكبير أو تتقدم عليه
فلا فصل، وذلك دليل انها من جملة الصلاة، ولأن استقبال القبلة والطهارة
شرط فيه فتكون من الصلاة.
لا يقال: انما شرط فيه الوضوء لان الصلاة عقبيه بلا فصل، فلو أوقع بغير
وضوء لدخل في أول جزء من الصلاة بغير وضوء.
لأنا نقول: نفرض رجلا مستقبلا وعلى يمينه حوض عال فتوضأ مادا
للتكبير، ففرغ من الوضوء وقد بقي منه حرف مع أن ذلك لا يجوز، فعلم أن
الوضوء شرط في التكبير نفسه (2).
قلت: (3) وأسهل في تصويره أن يتطهر حتى يبقى له مسح شئ من رجله

(1) الناصريات 231 المسألة 82.
وراجع قولي الشافعي وأبي حنيفة في: المجموع 3: 481، المغني 1: 623.
(2) الناصريات: 231 المسألة 82.
(3) " قلت " هذه واللتان بعدها من كلام المصنف.
416

اليسرى، ثم يكبر فيقع التكبير قبل كمال الوضوء ويصادف الكمال أول الصلاة.
لا يقال: قوله تعالى: (وذكر اسم ربه فصلى) عقب (الذكر) بالصلاة،
فلو كان التكبير منها لكان مصليا معه لا عقيبه.
لأنا نقول: لا نسلم ان المراد ب‍ (الذكر) التكبير، لم لا يكون ما يؤتى به
قبل الصلاة من الاذان أو التكبيرات الست التي يستحبها الأصحاب (1).
قلت: ولئن سلمنا ان المراد ب‍ (ذكر ربه) التكبير لا يلزم منه انتفاء
جزئيته، لجواز ان يكون المراد بقوله صلى أكمل الصلاة، فإنه كثيرا ما يعبر عن
الاكمال بأصل الفعل، أو يكون التعقيب بالفاء في الاخبار لا في الوقوع. وقال
المفسرون: المراد ذكر اسم ربه بقلبه، أو به وبلسانه، فقام إلى الصلاة، كقوله
تعالى: (وأقم الصلاة لذكري)، أو أراد تكبير يوم العيد فصلى صلاة العيد (2).
لا يقال: الاجماع على أنه ما لم يتم التكبير لا يدخل في الصلاة، فيكون
ابتداؤه وقع خارج الصلاة فكيف يصير بعد ذلك منها؟
لأنا نقول: إذا فرغ من التكبير تبين ان جميع التكبير من الصلاة، وله
نظائر:
منها: ان السلام ليس من الصلاة، ولو ابتدأ بالسلام فإنه لا يخرج بذلك
من الصلاة، فإذا فرغ منه تبين عندهم ان جميعه وقع خارج الصلاة.
ومنها: إذا قال بعتك هذا الثوب لم يكن ذلك بيعا، فإذا قال المشتري
قبلت صار الايجاب والقبول بمجموعهما بيعا (3).
قلت: ولمانع ان يمنع توقف الدخول في الصلاة على تمام التكبير، ولم

(1) الناصريات: 231 المسألة 82.
والآية في سورة الاعلى: 15.
(2) راجع: مجمع البيان 10: 476، أنوار التنزيل 2: 554.
والآية في سورة طه: 14.
(3) الناصريات: 231 المسألة 82.
417

لا يكون داخلا في الصلاة عقيب النية! للاجماع على وجوب مقارنة النية لأول
العبادة، وهذا الاجماع يصادم الاجماع المدعى. نعم، لو قيل ببسط النية على
التكبير توجه ما قاله المرتضى رضي الله عنه.
واما (1) الدلالة على وجوب السلام فهو ما روى عنه عليه السلام من قوله:
" مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم "، دل على أن غير
التسليم ليس بمحلل. وروى سهل بن سعد الساعدي: ان النبي صلى الله عليه
وآله كان يسلم في الصلاة عن يمينه وشماله، وقد قال صلى الله عليه وآله:
" صلوا كما رأيتموني أصلي ".
وأيضا فكل من قال التكبير من الصلاة ذهب إلى أن السلام واجب وانه
منها.
وأيضا روى عبد الله بن مسعود، قال: ما نسيت من الأشياء فلم انس
تسليم رسول الله صلى الله عليه وآله في الصلاة عن يمينه وشماله: " السلام
عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله " وروت عائشة: ان النبي
صلى الله عليه وآله كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه (2).

(1) الكلام هنا للسيد المرتضى - رحمه الله -.
(2) الناصريات: 231 المسألة 82.
والحديث الأول في: ترتيب مسند الشافعي 1: 70 ح 206، المصنف لعبد الرزاق 2: 72
ح 2539، مسند أحمد 1: 123، سنن الدارمي 1: 175، سنن ابن ماجة 1: 101 ح 275،
سنن أبي داود 1: 16 ح 61، الجامع الصحيح 1: 8 ح 3.
وراوية سهل في: مسند أحمد 5: 338.
وقوله صلى الله عليه وآله في: مسند أحمد 5: 53، سنن الدارمي 1: 286، صحيح
البخاري 1: 162، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 85 ح 1656، سنن الدارقطني
1: 273، السنن الكبرى 3: 120.
ورواية ابن مسعود في: المصنف لعبد الرزاق 2: 218 ح 3127، مسند أحمد 1: 390،
الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 223 ح 1991، سنن الدارقطني 1: 357، السنن
الكبرى 2: 177.
ورواية عائشة في: سنن ابن ماجة 1: 297 ح 919، الجامع الصحيح 2: 91 ح 296،
الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 224 ح 1992، سنن الدارقطني 1: 358، المستدرك
على الصحيحين 1: 230.
418

لا يقال: روى ابن مسعود انه عليه السلام علمه التشهد، ثم قال: " إذا
قلت هذا فقد قضيت صلاتك ". وروى أبو هريرة: ان النبي صلى الله عليه وآله
علم الأعرابي الصلاة ولم يذكر السلام (1).
فنقول: خبر ابن مسعود متروك الظاهر بالاجماع لأنه يقتضي تمام الصلاة
بالشهادة، وبالاجماع انه قد بقي عليه شئ وهو الخروج، لان الخروج عندهم
يقع بكل مناف للصلاة وقد قيل إن القائل: " إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك "
هو ابن مسعود لا النبي صلى الله عليه وآله، والأعرابي كان يحسن السلام، أو
كان ذلك قبل فرض السلام (2).
ويستدل على أصحابنا بأنه قد ثبت بلا خلاف وجوب الخروج من الصلاة
كما ثبت الدخول فيها، فإن لم يقف الخروج منها على السلام دون غيره جاز
أن يخرج بغيره من الافعال المنافية للصلاة كما يقول أبو حنيفة، وأصحابنا لا
يجيزون ذلك فثبت وجوب السلام (3).
فكلام السيد مصرح بركنيته، وان المعتبر (السلام عليكم). ولعله يريد
بالركن مرادف الواجب.

(1) الناصريات: 231 المسألة 82.
ورواية ابن مسعود في: سنن أبي داود 1: 255 ح 970، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان
3: 208 ح 1958، سنن الدارقطني 1: 353.
وحديث الأعرابي تقدم في ص 363 الهامش 3.
(2) الناصريات 1: 231 المسألة 82.
والقائل هو الدارقطني في سننه 1: 357.
(3) الناصريات 1: 231 المسألة 82.
419

وأبو الصلاح - رحمه الله - عد (السلام علينا) في المستحب و (السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، وجعل بعد (السلام علينا): (السلام على
محمد وآله المصطفين)، قال: ثم يسلم التسلم الواجب (1).
وعبارته هذه: والفرض الحادي عشر: (السلام عليكم ورحمة الله)
يعني: محمدا وآله صلوات الله عليهم والحفظة عليهم السلام، وان كان منفردا
فتسليمة واحدة تجاه القبلة ويشير بها ذات اليمين، وان كان إماما فواحدة تجاه
القبلة وعن اليمن، وان كان مأموما فواحدة ذات اليمين وأخرى ذات الشمال (2).
ونحوه قال ابن زهرة في الغنية (3). وأما سلار فعد من واجبات الصلاة التسليم، وذكر في موضع عبارته:
(السلام عليكم ورحمة الله) (4). وفي موضع: (السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين) وينحرف بعينه إلى يمينه وقد قضى صلاته. وذكر انه إذا قال:
(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) أومأ بوجهه إلى القبلة (5). وتبع في
هذا الايماء المفيد - رحمه الله - (6).
وصاحب الفاخر قال: أقل المجزئ من عمل الصلاة في الفريضة:
تكبيرة الافتتاح، وقراءة الفاتحة في الركعتين أو ثلاث تسبيحات، والركوع،
والسجود، وتكبيرة واحدة بين السجدتين، والشهادة في الجلسة الأولى، وفي
الأخيرة: الشهادتان، والصلاة على النبي وآله، والتسليم، والسلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته.

(1) الكافي في الفقه: 124.
(2) الكافي في الفقه: 119.
(3) الغنية: 496.
(4) في المصدر زيادة: (وبركاته).
(5) المراسم: 69، 73.
(6) المقنعة: 18.
420

وكلامه هذا يشتمل على أشياء لا تعد من المذهب. منها: التكبيرة الواحدة
بين السجدتين. ومنها: القصر على الشهادة في الجلسة الأولى. ومنها
وجوب
التسليم على النبي. واما البدل عن القراءة فيريد به مع الاضطرار، صرح بذلك في
غير هذا الموضع.
وقال في موضع آخر: من شهد الشهادتين واحدث أو أعجلته حاجة،
فانصرف قبل أن يسلم إمامه، أو قبل ان يسلم هو ان كان وحده، فقد تمت
صلاته.
ثم قال: يسلم إن كان إماما بواحدة تلقاء وجهه في القبلة (السلام
عليكم) يرفع بها صوته، وإذا كانوا صفوفا خلف امام سلم القوم على ايمانهم
وعلى شمائلهم، ومن كان في آخر الصف فعليه ان يسلم على يمينه فقط، ومن
كان وحده أجزأ عنه السلام الذي في آخر التشهد، ويزيد في آخره (السلام
عليكم) يميل أنفه عن يمينه قليلا.
وعنى بالذي في آخر التشهد قوله: السلام على رسول الله صلى الله عليه
وآله وعلى أهل بيته، السلام على نبي الله السلام على محمد بن عبد الله خاتم
النبيين ورسول رب العالمين، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،
السلام على الأئمة المهديين الراشدين، السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين.
فظاهره الخروج بقوله (السلام عليكم) وانه واجب، الا ان حكمه
بصحة صلاة المحدث قبله ينافيه، الا ان يكون مصيرا إلى مثل قول أبي
حنيفة.
وقال الراوندي - رحمه الله - في الرائع - ورام الجمع بين قولي من قال
بوجوب التسليم وندبه -: إذا قال (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله) ونحو
ذلك، فالتسليم الذي يخرج به من الصلاة حينئذ مسنون، وقام هذا التسليم
المندوب مقام قول المصلي إذا خرج من صلاته: (السلام عليكم ورحمة الله،
421

وان لم يكن ذكر ذلك في التشهد يكون التسليم فرضا. وسيأتي ان السلام على
النبي صلى الله عليه وآله لا يخرج من الصلاة، فلا يتم كلامه.
وأما مشايخنا الحليون - رحمهم الله -:
فقال ابن إدريس بندبه مصرحا بذلك (1).
وقال سبطه الشيخ يحيى بن سعيد في الجامع: والتسليم الواجب الذي
يخرج به من الصلاة (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (2). وقال في
موضع آخر: ينوي الخروج به من الصلاة (3). وظاهره حصر الواجب في هذه
الصيغة - ولا أعلم له موافقا - ووجوب نية الخروج، وسيأتي البحث فيها إن شاء الله
تعالى.
وقال الشيخ المحقق نجم الدين بن سعيد في المعتبر ما خلاصته مع
حسنه بأجمعه: لنا: على وجوبه مواظبة النبي صلى الله عليه وآله واقتصاره في
الخروج من الصلاة عليه، وذلك امتثال للامر المطلق فيكون بيانا. وكذا فعل
الصحابة والتابعين، ولم ينقل عن أحدهم الخروج من الصلاة بغيره. ولقوله
صلى الله عليه وآله: " تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم " حصر التحلل فيه
لوجهين:
أحدهما: انه مصدر مضاف إلى الصلاة، فيعم كل تحلل يضاف إليها.
وثانيهما: ان التسليم وقع خبرا عن التحليل، لان هذا من المواضع التي
يجب فيها تقدم المبتدأ على الخبر، وإذا كان خبرا وجب ان يكون مساويا
للمبتدأ أو أعم منه، فلو تحلل بغيره كان المبتدأ أعم من الخبر، ولأن الخبر إذا
كان مفردا كان هو المبتدأ، بمعنى تساويهما في الصدق لا المفهوم (4).

(1) السرائر: 48.
(2) الجامع للشرائع: 84.
(3) الجامع للشرائع: 77.
(4) المعتبر 2: 233.
وقوله صلى الله عليه وآله تقدم في ص 418 الهامش 2.
422

قال: ويلزم من الخروج بما ينافيها وقوع الحدث في الصلاة، لأنه قبله
اما ان يخرج من الصلاة أو لا، ويلزم من الأول الخروج بغير المنافي، ومن
الثاني وقوع الحدث في الصلاة بتقدير ان يحدث (1).
قال: واما الأصحاب، فظاهر كلام المفيد ان آخر الصلاة الصلاة على
النبي وآله عليهم السلام، فلو أحدث بعد ذلك لم تبطل. والشيخ في
المبسوط يوجب (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ويجعله آخر الصلاة،
ويشير بالاستحباب إلى قوله (السلام عليكم ورحمة الله) ومنهم من عين
(السلام عليكم ورحمة الله) للخروج وهو المرتضى وأبو الصلاح (2).
قال: والذي نراه نحن انه لا يخرج من الصلاة الا بأحد التسليمين، اما
(السلام عليكم) أو (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) وبأيهما بدأ كان
خارجا من الصلاة، لقوله صلى الله عليه وآله " وتحليلها التسليم " وهو صادق
عليهما. ويؤيد ذلك رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام: " إذا كنت إماما
فإنما التسليم ان تسلم على النبي عليه السلام، وتقول: السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثم تؤذن القوم وأنت
مستقبل القبلة فتقول: السلام عليكم " (3).
لا يقال: إن اعتبر مسمى التسليم خرج بالسلام على النبي.

(1) المعتبر 2: 233.
(2) المعتبر 2: 234.
وظاهر المفيد في المقنعة: 23.
وقول الشيخ في المبسوط 1: 116.
وقولي المرتضى وأبي الصلاح تقدما في ص 418 - 425.
(3) المعتبر 2: 224.
وقوله صلى الله عليه وآله تقدم في ص 418 الهامش 2.
ورواية أبي بصير في: التهذيب 2: 93 ح 349، الاستبصار 1: 347 ح 1307.
423

فنقول: هذا من جملة أذكار الصلاة جار مجرى الدعاء والثناء على الله
سبحانه، لرواية أبي كهمس عن الصادق عليه السلام وسأله عن (السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته) انصراف هو؟ قال: " لا، ولكن إذا قلت: (السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين) فهو انصراف ". وعن الحلبي عنه عليه السلام: " فان
قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد انصرفت من الصلاة " (1).
قال: واما انه لو قال (السلام عليكم ورحمة الله) خرج به فعليه علماء
الاسلام كافة لا يختلفون فيه، وانما الخلاف في تعينه للخروج.
لا يقال: ما ذكرتم من (السلام علينا) خروج عن الاجماع، لانحصاره
بين (السلام عليكم) وفعل المنافي.
قلنا: لا نسلم ذلك، والمنقول عن أهل البيت ما ذكرناه، وقد صرح
الشيخ بما ذكرناه في التهذيب، فإنه قال: عندنا من قال (السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين) فقد انقطعت صلاته، فان قال بعد ذلك (السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته) جاز، ولو لم يقل جاز أيضا.
لا يقال: احتججتم بفعل النبي صلى الله عليه وآله، ولم يخرج الا بقوله
" السلام عليكم ورحمة الله " فيجب الاقتصار عليه.
فنقول: دل على الجواز قوله صلى الله عليه وآله: " وتحليلها التسليم "،
وهو صادق على كل ما يسمى تسليما، عدا ما يقصد به الدعاء للنبي والأئمة
عليهم الصلاة والسلام. ثم يبطل قول من قال باستحباب التسليم بالنقل
والفتوى ببطلان صلاة المسافر إذا أتم، لأنه لو خرج بآخر التشهد لم تضر
الزيادة، وكذا من زاد في الصلاة سهوا أو عمدا (2).

(1) المعتبر 2: 224.
ورواية أبي كهمس في: الفقيه 1: 229 ح 1014، التهذيب 2: 316 ح 1292
ورواية الحلبي في: الكافي 3: 337 ح 6، التهذيب 316 ح 1293.
(2) المعتبر 2: 235.
وقول الشيخ في التهذيب 2: 129.
وفعله وقوله صلى الله عليه وآله تقدما في ص 498 الهامش 1.
424

قال: فان اقتصر على (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) فلا يجزئ
ترجمتها ولا نكسها، فتبطل صلاته لو تعمده، لأنه كلام في الصلاة غير
مشروع، وان بدأ ب‍ (السلام عليكم أجزأت. وقال أبو الصلاح: الفرض ان
يقول: (السلام عليكم ورحمة الله) (1).
وبما قلناه قال ابن بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد قال: يقول:
(السلام عليكم)، فان قال: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) كان حسنا (1).
لنا: ما روي أن عليا عليه السلام كان يسلم عن يمينه وشماله (السلام
عليكم، السلام عليكم). ومن طريق الخاصة ما رواه البزنطي عن عبد الله بن
أبي يعفور عن الصادق عليه السلام في تسليم الامام وهو مستقبل القبلة، قال:
" يقول: السلام عليكم ". وما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام: " فتقول
السلام عليكم " (2).
قال: والتحقيق انه ان بدأ ب‍ (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)
كان التسليم الاخر مستحبا فيأتي بأحسن ما قيل، وان بدأ ب‍ (السلام عليكم)
أجزأه هذا اللفظ وكان قوله (ورحمة الله وبركاته) مستحبا يأتي منه بما شاء. ولو
قال (سلام عليكم) ونوى به الخروج، فالأشبه الاجزاء، لصدق التسليم عليه،
ولأنها كلمة ورد القرآن بصورتها فتكون مجزئة. ولو نكس لم يجز، لأنه خلاف
المنقول، وخلاف تحية القرآن، ولأن النبي صلى الله عليه وآله قال لرجل: " لا

(1) المعتبر 2: 236.
وقول أبي الصلاح في الكافي في الفقه: 119.
وقول ابن بابويه في الفقيه 1: 210، المقنع: 29.
(2) المعتبر 2: 236.
وفعل علي عليه السلام في: المنصف لعبد الرزاق 2: 219 ح 3131، المصنف لابن أبي
شيبة 1: 302، السنن الكبرى 2: 178.
ورواية أبي بصير في: التهذيب 2: 93 ح 349، الاستبصار 1: 347 ح 1307.
425

تقل: عليك السلام " (1).
قلت: هذا الكلام مع متانته فيه مناقشات:
منها: المطالبة بصحة حديث " وتحليلها التسليم "، فانا لم نره مسندا في
أخبار الأصحاب وانما هو من طريق العامة.
فان قال: ذكره المرتضى والشيخ (2).
قلنا: المطالبة أيضا متوجهة إليهما.
واما مواظبة النبي صلى الله عليه وآله فهي أعم من الوجوب، والعام لا
يستلزم الخاص.
ومنها: ان المفيد - رحمه الله - مع ما نقل عنه المحقق وتصريحه بان
التسليم سنة - قال في المقنعة بعد التسليم المعهود (السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين): وينحرف بعينه إلى يمينه، فإذا فعل ذلك فقد فرغ من صلاته
وخرج منها بهذا السلام (3) ولما عد واجبات الصلاة جعل آخرها الصلاة على
النبي وآله (4)، وكان قد ذكر في سياق النوافل (السلام عليكم ورحمة الله) وقال:
فإذا سلم فقد خرج من الركعتين (5). وهذا الكلام ظاهره توقف الخروج على
التسليم وان كان سنة.
ومنها: نقله عن الشيخ في المبسوط الوجوب، فإنه منظور فيه، لان عبارة

(1) المعتبر 2: 236.
وقول النبي صلى الله عليه وآله في: المصنف لعبد الرزاق 10: 384 ح 19434، المصنف
لابن أبي شيبة 8: 429، سنن أبي داود 4: 353 ح 5209، الجامع الصحيح 5: 72
ح 2721.
(2) الناصريات: 232 المسألة 82، الخلاف 1: 75 المسألة 81.
(3) المقنعة: 18.
(4) المقنعة: 22.
(5) المقنعة: 17.
426

الشيخ هذه: والسادس: التسليم - فمن أصحابنا من جعله فرضا، ومنهم من
جعله نفلا. ثم قال: ومن قال من أصحابنا ان التسليم سنة يقول: إذا قال:
(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) فقد خرج من الصلاة، ولا يجوز التلفظ
بذلك في التشهد الأول. ومن قال إنه فرض فبتسليمة واحدة يخرج من الصلاة،
وينبغي ان ينوي بها ذلك، والثانية ينوي بها السلام على الملائكة أو على من
في يساره (1). وهذا تصريح منه بما نقلناه عن المفيد ان (السلام علينا) سنة ومخرج،
وهو ظاهر الروايات وظاهر كل من قال بندب التسليم.
ومنها: إلزامه بوجوب صيغة (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)
تخييرا، وهذا قول حدث في زمانه فيما أظنه أو قبله بيسير، لان بعض شراح
رسالة سلار أومأ إليه. واحتجاجه عليه بصدق اسم التسليم عليه محل النزاع.
ولأن راوي هذا الخبر - مسندا من العامة أو مرسلا من الخاصة - يزعم أن اللام
في التسليم للعهد وهو التسليم المعروف المخرج من الصلاة عندهم لا غيره.
ولأن عبارة التسليم قد صارت متعارفة بين الخاصة والعامة في (السلام عليكم)،
يعلم ذلك بتتبع الاخبار والتصانيف، حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبة
ثم يقال بعدها وبعد (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين): ثم يسلم، وهذا
تصريح منهم بان اسم التسليم الشرعي مختص بصيغة (السلام عليكم).
ومن القواطع في ذلك كلام الشيخ في الخلاف، وهذا لفظه: الأظهر من
مذهب أصحابنا ان التسليم في الصلاة مسنون وليس بركن ولا واجب، ومنهم
من قال هو واجب. دليلنا على المذهب الأول: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال: " إذا كنت إماما فإنما التسليم ان تسلم على النبي عليه
السلام وتقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد
انقطعت الصلاة، ثم تؤذن القوم وأنت مستقبل القبلة: السلام عليكم ". ومن

(1) المبسوط 1: 115، 116.
427

نصر الأخير استدل بما رواه أمير المؤمنين عليه السلام: " ان النبي صلى الله
عليه وآله قال: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم " (1).
وهذا تصريح بان التسليم الذي هو خبر التحليل هو (السلام عليكم)،
وتصريح بان (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) يقطع الصلاة، وظاهر انه
ليس بواجب ولا يسمي تسليما. وقد صرح بذلك في كتبه كلها، فإنه يذكر صيغة
(السلام علينا) في سياق التسليم المندوب والخروج بها من الصلاة، ثم يحكم
بعد ذلك بأن الواجب الشهادتان لا غير (2)، وكذا غيره ممن تبعه (3).
ومنه يظهر الجواب عن نقله ما في التهذيب، فان الشيخ قائل بأنه قاطع
مع أنه مستحب.
وبالجملة ان هنا مقدمتين:
إحداهما: ان (السلام علينا) يقطع الصلاة، وهذه دل عليها الاخبار
وكلام الأصحاب.
والثانية: انه واجب على هذا التقدير، وهذا لم يذهب إليه أحد من
القدماء، فكيف نجعل قولهم دليلا على وجوبه!
لا يقال: لا ريب في وجوب الخروج من الصلاة، وإذا كان هذا مخرجا
منها كان واجبا في الجملة، فيكون الحق ما ذهب إليه القائل بوجوبه ولا يبالي
بقول القدماء بندبه، لأنهم ليسوا جميع الامامية حتى يتعين المصير إليهم.
لأنا نقول: قد دلت الأخبار الصحيحة على أن الحدث قبله لا يبطل
الصلاة، منها: خبر زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: سألته عن رجل يصلي

(1) الخلاف 1: 376 المسألة: 134.
ورواية أبي بصير في التهذيب 2: 93 ح 349، الاستبصار 1: 347 ح 1307.
ورواية الإمام علي عليه السلام تقدمت في ص 418 الهامش 2.
(2) المبسوط 1: 116، النهاية: 84، الجمل والعقود: 181.
(3) راجع: المهذب 1: 97، السرائر: 44.
428

ثم يجلس فيحدث قبل ان يسلم، قال: " تمت صلاته " (1). وبهذا الحديث
احتج في الاستبصار والتهذيب على أن التسليم ليس بفرض (2).
ومنها: خبر زرارة أيضا عنه، قال: سألته عن رجل صلى خمسا، فقال:
" ان كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته " (3).
وإذا كان كذلك امتنع كون (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) جزءا
واجبا من الصلاة.
لا يقال: ما المانع من أن يكون الحدث مخرجا كما أن التسليم مخرج،
ولا ينافي ذلك وجوبه تخييرا؟
لأنا نقول: لم يصر إلى هذا أحد من الأصحاب، بل ولا من المسلمين
غير أبي حنيفة، فيمتنع القول به، لاستلزامه الخروج عن اجماع الامامية.
وهنا سؤال وهو: ان القائلين باستحباب الصيغتين يذهبون إلى أن آخر
الصلاة الصلاة على النبي وآله، كما صرح به الشيخ في الاستبصار (4) وهو ظاهر
الباقين، وبه خبر صحيح رواه زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام،
قال: " إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، وان كان مستعجلا في أمر يخاف
أن يفوته فسلم وانصرف أجزأ " (5) فما معنى انقطاع الصلاة بصيغة (السلام علينا)
إلى آخرها؟ وقد انقطعت بانتهائها فلا تحتاج إلى قاطع، وقد دلت الاخبار على أن
(السلام علينا) قاطع كما مر.
ويزيد عليه ما رواه في التهذيب عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام،
قال: " إذا نسي الرجل ان يسلم، فإذا ولى وجهه عن القبلة وقال: السلام علينا

(1) التهذيب 2: 320 ح 1306، الاستبصار 1: 345 ح 1301.
(2) المصدر السابق.
(3) التهذيب 2: 194 ح 766، الاستبصار 1: 377 ح 1431.
(4) الاستبصار 1: 346.
(5) التهذيب 2: 317 ح 1298، عن الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم.
429

وعلى عباد الله الصالحين، فقد فرغ من صلاته " (1).
وبهذا الخبر استدل في التهذيب على قول الشيخ المفيد - رحمه الله -:
والسلام في الصلاة سنة، وليس بفرض يفسد تركه الصلاة (2). وفيه تصريح بان
السلام المتنازع فيه هو (السلام عليكم)، وبان الفراغ من الصلاة موقوف عليه،
فقبلها يكون في الصلاة.
واستدل أيضا في التهذيب برواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: " إذا نسي ان يسلم خلف الامام أجزأه تسليم الامام " (3).
وروي الشيخ باسناده إلى ميسر عن أبي جعفر عليه السلام، قال:
" شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم: قول الرجل: تبارك اسمك وتعالى جدك ولا
اله غيرك، وانما هو شئ قاله الجن بجهالة فحكى الله عنهم. وقول الرجل:
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " (4). وهذا يدل أيضا على أن الصلاة
موصوفة بالصحة قبل هذه الصيغة.
ولا جواب (5) عنه الا بالتزام ان المصلي قبل هذه الصيغة يكون في
مستحبات الصلاة وان كانت الواجبات قد مضت، وبعد هذه الصيغة لا يبقى
للصلاة أثر ويبقى ما بعدها تعقيبا لا صلاة. وقد اشعر به رواية الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال: " كل ما ذكرت الله والنبي فهو من الصلاة، فإذا
قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد انصرفت " (6).
وبهذا يظهر عدم المنافاة بين القول بندبيته وانه مخرج من الصلاة، الا انه

(1) التهذيب 2: 159 ح 626.
(2) التهذيب 2: 159، ولاحظ: المقنعة: 23.
(3) التهذيب 2: 160 ح 627.
(4) الخصال: 50، التهذيب 2: 316 ح 1290.
(5) الجواب عن السؤال المار الذكر.
(6) الكافي 3: 337 ح 6، التهذيب 2: 316 ح 1293.
430

يلزم منه بقاؤه في الصلاة بدون الصيغتين وان طال، ولا استبعاد فيه حتى يخرج
عن كونه مصليا أو يأتي بمناف.
فان قلت: البقاء في الصلاة يلزمه تحريم ما يجب تركه، ووجوب ما
يجب فعله، والأمران منفيان هنا، فينتفي ملزومهما وهو البقاء في الصلاة.
قلت: لا نسلم انحصار البقاء فيها في هذين اللازمين على الاطلاق،
انما ذلك قبل فراغ الواجبات، اما مع فراغها فينتفي هذان اللازمان وتبقى باقي
اللوازم من المحافظة على الشروط وثواب المصلي واستجابة الدعاء.
وقال صاحب البشرى السيد جمال الدين بن طاوس رحمه الله - وهو
مضطلع بعلم الحديث وطرقه ورجاله -: لا مانع ان يكون الخروج ب‍ (السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين)، وان يجب (السلام عليكم ورحمة الله
وبركات) بعده، للحديث الذي رواه ابن أذينة عن الصادق عليه السلام في
وصف صلاة النبي صلى الله عليه وآله في السماء: انه لما صلى امر أن يقول
للملائكة: " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " (1) الا ان يقال: هذا في الامام
دون غيره.
قال: ومما يؤكد وجوبه رواية زرارة ومحمد بن مسلم، وأورد التي ذكرناها
آنفا (2). قال: وحديث حماد الطويل (3). وروى ابن بابويه في عيون أخبار الرضا
عليه السلام: انما جعل التسليم تحليلا ولم يجعل تكبيرا وتسبيحا، لان
الدخول في الصلاة يحرم الكلام فيكون التحليل في الكلام (4) ولأن الخروج
من الصلاة واجب اما لصلاة واجبة أو لغيرها، ولما كان التسليم وسيلة إلى
الواجب كان واجبا.

(1) الكافي 3: 482 ح 1، علل الشرائع: 312.
(2) تقدمت في ص 429 الهامش 5.
(3) تقدم في ص 418 - 281 الهامش 1.
(4) عيون أخبار الرضا 2: 108، علل الشرائع: 262.
431

ثم قال - رحمه الله -: وبعد هذا فالذي يظهر لي ان القول بالندبية وجه.
أقول - وبالله التوفيق -: هذه المسألة من مهمات الصلاة، وقد طال عبارة
الكلام فيها، ولزم منه أمور ستة.
أحدها: القول بندبية التسليم بمعنييه، كما هو مذهب أكثر القدماء
وينافيه تواتر النقل عن النبي وأهل بيته بقولهم (السلام عليكم) من غير
بيان ندبيته، مع أنه امتثال للامر بالواجب، وقد روى الشيخ باسناده إلى أبي
بصير - بطريق موثق - قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في رجل صلى
الصبح فلما جلس في الركعتين قبل ان يستشهد رعف، قال: " فليخرج فليغسل
أنفه ثم ليرجع فليتم صلاته، فان آخر الصلاة التسليم " (1). ومثله كثير، وحمله
الشيخ على الأفضل (2)، حتى أن قول سلف الأمة (السلام عليكم) عقيب
الصلاة داخل في ضروريات الدين، وانما الشأن في الندبية أو الوجوب.
الثاني: وجوبه بمعنييه، اما (السلام عليكم) فلاجماع الأمة، واما
الصيغة الأخرى فلما مر من الاخبار التي لم ينكرها أحد من الامامية مع كثرتها،
لكنه لم يقل به أحد فيما علمته.
الثالث: وجوب (السلام علينا) عينا، وقد تقدم القائل به (3) وفيه خروج
عن الاجماع من حيث لا يشعر قائله.
الرابع: وجوب (السلام عليكم) عينا، لاجماع الأمة على فعله. وينافيه
ما دل على انقطاع الصلاة بالصيغة الأخرى مما لا سبيل إلى رده، فكيف يجب
بعد الخروج من الصلاة!
الخامس: وجوب الصيغتين تخييرا، جمعا بين ما دل عليه اجماع الأمة
واخبار الامامية، وهو قوي متين الا انه لا قائل به من القدماء، وكيف يخفى

(1) التهذيب 2: 320 ح 1307، الاستبصار 1: 345 ح 1302.
(2) راجع الهامش السابق.
(3) تقدم في ص 422 الهامش 2.
432

عليهم مثله لو كان حقا!
السادس: وجوب (السلام عليكم) أو المنافي تخييرا، وهو قول شنيع،
وأشنع منه وجوب إحدى الصيغتين أو المنافي.
وبعد هذا كله، فالاحتياط للدين الاتيان بالصيغتين جمعا بين القولين، وليس
ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه، بادئا ب‍ (السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين) لا بالعكس، فإنه لم يأت به خبر منقول ولا مصنف مشهور سوى ما
في بعض كتب المحقق - رحمه الله - (1). ويعتقد ندب (السلام علينا) ووجوب
الصيغة الأخرى، وان أبي المصلي الا إحدى الصيغتين ف‍ (السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته) مخرجة بالاجماع.
وهنا مسائل:
الأولى: المصلي حال التسليم اما منفرد، أو إمام، أو مؤتم.
فالمنفرد يسلم واحدة بصيغة (السلام عليكم) وهو مستقبل القبلة، ويومئ
بمؤخر عينه عن يمينه، لرواية عبد الحميد بن عواض عن الصادق عليه السلام:
" وان كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة " (2). وروى البزنطي باسناده إلى
الصادق عليه السلام: " إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك " (3) والامام كذلك الا انه يومئ بصفحة وجهه، لرواية عبد الحميد: " ان كنت
إماما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك " (4). ويدل على أنه يكون مستقبل القبلة
رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام: " ثم تؤذن القوم وأنت مستقبل القبلة:
السلام عليكم " (5) ذكره في سياق الامام. وروى العامة عن عائشة: ان النبي

(1) شرائع الاسلام 1: 89.
(2) التهذيب 2: 92 ح 345، الاستبصار 1: 346 ح 1303.
(3) المعتبر 2: 237 عن جامع البزنطي.
(4) راجع الهامش 2.
(5) التهذيب 2: 93 ح 349، الاستبصار 1: 347 ح 1307.
433

صلى الله عليه وآله كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه (1).
وقال ابن الجنيد: ان كان الامام في صف سلم عن جانبيه، وروي علي
ابن جعفر: انه رأي اخوته موسى وإسحاق ومحمدا يسلمون عن الجانبين
(السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) (2). ويبعد ان تختص
الرؤية بهم مأمومين لا غير بل الظاهر الاطلاق، وخصوصا وفيهم الإمام عليه السلام
، ففيه دلالة على استحباب التسليمتين للامام والمنفرد أيضا، غير أن
الأشهر الواحدة فيهما.
اما المأموم، فإن كان على يساره غيره سلم مرتين بصيغة (السلام عليكم)
أيضا عن جانبيه يمينا وشمالا، لما في رواية عبد الحميد: " وان كنت مع امام
فبتسليمتين " (3) وان لم يكن على يساره أحد فواحدة، لما في هذه الرواية: " وان
لم يكن على يسارك أحد فسلم واحدة " (4).
وجعل ابنا بابويه الحائط عن يساره كافيا في التسليمتين للمأموم (5)، فلا
بأس باتباعهما لأنهما جليلان لا يقولان الا عن ثبت.
وفي رواية معمر بن يحيى عن الباقر عليه السلام: " تسليمة واحدة إماما
كان أو غيره " (6)، وهي محمولة على الواجب، أو على أن المأموم ليس على
يساره أحد، كما قاله الشيخ في التهذيب (7).

(1) تقدم في ص 418 الهامش 2.
(2) التهذيب 2: 317 ح 1297.
(3) التهذيب 2: 92 ح 345، الاستبصار 1: 346 ح 1303.
(4) هذا المقطع من الرواية ليس في رواية عبد الحميد ولا في الروايات التي سبقتها، وانما هو في
رواية منصور، والتي تأتي في تسلسل روايات التهذيب والاستبصار بعد رواية عبد الحميد
مباشرة، فلاحظ.
(5) الفقيه 1: 210، المقنع 29.
(6) التهذيب 2: 93 ح 348، الاستبصار 1: 346 ح 1306.
(7) التهذيب 2: 93.
434

الثانية: يستحب ان يقصد الامام على الأنبياء والأئمة والحفظة
والمأمومين، للذكر أولئك وحضور هؤلاء، والصيغة صيغة خطاب.
والمأموم يقصد بأولى التسليمتين الرد على الامام، فيحتمل ان يكون
على سبيل الوجوب، لعموم قوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها
أو ردوها) (1). ويحتمل ان يكون على سبيل الاستحباب، لأنه لا يقصد به
التحية وانما الغرض بها الايذان بالانصراف من الصلاة، كما مر في خبر أبي
بصير (2) وجاء في خبر عمار بن موسى، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن التسليم ما هو؟ فقال: " هو اذن " (3). والوجهان ينسحبان في رد المأموم على
مأموم آخر، وروى العامة عن سمرة قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله ان
نسلم على أنفسنا، وان يسلم بعضنا على بعض (4).
وعلى القول بوجوب الرد يكفي في القيام به واحد، فيستحب للباقين.
وإذا اقترن تسليم المأموم والامام أجزأ ولا رد هنا، وكذلك إذا اقترن تسليم
والمأمومين، لتكافؤهم في التحية.
ويقصد المأموم بالثانية الأنبياء والأئمة والحفظة والمأمومين.
واما المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك. ولو أضاف الجميع إلى ذلك، قصد
الملائكة أجمعين ومن على الجانبين من مسلمي الجن والإنس، كان حسنا.
وقال ابن بابويه: يرد المأموم على الامام بواحدة، ثم يسلم عن جانبيه
تسليمتين (5). وكأنه يرى أن التسليمتين ليستا للرد بل هما عبادة محضة متعلقة
بالصلاة، ولما كان الرد واجبا في غير الصلاة لم يكف عنه تسليم الصلاة وانما

(1) سورة النساء: 86.
(2) تقدم في ص 433 الهامش 5.
(3) التهذيب 2: 317 ح 1296.
(4) سنن أبي داود: 263 ح 1001، سنن الدارقطني 1: 360 ح 2.
(5) الفقيه 1: 210، المقنع: 29.
435

قدم الرد، لأنه واجب مضيق إذ هو حق لادمي.
والأصحاب يقولون: ان التسليمة تؤدي وظيفتي الرد والتعبد به في
الصلاة، كما سبق في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه من الركوع
بالتحميد عن العطسة وعن وظيفة الصلاة. وهذا يتم حسنا على القول
باستحباب التسليم، واما على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب ان الأولى من
المأموم للرد على الامام، والثانية للاخراج من الصلاة، ولهذا احتاج إلى
تسليمتين.
ويمكن ان يقال ليس استحباب التسليمتين في حقه لكون الأولى ردا
والثانية مخرجة، لأنه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه
وكانت محصلة للرد والخروج من الصلاة، وانما شرعية الثانية ليعم السلام من
على الجانبين لأنه بصيغة الخطاب، فإذا وجهه إلى أحد الجانبين اختص به
وبقي الجانب الآخر بغير تسليم، ولما كان الامام غالبا ليس على جانبيه أحد
اختص بالواحدة، وكذلك المنفرد، ولهذا حكم ابن الجنيد بما تقدم من تسليم
الامام إذا كان في صف عن جانبيه.
فرع:
لا ايماء إلى القبلة بشئ من صيغتي التسليم المخرج من الصلاة بالرأس
ولا بغيره اجماعا. وانما المنفرد والامام يسلمان تجاه القبلة بغير ايماء. واما
المأموم فالظاهر أنه يبتدأ به مستقبل القبلة، ثم يكمله بالايماء إلى الجانب
الأيمن أو الأيسر. وفيه دلالة ما على استحباب التسليم، أو على أن التسليم وان
وجب لا يعد جزءا من الصلاة إذ يكره الالتفات في الصلاة عن الجانبين، ويحرم
ان استلزم استدبارا. ويمكن ان يقال: التسليم وان كان جزءا من الصلاة الا انه
خرج من حكم استقبال القبلة بدليل من خارج
ويستحب عند ذكر النبي بالتسليم عليه الايماء إلى القبلة بالرأس، قاله
436

المفيد وسلار (1) - كما مر - وهو حسن في البلاد التي يكون قبره صلى الله عليه وآله
في قبلة المصلي.
الثالثة: الجالس للتسليم كهيئة المتشهد في جميع ما تقدم من هيئات
الجلوس للتشهد الواجبة والمستحبة والمكروهة - كالاقعاء - لدلالة فحوى
الكلام عليه، ولأنه مأمور بتلك الهيئة حتى يفرغ من الصلاة فيدخل فيها
التسليم.
وتجب الطمأنينة بقدره، والآتيان بصيغته مراعيا فيها الألفاظ المخصوصة
باللفظ العربي والترتيب الشرعي، لأنه المتلقى عن صاحب الشرع صلى الله
عليه وآله. ولو جهل العربية، وجب عليه التعلم، ومع ضيق الوقت تجزئ
الترجمة كباقي الأذكار غير القراءة، ثم يجب التعلم لما يستقبل من الصلاة.
الرابعة: يستحب قبل التسليم ما ذكره جميع الأصحاب وعدوه من
المستحب، ورواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، انه إذا فرغ من
التشهد الأخير - كما مر في روايته - من الواجب والمستحب يقول بعد قوله:
(ولا تزد الظالمين الا تبارا): " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،
السلام على أنبياء الله ورسله، السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة
المقربين، السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده، السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين " (2).
قال أكثر القدماء: ثم يسلم (3) وهو تصريح بان التسليم اسم لقولنا
(السلام عليكم).
وروى العامة عن علي عليه السلام، قال: " كان النبي صلى الله عليه وآله

(1) المقنعة: 18، المراسم: 73.
(2) تقدم في ص 410 الهامش 1.
والآية في سورة نوح: 28.
(3) راجع: جمل العلم والعمل 3: 34، الكافي في الفقه: 124.
437

يصلي قبل الظهر ". إلى قوله: " يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة
المقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين " (1).
الخامسة: هل يجب في التسليم نية الخروج على تقدير القول بوجوبه؟
قال في المبسوط: ينبغي ان ينوي بها ذلك (2) وليس بصريح في
الوجوب.
ووجه الوجوب ان نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث هو
خطاب للادميين، ومن ثم تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عامدا، وإذا لم تقترن
به نية تصرفه إلى التحليل كان مناقضا للصلاة مبطلا لها.
ووجه عدم الوجوب قضية الأصل، وان نية الصلاة اشتملت عليه وان كان
مخرجا منها، ولأن جميع العبادات لا تتوقف على نية الخروج بل الانفصال منها
كاف في الخروج، ولأن مناط النية الاقدام على الافعال لا الترك لها.
ومبني الوجوب على أنه جزء من الصلاة - كما اختاره المرتضى (3) - أو
خارج عنها. فعلى الأول يتوجه عدم وجوب نية الخروج به. وعلى الثاني يتوجه
وجوب النية، ولأن الأصحاب - وخصوصا المتأخرين - يوجبون على المعتبر
والحاج نية التحلل بجميع المحللات فليكن التسليم كذلك، لأنه محلل من
الصلاة بالنص.
فروع:
الأول: إن قلنا بوجوب نية الخروج فهي بسيطة، لا يشترط فيها تعيين ما

(1) المصنف لابن أبي شيبة 2: 202، مسند أحمد 1: 160، سنن ابن ماجة 1: 367 ح 1161،
الجامع الصحيح 2: 493 ح 598، سنن النسائي 2: 119، مسند أبي يعلى 1: 269
ح 318.
(2) المبسوط 1: 116.
(3) الناصريات: 231 المسألة 82.
438

وجب تعيينه في نية الصلاة، إذ الخروج انما هو عما نواه وتشخص. ويحتمل
ان ينوى الوجوب والقربة لا تعيين الصلاة والأداء، لان الافعال تقع على وجوه
وغايات، واما تعين الصلاة والأداء فيكفي فيه ما تقدم من نيتها وإرادة الخروج
عنها الان.
الثاني: ان اعتبرنا نية الخروج، وعين الخروج عن صلاة ليس متلبسا
بها، فإن كان عمدا بطلت الصلاة، لفعل مناقضها.
وان كان غلطا ففيه اشكال، منشؤه النظر إلى قصده في الحال فتبطل
الصلاة، والى انه في حكم الساهي. والأقرب صحة الصلاة ان قلنا بعدم
وجوب نية الخروج، لأنها على ما افتتحت عليه. وان قلنا بوجوب نية الخروج
احتمل ذلك أيضا، صرفا للنية إلى الممكن، وان الغائط كالقاصد إلى ما هو
بصدده.
وان كان سهوا، فالأقرب انه كالتسليم ناسيا في أثناء الصلاة، فتجب له
سجدتا السهو، ثم يجب التسليم ثانيا بنية الخروج.
ولو قلنا: لا تجب نية الخروج، لم يضر الخطأ في التعيين نسيانا
كالغلط، اما العمد فمبطل على تقديري القول بوجوب نية الخروج والقول
بعدمه.
وكذا لو سلم بنية عدم الخروج به، فإنه يبطل على القولين.
الثالث: وقت النية، على القول بوجوبها، عند التسليم مقارنة له. فلو
نوى الخروج قبل التسليم بطلت الصلاة، لوجوب استمرار حكم النية. ولو نوى
قبله الخروج عنده لم تبطل، لأنه قضية الصلاة، الا انه لا تكفيه هذه النية بل
تجب عليه النية مقارنة لأوله.
الرابع: هذه النية لا يجوز التلفظ بها قطعا، لاشتمالها على ألفاظ ليست
من أذكار الصلاة، وكذا نية العدول في أثناء الفريضة إلى فريضة أخرى لا يجوز
التلفظ بها، وان جاز التلفظ بالنية في ابتداء الصلاة.
439

الخامس: لو تذكر في أثنائه صلاة سابقة، وجب العدول إليها، والأقرب
انه لا يجب فيه تجديد نية الخروج، ولا احداث نية التعيين في الخروج لهذه
الصلاة التي فرضه الخروج منها - كما لا يجب في الصلاة المبتدأة التعيين - لان
نية العدول صيرت التسليم لها. وهذا العدول انما يتم لو قلنا بان التسليم جزء
من الصلاة، ولو حكمنا بخروجه لم يجز قطعا.
المسألة السادسة: قال في المعتبر: لو قال: (سلام عليكم) ناويا به
الخروج، فالأشبه انه يجزئ، لأنه يقع عليه اسم التسليم، ولأنها كلمة ورد
القرآن بصورتها (1). وفيه بعد، لأنه مخالف للمنقول عن صاحب الشرع، ولا
نسلم وقوع اسم التسليم الشرعي عليه، ولا يلزم من وروده في القرآن التعبد به
في الصلاة.
اما لو قال: (عليكم السلام) فإنه لا يجزئ قطعا، لمخالفته ما جاء في
القرآن، ولما روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " لا تقل: عليك السلام ".
تتمة:
قال أكثر الأصحاب المرأة كالرجل في الصلاة، الا في مواضع تضمن
خبر زرارة أكثرها، وهو ما رواه الكليني باسناده إلى زرارة، قال: " إذا قامت
المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرج بينهما، وتضم يديها إلى صدرها
لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تتطأطأ
كثيرا فترتفع عجيزتها، فإذا جلست فعلى ألييها ليس كما يقعد الرجل، وإذا
سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض،
فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها في الأرض، وإذا نهضت

(1) المعتبر 2: 236.
وقوله صلى الله عليه وآله تقدم في ص 426 الهامش 1.
440

انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا " (1) وهذه الرواية موقوفة على زرارة لكن
عمل الأصحاب عليها (2).
وفي التهذيب: " فعلى أليتيها كما يقعد الرجل " (3) بحذف لفظة " ليس "
وهو سهو من الناسخين، لان الرواية منقولة من الكافي للكليني ولفظة " ليس "
موجودة فيه، وسرى هذا السهو في التصانيف كالنهاية للشيخ (4) وغيرها (5). وهو
مع كونه لا يطابق المنقول في الكليني لا يطابق المعنى، إذ جلوس المرأة ليس
كجلوس الرجل، لأنهما في جلوسها تضم فخذيها وترفع ركبتيها من الأرض،
بخلاف الرجل فإنه يتورك.
وقوله: " فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها " يشعر بان
ركوعها أقل انحناء من ركوع الرجل. ويمكن ان يكون الانحناء مساويا ولكن
تضع اليدين على الركبتين (6)، حذرا من أن تتطأطأ كثيرا بوضعها على الركبتين،
وتكون بحالة يمكنها وضع اليدين على الركبتين.
وعن ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام، قال: " إذا سجدت المرأة
بسطت ذراعيها " (7).
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: سألته عن جلوس المرأة في
الصلاة، قال: " تضم فخذيها " (8).

(1) الكافي 3: 335 ح 2.
(2) راجع: النهاية: 73، الغنية: 497، المعتبر 2: 27.
(3) التهذيب 2: 94 ح 350.
(4) النهاية: 73.
(5) كالمعتبر للمحقق الحلي 2: 270.
(6) (ولكن... الركبتين) هكذا الجملة في النسخ، ولعل الصحيح (ولكن لا....) أو (ولكن....
على الفخذين) أو (ولكن... فوق الركبتين).
(7) الكافي 3: 336 ح 4، التهذيب 2: 94 ح 351.
(8) الكافي 3: 336 ح 7، التهذيب 2: 94 ح 352.
441

وروى العامة عن علي عليه السلام: " ان المرأة تحتفز في الصلاة " (1)
- بالفاء والزاي - اي تتضمم، وقد سبق ان الرجل لا يحتفز اي لا يتضمم بعضه
إلى بعض. وروى ابن بكير عن بعض أصحابنا، قال: " المرأة إذا سجدت
تضممت، والرجل إذا سجد تفتح " (2).
ولم يزد في التهذيب على هذه الأخبار، وهي غير واضحة الاتصال لكن
الشهرة تؤيدها.

(1) المصنف لعبد الرزاق 3: 138 ح 5071، المصنف لابن أبي شيبة 1: 269.
(2) الكافي 3: 336 ح 8، التهذيب 2: 95 ح 353.
442

الفصل الثاني: فيما يتعقبها من الأذكار، وهو المسمى
بالتعقيب.
قال الجوهري: التعقيب في الصلاة: الجلوس بعد أن يقضيها لدعاء أو
مسألة (1) وهو غير داخل تحت الضبط.
ولنذكر فيه مطالب خمس:
الأول: في فضله.
ورد في تفسير قوله تعالى: (فإذا فرغت فانصب) (2): إذا فرغت من
الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء، وارغب إليه في المسألة
يعطك، روي عن الباقر والصادق عليهما السلام (3) وعن مجاهد وقتادة
وغيرهما (4).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله: " من عقب في صلاة فهو في
صلاة " (5).
وروى الشيخ في التهذيب باسناده إلى عبد الله بن محمد، عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال: " ما عالج الناس شيئا أشد من التعقيب " (6).
وفي مرسل منصور بن يونس عنه عليه السلام: " من صلى صلاة فريضة
وعقب إلى أخرى، فهو ضيف الله، وحق على الله ان يكرم ضيفه " (7).

(1) الصحاح 1: 186، مادة: عقب.
(2) سورة ألم نشرح: 7.
(3) قرب الإسناد: 5، دعائم الاسلام 1: 166، مجمع البيان 10: 509.
(4) مجمع البيان 10: 509، الوسيط 4: 520.
(5) المعجم الكبير 10: 273 ح 10532، الفائق 3: 12.
(6) التهذيب 2: 104 ح 393.
(7) المحاسن: 51، الكافي 3: 341 ح 3، التهذيب 2: 103 ح 388.
443

وعن زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: " الدعاء بعد الفريضة أفضل من
الصلاة تنفلا " (1).
وعن الوليد بن صبيح، عن الصادق عليه السلام: " التعقيب أبلغ في
طلب الرزق من الضرب في البلاد " يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلوات (2).
وعن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال: " الدعاء في
دبر المكتوبة أفضل من الدعاء دبر التطوع، لفضل المكتوبة على التطوع " (3).
وعن معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام في رجلين
افتتحا الصلاة في ساعة واحدة، فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه،
ودعا هذا فكان دعاؤه أكثر من تلاوته، ثم انصرفا في ساعة واحدة أيهما أفضل؟
قال: " كل فيه فضل، كل حسن ". قلت: اني قد علمت أن كلا حسن وان كلا
فيه فضل. فقال " الدعاء أفضل، اما سمعت قول الله عز وجل: (وقال ربكم
ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم
داخرين) هي والله العبادة، هي والله أفضل هي الله أفضل، أليست هي
العبادة!؟ هي والله العبادة، أليست هي أشدهن!؟ هي والله أشدهن، هي والله
أشدهن، هي والله أشدهن " (4).
وعن السكوني عنه عليه السلام، عن أبيه، عن الحسن بن علي عليهما
السلام، قال: " من صلى فجلس في مصلاه إلى طلوع الشمس كان له سترا من
النار " (5).

(1) الكافي 3: 342 ح 5، التهذيب 2: 103 ح 389، الفقيه 1: 216 ح 962.
(2) التهذيب 2: 104 ح 391.
(3) التهذيب 2: 104 ح 392.
(4) التهذيب 2: 104 ح 394، السرائر: 472.
والآية في سورة الغافر: 60.
(5) التهذيب 2: 321 ح 1310.
444

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: " ان أمير المؤمنين عليه
السلام قال: إذا فرغ أحدكم من الصلاة، فليرفع يديه إلى السماء، ولينصب
في الدعاء ". فقال ابن سبأ: يا أمير المؤمنين أليس الله في كل مكان؟ قال:
" بلى ". قال: فلم يرفع يديه إلى السماء؟ قال: " اما تقرأ: (وفي السماء رزقكم
وما توعدون) فمن أين يطلب الرزق الا من موضعه، وموضع الرزق وما وعد
الله السماء " (1).
وعن عاصم القارئ، عن ابن عمر، عن الحسن بن علي، قال: " سمعت
أبي علي بن أبي طالب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيما امرئ
مسلم جلس في مصلاه الذي صلى فيه الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس،
كان له من الاجر كحاج رسول الله، فان جلس فيه حتى تكون ساعة تحل فيها
الصلاة فصلى ركعتين أو أربعا، غفر له ما سلف وكان له من الاجر كحاج بيت
الله " (2).
وعن جابر عن الباقر عليه السلام، قال: " قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: [قال الله تعالى]: يا بن آدم اذكرني بعد الفجر ساعة، واذكرني بعد العصر
ساعة، أكفك ما أهمك " (3).
وفي كتاب من لا يحضره الفقيه: قال زرارة: سمعت أبا جعفر عليه
السلام يقول: " الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا، وبذلك جرت

(1) الفقيه 1: 213 ح 955، علل الشرائع: 344، الخصال: 628، التهذيب 2: 322
ح 1315.
والآية في سورة الذاريات: 22.
(2) أمالي الصدوق: 469، ثواب الأعمال: 68، التهذيب 2: 138 ح 535، الاستبصار 1:
350 ح 1321.
(3) الفقيه 1: 216 ح 964، ثواب الأعمال: 69، التهذيب 2: 138 ح 536، ومنها ما أثبتناه بين
المعقوفين.
445

السنة " (1).
وقال هشام بن سالم لأبي عبد الله عليه السلام: اني اخرج وأحب ان
أكون معقبا، فقال: " ان كنت على وضوء فأنت معقب " (2).

(1) الفقيه 1: 216 ح 962.
(2) الفقيه 1: 216 ح 963.
446

المطلب الثاني: يكره النوم بعد صلاة الغداة.
روى محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: " ان الرزق يبسط
تلك الساعة، فانا أكره أن ينام الرجل تلك الساعة " (1).
وقال في التهذيب: قال الصادق عليه السلام: " نومة الغداة مشؤومة تطرد
الرزق، وتصفر اللون وتقبحه وتغيره، وهو نوم كل مشؤوم، ان الله تعالى يقسم
الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وإياكم تلك النومة. وكان المن
والسلوى ينزل على بني إسرائيل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فمن
نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه، وكان إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج إلى السؤال
والطلب " (2).
وقال الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل (فالمقسمات أمرا)،
قال: " الملائكة تقسم أرزاق بني آدم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس،
فمن نام فيما بينهما نام عن رزقه " (3).
وروى الرخصة في النوم بعد الصبح عن أبي عبد الله عليه السلام (4) وعن
فعل الرضا عليه السلام (5) مع أنه روى معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام،
قال: كان وهو بخراسان إذ صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس،
ثم يؤتي بخريطة فيها مساويك فيستاك بها واحدا بعد واحد، ثم يؤتي بكندر
فيمضغه، ثم يؤتى بالمصحف فيقرأ فيه (6).

(1) الفقيه 1: 317 ح 1443، التهذيب 2: 138 ح 538، الاستبصار 1: 350 ح 1322.
(2) التهذيب 2: 139 ح 540، وفي الفقيه 1: 319 ح 1453.
(3) التهذيب 2: 139 ح 541.
والآية في سورة الذاريات: 4.
(4) التهذيب 2: 321 ح 1311، الاستبصار 1: 350 ح 1324.
(5) التهذيب 2: 320 ح 1309، الاستبصار 1: 350 ح 1323.
(6) الفقيه 1: 319 ح 1455.
447

وروى الصدوق عن الباقر عليه السلام: " النوم أول النهار خرق - اي: ليس
برفق - والقائلة نعمة، والنوم بعد العصر حمق، والنوم بين العشائين يحرم
الرزق. والنوم على أربعة أوجه: نوم الأنبياء عليهم السلام على أقفيتهم لمناجاة
الوحي، ونوم المؤمنين على ايمانهم، ونوم الكفار على أيسارهم، ونوم الشياطين
على وجوههم " (1).
وقال عليه السلام: " من رأيتموه نائما على وجهه فانبهوه (2).
قال الصدوق: وأتى اعرابي النبي صلى الله عليه وآله فقال: اني كنت
ذكورا واني صرت نسيا، فقال: " أكنت تقيل؟ " قال: نعم، وتركت ذلك. فقال:
" عد ". فعاد فعاد إليه ذهنه (3).

(1) الفقيه 1: 318 ح 1446.
(2) الفقيه 1: 318 ح 1447، الخصال: 613.
(3) الفقيه 1: 318 ح 1449.
448

المطلب الثالث: فيما يعقب به على الاطلاق.
قال الأصحاب: يكبر بعد التسليم ثلاثا رافعا بها يديه (1) - كما تقدم -
ويضعها في كل مرة إلى أن تبلغ فخذيه أو قريبا منهما.
وقال المفيد - رحمه الله -: يرفعهما حيال وجهه مستقبلا بظاهرهما وجهه
وبباطنهما القبلة، ثم يخفض يديه إلى نحو فخذيه، وهكذا ثلاثا (2).
وروى أبو بصير عن الصادق عليه السلام: قل بعد التسليم: " الله أكبر،
لا اله الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا
يموت، بيده الخير وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده،
ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق
باذنك، انك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " (3).
ومنه تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام. روي ابن سنان عنه عليه
السلام: " من سبح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل ان يثني رجليه من صلاة
الفريضة غفر الله له، ويبدأ بالتكبير " (4).
وعن أبي هارون المكفوف عنه عليه السلام: " إنا نأمر صبياننا بتسبيح
فاطمة عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة، فالزمه فإنه لم يلزمه عبد فشقي " (5).
وعن صالح بن عقبة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: " ما عبد الله

(1) راجع: المبسوط 1: 117، الغنية: 497، تذكرة الفقهاء 1: 127.
(2) المقنعة: 18.
(3) التهذيب 2: 106 ح 402.
(4) الكافي 3: 342 ح 6، الفقيه 1: 210 ح 946، ثواب الأعمال: 196، التهذيب 2: 105
ح 395.
(5) الكافي 3: 343 ح 13، أمالي الصدوق: 464، ثواب الأعمال: 195، التهذيب 2: 105،
ح 397.
449

بشئ من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام، ولو كان شئ أفضل
منه لنحله رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام " (1).
وعن أبي خالد القماط سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: " تسبيح
فاطمة عليها السلام في كل يوم دبر كل صلاة، أحب إلي من صلاة ألف ركعة
في كل يوم " (2).
وصورته عند أكثر الأصحاب ما رواه محمد بن عذافر، قال: دخلت مع
أبي علي أبي عبد الله عليه السلام فسأله أبي عن تسبيح فاطمة عليها السلام،
فقال: " الله أكبر حتى أحصى أربعا وثلاثين، ثم قال: الحمد لله، حتى بلغ
سبعا وستين، ثم قال: سبحان الله، حتى بلغ مائة جملة واحدة " (3) ومثله رواه أبو
بصير عنه عليه السلام (4).
وقال ابن بابويه - رحمه الله -: يقدم التسبيح على التحميد (5). والأول
أشهر.
وفي مرسلة ابن أبي نجران عن الصادق عليه السلام: " من سبح الله في
دبر الفريضة تسبيح فاطمة المائة، واتبعها بلا إله إلا الله، غفر له " (6).
ومنه ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ان رسول الله
صلى الله عليه وآله قال لأصحابه ذات يوم: أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من
الثياب والآنية، ثم وضعتم بعضه على بعض، أترونه يبلغ السماء؟ قالوا: لا يا
رسول الله. فقال: يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته: سبحان الله، والحمد لله،

(1) الكافي 3: 343 ح 14، التهذيب 2: 105 ح 398.
(2) الكافي 3: 343 ح 15، ثواب الأعمال: 196، التهذيب 2: 105 ح 399.
(3) المحاسن: 36، الكافي 3: 342 ح 8، التهذيب 2: 105 ح 400.
(4) الكافي 3: 342 ح 9، التهذيب 2: 106 ح 401.
(5) الفقيه 1: 210، المقنع: 29.
(6) المحاسن: 36، الكافي 3: 342 ح 7، التهذيب 2: 105 ح 396.
450

ولا إله إلا الله والله أكبر، ثلاثين مرة، وهن يدفعن الهدم والغرق والحرق،
والتردي في البئر، واكل السبع، وميتة السوء، والبلية نزلت على العبد في
ذلك اليوم " (1).
ومنه ما رواه سلام المكي عن أبي جعفر عليه السلام، قال: " أتى رجل
إلى النبي صلى الله عليه وآله يقال له شيبة الهذلي، فقال: يا رسول الله اني
شيخ قد كبر سني، وضعفت قوتي عن عمل كنت عودته نفسي من صلاة وصيام
وحج وجهاد، فعلمني يا رسول الله كلاما ينفعني الله به، وخفف علي يا رسول
الله.
فقال: أعد، فأعاد ثلاث مرات. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله:
ما حولك شجرة ولا مدرة الا وقد بكت من رحمتك، فإذا صليت الصبح فقل
عشر مرات: سبحان الله العظيم وبحمده لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم،
فان الله يعافيك بذلك من العمى والجنون، والجذام والفقر والهرم.
فقال يا رسول الله: هذا للدنيا فما للآخرة؟ فقال: تقول في دبر كل
صلاة: اللهم اهدني من عندك، وأفض علي من رحمتك، وانشر علي من
رحمتك، وانزل علي من بركاتك.
قال: فقبض عليهن بيده ثم مضى، فقال رجل لابن عباس: شد ما قبض
عليها خالك (2)! فقال النبي صلى الله عليه وآله: اما انه ان وافي بها يوم القيامة،
لم يدعها متعمدا، فتح الله ثمانية أبواب من أبواب الجنة يدخل من أيها
شاء " (3).

(1) ثواب الأعمال: 26، التهذيب 2: 107 ح 406.
(2) قال المجلسي في بحار الأنوار 86: 20، وملاذ الأخيار 3: 615: (خالك) اي: صاحبك،
يقال: انا خال هذا الفرس، اي صاحبه. ويمكن ان يراد بالخال معناه الحقيقي، ويكون
عبد الله بن عباس منتسبا من جانب الام إلى هذيل. والله أعلم.
(3) أمالي الصدوق: 54، ثواب الأعمال: 191، التهذيب 2: 106 ح 404 وفيه: شيبة الهذيل.
451

ومنه ما رواه ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل:
(اذكروا الله ذكرا كثيرا)، قال: " ان يسبح في دبر المكتوبة ثلاثين مرة " (1).
ومنه ما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: " أقل ما يجزئك من
الدعاء بعد الفريضة ان تقول: اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك،
وأعوذ بك من كل سوء (2) أحاط به علمك، اللهم إني أسألك عافيتك في أموري
كلها، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة " (3).
وروى زرارة عنه عليه السلام، أنه قال: " لا تنسوا الموجبتين " أو قال:
" عليكم بالموجبتين في دبر كل صلاة ". قلت: وما الموجبتان؟ قال: " تسأل الله
الجنة، وتعوذ بالله من النار " (4).
ومنه انه إذ فرغ من التسليم، قال ابن بابويه: إذا فرغ من تسبيح فاطمة
عليها السلام قال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، ولك السلام، واليك يعود
السلام، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على جميع
أنبياء الله (5) وملائكته (6) السلام على الأئمة الهادين المهديين ثم تذكر (7) الأئمة
واحدا واحدا (8).
ومنه ما رواه محمد الواسطي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام

(1) قرب الإسناد: 79، التهذيب 2: 107 ح 405.
والآية في سورة الأحزاب: 41.
(2) في ط والمصادر: " شر ".
(3) الكافي 3: 343 ح 16، الفقيه 1: 212 ح 948، التهذيب 2: 107 ح 407.
(4) الكافي 3: 343 ح 19، معاني الأخبار: 183، التهذيب 2: 108 ح 408.
(5) في المصدر زيادة: ورسله.
(6) في المصدر زيادة: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
(7) في المصدر: تسلم على.
(8) لفقيه 1: 212.
452

يقول: " لا تدع في دبر كل صلاة: أعيذ نفسي وما رزقني ربي بالله الواحد
الصمد حتى تختمها، وأعيذ نفسي وما رزقني ربي برب الفلق حتى تختمها،
وأعيذ نفسي وما رزقني ربي برب الناس حتى تختمها " (1).
ومنه ما روي في الفقيه والتهذيب مرسلا عن أمير المؤمنين عليه السلام،
أنه قال: " من أحب أن يخرج من الدنيا، وقد تخلص من الذنوب كما يتخلص
الذهب الذي لا كدر فيه، ولا يطلبه أحد بمظلمة، فليقل في دبر كل صلاة نسبة
الرب تبارك وتعالى اثنتي عشرة مرة، ثم يبسط يديه ويقول: اللهم إني أسألك
باسمك المكنون المخزون الطهر الطاهر المبارك، وأسألك باسمك العظيم
وسلطانك القديم ان تصلي على محمد وآل محمد. يا واهب العطايا، يا مطلق
الأسارى، يا فاك، الرقاب من النار، أسألك ان تصلي على محمد وآل محمد،
وان تعتق رقبتي من النار، وتخرجني من الدنيا آمنا، وتدخلني الجنة سالما، وان
تجعل دعائي أوله فلاحا، وأوسطه نجاحا، وآخره صلاحا، انك أنت علام
الغيوب ". ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: " هذا من المخبيات مما علمني
رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمرني أن اعلم الحسن والحسين عليهما
السلام " (2).
قلت: المخبيات من خبي لما لم يسم فاعله، ولولاه لكان المخبوءات
وكلاهما صحيح.
ومنه ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول إذا فرغ من صلاته
- ذكره الخاصة والعامة -: " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما
أعلنت، واسرافي على نفسي، وما أنت أعلم به مني. اللهم أنت المقدم وأنت
المؤخر، لا إله إلا أنت، بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أجمعين ما

(1) الكافي 3: 343 ح 18، التهذيب 2: 108 ح 409.
(2) الفقيه 1: 212 ح 949، التهذيب 2: 108 ح 410.
453

علمت الحياة خيرا لي فأحيني، وتوفني إذا علمت أن الوفاة خيرا لي.
اللهم إني أسألك خشيتك في السر والعلانية، وكلمة الحق في الغضب
والرضا، والقصد في الفقر والغني. وأسألك نعيما لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع،
وأسألك الرضا بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك،
وشوقا إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
اللهم زينا زينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين (1). اللهم اهدنا فيمن هديت.
اللهم إني أسألك عزيمة الرشاد، والثبات في الامر والرشد. وأسألك شكر
نعمتك، وحسن عاقبتك، وأداء حقك. وأسألك يا رب قلبا سليما، ولسانا
صادقا، واستغفرك لما تعلم. وأسألك خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم
وما لا نعلم، وأنت علام الغيوب " (2).
ومنها: ما رواه في التهذيب باسناد قريب الامر (3) عن الحسين بن ثوير
وأبي سلمة السراج، انهما سمعا أبا عبد الله عليه السلام في دبر كل مكتوبة يلعن
أعداء الاسلام (4).
وقال الصدوق: قال صفوان الجمال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام إذا
صلى الله ففرغ من صلاته رفع يديه فوق رأسه (5).
وقال أبو جعفر عليه السلام: " ما بسط عبد يده إلى الله عز وجل الا
استحيى الله تعالى أن يردها صفرا، حتى يجعل فيها من فضله ورحمته ما يشاء،
فإذا دعى أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح بها على رأسه ووجهه ". قال
الصدوق: وفي خبر آخر: " على وجهه وصدره " (6).

(1) في الفقيه والكافي: " مهديين ".
(2) الكافي 2: 398 ح 6، الفقيه 1: 215.
(3) في هامش م: إلى الصحة.
(4) الكافي 3: 342 ح 10، التهذيب 2: 321 ح 1313.
(5) الفقيه 1: 213 ح 952، التهذيب 2: 106 ح 403.
(6) الفقيه 1: 213 ح 953.
454

قلت: الحياء: انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم، فإذا نسب إلى
الله تعالى فالمراد به الترك اللازم للانقباض، كما أن المراد من رحمته إصابة
المعروف ومن غضبه إصابة المكروه اللازمين لمعنييهما.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله: " ان الله يستحيي من ذي الشيبة ان
يعذبه " (1).
وروي عنه صلى الله عليه وآله أيضا ما يقرب من حديث الباقر عليه
السلام: " ان الله حيي كريم، يستحيي إذا رفع العبد يديه ان يردهما صفرا حتى
يضع فيهما خيرا " (2).
ويستحب رفع اليدين في الدعاء كله، لقول أمير المؤمنين عليه السلام:
" إذا فرغ أحدكم من الصلاة، فليرفع يديه إلى السماء، ولينصب في
الدعاء " (3).
ويستحب الختم بقوله تعالى: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) (4)، فعن أمير المؤمنين عليه
السلام: " من أراد ان يكتال بالمكيال الأوفى فليكن ذلك آخر قوله " (5).
ويستحب تعميم الدعاء، لأنه أقرب للإجابة، بذلك ورد الخبر عن النبي (6)
والأئمة عليهم السلام (7).

(1) نحوه في كنز العمال 15: 672 ح 42674 عن ابن النجار، وراجع كشف الخفاء 1: 284
ح 742.
(2) المصنف لعبد الرزاق 2: 251 ح 2351، مسند أبي يعلى 3: 391 ح 1867، المستدرك على
الصحيحين 1: 497.
(3) الفقيه 1: 213 ح 955، علل الشرائع: 344، الخصال: 628، التهذيب 2: 322.
ح 1315.
(4) سورة الصافات: 180 - 182.
(5) الفقيه 1: 213 ح 954.
(6) راجع: الكافي 2: 368 ح 5، أمالي الصدوق: 369.
(7) راجع: الكافي 2: 368 ح 7، أمالي الصدوق: 369.
455

المطلب الرابع: في الإشارة إلى ما يختص بالصلوات.
روى ابن بابويه: أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول بعد صلاة
الزوال: " اللهم إني أتقرب إليك بجودك وكرمك، وأتقرب إليك بمحمد عبدك
ورسولك، وأتقرب إليك بملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وبك. اللهم (1)
الغني عني وبي الفاقة إليك، أنت الغني وأنا الفقير إليك، أقلني عثرتي، واستر
علي ذنوبي، اقض اليوم حاجتي، ولا تعذبني اليوم بقبيح تعلم مني، بل عفوك
يسعني وجودك ". ثم يخر ساجدا ويقول: " يا أهل التقوى وأهل المغفرة، يا بر
يا رحيم، أنت أبر بي من أبي وأمي ومن جميع الخلائق، اقلبني بقضاء
حاجتي، مجابا دعائي، مرحوما صوتي، قد كشفت أنواع البلاء عني " (2).
ويستغفر الله عقيب العصر سبعين مرة (3) وفي رواية: " سبعا وسبعين " (4)
وفي أخرى: " مائة " (5). وصورته (استغفر ربي وأتوب إليه). ويقول سبعا:
" اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك، وبارك
عليهم بأفضل بركاتك، والسلام عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله
وبركاته " (6) وان كانت عصر الجمعة يقولها عشرا وثوابها عظيم (7).
وليكن من دعائه بعد العصر: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك،
ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وكلماتك التامة التي تمت صدقا

(1) في الكافي زيادة: " أنت "، وفي الفقيه زيادة: " لك ".
(2) الكافي 2: 396 ح 1، الفقيه 1: 213 ح 956.
(3) أمالي الصدوق: 211 ح 8، المقنعة: 18، التهذيب 3: 19 ح 68، أمالي
الطوسي 2: 121، مصباح المتهجد: 65، ثواب الأعمال: 59، فلاح السائل: 198،
مكارم الأخلاق: 313.
(4) أمالي الصدوق: 211 ح 8، المقنعة: 18، التهذيب 3: 19 ح 68، أمالي
الطوسي 2: 121، مصباح المتهجد: 65، ثواب الأعمال: 59، فلاح السائل: 198،
مكارم الأخلاق: 313.
(5) أمالي الصدوق: 211 ح 8، المقنعة: 18، التهذيب 3: 19 ح 68، أمالي
الطوسي 2: 121، مصباح المتهجد: 65، ثواب الأعمال: 59، فلاح السائل: 198،
مكارم الأخلاق: 313.
(6) أمالي الصدوق: 211 ح 8، المقنعة: 18، التهذيب 3: 19 ح 68، أمالي
الطوسي 2: 121، مصباح المتهجد: 65، ثواب الأعمال: 59، فلاح السائل: 198،
مكارم الأخلاق: 313.
(7) جمال الأسبوع: 445.
456

وعدلا، ان تصلي على محمد وآل محمد، وان تفعل بي كذا كذا (1).
وعن الصادق عليه السلام: " من قال إذا صلى المغرب ثلاث مرات:
الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره، أعطي خيرا كثيرا " (2).
وقال عليه السلام: " تقول بعد العشائين: اللهم بيدك مقادير الليل
والنهار، ومقادير الدنيا والآخرة، ومقادير الموت والحياة، ومقادير الشمس
والقمر، ومقادير النصر والخذلان، ومقادير الغني والفقر. اللهم ادرأ عني شر
فسقة الجن والإنس، واجعل منقلبي إلى خير دائم ونعيم لا يزول " (3).
وعن محمد بن الفرج، قال: كتب إلي أبو - جعفر محمد بن الرضا عليهما
السلام بهذا الدعاء وعلمنيه، وقال: " من دعا به في دبر صلاة الفجر لم يلتمس
حاجة الا يسرت له، وكفاه الله ما أهمه: بسم الله، وصلى الله على محمد وآله،
وأفوض أمري إلى الله ان الله بصير بالعباد، فوقاه الله سيئات ما مكروا. لا إله إلا أنت
سبحانك اني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك
ننجي المؤمنين. حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم
يمسسهم سوء. ما شاء الله، لا حول ولا قوة الا بالله، ما شاء الله لا ما شاء الناس،
ما شاء الله وان كره الناس. حسبي الرب من المربوبين، حسبي الخالق من
المخلوقين، حسبي الرازق من المرزوقين، حسبي الذي لم يزن حسبي،
حسبي من كان منذ كنت حسبي، حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب
العرش العظيم " (4).
وعن هلقام، قال: أتيت أبا إبراهيم عليه السلام فقلت له: جعلت

(1) أورده المفيد في المقنعة: 18.
(2) الكافي 2: 396 ح 2، الفقيه 1: 214 ح 957، التهذيب 2: 115 ح 430.
(3) التهذيب 2: 115 ح 432، وفي الفقيه 1: 214 ح 958 " بين العشائين "، وفي الكافي 2:
397 ح 3 بزيادة بعض العبارات.
(4) الكافي 2: 398 ح 6، الفقيه 1: 214 ح 959، باختلاف يسير.
457

فداك، علمني دعاء جامعا للدنيا والآخرة وأوجز، فقال: " قل في دبر صلاة
الفجر إلى أن تطلع الشمس: سبحان الله (1) وبحمده، واستغفر الله واسأله من
فضله ". قال هلقام: ولقد كنت أسوأ أهل بيتي حالا واني اليوم من أيسر أهل بيتي
، وما ذاك الا مما علمني مولاي عليه السلام (2).
وعن مسمع كردين، قال: صليت مع أبي عبد الله عليه السلام أربعين
صباحا، وكان إذا انفتل رفع يديه إلى السماء وقال: " أصبحنا وأصبح الملك
لله، اللهم (انا عبدك وابن عبديك) (3) اللهم احفظنا من حيث نتحفظ ومن حيث
لا نتحفظ، اللهم احرسنا من حيث نحرس ومن حيث لا نحرس، اللهم استرنا
من حيث نستر ومن حيث لا نستر، اللهم استرنا بالغني والعافية، اللهم ارزقنا
العافية (4) وارزقنا الشكر عليها (5).
قلت: في هذا إشارة إلى أنه دعا مستقبل القوم، ولعل هذا بعد الفراغ
من التعقيب، فإنه قد ورد ان المعقب يكون على هيئة المتشهد في استقبال
القبلة وفي التورك، وان ما يضر بالتعقيب. أو يقال: هذا يختص
بالصبح لا غير. أو يقال: المراد بانفتاله فراغه من الصلاة وايماؤه بالتسليم.

(1) في المصدرين زيادة: " العظيم ".
(2) الكافي 2: 400 ح 12، الفقيه 1: 216 ح 961.
(3) في المصدر: انا عبيدك وأبناء عبيدك ".
(4) في المصدر زيادة: " وداوم العافية ".
(5) الفقيه 1: 223 ح 983.
458

المطلب الخامس: في سجدتي الشكر.
وثوابهما عظيم. روى مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " سجدة
الشكر واجبة على كل مسلم، تتم بها صلاتك، وترضي بها ربك، وتعجب
الملائكة منك. وان العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر، فتح الرب تبارك
وتعالى الحجاب بين العبد والملائكة، فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي
أدي فرضي، وأتم عهدي، ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه، ملائكتي
ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا رحمتك. فيقول الرب تعالى: ثم ماذا له؟
فتقول الملائكة: يا ربنا كفاية مهمه. فيقول الرب تعالى: ثم ماذا؟ فلا يبقى
شئ من الخير الا قالته الملائكة. ثم يقول الله تعالى: ثم ماذا؟ فتقول
الملائكة: يا ربنا لا علم لنا. فيقول الله تعالى: اشكر له كما شكر لي، واقبل إليه
بفضلي، وأريه وجهي " (1)، أورده في الفقيه والتهذيب (2).
وروى أبو الحسين الأسدي - رحمه الله -: ان الصادق عليه السلام قال:
" انما يسجد المصلي سجدة بعد الفريضة، ليشكر الله تعالى ذكره على ما من
به عليه من أداء فرضه " (3).
وقال الباقر عليه السلام: " أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام:
أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال موسى: لا يا رب. قال: يا موسى

(1) في التهذيب: " رحمتي ".
والصدوق أورده كما في المتن وقال: من وصف الله تعالى ذكره بالوجه كالوجوه فقد كفر
وأشرك، ووجهه أنبياؤه وحججه صلوات الله عليهم، وهم الذين يتوجه بهم العباد إلى الله عز وجل
والى معرفته دينه، والنظر إليهم في يوم القيامة ثواب عظيم يفوق على كل ثواب... وقال
عز وجل: (فأينما تولوا فثم وجه الله) يعني فثم الوجه إلى الله، ولا يجب ان ينكر من الاخبار
ألفاظ القرآن.
(2) الفقيه 1: 220 ح 978، التهذيب 2: 110 ح 415.
(3) الفقيه 1: 219 ح 977.
459

اني قلبت عبادي ظهرا لبطن، فلم أجد فيهم أحدا أذل لي نفسا منك، يا موسى
انك إذا صليت وضعت خديك على التراب " (1).
وأذكارها كثيرة، منها: ما رواه عبد الله بن جندب، عن موسى بن جعفر
عليهما السلام انه كان يقول فيها: " اللهم إني أشهدك، واشهد ملائكتك
وأنبيائك ورسلك وجميع خلقك، انك الله ربي، والاسلام ديني، ومحمد
نبي، وعلي والحسن والحسين - ويعد الأئمة - أئمتي، لهم أتولى ومن عدوهم
أتبرأ. اللهم إني أنشدك دم المظلوم - ثلاثا - اللهم إني أسألك بايوائك على
نفسك لأعدائك لتهلكنهم بأيدينا وأيدي المؤمنين، اللهم إني أنشدك بايوائك
على نفسك لأوليائك لتظفرنهم على عدوك وعدوهم، اللهم إني أسألك ان
تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد - ثلاثا - اللهم إني أسألك
اليسر بعد العسر.
ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول: يا كهفي حين تعييني
المذاهب وتضيق علي الأرض بما رحبت، ويا بارئ خلقي رحمة لي وكنت عن
خلقي غنيا، صل على محمد وآل محمد وعلى المستحفظين من آل محمد
- ثلاثا -. ثم تضع خدك الأيسر على الأرض وتقول: يا مذل كل جبار، ويا معز
كل ذليل، قد وعزتك بلغ مجهودي (2). ثم تعود إلى السجود وتقول مائة مرة شكرا
شكرا ثم تسأل حاجتك " (3).
وقال ابن أبي عقيل: يقول في رأس كل عشر منها: شكرا للمنعم، ثم
يعفر خده الأيمن ويقول: أنشدك اليسر بعد العسر، سبعا، أنشدك نصرة
المظلوم، سبعا. ثم يعفر خده الأيسر ويقول ذلك.

(1) الكافي 2: 100 ح 7، الفقيه 1: 219 ح 974، علل الشرائع: 56.
(2) في جميع المصادر زيادة: ثلاثا، وبعدها في الكافي والتهذيب زيادة: " ثم تقول: يا حنان
يا منان، يا كاشف الكرب العظام، ثلاثا ".
(3) الكافي 3: 325 ح 17، الفقيه 1: 217 ح 966، التهذيب 2: 110 ح 416.
460

وعن سليمان بن حفص المروزي، قال كتب إلي أبو الحسن الرضا عليه
السلام: " قل في سجدة الشكر مائة مرة: شكرا شكرا، وان شئت: عفوا
عفوا " (1).
وعن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن الكاظم عليه السلام: انه أحصى
له فيها ألف مرة: العفو العفو (2).
وروى الأصحاب: أدنى ما يجزئ فيها ان تقول: شكرا، ثلاثا (3).
وقال الصادق عليه السلام: " ان العبد إذا سجد فقال: يا رب، حتى
ينقطع نفسه، قال الرب عز وجل: لبيك ما حاجتك " (4).
وهنا فوائد سبع:
الأولى: يستحب أن تكون هذه السجدة عقيب تعقيبه، حيث، تجعل
خاتمته. وروى الصدوق ان الكاظم عليه السلام كان يسجد بعد ما يصلي فلا
يرفع رأسه حتى يتعالى النهار (5).
الثانية: يستحب فيها ان يفترش ذراعيه بالأرض، ويلصق جؤجؤه
بالأرض، وهو صدره - بضم الجيمين والهمز بعدهما - مأخوذ من جؤجؤ الطائر
والسفينة.
روى في التهذيب باسناده إلى جعفر بن علي، قال: رأيت أبا الحسن
عليه السلام وقد سجد بعد الصلاة، فبسط ذراعيه والصق جؤجؤه بالأرض في
ثيابه (6).

(1) الفقيه 1: 218 ح 969، وعن موسى بن جعفر عليه السلام في الكافي 3: 326 ح 18،
التهذيب 2: 111 ح 417.
(2) الكافي 3: 326 ح 19، التهذيب 2: 111 ح 418.
(3) علل الشرائع: 360.
(4) الفقيه 1: 219 ح 975.
(5) الفقيه 1: 218 ح 970.
(6) الكافي 3: 324 ح 14، التهذيب 2: 85 ح 311.
461

وروى يحيى بن عبد الرحمن، قال: رأيت أبا الحسن الثالث عليه السلام
سجد سجدة الشكر، فافترش ذراعيه والصق صدره وبطنه، فسألته عن ذلك، فقال:
" كذا يجب " (1) والمراد به شدة الاستحباب.
الثالثة: يستحب فيها تعفير الجبين بين السجدتين، لما مر، وكذا تعفير
الخدين. وهو مأخوذ من العفر - بفتح العين والفاء - وهو التراب، وفيه إشارة إلى
استحباب وضع ذلك على التراب، والظاهر تأدي السنة بوضعها على ما اتفق،
وان كان الوضع على التراب أفضل.
الرابعة: يستحب المبالغة في الدعاء وطلب الحوائج فيها، وبذلك أخبار
كثيرة. ومما يقال فيها ما رواه الشيخ أبو جعفر في أماليه: " اللهم إني أسألك
بحق من رواه وروى عنه صل على جماعتهم، وافعل بي كذا " (2).
الخامسة: يستحب إذا رفع رأسه منها ان يمسح يده على موضع سجوده،
ثم يمرها على وجهه من جانب خده الأيسر، وعلى جبهته إلى جانب خده
الأيمن، ويقول: " بسم الله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة الرحمن
الرحيم، اللهم اذهب عني الغم والحزن، ثلاثا " - رواه الصدوق عن إبراهيم بن
عبد الحميد عن الصادق عليه السلام - فإنه يدفع الهم (3).

(1) الكافي 3: 324 ح 15، التهذيب 2: 85 ح 312.
(2) روى أبو علي الطوسي في أماليه عن أبيه عن أبي محمد الفحام باسناده عن النبي صلى الله عليه
وآله، قال قال: " من أدى لله مكتوبة فله في اثرها دعوة مستجابة. قال ابن الفحام: رأيت والله
أمير المؤمنين عليه السلام في النوم فسألته عن الخبر، فقال: " صحيح إذا فرغت من المكتوبة
فقل وأنت ساجد " وأورد الخبر. أمالي الطوسي 1: 295.
قال المجلسي في البحار 85: 321 بعد ايراده الخبر: الضمير في رواه لعله راجع إلى هذا
الخبر، فيحتمل اختصاص الدعاء بهذا الراوي، ولا يبعد ان يكون المراد الاستشفاع بالأئمة
عليهم السلام لا بهذا اللفظ، بل بما ورد في سائر الأدعية بان تقول: بحق محمد وعلي الخ
لأنهم داخلون فيمن روى هذا الخبر وروي عنه، وفي بعض الكتب بدون الضمير فيهم.
(3) الفقيه 1: 218 ح 968. وفي التهذيب 2: 112 ح 420 أرسله إبراهيم بن عبد الحميد عن
الصادق عليه السلام.
462

وفي مرفوع إليه عليه السلام: " إذا كان بك داء من سقم أو وجع، فإذا
قضيت صلاتك فامسح بيدك على موضع سجودك من الأرض وادع بهذا
الدعاء وامر يدك على موضع وجعك سبع مرات تقول: يا من كبس الأرض
على الماء، وسد الهواء بالسماء، واختار لنفسه أحسن الأسماء، صل على
محمد وآل محمد، وافعل بي كذا، وارزقني كذا، وعافني من كذا " (1).
ويستحب إذا أراد الانصراف من الصلاة أن ينصرف عن يمينه، رواه
سماعة عن الصادق عليه السلام (2).
السادسة: كما تستحب سجدة الشكر عقيب الصلاة تستحب عند هجوم
نعمة أو دفع نقمة، لما روي: ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا جاءه
شئ يسره خر ساجدا (3). وسجد صلى الله عليه وآله فأطال، فسئل عنه فقال:
" أتاني جبرئيل فقال: من صلى عليك مرة صلى الله عليه عشرا، فخررت شكرا
لله " (4).
وروي: ان عليا عليه السلام سجد شكرا يوم النهروان لما وجدوا ذا
الثدية (5).
وهذه حجة على من لا يرى شرعيتها من العامة، كمالك وأبي حنيفة (6).

(1) الكافي 3: 344 ح 23، التهذيب 2: 112 ح 419.
(2) الكافي 3: 338 ح 8، التهذيب 2: 317 ح 1294.
(3) مسند أحمد 5: 45، سنن ابن ماجة 1: 446 ح 1394، سنن أبي داود 3: 89 ح 2774،
الجامع الصحيح 4: 141 ح 1578، سنن الدارقطني 1: 410، المستدرك على الصحيحين
1: 276، السنن الكبرى 2: 370
(4) مجمع الزوائد 2: 287 عن الطبراني في الصغير والأوسط.
ونحوه في: مسند أحمد 1: 191، مسند أبي يعلى 2: 164 ح 858، المستدرك على
الصحيحين 1: 222، السنن الكبرى 2: 371.
(5) المصنف لعبد الرزاق 3: 358 ح 5962، مسند أحمد 1: 108، السنن الكبرى 2: 371.
(6) المجموع 4: 70، حلية العلماء 2: 126، المغني 1: 690.
463

ورووا أيضا ان أبا بكر لما بلغه فتح اليمامة وقتل مسيلمة سجد شكرا (1).
وروي ان النبي صلى الله عليه وآله رأى نغاشيا - وهو القصير الزري -
فسجد شكرا (2).
وقد روي في التهذيب باسناده إلى سعد بن سعد، عن الرضا عليه
السلام، قلت له: ان أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة ويقولون:
هي سجدة الشكر، فقال: انما الشكر إذا أنعم الله على عبد النعمة ان يقول:
(سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) والحمد
لله رب العالمين (3) وحمله الشيخ على التقية (4).
قلت: للاجماع على شرعية هذه السجدة من الامامية.
وقد روي الصدوق عن عبد العزيز بن الحجاج، عن أبي عبد الله عليه
السلام، قال: " من سجد سجدة الشكر لنعمة وهو متوضئ، كتب الله له بها
عشر صلوات، ومحا عنه عشر خطايا عظاما " (5).
فرع:
هل يستحب عند تذكر النعمة وان لم تكن متجددة؟
الظاهر نعم إذا لم يكن قد سجد لها، لان الشكر على هذا الوجه
مستحب فيؤتى به متى أمكن، وفي رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه

(1) المصنف لعبد الرزاق 3: 358 ح 5963، مختصر المزني: 17، السنن الكبرى 2: 371.
(2) المصنف لعبد الرزاق 3: 357 ح 5960، 5964، مختصر المزني: 17، سنن الدارقطني 1:
410، المستدرك على الصحيحين 1: 276، السنن الكبرى 2: 371.
(3) التهذيب 2: 109 ح 413.
والآية في سورة الزخرف: 13، 14.
(4) الهامش السابق.
(5) الفقيه 1: 218 ح 971 عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام.
464

السلام ايماء إليه، حيث قال: " إذا ذكرت نعمة الله عليك، وكنت في موضع
لا يراك أحد، فالصق خدك بالأرض. وإذا كنت في ملأ من الناس، فضع يدك
على أسفل بطنك واحن ظهرك، وليكن تواضعا لله فان ذلك أحب، وتري ان
ذلك غمز وجدته في أسفل بطنك " (1).
ويستحب إذا سجد لرؤية مبتلى ستره عنه، لئلا يتأذى به. ولو كان لرؤية
فاسق، ورجا باظهاره توبته، فليظهره.
السابعة: ليس في سجود الشكر تكبيرة الافتتاح، ولا تكبيرة السجود، ولا
رفع اليدين، ولا تشهد، ولا تسليم.
وهل يستحب التكبير لرفع رأسه من السجود؟ أثبته في المبسوط (2).
وهل يشترط فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه في الصلاة؟ في
الاخبار السالفة ايماء إليه، والظاهر أنه غير شرط، لقضية الأصل. اما وضع
الأعضاء السبعة فمعتبر قطعا، ليتحقق مسمى السجود.
ويجوز فعله على الراحلة اختيارا، لأصالة الجواز.
ويلحق بذلك سجدة التلاوة، وفيها مسائل.
الأولى: أجمع الأصحاب على أن سجدات القرآن خمس عشرة: ثلاث
في المفصل، وهي في: النجم، وانشقت، واقرأ. واثنتا عشرة في باقي القرآن،
وهي في: الأعراف، والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحج في
موضعين، والفرقان، والنمل، والم تنزيل، وص، وحم فصلت.
وقد رواه العامة عن عبد الله بن عمر: ان النبي صلى الله عليه وآله أقرأنا
خمس عشرة سجدة: ثلاث في المفصل، وسجدتان في الحج (3).

(1) التهذيب 2: 112 ح 421.
(2) المبسوط 1: 114.
(3) سنن ابن ماجة 1: 335 ح 1057، سنن أبي داود 2: 58 ح 1401، سنن الدارقطني 1:
408، المستدرك على الصحيحين 1: 223، السنن الكبرى 2: 314، وفي الجميع: عن
عمرو بن العاص.
465

وعن عقبة بن عامر عنه صلى الله عليه وآله وسئل أفي الحج سجدتان؟
فقال: " نعم، من لم يسجدهما فلا يقرأها " (1).
وروى ابن عباس: ان النبي صلى الله عليه وآله سجد في ص، وقرأ
(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) (2). يعني: هدى الله داود وأمر النبي
صلى الله عليه وآله يقتدي به.
الثانية: يجب منها أربع - وهي في: ألم تنزيل، وفصلت، والنجم،
واقرأ - لوجوه خمسة:
أحدها: اجماع العترة المرضية واجماعهم حجة.
الثاني: كونها بصيغة الامر فيما عدا (ألم)، والامر للوجوب. واما فيها
فلانه تعالى حصر المؤمن بآياته في الذي إذا ذكر بها سجد، وهو يقتضي سلب
الايمان عند عدم السجود، وسلب الايمان منهي عنه، فيجب السجود لئلا
يخرج عن الايمان.
فإن قلت: المراد بالمؤمنين الكمل، بدليل الاجماع على أنه لا يكفر
تارك هذه السجدة متعمدا، فهو كقوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر
الله وجلت قلوبهم) الآية (3).
قلت: يكفينا انتفاء كمال الايمان عند انتفاء السجود ويلزم منه
المطلوب، لان تكميل الايمان واجب.
فان قلت: لا نسلم وجوب تكميل الايمان مطلقا، بل انما يجب تكميله

(1) مسند أحمد 4: 151، سنن أبي داود 2: 58 ح 1402، الجامع الصحيح 2: 464 ح 575،
سنن الدارقطني 1: 408، المستدرك على الصحيحين 1: 221، السنن الكبرى 2: 317.
(2) احكام القرآن للجصاص 3: 380.
والآية في سورة الأنعام: 90.
(3) سورة الأنفال: 2.
466

إذا كان بواجب، فلم قلتم ان ذلك واجب فإنه محل النزاع؟ واما تكميله
بالمستحب فمستحب كما في وجل القلب.
قلت: الظاهر أن فقد الكمال نقصان في حقيقة الايمان، وخروج غير
الوجل منه بدليل من خارج لا يقتضي اطراد التكميل في المندوبات.
الثالث: ما روي عن علي عليه السلام أنه قال: " عزائم السجود أربع "
وعدها (1) والعزيمة ترادف الواجب، ولأنه لولا كونها مرادفه للواجب لم يكن في
التخصيص بهذه الأربع فائدة، لان البواقي مستحبة.
وقد نبه على ذلك ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام: " إذا قرئ
شئ من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد (2) وان كنت جنبا، وان كانت المرأة لا
تصلي. وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت، وان شئت لم تسجد " (3).
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " إذا قرأت
شيئا من العزائم التي يسجد فيها، فلا تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع
رأسك، والعزائم أربع: حم السجدة، وتنزيل، والنجم، واقرأ باسم ربك " (4).
الرابع: قوله تعالى: (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) (5) وهو ذم على
ترك السجود فلا بد له من محمل، ولا أصرح من هذه الأربع فتحمل عليها.
فان قلت: السجدة الثانية في الحج بصيغة الامر، فتكون واجبة لعين ما
ذكرتم من الصراحة.
قلت: يأبى وجوبها الاجماع على نفيه، فان أبا حنيفة الذي يوجب

(1) المصنف لعبد الرزاق 3: 336 ح 5863، المصنف لابن أبي شيبة 2: 17، السنن الكبرى 2:
315.
(2) في المصدرين زيادة: " وان كنت على غير وضوء ".
(3) الكافي 3: 318 ح 2، التهذيب 2: 291 ح 1171، مضمرا عن أبي بصير.
(4) الكافي 3: 317 ح 1، التهذيب 2: 291 ح 1170.
(5) سورة الانشقاق: 21.
467

السجدات على الاطلاق لا يوجب هذه (1) فلم يقل بوجوبها أحد، ولأنها مقرونة
بالركوع فتجب حيث يجب الركوع.
الخامس: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " السجدة على
من سمعها " (2) وظاهر " على " الوجوب. ترك العمل به في غير العزائم الأربع، فتبقى
العزائم بحالها.
فان قلت: الحنيفة يعملون به في جميع السجدات.
قلت: محجوجون بأصالة البراءة، وبما روي من ترك النبي صلى الله
عليه وآله بعض السجدات (3) وبما روي أن عمر قرأ على المنبر سورة سجدة
فنزل وسجد الناس معه، فلما كان في الجمعة الأخرى قرأها فتهيأ الناس
للسجود، فقال: على رسلكم ان الله لم يكتبها علينا الا ان نشاء (4).
المسألة الثالثة: موضع السجود عند التلفظ به في جميع الآيات والفراغ
من الآية، فعلى هذا يسجد في فصلت عند (تعبدون)، وهو الذي ذكره في
الخلاف والمبسوط واحتج عليه بالاجماع، وقال: قضية الامر الفور (5).
ونقل في المعتر عن الخلاف انه عند قوله تعالى: (واسجدوا لله)
واختاره مذهبا (6).
وليس كلام الشيخ صريحا فيه ولا ظاهرا بل ظاهره ما قلناه، لأنه ذكر في
أول المسألة: ان موضع السجود في " حم " عند قوله: (واسجدوا لله الذي

(1) المجموع 4: 61، المغني 1: 684، اللباب 1: 102.
(2) السنن الكبرى 2: 324.
(3) صحيح البخاري 2: 51، صحيح مسلم 1: 406 ح 577، سنن أبي داود 2: 58 ح 1404،
السنن الكبرى 2: 320.
(4) الموطأ 1: 206، المصنف لعبد الرزاق 3: 346 ح 5912، صحيح البخاري 2: 52، السنن
الكبرى 2: 321.
(5) المبسوط 1: 114، الخلاف 1: 430 المسألة: 177.
(6) المعتبر 2: 273.
468

خلقهن ان كنتم إياه تعبدون)، ثم قال: وأيضا قوله: (فاسجدوا لله الذي
خلقهن) أمر، والامر يقتضي الفور عندنا، وذلك يقتضي السجود عقيب الآية (1)
ومن المعلوم ان آخر الآية (تعبدون).
ولأن تخلل السجود في أثناء الآية يؤذي إلى الوقوف على المشروط دون
الشرط، والى ابتداء القارئ بقوله: (ان كنتم إياه تعبدون) وهو مستهجن عند
القراء.
ولأنه لا خلاف فيه بين المسلمين انما الخلاف في تأخير السجود إلى
(يسأمون) (2) فان ابن عباس والثوري وأهل الكوفة والشافعي يذهبون إليه (3)
والأول هو المشهور عند الباقين (4).
فاذن ما اختاره في المعتبر لا قائل به، فان احتج بالفور، قلنا: هذا القدر
لا يخل بالفور، والا لزم وجوب السجود في باقي آي العزائم عند صيغة الامر،
وحذف ما بعده من اللفظ، ولم يقل به أحد.
الرابعة: يجب السجود على القارئ والمستمع في العزائم اجماعا،
ونعني بالمستمع المنصت للاستماع، واما السامع بغير انصات فنفي الوجوب
عليه الشيخ في الخلاف (5).

(1) الخلاف 1: 430 المسألة: 177.
والآية في سورة فصلت: 37.
(2) سورة فصلت: 38.
(3) راجع: مجمع البيان 9: 15، المجموع 4: 60، الجامع لاحكام القرآن للقرطبي 15: 364،
احكام القرآن للجصاص 3: 385، احكام القرآن لابن العربي 4: 1664، المدونة الكبرى
1: 110.
(4) راجع: مجمع البيان 9: 15، المجموع 4: 60، الجامع لاحكام القرآن للقرطبي 15: 364،
احكام القرآن للجصاص 3: 385، احكام القرآن لابن العربي 4: 1664، المدونة الكبرى
1: 110.
(5) الخلاف 1: 431 المسألة: 179.
ورواية ابن سنان في: الكافي 3: 318 ح 3، التهذيب 2: 291 ح 1169.
469

واحتج على الوجوب على الأولين وعدم الوجوب على السامع باجماع
الفرقة، وبما رواه عبد الله بن سنان قال: سألت: أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل يسمع السجدة تقرأ، قال: " لا يسجد الا ان كون منصتا مستمعا لها أو
يصلي بصلاته، واما ان يكون يصلي في ناحية وأنت في ناحية فلا تسجد لما
سمعت " (1).
وقال ابن إدريس: يجب السجود على السامع. وذكر انه اجماع
الأصحاب، لاطلاقهم الوجوب على القارئ ومن سمعه، ولرواية أبي بصير
السالفة، ولعموم الامر (2). وهو قول من أوجب سجود التلاوة من العامة (3).
وطريق الرواية التي ذكرها الشيخ فيه محمد بن عيسى عن يونس، مع أنها
تتضمن وجوب السجود إذا صلى بصلاة التالي لها وهو غير مستقيم عندنا، إذ لا
يقرأ في الفريضة عزيمة على الأصح، ولا تجوز القدوة في النافلة غالبا، وقد
نقل ابن بابويه - رحمه الله - عن ابن الوليد - رحمه الله - انه لا يعتمد على
حديث محمد بن عيسى عن يونس (4).
وروى العامة عدم سجود السامع عن ابن عباس (5) وعثمان (6).
ولا شك عندنا في استحبابه على تقدير عدم الوجوب، واما غير العزائم
فيستحب مطلقا، ويتأكد في حق التالي والمستمع.

(1) الخلاف 1: 431 المسألة: 179.
ورواية ابن سنان في: الكافي 3: 318 ح 3، التهذيب 2: 291 ح 1169.
(2) السرائر: 47.
والرواية تقدمت في ص 467 الهامش 3.
(3) حلية العلماء 2: 122.
(4) حكاه عنه النجاشي في رجاله: 333 برقم 896.
(5) المصنف لعبد الرزاق 3: 345 ح 5908، السنن الكبرى 2: 324.
(6) المصنف لعبد الرزاق 3: 344 ح 5906، السنن الكبرى 2: 324.
470

الخامسة: الأظهر ان الطهارة غير شرط في هذا السجود، للأصل،
ولرواية أبي بصير السالفة (1)، وروى أيضا عن الصادق عليه السلام: " الحائض
تسجد " (2).
وفي النهاية منع من سجود الحائض (3) لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله
عنه عليه السلام في الحائض: " تقرأ ولا تسجد " (4). وابن الجنيد ظاهره اعتبار
الطهارة.
اما ستر العورة واستقبال القبلة فغير شرط، وكذا لا يشترط خلو البدن
والثوب عن النجاسة، لاطلاق الامر بها فالتقييد خلاف الأصل.
وفي اشتراط السجود على الأعضاء السبعة أو الاكتفاء بالجبهة نظر، من أنه
السجود المعهود، ومن صدقه بوضع الجبهة، وكذا في السجود على ما يصح
السجود عليه في الصلاة، من التعليل هناك " بان الناس عبيد ما يأكلون
ويلبسون " (5) وهو يشعر بالتعميم.
السادسة: لا يجب فيها ذكر، ولا تكبير فيها الا في الرفع، لرواية محمد
ابن مسلم عن الباقر عليه السلام: " لا يكبر حين (6) يسجد ولكن يكبر حين
يرفع " (7).
ويستحب ان يأتي فيها بالذكر، ففي رواية عمار: كذكر سجود الصلاة (4).
وروي: انه يقول في سجدة اقرأ: " الهي آمنا بما كفروا، وعرفنا منك ما

(1) تقدمت في ص 467 الهامش 3.
(2) التهذيب 2: 291 ح 1168، الاستبصار 1: 320 ح 1192.
(3) النهاية: 25.
(4) التهذيب 2: 292 ح 1172. وفي الاستبصار 1: 320 ح 1193: " لا تقرأ ".
(5) الفقيه 1: 177 ح 840.
(6) في م ونسخة من المصدر: " حتى ".
(7) المعتبر 2: 274 عن جامع البزنطي.
(8) السرائر: 484.
471

أنكروا، وأجبناك إلى ما دعوا، إلهي العفو العفو " (1).
وروي انه يقال في العزائم: " لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله ايمانا
وتصديقا، لا إله إلا الله عبودية ورقا، سجدت لك يا رب تعبدا ورقا " (2).
السابعة: يجب قضاء العزيمة مع الفوات، ويستحب قضاء غيرها، ذكره
الشيخ في المبسوط والخلاف، لتعلق الذمة بالواجب أو المستحب فتبقى على
الشغل (3).
وهل ينوي القضاء؟ ظاهره ذلك، لصدق حد القضاء عليها. وفي
المعتبر: ينوي الأداء، لعدم التوقيت (4). وفيه منع، لأنها واجبة على الفور فوقتها
وجود السبب، فإذا فات فقد فعلت في غير وقتها، ولا نعني بالقضاء الا ذلك.
وقد دل على وجوب القضاء رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما
السلام في الناسي للسجدة حتى يركع ويسجد، قال: " يسجد إذا ذكر إذا كانت
من العزائم " (5).
الثامنة: تتعدد السجدة بتعدد السبب، سواء تخلل السجود أو لا، لقيام
السبب، وأصالة عدم التداخل. وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام
وسألته عن الرجل يعلم السورة من العزائم فتعاد عليه مرات في المقعد الواحد،
قال: " عليه ان يسجد كلما سمعها، وعلى الذي يعلمه أيضا ان يسجد " (6).

(1) الفقيه 1: 201.
(2) الفقيه 1: 201.
(3) المبسوط 1: 114، الخلاف 1: 432 المسألة 181.
(4) المعتبر 2: 274.
(5) التهذيب 2: 292 ح 1176، السرائر: 474.
(6) التهذيب 2: 293 ح 1179.
472