الكتاب: رسائل الشهيد الثاني (ط.ق)
المؤلف: الشهيد الثاني
الجزء:
الوفاة: ٩٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي - قم
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية

رسائل الشهيد السعيد الفقيه زين الدين علي الجبعي العاملي، المستشهد سنة 965 ه‍ -
منشورات مكتبة بصيرتي قم - شارع ارم
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد على ما هدانا
إلى صراطه المستقيم وله الشكر على ما حبانا
من فقه احكام الدين القويم وصلواته الجامعة وتحياته الصادعة على من
طهرنا من رجس الزبية وأنقذنا من غريق الغواية والضلالة وسلك بنا سبيل الحق
المقيم محمد وآله الوارث التراث علمه الكشاف للاسرار القديم العليم بما اوحى إليه من ربه وفوق
كل ذي علم وعليم بعد فمما لا يخفى ان الامام العلامة الهمام والمحقق والمدقق القمقام الفضل المحققين شيخ الاسلام الشيخ الأجل
السعيد زين الدين العاملي الشهيد الثاني أعلى الله في روضات القدس له المقام علم علم لا تباريه الاعلام وهضبة فضل
لا يفصح عن وصفها الكلام أرحت أنفاس فوائده ارجاء الأقطار وأحيت رشحات تحقيقاته كل قفز زلت
بها كأنها الأمطار تصانيفه في صفحات الأيام غرر وكلماته في عقود السطور درر فأي قد ظفرنا من إفاداته
برسائل ثمان كأنها درر ثمان هي لروضات التحقيق في عدة عدده أبواب الجنان بل ابكار أفكار وكأنها الياقوت
والمرجان لم يدركها قبله انس ولا جان ولم يعرف لها رسم الا في ديوان تصانيف العلماء الأعيان فضلا عن أن
يفوز بنسخه أو طبعه طلاب العلوم وأرباب الألباب والأذهان فساعدنا التوفيق على أن نحوزها في حوزة الترتيب
والاجتماع ونسلكها في سلك الطبع لشدة شوق الطباع ونرجوا به النفع يوم الا يصلح المال والبنون للانتفاع
ولما كان الكتاب بهذه الأبواب قليل الحجم صغير القاعدة مع أنه كثير المعنى عظيم الفائدة فعززناها من إفاداته المنيعة
المنطبعة بكتابين كانا لمدينة القدس بابين فصارت تلك عشرة كاملة دورات لرشائق التحقيق شاملة وهي هذه رسائل
في انفعال ماء البئر وفى من تيقن بالطهارة والحدث وشك في المتأخر وفى من أحدث في غسل الجنابة
وفى صلاة الجمعة وفى صلاة المسافر وفى طلاق الحايض والغايب عن زوجته
وفى الحبوة وفى ميراث الزوجة واما الكتابين المنطبعين سابقا
فيها اسرار الصلاة وكشف الريبة
في احكام الغيبة
1

هذه
مجموعة من إفادات
الامام الهمام العلامة لسان
الفقهاء ذوي الكرامة المحقق المدقق السديد
الشيخ الأجل السعيد الشهيد الثاني
عامله بلطفه المجيد ره
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد وآله الطاهرين
مسألة اختلف
أصحابنا رضي الله عنهم في نجاسة البئر بمجرد ملاقاة النجاسة له كالقليل وعدمه على
أقوال أشهرها بينهم بل ادعى عليه جماعة الاجماع منهم السيد أبو المكارم حمزه بن
زهره في كتابه غنية النزوع وقال الشهيد في شرح الارشاد فقال كاد ان يكون
اجماعا ولعله الحجة النجاسة وذهب آخرون منهم ابن أبي عقيل من المتقدمين و
الشيخ جمال الدين بن المطهر من المتأخرين إلى عدم انفعاله بدون التغيير كالكثير أو كالجاري
والقولان للشيخ اولهما هو المشهور من مذهبه والثاني نقله عنه جماعة
وله في كتاب الحديث قول ثالث وهو انه ينجس ويجب النزح المقدر لكن لا يجب إعادة
الصلاة ولاغسل مالا قاه قبل العلم بالنجاسة وله قول رابع انه لا ينجس ولكن
يجب النزح تعبدا جمعا بين النصوص وفى المسألة قول خامس للشيخ أبى الحسن
محمد بن محمد البصروي وهو اعتبار الكرية فيه وعدمها فان بلغ كرا لم ينجس الا بالتغيير
2

والا نجس بالملاقات وهذا في الحقيقة مذهب العلامة جمال الدين أيضا وان لم يصرح به
لأنه اعتبر كرية الجاري في عدم انفعاله بالملاقات وما البئر في معناه بل أضعف منه فيقتضى
اعتباره فيه بطريق أولي ومنشأ هذه الأقوال اختلاف الروايات عن أهل البيت
عليهم السلام بعد اتفاقهم جميعا على ورود النزح له شرعا بدون التغير حتى تواترت به الاخبار
عن النبي صلى الله عليه وآله ولكن ليست صريحة في النجاسة فمن ثم حملها من حكم بعدم نجاسة
على الاستحباب واما الأخبار الدالة على الأقوال المذكورة فهى على أقسام
أحدها ما دل على النجاسة وهي صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع انه كتب إلى رجل يسأله
ان يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام عن البئر يقطر فيها قطرات من بول أو دم ما الذي
يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة فوقع عليه السلام في كتابي بخطه ينزح منها دلاء
وهي في قوه طهرها بذلك وبقرينة ما تقدم وطهرها بالنزح يدل على نجاستها قبله
والا لزم ايجاد الموجود أو اجتماع الأمثال وقريب منه قوله حتى يحل الوضوء منها
وصحيحة علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن البئر يقع فيه الحمامة أو
الدجاجة أو الفارة أو الكلب أو الهرة فقال يجزيك ان تنزح منها دلاء فان ذلك يطهرها
انشاء الله تعالى والاجزاء ظاهر في الخروج عن العهدة وتطهيرها بذلك يدل
على نجاستها بدونه كما تقدم وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام قال إذا
أتيت البئر وأنت جنب ولم تجدد لو أولا شيئا تعرف منه فتيمم بالصعيد الطيب فان
رب الماء رب الصعيد ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم أوجب التيمم
بصيغة الامر المشروط بعدم الماء الطاهر فلا يكون الماء طاهرا على تقدير الوقوع
والاغتسال ونهى عن الوقوع في البئر وعن افساد الماء والمفهوم من الافساد
النجاسة وحمله على نجاسة تغيره بعيد لان ظاهره استناد الافساد إلى الوقوع وهو
3

غير مغير لحالتها وللزوم تأخر البيان عن وقت الحاجة وثانيها ما دل على عدمها وهي
صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع أيضا قال كتبت إلى رجل أسأله ان يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام
فقال ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح
ويطيب الطعم لان له مادة وهذه الرواية أقوى حجج القائلين بالطهارة لحكمه عليه السلام
على الماء بالسعة ويفهم منها عدم الانفعال بالملاقات ونفى افساد شئ له وهو عام لأنه
نكرة في سياق النفي واشتمالها على الحصر المستفاد من الاستثناء في سياق النفي ووجود
التعليل بالمادة والمعلل مقدم على غيره ولدلالتها على المراد نصا وللاكتفاء مع تغيره
بمزيل التغير ولو كان نجسا ويوجب نزح ما قدر لكان مع تغير المقدر يوجب نزح أكثر الامرين
من المقدر وما يزيل التغير والا فلا يعقل الاكتفاء بزوال التغير لو حصل قبل استيفاء
المقدر ولو فرض كون النجاسة المغيرة لا مقدر لها لم يتم الاكتفاء أيضا بمزيل التغير
لان الحق وجوب نزح الجميع لما لا نص فيه بدون التغير فكيف معه وهذا كله لا يجامع
القول بالنجاسة ولا يصح مع تأويل الافساد بما أول به القائل بها وحسنه علي بن جعفر
عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن بئر ماء وقع فيها زبيل من عذره رطبه أو يابسه أو
زبيل من سرجين أيصلح الوضوء منها قال لا بأس والمراد من العذرة والسرجين النجس
لان الفقيه لا يسأل عن ملاقاة الطاهر وان سلم فترك الاستفصال في العذرة دليل
استواء الطاهرة والنجسة في الحكم باعتبار الوقوع ورواية حماد عن معاوية بن عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر الا ان
ينتن فان أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر وصحيحة معوية بن عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام في الفارة تقع في البئر فيتوضى الرجل منها ويصلى وهو لا يعلم أيعيد
الصلاة ويغسل ثوبه قال لا يعيد الصلاة ولا يغسل الثوب وقريب منها رواية أبان بن
4

عثمان عنه عليه السلام ورواية عيينة عنه عليه السلام ورواية يعقوب بن عيثم عنه عليه السلام
وهذه الروايات الأخيرة حجة الشيخ في كتابي الاخبار على نجاسته وعدم وجوب إعادة
الصلاة وتطهير الثوب منها قبل العلم بحالها وحجة البصروي رواية الحسن بن صالح الثوري
عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كان الماء في الزكي كرا لم ينجسه شئ والمراد من الزكي
الأبار لغة وعرفا واعلم أن الروايات التي استدل بها الشيخ على عدم الإعادة
ظاهرة في الطهارة عاضدة لما دل عليها منها والحكم بالنجاسة مع عدم وجوب إعادة
الطهارة وغسل الثوب الذي باشرها مخالف لأصول المذهب فهذا القول ساقط و
كذا لاخر من حيث الاستدلال بالخبر فان طريقه ضعيف لحسن بن صالح فإنه زيدي تبرى
نعم يمكن الاحتجاج له بعموم قوله عليه السلام إذا بلغ كرا لم ينجسه شئ فإنه متفق على معناه
وعلى العمل بمفهومه وتحمل اخبار النجاسة على ما لا يبلغ منه الكر واخبار الطهارة على
ما بلغ منه كرا جمعا وبقرينه قوله في صحيح ابن بزيع ماء البئر واسع الخ وهذا طريق
حسن في الاستدلال لم يذكروه ولعله أقوى من الجانبين لولا ما نقرره بعد ذلك
وقد نسب هذا القول إلى البصروي وكانه عندهم مختص به مع أنه لازم لكل من اعتبر
كرية الجاري وحكم بعدم نجاسة البئر بالملاقات فان دليل اعتبار كرية الجاري
وارد هنا وأيضا اعتباره في الجاري يدل على اعتباره في البئر بطريق أولي لان كثير
الجاري لا ينفعل بالملاقات اجماعا وكثير البئر مختلف فيه فيكون أضعف منه فإذا حكم
بانفعال قليل الجاري بالملاقات لزم القول بانفعال البئر بطريق أولي مضافا إلى ما
دل عليه من الاخبار المتناول لهما ولغيرهما من افراد المياه و ح فيكون قول البصروي
قولا للعلامة ولمن قال بمقالته في المسلمين وهو واضح وان لم يصرحوا به فبقى الكلام
في القولين المتقابلين وقد اورد كل من الفريقين على حجة الأخر مناقضات ومعارضات
5

نحن نشير إليها مع ما يرد عليها فنقول إما أصحاب القول المشهور فقد أجابوا عن الحديث
الأول من أحاديث الطهارة بأنه مكاتبة يضعف عن الدلالة وبعدم التصريح بان المجيب الامام
وبان المراد بالفساد المنفى فساد الكل دون الفساد الكلى إذ لا يفسد فسادا يوجب التعطيل كما قال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم المؤمن لا يخبث أي لا يصير في نفسه خبثا وكقول الرضا عليه السلام
ماء الحمام لا يخبث مع أنه يجوز ان تعرض له النجاسة وهذا وإن كان خلاف الظاهر الا
ان فيه جمعا بين الاخبار وعن الخبرين الآخرين بان البئر يقع على النابعة والغدير فلعل
السؤال عن بئر ماؤها محقون فيكون الأخبار الدالة على وجوب نزح البئر عن أعيان
المنزوحات مختصة بالنابعة ويكون هذا متناولا لغيرها مما هو محقون وعن الثاني
بالخصوص بان العذرة والسرقين أعم من النجسين فلا يدل على الخاص وبان السؤال وقع
عن وقوع الزبيل المشتملة عليهما وذلك لا يستلزم اصابتهما الماء وانما المتحقق إصابة
الزبيل خاصة وبامكان ان يراد لا بأس ينزح الخمسين وعن الثالث بان حماد الراوي عن
معاوية مقول بالاشتراك على جماعة منهم الثقة وغيره فلعله غير الثقة وبأنه يدل بضيقه
ما العامة فيما لا يعقل فيكون الترجيح لجانب الأحاديث الدالة على أعيان المتروحات
تقديما للخاص على العام ولمعارضة الأخبار الكثيرة لها وأكثر هذه الأجوبة للمحقق في
المعتبر وفيه نظر إما الأول فلان المكاتبة معمول بها وظاهر الضمير عوده إلى الامام لأنه
أقرب هذا ما يتعلق بالحديث المتنازع مع أن الشيخ في زيادات التهذيب روى عن محمد بن بزيع
في الصحيح عن الرضا عليه السلام قال ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا ان يتغير وهذه حجة قويه
لا يرد عليها شئ مما ذكر إذ ليس فيها تعرض للمكاتبة ولكنه لم يذكر فيه التعليل بان له مادة
وأمره سهل بالنسبة إلى البئر وإن كان ينفع في أمر اخر وأبلغ منه ما رواه الشيخ في الاستبصار
عن محمد بن بزيع في الصحيح أيضا عن الرضا عليه السلام أيضا صريحا قال ماء البئر واسع لا ينجسه شئ
6

الا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم لان له مادة فانى بلفظ الحديث
السابق أجمع وزاد تحقيق الرواية عن الرضا عليه السلام من غير مكاتبة ولا يقدح في ذلك كون
الاستبصار منحصرا في روايات التهذيب المتعارضة كما هو الظاهر من حاله والباعث لتصنيفه
كما أشار إليه في خطبته لان ذلك لا يبلغ حد اللزوم على وجه يتطرق القدح فيما صرح فيه
بالمتن الواضح والسند الصحيح فلعله حققه من محل اخر فان الطرق لم تنحصر في التهذيب
ولو قدح مثل ذلك فيه لادى إلى الطعن على الشيخ رحمه الله وحاشاه من ذلك وكثير إما
يتفق لي تصحيح بعض طرق التهذيب من الكافي للكليني مع تقدمه عليه وغفلة الشيخ في
التهذيب عن مراعاة الطريق الصحيح السابق عليه فتفطن لذلك وبقى الكلام على الحديث
من جهة قوله لا يفسده شئ فان الافساد أعم من النجاسة إذ المراد به خروجه عن حد
الانتفاع به سواء كان بسبب النجاسة أم غيرها لكن الظاهر المتبادر كون المراد به هنا
النجاسة بدلا له المقام وقرينة قوله إن لا يتغير طعمه أو ريحه فان تغيره كذلك انما يوجب
فساده من جهة النجاسة كما لا يخفى وبهذا يندفع تأويل القايلين بالنجاسة بان المراد
فساده بسبب ثوران الحماءة ونحوه من حيث إنه أعم من النجاسة لعدم صحة الاستثناء
لان التغيير في أحد الأوصاف لا يقتضى فساده مطلقا ولكان التعليل بالمادة ضايعا وكذا
ما قيل من أن المراد بالفساد فساد الكل وهو مستند إلى التغير ولا يلزم منه عدم استناد الفساد
الكلى إلى الملاقاة لان ذلك مع كونه خلاف الظاهر متاف للتعليل بالمادة مع أن الذي يفسد
بالملاقات كلي على ما ذكروه يوجب فساده مطلقا قبل النزح ونجاسته على كل حال وانما يرن؟
إلى الطهر بالنزح وكذا بما غيره فان المطهر له عندهم هو مزيل التغير أو أكثر الامرين أو ما
شاكلهما على اختلاف الأقوال وكيف كان فالفساد ابتداء للجميع وبعد نزح ما يعتبر فيه
يطهر الباقي ولو قيل إن نزح المعتبر ح قد يأتي على الجميع قلنا فكذلك في غير ما يوجب
7

التغيير فان منه جملة يوجب نزح الجميع من غير تغيير وقد اطلقه فدل على فساد هذا التأويل ومثله
قولهم إن المراد لا يفسده فسادا يوجب التعطيل فان هذا مع كونه خلاف الظاهر ينتقض بما
ذكرناه فان التعطيل لا يتحقق مع التغيير وقد يتحقق مع عدمه وبالجملة فالقدح المعتبر في هذا
الحديث انما كان من احتمال انقطاعه حيث لم يصرح فيه بان القائل الامام وحيث ثبت
ذلك صار دليلا قويا على الطهارة بغير اشكال وثبوته على الوجه الذي قررناه لم يتفطن
إليه أحد من الأصحاب قبل يومنا هذا فلله الحمد والمنة واعلم أن بعد تحقيق صحته
واتصاله يستفاد منه فايدة جليلة من قوله لان له مادة وهي جعل المادة علة لعدم
انفعاله بدون التغيير وقد تحقق في الأصول ان العلة المنصوصة يتعدى إلى كل ما تحقق فيه
العلة و ح فيلزم عنه ان الماء النابع مطلقا لا ينجس الا بالتغيير لان له مادة فيكون حجة
للقول المشهور بين الأصحاب من عدم اعتبار الكرية في الجاري من حيث المادة ويكون هذا
الحديث مخصصا أو مقيدا لقوله عليه السلام إذا بلغ الماء كرا لم ينجسه شئ الشامل للجاري
الدال بمفهومه على تنجيس ما دون الكر وهذه حجة قوية على ذلك لم يذكرها أحد منهم
وانما أسندوا إلى أدلة واهية لا يثبت مطلوبهم واصلا قد نبهنا عليها في مواضعها منها
قولهم إن النص ورد على نفى البأس بالبول في الجاري والنهى عنه في الراكد ولا يخفى عليك عدم
دلالة ذلك على عدم النجاسة لوجوه أحدها ان نفى البأس المراد به نفى التحريم لان
ذلك هو المعنى الصالح من معانيه هنا ومقتضاه ان الفعل المذكور لا يحرم سواء حصلت
النجاسة أم لا وثانيها ان الجاري قد ينجس بالبول كما لو كان قليلا جدا والبول متغيرا
بحيث يتغير الماء به وقد لا ينجس والراكد قد ينجس أيضا به على تقدير قلته وقد لا ينجس على تقدير
كثرته فاطلاق النهى عنه والاذن في الأخر ليس للنجاسة وعدمها والا لزم التفصيل
وثالثها انه ورد أيضا النهى عن البول في الماء مطلقا وقد حملوه على اطلاقه و
8

وحكموا بتأكد الكراهة في الواقف وثبوت أصل الكراهة في الجاري من غير تأكيد جمعا
وهذا لا يطابق ما عللوا به من النجاسة وعدمها ورابعها ان هذا الحكم ظاهر في
أحكام الخلوة ولاتعرض له إلى حكم النجاسة وعدمها بوجه كما لا يخفى وخامسها ان
النهى لو كان للنجاسة لزم النهى عن تنجيس الانسان ملكه أو المباح خصوصا إذا كان
ذلك لضرورة أو غرض صحيح وهذا لا دليل عليه والاخبار لا تدل على زيادة عن آداب الخلوة
كما ذكرناه واضعف من ذلك استدلوا به على عدم نجاسة الجاري بالملاقات من قولهم إن
التعليل بالجريان يشعر بالعلية وان النجاسة لا تستقر في الجاري إلى غير ذلك مما لا يجوز
تأسيس الأحكام الشرعية به نعم هذا الحديث المعلل بالمادة صحيح الدلالة على ذلك و
لكن لم يتفطن إليه أحد منهم قبل يومنا هذا فيما علمت وبما تحقق لي صرت إلى القول بمضمونه
في الامرين معا فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ولنرجع إلى
القول في بقية أدلة الطهارة فاما الحديث الثاني فلا يخفى ما في تلك الاعتراضات
من التكلف والحامل لهم على ذلك دفع المنافاة بينه وبين اخبار النجاسة وحيث قد
حققنا القول بالطهارة بالحديث الأول صار غيره عاضدا وشاهدا فلا يضر القدح
فيه ونقول هنا قولهم إنهما أعم من النجس فلا يدل على الخاص قلنا بل يدل من حيث
اطلاقهما الشامل للنجس وجواب الامام برفع البأس مطلقا والا لاستفصل وبان
الظاهر السؤال عن النجس لان علي بن جعفر فقيه لا يسأل عن ملاقاة الطاهر ولا عما يحتمله
ولان الظاهر من العذرة عذرة الانسان النجسة كما نص عليه أهل اللغة في وجه تسميتها
ودلالة العرف عليه وقريب منه الجواب عن كون السؤال وقع عن إصابة الزبيل خاصة
فان مثل هذا الرجل الجليل لا يسأل عن وقوع الزبيل مجردا عن إصابة النجاسة
وحمل البئر المطلق شرعا على النابع المخصوص على المصنع عدول عن الظاهر بغير دليل وابعد
9

وابعد من الجميع التأويل الأخر فان فيه تأخير البيان عن وقت الخطاب بل الحاجة لان السائل
يريد بالجواب ما يحكم به على الواقع ويعتقده ويعمل بمضمونه حيث كان واقعا ويفتى به غيره
واما الحديث الثالث فالقدح فيه باشتراك حماد جيد مع أن الظاهر الغالب على الظن
ان المراد به حماد بن عيسى أو حماد بن عثمان لأنهما كثيرا ما يروى عنهما ويرويان عن معوية بن عمار
ومن شاركهما في الاسم واختص بالضعف قليل الرواية جدا الا ان أصل القدح لا
يزول بهذا واما قولهم في مرجوحيتها باشتمالها على ما العامة فيما لا يعقل ودلالة اخبار
النجاسة على أعيان المنزوحات والخاص مقدم فسنورده عليك جملة ما في الروايات الدالة
على أعيان المنزوحات على وجه يرتفع ترجيحها بل صلاحيتها للدلالة رأسا مع ما في
هذه من الدلالة نصا وإفادة الحصر المستفاد من الاستثناء مع اعتضاد الجميع بالأصل
الاستصحاب وعموم الأدلة الدالة على طهورية مطلق الماء وان تخصصت بموارد فان
ذلك غير قادح في العموم بالنسبة إلى الباقي وبمساواة البئر بالنسبة إلى النبع وغير ذلك
من الاعتبار بقى للقائلين بالطهارة أدلة أخرى واعتبار طنيتهم على مذهبهم مدخوله
منها قولهم إنه لو نجست البئر بالملاقات لما طهرت والتالي ظاهر البطلان بيان الملازمة ان
الدلو والرساد وجوانب البئر ينجس بالملاقات أي بملاقات ماء النجس ونجاستها مانعة من حصول
الطهارة في الماء بالنزح لدوام ملاقاتها وكذا المتساقط من الدلو حال النزح خصوصا
الدلو الأخر وجوابه ان هذا كله مغتفر بالنص الدال على طهرها مطلقا بالنزح وقد
صرح به القائلون بالنجاسة ووافقهم القائلون بالطهارة على مثل هذا الحكم في
انية الخمر وغطائها وفى آلات العصير العنبي بعد ذهاب ثلثيه مع اتفاقهم على عدم
ظهور نص على حكمه وعللوه بأنه لولا الحكم بطهارتها لما أمكن الحكم بطهارة العصير
وعدوا الحكم إلى ثياب المباشر ومزاوليه فهلا حكموا هنا بذلك مع دلالة ظاهر النصوص
10

الكثيرة عليه ومنها انه لو نجست البئر بالملاقات لكان وقوع الكر في الماء المصاحب للنجاسة
موجبا لنجاسة جميع الماء والتالي ظاهر البطلان لان الملاقى للنجاسة إذا لم يتغير بها قبل وقوعه
محكوم بطهارته فيمتنع نجاسة بغير منجس وللاستصحاب بيان الملازمة ان نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة
يقتضى نجاسة الماء الواقع لاستحالة ان يكون بعض الماء الواحد طاهرا وبعضه نجسا مع عدم
التغيير وجوابه ان النجاسة ان استهلكت قبل وصول الماء إلى البئر ارتفع حكمها برأسها
ولم تؤثر في البئر ح وان بقيت عينها كما هو ظاهر كلامهم فبوقوع الكر في البئر يتحد الماء
ان ويصير المجموع ماء بئر غرفا والأحكام الشرعية معلقة على الأسماء اللغوية أو العرفية
كالأصل وكما لو وقع قليل من الماء الطاهر فيه وخلاف ذلك مجرد استبعاد ومنها لو انتزع
من البئر مقدار كر قبل ملاقاة النجاسة لم ينجس الا بالتغير ولو بقى في البئر مأة كر مثلا
نجس بالملاقات فيلزم زيادة الفرع على أصله وكون الجزء أقوى من الكل وجوابه
ان ذلك غير مسموع بعد ورود النص والكر المنتزع خرج عن اسم البئر فلحقه حكم الواقف
ومنها انه يجريانه من منابعه أشبه الماء فيتساويان وجوابه مع المساواة
بعد فرق الشارع بينهما وهو متحقق على تقدير الحكم بالطهارة أيضا فإنه يحكم باستحباب
النزح للبئر دون غيره فلم يحصل التساوي ومنها ان القول بنجاسة البئر بالملاقات دون
المصنع إذا كان كثيرا مما لا يجتمعان والثاني ثابت اجماعا فينتفى الأول بيان التنافي انه لافرق
بينه وبين البئر سوى المادة وهي مما تؤكد عدم نجاستها وجوابه ان ذلك كله مجرد
استبعاد فلا يسمع بعد ورود النص بالفرق وتحققه بينهما باعتراف الخصم باستحباب
النزح كما ذكرناه فقد تحقق الاتفاق على عدم التساوي ومنها ان النبي صلى الله عليه وآله
كان يمر مع أصحابه بآبار المشركين ويأخذون منها الماء ولم ينقل عنهم انهم كانوا
ينزحون منها شيئا أو يأمرهم باجتنابها وجوابه ان ذلك مع تسليمه لا يدل على علمه صلى الله
11

عليه وآله بوقوع النجاسة فيها وذلك كاف في عدم وجوب الاجتناب وكثيرا ما كان يعهد من شرعه
وفعله صلى الله عليه وآله البناء على الأصل والاعراض عن الظن والتفحص عن هذه الأمور
مع أنه يحتمل أمرا آخر والله أعلم والحق ان مجموع هذه الأمور تفيد ظن عدم الانفعال بالملاقات
لا ثبوته شرعا وانما الاعتماد على النص السابق ومنها ان المسألة اجماعية قبل ظهور المخالف
كما ادعاه السيد ابن زهره أو معلوم النسب كما يظهر من الشهيد رحمه الله وغيره فلا يصح
احداث القول بالطهارة وان قام عليه الدليل وجوابه منع الاجماع سابقا ولاحقا ومنع
حجيته على تقديره بهذا المعنى واولى منه منع حجيته ما يظهر فيه المخالف المعلوم النسب وتحقيق
هذه المقدمات محقق في موضع اخر مع ما يظهر على صفحاتها من مخايل الفساد والبعد في
حجيتها عن السداد وقد تقدم على دعوى السيد خلاف ابن أبي عقيل وأبى عبد الله الحسين بن
عبيد الله الغضايري وتأخر عنها خلاف مفيد الدين بن جهم وتلميذه العلامة وولد
السعيد فخر المحققين والمحقق الشيخ على وغيرهم واما أصحاب هذا القول فقد أجابوا
عن أدلة القائلين بالنجاسة إما عن صحيحة ابن بزيع فبانها معارضة بروايته الأولى با
الطهارة وإذا تعارض الخبران فأقل مراتبهما السقوط والرجوع إلى حكم الأصل وهو
هنا الطهارة وبأنها مكاتبه وغاية الامر سقوطهما والرجوع إلى الأصل كذلك وعلى
ما حققناه فالترجيح متحقق بالمشافهة على المكاتبة وبان الترجيح في جانب الطهارة
من جهة موافقتها للأصل ودلالتها نصا بخلاف هذه فإنها تفتقر إلى تقدير محذوف
وهو ما تقدم من أن ذلك طهرها وبامكان حمل الطهارة على تقديره على اللغوية وهذا
وان أمكن في تأويل الفساد مع اشتراكهما في خلاف الظاهر أو المجاز الا ان الأنسب
في الجملتين اختصاص الجانب المرجوح ليسلم من التناقض وقد ظهر انه في هذا الجانب
واما صحيحة ابن يقطين ففيها عدم الدلالة نصا أيضا لاحتمال الأجزاء الخروج عن عهدة
12

الندب والتطهير لتنظيف غايته دلالتها ظاهرا والنص مقدم والأولى من ذلك أن حملها على
ظاهرها لا يستقيم إما أولا فلاقتضائه الأجزاء في التطهير من جميع ما ذكر من النجاسات
بنزح ثلث دلاء لأنها أقل الجمع ولا يقدح كونها جمع كثرة لان الفرق بين الجمعين غير
معتبر في الاستعمال العرفي والشرعي سلمنا لكن يجب على ذلك أحد عشر ولم يقل به أحد واما
ثانيا فلانه يلزم استواء الكلب والفاره في الحكم وهو فاسد وحملها على تفسخ الفارة وخروج الكلب
حيا مع بعده جدا عن الاطلاق لا يوجب حمل الجمع المطلق على السبع والجمع بينه وبين النص
الأخر المقيد بذلك سيأتي ما فيه ومع ذلك فهذا الحمل ليس أولي من حمله على التنظيف على
الاستحباب أو التغير ونحو ذلك لاشتراك الجميع في خلاف الظاهر والجواز مراعاة للجمع
فيكون ذلك هو المرجح واما القول بدلالتها على النجاسة في الجملة وان لم
يعمل بظاهره فحق الا انه حيث يطرح العمل بظاهره تسقط دلالته الظاهرة ويصير تأويله أولي من ظاهره واما صحيحة ابن أبي
يعفور فقالوا انه لا يتم الاحتجاج بها على النجاسة لان بدن الجنب إذا كان طاهرا كما هو
المفروض والمفهوم من الحديث والمعلوم من غيره كحديث الحلبي المتضمن نزح سبع دلاء إذ
نجاسة المنى توجب عند القائلين بالتنجيس نزح الجميع وبه صرحوا كلهم كيف يحكم بنجاسة
الماء بمجرد الملاقاة مع أن نجاسة بدن الجنب حكمية وهمية ومثلها لا يتعدى فان الجنب إذا
اغتسل في ماء قليل لم ينجس اجماعا فالبئر أولي لمكان المادة والكثرة في كثير من افراده
وما يقال من أن ذلك مجرد استبعاد وان البئر قد اشمل على احكام مختلفة واتفاق حكم
نجاسات متباينة وان تأثير النجاسة مرجعه إلى الشارع وقد فرضها هنا فيجوز انفعال
البئر بذلك وان لم نقل بانفعال المستعمل القليل يمكن احتماله لو قوى دليل النجاسة
إما بمجرد هذا فلا وحيث قد رد ما تقدم من الاخبار فلا يجوز التعلق بهذا وحده
في هذا الحكم المخالف للأصل والظاهر والعقل مع أن الافساد أعم من النجاسة كما أسلفناه
13

وانما صرنا إلى تخصيصه ثم بالنجاسة لعارض وبقرينة قوله الا ان يتغير الخ فهذا هو الفارق
بين المعنيين وهذا جواب ما يقال من أن الافساد قد ورد في الجانبين فمهما قيل به في إحديهما يقال
في الأخر لظهور الفرق واما الامر بالتيمم فلا يدل على نجاسة الماء لأنه أعم منها لجواز التيمم مع
وجود الماء الطاهر إذا اضطر إلى شرب حيوان محترم له والظاهر أن الامر هنا كذلك لان نزول
الجنب في البئر تثير الحمائة ويغير الماء ويفسده على الشارب غالبا ولو فرض عدم حصول ذلك في
بعض الأبار حملنا مورد الرواية على ذلك جمعا واما ما استدل به القائلون بالنجاسة من
من حيث الاعتبار من أن البئر لو لم ينجس لم يكن للنزح فايدة فيكون عبثا والتالي ظاهر
البطلان لصدوره عمن لا ينطق عن الهوى فالمقدم مثله والملازمة ظاهره ففيه منع الملازمة
إذ لا يلزم من انتفاء فائدة مخصوصة انتفاؤها مطلقا ولا يلزم من عدم العلم بها عدمها ومن
ثم قالوا بالاستحباب وهو فائدة والشيخ في التهذيب بأنه تعيد وبالجملة فالاخبار متعارضه
والاعتبار قائم وباب التأويل متسع والرجحان على ما ظهر لنا الان في جانب الطهارة كما
استفيد من مطاوي ما قررناه واعلم أنه على تقدير القول بالنجاسة يشكل القول بالطهارة بالنزح
على الوجه الذي اشتهر بين الأصحاب لما اعتبرناه من عدم صحة الآثار الواردة بذلك بل عدمها
أصلا في كثير منها فيلزم القول بعدم الطهارة بالنزح في غير ما اعتبر حديثه وهو قليل جدا
ومع ذلك فلم يقل أحد من الأصحاب بهذا القول وهو قرينة كبيرة على عدم النجاسة وسيشير
إلى جملة من المواضع التي ذكروه وقدروا لها منزوحا استنادا إلى مالا يصلح سندا فالأول
ما أوجبوا به نزح الجميع وهو وقوع الخمر وغيره من المسكرات المايعة والفقاع والمنى ودم
الحيض والاستحاضة والنفاس وموت البعير والثور والحال ان المنى والدماء الثلاثة لم يرد
بها نص مطلقا نعم ورد في وقوع الدم نزح مقدار معين سيأتي الكلام فيه وهو شامل
باطلاقه أو عمومه لها وانما الحقها الشيخ بالخمر لغلظ نجاستها وتبعه الجماعة ومثل هذا
14

لا يصلح لتأسيس الاحكام واما المسكر والفقاع فلم يرد به أيضا نص وانما ورد في الخمر
ولكن الامر فيه سهل حيث ورد ان الفقاع خمر مجهول وان كل ما فعل فعل الخمر فهو خمر بمنزلته
ومن العجيب ما علل به بعض الفضلاء حكم الدماء الثلاثة بعد اعترافه بعدم النص عليها
من أنها بمنزلة المنى ومن أين أثبت حكم المنى حتى يلحق به الدماء الثلاثة وبقى الكلام في
الخمر والبعير والثور إما الخمر فقد ورد فيه روايات مختلفة منها رواية الحلبي وعبد الله بن سنان
ومعوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام بنزح الماء كله لكن في رواية معوية بن عمار البئر
يبول فيها الصبى أو يصب فيها بول أو خمر ينزح الماء كله والأصحاب لا يعملون بذلك في بول
الصبى ولا في مطلق البول وفى رواية عبد الله بن سنان فان مات فيها ثورا ونحوه أو صب فيها خمر نزح
الماء كله ومر نحو الثور البقرة والبغل والدابة وهم لا يقولون بتساويها في الحكم وفى رواية
الحلبي إذا سقط في البئر شئ صغير فمات فيها فانزح منها دلاء وان مات فيها بعير أو صب فيها
خمر فلينزح فحكم بالاكتفاء في مطلق الحيوان الصغير بدلاء وهو يقتضى الاكتفاء بثلاثة أو أحد
عشر ولا يقولونه به مطلقا كذلك فظاهر الثلاث متروك وإن كانت صحيحة ومنها رواية
زرارة عنه عليه السلام قال الميت والدم والخمر ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون
دلوا فان غلبت الريح نزحت حتى يطيب ومنها رواية كردويه عن أبي الحسن عليه السلام
في البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر قال ينزح منها ثلاثون دلوا وفى
التسوية بين هذه الأمور واختلاف الاخبار على هذا الوجه والاكتفاء مع التغيير بنزحها
حتى يطيب مع أنه أعم من بلوغ المقدر وعدمه قرينة قوية على القول بعدم النجاسة وتأدي
السند بجميع ما ورد وللشيخ ره وغيره في هذه الاختلاف تأويلات بعيدة وجمع غريب
كحمل الشيخ بول الصبى ومطلق البول على المغير للبئر وجملة الأخبار الأخيرة التي لا يوجب
نزح الجميع للخمر على انها خبر واحد وغير ذلك ومتى ترك الشيخ ره العمل بخبر الواحد الضعيف والمجهول
15

حتى يرد الخبر الواحد مطلقا كما يفعله المرتضى ومن تابعه عليه واما البعير فقد سمعت ما فيه من ايجاب
نزح الجميع وروى عمر بن سعيد بن هلال قال سألت أبا جعفر عليه السلام عما يقع في البئر وفلا شيئا إلى أن
قال حتى بلغت الحمار والجمل قال كر من ماء والشيخ جمع بينهما هنا بأنه إذا نزح الجميع فقد نزح
الكر فعمل بالخبرين وهو عجيب واما الثور فقد عرفت ايجابه نزح الجميع فيما سلف وقد حكم الأصحاب
بان البقرة وشبهها من الدواب ينزح له كر لخبر عمرو بن سعيد السابق فهو شامل للثور مع أن
في دلالة الخبر على ذلك نظرا بينا وروى عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام في جملة
حديث قال وما سوى ذلك مما يقع في الماء فيموت فيه فأكثره الانسان ينزح منها سبعون دلوا
وأقلها العصفور ينزح منها دلو واحد وما سوى ذلك فيما بين هذين وهذا يتناول الثور وغيره
ويدل على أنه لا يبلغ السبعين دلوا مع أن هذا الخبر مستند الأصحاب في موت الانسان
والعصفورين المذكورين فيه وفى سنده ضعيف بجماعة الثاني حكمهم بالتراوح على البئر
يوما عند تعذر نزحه أجمع وطهر ما يتخلف منه بعد ذلك واستندوا في هذا الحكم المخالف للأصل
إلى رواية أحمد بن فضاله عن عمرو بن سعيد عن مصدق عن عمار في حديث طويل قال وسئل عن بئر يقع
فيها كلب أو فارة أو خنزير قال تنزف كلها ثم قال عليه السلام فان غلب عليه الماء فلينزف منه
يوما إلى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنى اثنى فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت
ولا يخفى عليك قصور هذا الخبر عن اثبات هذا الحكم وتطهيره لما حكم بنجاسته مع ما فيه
من ضعف السند واشتماله على الاحكام المخالفة تغيره من الاخبار والفتاوى وحمل مطلقه على
تعيير البئر بالكلب والفاره والخنزير أبعد الثالث حكمهم بنزح كر لموت الدابة أو الحمار أو البقرة
أو البقل مع أن ما عدا الحمار لم يوجد في النص وقد وجد الحمار مقرونا بالجمل فيه ولم يعملوا
بظاهره هناك وادخالهم لغيره نظرا إلى ظاهر الخبر يقتضى الحاق كلما ما بين الحمار والجمل
في الحكم وهم لا يقولون به مع ما في سند الحديث من الجهالة أو الضعف ولقد كان الأولى
16

لهم حيث يعملون بالخبر الاقتصار على الحمار على ما فيه من الاشكال الذي قررناه الرابع
حكمهم بنزح سبعين لموت الانسان وقد عرفت ان مستنده ضعيف والعمل بظاهره معدول
عنه مع ما فيه من الاشكال في اطلاق الانسان على ما يعم المسلم والكافر والبحث فيه خارج عن مطلوبنا
الخامس ايجاب خمسين للعذرة الرطية والدم الكثير مع أن قيد الرطوبة لم يوجد في النصوص
وانما الموجود في رواية عبد الله بن بحر عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في العذرة تقع في البئر
فقال ينزح منها عشر دلاء فإذ ذابت فأربعون أو خمسون دلوا وطريقه ضعيف بعبد الله بن بحر جدا ومع
ذلك فمقتضاه التخيير بين الأربعين والخمسين لا تعين الخمسين ومفروضة العذرة الذايبة لا لرطبة
فذكر الرطبة ليس بجيد واما الدم الكثير فلا نص عليه بخصوصه أصلا نعم في مقطوعة علي بن جعفر
قال سألته عن رجل ذبح شاه فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما هل يتوضى
من ذلك البئر قال ينزح منها ما بين الثلثين إلى الأربعين دلوا وهذه الرواية مع كونها مقطوعة
لا تدل على مطلوبهم من جهة الكثرة ولا من جهة العدد كما لا يخفى السادس حكمهم بأربعين
لموت الثعلب والأرنب والخنزير والسنور والكلب وشبهه ولا دليل على هذا التقدير بخصوصه
نعم في رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال في السنور عشرون أو ثلاثون أو أربعون
دلوا والكلب وشبهه ومع ذلك حال علي بن أبي حمزة مشهور وفى رواية سماعة عنه عليه السلام
وإن كان سنورا أو أكبر منها نزحت منها ثلثين دلوا أو أربعين دلوا وفى الطريق؟؟؟
عيسى وسماعة وفى صحيحة زرارة ومحمد بن سالم ويريد عنهما عليهما السلام في البئر يقع فيها الدابة
والفاره والكلب والخنزير والطير فيموت قال يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم اشرب و
توضى وقربت منها رواية الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام ومقتضاها الاكتفاء بمسمى
الدلاء وهي مع صحتها انسب بمذهب القائل بطهرها حيث اجتزء بدلاء تقع على اعداد
كثيرة ولم يستفصل وجعله حكم نجاسات مختلفة في الحكم والفتوى وفى رواية عمار عنه عليه السلام
17

قال سأل عن بئر يقع فيها كلب أو فارة أو خنزير قال ينزح كلها وروى عبد الله بن المغيرة عن الباقر
عليه السلام قال إذا مات الكلب في البئر نزحت ولاوجه لترجيح تلك الأخبار على هذه بل اللايق بطريق
الشيخ ومن تبعه العكس والقول بنزح الجميع لدخول مقدر تلك في الجميع كما ذكره في غيره السابع
حكمهم بالأربعين أيضا لوقوع بول الرجل مستنده رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سألته عن بول الصبى الفطيم فقال دلو واحد قلت بول الرجل قال ينزح منها أربعون
دلوا وهذا المستند ضعيف السند كما تقدم وقد تقدمت رواية كردويه انه ينزح للبول
مطلقا ثلاثون دلوا وهي أقرب سندا من هذه لان الراوي المجهول أقرب من معلوم الضعف
الثامن حكمهم بنزح ثلثين لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرؤ الكلاب مستنده رواية
كردويه الديلمي عن الكاظم عليه السلام وكردويه مجهول لا يعرف هذا الاسم في الرجال فكيف ثيبت
به هذا الحكم المخالف للأصل من حيث وجوب الثلثين لهذه النجاسات التي فيها ما يوجب منفردا
أزيد من هذا المقدار كالعذرة وبعض الأبوال وفيها مالا نص فيه كخرؤ الكلاب والقول
بان ماء المطر أضعف حكمها جايز لو صح الخبر إما مع هذا الحال فلا التاسع ايجاب عشر
للعذرة اليابسة مستنده رواية أبي بصير السابقة وفى الطريق عبد الله بن بحر وهو ضعيف
مرتفع القول وفيها من جهة المتن انها تضمت ايجاب العشر لوقوع العذرة ما لم تذب وان ذابت
فأربعون أو خمسون وعدم ذوبانها أعم من كونها رطبة لم تذب ويابسه ومعارضتها رواية
عمار قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن البئر يقع فيها زبيل عذرة يابسة أو رطبة فقال
لا بأس إذا كان الماء كثيرا ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن بئر
وقع فيها زبيل من عذرة يابسة لو رطبة أو ذبيل من سرقين يصلح الوضوء منها فقال
لا بأس والحديث حسن كما سلف العاشر ايجابها أيضا للدم القليل ومستنده مقطوعة
علي بن جعفر السابقة في الدم الكثير وفيها قال وسألته عن رجل ذبح دجاجة أو جمامة فوقعت
18

في بئر هل يصلح ان يتوضأ منها قال ينزح منها دلاء ثم يتوضى منها وسألته عن رجل يستقى
من بئر فر؟ فيها قال ينزح منها دلاء يسيره وهذه الرواية على تقدير العمل بها لا تدل
على اعتبار العشر بوجه لان الدلاء اليسيرة أعم منها تصدق على الثلاث فصاعدا
بل هي على الثلث أول منها على العشر لما عرفت من أن الفرق بين جمع الكثرة والقلة في
مثل ذلك غير معتبر وقد صرح به الأصحاب وغيرهم في كثير من أبواب الفقه كالأقارير
وغيرها وعلى تقدير تسليم العمل بمدلولها النحوي فهى جمع كثرة أقله أحد عشر فحمله على العشر
غير صحيح وقد تقدم في ذلك مكاتبة ابن بزيع الصحيحة التي استدل بها على النجاسة وهي
المتضمنة للسؤال عن البئر يقطر فيها قطرات بول أو دم يسقط فيها شئ من عذرة ما الذي
يطهرها فوقع عليه السلام ينزح منه دلاء ومن العجيب الغريب عنا ما اتفق لجماعة من المحققين
في كيفية الاستدلال قال الشيخ في التهذيب بعد نقله الحديث وجه الاستدلال من الخبر
على العشر أنه قال ينزح منها وأكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة فيجب ان تأخذ به و
نصير إليه إذ لا دليل على ما دونه انتهى وهذا الكلام يعطى انه جعله جمع قلة وحمله على
أكثره وكلاهما ليس بصحيح إما الأول فلان جمع القلة منحصر في اوزان أربعة مشهورة أو
خمسة عند سيبويه وهذا ليس منها فهو جمع كثرة بغير اشكال واما الثاني فلانه على تقدير
حمله على جمع القلة واطلاقه في الخبر يجزى الاقتصار على أقل مدلولاته وهو ثلثة كغيره
من الأبواب المحاورات لا على الأكثر وقوله لا دليل على ما دونه ممنوع بل الدليل موجود
على الاجتزاء بأي مرتبة أريد من هذا الجمع عملا بالاطلاق وكما لو قال له عندي دراهم
فإنه يقبل تفسيره بما شاء بعد أن لا ينقص عن ثلثة ان لم نقل باطلاقه على اثنين خصوصا
وقد أيده في الخبر الأول بقوله يسيره والمحقق في المعتبر اعترض كلام الشيخ بان ذلك انما
يكون مع الإضافة إما مع تجريده عنهما فلا إذ لا يعلم من قوله عندي دراهم انه لم يخبر عن
19

زيادة عن عشره ولا إذا قال اعطه دراهم وأجاب العلامة في المنتهى بان الإضافة هنا وان لم تجر
لفظا لكنها مقدره والالزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ولابد من اضمار عدد يضاف تقديرا فيحمل
على العشرة التي هي أقل ما يصلح اضافته لهذا الجمع اخذا بالمتيقن وحوالة على الأصل من براءة
الذمة وفيه نظر إذ لا يلزم من عدم تقدير الإضافة هنا تأخير البيان وانما يلزم ذلك لو لم
يكن له معنى بدون هذا التقدير والحال ان له معنى كسائر أمثاله من صيغ الجموع ولو سلم وجوب
التقدير لم يتعين العشرة وقد عرفت فساد قوله إن أقل ما يصلح اضافته لهذا الجمع عشرة
واعجب منه قول العلامة في المختلف ويمكن ان يحتج به من وجه اخر وهو ان هذا جمع كثرة
وأقله ما زاد على العشرة بواحد حمل عليه عملا بالبرائة الأصلية ولا يخفى عليك ان هذا
الدليل لا ينطبق على الدعوى لاستلزام وجوب أحد عشر ومدعاه الاكتفاء بعشر واعجب
من ذلك قوله في المنتهى انه جمع كثرة وقال فيحمل على أقلها وهو العشرة والمعلوم عند النحاة
ان أقل مراتب جمع الكثرة ما زاد على أكثر من مراتب جمع القلة بواحد
وأكثر مراتب جمع القلة عشرة والحق ان هذين الخبرين دالان على الاجتزاء بثلاث
دلاء ولكن الأصحاب معرضون عن العمل بذلك تبعا للشيخ رحمه الله وحيث يقال بالاستحباب
فلا شبهة في تأديه بذلك إما على القول بأنه مطهر فيتوقف على تحقيق الاجماع على
خلافه وعدمه ومن العجب أيضا ان الشيخ في الاستبصار لما ذكر خبر علي بن يقطين السابق
الذي استدلوا به على النجاسة وفيه ان وقوع الكلب والفأرة يوجب نزح دلاء فقال إن قول
دلاء جمع كثرة وهو ما زاد على العشرة فلا يمنع ان يكون المراد أربعين دلوا كما تضمنه غيره
من الاخبار وهنا جعل مدلوله عشرا أو استدل عليه بأنه أكثر مدلوله الحادي عشر
ايجاب سبع لموت الطير ومستنده رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال
وسألته عن الطير والدجاجة يقع في البئر قال سبع دلاء وحال على مشهور قال ابن الغضايري
20

علي بن أبي حمزة أيضا أصل الوقف وأشد الخلق عداوة للولي وأيضا فقد روى إسحاق بن عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام ان عليا عليه السلام كان يقول الدجاجة ومثلها يموت في البئر ينزح منه دلوين
أو ثلثة وطريق هذه الرواية أقرب من تلك لان فيه غياث بن كلوب وهو مجهول الحال
مشهور الرواية وفى صحيح زيد الشحام عنه عليه السلام ايجاب خمس لموت الدجاجة والكلب والطير
إذا لم تتفسخ أو يتغير طعم الماء وهي أولى بالمراعاة من الجميع الثاني عشر ايجاب السبع
للفارة مع التفسخ لولا الانتفاخ فإن لم يحصل أحد الوصفين فثلاث ومستند الأول رواية
ابن سعيد المكارى عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا وقعت الفارة وتفسخت فانزح منها سبع
دلاء وعلى الثاني رواية معاوية بن عمار عنه عليه السلام في الفارة والوزغة يقع في البئر قال
ينزح منها ثلث دلاء بحملها على ما إذا لم يحصل التسلخ جمعا بينها وبين الأولى كما حمل
اطلاق رواية علي بن أبي حمزة عنه عليه السلام في الفارة يقع في البئر قال سبع دلاء على الانفساخ
جمعا وقد عرفت حال علي بن أبي حمزة وقريب منه حال ابن سعيد المكارى وطريق رواية معاوية
أقرب وإن كان فيه جهالة وفى صحيح زيد الشحام إذا لم تنفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء
وسيأتي وفى مقطوعة سماعة نزح سبع ان لم تنتن وفى رواية أبى خديجة عن أبي عبد الله
عليه السلام نزح أربعين إذا لم تنتن وخبر اخر مرسل عنه عليه السلام ان موتها ينجسه مطلقا و
هذا الاختلاف كله على عدم التنجيس وقد عرفت ان وصف الانتفاخ ليس في الاخبار
الثالث عشر ايجاب السبع لبول الصبى دون البلوغ وفوق الفطام ولو كان دون
الفطام فدلو ومستند الأول رواية منصور بن حازم عن عدة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال ينزح منه سبع دلاء إذا بال فيها الصبى أو وقعت فارة أو نحوها والثاني رواية علي بن أبي
حمزة عنه عليه السلام قال سألته عن بول الصبى الفطيم يقع في البئر فقال دلو واحد يحمل
الثاني على الصبى لم يأكل الطعام جمعا وفيه ان الأول مرسل وحال الثاني قد علم وان
21

الظاهر من حال الفطيم المفطوم لأنه فعيل بمعنى مفعول وهو ينافي الحمل الرابع عشر ايجاب
لاغتسال الجنب والمراد الخالي بدنه من نجاسة خبيثية ومستنده قد سبق في اخبار القائل بالتنجيس
وانه لا يدل عليها وانه لاوجه للحكم بالنجاسة ح لعدم حصول ما يوجبها وقد تقدم تحقيق
الخامس عشر ايجابها لخروج الكلب حيا ومستنده رواية عبد الله بن المغيرة عن أبي
عبد الله عليه السلام قال إذا وقع الكلب فيها ثم اخرج منها حيا نزح منها سبع دلاء وفيه ان الخبر
أيضا إذا مات الكلب في البئر نزحت وقد مر حكمهم بخلافه وان في صحيحة زيد الشحام عن أبي
عبد الله عليه السلام في الفارة والسنور والدجاجة والكلب والطير قال فإذا لم تتفسخ أو يتغير
طعم الماء فيكفيك خمس دلاء فكان هذا الخبر أولي بالعمل أو يقال إن الخمس مجزيه والسبع أفضل
وقد اطلقوا القول بخلافه وفيه أيضا وجوب الخمس لموت الدجاجة وغيرها وقد تقدم
القول بخلافه السادس عشر ايجاب خمس لذرق الدجاج وفيه انه لا نص عليه مطلقا
ومع ذلك فقد اطلق جماعة منهم الدجاج وهو أقوى اشكالا من حيث إن غير الجلال
ذرقه طاهر على الصحيح فلا وجه للحكم بوجوب النزح له مطلقا ولو قيل بنجاسته فهو مالا
نص فيه ومنهم قيده بالجلال ليكون بخسا وحيث لا نص فيه ينبغي الحاقه به أو بالعذرة
على ما فيها من التفصيل فاما ما ذكروه من الخمس مطلقا فلا وجه له أصلا السابع عشر
ايجاب ثلث للحية والفاره مع عدم الوصفين وقد تقدم الكلام على حكم الفارة واما الحية فلا نص
عليها بالخصوص وفى الذكرى أحال حكمها على الفارة والدجاجة المروى فيهما دلوان وثلث وهو
مأخذ ضعيف وقال المحقق في المعتبر يمكن ان يستدل على الحية بما رواه الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال إذا سقط في البئر حيوان صغير فمات فيها فانزح منها دلاء فينزل على الثلث لأنه
أقل محتملاته ولا يخفى ما فيه ولا يقولون به في مطلق الحيوان الصغير الثامن عشر ايجاب
الثلث للعقرب والوزغة كما ذكره الشيخ وجماعة وفيه ان الخير الوارد بالوزغة في طريقه حماد
22

وهو مشترك ومعارض برواية جابر الجعفي قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن المسام أبرص
يقع في البئر قال ليس بشئ حرك الماء بالدلو في البئر وروى يعقوب بن عثيم قال قلت لأبي عبد الله
عليه السلام سام أبرص وجدنا قد تفسخ في البئر قال انما عليك ان تنزح منها سبع دلاء و
مع ذلك كله فالوزغ بأنواعه ليس له نفس فلا ينجس بالموت ولا ينجس الماء واما العقرب فلا
نص عليه بخصوصه ويمكن ادخاله في رواية الحلبي السالفة مع أنها لا نفس لها فلا تنجس ولا
تنجس التاسع عشر ايجاب دلو واحد للعصفور ومستنده رواية عمار السالفة
في موت الانسان وقد عرفت ضعفها بجماعة العشرون ايجابه لبول الرضيع قبل
اغتذائه بالطعام ومستنده رواية علي بن أبي حمزة السالفة وقد عرفت ضعفها وعدم
دلالتها على المطلوب فهذه جملة مما اتفق ذكره من النجاسات المشهورة التي بحث
عنها القائلون بالنجاسة وقد ظهر عليك صعف مستندها وانا لو قلنا بالنجاسة لما
أمكننا العمل بها بل غاية ما يمكن ان يقال إنه مع تحقق نجاسة الماء لا يطهر الا بما
يعلم به المطهر من اتصاله بالكثير ونحوه والابقى على النجاسة وفيه خروج عن الاتفاق ظاهرا
فكان ذلك أقوى قرينة على عدم النجاسة مضافا إلى ما دل عليه نعم القول بالاستحباب
سهل للتسامح بادلته وما يقال من أن ضعف الاخبار منجبر بالشهرة وانه يمكن اثبات المذهب
بالخبر الضعيف قول ضعيف منجبر بالشهرة واثبات المذهب اثبات له بالخبر الضعيف ومع هذا
كله فينبغي رعاية النزح وغاية الاحتياط في ذلك لما تراز عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم من الامر بالنزح لوقوع النجاسات في الجملة وان لم يثبت بالتفصيل وهب أن ما
ذكرناه من افراد الرواة ضعيف أليس بعضه صحيحا وبعضه حسنا وجملة ما يجتمع منه و
من الضعيف يثبت به مع جملة ما ورد في كتب الحديث من الأخبار الواردة بالنزح التواتر
المعنوي كشجاعة على وكرم حاتم مضافا إلى عمل أكثر الأصحاب به وقد وافقنا بالنزح
23

بل بنجاسة البئر في الجملة أبو حنيفة من العامة لروايات وردت عندهم فيه عن النبي صلى الله
عليه وآله فتبين بذلك مخالفة حكم ماء البئر لغيره من المياه القليلة والكثيرة في الجملة اجماعا
سواء جعلناه واجبا أم مستحبا وإذا كان كذلك فلا يبعد القول بأنه ينفعل بالنجاسة
مما لا ينفعل غيره بها وليس للعقل مدخل في اثبات حكم النجاسة والطهارة بل المرجع فيه إلى
النقل عن صاحب الشرع عليه السلام فاستبعاد احكام البئر لا وجه له أصلا خصوصا بعد ثبوتها
في الجملة فان الحكم باستحباب النزح أيضا يوجب الحكم للبئر مما لا يثبت لغيره من المياه نعم
لما لم يتم الدليل على النجاسة نفيناها وبقى جانب الاحتياط مراعى ورعاية النزح مناسبة
جدا خصوصا مع ترتب العبادات الشرعية وأعظم أركان الدين وهو الصلاة الواجبة
عليه والله تعالى اعلم باسرار احكامه هذا ما اقتضاه الحال الحاضر
من بحث المسألة على سبيل الارتحال وضيق
المجال والله ولى التوفيق زين
الدين رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة شريفة إذا تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق منهما كما
لو تيقن عند الزوال مثلا انه أحدث حدثا يوجب الوضوء وتوضئ لكن جهل السابق منهما بحيث شك في حاله عند القيام إلى الصلاة هل هو متطهر أم لا فهل يجب عليه الطهارة
24

أم لا اطلق الأكثر خصوصا المتقدمين كالشيخين رحمهما الله الوجوب وعللوه بان يقين الطهارة
مكان ليقين الحدث فلم يبق المكلف على يقين من الطهارة فلا يسوغ له الدخول في الصلاة
بدون طهارة متيقنة ولأنهما بتكافيهما تساقطا فلم يكن الان متطهر أو للاحتياط أقول
فيه بحث فإنهم ان أرادوا بالطهارة التي لا يسوغ الدخول في الصلاة بدونها الرافعة المستمرة
الحكم ولو بالاستصحاب فهى متحققه هنا وان أرادوا بها الطهارة المتيقنة الاستمرار الحكمي
منعنا اشتراط ذلك وآية المنع الاتفاق على أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث يجوز له
الدخول في الصلاة استصحابا للمتيقن ولأصالة عدم الحدث فان قيل يقين الطهارة في مسألة
تيقنهما مع الشك في الحدث لا يعارضه إلا يقين مثله فبدونه يعمل عمله ويطرح الشك بخلاف
مسألة النزاع لتكافوء اليقين اليقينين قلنا لا شبهة في كون محل النزاع أضعف مما مثل به
لكنهما يشتركان في أصل واحد يقتضى جواز الدخول في الصلاة وهو تيقن الطهارة مع
الشك في الناقص فان قيل يقين الطهارة هنا لما كان معارضا بمثله في الحدث
بان يقال إنه أيضا متيقن الحدث شاك في الطهارة فينبغي على هذا ان لا يسوغ له
الدخول في الصلاة الا بطهارة باقية ولو بالاستصحاب وحصولها غير معلوم قلنا
لما تعارض الأصلان تساقطا فلم يبق تأثير الحدث المذكور متحقق المنع من الدخول
في الصلاة والاحداث السابقة على الطهارة كلها ارتفعت بها جزما فموجب الطهارة ح غير
معلوم لأنه إما الاحداث السابقة وقد ارتفعت بغير شبهة واما الحدث المفروض وقد
سقط حكمه بمعارضه يقين الطهارة فيمتنع الشك في موجب الطهارة الان لان الدخول
في الصلاة انما يجب بطهارة مع سبق حدث يوجبها فان قيل كما أنه بالتساقط المذكور
لم يبق للحدث اثر متيقن كذلك لم يبق للطهارة اثر متيقن فنرجع في الوجوب إلى الأدلة
العامة مثل قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وغيره من الأدلة قلنا
25

لا ريب في أن الأوامر المطلقة بوجوب الطهارة مشروطة بسبق حدث يوجبها فان الطهارة
لا تجب لذاتها بل بسبب سبق الحدث وإن كان قبل التكليف على تقدير المخاطبة بالصلاة في حالة
لم يقع منه حدث بعده بناء على أن الاحداث من قبيل الأسباب المعرفة للوجوب وهو من باب
خطاب الوضع الذي لا يتوقف على التكليف وتخلف السبب عن المسبب قد يكون لفقد شرط أو وجود
مانع كما حقق في الأصول فإذا حصل الشرط عمل السبب عمله ومن هنا حكموا بوجوب الغسل
على البالغ المخبب بالايلاج قبل البلوغ إذا خوطب بعبادة مشروطة بالغسل وهذا هو السر
في الطلاق الامر في الآية بالوضوء للصلاة مع تقييده بالحدث بناء على أن الخطاب المستفاد
من الامر تعلق بالمكلف وهو لا ينفك طبعا من الأقذار الموجبة للوضوء فيما سبق على التكليف
في زمان صغره ولما كان موجب الغسل قد يحصل الانفكاك عنه لأنه ليس ضروريا بحسب الطبيعة
قيل وجوب الغسل في الآية بالجنابة فقال وان كنتم جنبا فاطهروا فان قيل لما حكم
بتساقط الطهارة والحدث اللاحقين بقيت الطهارة في حكم المعدوم فلو كانت موثرة في
رفع حدث في الجملة لم يكن ساقطه و ح فلابد من طهارة رافعة للحدث لأنه واقع قطعا وهو يقتضى
ما ذكروه قلنا ارتفاع الحدث السابق أمر مقطوع به قبل الحكم بالتساقط بغير شبهة
وانما الكلام في ارتفاع جميع الاحداث السابقة على زمان الشك فإنه يحتمل سبق الحدث
المفروض على الطهارة فيكون جميع الاحداث مرتفعة ومتأخره فيكون السابقة خاصة
مرتفعة فارتفاع السابقة أمر ثابت على كل تقدير فلا مجال للشك فيه ويبقى الكلام في
اللاحق فإذا كافأ الطهارة فكما لا يبقى على يقين من الطهارة كذلك لا يبقى على يقين من
الحدث واحتمال الاستصحاب قائم فيهما و ح فتنزيل الطهارة منزلة المعدوم مطلقا غير جيد
بل هي مؤثرة في رفع غير الحدث الأخير على تقدير وجوده قطعا وفيه على احتمال فهى أمر
محقق في الخارج كما أن الحدث المفروض كذلك ولا ترجيح بينهما من هذا الوجه وربما أمكن ترجيح
26

جانب الطهارة وزيادة الاشكال بوجه آخر وهو ان الطهارة الرافعة للحدث حاصلة قطعا والحدث
الناقص للطهارة غير متحقق لاحتمال تقدمه فيكون المكلف داخلا في الصلاة بطهارة رافعة
وهو موافق لمراد الشارع ويمكن دفعه بان نقول ما تعنون بالطهارة الرافعة هل هو بالنسبة
إلى الحدث السابق أو مطلقا الثاني ممنوع لامكان تأخره والأول مسلم لكنه غير نافع لان
الكلام في جواز الصلاة مع تيقن هذا الحدث والشك في رافعه أو تقول لا نسلم ان الطهارة
الرافعة متحققة أصلا لأنه كما يجوز كونه محدثا قبل الطهارة فتكون رافعة المحدث السابق
المدعى قطعا يحتمل ان يكون قبل الطهارة المفروضة متطهرا فلا يكون رافعة فالطهارة
الرافعة مشكوك فيها والحدث المانع متحقق الوقوع على تقدير عدم العلم بحاله قبلهما أو نقول
سلمنا كون الطهارة رافعة في الجملة لكن وقوع الحدث المانع من الدخول في الصلاة أمر
محقق كما أن الطهارة كذلك وتساقطهما بسبب تكافوء الاحتمالين لم يصير الحدث في حكم المعدوم
كيف وهو متيقن الوقوع والتأثير في وجوب الطهارة للصلاة ونقض ما نقدمه منها
غاية ما في الباب ان بقاؤه كما لا يعلم كذلك لا يعلم بقاء الطهارة فليس المكلف الآن على
حالة يسوغ له معها الدخول في الصلاة شرعا أو تقول الأصل يقتضى ان الحدث المتيقن
لا يرتفع الا بطهارة متيقنة بعده لان اليقين لا يرفعه الأمثلة خرج من ذلك ظن بقاء
الطهارة عند تيقنها والشك في بقائها بل تجويز بقائها كذلك وان لم يظنه عملا بالاستصحاب
فيبقى الباقي على أصل الوجوب فان قيل الأدلة والعامة بوجوب الوضوء للصلاة مقيد
بسبق حدث يوجبه وسبق الحدث الموجب مشكوك فيه فدخول هذا المصلى تحت الامر مشكوك
فيه أيضا والأصل براءة الذمة من وجوب الطهارة قلنا سبق الحدث الموجب متحقق
وانما الشك الان في رافعه فيدخل تحت الأوامر بسبب هذا الشك و ح فلا يعارضه ان
الطهارة متحققه والناقض لها مشكوك فيه الان فيستصحبها لان استصحابها على هذا الوجه
27

غير مأذون فيه بخلاف الحكم بوجوب الطهارة لدخوله تحت ذلك العام هذا ما حضر مما يتعلق
بالحكم بوجوب الطهارة مطلقا وبقى في المسألة قولان آخران إحديهما ان ينظر إلى حاله
قبل الطهارة المفروضة والحدث فان جهلها بان لم يدر هل كان متطهرا أو محدثا فالحكم كما ذكروه
المتقدمون لعين ما ذكر من الدليل وان علم حاله قبلهما اخذ بضد ما علمه من الحالة فان علم أنه كان
متطهرا فهو الان محدث أو محدثا فهو الان متطهرا وإلى هذا القول مال في المعتبر لكنه لم يفت
به واشتهر بين المتأخرين نسبته إليه من غير تحقيق ووجهه انه إن كان قبلهما متطهرا فقد علم انتقاله
عن تلك الحالة وهي الطهارة بالحدث المفروض ان تلك الطهارة انتقضت قطعا وارتفاع
هذا الحدث بالطهارة المفروضة غير معلوم لجواز كون الطهارة سابقه عليه بان وقعت
تجديد الطهارة السابقة أو مع الذهول عنها فتأثير الحدث في نقض الطهارة أمر معلوم و
تأثير الطهارة في رفع الحدث غير معلوم فيستصحب المعلوم ويحكم عليه الان بالحدث وهو ضد
الحالة التي علمها قبلهما وإن كان قبلهما محدثا فقد علم ارتفاع الحدث بالطهارة المفروضة
قطعا وانتقاضها بالحدث المفروض غير معلوم لجواز معاقبته للحدث السابق فتأثير الطهارة
في رفع الحدث أمر معلوم وتأثير الحدث فيها غير معلوم فيستصحب حكم المعلوم على طريقة ما مر
وهذا كما ترى مقيد بما إذا جوز في الصورة الأولى التجديد وفى الثانية معاقبه الحدث للحدث إما
لو علم عدم التجديد بان لم يكن من عادته مطلقا أو في ذلك الوقت حكم له بالطهارة في
الصورة الأولى وهي حالة موافقة للسابق ووجهه ظاهر لأنه بنفي احتمال التجديد يعلم أن الحدث
المفروض واقع قبل الطهارة فيكون ناقضا للسابقة ويتخلل بينها وبين اللاحقة فهو الان
متطهر وهذا في الحقيقة يؤل إلى اليقين وليس من الشك في شئ فكان يمكن الغناء عنه
فمن ثم اطلقه جماعة ووجه التقييد انه شك باعتبار مبدأه وان آل الحال فيه إلى
اليقين ونظيره من مسائل الشك ما ذكروه في باب السعي من أنه لو شك فيما بدأ من الصفا
28

أو المروة مع تحصيله للعدد فإن كان على المزدوج وهو على المروة بطل وعلى الصفا صح و
بالعكس لو حفظ وترا فإنه شك بحسب مبدأ الامر قبل التروي وبأدنى توجيه الذهن يضير من باب
اليقين وكذا القول في الصورة الثانية لو علم عدم التعاقب فإن كانت عادته ان يتطهر حين يحدث
ولا يتكرر منه حدثان أصلا فإنه مع علم حاله محدثا قبلهما يعلم أنه الان محدث لغير ما ذكر هذا
كله إذا قلنا إن الوضوء المجدد لا يرفع الحدث إما لو قلنا بكونه رافعا كما ذهب إليه جماعة تكافأ الاحتمالان
و وجبت الطهارة على نحو ما سبق هذا غاية تحرير التفصيل المذكور ولقائل أن يقول على التعليل
في الصورة الثانية بان تأثير الطهارة في الحدث أمر معلوم وتأثير الحدث في الطهارة غير معلوم
انه في موضع المنع إذ لا شبهة في أنه في زمن الحدث المفروض على حالة لا يسوغ معها الدخول
في الصلاة وكذا بعده بلا فصل سوى أوقع بعد الطهارة أم قبلها ولا معنى لتأثير الحدث في المنع
من الدخول في الصلاة الا ذلك و ح فتأثير الطهارة في رفع الحدث كما يحتمل كونه في الحدث
السابق خاصة بان يكون هذا الحدث متأخرا عنها يحتمل كون تأثيرها فيهما معا وكذلك كما
يحتمل كون تأثير هذا الحدث وقع في هذه الطهارة بان كان متأخرا عنها يحتمل كونه سابقا
وقد ارتفع القدر المشترك بينه وبين السابق فيقين الطهارة الرافعة معارضه بيقين الحدث
المانع وكل منهما مستصحب فان قيل الحدث المذكور إن كان متقدما على الطهارة لا
يكون له اثر لسبق حدث المانع فيكون هذا لحدث غير مؤثر لاستحالة تحصيل الحاصل ومن ثم
قلنا في التعليل السابق ان تأثير الطهارة في رفع الحدث أمر معلوم وتأثير الحدث في المنع غير
معلوم لاحتمال سبقه قلنا عدم تأثيره على تقدير معاقبته لمثله غير واضح بل لكل من
السابق واللاحق تأثير بالمنع غاية ما في الباب ارتفاع المنع الحاصل منهما بطهارة
واحدة ولهذا نص الفقهاء على أنه لو نوى بالطهارة رفع حدث معين مع تعدد الاحداث
يرتفع الجميع فلولا ان لكل واحد اثرا لما أفاد فيه الأخر بل ما عد الأول والتحقيق ان
29

الاحداث المذكورة ليست في الحقيقة عللا مؤثرة في المنع من الدخول في الصلاة وانما هي
معرفات للمنع ولهذا جاز اجتماع احداث متعددة مع اجتماع العلل التامة على المعلول الشخصي
ولما كان المانع من الدخول في الصلاة المعبر عنه بالحدث أمرا واحدا وكان كل واحد من الاحداث
المذكورة معرفا لحصوله كان نية رفع كل واحد منها في قوة رفع المانع من الدخول في العبادة
المشروطة برفعه فالمنوي في الحقيقة ليس الا رفع المانع المدلول عليه بهذه الاحداث وهو
أمر واحد له معرفات متعددة ومن ثم لو نوى رفع حدث معين وعدم رفع غيره لم يرتفع
منها شئ وذلك لان المرتفع ليس الا المانع وهو أمر واحد كما ذكرناه مدلول عليه بالاحداث
المذكورة فنية رفع إحديهما دون الأخر في قوة نية رفع المانع لارفعه وهو تناقص فتبطل
النية وقد ظهر من ذلك أن الحدث يطلق في عرف النحاة على معنيين احديها الاعداد
المذكورة من البول والغايط والريح وغيرها والثاني المانع من الدخول في الصلاة
وهو أمر معنوي تكون هذه الأمور دليلا على حصوله وتعلقه ببدن المكلف يرتفع بغسل
أعضائه المذكورة ومسحها وان المرتفع بالوضوء وغيره ليس الا المعنى الثاني دون الأول
واطلاقه على الأول في الحقيقة بطريق المجاز لا الحقيقة تسمية للسبب باسم المسبب ويمكن
ان يقال أيضا على تقدير كونها معرفات انه يجوز كون كل واحد من الاحداث المذكورة
معرفا لمانع اخر غير الأول وان تماثلا واسم المعرف لا ينافي التعدد فان المراد به انه ليس
مؤثرا بنفسه ومحدثا للمنع بل معرفا بان الله تعالى أحدث ببدن المكلف اثرا يمنع من الدخول
في الصلاة لا يرتفع الا بالطهارة فكما يجوز ان يقال في الحدث الأول انه عرف بوقوع
ذلك المعنى المانع وليس هو المؤثر كذلك يجوز ان يقال فيما بعده انه أحدث التعريف
بمانع ثاني وثالث وهلم جرا غاية ما في الباب ان هذه الموانع قد تتداخل الطهارات الرافعة
لها ويكتفى بطهارة واحدة كما يكتفى بوضوء واحد عند اجتماع احداث متعددة وقد لا يكتفي
30

كما إذا اختلفت الموانع قوتا وضعفا على بعض الوجوه ومن تم اختلف الفقهاء في تداخل
الأغسال عند اجتماع الاحداث وهو يدلك على أنه لا منافاة بين كون الحدث معرفا وبين الحكم
بتعدد الاحداث وإذا تقرر ذلك فنقول في الحدث المفروض الذي هو موضع النزاع وهو
الطارئ ان قلنا إن له تأثيرا كما حققناه اخرا فواضح وان قلنا لا تأثير له في المنع نقول إن
المكلف في زمان ذلك الحدث وبعد بلا فصل ممنوع من الدخول في الصلاة محكومة عليه بالحدث
سواء كان الحدث المذكور سابقا على الطهارة أم لاحقا لأنه إن كان لاحقا لها فواضح لأنه
مستمر إلى الان وإن كان سابقا فالمنع متحقق حالته وبعدها فكما يحتمل ان يقال هذا المانع
ارتفع بالطهارة لجواز سبقه كذا يقال يحتمل تأخره عنها فهو الان باق وهذا القدر مكاف
لما يقال إن الطهارة المذكورة كما يحتمل كونها متقدمة على الحدث فلا اثر لها الان يحتمل
تأخرها عنه فيتكافأ اليقينان وتشتبه الحال ويتوجه وجوب الطهارة في هذه الصورة كما يجب في
الصورة السابقة فان قيل هذا البحث آت في صورة سبق الطهارة أيضا بان يقال إن
الطهارة المفروضة وان احتملت التجديد ليكون غير رافعة لكنا نقول إن المكلف حالة
الطهارة يكون على حالة يباح الصلاة معها قطعا لأنها إن كانت متقدمة على الحدث
فالطهارة السابقة باقية والإباحة سببها وإن كانت لاحقة للحدث فهى رافعة فالمكلف
حالتها مستبيح للصلاة جزما فيستصحب الإباحة كما يستصحب حالة الحدث المفروض الذي حكم فيه
بتيقن المنع فيتكافئان قلنا هذا أيضا حق ووروده متوجه الا انه لا يزيل ما نحن
بصدد اثباته من وجوب الطهارة لان المسألة ح تصير كما تقدم في صدرها من تيقن الامرين
مع الشك في المتأخر فتجب الطهارة وهو معنى تأثير الحدث وان اختلف الاعتبار و
بذلك يظهر ان القول بوجوب الطهارة مطلقا أقوى من القول الأول من قولي
التفصيل نعم يبقى ما لو تيقن الطهارة والحدث متحدين متعاقبين وعلم حاله قبل زمانهما
31

على وجه يحكم يقينا باحديهما الان كما فرضه العلامة في القواعد وهذا أمر خارج عن باب
الشك كما حققناه فقد يستغنى عن استثنائه والقول الثاني من قولي التفصيل وهو يقابل
ما قبله وحاصله العمل على ما علم من حاله قبلهما إن كان متطهرا فهو الان متطهر وإن كان
محدثا فهو الان محدث وان لم يعلم حاله تطهر وهذا القول ذهب إليه العلامة في المختلف و
وجهه بأنه مع علم حاله سابقا بالطهارة يكون قد تيقن انه نقض تلك الطهارة ثم توضى ولا
يمكن ان يتوضى عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا
يزول عن اليقين بالشك ومع علم حاله بالحدث يكون قد تيقن انه قد انتقل عنه إلى الطهارة
ثم نقضها والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها والناقض متيقن وهذا التوجيه ينادى على
نفسه بالفساد سيما بعد الإحاطة بما حققناه فإنه إذا كان متطهرا سابقا لا يلزم وقوع
طهارته بعدها رافعة للحدث بل المسألة أعم من ذلك وكذلك إذا كان محدثا لا يلزم
من حدثه اللاحق كونه ناقضا للطهارة كما يقتضيه دليله وفى الحقيقة مدعاه وإن كان مطلقا
لكنه مخصوص بما دل عليه دليله من فرض المسألة في اشتباه الحال بين طهارة رافعة وحدث
ناقض وهذا جزء من جزئيات المسألة والحكم فيه صحيح مع ملاحظة تخصيصه بما فهم من
تعليله الا ان اطلاق الحكم غير صحيح إذ لو تيقن طهارة مطلقة وحدثا مطلقا لم تتم الدعوى
وربما وجهه بعضهم مطلقا بان الطهارة والحدث الطاريان تعارضا فتساقطا لاستحالة
الترجيح من غير مرجح ورجع الحكم إلى الحال السابق من طهارة أو حدث وهذا القول هو الذي
أوجب التعبير في المسألة باستصحاب السابق بطريق الحقيقة واستعاره العلامة في القواعد والمختلف
في الحكم بمثل السابق لاعينه وهذا الوجه غلط كالقول به وقد أشرنا إلى دفعه سابقا
وكيف يحكم بالحال السابق مع العلم بانتقاضه بما بعده من طهارة أو حدث فهذا
ما اقتضاه الحال من تحقيق هذه المسألة مطلقة ومفصلة وهو مبحث دقيق وتقرير
32

رشيق لم يحم حول حماه أحد ممن سبق وقد ظهر به قوة القول بوجوب الطهارة مطلقا حيث
لا يستفاد من الاتحاد والتعاقب حكم يخالفه وهو في الحقيقة غير مناف للاطلاق كما حققناه
وبقى في المسألة بحث اخر نختم به الكلام ونحقق به المقام وهو ان فرض أصحاب التفصيل
في المسألة اشتباه الحال قبل الفعلين أعني الحدث والطهارة قد يقع فيه التباس بسبب انه مع
الاشتباه ينتقل إلى حالة سابقة زمانا قبل زمان إلى أن يحصل انه تطهر أو أحدث إذ لا يتفق
الانسان في جميع عمره السابق لا يعلم هل أحدث أم لا أو تطهر أم لا فلابد ان يذكر حالة
من الحالتين وآيتهما ذكرها وشك في وقوع الأخرى بعدمها استصحب الحالة المتيقنة
ان حدثا وان طهارة اجماعا فهو في الوقت المتصل بالفعلين المبحوث عنهما إما محكوم بطهارته
شرعا ولو بالاستصحاب ان ذكر انه في الانات السابقة أوقع طهارة وشك في الحدث بعدها
أو محكوم بحدثه ان ذكر حدثا سابقا وان بعد وشك في لحوق الطهارة له فلا يتحقق في هذه
المسألة اشتباه حالة المكلف قبلهما والجواب ان المراد بالاشتباه المفروض هنا اشتباه
الحالة يقينا بمعنى انه بعد الزوال مثلا إذا وقع منه طهارة وحدث لا يعلم يقينا هل كان
في الحالة السابقة عليها بلا فصل متطهرا أو محدثا وإن كان الاستصحاب يحكم باحديهما
فان ذلك غير كاف في هذه المسألة وذلك لأنه إذا تحقق انه عند الصبح مثلا تطهر ولا يعلم
هل أحدث بعد ذلك أم لا فهو عند الزوال الذي هو زمان الحدث والطهارة المشتبهتين لا يعلم
هل هو متطهر يقينا فنكون تلك الطهارة التي وقعت عند الزوال مجدده فلا يكون رافعه
أو محدث فتكون رافعه فقد اشتبهت الطهارة الثانية هل هي رافعة أم لا كما في الطهارة الواقعة
بعد حالته التي علمها بالطهارة وكذا القول في الحدث فإنه يحتمل ان يكون واقعا بعد الطهارة
و ح إن كانت الطهارة مستمرة إلى الزوال فيكون مؤثرا في ابطال الطهارة وتأثير الطهارة
فيه بعد ذلك غير معلوم ويحتمل ان يكون واقعا بعد حدث فلا يكون له تأثير في الطهارة
33

فيتكافأ هو والطهارة في احتمال التأثير في الضد وعدمه فلا ترجيح فتجب الطهارة وهذا
الجواب مبنى على القول بالتفصيل الأول المبنى على عدم تأثير الحدث إذا وقع بعد حدث وإن كان قد
تقدم ما فيه فان قيل إذا كان الاستصحاب مع الشك في طرو الضد يقيد بقاء السابق شرعا فلم
لا يكون حكمه عند الزوال بحكم المتطهر إن كان المتيقن سابقا هو الطهارة أو الحدث إن كان المتيقن
هو الحدث نظرا إلى أن الشارع قد حكم عليه في تلك الحالة بذلك الوصف فيكون كالمتيقن للحالة
ويلزمه حكمها إذ لافرق في الشرع بين المتطهر يقينا واستصحابا كما في نظائره قلنا لما كانت
الطهارة بحسب أصلها مشتركه بين الرافعة للحدث المبيحة للصلاة وبين غيرها كان مطلق الطهارة
الواقعة من المكلف غير مستلزم لرفع الحدث لأنه حكم مغاير لها وهي أعم منه فما لم يتيقن كونه
متطهرا قبل الزمان المشكوك فيه بلا فصل أو محدثا لا يتيقن كون الطهارة رافعه أو غير رافعة
وان حكم باستصحاب الحالة السابقة لجواز ان يكون الحال في نفس الامر بخلاف ما حكم باستصحابه
فلا يكون الطهارة رافعة في نفس الامر فشكه ح يرجع إلى انى ان كنت في نفس الامر في تلك
الحالة محدثا فالطهارة رافعة والا فليست برافعة وهذا لا توجب كونها رافعة كما لا يخفى
فان النافع انما هو الطهارة الرافعة لا مطلق الطهارة كما قد عرفته سابقا وعلى ما اخترناه
لا يفتقر إلى هذا التكلف وانما حررناه تحقيقا لقولي التفصيل نعم ان الشبهة لاغتنم؟ عنها
بذلك أصلا وان ترجح ذلك الجانب بوجه ما والله تعالى اعلم بحقايق
احكامه وحسبنا الله ونعم الوكيل
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة شريفة أيضا إذا أحدث المجنب في أثناء غسل الجنابة حدثا اضمر أفلا نص؟؟
34

ظاهرا عن أئمة الهدى عليهم السلام في حكمه وقد اختلف الأصحاب فيه بسبب ذلك على أقوال احديها
وهو أول الأقوال بحسب الظاهر وجوب إعادة الغسل من رأس ذهب إليه الصدوقان والشيخ في؟؟
والعلامة جمال الدين وولده فخر المحققين والشهيد وأكثر المتأخرين وثانيها عدم البطلان
به بل عدم تأثيره أصلا فيتم الغسل ولا شئ عليه ذهب إليه القاضي بن البراج وابن إدريس
ونضيره من المتأخرين المحقق الشيخ على رحمه الله وثالثها عدم البطلان به ويكفى اتمامه
لكن يجب عليه الوضوء لهذا الحدث الطارئ ذهب إليه السيد المرتضى من المتقدمين و
المحقق أبو القاسم وبعض المتأخرين حجة الأول أمور الأول ان الحدث الأصغر
سبب تام في ايجاب الوضوء كما أن الجنابة سبب تام في ايجاب الغسل لكنها إذا اجتمعا دخل
الأصغر تحت الأكبر فإذا وقع الأصغر في أثناء الغسل وقع وهو جنب إذ لا ترتفع الجنابة
الا بتمام الغسل فلابد له من رافع وهو إما الوضوء أو الغسل لكن الوضوء ممتنع مع غسل
الجنابة بالنص والاجماع فيجب إعادة الغسل لان الباقي من الغسل جزء الرافع لا الرافع
وما مضى من الغسل قبل طرو الحدث لا يعقل تأثيره في رفع الحدث الطارئ الثاني
ان الحدث لو وقع بعد تمام الغسل نقضه أي أبطل تأثيره في إباحة الصلاة فلإبعاضه أولي
فإذا انتقض ما فعله بالنسبة إلى الإباحة وجب عليه إعادة الغسل لأنه جنب حيث لم يرتفع
حكم جنابته بغسل بعض أعضائه ولا اثر للحدث الأصغر مع الأكبر الثالث
ان الحدث يمتنع خلوه عن اثر مع تأثره بعد الكمال فاثره ان الوضوء اندفع بالاجماع
والأخبار المطلقة على امتناع الوضوء مع غسل الجنابة فلم يبق الا إعادة الغسل
إذ اثر المبيح هنا منحصر فيهما وحجة الثاني أمور الأول ان الحدث الأصغر
لا يوجب الغسل اجماعا فلا معنى لايجاب الإعادة والوضوء منتف مع غسل الجنابة
اجماعا ولا يمكن المصير إليه فلم يبق الا اكماله بغير وضوء الثاني ان الحدث الأصغر
35

لا حكم له مع الأكبر ولا تأثير والغسل لا يرفع الحدثين ابتداء ولا يبيح منهما كذلك والا
لوجب نيتهما من أول الغسل ولم يكتف بنية إحديهما عن الأخر لقوله صلى الله عليه وآله
وانما لكل امرء ما نوى وهو باطل بغير خلاف وانما المرتفع بالغسل هو الحدث الأكبر المنوي
ورفعه يقتضى رفع الأصغر على طريق الاستتباع و ح فلا يكون الأصغر مبطلا لصلاحية
تأثير التبعض في الإباحة منه لانتفاء الصلاحية ح أصلا ورأسا الثالث أصالة
البراءة من وجوب الإعادة والوضوء كذلك الرابع قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم و
النهى للتحريم الخامس الاستصحاب فان الصحة معلومة قبل تخلل الحدث فكذا بعده لانتفاء
ما يدل على الأبطال السادس وجوب الإعادة في غسل الجنابة مع العدم في غيره
مما لا يجتمعان والثاني ثابت فينتفى الأول بيان التنافي ان القائلين بوجوب إعادة
الغسل بتخلل الحدث لم يفرقوا بين غسل الجنابة وغيرها واما ثبوت الثاني فلانتفاء
المقتضى للإعادة في غير الجنابة لان الحدث يقارنه ويبقى بعده إذ لا يرتفع به ولا تنافي
بينهما بحال حجة الثالث ان الحدث الأصغر موجب للوضوء وليس موجبا للغسل
ولا لبعضه فيسقط وجوب الإعادة ولا يسقط حكم الحدث بما بقى من الغسل فيجب له
الوضوء وجملة الامر ان الأصل في الحدث سواء كان أصغر أم أكبر ان يفيد المنع من الصلاة
إلى أن يحصل بعده طهارة مبيحة أو رافعة فما لم يحصل ذلك يبقى الحدث على حكم
المنع وتداخل الأسباب عند اجتماعها متماثلة أو دخول الأضعف تحت الأقوى
كما في الحدث الأصغر المجامع للجنابة قبل الغسل لا يخرجها عن أصل النية والمانعية في
غير مورد الاجماع الثابت بالنص أو الاجماع فما وقع من الحدث في هذه الصورة من
جملة الاحداث التي قد نص الشارع على كونه سببا لوجوب الطهارة فيجب له الوضوء
إذ لم يبقى غسل كامل حتى يدخل معه كما لو تقدم وإذا كان هذا الحدث لا يزال الا بالغسل
36

أو الوضوء فلو وجبت الإعادة لزم كونه من موجبات الغسل وليس كذلك أو اكتفى بالاكمال
لزم ارتفاع الحدث الأصغر ببعض الغسل وهو منتفى قطعا إذ رافعه منحصر في الوضوء أو الغسل
التأمين ويلزم أيضا انه لو طري قبل جزء لا يتجزى من الجانب الأيسر ان يكفي غسل ذلك
الجزء عن الوضوء والغسل وهو باطل وكذا يلزم القايل بالإعادة وجوب الغسل مع
بقاء جزء من الجانب والذي ظهر بعد تحرير الحال ان قول السيد سيد الأقوال والجواب
عن حجج القولين قوله في الأول ان الحدث الأصغر سبب تام في ايجاب الوضوء الخ
قلنا مسلم ويحتاج ح إلى رافع وهو الوضوء لعدم اجتماعه مع تمام غسل الجنابة
قوله الوضوء ممتنع مع غسل الجنابة بالنص والاجماع قلنا امتناعه معه بهما انما
هو مع اجتماع موجب الوضوء وموجب الغسل قبل الشروع في الغسل إما مع تقدم
بعض الغسل على الحدث الأصغر فلا وكيف يكون موضع الاجماع وهو عين النزاع وقد
خالف فيه من المتقدمين مثل المرتضى ومن المتأخرين مثل المحقق فان قلت هما معلوما
الأصل والنسب فلا يقدحان فيه قلنا وكذلك القائل بكل من القولين الآخرين معلوم
الأصل والنسب فلا يقدح في الاجماع على خلافه فيمكن دعوى الاجماع في مقابلهما
فان قلت لم يدع أحد الاجماع في هذا الجانب بخلافه هناك فيكون ذلك هو المرجح
قلنا علة الاجماع مشتركة من الجانبين وحيث لم يؤثر في أحدهما لا يؤثر في الأخر
والتحقيق ان النص والاجماع انما وقعا على الوجه المتقدم وهو غير المتنازع إما النص
فروى ابن أبي عمير في الصحيح عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل غسل قبله وضوء
الا غسل الجنابة وروى محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر عليه السلام قال الغسل يجزى عن
الوضوء وأي وضوءا طهر من الغسل وفى الحسن عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال في كل غسل وضوء الا غسل الجنابة وباقي الأحاديث نحو ذلك على أن غسل الجنابة
37

يجزى عن الوضوء بمعنى انه يرفع حدث الجنابة وحده ان لم يكن هناك حدث أصغر ويرفعهما
ان صاحب الجنابة حدث أصغر وأما إذا عرض الحدث الأصغر في أثناء الغسل فما بقى منه لا يسمى
غسلا حتى يجزى عن الوضوء والمتقدم منه لا يعقل تأثيره في رفع الحدث المتأخر عنه فان قلت
وهو حين الحدث الأصغر محدث إذ لا ترتفع الجنابة الا بتمام الغسل فقد اجتمع الحدث
الأكبر والأصغر معا فيتداخلان قلت المعقول من النص والفتوى ان المتداخل انما
هو الطهارات التي هي مسببات عن الاحداث لا نفس الأسباب وقد صرح في صحيح زرارة
عن إحديهما عليهما السلام إذا اجتمعت عليك حقوق أجزاك غسل واحد عنها قال وكذلك المراة
يجزيها غسل واحد لجنابتها واحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها و ح فإنما
يتداخل الطهارتان هنا أعني الوضوء والغسل بان يدخل الأصغر تحت الأكبر إذا
اجتمعتا معا في حاله كما أن الأغسال المتعددة والوضوءات المتعددة بتعدد أسبابها
انما تتداخل مع اجتماعها إما لو طري سبب أحدها بعد الشروع في الأخر لم يتداخلا
ووجب للطارئ موجبه من وضوء أو غسل فهنا كان الوضوء داخلا في الغسل
فلما تجدد موجبه في أثناء الغسل لم يدخل الوضوء تحت باقي الغسل لان بعض الغسل
ليس بغسل واما الاجماع فعلى تقدير تسليمه انما دل على أن الوضوء لا يجتمع مع غسل
الجنابة بالمعنى المتقدم وهو انه لا يتوقف رفع الجنابة على الوضوء مع الغسل ولا رفع
الحدث الأصغر السابق على الغسل على الوضوء بل يكفي في رفعهما الغسل وهذا كله
خارج عن موضع النزاع ومحل الخلاف فحيث لم يتحقق هنا اجماع على عدم الوضوء
وكان الحدث الطارئ انما يوجب الوضوء فلا مانع من القول بوجوبه حتى لو فرض
انه أراد العود إلى أول الغسل ليدخل تحته الوضوء لم يكن ذلك كافيا عن الوضوء
أيضا لان الأجزاء السابقة من الغسل الواجب قد خرجت عن الوجوب فاعادتها
38

ليس على وجه الوجوب والتداخل انما يتحقق في الغسل الواجب أو ما يقوم وهذه الإعادة
لا مدخل لها في الواجب ولا في القيام مقامه قوله في الثاني ان الحدث لو وقع بعد
تمام الغسل نقضه الخ قلنا نقضه للغسل ممنوع إذ لو نقضه لأوجب الغسل وهو
باطل اجماعا لان الناقص والموجب متساويان في غير غسل الجنابة بالنسبة إلى الوضوء
إما مطلقا أو مع وجوب الغاية بناء على وجوب الطهارة لغيرها أو لنفسها في بعض
الموارد وانما أبطل الحدث الطارئ استمرار الإباحة بالنسبة إلى الحدث الأصغر لان نواقص
الصغرى لا يكون نواقض الكبرى اتفاقا واللازم ح وجوب الوضوء خاصة لا إعادة الغسل
وأجيب أيضا بمنع النقض في الابعاض للفرق بين الحالين إذ بعد تمام الغسل قد ارتفع
الحدث وأبيحت العبادة فأمكن طرؤ الحدث بخلاف ما قبله لان الحدث لا يرتفع الا بتمام
الغسل فعند الاتمام يرتفع الحدث كله وفيه ان الا حدث المعدودة تؤثر المنع
سوا أوقعت بعد الطهارة وتحقق الإباحة أم قبلها وان لزم منه اجتماع الموجبات لأنها
معرفات شرعية لا علل عقلية فلا يضر اجتماعها وينبه على ظهور تأثيرها
وان تعاقبت انه لو نوى رفع الحدث الأخير في نية الطهارة كفى وارتفع الجميع ولولا أن
للاخر اثرا في المنع لم تكن نيته موجبة للرفع وكذا القول لو نوى رفع المتوسط
فقد ظهر للحدث تأثيرا في المنع سواء أوقع بعد الطهارة أم قبلها فيوجب عند وقوعه
موجبة ما لم يدخل في غيره كما في دخول لوضوء في غسل الجنابة لو اجتمعا وليس هذا
منه قوله فإذا انتقض ما فعله وجب عليه إعادة الغسل هذا واضح المنع ومقتض
لكون الحدث الأصغر بابطاله استمرار الإباحة الناشية من الغسل موجبا لابطال
الغسل وهو ظاهر البطلان وانما أحدث منعا جديدا من الدخول في الصلاة يتوقف
رفعه على الوضوء لا ابطال الأول قوله ولا اثر للحدث الأصغر مع الأكبر
39

قلنا بل الأصل في هذه الأسباب ان توجب الطهارة على وجهها سوا تعددت أم اتحدت
لان السببية ثابتة لكل واحد منها بالنص والاجماع وتداخلها مع اتفاقها أو دخول
الأصغر تحت الأكبر كما في الجنابة مع فرض الاجتماع لا يوجب سقوط ما ثبت لها من السببية
ودل عليه الدليل وقد عرفت ان التداخل انما يتحقق بين الوضوء والغسل هنا عند
الاجتماع لابين الاحداث فلا يلزم من وجود الاحداث تداخلها قوله في الثالث
من أدلة الأول ان الحدث يمتنع خلوه عن اثر الخ قلنا مسلم لكن اثره الوضوء وهو غير
ممتنع هنا كما تقدم والتقريب ما سبق في جواب الأول بل مرجع الدليلين إلى شئ واحد
وان تغايرت العبارة وتحرر الأول بزيادة قوله في دليل القول الثاني ان الحدث
الأصغر لا يوجب الغسل اجماعا فلا معنى لايجاب الإعادة الخ هذا الدليل في غاية لجوده
وهو كما يصلح للاكتفاء بالاكمال كذلك يصلح لايجاب الوضوء معه لاشتراكهما في عدم
بطلان السابق وبطلان الوضوء بعده وقد عرفت جوابه وأجاب عنه في المخ بان ايجاب
الإعادة ليس باعتبار الحدث الأصغر بل بحكم الجنابة الباقي قبل كمال الغسل ولا يخفى
ضعف هذا الجواب بل فساده لان حكم الجنابة لو يتجدد بتخلل الحدث الأصغر بل حكمها
الذي كان قبل الغسل باق إلى اتمامه وانما المتجدد هو الأصغر فكيف يجب به الغسل واللازم
من حكم الجنابة السابقة الاكتفاء باتمام الغسل ومن حكم الحدث الطارئ وجوب
الوضوء قوله في الثاني ان الحدث الأصغر لا حكم له مع الأكبر ولا تأثير والغسل
لا يرفع الحدثين ابتداء الخ قلنا لما دل الدليل وانعقد الاجماع على أن الاحداث المذكورة
سبب في وجوب الطهارة ثبت لها الحكم سواء تعددت أم اتحدت والتداخل مع اتفاقها
أو اجتماع الأكبر والأصغر بالنسبة إلى غسل الجنابة لا لعدم تأثير الأصغر أو الثاني
بل لتداخل الطهارات أو دخول الوضوء في الغسل وهذا الحكم الثابت في بعض الموارد
40

على خلاف الأصل لا يوجب سقوط ما ثبت لها من السببية ودل عليه الدليل وانعقد
عليه الاجماع فالأصل فيها ان يكون كل واحد منها سببا تاما في مسببه ولا معارض لذلك في غسل
الجنابة الا تخيل ان الاكتفاء بالغسل لو اجتمع الأكبر والأصغر يقتضى عدم تأثير الأصغر
ولا حقيقة لهذا الخيال لان التداخل لما ثبت للمتساويين قوة وضعفا كما في اجتماع احداث
كثيرة توجب الوضوء واكتفى بوضوء واحد باعتبار ورود النص فيه لم يبعد ح دخول
الأضعف تحت الأقوى حيث يرد به الشرع أيضا كما في غسل الجنابة على تقدير مجامعته
للوضوء بمصاحبته الحدث الأصغر وتوهم كون الحكم ثابتا قبل ورود الحدث الثاني
فان الحدث يرتفع ولو نوى رفع الحدث غير واقع لم يرتفع فدل ذلك على أن لكل واحد من
الاحداث المتعاقبة تأثيرا في المنع ولو تداخلت مسبباتها لكن هذه النسبة لا يظهر اثرها
في مصاحبة الجنابة للحدث الأصغر لسبب ان نية رفع الأصغر انما تصاحب الوضوء ولا وضوء
هنا لدخوله في الغسل والغسل لا يدخل لنيته الأصغر فيه وتبين لك ظهور اثره فيما لو تقدم
الحدث الأصغر على الجنابة فإنه اثر المنع وأوجب الوضوء قطعا فلما طراءت الجنابة لم يزل
ذلك المنع بل لا دليل على زواله بغير طهارة وانما دخل الوضوء في الغسل اللاحق وارتفع
الحدثان معا بالغسل و ح فإذا طرء الأصغر في أثناء الغسل تحقق تأثيره ولاغسل
بعده يدخل وضوء معه بل بعض الغسل فلا يزول الأصغر ولا يرتفع الا بالوضوء قوله
والا يوجب نيتهما ابتداء ولم يكتف بنية إحديهما عن الأخر لقوله صلى الله عليه وآله وانما لكل امرء
ما نوى الخ قلنا نمنع لزوم ذلك فان الاحداث المجتمعة حيث يحكم بتداخلها
أو تداخل مزيلها لا يجب معه نيتها أجمع اجماعا بل يجوز نية القدر المشترك بينها وهو الرفع
أو الإباحة ونية ونية رفع أحدهما إذا لم ينتف الباقي ومع نفيه على قول وهذا حكم
يعترف به الجميع ومنهم الخصم هنا وما احتج به هنا لا يقول به هناك إما الحديث إذا
41

اجتمعت عليك حقوق أجزاك الخ واما لان رفع أحدها يقتضى رفع القدر المشترك بينها
وهو المنع لتوقف الخصوصية على رفع الجميع إذ ليس المراد ارتفاع حقيقة الخارج أو
الحاصل بان رفع حكمه وهو شئ واحد تعددت أسبابه وتداخلت مسبباته وإذا كان كذلك
في المتفق فلم لا جاز في المختلف مع نية رفع الأكبر والأقوى ونية الاستباحة المطلقة
وانما لم يكتف بنية الأصغر خاصة على تقدير حصوله مع الأكبر لعدم دخول الأقوى تحت
الأضعف ولهذا حكم جمع من الأصحاب بعدم دخول غسل الجنابة ونحوها تحت غسل الاستحاضة
لغير الانقطاع والمتحيرة لضعفه باستمرار الحدث مع اشتراكهما في الأكبر به بل قيل إن
غسل الجنابة يجزى عن غيره ولا يجرى غيره عنه لضعفه بافتقار رفع الحدث مطلقا إلى
مجامعة الوضوء فليكن هنا كذلك مع ما بين الحدثين من الاختلاف حكما وقوة وقد ظهر
بذلك جواب بقية ما الحقه بالدليل واما الدليل الثالث والرابع والخامس
فمشترك بين القولين الآخرين فلا ينافي مطلوبنا بل يحققه ويزيد في المطلوب وجود ما يوجب
الوضوء قوله في السادس وجوب الإعادة في غسل الجنابة مع العدم في غيره مما لا يجتمعان
إلى قوله إن القائلين بوجوب إعادة الغسل بتخلل الحدث لم يفرقوا بين الجنابة وغيرها
فيه منع انهم لم يفرقوا بل جماعة منهم قد صرحوا بالفرق وان الإعادة مخصوصة بغسل
الجنابة وانهم انما التجار إلى الإعادة لذلك ولما كان الوضوء يصاحب غيره مع عدم
سبق الحدث كانت مصاحبته له معه أولي فيكفي فيه اتمامه مع الوضوء وان أوجبوا الإعادة
في الجنابة وممن صرح بالفرق في العلامة النهاية فإنه أوجب الإعادة في غسل الجنابة واكتفى باتمامه
والوضوء بعده في غيره وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله وقد ظهر من تضاعيف هذه
الأدلة وأجوبتها ما يرد على دليل القول الثالث وما يجاب عنه فلا تتوقف الإفادة
على الإعادة وقد عورض الالزام الأخر بمثله فإنه يلزم الآخران من غسل من رأسه جزءا
42

يسيرا بقدر درهم ببول فإنه يجب عليه الغسل والوضوء وهذا الالزام مشترك بين
الأقوال الثلاثة وهو مجرد استعاد ولا يلتفت إليه وإن كان للكلام عليه في الجملة بحال و
قد تلخص من ذلك كله ان العمدة في القول بالإعادة على الاجماع على عدم الوضوء في غسل
الجنابة مع ثبوت تأثير الحدث كيف وقع ومدار القول بالاكتفاء بالاكمال على عدم تأثير الحدث
الطارئ على الجنابة وحيث ثبت انه الاجماع في الأول والتأثير متحقق في الاحداث و
ان تعاقبت تعين العمل بالقول الثالث ويليه في القوة الأول وأضعفها القول بالاكمال
خاصة وان إعادة الغسل حين الحدث والوضوء بعده أحوط واكماله ثم اعادته مع الوضوء
أولي من الجميع واعلم أن هذه المسألة اجتهادية عديمة النص على خصوصها قد اختلف
فيها انظار العلماء فلا حرج على من ترجح عنده قول منها والمعتبر في الاعتماد على
أحدها مجرد رجحان دليله على الباقين لا بلوغه حدا لا يبقى معه اشكال كما في نظائره
من المسائل الفقهية الخلافية ومن حاول الوصول في هذه الأبواب إلى حد يزول معه
اللبس وتسكن إليه النفس بحيث لا يتخالجها وهم فقد ارتكبت شططا وما أودعناه في هذه
المسألة موجب لرجحان القول الأخير وان بقى لباب المقال مجال بقى في المسألة مباحث
الأول هذا البحث كله إذا وقع الحدث في أثناء الغسل المرتب ليتحقق له اجزاء يتخللها
الحدث فلو اغتسل مرتمسا فقد لا يأتي فيه ذلك كما لو دخل في الماء دفعه سريعة وهو
خال من الموانع الدافعة لنفوذ الماء إلى ما يجب عليه غسله كالشعر والعين في البطن وقد
يأتي فيه ذلك فان المعتبر في الارتماس الدفعة العرفية لا الحقيقية وهي لا تنافي التراخي
القليل الذي لا ينافيه ومن ثم أمكن ارتماس ذي الشعر الكثيف ونحوه مع أن الماء يصل
إلى رأس انفه قبل باطن شعره قطعا وكذلك ورد النص بجوازه تحت المطر العزير مع
عدم تحقق الوحدة الحقيقية فالاثناء للغسل ممكن ح فليفرض فيه الحدث ويأتي
43

الخلاف وفى المختلف قيد المسألة بغسل الترتيب وكانه يريد ان غسل الترتيب يمكن ان يفرض
في كل فرد من افراده ذلك بخلاف الارتماس كما قصده واما الشهيد رحمه الله فقد فصل في الذكرى
حكم بتفصيل لا يخلوا من اشكال فقال لو كان الحدث من المرتمس فان قلنا بسقوط الترتيب حكما
فان وقع بعد ملاقاة الماء جميع البدن أوجب الوضوء لاغير والا فليس له اثر وان قلنا بوجوب
الترتيب الحكمي القصدي فهو كالمرتب وان قلنا بحصوله في نفسه وفسرناه بتفسير الاستبصار أمكن
انسحاب البحث فيه انتهى وفيه نظر من وجوه الأول ان البحث في وقوع الحدث في أثناء
الغسل فقوله لو كان الحدث أي المبحوث عنه من المرتمس بعد ملاقاة الماء جميع البدن خروج
عن المفروض لأنه ح يكون قد أكمل الغسل وان لم يخرج من الماء إذ حقيقة الغسل ح إصابة
الماء لجميع البدن دفعة سواء بقى بعد ذلك في الماء أم خرج منه والامر هنا سهل الثاني
قوله والا فليس له اثر ليس على اطلاقه بل قد يكون له اثر كما إذا وقع بعد ملاقاة الماء لبعض
البدن وقبل ملاقاة الجميع فينسحب حكم البحث فيه ولا ينافي ذلك كونه ارتماسا مع قصر الزمان كما في تحليل
ما يجب تحليله وقد حققنا القول في ذلك في موضع اخر الثالث قوله وان قلنا بوجوب
الترتيب القصدي الخ وهو المعنى الذي فهمه العلامة من الترتيب الحكمي تقتضي ان ضم قصد
الترتيب إلى الارتماس يغير حالته وفيه نظر لان الوحدة المعتبرة فيه بأي معنى أخذت لابد
من حصولها سواء انضم إليها القصد أم لا فكما يتصور الحدث في أثنائه بالقصد يتصور بدونه
وكما ينتفى بدونه ينتفى مع القصد لأنه لا يوجب زيادة زمان على عدمه فان المعتبر تحقق الارتماس
على الحالين الرابع قوله وان قلنا بحصوله أي الترتيب في نفس الغسل وفسرناه بتفسير الاستبصار
من أن معنى الترتيب الحكمي ان المرتمس إذا خرج من الماء حكم له أولا بالطهارة لرأسه ثم جانبه
الأيمن ثم الأيسر فيكون على هذا التقدير مرتبا فيمكن انسحاب البحث فيه نحو ما تقدم
من أن حصول هذا الحكم في نفسه لا يقتضى زيادة زمان على عدمه والمعتبر في وقوع الحدث
44

في الأثناء انما هو اتساع الفعل بحيث يتحقق له أول واخر ووسط ليتحقق الوقوع في أثنائه
وهذه المعاني التي ذكرناها به؟ بأمرها مشتركة في معنى واحد فاما ان يثبت الحكم لجميعها أو ينتفى
في الجميع فالمعتبر ما أسلفناه في أول البحث الثاني قد استفيد من خلال الأدلة الواقعة
في المسألة ان الكلام انما هو في غسل الجنابة وهو الذي صرح به أكثر الجماعة فلو كان
غيره من الأغسال المكملة بالوضوء ففي انسحاب البحث وطرد الخلاف فيه نظر وقد تقدم في بعض
أدلة المسألة ما يقتضى قطعهم بعدمه وليس بجيد فان الشهيد رحمه الله في البيان صرح
بالمساواة بينهما قاطعا به في باب الجنابة والعلامة ره في النهاية قطع بالفرق وان غير الجنابة
لا يبطل بالحدث المتخلل بل يوجب الوضوء خاصة مع حكمه بالإعادة في غسل الجنابة وفى
الذكرى توقف الالحاق وجعل طرد الخلاف ممكنا والتحقيق ان الدليل الأول والثالث
من أدلة الإعادة لا يأتيان هنا لان مرجعهما إلى أن انتفاء وجوب الوضوء الذي هو مقتضى
حكم هذا الحدث الطارئ انما وقع من ظاهر الاجماع على انتفاء الوضوء في غسل الجنابة
وهذا المعنى منتف هنا لان الوضوء يجامع هذه الأغسال فينبغي ان يعمل هذا الحدث
عمله وهو ايجاب الوضوء إذ لا مانع منه إما الدليل الثاني من أدلته فيمكن سوقه هنا
بان يقال إن هذا الحدث لو وقع بعد تمام الغسل نقضه فلأبعاضه أولي فيجب إعادة
الغسل لأنه ماس للميت أو حايض أو أختاها حيث لم يرتفع الحدث الخاص ولكن قد عرفت
ضعف هذا الدليل وان هذا الحدث لم ينقض الغسل وانما أبطل استمرار الإباحة بالنسبة
إلى الحدث الأصغر فيوجب الوضوء ولا مانع منه هنا واما أدلة القول الثاني فاولها
لا يأتي هنا أيضا لابتنائه على انتفاء الوضوء في غسل الجنابة واما الثاني فيمكن
انسحابه بدعوى ان الحدث الأصغر لا حكم له مع الأكبر ولا تأثير بناء على أن الغسل في
الجنابة كاف سواء وقع مع الجنابة حدث أصغر أم لا وكذلك الوضوء مع الغسل في غير الجنابة
45

كاف سوا ذلك الحدث الموجب لهما حدث أصغر أيضا أم لا فيكون وجوده كعدمه فإذا
وقع لا يؤثر شيئا بل يبقى الامر على ما كان من غسل ووضوء بعده ان لم يكن قدمه وقد عرفت
جوابه وبقية الأدلة غير ضارة واما أدلة القول الثالث فهى موافقة لسائر
الأغسال فقد ظهر انه يمكن بناء القول في هذا الفرض بكل من الأقوال وإن كان القول الثالث أولي
بالقوة هنا ولكن ينشأ الخلاف هنا على مسألة أخرى وهي ان الاحداث الموجبة للوضوء
والغسل هل هي حدث واحد أكبر لا يرتفع الا بالوضوء والغسل أم حدثان أصغر وأكبر فوجب لذلك
الوضوء والغسل ثم على هذا التقدير هل الوضوء منصرف إلى الأصغر والغسل إلى الأكبر
أم هما معا يرفعان الحدثين على سبيل الاشتراك كل من الثلاثة يحتمل وربما كان به قايل
وقد نبهوا عليه في مواضع منها هذه المسألة ومنها نية الوضوء على تقدير تقديمه ومطلقا
فقد قيل إنه ينوى فيه الاستباحة لأنه ليس برافع للحدث الأكبر وانما الرافع له الغسل
وقيل يتخير فيهما ومنها إباحة ما يتوقف على الطهارة الكبرى خاصة كالصوم و
ودخول المساجد وقراءة الغرائم والذي قطع به الشهيد في البيان في مسألة نية الوضوء
المضموم إلى غسل الاستحاضة مع تقدمه والعلامة في المختلف توزيع الوضوء والغسل
على الحدثين وان كل واحد منهما كجزء الطهارة وهو محتمل للوجهين الآخرين وظاهرهما
اختيار الحدثين وان كل واحد منهما عله ناقضة لرفعهما ويظهر من الذكرى اختيار التوزيع
ويؤيده اتفاقهم على جواز الصوم من منقطعة الدم إذا اغتسلت وان لم تتوضأ والحق
انه ان ثبت الاتفاق على صحة الافعال المتوقفة على رفع الأكبر بدون الوضوء فالقول
بالتوزيع متعين إذ لولاه لم يتم هذا الحكم والا فاثبات الحدثين بمجرد وجوب الطهارتين
غير واضح ولكنا علمنا يقينا تحقق الحدث بالأسباب المذكورة ووجوب الطهارتين و
ارتفاع الحدث بهما وما زاد على ذلك لا دليل عليه ويتفرع على ذلك القول باجزاء
46

غسل الجنابة عن غيره واجزاء غيره عنه أو عدمه مع اجتماعهما فإنهم ادعوا ان غسل
الجنابة أقوى من غيره من حيث رفع الحدث من غير انضمام إلى الوضوء وتوقف غيره في
رفعه على انضمام الوضوء فيمكن ان يقال هنا انا ان جعلنا موجب الطهارتين حدثا
واحدا توقف رفعه عليهما فهو أقوى من الجنابة لان حدث الجنابة يرتفع بالغسل خاصة و
غيره لا يرتفع الا بهما وان جعلناهما حدثين ورفعنا الأكبر بالغسل والأصغر بالوضوء
فيمكن مساواتها للجنابة حيث إن الغسل وحده رفع الأكبر كالجنابة فيكون غير الجنابة
أقوى لإيجابه حدثين وطهارتين وان جعلناهما حدثين لا يرتفعان الا بالوضوء والغسل
على سبيل الاشتراك فغير الجنابة أقوى أيضا فاطلاق كون غسل الجنابة أقوى
واطلاق كون غسل الجنابة أقوى إلى ليس بواضح وإن كان لاجزائه عنها دليل اخر
ليس هذا موضع ذكره إذا تقرر ذلك فتقول ان قلنا بتوزيع الوضوء والغسل على الحدثين
وصرف كل منهما إلى ما يناسبه قوى القول بالاجتزاء بالوضوء بعد الغسل يتجلل الحدث
الأصغر لأنه يوجب الوضوء ويدخل مع الموجب الأخر لتماثلهما وان قلنا بأنه
حدث واحد يوجب الوضوء والغسل احتمل عدم الاجتزاء بالوضوء المتأخر لأنه ليس هنا
حدث أصغر حتى يدخل معه هذا الحدث المتخلل ويحتمل قويا الاجتزاء هنا أيضا لما
أسلفناه من أن المتداخل انما هو الطهارات لا الاحداث وهنا قد اجتمع عليه وضوء ان
إحديهما بسبب الحدث الأكبر السابق والاخر بسبب الأصغر اللاحق فيتداخلان وان
قلنا بأنهما حدثان لا يرتفعان الا بالطهارتين فاللوجهان أيضا من حيث اجتماع الوضوئين
وكون الوضوء الأصلي له مدخل في رفع الأكبر كما أن للغسل مدخلا في رفع الأصغر كغسل
الجنابة عند مجامعة الحدث الأصغر فدخول الحدث اللاحق في الوضوء غير مناسب لأنه
لا يرفع الحدث الأصغر بانفراده ولا في الغسل كذلك وإذا لم يدخل ووجب له وضوء
47

آخر لزم وجوب وضوئين مع غسل وغير معهودا وغير جايز كما يظهر من الذكرى فتعينت الإعادة
أو نقول الجزء السابق على الحدث من الغسل قد ارتفعت رافعيته بالنسبة إلى الحدث
الأصغر المرتفع به وبالوضوء وما بقى من الغسل وما معه من الوضوء ليس علة تامة في الرفع
أو الإباحة بالنسبة إلى هذا الحدث فلابد لرفعه من وضوء وغسل تامين فتعينت الإعادة
فقد ظهر ان للقول بالإعادة مطلقا وجها وإن كان الاكتفاء بالوضوء مطلقا أقوى
والقول بعدم تأثير الأصغر مع الأكبر محتمل هنا وأيضا والله أعلم الثالث لو كان
الحدث المتخلل لغسل الجنابة الذي هو موضع النزاع أو لمطلق الغسل على الوجه الأخر
مستمرا كالسلس والبطن فان قلنا لا اثر له فالامر واضح و ح فإنما يجب الوضوء
لما تأخر منه عن الغسل خاصة لكل صلاة ويقع الغسل صحيحا وكذا ان قلنا بوجوب الوضوء
له فيتوضى بعد الغسل ويصلى ولو قلنا ببطلان الغسل من رأس أشكل الحكم هنا فإنه
يحتمل ح ان يترك الاغتسال ويتمم للصلاة لاستلزام اعادته التسلسل والجرح أو
الترجيح من غير مرجح لو حكم بصحة بعض الافراد ويحتمل الاكتفاء باتمامه هنا والوضوء
بعده ويغتفر الحدث الواقع خلاله كما يغتفر الواقع في أثناء الوضوء هذا بالنسبة إلى الصلاة
الأولى إما غيرها فيشكل الحكم فيه أيضا إذ يحتمل ان يلزمه الوضوء والغسل للصلاة
الأخرى لان قضية الدليل بطلان الغسل الأول كما يبطل الوضوء لكن اغتفر ذلك للصلاة
الواحدة فيجب اعادته للأخرى كما يجب إعادة الوضوء لها وينوى فيهما الاستباحة لاغير
ويحتمل ان يجتزى هنا بالوضوء لكل صلاة لاغير إلى أن يحصل ما يوجب الغسل لتحقق
الاستباحة بالنسبة إلى الحدث الأكبر السابق ولم يحصل بعده ما يوجب الغسل ويشكل
بتخلل المبطل وانما اغتفر للحرج في الصلاة الواحدة كما في الوضوء فلاوجه للحكم بصحته مطلقا
والذي يناسب هذا القول اختصاص صحة الغسل بالصلاة الأولى لاغير كالوضوء ويرد
48

على الحكم بوجوب الجمع بينهما لكل صلاة ان الغسل ان أبطل فاللازم اعادته لاغير
ودخول الوضوء فيه واغتفار ما يتجدد بعد ذلك كما يغتفر في الوضوء فالواجب ح الغسل لكل صلاة
وان لم يبطل واغتفر هذا الحدث بالنسبة إلى الغسل وحكم بوجوب الوضوء له فلا وجه ح
لإعادة الغسل لان الموجب لإعادته انما هو الحدث من الجمع بينه وبين الوضوء بناء
على أن غسل الجنابة لا وضوء معه فإذا حكم بوجوب الوضوء لكل صلاة خاصة و ح فاحتمال
وجوب الوضوء والغسل لكل صلاة ضعيف وعلى ما اخترناه هذا البحث كله ساقط
والواجب الوضوء لكل صلاة خاصة مع احتمال عدم وجوب الوضوء أيضا على هذا القول
تنزيلا لغسل الجنابة منزله الوضوء لان الوضوء داخل فيه فينزل ما يتجدد في أثنائه
منزله المتخلل في أثناء الوضوء فلا يجب له الوضوء ثانيا وهذا احتمال وجيه ومثله يأتي في المتخلل
بين الغسل والصلاة على هذا القول وعلى القول بان المتخلل في أثناء الغسل لا اثر له فإنه يحتمل
عليهما ان لا يجب الوضوء للمتجدد بعد الغسل وقبل الصلاة كالمتجدد بعد الوضوء لان غسل
الجنابة منزل منزله الوضوء وزيادة بالنسبة إلى الحدث الأصغر فكما يكتفى بوضوء واحد
لكل صلاة فكذا ما قام مقامه و ح فيكفي الغسل للصلاة الأولى ثم يتوضى لكل صلاة
من الباقيات ووجه وجوب الوضوء للصلاة الأولى أيضا ان الأصل في الحدث الأصغر
ان يوجب الوضوء لكن تخلف ذلك في الواقع في أثناء الوضوء وبعده بالنص فيبقى الباقي
والحاق ما يقوم مقامه فيما خالف الأصل قياس لا نقول به فيجب الوضوء لكل صلاة مضافا
إلى الغسل الرابع لو وقع الحدث بعد الغسل وقبل الوضوء المكمل له أمكن طرد
الخلاف أيضا بناء على القول باتحاد الحدث أو بتعدده مع اشتراك الطهارتين في
رفعهما على الاجتماع والتقريب ما تقدم وعدم تأثير الأصغر واولى بالاجتزاء بالوضوء
هنا ويظهر من القائلين بالحاق القسم الثاني بالأول عدم الالحاق هنا ولو كان قد قدم
49

الوضوء فالحدث اللاحق للغسل لا اثر له في الأبطال قطعا لارتفاع الحدث قبله ولو تخلل
الحدث بين الوضوء المتقدم والغسل المتأخر فكتخلله بين الغسل المتقدم والوضوء المتأخر
لكن هنا يتخير بين إعادة الوضوء قبل الغسل أو بعده الخامس حيث حكم بوجوب الوضوء
للحدث المتخلل للغسل سواء كان غسل الجنابة أم غيرها توضى بعده فإن كان لو يتوضى
قبله حيث يجامعه في الامر بحاله والا أعاد الوضوء ولو أراد الوضوء في أثناء الغسل
صح أيضا لعدم اشتراط الموالاة في الغسل والنية للوضوء بحالها كيف أوقعه على أصح
القولين ولو كان غسل الجنابة فلا اشكال في جواز نية رفع الحدث بالوضوء المتخلل
في أثنائه أيضا لأنه يرفع حدثه الموجب له ويأتي على كلام ابن إدريس في الوضوء
المتقدم على الغسل انه ينوى به الاستباحة لعدم ارتفاع
الحدث عدم الجواز هنا أيضا لكن لا قايل به هنا
لان ابن إدريس ممن لا يوجب
الوضوء هنا والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرف يوم الجمعة على ساير الأوقات وفضل صلاتها على جميع الصلوات
وخصها بالحث عليها في محكم الآيات والصلاة على أشرف النفوس الطاهرات وعلى اله
وأصحابه وأزواجه الزاكيات وبعد فهذه جملة تشتمل على بيان حكم صلاة الجمعة
في هذه الزمان الذي قدمني فيه بالبلية أهل الايمان وخذلهم ببغيه وحسده الشيطان
حتى هدموا أعظم قواعد الدين بالشبهة لا بالبرهان وها انا محقق لموضع الخلاف فيها
ومرشد إلى ما هو الحق من وجوبها يومئذ بالدليل الواضح والبرهان اللائح لمن اخرج
50

رقبته من ربقة التقليد للاسلاف وسلك سبيل الحق بالأنصاف وخاف الله تعالى في
امتثال امره والوقوف معه فإنه أولي من يخاف مستمدا من الله التوفيق والالهام للحق
فإنه به حقيق فأقول اتفق علماء الاسلام في جميع الأعصار وسائر الأمصار والأقطار
على وجوب صلاة الجمعة على الأعيان في الجملة وانما اختلفوا في بعض شروطها وسيأتي تحقيق
الكلام في موضع الخلاف إن شاء الله تعالى ومع ذلك فالحث على فعلها والامر به
بضروب التأكيد في الكتاب والسنة لا يوجد مثله في فريضة البتة وسنورد عليك جملة منه
ثم إن الأصحاب اتفقوا على وجوبها عينا مع حضور الامام أو نائبه الخاص وانما اختلفوا
فيه في حال الغيبة وعدم وجود المأذون له فيها على الخصوص فذهب الأكثر حتى كاد
ان يكون اجماعا أو هو اجماع على قاعدتهم المشهورة من أن المخالف إذا كان معلوم
النسب لا يقدح فيه إلى وجوبها أيضا مع اجتماع باقي الشرايط غير اذن الامام وهم
بين مطلق للوجوب كما ذكرناه وبين مصرح بعدم اعتبار شرط الامام أو من نضه
ح وربما ذهب بعضهم إلى اشتراطها ح بحضور الفقيه الذي هو نائب الامام على العموم
والا لم يصح وذهب قوم إلى عدم شرعيتها أصلا حال الغيبة مطلقا والذي تعتمده
من هذه الأقوال ونختاره وتدين الله تعالى به هو المذهب الأول ولنا عليه وجوه من
الأدلة الأول قوله تعالى يا أيها الذين امنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة
فاسعوا إلى ذكر الله الآية أجمع المفسرون على أن المراد بالذكر المأمور بالسعي إليه في
الآية صلاة الجمعة أو خطبتها فكل من تناوله اسم الايمان مأمور بالسعي إليها واستماع
خطبتها وفعلها وترك كلما اشغل عنها فمن ادعى خروج بعض المؤمنين من هذا
الامر فعليه الدليل أو في الآية مع الامر الدال على الوجوب من ضروب التأكيد و
أنواع الحث ما لا يقتضى تفصيله المقام ولا يخفى على من تأمله من أولي الافهام ولما
51

سماها الله تعالى ذكر أو أمر بها في هذه السورة وندب إلى قرائتها في صلاة الجمعة بل قيل إنه
أوجبها ليتذكر السامعون مواقع الامر وموارد الفضل عقبه في السورة التي
بعدها التي يذكر فيها المنافقين بالنهي عن تركها والاهمال لها والاشتغال عنها
بقوله تعالى يا أيها الذين امنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وندب إلى قرائة هذه السورة فيها أيضا لذلك
تأكيدا للتذكير بهذا الفرض الكبير ومثل هذا لا يوجد في غيره من الفروض مطلقا فان
الأوامر بها مطلقة مجملة غالبا خالية من هذا التأكيد والتصريح بالخصوص حتى الصلاة
التي هي أفضل الطاعات بعد الايمان لا يقال الامر بالسعي في الآية معلق على النداء
لها وهو الاذان ولا مطلق النداء والمشروط عدم عند عدم شرطه فيلزم عدم الامر بها على
تقدير عدم الاذان سلمنا لكن الامر بالسعي إليها مغاير للامر بفعلها ضرورة انهما
غيريان فلا يدل على المدعى سلمنا لكن المحققون على أن الامر لا يدل على التكرار فيحصل
الامتثال بفعلها مرة واحدة لأنا نقول إذا ثبت بالامر أصل الوجوب حصل المطلوب لاجماع
المسلمين قاطبة فضلا عن الأصحاب على أن الوجوب غير مقيد بالاذان وانما
علقه على الاذان حتا على فعله لها حتى ذهب بعضهم إلى وجوبه لها لذلك وكذا القول في تعليق الامر بالسعي فإنه أمر بمقدماتها على أبلغ وجه وإذا وجب السعي إليها وجبت
هي أيضا كذلك إذا لا يحسن الامر بالسعي إليها وايجابه مع عدم ايجابها ولاجماع المسلمين
على عدم وجوبه بدونها كما اجمعوا على أنه متى وجبت تكرارها في كل وقت من أوقاتها
على الوجه المقرر ما بقى التكليف بها كغيرها من الصلوات اليومية والعبادات الواجبة
مع ورود الأوامر بها مطلقة كذلك والأوامر المطلقة وان لم تدل على التكرار
لم تدل على الوحدة فيبقى اثبات التكرار حاصلا من خارج بالاجماع وغيره من النصوص
52

وسنتلوا عليك منها ما يدل على التكرار صريحا لا يقال الامر المذكور بها مرتب على
النداء والنداء متوقف على الامر بها للقطع بأنها لو لم تكن مشروعة لم يصح الاذان
لها فالاستدلال على مشروعيتها بالامر المذكور دوري سلمنا لكن الامر بها إذا كان معلقا
على النداء وهو الاذان وهو لا يشرع لها الا إذا كان مأمورا بها ولا يؤمر بها
الا إذا اجتمعت شرايطها فلا يصح الاستدلال على مشروعيتها مطلقا بالآية لأنا نقول
مقتضى الآية ان الامر بالسعي معلق على مطلق النداء للصلاة الصالح لجميع افراده
وخروج بعض الافراد بدليل خارج واشتراط بعض الشرائط فيه لا ينافي أصل الاطلاق
فكل مالا يدل دليل على خروجه فالآية متناولة له وبه يحصل المطلوب ويمكن دفع الدور
بوجه آخر وهو ان المعلق على النداء هو الامر بها الدال على الوجوب والاذان غير
متوقف على الوجوب بل على أصل المشروعية فيرجع الامر إلى أن الوجوب متوقف
على الاذان والاذان متوقف على المشروعية أعم من الوجوب فلا دور وأيضا
فان النداء المعلق عليه الامر هو النداء للصلاة يوم الجمعة أعم من كونها أربع ركعات
وهي الظهر المعهودة أم ركعتين وهي الجمعة ولاشبهه في مشروعية النداء للصلاة يوم
الجمعة مطلقا وحيث ينادى لها يجب السعي إلى ذكر الله وهو صلاة الجمعة أو سماع
خطبتها المقتضى لوجوبها وكانه قال إذا نودي للصلاة عند الزوال يوم الجمعة فصلوا
الجمعة أو فاسعوا إلى صلاة الجمعة وصلوها وهذا واضح الدلالة لا اشكال فيه ولعله
السر في قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله ولم يقل فاسعوا إليها لئلا يلزم الاشكال
المتقدم لا يقال إن مطلق النداء لها غير مراد في الامر بالسعي عنده بل يحتمل ان يراد
به نداء خاص وهو حال وجود الامام وقرينة الخصوص الامر بالسعي الدال على
الوجوب لان الأصحاب الا يقولون به عينا حال الغيبة بل غايتهم القول بالوجوب
53

التخييري ومن ثم غير أكثرهم بالاستحباب أو الجواز ح كما سيأتي البحث فيه لأنا نقول لاشك ان
النداء المأمور بالسعي معه مطلق شامل باطلاقه لجميع الأزمان التي من جملتها زمان الغيبة
فيدل باطلاقه على الوجوب المضيق والوجوب التخيير الذي اربماه؟ متأخر والأصحاب
ستعرف ضعف مبناه إن شاء الله ولكن على تقدير تسليمه يمكن ان يقال إن الامر بالسعي
المقتضى للوجوب لا ينافيه لان الوجوب التخييري داخل في مطلق الوجوب الذي يدل عليه الامر
وفرد من افراده فان الامر لا يدل على وجوب خاص بل على مطلقه الشامل للتعييني المضيق
والتخييري والكفائي وغيرها وإن كان اطلاقه على الفرد الأول منها أظهر وتخصيص
كل منها في مورده بدليل خارج عن أصل الامر الدال على ماهية الوجوب الكلية كما
لا يخفى لا يقال الامر بالسعي على تقدير النداء المذكور ليس عاما بحيث يتناول جميع
المكلفين للاجماع على أن الوجوب مشروط بشرائط خاصه كالعدد والجماعة وغيرهما
وإذا كان مشروطا بشرائط غير معينة في الآية كانت مجمله بالنسبة إلى الدلالة على الوجوب
المتنازع فلا يثبت بها المطلوب لأنا نقول مقتضى الامر المذكور واطلاقه يدل على وجوبها
على كل مؤمن ويبقى دلالة باقي الشروط من خارج فكل شرط يدل عليه دليل صالح
به ويكون مقيدا لهذا الامر المطلق وما لا يدل عليه دليل صالح تبقى دلالة هذه الآية
على أصل الوجوب ثابته مطلقا وستحقق الكلام في الشرط المتنازع فيه ونبين فساد
مبناه إن شاء الله تعالى الثاني الاخبار المتناولة بعمومها لموضع النزاع وهي كثيرة
جدا فمنها قول النبي صلى الله عليه وآله الجمعة حق واجب على كل مسلم الا أربعة عبد
مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض ومنها صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام قال فرض الله
على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها الله في
جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد
54

والمراة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين ومنها صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم عن
الصادق عليه السلام قال إن الله تعالى فرض في كل سبعة أيام خمسا وثلثين صلاة واجبة على
كل مسلم ان يشهدها الا خمسة المريض والمملوك والمسافر المراة والصبي ومنها صحيحة منصور بن
حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا ان
كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم والجمعة واجبة على كل أحد لا بعذر الناس فيها
الا خمسة المراة والمملوك والمسافر والمريض والصبي ومنها صحيحة عمر بن يزيد عنه عليه السلام
قال إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة يعنى الجمعة لان مطلق الجماعة لا يشترط
فيها العدد المخصوص ومنها صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن أناس في قرية
هل يصلون جماعة قال نعم يصلون أربعا إذا لم يكن لهم من يخطب ومنها صحيحة الفضل بن
عبد الملك قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة
أربع ركعات فإن كان لهم من يخطب جمعوا إذا كانوا خمسة نفر وانما جعلت ركعتين
لمكان الخطبتين ومنها صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام قال من ترك
الجمعة ثلث جمع متواليه طبع الله على قلبه وفى معناها عن النبي صلى الله عليه وآله اخبار
كثيرة منها قوله صلى الله عليه وآله من ترك ثلث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه وفى
حديث اخر من ترك ثلث جمع متعمدا من غير علة ختم الله على قلبه بخاتم النفاق وقوله
صلى الله عليه وآله لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم
ليكونن من الغافلين ومنها صحيحة زرارة قال حثنا أبو عبد الله عليه السلام على
صلاة الجمعة حتى ظننت انه يريد ان تأتيه فقلت تعدوا عليك قال انما عنيت عندكم
فهذه الأخبار الصحيحة الطريق الواضحة الدلالة التي لا يشوبها شك ولا يحوم حولها
شبهة من طرق أهل البيت عليهم السلام في الامر بصلاة الجمعة والحث عليها وايجابها
55

على كل مسلم عدا ما استثنا والتوعد على تركها بالطبع على القلب الذي هو علامة الكفر و
العياذ بالله تعالى كما نبه عليه تعالى في كتابه العزيز وتركنا ذكر غيرها من الاخبار الموافقة
وغيرها حسما لمادة النزاع ودفعا للشبهة العارضة في الطريق وليس في هذه الأخبار
مع كثرتها تعرض لشرط الامام ولامن نصبه ولا لاعتبار حضوره في ايجاب هذه الفريضة
المعظمة فكيف يسع المسلم الذي يخاف الله تعالى إذا سمع مواقع أمر الله ورسوله وأئمته
عليهم السلام بهذه الفريضة وايجابها على كل مسلم ان يقصر في أمر؟؟؟ إلى غيرها ويتعلل
بخلاف بعض العلماء فيها وامر الله تعالى ورسوله وخاصته عليهم السلام أحق ومراعاته أولي
فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم ولعمري لقد أصابهم
الأمر الأول فليرتقبوا الثاني ان لم يعف الله تعالى ويسامح نسأل الله تعالى العفو
والرحمة وقد تحصل من هذين الدليلين ان من كان مؤمنا فقد دخل تحت نداء الله
تعالى وأمره في الآية الكريمة بهذه الفريضة العظيمة ونهيه عن الالتهاء عنها ومن كان
مسلما فقد دخل تحت قول النبي صلى الله عليه وآله وقول الأئمة عليهم السلام انها واجبة
على كل مسلم ومن كان عاقلا فقد دخل تحت تهديد قوله تعالى ومن يفعل ذلك
يعنى الالتهاء عنها فأولئك هم الخاسرون وقولهم عليهم السلام من تركها على ذلك الوجه
طبع الله على قلبه لان من موضوعة لمن يعقل ان لم تكن أعم فاختر لنفسك من هذه الثلاث
وانتسب إلى اسم من هذه الأسماء أعني الايمان أو الاسلام أو العقل وادخل تحت مقتضاء
أو التزم قسما رابعا وان شئت نعوذ بالله من قبح الزلة وسنة الغفلة لا يقال
دلالة هذه الأخبار مطلقة لا ينافي اشتراطها بحضور الامام أو من نصبه كما لاينا
في اشتراط باقي الشرايط المعتبرة في الجمعة غير ما ذكر فيها وإذا ورود دليل مقيد بما
ذكر وجب الجمع بينها بحمل المطلق على المقيد وستأتى الدلالة على اشتراط اذان الامام
56

في الوجوب والحديث الأخير نقول بموجبه فإنه يجوز استناد الوجوب فيه إلى اذن الامام
لزرارة ومثله موثقة زرارة عن عبد الملك عن الباقر عليه السلام قال مثلك يهلك
ولم يصل فريضة فرضها الله تعالى قلت كيف اصنع قال صلوا جماعة يعنى صلاة
الجمعة وقد نبه العلامة في نهايته على ذلك بقوله لما اذنا لزرارة وعبد الملك جاز
لوجود المقتضى وهو اذن الامام لأنا نقول مقتضى القواعد الأصولية وجوب اجراء
هذه الأدلة على اطلاقها والعمل بموجب دلالتها من وجوب هذه الصلاة على كل مسلم
الا ما أخرجته الاخبار أو دل على اخراجه دليل من خارج ودلالة شرطية حضور الامام
أو من نصبه مطلقا غير متحققه كما سنبينه إن شاء الله تعالى فيجب العمل باطلاق هذه الأدلة
القاطعة إلى أن يوجد المقيد واما دعوى اذن الصادقين عليهما السلام لزرارة وعبد الملك
في الخبرين ففيه ان المعتبر عند القائل بهذا الشرط كون امام الجمعة الامام أو من نصبه
وليس في الخبرين ان الإمام عليه السلام نصب أحد الرجلين إماما لصلاة الجمعة وانما أمرها
بصلاتها أعم من فعلهما لها امامين ومؤتمين وليس في الخبرين زيادة على غيرهما من
الأوامر الواقعة بها من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام لساير
المكلفين فإن كان هذا كافيا في الاذن فلنكن تلك الأوامر كافية ويكون كل مكلف
جامع لشرائط الإمامة مأذونا فيها منهم أو كل مكلف مطلقا مأذونا في فعلها ولو
بالايتمام بغيره كما يقتضيه الاطلاق إذ لا فرق فر الشرع بين الامر الخاص والعام
من حيث العمل بمقتضاه وذلك هو المطلق وأيضا فأمرهما عليهما السلام للرجلين ورد بطريق
يشمل الرجلين وغيرهما من المكلفين أو من المؤمنين كقوله صلوا جماعة وقول زرارة
حثنا أبو عبد الله عليه السلام على صلاة الجمعة وقوله انما عنيت عندكم من غير فرق
بين المخاطبين وغيرهما الا في قوله عليهما السلام مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله
57

وذلك أمر خارج عن موضع الدلالة وعلى تقدير اختصاص المخاطبين فظاهر رواية زرارة
انهم كانوا بحضرته عليه السلام جماعة ولم يعين أحدا منهم للإمامة ولأخصه بالامر والحث
وحمل ضمير الجمع في كلام زرارة على التعظيم لا يناسب المقام ولا تقتضيه بلاغة الامام فان
ضمير الجمع وقع من السائل والمسؤول على وجه ظاهر في تحقق الجمع كما لا يخفى الثالث
استصحاب الحكم السابق فان وجوب الجمعة حال حضور الامام أو نائبه ثابت باجماع
المسلمين في الجملة فيستصحب إلى زمان الغيبة وان فقد الشرط المدعى إلى أن يحصل
الدليل الناقل عن ذلك الحكم وهو منتف على ما نحققه إن شاء الله تعالى ولو استصحب
الاجماع على هذه الطريقة أمكنك أيضا على قاعدة الأصحاب حث لا يقدح عندهم
مخالفه معلوم النسب أو إقامة المشهور مقامه على ما عهد منهم وصرح به الشهيد في
مقدمات الذكرى وان كنا نحن لا نرتضيه لكن ذكرناه على وجه الالزام للخصم لأنه
معتمده في أكثر مباحثه وسيأتي ان المخالف في الباب آحاد قليلة معلومة لا يؤثر في
في المدعى المشهور لا يقال اللازم استصحابه انما هو الوجوب حال الحضور وما في معناه
أعني الوجوب المقيد به لا مطلق الوجوب فلا يتم استصحابه حال الغيبة لأنا نقول
لا نم ان الوجوب الثابت حال الحضور وما في معناه مقيد به بل هو ثابت مطلقا في ذلك
وهو ظرف زماني له من غير أن يقيد به كباقي الأزمان التي تثبت فيها الاحكام ويحكم
باستصحابها بعدها نعم قد ينازع في تحقق الاجماع في حال الغيبة استصحابا له حال
الحضور نظرا إلى تصريح بعضهم بان الاجماع مقيد به وسيأتي الكلام فيه وفى
جوابه لا يقال هذه الأدلة الثلاثة تستلزم وجوبها عينا بمعنى عدم اجزاء الظهر
عنها مع امكان فعلها والأصحاب لا يقولون به بل غاية الموجب لها ان يجعل الوجوب
حال الغيبة تخيير ما بينها وبين الظهر وإن كان يقول إنها أفضل الفردين الواجبين
58

على التخيير كما صرح به جماعة منهم فما يدل عليه الأدلة لا يقولون به وما يقولون به
لا يدل عليه الدليل لأنا نقول ما ذكرت من دلالتها على الوجوب العيني ظاهرا حق غير أن
المتأخرين من الأصحاب أو أكثرهم لا جميع الأصحاب كما قيل معرضون عنه رأسا
وربما ادعى بعضهم الاجماع على خلافه وإن كان دون اثبات الاجماع وحجيته على
هذا الوجه خرط القتاد فانا بعد الاستقصاء التام والتتبع الصادق لم نقف على دليل
صالح يدل على أن الوجوب المذكور تخييري ولا ادعاه مدع وانما مرجع حجتهم إلى
دعوى الاجماع عليه فان تم فهو الحجة والا فلا وسنتلوا عليك من كلام السابقين
من الأصحاب ما يدلك على فساد هذه الدعوى وتصريح بعضهم بان الوجوب متعين مطلقا
ثم على تقدير القول بكون الوجوب تخييريا حاله الغيبة يمكن الجواب عن السؤال بان
نقول إن الأدلة المذكورة انما دلت على الوجوب المطلق في الجملة الصالح لكونه
عينيا وتخييريا وغيرهما من افراده وإن كان الفرد المتعين منها أظهر في الإرادة
الا انه لا يمنع من إرادة غير حيث يدل عليه الدليل ولما أمكن حمل الوجوب على
المتعين مع حضور الامام وما في معناه حمل عليه لأنه الفرد الاظهر ولما تعذر
حمله عليه حال الغيبة بواسطة ما قيل من الاجماع المدعى على خلافه صرف إلى التخييري
لأنه بعض افراده وربما استأنس بعض الأصحاب للوجوب التخييري بظاهر رواية
زرارة وعبد الملك السابقين حيث قال زرارة حثنا أبو عبد الله عليه السلام
في الجمعة وقوله عليه السلام مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله عليه فان هذا
الكلام يشعر بان الرجلين كانا متهاونين الجمعة مع أنهما من أجلاء الأصحاب وفقهاء
أصحابه ولم يقع منه عليه السلام عليهما انكار شديد بل حثها على فعلها فدل ذلك على أن
الوجوب ليس عينيا والا لأنكر عليها بتركها كمال الانكار نعم استفيد من حثه و
59

قوله عليه السلام انها فريضة فرضها الله تعالى وجوبها في الجملة فيحمل على التخييري وفى هذا
التوجيه نظر بين ودفعه مع معارضة لتلك الأوامر العظيمة السابقة سهل لان زرارة
راوي هذا الحديث قد روى أيضا ما أسلفناه من قوله فرض الله على الناس من الجمعة إلى
الجمعة خمسا وثلثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة ولاشبهه في أن
في أن غير الجمعة من الفرائض وجوبه عيني فلو حمل وجوبها على التخيير على بعض الوجوه
لزم تهافت الكلام واختلاف حكم الفرائض بغير مائز وكذلك باقي الاخبار التي تلوناها
والة أو ظاهر في الوجوب العيني المضيق والذي يظهر لي ان السر في تهاون الجماعة
بصلاة الجمعة ما عهد من قاعدة مذهبهم لانهم لا يتقدون بالمخالف ولا بالفاسق
والجمعة انما تقع في الأغلب من أئمة المخالفين ونوابهم وخصوصا في المدن المعتبرة
وزرارة وعبد الملك كانا بالكوفة وهي أشهر مدن الاسلام ذلك الوقت وامام
الجمعة فيها مخالف منصوب من أئمة الضلال فكانوا يتهاونون بها لهذا الوجه ولما كانت
الجمعة من أعظم فرائض الله تعالى وأجلها ما رضي الإمام عليه السلام لهم بتركها مطلقا
فلذلك حثهم على فعلها حيث يتمكنون منها وعلى هذا الوجه استمر حالها مع أصحابنا
إلى هذا الزمان فأهمل لذلك الوجوب العيني وأثبت التخييري لوجه يزجر من الله
تعالى ان يعذرهم فيه وال الحال منه إلى تركها رأسا في أكثر الأوقات ومعظم
الأصقاع مع امكان اقامتها على وجهها وما كان حق هذه الفريضة المعظم ان يبلغ
بها هذا المقدار من التهاون بمجرد هذا العذر الذي يمكن رفعه في كثير من بلاد الايمان
سيما هذا الزمان وبهذا طهران حث الإمام عليه السلام للرجلين وغيرهما دون ان ينكر
ذلك عليهم شديدا ليس من جهة الوجوب التخييري بل للوجه الذي ذكرناه وقد تنبه
قبلي لهذا الوجه الذي ذكرته الشيخ الامام عماد الدين الطبرسي رحمه الله في كتابه المسمى
60

بنهج العرفان إلى هداية الايمان فقال فيه بعد نقل الخلاف بين المسلمين في شروط
وجوب الجمعة ان الامامية أكثر ايجابا للجمعة من الجمهور ومع ذلك يشنعون؟ عليهم
بتركها حيث إنهم لم يجوزوا ايتمام الفاسق ومرتكب الكبائر والمخالف في العقيدة
الصحيح انتهى المقصود من كلامه وفيه دليل على أن تركهم للجمعة لهذه العلة لا لأمر اخر
فلو كانوا لا يشترطون في وجوبها بل في جوازها مطلقا اذن الامام المفقود حال الغيبة
أصلا أو أكثريا بالنسبة إلى الموضع الذي يحضر فيه النايب بل في زمن حضوره أيضا
لعدم تمكنه غالبا من نصب الأئمة لها ح أيضا ولا مباشرتها بنفسه لما تصور
العاقل ان الامامية أكثر ايجابا لها من العامة لان ذلك معلوم البطلان ضرورة
وانما يكونون أكثر ايجابا لها من حيث إنهم لا يشترطون فيها المصر كما يقوله الحنفي
ولا جوفه ولا حضور أربعين كما يقوله الشافعي ويكنفون في ايجابها بامام يقتدى
به أربعة نفر مكلفين بها فيظهر بذلك كونهم أكثر ايجابا من الجمهور وانما منعهم
من اقامتها غالبا ما ذكرناه من فسق الأئمة على انا قد بينا ان الأئمة عليهم السلام أنكروا
على تركها زيادة على ما ذكر في الحديثين وصرحوا بوجوبها على كل أحد كما
أشرنا إليه في الأخبار المتقدمة وقوله عليه السلام لا يعذر الناس فيها وقول الباقر عليه السلام
من ترك الجمعة ثلث جمع طبع الله على قلبه فأي مبالغة ونكير أعظم من هذا وأي مناسبه فيه
للواجب التخييري لان ترك فرد منه إلى الفرد الآخر خائن اجماعا لا يجوز ترتب الذم
عليه قطعا وأبلغ من ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله في خطبة طويلة حث فيها على
صلاة الجمعة منها ان الله تعالى قد فرض عليكم الجمعة فمن تركها في حياتي أو بعد
موتى استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في امره الا ولا صلاة
له الا ولا زكاة له الا ولا حج له الا ولاصوم له الا ولا بر له حتى ينوب نقل هذا الخبر المخالف
61

والمؤالف واختلفوا في ألفاظ تركناها لا مدخل لها في هذا الباب وأمثال ذلك عن النبي
والأئمة عليهم السلام كثيرة دالة على ايجابها والحث عليها ولو لم يكن في الباب الا الآية الشريفة
في سورة الجمعة لكان ذلك كافيا لاولى الابصار شافيا عند ذوي الاعتبار الرابع
التمسك بأصالة الجواز فانا لم نجد على التحريم دليلا صالحا كما سنبينه فالأصل جواز
هذا الفعل بالمعنى الأعم المقابل للتحريم الشامل لما عدا الحرام من الأقسام الخمسة ثم الإباحة
من الأربعة الباقية منفية بالاجماع على أن العبادة لا يكون متساوية الطرفين وكذا
الكراهة بمعنى مرجوحية أحد الطرفين مطلقا من غير منع من النقيض وان أمكن المكروه
في العبادة بمعنى اخر فيبقى في مدلول هذا الأصل الوجوب والاستحباب فالثابت هنا أحدهما
لكن الاستحباب منفى أيضا بالاجماع على انها لا تقع مستحبة بالمعنى المتعارف بل متى شرعت
وجبت فانحصر أمر الجواز في الوجوب وهو المطلق واصل هذا الدليل مجردا عن التزويج
ذكره الشهيد ره في شرح الارشاد فقال بعد ذكر الأدلة من الطرفين والمعتمد في
ذلك أصالة الجواز وعموم الآية وعدم دليل مانع واعترض عليه بان أصالة الجواز
لا يستدل بها على فعل شئ من العبادات إذ كون الفعل قربة وراجحا بحيث يتعبد به
توفيقي يحتاج إلى اذن الشارع وبدونه يكون بدعة وعدم الدليل المانع لا يقتضى الجواز
إذ لابد من كون المجوز موجود أو أنت إذا تأملت ما ذكرناه من توجيه الاستدلال
يظهر عليك جواب هذا الايراد فان الجواز المطلوب هنا لما كان في مقابلة التحريم بناء
على أن الأصل في هذه الأفعال ونظائرها هل هو الجواز والتحريم وان المرجح هو الجواز
فالثابت هنا ما قابل التحريم وهو يشمل الأحكام الأربعة وان أريد بعضها كما قررناه
وهذا هو الوجه المسوغ لها والتوقيف عليها بخصوصها متحقق في الكتاب والسنة وانما
وقع الاشتباه في هذا الفعل المخصوص المضبوط شرعا هل هو الان جائزا أم حرام
62

فأصالة الجواز نافعة في اثباته لا يقال لا يتم الحكم عليها بالجواز الا بمعونة النقل من
الكتاب والسنة ومعه يستغنى عنها فلاوجه لافرادها بالدلالة فيرجع الامر إلى أن
العبادات لا تثبت بها لأنا نقول القدر الثابت بهذا الأصالة أصل الجواز المقابل
للتحريم والاستدلال به عقلي لا يتوقف من هذه الجهة على الدليل النقلي الدال على التوقيف
على كميتها وكيفيتها فتحقق الاستغناء من هذه الحيثية وان توقفت بعد اثبات جوازها على
أمر اخر كما أن اثبات شرعيتها أيضا بالدليل النقلي لا يقدح فيه توقفها بعد اثباته على
تحقيق شرائطها واحكامها ولم يستقل دليل أصل المشروعية بالدلالة على تمام ما يعتبر فيها
شرعا وجملة الامر ان الغرض من أدلة المشروعية نفى القول بالتحريم لا تحقيق الحال في
تقريرها شرعا وتبين شروطها وكيفيتها واحكامها بل يتوقف بعد اثبات المشروعية
على أدلة أخرى على هذه الأشياء من غير منافاة بين الامرين ولا استغناه ببعضها عن
بعض الخامس ان القول بالوجوب على هذا الوجه قول أكثر المسلمين لا يخرج
منه الا الشاذ النادر من أصحابنا على وجه لا يقدح في تحقق دعوى انه اجماع أو
يكاد فان جملة مذاهب المسلمين ممن يخالفنا يقولون بذلك إما غير الحنفية فظاهر لانهم
لا يعتبرون في وجوبها اذن الامام واما الحنفية فإنهم وان شرطوا اذنه لكنهم
يقولون إنه مع تعذر اذنه يسقط اعتباره ويجب فعلها ح بباقي الشرايط واما أصحابنا
فهم عن كثرتهم وكثرة مصنفيهم واختلاف طبقاتهم لا ينقل القول بالمنع من قبلهم
الا عن المرتضى في المسائل الميافارقيات ومع ذلك كلامه ليس بصريح فيه بل ظاهره
ذلك كما اعترف به جميع من نقل ذلك عنه ومثل هذا القول الشنيع المخالف لجمهور
المسلمين وصريح الكتاب والسنة لا ينبغي اثباته ونسبة لمثل هذا الفاضل بمجرد الظهور
بل لابد فيه من التحقيق وانما كان ظاهره ذلك من غير تحقيق لان السائل لما سأله عن
63

صلاة الجمعة هل يجوز خلف المؤالف والمخالف جميعا أجاب بما هذا لفظ لا جمعة الا مع امام
عادل أو من نصبه الامام فالحكم على ظاهر هذه العبارة واضح وهو مع ذلك تحتمل و
خلاف ظاهرها من وجهين أحدهما النفي الموجه إلى الماهية إلى نفى الكمال كما هو واقع
كثيرا في الكتاب والسنة ويؤيد هذا الوجه أنه قال في كتابه الفقه الملكي والأحوط ان
لا يصلى الجمعة الا بإذن السلطان وامام الزمان لأنها إذا صلت على هذا الوجه انعقدت
وجازت بالاجماع وإذا لم يكن فيها اذن السلطان لم يقطع على صحتها واجزائها هذا
لفظه وهو ظاهر في أن اذن الامام معتبر اعتبار كمال واحتياط لا تعين والثاني
حمل المنع من الصلاة بدون اذن الإمام العادل مع امكان اذنه لا مطلقا كما هي عادة
الأصحاب على ما شقف عليه إن شاء الله من عباراتهم فإنهم يطلقون اشتراط اذنه في
الوجوب ثم يجوزون فعلها حال الغيبة بدونه مريدين بالاشتراط على تقدير امكانه ويؤيد
هذا الحمل الكلام المرتضى على الخصوص قوله في الكتاب المذكور سابق والأحوط
ان لا تصلى الجمعة الا بإذن السلطان الخ لان اذنه انما يكون أحوط مع امكانها
لا مطلقا بل الاحتياط مع تعذرها في الصلاة بدونها امتثالا لعموم الامر من الكتاب
والسنة وغيرهما من الأدلة ومع قيام الاحتمال يسقط القول بنسبة إلى المرتضى
على التحقيق وإن كان ظاهره ذلك نعم صرح به تلميذه سلار وبعده ابن إدريس فهذان
الرجلان عمدة القول بسقوطها حال الغيبة وربما قال العلامة في بعض كتبه إلى
هذا القول لكنه صرح بخلافه في غيره خصوصا المختلف وهو اخر ما سبقه من الكتب
الفقهية في هذا الباب ولا يخفى عليك حال قول يختص من بين المسلمين بهذين الرجلين
مع معارضة الكتاب والسنة لهما على الوجه الذي بيناه وقد ظهر بذلك ضعف القول
بسقوطها حال الغيبة مطلقا بل بطلانه وبقى الكلام مع القول الثاني الذي يشترط
64

في جوازها الفقيه وما ذكرناه من الأدلة كاف في ضعف القولين معا ولكن تحقيق
المقام يتوقف على تخصيصها بالكلام فلنشرع الان فيه بمشيئة الله تعالى الكلام
على القول الثاني وهو وجوب الصلاة المذكورة حال الغيبة لكن بشرط حضور الفقيه
الجامع لشرائط الفتوى والا لم تشرع اعلم أن هذا القول لم يصرح به أحد من فقهائنا على
وجه اليقين وانما هو ظاهر عبارة العلامة جمال الدين في التذكرة والنهاية والشهيد
في الدروس واللمعة لاغير وفى باقي كتبهما وافقا غيرهما من المجوزين من حيث الاطلاق و
سنتلوا عليك عبارتهما في ذلك وتبين عدم دلالتها على المطلق بل عدم موافقة دليلها
لظاهرها فقولهما بذلك غير متيقن ولكن المحقق المرحوم الشيخ على قدس سره اعتنى بهذا
القول وترجيحه وادعى اجماع القائلين بشرعيتها عليه والأصل في هذا القول إن
اذن الامام معتبر فيها فمع حضوره يعتبر حضوره أو نائبه ومع غيبته يقوم الفقيه
المذكور مقامه لأنه نائبه على العموم وجملة ما ذكروه من الدليل على هذا الشرط أمور
ثلاثة الأول ان النبي صلى الله عليه وآله كان يعين لامام الجمعة وكذا الخلفاء
بعده كما يعين للقضاء وكما لا يصح ان ينصب الانسان نفسه قاضيا من دون اذن الامام فكذا
امام الجمعة قالوا وليس هذا قياسا بل استدلالا بالعمل المستمر في الاعصار فمخالفته
خرق الاجماع الثاني رواية محمد بن مسلم قال لا تجب الجمعة على أقل من سبعة الامام
وقاضيه ومدع حقا ومدعى عليه وشاهدان ومن يضرب الحدود بين يدي الامام
وفيه دلالة على اشتراط الامام حيث جعله أحد السبعة الثالث انه اجماع كما
نقله جماعة من الأصحاب منهم المحقق نجم الدين بن سعيد في المعتبر والعلامة جمال
الدين ابن المطهر في التذكرة والنهاية والشهيد في الذكرى والاجماع المنقول بخبر الواحد
حجة فكيف بنقل هؤلاء الأعيان والجواب عن الأصل المذكور انه لو تم لزمهم القول بكون
65

وجوبها مع الفقيه عينيا على حد وجوبها مع الامام ونائبه الخاص قضية لوجود الشرط وهؤلاء
المتأخرون ولا يقولون به بل يجعلونها حال الغيبة مطلقا مستحبة عينا واجبة تخييرا الا
انها أفضل الفردين الواجبين على التخيير فهى مستحبة عينا واجبة تخييرا فما يقتضيه
دليلهم لا يقولون به وما يقولون به لا يقضى إليه دليلهم وأيضا فإنهم يعترفون في هذه
الحالة بعدم وجود شرط الوجوب الذي هو الامام أو نائبه كما سنحكيه من ألفاظهم فلا فرق
ح بين وجود الفقيه وعدمه حيث لا يوجد هذا الشرط بل إما ان يحكموا بوجوبها نظرا
إلى أن الشرط المذكور انما يعتبر مع امكانه لا مطلقا أو يحكموا بعدم مشروعيتها التفاتا
إلى فقد الشرط لا يقال نختار الأول وهو حصول الشرط بحضور الفقيه ولكن الوجوب
العيني منفى الاجماع كما سندعيه فقلنا بالوجوب التخييري حيث دل الدليل على الوجوب
ولم يكن القول بالأول لأنا نقول قد اعترفتم في كلامكم بفقد الشرط في هذه الحالة
كما سنحكيه عنكم وهو خلاف ما التزمتموه هنا ودعوى الاجماع المذكور سنبين فسادها
إن شاء الله تعالى والجواب عن الأمر الأول مع تسليم اطراده في جميع الأئمة منع دلالته
على الشرطية بل هو أعم منها والعام لا يدل على الخاص والظاهر أن تعيين الأئمة انما
هو لجسم مادة النزاع في هذه المرتبة ورد الناس إليه بغير تردد واعتمادهم على تقليده
بغير ريبه واستحقاقه من بيت المال لسهم وافر من حيث قيامه بهذه الوظيفة الكبيرة
من أركان الدين ويؤيد ذلك انهم كانوا يعينون لإمامة الصلاة اليومية أيضا و
للاذان وغيرهما من الوظايف الدينية مع عدم اشتراطها بإذن الامام باجماع المسلمين
ولم يزل الامر مستمرا في نصب الأئمة للصلوات الخمس والاذان أو غيرهما أيضا من عهد
النبي صلى الله عليه وآله إلى يومنا هذا من الخلفاء والسلاطين وأئمة العدل والجور
كل ذلك لما ذكرناه من الوجه لا لجهة الاشتراط وهذا أمر واضع لا يخفى على مصنف وعن الثاني بعدم دلالته على الاشتراط من وجوه أحدها ضعف الخبر
66

فان في طريقة الحكم بن مسكين وهو مجهول لم يذكره أحد من علماء الرجال المعتمدون
ولم ينصوا عليه بتوثيق ولاضده وما هذا شانه يرد الحديث لأجله لان أدنى مراتب
قبوله ان يكون حسنا أو موثقا ان لم يكن صحيحا وشهرته بين الأصحاب على وجه العمل
بمضمونه بحيث تجبر ضعفه ممنوعه فان مدلوله لا يقول به أحد وعدده لا يقول به
الأكثر ومن العجب هنا قول الشهيد رحمه الله في الذكرى اعتذارا عن عدم نص الأصحاب
على الحكم بجرح ولا مدح بان الكشي ذكره في كتابه ولم يتعرض له بذم فان مجرد ذكر الكشي
له لا يوجب قبولا له بعد ذكره في كتابه المقبول وغيره بل لو ذكره بهذه الحالة جميع المصنفين
ومن هو أجل من الكشي لم يفد ذلك قبوله فكيف بمثل الكشي الذي يشتمل كتابه على أغاليط
من جرح لغير مجروح بروايات ضعيفة ومدح لغيره كذلك كما نبه عليه جماعة من علماء
أهل هذا الفن والغرض من وضعه ليس هو معرفة التوثيق وضده كعادة غيره من الكتب
بل غرضه ذكر الرجل وما ورد فيه من مدح وجرح وعلى الناظر طلب الحكم وحيث
لا يقف على شئ من أحواله يقتصر على ما ذكره كما يعلم ذلك من تأمل الكتاب وما هذا شانه
كيف يجعل مجرد ذكره له موجبا لقبول روايته ما هذا الا عجيب من مثل هذا المحقق
المنقب وثانيها ان الخبر متروك الظاهر لان مقتضى ظاهره ان الجمعة لا تنعقد الا
باجتماع الامام وقاضيه والمتداعيين والشاهدين والحداد واجتماع هؤلاء ليس بشرط
اجماعا وانما الخلاف في حضور أحدهم وهو الامام فما يدل عليه الخبر لا يقول به أحد
وما يستدل به منه لا يدل عليه بخصوصه فان قيل حضور غيره خرج بالاجماع فيكون هو
المخصص لمدلول الخبر فتبقى دلالته على مالا اجماع فيه باقية قلنا يكفي في اطراحه ونها فيه
مع ضعفه مخالفته أكثر مدلوله لاجماع المسلمين وما الذي يضطرنا إلى العمل بسعة مع
هذه الحال العجيبة وثالثها ان مدلوله من حيث العدد وهو السبعة متروك أيضا
67

ومعارض بالأخبار الصحيحة الدالة على اعتبار الخمسة خاصة كصحيحة منصور بن حازم وقد تقدمت وما
ذكر فيه السبعة غير هذا الخبر لا ينافي ايجابها على من دونهم بخلاف هذا الخبر فإنه نفى فيه وجوبها على أقل من السبعة ورابعها انه على
تقدير سلامته من هذه القوادح يمكن حمله على حالة امكان حضور الامام واما مع تعذره
فيسقط اعتباره جمعا بين الأدلة ويؤيده اطلاق الوجوب فيه الدال بظاهره على الوجوب
العيني المشروط عند من اعتبر هذا الحديث بحالة الحضور واما حالة الغيبة فلا يطلقون
على حكم الصلاة اسم الوجوب بل الاستحباب بناء على ذهابهم ح إلى الوجوب التخييري مع
كون الجمعة أحد الفردين الواجبين تخييرا وخامسها حمل العدد المذكور في الخبر على
اعتبار حضور قوم من المكلفين بها بعدد المذكورين أعني حضور سبعة وان لم يكونوا
عين المذكورين نظرا إلى فساد حمله على ظاهره من اعتبار أعيان المذكورين لاجماع المسلمين
على عدم اعتباره وقد نبه على هذا التأويل شيخنا المتقدم السعيد أبو عبد الله المفيد
في كتاب الاشراف فقال وعددهم في عدد الامام والشاهدين والمشهود عليه والمتولي لإقامة
الحد الخ وسادسها ان الامام المذكور في الخبر لا يتعين حمله على الامام المطلق أعني
السلطان العادل بل هو أعم منه والمتيقن منه كون الجماعة لهم امام يقتدون به حتى
لا تصح صلاتهم فرادى ونحن نقول به فان قيل قرينة الاطلاق عطف قاضيه عليه
بإعادة الضمير إليه فان الامام غيره لا قاضي له قلنا قد اضطررنا إلى العدول عن ظاهره
لما ذكرناه من عدم اعتبار حضور قاضيه وغيره وان اعتبرنا حضور الامام فلا حجة فيه ح
وجاز إضافة القاضي إليه بأدنى ملابسة لان المحل باب تأويل لا محل تنزيل وباب التأويل
متسع خصوصا مع دعاء الضرورة إليه على كل حال وتمنع من كون اطلاق الامام
محمولا على السلطان خصوصا مع وجود الصارف وسابعها ان العمل بظاهر الخبر
يقتضى ان لا يقوم نائبه مقامه وهو خلاف اجماع المسلمين وهو قرينة أخرى على
68

كون الامام ليس هو المطلق أو محمول على العدد المتقدم أو غيره وثامنها انه معارض
بما رواه محمد بن مسلم راوي هذا الحديث في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام قال سألته
عن أناس وقرية هل يصلون الجمعة جماعة قال نعم يصلون أربعا إذا لم يكن فيهم من يخطب
ومفهوم الشرط انه إذا كان فيهم من يخطب يصلون الجمعة ركعتين ومن عامة فيمن يمكنه
الخطبة الشامل لمنصوب الامام وغيره ومفهوم الشرط حجة عند المحققين وإذا تعارضت
رواية الرجل الواحد سقط الاستدلال بها فكيف مع حصول الترجيح لهذا الجانب بصحة
طريقه وموافقته لغيره من الاخبار الصحيح وغير ذلك مما قد علم واما الجواب عن الثالث
وهو دعوى اجماع الأصحاب على ذلك فتحقيق القول فيه يحتاج إلى بسط ونقل الكلام
القوم وبيان الحق في ذلك فإنه عمدة الاستدلال ومظهر لشبهة القوية فنقول وبالله
التوفيق ان الذي يدل عليه كلام الأصحاب ومدعى الاجماع ان موضع الاجماع المدعى
انما هو حال حضور الامام ومع تمكنه والشرط المذكور ح انما هو مع امكانه لا مطلقا
في وجوبها عينا لا تخييرا كما هو مدعاهم حال الغيبة لانهم يطلقون القول باشتراطه
في الوجوب ويدعون الاجماع عليه أولا ثم يذكرون حال الغيبة وينقلون الخلاف
فيه ويختارون جوازها ح استحبابا معترفين بفقد الشرط هكذا عبروا عن المسألة
وصرحوا به في الموضعين فلو كان الاجماع المدعى لهم شاملا لموضع النزاع لما ساغ
لهم نقل الخلاف بعد ذلك بل اختيار جواز فعلها بدونه وأيضا فإنهم يصرحون
بان شرط للوجوب ثم يذكرون الحكم حال الغيبة ويجعلون الخلاف في الاستحباب
فلا يعبرون عن حكمها ح بالوجوب وهو دليل بين على أن الوجوب الذي يجعلونه
مشروطا بالامام وما في معناه انما هو حيث يمكن أو في الوجوب العيني حال حضوره
بناء منهم على أن ما عداه لا يسمونه واجبا وان أمكن اطلاقه عليه من حيث إنه واجب
69

تخييري وعلى هذا الوجه يسقط الاستدلال بالاجماع في موضع النزاع لو تم في غيره
هذا من حيث الاجمال واما الوجه التفصيلي فيتوقف على نقل كلام مدعى الاجماع
وتحرير القول في مراده فلنشرع في نقله ليتبين مطابقته لما ذكرناه في الجواب الاجمالي
ويعلم ان ما ذكره المدعى انما هو اخذ بأول الكلام واغفال لباقية فنقول إما من صرح
بدعوى الاجماع وجعله المرحوم الشيخ على عمدتهم في الاستدلال فأولهم المحقق أبو القاسم
جعفر بن سعيد رحمه الله فإنه قال في المعتبر مسألة السلطان العادل أو نائبه شرط في وجوب
الجمعة وهو قول علمائنا ثم استدل عليه بما ذكرناه سابقا من فعل النبي والخلفاء بعده
وبرواية محمد بن مسلم واستدل على اشتراط عدالته بان الاجماع مظنة النزاع ومثار
الفتن والحكمة موجبة لجسم مادة الاختلاف ولن يستمر الا مع السلطان العادل إذا الفاسق
يسرع إلى بواعث طبعه ومراقي أهوته لا إلى مواضع المصلحة انتهى كلامه والكلام
عليه بما أسفناه في مجمل الجواب بان هذا الشرط المدعى عليه الاجماع مع تسليمه انما هو
حال حضور الامام أو في وجوبها العيني والذي يوجب ذلك أنه قال بعد ذلك لو لم يكن
امام الأصل ظاهر أسقط الوجوب ولم يسقط الاستحباب وصليت جمعة إذا أمكن الاجتماع
والخطبتان ثم استدل عليه برواية الفضل بن عبد الملك قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات فإن كان انهم من يخطب جمعوا إذا
كانوا خمسة نفر وبالروايات السابقة وهذا كما ترى صريح في جواز فعلها حال الغيبة
بدون اذن الامام عملا باطلاق الروايات وان الاجماع الذي ادعاه انما هو حالة
الحضور والا لما امكنه مخالفته وان المراد بالوجوب العيني بدليل انه كنى عن حكمها حال
الغيبة بالاستحباب ومراده كونه أفضل الفردين كما قررناه سابقا وجعل ضابط فما
شرط الوجوب ح امكان الاجتماع والخطبتين وقال بعد ذلك في موضع اخر من الكتاب
70

لو كان السلطان جائرا ثم نصب عدلا استحب الاجتماع وانعقدت جمعه وأطبق الجمهور
على الوجوب لنا انا بينا ان الإمام العادل أو من نصبه شرط الوجوب والتقدير
عدم ذلك الشرط إما الاستحباب فلما بيناه من الاذن مع عدمه انتهى وهذا أيضا صريح
في أن دعوى الاجماع المذكورة انما هي في حالة الحضور وان المراد الوجوب العيني لا
التخييري المعبر عنه بالاستحباب وان العدل كاف في امامة الجمعة ح إذ لا يصح إرادة الإمام العادل
بالعدل المنصوب لاعترافه بفقد الشرط ح وهو حضور الإمام العادل أو من
نصبه ولان الصلاة معه ح يكون واجبة إذ لافرق بين نصب الجائر له وعدمه في الوجوب
فتعين ان المراد به مطلق العدل فقيها كان أم لا وان فعلها حال الغيبة بدون اذنه
مأذون فيه من جهة الروايات المذكورة وان لم يكن هناك منصوب من الامام لاعترافه
بفقد الشرط ح وهذا كله واضح صريح من العبارة فكيف يجعل دليلا على موضع
النزاع ولكن بقى في الكلام شئ وهو ان الامام إن كانت شرطا عنده من حيث الأدلة
المذكورة فيكف يستدل باطلاق النصوص أو بعمومها على الجواز بدون الشرط إذ ليس
في تلك الأدلة اشعار بتقييد الشرط بحال حضوره كما لا اشعار لتلك النصوص بان
الجواز بدون حضوره أو نائبه مقصور على تعذره بل التحقيق ان تلك الأدلة لا يقضى
إلى المطلوب من الاشتراط كما قررناه والنصوص الدالة على شرعيتها بل وجوبها مطلقا
غير مقيده بحال الغيبة فلاوجه لتقييدها وبقى استدلاله على اشتراط كونه عادلا بما ذكره
من أن مادة الاختلاف لا تنحسم الا به إلى اخر ما ذكره فيه مالا يخفى من أن الاجتماع
على هذه العبادة المخصوصة ونظائرها لا يتوقف على مثل ما ذكر ضرورة تحقق هذا لاجتماع
بل ما هو أعظم منه في جميع الأوقات خصوصا بمنى وعرفات وغيرهما من مجامع العبادات
ولم يحصل شئ من تلك المحذورات كما يظهر بأدنى تأمل وهذه الجماعة في الصلاة اليومية
71

مشروعه مندوب إليها وان عظم الجمع اضعافا كثيرة لما يحصل به الجمع في الجمعة في
كثير من افرادها ولا يعتبر الشارع فيها زيادة على امام يصح الاقتداء به ولا ينظر إلى
احتمال الفتنة المذكورة وكذا في غيرها كما لا يخفى والكلام على عبارات العلامة قريب
من ذلك فإنه قال في التذكرة الجمعة واجبة بالنص والاجماع ثم قال في مسألة أخرى
ووجوبها على الأعيان ثم قال يشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه عند علمائنا أجمع
واستدل عليه بمثل المعتبر من غير تغيير وسياق هذا الكلام وسياقه صريحان في أن
الوجوب المدعى شرطية الامام فيه هو العيني حال حضوره ثم قال بعد ذلك وهل
للفقهاء المؤمنين حال الغيبة والتمكن من الاجتماع والخطبتين صلاة الجمعة أطبق
علماؤنا على عدم الوجوب لانتفاء الشرط وهو ظهور الاذن من الامام واختلفوا
في استحباب إقامة الجمعة فالمشهور ذلك واستدل عليه بالاخبار المذكورة كعبارة
المعتبر وهذا أيضا كما ترى صريح في أن الاجماع المدعى على الوجوب انما هو على العيني
حالة الحضور لأنه جعل فعلها حال الغيبة مستحبا وعنى به ما ذكرناه من الواجب التخييري
إذا كان بعض افراده أفضل من بعض وجعل المشهور استحباب فعلها ح بدون اذن الامام
فتبين بذلك ان دعوى الاجماع ليست على حالة الغيبة قطعا وانما هي مختصة بحالة
الحضور على الوجوب العيني وانهم لا يسمون حكمها حالة الغيبة وجوبا أصلا بل بالغ العلامة
فادعى الاجماع على عدم الوجوب ح وان أمكن تسمية وجوبا كما قررناه وأوضح من
ذلك دلالة في العبارة اعترافه بفقد الشرط ورتب عليه عدم الوجوب ثم حكم بالاستحباب
فلو كان الامام أو من نصبه شرطا مطلقا لما امكنه الحكم باستحبابها ح مع اعترافه
بفقد الشرط ومن هنا يظهر ظهورا بينا ان الفقيه ليس بشرط أيضا عنده وان مثل
به والالزم القول بالوجوب ان تحقق معه الشرط والغاؤه رأسا ان لم تحصل كما
72

لا يخفى وقريب من عبارة التذكرة عبارته في النهاية فلاوجه لذكرها نعم بقى في عبارته
فيهما انه جعل مورد الخلاف حال الغيبة في فعل الفقهاء للصلاة لا مطلق المصلين
كما فعله في المعتبر وسيأتي ان التعبير بذلك لا يفيد الحصر لفظا ودليلا وقال في التذكرة بعد
ذلك لو كان السلطان جائرا ثم نصب عدلا استحب الاجتماع وانعقدت جمعة على الأقوى
ولا تجب لفوات الشرط وهو الامام أو من نصبه وأطبق الجمهور على الوجوب والكلام
في هذه العبارة كالكلام في عبارة المعتبر فإنه قريبة منها ودالة باطلاقها على
الاجتزاء بمطلق العدل وان لم يكن فقيها فهو أجود من العبارة السابقة ومؤيده
لكون ذكر الفقهاء وقع سابقا على وجه المثال لا الحصر ثم نقول اللازم من القول بتمشي
الاجماع على اشتراط الامام في الصلاة مطلقا في موضع النزاع ان لا يخص بدليل
الاخبار لا بالوجوب العيني لان الفقيه إن كان مأذونا بحيث يتحقق معه الشرط لزم كون
الوجوب على حد الوجوب الأول والا فما الذي أوجب الفرق وان لم يكن قائما بوظيفة
شرطية الامام لم تكن الصلاة معه صحيحة لفقد شرط الصحة كما لا تصح الصلاة لفقد غيره
من الشروط المعتبرة فيها من الجماعة والعدد والخطبتين وغيرها لان قاعدة الشرط
تقتضي عدم مشروطه بعدمه ولأجل هذا الاشكال ينبغي ان لا يجعل تعبيره بالفقهاء
سابقا قيدا ولا شرطا للجواز مضافا إلى انها لا تدل على نفى الجواز عمن عداهم الا
بالمفهوم الضعيف ويمكن مع ذلك كون فائدة التخصيص بالفقهاء خصوصية الرد
على ابن إدريس المانع من فعلها حال الغيبة استدلالا بفقد الشرط فيه بذكر الفقهاء
على منع كون الشرط مفقودا مطلقا ح بحيث ينسد باب فعلها في حال الغيبة كما زعمه
المانع فان الفقهاء مأذونون من قبل الإمام عليه السلام على العموم فيتحقق الشرط المدعى
على تقدير تسليمه والى هذا المعنى أشار العلامة في المخ حيث قال بعد حكاية المنع على ابن
73

إدريس والأقرب الجواز ثم استدل بعموم الآية والاخبار ثم حكى حجة ابن إدريس عن المنع باب
شرط انعقاد الجمعة الامام أو من فصبه الامام اجماعا الخ ثم قال في المخ والجواب بمنع
الاجماع على خلاف صورة النزاع وأيضا فانا نقول بموجبه لان الفقيه المأمون منصوب
من قبل الامام الخ انتهى وأنت إذا تأملت كلامه وجدته قادحا في الاجماع المدعى أولا
وعلى تقدير تسليمه لا يلتزم بسد باب فعلها حال الغيبة كما زعم ابن إدريس لان الفقيه منصوب
من قبل الامام على العموم وبهذا يظهر ان ذكر الفقيه لم يقع لبيان الاشتراط وانحصار
المشروعية فيه وتؤيد ما أشرنا إليه من اعترافه ح بفقد الشرط ولهذا رتب عليه الحكم
بعد الوجوب فكيف يجمع بين الكلامين باشتراط الفقيه الموجب للوجوب الذي هو
منفى عنده بالاجماع الذي ادعاه هذا على تقدير حمل الفقيه على معناه الخاص وهو المجتهد
ولو حمل على معناه العام المتبادر من معناه عرفا بل شرعا في كثير من الموارد كما بينوه
في باب الوقف والوصية وغيرها انسد عنا باب التكليف فم؟ كلامه في المخ الواقع
بطريق الرد على ابن إدريس لا يحتمل الا معنى الفقيه الخاص ليكون نائبا عن الامام و
يتحقق به بطلان القول بعدم شرعيتها حال الغيبة مطلقا واما كلام التذكرة و
النهاية فلا يتعين لذلك لعدم المقتضى له واما الشهيد رحمه الله فإنه قال في الذكرى
ان شرط وجوبها سبعة الأول السلطان العادل وهو الامام أو نائبه اجماعا ثم
اخذ في ذكر شروط أو النائب إلى أن قال التاسع اذن الامام له كما كان النبي صلى الله عليه وآله
يأذن لأئمة الجمعات وأمير المؤمنين عليه السلام وعليه اطباق الامامية هذا مع حضور
الإمام عليه السلام واما مع غيبته كهذا الزمان ففي انعقادها قولان أصحهما وبه قال
معظم الأصحاب الجواز إذا أمكن الاجتماع والخطبتان ويعلل بأمرين أحدهما ان الاذن
حاصل من الأئمة الماضين عليهم السلام فهو كالاذن من امام الوقت واليه أشار الشيخ
74

في الخلاف ويؤيده صحيح زرارة قال حثنا أبو عبد الله عليه السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت
انه يريد ان نأتيه فقلت نغذوا عليك قال لا انما عنيت عندكم ولان الفقهاء حال الغيبة
يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالاذن كالحكم والافتاء فهذا أولي والتعليل الثاني
ان الاذن انما يعتبر مع امكانه إما مع عدمه فيسقط اعتباره ويبقى عموم القران والاخبار
خاليا عن المعارض ثم نقل صحيحة عمر بن يزيد السالفة وصحيحة منصور بن جازم يجمع القوم
يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد وان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم والجمعة واجبة
على كل أحد لا يعذر الناس فيها الا خمسة الخ ثم قال والتعليلان حسنان والاعتماد
على الثاني انتهى وفى هذه العبارة دلالة واضحة على أن الاجماع المدعى انما هو حاله
الحضور واما حال الغيبة فالأكثر على عدم اعتباره وتعليله الأول يشتمل على
أمرين أحدهما ان الاذن حاصل لجميع المكلفين من الأئمة الماضين كما تدل عليه
الروايات التي أسلفناها فهو كالاذن من امام الوقت وليس المراد منه ان الاذن
حاصل للفقيه لوجهين أحدهما انه جعله كقول الشيخ في الخلاف واستدل عليه باطلاق
خبر زرارة كما حققناه سابقا وعبارة الشيخ في الخلاف دالة على ما قلناه من أن الأئمة
عليهم السلام أذنوا بمضمون تلك الأخبار للمؤمنين ان يجتمعوا ويصلوا الجمعة كيف اتفق
مع الامكان كما يرشد إليه صحيحة منصور بن حازم السابقة وغيرها وسينقل عبارة
الخلاف فيما بعد إن شاء الله تعالى لنبين دلالتها على ذلك والوجه الثاني انه عطف
الاذن للفقيه على ما ذكره سابقا بقوله ولان الفقهاء يباشرون الخ وهو يقتضى المغايرة
بين الامرين والامر الثاني انه على تقدير التنزل والاعتراف بعدم الاذن من الأئمة
لعامة المؤمنين فهو متحقق للفقهاء بقوله عليه السلام انظروا إلى رجل قد روى حديثنا إلى
قوله فانى قد جعلته عليكم حاكما ولهذا يباشرون بهذا الاذن ما هو أعظم من الجمعة
75

كالحكم بين الناس وإقامة الحدود وغيرها وبهذين الامرين يحصل الرد على خصوص دعوى
ابن إدريس المنع من فعلها نظرا إلى فقد الشرط باثبات وجود الشرط على تقدير تسليمه بأحد
الامرين الاذن للجميع والاذن للفقهاء فلا يتم القول بالمنع نظرا إلى فقد الشرط وتعليله
الثاني دال على عدم اعتبار الاذن ح وانه انما يعتبر مع امكانه وهو حالة الحضور
نظر إلى عموم الأدلة وعدم وجود ما يدل على الاشتراط مطلقا كما حققناه وجعل اعتماده
على هذا التعليل واكتفى بامكان الاجتماع والخطبتين وهو دال على ما اخترناه
فهؤلاء المذكورون من علمائنا جملة من استند الشيخ على رحمه الله إلى نقلهم الاجماع
على اشتراط اذن الامام في شرعية صلاة الجمعة الشامل لموضع النزاع وهو حال
الغيبة حتى التجأ بسبب ذلك إلى اشتراط حضور الفقيه والا لم يشرع وأنت إذا اعتبرت
كلامهم وجدته بمعزل عن الدلالة على ذلك بل لا دلالة له أصلا وانما دل على حالة
الحضور خاصة وان حالة الغيبة موضع النزاع ومحل الخلاف وان المرجح عندهم
عدم اشتراط الاذن بل يكفي امكان الاجتماع مع باقي الشرايط وعبارة الشهيد في
البيان قريبة من عبارته في الذكرى في الدلالة على أن الشرط امكان اجتماع من
تنعقد بهم الجمعة والخطبتين من غير اعتبار الفقيه وكلامه في الدروس واللمعة قريب
من كلام السلامة حيث عبر بالفقهاء كما أن كلام العلامة في كثير من كتبه قريب من كلام
المحقق والشهيد في الذكرى والبيان وقد عرفت ان التعبير بالفقهاء لا يدل على
حصر الجواز فيه بل ولا يلايم التعبير بفقد الشرط ح وعبارة اللمعة يحتمل معنى اخر
وهو قيام الفقيه مقام المنصوب على الخصوص في الوجوب العيني وهذا له وجه وجيه
عند من يعتبر في وجوبها اذن الامام أو من نصبه كما علم من مذهب الأصحاب وما
عدا هاتين العبارتين من كلام من وقفت عليه من الأصحاب بين مصرح بعدم اشتراط
76

الفقيه وان الشرط مجرد العدد المعتبر مع امام يجوز الاقتداء به وبين مطلق للحكم أو
معهم للمؤمنين بحيث يتناول موضع النزاع وسنحكي كلام جماعة ممن وقفنا على
كلامهم من الأعيان زيادة في البيان على وجه يبين ان دعوى الاجماع على اشتراط
الفقيه ح مجرد حسبان وان هذه الدعوى لو قلبت لقام لمدعيها البرهان فممن عمم
الحكم في عبارته شيخنا المتقدم المفيد محمد بن النعمان فإنه قال في كتاب الاشراف في
عامة فرايض الاسلام باب عدد ما يجب به الاجتماع في صلاة الجمعة عدد ذلك ثماني
عشر خصلة الحرية والبلوغ والتذكر وسلامة العقل وصحة الجسم والسلامة من
العمى وحضور المصر والشهادة للنداء وتخلية السرب ووجود أربعة نفر بما تقدم
ذكره من هذه الصفات ووجود خامس يؤمهم له صفات يختص بها على الايجاب ظاهر
الايمان والطهارة في المولد من السفاح والسلامة من ثلاثة أدواء البرص و
الجذام المعيرة بالحدود المشبته لمن أقيمت عليه في الاسلام والمعرفة بفقه الصلاة
والافصاح في الخطبة والقرآن وإقامة فرض الصلاة في وقتها من غير تقديم ولا
تأخير عنه بحال والخطبة بما يصدق فيه من الكلام فإذا اجتمعت هذه الثماني
عشرة خصلة وجب الاجتماع في الظهر يوم الجمعة على ما ذكرناه وكان فرضها على
النصف من فرض الظهر للحاضر في سائر الأيام انتهى المقصود من عبارته وهو صريح
في أن المعتبر في امام الجمعة هو المعتبر في امام الجماعة عنده على تسهيل في الشرايط أيضا
فإنه لم يعتبر فيه العدالة الظاهرة كما اعتبره المتأخرون بل اكتفى بظاهر الايمان الكافي
في الحكم بالعدالة حيث لا يظهر لها مخالف كما ذهب إليه جماعة من علمائنا المتقدمين
ودلت أيضا على أن اذن الامام ليس بشرط مطلقا خلاف ما ادعاه القوم المذكورون
واكد ذلك بقوله فإذا اجتمعت هذه الثماني عشر خصلة وجب الاجتماع في الظهر يوم
77

الجمعة الخ وظاهره أيضا كون الوجوب متعينا مطلقا لان ذلك هو ظاهر اطلاق الوجوب
ولأنه هو المراد في بعض الأحوال وهو حضور الامام أو من نصبه اجماعا والمفيد رحمه الله
لم يفرق في كلامه بين الأزمان مطلقا بل جعل الشرط متحدا فيها فاستعماله في الامرين
بغير قرينة واثبات الفرق بين الأزمان مع اطلاق لفظه غير سديد ثم عقب ذلك بقوله
في الكتاب المذكور باب عدد من يجتمع في الجمعة وعددهم خمسة نفر في عدد الامام
والشاهدين والمشهور عليه والمتولي لإقامة الحدود فدل كلامه هنا على أن الامام ليس
بشرط وان المعتبر حضور قوم بعدد المذكورين لأعينهم وقريب من كلامه رحمه الله
عبارة شيخه الصدوق أبى جعفر محمد بن بابويه رضوان الله عليه فإنه قال في كتابه المقنع
في باب صلاة الجمعة وان صليت الظهر مع الامام بخطبة صليت ركعتين وان
صليت بغير خطبة صليتها أربعا وقد فرض الله من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلثين صلاة
منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة عن الصغير
والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين
ومن صلاها وحده فليصلها أربعا كصلاة الظهر في سائر الأيام انتهى المقصود
من عبارته ودلالتها على المراد واضحة من وجوه منها قوله وان صليت الظهر مع الامام
الخ فان المراد بالامام حيث يطلق في مقام الاقتداء من يقتدى به في الصلاة أعم من
كونه السلطان العادل وغيره وهذه العبارة خلاصة قول الصادق عليه السلام في
موثقه سماعه حيث سأله عن الصلاة الجمعة فقال إما مع الامام فركعتان واما
من صلى وحده فهى أربع ركعات بمنزلة الظهر يعنى إذا كان امام يخطب فهى أربع ركعات
بمنزلة الظهر يعنى إذا كان امام يخطب فإذا لم يكن امام يخطب فهى أربع ركعات
وان صلوا جماعة هذا اخر الحديث والمصنف رحمه الله طريقته في هذا الكتاب ان
78

يذكر متون الأحاديث مجرده عن الأسانيد لا يغيرها غالبا وأيضا فلا يمكن حمله
على السلطان من وجه اخر وهو انه ليس بشرط باجماع المسلمين فان الشرط عند القائل
به هو أو من نصبه ولا شك ان منصوبه غيره ومنها قوله تسقط عن تسعة وعدهم
وهو مدلول رواية زرارة السابقة الدالة على المطلق فان مفهومها عدم سقوطها
من غيرهم فيتناول موضع النزاع ومنها قوله ومن صلاها وحده فليصلها أربعا
وهذا عديل قوله سابقا وان صليت الظهر مع الامام ومقتضاه ان من صلاها
في جماعة مطلقا يصليها اثنتين كما تقدم ولا تعرض لجميع العبارة باشتراط السلطان
العادل ولا في معناه مطلقا وقال الشيخ أبو الصلاح التقى بن نجم الحلبي في كتابه الكافي
لا تنعقد الجمعة الا بامام الملة أو منصوب من قبله أو من يتكامل له صفات امام
الجماعة عند تعذر الامرين هذه عبارته وهي صريحة واضحة الدلالة على الاكتفاء
عند تعذر اذن الامام بصلاة العدد المعتبر مع امام يجوز الاقتداء به في اليومية
وليس في عبارات الأصحاب أجلي من هذه ولا أدل على المطلوب ولم ينقل في ذلك
خلافا ومع ذلك فترتيبه الامام الصالح للجماعة على تعذر الامام ومنصوبه
ليس شرطا زائدا عنده على صلاة الجماعة لأنه قال في الكتاب المذكور في باب الجماعة
واولى الناس بها امام الملة أو من ينصبه فان تعذر الامر ان لم تنعقد الا بامام
عدل الخ فقد ظهر لك ان حكم الجماعة عنده في الصلاتين على حد سواء ومع ذلك
فالوجوب عنده عيني مطلقا على ما صرح في كتابه بعد ذلك فإنه قال وإذا تكاملت
هذه الشروط انعقدت جمعة وانتقل فرض الظهر من أربع ركعات إلى ركعتين بعد
الخطبة وتعين فرض الحضور على كل رجل بالغ حر سليم مخلى السرب حاضر بينه و
بينها فرسخان فما دونها ويسقط فرضها عمن عداه فان حضرها تعين عليه فرض
79

الدخول فيها جمعة فقد عبر بتعين الحضور في الموضعين الدال على الوجوب المضيق من غير فرق
بين حالة حضور الامام وعدمه كما لم يفرق في الاجتزاء بالامام الصالح للجماعة عند عدم حضور
الامام ونائبه بين حضور الفقيه وغيره وبهذا يظهر خلاف ما ادعى من الاجماع
على الامرين مضافا إلى تأيده بالأدلة الواضحة عليه كما قد عرفته ومن غريب ما اتفق هنا
نقل الشهيد رحمه الله في البيان عن أبي الصلاح القول بعدم شرعيتها حال الغيبة
كقول سلار وابن إدريس مع تصريح أبى الصلاح بما ذكرناه وقطعه بالوجوب مطلقا
وجعله عينيا والظاهر أن ذكره اتفق سهوا والا فقد نقل في شرح الارشاد عن أبي
الصلاح القول بالاستحباب مع جملة القائلين به وكذا نقله عنه العلامة في المخ
مبتدئا به حاكيا عبارته التي حكيناها أولا ومع ذلك فنقل الشهيد في الشرح المذكور
عن أبي الصلاح القول بالاستحباب ليس بصحيح أيضا لما عرفته من تصريحه بالوجوب العيني و
قال القاضي أبو الفتح محمد بن علي بن الكراجكي رحمه الله في كتابه المسمى بتهذيب المترين شذ؟ بعد أن
ذكر جملة من احكام الجمعة وان العدد المعتبر فيها خمسة ما هذا لفظه وإذا حضرت العدة
التي يصح ان تنعقد بحضورها الجماعة يوم الجمعة وكان امامهم مريضا متمكنا من إقامة
الصلاة في وقتها وايراد الخطبة على وجهها وكانوا حاضرين آمنين ذكورا بالغين
كاملين العقول أصحاء وجبت عليهم فريضة الجمعة جماعة وكان على الامام ان يخطب
بهم خطبتين ويصلى بهم بعدهما ركعتين الخ وهذه أيضا من العبادات الصريحة في
الاكتفاء للجمعة بامام مرضى للجماعة وهي في عمومها لحالة حضور الامام وغيبته
كعبارة الشيخ المفيد ودلالتها على الوجوب المتعين أيضا أظهر واما عبارة التقى
فدلالتها كذلك وأزيد غير أنها مقيده بتعذر الامام ومن نصبه كالجماعة عنده
كما قد عرفته وقال الشيخ رحمه الله في المبسوط بعد أن ذكر في أول الباب اشتراطها بالسلطان
80

العادل أو من يأمره ولا بأس ان يجتمع المؤمنون في زمان التقية بحيث لا ضرر عليهم فيصلون
بخطبتين فإن لم يتمكنوا من الخطبة صلوا جماعة ظهرا أربع ركعات وهذه العبارة
أيضا دالة بعمومها على المطلق ومرشدة إلى ما أسلفناه من أن شرطية السلطان العادل
في كلامه وكلام غيره مختصة بحال حضوره وهي كعبارة المتأخرين الذين عبروا عن حكمها
ح بالجواز حيث أرادوا به معناه الأعم ولكن تزيد عن المتأخرين انه لا يجب حمل نفى البأس
في كلامه على الوجوب التخييري كما ذكره بعض المتأخرين بناء على ما صرحوا به من
مذهبهم في ذلك واما الشيخ فلما لم يصرح به ولم يكن في نفى البأس زيادة على نفى
التحريم كان دالا على الجواز بالمعنى الأعم كما قررناه سابقا ردا على سلار حيث منع من
فعلها ح وذلك لا ينافي القول بوجوبها على أي وجه اتفق ولما كان مستنده
على نفى البأس الأخبار السابقة كما أشار إليه لم يبعد ارادته منه الوجوب المتعين
لدلالة الأدلة عليه فيكون كقول غيره من المتقدمين والمعاصرين له بل كقوله في
الخلاف فإنه ظاهر في الوجوب المتعين أيضا كما ستعرفه و ح فحمل المتأخرين له على الجواز
بمعنى الوجوب التخييري ليوافق مذهبهم ويجعل من جملة عمل الطايفة غير سديد بل
عكسه أولي وقريب من عبارته في المبسوط عبارته في النهاية فإنه قال فيها الاجتماع
في صلاة الجمعة فريضة إذا حصلت شرايط ومن شرايطه ان يكون هناك امام عادل أو من نصبه الامام
للصلاة بالناس ثم قال في اخره إلى باس ان يجتمع المؤمنون في زمان التقية بحيث لا ضرر
عليهم فيصلوا جماعة بخطبتين فإن لم يتمكنوا من الخطبتين جاز لهم ان يصلوا جماعة
لكنهم يصلون أربع ركعات الخ فاشتراطه في أول الباب حضور الامام أو نائبه
مختص بحال حضوره كما يرشد إليه اخر كلامه حيث جوز صلاة الجمعة لعامة المؤمنين
إذا تمكنوا منها حال الغيبة ويظهر من كلامه أيضا ان نفى البأس يراد منه الوجوب
81

حيث قال فإن لم يتمكنوا من الخطبة جاز لهم ان يصلوا جماعة الخ فان تعليق جواز الطهر
على عدم تمكنهم من الخطبة يؤذن بعدم جوازها لو تمكنوا منها ونفى الباس لا ينافيه
لما ذكرناه سابقا وانما عبر بذلك بناء على الغالب من عدم تمكن المؤمنين من إقامة
الجمعة بأنفسهم بامام منهم كما قررناه سابقا واما عبارة الشيخ في الخلاف فقريبة من
عبارته في المبسوط والنهاية مع زيادة تصريح بالوجوب ح فإنه قال بعد أن اشترط
اذن الامام أو من نصبه فان قيل أليس رويتم فيما مضى من كتبكم انه يجوز لأهل
القرايا والسواد والمؤمنين إذا اجتمعوا العدد الذي ينعقد بهم ان يضلوا الجمعة قلنا
ذلك ما دون فيه مرغب فيه فجرى مجرى ان ينصب الامام من يصلى بهم انتهى وفى هذه
العبارة زيادة تصريح عن العبارتين السابقتين بقيام الاذن العام للمكلفين
مقام الاذن الخاص الموجب لوجوب الصلاة عينا وانما جعل ذلك جاريا مجرى
اذن الامام نظرا إلى اذنهم عليهم السلام في الاخبار السالفة للمؤمنين في إقامة هذه
الصلاة فيكون كنصب امام خاص وإلى هذه العبارة المحكية في الخلاف وما دلت عليه أشار
الشهيد في الذكرى في تعليله الأول الذي حكيناه عنه وبينا انه اشتمل على تعليلين
هذا أحدهما وجعل مأخذه إشارة الشيخ في الخلاف ومن العجيب هنا نقل الشيخ فخر
الدين رحمه الله في شرحه عن الشيخ في الخلاف القول بالمنع منها كقول سلار واقتصاره
في نقل قوله بالجواز على النهاية مع تصريحه في الخلاف لما ذكرناه من الجواز مبالغا
فيه مدعى الاذن من الأئمة عليهم السلام كنصبهم إماما خاصا لها الموجب للوجوب
المتعين وكذلك صرح به في ط الا ان تركه أسهل من نسبة الخلاف إلى الخلاف
وعبارة الشيخ يحيى بن سعيد في الجامع مثل عبارة الشيخ أبى جعفر في كتبه بنفي البأس
عن اجتماع المؤمنين حيث يمكنهم الخطبة وقد عرفت مراده واما عبارة المتأخرين
82

كالمحقق أبى القاسم في كتبه والعلامة في غير الكتابين السابقين وسائر المتأخرين
فهى ظاهرة المراد ومتقاربه الدلالة على الجواز أيضا أو الاستحباب مع امكان
الاجتماع والخطبتين من غير اشتراط أمر اخر ولاوجه لنقلها هنا لاشتهارها ووجود
كتبها في أيدي الناس فاقتصرنا على نقل ما يقل وجوده فكيف يتوجه بعد ذلك دعوى
مدعى الاجماع على اشتراط الفقيه مطلقا أو اذن الامام مطلقا والحال ان الخلاف
لم يتحقق فهل هذا لا مجازفة لا تليق بهذا المقام الجليل والشريعة المطهرة وليس ح لمتعنت
أن يقول هذه العبارات مطلقة في تعيين الامام الذي يصلى بهم الجمعة فيمكن حمله
على المقيد وهي المأذون له عموما من الامام وهو الفقيه لان ذلك انما يتم حيث
يدل دليل على اشتراط اذنه في هذه الحالة وهو منتف على ما حققناه فإنه من غير
الاجماع مفقود ومنه على تقدير تسليمه متخلف لانهم لم يدعوه إلى حاله الحضور و
امكان اذنه ومع ذلك فقد سمعت تصريح كثير بعدم اعتباره مع تعذره صريحا
وآخرين مطلقين كما أوضحناه وقد تلخص من ذلك أن القائل باشتراط حضور الفقيه
حال الغيبة إما قليل جدا بالعناية التامة أو معدوم فان كلا من المعبرين المذكورين
بالفقهاء ونحوهم قد صرح بخلاف ذلك في باقي كتبه فيكونان قائلين بما يوافق
الباقين لو تنزلنا وقلنا بدلالة عبارتهما المذكورة على الاشتراط مع أنك قد
عرفت بعدم دلالتها عليه بل عدمه الا بالمفهوم الضعيف مع اعترافهما وغيرهما
في هذه الحالة بفقد شرط الوجوب الذي هو حضور الامام أو من نصبه ولولاه
لحكموا بالوجوب المعين كما قرروه في جواب العامة الموجبين لها حينئذ على ما عرفت
من كلام التذكرة في جوابه للمخالفين فكيف يجتمع اشتراط حضور الفقيه لأنه إن كان
منصوبا عن الامام على وجه ينادى به هذا الشرط فاللازم القول بالوجوب المتعين
83

لوجود الشرط الذي هو مناط الوجوب وقد جعل فقده حجة على المخالف وان لم يحصل
به الشرط نظرا إلى أن المعتبر منصوب الامام على الخصوص لم يكن حضوره معتبرا في الجواز
فضلا عن الوجوب بل إما ان ينظر إلى عموم الأوامر كما اعترفوا به ويحكموا بالجواز بل
الوجوب واما يحكموا بسقوطها رأسا نظرا إلى فقد الشرط فالقول الوسط مع الاعتراف
بفقد الشرط الدال على أن الفقيه غير كاف فيه لاوجه له ح أصلا ورأسا كما لا يخفى
فح لو قيل باسقاط هذا القول لما ذكرناه ورد المسألة إلى قولين الوجوب خاصة كما
هو المشهور أو عدم الشرعية كما هو النادر كان أوفق بكلامهم واستدلالهم ومع ذلك
قد عرفت ان عبارة هذين الشيخين ليست صريحه فيه بل استبطان دليلها مناف
له فلا ينبغي ان يجعل لهما في ذلك قول يخالف دليلهما بل يخالف ما عليه الأصحاب بمجرد
الاحتمال وعلى هذا فلو قلب الدليل وقيل إن عدم اشتراط حضور الفقيه في جواز
الجمعة حال الغيبة اجماعي لكانت هذه الدعوى في غاية المثانة ونهاية الاستقامة
ولا يضرها أيضا تصريح الفاضل الشيخ على رحمه الله بالاشتراط لأنه انما استند في
القول إلى الاجماع الذي فهمه والا فإنه لم يذكر عليه دليلا معتبرا غيره وقد ظهر لك ان
الامر على خلاف هذه الدعوى وخبر محمد بن مسلم الذي استدل به أيضا على اشتراط
الامام لا ينساق هنا لما قررناه وبقى من استدلاله ان الاجتماع مظنة النزاع
الذي لا يندفع الا بالإمام العادل أو من نصبه وهذا بالاعراض عنه حقيق بل ينبغي رفعه
من البين وستره فان اجتماع المسلمين على طاعة من طاعات الله تعالى لو توقف على
حضور الإمام العادل وما في معناه لما قام للاسلام نظام ولا ارتفع له مقام وأين أنت
على ما ترتب من الاجتماع في ساير الصلوات وحضور الخلق بعرفات وغيرها من القربات
وبها يشرف مقامهم ويضاعف ثوابهم ولم يختل نظامهم بل وجدنا الخلل حال وجوده
84

وحضوره أكثر والاختلاف أزيد كما لا يخفى على من وقف على سيرة أمير المؤمنين عليه السلام
في زمن خلافته وحاله مع الناس أجمعين وحال غيره من أئمة الضلال وانتظام الامر وقلة
الخلاف والشقاق في زمانهم وبالجملة فالحكمة الباعثة على الامام أمر اخر وراء مجرد
الاجتماع في حال الصلوات وغيرها من الطاعات واعلم أنه قد ظهر من كلام بعض المتأخرين
ان الوجوب منتف عن هذه الصلاة حال الغيبة وانما يبقى الجواز بالمعنى الأعم والمراد
منه استحبابها بمعنى كونها أفضل الفردين الواجبين تخييرا عن الجمعة والظهر لا انه ينوى
الاستحباب لان ذلك منتف عنها على كل حال باجماع المسلمين بل إما ان يجتمع شرائطها
فتجب أو تنتفي فتسقط وقد عرفت أيضا ان هذا الحكم وهو وجوبها تخيير أو إن كان أفضل
الفردين لا دليل عليه الا ما ادعوه من الاجماع ولم يدعه منهم صريحا سوى ما ظهر من عبارة
التذكرة ودونها في الدلالة عبارة الشهيد في الذكرى فإنه قال فيها إذا عرفت ذلك فقد
قال الفاضلان يسقط وجوب الجمعة حال الغيبة ولم يسقط الاستحباب وظاهرهما انه لو انى
بها كانت واجبة مجزية عن الظهر والاستحباب انما هو في الاجتماع أو بمعنى انه أفضل
الفردين الواجبين على التخيير وربما يقال بالوجوب المضيق حال الغيبة لان قضية
التعليلين ذلك فما الذي اقتضا سقوط الوجوب الا ان عمل الطائفة على عدم
الوجوب العيني في ساير الاعصار والامصار ونقل الفاضل فيه الاجماع انتهى وفى هذه
العبارة مع ما اشتملت عليه من المبالغة اشعار بعدم ظهور الاجماع عنده ومن
ثم نسبه إلى الفاضل وقد عرفت مما حكيناه من عبارات من تقدم ما يقدح في الاجماع
وعمل الطائفة معا ولعله أشار بقوله ربما يقال بالوجوب المضيق إلى ذلك والظاهر أن
عمل الطائفة الذي أشار إليه لا يتم الا في المتأخرين منهم أو من بعضهم لا من الطائفة
مطلقا لما سمعت من كلام المتقدمين الذين هم عمدة فقهاء الطائفة وما اقتصرت على
85

من ذكرت لخصوصية قولهم في ذلك بل لعدم وقوفي على مصنفاتهم ولا على ما في مصنفات
ما ذكرت وفي وجود ما نقلته في ما حضرني من ذلك دليل بين على أن ذلك من الاحكام
المفردة عندهم المفروغ منها لان أحدا منهم لم ينقل في ذلك خلافا فكيف يتم للمتأخرين
الحكم بخلافه ولا يخفى عليك ان مجرد عمل الطائفة على هذا الوجه لا يكون حجة ولا قريبا
منها خصوصا مع دلالة الأدلة القاطعة من الكتاب والسنة على خلاف ذلك فكيف
مع انحصار القول في قليل منهم والقدح في ذلك بمعلومية نسب المخالف أرجح لما عرفت
من أن القائل بالوجوب العيني أكثر من القائل بالتخييري مع اشتراكهما في الوصف وسيأتي
ما يدلك على فساد هذه القاعدة مطلقا وفى هذا القدر كفاية في تحرير هذا القول
والله الموفق الكلام على القول الثالث وهو القول بعدم
شرعيتها حال الغيبة مطلقا قد عرفت فيما أسلفناه ان القائل بهذا القول شاذ بالنسبة إلى
جملة أصحابنا بل جملة المسلمين وانه منحصر في قائلين وهما سلار وابن إدريس واما غيرهما فان
مال إليه في كتاب فقد خالفه في غيره كالمرتضى على ظاهر ما عرفت من كلامه والعلامة حيث مال
إليه في المنتهى وفى كتاب الامر بالمعروف من التحرير والشهيد حيث قال في الذكرى ان هذا
القول متوجه والالزم الوجوب العيني ومثل هذا لا يعد قولا خصوصا بعد الرجوع عنه
في كتاب اخر متأخر عنه واما نقل القول به عن الشيخ في الخلاف فقد عرفت انه ليس بصحيح وكذا
نقله عن أبي الصلاح وقد حققناه سابقا وجملة ما احتج به القائلون بهذا القول
من ثلاثة أوجه كالقول السابق الأول ان شرط انعقاد الجمعة الامام أو من نصبه
لذلك اجماعا كما مر وفى حال الغيبة الشرط منتف فينتفى الانعقاد لامتناع ثبوت الشرط
مع انتفاء المشروط الثاني ان الظهر ثابتة في الذمة بيقين فلا يبرء المكلف
الا بفعلها الثالث انه يلزم من عدم القول به الوجوب العيني لافضاء الأدلة إليه
86

والمسوغون لها لا يقولون به كما أشار إليه في الذكرى والجواب عن الشبهة
الأولى بمنع الاجماع على خلاف صورة النزاع وقد عرفت سنده وعلى تقدير تسليمه لا
يلزم منه تحريم فعلها حال الغيبة مطلقا كما زعمه هذا القائل فان الفقهاء نواب الإمام عليه السلام
على العموم بقول الصادق عليه السلام انظروا إلى رجل قد روى حديثنا وعرف احكامنا
فارضوا به حاكما فانى قد جعلته عليكم حاكما الحديث وغيره مما في معناه وجعله
حاكما من قبله على العموم الشامل للمناصب الجليلة التي هي وظيفة الامام كالقضاء وإقامة
الحدود وغيرها يدخل فيه الصلاة المذكورة بطريق أولي لان شرطيتها به أضعف ومن
ثم اختلف فيها بخلاف هذه المناصب فإنها متوقفه على اذنه قطعا لا يقال مدلول
الاذن هو الحكم بين الناس ولأنه هو موضع سؤال السائل والصلاة خارجة لأنا
نقول موضع الدلالة كونه منصوبا من قبلهم عليهم السلام مطلقا فيدخل فيه موضع
النزاع وان حصل شك في الاطلاق فالطريق ما بيناه من أن ما تناوله النص أقوى
من الصلاة ولا يقدح فيه كونه في زمن الصادق عليه السلام لان حكمهم وأوامرهم عليهم السلام
شامله لجميع الأزمان وهو موضع نص ووفاق وكذا لا يقدح كون الخطاب لأهل
ذلك العصر لان حكمهم كحكم النبي صلى الله عليه وآله على الواحد حكم على الجماعة كما دلت عليه الأخبار
ومع هذا كله فعمده الامر عندي على منع الاجماع المذكور على وجه يوجب
مدعاهم إما أولا فلانه على تقديره انما وقع حاله الحضور كما حققناه لا على حاله
الغيبة فإنه موضع النزاع أو الوفاق على عدمه فكيف يساق إليه الاجماع المتنازع واما
ثانيا فلمنع تحققه على زمن الحضور أيضا لوجود القادح فيه حتى من يدعيه كما اتفق
للعلامة في المختلف فقد حكينا القدح فيه عنه مع دعواه له في غيره وظهور المخالف كما
علم من عبارة المتقدمين واما ثالثا فلمنع تحققه على وجه يصلح للدلالة على تقدير عدم
87

ظهور المخالف فان الاجماع عند الأصحاب انما هو حجة بواسطة دخول قول المعصوم في
جملة أقوال القائلين والعبر عندهم انما هي بقوله دون قولهم وقد اعترفوا بان قولهم إن
ان الاجماع حجة انما هو مشئ مع المخالف حيث إنه كلام حق في نفسه وإن كانت حيثية
الحجية مختلفة عندنا وعندهم على ما هو محقق في محله وإذا كان الامر كذلك فلابد
من العلم بدخول قول المعصوم في جملة أقوالهم حتى يتحقق حجية قولهم ومن أين لهم هذا
العلم في مثل هذه المواضع مع عدم وقوفهم على خبره عليه السلام فضلا عن قوله واما ما
اشتهر بينهم من أنه متى لم يعلم في المسألة مخالف أو علم مع معرفة أصل المخالف ونسبه
يتحقق الاجماع ويكون حجة ويجعل قول الإمام في الجانب الذي لا ينحصر ونحو ذلك مما بينوه
واعتمدوه فهو قول مجانب للتحقيق جدا ضعيف المأخذ ومن أين يعلم أن قوله عليه السلام
وهو بهذه الحالة من جملة أقوال هذه الجماعة المخصوصة دون غيرهم من المسلمين خصوصا
في هذه المسألة فان قوله بالجانب الأخر أشبه وبه أولي لموافقته لقول الله ورسوله و
الأئمة عليهم السلام على ما قد عرفت ثم متى بلغ قول أهل الاستدلال من أصحابنا
في عصر من الاعصار السابقة حدا لا ينحصر ولا يعلم به بلد القائل ولانسبه وهم في
جميع الأزمان محصورون مضبطون بالاشتهار والكتابة والتحرير لأحوالهم على وجه
لا يتخالج معه شك ولا يقع معه شبهه ومجرد احتمال وجود واحد منهم مجهول الحال
مغمور في جملة الناس مع بعده مشترك من الجانبين فان هذا ان اثر كان احتمال
وجوده مع كل قائل ممكنا ومثل هذا لا يلتفت إليه أصلا ورأسا وقد قال المحقق في
المعتبر ونعم ما قال الاجماع حجة بانضمام المعصوم فلو خلا المائة من فقهائنا عن
قوله لما كان حجة فلا نعتر بمن يتحكم فيدعى الاجماع باتفاق الخمسة والعشرة من الأصحاب
مع جهالة قول الباقين الا مع العلم بدخول الامام في الجملة انتهى ومن أين يحصل
88

العلم القطعي بموافقة قوله عليه السلام لأقوال الأصحاب مع هذا الانقطاع المحض والمقاربة
الكلية والجهل بما يقوله على الاطلاق من مدة تزيد عن ستمائة سنة وقريب من قول
المحقق قول العلامة في نهاية الوصول فإنه لما اورد على نفسه انه لا يمكن العلم باتفاق
الكل على وجه يتحقق دخول المعصوم فيهم أجاب بان الفرض دخوله فيهم إذ الاجماع انما يتم به
فلا يمكن منع دخوله انتهى وبما ذكرناه يحصل الفرق بين قوله مع الجهل بحاله على ما
وصفناه وبين قول رجل من علماء المسلمين في أقطار الأرض حيث حكم الجمهور
بتحقق اجماع المسلمين ولم يقدح فيه احتمال مخالف في بعض الأقطار ولا يعلم ووجه الفرق
ان قول هذا البعض في قطر من أقطار الأرض مع كونه مجتهدا مطلقا مما يستحيل خفاؤه
والجهل بعينه عادة فلو كان ثم من هو بهذه الصفة لظهر للمسلمين ونقل قوله هذا
مما يدل عليه العلم العادي قطعا وان حصل شك في العلم فلا أقل من الظن الغالب
المتاخم للعلم الكافي في الدلالة على مسألة شرعية حيث إن طرق الفقه كذلك بخلاف
قول الإمام عليه السلام المجهول عنه ومحله وكلامه في هذه الاعصار المتطاولة بكل وجه فان
ادخال قوله مع جملة أقوال قوم معلومين تحكم ظاهر نعم يتوجه العلم بقول المعصوم
ودخوله في أقوال شيعته عند ظهوره كما اتفق لابائه عليهم السلام في مسائل كثيرة اتفقت
فيها كلمة علماء شيعتهم والروايات بها عنهم كالقول بوجوب مسح الرجلين في الوضوء
والمنع من مسح الخفين ومنع العول والتعصيب في الإرث ونظاير ذلك واما الفروع
التي تجددت حال الغيبة ووقع الخلاف فيها فالرجوع فيها إلى ما ساق إليه الدليل من
الكتاب والسنة وغيرهما من الأدلة المعتبرة شرعا لا إلى هذه الدعاوي والعارية عن البرهان
وهذا ذرء من مقال في هذا المقام وبقى الباقي في الخيال فتنبه له ولا تكن ممن يعرف
الحق بالرجال فتقع في مهاوى الضلال واعلم أن هذا البحث كله خارج عن مقصود
89

المسألة وان نفع فيها من وجه لان منشأ الاشكال فيها انما هو حكم اعتبار النائب حال
الغيبة وعدمه والاجماع المدعى انما هو حالة الحضور ولا ضرورة بنا إليه وانما نبهنا عليه
لكثرة الحاجة إليه في أبواب الفقه في استدلاله فقد زل بواسطته اقدام أقوام وأخطأ في
الاستدلال به أجلاء اعلام ان أكثرت المطالعة والتنقيب اهتديت عليه والله الموفق
والهادي واما الجواب عن الشبهة الثانية بان الظهر ثابتة في الذمة فلا يبرأ لا بفعلها
فمن وجوه ا منع كون الظهر ثابتة في الذمة بيقين وهل هو الأعين المتنازع فكيف
يجعل دليلا وأيضا فان الثابت بأصل الشرع هو الجمعة إما الظهر فلا تجب الا مع
فواتها أو فقد شرطها فالامر معكوس لان المتيقن الثابت هو الجمعة إلى أن يثبت المزيل
نعم يتوجه على الوجوب التخييري حال الغيبة ان يقال إن هذا الفرد من الفردين الواجبين
تخييرا وهو الظهر مجز اجماعا على ما زعموه بخلاف الفرد الآخر فإنه موضع النزاع وقد عرفت
ما في هذا الوجه فإنه متوقف على تحقق الاجماع على وجه يكون حجة في رفع ايجاب الجمعة الثابت
بالكتاب والسنة والاجماع في الجملة فلا يصح القول بان هذا الفرد مجز اجماعا على هذا
هذا الوجه بل الامر بعكسه أولي ب منع كون المكلف لا يبرء الا بفعل الظهر فإنه إذا
فعل الجمعة على هذا الوجه الذي ذكرناه برئ منها أيضا لما دلت عليه الأدلة من شرعيتها
والحكم بهذه الأدلة قطعي والقطع في كل باب بحسبه ومتى شرعت أجزأت عن الظهر باجماع
المسلمين ج على تقدير الترك والاعتراف بعده تيقن براءة الذمة بما ذكر فلا نسلم
انه يشترط اليقين ببرائة الذمة بل يكفي الظن المستند إلى الدليل المعتبر شرعا والا
لزم التكليف بما لا يطاق وهو هنا حاصل بل ما هو أزيد من ذلك كما قد سمعته والجواب
عن الشبهة الثالثة على تقدير تسليم انتفاء الوجوب العيني ان الدلايل المذكورة انما
دلت على الوجوب في الجملة أعني الوجوب الكلى المحتمل لكل واحد من اقراره لمنقسم إليها
90

كالعيني والتخييري وغيرهما وإن كان ظاهرا في أحدها الا ان الصارف عنه موجود وهو الاجماع
الذي زعم القائل وأي صارف عن هذا الفرد أكبر من الاجماع إذا تم فيحمل على غيره من الافراد
والاجماع منحصر في إرادة أحد الفردين خاصة العيني أو التخييري فإذا انتفى الأول بقى الأخر
هذا على تقدير انسداد باب القول بالوجوب العيني وان قامت عليه الأدلة ودلت عليه عبارات
الأصحاب لكن قد عرفت ان دليله قائم والقائل به من الأصحاب موجود ودعوى الاجماع
على عدم ممنوعه ثم غايته ان نقل اجماع بخبر الواحد وهو غير مفيد هنا لان دليل القائل
ح من الأصوليين مع ظهور الخلاف فيه انه مقيد للظن المجوز للعمل بمقتضاه وهو منتف
هنا خصوصا مع ما قد اطلعنا عليه من خطائهم في هذه الدعوى كثيرا ويكفيك في
نقل العلامة الاجماع مع ظهور خلافه ما نقله في كثير من كتبه من الاجماع على أن
الكعبين هما مفصل الساق والقدم مع ظهور الاجماع على عدمه من جميع الأصحاب
بل من المسلمين لان عامه الأصحاب يقولون إنه الناتى في وسط القدم عند معقد الشراك
والعامة بعضهم يقول كما قاله الأصحاب والباقون على أنه الناتى على يمين القدم
وشماله والمفصل لم يقل به سوى هذا الفاضل على ما حققناه في محله ونبه عليه الشهيد
في الذكرى وغيره فكيف يحصل الظن بنقل اجماع في مسألة ظاهرة الخلاف واضحة
الأدلة على ما خالف واما ما اتفق لكثير من الأصحاب خصوصا للمرتضى في الانتصار وللشيخ
في الخلاف مع أنهما اماميا الطائفة ومقتدياها في دعوى الاجماع على مسائل كثيرة
مع اختصاصها بذلك القول من بين الأصحاب أو شذوذ الموافق لهما فهو كثير لا يقتضى
الحال ذكره ومن أعجبه دعوى المرتضى في الكتاب المذكور اجماع الامامية وجعله حجة
على المخالفين على وجوب التكبيرات الخمس في كل ركعة للركوع والسجود والقيام منهما
ووجوب رفع اليدين لها وان أقل التغابن ثمانية عشر يوما وان خيار الحيوان يثبت للمتتابعين
91

معا ان الشفعة تثبت في كل مبيع من حيوان وعروض ومنقول وغيره قابل للقسمة وغيره
وان أكثر الحمل سنة ان الهبة جايزة ما لم تعوض وإن كانت لذي رحم وان المهر لا يصح زيارته
عن خمسمائة درهم قيمتها خمسون دينارا فما زاد عنه يرد إليها وان العقيقة واجبة إلى
غير ذلك من المواضع التي اختص هو بالقول بها فضلا عن أن يوافقه فيها شذوذ وفى
دعوى الشيخ في كتبه ما هو أعجب من ذلك وأكثر لا يقتضى الحال ذكره ولو ضمنا إليه ما
ادعاه كثير من المتأخرين خصوصا المرحوم الشيخ على لطال الخطب ومن غريبها دعوى
الشيخ على رحمه الله في شرح الألفية الاجماع على أن ناسي الغصب في التوب والمكان لا
لا يجب عليه الإعادة خارج الوقت مع ظهور المخالف في ذلك حتى أن الفاضل في القواعد
افتى بالإعادة مطلقا كالعالم وفى شرحها للشيخ على قال إن في المسألة ثلثة أقوال الإعادة
الإعادة مطلقا وفى الوقت وعدمها مطلقا وكذلك ادعى في شرحه للقواعد الاجماع
على أن المستعير لزرع نوع له التخطي إلى المساوى والأدون مع أن مختار المحقق في
الشرايع فضلا عن غيره المنع من التخطي إلى الأقل ضررا فضلا عن المساوى وكذلك ادعى
الاجماع فيه أيضا على أن المساواة لا تبطل بالموت مع أن الشيخ في المبسوط جزم ببطلانها
ونسبه إلى علمائنا بعبارة تشعر بالاجماع ولا أقل من الخلاف وفى الشرايع ومختصرها
صرح بالخلاف في المسألة أيضا وأثبت لك على جميع ما ذكره من ذلك في مؤلفاته
ورسالته لطال وفى هذا القدر كفاية فإذا أضفت هذا إلى ما قررناه سابقا كفاك في
الدلالة على حال هذا الاجماع ونقله بخبر الواحد المنقول به الاجماع والله يشهد وكفى
به شهيد ان الغرض من كشف هذا كله ليس الا بيان الحق الواجب المتوقف عليه لقوة
عسر الفطام عن المذهب الذي تالفه الأنام ولولاه لكان لنا عنه أعظم ضارف والله تعالى
يتولى اسرار عباده ويعلم حقايق احكامه وهو حسبنا ونعم الوكيل ختم ونصيحة انا
92

اعتبرت ما ذكرناه من الأدلة على هذه الفريضة المعظمة وما ورد من الحث عليها في
غير ما ذكرناه مضافا إليه وما أعده الله من الثواب الجزيل عليها وعلى ما يتبعها ويتعلق بها
يوم الجمعة من الوظائف والطاعات وهي نحو مائه وظيفة قد أفردنا عيونها في رسالة
مفردة ذكرنا فيها خصوصيات يوم الجمعة ونظرت إلى شرف هذا اليوم المذخور لهذه
الأمة كما جعل لكل أمة يوما يقرعون فيه إليه ويجتمعون على طاعته واعتبرت الحكمة الاطية
الباعثة على الامر بهذا الاجتماع وايجاب الخطبة المشتملة على الموعظة وتذكير
الخلق بالله تعالى وأمرهم بطاعته وزجرهم عن معصيته وتزهيدهم في هذه الدنيا
الفانية وترغيبهم في الدار الآخرة الباقية المشتملة على ما لا عين رأت ولا اذن سمعت
ولا خطر على قلب بشر وحثهم على التخلق بالأخلاق الجميلة واجتناب السمات الرذيلة
وغير ذلك من المقاصد الجليلة كما يطلع عليها من طالع الخطب المروية عن النبي
وأمير المؤمنين عليهما السلام وغيرهما من الأئمة الراشدين والعلماء الصالحين علمت
ح ان هذا المقصد العظيم والمطلب الجليل لا يليق من الحكيم ابطاله ولا يحسن من العاقل
اهماله بل ينبغي بذل الهمة فيه وصرف الحيلة إلى فعله وبذل الجهد في تحصيل شرائطه
ورفع موانعه ليفوز بهذه الفضيلة الكاملة ويجوز هذه المثوبة الفاضلة وقد روى
مضافا إلى ما سبق عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من اتى الجمعة ايمانا و
احتسابا استأنف العمل وعن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن جده قال جاء اعرابي
إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله انى تهيأت إلى الحج كذا وكذا مرة فما قدر
لي فقال لي يا قليب عليك بالجمعة فإنها حج المساكين وعنه صلى الله عليه وآله من غسل
واغتسل فبكر وابتكر ودنا وانصت ولم يلغ كان له بكل خطوة كاجر عبادة سنة
صيامها وقيامها قيل في تفسيره غسل مواضع الوضوء واغتسل يعنى جسده وبكر
93

في غسله وابتكر يعنى إلى الجامع وعنه صلى الله عليه وآله لم يطلع الشمس ولم تغرب على
يوم أفضل من يوم الجمعة وما من دابة الا وهي يفزع من يوم الجمعة الا الثقلين الإنس والجن
وعلى كل باب من أبواب المساجد ملكان يكتبان الناس الأول فالأول فكرجل
قدم بدنه وكرجل قدم شاة وكرجل قدم طيرا وكرجل قدم بيضة فإذا قعد الامام طويت
الصحف وفى حديث اخر نحوه وفى اخره فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر وعنه صلى الله عليه و اله من توضأ يوم الجمعة وأحسن الوضوء ثم اتى الجمعة فدنا واستمع
وانصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام وعن علي عليه السلام أنه قال
إذا كان يوم الجمعة خرج احلاف الشياطين يزينون أسواقهم ومعهم الرايات و
تقعد الملائكة على أبواب المساجد فيكبون الناس على منازلهم حتى يخرج الامام فمن
دنا إلى الامام وانصت واسمع ولم يلغ كان له كفل من الاجر ومن دنا من الامام
نلغي ولم يستمع كان عليه كفلان من الوزون وقال لصاحبه فقد تكلم ومن تكلم فلا
جمعة له ثم قال علي عليه السلام هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه وآله وروى عبد الله بن
سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام فضل الله الجمعة على غيرها من الأيام وان الجنان
لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن اتاها وانكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى
الجمعة وان أبواب السماء لتفتح لصعود اعمال العباد وروى الصدوق باسناده إلى أبى جعفر
عليه السلام قال إن الملائكة المقربين يهبطون في كل جمعة معهم قراطيس الفضة وأقلام
الذهب فيجلسون على أبواب المسجد على كراسي من نور فيكتبون من حضر الجمعة الأول
والثاني والثالث حتى يخرج الامام فإذا خرج الامام طووا صحفهم وفى معنى هذه
اخبار كثيرة ويكفيك في فضل هذه الصلاة اعتبار واحد وهو ان يوم الجمعة أفضل
الأيام مطلقا كما ورود في صحاح الاخبار وصرح به العلماء الاخبار وروى عن النبي
94

صلى الله عليه وآله بطريق أهل البيت عليهم السلام أنه قال إن يوم الجمعة سيد الأيام تضاعف
فيه الحسنات وتكشف فيه الكربات وتقضى فيه الحاجات العظام وهو يوم المزيد لله
فيه عتقاء وطلقاء من النار ما دعاه الله فيه أحد من الناس وعرف حقه وحرمته
الا كان حقا على الله تعالى ان يجعله من عتقائه وطلقائه من النار وما استخف أحد
بحرمته وضيع حقه الا كان حقا على الله تعالى ان يصليه نار جهنم الا ان يتوب و
عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول ما طلعت الشمس بيوم أفضل من
يوم الجمعة وفى معناه اخبار كثيرة دلت على أنه أفضل الأيام مطلقا وقد وردت
أيضا بان الصلاة اليومية من بين العبادات بعد الايمان أفضل مطلقا وناهيك
فيه بما رواه معوية بن وهب في الصحيح قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أفضل
ما يتقرب به العباد إلى ربهم وأحب ذلك إلى الله عز وجل ما هو فقال ما اعلم شيئا
بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة الا ترى إلى العبد الصالح عيسى ابن مريم عليها السلام قال
وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وورد أيضا ان أفضل الصلوات اليومية
الصلاة الوسطى التي خصها الله تعالى من بينها بالامر بالمحافظة عليها بعد أن أمر
بالمحافظة على سائر الصلوات المقتضى لمزيد العناية بها وشدة الاهتمام بفعلها و
أصح الأقوال ان الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر وصلاة الظهر يوم الجمعة هي
صلاة الجمعة على ما تحقق أو هي أفضل فرديها على ما تقرر وقد ظهر من جميع هذه المقدمات
القطعية ان صلاة الجمعة أفضل الأعمال الواقعة من المكلفين بعد الايمان مطلقا
وان يومها أفضل الأيام فكيف يسع الرجل المسلم الذي خلقه الله تعالى لعبادته
وفضله على جميع بريته وبين له مواقع امره ونهيه وعرضه بذلك للسعادة الأبدية
والكمالات النفسية السرمدية وارشده إلى هذه العبارة المعظمة السنية ودله على
95

مثوبتها العلية ان يتهاون في هذه العبادة الجليلة ويضيع هذه الجوهرة الأثيلة
التبيلة أو يتهاون بحرمه هذا اليوم الشريف والزمن المنيف ويصرفه في البطالة وما في
معناها فان من قدر على اكتساب دره يتيمة قيمتها مأة ألف دينار مثلا في ساعة حفيفة
فاشتغل عنها باكتساب خرقه قيمتها فلس يعد عند العقلاء من جملة السفهاء الأغنياء
وأين نسبة الدنيا بأسرها إلى ثواب صلاة فريضة واحدة مع ما قد استفاض بطريق أهل البيت
عليهم السلام ان صلاة فريضة أفضل من الدنيا وما فيها وان صلاتها خير من عشرين
حجة وحجة خير من بيت ذهب يتصدق به حتى يفنى الذهب فما ظنك بفريضة هي أعظم
الفرايض وأفضلها هذا على تقدير السلامة من العقاب والابتلاء بحرمان الثواب فكيف
بالتعرض لعقاب ترك هذه الفريضة العظيمة والتهاون في حرمتها الكريمة مع ما سمعت
من توعد الله تعالى ورسوله وأئمته عليهم السلام بالخسران العظيم والطبع على القلب والدعاء
عليهم من تلك النفوس الشريفة بما سمعت إلى غير ذلك من الوعيد وضروب التهديد على
ترك الفرائض مطلقا فضلا عنها وتعلل ذوي الكسالة وأهل البطالة المتهاونين
بحرمة الجلالة في تركها بمنع بعض العلماء من فعلها في بعض الحالات مع ما قد عرفت
من شذوذه وضعف دليله معارض بمثله في الامر بها والحث عليها والتهديد لتاركها
من الله ورسوله وأئمته والعلماء الصالحين والسلف الماضين ويبقى بعد المعارضة
ما هو اضعاف ذلك فأي وجه لترجيح هذا الجانب مع خطره وضرره لولا قلة التوفيق و
سوء الخذلان وخدع الشيطان نسأل الله تعالى بفضله ورحمته ان نبهنا؟ من مراقد
الغفلة على الأعمال الموجبة لمرضاته ويجعل ما بقى من أيام المهلة مقصورا على أفضل
طاعاته وقد بنيت من حق هذه الصلاة ما قد عرفت وأديت فيها من حق أمانة العلم
ما أمرت وما على الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه
96

أنيب وحسبنا الله ونعم الوكيل وليكن هذا اخر ما نمليه في هذه الرسالة حامدين الله
تعالى مصلين على صاحب الرسالة محمد النبي المصطفى واله الاطهار فرغ من تسويدها
مؤلفها الفقير إلى عفو الله تعالى زين الدين بن علي بن أحمد الشامي
العاملي غره شهر ربيع الأول المنتظم في
سلك سنة اثنين وستين و
تسعمائة هجرية حامدا
مسلما مصليا لتغفرا
المصنف رحمه الله تعالى وجعل الجنة مثواه
اعلم أن البحث في هذه المسألة وقع من عشرة أوجه الأول اثبات مشروعية الجمعة حال الغيبة والرد
على من منع منها الثاني اثبات وجوبها الثالث كون وجوبها عينا أو تخيير أو ترجيح الحق
في كل منها الرابع ان الوجوب المذكور هل يتوقف على اذن الامام أم لا الخامس انه
على تقدير توقفه هل يتوقف على اذن الفقيه حال الغيبة أم لا السادس الرد على من ادعى
الاجماع على اشتراط الفقيه وبطلان دعويه السابع الرد على من ادعى الاجماع على
سقوط الوجوب العيني ح وبطلان دعواه الثامن الكلام على القاعدة المشهورة
من أن مخالف الاجماع إذا كان معلوم النسب لا يقدح فيه التاسع الكلام على دعوى
كون الاجماع المنقول بخبر الواحد جحة وبيان فسادها مطلقا العاشر التنبيه على أن خطأ
كثير من الفضلاء في هذه الدعوى اقتضى انصراف الظن عن صدق الخبر المذكور الذي
هو مناط الحجية والبحث في هذه المواضع العشرة خلاف المشهور فيتوقف التصديق بها على امعان
النظر وعزل داعية الهوى والمين وتقليد السلف من البين وطلب الحق الذي هو ضالة المؤمن
واتباعه حيث وجده والاعتماد في ذلك كله هو على الله تعالى وهو حسبنا وكفى والحمد لله وحده
قد فرغ من تحرير هذه الرسائل الشريفة وصلى الله على محمد وآله العبد الجاني محمد حسن الجرفاذقاني في شهر ذي حجة الحرام 1312
97

للمصنف أيضا رحمه الله تعالى وجعل الجنة منزلة ومنوا
بسم الله الرحمن الرحيم
مقالة في الحث على صلاة الجمعة أرسلتها إلى المؤمنين بالتماس بعض الأصحاب اعلم أن
صلاة الجمعة من أعظم فرايض الاسلام وأفضل العبادات بعد الايمان خص الله
تعالى بها هذا الأمة الكريمة وجعلها في ذلك اليوم الشريف من أجل مننه الجسيمة جامعة بين
وظيفة الصلاة والذكر والموعظة واستماعها الموجبة لصفاء القلوب والانبعاث على
التقوى والبعد عن معصية الله تعالى وقد خص الله تعالى كل ملة بيوم من الأسبوع
يتقرب فيه إليه بما شرع لهم من الدين وجعل هذه الصلاة في هذا اليوم خاصة للمسلمين
وقد وقع عليها مع ذلك من الحث العظيم وتأكيد الامر من الكتاب والسنة ما لا
يوجد في غيرها من العبادات قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم يا أيها
الذين امنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع
ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون وفى هذه الآية من ضروب التأكيد عليها مالا يقتضى الحال
بسطه لكثرته ودقة مأخذه وامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقرائة هذه السورة
يوم الجمعة في ساير الصلوات خصوصا صلاة الجمعة ليتدبر السامع لهذا الامر
وينبعث على العمل بمقتضاه وأعاد التأكيد عليها في سورة المنافقين المأمور
بقرائتها فيها أيضا فقال بعد أن سماها ذكر الله تعالى في السورة السابقة يا أيها
الذين امنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك
هم الخاسرون فتأمل كيف جمع بين الامر بفعلها والحث عليه في السورة الأولى
ثم شفعه بالنهي عن الاشتغال عنها والتهديد على تركها في السورة الثانية
ووصف التارك لها بالخسران الذي وصف به الكافرين والظالمين في مواضع كثيرة
98

من القران الكريم وفى هذا كفاية للمتبصر وبلاغ للمتدبر وقال تعالى حافظوا
على الصلوات والصلاة الوسطى فحص الصلاة الوسطى بالامر بالمحافظة عليها
من بين الصلوات والذي عليه المحققون انها صلاة الظهر في غير يوم الجمعة
وفيها هي الجمعة بل قال جماعة من العلماء انها هي الجمعة لاغير واماما ورد من
الحث عليها من السنة المطهرة فكثير لا يكاد ينحصر فمنه قول النبي صلى الله عليه وآله
الجمعة حق على كل مسلم الا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض وقوله
صلى الله عليه وآله اعلموا ان الله تعالى قد افترض عليكم الجمعة فمن تركها في حياتي
أو بعد موتى وله امام عادل استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله شمله ولا
بارك له في امره الا ولا صلاة له الا ولا زكاة له الا ولاصوم له الا ولا بر له
حتى يتوب وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال من ترك الجمعة ثلث جمع
متواليه طبع الله على قلبه وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال إن
للجمعة لحقا وحرمة فإياك ان تضيع أو تقصر في شئ من عبادة الله تعالى والتقرب
إليه بالعمل الصالح وعنه عليه السلام فضل الله الجمعة على غيرها وان الجنان لتزخرف
وتزين يوم الجمعة لمن اتاها وانكم لسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى المسجد
للصلاة وان أبواب الجنان لتفتح لصعود اعمال العباد وان الملائكة لتقف على
أبواب المساجد وما يديهم أقلام الفضة وقراطيس الذهب يكتبون الأول فالأول
حتى يصعد الامام إلى المنبر فبطوون الصحف ويدخلون مع الناس يستمعون الخطبة
وعنه عليه السلام قال إن الله عز وجل فرض في كل سبعة أيام خمسا وثلثين صلاة
منها صلاة واجبة على كل مسلم ان يشهدها الا خمسة المريض والمملوك والمسافر
والمراة والصبي وعنه عليه السلام قال جاء اعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله يقال له
99

قليب فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله انى تهيأت إلى الحج كذا وكذا مرة فما قدر لي
فقال لي يا قليب عليك بالجمعة فإنها حج المساكين فهذه نبذة يسيرة مما ورد
في الكتاب والسنة من الحث عليها وفى بعضه كفاية لمن تدبره ويكفيكم في فضلها
من جهة الاعتبار ما وردت به الاخبار واتفق عليه العلماء الاخبار من أن أفضل الأعمال
الصالحة بعد الايمان هو الصلاة وان اليومية من بينها أفضل افرادها
أوان الوسطى أفضل اليومية وهي صلاة الظهر في غير الجمعة والجمعة فيها ولو قيل
هي الظهر مطلقا فالجمعة أفضل منها على ما تحقق في محله فيكون الجمعة أفضل اعمال
المؤمنين بعد الايمان مطلقا وفى هذا القدر كفاية بل فيه غاية المزيد وعينه
لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد فكيف يسمع المسلم بعد ما طرق سمعه
هذه الأوامر ان يهمل هذه الفريضة العظيمة ويضيع هذا اليوم الشريف الذي
خص الله تعالى به المسلمين ويصرفه في أمور الدنيا بل في البطالة والخسارة ما
هذا الا دليل على ضعف الايمان ووهن اليقين وتلبيس إبليس اللعين ومداخله
الخفية على المؤمنين ويخدعهم بقول بعض العلماء انها مشروطة بإذن الامام
أو من نصبه ونحو ذلك وهذا قول ضعيف لا يعذر معتمده عند الله تعالى في
هذا الزمان وخصوصا بعد ما قد أوردناه من الأوامر المطلقة التي لم يرد لها
مقيد معتبر عند من تبصر وماذا يكون جوابكم لله تعالى يوم الحساب ونقاشه
المتعصب للعذاب إذا قال لكم قد أمرتكم بهذه الفريضة العظيمة في محكم كتابي المجيد
الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وما اكتفيت
لكم بذلك حتى حثيتكم عليها على السنة وسلى وخلفائهم وبما قد اسمع من كان
حيا أفيقبل منكم ان تقولوا سمعنا من بعض الناس انها غير واجبة أفيقصر عندكم
100

قول الله ورسوله وخلفائه وعلماء المسلمين عن قول بعض الناس وهب أن الله
تعالى لم يؤكد الحث عليها بما ذكرناه أليس قول بعض الناس معارض بقول
سائر المسلمين على وجوبها على الوجه الذي بيناه نسأل الله تعالى العصمة
والعفو والرحمة ونستمد منه المعونة على أداء حقه وامتثال امره وها انا قد
أديت الأمانة ونصحت بما يجب على وما على الا الاصلاح ما استطعت وما
توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب والحمد لله وحده
وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه و
سلم تمت الرسالة
الشريفة في
سنة 1312
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مطلع من اختار من عباده الأبرار على حقايق الاسرار ومودع قلوب أصفيائه
من لطائف المعارف ما تحار فيه البصائر والابصار وجاعل القلوب سببا للنجاة
وموضعا للمناجات والمبار وذريعة إلى ارتفاع الدرجات وتفاوت مراتب العبادات
في قبول طوالع الأنوار من مطلع المسار فتح بما تيح الغيوب اقفال القلوب عمن شاء
واختار ورفع حجب السرائر وجلى ابصار البصائر ففهمت الإشارات ورفعت الأستار
فدهشت في مبادى اشراق نوره الاقداح والانظار والصلاة على نبيه وحبيبه ومعدن
سره محمد النبي المختار وعلى اله الأئمة الأبرار وصحبه الأخيار صلاة دائمة بدوام
الليل والنهار إما بعد فان روح السعادة وبهجتها وروح العبادة و
مهجتها وموجب تلقيها بأيدي القبول والاحسان ومضاعفه الثواب بها في دار الجنان
101

والتسبب بها إلى ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر و الانتساب بها إلى عالم
الملكوت والملائكة الغرر وتلقى الفيض من عالم الغيب والشهادة وايجاب القليل منها
لعظيم الزيادة انما يتم بالاقبال بالقلب في أفعالها وحركاتها وسكناتها على الله تعالى
والتفكر في اسرارها وتقلب النفس حالاتها حسب اختلاف أوضاعها وأطوارها فإنها
تارة قصد واخلاص وانقطاع واختصاص وتارة تكبير لله تعالى وتمجيد وثناء وتحميد
وتارة دعاء وابتهال واخرى خضوع وتشاغل بحضرت ذي الجلال وتارة خشوع
وتململ على التراب بين يدي رب الأرباب وتارة تجديد عهد بكلمة التوحيد وتقرير
الاسلام وتذكير بالعهد القديم المأخوذ على الأنام وتارة تحية لمقربي حضرته
بلفظ السلام إلى غير ذلك من دقايق الحقايق التي تظهر للمصلى بفكره الصادق ومن
ثم كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء موجبه للقرب والزلفى كما نطق به القران الحكيم
وردت به الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله عليهم أفضل الصلاة وأكمل التسليم
و ح فلابد للمكلف المستيقظ من الاقبال بقلبه عليها والتفكر في اسرارها والتأدب
بأدابها والا كانت بمنزلة الجسد من غير روح والشجرة من غير ثمرة والعمل من غير غاية
وقد ذكرنا في هذه الرسالة نبذة من اسرارها وزبدة من آدابها وأكثرها قد وردت
به النصوص عن أهل الخصوص عليهم أفضل الصلاة وأكمل التحيات وبمراعاتها يرتقى
القابل من مدارجها إلى معارج الاسرار والتجليات وهذه الأمور وإن كانت
متفرقة في تضاعيف النصوص وكلام الكاملين من العلماء العاملين لكن لا يكاد
يجتمع أطرافه الا عند قليل من الأماجد ولا يطلع على معادنه الا واحد بعد واحد
فشاركتهم في مثوبته بجمع أطرافه ومبانيه وتهذيب ترتيبه وتقريب معانيه وصارت
مع ذلك مقررة للرسالتين الشريفتين اللتين اشتملت إحديهما على واجبات الصلاة
102

وهي الألفية والاخرى على مندوباتها وهي النفلية وهذه على اسرارها القلبية
وسميتها بالتنبيهات العلية على وظائف الصلاة القلبية ورتبتها ترتيب القادمة
على مقدمة وفصول ثلثة وخاتمة إما المقدمة فتشتمل على ثلثة مطالب الأول
في تحقيق معنى القلب الذي ينبغي احضاره في أوقات العبادات وبسببه بتفاوت مراتب
العبادات في الدرجات اعلم أن القلب يطلق على معنيين أحدهما اللحم الصنوبري الشكل
المودع في الجانب الأيسر من الصدر وهو لحم مخصوص وفى باطنه تجويف وفى ذلك
التجويف دم اسود وهو منبع الروح ومعدنه وهذا المعنى من القلب موجود للبهائم
بل للميت وليس هو المراد في هذا الباب ونظائره والمعنى الثاني لطيفة ربانية روحانية
لها بهذا القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي المعبر عنها بالقلب تارة وبالنفس
أخرى وبالروح أخرى وبالانسان أيضا وهي المدرك العالم العارف وهي المخاطب و
المعاتب ولها علاقة مع القلب الجسدي أو قد تحير عقول أكثر الخلق في ادراك وجه
علاقته وان تعلقه به يضاهى تعلق الاعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات أو
أو تعلق المستعمل للالة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان وشرح ذلك يخرج من
غرض الرسالة وحيث يطلق القلب في الكتاب والسنة فالمراد منها هذا المعنى الذي
يفقه ويعلم وقد يكنى عنه بالقلب في الصدر كما قال الله تعالى فإنها لا تعمى الابصار
ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وذلك لما عرفت من العلاقة الواقعة بينه و
بين جسم القلب فإنها وإن كانت متعلقة بساير البدن ومستعملة له ولكنا يتعلق
به بواسطة القلب فتعلقها الأول بالقلب ومكانه محله ومملكته وعالمه ومطيته ولذلك
شبه بعض العلماء القلب بالعرش والصدر بالكرسي وأراد به انه مملكته والمجرى الأول
لتدبيره وتصرفه فهما بالنسبة إليه كالعرش والكرسي بالنسبة إلى الله تعالى ولا يستقيم
103

هذا التشبيه الا من بعض الوجوه كما لا يخفى وهذا المعنى من القلب في الجسد بمنزلة الملك وله
فيه جنود وأعوان واضداد وأوصاف وله قبول للاشراف والظلمة كالمرأة الصافية
التي تقبل انطباع الصور والاشكال المقابلة لها وتقبل الظلمة والفساد والبعد عن
الاعداد لذلك بسبب العوارض الخارجية المنافية لجوهرها وربما وصل اشراقه واستنارته
إلى حد يحصل فيه جلية الحق وتنكشف فيه حقيقة الامر المطلوب والى مثل هذا القلب
الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه وبقوله
صلى الله عليه وآله من كان له من قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ ومثال الآثار المذمومة
الواصلة إليه المانعة له من الاستنارة وقبول الاسرار مثال دخان مظلم يتصاعد إلى مراة
ولا يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى إلى أن يسود ويظلم ويصير بالكلية محجوبا عن الله تعالى
وهو الطبع والرين اللذين أشار الله تعالى إليهما في قوله إن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم
ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون ربط عدم السباع والطبع بالذنوب كما ربط السماع
بالتقوى في قوله تعالى واتقوا الله واسمعوا واتقوا الله ويعلمكم الله وقال الله تعالى
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فمهما تراكمت الذنوب طبع على القلب وعند ذلك
يعمى عن ادراك الحق و صلاح الدين ويتهاون بالآخرة ويستعظم أمر الدنيا ويصير
مقصورا لهم عليه وإذا قرع سمعه أمر الآخرة وما فيها من الاحظار دخل من اذن وخرج
من الأخرى ولم يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة والتدارك وهذا هو معنى اسوداد و
القلب بالذنوب كما نطق به القران والسنة كما في قوله صلى الله عليه وآله قلب المؤمن
أجرد فيه سراج يظهر وقلب الكافر اسود منكوس وقول الباقر عليه السلام ان القلوب ثلثة
قلب منكوس لا يعي شيئا من الخير وهو قلب الكافر وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشر فيه
يختلجان فأيهما كانت منه غلب عليه وقلب مفتوح فيه مصابيح تظهر لا يطفأ نوره
104

إلى يوم القيمة فانظر إلى قوله عليه السلام لا يطفى نوره إلى يوم القيمة فان هذا حكم نور
القلب بالمعنى الثاني لأنه باق وان خرب البدن بخلاف الأول كما حقق في موضع اخر وروى
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ما من عبد الا وفى قلبه نقطة بيضاء فان أذنب ذنبا
خرج في النكتة نكتة سوداء فان تاب ذهب ذلك السواد وان تمادى في الذنوب زاد
ذلك السواد حتى يغطى البياض فإذا اعطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير ابدا وهو قول
الله عز وجل كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقال الله تعالى ان الذين
اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذاهم مبصرون فأخبر ان جلاء القلب
يحصل بالذكر وان المتقين هم المتذكرون فالتقوى باب الذكر والذكر باب الكشف و
الكشف باب الفوز الأكبر واعلم أن القلب مثاله مثال حصن والشيطان عدو يزيد
ان يدخل الحصن ويملكه و يستولى عليه ولا يقدر على حفظه تحصن من العدو الا بحراسة أبواب الحصن ومداخله و مواقع تهمه فينبغي
الاهتمام بمعرفة ذلك وتفصيله مما يطول الكلام فيه ويخرج عن الغرض والامر
الجامع له الاقبال على الله تعالى وتخييل انك واقف بين يديه فإن لم تكن تراه
فإنه يراك كما ورد في الخبر فان أشعرت بذلك وتحققته وعملت به انسدت الأبواب
دون وساوس اللعين واقبل القلب على الله تعالى وتفرغ للعبادة وقد ورد
عن النبي صلى الله عليه وآله ان العبد إذا اشتغل بالصلاة جاءه الشيطان وقال له
أذكر كذا أذكر كذا حتى يضل الرجل ان يدرى كم صلى ومن هنا ظهر لك ان مجرد التلفظ
بالذكر باللسان ليس هو الزاجر للشيطان بل لابد معه من عمارة القلب بالتقوى و
تطهيره من الصفات المذمومة التي هي أعوان إبليس وجنون والا فالذكر من أقوى
مداخل الشيطان وكذلك غيره من العبادات ولذلك قال الله تعالى ان الذين اتقوا
إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذاهم مبصرون فخصص ذلك بالمتقي و
105

وتأمل أنت في منتهى ذكرك وعبادتك وأفضل أعمالك وهو الصلاة فليس الخبر
كالعيان فراقب قلبك إذا كنت في الصلاة كيف تتجاذبه الشيطان في الأسواق والبساطين
وحساب المعاملين وجواب المعاندين وغيرهم وكيف يمر بك في أودية الدنيا ومهالكها
حتى انك لا تتذكر ما نسيته من فضول الدنيا الا في صلاتك ولا يزدحم الشيطان على
قلبك الا إذا صليت فلا جرم لا يطرد عنك الشيطان بمجرد صورة العبادة وان تأدى
بها الواجب عليك وخرجت من عهدة الإلهي بل لابد في دفعه مع ذلك من أصول اخر
واصلاح الباطن من الرذايل التي هن أعوانه وجنده والا لم يزد الا ضررا كما أن
الدواء قبل الاحتماء لا يزيد المريض الا مرضا والمأثم بعد ذلك يتصف بالفضايل
و ح يصير قلبه قابلا للاقبال مشفقا من التفريط والاهمال قال الله تعالى الا بذكر
الله تطمئن القلوب فاجعل هذه العلامة بينك وبين استقامة قلبك واقباله
أوقفنا الله وإياك على بساط الاستقامة بمحمد واله ولنقتصر من بحث القلب على هذا
القدر ومناسبة للاختصار المطلب الثاني في الاستشهاد على ما ينبغي من احضار
القلب في حال العبادة سيما الصلاة التي هي عمود الدين ورأس الأعمال قال الله تعالى
الذين هم في صلاتهم خاشعون وقال الله تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم
ساهون ذمهم على الغفلة عنهما مع كونهم مصلين لا لانهم سهوا عنها وتركوها
وقال الله تعالى والذين يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة أي يفعلونه في حال وجل
قلوبهم والاتصاف بالوجل حالة العمل مستلزم لحضور القلب على أتم وجه وقال
النبي صلى الله عليه وآله الصلاة ميزان من وفى استوفى وقال النبي صلى الله عليه وآله
ا عبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وقال صلى الله عليه وآله في فضل اتمامها
ان الرجلين من أمتي يقومان في الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد وان ما بين صلاتيهما
106

ما بين السماء والأرض وقال النبي صلى الله عليه وآله إما يخاف الذي يحول وجهه
في الصلاة ان بحول الله وجهه وجه حمار وقال صلى الله عليه وآله من صلى ركعتين
لم يحدث فيهما نفسه بشئ من الدنيا غفر الله له ذنوبه وعنه صلى الله عليه وآله من حبس نفسه
في صلاة فريضة فأتم ركوعها وسجودها وخشوعها ثم مجد الله عز وجل وعظمه وحمده
حتى يدخل وقت صلاة فريضة أخرى لم يلغ بينهما كتب الله له كاجر الحاج المعتمر وكان
من أهل عليين وعنه صلى الله عليه وآله ان من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها
وخمسها إلى العشر وان منها لما تلف كما بلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها وان مالك
من صلاتك الا ما أقبلت عليه بقلبك وعن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى
الله عليه وآله إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله إليه أو قال اقبل الله عليه حتى
ينصرف وأظلته الرحمة من فوق رأسه إلى أفق السماء والملائكة تحفه من حوله إلى أفق السماء
ووكل الله به ملكا قائما على رأسه يقول أيها المصلى لو تعلم من ينظر إليك ومن تناجى
ما التفت ولازلت من موضعك ابدا وقال الصادق عليه السلام لا يجتمع الرغبة والرهبة
في قلب الا وجبت له الجنة فإذا صليت فاقبل بقلبك على الله عز وجل فإنه ليس من عبد
مؤمن يقبل بقلبه على الله عز وجل في صلاته ودعائه الا اقبل الله عليه بقلوب
المؤمنين وأيده مع مودتهم إياه بالجنة وعن أبي حمزة الثمالي قال رأيت علي بن الحسين
عليه السلام يصلى فسقط رداؤه عن منكبه فلم يسوه حتى فرغ من صلاته قال فسألته
عن ذلك فقال ويحك أتدري بين يدي من كنت ان العبد لا يقبل منه صلاة الا ما اقبل
فيها فقلت جعلت فداك هلكنا فقال كلا أف الله يتم ذلك بالنوافل وعن الفضيل بن
يسار عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام انهما قالا إن مالك من صلاتك الا ما
أقبلت عليه فيها فان أوهمها كلها أو غفل عن آدابها لفت فضرب بها وجه صاحبها وروى
107

زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا قمت في الصلاة فعليك بالاقبال على صلاتك فان
مالك منها الا ما أقبلت عليه بقلبك ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك و
لاتحدث نفسك ولا تتثائب فيها ولا تتمطى الحديث وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه
السلام قال إذا كنت في صلاتك فعليك بالخشوع والاقبال على صلاتك فان الله
تعالى يقول والذين هم في صلاتهم خاشعون وعنه صلى الله عليه وآله قال كان علي بن
الحسين عليه السلام إذا قام إلى الصلاة تغير لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقا
وكان عليه السلام إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة الا يتحرك منه الا ما حركت الريح
منه وعن أبي جعفر عليه السلام قال إن أول ما يحاسب به العبد الصلاة فان قبلت قبل
ما سواها ان الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرفة تقول
حفظتني حفظك الله وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي
سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك الله وروى العيص بن القاسم عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال والله انه ليأتي على الرجل خمسون سنة وما قبل الله منه صلاة واحدة
فأي شئ أشد من هذا والله انكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلى لبعضكم
ما قبلها منه لاستخفافه بها ان الله عز وجل لا يقبل الا الحسن فكيف يقبل ما يستخف
به وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول طوبى لمن أخلص
لله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما تراه عيناه ولا ينس ذكر الله بما تسمع اذناه
ولم يحزن صدره بما اعطى غيره وروى سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله عليه السلام في
قول الله عز وجل ليبلوكم أيكم أحسن عملا قال ليس يعنى أكثر عملا ولكن أصوبكم عملا وانما
الإصابة خشيته الله تعالى والنية الصادقة ثم قال لابقاء على العمل حتى يخلص أشد
من العمل والعمل الخالص الذي لا تريدان يحمدك عليه أحد الا الله عز وجل والنية أفضل
108

من العمل الا وان النية هي العمل ثم فلا قوله عز وجل قل كل يعمل على شاكلته يعنى على نيته و
بهذا الاسناد قال سألته عن قول الله عز وجل الامر اتى الله بقلب سليم قال السليم الذي
يلقى ربه وليس فيه أحد سواه وقال وكل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط وانما أراد
بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة وعن أبان بن تغلب قال كنت صليت خلف
أبى عبد الله عليه السلام بالمزدلفة فلما انصرف التفت إلى فقال يا ابان الصلاة الخمس المفروضات
من أقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن اتى الله يوم القيمة وله عنده عهد يدخله به الجنة
ومن لم يقم حدودهن ولم يحافظ على مواقيتهن لفى الله عز ولا عهد له ان شاء عذبة؟
وان شاء غفر له والاخبار في ذلك كثيرة فلنقتصر على هذا القدر واعلم أنه قد تستفيد؟
منها ان قبول الصلاة موقوف على الاقبال بالقلب بها والالتفات عما سوى الله فيها
وان قبولها يوجب قبول ما سواها من الأعمال و ح فالاهتمام بهذه الصفة أمر مهم و
الغفلة عنها خسارة عظيم وانحطاط قوى وغفلة ردية حيث يذاب نفسه في الطاعة
يقوم بها اناء الليل واطراف ثم لا يجد بذلك ثمرة ولا يستفيد به فائدة قل هل ننبئكم
بالأخير ان أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا
خصوصا إذا ضم؟ إلى ذلك ما روى أن الصلاة إذا ردت رد ساير عمله كما انها إذا
قبلت قبل ساير عمله فنسأل الله تعالى ان يمن علينا من فضله العميم بدوام الاقبال
وقبول الأعمال المطلب الثالث في بيان الدواء النافع في حضور القلب اعلم أن
المؤمن لابد ان يكون معظما لله تعالى وخائفا له وراجيا ومستحييا من تقصيره
فلا ينفك عن هذه الأحوال بعد ايمانه وإن كانت قوتها عنده بقد وقوة يقينه
فانفكاك عنها في الصلاة لاسبب له الا تفرغ الفكر وتقسم الخاطر وغيبة القلب
عن المناجاة والغفلة عن الصلاة ولا يلهى عن الصلاة الا الخواطر الواردة الشاغلة
109

فالدواء في احضار القلب هو رفع تلك الخواطر ولا بدفع الشئ الا بدفع سببه وسبب
نوادر الخواطر إما ان يكون أمرا خارجا أو أمرا في ذاته باطنا إما الخارج فما يقرع السمع
أو يظهر البصر فان ذلك قد يخطف الهم حتى يتبعه وينصرف فيه ثم ينجر من الفكر إلى غيره
ويتسلسل ويكون الابصار سببا للأفكار ثم يصير بعض تلك الأفكار سببا للبعض
الأخر ومن قويت رتبته وعلت همته لم يلهه ما يجرى على حواسه ولكن الضعيف لابد
وان يتفرق به فكره فعلاجه قطع هذه الأسباب بان يغض بصره أو يصلى في بيت مظلم
أو لا يترك بين يديه ما يشغل حسه أو يقرب من حايط عند صلاته حتى لا نتسع مسافة
بصره ويحترز من الصلاة على الشوارع وفى المواضع المنقوشة المصنوعة وعلى الفرش
المزينة فلذلك كان المتعبدون يتعبدون في بيت صغير مظلم سعته بقدر ما يمكن
الصلاة فيه ليكون ذلك أجمع للهم وينبغي ان لا يعدل إلى غض العينين ما وجد السبيل
إلى القيام بوظيفة النظر وهي جعله قائما إلى موضع سجوده وغيره من الأمور المعلومة
شرعا فان تعذر القيام بها مع فتحهما فالغمض الأولى لان الفائت من وظيفة الصلاة وصفتها
بتقسم الخاطر أعظم منه مع الاخلال بوظيفة النظر وليحضر يباله عنه نظره إلى موضع
سجوده انه واقف بين يدي ملك عظيم يراه ويطلع على سريرته وباطن قلبه وإن كان
هؤلاء يراه وان التوجه إليه لا يكون الا بوجه القلب ووجه الرأس مثال ومضاف بالتبع
وانه يخاف ان ولاه ظهر قلبه ان يطرده عن باب كرمه ويسلبه مقام خدمته ويبعد عن جناب
قدسه ومقدس حضرته وكيف يليق بالعبد ان يقف بين يدي سيده ويوليه ظهره ويجعل
فكره في غير ما يطلبه منه لا ريب في أن هذا العبد مستحق للخذلان مستوجب للحرمان في
الشاهد الخسيس؟ والقياس البعيد فكيف في المقصد الأصلي والملك الحقيقي وقد ورد
في الحديث ان الله لا ينظر إلى صوركم ولكن بنظر إلى قلوبكم فبهذا ونظايره يجتمع
110

الهمة ويصفوا القلب وينحصر بالنظر إلى الأمور الخارجية واما الأسباب الباطنة فإنها
أشد فان من تشعبت به الأمور في أودية الدنيا لم يحضر فكره في فن واحد بل لا يزال
يطير من جانب إلى جانب وغض البصر لا يعينه فان ما وقع في القلب كاف في الشغل فهذا
طريقه ان يرد النفس قهرا إلى فهم ما يقرأه في الصلاة ويشغلها به عن غيره ويعينه
على ذلك أن يستعد قبل التحريم بان يجدد على نفسه ذكر الآخرة وموقف المناجاة و
حظر القيام بين يدي الله تعالى وهول المطلع ويفزع قلبه قبل التحريم بالصلاة عما
يهمه فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره فهذا طريق تسكين الأفكار فإن كان
لا يسكن هايج أفكاره بهذا الدواء المسكن فلا ينجيه الذي يقمع مادة الداء من أعماق
العروق وهو ان ينظر في الأمور الشاغلة الصارفة له عن احضار القلب ولا شك انها
تعود إلى مهماته وانها انما صارت مهما بشهواته فيعاقب بنفسه بالنزوع عن تلك الشهوات
وقطع تلك العلايق وكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه وجند إبليس عدوه فامساكه
أضر عليه من اخراجه فيتخلص عنه باخراجه وقد روى أن بعضهم صلى في حايط له فيه شجر
فأعجبه ريش طاير في الشجر يلتمس مخرجا فاتبعه نظره ساعة لم يذكر كم صلى فجعل حايطه
صدقة ندما ورجاء للعوض عما فاته وهكذا كانوا يفعلون قطعا لمادة الفكر و
كفارة لما جرى من نقصان الصلاة وكان بعضهم إذا فاتته صلاة في جماعة أحيى
تلك الليلة واخر صلاة المغرب حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين وفات الأخر ركعتا
الفجر فأعتق رقبة كل ذلك مجاهدة للنفس ومناقشة لها في الغفلة عما فيه حظها
فهذا هو الدواء القامع لمادة العلة ولا يغنى غيره فان ما ذكرناه من التلطف بالتسكين
والرد إلى فهم الذكر ينفع في الشهوات الضعيفة والهمم التي لا تشغل الا حواشي القلب
فاما الشهوة القوية المرهقة فلا ينفع منها التسكين بل لا تزال تجازيها وتجاز
111

بك ثم تغليك وينقضى جميع صلاتك في شغل المجاذبة ومثاله رجل تحت شجرة أراد ان
يصفو له فكره فكانت أصوات العصافير تشوش عليه فلم يزل يطيرها بخشبة هي في يده
ويعود إلى فكره فيعود العصافير فيعود إلى التنفير بالخشبة فقيل له ان أردت الخلاص
فاقلع الشجرة فكذلك شجرة الشهوة إذا استقلت وتفرقت أعضائها انجذبت إليها الأفكار
انجذاب العصافير إلى الأشجار وانجذاب الذباب إلى الأقذار والشغل يطول في رفعها فان
الذباب كلما ذب أب ولاجله سمى ذبابا فكذا الخواطر فهذه الشهوات كثيرة ولما يخلوا العبد
عنها ويجمعها أصل واحد وهو حب الدنيا وذلك رأس كل خطيئة وأساس كل نقصان ومنبع
كل فساد ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شئ لا ليتزود منها ويستعين بها
على الآخرة فلا يطمعن ان يصفو له لذة المناجاة في الصلاة فان من فرح بالدنيا فلا يفرج
بالله وبمناجاته وهمة الرجل مع قرة عينه فإن كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة
إليها همه ولكن مع هذا ينبغي ان يترك المجاهدة ورد القلب إلى الصلاة وتقليل الأسباب
الشاغلة واما من كانت الدنيا معه وهو ليس معها وانما يصرفها حيث امره الله تعالى و
يستعين بها على طاعة الله ويتزود منها إلى الآخرة وهمته مجتمعة فيما يبقى ويجعلها من أسباب
الكمال ومقدماته فلا بأس عليه فقد قال صلى الله عليه وآله نعم العون على تقوى الله
الغنى ان ذلك محل الغرور وموضع تلبيس إبليس عليه اللعنة فليحذر المستيقظ عند ذلك
ولا يزال يراجع عقله ويمتحن قلبه حذرا من أن يدخل عليه الخطر والكدر وهو لا يشعر
ولا برهان على ذلك أقوى من الوجدان فهذا هو الدواء ولمرارته استبشعه أكثر
أكثر الطباع وبقيت العلة مزمنة وصار الداء عضا لا حتى أن الأكابر اجتهدوا
ان يصلوا ركعتين لا يحدثوا فيهما أنفسهم بأمور الدنيا فعجزوا عن ذلك فاذن لا
مطمع فيها لأمثالنا وليت يسلم من الصلاة شطرها أو ثلثها عن الوسواس فنكون
112

ممن خلطوا عملا صالحا واخر سيئا وعلى الجملة فهمة الدنيا وهمة الآخرة في القلب مثل
الماء الذي يصب في قدح مملو بالخل فبقدر ما يدخل من الماء يخرج من الخل لا محالة
ولا يجتمعان فتدبر هذه الجملة وفقك الله وإيانا إلى الرشاد وأوقفنا على مناهج
السداد فهذا ما يتعلق به الغرض من المقدمة الفصل الأول في المقدمات وهي
واجبة ومندوبة فالواجبة الطهارة وإزالة النجاسة وستر العورة والمكان الذي
يصلى فيه والوقت والقبلة والمندوبة كثيرة كالمسجد والاذان والإقامة والتوجيه
بست تكبيرات ولكل واحدة من هذه المقدمات وظائف قلبية واسرار خفية يطلع عليها
بصفاء العقل وحضور القلب وما نذكره من الوظائف كالمدرج إلى الزيادة والمرقاة
إلى غيره من دقايق العبادة فاما الطهارة فليستحضر في قلبه ان تكليفه فيها بغسل الأطراف
الظاهرة وتنظيفها لاطلاع الناس عليها ولكون تلك الأعضاء مباشرة للأمور الدنيوية
منهمكة في الكدورات الدنية فلان يطهر مع ذلك قلبه الذي هو موضع نظر الحق تعالى
فإنه لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ولأنه الرئيس الأعظم لهذه الجوارح و
المستخدم لها في تلك الأمور المبعدة عن جنابه تعالى وتقدس أولي واخرى بل
هذا تنبيه واضح على ذلك وبيان شاف على ما هنا لك وليعلم من تطهير تلك الأعضاء
عند الاشتغال بعبادة الله تعالى والاقبال عليه والالتفات عن الدنيا بالقلب
والحواس لتلقى السعادة في الأخرى ان الدنيا والآخرة ضرتان كلما قربت من إحديهما
بعدت عن الأخرى فلذلك أمر بالتطهير من الدنيا عند الاشتغال والاقبال على الأخرى
فامر في الوضوء بغسل الوجه لان التوجه والاقبال بوجه القلب على الله تعالى به و
فيه أكثر الحواس الظاهرة التي هي أعظم الأسباب الباعثة على مطالب الدنيا فامر بغسله
ليتوجه به وهو خال من تلك الأدناس ويترقى بذلك إلى تطهير ما هو الركن الأعظم في
113

القياس ثم أمر بغسل اليدين لمباشرتهما أكثر أحوال الدنيا الدنية والمشتهيات الطبيعية
ثم بمسح الرأس لان فيه القوة المفكرة التي يحصل بواسطتها القصد إلى تناول المرادات
الطبيعية وتنبعث الحواس ح إلى الاقبال على الأمور الدنيوية المانع من الاقبال
على الآخرة السنية ثم بمسح الرجلين لان بهما يتوصل إلى مطالبه ويتوصل إلى تحصيل
ماربه على نحو ما ذكر في باقي الأعضاء و ح فيسوغ له الدخول في العبادة والاقبال
عليها فائزا بالسعادة وامر في الغسل بغسل جميع البشرة لان أدنى حالات الانسان
وأشدها تعلقا وتملكا بالملكات الشهوية حالة الجماع وموجبات الغسل ولجميع بدنه
مدخل في تلك الحالة ولهذا قال صلى الله عليه وآله ان تحت كل شعرة جنابة فحيث
كان جميع بدنه بعيدا عن المرتبة العلية منغمسا في اللذات الدنية كان غسله أجمع من
أهم المطالب الشرعية ليتأهل المقابلة الجهة الشريعة والدخول في العبادة المنيفة
ويبعد عن القوى الحيوانية واللذات الدنياوية ولما كان للقلب من ذلك الحظ
الأوفر والنصيب الأكمل كان الاشتغال بتطهيره من الرذائل والتوجهات المانعة
من درك الفضايل أولي من تطهير تلك الأعضاء الظاهرة عند اللبيب العاقل وامر في التيمم بمسح تلك
الأعضاء بالتراب عند تعذر غسلها بالماء الطهور وضعا لتلك الأعضاء الرئيسة
وهضما لها بتلقيها باثر التربة الخسيسة وهكذا يخطر ان القلب إذا لم يكن تطهيره
من الأخلاق الرذيلة وتحليته بالأوصاف الجميلة فليقمه في مقام الهضم والازداء ويسقه
بسياط الذل والأعضاء عسى ان يطلع عليه مولاه الرحيم وسيده الكريم وهو
منكسر متواضع فيهبه نفحة من نفحات نوره اللامع فإنه عند القلوب المنكسرة
كما ورد في الأثر فترقى من هذه الإشارات ونحوها إلى ما يوجب لك الاقبال وتلافي
سالف الاهمال ومن الاسرار الواردة في الأثر من نظائر ذلك قول الصادق عليه السلام
114

إذا أردت الطهارة والوضوء فتقدم إلى الماء تقدمك إلى رحمة الله فان الله تعالى
قد جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته ودليلا إلى بساط خدمته وكما أن رحمته
تطهر ذنوب العباد فكذلك النجاسات الطاهرة يطهرها الماء لاغير قال الله تعالى وهو
الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا وقال عز وجل
وجعلنا من الماء كل شئ حي فكما أحيى به كل شئ من نعيم الدنيا كذلك بفضله ورحمته
جعل حياة القلوب بالطاعات وتفكر في صفاء الماء ودقته وطهوره وبركته ولطيف
امتزاجه بكل شئ وفى كل شئ واستعمله في تطهير الأعضاء التي امرك الله بتطهيرها و
أت بأداتها في فرايضه وسننه فان تحت كل واحدة منها فوائد كثيرة إذا استعملتها بالحرمة
انفجرت لك عين فوائده عن قريب ثم عاشر خلق الله تعالى كامتزاج الماء بالأشياء
يودى كل شئ حقه ولا يتغير عن معناه معتبر القول رسول الله صلى الله عليه وآله مثل
المؤمن الخاص كمثل الماء وليكن صفوتك مع الله في جميع طاعاتك كصفوة الماء حين
أنزله من السماء وسماه طهورا وطهر قلبك بالتقوى واليقين عند طهارة جوارحك
بالماء وفى علل ابن شاذان عن الرضا عليه السلام انما أمر بالوضوء ليكون العبد طاهرا
إذا قام بين يدي الجبار وعند مناجاته إياه مطيعا له امره نقيا من الأدناس و
النجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي
الجبار وانما وجب على الوجه واليدين والرأس والرجلين لان العبد إذا قام بين يدي
الجبار فإنما ينكشف من جوارحه ويظهر ما وجب فيه الوجوه وذلك أنه بوجهه يسجد ويخضع
وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتل وبرأسه يستقبله في ركوعه وسجوده وبرجليه
يقوم ويقعد وامر بالغسل من الجنابة دون الخلاء لان الجنابة من نفس الانسان
وهي شئ يخرج من جميع جسده والخلاء ليس هو من نفس الانسان انما هو غذاء يدخل من باب ويخرج
115

من باب واما إزالة النجاسة فالكلام فيها نحو الكلام في الطهارة في التزكية
بتطهير القلب من نجاسة الأخلاق ومساويها فإنك إذا أمرت بتطهير ظاهر الجلد وهو القشر
وبتطهير الثياب وهو أبعد عن ذاتك فلا تغفل عن تطهير لبك الذي هو ذاتك وهو
قلبك فأجتهد له بالتوبة والندم على ما فرط وتصميم العزم على ترك العود في المستقبل
وطهر بها باطنك فإنها موقع نظر المعبود وتذكر بتخليك القضاء الحاجة نقصك و
حاجتك وما تشتمل عليه من الأقذار وما في باطنك وأنت تزين ظاهرك للناس والله
مطلع على باطنك وخسته حالك فاشتغل باخراج نجاسات الباطن والأخلاق الداخلة
في الأعماق المفسدة لك على الاطلاق لتشريح نفسك عند اخراجها ويسكن قلبك
من دنسها ويخف لبك من ثقلها ويصلح للوقوف على بساط الخدمة والتأهل للمناجاة
ولا تستتر بما ظهر منك فلابد ان يظهر عليك ما بطن لان الطبيعة تظهر ما
يكن فيه وتفتضح ح بما سترته عن الناس كما يفعله الله بكل مدلس قال الصادق عليه السلام سمى المستراح
مستراحا لاستراحة النفوس من اثقال النجاسات واستفراغ الكثيفات والقذر فيها
والمؤمن يعتبر عندها ان الخالص من حطام الدنيا كذلك يصير عاقبته فيستريح بالعدول
عنها وتركها ويفرغ نفسه وقلبه عن شغلها ويستنكف عن جمعها واخذها استنكافه
عن النجاسة والغايط والقذر ويتفكر في نفسه المكرمة في حال كيف تصير ذليلة في حال ويعلم
ان التمسك بالقناعة والتقوى يورث له راحة الدارين وان الراحة في هو ان الدنيا
والفراغ من التمتع بها وفى إزالة النجاسة من الحرام والشبهة فيغلق عن نفسه باب
الكبر بعد معرفته إياها ويفر من الذنوب ويفتح باب التواضع والندم والحيا ويجتهد في
أداء أوامره واجتناب نواهيه طلبا لحسن المآب وطيب الزلفى ويسجن نفسه في سجن الخوف
والصبر والكف عن الشهوات إلى أن يتصل بأمان الله في دار القرار ويذق طعم
116

رضاه فان المعول ذلك وما عداه لا شئ واما ستر العورة فاعلم أن معناه
تغطية مقابح بدنك عن ابصار الخلق فان ظاهر بدنك موقع نظر الخلق فما رأيك
في عورات باطنك ومقابح سترك التي لا يطلع عليها الا رأيك فاحضر تلك المقابح
ببالك وطالب نفسك تسرها وتحقق انه لا يستبر عن عين الله تعالى سالم وانما
يسترها ويكفرها الندم والحياء والخوف فتستفيد باحضارها في قلبك انبعاث جنود
الخوف والحياء من مكانها فتذل به نفسك وتسكن تحت الخجلة قلبك وتقوم بين
يدي الله قيام العبد المجرم المسئ الآبق الذي ندم فرجع إلى مولاه بانكسار رأسه
من الحياء والخوف قال الصادق عليه السلام أزين اللباس للمؤمنين لباس التقوى
وأنعمه الايمان قال الله عز وجل ولباس التقوى ذلك خير وإما اللباس الظاهر
فنعمة من الله يستر بها عورات بنى ادم وهي كرامة أكرم الله بها عباده ذرية ادم عليه السلام
ما لم يكرم غيرهم وهي للمؤمنين آلة لأداء ما افترض الله عليهم وخير لباسك لاما
يشغلك عن الله عز وجل بل يقربك من شكره وذكره وطاعته ولا يحملك فيها إلى
العجب والريا والتزين والمفاخرة والخيلاء فاه من أفات الدين ومورثة القسوة
في القلب فإذا لبست ثوبك فاذكر ستر الله تعالى عليك ذنوبك برحمته والبس
باطنك بالصدق كما البست ظاهرك بثوبك ولكن باطنك في ستر الرهبة وظاهرك
في ستر الطاعة واعتبر بفضل الله عز وجل حيث خلق أسباب اللباس لتستر العورات
الظاهرة وفتح أبواب التوبة والإنابة لتستر بها عورات الباطن من الذنوب واخلاق
السوء ولا تفضح أحدا حيث ستر الله عليك أعظم منه واشتغل بعيب نفسك واصفح
عما لا يعينك حاله وأمره واحذر ان تفتى عمرك لعمل غيرك ويتجر برأس مالك
غيرك ونهلك نفسك فان نسيان الذنوب من أعظم عقوبة الله تعالى في العاجل
117

وأوفر أسباب العقوبة في الاجل ما دام العبد مشتغلا بطاعة الله تعالى ومعرفة
عيوب نفسه وترك ما يشين في دين الله فهو بمعزل عن الآفات خايض في بحر رحمة الله
عز وجل يفوز لجواهر الفوائد من الحكمة والبيان وما دام ناسيا لذنوبه جاهلا
لعيوبه راجعا إلى حوله وقوته لا يفلح إذا ابدا واما المكان فاستحضر فيه انك كاين
بين يدي ملك الملوك تريد مناجاته والتضرع إليه والتماس رضاه ونظره إليك بعين
الرحمة فانظر مكانا يصلح لذلك كالمساجد الشريفة والمشاهد المطهرة مع لامكان
فإنه تعالى جعل تلك المواضع محلا لاجابته ومظنة لقبوله ورحمته ومعدنا لمرضاته
مغفرته على مثال حضرت الملوك الذين يجعلونها وسيلة لذلك فأدخلها ملازما
السكينة والوقار مراقبا للخشوع والانكسار وسائلا ان يجعلك من خاص عباده
وان يلحقك بالماضين منهم وراقب الله كأنك على الصراط جائز وكن مترددا
بين الخوف والرجاء وبين القبول والطرد فيخشع ح قلبك ويخضع لبك وتتأهل
لان تفيض عليك الرحمة وتنالك يدا لعاطفة وترعاك عين العناية قال الصادق عليه السلام
إذا بلغت باب المسجد فاعلم انك قصدت ملكا عظيما لايطأ بساطه الا المطهرون
ولا يؤذن لمجالسته الا الصديقون وهب القدوم والى بساط خدمته هيبة الملك
فإنك على خطر عظيم ان غفلت واعلم أنه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك
وبك فان عطف عليك فبفضله ورحمته قبل منك يسير الطاعة واجزل لك عليها
ثوابا كثيرا وان طالبك باستحقاقه الصدق والاخلاص عدلا بك حجبك ورد طاعتك
وان كثرت وهو فعال لما يريد واعترف بعجزك وتقصيرك وفقرك بين يديه فإنك
قد توجهت للعبادة له والموانسة به واخل قلبك عن كل شاغل يحجبك عن ربك فإنه
لا يقبل الا الأطهر الا خلص فان ذقت من حلاوة مناجاته وشربت بكأس رحمته
118

وكراماته من حسن اقباله واجاباته فقد صلحت لخدمته فادخل فلك الاذن أو لأمان
والا فقف وقوف مضطر قد انقطع عنه الحيل وقصر عنه الأمل وقضى الاجل فإذا
علم الله من قلبك صدق الا التجأ إليه نظر إليك بعين الرأفة والرحمة ووفقك لما
يحب ويرضى فإنه كريم يحب الكرامة لعباده المضطرين إليه قال الله تعالى امن
يجيب المضطر إذا دعاه واما الوقت فاستحضر عند دخوله انه ميقات جعله الله تعالى
لك لتقوم فيه بخدمته وتتأهل للمثول في حضرته والفوز بطاعته وليظهر على
قلبك السرور وعلى وجهك البهجة عند دخوله لكونه سببا لقربك ووسيلة
إلى فوزك فاستعد له بالطهارة والنظافة ولبس الثياب الصالحة للمناجات كما
تتأهب عند القدوم على ملك من ملوك الدنيا وتلقاه بالوقار والسكينة والخوف
والرجاء فان الرحمة عميمة والفضل قديم والاخذ والاستدراج متحقق والطرف
عند التقصير متوجه فكن بين ذلك قواما وألزم الخشوع والخضوع والذل و
الانكسار فإنه عند الموصوف بذلك ومثل في نفسك لو أن ملكا من ملوك الأرض
وعدك بان يكتبك في وقت معين من خواصه والقائمين بين يديه ببعض خدمته
ويخاطبك وتخاطبه على طريق الانبساط والانس في مخاطباتك وتطلب إليه
ما تحتاج إليه من مهماتك ويجعلك عنده من مقرب العبادة ويخلع عليك
خلعه سنية بين الاشهاد ويجعل ذلك إلى مدة طويلة وغاية بعيدة مع أنه لا يؤثر
ذلك في حظك عند الله تعالى بل يزيده إما كنت تنتظر ذلك الوقت قبل ابانه وتهتم
له قبل أوانه وتفرح بقربه فضلا عن دخوله ويزيد بهجتك وسرورك عند وصوله
فلا تجعل عناية الله جل جلاله بك واعدادك لمخاطبك له ومخاطبته لك وكتبته
إياك في ديوان المقربين بالصلاة التي هي أفضل الأعمال وبسجودها أوجب القرب إلى
119

حضرته والفوز بمحبته كما ورد في كتابه الحكيم ووعد به رسوله الكريم وخلعه الدائمة في
الدار الضافية دون تقريب ملك من ملوك الدنيا مع عجزه عن نفعك بدون توفيق الله
تعالى لك وعدم الوثوق الحقيقي بوفائه ودوامه مدة يسيرة على تقدير وقوعه ومن هنا
كان النبي صلى الله عليه وآله ينتظر وقت الصلاة ويشتد شوقه ويترقب دخوله ويقول البلال مؤذنه
أرحنا يا بلال أشار بذلك الا انه في تعب شديد من عدم اشتغاله بهذه التكليفات
وقيامه بوظائف الصلاة وإن كان سره لا يخلو من ضروب من المناجاة الا ان قرة
عينه في الصلاة كما قال عليه السلام ثم استشعر بعد هذه البهجة خشية الله تعالى في الوقوف
بين يديه وأنت ملطخ بكدوراتك النفسية وعلايقك الدنيوية وعوايقك
البدنية فان استشعار الخوف شعار الكاملين كما أن الغفلة عن ذلك علامة المطرودين
كما قد عرفته في تضاعيف اسرار وجملة الآثار واستحضر عظمة الله تعالى واجلاله
ونقصان قدرك وكماله وقد روى عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله انها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه شغلا بالله عن كل شئ
وكان علي عليه السلام إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل فيقال له مالك يا أمير المؤمنين
فيقول جاء وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض فأبين ان يحملنها واشفقر
منها وكان علي بن الحسين عليهما السلام إذا حضر للوضوء أصفر لونه فيقال له ما هذا الذي
يعتريك عند الوضوء فيقول ما تدرون بين يدي من أقوم وكل ذلك إشارة إلى
استحضار عظمة الله تعالى والالتفات إليه حال العبادة والانقطاع عن غيره وإذا
سمعت نداء المؤذن فاحضر في قلبك هول النداء يوم القيمة وتشمر بظاهرك
وباطنك للمسارعة والإجابة فان المسارعين إلى هذا النداء هم الذين ينادون
باللطف يوم العرض الأكبر فاعرض قلبك على هذا النداء فان وجدته مملوا
120

بالفرح والاستبشار ومستعدا بالرغبة إلى الابتداء فاعلم أنه يأتيك النداء
بالبشرى والفوز يوم القضاء واعتبر بفصول الاذان وكلماته كيف افتتحت بالله و
اختتمت بالله واعتبر بذلك ان الله جل حلاله عز وجل هو الأول والاخر والظاهر والباطن و
وطن قلبك بتعظيمه وتكبيره عند سماع التكبير واستحقر الدنيا وما فيها لئلا تكون
كاذبا في تكبيرك وأنف عن خواطرك كل معبود سواه بسماع التهليل واحضر النبي صلى الله عليه وآله
وتأدب بين يديه واشهد له بالرسالة مخلصا وصل عليه وعلى اله وحرك نفسك ولوسع
بقلبك وقالبك عند الدعاء إلى الصلاة وما يوجب الفلاح وما هو خير الأعمال
وأفضلها وجذر عهدك بعد ذلك بتكبير الله وتعظيمه واختمه بذكره كما افتتحت به
واجعل مبدأك معه وعودك إليه وقوامك به واعتمادك على حوله وقوته فإنه لا
حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم واما الاستقبال فهو صرف لظاهر وجهك من ساير
الجهات إلى جهة بيت الله تعالى افترى ان انصرف القلب عن ساير الأمور إلى
أمر الله تعالى ليس مطلوبا منك هيهات بل لا مطلوب سواه وانما هذه الظواهر محركات
للبواطن ووسائل إليها ومعارج يترقى منها إليها وضبط للجوارح وتسكين لها
بالثبات على جهة واحدة حتى لا تبقى على القلب فإنه إذا بغت وظلمت في حركاتها
والتفاتاتها إلى جهاتها استتبعت القلب وانقلبت به عن وجه الله فليكن وجه قلبك
مع وجه بدنك ومن هنا جاء قول النبي صلى الله عليه وآله إما يخاف الذي يحول وجهه في الصلاة ان
يحول الله وجهه وجه حمار فان ذلك نهى عن الالتفات عن الله وملاحظة عظمته
في حال الصلاة فان الملتفت يمينا وشمالا ملتفت عن الله وغافل عن مطالعة أنوار
كبريائه ومن كان كذلك فيوشك ان تدوم تلك الغفلة عليه فيتحول وجه قلبه كوجه
الحمار في قلة عقليته للأمور العلوية وعدم اكرامه بشئ من العلوم والقرب إلى
121

الله تعالى واعلم أنه كما لا يتوجه الوجه إلى جهة البيت الا بالصرف عن غيرها فلا ينصرف
القلب إلى الله تعالى الا بالتفرغ عما سوى الله تعالى وقد قال النبي صلى الله عليه وآله إذا قام
العبد إلى صلاته وكان هواه وقلبه إلى الله تعالى انصرف كيوم ولدته امه وقال الصادق عليه السلام
إذا استقبلت القبلة فايس من الدنيا وما فيها والخلق وما هم فيه واستفزع قلبك عن
كل شاغل يشغلك عن الله تعالى وعاين بسترك عظمة الله تعالى واذكر وقوفك بين يديه
يوم نبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله موليهم الحق وقف على قدم الخوف والرجاء
وإذا توجهت بالتكبيرات فاستحضر عظمة الله سبحانه وصغر نفسك وحق عبادتك في جنب
عظمته وانحطاط همتك عن القيام بوظائف خدمته واستتمام حقايق عبادته وتفكر عند
قولك اللهم أنت الملك الحق في عظيم ملكه وعموم قدرته واستيلائه على جميع العوالم
ثم ارجع على نفسك بالذل والانكسار والاعتراف بالذنوب والاستغفار عند قولك
عملت سوء أو ظلمت نفسي فاغفر لي انه لا يغفر الذنوب الا أنت واحضر دعوته لك بالقيام
بهذه الخدمة ومثل نفسك بين يديه وانه قريب منك يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ويسمع
ندائه وان بيده خير الدنيا والآخرة لأبيد غيره عند قولك لبيك وسعديك والخير في
يديك ونزهه عن الأعمال السيئة وافعال الشر وابدله بها محض الهداية والارشاد
عند قولك والشر ليس إليك والمهدى من هديت واعترف له بالعبودية وان قوام وجودك
وبدئه ومعاده منه بقولك عبدك وابن عبديك منك وبك ولك واليك أي منك
وجوده وبك قوامه ولك ملكه واليك معاداه وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون
عليه وله المثل الاعلى فاحضر في ذهنك هذه الحقايق وترق منها إلى ما يفتح
عليك من الاسرار والدقايق وتلق الفيض من العالم الا على فان أبوابه لا تنسد عن
عن أحد من القوابل ولا يخيب لديه أمل أمل اللهم أهلنا القبول طوالع أسرارك وكلمنا
122

بالوصول إلى لوامع أنوارك واجعلنا من الواقفين على كراسي إراداتك العاكفين
على بساط كراماتك وتممنا من هذه النقصان واهدنا إلى طريق الرضوان وجد علينا
بلطيف الاحسان وأعذنا من صفقة الخسران وآتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرانا
رشد الفصل الثاني في المقارنات وهي ثمانية الأول القيام و
وظيفة القلبية تذكر انك قائم بين يدي الله تعالى وهو مطلع على سريرتك عالم بما
تخفى وما تعلن وهو أقرب إليك من حبل الوريد فاعبده كأنك تراه فإن لم تكن تراه
فإنه يريك وانصب قلبك بين يديه كما نصبت شخصك وطأطأ برأسك الذي هو
ارفع أعضائك مطرقا مستكينا وألزم قلبك التواضع والخشوع والتذلل و
التبري عن التراس والتكبر كما وضعت رأسك وقم بين يديه قيامك بين يدي
بعض ملوك الزمان ان كنت تعجز عن معرفة كنه جلاله فإنك تجد وجدانا ضروريا
انك تنقهر عند مكالمة الملك ومحاورته وتلزم معه السكون والخضوع وربما
يتبع ذلك رعدة البدن وتلعثم اللسان ومنشأ ذلك كله الخوف الحادث عن
تصور عظمته فكيف يتصور جبار الجبابرة وملك الدنيا والآخرة فعند ذلك
يحصل لك الخوف الذي هو المقصد الذاتي من العارف وكذلك يحصل الرجاء عند
تصور عظمته واستشعار ان الكل منه فان ذلك باعث على رجائه وقد تأكد ذلك
بالآيات الواردة في باب الخوف والرجاء وكذلك يستلزم الحياء منه لان المتصور عظمة
الامر لا يزال مستشعرا تقصيرا ومتوهما ذنبا وذلك الاستشعار والتوهم يوجب الحياء
من الله تعالى وهذه أمور مطلوبة من العابد بل قدر في دوام قيامك في صلواتك
انك ملحوظ ومرقوب بعين كاليه من رجل صالح من أهلك وممن ترغب ان يعرفك
بالصلاح فإنه يتهدا عند ذلك أطرافك وتخشع جوارحك وتسكن جميع أجزاءك
123

حنيفة ان ينسبك العاجز المسكين إلى قلة الخشوع ولو أحسست من نفسك بالتماسك
والثبات عند ملاحظة عبد مسكين فعاتب نفسك وقل لها يا نفس تدعين معرفة الله تعالى
أفما تستحين من استجراءك عليه مع توقيرك عبدا من عباده أو تخشين الناس ولا تخشينه
وهو أحق ان يخشى الا نستحيي من خالقك وموليك إذا قدرت اطلاع عبد ذليل من
عباده عليك وليس بيده خيرك ولا نفعك ولا ضرك خشعت لأجله جوارحك
وحسنت صلواتك ثم انك تعلمين انه مطلع عليك فلا تخشعين لعظمته أهو أهون
عندك من عبد من عباده فما أشد طغيانك وجهلك وما أعظم عداوتك
لنفسك ولذلك لما قيل للنبي صلى الله عليه وآله كيف الحياء من الله تعالى فقال النبي صلى الله عليه وآله نستحي منه كما
تستحى من رجل صالح من قومك واما دوام القيام فهو تنبيه على إدامة القلب على الله
تعالى على نعت واحد من الحضور قال صلى الله عليه وآله ان الله مقبل على العبد ما لم يلتفت وكما يجب
حراسة العين والرأس عن الالتفات إلى غير الصلاة فكذلك تجب حراسة السر عن الالتفات
إلى غير الصولة فان التفت إلى غيرها فذكره باطلاع الله تعالى عليك وقبح التهاون
بالمناجى مع غفلة المناجى ليعود إلى التيقظ وألزم الخشوع الباطني فإنه ملزوم الخشوع
ظاهرا ومهما خشع الباطن خشع الظاهر قال صلى الله عليه وآله وقد رأى مصليا يعبث بلحيته إما هذا
لو خشع قلبه لخشعت جوارحه فان الرعية بحكم الراعي ولهذا ورد في الدعاء اللهم أصلح
الراعي والرعية وهو القلب والجوارح وكل ذلك يقتضيه الطبع بين يدي من يعظم من
أبناء الدنيا فكيف لا يتقاضاه بين يدي ملك الملوك وجبار الجبابرة من يطمئن بين يدي
غير الله تعالى خاشعا ثم يضطرب أطرافه بين يدي الله تعالى فذلك لقصور معرفته
عن جلال الله وعن اطلاعه على سره وضميره وتدبر قوله تعالى الذي يراك حين تقوم و
تقلبك في الساجدين الثاني النسية ووظيفتها العزم على إجابة الله تعالى
124

في امتثال امره بالصلاة واتمامها والكف عن نواقضها ومفسداتها واخلاص جميع
ذلك لوجه الله تعالى رجاء ثوابه وطلب القربة منه ان عجزت عن مرتبة عبادته لكونه أهلا
للعبادة التي هي عبادة الأحرار فإذا فاتتك درجة الأحرار الأبرار فلا تفوتك درجة
التجار وهي العمل رجاء العوض فان فاتتك هذه المرتبة فاجلس مع العبيد في مجالسهم ومشاركهم
في مقاصدهم فإنهم انما يعملون ويخدمون في الغالب خوفا من الضرب والعقوبة وهي غاية
الخوف من العقاب وتقلد في نيتك وقصدك المنة له تعالى وتقدس باذنه إياك في المناجاة
مع سؤاد بك وكثره عصيانك وعظم في نفسك تدر مناجاته وانظر من تناجى وكيف
تناجى وبما ذا تناجى وعند هذا ينبغي ان يعرق جبينك من الخجلة وتر تعد فرائضك
من الهيبة ويصفر وجهك من الخوف كما روى فيما تقدم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله قالت كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم تعرفه شغلا بالله
عن كل شئ وقال الصادق عليه السلام الاخلاص بجميع حواصل الأعمال وهو معنى مفتاحة
القبول وادنى حد الاخلاص بذل العبد طاقته ثم لا يجعل لعمله عند الله قدرا
فيوجب به على ربه مكافاة بعمله فإنه لو طالبه بوفاء حق العبودية لعجز وادنى مقام المخلص
في الدنيا السلامة من جميع الا تام وفى الآخرة النجات من النار والفوز بالجنة و
قال عليه السلام صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم لان سلامة القلب من هو احبس المحذورات
يخلص النية لله تعالى في الأمور كلها قال الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله
بقلب سليم ثم النية تبدو من القلب على قدر صفاء المعرفة وتختلف على حسب اختلاف
الأوقات في معنى قوته وضعفه وصاحب النية الخالصة نفسه وهواه معه مقهوران
تحت سلطان تعظيم الله والحياء منه الثالث التكبير ومعناه ان الله سبحانه أكبر
من كل شئ أو أكبر من أن يوصف أو من أن يدرك بالحواس أو يقاس بالناس فإذا نطق
125

به لسانك فينبغي ان لا يكذبه قلبك فإن كان في قلبك شئ هو أكبر من الله تعالى فالله يشهدا
انك لكاذب وإن كان الكلام صدقا كما شهد على المنافقين في قولهم إنه رسول الله فإن كان
هواك أغلب عليك من أمر الله وأنت أطوع له منك لله فقد اتخذته إلهك وكبرته
فيوشك ان يكون قولك الله أكبر كلاما باللسان المجرد وقد تخلف القلب عن مساعدته
وما أعظم الخطر في ذلك لولا التوبة والاستغفار وحسن الظن يكرم الله تعالى وعفو قال
الصادق عليه السلام إذا كبرت فاستصغر ما بين العلا والثرى دون كبريائه فان الله إذا
اطلع على قلب العبد وهو يكبر وفى قلبه عارض عن حقيقة تكبيره قال يا كاذب اتخذ عنى
وعزتي وجلالي لأحرمنك حلاوة ذكرى ولأحجبنك عن قربى والمسارة بمناجاتي
فاعتبر أنت قلبك حين صلاتك فان كنت تجد حلاوتها وفى نفسك سرورها وبهجتها
وقلبك ومسرورا بمناجاته ملتذا بمخاطباته فاعلم أنه قد صدقك في تكبيرك له والا
فقد عرفت من سلب لذة المناجاة وحرمان حلاوة العبادة انه دليل على تكذيب
الله لك وطردك عن بابه واما دعاء التوجه فأول كلماته قولك وجهت وجهي للذي
فطر السماوات والأرض حنيفا وليس المراد بالوجه الوجه الظاهر فإنك انما وجهته
إلى جهة القبلة والله سبحانه تقدس من أن لحدة الجهات حتى تقبل بوجه بدنك
عليه وانما وجه القلب هو الذي يتوجه إلى الله فاطر السماوات والأرض فانظر إلى
وجه قلبك أم توجه هو إلى أمانيه وهممه في البيت والسوق وغيرهما متبع للشهوات
أم مقبل على فاطر السماوات وإياك ان يكون مفاتحتك للمناجاة بالكذب والاختلاف
فيصرف وجه رحمته عنك وقبوله فيما بقى على الاطلاق ولن ينصرف الوجه إلى الله
الا بالانصراف عمن سواه فان القلب بمنزلة مراة وجهها صقيل وظهرها كد ولا يقبل
انطباع الصور فإذا توجهت إلى شئ انطبع فيها واستدبرت غيره ولا يمكن انطباعه
126

ولهذا كانت الدنيا والآخرة ضرتين كلما قربت من إحديهما بعدت عن الأخرى فأجتهد
في الحال في صرفه إليه وان عجزت عنه على الدوام ليكون قولك في الحال صادقا
عسى ان يسامحك في الغفلة بعد ذلك وإذا قلت حنيفا مسلما فينبغي ان يحضر في
بالك ان المسلم هو الذي سلم المسلمون من يده ولسانه فإن لم تكن كذلك كنت كاذبا
فأجتهد ان تعزم عليه في الاستقبال وتندم على ما سبق من الأحوال وإذا قلت
وما انا من المشركين فاحضر ببالك الشرك الخفي وان قوله تعالى فمن كان يرجوا
لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا جعل من يقصد بعبادة ربه
وجه الله وحمد الناس مشركا فاستشعر الخجلة في قلبك ان وصفت نفسك بأنك
لست من المشركين من غير براءة من هذه الشرك فان اسم الشرك يقع على القليل
والكثير منه فإذا قلت محياي ومماتي لله فاعلم أن هذا حال عبد مفقود لنفسه
موجود لسيده وانه ان صدر ممن غضبه ورضاه وقيامه وقعوده ورغبته في الحياة
ووهبته من الموت لأمور الدنيا لم يكن ملايما للحال الرابع القراءة ووظائفها
لا تكاد تنحصر ولا يحيط بها قوة البشر وان اعتنى بشأنها يخرج عن وضع الرسالة لأنها
حكاية كلام الله جل جلاله المشتمل على الأساليب العجيبة والأوضاع الغريبة
والاسرار الدقيقة والحكم الأنيقة وليس المقصود منه مجرد حركة اللسان بل المقصود معانيها
وتدبرها لتستفيد منها حكمة وحقايق واسرار وترغيبا وترهيبا وامرا ونهيا ووعدا
وذكر أنبيائه ونعمه إلى غير ذلك من الفوائد فإذا قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فاعلم أنه
عدوك ومترصد لصد قلبك عن الله تعالى حسدا على مناجاتك مع الله تعالى وسجودك
له مع أنه لعن بسبب سجدة واحدة تركها وان استعاذتك بالله منه بترك ما يحبه وتبدله بما
يحب الله تعالى لا بمجرد قولك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فان من قصده سبع أو عدو وليفترسه
127

أو يقتله فقال أعوذ منك بذلك الحصن الحصين وهو ثابت في مكانه ان ذلك لا ينفعه
بل لا يفيده الا تبديل المكان فكذلك من يتبع الشهوات التي هي محل الشيطان ومكاره
فلا يغنيه مجرد القول فليقترن قوله بالعزم على التعوذ لحصن الله تعالى عن شر الشيطان
وحصنه لا إله إلا الله إذ قال الله فيما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وآله لا إله إلا الله حصني والمتحصن به
من لا معبود له سوى الله تعالى فاما من اتخذ إلهه هواه وهو في ميدان الشيطان لافى حصن الله
ومن دقائق مكائده ان يشغلك في الصلاة بفكر الآخرة وتدبر فعل الخيرات ليمنعك
عن فهم ما تقرأ فاعلم أن كل ما يشغلك عن فهم معاني قرائتك فهو وسواس فان حركة
اللسان غير مقصودة بل المقصود معانيها كما مر والناس في القراءة على ثلثة أقسام فمنهم
من يحرك لسانه بها ولا يتدبر قلبه لها وهذا من الخاسرين الداخلين في توبيخ الله سبحانه
وتهديده بقوله تعالى أفلا يتدبرون القران أم على قلوب أقفالها ودعا نبيه صلى الله عليه وآله
ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لا يتدبرها ومنهم من يتحرك لسانه وقلبه يتبع اللسان
فيسمع ويفهم منه كأنه يسمعه من غيره وهذا درجة أصحاب اليمين ومنهم من يسبق
قلبه إلى المعاني أولا ثم يخدم اللسان قلبه فيترجمه وهذه درجة المقربين وفرق جلى
بين ان يكون اللسان ترجمان القلب كما في هذه الدرجة وبين ان يكون معلمه كما في
الدرجة الثانية فالمقربون لسانهم ترجمان يتبع القلب ولا يتبعه القلب وتفصيل ترجمة
المعاني على سبيل الاقتصار انك إذا قلت بسم الله الرحمن الرحيم فأنوبه التبرك لابتداء
القراءة بكلام الله تعالى وافهم ان معناه ان الأمور كلها بالله وان المراد هينا
بالاسم هو المسمى وإذا كانت الأمور كلها بالله فلا جرم كان الحمد لله فإذا قلت الرحمن
الرحيم فاحضر في قلبك أنواع لطفه ليتضح لك رحمته فينبعث به رجائك ثم استشعر
من قلبك التعظيم والخوف بقولك مالك يوم الدين إما لعظمة فإنه لا ملك الا له و إما
128

الخوف فلهول يوم الجزاء والحساب الذي هو مالكه ثم جدد الاخلاص بقولك إياك
نعبد وإياك نستعين وتحقق انه ما تيسرت طاعتك الا باعانته وان المنة له
إذ وفقك لطاعته واستخدمك لعبادته وجعلك أهلا لمناجاته ولو حرمك
التوفيق لكنت من المطرودين مع الشيطان الرجيم اللعين ثم إذا مزغت عن التفويض بقولك بسم الله الرحمن الرحيم وعن التحميد وعن اظهار الحاجة إلى الإعانة مطلقا فتعين
سؤالك ولا نطلب الا أهم حاجاتك وقل اهدنا الصراط المستقيم الذي يسوقنا
إلى جوارك ويفضى بنا إلى مرضاتك وزده شرحا وتفصيلا وتأكيدا واستشهد با
الذين أفاض عليهم نعمة الهداية من النبيين والصديقين والصالحين دون الذين
غضب الله تعالى عليهم من الكفار والزائغين من اليهود والنصارى والصابئين فإذا
تلوت الفاتحة كذلك فتشبه أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم فيما أخبر النبي صلى الله عليه وآله قسمت
الفاتحة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي يقول العبد الحمد لله
رب العالمين فيقول الله حمدني عبدي واثنى على وهو معنى قوله تعالى سمع الله
لمن حمده الحديث فلو لم يكن من صلاتك حظ سوى ذكر الله لك في جلاله وعظمته
فناهيك به غنيمة فكيف بما ترجوه من ثوابه وفضله وكذلك ينبغي ان تفهم ما تقرأه
من السورة فلا تغفل عن امره ونهيه ووعده ووعيده ومواعظه واخبار أنبيائه
وذكر مننه واحسانه فلكل واحد حق فالرجاء حق الوعد والخوف حق الوعيد والعزم حق الأمر والنهي والاتعاظ حق الموعظة والشكر حق تذكر المنة والاعتبار
حق اخبار الأنبياء وتفصيل وظيفة قرائة القران لا يحتمله هذا المحل لكنا نذكر
منه في اخر الفصل وبالجملة ففهم معاني القران يختلف بحسب درجات الفهم والفهم يختلف
بحسب وفور العلم وصفاء القلب ودرجات ذلك لا تنحصر والصلاة مفتاح القلوب
129

فيها تنكشف اسرار الكلمات فهذا حق القراءة وهو أيضا حق الاذكار والتسبيحات أيضا
ثم تراعى الهيئة في القراءة زيادة على التدبر فترتل ولا ترد فان ذلك أيسر للتأمل
وتفرق بين نعمائه في أية الرحمة والعذاب والوعد والوعيد والتمجيد والتعظيم ويروى
انه يقال لقارئ القران اقرأ وأرق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ومن وظائف القراءة
من الأثر قول الصادق عليه السلام من قرا القران ولم يخضع له ولم يرق قلبه ولم ينشئ حزنا وجلا
في سره فقد استهان بعظم شأن الله وخسر خسرانا مبينا فقارئ القران يحتاج إلى ثلثة
أشياء قلب خاشع وبدن فارغ وموضع خال فإذا خشع لله قلبه مزمنه الشيطان الرجيم
قال الله تعالى فإذا قرأت القران فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم فإذا تفرغ نفسه
من الأسباب تجرد قلبه للقرائة فلا يعترضه عارض فيحرمه نور القران وفوائده وإذا
اتخذ مجلسا خاليا واعتزله من الخلق بعد أن اتى بالخصلتين الأوليين استأنس روحه
وستره بالله ووجد حلاوة مخاطبات الله عباد الصالحين وعظم لطفه بهم ومقام
اختصاصه لهم بقبول كراماته وبدائع إشاراته فإذا شرب كأسا من هذه المشرب ح
لا يختار على هذه الحال حالا ولا على ذلك الوقت وقتا بل يؤثره على كل طاعة وعبادة
لان فيه المناجاة مع الرب بلا واسطة فانظر كيف تقرأ كتاب ربك ومنشور ولاتيك
وكيف تجيب أو امره وتجنب نواهيه وكيف تمتثل حدوده فإنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فرتله ترتيلا وقف عند وعده ووعيده و
تفكر في أمثاله ومواعظه واحذر ان تقع من اقامتك حروفه في إضاعة حدوده
الخامس الركوع فإذا وصلت إليه فجدد على قلبك ذكر كبريائه الله تعالى وعظمته
وخساسة كل ما سواه وتلاشيه فارفع يديك له وقل الله أكبر مستجيرا في رفعك بعفو
الله من عقابه ومتبعا سنة نبيه ثم تستأنف له ذلا وتواضعا بركوعك واجتهد في
130

ترقيق قلبك وتجديد خشوعك واستشعر ذلك وعزمو لاك واتضاعك وعلو ربك
فتستعين على تقدير ذلك في قلبك بلسانك فتسبح ربك وتنزهه وتشهد له بالعظمة
والكبرياء وانه أعظم من كل عظيم بقولك سبحان ربى العظيم وبحمده وتكرر ذلك على لسانك
وقلبك لتؤكده بالتكرار وتقرره في ذلك بالتذكار وكلما أكثرت منه وازددت خضوعا
زدت عند مولاك دفعة ثم ترفع من ركوعك راجيا انه راحم ذلك وتؤكد الرجاء في
منقلبك بقولك سمع الله لمن حمده أي أجاب الله لمن حمده وشكره ثم تردف ذلك بالشكر
المتقاضي للمزيد فتقول الحمد لله رب العالمين وفى ذلك غاية الخضوع ومزيد التذلل
إذا راعيت ذلك بالحقيقة وقد قال الصادق عليه السلام لا يركع عبد ركوعا على الحقيقة الا
زينه الله تعالى بنور بهائه وأظله في ظلال كبريائه وكساه كسوة أصفيائه والركوع
أول والسجود ثان فمن اتى بمعنى الأول صلح الثاني وفى الركوع أدب وفى السجود قرب
ومن لا يحسن الأدب لا يضاع للقرب فاركع ركوع خاضع لله بقلبه متذلل وجل تحت
سلطانه خافض له بجوارحه خفض خائف حزن على ما يفوته من فائدة الراكعين وحكى
ان الربيع بن خثيم كان يسهر بالليل إلى الفجر في ركعة واحدة فإذا هو أصبح رفع وقال
آه سبق المخلصون وقطع بنا واستوف ركوعك باستواء ظهرك وانحط عن همتك في
القيام بخدمته الا بعونه وفر بالقلب من وساوس الشيطان وخدائعه ومكائده
فان الله تعالى يرفع عباده بقدر تواضعهم له ويهديهم إلى أصول التواضع و
الخضوع بقدر اطلاع عظمته على سرايرهم السادس السجود وهو أعظم مراتب
الخضوع وأحسن درجات الخشوع وأعلى مراتب الاستكانة وأحق المراتب باستيجاب
القرب إلى الله تعالى وتلقى أنوار رحمته ومعاطف كرمه كما نبه عليه الكتاب الكريم
في امره لنبيه ان يسجده ووعده على ذلك بان يقترب فإذا أردت السجود فاستحضر
131

عظمة الله تعالى زيادة على ما حضر حالة الركوع وكبره رافعا يديك وأنت قائم ثم أهو
إلى السجود ومكن أعز أعضائك وهو الوجه من أذل الأشياء وهو التراب فان أمكنك ان لا
تجعل بينهما حائلا فتسجد على الأرض فافعل فإنه اجلب للخشوع وأدل على الذل و
الخضوع وهذا هو السر في منع الشريعة من السجود على ما يأكله الآدميون ويلبسونه
لأنه من متاع الدنيا وأهلها الذين اغتروا بغرورها وركنوا إلى زخرفها واطمأنوا
إليها فأسلمتهم إلى المهالك حوج ما كانوا إليها وإذا وضعت نفسك موضع
الذل فاعلم انك وضعتها موضعها ورددت الفرع إلى أصله فإنك من التراب خلقت
واليه رددت ثم تخرج منها مرة أخرى فاحضر في بالك نقلاتك منها واليها ثم خروجك
منها بتكرر السجود كما ذكره الله تعالى لك بقوله منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها
نخرجكم تارة أخرى وعند هذا جدر على قلبك عظمة الله تعالى وعلوه وقل سبحان ربي الأعلى
وبحمده وأكده بالتكرار فان المرة الواحدة ضعيفة الأثر في القلب فإذا رق قلبك وظهر
ذلك فليصدق رجائك في رحمة ربك فان رحمة تتسارع إلى الضعف والذل لا إلى
التكبر والبطر فارفع رأسك مكبرا وسائلا حاجتك ومستغفرا من ذنوبك ثم اكد
التواضع بالتكرار وعد إلى السجود ثانيا كذلك فبزيادته يزيد القرب وبتكراره
يتأكد السوانح الإلهية ويظهر اللوامع الغيبية إذا وقع على وجهه قال الصادق عليه السلام
ما خسروا الله من اتى بحقيقة السجود ولو كان في العمر مرة واحدة وما أفلح من خلا
بربه في مثل ذلك الحال تشبيها بمخادع نفسه غافلا لاهيا عما أعد الله للساجدين
من انس العاجل وراحة الاجل ولا بعد عن الله ابدا من أحسن تقربه في السجود ولا
قرب إليه ابدا من أساء أدبه وضيع حرمته بتعلق قلبه بسواه في حال سجوده فاسجد سجود
متواضع لله تعالى ذليل علم أنه خلق من تراب يطأه الخلق وانه أتخذك من نطفة ويستقذرها
132

كل أحد وكون ولم يكن وقد جعل الله معنى السجود سبب التقرب إليه وبالقلب والسر و
الروح فمن قرب منه بعد من غيره الا ترى في الظاهر أنه لا يستوى حال السجود والا بالنور أي
عن جميع الأشياء والاحتجاب عن كل ما تراه العيون كذلك أمر الباطن فمن كان قلبه
متعلقا في صلاته بشئ دون الله تعالى فهو قريب من ذلك الشئ بعيد عن حقيقة
ما أراد الله منه في صلاته قال الله عز وجل ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله قال الله تعالى لا اطلع على قلب عبد فاعلم فيه حب الاخلاص لطاعتي
لوجهي وابتغاء مرضاتي الا توليت تقويمه وسياسته ومن اشتغل بغيري فهو من المستهزئين
بنفسه ومكتوب اسمه في ديوان الخاسرين السابع التشهد إذا جلست للتشهد بعد
هذه الأفعال الدقيقة الاسرار العميقة المشتملة على الاخطار الجسيمة والأهوال العظيمة
فاستشعر الخوف التام والرهبة والحياء والوجل ان يكون جميع ما سلف منك غير
واقع على وجهه ولا محصلا لوظيفته وشرطه ولا مكتوبا في ديوان المقبولين فاجعل
يدك صفرا من فوايدها الا ان يتدارك كل الله برحمته ويقبل عملك الناقص بفضله
فارجع إلى مبدأ الامر واصل الدين واستمسك بكلمة التوحيد وحضر الله تعالى
الذي من دخله كان أمنا ان لم يكن حصل في يدك غيره واشهد له بالوحدانية واحضر
رسوله الكريم ونبيه العظيم ببالك واشهد له بالعبودية والرسالة وصل عليه و
على اله مجددا عهد الله بإعادة كلمني الشهادة متعرضا بهما لتأسيس مراتب السعادة
فإنهما أول الوسائل وأساس الفواضل وجماع أمر الفضايل مترقبا لاجابته ص لك بصلاتك
عشرا من صلاته إذا قمت بحقيقة صلاتك عليه التي لو وصل إليك منها واحدة
أفلحت ابدا وقال الصادق عليه السلام التشهد ثناء على الله تعالى فكن عبد الله في السر خاضعا
له في الفعل كما انك عبد له بالقول والدعوى وصل صدق لسانك بصفاء صدق شرك
133

فإنه خلقك عبدا وأمرك ان تعبده بقلبك ولسانك وجوارحك وان تحقق عبوديتك
له بربوبيته لك وتعلم أن نواصي الخلق بيده فليس لهم نفس ولا لحظ الا بقدرته
ومشيته وهم عاجزون عن اتيان أقل شئ في مملكته الا باذنه وارادته قال الله عز وجل
وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم سبحان الله وتعالى عما يشركون
فكن عبدا شاكر بالفعل كما انك عبدا ذاكر بالقول والدعوى وصل صدق لسانك بصفاء سرك فإنه خلقك
فعز وجل ان يكون إرادة ومشية لاحد الا بسابق ارادته ومشيته فاستعمل العبودية
في الرضا بحكمه وبالعبادة في أداء أو امره وقد امرك بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم فاوصل
صلاته بصلاته وطاعته بطاعته وشهادته بشهادته وانظر لا يفوتك بركات معرفة
حرمته فتحرم عن فائدة صلاته وأمره بالاستغفار لك والشفاعة فيك ان أتيت بالواجب
في الأمر والنهي والسنن والآداب وتعلم جليل مرتبته عند الله عز وجل الثامن التسليم
إذا فرغت من التشهد فاحضر نفسك بحضرت سيد المرسلين والملائكة المقربين وقل
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلى اخر التسليم المستحب ثم أحضر في بالك
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبقية أنبياء الله وأئمة عليهم السلام والحفظة لك من الملائكة المقربين
المحصين لأعمالك وقل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولا تطلق لسانك بصيغة الخطاب من غير حضور مخاطب في ذهنك فتكون من الغائبين واللاعبين وكيف
يسمع الخطاب لمن لا يقصد المخاطب لولا فضل الله تعالى ورحمته الشاملة ورأفته الكاملة
في اجتزائه بذلك عن أصل الواجب وإن كان بعيدا عن درجات القبول منحطا من أوج
القرب والوصول فان كنت إماما لقوم فاقصدهم بالسلام مع من تقدم ممن المقصودين
وليقصدوا هم الرد عليك أيضا ثم يقصدوا مقصدك بسلام ثان فإذا فعلتم ذلك فقد
أديتم وظيفة السلام واستحققتم من الله تعالى مزيد الاكرام واصل السلام مشترك بين
134

التحية الخاصة وبين الاسم المقدس من أسماء الله تعالى والمعنى هنا على الأول ظاهر
وعلى الثاني يكون مستعارا في الخلق بإذن الله تعالى للتفأل بالسلام والأمان
من عذاب الله تعالى لمن قام بحدوده قال الصادق عليه السلام معنى السلام في دبر كل صلاة الأمان
أي من أدي أمر الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله خاشعا منه قلبه فله الأمان من بلاء الدنيا وبراءة
من عذاب الآخرة والسلام اسم من أسماء الله تعالى أودعه خلقه ليستعملوا معناه
في المعاملات والأمانات والاتصافات وتصديق مصاحبتهم فيما بينهم وصحة
معاشرتهم وإذا أردت ان تضع السلام موضعه وتؤدى معناه فليتق الله وليسلم
منك دينك وقلبك وعقلك الا تدنسها بظلمة المعاصي ولتسلم حفظتك لابترمهم
ولا تملهم وتوحشهم منك بسوء معاملتك معهم ثم صديقك ثم عدوك فإن لم
يسلم منه من هو الأقرب إليه فالابعد أولي ومن لا يضع السلام مواضعه هذه
فلاسلام ولا تسليم وكان كاذبا في سلامه وان أفشاه في الخلق تتمة الفصل إذا
أتيت بالصلاة على ما وصفت لك فأختمها بالخشوع والخضوع والخوف من منقلب
الرد وخيبة الحرمان فاستشعر شكر الله تعالى على توفيقه لاتمام هذه الطاعة
وتوهم انك مودع في صلاتك هذه أو انك ربما لا تعيش على مثلها كما قال صلى الله عليه وآله
صل صلاة مودع ثم استشعر قلبك الحياء من التقصير في الصلاة والخوف من أن
تلف فيضرب بها وجهك فإذا فعلت ذلك رجوت أن تكون من الخاشعين الذين هم
على صلاتهم دائمون واعرض صلاتك على هذا الوصف فبقدر ما تيسر منها
كذلك ينبغي ان تفرح وترجو وعلى ما يفوتك ينبغي ان تتحسر تجتهد في مداواة
قلبك فان صلاة الغافلين مرتع إبليس اللعين نسأل الله تعالى ان يغمرنا برحمته و
ويتغمدنا بمغفرته إذ لا وسيلة لنا الا الاعتراف بالعجز عن القيام بوظايف طاعته
135

ثم عقب ذلك كله بالاشتغال بالتعقيب من الذكر والدعاء وبالغ في الاخلاص والانقطاع
والابتهال إلى الله تعالى في مغفرة ذنبك وقبول عملك وتلقى طاعتك بيد الرحمة
فان الفضل عميم والكرم جسيم والرحمة واسعة والجود فايض والمحل قابل وخلاصة
وظايف الدعاء عقيب الصلاة وغيرها ما قاله مولانا الصادق عليه السلام احفظ أدب الدعاء
وانظر من تدعو وكيف تدعو ولما تدعو وحقق عظمة الله تعالى وكبريائه وعاين
يقلبك علمه بما في ضميرك واطلاعه على سرك وما يكن فيه من الحق والباطل واعرف
طوق نجاتك وهلا كذلك كيلا تدعوا الله بشئ فيه هلا كذلك وأنت تظن ان فيه نجاتك
قال الله عز وجل ويدع الانسان بالشر دعائه بالخير وكان الانسان عجولا وتفكر ماذا
تسأل ولماذا تسأل والدعاء استجابة الكل منك للحق وتذريب المهجة في مشاهدة الرب و
ترك الاختيار جميعا وتسليم الأمور كلها ظاهرها وباطنها إلى الله تعالى فإن لم تأت
بشرط الدعاء فلا تنتظر الإجابة فإنه يعلم السر واخفى فلعلك تدعو لشئ قد علم من
نيتك بخلاف ذلك قال بعض الصحابة أبعضهم أنتم تنتظرون المطر بالدعاء وانا انتظر
الحجر واعلم أنه لو لم يكن أمرنا الله بالدعاء لكنا إذا أخلصنا الدعاء تفضل عليها بالإجابة
فكيف وقد ضمن ذلك لمن اتى بشرايط الدعاء وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن اسم الله الأعظم
قال كل اسم من أسماء الله أعظم وفرغ قلبك عن كل ما سواه وادعه بأي اسم شئت و
ليس في الحقيقة لله اسم دون اسم بل هو الله الواحد القهار وقال النبي صلى الله عليه وآله
ان الله لا يستجيب الدعاء من قلب لاه فإذا أتيت بما ذكرت لك من شرائط الدعاء وأخلصت
سرك لوجهه فابشر بإحدى ثلثة إما ان يتعجل لك بما سئلت أو يدخر لك ما هو أعظم
منه واما ان يصرف عنك من البلاء ما لو أرسله عليك لهلكت قال النبي صلى الله عليه وآله
قال الله تعالى من شغله ذكرى عن مسئلتي أعطيته أفضل ما اعطى السائلين
136

قال الصادق عليه السلام لقد دعوت الله مرة فاستجاب لي ونسيت الحاجة لان استجابته باقباله على عبده عند دعوته
أعظم وأجل مما يريد منه العبد ولو كانت الجنة ونعيمها الا بدو لكن لا يعقل ذلك
الا العاملون المحبون العارفون الفائزون صفوة الله وخواصه انتهى وهو كاف
في وظيفة الدعاء وان عقبت بشئ من القران فينبغي ان تتدبر بعض وظائفه لتقوم
بشروطه وتمتثل مرسوم حدوده كما ينبغي ذلك لكل فارى وما ورد في ثواب قراءة القرآن
والحث عليه يخرج ذكره عن موضع الرسالة فلنذكر مهم وظائفه ملخصا و
هو أمور الأول حضور القلب وترك حديث النفس قبل في تفسير قوله تعالى
يا يحيى خذ الكتاب بقوة أي بجد واجتهاد واخذه بالجد ان يتجرد عند قرائته بحذف
جميع المشغلات والهموم عنه الثاني التدبر وهو طور وراء حضور
القلب فان الانسان قد لا يتفكر في غير القران ولكنه يقتصر على سماع القران و
هو لا بتدبره والمقصود من التلاوة التدبر قال سبحانه أفلا يتدبرون القران ولو كان
من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقال تعالى ورتل القران ترتيلا لان
الترتيل يمكن الانسان من تدبر الباطن وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاخير في عبادة لافقه فيها
ولا خير في قراءة لا تدبر فيها وإذا لم يمكن التدبر الا بالترديد فليردد قال أبو ذر
رضي الله عنه قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة يردد قوله تعالى ان نعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم
فإنك أنت العزيز الحكيم الثالث التفهم وان يستوضح من كل أية ما يليق بها
إذا القران يشتمل على ذكر صفات الله تعالى وافعاله وأحوال أنبيائه والمكذبين لهم
وأحوال ملائكته وذكر أوامره وزواجره وذكر الجنة والنار والوعد والوعيد فليتأمل
معاني هذه الأسماء والصفات لينكشف له اسرارها فان تحتها اسرار الدقايق وكنوز
الحقايق قال ابن مسعود من أراد ان يعلم علم الأولين والآخرين فعليه بالقران قال
137

الله تعالى قل لو كان البحر مداد الكلمات ربى لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربى ولو
جئنا بمثله مددا وقال علي عليه السلام لو شئت لا وقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب
فمن لم ينفهم معاني القران في تلاوته وسماعة ولو في أدنى المراتب دخل في قوله تعالى
أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وقوله أفلا يتدبرون القران أم على قلوب أقفالها
الرابع التخلي عن موانع الفهم فان أكثر الناس منعوا من فهم القران لأسباب و
حجب استدلها الشيطان على قلوبهم فحجبت عن عجائب اسراره قال صلى الله عليه وآله لولا أن الشياطين
يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى الملكوت ومعاني القران واسراره من جملة
الملكوت والحجب الموانع منها والاشتغال بتحقيق الحروف واخراجها من مخارجها
والتشدق بها من غير ملاحظة المعنى وقيل إن المتولي لحفظ ذلك شيطان وكل
بالقراءة ليصرف عن معاني كلام الله تعالى فلا يزال يحملهم على ترديد الحروف ويخيل
إليهم انه لم يخرج من مخرجه فيكون تأمله مقصورا على مخارج الحروف فمتى ينكشف
له المعاني وأعظم ضحكة للشيطان من كان مطيعا لمثل هذا التلبيس ومنها ان يكون
مبتلى من الدنيا بهوى مطاع فان ذلك سبب لظلمة القلب كالصدء على المرآة فيمنع جلبه
الحق ان يتجلى فيه وهو أعظم حجاب للقلب وبه حجب الأكثرون وكلما كانت الشهوات
أكثر تراكما على القلب كان البعد عن اسرار الله أعظم ولذلك قال صلى الله عليه وآله الدنيا والآخرة
ضرتان بقدر ما تقرب من إحديهما بتعد من الأخرى الخامس ان يخصص نفسه
بكل خطاب في القران من أمرا ونهى أو وعدا ووعيد ويقدر انه هو المقصود وكذلك
ان سمع قصص الأولين والأنبياء عليهم السلام وعلم أن مجرد القصة غير مقصود وانما
المقصود الاعتبار ولا يعتقدان كل خطاب خاص في القران فأراد به الخصوص فان القران
وساير الخطابات الشرعية واردة على طريقة إياك أعني واسمعي باجاره وهي كلها نور وهدى
138

ورحمة للعالمين ولذلك أمر الله تعالى الكافة بشكر نعمة الكتاب فقال واذكروا نعمة الله
عليكم وما انزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به وإذا قدر انه المقصود لم يتخذ دراسة
القران عملا بل قراءة كقرائة العبد كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتدبره ويعمل بمقتضاه
قال حكيم هذا القران أتانا من قبل ربنا بعهوده نتدبرها في الصلاة ونقف عليها
في الخلوات ونعدها في الطاعات بالسنن المتبعات السادس التأثر وهو ان
بتأثر قلبه باثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حال ووجد يتصف
به عندما يوجه نفسه في كل حال إلى الجهة التي فهمها من خوف أو حزن أو رجاء أو غيره
فيستعد بذلك وينفعل ويحصل له التأثر والخشية وفهما قويت معرفته كانت الخشية
أغلب الأحوال على قلبه فان التضيق غالب على العارفين فلا يرى ذكر المغفرة والرحمة
الا مقرونا بشروط يقصر العارف عن نيلها كقوله تعالى وانى لغفار لمن تاب وامن وعمل
صالحا ثم اهتدى فإنه قرن المغفرة بهذه الشروط الأربعة وكذلك قوله تعالى والعصر
ان الانسان لفى خسر إلى اخر السورة وذكر فيها أربعة شروط وحيث أوجز واختصر
ذكر شرطا واحدا جامعا للشرايط فقال تعالى ان رحمة الله قريب من المحسنين إذ كان
الاحسان جامعا لكل الشرايط وتأثر العبد بالتلاوة ان يصير بصفة الآية المنلوه
فعند الوعيد يتضاءل من خشية الله وعند الوعد يستبشر فرحا برحمة الله وعند
ذكر الله وأسمائه يتطأطأ خضوعا لجلاله وعند ذكر الكفار في حق الله ما يمتنع
عليه كالصاحبة والولد يغض صوته وينكسر في باطنه حياء من قبح أفعالهم ويكبر الله
ويقدسه عما يقول الظالمون وعند ذكر الجنة ينبعث بباطنه شوقا إليها وعند
ذكر النار ترعد فرائصه خوفا منها ولما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لابن مسعود اقرأ على قال
ففتحت سورة النساء فلما بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على
139

هؤلاء شهيد أرأيت عيناه تذر فان من الدمع فقال لي حسبك الان وذلك لاستغراق
تلك الحالة لقلبه بالكلية والقرآن انما يراد لهذه الأحوال واستجلابها إلى القلب
والعمل بها قال رسول الله صلى الله عليه وآله اقرأوا القران ما ائتلفت عليه قلوبكم ولانت عليه
جلودكم فإذا اختلفتم فلستم تقرؤنه وقال الله تعالى الذين إذا ذكر الله وجلت
قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون والا فالمؤمنة في تحريك
اللسان خفيفة وروى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليعلمه القران فانتهى إلى قوله تعالى
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فقال يكفيني هذا
وانصرف فقال رسول الله صلى الله عليه وآله انصرف الرجل وهو فقيه واما التالي
باللسان المعرض عن العمل فجدير ان يكون المراد بقوله تعالى ومن اعرض عن ذكرى فان
له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيمة أعمى الآية وانما خط اللسان تصحيح الحروف
بالترتيل وخط العقل تفسير المعاني وخط القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار و
الايتمار السابع الترقي وهو ان يوجه قلبه وعقله إلى القبلة الحقيقية فيستمع
الكلام من الله تعالى لامن نفسه ودرجات القراءة ثلثة أدناها ان يقدر العبد كأنه
يقرء على الله عز وجل واقفا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه فيكون حاله عند هذا
التقدير السؤال والتضرع والابتهال والثانية ان يشهد بقلبه كأنه سبحانه وتعالى
يخاطبه بالطافه ويناجيه بانعامه واحسانه وهو في مقام الحيا والتعظيم لمنن الله
والاصغاء إليه والفهم منه الثالثة ان يرى في كلام المتكلم وفى الكلمات الصفات
ولا ينظر إلى قلبه ولا إلى قرائته ولا إلى التعلق بالانعام من حيث هو منعم عليه بل يقتصر
الهم على المتكلم ويوقف فكره عليه ويستغرق في مشاهدته وهذه درجة المقربين و
عنها أخبر جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام بقوله لقد تجلى الله لحلقه في كلامه ولكنهم
140

لا يبصرون وقال أيضا وقد سألوه عن حالة لحقته في الصلاة حتى خر مغشيا عليه فما
افاق قيل له في ذلك قال ما زلت أردد هذه الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها
فلم يثبت جسمي لمعانيه قدرته الثامن التبري والمراد به ان يتبرأ من حوله وقوته
فلا يلتفت إلى نفسه بعين الرضا والتزكية فإذا تلا آيات الوعد ومدح الصالحين
حذف نفسه عن درجة الاعتبار وشهد فيها الموقنين والصديقين ويتشوق
إلى أن يلحقه الله بهم وإذا تلى آيات المقت والذم للمقصرين شهد نفسه هناك
وقدر انه المخاطب خوفا واشفاقا والى هذه المرتبة أشار أمير المؤمنين عليه السلام وسيد
الوصيين في الخطبة التي يصف فيها المتقين بقوله وإذا مروا باية فيها تخويف أصغوا
إليها مسامع قلوبهم فظنوا أن زفير جهنم في أذانهم إلى اخره ومن رأى نفسه بصورة
التقصير في القراءة كان ذلك سبب قربه ومن شاهد نفسه بعين الرضا فهو محجوب بنفسه
فهذه نبذة من وظائف القراءة واسرارها وفقنا الله لتلقى الاسرار وألحقنا بعبادة
الأبرار وإذا وصلت إلى هذا المقام فاسجد سجدتي الشكر شكر الله سبحانه وتعالى
على مزيد الانعام واحضر انعامه لديك ببالك وأياديه عندك في جميع أحوالك
وقل شكرا شرا إلى تمام ما يمكنك من المزيد فأنت مع ذلك مقصر عما يجب عليك من
التحميد وغاية ما يجب الاعتراف بالتقصير والاستغفار من كل قليل وكثير اللهم ارزقنا
العمل بما كشفت لنا من الاسرار والآيات وزدنا فيضا وعرفانا يكون لنا سلما
إلى نيل تلك الدرجات واوقفنا على درك الحق بالتوفيق وثبت اقدامنا على مقامات
الصدق وحقايق التحقيق بفضلك وجودك العميم انك أنت الوهاب الكريم
الفصل الثالث في المنافيات وهي في هذا المقام ما أبطلت الصلاة أو نقصت
كمالها من جهات قلبية وهي تنقسم إلى منافيات الكمال والى منافيات الصحة وضابط الأول
141

ما ينافي الاقبال بالقلب على الله تعالى من حديث النفس والالتفات إلى أمر دنيوي بل
الفكر في غير متعلق الصلاة وإن كان أخرويا فإنه من دقايق مكايد الشيطان فان
المطلوب لله تعالى والموجب للقبول انما هو الاقبال على كل فعل من أفعالها حال الاشتغال
فيه كما نبه عليه بقوله صلى الله عليه وآله وانما لك من صلاتك ما أقبلت عليه بقلبك ويدخل
في هذا القسم ما عده الفقهاء من المكروهات كمدافعة الاجنثين والنعاس والتنخم والبصاق
والعبث وغيرها فإنها مشتركة في مضادة الاقبال ومنافية للخشوع واما منافيات
الصحة فضابطها منافاة الاخلاص واستكثار الطاعة ويدخل في الأول الريا باقسامه
وفى الثاني العجب والكلام في كل منهما مستوفا وذكر أقسامها واحكامها يخرج عن
وضع الرسالة لكنا نذكر المهم فاعلم أن الوعيد على هاتين الأفتين في الكتاب والسنة
كثيرا يخرج عن حد الحصر قال الله تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون
الذين هم يراؤن وقال النبي صلى الله عليه وآله ان النار وأهلها يعجون من أهل الريا فقيل يا رسول
الله فكيف تعج النار قال من حر النار التي يعذبون بها وعنه صلى الله عليه وآله قال المرائي يوم القيمة
ينادى بأربعة أسماء يا كافر يا فاجريا غادريا خاسر ضل سعيك وبطل اجرك ولا خلاق
لك التمس الاجر ممن كنت تعمل له يا خادع وعنه صلى الله عليه وآله ان الله تعالى يقول انا اغنى الأغنياء
عن الشرك من عمل عملا فأشرك فيه غيري فنصيبي له فانا لا اقبل الا ما كان خالصا لي
وعنه صلى الله عليه وآله ان الجنة تكلمت وقالت انى حرام على كل نجيل ومرائي وعنه صلى الله عليه وآله ان أول من
يدعى يوم القيمة رجل مع القران ورجل قاتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول
الله عز وجل للقاري ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي فيقول بلى يا رب فيقول ما
عملت فيما علمت فيقول يا رب قرانه في اناء الليل واطراف النهار فيقول الله كذبت
ويقول الملائكة كذبت ويقول الله تعالى انما أردت ان يقال فلان قارى فقد طل ذلك؟
142

ويؤتى بصاحب المال فيقول الله تعالى ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى
أحد فيقول بلى يا رب فيقول فما ذا عملت فيما اتيتك قال كنت أصل الرحم وأتصدق
فيقول الله كذبت ويقول الملائكة كذبت ويقول الله سبحانه بل أردت ان يقال
فلان جواد وقد قيل ذلك ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله ما فعلت
فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله كذبت ويقول الملائكة
كذبت فيقول الله بل أردت ان يقال فلان جرى وشجاع فقد قيل ذلك ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وآله أولئك خلق الله تسعر بهم نار جهنم وعن الصادق عليه السلام إياك والريا فإنه
من عمل لغير الله وكله الله إلى من عمل له وعنه عليه السلام في قول الله عز وجل فمن كان يرجو
لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه قال الرجل يعمل شيئا من الثواب
لا يطلب به وجه الله انما يطلب تزكية النفس يشتهى ان يسمع به الناس فهذا الذي
أشرك بعبادة ربه ثم قال ما من عبدا سر خيرا فذهبت الأيام ابدا حتى يظهر الله
له خيرا وما من عبد أسر شرا فذهبت الأيام ابدا حتى يظهر الله له شرا والأثر في
ذلك يطول وقال الله تعالى في ذم العجب ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ذكر ذلك
في معرض الانكار وقال تعالى وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وهو أيضا راجع إلى العجب
بالعمل على وجه وقال النبي صلى الله عليه وآله ثلث مهلكات شح مطاع وهوى متبع اعجاب المرء بنفسه
وقال الصادق عليه السلام من دخله العجب هلك وعنه عليه السلام العجب له درجات منها ان يزين للعبد
سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه وبحسب انه يحسن صنعا وعنه عليه السلام قال انى عالم عابدا فقال له كيف
صلاتك فقال مثلي يسئل عن صلاته وانا منذ كذا وكذا ابكى قال كيف بكاؤك
قال ابكى حتى يجرى دموعي فقال له العالم فان ضحكك وأنت خائف خير من بكائك
وأنت مدل ان المدل لا يصعد من عمل وعن أحدهما عليهما السلام قال دخل المسجد رجلان
143

أحدهما عابد والاخر فاسق فخرجا من المسجد والفاسق صديق والعابد فاسق وذلك أنه
يدخل العابد مدلا بعبادته فيدل بها فيكون فكرته في ذلك ويكون فكرة الفاسق
في التندم على فسقه ويستغفر الله عز وجل مما صنع من الذنوب وقال النبي صلى الله عليه وآله قال الله
تعالى لداود عليه السلام يا داود بشر المذنبين وانذر الصديقين قال كيف ابشر المذنبين وانذر
الصديقين قال يا داود بشر المذنبين انى اقبل التوبة وأعفو عن الذنب وانذر
الصديقين الا يعجبوا بأعمالهم فإنه ليس عبد يعجب بالحسنات الا هلك واعلم أن
الريا على ضربين رياء محض ورياء مختلط فالمحض ان يريد بعلمه نفع الدنيا وهو
أعم من أن يتوصل به إلى محرم أو مباح أو الحذ ومن أن ينظر إليه بعين النقص
ولا يعد من الخاصة والمختلط ان يقصد به ذلك مع التقرب إلى الله تعالى وكلاهما مفسد
للعمل بل الأول ساقط عن درجة البحث والاعتبار والثاني هو الاشراك لله تعالى
في العبادة التي قد تقدم انه يتركها لشريكه وهذا هو الشرك الخفي هذه الأمة الذي
أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله بأنه في أمته فاش ثم المقصود هنا ليس هو البحث عن الفعل الذي يقع
ابتداء رياء لان ذلك باطل في نفسه ولا يعرض لقلوب العارفين وانما الكلام
هنا فيما يبتدى الانسان به من العبادة خالصا لله تعالى لا يريد به غيره ثم
يعرض له ما ينافي الاخلاص على وجه الشوب اللطيف الذي ينبغي التنبيه عليه في مثل
هذا المقام وهو يأتي على وجوه بعضها جلى وبعضها خفى أحدها ان يعقد الصلاة
مثلا على الاخلاص المحض والطاعة والاقبال على الله تعالى بها وهو خال
من نظر الناس إليه فيدخل عليه داخل أو بنظر إليه ناظر فيقول له الشيطان
زد صلاتك حسنا حتى ينظر إليك هذا لحاضر بعين الوقار والصلاح ولا يزد
ربك ولا يغتابك فتخشع جوارحه ويسكن أطرافه ويحسن صلاته وهذا هو الرياء
144

الطارئ الظاهر الذي لا يخفى على المبتدئين من المريدين ولكنه في الجملة من شوائب
القرب ومنا في الاخلاص وثانيها ان يكون قد فهم هذه الآفة واخذ منها حذره
فصار لا يتبع الشيطان فيها ولا يلتفت إليه ويستمر في صلاته كما كان فيأتيه في
معرض الخير الخيرة فيقول أنت متبوع فأنت متبوع ومقتدى بك ومنظور إليك وما تفعله يؤثر عنك و
يتأسى بك غيرك فيكون لك ثواب أعمالهم ان أحسنت وعليك الوزر ان أسأت
فاحسن عملك فعساه ان يقتدى بك في الخشوع وتحسين العبادة فيكون شريك
من اقتدى بك وهلم جرا للحديث المشهوران من سنن سنة حسنة فله اجرها واجر من
يعمل بها إلى يوم القيمة وهذه المكيدة أعظم من الأولى وادق وقد ينخدع بها من لا
ينخدع بالأولى وهو أيضا عين الرياء ومبطل الاخلاص فإنه إذا كان يرى الخشوع
وحسن العبادة خير الا يرتضى لغيره تركه فلم يرتضى لنفسه ذلك في الخلوة ولا
يمكن ان يكون نفس غيره أعز عليه من نفسه فهذا عين التلبيس بل المقتدى به هو الذي
استقام في نفسه واستنار قلبه فانتشر نوره إلى غيره فيكون له الثواب عليه واما فعل الأول
فمحض النفاق والتلبيس فيطالب يوم القيمة بتلبيسه ويعاقب على اظهاره من نفسه
ما ليس متصفا به وان أثيب المقتدى به وثالثها وهو أدق مما قبله ان ينتبه العبد لذلك
وانه مكيدة من الشيطان ويعلم ان مخالفته بين الخلوة والمشاهدة للغير محض
الرياء ويعلم ان الاخلاص في أن يكون صلاته في الخلوة مثل صلاته في الملاء
ويستحيى من نفسه ومن ربه ان يخشع لمشاهدة خلقه تخشعا زائدا على عادته فيقبل
على نفسه في الخلوة ويحسن صلاته على الوجه الذي يرتضيها في الملاء ويصلى أيضا
في الملاء كذلك للعلة المذكورة وهذا أيضا من الرياء الغامض لأنه حسن صلاته
في الخلوة ليحسن في الملاء فلا يكون قد فرق بينهما بالتفاوت في الخلوة والملاء إلى الخلق بل الاخلاص ان يكون مشاهدة البهائم لصلوته
145

ومشاهدة الخلق على ونيرة واحدة فكان نفس صاحب هذه الخطرة ليس تسمح بإساءة الصلاة
بين الناس ثم يستحيى من نفسه ان يكون في صورة المرائين ويظن بان ذلك يزول بان
يستوى صلاته في الخلاء والملاء وهيهات بل زوال ذلك بان لا يلتفت إلى الخلق
كما لا يلتفت إلى الجمادات والبهائم في الخلاء والملاء جميعا وهذا شخص مشغول الهم
بالخلق في الخلاء والملاء جميعا وهذا من المكائد الخفية والى هذا المعنى الإشارة
في الحديث النبوي لا يكمل ايمان العبد حتى يكون الناس عنده بمنزلة الأباعر فتأمل ورابعها
وهو أدق واخفى ان ينظر إليه الناس وهو في صلاته فيعجز الشيطان عن أين يقول له اخشع
لأجلهم فإنه قد عرف انه لا يصغى لذلك فيقول له الشيطان تفكر في عظمة الله وجلاله ومن
أنت واقف بين يديه واستح ان ينظر الله إلى قلبك وأنت غافل عنه فيحضى بذلك
قلبه ويجتمع جوارحه ويظن ان ذلك عين الاخلاص وهو عين المكر والخداع فان خشوعه
لو كان لنظره إلى جلال الله وعظمته لكانت هذه الخطرة تلازمه في الخلوة ولكان
لا يختص حضورها بحالة حضور غيره وعلامة الا من من هذه الآفة ان يكون هذا الخاطر
مما يألفه في الخلوة كما يالفه في الملاء ولا يكون حضور الغير هو السبب في حضور الخاطر
كما لا يكون حضور البهيمة سببا فما دام يفرق في أحواله بين مشاهدة الانسان
ومشاهدة بهيمة فهو بعد خارج عن صفو الاخلاص مدلس الباطن بالشرك الخفي
من الرياء وهذا الشرك اخفى في قلب ابن آدم من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء
على الصخرة الصماء كما ورد به الخبر ولا يسلم من الشيطان الا من دق نظره وسعد
بتوفيق الله تعالى وهدايته والا فالشيطان ملازم للمتشمرين لعبادة الله تعالى
لا يغفل عنهم لحظة حتى يحملهم على المهالك في كل حركة من الحركات حتى في كحل العين
وقص الشارب وطيب يوم الجمعة ولبس الثياب الفاخرة فان هذه سنن في أوقات
146

مخصوصة لكن في النفس فيها حظ خفى لارتباط نظر الخلق بها فيدخل الشيطان فيها
عليه من المداخل ان لم يتيقظ ولهذا قيل ركعتان من عالم أفضل من عبادة سنة
من جاهل وأريد به العالم البصير بدقايق آفات العبادة حتى يخلص عنها لا مطلق العالم
فان مداخل الشيطان على كثير من العلماء أعظم من مداخله على الجهلاء وخامسها
ان يكمل العبادة على الاخلاص المحض والنية الصالحة لكن عرض له بعد الفراغ منها
بحسب اظهارها ليحصل له بعض الأغراض المحققة للرياء خديعة من الشيطان له انه
قد كمل العبادة الخالصة وقد كتبها الله في ديوان المخلصين فلا يقدح فيها ما يتجدد
وانما ينضم إلى ما حصله بها من الخير الاجل خير اخر عاجل فيحدث به ويظهره لذلك
فهذا أيضا مفسد للعمل وان سبق كما يفسده العجب المتأخر ويدخل في زمرة الذين قال
الله تعالى عنهم قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا
وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وقد روى أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وآله صمت الدهر يا رسول
الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما صمت ولا أفطرت وروى عن ابن مسعود انه سمع رجلا
يقول قرأت البارحة البقرة قال ذلك خطه بل لو كنت باقيا على اخلاصك فيه فقد
نقصت منه تسعة وستين جزا من سبعين على ما روى عنهم عليهم السلام ان أفضل عمل السر
على عمل الجهر سبعون ضعفا وعن الصادق عليه السلام من عمل حسنة سرا كتبت له سرا فإذا
أقر بها محيت وكتبت جهرا فإذا أقر بها ثانية محيت وكتبت رياء فيالها من كلمة ما
أشأمها وزدته ما اعظمها حيث نقص بها حظك وضاع كدحك وليتك سلمت
من تبعتها فان المرائي لا يسلم كما عرفت من وعيده وهذا كله مع عدم تعلق غرض
صحيح في الآخرة بإذاعته إما معه كما لو أراد بذلك تشيط السامع وترغيبه في
فعل الخير مع وثوقه بنفسه فلا حرج فيه إذا لم يمكن تنشيطه بدونه والا كان
147

أولي وقد روى محمد بن مسلم من الباقر عليه السلام قال لا باس ان تحدث أخاك إذا رجوت ان تنفعه
وتحثه وإذا سألك هل قمت الليلة أو صمت فحدثه بذلك ان كنت فعلته فقل قد
رزق الله ذلك ولا تقل لا فان ذلك كذب ومن هنا جاء أفضلية الصدقة جهرا
ليتأسى به والا جهار بصلاة الليل زيادة على غيرها لينبه أهله وجيرانه فيتأسوا
به لكن ذلك كله موضع الخطر فيجب الاحتراز والتيقظ بمراعاة القلب وكما يكون
الاظهار مظنة الرياء ومخطرته كذلك الاخفاء فان فيه أيضا للشيطان مداخل
منها ان يأمرك بترك العمل خوفا من أن تكون مرائيا به وهذا من جملة خدائعه
وفى ترك العمل كذلك تحصيل لغرضه لان غرضه الأقصى ترك العمل وانما يعدل بك
بك إلى قصد الرياء وغيره عند عجزه من تثبيتك عن العمل وثم هيدك فيه فإذا تركته
فإذا حصلت غرضه ومثالك في ذلك مثال من سلم إليه مولاه حنطة فيها تراب وقال
خلصها من التراب ونقها منه تنقية بالغة فيترك أصل العمل ويقول أخاف ان اشتغل
به لم يخلص خلاصا صافيا فيترك العمل من الصلة وهذا تمام الغرض لإبليس اللعين
وغاية القصد فقد حصلت أمنيته وأرحته من التعب بك في افساد العمل وانما
سبيلك ان تجتهد في تخليص عملك بالأدوية النافعة وتحصل مراد مولاك ومنها
ان يأمره بترك العمل أيضا لا لذلك بل خوفا على الناس ان يقولوا انه مرائي فيعصون
الله به وهذا أيضا مع ما قبله رياء خفى من مكايد الشيطان لان ترك العمل خوفا
من قولهم إنه مرائي غير الرياء ولولا حبة لمحمدتهم وخوفه من ذمهم فماله ولقولهم
قالوا إنه مرائي أو قالوا إنه مخلص وأي فرق بين ان يترك العمل خوفا من أن يقال إنه
مرائي وبين ان يحسن العمل خوفا من أن يقال إنه غافل مقصر بل ترك العمل أشد
من ذلك وفيه مع ذلك إساءة الظن بالمسلمين وما كان من حقه ان يظن بهم ذلك
148

ثم كيف تطمع ان تتخلص من الشيطان بترك العمل وقد أطعته فيه فإنه لا يخليك أيضا
بل يقول لك الان يقول الناس انك تركت العمل البق انك مخلص لا تشتهي الشهرة
إلى غير ذلك من اللعب بك وانما خلاصك من ذلك كله ان تلزم قلبك معرفة آفات
الريا وضرره لتلزم كراهته وتستمر مع ذلك على العمل ولا يتألى وتلزم قلبك
الحياء من الله تعالى إذ دعتك نفسك إلى أن تستبدل بحمد الله تعالى حمد المخلوقين
وهو مطلع على قلبك ولو اطلع الخلق على قلبك وانك تريد حمدهم لمقتول بل إن
قدرت على أن تزيد في العمل حياء عن ربك وعقوبة لنفسك فافعل ومنها أن يقول
له اترك العمل لئلا يظن الناس بك خيرا وتشتهر به وأحب العباد إلى الله الأتقياء الأخفياء
الذين إذا شهدوا لم يعرفوا فإذا عرفت بين الناس بالعبادة لم يكن لك حظ من
هذا الوصف وهذه أيضا من مكايده وما عليك إذا أخلصت العمل لله تعالى أو تعرف
به أو تجهل وانما عليك مراعاة قلبك واصلاح سرك وكيف يخفى على الناس إذا كنت
صالحا وهو تعالى يقول عليك اخفاؤه وعلى اظهاره ويقول من أصلح سريرته
أصلح الله علانيته وإياك ان يعزك اللعين عند ذلك ويقول إذا كنت لا تترك
العمل لذلك فأخف العمل فان الله تعالى سيظهره عليك وأما إذا أظهرته فيمكن
ان تقع في الريا وهذا التلبيس عين الريا لان اخفاؤك له كي يظهر عليك بين
الناس هو بعينه العمل لأجل الناس وما عليك إذا كان مرضيا لله تعالى ان يظهرا
ويخفى لولا نظرك إلى رضاء الناس إذا تقرر ذلك فإياك ان تحملك دقايق الاخلاص
وصعوبة الخلاص على الكسل والقعود عن الطاعات نظرا إلى ما تجده في نفسك
من السرور بالطاعة وزيادة الابتهاج باطلاع الناس عليك بفعل العبادة بل
اجتهد في قلع مادة الفساد ومجاري الشيطان عنك واعمل واما سرورك بالطاعة فان
149

منه محمود ومنه مذموم فالمحمود ان يكون من قصدك وداعيك اخفاء الطاعة والاخلاص
لله سبحانه ولست مستكثرا لعملك وانما سرورك في أن وفقك للعمل وأخرجك من
ربقة البطالين والغافلين ولم تبلغ بالسرور حد العجب الآتي ذكره وإذا حصل اطلاع
الناس عليه فلم يحصل من قبلك وانما سررت باطلاعهم نظر إلى أن الله سبحانه هو الذي
أطلعهم عليه وأظهر لهم الحميل تكرما عليك وتفضلا ونحو ذلك والمذموم ان تفرح
به استكثارا وركونا إليه وبظهور الناس عليه لقيام منزلتك عندهم ليمدحوك و
ويقوموا بقضاء حوائجك ويعاملون بالاكرام ونحو ذلك فإنه رياء محض ومحيط
للعمل واصله حب الدنيا ونسيان الآخرة وقلة التفكر فيما عند الله نسأل الله من فضله
ان لا يعاملنا بعدله بل يسامحنا بعفوه ويسترد زلاتنا بصفحه انه جواد كريم واما
العجب فهو استعظام العمل والابتهاج به والادلال به وان يرى العامل نفسه خارجة بسببه
عن حد التقصير وهذا من أعظم المهلكات بل هو الناقل للعمل من كفة الحسنات
إلى كفه السيئات ومن رفيع الدرجات إلى أسفل الدركات كما تقدم في الاخبار ولذلك
قال عيسى عليه السلام يا معاشر الحواريين كم من سراج قد أطفأته الريح وكم من عابدا فسد العجب و
روى سعيد بن أبي خلف عن الصادق عليه السلام قال عليك بالجد ولا تخرجن نفسك من حد
التقصير في عبادة الله وطاعته فان الله تعالى لا يعبد حق عبادته ومنشأ العجب
الغفلة عن عيوب الأعمال وآفات العبادات وعن نعم الله تعالى على العامل من
الخلق والاقدار والالطاف والتسخير وغير ذلك فانظر إلى الأقرب إليك في
هذا المقام وهو الصلاة التي هي عمود الدين وأول ما ينظر فيه من اعمال ابن ادم
فان ردت رد ساير عمله وتأمل حدودها التي قد حكيناها مستندة إلى النصوص الصحيحة
فلا يكاد يسلم لك صلاة واحدة كاملة تثق من نفسك بقبول الله إياها وهلم جرا
150

إلى غيرها من العبادات فلكل واحد وظائف وحدود لا تبلغها أعمالنا ولا نقوم بها
لغفلتنا وقد قال علي عليه السلام اعلموا عباد الله ان المؤمن لا يصبح ولا يمسى الا ونفسه ظنون
عنده فلا يزال زاد يا عليها ومستزيدا لها فكونوا كالسابقين قبلكم والماضين امامكم
قرضوا من الدنيا تقريض الراحل واطووها طي المنازل فكيف يعجب الانسان بعلمه أو
يعده قائما بحقوق العبودية ووظايف الخدمة لولا استيلاء الغفلة نعم لا يقدح نظر
المؤمن إلى نفسه وسروره بما يفعله من العبادة مع حمد الله تعالى على توفيقه لها وطلب
الاستزادة من فضله فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام من سرته حسنه وسائته سيئة
فهو مؤمن وقد قال عليه السلام ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم فان عمل خيرا
حمد الله استزاده وان عمل شرا استغفر الله فهذا ما اقتضى الحال ذكره من المنافيات
ملخصا ليوافق الغرض فان ذكره هنا بالعرض والله الموفق واما الخاتمة
ففيها بحثان الأول في جبر الخلل الواقع في الصلاة بمعنى بيان الدواء النافع
لهذه المنافيات اعلم أن الخلل إن كان من قبل منافى الاقبال بالقلب على الصلاة
بسبب الأفكار الخارجة عنها فدوائه تذكر ما هو فيه ومن يناجيه واستشعار الاحظار
الملازمة من الغفلة وعدم قبول العمل مع شدة الحاجة إليه من يومه هذا إلى الأيد
فان التوفيق الواقع من الجناب الإلهي للمطيع فايض في الدارين والحاجة إليه
حاصلة في الحالين سيما يوم الجزاء الذي يضيق عن وصفه الحال ولا يحيط بتقديره
العقل ولا الخيال ولا يطيق حمل أحواله الجبال وليس فيه معين مع رحمة الله
وكرمه الا القيام بالأعمال الصالحة والطاعات المقبولة الرابحة فإنها وسيلة
إلى الأنوار في تلك الظلمة والنجاة من تلك الشدة والجواز على عقبة الساهرة
ولا تكتسب الأعمال الصالحة والطاعات المقبولة الا في هذه الدار الزائلة وفي هذه
151

المدة القصيرة التي أكثرها قد مضى على الغفلة ويكاد يلحق باقيها بماضيها ان لم يستيقظ
الغافل ويستدرك ما فرط وليس في تلك الدار الا الجنة أو النار والجنة قد أعدت للمتقين
كما أن النار قد أعدت للفاسقين وبالجملة فالخطر عظيم و
الامر جسيم والغفلة شاملة ونحن مع ذلك لا تشعر وقد قال النبي صلى الله عليه وآله يمضى على الرجل ستون
سنة أو سبعون سنة ما قبل الله منه صلاة واحدة وقال الصادق عليه السلام لحماد بن عيسى الذي كان
يحفظ في فقه الصلاة كتاب حريز ودعا له الصادق بان يحج خمسين حجة وان يكثر الله ما له وولده
فأجيب له في جميع ذلك حين صلى عنده ركعتين ما أقبح بالرجل منكم يمضى عليه ستون سنة
أو سبعون سنة لا يحسن ان يقيم صلاة واحدة بحدودها وقال صلى الله عليه وآله وسلم كم من قارئ للقران
والقرآن يلعنه وكم من صائم ليس له من صيامه الا الجوع والعطش إلى غير ذلك من الآثار
الدالة على صعوبة الامر ودقة الخطر فاحضار هذا وشبهه وما تقدم في المقدمة من الأثر
مما يعين على حضور القلب مضافا إلى ما سلف من الدوامة للعين على ذلك في المطلب
الثالث وإن كان المنافى من قبيل المفسدات فالعلاج النافع فيما ينافي الاخلاص هي هود
التفكر في مضرة الريا وما يفوت بسببه من صلاح القلب وما يحرم عنده في الحال
من التوفيق وفى الآخرة من المنزلة عند الله تعالى وما يتعرض له من العقاب العظيم و
المقت الشديد والخزي الظاهر حيث ينادى ربه على رؤوس الاشهاد والعباد يا فاجر
يا غادر يا مرائي إما استحييت إذا اشتريت بطاعة الله تعالى عرض الدنيا راقبت
قلوب العباد واستهزأت بطاعة الله تعالى وتحببت إلى العباد بالتبغض إلى الله تعالى
وتزينت لهم بالشين عند الله تعالى وتقربت إليهم بالبعد من الله تعالى وتحمدت
إليهم بالتذمم عند الله وطلبت رضاهم بالتعرض لسخط الله تعالى إما كان أهون
عليك من الله فمهما تفكر العبد في هذا الخزي وقابل ما يحصل له من العباد والتزين
152

لهم في الدنيا بما يفوته من الآخرة وبما يحيط عليه من ثواب الأعمال مع أن العمل الواحد
ربما كان يترجح به ميزان حسناته لو خلص فإذا فسد بالرياء حول إلى كفه السيئات
بترجح به بعد إن كان مرجوحا ويهوى إلى النار فلو لم يكن في الرياء الا احباط عبادة
واحدة لكان ذلك كافيا في معرفة ضرره وإن كان مع ذلك ساير حسناته راجحة
فقد كان ينال بهذه الحسنة علو المرتبة عند الله تعالى في زمرة النبيين والصديقين
وقد حط عنهم بسبب الرياء ورد إلى صف النعال من مراتب الأولياء ان لم تستوجب
النار والخزي والطرد من الملك الجبار هذا مع ما يتعرض له في الدنيا من تشتت الهم
بسبب ملاحظة قلوب الخلق فان رضاء الناس غاية لا تدرك فكل ما يرضى به فريق
يسخط به فريق ورضاء بعضهم في سخط بعض ومن طلب رضاهم في سخط الله تعالى
سخط الله عليه وأسخطهم أيضا عليه كما ورد في الاخبار ودلت عليه التجربة ثم أي
عرض له في مدحهم وايثار ذم الله لأجل حمدهم ولا يزيد مدحهم رزقا والا اجلا ولا ينفعه
يوم فقره وفاقته وهول يوم القيمة واما الطمع لما في أيديهم فبان يعلم أن الله
هو المسخر للقلوب بالمنع والاعطاء وان الخلق مضطرون فيه ولا رازق الا الله
ومن طمع في الخلق لم يخل من الله والخيبة والمقت والإهانة وان وصل إلى المراد
لم يخل عن المنة والمهانة ومن اعتمد على الله وجعل همه معه كفاه الله همه من الدنيا
والآخرة فكيف يترك ما عند الله لرجاء كاذب ووهم فاسد وقد يصيب وقد يخطى
وإذا أصاب فلا يفي لذته بالم منته ومذلته واما ذمهم فلم يحذر منه ولا يزيد ذمهم
شيئا ما لم يوافقهم الله عليه ولا يعجل اجله ولا يؤخر رزقه ولا يجعله من أهل النار
إن كان من أهل الجنة ولا يبغضه إلى الله تعالى إن كان محمودا عند الله ولا يزيد مقتا
إن كان ممقوتا عند الله فالعباد كلهم عجزة ولا يملكون لأنفسهم فنعا ولا ضرا ولا
153

يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا بل العقل والنقل والتجربة قد أذنت بخلاف ذلك
كله وان المخلص أعماله يحببه الله إلى المخلوقين الصالحين والفاسقين بل إلى كثير
من الكافرين فتراهم يعظمونه ويوقرونه ويلتمسون بركته مع ضعفه وفقره وقلة ذات
يده وقلة عمله والمرائي يظهر الله تعالى الخلق على باطنه وخبث نفسه وفساد نيته
فيمقتونه ولا يفوز بمطلبه ويضيع تعبه ويبطل سعيه كما روى أن رجلا من بني إسرائيل
قال والله لأعبد ان لله عبادة أذكر بها فكان أول داخل إلى المسجد واخر خارج منه
لا يراه أحد حين الصلاة الا قائما يصلى وصائما لا يفطر ويجلس إلى حلق الذكر فمكث
بذلك مدة طويلة وكان لا يمر بقوم الا قالوا فعل الله بهذا المرائي وصنع فاقبل
على نفسه وقال أراني في غير شئ لأجعلن عملي كله لله فلم يزد على عمله الذي كان يعمل
قبل ذلك الا انه تغيرك نيته إلى الخير فكان ذلك الرجل يمر بعد ذلك بالناس فيقولون
رحم الله فلانا الان اقبل على الخير وقد نبه الله تعالى على ذلك في كتابه فقال إن الذين
امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ثم هب انهم أحبوك وأكرموك وخفى
خبثك عليهم مع أن الله تعالى مطلع على فاسد نيتك وخبث سريرتك فأي خير لك
في مدح الناس وأنت عند الله مذموم ومن أهل النار وأي شر لك من ذم الناس و
أنت عبد الله ممدوح من أهل الجنة وفى زمرة المقربين ومن أحضر في قلبه الآخرة
ونعيمها المؤبد والمنازل الرفيعة عند الله تعالى استحقر ما يتعلق بالخلق أيام الحياة
مع ما فيه من الكدورات والمقصات واجتمع همه وانصرف إلى الله تعالى قلبه وتخلص
من مذمة الريا ومقاسات قلوب الخلق وانعطف من اخلاصه أنوار على قلبه ينشرح بها
صدره ويستأنس بها من وحشته فإن لم يكتف بذلك كله فليتأمل ثلثة أشياء أحدها
انه لو قيل لك ان هناك رجلا معه جوهر نفيس يساوى مأة ألف دينار وهو محتاج
154

إلى ثمنه بل إلى بيعه عاجلا والى اضعاف ثمنه فحضر من يشترى منه متاعه باضعاف
ثمنه إلى حاجته إلى الأضعاف أيضا فابى بيعه بذلك وباعه بفلس واحد أليس ذلك يكون
خسرانا مبينا وغبنا فظيعا ودليلا بينا على خسة الهمة وقصور الفهم والعلم وضعف
الرأي ورقة العقل بل على السقه المحض وهذا بعينه أبلغ من حال المرائي في عمله بل في
عبادة واحدة فان ما يناله العبد بعمله من الخلق من مدحه وحطام الدنيا بالإضافة إلى
رضاء رب العالمين وشكره وثواب الآخرة ونعيم الجنة الدائم المخلص من شوب الكدورات
أقل من فلس في جنب الف ألف دينار بل في جنب الدنيا وما فيها وأكثر وهذا هو الخسران
المبين ان تفوت نفسك تلك الكرامات العزيزة الشريفة بهذه الأمور الحقيرة الدنية
ثم وإن كان لا بد لك من هذه الهمة الخسيسة فاقصد أنت الآخرة تتبعك الدنيا بل اطلب
الرب وحده يعطيك الدارين إذ هو مالكهما جميعا وذلك قوله تعالى من كان يزيد ثواب الدنيا فعند الله ثواب
الدنيا والآخرة وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان الله يعطى الدنيا بعمل الآخرة ولا يعطى الآخرة بعمل
الدنيا فإذا أنت أخلصت النية وجردت الهمة للآخرة حصلت لك الدنيا والآخرة
جميعا وان أنت أردت الدنيا ذهب عنك الآخرة في الوقت وربما لا تنال الدنيا
كما تريد وان قلتها فلا تبقى لك بل تزول عنك قريبا فقد خسرت الدنيا والآخرة وذلك
هو الخسران المبين ونظير هذا الشخص بالنسبة إلى هذا المثل من يصرف جزءا من عمره ونفسا من أنفاسه الذي يمكنه به تحصيل كنز من كنوز الجنان فيما يحصل به دانق أو حبة
أو درهم أو دينار من متاع الدنيا ويترك ذلك الكنز الدائم لغير ضرورة ما هذا الا
عين الغفلة والخسران وخسة الهمة والخذلان وثانيها ان المخلوق والذي تعمل لأجله
وتطلب رضاه لو علم انك تعمل لأجله لأبغضك وسخط عليك واستهان بك واستخف
بك مضافا إلى مقت الله تعالى واهانته وخذلانه وما تعمله الله خالصا يوجب رضا الفريقين
155

فكيف يعمل العاقل لأجل من لو علم بأنه يطلب رضاه لسخط عليه واهانه فانظر ان كنت
تعقل وثالثها ان ما حصل له سعى يكتسب به رضاء أعظم ملك في الدنيا فطلب به رضاء
كناس خسيس بين الناس وسخط ذلك الملك بل مع عدم سخطه أليس ذلك دليلا على
السفه وردائة الرأي وسوء النظر ويقال له ما حاجتك إلى رضاء هذا الكناس مع تمكنك من
رضاء الملك كذلك أي حاجة إلى رضاء عبد مخلوق ضعيف حقير مهين مع التمكن من
تحصيل رضاء رب العالمين الكافي عن الكل نسأل الله حسن التوفيق وهذا هو الدواء
العلمي واما الدواء العملي فهو ان يعود نفسه اخفاء العبادات واغلاق الأبواب
دونها كما تغلق الأبواب دون الفواحش حتى يقنع قلبه بعلم الله تعالى واطلاعه
على عبادته ولا تنازعه نفسه إلى طلب علم غير الله تعالى وهو أمر يشق في ابتداء المجاهدة
لكن إذا صبر عليه مدة بالتكلف سقط عنه ثقله وهان عليه ذلك بتواصل الطاف
الله تعالى وما يمد به عباده من حسن التوفيق فان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم فمن العبد المجاهدة ومن الله الهداية قال الله تعالى والذين جاهدوا فينا
لنهدينهم سبلنا وإن كان المنافى من قبيل المتأخر عن العبادة وهو الرياء المتأخر
والعجب فقد عرفت دواء الأول واما العجب فلينظر في الأسباب والآلات التي قوى
بها على العبادة التي أورثته العجب من القدرة والعلم والأعضاء والرزق الذي
اكله حتى قوى به فإنه يجده كله من الله تعالى ولولاه لم يقدر على شئ منها ثم ينظر
إلى نعمته عليه في ارسال الرسل إليه وخلق العقل له حتى اهتدى به إلى طريق الحق ثم ينظر
في قيمة العمل الذي عمله فلا يجده مقابلا لنعمة من هذه النعم وانما صار لعمله قيمة لما
وقع من الله تعالى موقع الرضا والقبول والا فترى الأجير يعمل طول النهار بدرهمين
والحارس يسهر طول الليل بدانقين وكذلك أصحاب الصناعات والحرف كل واحد
156

منهم يعمل في الليل والنهار فيكون قيمة كل ذلك دراهم معدودة فان صرفت الفعل
إلى الله تعالى وصمت لله يوما قال الله انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب و
في الخبر أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب
بشر فهذا يومك الذي قيمته درهمان مع احتمال التعب العظيم صارت له هذا القيمة
بتأخير غداء إلى عشاء ولو قمت ليلة لله تعالى فقد قال الله تعالى فلا تعلم نفس ما اخفى
لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون فهذا الذي قيمته درهم صارت له كل هذه
القيمة والقدر بل لو جعلت لله ساعة تصلى فيها ركعتين خفيفتين بل نفسا قلت
فيه الا اله الا الله قال الله تعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك
يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب فحق إذا للعاقل ان يرى حقارة عمله
وقلة مقداره من حيث هو وان لا يرى الامنة الله عليه فيما شرف به من قدر عمله و
أعظم من جزائه وان يحذر في فعله ان يقع على وجه لا يصلح لله تعالى ولا يقع منه
موقع الرضا فيذهب عنه موقع القيمة التي حصلت له ويعود إلى ما كان في الأصل من
الثمن الحقير فقس قدر عملك في نفسه إلى ما عليك من نعمه فهل تجده وافيا بعشر عشيرة
وهل توفيقك للقيام بوظائف العبودية وتأهيلك للخدمة الإلهية الا نعمة بل أعظم
نعمة يلزمك شكرها كما أشير إليه في خبر داود عليه السلام حين اوحى الله إليه ان اشكرني حق شكري
فقال يا رب كيف أشكرك حق شكرك والشكر من نعمتك تستحق عليه شكرا فقال يا داود
إذا عرفت ان ذلك منى فقد شكرتني وروى أن بعض الوعاظ قال لبعض الخلفاء
أتراك لو منعت شربه من الماء عند عطشك بم كنت تشتريها قال بنصف ملكي قال
أتراها لو حبست عنك عند خروجها بم كنت تشتريها قال بالنصف الأخر قال فلا
يغرنك ملك قيمته شربة ماء ففكر أنت كم تتناول في كل يوم شربة ماء هنيئة واكلة
157

هنيئة وتسيغها هنيئا في عافية وكم تنظر بعينك هنيئا وتسمع طيبا وتشم زكيا و
تمشى إلى ما تحب وتبطش بيدك فيما تحب إلى غير ذلك من حواسك وأعضائك وقواك
الباطنة التي لا يطلع على دقايقها و تصريفها الا الله تعالى من مجارى طعامك وتصاريف
هضمك وتفريق فضلاتك وتغذيك بجيده مما لو صرفت زمانك في الفكر فيه خاصة
لقضيت منه العجب ولو فقدت شيئا يسيرا منه وطلب منك طبيب على أن يرده إليك
ويصلحه لك خدمتك له سنة أو أكثر لسررت بذلك وعددته منعما عليك وكم تقابل
هذه النعم المتعددة بسنين من الخدمة والحال انك لاتحذم مولاك المنعم الا أوقات
قليلة بعبادة لو تأملتها وعرفت عيوبها وآفاتها لو تثق بشئ منها ولا استحييت من
فعلها وقد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها
فالنعم عليك لا تحصى وعملك على تقدير سلامته وقبوله قليل يحصى فكيف يقابل مالا
يحصى ثم إذا قابله بقيت خاليا من عمل يوجب لك المكافات فقصاراك الاعتراف بالتقصير
وشرفك المراقبة لله تعالى وتذكر المنة والاعتراف بالنعمة والإزراء بنفسك والمقت
لها لعلك نفوز برحمة الله تعالى فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله من مقت
نفسه دون مقت الناس امنه الله من فزع يوم القيمة وروى أن عابدا عبد الله سبعين
عاما صائما نهاره قائما ليله فطلب إلى الله تعالى حاجة فلم تقض فاقبل على نفسه وقال
من قبلك أتيت لو كان عندك خير قضيت حاجتك فأنزل الله إليه ملكا فقال يا ابن
ادم ساعتك التي أزريت فيها على نفسك خير من عبادتك التي مضت ثم تأمل بعد ذلك
ثلثة أمور أحدها لو أن ملكا من ملوك الدنيا إذا اجرى على أحد من اتباعه طعاما
وكسوة أو دارهم أو دنانير فانية فإنه يستخدمه لأجلها بضروب الخدم اناء الليل و
النهار مع ما في ذلك من الذل والصغار وبعضهم يقوم لذلك على رأسه ويسهر الليل
158

بأجمعه لأجله وبعضهم يقف في خدمته يوما بعد يوم حتى ينقضى عمره وبعضهم يسعى في
حوائجه ومهماته وبعضهم يركب الأهوال ولجج البحار لأجله وربما يبدو له عدو فيبذل
روحه التي لأخلف عنها لأجله ولا ينفعه في الآخرة بعد ذلك فتراهم يحتملون كل
هذه الخدمة لأجل تلك المنفعة الخسيسة الفانية ومع ذلك يعترفون للملك بالنعمة
ويقرون له بالفضل عليهم والمنة مع أن تلك المنفعة في الحقيقة من الله تعالى ولو
أراد ملكهم ان ينبت لهم حبة واحدة أو يخلق لهم خيطا واحدا لم يقدر على ذلك وهم
يعترفون بذلك كله فكيف تستكثر عملك الحقير المشوب بالآفات والنقايص لربك
الذي خلقك ولم تك شيئا مذكورا ثم رباك وانعم عليك من النعم الظاهرة والباطنة في
نفسك ودينك ودنياك ما لا يبلغ كنهه فهمك ولا وهمك كما قال الله تعالى وان تعدوا
نعمة الله لا تحصوها وقد وعدت على هذا العمل القليل مع ما فيه من المعايب والآفات و
بالثواب العظيم الدائم وضروب الكرامات فاستعظام ذلك من شأن العاقل وثانيها ان
تتفكر في أن الملك الذي من شانه ان يخدمه الملوك والألم إذا اذن في ادخال الهدايا
إليه ووعد عليها بالعطاء العظيم وامر ان لا يستحيى أحد بهديته ولو كانت طاقة بقل
فدخلت عليه الامراء والكبراء والرؤساء والأغنياء بأنواع الهدايا من الجواهر
الثمينة والهدايا النفيسة ثم جاء يقال إليه بطاقة بقل وقروي وبسلة عنب تساوى درهما
أو حبة فدخل بها إلى حضرته وزاحم أولئك الأكابر بهداياهم الجليلة فقبل الملك
من الوضيع هديته ونظر إليها نظر القبول وامر له بأنفس خلعة وكرامة تبلغ مائة
ألف دينار الا ذلك منه غاية الفضل والكرم ثم لو فرض ان هذا الفقير نظر
بخاطره إلى هديته واستعظم أمرها وتعجب بها ونسى ذكر منة الملك لا يكون ذلك
الا يقال هذا مجنون ومضطرب العقل أو سفيه سئ الأدب عظيم الجهل وثالثها ان
159

الملك الذي من شانه ان يخدمه الملوك والامراء ويقوم على رأسه السادات والعظماء ويتولى
خدمته الحكماء وتمشى بين يديه الأكابر والرؤساء إذا اذن لسوقي أو قروي في الدخول
عليه والقرب منه حتى زاحم أولئك السادات والأفاضل في خدمته وجعل له مقاما
في حضرته أليس يقال كثرت على هذا الحقير المنة من الملك وعظمت عليه النعمة فان
أحد هذا الحقير بمن على الملك بتلك الخدمة الحقيرة ويستعظم ذلك مع هذه النعمة
الواصلة إليه ويعجب بعمله أليس ينسب إلى محض السفه والجنون فكيف إلهنا الذي له ملك
السماوات والأرض وقد دان له العاملون ووقف بخدمته الملائكة المقربون والأنبياء
والمرسلون الذي لا يحصى عددهم الا رب العالمين ومنهم النافذة في تخوم الأرض
اقدامهم والواصلة إلى العرش رؤوسهم وهم مع ذلك مطرقون لا يرفعون رؤوسهم
تعظيما لله تعالى ولا يفترون عن ذكر الله ابدا إلى اخر مدتهم فإذا أراد الله ان يميتهم
رفعوا رؤوسهم وقالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ولا يخفى حال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في جده
واجتهاده في عباده ربه ومن بعده من أئمة الذي يخرج ذكر يسيره عن حد الاختصار
إلى نهاية الاكثار وهم مع ذلك معترفون بالتقصير باكون على أنفسهم مزرؤون عليها
ثم انك ترضى من نفسك بصلاة ركعتين محشوة من المعائب وقد وعدت من الثواب
عليها بما لا يخطر بقلب بشر وتعجب بذلك وتستكثره ولا ترى منة الله عليك في
ذلك فما أجهلك من انسان وما أسوأك من رجل وما أسفهك من بشر واما نحن
فلو عقلنا وتيقظنا لأعمالنا لوجدناها إلى كفه السيئات أميل منها إلى كفة الحسنات
لشدة الغفلة وكثرة المعائب وفساد القلوب وتشويش المقاصد اللهم لا تكلنا إلى
أعمالنا ولا تؤاخذنا بتفريطنا واهمالنا واشملنا بفضلك وانسك وخذ بنواصي
قلوبنا إلى جوار قدسك فقد بما سرت وعظيما غفرت وجزيلا أعطيت وجسيما أبليت
160

وأنت ارحم الراحمين وأكرم الأكرمين فما قدمت عليك أيدينا الا صفرا من الحسنات
مملوة بالمعاصي والسيئات وجودك أوسع وأكمل من أن يضيق عمن التجاء إليك واعتمد
بفضلك ورحمتك عليك وأنت دللنا على جودك وهديتنا إلى فضلك وامرتنا بالدعاء
وضمنت الإجابة وأنت الجواد الكريم البحث الثاني في خصوصيات باقي الصلاة
بالنسبة إلى اليومية يختص الجمعة باستحضار ان يومها يوم عظيم وعيد شريف خص الله
تعالى به هذه الأمة وجعله وقتا شريفا لعبادته ليقربهم فيه من جواره ويبعدهم من
طرده وناره وحثهم فيه على الاقبال بصالح الأعمال وتلافي ما فرط منهم في بقية
الأسبوع من الاهمال وجعل أهم ما يقع فيه من طاعته وما يوجب الزلفى والقرب
إلى شريف حضرته صلاة الجمعة وعبر عنها في محكم كتابه العزيز الكريم بذكر الله الجسيم
وخصها من بين سائر الصلوات التي هي أفضل القربات بالذكر الخاص فقال سبحانه
يا أيها الذين امنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا
البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون وفى هذه الآية الشريفة من التنبيهات والتأكيدات
ما يتنبه له من له حظ من المعاني لا يليق بسطه بهذه الرسالة ومن أهم رمزها فنا؟
التعبير عن الصلاة بذكر الله ونبه بذلك على أنه الفرض الأقصى من الصلاة ليس
هو مجرد الحركات والسكنات والركوع والسجود بل ذكر الله بالقلب واحضار عظمته
بالبال فان هذا وأشباهه هو الشر في كون الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر
في قوله تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر إذا كان سببهما القوة التروعبة؟
إذا خرجت عن حكم العقل وهذا كله انما يتم مع التوجه التام إلى الله تعالى و
ملاحظة جلاله الذي هو الذكر الأكبر الكثير على ما ورد في بعض تفسيراته فضلا
عن أن يكون ذكرا مطلقا وإذا كان الاستعداد بهذه المثابة لاجرم وجب الاهتمام به زيادة
161

على غيرها من الصلوات والتهؤ والاستعداد للقاء الله تعالى والوقوف بين يد؟
في الوقت الشريف والنوع الشريف من العبادات واحضر ببالك ان لو امرك ملك عظيم
من ملوك الدنيا بالمثول في حضرته والفوز بمخاطبته في وقت معين إما كنت تتأهب له
بتمام الاستعداد والتهيئة والسكينة والوقار والتنظيف والتطيب وغير ذلك مما
يليق بحال الملك ومن هنا جاء استحباب الغسل يوم الجمعة والتنظيف والتطييب والتعمم
وحلق الرأس وقص الشارب والأظفار وغير ذلك من السنن فبادر عند دخول
الجمعة إلى ذلك بقلب مقبل صاف وعمل مخلص وقصد متقرب ونية خالصة كما تعمل ذلك
في لقاء ملك الدنيا ان لم تعظم همتك من ذلك ولا تقصد بهذه الوظائف حظك
من الرفاهية وتطيب نفسك من الطيب والزينة فتخسر صفقتك ويظهر بعد ذلك
حسرتك وكلما أمكنك تكثير المطالب التي يترتب عليها الثواب بعملك فاقصدها
تضاعف ثواب عملك بسبب قصدها فانووا بالغسل يوم الجمعة سنة الجمعة والتوبة و
دخول المسجد وبالنيات الحسنة والطيب سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وتعظيم المسجد واحترام بيت
الله تعالى فلا يحب ان يدخله زائرا له الأطيب الرايحة وان يقصد به أيضا ترويح جيرانه
ليستريحوا في المسجد عند مجاورته ويقصد به دفع الروايح الكريهة عن نفسه جسما
لباب الغيبة عن المغتابين إذا اغتابوا بالروايح الكريهة فيعصون الله بسببه فقد قيل إن
من تعرض للغيبة وهو قادر على الاحتراز منها فهو شريك في تلك المعصية كما أشار
إليه تعالى بقوله ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم و
إذا حضرت الصلاة فاحضر قلبك فهم مواقع الموعظة واستعد لتلقى الأوامر و
النواهي على وجهها فان ذلك هو الغرض الأقصى من الخطبة والخطيب والمنبر واستماع
الناس وتحريم الكلام خلالها ووجوب الاصغاء إليها فاعط كل ذي حق من ذلك
162

حقه عسى أن تكون من المكتوبين في ديوان الملائكة المقربين الذين يكتبون المصلين
في ذلك اليوم الشريف ويعرضونهم على الحضرة الإلهية ويخلعون عليهم خلع الأنوار
القدسية فقد روى أن الملائكة نقف على أبواب المساجد وبأيديهم قراطيس الذهب
وأقلام الفضة يكتبون الأول فالأول وان الجنان لتزخرف وتزين وان الناس
يتسابقون إليها على قدر سبقهم إلى الصلاة ولا تزال الملائكة يكتبون الداخل
إلى أن يخرج الأنام فإذا اخرج طويت الصحف ورفعت الأقلام واجتمعت الملائكة
عند المنبر يستمعون الذكر وان الناس في المنازل والخطوة على قدر بكورهم إلى الجمعة
فإذا أحضرت هذا ببالك وان الملائكة يستمعون وهم حولك والله سبحانه فاطر
إليك لزمك ارتداء الهيبة وادراع السكينة وتجليب الخشية وعند ذلك نستحق
ان يفاض عليك الرحمة وتحفك البركة وتصير صلاتك مقبولة ودعوتك مسموعة
مستجابة وأكثر في ذلك اليوم من الذكر والدعاء والاستغفار وتلاوة القران والصلاة
على النبي صلى الله عليه وآله والصدقة فان اليوم شريف والفضل فايض والجود تام والرحمة واسعه
فإذا كان المحل قابلا تمت السعادة وحصلت الإرادة وزيادة وتذكران في يوم الجمعة
ساعة لا يرد الله فيها دعوة مؤمن فأجتهد ان تصادفها داعيا أو مستغفرا أو ذاكرا
فان الله يعطى الذاكر فوق ما يعطى السايل وان أمكنك الإقامة في المسجد مجموع
ذلك اليوم فافعل فإن لم يكن فإلى العصر وكن حسن المراقبة مجتمع الهمة عسى ان
تظفر بتلك الساعة فقد قيل إنها مبهمة في جميع ذلك اليوم نظر ان الله تعالى الخلقة
ليحافظوا عليها كما اخفى ليلة القدر في جميع السنة ليحافظوا عليها وروى أنها
ما بين فراغ الامام من الخطبة إلى أن تستوى الصفوف بالناس وساعة أخرى
من اخر النهار إلى غروب الشمس واجعل هذا اليوم خاصة من الأسبوع لآخرتك
163

فعسى ان يكون كفارة واستدراكا لبقية الأسبوع ويكفيك في الاهتمام بالجمعة و
وظايفها ان الله سبحانه جعلها أفضل اعمال بنى ادم بعد الايمان على ما نطقت به
الاخبار وصرح به العلماء الاخبار حيث دلا على أن الواجب أفضل من الندب و
ان الصلاة أفضل من غيرها من الواجبات وان اليومية أفضل من غيرها من الصلوات
وان الصلاة الوسطى من بينها أفضل الخمس والمختار انها الظهر والجمعة أولي
من الظهر فتكون أفضل منها لو أمكن تصور فضلها و ح فتكون أفضل الأعمال
وهذا بيان واضح يوجب تمام الاهتمام بشأنها وأبلغ الخطر في التهاون بها لمن
تدبر وقد نبه على جميع ذلك قوله تعالى بعد الامر بها ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون
وقد وردت الأوامر بقراءة سورتها وسورة المنافقين فيها ليتكرر سماع الحث
عليها فيهما وقد قال في سورة المنافقين بعد أن سماها في سورتها ذكرا يا أيها الذين
امنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم
الخاسرون فكرر هذه الدقايق على فكرك عسى أن تكون من المفلحين واما العيد
فاحضر في قلبك في يوم قسمة الجوائز وتفرقة الرحمة وافاضة المواهب على من قبل
صومه وقام بوظائفه فأكثر من الخشوع والابتهال إلى الله تعالى فيها وقبلها و
بعدها في قبول أعمالك والعفو عن تقصيرك واستشعر الحياء والخجلة من حيرة
الرد وخذلان الطرد فليس ذلك اليوم بعيد من لبس الجديد وانما هو عيد من امن من
الوعيد وسلم من النقاش والتهديد واستحق بصالح أعماله المزيد واستقبله بما استقبلت
به يوم الجمعة من الوظائف والتنظيف والتطيب وغيره من أسباب التهيؤ والاقبال بالقلب
على ربك والوقوف بين يديه عسى ان تصلح للمناجاة والحضرة لديه فإنه مع ذلك
يوم شريف وزمان منيف يقبل الله فيه الأعمال ويستجاب فيه الدعوات فلا تجعل
164

فرحك فيه بما لم تخلق لأجله ولم يجعل عيدا بسببه من الماكل والمشرب واللباس وغير ذلك
من متاع الدنيا البائرة فإنما هو عيد لكثرة عوائد الله تعالى فيه على من عامله بمتاجرة
الآخرة واما الآيات فاستحضر عندها أهوال الآخرة وزلازلها وتكوير الشمس
والقمر وظلمة القيمة ووجل الخلائق والتجائهم واجتماعهم في تلك العرصة وخوفهم
من الاخذ والنكال والعقوبة والاستيصال فأكثر من الدعاء والابتهال بمزيد الخشوع
والخضوع والخوف والوجل في النجاة من تلك الشدائد ورد النور بعد الظلمة
والمسامحة إلى الهفوة والذلة وتب إلى الله تعالى من جميع ذنوبك وأحسن التوبة
عسى ان ينظر إليك وأنت منكسر النفس مطرق الرأس مستحى من التقصير فيقبل توبتك و
يسامح هفوتك فإنه يقبل القلوب المنكسرة ويحب النفوس الخاشعة والأعناق الخاضعة
والتململ من نقل الأوزار والحذر من منقلب الاضرار واما صلاة الطواف
فاستحضر عندها جلالة البيت لجلالة رب البيت واعلم انك بمنزلة الواقف
في حضرة الملك المطلق والحاكم المحفق وانه وإن كان في جميع أحوالك مطلع على
سريرتك محيط بباطنك وظاهرك لكن الحال في ذلك الموضع أقوى والمراقبة
فيه أتم واولى والغفلة ثم أصعب وأدهى وأين المقصر في تعظيم الملك بين ندبه
ولدى كرسيه وبين النائي عنة والبعيد منه وإن كان علمه شاملا للجميع ومحيطا
بالكل فلتزد بذلك في خشوعك واقبالك ولتحذر بسبب ذلك من اعراضك و
اهمالك ومن تم كان الذنب في تلك البقاع الشريفة مضاعفا والحسنة فيها أيضا
مضاعفة وتفكر فيمن سبوا من الأنبياء والمقربين والصالحين فترى اثارهم
وقربهم وما اردتهم عملهم وحبهم من السعادة المخلدة والنعمة المؤبدة المجددة على
مر الدهور مطردة على كل العصور وتاس بهم في الأعمال وكمال الاقبال وليكن
165

ذلك ونظائره مقدمة للصلاة لا مقارنا فان وظيفة الصلاة الاقبال بها خاصة
وترق من هذه المدارج إلى غيرها من شريف المعارج واما صلاة الجنازة
فاحضر عند مشاهدتها و وضعها بين يديك ما قد خلفته من الأهل والأولاد
وتركته من الأموال وقدمت على الله تعالى صفر اليد من الجميع لم يصحبها الا
الأعمال الصالحة وما تاجرته من اعمال الآخرة الرايحة وتتأمل بهجته كيف قد ذهبت
وجلدته كيف قد تحولت وعن قريب يمحو التراب صورته ونزيل الأرض بهجته وما قد
حصل له من يتم أولاده وترمل نسائه وتضيع أمواله وخلو مسجده ومجلسه وانقطاع اثاره
بعد طول امله وكثرة حيله وانخداعه بمواتاة الأسباب وغفلته عن الدخول في هذا التراب
والقدوم على ما ستر عليه في الكتاب وركونه إلى القوة والشباب واشتغال عما بين
يديه من الموت الذريع والهلاك السريع وكيف كان يتردد ويشيع غيره من الأموات
والآن قد تهدمت وجلاه ومفاصله وكيف كان ينطق وقد فسد لسانه وكيف كان يضحك
وقد تغيرت أسنانه وكيف كان يدبر لنفسه ما يحتاج إليه إلى عشر سنين في وقت لم
يكن بينه وبين الموت الأشهر أو أقل وهو غافل عما يراد به حتى جاءه الموت فجأة
في وقت لم يحتسبه فقرع سمعه نداء الجبار إما بالجنة أو النار ولينظر في نفسه انه الان
مثله في غفلته وسيكون كعاقبته فليهض ح إلى الاستعداد وليشتغل باكثار الزاد
فان المسافة بعيدة والعقبة كؤد والخطر شديد والندامة بعد الموت غير نافعة فهذا
الفكر وأمثاله يحصل قصر الأمل والاستعداد لصالح العمل ومحله خارج عن
الصلاة كما مر واما صلاة النذر والعهد ونحوهما فليستشعر قبولها
والرغبة في القيام بها والاهتمام بشأنها وفاء بعهد الله وامتثالا لامره ولا تبرم بها
توهما انها ليست واجبة بالأصالة فقد لحقت بمثلها في العظمة والجلالة وليتمثل
166

في نفسه انه لو عاهد ملكا من ملوك الدنيا على عمل من الأعمال بحيث بكون فعله له بمرأى منه
ومسمع كيف يكون اقباله على عمله واجتهاده في اصلاحه واتقانه وامتلاء قلبه منه و
مراقبته لنظر الملك بمجرد الوعد فضلا عن توكيده بالعهد فلا تجعل نظر الله سبحانه
دون نظر عبيده فان ذلك عنوان النفاق وانموذج الشرك وهكذا يلاحظ
وظيفة كل صلاة بحسبها ويقوم بمزيتها وآدابها ولا يقتصر على ما بيناه من الوظائف
بل يترقى بنظره إلى ما يفتح الله تعالى عليه من المعارف فان أبواب الفيض مفتوحة
وأنوار الجود هابطة مبذولة واصلة إلى النفوس الانسانية على قدر استعدادها
وفقنا الله تعالى وإياكم لتلقى الاسرار وأدرجنا في عداد عباده الأبرار
واخذ بنواصينا إلى رضاه ورحمته وعاملنا بعفوه وكرمه ومغفرته واستعملنا
بما علمناه واشركنا في ثواب من أفدناه فان ذلك منه وبه وله وهو حسبنا ونعم الوكيل
وهيهنا نقطع الكلام في هذه الرسالة حامدين لله تعالى على كل حالة وفرغ
منها مؤلفها العبد المفتقر إلى عفو الله تعالى وكرمه ورحمته
زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي
عامله الله تعالى بفضله يوم السبت
تاسع شهر ذي الحجة وهو
اليوم المبارك
يوم عرفه
سنة إحدى وخمسين وتسعمائة حامدا مصليا مستغفرا من ذنوبه وحسبنا الله ونعم الوكيل
حرره العبد الاثم الجاني محمد حسن الجرفاذقاني يوم السبت سابع شهر ذي الحجة
سنة 1312
167

هذه
رسالة نتايج
الأفكار في حكم المقيم
في الاسفار للشيخ المحقق السديد
السعيد الشهيد الثاني
قدس سره
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
بعد حمد الله تعالى على نعمه العظام وآلائه الجسام والصلاة على حبيبه ورسوله محمد
المصطفى واله الكرام وصحبه والسلام فهذه جملة من الكلام في تحقيق مسألة فقهية
شهيرة في الفتوى عامة في البلوى يعجل بجوابها المتفقه القاصر ويعجز عن كشف حجابها
الفقيه الماهر وانا أرجو بما رقمته في هذه الأوراق ان يقع في يد طالب الحق من أهل الكمال
ومن يعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال فيكون ذريعة له إلى تحقيق المحال وتفصيل ما فيها
من اجمال وهي ان الأصحاب رضوان الله عليهم حكموا بأن المسافر إذا نوى إقامة
عشرة أيام في غير بلده إما على رأس المسافة أو في أثنائها انتقل فرضه من التقصير إلى الاتمام
بمجرد نية إقامة العشرة وافتقر بعد الإقامة بل بعد الصلاة تماما في عوده إلى القصر إلى
قصد مسافة جديدة ان لم تكن في نيته قبل ذلك غير أن الإقامة إن كانت على رأس المسافة
كفى الرجوع إلى بلده في العود إلى القصر ولو كان في أثنائها لم يضم ما بقى من مقصده إلى
الرجوع بل لا يقصر حتى يتحقق الاخذ في الرجوع ومن ثم حكموا بأنه لو قصد مسافة ونوى
في ابتداء السفر الإقامة في أثنائها بحيث لا يكون بين مبدأ سفره وما نوى الإقامة فيه مسافة
168

ولا بينه وبين نهاية مقصده مسافة ففرضه الاتمام في الذهاب وان زاد المجموع على مسافة
ولو فرض انه كان بين مبدأ سفره وموضع الإقامة مسافة وما بين موضع الإقامة ومنتهى
السفر يقصر عنها قصر في ابتداء سفره إلى موضع الإقامة وأتم فيه وفى خروجه إلى نهاية السفر
وقصر راجعا وحكموا أيضا بأنه لو رجع عن نية المقام فإن لم يكن قد صلى تماما أو اتى بما
هو في حكم الصلاة تماما من صوم واجب أو نافلة مقصورة أو غير ذلك عاد إلى القصر بمجرد
رجوعه عن نية الإقامة وان لم يخرج من الموضع الذي نوى فيه الإقامة بل لو أقام فيه
بعد ذلك شهرا مترددا ففرضه القصر وإن كان رجوعه عن نية الإقامة بعد أن صلى تماما أو
حكمها بقى على التمام إلى أن يخرج من المحل الذي نوى فيه الإقامة إلى مسافة جديدة سواء كانت
مقصودة قبل المقام أم لا فهذه جملة مما ذكروه في هذه المسألة واستندوا في هذا
التفصيل إلى روايات عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم سيأتي بعضها لا حاجة لنا الان
إلى ذكرها ثم بعد ذلك اطلقوا القول في مسألة أخرى مشهورة وهي انه لو خرج ناوي
المقام عشرة إلى ما دون المسافة فإن كان عازما على العود إلى المحل الذي عزم فيه على
مقام العشرة وتجديد إقامة عشرة مستأنفة أتم ذاهبا إلى مقصده الذي هو في ما دون المسافة
وفى المحل المقصود وآيبا إلى موضع الإقامة وان عزم على العود من دون إقامة عشرة
مستأنفة بل إما لاكمال العشرة الأولى أو لا فإنه يقصر ذاهبا وآيبا على قول الشيخ والعلامة
رحمهما الله أو آيبا لاغير عند الشهيد والشيخ على وجماعة رحمهم الله وان عزم على مفارقة
موضع إقامة العشرة من غير عود إليه بالكلية فإنه فإنه يقصر بمجرد خروجه لكن بعد
مجاوزة حدود محل الإقامة وهو موضع سماع اذانه ورؤية جداره ولو تقديرا على
قول أو بمجرد الحركة على قول اخر إلى اخر ما فصلوه في هذه المسألة وستقف عليه إن شاء الله
تعالى فهذه جملة مما قرروه في هذه المسألة ولم يفرقوا في اطلاق كلامهم فيها بين
169

كون الخروج المذكور بعد الصلاة تماما في محل الإقامة أو قبله ولابين الخروج قبل اكمال العشرة
أو بعده بل عبروا بعبادات متقاربة تشمل جميع هذه الموارد وبجميع عباداتهم التقييد بكون
الخروج إلى ما دون المسافة وأنت إذا تأملت هاتين المسئلتين وجدت بينهما تخالفا في عدة
مواضع وتحقيق الجميع بينهما يحتاج إلى فضل توضيح وجملة تقييد فان خروج المسافر إلى
ما دون المسافة بعد نية إقامة العشرة إن كان بعد الصلاة تماما فمقتضى ما تقرر في المسألة
الأولى البقاء على التمام سواء في ذلك الذهاب والإياب والمقام لان الفرض كون الخروج
إلى ما دون المسافة وإن كان قبل الصلاة تماما فمقتضاها بل تصريحها التقصير بمجرد الرجوع
عن نية الإقامة سواء تجاوز حدود موضع الإقامة أم لابل ولو لم يشرع في السفر فإنه يرجع إلى
التقصير وان أقام بالبلد شهرا ومما يزيد الاشكال في ذلك تحرير محل الخلاف في القسمين المذكورين
في المسألة الثانية فنحن نقدم البحث عنهما التوضيح الاشكال قبل الشروع في تحقيق الحال فنقول
من أقسام المسألة ان يخرج ناوي المقام بالبلد منه ناويا مفارقته وعدم العود إليه والحال
ان الخروج على الوجه المذكور مفروض في كلامهم إلى ما دون المسافة وقد اختلف في حكمه
فذهب بعضهم إلى أنه يعود إلى التقصير بالشروع في السير لأنه ابتداء السفر وهو موجب للقصر
الا ما أخرجه الدليل الخارجي وهو حدود بلد المسافر ورد بان جميع أقطار البلد سواء في
وجوب الاتمام والحدود من جملة البلد وبان ما ينوى فيه الإقامة المذكورة يصير بحكم
البلد بعد الصلاة ومن ثم يتوقف القصر بعد الرجوع عنها على مسافة جديدة وذهب
آخرون إلى أنه انما يعود إلى التقصير بمجاوزة الحدود وهو ما يسمع فيه اذانه أو يرى جداره
لما تقدم من صيرورة البلد في حكم بلده باعتبار نية المقام فلا يخرج عن حكم التمام الا
بمجاوزته وهذا هو الواضح أقول وفى الاستدلال من الجانبين بحث وفى الحكم بهما
اشكال لان ناوي المقام عشرة ان لم يكن قد صلى تماما في البلد فلا وجه للقولين معا لرجوعه
170

إلى التقصير بمجرد نقضه لنية المقام كما لا يخفى وإن كان بعد الاتمام فقد تقرر انه لا يعود
التقصير الا بقصد مسافة جديدة والمفروض الخروج إلى ما دون المسافة فلا يتجه اطلاق
القول بعوده إلى التقصير سواء تجاوز الحدود أم شرع في السير فان قيل هذا المسافر لما كان غريبا
وانما لحق بالمقيم بسبب نية الإقامة فنقضه لها وخروجه عن البلد المحكوم جناواته لبلده بعد الاتمام
هو موجب لعود حكم السفر إليه أو نقول إنه باعتبار غربته وسفره عائد إلى بلده في الجملة فيضم
الرجوع إلى باقي السفر فيصير أزيد من مسافته قلنا هذا كله ينافي القاعدة المتقدمة وهي
توقف الحكم بالعود على قصد المسافة فان هذا الضم يسقط فرض كون مفارقة بلد الإقامة قد
يكون إلى ما دون المسافة ثم نمنع ثبوت الحكم بعود حكم السفر فان انقطاعه بنية المقام وصلاة
التمام صير ما تقدم في حكم المعدوم فلابد من ثبوت سفر جديد ليتحقق معه الحكم بالقصر والتقدير
عدمه واما ضم الرجوع إلى ما بقى فليس بسديد من وجه اخر لان لكل واحد من الذهاب و
الإياب في السفر حكما مستقلا لا يضم أحدهما إلى الأخر ومن المعلوم ان الهائم وطالب الآبق
والعاصي بسفره ونحوهم لو تجدد لهم في أثناء المسافة قصد صحيح إلى ما دون المسافة لا
يجوز لهم القصر قبل الرجوع وإن كان الرجوع وحده مسافة فضلا عن انضمامه إلى المقصود
مما هو دونها بل انما يقصرون في الرجوع لاغير واللازم من ذلك كله ان هذا الخارج بعد
نية المقام إلى ما دون المسافة لا يقصر حتى يقصد مسافة ولو بالرجوع نحو بلده ليستلزم
قصد المسافة وأيضا فان الأصحاب رحمهم الله تعالى قد صرحوا بان قاصد المسافة لو نوى
في ابتدأ سفره الإقامة في أثنائها في بلد ونحوه عشرة أيام بحيث لا يبقى بعد موضع الإقامة
إلى منتهى سفره مسافة لا يقصر في الذهاب ولو كان كما ذكروه في المسألة لزم القصر بمفارقة
موضع الإقامة في أثناء المسافة بعين ما ذكر فان قيل هذا الخروج وإن كان مفروضا
إلى ما دون المسافة لكنه في قوة الخروج إليها لان المسافر المذكور إما ان يريد الذهاب
171

والتمادي في السفر بعد الموضع المفروض كونه إلى ما دون المسافة أو يريد الرجوع إلى بلده
وعلى التقديرين يحصل قصد المسافة قلنا نمنع الحصر في قصد المسافة بذلك مع كون
المفروض خروجه إلى ما دون المسافة فإنه يجوز ان لا يحصل عنده أحد الامرين بل يقصد
الخروج إلى الموضع الذي هو دون المسافة مع تردده فيما يفعله بعد ذلك أيقيم فيه أو في
غيره أو ينشئ السفر بعد ذلك أو يرجع إلى بلده وهذا أمر صحيح يتفق للعقلاء بان يوقفوا أحد
هذه الأمور على الوصول إلى الموضع المذكور بسبب استعلام خبر ونحوه فمجرد الخروج إلى ما
دون المسافة أعم من قصد السفر والرجوع المستلزم لقصد المسافة وعلى تقدير قصد الرجوع
إلى بلده بعد الوصول إلى ذلك المحل لا يصح الحكم بالقصر الا في العود ليتحقق قصد المسافة
فان قيل لما لم يكن في نيته العود إلى بلد الإقامة بل عزمه المفارقة من غير عود كان
سفره الذي انشاه بعد مفارقة محل الإقامة بمنزلة ذهاب واحد أو عود باعتبار اتصاله
وعدم رجوعه على الطريق الأولى فيعود إلى القصر قلنا هذا أيضا فاسد فان المعروف
كما سيأتي ان لكل واحد من الذهاب والإياب حكما مستقلا والمراد بالذهاب مجموع المسافة
التي بين بلد المسافر ونهاية مقصده واما العود على الطريق الأولى وعدمه فلا مدخل له
في تحقق الذهاب والعود ولو كان عدم العود على الطريق الأولى موجبا لاتحاد حكم
الطريق لزم منه كون قاصد نصف مسافة مع نية العود على غير الطريق الأولى يخرج
مقصرا مع عدم العود ليومه وهو باطل اجماعا وأيضا لا يلزم من فرض الخروج من
بلد الإقامة وعدم العود إليها عدم الرجوع بمجموع الطريق التي خرج فيها بل هو أعم
منه ومن العود إليه مع عدم المرور ببلد الإقامة فلابد من الاحتياج إلى التقييد وقد الحق
بعض الأصحاب بهذا القسم أعني قسم ناوي الخروج مع عدم العود إليه ما لو تردد الخارج على
الوجه المذكور في العود وعدمه وما لو ذهل عن القصد إلى المفارقة أو العود بنية إقامة
172

عشرة أو لا معها والاشكال حاصل في الجميع فان المتردد والذاهل غير قاصد للمسافة التي
هي شرط العود إلى القصر كما اقتضته المسألة الأولى فلا يتحقق الحكم بالقصر لعدم المقتضى إلى أن
يتجدد قصد المسافة وهو خارج عن محل الفرض أو يتحقق الشروع في العود إلى
البلد والفرض أعم منه ومن أقسامها ان يعزم على العود إلى موضع الإقامة مع عدم
إقامة عشرة أخرى سواء أكمل الأولى أم أقام بعضها أم مر على محل الإقامة لاغير وقد اختلف
الأصحاب رحمهم الله تعالى فيه على قولين أحدهما وهو مختار الشيخ ره وفى ط والعلامة ره
وجماعة انه يرجع إلى التقصير في ذهابه ويستمر عليه في مقصده وعوده محتجين على ذلك بأنه قد
نقض مقامه بالخروج من محل الإقامة وليس في نيته إقامة أخرى فيعود إليه حكم السفر و
عبارة المبسوط في الاستدلال انه نقض مقامه بسفر بينه وبين بلده يقصر في مثله وهذا
الاستدلال كما ترى يقتضى ضم الرجوع إلى ما بقى من الذهاب وقد تقدم جملة من الكلام
فيه وذهب جماعة من المتأخرين منهم الشهيد والشيخ على رحمهما الله إلى وجوب التمام عليه
في الذهاب والمقصد والقصر في العود واحتجوا على الحكم الأول وهو وجوب التمام قبل
الرجوع بأنه انما يخرج عن حكم الإقامة بقصد المسافة وهي منتفية في الذهاب
وعلى الثاني بوجود قصد المسافة حيث إنه قاصد إلى بلده في الجملة إما الان أو بعد
سفر اخر والبلد الذي كان مقيما فيه قد ساوى غيره بالنسبة إليه من حين بلوغ محل الترخص
فان قيل هذا آت في الذهاب أيضا لزوال حكم الإقامة ببلوغ حد الترخص وتحقق
عزم المسافة على الوجه السابق كما أشار إليه الشيخ ومن تبعه قلنا المعروف بينهم
ان للذهاب حكما منفردا عن العود فلا يكمل أحدهما بالآخر الا فيمن قصد أربعة
فراسخ عازما على العود في يومه أو ليلته وانما أخرجت هذه بحكم النص ولولا ذلك
لكان المتردد في ثلثة فراسخ ثلث مرات أو في اثنين أربع مرات بحيث لا يبلغ حدود البلد
173

حال عوده يلزمه القصر وهو بط بل كان نحو طالب الآبق يلزمه التقصير بعد المنزل الذي يبلغ ما
قصد سيره مع عود إلى بلده ثمانية فراسخ وهو بط اتفاقا وانما يلزم التقصير بعد عزم العود
وبلوغ المسافة إما قبله فلا ولو زاد على المسافة اضعافا بل لم يكن للتقييد بقصد العود
ليومه أو ليلته فيمن قصد أربعة فراسخ معنى أصلا إذ لو اعتبر تكميل الذهاب بالعود صدق
عزم المسافة فيمن قصد الرجوع من غده وهو معلوم البطلان هذا أقصى ما قرروه في
الاحتجاج على هذا المط أقول وهذا البحث مع بودقه ورجحانه على ما ذكر في القول
الأول لا يصح على اطلاقه فان المحل الذي نوى فيه الإقامة قد يكون على رأس المقصد وقد
يكون دونه وعلى التقديرين فالمقصد الذي خرج إليه بعد نية الإقامة وهو دون المسافة
قد يكون إلى جهة بلده الذي يريد الرجوع إليه في نفس طريقه وقد يكون مخالفا له في الجهة
وما ذكروه من تحقق الرجوع بمفارقة المقصد الذي خرج إليه بعد الإقامة لا يتم في جميع
هذه الموارد فان المقصد لو كان في بعض الطريق التي سلكها في بلده بحيث يكون الخروج
إليه بعد نية الإقامة بصورة الرجوع إلى البلد ورجوعه منه بصورة الذهاب كيف يفرض
كون الرجوع من محل هذا شانه رجوعا إلى بلد المسافر وهو على طرف النقيض للرجوع
ومثله ما لو لم يكن المقصد الذي خرج إليه على طريق بلده ولكنه يقرب إليه بالخروج إلى
المقصد ويبعد عن بلده بالرجوع إليه ففي هذه الموارد لا يتم ما ذكروه ولا يتوجه ما
حكموا به من القصر بالأخذ في الرجوع إلى موضع الإقامة بل اللازم من المسألة الأولى
التي صدرنا بذكرها الرسالة بقاؤه على التمام في هذه الموارد ذهابا وإقامة في المقصد
وعودا إلى محل المقام وفى المقام فيه وان قصر عن العشرة حتى يتحقق قصد المسافة
ولو بتوجهه نحو بلده بالسفر لعدم تحقق قصد المسافة بدون ذلك ومثله القول فيما
لو كان محل الإقامة في أثناء المسافة أو في أثناء طريق المقصد الأول وإن كان بعد
174

بلوغ المسافة وكان الخروج من محل الإقامة إلى جهة تخالف جهة بلده بحيث يتحقق صورة
الرجوع بالعود منه إلى محل الإقامة وإن كان ذلك مقابلا لجهة بلده فان المسافر ما دام عازما
على الزيادة في السفر عن محل الإقامة والبعد عن البلد لا يتحقق منه الرجوع وان حصلت
صورة التوجه نحو البلد فان ذلك ليس رجوعا لغة ولا عرفا ولو صح خلاف ذلك لزم
من انحراف طريق المسافر في أثناء السفر بحيث يقرب في حال من الأحوال إلى بلده عما كانت
في حالة سابقه تحقق الرجوع والحكم بالتمام إن كان ذلك قبل بلوغ المسافة وكذا لو
رجع إلى بعض الطريق لاخذ شئ نسيه وإن كان الرجوع إلى مكان قد أقام فيه العشرة و
نحو ذلك مما يقطع فيه بكونه ليس رجوعا وإن كان أيسر إلى جهة البلد فعلم من ذلك أن
الرجوع لا بتحقق الا بالوصول إلى مقصده ثم الخروج عنه إلى نحو البلد قاصدا
إليه أو بالرجوع عن السفر قبل الانتهاء إلى المقصد والشروع في العود لا بمجرد القرب نحو
البلد بغير ذلك وإن كان بصورة الرجوع تنبيه علم من ذلك أن المسافر لو كان
طريق مقصده مستديرا بحيث لا يصل إليه الا بعد القرب إلى بلده بعد انتهاء البعد عنه
فان ذهابه مجموع المسافة التي بين البلد ومقصده وان زاد عن نصف المسافة بكثير و
رجوعه من حين انفصاله عن موضع القصد إلى البلد ولان ذلك هو المتعارف ولو فرض
تعدد المقاصد كان منتهى الذهاب اخرها الا ان يتحقق الرجوع عرفا قبل الأخر فيكون
هو السابق وهكذا وهذا كله يقرب من مسألة البلد ذي الطريقين فإنهم قد حكموا
فيها يكون الذهاب إليه لا يضم إلى العود حتى لو كان طريق العود خاصة يبلغ المسافة
فصر فيه خاصة ولو انعكس الفرض قصر فيهما ومسألة الاستدارة جزئي من جزئيات
هذه وهذه مسألة نجر البحث إليها وحسن التنبيه عليها فهذه الفروض كلها خارجة
عن القولين مخالفة لحكم ما ذكروه مقيدة لما اطلقوه وانما يتوجه ما ذكروه في القول
175

الثاني ان لو كان محل الإقامة في غاية مقصده أو قريبا منها بحيث لا يخرج عن وضعها ويكون
خروجه بعد نية الإقامة منه إلى ما يخالف جهة البلد ويبعد بالسير إليه عنها وان لم يكن
على حد المقابلة ليتحقق من العود من مقصده الثاني الذي هو دون المسافة العود إلى بلدة
في الجملة لانتهاء غرضه من السفر الموجب لقطع المسافة في جانب البعد وان بقى منه ما يمكن
استدراكه بالتدرج في طريق الرجوع ولو بإقامة عشرة أيام فهذه جملة من الاشكال
الواردة على المسألة الثانية إذا أخذت مطلقة كما هو المفهوم والمعمول عليه بين الناس بحيث
لو ادخل الانسان عنقه في ربقة التقليد الصرف لم يتم له ذلك لمخالفة المسألة الأولى
في هذه الموارد فترجيح المقلد لاحديهما دون الأخرى بعيد عن مقاصد الله سبحانه ورسوله
وأئمة بقواعد الشريعة المطهرة فان قيل أكثر هذه الاشكالات انما يتم
على القول بان المصلى تماما بعد نية الإقامة انما يعود إلى القصر بالسفر إلى المسافة
وهذه دعوى لم يقم عليها البرهان كيف وعباراتهم دالة باطلاقها على تعليق العود إلى
القصر بالخروج ولا يحتاج إلى نقلها فان مراجعتها في ذلك سهلة وكذلك رواية أبى
ولا دالتى هي مستند الحكم تدل بظاهرها عليه فإنه قال فيها بعد أن ذكر نية إقامة العشرة
في المدينة فصليت فيها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك ان تقصر حتى تخرج منها
و ح فلا يتوجه الاشكال بان فرض الخروج ما دون المسافة يقتضى التمام وان لم
ينو بعد العود إقامة عشرة مستأنفة وكذا نظائره من الانظار المتقدمة ويؤيد
إرادة هذا المعنى حكم الشيخ والعلامة بالقصر في الذهاب أيضا لمن لم ينو إقامة العشرة
المستأنفة بعد العود فيكون مذهبهم في ذلك مبنيا على ما ذكر هنا من عدم اشتراط
الخروج إلى مسافة بعد الصلاة في العود إلى القصر قلنا هذا الاحتمال وهو
الاكتفاء في العود إلى القصر بمجرد الخروج وان لم يكن إلى مسافة لا يصح على القولين إما
176

عند القائلين باختصاص الحكم بالقصر بالعود من الخروج إلى ما دون المسافة بعد نية العشرة
كالشهيد ره ومن تبعه فظاهر لتصريحهم في التعليل والفتوى باشتراط المسافة إما
التعليل فقد تقدمت الإشارة إليه بقولهم في الاستدلال بان المسافر انما يخرج عن
حكم الإقامة بقصد المسافة وهي منتفية في الذهاب واما الفتوى فقد قال الشهيد ره
في الدروس ولو خرج بعد عزم الإقامة وقد صلى تماما اشترط مسافة أخرى وقال في
البيان بعد ذكر نية القام عشر أو التردد ثلثين إذا أتم صلاة وإذا خرج بعدها اعتبرت
المسافة ح وقال في الذكرى بعد ذكر قطع السفر بعزم اقامه العشرة ثم إن كان نية المقام
على ما دون المسافة اشترط مسافة جديدة في خروجه منه وإن كان على مسافة فكذلك
غير أنه يكتفى هنا بالرجوع في القصر انتهى واما القائلون بالعود إلى القصر في الخروج
كالشيخ والفاضل فإنهم وان اطلقوا تعليق لقصر على الخروج لكنهم قد صرحوا في مسائل
متعددة بكون ما بقى من مسافة الذهاب لا يضم إلى العود ولا يقصر فيه الا إذا كان مسافة
ومما صرحوا فيه بذلك قولهم إنه لو نوى في ابتداء السفر إقامة عشرة في أثنائه اعتبر
من موضع خروجه إلى موضع نوى فيه الإقامة فإن كان يبلغ المسافة قصر في خروجه
إلى موضع الإقامة والا فلا ثم يعتبر ما بعد موضع الإقامة وغاية السفر فإن كان أيضا
يبلغ المسافة قصر والا فلا وهد احكم قد صرح به الفاضل في كتبه والشيخ ره فلا فائدة
في نقله وكذلك اتفقوا جميعا على أن من لم يربط قصده بالمسافة كطالب الآبق لا
يقصر في الذهاب وان تمادى في السفر ومن افراده ما لو بلغ المسافة في ذهابه ثم عزم
بعد ذلك على الوصول إلى ما دون المسافة ثم العود فإنه لا يقصر الا في الرجوع
لاغير وبالجملة فمتى تحقق القصد اعتبر المسافة ح وبدل على اشتراط قصد المسافة
في العود إلى القصر في المسألة المبحوث عنها من كلامهم حكمهم بان ما نوى فيه الإقامة في حكم
177

بلد المسافر فكما ينقطع سفره بالوصول إلى بلده كذلك ما نوى فيه الإقامة كذا لو نوى
الإقامة في بلد قبل الشروع في السفر اعتبرت المسافة بين مبداه وبينه كالبلد إلى غير ذلك من الاحكام
وكما يتوقف القصر بالخروج من البلد على المسافة فكذا ما هو في حكمه خرج من هذا المساواة ما
لو خرج عن النية قبل الصلاة تماما أو ما في حكمها بالنص عليه فيبقى الباقي ويدل عليه من جهة
الاعتبار ان السفر لما انقطع حكمه بنية الإقامة مع الصلاة تماما صار كان الماضي لم يكن
فلابد في العود إليه من اجتماع شرائطه التي من جملتها قصد المسافة وكل خبر دل على اشتراط
قصد المسافة يصلح للدلالة هنا وأكثره صريح في اعتبار الذهاب لاغير ومن ثم يستثنون
منها الراجع ليومه كقول الكاظم عليه السلام في رواية سليمان بن حفص المروزي التقصير في الصلاة
في بريدين أو بريد ذاهبا وجائيا ويؤيده أيضا الأصل وهو الحكم بالتمام وبيانه من وجهين
أحدهما انه كان فرضه التمام بنية الإقامة وبطل حكم القصر فيجب استصحاب الحكم بالتمام إلى أن
يثبت المزيل له وهو السفر إلى المسافة وهذا المعنى إحدى المعاني الأربعة للأصل كما حقق
في الأصول والثاني القاعدة المستمرة وبيانها ان الأصل في الصلاة التمام والقصر طار
قال الله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة فيجب
العمل بهذا الأصل واتمام الصلاة إلى أن يثبت القصر بالضرب في الأرض إلى المسافة الذي
هو محل الوفاق و ح يضعف حكمهم في المسألة الثانية بالعود إلى القصر بالخروج لمن نوى إقامة
عشرة بعد أن صلى تماما ولم يعزم على إقامة مستأنفة بعد العود ثم لو فرض انهم قائلون
في المسألة الأولى بعدم اشتراط السفر إلى المسافة ورد عليهم ما تقدم من حكمهم باشتراطها
في نظائر هذه المسألة ثم يطالبون بالدليل على القصر فإنه على خلاف الأصل مع أنك قد
عرفت انه لو سلم ذلك كله لهم لم يزل الاشكال عن المسألة التي نحن بصدد البحث عنها وتناقض
الاحكام بين المسئلتين وان زال بعض ما تقدم من الاشكال واما الرواية فاطلاق الحكم في
178

تعليق القصر على الخروج فيها صحيح فان أبا ولادكوفئ وسؤاله كان عن الإقامة بالمدينة فخروجه عنها إلى بلده يوجب القصر ولو سلم كون الخروج منها أعم من الخروج إلى بلده أمكن حملها على
إرادة الخروج إلى المسافة الذي هو مقتضى القصر فان حملها على اطلاقها ينتقض في موارد لا
يتم عندهم أيضا وكذا يحمل عليه ما اطلق من كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى فان الشهيد ره مع تصريحه
باشتراط المسافة علق الحكم بالقصر في بعض عباراته على الخروج من غير تفصيل قال بعض
الأفاضل هذا الحكم والاشكال مبنيان على أن الذهاب لا يضم إلى الإياب مطلقا وذلك
موضع النظر وانما يستقيم عدم الضم فيما إذا كان لأحدهما تأثير في تكميل الأخر باعتبار
حصول المسافة منهما ولو لم يكن كذلك لزم ان يكون المسافر الذي يقطع المسافة البعيدة
ويكرر قطع بعض الأمكنة لأجل مصلحة متمما حال الذهاب إلى هذا البعض مع أنه يصدق
عليه حال الذهاب انه مسافر وليس من المواضع التي يجب عليه الاتمام فيها بالنص والفتوى
فيجب القصر لعموم قوله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة
وقول أبى عبد الله عليه السلام الصلاة في السفر ركعتان الخ و ح فلا يرد النقض بما تقدم من حكم
المتردد في ثلث فراسخ ثلث مرات وطالب الآبق الذي يجتمع من عوده وبقية ذهابه مسافة
الخ أقول انك إذا تدبرت ما أسلفناه من الكلام ظهر عليك جواب ما اورده في
هذا المقام فان الحكم بعدم ضم الذهاب إلى الإياب سواء توقف تحقق المسافة على الضم أم لا
قد قررناه ونقلناه من كلام الجماعة على الخصوص وان من جملته مسألة ذي المنازل إذا
كان المجموع مسافات متعددة فإنه يعتبر ما بين كل منزلين ويعتبر أيضا ما بين اخر المنازل
وغاية السفر ولا يضم إلى العود مع أن مفروضهم فيه كون العود أزيد من المسافة ومثله ناوي
الإقامة ابتداء في أثناء المسافة ولو كان كما ذكره هذا الفاضل لما اقتصر إلى اعتبار ما
بين اخر المنازل ونهاية المقصد ومن خالف في مسئلتنا كالعلامة ره وافق على حكم مسألة
179

ذي المنازل ونحوه ثم نقول كون كل واحد من الذهاب والإياب له حكم برأسه أمر مجمع
عليه في الجملة ثابت اعتباره في القصر وعدمه قطعا فتخصيص هذا الامر المجمع عليه ببعض
موارده الا وجه له خصوصا مع ما قد حكيناه عنهم مما يقتضى المساواة بين الفرضين في مخالفة
حكم الذهاب للعود واما الاستدلال على ذلك بالآية والخبر فنقول ان الحكم وإن كان معلقا
على مطلق الضرب لكنه مخصوص بقصد المسافة في الذهاب إلى غاية المقصد اجماعا ولا اثر
لضم الرجوع في تحقق المسافة فيما عد المنصوص فالكلام في قوة هذا الاشتراط ولما كان
الاتمام بعد نية إقامة العشرة يقطع السفر السابق ويوجب عدم العود إلى القصر الا بقصد
المسافة وجب الحكم بذلك هنا وكانت الفتوى والدلالة متطابقتين على ذلك في غير صورة
النزاع فيجب المصير إليهما فيه أيضا لأنه بعض افراد المسألة مضافا إلى ما أسلفناه من الأصل
المقتضى للبقاء على التمام الذي قد اتفق عليه بالاتمام بعد نية الإقامة إلى أن يحصل
المزيل شرعا وهو قصد المسافة ومن هنا ظهر الفرق بين ما قصر عن المسافة من الذهاب في
هذه المسألة وبين ما يتكرر من قطع بعض الأمكنة للمسافر فان المسافر لما قصد المسافة و
شرع في السفر بحيث تجاوز حدود محله صار حكمه القصر ما دام مسافر إلى أن يحصل له أحد الأمور
الموجبة لقطع السفر من إقامة وغيرها ففرضه في تردده المذكور القصر لعدم الموجب للاتمام
بل لو أقام أياما متعددة ففرضه القصر فضلا عن التردد على هيئة المسافر وهذا بخلاف
مسألة الخارج بعد الإقامة بل هو على الضد منه لان هذا قد صار فرضه التمام وانقطع سفره
فيحتاج إلى أن يقصد مسافة جديدة ولم يحصل بعد فيبقى على التمام فقد ظهر بذلك إذ
قوله إنه مسافر وليس هذا من المواضع التي يجب فيها الاتمام بالنص الفتوى في موضع
النظر بل يقال هذا من المواضع التي يجب فيها الاتمام بالنص والفتوى لعدم تحقق موجب
القصر الذي هو قصد المسافة في الذهاب كما هو المعروف في كل سفر فيجب الاتمام إلى أن يتحقق قصد
180

المسافة ولو بالرجوع لزوال حكم السفر السابق فيدخل في عموم النصوص الكثيرة الدالة على اشتراط
قصد المسافة في الذهاب خاصة ومما ذكره الأصحاب في انقطاع حكم كل واحد من الذهاب والإياب
عن الأخر وان لم يتكمل أحدهما بالآخرة مسألة البلد ذي الطريقين اللتين إحديهما مسافة
والاخرى غير مسافة فإنهم حكموا فيها بأنه لو قصدوا لا البعيدة قصر مطلقا لتحقق قصد المسافة
في الذهاب فيبقى على القصر إلى أن يتحقق المزيل وهو أحد الأمور المشهورة التي أحدها الوصول
إلى البلد فيقصر في العود وإن كان دون المسافة وان سلك الأقرب أولا بقى على التمام فيها و
في البلد ويقصر في الرجوع على الابعد خاصة ولا يضم إحديهما إلى الأخرى وهذا كله واضح
وقد اتضح لك بحمد الله تعالى ما بين المسئلتين من الاختلاف وما اشتملتا عليه من الاحكام
المتعارضة على تقدير اخذهما مطلقتين ولم أظفر إلى الان لاحد من الأصحاب بكلام في
مصنف ولا تعليق يقتضى البحث عن ذلك ولا الإشارة إلى ما يوجب الغبار على شئ منهما
بل كأنهما متلقاتان بالقبول معدودتان في مسائل السفر من مسائل الأصول نعم وقفت
لبعض المتأخرين على تنبيه يسير عند وقوفه على قولهم إنه لو خرج ناوي الإقامة إلى ما دون
المسافة عازما على العود من دون الإقامة المتجددة أو على المفارقة فإنه يعود إلى القصر
على اختلاف في ابتدائه وحاصله انه ينافي قولهم إن ناوي المقام عشر إذا صلى تماما لا
يعود إلى القصر الا بالخروج إلى المسافة ثم أجاب عن التناقض بحمل المسألة المعترض عليها با
الخروج من موضع الإقامة إلى ما دون المسافة قبل الصلاة تمام ليتم القولان وهذا
محمل فاسد قد عرفت فساده مما تقدم فان الخروج قبل الصلاة تماما لا يتوقف رجوعه إلى
القصر على الخروج ولا يجرى فيه الخلاف بالعود إلى القصر بتجاوز حدود البلد وهو موضع
خفاء الجدران والاذان أو بمجرد المفارقة فان الرجوع عن النية قبل الصلاة يوجب العود
إلى القصر وان لم يخرج بل وان بقى في البلد شهرا كما مر وأيضا لا يستقيم على هذا التأويل
181

قول الشهيد ره ومن تبعه انه يعود إلى القصر في بعض أقسام المسألة بالرجوع من المقصد الذي
هو دون المسافة لا بالذهاب فان ذلك كله لا يتم الا مع الخروج بعد الصلاة تماما وبالجملة
فلابد من فرض المسألة بجميع أقسامها في كون الخروج بعد الصلاة تماما أو ما في حكمها و
ان اطلقه الأصحاب ويبقى الكلام بعد ذلك في المسألة ونحن الان نشرع في تحقيق ما تحصل
لنا في المسئلتين وتحرير ما يوجب الاعتماد عليه في أقسامها ولنقدم الكلام في بيان أصل المسئلتين
ليصير الناظر فيهما على بصيرة إذا وجد في إحديهما تقييد المطلق أو تخصيصا لعام فان اصليهما ليسا
متساويين في القوة حتى يحصل التوقف في ترجيح إحديهما على الأخرى فنقول
إما المسألة الأولى فقد ذكرها الأصحاب في كتبهم المختصرة والمطولة واتفقوا
على العمل بمضمونها ومستندها بعد الاتفاق عليها ما رواه الشيخ في يب باسناده إلى
أبى ولاد الحناط بالنون المشددة بعد الحاء المهملة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام انى كنت
نويت حين دخلت المدينة ان أقيم بها عشرة أيام فأتم الصلاة تم بدء إلى العود بعد أن أقيم
بها فما ترى أتم أم اقصر فقال إن كنت دخلت المدينة فصليت بها صلاة فريضة واحدة
بتمام فليس لك ان تقصر حتى تخرج منها وان كنت حين دخلتها على نيتك التمام فلم
تصل فيها صلاة فريضة واحدة على التمام حتى بدالك ان لا تقيم فأنت في تلك الحال
بالخيار ان شئت فانو المقام عشرا وأتم وان لم تنوي المقام فقصر ما بينك وبين شهر فإذا
مضى لك شهر فأتم الصلاة فهذه الرواية قد دلت على أن الرجوع قبل الصلاة موجب
للعود إلى القصر وان بقى في البلد شهرا وإن كان الرجوع بعد الصلاة لم تؤثر نية الرجوع
في العود إلى القصر وبقى على التمام إلى أن يخرج والمراد به إلى المسافة كما مر وكما يدل
عليه حال السائل والبلد وهذه الرواية والفتوى شاملة لما لو كان في نيته بعد الخروج معارقة
ذلك البلد أمدا أو العود إليه من غير إقامة العشرة أو مع الشك في العود أو في الإقامة أو غير ذلك
182

من محتملات الحال وقد تقرر في الأصول ان ترك الاستفصال في محتملات السؤال الباحث عن
حكاية الحال يقتضى عموم الحكم بحسب ما اقتضاه اطلاق المقال فان اشترط في الخروج قصد
المسافة لزم من ذلك البقاء على التمام إلى أن يقصدها سواء عزم على العود إلى موضع
الإقامة وتجديدها أم لا وان لم يشترط المسافة لزم العود إلى القصر بالخروج سواء عزم
على العود أيضا أم لا نعم يتخرج من ذلك على الوجهين ما لو عزم على العود وإقامة عشرة
مستأنفة فإنه يتم مطلقا لخروجه من بلد فرضه فيه التمام إلى ما دون المسافة ثم عوده
إلى ما يجب فيه التمام لسبق نية إقامة العشرة فيه فلا وجه للقصر وقد يجئ على احتمال التلفيق
في الذهاب والإياب اشتراط قصور منتهى الخروج بعد نية الإقامة عن نصف مسافة حذرا
من اجتماع مسافة من الذهاب والعود الا ان هذا خيال فاسد لا اعتبار به واما
المسألة الثانية فلم نجد عليها نصا على الخصوص ولا ادعاه مدع من الأصحاب
الذين تعرضوا لبيان مستند المسائل وانما ذكر أصلها الشيخ في ط في فرض مخصوص على سبيل التفريع على المسألة الأولى كما هي عادته في الكتاب كما أشار إليه في خطبته انه بفرع على المنصوص
لتكثير المسائل الشرعية لينبه المخالفين على أن ابطالنا القياس لا يوجب قلة فروعنا
وبزارة فقهنا بزعمهم كما بينه في أول الكتاب قال فيه ما هذا لفظه إذا خرج حاجا إلى
مكة وبينه وبينها مسافة يقصر فيها الصلاة ونوى ان يقيم بها عشرا قصر في الطريق
فإذا وصل إليها أتم وان خرج إلى عرفة يريد قضاء نسكه لا يريد مقام عشره أيام إذا
رجع إلى مكة كان القصر لأنه نقض مقامه بسفر بينه وبين بلده يقصر في مثله وإن كان
يريد إذا قضى نسكه مقام عشرة أيام بمكة أتم بمنى وعرفه ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا
فيقصر هذه عبارته وهي على ما يظهر أول ما ذكره الأصحاب في هذه المسألة لما بيناه من
عدم نص خاص عليها وعدم سبق كتاب للأصحاب في التفريع على النصوص قبل ط ومن ثم
183

لم يذكرها الشيخ في به ولا في غيرها من كتب الأصول ثم تبعه المتأخرون على ذلك وان
عمموا العبارة من غير تخصيص بمكة شرفها الله تعالى وخالفه بعضهم في الحكم بالقصر في
الذهاب إلى عرفة على تقدير عدم غرم الإقامة في العود كما تقدم ومنهم الشهيد ره في مختصر به
ونقحوا المسألة بما حكيناه سابقا وفى الذكرى ذكرها منسوبة إلى الشيخ بلفظ المبسوط
الذي ذكرناه وذكر اتباع المتأخرين له على ذلك ولم يرجح فيها شيئا ولا تعرض للحكم بنفي
ولا اثبات وفيه دلالة على التمريض وايماء إلى عدم النص في المسألة لأنه في الكتاب لا يخلى
المسألة من دليل نقلي مع امكانه وأنت إذا تأملت ما ذكره الشيخ ره وجدته سليما عن كثير
مما أوردناه على عبارة المتأخرين فان مقصده بعد مفارقة موضع الإقامة زائد على
المسافة التي بين بلده وموضع الإقامة ومقابل له في الجهة فيسقط الايراد بان الخروج
قد يكون نحو البلد والرجوع إلى موضع الإقامة يكون بصورة الذهاب من البلد ولا
يتم قولهم إنه يقصر في الرجوع مطلقا وكذا يسقط ما ورد من أن الرجوع إلى بلد الإقامة
قد يكون بنية الرجوع وإن كان إلى جهة بلده فان عرفة لا يتعلق بها للحاج الغريب
غرض بغير النسك وهي منتهى السفر فإذا عاد منها إلى مكة فقد حصل ابتداء الرجوع
إلى بلده وان حصل له في مكة إقامة اللهم الا ان يكون طريق بلده يمر على عرفة بغير فصل
فينتفى الايراد الا ان ما ذكره مبنى على الغالب وغير ذلك من الايرادات نعم يبقى فيه حكمه
بالقصر عند خروجه إلى عرفة مع عدم نية الإقامة الجديدة في مكة فان مختار الشهيد ره
في ذلك من اختصاص القصر بالرجوع أوضح لعدم المسافة بين عرفة ومكة وانقطاع
ما تقدم منها بنية الإقامة والصلاة تماما وما زاد على الكلام على الذهاب منصب
على عبارة المتأخرين لسلامة مثال الشيخ ره عنه لا على الوجه النادر المتقدم وحيث
عرفت ان المسألة الأولى منصوصة بنص صحيح واضح متلقى بالقبول متفق على ما تضمنه
184

من الحكم وكانت الثانية ليست بهذه المثابة وانما هي تفاريع وأقسام استخرجها المجتهدون
بانظارهم وكل وصل منها على حسب ما اتاه الله واختار فيها ما فتح الله عليه حتى أن الواحد
منهم اضطربت فتواه في بعض أقسامها كما ستقف عليه كان للنظر في أقسامها وللبحث في تفصيلها
مجال والجمع بينها وبين الأولى بتقييد مطلقها لازم فلنشرع الان في ذكر أقسامها حسب ما
قرروه ونذكر في كل واحد منهما ملخص ما اختاروه ثم نذكر ما عندنا فيه حسب ما تقدم
بحثه فنقول إذا خرج ناوي المقام عشرة إلى ما دون المسافة بعد أن صلى تماما
فلا يخلوا ما ان يعزم على العود والإقامة عشرة أخرى مستأنفة أو على المقام دونها
أو على العود من غير إقامة أو على المفارقة من غير عود أو يتردد في الإقامة وعدمها أو في
العود وعدمه أو يخرج ذاهلا عن جميع ذلك فالصور سبع الأولى ان يعزم على
العود تجديد إقامة عشرة مستأنفة وقد حكم الأصحاب هنا بأنه يتم ذاهبا وفى مقصده
وعائد أو وجهه انه خرج من موضع يلزمه فيه الاتمام بسبب تقدم نية الإقامة إلى موضع
يلزم فيه الاتمام لكونه دون المسافة ثم العود إلى موضع يلزمه فيه الاتمام بسبب تقدم
نية الإقامة فيه بعد الرجوع إليه فلا موجب للتقصير ويرد على من حكم عليه بالتقصير في
الخروج لو لم ينو إقامة العشرة في العود ما لو كان الخروج إلى نصف مسافة فما زاد
فإنه ح يجتمع من الذهاب والعود إلى موضع الإقامة مسافة فيلزمهم القصر هنا
وان لم يعترفوا به لان مذهبهم ذاك يستلزم ضم الذهاب إلى العود وحيث كان ذلك
ضعيفا بل لاوجه له أصلا ثبت ما حكموا به هنا من التمام والفرق بين الذهاب المنضم
إلى عود يتحقق المسافة بمجرد العود وبين غيره لا دليل عليه كما مر ومسألتهم أعم منها
أيضا نعم يرد على تخصيصهم إقامة الشعرة بموضع الإقامة أولا ايهام اختصاص الحكم به
وليس كذلك بل لافرق بين كون نية الإقامة في تلك البلد أو غيرها مما يقصر عن المسافة
185

لما قد عرفت من التعليل وكلام الشيخ سالم عن ذلك لأنه فرض المسألة في مثال خاص يتفق
وقوعه كثيرا للجاج فيمكن استخراج غيره منه واما الأصحاب فإنهم ذكروه على وجه الضابط
فهو محل الفهم ومطرح الفهم الثانية ان يعزم على العود والمقام دون عشرة
مستأنفة بل إما مع اكمال الأولى أولا معه وقد تقدم ان الشيخ والفاضل وجماعة حكموا با
القصر في الذهاب والإياب لنقضه المقام بالمفارقة فيعود إلى حكم السفر والقول بالقصر
هنا في الذهاب غير واضج لفرض كونه إلى ما دون المسافة بل تيم فيه وذهب الشهيد ره
وجماعة إلى القصر في العود خاصة وقد تقدم في توجيه ان الرجوع يستلزم قصد
المسافة في الجملة لأنه قاصد بلده ولو بعد إقامة أيام وهذا تيم مع كون المحل الذي
خرج إليه مقابلا لجهة بلده أو مخالفا لها بحيث يكون منتهى السفر كما مثله الشيخ في عرفة
ومكة فان العود من عرفة يقضى الرجوع إلى البلد الحاج في الجملة لأنها غاية السفر بالنسبة
إلى بلد المسافر غالبا ولا تيم فيما لو كان الخروج من موضع المقام إلى جهته بلده فان العود ج
إلى موضع الإقامة لا يعدو جوعا إلى البلد فلا تيم قصد المسافة من هذه الجهة بل اللازم
هنا ان يقال إنه تيم ذاهبا قطعا لأن المفروض كون السفر إلى ما دون المسافة ثم ينظر في
العود فإن كان إلى موضع الإقامة لا غير إما مع عزم عدم التجاوز إلى تمام المسافة بالنسبة إلى
مبدأ العود ومع الذهول عن الزيادة عن محل الإقامة أو مع التردد فيها وهذا فرضه التمام
في العود أيضا كما في المسألة الأولى لعدم نحقق قصد المسافة الذي هو شرط القصر ولم
يصدق العود إلى البلد بل صدق ضده وهو زيادة البعد عنه في العود من المقصد إلى موضع
الإقامة إلى منتهى المقصد فإنه يقصر في الرجوع كما ذكروه لصدق قصد المسافة وإن كان
في نيته الإقامة في أثنائها لأن المفروض كون الإقامة دون عشرة أيام فلا يقطع السفر و
وكذا لا يتم فيما لو كان عوده إلى موضع الإقامة بغير نية العود إلى البلد فان هذا العود
186

لا يصدق عليه اسم الرجوع إلى البلد بحيث يلحقه حكمه وقد مر تحقيقه فان قيل ما ذكر تم
وإن كان متوجها الا انه لا يجوز العمل به لعدم لعلم بقائل به من الأصحاب بل أقوالهم في
هذا القسم منحصره في قولين أحدهما القصر مطلقا والثاني القصر في العود مطلقا فالتفصيل
بالتمام في بعض أقسام العود دون بعض يوجب احداث قول ثالث رافع لما وقع عليه
الاجماع المركب من قولين قلنا لانم عدم القائل به بل المدعى ان القائل به أكثر من
القائل بأحد القولين وذلك لما تقرو من أنهم قد أسلفونا قاعدة كلية هي ان كل من نوحي
إقامة عشرة أيام في موضع وصلى فيه تماما ثم بدا له في الإقامة فإنه يبقى على التمام إلى أن
يقصد مسافة جديدة وما ذكرناه هنا من افراد هذه القاعدة وإن كان ظاهر هم
انها مسألة برأسها فالمخالف هنا موافق لنا في المعنى فضلا عمن تعرض من الأصحاب لبحث
المسألة الأولى دون الثانية وتفاريعها وهم جماعة من المتقدمين والمتأخرين الذين
وقفت على كلامهم مع قلة وقوفي على كلام السابقين لخفاء مصنفاتهم وذلك كأولنا
وزيادة مع انا قد أسلفنا ما فيه من النص والاعتبار الموجبين لرد ما خرج عنهما إليهما
الثالثة ان يعزم على العود إلى موضع الإقامة من غير إقامة جديدة وفيه القولان
المذكوران ويرد عليهما ما أوردناه حجة وجوبا والحكم فيهما واحد واعلم أن الشهيد ره
اختلف حكمه في هذا القسم فذهب في الدروس إلى القصر في العود كما نقلنا عنه سابقا وقطع
في البيان بعوده إلى القصر بالخروج كمذهب الشيخ والعلامة ومختاره في س أوضع مفيدا
بما ذكرناه وبقى في كلامه في س بحث آخر وهو أنه قال في القسم المذكوران فيه وجهين أقربهما
القيصر إلى في الذهاب ومقتضى ذلك انتهاء التمام بالوصول المقصد الذي هو دون
المسافة وذلك يوجب القصر في المقصد و ان أقام أياما إذ لا يسمى ذلك ذهابا وحجته
التي قررنا ها انما تدل على العود إلى القصر بالرجوع لا غير وان حكم الإقامة في المقصد
187

حكم الذهاب في عدم القصر لعدم تحقق قصد المسافة بعد فيكون الأقوال على ظاهر س في
المسألة ثلثة ان هذا الثالث لا وجه له ولعله أراد بالذهاب كل ما قبل العود على وجه المجاز
لدلالة الحجة عليه وان لم يكن بينها في الكتاب فترجع المسألة ح إلى القولين الأولين وهذا
هو الظ ومن هنا يعلم أن هذه مسألة اجتهادية لم يتفق فيها الانظار ولا حرج فيها على من
تفطن لوجه راجح في بعض مواردها الرابعة ان يعزم على مفارقة موضع الإقامة وقد
اختلف الأصحاب المتقرضون لبحث هذه المسألة في مبدء الاخذ في التقصير بعد اتفاقهم عليه
في الجملة ذاهبا فذهب بعضهم إلى التقصير بمجرد الخروج من البلد وان لم يتجاوز
الحدود لصدق السفر عليه والضرب في الأرض واختصاص توقفه على مجاوزة موضع سماع
الاذان ورؤية الجدران بموضع الوفاق وهو بلد المسافر وأصحهما عندهم توقف القصر
على مجاوزة الحدود لصيرورة موضع الإقامة بالنسبة إلى صلاة التمام في حكم بلده
ولتساوى جميع أقطار موضع الإقامة إذا كان بلدا في وجوب الاتمام وداخل الحدود من
جملة البلد وهذه أشكل الصور وكلام الفريقين فيها على اطلاقه غير واضح لان الفرض
كون الخروج إلى ما دون المسافة فلا وجه للقصر إذ لم يقصد المسافة بعد اللهم الا ان
يكون مقصده الذي خرج إليه على طريق بلده أو إلى جهته بحيث يصدق عليه الرجوع عرفا
فيتوجه ما قالوه على اشكال فيه وإن كان بعيدا عما اطلقوه ووجه الاشكال ما قد
عرفت من أن الرجوع لا يتحقق الا بالقصد فان من الممكن ان يقصد الرجوع إلى بعض المسافة
نحو بلده مع عدم قصد الوصول إليها بل مع قصد عدم الوصول ولو كان الخروج إلى جهة يخالف
البلد والفرض كونه دون المسافة فحكمه التمام إلى أن يقصد المسافة ولو بالرجوع كما
تحقق في المسألة الأولى فان قيل ظ الأصحاب هنا الاتفاق عليا لقصر وان اختلفوا
في مبدأه فيكون القول بالتمام على بعض الوجوه غير جائز لعدم تحق القائل به قلنا
188

هذا أيضا داخل في القاعدة الأولى فالقائل هناك قائل هنا لانهم اعطوه القانون الكلى في المسألة
الخامسة ان يعزم على العود إلى موضع الإقامة ويتردد في إقامة العشرة وعدمها وقد حكى
بعض الأصحاب فيه وجهين أحدهما الاتمام مطلقا لانتقاد المقتضى للقصر وهو عزم المسافة و
الثاني كون حكمه حكم العازم على العود الجازم بعدم الإقامة في محبئ الوجهين السابقين وما
ذكرناه نحن في تلك المسألة ان هنا فان العود إلى الموضع المذكور وإن كان مستلزما للعود إلى
بلده فالقصر في الرجوع واضح وإن كان مخالفا للرجوع إلى البلد فالمتجه البقاء على التمام إلى أن
يتحقق قصد المسافة فمقتضى ما ذكروه في هذه الصورة ثلثة أوجه وعلى ما ذكرناه تصيرا ربعة
والعجب من ذكر وجه التمام مطلقا هنا وعدم ذكره في الجازم بعد العود بعدم الإقامة فان
التردد وعدم مجرد احتمال الإقامة لا يوجب التمام من دون قصد إقامة العشرة فينبغي ان
يكون في المسألة السابقة أيضا ثلثة أوجه السادسة ان يتردد وفى العود إلى
موضع الإقامة وعدم وذكروا هنا وجهين أحدهما انها كالثالثة لان حكم القصر موقوف
على الجزم بالمفارقة ولم يحصل وأصحهما عندهم انها كالرابعة لان المقتضى للاتمام في الذهاب
هو العزم على العود ولم يحصل فهو مسافر ويجب بقيده بما قررناه في السابق إذ ليس مطلق
الخروج على هذا الوجه سفرا يوجب القصر كما لا يخفى السابعة ان يذهل عن
قصد العود والإقامة وعدمهما وهي كالخامسة الا ان يكون الذهول لاحقا لعزم العود أو
الإقامة أو غيرهما فالمعتبر العزم السابق فهذه جملة ما حضر من صور المسألة وما
حصل من تقييدها على وجه يحصل به الجمع بينها وبين المسألة الأولى التي هي الأصل
وعليها الاعتماد وقد علم أن صورها غير خالية من اجمال محتاجة إلى تحقيق الحال فعليك
بالتأمل في ذلك جمعنا الله وإياك على الوشاد وسلك بنا جادة السداد بمنة وكرمه
تنبيهات الأول لافرق في الخروج من موضع الإقامة بعد الصلاة تماما بين كونه
189

بعد إقامة العشرة أو في أثنائها لاشراك الجميع في العلة فان نية إقامة العشرة والصلاة
تصير بلد الإقامة في حكم بلد المسافر في هذه الأحكام فيشترك ما قبل اكمال العشرة وبعدها
في ذلك ومن ثم اطلق الأصحاب والنص في الحكم في ناوي المقام بعد الصلاة على التمام
من غير نقرض للفرق بين كون الخروج بعد العشرة أو قبل اكمالها الثاني لا فرق مع نية
إقامة عشرة مستأنفة بعد الخروج إلى ما دون المسافة بين كون اقامتها في بلد الإقامة الأولى
أو البلد الخارج إليه الذي هو المقصد أو غيرهما من المواضع التي هي دون المسافة لاشتراك
الجميع في المعنى المقتضى للبقاء على التمام وهو خروج من فرضه التمام إلى سفر حكمه التمام
والانتهاء بعده إلى موعظ سبقه نية الإقامة فيه الموجبة للتمام الثالث لو كان في نية
الإقامة العشرة المستأنفة في أحد المواضع المذكورة لكن بعد التردد إلى موضع نية
الإقامة الأولى والثانية وغيرهما ما يساويهما في الحكم وهو ما دون المسافة مردة أو مرارا
ففرضه في جميع هذه الترددات التمام ذابا وعودا وفى المقصد المتردد منه واليه
لاشتراك الجميع في المقتضى للاتمام وهو خرجه من محل يتم فيه إلى ما دون المسافة وعزمه
على إقامة العشرة بعد العود وبعد الفراغ من السفر القاصر عن المسافة فلا وجه للقصر
وتعدد مرات التردد لا بقدح في ذلك إذ لا بصبر بذلك مسافرا من دون قصد
المسافة وهو منتف بقصد الإقامة قبله على ما ذكره الجماعة ولعدم تحقق قصد المسافة
وان لم ينو الإقامة بعدها على ما بيناها الرابع لافرق مع خروجه من موضع الإقامة
ومجاوزته حدوده بين رجوعه إلى موضع النية ليومه أو بعده في انقطاع حكم النية
السابقة والاحتياج إلى نية مقام عشرة مستأنفة عند الجماعة وعدم تأثير هذا
الخروج الا مع اقترافه بقصد المسافة ولو بالرجوع على ما حققناه وما يوجد في
بعض القيود من أن الخروج إلى خارج الحدود مع العود إلى موضع الإقامة ليوم أو ليلته
190

لا يؤثر في نية الإقامة وان لم ينو إقامة عشرة مستأنفة لا حقيقة له ولم نقف عليه مسندا
إلى أحد من التعبير من الذين يعتبر فتواهم فيجب الحكم باطراحه حتى لو كان ذلك في نيته من الأولى الإقامة
بحيث صاحبت هذه النية نية إقامة العشرة لم يعتد بنية الإقامة وكان باقيا على القصر
لعدم الجزم بإقامة العشرة المتوالية فان الخروج إلى ما يوجب الخفاء يقطعها ونيته في ابتدأ
نيتها يبطلها وكذا لا فرق في ابطال نيته إقامة العشرة يعزم الخروج إلى ما يجاوز الحدود بين
العزم على العود وإقامة عشرة مستأنفة وعدم وانما يبقى على الاتمام بنيته الإقامة
بعد العود لو كان القصد إلى الخروج طاريا على نيته العشرة وعلى الصلاة تماما امين
لما مرض ان الرجوع عن نيته الإقامة قبل الصلاة يوجب العود إلى القصر لفساد
النية الأولى الموجبة للتمام بعزم الخروج قبلها وفى بعض الحواشي المنسوبة إلى الامام
فخر الدين المطهر قدس سره عدم قطع نية الخروج إلى القرى المتقاربة والمزارع الخارجة
عن الحدود لنية الإقامة بل يبقى على الاتمام سواء قارنت النية الأولى أم تأخرت و
سواء نوى بعد الخروج إقامة عشرة مستأنفة أم لا ووجهه غير واضح والنسبة غير موثوق
بها الخامس لو خرج لا بنيته العود والإقامة عشرة ثم عن لم ان يقيم في موضع الإقامة
عشرة مستأنفة فعلى ما اختاره الجماعة يخرج مقصر العدم المقتضى للتمام وهو عزم
الإقامة عند الشيخ وعزم العود عند الشهيد ثم يتم من وقت النية لحصول المقتضى له و
ليس وقوع النية قبل انشاء السفر شرطا في الاتمام بل نية الإقامة تؤثر في ابتدأ السفر و
دوامه إذ لو فرض خروج المسافر إلى مسافة مقصودة فعن له في أثنائها إقامة الشعرة في
موضع لم يصل إليه بعد ولكنه دون المسافة أتم في الطريق وموضع الإقامة ثم يعتبر
نهاية مقصده بعد ذلك ولو فرض تجدد نية العود لا غير رجع إلى التمام على مذهب
الشهيد إلى أن يأخذ في الرجوع فيقصر وعلى ما اخترناه هو باق على الاتمام في جميع
191

الفروض حتى يتحقق قصد المسافة والشروع فيها ولو انعكس الفرض بان رجع عن نية الإقامة
المستأنفة بعد الخروج إلى مقصده رجع إلى التقصير عندهم لزوال المقتضى للتمام وكذا لو رجع
عن نية العود عند الشهيد ره وعلى ما بيناه لا يتغير الحكم الا بقصد المسافة السادس
لو خرج ناويا لإقامة العشرة في موضع الإقامة واستمر على التمام ثم تغيرت نيته إلى الإقامة
بغيره مما هو دون المسافة لم يتغير الحكم لاشتراك الموضعين في المقتضى وكذا لو انعكس
الفرض أو طرأ له يعد الوصول إلى موضع نوى فيه إقامة العشرة المستأنفة ان يخرج
منها إلى دون المسافة أخرى أو مرار اقبل الصلاة فيه تماما والفرق بين هذه و
بين الأولى في توقف تلك على الخروج بعد الصلاة دون هذه انه في الأولى مسافر و
فرضه القصر فلا ينقطع سفره الأبنية العشرة ولا يصير البلد في حكم بلده بحيث لا يقصر
حتى يخرج منها إلى المسافة الا بالصلاة بخلاف الثانية فان سفره قد انقطع بالإقامة
الأولى فلا يعود إلى القصر الا بقصد المسافة ولم يحصل بعد والخروج من الموضع المذكور وان
نكرر لا يصيره مسافة والا يوجب القصر السابع لو خرج مع قصد المسافة لكن بعد
تردده إلى بلد الإقامة مردة أو مرار أبقى على التمام إلى أن يخرج إلى المسافة بعد التردد
لعدم تحقق شرط القصر قبله وهو الخروج إلى المسافة المقصودة نعم لو خرج بقصد المسافة
ثم عن له التردد بعد انشاء السفر إلى بلد الإقامة أو غيرها بقى على القصر خالة التردد و
الفرق انه قد لزمه القصر بالانشاء الاجتماع شرائط القصر فلا ينقطع الا بنية إقامة العشرة
على ما فضل أو التردد ثلثين يوما ولم يصحل فيبقى على القصر بخلاف الأول فان فرضه
التمام إلى أن يقصد المسافة ويشرع فيها ولم يحصل ذلك بالجملة فقدر صات بلد الإقامة
بعد الصلاة تماما في حكم البلد بالنسبة إلى اشتراط الخروج إلى المسافة فكما لا يقصر التردد
من بلده إلى ما دون المسافة قبل الشروع في السفر إلى المسافة فكما لا يقصر المتردد من بلده
192

إلى ما دون المسافة قبل الشروع في السفر إلى المسافة فكذا من بلد الإقامة فكذا من بلد الإقامة واما تردده
بعد قصد المسافة إلى بلد الإقامة فلا يؤثر في قطع السفر كما قلناه وإن كان عود المسافر
إلى بلده يوجب قطع السفر لان بلد الإقامة ليست كبلد المقيم في جيع الاحكام بل إذا خرج
منها ساوت غيرها فلا يقطع السفر عوده إليها كما لا يقطع عوده إلى غير بلده ولو كان عزمه
على التردد إلى غير بلد الإقامة قبل المسافة ففي الحاقه ببلد الإقامة نظر من أنه شرع في السفر
حيث لم يرجع إلى مبدء المسافة فيقصر وان تردد ومن عدم تحقق الذهاب مع قصد التردد
إلى محل خاص قبله والاشكال آت فيما لو كان التردد إلى المحل في أثناء المسافة حيث كان
لاشتراك الجميع في العلة ولعل الوجه هنا القصر لصدق قصد المسافة في الجملة و
الشروع فيها ولان ذلك لو اثر لزم اشتراط ان لا يخرج المسافر عن مجموع طريق المسافة
إلى غيره مما يوجب مجاوزة الحدود وهو بعيد لا دلالة له عليه نعم لو كان عزمه على التردد
مرارا يخرج بها عن اسم المسافر إلى المسافة عرفة توجه احتمال عدم القصر بل تعين المصير
إليه الثامن هل يعتبر قصد المسافة الشخصية أم يكفي قصد مسافة في الجملة وإن كانت
نوعية يحتمل الأولى لأنه المعهود لأصحاب القصود والمتعارف ويحتمل الثاني لحصول
الشرط وهو قصد المسافة في الجملة والأصل عدم اشتراط أمرا خرو تظهر الفائدة فيما
لو قصد الخروج إلى أحد بلدين اشتركا في أول المسافة ولم يجزم بأحدهما عند الشروع
في السفر فعلى الأول يبقى على التمام إلى أن يعزم على أحدهما بعينه وعلى الثاني يقصر مع
كونهما معا مسافة وكذا البحث فيما لو تعددت البلدان على الوجه المذكور ويتفرع على
ذلك أيضا ما لو قصد مسافة معينة ثم تجدد له اثناءها مسافة أخرى فإنه يسم القصير
على الثاني وعلى الأول يتم إلى أن يشرع في السفر إلى تلك المسافة وان بقى في مكان تغيرت
فيه النية أياما كثيرة ولا فرق ح بين ان يكون المسافة الثانية على طريق البلد التي
193

كان قد أقام فيها العشرة أو غيرها لمساوتها غيرها عند الخروج منها ولعل الأقوى الثاني
لعموم الدليل الدال على القصر بالضرب في الأرض مع قصد المسافة المتناول لصورة النزاع
وللحكم بالقصر عند قصد المسافة فيستصحب اليان يقوم ما ينافيه وهو إما الرجوع
عن السفر أو قصد إقامة العشرة أو مقام ثلثين متردد أو الجميع منتف هنا فيبقى على
القصر ولو فرض الرجوع عن المسافة الأولى إلى مقصد آخر في أثناء المسافة بحيث يجتمع
مما مضى وما بقى إلى المقصد الثاني مسافة ولا يبلغ من ابتداء الرجوع عن النية مسافة
ففي الاستمرار على القصر أو العود إلى التمام تغير النية الوجهان وبقاء القصر متوجه هنا
أيضا ولم اقف للأصحاب في هذه الفروع على شئ يعتمد نعم قرب الشهيد في البيان ان الراجع
عن قصد المسافة ثم يعود إلى القصد يحتسب ما مضى من المسافة وهو قريب مما ذكرناه ولا
فرق في هذه الفروع بين قاصد المسافة من بلده ومن مقام العشرة التاسع قد تقدم
ان بلد الإقامة يصير بحكم بلد المسافر في اعتبار تجاوز حدود ها في جواز القصر فلا يقصر
الخارج منها حتى يخفى عليه اذانها وجدار ها وكذا الداخل إليها مع سبق نيته المقام بها على
الدخول إليها فينتهى السفر بالوصول إلى حدود ها على خلاف في ذلك كله ويقوى في نفسي الفرق
بين حالتي الدخول والخروج بمعنى انه لا يقصر في الخروج إلى أن يصل إلى محل الخفاء ولا
ينقطع السفر في حالة الدخول الا بالوصول وذلك لما قد عرفت من أن بلد الإقامة مع
الصلاة فيه تماما يصير بحكم البلد في انقطاع حكم السفر وافتقار العود إلى مسافة جديده
وتلك الحدود في حكم البلد شرعا بخلاف حالة الدخول فان مجرد الوصول إليها لا يعيز
عليه التمام ومن ثم لو رجع عن نيته الإقامة قبل الصلاة تماما أو فعل ما هو في حكمها
يعود إلى القصر ولو أقام في البلد شهرا فلا فرق ح بين هذه البلد وغيرها الا في جواز
التمام بناء على النية السابقة ومجرد ذلك لا يوجب الحاقا ببلده لمخالفتها لها مخالفة
194

ظاهرة وبالجملة فصير ودتها بحكمها يتوقف على الصلاة تماما كما مرو ذلك شرط لا يحصل
الا بعد الوصول إليها فقبله تساوى غيرها فلا ينقطع سفره بمجرد وصوله إلى حدود ها
ولا يتعدى هذا الحكم إلى غيرها وغير بلد الملك والإقامة الدائمة فلو خرج من أحد الثلاثة
غير عازم على المسافة ثم عزم عليها بعد تجاوز حدوده من بلد اخر أو غيره لم يتوقف القصر
على مجاوزة حدود ذلك المكان بل يكفي الشروع في السفر وهذا الفروع لا يختص بهذه
المسألة لكن ناسب الحال ذكره والتنبيه عليه العاشر لو خرج غير عازم على المسافة
إما لتردد أو لجزمه بعدم قصد المسافة ثم تجدد له قصدها قصر ح كما مر لكن يشترط
بلوغ ما قصده بعد القصد مسافة فلا يكفي تلفيقها منه ومما سبق وهو ما بعد موضع
الإقامة فح إن كان اخذا في الذهاب فالمعتبر كون الباقي منه مسافة وان عزم على العود
إلى وطنه وكان قد بلغ المسافة كفى قصد العود وعلى ما ذكره الجماعة من التقصير بمجرد الخروج
من غير قصد المسافة يسقط هذا الشرط ويجوز التلفيق بطريق أولي الحادي عشر لو خرج
ناوي المقام بعد صلاة التمام إلى المسافة لكن عزم في اثناءها على التوقف على وفقة علق
سفره عليها كان حكمه في ذلك حكم متوقع الرفقة عند الخروج من بلده فإن كان ذلك
في نيته من ابتداء الخروج من موضع الإقامة بقى على التمام في طريقه إلى مكان يتوقع
فيه الرفقة وفيه ان علق سفره عليها ولم بمجيئها قبل مضى عشرة أيام ويستمر عليه إلى أن
يسافر معها أو بدونها وان جزم بالسفر من دونها وان لم تجئ ما قبل العشرة أو علم
مجيئتها وان علق سفره عليها قصر ولو غلب على ظنه مجيئها فالظان كالعالم وبه جزم
الشهيد ره في الذكرى ولو طرا له الانتظار بعد الشروع في السفر إلى المسافة رجع إلى
التمام ولو كان الانتظار وعلى رأس المسافة استمر على القصر إلى ثلثين يوما وبالجملة
فحكمه حكم منتظر الرفقة في غير هذا المحل وانما خصصناه بالذكر لفائدة الثاني عشر
195

منتظر الرفقة بعد مجاوزة الحدود ان لزمه التقصير حال انتظاره كانت المسافة
معتبرة من حين الخروج فيلق ما قبل الانتظار مع ما بعده وإن كان حكمه التمام
اشرط كون ما بعد ذلك مسافة ولا يضم إلى ما سبق من السير لأنه خارج عن حكم المسافر
لانتظاره فهو في قوة قاصد ما دون المسافة وقد تقدم تفصيله وليكن هذا اخر ما
نمليه في هذه المسألة ونحن نسئل ممن وقف عليها من أهل التحقيق لا يقلدنا في شئ
من فروعها قبل تدبر ما فضلناه عسى ان يظهر عليه باب من أبواب الصواب فان
البرهان هو المعيار لأولي الألباب فرغ من هذه النسخة مؤلفها العبد الفقير
إلى عفو الله تعالى وجوده زين الدين بن علي بن أحمد يوم الاثنين سابع شهر
رمضان المعظم سنه خمسين وتسعمائة حامد الله تعالى شاكرا له على
نعمائه صابرا على بلائه مصليا على سيد خلقه وأشرف
أحبائه محمد صلى الله عليه وآله وعلى الظالين
من أبنائه اللهم فاختم بخير
كما فتحت بخير في
سنة 1312
196

هذه
رسالة في طلاق
الحايض والغائب للشيخ
الاجل المحقق السعيد الشهيد الثاني
طاب ثراه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله حق حمده والصلاة على سيد رسله محمد النبي وآله الطاهرين مسألة
اتفق العلماء كافة فضلا عن أصحابنا على تحريم طلاق الحايض الحايل الحاضر زوجها
عندها المدخول بها واجمع أصحابنا على بطلانه وانه لا بد لصحة طلاقها من كونها طاهرا
طهرا لم يقربها فيه بجماع سواء في ذلك الطهر المتعقب لأول حيضه بعد المواقفة وغيره فلو
طهرت ثانيا ثم حاضت لم يصح وطلاقها حالته لان الشرط مركب من أمرين إحديهما
كونها طهرا من الحيض وما في معناه وهو النفاس والاخر انتقالها من طهر المواقعة إلى
غيره واختلفوا في الغايب عنها غيبته لا يمكنه استعلام حالها فيها فقال بعضهم يجوز طلاقها
ح على كل حال سواء كانت طاهرا أم حايضا وسواء علم الزوج بذلك از لا وقال آخرون
لا يجوز الا بعد مدة ثم اختلفوا في تلك المدة فقيل ثلثة أشهر وهو خيره ابن الجنيد من
المتقدمين والعلامة فالمختلف من المتأخرين وقيل شهر وهو خيره الشيخ في النهاية
وقيل أدنى شهر وأوسطها ثلاثة وأقصاها خمسة أشهرا وستة وهو خيره الصدوق وقيل
حده المدة ان يعلم انتقالها من الطهر الذي واقعها فيه إلى أخرى يجب عادتها ولا يتحدد
بمدة غير ذلك وهو خيرة الشيخ في الاستبصار وتبعه عليه ابن إدريس والمتأخرون ومنهم
197

العلامة في غير المختلف وولده فخر المحققين وزاد انه مع عدم العلم بذلك تكون المدة ثلثة
أشهر ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الاخبار والواردة في ذلك عن أئمة الهدى عليهما السلام
بحس الاطلاق وروى محمد بن مسلم في الصحيح عن إحديهما عليهما السلام قال سألته عن
الرجل يطلق امرأته وهو غايب قال يجوز طلاقه على كل حال وتعتد امرأته من يوم طلقها
وفى الصحيح عن إسماعيل الجعفي عن الباقر عليه السلام قال خمس يطلقهن الرجل على كل حال
الحامل والتي لم يدخل بها والغايب عنها زوجها والتي لم تحض والتي قد يئست من المحيض
ومثلها روى الحلبي في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام وعن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله
عليه السلام الرجل يطلق امرأته وهو غايب فيعلم انه يوم طلقها كانت طامثا قال يجوز وهذه الأخبار
حجة القول الأول وهو خيره المفيد وعلي بن بابويه والحسن بن أبي عقيل
وأبى الصلاح التقى الحلبي وغيرهم وروى جميل بن وراج في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال
الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له ان يطلق حتى تمضى ثلاثة أشهر وهذه الرواية
حجة القول الثاني ويؤيدها ان زوجة الغايب باعتبار جهله بخالها في قوة
المسترابة التي يجب التربص بها قبل الطلاق وثلاثة أشهر فقد اعتبر الشارع الثلاثة
فيما يناسبها فليس بمستبعد ح لا انه قياس لأنه منصوص بنص صحيح مؤيد بذلك و
روى إسحاق بن عمار عنه عليه السلام قال الغايب إذا أراد ان يطلقها تركها شهرا وهو حجة الشيخ
في النهاية وعن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الغايب الذي يطلق كم غيبته
قال خمسة أشهر ستة أشهر قلت حد ودون ذلك قال ثلاثة أشهر وهذا الخبر مع الذي
قبله حجة الصدوق وقد جمع الشيخ رحمه الله فبالاستبصار بين هذه الأخبار بالحوالة
على اختلاف عاده النساء في الحيض فمن علم من خال أموته انها تحيض في كل شهر حيضه
جاز له ان يطلق بعد شهر ومن يعلم أنها لا تحيض الا كل ثلثة أشهر أو خمسة لم يجز له ان
198

ان يطلقها الا بعد مضى هذه المدة وكان المراغي في جواز ذلك مضى حيضه وانتقالها إلى
طهر لم يقربها فيه بجماع وذلك يختلف وتبعه على هذا التنزيل ابن إدريس والمحقق أبو القاسم
والعلامة في غير المختلف والشهيد وغيرهم ولنشرع الان في الكلام على حجج هذه الأقوال
فاما القول الأول فان اخباره فإن كانت صحيحة متكثرة لكنها مطلقة وعامة والأخبار الدالة
على التربص مقيده بتلك المدة فيجب جمل المطلق على المقيد فضعف القول الأول
فان قيل لم لا يجل التقييد على الاستحباب وعلى التخيير بنيه وبين عدمه كما يدل عليه
الحديث الأخير من التخيير بين الستة والخمسة مط ثم اجازه الثلاثة لما طلب منه التخفيف وإجازة
الشهر في الحديث الأخر واطلاق الاذن في هذه الأخبار فيكون العمل بمضمون الكل جاين
وإن كان التربص بحسب مراتبه قلنا مقتضى قوله في الحديث الدال على الثلاثة يعين ذلك
حيث قال ليس ان يطلق فان المفهوم من هذا النفي نفى الجواز فحمله على الاستحباب خلاف
الظاهر فلا يجوز المصير إليه مع امكان الحمل على ما يوافق الظاهر فان قيل هذا المعنى
وإن كان هو الظاهر لكنه ينافي اطلاق التربص شهرا فإنه مقيد لا مطلق حتى يحمل
على الثلاثة فيعدل عن ظاهر الثلاثة جمعا بين الاخبار قلنا هذا الوجه حسن لو كان
الخبر الدال على الشهر في قوة ذلك الخبر الدال على الثلاثة ليجمع بينهما كما فعله الصدوق لكن
الامر ليس كذلك لك فان خبر الثلاثة من الصحيح وخبر الشهر ضعيف أو من الموثق وفى جواز
العمل به مع معارضة الصحيح؟؟ عدمه نظر بل الظاهر خلافه فتعين العمل بخبر الثلاثة
والخبر الأخر الا دل على التخيير بين الستة والخمسة والتنزل إلى الثلاثة يعضد الخبر الصحيح
الدال على الثلاثة ويوافقه وإن كان الكلام فيه مع انفراده كالكلام على خبر الشهر فقد
تحرد من ذلك أن الاعتماد من هذه الأخبار على ما صح منها وهي المطلقة والمقيدة بالثلاث
ووجوب حمل المطلق على المقيد يعين العمل بالثلاثة كما اختاره العلامة في المخ تبعا لابن
199

الجنيد فان قيل الخبر الدال على الشهر يتأيد بالاخبار المطلقة التي لا توجب الربص
فان تقييدها بالشهر فيفي العمل بها مع تقيدها به فليس خبر الشهر منفردا في الحقيقة قلنا
لما كانت الأخبار الصحيحة المطلقة متروكة العمل بالظاهر لوجود المقيد كان المعنى المراد منها
هو الحكم مع المقيد ولما كان قيد الشهر ضعيف السند أو غير معمول عليه كان في قوة المعدوم
بالنظر إلى قيد الثلاثة الصحيح فتعين التقييد به وقد ظهر بذلك ضعف القول الأول و
الثالث والرابع واما جمع الشيخ والمتأخرين بينها بالحمل على عادات النساء المختلفة
ففيه ان الأخبار الصحيحة بين مطلق في عدم التربص ولا شئ من عادات النساء
بمتروك أصلا وؤاسا وبين مقيد بثلاثة أشهر وهو مخالف للغالب قديما وحديثا
من عادات النساء فان وجود امرأة تحيض في كل ثلثة أشهر مرة في غاية الندور على
تقدير وقوعه بل هو ممكن غير واقع فاطلاق الامر به بناء على كونه بعض العادات
حمل على خلاف الظاهر وأيضا فليس في هذه الأحاديث سؤال عن واقعة مخصوصة حتى
يتوجه حملها على كونه تلك المراة معتادة بتلك العدة وانما وقع السؤال في كل حديث
عن مطلق على وجه القاعدة الكلية فحملها على العادات بعيد جدا واما حديث الشهر فإنه
موافق للغالب لكن فيه ما قد عرفته وهو أقرب إلى الظهور والصحة بسبب موافقته
للغالب بل لو لم يرد في الباب غيره لم يكن مخالفا لما يخرج من ذلك عن عادة النساء
نادرا فان رد الاحكام إلى الأمور الغالبة موافق للحكم واما حديث التخيير بين الستة و
الخمسة عن اطلاق الثلاثة فبعيد جدا عن مناسبة العادة من جهة الزيادة ومن جهة
التخيير فان العادة ليس فيها تخيير ويرد على الجميع ان العادة ربما كانت أقل من مجموع هذه
التقديرات كما إذا خرج عنها بقرب أيام عادتها بحيث ينتقل من طهر إلى اخر في أيام يسيرة
تقصر عن أقل المدد وهو الشهر فلا يكون ح عاملا بشئ من الأحاديث بل هذا هو
200

الطاهر فان المفارقة في الطهر لابد ان يكون بعد مدة قد مضت منه باعتقاد وقوع
الجماع في أثنائه وخروجه بعد ذلك فلا يحتاج إلى تمام الشهر بالنسبة إلى الغالب من
عادات النساء فالتنزيل على الاكتفاء بالانتقال من طهر إلى اخر يخالف مجموع الاخبار
وأيضا فربما كان انتظار العادة بعد أحد المدد وقبل المدة الأخرى كالشهر والثلاثة
فإذا توقف الامر على شهر ونصف لم يكن داخلا في شئ من التقديرات فان قيل
الأخبار المطلقة لما حملت على المقيدة لم يقدح في اعتبار العادة لان المطلوب ح
هو المقيد ثم المقيد يوافق بعض العوائد بحسب الامكان ففي الحمل عليه سلامه الأخبار الصحيحة
أو المشهورة عن الاطراح أصلا ورأسا ولا شك ان حمل الخبر على الوجه البعيد
خير من اطراحه مع أنه يمكن حمل الاخبار والمطلقة في الاذن على بعض الوجوه الممكنة كما لو
خرج إلى السفر في اخر خرء من حيضها أو ما يقرب منه فإنه ح يجوز له طلاقها حال
الغيبة مط وهو نوع من الحمل وان بعد بل هو أقرب من التقييد بثلاثة أشهر وخمسة
وستة لان ذلك مجرد فرض غالبا إما هذا فوقوعه لكل فرد من افراد المعتادة ممكن
وباقي التقييدات يمكن وقوعه في نفسه فليس في الحمل عليه فرض محال وهو خير من
اطراح الاخبار واما فرض الانتقال من الأشهر المنصوصة فإنه وان لم يكن حكمه مذكورا
بخصوصه لكن الصبر به إلى العدد الزائدة يصححه قطعا أو نقول في التقدير المختلف بينه
على اعتبار الانتقال كيف كان فإذا وقع مالا يوافق المقدر يستفاد حكمه منه من باب
التنبيه قلنا هذه المحامل البعيدة انما ينبغي المصير إليها عند تعذر ما هو أوجه
منها وأوفق وهو هنا ممكن فانا قد أسلفنا ان الأخبار الصحيحة من جملة تلك الأخبار
هي المطلقة والمقيدة بالثلاثة ووجوب حمل المطلق على المقيد يصير الجميع في معنى التقييد
بالثلاثة أشهر فليس هنا الا وجه واحد وهو تقيد جواز طلاق الغايب بثلاثة أشهر
201

وباقي الاخبار لو وافقت عوايد مستقرة ومعان واضحة لم يسع العمل بها وإن كانت أصول
بعض أصحابنا يقتضى العمل بها فكل يعمل على شاكله وإذا تعينت الاخبار للتقييد بثلاثة
أشهر وهو مع ذلك موافق لحكمة التربص بالمجهولة الحال وهوى المسترابة وما في حكمها
كالمرضع تعين العمل به واستغنى عن المحامل الباردة التي تمجها الطباع في الاخبار
الشريفة وبيان أئمة الهدى لاحكام الدين وفى الحقيقة الغائب عن زوجته في طهر المواقعة
مع كونها يمكنه الحمل عادة تصير بجهله بحالها يمكن عنده حملها وعدمه وحيضها وعدمه
فهى في حكم من انقطع عنها الحيض في زمان امكانه وقد احتمل كونها حاملا أو غير حامل
وحصلت الاسترابة لها وبها فإذا ورد النص الصحيح بذلك وعمل به جماعة من الأصحاب
فلاوجه للعدول عنه نعم يمكن ان يقال زيادة على النصوص انه قد علم من القواعد الشرعية
المستندة إلى النصوص ان حكم طلاق الغايب أسهل من طلاق الحاضر واخف وهو يظهر
من وجهين إحديهما ان الحاضر لا يسوغ له الطلاق الا مع براءة المراة من الحيض و
النفاس قطعا وكون الطلاق واقعا في طهر لم يقربها فيه والغايب يجوز طلاقه مع حيضها
في الجملة وفى طهر المواقعة إما مع عدم التربص أو معه مع انقضاء المدة المعتبرة والثاني
ان الحاضر لا يجوز طلاقه من غير انتظار الحالة المذكورة اجماعا والغايب قد قيل
فيه بجواز طلاقه مط من غير تربص وما أجمع فيه على وجوب التربص على وجه أقوى
واغلظ حكما ممن اختلف في وجوب تربصه وإذ تبين ذلك وكان حكم القوى انها إذا
تنقلت من طهر إلى اخر يجوز طلاقها من غير اعتبار أمر اخر من مضى ثلثة أشهر أو ما
هو أزيد كان حكم الضعيف أولي بذلك فإذا علم الغايب انتقالها من طهر إلى اخر
ينبغي ان يجوز طلاقه بطريق أولي و ح فان علم الغايب انتقالها من الطهر الذي
واقعها فيه إلى اخر صح طلاقه كالحاضر وان لم يعلم وجب عليه التربص بثلاثة أشهر
202

عملا بصحيح الروايات التي قد اجتمع مطلقها ومقيدها على ذلك ولعل هذا التفصيل
أقوى الأقوال وأمتنها دليلا وقد تقدم انه اختيار فخر الدين في الشرح ويكون خبر
الشهر بل الأخبار المطلقة مؤيده له فان قيل جواز الطلاق مع علمه بانتقالها
مبنى على كون الغايب أخف حكما لما ذكر ولكن قد يقال إنه أغلظ حكما على بعض الوجوه
فإنه مع الجهل بانتقالها قد ورد النص بوجوب تربصه بثلاثة أشهر أو أزيد وهذا
حكم أقوى من حكم الحاضر قلنا قد بينا انتفاء ما يزيد على الثلاثة وحكم الانتظار
ثلثة واقع في الحاضر أيضا كما في المسترابة المتشابهة لزوجة الغايب باعتبار جهله بحالها
و ح فحكم الغايب من هذا الوجه حكم الحاضر في نظيره ويبقى مع الغائب خفة الحكم
فيما أسلفناه فكان حكمه أحق في الجملة كما ذكرناه إذا تقرر ذلك فنقول إذا اطلق
الغايب زوجته فلا يخ إما ان يطلقها بعد مضى المدة المعتبرة في صحة الطلاق أو قبلها
وعلى التقديرين إما ان يوافق فعله كونها جامعة للشرايط في الواقع بان يكون
قد حاضت بعد طهرا لمواقعة وطهرت فوقع الطلاق حال الطهر أو لا يوافق بان تبين
وقوعه في طهر المواقعة أو حاله الحيض أو يستمر الاشتباه فالصور ثمان ثم على تقدير
الانتظار قد يتفق له من يخبره بحالها بحيث يعتبر خبره شرعا ويكون الحال موافقة
للشرط أو مخالفه فتشعب منها صور اخر يتضح احكامها بمسائل الأولى ان يطلقها
مراعيا للمدة المعتبرة ثم تظهرا لموافقة بان كانت قد انتقلت من طهر المواقعة إلى اخر
وهنا يصح الطلاق اجماعا لاجتماع الشرائط المعتبرة في الصحة ظاهرا في نفس الامر
الثانية ان يطلقها كذلك ولكن ظهر بعد ذلك كونها حايضا حال الطلاق
وهنا أيضا يصح الطلاق لان شرط الصحة ح للغايب مراعاة المدة المعتبرة وقد حصل
والحيض هنا غير مانع لعدم العلم به وهو مما قد استثنى من صور المنع من طلاق الحايض
203

في النص والفتاوى ورواية أبي بصير السابقة صريحة فيه فإنه قال فيها الرجل يطلق امرأة و
هو غايب فيعلم انه يوم طلقها كانت طامثا قال يجوز والمراد من هذه الرواية انه لم يكن
عالما بالحيض حال الطلاق ثم علم لعطفه العلم على الطلاق بالفاء المفيدة للتعقيب و
هذه الصورة مما لا يعلم فيها خلاف أيضا الثالثة الصورة بحالها في أنه طلق
بعد المدة المعتبرة ولكن ظهر بعد ذلك كونها باقية في طهر المواقعة لم تنتقل منه إلى
حيض ولا إلى طهر اخر والظاهر أن الحكم هيهنا كالثانية لغير ما ذكر وهو وقوعه على
الوجه المعتبر شرعا ولان الطلاق إذ حكم بصحته في حاله الحيض بالنص والاجماع فلان
يحكم بصحته في حاله الطهر أولي وذلك لما قد عرفته سابقا من أن شرط الطلاق في غير
الغائب أمران وقوعه في طهر وكون الطهر غير طهرا لمواقعة فإذا اتفق وقوعه في حالة
الحيض تخلف الشرطان لعدم طهر اخر غير طهر المواقعة وعدم الخلو من الحيض وإذا اتفق
وقوعه في حال الطهر فالمختلف شرط واحد وهو كون الطهر غير طهر المواقعة فإذا كان
تخلف الشرطين في الغايب غير مانع فتخلف إحديهما أولي بعدم المنع والذي اختاره المحقق
الشيخ على رحمه الله في بعض فوائده هنا عدم الوقوع محتجا بانتفاء شرط الصحة وهو
حصول استبراء الرحم خرج منه حالة الحيض للرواية فيبقى الباقي وأجاب عن الاحتجاج
بوقوعه على الوجه المعتبر شرعا بمنع وجود الشرط وبان الاذن في الطلاق استنادا
إلى الظن لا يقتضى الحكم بالصحة إذا ظهر بطلان الظن وجوابه ان الشرط المعتبر
في استبراء الرحم للغايب انما هو مراعاة المدة المعتبرة وهو حاصل وموضع النص والفتوى
وهو حالة الحيض ينبه عليه بأبلغ وجه وظهور بطلان الظن غير مؤثر فيما حكم بصحته
ظاهرا كما ينبه عليه ظهور الحيض والحاصل ان الشرط المعتبر حاصل والمانع وهو
ظهور الخطاء غير متحقق للمانعية وقد تخلف فيما هو أولي بالحكم فليس ذلك من باب
204

القياس الممنوع بل غايته اشتراكهما في طريق الحكم فان قيل إذا كانت الحكمة
في انتظار المدة المقررة في الجملة انما هو استبراء الرحم من الحمل لم يكن الحكم بالصحة
لو ظهرت طاهرا في طهر المواقعة أولي لان براءة الرحم معه غير متحققة بخلاف ما لو ظهرت
حايضا فان الطاهر مع الحيض براءة الرحم من الحمل بناء على امتناع حيض الحامل أو
على الغالب من عدم حيضها فالأولوية في حاله الطهر ممنوعه بل المساواة وانما
الامر على العكس لكون الحيض موجبا للبراءة أو أقرب إليها بل في الحقيقة الاعتبار
الظني انما هو به واما الانتقال منه إلى الطاهر فإنما يفيد استظهارا قليلا فيه إذ لا
دخل له في البراءة قلنا هذا الاعتبار حسن لكنه مبنى على وجوب اعتبار الحكمة
وهو غير لازم وانما دلت النصوص على اعتبار انقضاء المدة المعتبرة واستنبط
منها الاكتفاء بظن الانتقال من طهر إلى اخر كما قد عرفته وكلاهما متحقق هنا و
الحكمة مستنبطه لا منصوصة فلا يلزم اطرادها فيرجع الامر إلى ما قلناه من وجود
مقتضى الصحة وانتفاء المانع الرابعة الصورة بحالها في كون الطلاق وقع
بعد المدة المعتبرة لكن اتفق له مخبر يجوز الاعتماد عليه شرعا بأنها حايض بسبب
تغير عادتها فهل يقع الطلاق صحيحا أم لا وجهان أجودهما العدم لعموم الأدلة
الدالة على المنع من طلاق الحايض خرج منها غير المدخول بها وزوجه الغايب
بعد التربص وعدم العلم بالحال حين الطلاق فيبقى الباقي على المنع ووجه
الصحة اطلاق الاخبار بجواز طلاق الغايب بعد المدة أو مطلقا من غير تفصيل
فيكون مخصصه للمنع من طلاق الحائض كما خصص المنع منه لو كانت حايضا
في نفس الامر مع عدم ظهوره ويضعف بان كلا من اخبار المنع من طلاق الحائض
وتسويغ طلاق الغايب على كل حال مطلق وليس تخصيص إحديهما بالآخر أولي من عكسه
205

إذ كما يحتمل ان يقال إن الأخبار الدالة على صحة طلاق الغائب مخصصه لاخبار المنع من
طلاق الحايض كذا يمكن ان يقال إن اخبار المنع من طلاق الحايض خصصت عموم
تسويغ طلاق الغايب على كل حال فبقى ان يقال إن اخبار المنع من طلاق الحايض خصصت
باخبار تسويغ طلاق الغايب على تقدير كونها حائضا في نفس الامر اجماعا فيقتصر في
التخصيص على موضع الوفاق واخبار تسويغ طلاق الغائب مع الحيض خصصت باجبار
بالمنع من طلاق الحائض على تقدير ظهور الحيض قبل الطلاق وفاء بحفى العامين بحسب
الامكان وقد ظهر بذلك ضعف ما قبل هنا ان الأخبار الدالة على التربص دلت على
اعتبار المدة المذكورة من غير تقييد بكونها طاهرا وقت الطلاق وعدمه فيقيد بذلك
عموم الأخبار العامة الدالة على جواز تطليق الغايب مطلقا والأخبار العامة مقيده
لعموم الاخبار الدلة على المنع من طلاق الحائض وأيضا فان الموجب لبناء الغايب
على الأهلة انما هو عدم العلم بحال المراة وقد نبه عليه في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج
قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تزوج امرأة سرا من أهلها وهي في منزل أهلها
وقد أراد ان يطلقها وليس بصل إليها فيعلم طمثها إذا طمث ولا يعلم طهرها إذا طهرت
قال فقال هنا مثل الغايب عنه أهله يطلقها بالأهلة والشهور فينبه على أن
الغايب انما يطلق بالأهلة والشهور لتعذر علمه بحالها فلو علم به كان حكمه حكم الحاضر
كما أن الحاضر الذي لا يعلم حالها في حكم الغايب فصارت الأقسام أربعة حاضر ومن
في حكمه وغايب ومن في حكمه وقد تبين لك من دليل الوجهين انه لافرق في المنع من
الطلاق في هذه الصورة بين كون المراة حايضا بعد الطهر الثاني وقبله لان دليل المنع آت فيهما وكذا لا فرق في احتمال الجواز بين الحيض في الحالين لكن قد وقع الاشتباه
في الحالة الأولى وهي ما لو كانت حايضا بعد الطهر الثاني أكثر فخصه بعضهم بالجواز
206

دون الحالة الأخرى ولا فرق من حيث الدليل وإن كانت تلك الحالة أبلغ في الاستظهار
وابعد عن الاشتباه فان الانتقال من الطهر الذي واقعها فيه إلى اخر قد حصل واستبرأها
بالمدة المحدودة قد وجد فكان الجواز فيها أولي الخامسة الصورة بحالها لكن المخبر
انما أخير بكونها طاهرا طهرا قد واقعها فيه بمعنى انه لم يتجدد لها بعد ذلك حيض على خلاف
العادة وفى صحة الطلاق ح الوجهان المتقدمان فيما لو أخبر بكونها حايضا بعد طهر المواقعة
بغير فصل لاشتراكهما معا في العلة وهي عدم اجتماع الشرايط المعتبرة في صحة الطلاق في
نفس الامر ومضى المدة المعتبرة طاهرا وظهور الحال بحسب الاخبار واولى بعدم الصحة
هنا بعدم استبرائها بما يعلم به كونها حاملا أو حائلا بخلاف ما لو أخبر بكونها حايضا
فإنه يظهر بذلك كونها حايلا غالبا وهو ظاهر الحكمة في الاستبراء فان قيل المانع
هناك الأخبار الدالة على المنع من طلاق الحايض مط المعارضة للاخبار المسبوغة
لطلاق الغائب بعد المدة وهذا المعنى مفقود هنا لأن المفروض كونها طاهرا بحسب الاخبار
والمدة المعتبرة حاصلة فلا مانع من الصحة يعارض الأخبار الدالة على الاذن في
الطلاق المقتضى للصحة قلنا كما أن الاخبار قد وردت بالمنع من طلاق الحايض مط
كذلك وردت بالمنع من طلاق من لم ينتقل من طهر المواقعة إلى حيض ثم إلى طهر اخر
بعده كقول الباقر عليه السلام في رواية زرارة لاطلاق الاعلى سنة ولاطلاق على سنة
الا على طهور من غير جماع ولا طلاق على سنة وعلى طهر من غير جماع الا يبينه ورواية
زرارة ومحمد بن مسلم ويكبر وفضيل وغيرهم عن أبي جعفر عليه السلام وأبى عبد الله عليه السلام
انهما فالا إذا طلق الرجل في دم النفاس أو طلقها بعد ما يمسها فليس طلاقه إياها
بطلاق وان طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع ولم يشهد على ذلك
رجلين عدلين فليس طلاقه إياها بطلاق وغيرهما من الأحاديث الدالة على المنع
207

من طلاق غير المنتقلة من طهر المواقعة إلى اخر فيكون الكلام فيها كالكلام في الأخبار الدالة
على المنع من طلاق الحايض المعارضة لاخبار الاذن في طلاق الغائب بعد المدة المعتبرة
وطريق الجمع بينهما واحد ويرجع البحث إلى المنع من صحة الطلاق كما تقدم وإن كان للصحة
وجه بتقريب ما تقدم ويمكن ان يقال هنا أيضا بان الصحة ثم تقتضي الصحة هنا بطريق
أولي وذلك لان الشرط في صحة الطلاق كون المراة طاهرا من الحيض وكون الطهر مما لو
يقر بها فيه بجماع فإذا أخبر بكونها حايضا فقد تخلف الشرطان معا وهما الطهر وكونه
غير طهرا لمواقعة ومطلق الطهر حاصل وإذا اخبره بكونها طاهرا طهرا لمواقعه فالمختلف شرط
واحد وهو كون الطهر غير طهر المواقعة ومطلق الطهر حاصل وإذا قيل بصحة الطلاق
ثم كانت الصحة هنا أولي وهذا يأتي على توجيه الصحة مع الحيض مط سواء كان هو الحيض
المتعقب لطهر المواقعة أم ما بعده وعلى ما قيل من أن الصحة هناك مشروطة بكونها حايضا
بعد الطهر الثاني ينتفى الأمران معا السادسة ان يطلقها مراعيا للمدة المعتبرة ويستمر
الاشتباه فلا يعلم كونها حين الطلاق كانت طاهر أطهر المواقعة أو غيره أو حايضا وههنا
يصح الطلاق قولا واحد الوجود المقتضى للصحة وهو استبراؤها المدة المعتبرة مع باقي الشرايط
وانتفاء المانع إذ ليس ثم الاشتباه الحال وهو غير صالح للمانعية فان قيل إذا كان
انتقالها من طهر المواقعة إلى اخر شرطا في صحة الطلاق كان الجهل بالانتقال جهلا بحصول
الشرط المقتضى للجهل بصحة المشروط وإن كان ذلك انما يعتبر في الحاضر فالغايب طلاقه
صحيح وان اتفق في الحيض أو طهر المواقعة مع العلم به وبدونه لان ذلك ليس شرطا في طلاقه
قلنا المعتبر في شرط طلاق الغايب انما هو مضى المدة المعتبرة مع عدم العلم بكونها
حايضا حال الطلاق وما في حكمه ككونها طاهرا طهرا لمواقعة فمتى انتفى العلم بذلك
حصل الشرط فيصح الطلاق فان قيل اخبار الاذن في طلاق الغايب مطلقا
208

أو بعد المدة المعتبرة غير مقيده بالطهر ولا بغيره والاخبار المقيدة بالطهر غير مقيده بالحاضر
ولا بغيره فان اعتبر في صحة طلاق الغايب مدلول اخباره خاصة لم يكن الحيض مانعا من الصحة
ولا طهر المواقعة مطلقا وان اعتبر معها مدلول هذه الأخبار لزم المنع من طلاق الغايب
مع الجهل بالحال ومع تبين الحيض والمطهر بعد الطلاق وان جهل الحال عنده والاتفاق
على خلافه قلنا وجوب الجمع بين الأخبار المطلقة والعامة تقتضي اعتبار جميع
ما دلت عليه الأخبار المختلفة الا ما أخرجه الاجماع وهو الطلاق من الغايب مع
اشتباه الحال دائما ومع ظهور الحيض وطهر المواقعة بعد ذلك ويبقى ما عدا المجمع عليه
على الأصل من اعتبار واستجماع جميع ما أمكن جمعه من الشرايط التي من جملتها مضى
المدة في الغايب والسلامة من الحيض وطهر المواقعة فان قيل هذا يقتضى المنع
من طلاق الغايب لو تبين بعد ذلك وقوعه في طهر المواقعة لأنه لا اجماع عليه
وقد تقدم نقل الخلاف فيه قلنا إن سلم عدم الاجماع عليه المستفاد من اطلاق
الأصحاب صحة الطلاق مع اعتبار المدة المذكورة من غير تقييد بظهور الموافقة
وعدمه أمكن استناد الصحة فيه إلى مفهوم الموافقة بالنسبة إلى صحة طلاق من تبين
كونها حائضا المنصوص على صحته المجمع عليه بناء على ما تقدم من أن الحيض يوجب اختلال
الشرطين معا المعتبرين في الطلاق وطهر المواقعة يوجب اختلال شرط واحد فإذا صح
الطلاق مع اختلال الشرطين صح مع اختلال شرط واحد بطريق أولي وان لم يتم
هذا الدليل وتبين عدم الأولوية التزمنا ببطلان الطلاق المذكور اعتبار الوجوب
الجمع بين الاخبار بحسب الامكان السابعة ان يطلقها قبل مضى المدة المذكورة
ولكن ظهر بعد الطلاق وقوعه في طهر لم يقربها فيه وفى صحة الطلاق ح وجهان
من مطابقة الشرط في نفس الامر وظهور الحال ومن عدم اجتماع الشرايط المعتبرة في
209

الطلاق حال ايقاعه فان من جملتها التربص به المدة المذكور ولم تحصل ومن نظائر هذه المسألة
ما لو باع مال أبيه ظانا حياته بل قبل العلم بموته فتبين موته حالة البيع وانتقال المال
إلى البايع فان في صحة البيع لموافقة كونه مالكا حين البيع أو البطلان لعدم تحقق الملك ظاهرا
قولين والوجهان اتيان فيما لو طلق الحاضر قبل علمه بانتقالها من طهرا لمواقعة إلى اخر ثم
تبين انتقالها قبله ويمكن الفرق بين العالم بعدم جواز الطلاق قيل الاستبراء و
عدمه فيبطل مع العلم ويصح مع عدمه والفرق ان العالم بعدم الصحة لا يقصد إلى طلاق
صحيح بخلاف الجاهل فان اقترن بالقصد موافقة الشرط في نفس الامر وقع الطلاق وليس
في الاخبار ما يدل صريحا على اعتبار العلم بالانتقال من طهر المواقعة إلى اخر بل على
اشتراط وقوع الطلاق في غير طهر المواقعة والقول بالصحة مع ظهور الشرط ليس ببعيد
لكن لم اقف للأصحاب في ذلك على شئ بخصوصه الثامنة ان يطلق قبل الاستبراء
وتبين عدم الانتقال أو يستمر الاشتباء والحكم فيهما واحد وهو بطلان الطلاق
عند كل من اعتبر المدة وعلى القول بجواز طلاقه إذا غاب على كل حال يصح هنا بل يصح
وان علم بالحيض وهذه الفروع كلها غير محرره في كلام الأصحاب فينبغي امعان النظر فيها
ومراجعة الأصول والقواعد التي يستنبط منها هذه الأحكام تكميل للبحث
في هذه المسألة قد عرفت ان هذه الفروع ليست مذكورة صريحا في كلام الأصحاب
وقد يذكر بعضها في كلام بعضهم ومما اتفق الكلام فيه ان الشيخ على رحمه الله نقل
في بعض فوائده عن الامام فخر الدين ره يجوز طلاق الغايب بعد المدة المعتبرة وان اتفق
العلم بكونها حايضا بعد الطهر الثاني ورد عليه ذلك ولننقل عبارتهما في ذلك
ليتحرر المقام فقال الشيخ رحمه الله ما هذا لفظه قال العلامة فخر الدين رحمه الله في
شرح القواعد ان الغايب إذا طلق بعد الطهر الثاني عالما بأنها حايض حين الطلاق
210

صح طلاقها واستدل على ذلك بان فيه جمعا بين الاخبار وما ادعاه غير واضح
واما استدل به مردود لان الاخبار بعضها دل على جواز التطليق على كل حال وبعضها
دل على اعتبار مدة التربص وهي ما يظن معها كونها طاهرا وقت الطلاق فيخص
العموم بان زوجة الغائب انما يجوز طلاقها إذا غلب على الظن بمضي المدة المذكورة
كونها طاهرا فكأنه عليه السلام قال وزوجة الغايب على حال إذا غلب على الظن كونها
طاهرا طهر لم يقربها فيه و ح فلا دلالة فيها على ما يدعيه أصلا فان قيل
يمكن الجمع بين الاخبار بوجه آخر وهو ان يقال الأخبار الدالة على التربص دلت
على اعتبار المدة المذكورة من غير تقييد بكونها طاهرا وقت الطلاق وعدمه
فيقيد بذلك عموم الأخبار العامة فيصير هكذا وزوجة الغايب على كل حال
إذا تربص بها المدة ان ينتقل معها من طهر إلى اخر و ح فيعم ذلك ما إذا علم حيضها
حين الطلاق بعد الطهر الثاني قلنا هذا مردود لوجوه الأول انه إذ أراد
الحال في التقدير في النصوص بين أمرين أو أمور وجب تقدير ما كان الصق بالمقام
واللائح ان اعتبار الطهارة الصق وذلك لان زوجة الغايب لما اعتبر فيها الاستبراء
أو ظن الانتقال عن الحيض إلى الطهر ولم يكتف بظن الانتقال إلى الحيض أفاد ذلك أن
احكام زوجة الحاضر لاحقه لها لكن لحقا حالها بسبب البعد اكتفى عن معرفة حالها
بحسب الواقع مما يفيده معرفة عادتها الثاني انا لو سلمنا ان كلا من التقديرين ممكن
فلابد من مرجح يعين التقدير الأخر الذي يبقى معه العموم ليخص به عمومات الكتاب و
السنة الدالة على المنع من طلاق الحايض ولا ريب انه ليس هناك مرجح ومع انتفائه
فكيف يجوز الاقدام على الحكم بجواز طلاق من يعلم كونها حايضا مع قيام الدلايل
الدالة على المنع وانتفاء المعارض الثالث انه لو جمع بين الاخبار بالطريق الذي
211

يدل على مدعاه لزمه القول بان من علم بالحيض بعد الطهر الأول يجب القول بصحة طلاقه
لتناول العموم لهذا الفرد بزعمه فان قيل هذا الفرد خرج بالاجماع قلنا أي اجماع
يدعى والمفيد وجماعة يجوزون طلاق الغايب مطلقا انتهى ما يتعلق الغرض بنقله من
كلامه رحمه الله أقول في هذا البحث نظر من وجوه الأول نقله عن العلامة فخر
الدين جواز طلاق الغايب في حالة كونه عالما بكونها حايضا غير واضح لان عبارة فخر
الدين ليست كعبارة الشيخ على رحمه الله وانما هي محتملة لكون العلم بالحيض واقعا حال
الطلاق وكونه تجدد بعد الطلاق بكون الطلاق وقع حالة الحيض وهذه عبارته
بعد حكاية القول بان المدة المجوزة للطلاق ما يعلم انتقالها من طهر المواقعة إلى اخر
فهذه يصح طلاقها وإن كانت حايضا حال الطلاق وان علم بحيضها حال الطلاق
بعد الطهر الثاني وهذه العبارة كما ترى كما تحتمل كون العلم بالحيض حاصلا
له حاله الطلاق يحتمل تجدده بعده بان يكون معنى قوله وإن كانت حايضا حال الطلاق
انها حائض في نفس الامر حالته وقوله وان علم تحيضها أي ظهر له ما كان ما فعافى
نفس الامر ومع قيام الاحتمال لا ينسب إليه حكم وقريب من عبارته هذه عبارة الشيخ
أحمد بن فهد في المهذب مع ترجيح لجانب ما فسرناه به عبارة فخر الدين فإنه قال بعد
حكاية القول المذكور فيصح طلاقها ح سواء استمر طهرها في نفس الامر إلى أن يطلقها
أو رأت حيضا اخر بعد طهر المواقعة وطلقها حالة الحيض أو في طهر ثالث ويصح طلاق
هذه وان علم بحيضها حالة الطلاق انتهى فقد فسر الطهر والحيض الذي وقع فيهما الطلاق
بكونهما في نفس الامر ثم عقبه بقوله وان علم بحيضها حال الطلاق وان ظهر له الحال
وكونها حايضا حالة الطلاق مع كونه واقعا في نفس الامر وغير عالم به ويحتمل
ان يريد كونه عالما حال الطلاق بالحيض أيضا لكن مع قيام الاحتمال لا يصلح جعله
212

قولا الثاني نسبة ذلك إلى فخر الدين يشعر بكونه افتى به ووجه الاشعار نقله
عنه القول بذلك ثم الاستدلال عليه فان فيه جمعا بين الاخبار والحال انه لم يذكر ذلك
على وجه الفتوى وانما هو بصدد تعداد الا قول في المسألة فابتدا أولا بالقول الأول
الذي اختاره والده في الكتاب وهو كون الضابط في صحة طلاق الغايب ان يطلق
بعد مضى مدة يعلم انتقالها من طهر إلى اخر بحسب عادتها ولم ينبه على اختياره لذلك
وعقبه بتحرير هذا القول بان المراد بالعلم ههنا الظن الغالب الخ ثم بقوله فهذه
يصح طلاقها الخ واستدل على هذا القول بان فيه جمعا بين الاخبار ثم ذكر بقية الأقوال
واخبار التفصيل وهو انه ان علم انتقالها من طهر المواقعة إلى اخر جاز طلاقه والا
انتظر ثلاثة أشهر فلم يكن عند حكاية القول الأول له اختيار لمن تدبر فان قيل
التفصيل الذي اختاره يشتمل على القول الأول مع زيادة شئ اخر فاختياره يقتضى
اختيار ذلك القول وبقية تفاصيله وتحريره الذي من جملتها ما ذكر قلنا ما دل
القولين وإن كان أمر واحد الا ان المحكي أولا ليس هو مختاره وانما يظهر اختياره
لما ذكره اخر أو ليس فيه شئ من ذلك بل هو مختار الاستبصار مع شئ اخر وإحديهما
غير الأخر الثالث نسبته إليه تعليل هذا الحكم أعني جواز الطلاق مع العلم بالحيض
بان فيه جمعا بين الاخبار غير سديد فان قوله لأنه جمع بين الاخبار انما هو تعليل
للقول المحكي بجملته لا لما فرعه عليه قطعا وبيان ذلك أنه ذكر في المسألة أقوالا
وذكر دليل كل قول عند ذكره فاحتج للقول بوجوب الانتظار شهرا برواية إسحاق بن
عمار انه يتركها شهرا واحتج للقول بوجوب الانتظار ثلثة أشهر برواية جميل ليس
له ان يطلق حتى تمضى ثلثة أشهر واحتج للقول بعدم الانتظار بالاخبار المطلقة
واحتج لهذا القول الذي ابتداء به وهو ان الضابط انتقالها من طهر المواقعة
213

إلى غيره بان فيه جمعا بين الاخبار بحمل الخبر الدال على الانتظار شهرا على من عادتها
ان تحيض في كل شهر وخبر الثلاثة على من عادتها ان لا تحيض الا في كل ثلثة أشهر مره وحمل عدم
الانتظار على ما لو غاب في طهر لم يواقعها فيه وهذا التعليل لهذا القول أعني ان فيه جمعا
بين الاخبار وقد صرح به كل من قال به وأولهم الشيخ في الاستبصار والعلامة والمحقق
وغيرهم وقد بيناه فيما سبق واما جعله تعليلا لجواز طلاقها مع العلم بالحيض فأقل
ما فيه انه غير صالح للدلالة لان الاخبار المختلفة لا تعرض فيه للحيض ولا لعدمه كما
سخروه ومضى في تضاعيف هذه الرسالة ولأنه يبقى القول المحكي خاليا عن ذكر الدليل
وهو غير موافق لحكمه الشرح المذكور ولا لغيره ولا لما يذكره في باقي الأقوال وقد أحسن
في المهذب في حكاية هذا القول بعبارة تقرب من عبارة فخر الدين بل هي عينها وحكمها
لكنه قدم قوله إن فيه جمعا بين الاخبار على قوله فهذه يصح طلاقها إلى اخره فصار
التعليل بالجمع بين الاخبار متعينا للقول المذكور لا لقوله في تقريره ان هذه
المراة بصح طلاقها وهي حايض وان علم بحيضها وبالجملة فيكون ذلك تعليلا
للقول بكون حد الانتظار ما يعلم به انتقالها من طهر المواقعة إلى غيره لا لجواز طلاقها
وإن كانت حايضا مما لا ينبغي ان يكون فيه شبهة ولا يعتريه شك وانما أوجب ذهاب
الوهم إلى خلافه قرب المسألة المبحوث عنها من التعليل وعدم امعان النظر و ح
فسقط جميع ما ذكر من الايرادات على الجمع بين الاخبار لأنها مبنية على كون الدليل
على جواز تطليقها مع العلم بكونها حايضا ان فيه جمعا بين الاخبار وليس كذلك
وانما وجه الجواز ما أسلفناه نحن فيما سبق في المسألة الرابعة الرابع قوله لان
الاخبار بعضها دل على جواز التطليق على كل حال وبعضها دل على اعتبار مدة
التربص وهي ما يظن معها كونها طاهرا وقت الطلاق فيحض العموم الخ فيه ان ذلك على
214

ان طريق الجمع بين الاخبار تنزيلها على مراتب العادات أو ارجاعها إلى ظن انتقالها
من طهر إلى اخر وقد تقدم ما فيه فان الاخبار المقيدة انما تضمنت اعتبار المدة
المعينة أعم من حصول الانتقال فيها وعدمه ومن ظن الانتقال وعدمه ولا يضر تخصيص
العموم بالوجه الذي ذكره وانما يصير هكذا زوجة الغايب على كل حال يجوز طلاقها إذا
مضت عليها المدة المذكورة وذلك أعم من انتقالها من طهر إلى اخر ومن كونها طاهرا
أو حايضا وهذا هو المعنى المستفاد من الاخبار إذا جمع بين مطلقها ومقيدها و
وما اعتبره من منع الجمع غير واضح فان قيل لما اعتبر في زوجة الحاضر الاستبراء بمدة
مخصوصة يحصل بها الانتقال من الطهر إلى اخر ولم يكتف من الغايب بمطلق الغيبة بل
بالاستبراء مدة مخصوصة أيضا وإن كانت مخالفه لمدة الحاضر بوجه علم من الشارع
اعتبار الاستبراء على الوجه الذي اعتبر في الحاضر وزيادة وهي المدة المتطاولة
كثلاثة أشهر وما الحق بها ان ثبت ومن جملة حكم الحاضر عدم جواز طلاقه مع الحيض
فيكون الغايب كذلك قلنا الحاق الغائب بالحاضر في مطلق الاستبراء حق لكن
اعتبار ما يعتبر في الحاضر ممنوع وسند المنع ان المعتبر في الغايب انما هو مضى المدة
المذكورة التي اجتمعت عليها الأخبار المطلقة والمقيدة وليس فيها اعتبار أمر اخر
من طهرا وغيره بخلاف الحاضر فان المعتبر في استبرائه انتقالها من طهر إلى اخر سواء
كان بتلك المدة أو بأقل فصار بين الاستبراء بين عموم وخصوص من وجه وأيضا
فان طلاق الغائب يجامع الحيض في الجملة اجماعا بخلاف الحاضر فلم يكن حكم استبرائهما
بهما واحدا ولا اعتبار الاستبراء في الغايب مقتضيا لاعتبار الطهر من هذه الحيثية
أعني ملاحظة هذه الأخبار الخاصة بالغايب وانما حكمنا فيما تقدم ببطلان طلاقة
مع العلم بالحيض من جهة عموم الأخبار الدالة على بطلاق طلاق الحايض خرج
215

منه ما أجمع عليه من مصادفه الحيض في الغايب فيبقى الباقي كما أوضحناه سابقا فنحن نوافقه
في الحكم لا في سند الحكم وهذه الأخبار وإن كانت بعمومها شاملة للحايض وغيرها الا
انه يتعارض العمومين أعني عموم الأخبار الدالة على المنع من طلاق الحايض وعموم الأخبار الدالة
على جواز تطليق زوجة الغائب وعلى كل حال يجب التوفيق بين العمومين لان تخصيص
إحديهما بالآخر خاصة ترجيح من غير مرجح وقد وقع الاتفاق على تخصيص اخبار المنع
من طلاق الحايض باخبار الاذن في طلاق الغائب بعد المدة المعتبرة على تقدير ظهور
كونها حايضا في نفس الامر حال الطلاق ويبقى ما لو علم حيضها داخلا في عموم المنع
فيكون اخبار المنع هنا مخصصه لاخبار الاذن في طلاق الغائب على كل حال ويجمع بين
العمومين بقدر الامكان وتخصيص كل منهما ما أمكن تخصيصه فان قيل
تخصيص عموم الاذن في طلاق الغائب مع ظهور الحيض بعموم المنع من طلاق الحائض
يقتضى أيضا الترجيح من غير مرجح إذ يمكن ان يقال هنا بعكس ذلك بان اخبار المنع
من طلاق الحايض مع ظهور الحيض في زوجة الغايب مخصوصة بالاخبار العامة
الدالة على جواز تطليق الغايب زوجته مع انقضاء المدة المشترطة على كل حال فيكون
طلاق الحايض على هذا الوجه جائزا قلنا هذه المعارضة في محلها والعموم متحقق
من الطرفين فلا ينبغي الترجيح من غير مرجح الا انا يمكننا ح ان نقول تعارض العمومين
اقتضى اطراح الدلالتين لاستحالة الترجيح ويبقى الحكم بصحة الطلاق يحتاج إلى
دليل شرعي لأنه تأسيس حكم شرعي لم يكن فلابد له من دليل وكون الصيغة حاصلة
من أهلها وباقي الشرايط مجتمعة غير كاف في الحكم بالصحة حتى يكون المحل وهو المرأة
قابلا للوقوع ولم يتحقق ذلك فيبقى حكم الزوجية باقيا إلى أن يعلم المزيل فان قيل
كذلك الحكم ببطلان الطلاق حكم شرعي فلابد لمثبته من دليل شرعي كما يحتاج إليه
216

مدعى الصحة إذ هما متساويان في الحكم الوضعي المفتقر ثبوته إلى دليل قلنا تمنع المساواة بين
الصحة والبطلان في ذلك فان البطلان يكفي فيه الحكم بالزوجية السابق المتفق على حصوله
مع الشك في المزيل لها بخلاف الحكم بالصحة فإنه يوجب انتقال الحكم السابق وتغيره فلابد
له من دليل يوجبه وقد ظهر بذلك قوة القول بالبطلان ورجحانه ومثل هذا القدر كاف
في اثبات الحكم الشرعي وان بقى في الطرف الآخر اشتباه مرجوح فان زوال الحكم بالزوجية
الثابت بالكتاب والسنة والاجماع بمثل هذا الاحتمال غير موافق للواقع ولا اذن فيه
يحصل معه الخروج عن العهدة وعدم القول على الله بما لاتعلم الخامس وقوله في الجواب
عن توجيه الجمع بين الاخبار بالمعنى الثاني انه إذا دار الحال في النصوص بين أمرين الخ فيه
ان الجمع بين النصوص غير مفتقر إلى هذين التقديرين فلا مزية لاحديهما على الأخر وذلك
لان بعضها دل على الجواز مطلقا وبعضها على الجواز بعد مدة مخصوصة فحملها على الجواز
بعد المدة متعين حملا للمطلق على المقيد وتقدير انتقالها من طهر إلى اخر أو طهارتها
من الحيض غير داخل في مفهوم هذه الأخبار حمله فلا وجه لتقديرها قوله لان زوجة الغايب
لما اعتبر فيها الاستبراء وظن الانتقال عن الحيض إلى الطهر ولم يكتف بظن الانتقال
إلى الحيض أفاد ذلك أن احكام زوجة الحاضر لاحقه لها الخ ان سلم ان المراد من النصوص
المختلفة اراده ما يظن معه انتقالها من الحيض إلى الطهر فهذا جواب جيد لان الحاقها يزوجة
الحاضر في ذلك يقتضى الحاقها بها في كونها طاهرا من الحيض مضافا إلى الانتقال من طهر الموافقة
إلى اخر فلابد من اجتماع الشرطين لكن قد عرفت ان فهم ذلك من النصوص غير واضح الا
ان الموجه للجمع قد اعترف فيلزمه الشرط الآخر لاقتضاء الحاقها بزوجة الحاضر ذلك فان
قيل إن الروايات المذكورة لو دلت على الانتقال من طهر إلى اخر لا تدل الا على مجرد
الانتقال أعم من أن يكون طاهرا وقت الطلاق وحايضا فح تخص الروايات العامة بمقدار
217

دلالتها لا بشئ لا تدل عليه والتقييد بأمر زايد يحتاج إلى دليل فعلى هذا يندفع الوجهان الأولان
من وجهي الشيخ على رحمه الله قلنا قد عرفت عدم دلالة الاخبار على اعتبار الانتقال كما أفدناه
مرارا وانما دلت على اعتبار المدة المجردة وانما استفيد منها اعتبار الانتقال من مناسبة
الحاقها بزوجة الحاضر في اعتبار التربص لكن اكتفى بالمدة لخفاء حالها بسبب البعد حملا لها
على العادة المعروفة لها وهذا التوجيه يقتضى الحاقها بها حيث يمكن ومن الحال الممكنة انه
لو علم بحيضها امتنع طلاقها فيه بالحاقها بها في مجرد اعتبار الانتقال من الطهر إلى الأخر
دون الطهارة من الحيض غير سديد بل اللازم من الأحاديث إما اعتبار الجميع أو ترك الجميع
والاكتفاء بالمدة ويتوجه على هذا ان أصل الجمع بين الاخبار بالمعنى المردود غير جيد
لأنه مبنى على أن الجمع يصير إلى هذه الصورة زوجة الغايب إذا تربص بها المدة التي تنتقل
معها من طهر إلى اخر يصح طلاقها وهذا المعنى غير جيد كما قد أوضحناه وبما بيناه اندفع السؤال
والجوابان الأولان واما الثالث فغير لازم للقابل بالجمع المذكور أصلا فإنه في جمعه قد اعتبر
انتقالها من طهر المواقعة إلى اخر ولم يعتبر بعد ذلك كونها طاهرا أو حايضا فالتزامه القول بان
من علم بالحيض بعد الطهر لأول يجب الحكم بصحة طلاقه لتناول العموم لهذا الفرد بزعمه واضح
الفساد فان اعتبار الانتقال من طهرا لمواقعة إلى طهر اخر يخرج به ما لو كانت حايضا بعد طهر
المواقعة إذا لم يحصل الانتقال إلى الطهر الثاني الذي جعله شرط جواز الطلاق فلا يلزمه
هذا القول أصلا وإن كان التزامه جايزا من وجه اخر قد أشرنا إليه سابقا وخلاصة ان الذي
دلت عليه الأخبار بعد الجمع بينها جواز طلاق زوجة الغايب بعد مضى المدة المذكورة في
الاخبار المقيدة وهو يشمل ما إذا كانت طاهرا أو حايضا في الحيض الأول المتعقب لطهر المواقعة
وغيره فيكون طلاقها جائزا على كل حال بعد مضى مدة المذكورة بجعل هذه الأخبار مخصصة للأخبار العامة
الدالة على المنع من طلاق الحايض وهذا القول له وجه وربما كان به قائل بل هو
218

مشهور في حواشي الكتب الفقهية متداول بين كثير من النقلة المقلدة وإن كان الحق
خلافه ولكن التوجيه الذي حكوه لا يدل عليه وكذلك اللفظ نقله فخر الدين في شرحه
وكلام ابن فهد في المهذب يمكن دلالته عليه أيضا فهو في الجملة وجه أو قول ليس بالبعيد
وإن كان خلافه أقرب واعلم أن المحقق الشيخ على رحمه الله بعد ذكر ما حكيناه عنه من
البحث ادعى ان عبارات الأصحاب مشعره بما ادعاه من عدم جواز طلاقها من علم حيضها
بعد الطهر الثاني وحكى منها قول العلامة في القواعد ولو خرج مسافرا في طهر لم يقربها فيه
صح طلاقها وان صارف الحيض فان المفهوم من المصادفة عدم العلم وقوله في التحرير ولو
طلق غير المدخول بها أو التي غايب عنها قدرا يعلم انتقالها من طهر إلى اخر جاز طلاقها
مطلقا وان اتفق في الحيض والمفهوم من الاتفاق نحو المفهوم من المصادفة وقول
الشرايع إما لو انقضى من غيبته ما يعلم انتقالها من طهر إلى اخر ثم طلق صح ولو اتفق
في الحيض وأنت خبير بعدم اشعار هذه العبادات بما ادعاه فإنه لا يلزم من الحكم
بصحة الطلاق على تقدير اتفاق الحيض ومصادفته عدم صحته مع العلم به والظاهر أنهم
انما فرضوا المسألة في مصادفة الحيض واتفاقه دون تيقنه لما أسلفناه من أنه
مع تيقنه يصير بحكم الحاضر كما أن الحاضر الذي لا يعلم حالها لكونها في بيت أهلها هاجرة
له أو كونه محبوسا ونحو ذلك في حكم الغايب و ح فعدم جواز طلاقها مع العلم لامن
هذه الحيثيات التي ذكرها من جهات أخر قد أوضحناها فتدبرها موفقا إن شاء الله
تعالى والله ولى التوفيق وهو اعلم بحقايق احكامه هذا ما
اقتضى الحال من ذكر بحث هذه المسألة والله
الموفق للصواب واليه المرجع والمآب
والحمد لله على كل حال
1312.
219

هذه
رسالة في الحبوة
للشيخ الاجل السديد والمحقق
السعيد الشهيد الثاني قدس
سره
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي حبانا بدينه القويم وهدانا إلى الصراط المستقيم والصلاة على نبيه
محمد الذي هو بالمؤمنين رحيم وعلى اله وأصحابه الغر الميامين وبعد فهذا تحقيق
لمسألة مهمه تعم بها البلوى للمكلفين وليس في مباحثها مظنة يرجع إليها من يحتاجها
من المضطرين وذلك لانفراد الأصحاب بحكمها دون غيرهم من المسلمين فلم يعم الفكر فيها
سائر العلماء الباحثين وهي مرتبة على ستة مطالب دائرة على ست كلمات مفردة وهي ما وكم
وهل ومن وكيف ولم والأول يبحث فيه عن مفهوم الحبوة لغة وشرعا وهي موضوع
بحث المسألة والثاني كم يحيى من التركة بعين من أعيانها والثالث هل الحبوة
واجبة شرعا أم مستحبة والرابع من المحبو من الورثة وينتظم فيه ذكر شرايطه ومن
الذي يثبت في تركته الحبوة من الأموات والخامس كيف يختص بها على القولين مجانا
أم بالقيمة والسادس لم يحبى من يحبى دون غيره من الوراث ونتبع ذلك بذكر باقي
الاحكام وما تقتضيه الحال من الفروع ونشرع الان في المطالب معتصمين بالله تعالى
المطلب الأول الحبوة بفتح الحاء مصدر حباه إذا أعطاه والحبا بالكسر العظاء وشرعا
مال مخصوص من مال المورث الذكر يختص به من ولده الذي لا يكون له ذكر حي أكبر منه ابتلاء
220

هذا هو المتبادر من معناها شرعا حيث يقولون الحبوة كذا ويستحقها الولد الخاص
إلى غير ذلك من الاحكام حيث تذكر وهو أية الحقيقة وان استلزم النقل عن معناها
اللغوي بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية وعدم اشتراط المناسبة بين المعنى المنقول
منه واليه وإن كانت أولي وعلى هذا فيكون أهل الشرع قد استعملوا العطية في المعطى
وهو مجاز لغوى ولو لوحظ معناها لغة قيل هي عطية الولد الذكر الذي لا يكون ذكر
أكبر منه للموروث الذكر أمورا مخصوصة من تركته زيادة على غيره من الورثة ابتدأ
واحترزنا بقيد الابتداء عما لو أوصى له بها مع نفوذ الوصية فإنه حي يختص بها وهي عطية
لكن بواسطة الوصية لا ابتداء وسيأتي في تضاعيف المسألة قائدة باقي القيود انشاء
الله تعالى واعلم أن الحبوة في الجملة متفق عليها بين أصحابنا واخبارهم بها متظافرة و
سنتلوا بعضها عليك وخالفهم في ذلك ساير الفقهاء وانما اختلف أصحابنا
في وجوبها واستحبابها وفى احتسابها على المحبوب القيمة أو استحقاقه لها مجانا وفى
كميتها وشرايطها وغير ذلك من المواضع التي يأتي الخلاف فيها في تضاعيف الرسالة
واما ثبوتها في الجملة فلا خلاف فيه بينهم قال السيد المرتضى رحمه الله في الانتصار
مما انفردت الإمامية به ان للولد الذكر الأكبر للصلب دون ساير الورثة سيف أبيه
وخاتمه ومصحفه إلى اخر ما ذكروا كذلك ابن إدريس صح بالاجماع عليها في كتابه بل
على وجوبها كما سنذكره في بابه إن شاء الله تعالى وكذلك ادعى جماعة الاجماع
عليها في الجملة المطلب الثاني في بيان كميته ما يحبئ وقد اختلف الأصحاب
فيه بسبب اختلاف الروايات فالمشهور اختصاصها بأربعة أشياء ثياب البدن والخاتم
والسيف والمصحف ولم يذكر المفيد في كتاب الاعلام ثياب البدن بل اقتصر على الثلاثة
الباقية وخص أبو الصلاح الثياب بثياب الصلاة وزاد ابن الجنيد على المشهور السلاح
221

وظاهر الصدوق إضافة الكتب والرحل والراحلة لأنه ذكر في كتاب من لا يحضره فقيه رواية
ربعي ابن عبد الله المشتملة على ذلك مع اعتماده على أن لا يذكر في الكتاب الا ما بعمل به ويدين
الله تعالى بصحته ولتذكر الأخبار الواردة في الباب لنرتب عليها ما ينبغي اثباته أو نفيه
فروى الشيخ في الصحيح عن ربعي بن عبد الله عن الصادق عليه السلام قال إذا مات الرجل
فلأكبر ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه وروى بسند صحيح أبى حماد عن ربعي عنه
عليه السلام قال إذا مات الرجل فسيفه وخاتمه ومصحفه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته
لأكبر ولده فإن كان الأكبر أنثى فللأكبر من الذكور والمراد بحماد هنا حماد بن عيسى كما صرح به محمد بن
يعقوب الكليني فيكون الطريق صحيحا أيضا وإن كان الشيخ اطلقه بحيث يحتمل الثقة و
غيره لاشتراكه بينهما وفى الحسن عن حريز عنه عليه السلام قال إذا هلك الرجل وترك بنين
فللأكبر السيف الدرع والخاتم والمصحف وان حدث به حدث فللأكبر منهم وفى مرسلة
ابن اذنية عن إحديهما عليه السلام ان الرجل إذا ترك سيفا وسلاحا فهو لابنه وإن كان له
بنون فلأكبر منهم وفى الموثق عن زرارة ومحمد بن مسلم وبكير وفضيل بن يسار عن
إحديهما عليه السلام ان الرجل إذا ترك سيفا وسلاحا فهو لابنه فان كانوا ابنين فلأكبريهما
وفى الموثق عن شعيب العقرقوقي عن الصادق عليه السلام قال سألته عن الرجل يموت ماله
من متاع بيته قال له السيف وقال الميت إذا مات كان لابنه السيف والرحل وثياب جلده
فهذه جمله ما يعتبر في الباب من الاخبار وقد عرفت ان الأربعة المشهور بأنها الحبوة
خاصة لم يحصل اتفاق الاخبار عليها وانما اجتمعت في جملتها نعم اشتمل عليها صحيح ربعي
الثاني الا ان الأصحاب اعرضوا عن اثبات جملة ما فيه فاثبات حكمها منه دون ما صاحبها
مشكل ولا يقال غيرها خرج بالاجماع فيبقى الباقي لمنعه وقد عرفت سنده وخصوصا الدرع
والسلاح فقد ذكر الأول في الصحيح والثاني في الحسن معتضدا بغيره وبالجملة فاثبات
222

لأربعة خاصة من الاخبار عسر فان العمل ببعض الخبر دون بعض ترجيح من غير مرجح
خصوصا إذا كان صحيحا وحمل ما زاد في الخبر الصحيح على الاستحباب وما وافق غيره
على الوجوب موجب للاجمال وتأخير البيان عن وقت الخطاب بل وقت الحاجة
وتخصيصه باخبار تقصر عنه سند غير مناسب أيضا والتعليل بان الحبوة على خلاف الأصل
وعموم الكتاب حرج منه ما اتفق عليه فيبقى الباقي خروج عن النص جملة واعتماد
على الاجماع ويبقى النص موجبا للاستيناس خاصة ولعله أولي في الاستدلال
مضافا إلى الشهرة بين الأصحاب على ما فيه وقد قال الصادق عليه السلام لعمر بن حنظلة في حديث
المختلفين ينظر ما كان في روايتهما المجتمع عليه أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذ الذي
ليس بمشهور عند أصحابك واما اضافه السلاح مع ترك باقي المذكورات في الصحيح فليس
بجيد وان تكرر ذكره في الحدثين وكذا تخصيص أبى الصلاح الثياب بثياب الصلاة فان
الكسوة المذكورة في الصحيح أعم منها وكذا ثياب الجلد المذكورة أخيرا والظاهر أن المراد
بثياب الجلد ثياب البدن مط سواء لاصقت الجلد كالقميص أم لا بقرينة الكسوة واقتضاء
العرف ذلك واحترز لها عن نحو الفرش والدثار والوسايد فإنه لا يطلق عليها ثياب الجلد
يوجه ويمكن ان يدخل في الكسوة فإنها قد تستعمل عرفا فيما يشمل ذلك فيقال كسوة
الكعبة وكسوة البيت وغيرهما الان مطلق الاستعمال أعم من الحقيقة ومع ذلك يحصل
الشك مثل العمامة والرداء فإنهما لا يسميان ثوب جلد لغة ولا عرفا وعلى كل حال فالاعتماد
على ما دل عليه الخبر الصحيح من الكسوة المنسوبة إلى الميت وهي شامله لهما وينبغي ادخال الدرع
إما فيها لأنه كسوة أو ثوب من حديد يلبس ويكسى في بعض الأحيان كثوب التجمل أو لدخوله
في الخبر الصحيح والحسن ومثله النبل الذي يلبس لدفع المطر ونحوه وفى دخولهما في ثياب البدن
الذي عبر به الأصحاب نظروا إما البيضة وبقية كسوة الحرب ففي الحاقها بالدرع اشكال من
223

امكان شمول اسم الكسوة لها وخروجها عن ثياب البدن والجلد قطعا والأقوى عدم دخولها
واما القلنسوة وما في معناها والمنطقة ونحوها مما يشد الوسط والخف وما في معناه مما
يتخذ للرجلين واليدين ولو في بعض الأحيان بأنواعه فلا يدخل للأصل وخروجه من الثياب
والكسوة وفى نص الأصحاب في باب الكفارات على عدم اجزائها كسوة حيث تجب الكسوة بقى هنا
مباحث الأول لافرق في الثياب وما الحق بها بين المتحد منها والمتعدد وان كثرت
مع اشتراكها في الوصف بكونها ثياب بدنه وما في معناها لأنها وقعت في النصوص جمعا
مضافا فيفيد العموم ومنها العمامة المتعددة إماما ورد بلفظ الوحدة كالسيف والمصحف
فان وجد متحد انصرف الحكم إليه وان تعدد ففي دخول الجميع أو واحد منها أو ما كان يغلب استعماله أو انتسابه إليه أوجه مأخذها كونه مفردا محلا باللام في بعض الأخبار
وهو مفيد للعموم عند بعض الأصوليين وهو وجه الأول والنظر إلى ضعف القول
بعمومه والمتيقن منه واحد وهو وجه الثاني والالتفات إلى أن ما يغلب نسبته إليه يتبادر ارادته
عند الاطلاق وهو وجه الثالث الأقوى ان اتفق ومع التساوي يختص بواحد وهل تخبر
الوارث أو يخرج بالقرعة وجهان أجودهما الأول لصدق الاسم على ما يعنيه الوارث
من المحبو وأصالة البراءة من وجب غيره مع كون الحكم على خلاف الأصل وصلاحية
القرعة هنا إذ لا تعين في نفس الامر حتى يخرج بها وانما للمحبو واحد من متعدد فيتخير
المالك في تعيينه كما لو أوصى ببعض ما هو متعدد أو باع المالك قفيزا من صبرة تزيد عنه
ووجه القرعة ان الحق واحد من المتعدد غير معين وهي موضوعة لاخراج المبهم كذلك
وليس منحصرة في المعين عند الله تعالى لورودها في اخراج ثلث العبيد الذي أوصى بعتقهم
ولا مال للموصى سواهم فان المعتق يستخرج بها مع أنه غير معين عند الله تعالى في شئ
قبلها وهذا متجه أيضا ولا ريب انه أولي وابن إدريس رحمه الله اطلق انه مع تعدد
هذه الأجناس يختص بما كان يعتاد لبسه ويديمه دون ما سواه وما ذكرناه من التفصيل أجود
224

وكلامه مع ذلك لا يأتي على جميعها لتخلفه في المصحف الثاني هل ينزل حق المحبو
قبل تعيينه من المتعدد على الإشاعة أو على التعيين سواء قلنا بتخير الوارث أم بالقرعة
وجهان منشؤهما ان حقه واحد منها غير معين ظاهرا ولا في نفس الامر وهو معنى
الإشاعة وان حقه منحصر في واحد غايته انه مبهم بسبب وجود المتعدد ولاحق له في
الزائد ومن ثم لم يعتبر في استخراجه القيمة والإشاعة مع كون المستحق واحدا من المتعدد
انما يتحقق في متساوي الأجزاء كالصبرة لا في القيمي وتظهر الفائدة فيما لو تلف بعضها
قبل دفعه إليه فينحصر حقه في الباقي ولا يسقط منه شئ على الأول لوجود ما عين له
الشارع من مال مورثه وأصالة بقاء الحق وعلى الثاني يسقط بنسبة قيمة التالف
إلى المجموع والأول أقوى على القول بتخير الوارث الثالث هل يجوز للوارث التصرف
في بعضها قبل تعين حق المحبو إما على القرعة فلا شبهة في المنع لامكان ظهور المتصرف
فيه بها له فحقه متعلق به في الجملة واما على القول بتخير الوارث فيحتمل كونه كذلك
خصوصا مع تنزيل حقه على الإشاعة لتعلق حقه بها في الجملة أيضا فلا يصح التصرف فيها
بدون اذنه والأقوى عليه الجواز لان تصرفه دليل على اختياره اختصاصه به فإنه لا
فرق في الرجوع إليه بين اختياره اعطاء المحبو بعضا معينا واختياره اختصاصه ببعض
كذلك فينحصر حق المحبو في غيره ثم إن تعدد توفق؟ على اختيار اخر والا انحصر حقه فيه نعم
لو صرح بكون تصرفه لأبنية الاختصاص اتجه ح المنع منه وعدم انحصار حق المحبو
في غيره لو خالف وان اثم الرابع لو تلف الباقي من الافراد على ما اختار الوارث
اختصاصه بها قبل قبص المحبولة ففي بطلان اختياره احتمالان منشأهما سبق استحقاقه
فيستصحب وسبق تعلق حق المحبو بواحد منها فيكون اختيار باقي الوارث لبعضها يراعى بوصول المحبو إليه والا بطل التخيير وتبعه التصرف لو كان فعل الثاني لو كان التصرف
225

ناقلا عن الملك لازما كالبيع تسلط المحبو على فسخه ويمكن رجوعه إلى القيمة كما لو
فسخ ذو الخيار بعد التصرف على بعض الوجوه وعلى تقدير جواز الفسخ والرجوع بالعين
ففي كونه من أصله أو من خيبه نظر وتظهر الفائدة في النماء المتخلل وفى الاحتمال
الأخير والأخير قوة ويقوى الاشكال لو كان تصرف الوارث بالوقف لبنائه على اللزوم
الدائم بخلاف البيع لقبوله التزلزل ولو بالخيار الخامس لا ينحصر التعبير في اللفظ بل يحصل
به وبالفعل والأول كاخترت هذا للمحبو أولي ونحوه والثاني كان يبيع بعضها أو يهبه
مع الاقباض وبدونه أو يرهنه ونحو ذلك من العقوة اللازمة وفى الاكتفاء بالجائزة
ونحوها من التصرف الذي لا ينقل عن الملك ويمكن ان يدل على الاختيار ظاهرا وجهان
أجودهما ذلك لان الشارع لم يعين لذلك شيئا مخصوصا فيرجع فيه إلى ما دل عليه
عرفا السادس لا يشترط استعمال الميت لهذه الأشياء قبل موته للعموم بل يكفي اعداد
الثوب الملبس بحيث ينسب إليه ويتميز عما يملكه من جنسه لغير الاستعمال إما المصحف والسيف
والخاتم ففي اشتراط اعداده لها لنفسه أم يكفي مطلق الملك وجهان من شهادة
ظاهر اللفظ بان المراد بذلك ما كان يختص به وعموم اللفظ الشامل لما يملكه مطلقا
ولعله أقوى السابع لو كان الثوب مما يفتقر إلى الخياطة أو القطع فأعده لذلك ولم
يفعل به إحديهما أو كليهما ففي دخوله نظر من الشك في اطلاق اسم الثياب والكسوة عليها
والأقوى الدخول لصدقه لغة ويمكن ذلك عرفا ولو فعل إحديهما أو بعضه فأولى
بالدخول والانتساب إما غير الثياب فلابد من صدق اسمه فلو كان قد وضع الورق
عند الكاتب والفضة عند الصايغ والحديد عند الحداد لأجلها لم يملكها المحبو وان
شرع فيها ما لم يصدق اسمها عليه للأصل ولو صدق اسمها دخلت وان توقفت بعده
على فعل اخر و ح فلا يلزم الورثة بذل متمماته من التركة وهو واضح الثامن لو خلقت
226

الثياب حتى خرجت عن اسم ثيابه وكسوته خرجت عن الحكم لانتفاء الاسم كما لو أحدث فيها
تغيير اخراجها عنه وان بقيت أعيانها وصلحت ثيابا لغيره وكذا لو كسر السيف والخاتم أو
تغيرا على وجه أوجب خروجهما عنه نعم لو كان تغيرها لأجل اصلاحها فاتفق موته قبل
الاصلاح احتمل دخولها استصحابا لما سبق مضافا إلى نية ابقائها وعدمه لزوال
الاسم حالة الحكم بالاستحقاق وانقطع الاستصحاب وبقاء النية بمجرده غير كاف ولو
حصل التغير في بعضها دون بعض اختص بالحكم وكذا لو تحقق في جزء واحد كما لو
قطع من الثوب قطعة وان بقيت متميزة لا يصدق عليها الاسم أو كسر من السيف شئ
كذلك ولو كان المنفصل جزاء لا يتوقف رده إليه على تغيير كثير كفص الخاتم وجلد
المصحف مع صدق اسمهما على الباقي بدون الجزئين ففي استحقاق المحبو للجزئين نظر
من خروجهما عن الاسم وتحفقه في الباقي ومن تنزيلهما منزله المتصل ولعل هذا أقوى
التاسع لافرق في الثياب التي اتخذها اللبس بين ما يليق منها بحاله عادة له وغيره
ولابين المتخذة من الجلد والفرو وغيرها للعموم وكذا المصحف والخاتم والسيف
ويشكل الحكم فيما لا يليق به عادة لو كان له غيره وقد حصله ليتخذه لنفسه ولم يستعمله
بالفعل من تحقق القصد والشك في انتساب ذلك إليه لعدم كونه من أهله وان
قلنا بدخول ما أعده لذلك مما يليق به والأقوى اتباع العرف في انتسابه إليه و
عدمه العاشر في دخول غمد السيف وبيت المصحف وحمايلهما وحليتهما وجهان
من اطلاقه على الجميع عرفا وانتفائها عنه حقيقة ويحتمل دخول الغمد والحمائل
دون الحلية وبيت المصحف وتوابعه للانفكاك والشك الموجب للانتفاء وفى
دخول الجميع قوة كما يدخل في الوصية لدلالة العرف الحادي عشر لو كان له
خاتم لا يلبسه بل يختم به مثلا ففي دخوله حيث لا يكون غيره نظر من صدق اسم خاتمه
227

عليه فيدخل في اطلاقه وكون المتبادر منه الخاتم الملبوس وفى عبارة ابن حمزة تصريح باشتراط
لبسه له والأقوى عدم اشتراطه والوجهان اتيان فيما لو كان له غيره واختار الوارث اعطاؤه
للمحبو فعلى الأول يصح دون الثاني ولافرق فيه على التقديرين بين خاتم الفضة و
الحديد والنحاس وغيرها وحيث نقول بتخيير الوارث فله اختيار أقلها قيمة الثاني عشر لو كان
الثوب والخاتم مما يحرم على مخلفه لبسه كالحرير والذهب ولكن كان يلبسه ويعصى الله به أو اتخذه
لنفسه ولم يلبسه بناء على عدم اعتباره فالظاهر دخوله للعموم وان حرم لبسه على المحبو كما لو
كان مكلفا إذ لا منافاة بين اختصاصه به وعدم انتفاعه بالفعل كما لو كان غير قارئ بالنسبة
إلى المصحف أو غير منتفع بالسيف لزمانة وغيرها وإن كان المانع مختلفا في الشرعية
وغيرها ولو كان من جلس مالا تصح الصلاة فيه كجلد غير المأكول ووبره وعظيمه
فأولى بعدم المنع مع دخوله في العموم ويحبئ على تخصيص الثياب بثياب الصولة كقول
أبى الصلاح عدم دخول الثياب المتخدة مما لا تصح فيه وان جاز لبسها فغيرها مما لا يصح
لبسه مط أولي بعدم الدخول الثالث عشر لافرق في الخاتم بين ما يلبس منه
في الخنصر وغيرها من الأصابع مع صدق اسمه عرفا وفى دخول ما يلبس في الابهام منه لأجل
الرمي أو للزينة نظر من الشك في تناول اسم الخاتم له والظاهر اطلاقه عليه لغة وانتفاؤه
عرفا وهو الولي بالمراعات مضافا إلى أصالة البراءة الرابع عشر لو كان مما يلبس منه
في الإصبع الواحدة اثنان اعتبر في دخولهما اطلاق اسمه فان صدق على كل منهما كانا
كالمتعدد وان صدق على إحديهما خاصة وكان إحديهما تابعا له كالمحبس اختص الحكم
بالأول ولحق المنتفى بباقي التركة وان تعذر لبس الخاتم بدونه لانتفاء الاسم عنه وعدم
اشتراط اللبس في دخول الخاتم كما تقدم الخامس عشر لو كان الأب لا يحسن القراءة
وله مصحف ففي استحقاق الولد مصحفه احتمالان من صدق اسم المصحف المنسوب إليه
228

وانتفاء الغاية التي يظهر من النص اعتبارها والأقوى الأول للعموم واولى بالدخول
لو كان حافظا يستغنى عنه لذلك أو أعمى ومثله ما لو كان له سيف وهو مقعد أو
مقطوع اليدين السادس عشر لو لم يملك الميت فردا كاملا بل بعضه كنصف
سيف ومصحف ففي دخوله نظر من انتفاء اسم الصحف والسيف وشبههما عن الشق وكون
استحقاق الجميع قد يستلزم استحقاق البعض ولأنه لا يسقط الميسور بالمعسور ولقوله
صلى الله عليه وآله إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم ويقوى الاشكال لو ترك
نصفى سيفين أو مصحفين أو خاتمين من أنهما بمنزلة واحد ومن انتفاء الاسم عنهما و
يحتمل استحقاقه نصفا واحدا من المتعدد خاصه لئلا يلزم التعدد وأصالة عدم استحقاق
الزايد نعم لو كان المتروك بعض مصحف منفردا اتجه دخوله لاطلاقه عليه بوجه بخلاف
الحصة من المشترك السابع عشر لو لم يكن سيف متخذ للقنية ومصحف أو خاتم
لكن عنده شيئا منها بنية التجارة ومات وهو في ملكه ففي دخوله في الحبوة نظر من صدق
اسمه ونسبته إليه بالملك فيدخل في العموم ولما تقدم من عدم اشتراط انتفاعه به فضلا
عن اعتبار القنية ومن كون المتبادر ما أضيف إليه بالقنية عرفا إما الثياب المتخذة
للتجارة فلا تدخل قطعا لأنها لا تعد ثياب بدنه ولا كسوته وكذا الاشكال لو كان
عنده شئ للقنية وشئ للتجارة بالنسبة إلى صدق التعدد وعدمه ويقوى هنا ترجيح
ذي القنية لغلبة نسبته إليه وهو مرجح كما سبق الثاني عشر لو قلنا بدخول
الكتب كان القول فيها كالثياب لورودها بصيغة الجمع ويتناول ما أعده للقنية
منها من سائر كتب العلم وان لم يكن عالما بما اشتملت عليه ويشكل هنا لو كان أميالا
ينتفع بها أو كان متخذها للتجارة من العموم وكونه خلاف المتبادر من كتبه إما لو كان
أعمى ابتداءا وبعد الانتفاع بها ويمكنه الانتفاع بها ولو بواسطة فلا اشكال في دخولها
229

إما السلاح فإنه اسم جنس يصدق على الواحد والمتعدد فيمكن ان يلحق بما ورد واحدا
ومجموعا لو قيل به ولعل الثاني أوجه والمراد به ما يتخذ من الحديد آلة للحرب ليقاتل
به كالسيف والرمح والسهم ويتبعه ما يتوقف عليه من غيره كخشب الرمح والسهم والقوس
على الظاهر لدلالة العرف عليه مع احتماله اختصاصه بما تضمنه تعريفه لتصريح أهل اللغة
فيقتصر فيما خالف الأصل على موضع اليقين التاسع عشر لو قلنا بدخول
الرحل توقف الامر على تحقيقه وهو يطلق لغة بالاشتراك اللفظي على المسكن وعلى
ما يستصحبه الانسان من الإناث وعلى رحل البعير وهو أصغر من القتب قاله الجوهري
فيحتمل ح ان يدخل الجميع بناء على إفادة مثل هذه الصيغة العموم وقد تقدم وواحد
منها خاصة لأصالة البراءة من غيره ومنع إفادته الجمع فيتخير الوارث أو يقرع بينها تنزيلا
له منزله المتعددة ويجيئ في المتعدد من أحد الثلاثة ما تقدم فيما جاء بلفظ الوحدة أو
الجمع ويحتمل قويا حمله على المعنى الأخير لأنه المتبادر منه حيث يقرن بالراحلة العشرون
لو قلنا بدخول الرحالة فالمراد بها المركب من الإبل ذكرا كان أم أنثى قاله الجوهري قال
وتطلق الراحلة على الناقة التي تصلح لان ترحل وفى نهاية ابن الأثير الرحالة من الإبل
البعير القوى على الاسفار والاحمال والذكر والأنثى فيه سواء والهاء فيه للمبالغة
والمغايرة متحققه بين التعريفات ظاهرا إذ لم يشترط الجوهري في تعريفه العام قوته
على السفر والحمل بل اقتصر على كونه مركبا وظاهر مغايرتهما لتخصيصه بالأنثى فيمكن
ح ان يختص الحكم بالناقة للشك في تناولها لغيرها فيرجع إلى أصالة البراءة خصوصا
فيما خالف الأصل والأقوى تناولها للذكر والأنثى للنقل المذكور ومساعدة
العرف وجاز كون اطلاقها على الخاص لكونه بعض افراده الأول ثم يجئ في المتعدد
منها ما تقدم فيما جاء مفردا معرفا ولو قلنا بعدم حمل الرحل على ما يختص بالراحلة
230

ففي دخوله فيها احتمال المدخول غمد السيف وبيت المصحف والأقوى عدم الدخول
للأصل وتحققها بدونه المطلب الثالث هل هذا الاختصاص على سبيل
الوجوب أو الاستحباب المشهور خصوصا بين المتأخرين الأول بمعنى انه يختص بإرث
هذه الأشياء كما يختص بإرث سهمه الذي عينه الله تعالى له فلا يسقط حقه منه
بالاعراض ولا يتوقف على دفع باقي الورثة له ولا على رضاه ويدل عليه ظاهر الأحاديث
فإنه خصه فيها بالمذكورات باللام المفيدة للملك أو الاستحقاق أو الاختصاص
إذ لا يصلح غير هذه الثلاثة هنا له أو للقدر المشترك بينها وهو الاختصاص كما حققه
بعض أهل العربية تعليلا للاشتراك وعلى كل تقدير يفيد المطلوب إما على الأولين
فظاهروا ما على الآخرين فلان الأصل في الاختصاص ان لا يشارك المختص غيره
في المختص به وان تخلف في بعض الموارد كقولك هذا الثوب للعبد وهذا الجل للفرس
لكن لا من حيث الاختصاص بل من عدم قبول المختص للاختصاص المطلق المفيد للملك
فيحمل على حسب ما يمكن والى هذا المعنى أشار ابن هشام في المغنى حيث قال بعد تقسيمه
إلى الثلاثة وبعضهم يستغنى بذكر الاختصاص عن المعنيين الأخيرين قال ويرجحه
ان فيه تقليلا للاشتراك وانه إذا قيل هذا المال لزيد والمسجد لزم القول بأنها
للاختصاص مع كون زيد قابلا للملك لئلا يلزم استعمال المشترك في معنييه دفعة
وأكثرهم يمنعه انتهى والتحقيق ان اللام في هذه الموارد ونظائرها ظاهره في
الملك فهو قرينة تخصيص بعض افراد المشترك على بعض ويظهر لك ذلك من اجماع
العلماء كافة على أن من قال الفلان عندي كذا أو العين الفلانية يفيد ملكه
لذلك ملكا تاما لإفادة الاختصاص الأعم منه بحيث يحتمل غير الملك مع أن الاحتمال
فيه قائم لجواز ان يكون المقر به مختصا بالمقر له على وجه من الوجوه التي لا تفيد الملك
231

والاجماع على خلافه وعدم الالتفات إلى هذا الاحتمال وادعى ابن إدريس الاجماع
على الوجوب لأنه بعد أن نقل القول بالاستحباب عن بعض الأصحاب قال إن الأول
وعنى به وجوب الحبوة وعدم احتسابها بالقيمة هو الظاهر المجمع عليه عند أصحابنا
المعمول به قال وفتاويهم في عصرنا هذا وهو سنة ثمان وثمانين وخمسمائة عليه
بغير خلاف بينهم والذي صرح به السيد المرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح وقواه العلامة
في المختلف الاستحباب قال ابن الجنيد في كتابه الأحمدي يستحب ان يؤثر الولد الأكبر إذا كان ذكرا
بالسيف وآلة السلاح والمصحف والخاتم وثياب الأب التي كانت لجسده بقيمته ولبس
ذلك عندي بواجب إذا تشاجروا عليه وقال أبو الصلاح في الكافي ومن السنة ان يجئ
الأكبر من ولد الموروث الخ واما كلام الشيخين وجماعة ممن تبعهما كابن البراج
وابن حمزه رحمهم الله فمحتمل للقولين الا انه ظاهر في الوجوب حجة القائل بالاستحباب
عموم الكتاب والسنة باختصاص الورثة مطلقا بالتركة أو بعين سهامهم كقوله
تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وتخصيصها بمثل هذه الأخبار
غير جايزا ما للمنع من العمل بخبر الواحد مطلقا كما قاعدة المرتضى وأكثر
المتقدمين من أصحابنا أو لأنه لا يخصص الكتاب وان جاز العمل به مع عدم المعارض
فان قيل اللازم من اطراح خبر الواحد عدم اثبات الحبوة مطلقا فكيف يحكم
المرتضى باستحبابها على قاعدته خصوصا مع معارضة عموم الكتاب العزيز لها و
الاستحباب حكم شرعي كالوجوب يحتاج إلى دليل قلنا الظاهر من استدلال
المرتضى انه انما استند في اثباتها في الجملة إلى اجماع الامامية لا إلى الاخبار
كما حكيناه عنه سابقا وسيجئ له عبارة أخرى يدل عليه و ح فلا يضره منعه من
العمل بالاخبار فان قيل الاجماع على ثبوتها ينافي الاستصحاب لأنه يؤدى
232

إلى انتفائها عند التشاح فيلزمه على ذلك القول بالوجوب ولان الخلاف قبله في
الوجوب غير متحقق واستناد السابقين إلى الاخبار يؤذن بالوجوب قلنا لا نسلم
ان الاجماع على ثبوتها في الجملة ينافي في الاستحباب فإنه اثبات حكم في الجملة والاجماع
الواقع بين الأصحاب عليها إلى الان انما هو في ثبوتها الأعم من كونه على وجه الوجوب
والاستحباب بل من الاخذ مجانا وبالقيمة وإذا ثبت بالاجماع القدر المشترك بين الوجوب
والاستحباب وهو رجحان اختصاصه بها وجب على طريقه المرتضى الاخذ بأقل ما قيل
منها جمعا بين الاجماع وعموم الكتاب وذلك هو الاستحباب مع أن الخلاف قبل
المرتضى متحقق لان ابن الجنيد سابق عليه بيسير وقد صرح بالاستحباب وغيره من
السابقين لا صراحة في لفظه بالوجوب خصوصا مصنفي كتب الحديث وهم جلة
السابقين على الشيخين رحمهما الله أو كلهم فإنهم يقتصرون من الفتوى على ايراد
لفظ الخبر وهو محتمل للامرين كما ادعاه العلامة في المخ وان أثبتنا ظهور الوجوب
فان قيل كيف يتحقق الاجماع على الوجوب الذي ادعاه ابن إدريس بعد
تصريح الجماعة بالاستحباب واحتمال عبارة غيرهم واحتمال الاخبار خصوصا على قاعدته
أيضا من اطراح خبر الواحد كالمرتضى بدعواه الاجماع على خلاف قاعدته قلنا لما
رأى اجماع أهل عصره كما صرح به على الوجوب ورأي السابقين الذي تحتمل
عبادتهم غير الوجوب مستندين إلى الاخبار لان الشيخين يخيرون خبر الواحد خصوصا
الشيخ رحمه الله والاخبار الذي هي مستندهم ظاهره في الوجوب حمل كلامهم عليه أيضا
اعتمادا على دلالة المستند كما بيناه و ح فلا يقدح في الاجماع الذي ادعاه مخالفة
من صرح بالاستحباب إما لانهم معروف النسب أو لانعقاده بعد موتهم على خلاف
قولهم كما يظهر من نقله اجماع أهل عصره وكلاهما كاف في دعوى الاجماع بل اتفق
233

للشيخ والمرتضى رحمهما الله في دعواه ما هو أعظم من ذلك كما لا يخفى على من اطلع على كتبهم
فدعوى ابن إدريس الاجماع ممكنه وإن كان الحق خلافها واما العلامة في المخ فجعل
مستند الاستحباب احتمال الاخبار أمرين مع أصالة عدم الوجوب وقد عرفت ما في
احتمالها لهما وان الوجوب منها أظهر وينقطع الأصل الذي رتب عليه الحكم لأنه لا ينفع
مع ورود الحكم بخلافه فكان القول بالوجوب أظهر المطلب الرابع في بيان
مستحق الحبوة والمستحق عليه إما الأول فقد عرفت من الاخبار انه الولد الأكبر
الأكبر من الذكور مع تعددهم ومع الاتحاد فالموجود منهم وبالجملة من ليس هناك ذكر
أكبر منه فهنا قيود الأول كون الحبوة للولد وهو موضع وفاق والنصوص دالة
عليه والأصل يقتضى نفيها عن غيره الثاني كونه الذكر والأخبار المتقدمة بعضها
مصرح به وهو الأكبر وفى صحيحه ربعي الأولى انها لأكبر ولده وكذلك صدر الثانية
والولد يشمل الذكر والأنثى الا انه محمول على الذكر جمعا ولأنه مطلق والباقي مقيد
فيجب حمل المطلق عليه وللاجماع أيضا الثالث كونه الأكبر مع التعدد وهو مع
الاجماع مصرح في أكثر الاخبار بل ما عداه رواية شعيب وظاهر النصوص و
الفتاوى ان المراد به الأكبر سنا فلو كان الأكبر منه بالغا بالانبات أو الاحتلام
وهو غير بالغ رجح الا سن هنا وان وجب القضاء على البالغ مع احتمال ترجيح البالغ
مطلقا وتساويهما فيها لاشتمال كل منهما على مرجح في الأكبر الرابع كونه أكبر
الذكور وإن كان هناك أنثى أكبر منه وهو مصرح به في صحيحة ربعي الثانية والطاهر
من غيرها ويظهر من عباده ابن الجنيد عدم الحبوة هنا لتخصيصه الحكم بالولد الأكبر
إذا كان ذكرا وقد تقدم الخامس انه مع اتحاد الذكر يكون له وهو مصرح به
في الاخبار الثلاثة الأخيرة لكن الصحيحان والحسن خالية عنه وكذا فتاوى أكثر الفقهاء
234

فإنهم يعبرون باستحقاق الأكبر وهو يقتضى مفضلا عليه الا ان المراد ما ذكرناه من أنه من ليس
هناك ذكرا أكبر منه وإن كانت عبارتهم محتملة لغيره واعتبار وجود المفضل عليه
في افعل التفضيل أكثري لا كلي فهذه الشروط الخمسة لا خلاف فيها ظاهر الا في
الرابع على ظاهر عبارة ابن الجنيد لكن لم ينقل أحد عنه خلافا وبقى شروط أخر في المحبو
مختلف أو مشكوك فيها أحدها كونه للصلب وفى اعتباره وجهان إحديهما وبه
قطع العلامة في الارشاد اعتباره إما لأنه المتبادر من لفظا الولد الأكبر في النص والفتوى
أو لان الحبوة في مقابلة قضاء ما فاته من صلاة وصيام سوا جعلناه شرطا فيها أو
جعلناه حكمة اثباتها ولا قضاء على ولد الولد فلا حبوة له أو للاقتصار بما خالف
الأصل على موضع اليقين ومحل الوفاق وهو ولد الصلب وأوجب التعدي إلى غيره ممن
يصدق عليه شرعا ولغة انه أكبر الولد الذكر وإن كان ولد ولد دخوله في عموم
اللفظ أو اطلاقه إذ لا شبهة في أن ولد الولد الذكر يطلق انه ولد وانما الشبهة في
ولد الأنثى ولدخوله في مثل قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم وحلايل أبنائكم
وغيرهما وهذا الوجه لم أقم على قول صريح فيه وإن كانت العبارة المطلقة في
الولد محتملة له وكيف كان فالاعتماد على الأول وثانيها كونه عند وفاة أبيه منفصلا
فلو كان حملا ففي استحقاقه الحبوة وجهان إحديهما الاستحقاق لصدق كونه ولدا
في نفس الامر وان لم يتحقق ظاهرا ومن ثم أجمع على استحقاقه الإرث بحسب ما يتفق
من ذكوريته وأنوثيته وما ذاك الا لدخوله في عموم يوصيكم الله في أولادكم وغيره
وثانيهما العدم لعدم الحكم حال الاحتياج إليه وهو موت المورث بكونه ذكرا
والأحكام الشرعية مبنيته على الطاهر خصوصا إذا كان عند الموت غير متحقق بالخلقة
الذكور به بان كان علقة أو مضغة أو غيرهما فإنه لا يصدق عليه ح ان للميت
235

ذكرا ولان افراد الحبوة ذلك الوقت ان حكم بها له كان حكما غير مطابق للواقع لأنه
ليس بذكر وان حكم بها للورثة استصحب الحكم وعمل بأصالة عدم المزيل إلى أن يتحقق وان
انتفى الأمران لزم بقاء المال بغير مالك وهو مح فان قيل هذا بعينه وارد في سهم
الحمل قبل انفصاله مع الاجماع على ايقانه واستحقاقه نصيب الذكر وإن كان علقة أو ما
دونها فهلا كان هذا كذلك قلنا يمكن الفرق بثبوت هذا بالاجماع أولا بخلاف
موضع النزاع مضافا إلى أصالة عدم الاستحقاق وبان الحمل يرث من حيث كونه ولدا
أعم من كونه ذكرا أو أنثى أو خنثى وهو متحقق في جميع الأحوال ومن ثم حكم على الأمة
بكونها أم ولد بوضع العلقة وما يكون مبداء نشو ادمى وأدخلت في عموم النهى
عن بيع أم الولد بخلاف صورة النزاع فان الحكم معلق على الولد الذكر وهو غير متحقق
قبل تخلقه ذكر أو ان سلم استحقاقه بعد ذلك إذا تحقق في نفس الامر وكيف كان فالشك
في الحكم المخالف للأصل يوجب اطراحه وإن كان الحكم باستحقاقه لو كان عند الموت متخلقا
بالذكورية أوجه وانما يقوى الاشكال قبل تلك الحالة ولم اقف في هذا الشرط على شئ
يعتد به للأصحاب وإن كان الأجود عموم الاستحقاق وثالثها كونه متحقق الذكورية
فلو كان محتملا لها وللإنوثية كالخنثى المشكل ففي استحقاقه الحبوة في الجملة أو عدمه
وجهان إحديهما العدم لتعليق الحكم في النصوص والفتاوى على الولد الذكر وهذا
ليس بذكر أو ليس متحققا بالذكورية فلا يستحق أو فلا يتحقق استحقاقه فيرجع إلى الأصل
والثاني ان يستحق نصف الحبوة بناء على انحصاره في الذكورية والأنوثية لبطلان
الحكم بالطبيعة الثالثة كما نبه بقوله تعالى يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء
الذكورا الآية وغيرها والخنثى كما يحتمل الأنوثية يحتمل الذكورية ومن ثم استحق نصف النصيبين
بالنص فيستحق نصف الحبوة لأنه نصف النصيب على تقدير الذكورية والأنوثية ويضعف
236

بان استحقاقه لذلك في السهم انما جاء من قبل النص ومن ثم رده جماعة ولولاه لكان
القول بتوريته بالقرعة أوجه وهو مفقود هنا بل ظاهر في خلافه فكان الرجوع
إلى القرعة متوجها ان لم يكن عدم الاستحقاق أوجه لأنها لكل أمر مشكل وعلى
تقدير انحصاره في الطبيعتين فهو في نفس إحديهما فيستخرج بالقرعة وفى الانحصار
نظر وفى الحكم اشكال وعدم الاستحقاق مطلقا متجه ولم اقف هنا أيضا على شئ
يعتد به للأصحاب ورابعها كونه بالغا وفى اعتباره قولان إحديهما الاعتبار
صرح به ابن حمزة وهو طاهر ابن إدريس وبناؤه على انها مقابلة القضا وهو متقف
عن الصبى فينتفى ما قابله من العوض وسيأتي ما يدل على ضعف الملازمة بينهما
والثاني وهو الاظهر الأشهر عدم اعتباره فيحبى الصغير مطلقا لعدم النص
وعدم التلازم وخامسها كونه عاقلا وفى اعتباره القولان وعدمه أظهر
للعموم وسادسها كونه سديد الرأي بان يكون معتقد اللحق مؤمنا بالمعنى
الخاص وفى اعتباره قولان إحديهما وهو المشهور بين المتأخرين وممن صرح به
المتقدمين ابن حمزه وابن إدريس ومن تأخير عنه اعتباره ولم يذكروا له حجة مقنعة
لكنه يناسب أصل ابن حمزة في القضاء فان المخالف لا يرى وجوبه فلا يحبى ويمكن الاحتجاج
للأخرى بان المخالف أيضا لا يعتقد استحقاق الحبوة بل يعتقد انها كسائر التركة
بين الوراث فيمنع منها الزاما له بمعتقده كما يلزم بغيره من الأحكام الشرعية الموافقة
له ومن ثم يغسل ويصلى عليه ميتا بمعتقده وتباح مطلقته ثلاثا ولاء بغير شهود
ويشارك في سهم العصبة وغير ذلك فيكون هنا كذلك وهذا حسن وإن كان عموم
النص يدفعه فإنه مخصوص بما ورد أيضا من الزامهم بهما الزموا به أنفسهم والمضى
معهم في احكامهم والنصوص به كثيرة وسابعها كونه غير سفيه وهذا الشرط ذكره
237

ابن إدريس وتبعه عليه المتأخرون ولم نقف على مأخذه وعموم النص يدفعه والأقوى
عدم اعتباره وهو اختيار المحقق والشيخ على صريحا ومال إليه الشهيد في الدروس
لأنه نقل الشرط عن ابن إدريس مقتصرا على النقل وهو يشعر بتمريضه كما هي عادته لكنه
في اللمعة قطع باشتراطه وكلام الأولين خال عنه وثامنها كونه متحدا فلو كان
الأكبر متعددا ففي اشتراكهم في الحبوة أو عدم استحقاقهم أصلا قولان إحديهما اشتراطه
صرح به ابن حمزة نظرا إلى ظاهر النصوص فإنها تضمنت الولد الذكر وهو متحد ولأنه
مع التعدد لا يصدق استحقاق كل واحد ما حكم باستحقاق واحد منه كالسيف والمصحف
لان بعض الواحد منهما ليس هو فلا يدخل في ظواهر النصوص وقوفا فيما خالف الأصل
على موضع اليقين والأظهر عدم اشتراطه لصدق اسم الولد الأكبر على كل من
المتعدد ولأنه اسم جنس لا ينافي المتعدد والاشتراك في السيف الواحد والمصحف
غير مانع كما لو لم يكن للميت سوى السيف على أحد الوجهين السابقين ولعموم إذا
أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم ولا يسقط الميسور بالمعسور وعلى هذا فيتحقق التساوي
في الوصف بان تولدا من امرأتين في وقت واحد وكذا تولدا من امرأة دفعه وإن كان
الفرض بعيدا ولو ولد التوأمان على التعاقب ففي اشتراكها في الأكبر نظر من زيادة
سن السابق على المسبوق ولو بيسير فيصدق التفضيل ومن عدم الاعتداد بمثل
ذلك عرفا وهذا هو الأقوى بشاهد العرف على أن مثل هذا التفاوت لا يؤثر
في التساوي ومثله ما لو ولدا من امرأتين في وقتين متقاربين الا ان العرف قد
يأبى هذا القسم في بعض الموارد وان قبله في التوأمين وبالجملة فالمرجع في ذلك إلى
العرف فمن عدهما متساويين في السن تشاركا فيها والا فلا وان حصل الشك استحق
السابق لأنه المتيقن وكذا لو زاد عن اثنين وتاسعها ان تقضى ما فات أباه من
238

صلاة وصيام وفى اعتباره قولان وبهذا الشرط صرح ابن حمزة جاعلا لحبوة عوضا
عن القضاء فإذا لم يفعل المعوض لم يستحق العوض والأظهر عدم الاشتراط والتلازم
غير ظاهر وانما دلت النصوص على استحقاقه لها وعلى وجوب القضاء فإذا لم يفعل
عصى ولم يبطل الاستحقاق وعليه يتفرع استحقاق الطفل والمجنون لها وان لم يقضيا
وعلى قول ابن حمزة هل تشترط المبادرة إلى القضاء أو يكفي العزم عليه الظاهر الثاني
لكن يكون استحقاقه لها ح مراعا بالقضاء فلو أخل به كان ضامنا لها لفقد المعوض
ويحتمل على مذهبه وجوب تقديم القضاء على الاستحقاق ليتحقق استحقاقه للعوض إذ
ليس هناك عقد لازم أوجب ملكه لها فلابد من سبب يوجبه وهو القضاء ولان العزم
لو كان كافيا لاستحقها الطفل إذا عزم على القضاء بعد البلوغ الا ان يعتبر صلاحية
للقضاء بالفعل وظاهر عبارته انه لا يستحقها الا مع القضاء بالفعل لأنه قال يأخذ
ابن الأكبر ثياب بدن الوالد وخاتمه الذي يليه وسيفه ومصحفه بخمسة شروط ثبات
العقل وسداد الرأي وفقد اخر في سنه وحصول تركه سوى ما ذكرناه وقيامه بقضاء
ما فاته من صلاة وصيام هذه عبارته وجعل القيام بالقضاء شرطا للاخذ يقتضى
تقدمه على المشروط لأنه قضية الاشتراط فهذه جملة الشروط المعتبرة في المحبو
ولو على قول أو وجه واعلم أنه لافرق في الولد الجامع للشرايط بين كونه متولدا
عن عقد صحيح وملك ووطئ شبهه وضابطه لحوقه بالأب شرعا للعموم واما من
يستحق الحبوة في تركته فقد ظهر من تضاعيف من يستحقها فهو أبو الولد الذكر الأكبر
بالشرايط وفى اشتراط اسلامه وايمانه نظر من عموم النص والنظر إلى اعتقاده عدم
الاستحقاق وكونها في مقابلة القضاء ولا قضاء على الكافر وفى المخالف نظر أيضا
ويضعف بان اعتقاده لا يؤثر في استحقاق غيره ومؤاخذته وانما يؤاخذ به المعتقد
239

وهو لا يتوجه هنا واما ارتباطها بالقضاء فقد ظهر عدمه فاتجه القول بعدم اشتراطها
فيستحق عليه مطلقا ولو كان الميت خنثى وقد اتفق تولد الولد منه إما لشبهة أو بناء على جواز تزويجه
كما فرضه الشيخ وجماعة رحمهم الله في باب الميراث وحكموا بأنه لو كان له زوجا أو زوجة فله
نصف النصيبين ففي استحقاق ولده الحبوة نظر من ظهور الأبوة وعموم النصوص ومن الشك
في اطلاق الأبوة هنا للشك في الذكورية والأقوى عدم الاستحقاق للشك فيرجع إلى الأصل
المطلب الخامس كيف تستحق الحبوة هل مجانا أم بالقيمة السوقية وقد اختلف
الأصحاب في ذلك فذهب الأكثر ومنهم عامة المتأخرين إلى الأول بل ادعى عليه ابن إدريس
الاجماع النصوص باستحقاقها من غير شرط فلو كان استحقاقها مشروطا
بدفع القيمة لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب أو الحاجة ولان اللام أفادت ملكه
لها على بيناه والأصل براءة الذمة من أمر اخر ولأنه لو قال سيفي لفلان مثلا أفاد ملكه
له بغير عوض فكذا هنا لاتحاد مدلول الصيغة بحسب هذا المعنى وقال السيد المرتضى
وابن الجنيد ومال إليه العلامة في المخ انما يستحقها بالقيمة قال المرتضى وانما قوينا
ما بيناه وان لم يصرح به أصحابنا لان الله تعالى يقول يوصيكم الله في أولادكم للذكر
مثل حظ الأنثيين وهذا الظاهر يقتضى مشاركة الأنثى للذكر في جميع ما يخلفه
الميت من سيف ومصحف وغيرهما وكذلك ظاهر آيات ميراث الأبوين والزوجين
يقتضى ان لهم السهام المذكورة من جميع تركة الميت فإذا خصصنا الذكر الأكبر بشئ
من ذلك من غير احتساب بقيمته عليه تركنا هذه الظواهر وأصحابنا رحمهم الله لو يجمعوا على أن
الذكر الأكبر مفضل بهذه الأشياء من غير احتساب بالقيمة وانما عولوا على اخبار
رووها تتضمن تخصيص الأكبر بما ذكرناه من غير تصريح باحتساب عليه بقيمته وإذا
خصصناه بذلك اتباعا لهذه الأخبار واحتسبنا بالقيمة عليه فقد سلمت ظواهر الكتاب
240

مع العمل بما اجتمعت عليه الطايفة من التخصيص بهذه الأشياء فذلك أولي ووجه
تخصيصه بذلك مع الاحتساب بقيمته عليه انه القائم مقام أبيه والساد مسده فهو
أحق بهذه الأمور من النسوان والأصاغر للمرتبة والجاه هذا كلام المرتضى رضي الله عنه
ومرجع بنائه في الاستدلال به من الآيات والاجماع من اطراح خبر الواحد فالآيات
اقتضت عدم الحبوة والاجماع اقتضاها في الجملة من غير تخصيص بكونه مجانا واخبار
الآحاد وان اقتصت باطلاقها كونه مجانا الا انها عنده لا تصلح للحجة فجمع بين الاجماع
والقرآن باخذها بالقيمة وهذه الطريقة لا تتمشى على قواعد من عمل بالخبر الواحد
لان الاخبار مخصصه لعموم الآيات من غير اعتبار القيمة كما بيناه ومن ثم خالفه الشيخ
والجماعة في كونها بغير قيمة عملا بظواهر الاخبار الا انه يبقى عليهم ما أشرنا إليه سابقا
من أنهم لم يعملوا بجميع ما تضمنه خصوصا الصحيح منها بل خصوه بالأربعة فان اعتمدوا
على الاخبار فهى تدل على الزائد كما مراتب وان اعتمدوا على الاجماع مراعاة لجانب الآيات
القرآنية والأصول الشرعية لزمهم اعتبارها بالقيمة لان الاجماع لم يتحقق على خلاف
ذلك فان قيل كما أن الاجماع لم يتحقق على اخذها مجانا لم يتحقق على اخذها
بالقيمة فيكون القول باخذها بالقيمة مخالفا لعموم الآيات واطلاق الروايات وفتوى
أكثر الأصحاب وهو أقوى شبهه من اخذها مجانا فإنه سالم من مخالفة الاخبار و
الأصحاب قلنا هذا حق ولكن مأخذ القائل ليس هو الاخذ بالمجمع عليه حتى يرد
ما ذكر بل مراعاة الجمع بين عموم الكتاب وعدم مخالفة اجماع الأصحاب على ثبوت الحبوة
في الجملة فان القول باخذها بالقيمة لا يخرج عن اجماعهم على ثبوتها كذلك وفيه
تقليل لتخصيص عموم الكتاب مع موافقة فتوى الأصحاب باثباتها في الجملة بخلاف
القول باخذها مجانا فإنه يبعد عن موافقة الكتاب ولا يوقع في اجماع الأصحاب بل يبقى
241

الخلاف بحاله وان وافقه الأكثر فكان الجمع بين موافقتهم في أصل الفتوى بثبوتها مع
الاخذ بعموم الكتاب وتعليل تخصيصه أولي فان قيل إذا أخذت هذه الأشياء بالقيمة
ولم يفت الا العين وخصوصيتها قليلة بالإضافة إلى القيمة ولم يوجب البعد عن
عموم آيات القران فلم تقتصر على الأربعة من دون ان تعمل بجميع ما ذكر في الاخبار
الصحاح مع أنها مشتركة في الخبر بالقيمة قلنا هذا لا يرد على المرتضى لأنه لا يراعى
خبر الواحد وانما راعى ما هو عنده حجة من الاجماع ودليل القران وبهما تحصل
الموافقة على ذلك الوجه بالاقتصار على ما افتى به الأصحاب بل على أقله لحصول الغرض
وهو عدم مخالفة الاجماع ولا ضرورة إلى القول بباقي ما دل عليه الخبر لأنه ليس حجة
عنده وانما يرد هذا على غيره من الأصحاب الذين يرون العمل بخبر الواحد كالعلامة
وقد قال في المخ بعد حكايته كلام المرتضى وكلام السيد لا باس به ويؤيده الروايات
المتضمنة لتخصيصه بسلاحه ورحله وراحلته ولولا الاحتساب بالقيمة لزم الاجحاف
على الورثة انتهى وهذا الذي ادعاه انما يؤيد كلام السيد لو كان قايلا به ليلزم عنده
الاجحاف إذ قال به السيد أو الجماعة وقد عرفت ان القائل به قليل أو معدوم والإجحاف
بالأربعة غير متحقق مطلقا بل على بعض الوجوه وهو غير كاف لان اخذ جميع ما ذكر
في الرواية غير محجف على كثير من الورثة إذا كان المتروك كثيرا وبالجملة فهذه أمور
غير منضبطة حتى يتحقق الاجحاف باثباتها ونفيها على تقدير القول بثبوتها والأولى
بناء على حجية خبر الواحد القول باخذها بالقيمة وبغيره القول باخذها مجانا لدلالة
ظواهر الاخبار عليه بل لا اشعار فيها بالقيمة أصلا إذا تقرر هذا فهنا مباحث
الأول على القول باخذها بالقيمة هل المعتبر قيمتها عند الوفاة أو عند دفع القيمة
ليس في كلام القائل بها تصريح ولا تلويح بأحد الامرين وكلا الوجهين محتمل إما الأول
242

فلانه وقت انتقال التركة إلى الوارث والمحبو أحد الوراث حتى بالحبوة فإنها نوع من الإرث
زايد على غير كزيادة نصيب بعض الوارث على بعض فيعتبر القيمة وقت الانتقال لأنه وقت
الحيلولة بين باقي الوراث وبينها ولان القيمة لو اعتبرت بعد ذلك لكانت هذه
الأشياء إما ملكا للورثة فيلزم عدم اختصاص المحبو بها بل لا يجوز اخذها منهم
بغير رضاهم أو ملكا للمحبو فلا يلزمه القيمة الزايدة على ما هي عليه عند الموت أو غير
ملك لاحديهما فيلزم اعتبار رضي المالك أو خلو المال عن مالك فان قيل
جاز ان يكون موت الأب جزء السبب لملك المحبو فإنما يتم بدفعه القيمة فجاز اعتبار وقت
القيمة وان قلنا يتقدم ملك المحبو أو نقول إنه يملكها ملكا متزلزلا يستقر بدفع القيمة فجاز اعتبار وقتها كذلك أيضا قلنا كلا الامرين لا يصح معه اعتبار وقت الوفاة
إما الأول فلان الاعتبار انما هو بوقت ملك المحبو لها إذ لاوجه لاعتبار القيمة
قبل الحكم بملكه والملك لا يحصل الا بتمام سببه فإذا اعتبر تماميته بدفع القيمة لم يصح
الحكم بملكه لها قبله ويعود المحذور السابق إما الثاني فظاهر لان الملك المتزلزل
ملك في الجملة فتعتبر القيمة عند حصوله وهو يحصل بالموت لا بدفع القيمة واما الثاني
وهو اعتبارها وقت دفعها فلان ذلك بمنزلة المعاوضة عليها وإن كانت قهرية
وقيمة العوض انما تعتبر عند دفع عوضه كبيع العبد المسلم على الكافر والوارث
ليعتق وقريب منه البحث في قيمة الشجر والبناء لغير ذات الولد وعلى هذا فيلزم كونها قبل
دفع القيمة ملكا للورثة متزلزلا ويدفع القيمة ينتقل إلى ملك المحبو أو يكون الدفع
كاشفا عن سبق ملكه من حين الوفاة وإن كانت ظاهرا قبله ملكا لجميع الورثة ولان
ملك المحبو مشروط بدفع القيمة فقبل حصول الشرط لا يحصل المشروط والأقوى
الأول للنصوص السابقة الدالة على ملك المحبو لتلك الأشياء معلقا على موت
243

أبيه من غير شرط وذلك مقتضى تحقق الملك من حين الموت قضية للتعليق وانما اعتبرت
القيمة جمعا بين الحقين ويكفى في مراعاة هذا الجمع كونه يملكها بعوض حين الموت
الثاني هل يملكها على التقديرين ملكا قهريا بعوض يثبت في ذمته أم يتوقف
تملكه لها على رفع القيمة كل محتمل إما الأول فظاهر النصوص الدالة على ملكه لها
بالموت كما قدمناه كقوله عليه السلام إذا مات الرجل فسيفه لابنه الخ فان ذلك يقتضى
تحقق الملك بالموت وان لم يدفع القيمة و ح فتبقى القيمة في ذمته بمنزلة الدين الذي
يتركه الميت على غيره من الوراث فيملكه الورثة كذلك سواء أمكن تحصيله منه
أم لا واما الثاني فلان القيمة اعتبرت مراعاة الحق الورثة وعملا بعموم الآيات و
ذلك لا ينتظم مطلقا بجعل القيمة في ذمته لجواز امتناعه ومطله؟ وهربه على وجه يوجب
الاضرار بالورثة فرعاية الجمع بين الحقين توقف تملكه لها على دفع القيمة ويقوى هذا
القول بمراعاة القيمة عند الأداء والأقوى الثاني مطلقا لأصالة البراءة من عوض
يثبت في ذمته بغير اختياره لأنه قد يؤدى إلى الاضرار به مع أن ثبوتها مبنى على
ترجيحه وغبطته ومن ثم اطلق عليها اسم الحبوة وتظهر الفائدة في جواز تصرفه فيها
قبل دفع القيمة وفيما لو تلفت أو بعضها قبل دفع القيمة بغير تفريط وفى جواز
امتناعه من اخذها كذلك إما غيره من الورثة فلا يجوز له التصرف فيها مطلقا لأنها
إما مملوكة للمحبو أو موقوفه على أمر إلى أن ينكشف الحال فلو باع بعض الورثة
نصيبه منها قبل الانكشاف بطل البيع على الأول قطعا ويحتمل على الثاني
والمراعاة الثالث لو لم يدفع القيمة هل يبطل حقه منها بمجرده أم يتوقف على أمر
اخر كاسقاط حقه أو تصريحه بعدم الدفع مطلقا كل محتمل والأقوى ان الحاكم يلزمه
بأحد الامرين على التخيير إما الدفع أو اسقاط حقه ومع تعذر الحاكم وامتناعه من الاختيار
244

فالأقوى جواز تسلط الورثة عليها حذرا من الاضرار و ح فيسقط حقه منها و
ان بذل القيمة بعد ذلك نعم لو اعتذر بغيبة العوض ونحوه أجل مقدار ما يزول
معه عذره إذ لم يؤد إلى التطويل المفرط المؤدى إلى الضرر ولو قيل إن اخذه لها
بالقيمة فورى كاخذ الشفعة ويعذر هنا فيما يعذر هناك من وجوه التأخير أمكن
لاشتراكهما في الموجب للفورية الرابع لو كان المحبو غير مكلف فان قلنا بالملك
القهري دفع إليه وليه القيمة من ماله واخذها وان أقفناه على دفعها ففي تعين ذلك
عليه أو يلزمه مراعاة الأغبط للمحبو وجهان أجودهما الثاني لأنها ح معاوضة فيراعى
فيها الغبطة له الخامس لو كان الولد غايبا فإن كان عوده قريبا عادة بحيث لا يؤدى
إلى الاضرار بالورثة وجب انتظاره ليترتب عليه أحد الامرين وان طالت غيبته رفع
الورثة أمرهم إلى الحاكم فيحكم عليه بما هو الأغبط له فإن كان الأغبط دفع القيمة
ولم يكن له مال حاضر غيرها سلطهم عليها أو باعها أو بعضها على تقدير الفضل
بان زادت قيمتها ذلك الوقت ان اعتبرنا القيمة عند الوفاة وابقى له الباقي أو قيمته
ولو تعذر الحاكم وجعلنا ملكه قهريا اخذوها مقاصه والا فالأقوى جواز تسلطهم
عليها حذرا من الاضرار المطلب السادس لم يحبئ هذا الولد دون غيره من
الورثة والسؤال فيه عن حكمة الحكم وهو غير لازم لان أكثر الاحكام غير معللة
بعلة معقوله ولأنه لو علل كل شئ لزم التسلسل وما هذا التخصيص الا كالحكم بالفروض
المعينة في كتاب الله تعالى لأربابها زيادة ونقصانا كجعل نصيب الذكر مثل حظ
الأنثيين ولو أردنا ابداء الحكمة هنا ربما كانت أسهل من كثير من تلك الفروض
فان الولد الأكبر قائم مقام أبيه وربما كان واقفا في منصبه ومنزلته وكان أولي
بما كان يختص من ثيابه وسيفه وخاتمه ومصحفه وغيرها إن كان لتحقق النيابة وتتم
245

الخلافة وربما ظهر بهذا خير كثير للورثة وانتظام أمرهم وظاهر انه أولي من اقتسام الورثة
لذلك واحد المراة منه حصة ولباسه لزوجها الأجنبي من الميت وكذلك غيرها من الورثة
واما من شرط في استحقاقها قضاء ما على الميت فالحكمة فيه واضحه فإنها ح ومعاوضة محضة بل
اجرة عمل ربما كانت اجرته اضعاف هذه الأشياء ويمكن ان يصلح ذلك عليه وان لم
نجعله شرطا فيها فان الولد الأكبر لما كان في كثير من الأوقات مكلفا وائلا إلى التكليف
حيث توجب عليه القضاء بعد التكليف وكان الأغلب في المكلفين عدم السلامة من
فوات صلاة أو صوم بحيث يستجمع ما يعتبر فيها من الشرايط والأركان كانت الحبوة
بإزاء ما فرضه الله تعالى على هذا الولد من القضاء غالبا وتخلف الحكمة عن الحكم في
بعض الموارد لا يقدح في الحكمية لأنا قد علمنا من حكمه الشارع انه إذا أراد ان ينيط
حكما بحكمة يجعل له ضابطا يرجع إليه تسهيلا على المكلفين وتحقيقا للحكم وان تخلفت
الحكمة في بعض افراده وذلك الضابط كما فاط القصر بالسفر إلى المسافة لما كانت
مظنة المشقة غالبا وهي الحكمة في الحكم مع تخلفها عنه وجودا وعدما في كثير من
الموارد فقد تحصل المشقة في سفر نصف المسافة وأقل لبعض المكلفين على بعض
الوجوه وقد لا تحصل المشقة في السفر إلى اضعاف كثيره مضاعفة لتلك المسافة المضبوطة شرعا لبعض
المكلفين على بعض الوجوه الا ان الغالب لما كان حصول المشتقة فيها ينيط الحكم بها وكذلك
العيب المجوز لرد الحيوان المبيع وفسخ البيع لما كان مرجعه إلى نقصان قيمة المبيع بسببه وكان
ذلك غالبا يتحقق بزيادة في الخلقة الأصلية أو نقصان عنها جعل ذلك ضابطا له
وحكم بجواز الفسخ بمجرده مع تخلف الوصف في كثير بل مع زيادة القيمة كخصا العبد
مراعاة لضبط الاحكام وان تخلفت الحكمة وجملة الامر ان الأحكام الشرعية إذا
نيطت بأمور حكمية لا تخرج عن قواعدها الكلية يتخلف الحكم في بعض موضوعاتها
246

الجزيئة واعلم أن الحبوة قد انفكت عن القضاء في مواضع الأول ان لا يفوت الميت
شئ من الصلاة والصيام وترك حبوة فيحبى ولده ولا يقضى الثاني عكسه بان يموت وعليه
صلاة وصيام ولا يخلف حبوة أصلا إما الاستغراق دينه كما سيأتي أو بان لا يترك الأثياب
بدنه ويحتاج إليها أجمع في كفنه ومؤنة تجهيزه أو غير ذلك فيجب على الولد القضاء ولا
يحبئ الثالث ان يكون طفلا فإنه يحبى على ما تقدم ولا يجب عليه القضاء ح ثم إن مات
قبل التكليف اختص بالحبوة بغير قضاء وان بلغ قبل ان يقضى ما فات أباه ففي وجوب
القضاء عليه ح وجهان من سبق الحكم بالبرائة فيستصحب ولان موت أبيه إذا لم يترتب
عليه وجوب القضاء فمجرد البلوغ لم يثبت من الشارع جعله سببا في وجوبه وانما
المستفاد من النصوص الوجوب بالموت وهو منفى هنا لانتفاء الخطاب عن الصبى و
من اطلاق النص بان على الولد قضاء ما فات أباه من ذلك المتناول لموضع النزاع وخرج
منه الصبى لعدم التكليف فيجب عليه حيث يكلف الرابع ان يكون مجنونا والكلام فيه
كالصغير الخامس ان يكون بالغا عاقلا لكنه سفيه فيجب عليه القضاء وفى حبوته ما تقدم
السادس ان يكون مخالفا ان قلنا إنه لايحبئ السابع ان يكون متعددا في سن واحد
ان قلنا بعدم الحبوة كذلك فان هذه الأمور غير مانعة من القضاء الثامن ان يكون
ما فات الأب من الصلاة والصيام وقع عمدا فان الولد يحبئ مع جمعه للشرايط اجماعا
ولا يقضى على قول التاسع ان يتبرع بالقضاء متبرع قبل فعل الولي فإنه يحبى ويسقط
عنه القضاء العاشر ان يكون الولد خنثى إذا قلنا إنه يحبى بنصف الحبوة فإنه لاقضاء
عليه لاختصاصه بالذكر ويحتمل قويا ان يقال بوجوب نصف القضاء عليه أيضا
لان ذلك لازم فرضه ذكرا كما لزمه نصف الحبوة ولو قلنا لا يحبي فلا قضاء عليه
ويحتمل عكس الأول وهو وجوب القضاء عليه دون الحبوة لو قلنا بوجوب القضاء
247

على غير الذكر لو فقد وبالجملة فالضابط ثبوت القضاء مع تخلف الحبوة لفقد شرط
من الشروط أو بالعكس فهذا ما اقتضاه الحال من الكلام على هذه المطالب الستة
وبقى في المسألة أمور الأول شرط ابن حمزة في استحقاق الحبوة مضافا إلى ما تقدم ان
يخلف الميت تركة غيرها وتبعه على هذا الشرط ابن إدريس وأكثر المتأخرين وكلام
الشيخين وجماعة خال عنه وكذلك النصوص على ما رأيت وربما علل الاشتراط
باستلزامه على تقدير ان لا يخلف الاجحاف بالورثة والاضرار بهم وبان الحبوة تؤذن
بابقاء شئ اخر وفى رواية شعيب ما يؤذن به لأنه قال سألته عن الرجل يموت ماله
من متاع بيته قال له السيف الخ فان من ويؤذن بان الحبوة بعض المتاع وفيه نظر
لمنع الاضرار بذلك مطلقا وعلى تقدير فقد ثبت حيث يخلف غيرها أيضا ولان
الحق إذا ثبت بالنص أو الاجماع أو هما لا يقدح فيه الاضرار والاجحاف بغير المستحق
كما إذا أجحف سهم الذكر بالأنثى لضعفها وحاجتها وكذا غيره من سهام الورثة و
الحبوة العطية للمحبو أعم من مصاحبتها لشئ اخر والعبرة في الرواية بالجواب وهو لا يدل
على اعتبار شئ اخر والسؤال ليس صريحا فيه مع قصور الرواية عن اثبات مثل هذا
الحكم وتقييد الصحيح والحسن من الاخبار وفى الدروس نسب اشتراطه إلى ابن إدريس
وابن حمزة ساكتا عليه مؤذنا بتمريضه وحاله ما قد رأيت الثاني على تقدير اشتراطه هل يكفي
بقاء شئ متمول من التركة أم لابد من كونه كثيرا بحيث يحصل به الغرض من دفع الاضرار
وزوال الاجحاف الذي يقتضيه أصل الاشتراط هو الأول لتحقق الشرط وهو ان يترك
شيئا غيرها والأصل عدم اشتراط شئ اخر والتعليل يدل على الثاني الا ان اعتباره
مطلقا مشكل لان أعيان الحبوة قد تكون نفيسة غالية الثمن جدا فلابد من اعتبار شئ
كثير في مقابلها للورثة ليزول الاجحاف وابن هذا من اطلاقهم اشتراط ان يخلف
248

الميت غيرها ولقد كان اللازم للمشترط ان لا يجعل الشرط تخلفه غيرها بل تخلفه شئ
كثير يحصل الفرض وهو أمر اخر ثم على تقدير اعتبار ذلك كله لو تعدد الوارث بحيث
كان أصل التركة المنقسم عليهم كثيرا يدفع الاضرار ويزيل الاجحاف بهم جملة لكن ما
يصيب كل واحد منهم من الحصة لا يقاوم الحبوة على وجه يندفع الاجحاف بذلك
السهم ففي اعتبار الجملة أو الافراد نظر من تحقق الشرط في الجملة وفقده كذلك بالنسبة
إلى الاشخاص ويقوى الاشكال لو كان نصيب بعضهم يحصل الفرض دون نصيب
الأخر وبالجملة وكلام المشترط غير منقح وبينه وبين تعليله تدافع في موارد
ولا دليل من جهة النص ليرجع إليه عند الاشكال الثالث على تقدير اعتبار
ذلك كله لا يشترط كون نصيب كل وارث بقدر الحبوة للعموم وتحقق الوصف
بدونه واحتمل في الدروس اشتراطه نظرا إلى الاجحاف بالورثة لولاه وضعفه ظاهر و
على تقديره فينبغي مراعاة نصيب من ساوى المحبو في الخصوصية كالولد الذكر لا
مطلق الوارث كالأم والبنت إذ لاوجه لاشتراط مساواتهما للابن شرعا وعقلا والالتفات
إلى كونه يشاركهما في باقي التركة فيحجف بهما من جهة هذه الزيادة لا يوجب الحكم بكون
نصيبهما من التركة بمقدار الحبوة الرابع لو كان على الميت دين مستغرق للتركة أجمع
حتى الحبوة فالأجود انه مانع منها لان الحبوة اختصاص في الإرث لاحق متعلق
بهذه الأعيان برأسه والدين مقدم على الإرث بالنص والاجماع وهي من جملته ثم يبنى
على انتقال التركة إلى الوارث على تقدير الدين وعدمه فان قلنا بعدم انتقالها
إليه فالحبوة وغيرها من أعيان التركة سواء في صرفها في الدين وعدم خصوصية المحبو
وان قلنا بالانتقال انتقلت إلى المحبو ومنع من التصرف فيها كما يمنع من التصرف
في سهمه من غيرها إلى أن يوفى ما يخصها من الدين فيختص بها ولو لم يفتكها الولد فبذل
249

باقي الورثة الدين ففي كونه كبذلهم له بالنسبة إلى سهمه فلا يستحقه ح أو يفرق بينهما
فيستحق الحبوة خاصة وجهان من عدم الحكم بثبوتها ابتداء مط أو يشرط عدم فكه وهما
حاصلان وما بذله الورثة من الدين بمنزله اخذ الديان لها لان تلك معاوضة
جديدة على التركة ومن زوال المانع ح لتحقق التركة وصدق كون المورث قد ترك الأعيان
المذكورة مع عدم مانع من الاختصاص واستقرب في الدروس اختصاصه بها على تقدير افتكاكه
لها وقصاء الورثة الدين من عين التركة ولا تخلوا من اشكال لما بيناه من أنها ارث خاص
وأداء بعض الورثة الدين لا يوجب الاشتراك في التركة الا ان يوفى بغير اذنهم مع عدم
امتناعهم من وفاء ما يصيبهم منه قيبحه ح ذلك لان رفع الدين ح كالمتبرع على
الورثة بقضائه فيزول المانع من الإرث التفصيل حسن الخامس لو كان الدين
مستغرقا لما عدا لحبوة من التركة خاصة احتمل استحقاق الولد لها بناء على عدم اشتراط
ان يخلف غيرها تنزيلا لما عداها منزلة المعدوم بسبب تعلق الدين فيكون الحبوة للولد
كما لو لم يكن غيرها من غير دين بل هنا أولي إذ لا نفع للوارث أصلا على تقدير العدم
بخلافه هنا لانتفاعه بعين التركة ان شاء مع دفعه القيمة وقد يتفق لخصوصيات
الأعيان نفع في الجملة فيكون أولي من العدم الذي هو غير مانع منها وعدمه لان
الدين يتعلق بعد الموت بالتركة على سبيل الشياع من غير خصوصية والحبوة من
جملتها فلابد ان يخصها من الدين شئ قضية للتعلق الشايع وبهذا يفرق بينه وبين
ما لو لم يكن هناك دين ولا تركة غيرها فلا يستحقها أجمع الا إذا بذل ما يخصها من
الدين وهو أظهر والوجهان اتيان فيما لو استغرق التركة وبعض الحبوة بالنسبة إلى
ما يبقى منها لانتفاء المانع منه على ذلك التقدير إذ لا يشترط في استحقاقها وجود
جميع أعيانها بل يستحق الموجود منها وان لم يكن ثم دين فإذا فرض وتعلق ببعضها لم
250

يقصر ذلك البعض عن المعدوم كما تقدم فيدخل في العموم وربما اتى الوجهان فيما لو قصر
الدين عنها أجمع بحيث يبقى بعده بقية من التركة على تقدير اشتراط ان يخلق شيئا اخر
غيرها ويعتبر في الباقي غيرها ما تقدم السادس لو كان عليه دين غير مستغرق لها
ولا لما عداها بل يترك دينا في الجملة وان قل ففي منعه منها بحساب ما يخصها منه أو ثبوتها
مطلقا وجهان من عموم الأدلة الدالة على تقدير ان يبقى لهم بقية كثيرة بعد الدين
فلا مانع من استحقاقها ح ومن تعلق الدين بالتركة أجمع من غير ترجيح وهي من
جملتها فيسقط منها بالنسبة ان لم يؤد الولد ما قابله من الدين وقد عرفت ان الحبوة
ارث خاص فيشارك غيره من السهام في ذلك كما يختص بسهمه مع الأنثى في أصل الإرث
فمجرد الزيادة عن غيره لا يقتضى خصوصية زايدة في الاحكام ولعمومه قوله تعالى
من بعد وصية يوصى بها أو دين وهذا متجه الا ان ظاهرا لأصحاب عدم مانعيته
أصلا لان كثيرا منهم ذكر مانعية الدين المستغرق ولم يتعرضوا لغيره بل يظهر من
بعضهم عدم مانعيته غيره عملا بعموم النصوص ويؤيد هذا الوجه اطلاق النصوص
الكثيرة والفتوى باستحقاق الولد جميع الحبوة بشرطها مع أن الميت لا يكاد ينفك عن
دين في الجملة وان قل الا نادرا فلو اثر مطلق الدين لنبهوا على اعتباره في النصوص
والفتاوى وأيضا فان الكفن الواجب مؤنة التجهيز كالدين بل أقوى منه وهي مقدمة
على غيرها من الإرث والدين والوصايا وغيرها ومتعلقة بالتركة أيضا على الشياع
من غير ترجيح لعين على الأخرى والحبوة من جملتها فلو اثر مطلق الدين في الحبوة
لاثر الكفن الواجب ونحوه فيها فيلزم ان لا تسلم الاحد البتة وهو مناف لحكمة الشارع
من اطلاق اثباتها في النصوص الكثيرة من غير تقييد بذلك كله فهذا في الحقيقة
أمور واضحة لكنه مجرد استبعاد ففي معارضتها لما سبق نظر السابع لو أوصى الميت
251

بوصايا فإن كانت بعين من أعيان التركة غير الحبوة لم نمنع منها من حيث الوصية
لبقائها سالمة عن المعارض وان منعت من جهة أخرى كما لو استغرقت غيرها إذا قلنا
باشتراط بقاء شئ اخر من التركة أو نحو ذلك وإن كانت الوصية بمال مطلق كأعطوه
مائة درهم من مالي فما نفذ من الوصية بمنزلة الدين في تأثيره في الحبوة من عدمه فان
استغرقت التركة مع إجازة الوارث صارت كالدين المستغرق وان لم تستوعب فالوجهان
الاتيان في الدين لشيوعها في جميع التركة على السواء ومن هنا يقع الاستبعاد
أيضا في تشطير الحبوة لعدم انفكاك الناس غالبا من الوصايا في الجملة مع اطلاق
النصوص والفتاوى وبثبوت الحبوة من غير تفصيل وهذا لم ينبه عليه الأصحاب ككثير مما
سبق الثامن لو أوصى الأب بصرف الحبوة أجمع في جهة مباحة فالأقوى الصحة كما لو أوصى
بغيرها من أمواله لعموم الأدلة مع أنها من جملة ماله واختصاص المحبو بها بعد الموت
على وجه الإرث الخاص كما سلف فلا يمنع من الوصية و ح فتعتبر الثلث كغيرها لكن
هنا مع زيادتها على الثلث فالأقوى اعتبار إجازة الابن خاصة لاختصاصه بها
كما لو كان الإرث منحصرا فيه ويحتمل اعتبار إجازة الجميع لاطلاق النصوص والفتاوى
فان ما زاد من الوصية من الثلث يعتبر فيه إجازة جميع الورثة والأظهر ان هذا
الاطلاق مقيد بالمستحق كما لا اثر لإجازة غير الوارث نعم لو كان لباقي الورثة فيها
حق كما لو لم يكن غيرها أو مالا يكفي في نقوذها أجمع على ما سلف فلا شبهة في اعتبار
إجازة الجميع التاسع لو كانت الوصية أو بعضها في واجب مقدم على الإرث كما لو أوصى
بتكفينه في قميصه أو ادراجه في عمامته في موضع الازار ونحو ذلك فإن لم يكن هناك
تركة غيرها ولم يجعله مانعا أو كان ما يعتبر في نفوذها صحت الوصية وقدمت على
الحبوة ان لم يزد قيمة الموصى به عما يجب صرفه في الكفن الواجب كمية وكيفية والا اعتبر الزائد
252

من الثلث وإن كان هناك تركه غيرها ففي نفوذ الوصية وتقديمها من الأصل أو اعتبارها
من الثلث وجهان من أن الصرف في واجب يخرج من الأصل والحبوة من جملة التركة فتقدم
من الأصل كما لو أوصى يعين غيرها تخرج في وجه يخرج من الأصل ومن تحقق الفرق بين
الحبوة وغيرها من أعيان التركة فان ما تنفد من الأصل من أعيانها تفوت على جميع الورثة
على السواء كما أنه لو لم يوص بها اخرج ذلك الوجه من أصل التركة على السواء كذلك
بخلاف الحبوة فإنها مختصة بأحد الوراث فإذا قدمت الوصية فيها فاتت عليه خاصة
والا أخرجت من جميع التركة وفاتت على الجميع وهذا هو الأجود فتعتبر الوصية من الثلث مط ويتوقف الزايد على إجازة المحبو خاصة العاشر لو كانت هذه الأعيان
أو بعضها مرهونة على دين على الأب قدم حق المرتهن على الولد وروعي في استحقاقه
افتكاكها من الرهن ولا يجب على الوارث فكها للأصل و ح فللولدان يفكها من ماله
ليختص بها ولا يرجع بما عزم على التركة لتبرعه بالأداء ولو افتكها الوارث ففي استحقاق
الولد لها ح ما تقدم فيما لو قضى الدين المانع منها واولى بالاستحقاق هنا إذا لم
يكن الدين مستغرقا فهذا ما اقتضاه الحال الحاضر من بحث هذه المسألة على ضيق المجال
واشتغال البال ونسأل من الجواد الكريم المسامحة عند الهفوة والعفو عن الزلة
فيما طغى فيه القلم أو يزل فيه الفكر انه غفور رحيم واعلم أن الأولى عندي لمستحق
الحبوة ان لا يأخذ منها شيئا لكثرة ما يرد عليها من الشبهات بحيث لا يكاد يسلم
فرد من افرادها كما قد عرفت والحمد لله حق حمده وصلاته على خير خلقه
محمد واله وصحبه وسلم فرغ منها مؤلفها الفقير إلى عفو ربه
ربه تعالى وجوده وكرمه زين الدين بن علي بن أحمد الشامي
العاملي عامله الله تعالى برحمته وتجاوز عن سيأته
بمغفرته يوم الثلثا الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام عام ست وخمسين وتسعمائة حامد الله تعالى مصليا على رسوله
253

هذه
رسالة في ميراث الزوجة
للشيخ الاجل الوحيد والمحقق
الشهيد الثاني أعلى الله مقامه
ورفع الله درجاته
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم وصل
على نبيك وحبيبك محمد المصطفى وعترته الأئمة النجباء الهادين إلى الدين القويم و
سلم تسليما اعلم وفقك الله تعالى ان أصل كل وارث ان يرث من جميع متروكات
مورثه المالية ما فرضه الله تعالى له خصوصا أو عموما وقد تخلف ذلك عند أهل البيت
عليهم السلام في موضعين إحديهما حبوة الولد الذكر وقد حررنا البحث فيها بما فيه
كفاية في موضع يختص به والثاني الزوجة فان المشهور في اخبار أهل البيت عليهم السلام
المستفيضة حرمانها من شئ في الجملة ومع ذلك فالروايات مختلفة كما سنتلوه عليك
وبسببه اختلفت أقوال الأصحاب وتحقيق الحال في المسألة يتوقف على بيان خمسة مطالب دائرة
على خمس كلمات مفرده وهي ما ومن وكيف وهل ولم فالأول يشتمل على بيان ماهية لحرمان
الخاص ببيان متعلقة من أعيان التركة وينتظم فيه كميته والثاني من المحروم من الزوجات
هل هو مطلقهن أم زوجة خاصة والثالث كيف تحرم من تلك الأعيان هل هو من العين
254

والقيمة أم من العين خاصة أم من كل واحد منهما في عين خاصة والرابع هل هذا الحرمان
على وجه مستحق لازم أم غير لازم والخامس لم حرمت الزوجة من ذلك دون غيرها من
الوراث وبعد تمام المطالب وتحقيق ما هو الحق منها تتبعها إن شاء الله تعالى بما يقتضيه
الحال من فروع المسألة ومباحثها مستمدين من الله تعالى التوفيق فهو حسبنا ونعم الوكيل
المطلب الأول في بيان ما تحرم منه الزوجة من أعيان التركة في الجملة وقد اختلف
الأصحاب فيه على أقوال أحدها وهو المشهور بينهم حرمانها من الأرض سواء كانت
بياضا أم مشغولة بشجر وزرع وبناء وغيرها عينا وقيمة ومن عين آلاتها وأبنيتها
واشجارها وتعطى قيمة ذلك ذهب إلى ذلك جملة المتأخرين ومن المتقدمين الشيخ
في النهاية وابن البراج وأبو الصلاح والتقى وابن حمزة رحمهم الله تعالى على ما هو المشهور
عنهم وإن كان فيه بحث يأتي إن شاء الله تعالى وثانيها حرمانها من الرباع وهي
الدور والمساكن دون البساتين والضياع وتعطى قيمة الآلات والأبنية من
الدور والمساكن وهو قول المفيد وابن إدريس والمحقق في النافع وهو في الشرايع
مع الفريق الأول وشارح النافع تلميذه المض ومال إليه العلامة في المخ وهو في
غيره مع الأول وثالثها حرمانها من عين الرباع خاصة لامن قيمته وهو قول
المرتضى واستحسنه العلامة في المخ وان استقر رأيه فيه أخيرا على الأول وسيأتي
إن شاء الله تعالى بيان أقوال أخر ليست مشهورة حجة المشهور حسنة زرارة وبكير
وفضيل وبريد ومحمد بن مسلم بعض عن الباقر وبعض عن الصادق وبعض عن
إحديهما عليهما السلام ان المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دارا وارض الا ان يقوم
الطوب والخشب فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان من قيمه الطوب والجذوع والخشب وصحيحة
زرارة عن الباقر عليه السلام ان المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح
255

والدواب شيئا ورث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت مما ترك ويقوم النقض
والأبواب والجذوع والقصب فتعطى حقها منه وصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال
النساء لا يرثن من الأرض ولامن العقار شيئا وفى معناها اخبار كثيرة لا تبلغها في قوة
السند فاقتصرنا هنا على هذه ووجه الاستدلال بهذه الاخبار ان الآية الكريمة
دلت على ارث الزوجة سهما من كل شئ وقد اشتركت الاخبار في تخصيصها بغير الأرض
فلا ترث منها مط وبغير العين من آلاتها وطوبها وأبوابها ونحوها من متعلقاتها
الثابتة فيها فان قيل الخبر الأول ليس من الصحيح لان في طريقة إبراهيم بن هاشم
وهو ممدوح لا ثقة فيشكل الاحتجاج به برأسه والثاني الصحيح تضمن عدم ارثها من
السلاح والدواب ولا تقولون به والثالث لا يدل على جميع ما أرعيتموه في القول
المشهور إذ ليس فيه الإرث من القيمة في شئ والقدر الذي اتفقت عليه الأخيار وهو
عدم الإرث من الأرض خاصة لا تقولون به بل تضمون إليه شيئا اخر لا دليل عليه
قلنا لا نسلم عدم العمل بالخبر الحسن مطلقا خصوصا مع اشتهار مضمونه بين الأصحاب
واعتضاده بغيره في الجملة بل قد ذهب جماعة من محققي الأصحاب إلى أن الشهرة تجبر
الخبر الضعيف فكيف بما رواه هؤلاء الفضلاء الذين هم أجلاء رواة الحديث عن
الأئمة عليهم السلام وإبراهيم بن هاشم أيضا من الاجلاء الممدوحين وهو أول من نشر الحديث
بقم وناهيك برواية ولده الجليل على عنه اعتمادا منه عليه مع أن الشهيد رحمه الله في
شرح الارشاد رواها في الصحيح وكثيرا ما يتفق كثيرا للعلامة في المخ رواية
مثل ذلك صحيحا وإن كان هنا رواه في الحسن وهو الحق وما هذا شانه فهو في قوة
الصحيح واما ما تضمنه الخبر الثاني من السلاح والدواب فلا يسقط عدم القول به
الاحتجاج بالخبر أصلا بل يرد ما ذكر من حيث اجماع الأصحاب على ترك العمل به لامن
256

حيث إنه مروى ويعمل بالباقي ومثله كثير خصوصا في روايات الحبوة وقد أجاب
بعض الأصحاب عنه أيضا بحمل السلاح على ما يحبئ به الولد منه كالسيف فإنها لا ترث
منه شيئا والدواب على ما أوصى به منها أو وقفه أو عمل به ما يمنع من الإرث وذلك
وإن كان خلاف الظاهر الا ان فيه جمعا بين الاخبار وهو خير من اطراجه بلا سبب
أو بحمله على سلاح خاص ودواب خاصة لوقوع السؤال في صورة خاصة وقوله المراة
اللام فيه للعهد لا للجنس فان قيل حملها على واقعة خاصة يسقط الاستدلال
بها على العموم لما تقرر في الأصول من أن وقايع الحال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها
ثوب الاجمال وسقط بها الاستدلال قلنا على تقدير كونها خاصة نمنع تطرق الاحتمال
إليها لأنه عليه السلام أجاب بان حكم ميراث المراة ذلك من غير أن يستفصل عن دار خاصة
وآلات خاصة وغيرها وانما خصصناها في السلاح والدواب للضرورة لا من جهة
السؤال والجواب فيبقى الحكم في غيرها على العموم لان ترك الاستفصال في حكاية الحال
مع قيام الاحتمال يدل على العموم في المقال ولا منافاة بين هذا وبين القاعدة السالفة
على ما حقق في الأصول مع أن لمانع ان يمنع من خصوص المراة وعهديتها واطراح
حكم السلاح والدواب بالاجماع لا بالخبر فان قيل الأخبار المذكورة وغيرها
لم يتعرض للشجر بنفي ولا اثبات فيبقى على عموم القران فترث من عينه ولعدم ورود
التعليل الآتي فيه فكيف حكمهم بعدم ارثها من عينه قلنا هو داخل في الخبر
الثالث الصحيح المتضمن عدم ارثها من العقار لأنه من جملته لغة وعرفا قال
الجوهري العقار بالفتح الأرض والضياع والنخل فعلى هذا يكون ذكر العقار
بعد الأرض في الخبر تعميما بعد التخصيص ومثله رواية ميسرة بياع الزطي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال سألته عن النساء ما بهن من الميراث قال لهن قيمة الطوب
257

والبناء والخشب والقصب فاما الأرضون والعقار فلا ميراث لهن فيه فان قيل سلمنا
دخول النخل في ذلك فمن أين لكم تعميم الشجر مع أنه مرجوح إذا للازم العمل بعموم
الآية وتعليل التخصيص ما أمكن فيخص بالنخل للحديث الصحيح ويبقى غيره من الشجر على
أصل الحكم فترث منه مط قلنا المعروف ان العقار متناول الجميع الأشجار من
غير تخصيص بالنخل وقد قال الهروي العقار الأصل يقال لفلان عقار أي أصل
مال ومنه الحديث من باع دارا أو عقارا أي أصل مال وأيضا فلا قايل باختصاص
المنع بالنخل من المسلمين فضلا عن الأصحاب فلا يمكن القول به وان دل عليه ظاهر
النص التصحيح لذلك وانما المعروف من أقوال الأصحاب هنا ما نقلناه وحيث ثيبت
ذلك في النخل ثبت في غيره لما ذكرناه وان قيل الخبر انما دل على عدم الإرث من
العقار مطلقا فمن أين خصصتموه بالعين وأوجبتم القيمة كآلات البناء مع عدم
دلالته ولاغيره على وجوب القيمة هنا وانما دلت على قيمة آلات البناء ونحوها مما
ذكر في الأولين قلنا هذا السؤال حق ولو قيل بعدم ارثها من الشجر مطلقا عملا
بدلالة الخبر الصحيح كان متجها الا انه لا قايل به على ما ذكروه وكان ذلك هو المخصص
للمنع من العين خاصة لاتفاق المسلمين قاطبة فضلا عن الأصحاب على أن الزوجة
لا تمنع من الإرث من الشجر مط فتعين القول باعطائها القيمة استنادا إلى الاجماع
لا إلى الاخبار فان قيل يمكن الاحتجاج للقيمة بان فيها تقليلا لتخصيص
الآية فيكون أولي من تخصيصها بعين الشجر مطلقا عينا وقيمة كما صنع المرتضى
رضي الله عنه في قوله بالقيمة من الأرض أيضا استنادا إلى ما ذكرنا قلنا
الخبر الصحيح وغيره قد دلا على منعها من العقار مطلقا فلولا الاجماع لكان مدلول
النص حرمانها منه عينا وقيمة وكان هو المخصص للآية وانما يتعين تقليل
258

التخصيص مع امكانه وهو مع دلالة النص على ما ذكرناه غير ممكن من هذه الجهة
وانما وجبت القيمة بالاجماع على عدم منعها من الامرين معا وإذا كان الوجه هو الاجماع
سقط اعتبار التخصيص وإن كان لازما له إذ مع القول بالقيمة نقل التخصيص قطعا الا
انه اتفاقي لا من حيث الجمع بين الاخبار أو بينها وبين القران وبالجملة فقد عرفت ان النصوص
لا تفي بحجية القول المشهور ومستنده مطلقا قبل تحقق الاجماع غير واضح ويمكن القدح
في حجية الاجماع المذكور فان قول من خالفنا لا يعتد به وأصحابنا مختلفون في ارثها
اختلافا كثيرا مستند إلى ظواهر الاخبار المختلفة فمن أين أثبت القائل الأول
كالشيخ رحمه الله الحكم بلزوم قيمة الأشجار مع عدم دلالة النصوص عليه بل انما
دلت على عدمه كما رأيت وفى تحقق الاجماع في مثل هذا المقام بعد استقرار الخلاف
على أصول أصحابنا بحث ليس هذا مقام محل تحقيقه ويمكن إذ يحتج
على قيمة الشجر بادخالها في الجذوع بان يراد بها الجذوع الثابتة بدليل ذكر الخشب
معها في بعض الأخبار وذكر النقض في بعض فلو أريد بالجذوع الخشب لزم التكرار
و التأكيد مع أن التأسيس أولي وإن كان لا يخلوا من بحث وفى حسنة زرارة
ما ينبه على أن المراد بالجذوع الخشب لأنه اتثتنى الخشب خاصة بقوله الا ان يقوم
الطوب والخشب فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان من قيمة الطوب والجذوع والخشب واقتصر
أولا على استثناء الخشب واثبات قيمته ثم حكم بقيمة الجذوع والخشب فهو تخصيص
بعد التعميم حجة الثاني عموم القرائن بإرثها من كل شئ خرج منه ما اتفقت
عليه الاخبار وهو ارض الرباع والمساكن عينا وقيمة وآلاتها عينا لاقيمة فيبقى
الباقي وقد اقتصر على استثنائها في رواية العلا عن محمد بن مسلم قال قال أبو عبد
الله عليه السلام ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع شيئا ورواية يزيد الصايغ
259

قال سمعت أبا جعفر عليه السلام بقول ان النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئا ولكن
لهن منها الطوب والخشب قال فقلت له ان الناس لا يأخذون بهذا فقال إذا ولينا
ضربناهم بالسوط فان انتهوا والأضر بناهم بالسيف ورواية عبد الملك بن أعين
عن إحديهما عليهما السلام قال ليس للنساء من الدور والعقار شئ فهذا هو القدر المشترك
بين الروايات أجمع من وجوده مخصوصا في هذه الأخبار فيؤخذ فيما خالف الأصل بل
الاجماع بالمتيقن كما ترك القول بحرمانها من السلاح والدواب في صحيحة زرارة
فان قيل هذه الأخبار لا تعرض لها في الزوايد من الأرض بنفي ولا اثبات فإذا
دلت عليها تلك الأخبار تعين القول بها لعدم المعارض قلنا قد اعترفتم بعدم
التزام جميع ما تضمنه تلك الأخبار لاشتمالها على عدم ارثها من السلاح والدواب
فأطرحتموه واخذتم بالمتيقن والمتفق عليه وأولتموه بخلاف ظاهره فليكن هنا كذلك
مع اشتراك الزايد في المعنى الذي يوجب اطراحه فان قيل ذلك الزايد منفى
بالاجماع فاحتجنا إلى رده أو تأويله بخلاف ما ادعيتموه فإنه موضع النزاع و
قد دلت عليه الأخبار الصحيحة وغيرها من الاخبار لا بنفيه صريحا فافترقا قلنا القدح
في كلا الامرين فان أصحاب الحديث السابقين على الشيخ ذكروا الرواية الصحيحة المشتملة
على اثبات تلك الأمور وظاهرهم العمل بها فإنهم ما كانوا يذكرون الفتوى خارجه
عن الاخبار التي يرونها خصوصا مثل الصدوق الذي صرح في صدر كتابه انه لا يذكر الا
ما يعتمد عليه ويدين الله به وأيضا لم يدع أحد الاجماع على ذلك صريحا وإن كانت قواعدهم يقتضى امكان دعواه هنا من حيث الشهرة أو عدم علم المخالف ولو ادعاه مدع
لم نسلم دعواه ولا يتحقق الاجماع الذي هو حجة بمجرد ذلك ويمكن على هذه الطريقة
قلب الدليل فيدعى ان ما عممه الشيخ بعد المفيد رحمهما الله خلاف الاجماع إذ لا يعلم
قبل الشيخ قايل بالتعميم فيكون القول به خلاف الاجماع فان المعروف قبل الشيخ
260

إما القول بالقيمة كقول المرتضى أو بقى المنع أصلا كقول ابن الجنيد أو القول بالتخصيص
كقول المفيد ولم ينقل عن أحد قبل الشيخ التعميم وهم يكتفون بمثل هذا في الاجماع
خصوصا الشيخ رحمه الله فإنه يدعى الاجماع على المسألة بأقل من هذا ثم يذهب
بعد ذلك إلى خلاف ما ادعى الاجماع عليه بل ربما ادعى المرتضى الاجماع على مسألة
فيدعى هو الاجماع على خلافها وهو كثير في تضاعيف الفقه وبالجملة فالاجماع
من الطرفين في حين المنع والاخبار مختلفة ولا وثوق ببعض دون بعض فينبغي
الاقتصار على ما اتفقت عليه ولما فيه من تقليل تخصيص الكتاب ومخالفة الأصل
هذا غاية ما تلخص في تقرير هذا القول ومع جودته يمكن الجواب عنه بان هذه الأخبار
المخصصة لما ذكروه لا تقاوم تلك الأخبار الحسنة والصحيحة بل لا تصلح
للدلالة فان في طريق الخبر الأول وهو خبر محمد بن مسلم سهل بن زياد وهو ضعيف
فاسد المذهب لا يعتمد على حديثه وفى طريق الثاني جماعة ضعفاء وناهيك بيزيد
الصايغ فقد قال الفضل بن شاذان ان الكذابين المشهورين جماعة وعد منهم يزيد
الصايغ وكذا في طريق الخبر الثالث من الضعفاء جماعة أشهر هم الحسن بن محمد بن
سماعة فالعمدة في هذا الباب على تلك الأخبار المعممة للأرض سواء كانت في دار
أم قرية أم غيرها واما الشيخ رحمه الله فإنه على قاعدته من عدم التعرض للقدح في
الاخبار أجاب بان تلك الأخبار دلت على أمر زائد على هذه فتقبل إذا لم تدل
هذه الأخبار المخصصة على نفى ما عدا المذكور فيها فلا منافاة بينها بحال وهو
حسن وإن كان ما ذكرناه أحسن لما بيناه واما القول الثالث فسيأتي الكلام
فيه إن شاء الله تعالى في المطلب الثالث واعلم أن ما حكيناه من الأقوال وجعلنا
قول الشيخ والتقى وابن حمزة كقول المتأخرين تبعنا فيه المشهور بينهم من دعوى
261

ان قول الشيخ كقول المتأخرين في استحقاقها قيمة الشجر كالأبنية والانقاض والا فكلام
الشيخ ومن تبعه خال ج عن التصريح بذلك فإنه قال في النهاية المراة لا ترث في الأرضين
والقرى والرباع من الدور والمنازل بل يقوم الطوب والخشب وغير ذلك من الآلات
وتعطى حصتها منه ولا تعطى من نفس الأرضين شيئا وقال بعض أصحابنا ان هذا
الحكم مختص بالدور والمنازل دون الأرضيين والبساتين والأول أكثر في الروايات
وأظهر في المذهب ومسألة كلام تلميذه ابن البراج وقال أبو الصلاح في كتابه
الكافي ولا ترث المراة من رقاب الرباع والأرض شيئا وتعطى من قيمة آلات الرباع
من خشب واجر كسائر الإرث وقال ابن حمزة وان لم تكن ذات ولد منه لم يكن لها
حق في الأرضين والقرى والمنازل والدور والرباع وروى روايات مختلفات
يخالف ذلك هذه عباراتهم رحمهم الله وأنت خبير بان هذه العبارات ليس فيها
تصريح باعطاء قيمة الشجر ولا بالمنع من الإرث منها وانما دلت على عموم عدم
ارثها من الأرض سواء كانت رباعا أم قرى وبساتين وغيرها وعلى انها
تعطى قيمة آلات البنا من الطوب والخشب والأبواب وغيرها خصوصا قول أبى الصلاح
فإنه صريح في ذلك وان الآلات هي آلات البناء دون غيره وهذا بخلاف ما صرح
به المتأخرون من منعها من عين الشجر واعطائها قيمتها كآلات البناء الا ان يتكلف
لقول الشيخ وغير ذلك من آلات البناء بإرادة ما يعم الشجر وفيه بعد شديد لأن اطلاق
الآلة على الشجر غير معروف لغة ولا عرفا وانما المتبادر منها آلات البناء
كما هو ظاهر الاخبار وكلام أبى الصلاح صريح فيه وكلام ابن حمزة خال عن
الامرين معا و ح فالظاهر أن قول هؤلاء خارج عن الأقوال الثلاثة وانه دال
على منعها من الأرض مطلقا ومن أعيان البنا والرباع دون قيمتها وانها ترث
262

من أعيان الشجر فيخالف القول الأول في الإرث من قيمة الشجر لأنه يوجب الإرث من عينه
والثاني في المنع من غير ارض الرباع وإن كانت قرى وبساتين والعجب أن العلامة
في المخ بعد حكايته لهذه الأقوال الثلاثة كما حكيناه قال بعد نقل كلام أبى الصلاح
وهو مسنا ولكلام الشيخ وقال بعد نقله لكلام ابن حمزة الذي ذكرناه من غير
تغيير وهو يناسب قول الشيخ أيضا ولا يخفى عليك ما بين الأقوال من الفرق فان
أبا الصلاح قد صرح بتخصيص الآلات بآلات الرباع والرباع جمع ربع و
هو الدار والشيخ اطلق الآلات فان حمل حلام الشيخ المطلق على ما قيده أبو الصلاح
كما هو الظاهر لم يكونا كمذهب المتأخرين وان حملنا كلام الشيخ في الآلات على ما يعم
الشجر على ما فيه من البعد خالف كلام أبى الصلاح وكلام ابن حمزة انما دل على المنع
من الأرض مطلقا من غير تعرض لغيره فلا يناسب كلام الشيخ ولا كلام أبى الصلاح
وأيضا فان العلامة وغيره من المتأخرين ذكروا الآلات كما ذكرها الشيخ وأضافوا
إليها ذكر الشجر وهو صريح في أنهم يريدون بالآلات آلات البنا دون الشجر نظرا
إلى عدم تناولها له فكيف تحملون كلام الجماعة في الآلات على ما يشمل الشجر مع عدم
ظهورها فيها باعترافهم هذا مع قطع النظر عن دلالة النصوص ومع مراعاتها
لا يوجد فيها ما يدل على حكم الآلات مطلقا وانما هو من كلام الشيخ والجماعة
فلابد من اثبات الدليل على حكمه والنصوص كما قد عرفت انما دلت على اثبات قيمة
الطوب والجذوع والخشب فيجب حمل الآلات عليها لعدم الدليل على غيرها مع دخوله
في أدلة الإرث وقد ظهر مما ذكرناه ان في المسألة قولا رابعا وان دلالة الأخبار السابقة
الصحيحة وغيرها عليه أقوى من غيره حتى الأول لأنها تضمنت المنع من مطلق
الأرض واعطائها القيمة من الانقاض وآلات البناء فيبقى الباقي على حكمه للأصل
263

والاخبار التي احتج المفيد على الاختصاص بالرباع لا تنافي هذا القول كما لا تنافي
القول الأول كما قد بيناه وبقى اخبار المنع من العقار وهي وان نافت بظاهرها هذا
القول على تقدير تسليم كون الشجر مط من جملته الا ان المنافاة فيها ظاهرا مشتركة بينه
وبين القول الأول من حيث اشتمل على اعطائها القيمة والمنع من استحقاق العقار
يشملها ومع ذلك لا دليل عليها فكما احتيج في القول الأول إلى تأويل هذه الأخبار
يمكن هنا بل هنا أسهل من وجوه أحدها ان يحمل العقار على الأرض خاصة لأنها
هي أصل المال الذي اطلق عليه وهي لا تتغير ولا تفسد بخلاف غيرها من الأموال
حتى الشجر فإنها فروع يحدثها الناس وتقبل الفساد فكانت الأرض به أولي وثانيها
ان نسلم اطلاقها على غيرها لكن تخصه بالنخل كما صنع في الصحاح ونقول هنا انه
لا قائل من المسلمين باختصاص الحكم بالنخل عينا ولا قيمة قسقط اعتباره ويجعل
الحكم مختصا بالأرض مط وهذا كما اخرج أصحاب القول الأول السلاح والدواب من
الخبر الصحيح فكذا نخرج النخل وما حملوه عليه يمكننا الحمل عليه ان لم نخرجه وثالثها
ان يجعل العقار على اطلاقه ونجعله شاملا لجميع الشجر لكنا هنا نخصه بالأرض جمعا بين
الاخبار وبين عموم الكتاب ورابعها ان تجعله على اطلاقه أيضا لكن ليس في اللفظ اشعار
بشموله لجميع افراده بناء على أن اللام يحتمل الجنس ونحوه مما لا يقبل الشمول فيحصل
الشك في غير الأرض من افراده إما الأرض فتدخل قطعا بغيره من الاخبار وبالاجماع
في بعض مواردها فان قيل يرد مثله في الأرض لورودها معه في بعض الأخبار
بهذا اللفظ وفى غيره كذلك فيحصل الشك في تناولها لجميع افرادها فينبغي على هذا
تخصيصها بموضع الوفاق وهو ارض الرباع والمساكن كما صنع المفيد قلنا
عموم الأرض جاء من وجهين لم يتحققا في العقار إحديهما ورودها في الخبر الأول الصحيح والحسن
264

نكرة منفية وهو مفيد للعموم والثاني ان ارض الرباع قد دخلت صريحا في الاخبار
كصحيح زرارة المشتمل على القرى وغيره فلا يمكن تخصيصها بأرض الرباع بخلاف العقار
فان تخصيصه سهل كما قررناه وخامسها ان نجعله على اطلاقه أيضا ولكن نخصه بالأرض
لأنها موضع اليقين ونطرح الباقي للشك فيه مع منافاته للأصل أو خلو كثير من
الاخبار عنه فلو كان مراد الزم تأخير البيان في تلك الأخبار عن وقت الخطاب قطعا
وعن وقت الحاجة على الظاهر وسادسها ان يجعل العقار عطفا تفسيرا للأرض بقرينة
عدم ذكره في كثير من الاخبار حدرا من الاختلاف في كلام المعصوم خصوصا مع اتحاده كما
هنا وقد لحظ المحقق في النافع ذلك فقال وترث الزوج من جميع ما تركته المراة وكذا
المراة عدى العقار ثم نقل قول من طرد المنع في المزارع والبساتين فجعل العقار عبارة
عن الرباع والمساكن خاصة وهو يؤيد ما ذكرناه وقد ظهر بذلك ان هذا القول أمتن
الأقوال دليلا وأظهرها من جهة الرواية وقد قال به اجله من الأصحاب فلا أقل من
كونه أحدها واعلم أنه قد اتفق لهم في نقل الخلاف في هذه المسألة أمور غريبة أحدها
ما نقلناه عن الشيخ من المذهب مع ما نقله عنه العلامة وغيره مطلقا والثاني قوله
في المخ ان قول أبى الصلاح مساو لكلام الشيخ وقد عرفت انه يخالفه والثالث قوله إن
كلام ابن حمزة مناسب لكلام الشيخ أيضا مع شدة بعده عنه والرابع ان ولده فخر
المحققين في الشرح فهم غير ما فهمه والده فنقل عن أبي الصلاح انه يوافق الشيخ
المفيد في مذهبه من اختصاص المنع بالرباع دون غيره من الأرض مع أنه قد ذكر
المنع من الأرض مط بعد منعه من الرباع وهو خلاف قول المفيد والخامس ان
الشهيد رحمه الله في شرح الارشاد جعل قول الشيخ هو الأول وجعل ظاهر قول
أبى الصلاح وابن حمزة ذلك فخالف العلامة في المساواة إلى جعله ظاهرهما وقد عرفت
265

عدم الظهور والمساواة والسادس ان المقدار في التنقيح قال بعد نقل الخلاف ما هذا
لفظة والفتوى على قول المفيد وابن إدريس وهو المنع من رقبة الأرض واعطاء قيمة
الآلات والأشجار والفروش ولا يخفى عليك ان هذا قول المتأخرين لاقول المفيد وابن إدريس
لتصريحها بعدم المنع من البساتين والمزارع مطلقا ولامن ارض غير الرباع
وانما حكم بالقيمة في آلات الرباع خاصة وقد صارت فتواه بذلك غير معلومة لمناقضة
أول عبارته لآخرها المطلب الثاني في بيان من تحرم الإرث مما ذكر من الزوجات
وقد اختلف الأصحاب رحمهم الله فيه فذهب المفيد والمرتضى والشيخ في الاستبصار وأبو
الصلاح وابن إدريس والمحقق في النافع وتلميذ الشارح بل ادعى ابن إدريس انه
اجماع إلى أن هذا المنع عام في كل زوجة سواء كان لها ولد من الميت أم لا والاخبار
السالفة وغيرها مما ورد في هذا الباب أجمع دال على ذلك فلا وجه لإعادتها الا رواية
واحدة يأتي ذكرها والعلة المنصوصة الموجبة للحكم شاملة للزوجتين أيضا كما سيأتي
إن شاء الله تعالى وقال الصدوق والشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزه والمحقق في
الشرايع وابن عمه يحيى في الجامع والعلامة والشهيد وباقي المتأخرين ان ذلك مخصوص
بغير ذات الولد منه جمعا بين ما اطلق في تلك الأخبار وبين رواية الفضل بن عبد الملك
وابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام قال سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها
من التربة شيئا أو يكون ذلك بمنزلة المراة فلا يرث من ذلك شيئا فقال يرثها وترثه من كل
شئ ترك وتركت ووجه الجمع حمل تلك الأخبار على غير ذات الولد وهذه على ذات
الولد يناسبه كل واحدة لحكمها دون العكس ويؤيده رواية ابن أبي عمير عن ابن اذنيه
في النساء إذا كان لهن ولدا عطين من الرباع وهذا غاية ما احتج به القائل بالتفصيل
وفيه نظر لان رواية ابن أبي يعفور الدالة على عموم الإرث ظاهرة في التقية لأنها موافقة
266

لمذاهب جميع من خالفنا وفى سؤالها ما يدل عليه لأنه قال أو يكون بمنزلة المراة لا ترث
من ذلك شيئا وهذا يدل على أن السائل لا شبهه عنده في حكم المرأة مطلقا وانما اشتبه عليه
حكم الرجل وهو يدل على ظهور الحكم جدا في ذلك الوقت مضافا إلى ما وقع في الروايات
الكثيرة المطلقة في المراة من غير تفصيل ومنها الصحيح والحسن وغيرهما فتخصيص هذه الروايات
الكثيرة المروية في أوقات مختلفة وبرواة مختلفة برواية واحدة حالها على ما ترى
بعيد جدا مع أن في طريقها ابان وهو مشترك بين جماعة منهم الثقة وغيره وما هذا
حاله كيف يخص به الأخبار الصحيحة والحسنة وغيرها الكثيرة ولو عكس فخص بما
عدا ما ذكر فيها كان أولي واما رواية ابن اذنيه فهى مقطوعة لأنه لم يسند القول إلى امام
فسقط الاحتجاج بها رأسا ومع ذلك فان ابن أبي عمير روى عن ابن أذينة الحكم
في المرأة مطلقا لأنها في طريق الرواية الأولى الحسنة عن الفضلاء الخمسة وقال
الشيخ في الاستبصار بعد نقله جملة الاخبار التي وردت في حرمان المراة مطلقا و
إما ما رواه ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام ونقل الرواية السالفة فلا ينافي
الاخبار الأولة من وجهين أحدهما ان نحمله على التقية لان جميع ما خالفنا يخالف
في هذه المسألة وليس يوافقنا عليها أحد من العامة وما يجرى هذا لمجرى يجوز التقية
فيه والوجه الآخران لهن ميراثهن في كل شئ ما عدا تربة الأرض من القرايا والأرضين
والرباع والمنازل فيخص الخبر بالاخبار المتقدمة قال وكان أبو جعفر محمد بن علي بن
الحسين بن بابويه القمي رحمه الله يناول هذا الخبر ويقول ليس لهن شئ مع عدم
الأولاد من هذه الأشياء المذكورة فإذا كان هناك ولد فإنه يرث من كل شئ
واعتذر عن ذلك بما رواه ابن أبي عمير عن ابن اذنيه ان النساء إذا كان لهن ولدا
أعطين من الرباع انتهى كلام الشيخ ملخصا وهو ظاهر في عدم ارتضائه للتأويل
267

لأنه أول الخبر السابق أولا بوجهين ثم نقل الثالث عن ابن بابويه ولو كان مرضيا عنده
لقال انه لا ينافي من ثلاثة أوجه وذكر الثالث ثم أسنده إلى ابن بابويه ان شاء كما لا
يخفى واما في التهذيب فإنه قال هذا الخبر محمول على أنه إذا كان للمراة ولد فإنه ترث
من كل شئ تركه الميت عقارا كان أو غيره ثم ذكر عقبه دليلا عليه حديث ابن اذنيه ولم
يذكر الوجهين الآخرين وهو يدل على أنه موافق للصدوق واما ابن إدريس فإنه
قال فاما إذا كان لها منه ولدا عطيت سهمها من نفس جميع ذلك على قول بعض أصحابنا
وهو اختيار محمد بن علي بن الحسين بن بابويه تمسكا منه برواية شاذة وخبر واحد لا يوجب
علما ولا عملا والى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر في النهاية الا انه رجع عنه في
استبصاره وهو الذي يقوى عندي أعني ما اختاره في استبصاره ولان التخصيص يحتاج
إلى أدلة قوية واحكام شرعية والاجماع على انها لا ترث من نفس تربة الرباع و
المنازل شيئا سواء كان لها من الزوج ولدا ولم يكن وهو ظاهر قول شيخنا المفيد في
مقنعته والسيد المرتضى في انتصاره وانتهى وهذا القول كله متوجه لا قادح فيه الا
انه يمكن ان يقال لما كان عموم القران دالا على ارث الزوجة مطلقا من كل شئ وقد
ورد ما ينافي اطلاق هذا المخصص من الروايتين المذكورين وان لم يبلغ حد التخصيص
الا انه يوقع الشبهة في الجملة في اطلاق تلك الأخبار المخصصة فينبغي ان يرجع إلى
عموم الكتاب في غير محل الوفاق لأنه دلالة قوية وقد انقدحت الشبهة في تخصيصه
في محل النزاع خصوصا مع ذهاب جماعة من أجلاء أصحاب المتقدمين وجملة المتأخرين إليه وذهاب جماعة آخرين إلى مثل هذه الأخبار وان كثرت
لا يخصص القران بل لا يحتج بها لرجوعها إلى الخبر الواحد فلا أقل من وقوع
الشبهة في التخصيص وهذا لا بأس به وإن كان القول بالتسوية بين الزوجات
أيضا قويا متينا المطلب الثالث في كيفية الحرمان مما ثبت الحرمان منه قد عرفت
268

ان الكل اتفقوا على أنه في غير الأرض انما هو من العين خاصة فتعطى قيمة ما تحرمه
من غيرها مهما كان والنصوص ناطقة به واما الأرض عامة على المشهور وخاصة على القول الآخر
فذهب الأكثر إلى عدم استحقاقها منها شيئا عينا وقيمة والنصوص ناطقة به كما
عرفت وخالف المرتضى رضي الله عنه في ذلك وجعل حرمانها في ارض الرباع من العين
خاصة وأوجب لها قيمتها كما تجب قيمة آلاتها وحاول في ذلك الجمع بين ما ورد في الاخبار
وأفتى به الأصحاب من حرمانها منها وعموم الكتاب الدال على ارثها فقيد اطلاق الاخبار
بالعين واطلاق الآية بالقيمة تقليلا لتخصيص الكتاب الذي هو عمدة الاستدلال عنده
واقتصارا فيما خالف على أقل ما يمكن كما صنع في مسألة الحبوة قال رضي الله عنه في
الانتصار مما انفردت به الإمامية ان الزوجة لا ترث من رباع المتوفى شيئا بل يعطى
قيمة حقها من البناء والآلات دون قيمة العراص وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم
يفرقوا بين الرباع وغيرها في تعلق حق الزوجات والذي يقوى في نفسي ان هذه المسألة
تجرى مجرى المسألة المتقدمة في تخصيص الأكبر من الذكور بالمصحف والسيف وان الرباع
وان لم تسلم في الزوجات فقيمتها محسوبة لها ثم أحال البيان هنا على ما بينه هناك
وحاصله مراعاة الجمع بين ظواهر الكتاب وما أجمعت عليه الطايفة من الحرمان قال
العلامة في المخ وقول المرتضى حسن لما فيه من الجمع بين عموم القران وخصوص الاخبار
أقول فيه نظر بين لان الاخبار ان اعتبرت مخصصة للقران فهي دالة على حرمانها
من الأرض مطلقا وذلك من وجوه أحدها قوله فيها ان المراة لا ترث من الأرض
شيئا وقوله لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور شيئا الخ ونحوه ذلك من
العبارات ولا شك ان الإرث من قيمتها شئ والشئ قد وقع فيها نكرة منفية فيفيد
شمول النفي لإرثها منه بكل وجه فلو ورثت من القيمة لما صدق عدم ارثها شيئا منها
269

وثانيها ان المتبادر من قوله لا ترث شيئا بل من قوله لا ترث انها لا ترث من العين
ولامن القيمة كقوله القائل لا يرث والكافر لا يرث ونحو ذلك فيكون دالا بطريق
الحقيقة على ذلك وآيته مبادرة معناه إلى ذهن كل سامع لذلك واستعمال الفقهاء بالخصوص
لهذا اللفظ في هذا المعنى وإذا كان هو المخصص للآية وجب حمله على معناه الحقيقي وتخصيصا
لها من العين والقيمة والا فلا معنى لاعتبارها مخصصة من دون ان يعمل بمعناها و
ثالثها ان قوله مع ذلك الا ان يقوم الطوب والخشب قيمة فيعطى ربعها أو ثمنها إن كان
من قيمة الطوب والجذوع والخشب وقوله ويقوم النقض والأبواب والجذوع والقصيب
فتعطى حقها منه الواقع تفصيلا للحرمان يقتضى ان الحرمان من الأرض شامل للعين و
القيمة والحرمان من الآلات المذكورة من العين دون القيمة ومن القواعد المشهورة
ان التفصيل يقطع الاشتراك فلو كان حرمانها في الأرض من العين لامن القيمة لزم
اشتراك الجميع في ذلك وهو خلاف القاعدة ورابعها ان قوله ثانيا ويقوم الطوب
الخ وما في معناه يدل على تخصيص هذه الأشياء بالتقويم دون الأرض من حيث إنها
جميعا ذكرا في الحرمان لدخول الآلات المذكورة في الرباع والدار ونحوهما فلو كانت
الأرض مساويه لها في التقويم لزم الاغراء بالجهل حيث يحكم بحرمانها من الجميع ثم يحكم
باستحقاقها القيمة من البعض وهو ظاهر وخامسها انه مع الفرق المذكورة بعد الجميع
لو كانت الأرض مشاركة لغيرها في التقويم لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب مطلقا
وعن وقت الحاجة على الظاهر لان السائل والسامع يأخذ اللفظ على اطلاقه و
يحمله على معناه المتبادر وينقله لغيره ويعمل بمقتضاه خصوصا مع تعدد الرواة و
اختلاف بلدهم وزمانهم ووقوع الموت في الخلق في أكثر الأوقات وانقضاء زمن ظهور
الأئمة عليهم السلام ولم ينقل عن أحد منهم بيان ما يخالف هذا المعنى الظاهر من حرمانها من الأرض
270

مطلقا ووقوع الوقايع الكثيرة واستعمال مضمونها وهو واضح في تأخير البيان
عن وقت الحاجة فان قيل السيد المرتضى لا يعتمد في ذلك على الاخبار لكونها اخبار
آحاد لا توجب عنده العلم ولا العمل وانما اعتماده على الجمع بين عموم الكتاب واجماع
الأصحاب الذي هو عنده حجة و ح فلا يرد عليه شئ مما ذكر قلنا اجماع الأصحاب غيره
انما وقع على حرمانها من الأرض عينا وقيمة يظهر ذلك من استقراء كلامهم وفتاويهم
فإنهم لا يختلفون في ذلك ولا ينقلون الخلاف فيه الا عنه رضي الله عنه فإذا راعى
اجماعهم في التخصيص فليراعه كما وقع لا في أصل الحرمان في الجملة فان قيل يمكن ان لا
يكون تحقق في زمنه كون الاجماع على الحرمان من العين والقيمة بل عليه في الجملة
وانما تحقق بعد زمانه كما هو الظاهر فان مصنفي كتب الفتوى والمصرحين بالأحكام
والتفريع كلهم متأخرون عنه الا القليل كالمفيد وابنى بابويه وابن الجنيد وابن الجنيد
ممن يوافقه على عدم الحرمان من الأرض مطلقا بل يذهب إلى عدم الحرمان منها
مطلقا كما سيأتي في المطلب الرابع وباقي من ذكر مع أنه لا تصريح في كلامهم بالحكم أو
بما يقتضى الاجماع لا يتحقق بكلامهم الاجماع وانما تحرر لمن تأخر من الفقهاء فأمكن
القول بان الاجماع لم يتحقق الاعلى أصل الحرمان لا على تحققه من العين أو منها
ومن القيمة قلنا هذا كله حق ولكن الموجود في زمانه وقبله الاعتماد على النصوص
المذكورة أو على فتوى من عبر بها والجميع دال على الحرمان من الأرض مطلقا حسب ما
قررناه سابقا فالقول باحتماله الامرين وان المتيقن منه هو الحرمان من العين خاصة
غير واضح وهذا بخلاف ما ذهب إليه في مسألة الحبوة فان اجماعهم على ثبوتها في الأعيان
المذكورة غير مناف للقول بالقيمة كما حققناه في المسألة المختصة بها وبالجملة فمراعاة
دلالة هذه النصوص وفتاوى الأصحاب يقتضى حرمانها من الأرض في الجملة مطلقا
271

وانما ينقدح الكلام على خصوص الأرض أو عمومها لوقوع الخلاف فيها واختلاف
ظواهر الاخبار فيخصص القران بما يتعلق التخصيص به وهو ارض الرباع دون
غيرها عينا وقيمة فيعلل التخصيص من لا يلتفت إلى الاخبار بموضع وهو الأرض
الخاصة عينا وقيمة والالتفات إلى اطراح اخبار الآحاد وعدم تحقق الاجماع في
المسألة يوجب عموم ارثها من عين الجميع واما الفرق بين العين والقيمة فغير واضح
فان قيل كيف يتحقق الاجماع على الحرمان في الجملة مع مخالفة ابن الجنيد وحكمه بإرثها
من جميع ما ترك كغيرها كما سنبينه إن شاء الله تعالى مع أنه لا يعلم انتفاء قول
غيره بذلك لورود رواية صحيحة به وهي رواية عبد الله بن أبي يعفور فيمكن ان يكون
قد عمل بها كثير من رواة الاخبار أو بعضهم حيث أودعوها في كتبهم وما كان يبين
فتواهم من تلك الكتب وانما معتمدهم الاخبار قلنا إما خلاف غير ابن الجنيد فغير
متحقق بل الظاهر عدمه لتتبع المتقدمين والمتأخرين الخلاف في المسألة وما
نقل أحد منهم خلافا لغيره فيها ومثل هذا يكفي في ظهور عدم المخالف المجوز لدعوى
الاجماع على ما يظهر منهم بل أقل من ذلك وعند ذلك يسهل الخطب في مخالفة ابن الجنيد
وحده للعلم بنسبه على قاعدة الأصحاب هذا هو الذي يقتضيه بحثهم واصطلاحهم
في تحقيق الاجماع وفيه نظر ليس هنا موضع تحقيقه وعلى هذه الطريقة يمكن مراعاة
السيد رحمه الله للاجماع وعموم القران ويجمع بينهما لحرمانها في الجملة على ما فيه من النظر
والذي يظهر ان قول ابن الجنيد بإرثها مطلقا أقوى دليلا وأوفق للقواعد من مذهب
السيد عنده مطرح اخبار الآحاد لمنع الاجماع على الحرمان في الجلمة فلا يعين بتخصيص
القران مطلقا فاللازم ح أحد الطرفين إما عدم حرمانها مطلقا أو حرمانها من الأرض
مطلقا وهو طرف الأقوى واعلم أن الذي يظهر من كلام المرتضى ويقتضيه دليله ان
272

حرمانها عنده من عين الأرض دون القيمة مخصوص بأرض الرباع كما أسلفناه إما غيرها
من القرى والمزارع فحكمها عنده حكم غيرها من ماله فترث من عينه كما يقوله المفيد
ومن تبعه المطلب الرابع في أن هذا الحرمان كيف وقع هل هو مستحق عليها أم لا
والخلاف فيه ظاهرا مع ابن الجنيد خاصة لاتفاق من عداه ممن يوجد فتواهم أو ينقل
الان على أن حرمانها في الجملة أمر مستحق بدلالة الاخبار وفتوى الأصحاب على ذلك و
ذهب ابن الجنيد رحمه الله في كتابه الأحمدي في الفقه المحمدي إلى انها كغيرها من الوراث
لا تحرم من شئ مما ذكر وهذه عبارته وإذا دخل الزوج أو الزوجة على الولد والأبوين
كان للزوجة الثمن وللزوج الربع من جميع التركة عقارا وأثاثا وصامتا ودقيقا
وغير ذلك وكذا ان كن أربع زوجات ولمن حضر من الأبوين السدس وان حضروا جميعا
السدسان وما بقى للمولد انتهى ولم يخصص الولد بأنه من الزوجة وهو ظاهر في عموم
الحكم الذي ذكره للزوجات سواء كان لهن ولد أم لا وهذا هو الذي فهمه عنه من تأخر
عنه ونقلوه عنه قولا وإن كانت عبارته محتملة لمعنى اخر وحجته على ذلك عموم القران
وصحيحه ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام وقد تقدمت وما ورد من الاخبار بخلاف
ذلك لا يصلح عنده لتخصيص القران إما رد الخبر الواحد كما هو المعروف من مذهب
قدماء علمائنا حتى صار منسوبا إلينا عند من خالفنا لشهرته أو لأنه وان عمل به عند
عدم المعارض لكن لا يصلح لتخصيص عموم القران بناء على أن دلالته ظنية ودلالة
القران قطعية فلا يعارضه كما هو أحد أقوال الأصوليين وقد سبق منه في باب
الحبوة مثل ذلك ولم يخص بها الولد على وجه الوجوب لذلك لكنه حكم ثم بالاستحباب
نظرا إلى الاخبار وفتوى الأصحاب ولقد كان ينبغي منه هنا مثله لكنه لم يصرح
به فلا يرجع الخلاف هنا إلى الاستحباب والاستحقاق بل إلى الاستحقاق وعدمه ولعل
273

عذره في الفرق ان الحكم هناك تخصيص الولد بالأمور المذكورة فإذا لم يمكنه حمله
على الاستحقاق لمعارضة القران حمله على الاستحباب بمعنى انه يستحب لباقي الورثة
تخصيصه بها لان التخصيص يناسب كلا الامرين بخلاف ما هنا فان الاخبار اشتملت
على نفى ارثها من المذكور والنفي لا يناسبه الحكم بالاستحباب فلذلك اطرحه و
حمل النفي على استحباب ان لا يأخذ شيئا من أعيان ما ذكرا ومن قيمته خلاف ظاهر
اطلاق النفي وهذا الحكم مبنى على قواعد قد تقرر وهدمها في محالها وان العمل بالأخبار الصحيحة
متعين ان لم يعمل بغيرها من الأنواع ويصلح لتخصيص الكتاب ولا يقدح ظنية
حكمها لأنها ظنية الطريق قطعية الدلالة وعام القران ومطلقه قطعي الطريق ظني
الدلالة فتساويا في قبول التعارض وتحقيق هذا الحكم في الأصول والله أعلم
المطلب الخامس في بيان الحكمة في هذا الحرمان وايداؤها بعد ثبوته بالنصوص
الصحيحة واتفاق الأصحاب الا من شذ غير لازم غير أنها من الحكم الواضحة وقد نبه عليها
الأصحاب رحمهم الله ونطقت بها النصوص وحاصلها ان الزوجة من حيث هي زوجة
لانسب بينها وبين الورثة وانما هي دخيل عليهم فربما تزوجت بعد الميت بغيره ممن كان
يناقشه ويحسده فتسكنه في مساكنه وتسلطه على عقاره فيحصل على الورثة بذلك
غضاضه عظيمة فاقتضت الحكمة الإلهية منعها من ذلك واعطاؤها القيمة جبرا لها
والقيمة محصلة للعين وقائمة مقامها والضرر بالعدول ومنفى أو قليل في جنب ذلك
الضرر وقريب منه القول في اختصاص الولد الأكبر بثياب أبيه وسيفه وخاتمه ومصحفه و
هذا بخلاف الحكم بإرثها من أعيان المنقولات من أمواله وأثاثه فإنها إذا انتقلت
من منزله لا يلتفت إلى مثل ذلك ولا يغض بسببه غالبا وقد وردت هذه العلة
في عده اخبار فمنها رواية محمد بن مسلم قال قال أبو عبد الله عليه السلام ترث المرأة
274

الطوب ولا ترث من الرباع شيئا قال قلت كيف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع
شيئا فقال لي ليس لها منهم نسب ترث به وانما هي دخيل عليهم فترث من الفرع ولا
ترث من الأصل ولا يدخل عليهم داخل نسبها ومنها رواية حماد بن عثمان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال انما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلا يتزوجن فيدخل عليهم
من يفسد مواريثهم ومنها رواية ميسرة بياع الزطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال
سألته عن النساء مالهن من الميراث فقال لهن قيمة الطوب والبناء والبناء والخشب
والقصب فاما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيه قال قلت فالنبات قال النبات
لهن قال قلت كيف صار ذا ولهذه الثمن والربع مسمى قال لان المراة ليس لها نسب
ترث به وانما هي دخل عليهم وانما صار هذا كذا لئلا تتزوج المراة فيجيئ زوجها
أو ولد من قوم آخرين فيزاحم قوما في عقارهم ومنها ما كتبه الرضا عليه السلام إلى محمد بن
سنان فيما كتب من جواب مسائله على المراة انها لا ترث من العقار وشيئا الا قيمة الطوب
والنقض لان العقار لا يمكن تغييره وقلبه والمراة قد يجوز ان فيقطع ما بينها وبينهم من
العصمة ويجوز تغييرها وتبديلها وليس الولد والوالد كذلك لأنه لا يمكن النقض منها
والمراة يمكن الاستبدال بها فما يجوز ان يحبئ ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تغييره
وتبديله إذا شبهها وكان الثابت المقيم على حاله كمن كان مثله في الثياب والقيام
واعلم أن هذه الأخبار قد دلت أيضا مضافا إلى ما سلف على عدم الفرق بين ذات
الولد ان الزوجات وغيرها لقيام العلة فيها وعلى ان المدفوع انما هو قيمة الطوب
والخشب وآلات البناء ولاتعرض لها للشجر بوجه وإن كان قد يظهر من كلام الرضا
عليه السلام في جوابه مساواته للأرض من حيث إنه مما لا يتبدل غالبا الا بعد أوقات
متطاولة ويمكن ان يق انه يدل أيضا على الإرث من عينه كما قد دلت عليه الأخبار
275

السابقة ويضر في ذلك القول الغريب فان الشجر وان طال مكثه معد للتبدل والزوال
وقابل للقطع والإزالة في كل وقت وان أقيمت ولم تزل فلابد من تبدلها على تطاول
الزمان والله أعلم بحقايق احكامه فهذا ما اقتضاه الحال من الكلام على هذا المطالب
الخمسة ولنتمم الكلام من المسألة بمباحث الأول قد عرفت ان ما تركه الميت بالنسبة
إلى ارث الزوجة منه وعدمه ثلثة أقسام منه مالا ترث منه عينا وقيمة وهي الأرض إما
مطلقا أو ارض الدور والمساكن ومنه ما ترث من قيمة ولا ترث من عينه وهو ما
عدا الأرض من اجزاء البناء من الخشب والحجر واللبن والحق الأصحاب بها ما ثبت في البناء
من الأبواب والأوتاد والرفوف والسلالم المثبتة وغيرها لمساواتها لها في المعنى و
في الحاق الشجر بهذه الآلات أو بالقسم الثالث ما تقدم ومنه ما ترث من عينه و
هو ما عدا ذلك من أمواله من حيوان وأثاث وزرع ورقيق وصامت وغيرها ولا
فرق في الذرع بين ما يذهب لسنة كاكثر أنواعه وبين ما يبقى أكثر من سنه كبعض أنواع
القطن والذرة ولا في الشجر بين ما تبقى على ساقه وما يقطع كالموز ولو كان الزرع
بذرا غير ظاهر فأولى بالدخول إما غرس الشجر قبل ثباته فالظاهر أنه بحكمه لمساواته
له في المعنى الموجب للتقويم مع احتمال العدم إلى أن يطلق عليه اسم الشجر وقوفا فيما خالف
الأصل على موضع اليقين إما الثمرة فترث من عينها وان لم تبلغ أو ان قطعها لأنها صارت
منفصلة عن الشجر حكما أو في حكم المنقول ومن ثم لم تدخل في بيعه عند الاطلاق
ولو كان الشجر في داخل الدار فله حكم نفسه فان اعتبرنا فيه القيمة قوم مع آلاتها كما ذكروا ان ورثناها من عينه شاركت الوارث فيه وان استحقت قيمة آلات الدار
لأنه لا يعد منها ولا من اجزائها وان اتصل بها ومن ثم لم يدخل في اطلاق بيعها
الثاني لافرق في المساكن بين ما كان يسكنه الميت بنفسه ويسكنه غير ولو
276

بالأجرة بل كلما يطلق عليه اسم الدار وإن كان مهجوار عملا باطلاق الاسم وهل يلحق
بها ما أعده من البناء للحيوان كالبقر والغنم والنحل وغيرها وما أعده لوضع الغلة
وعلف الحيوان ولعصر الزيت والعنب والشيرج والحمام والرحا ونحوها نظر من عدم
اطلاق اسم الرباع عليها ومن شمول قوله وتعطى قيمة الطوب والخشب والأبواب و
الجذوع لذلك كله واما دخول أرضها في أقسام الأرض فواضح بل أولي والأقوى
الحاق الجميع بالدور المسكونة لما ذكرناه وإن كان التعليل السابق لا يتناوله عملا
بعموم اللفظ ويقوى الاشكال على مذهب المفيد حيث خصها بالرباع وهي لا تتناول
جميع ذلك واما في هذه المواضع من الآلات المنقولة فإنها ترث من عينه لعدم دخوله
فيما ذكروا ان دخل في عبارات الأصحاب المعبرين بالآلات لأن الظاهر أنهم يريدون بها
آلات البناء كما هو الموجود في النصوص التي هي المستند واما نفس حجارة الرحا ففي
دخولها في اجزاء البناء وآلاته نظر من ثباتها غالبا فكانت كغيرها من الاحجار و
الأخشاب بل أولي من بعضها كالأبواب ومن عدم تناول ما استثنى له فيبقى داخلا
في عموم أية الإرث وهذا هو الأجود واولى منه ارثها من غير الجاروش الصغير وإن كان
حجره الأسفل مثبتا لان تثبته لسهولة الارتفاق به لئلا يتحرك لا للدوام ومن ثم
لم يدخل في بيع الدار والحق بالأمتعة المنقولة واما تدور الحمام والمصابن
فالظاهر أنها كالجزء منها لثباتها دائما أو غالبا نعم لو كانت غير مثبته بحيث يعتاد
نقلها حيث يراد ورثت من عينها كغيرها الثالث لو خلف آلات البناء من
الخشب والأحجار وغيرها قبل ان يضعها في البناء ورثت من عينها لأنها من جملة
أمواله المنقولة ولو كان قد شرع في البناء ولم يكمله فما وضعه منها فيه فبحكمه و
ما لم يدخل فيه فبحكم المنقول ولو كان قد شرع الخشب على الجدار ولم يكمل السقف فان
277

كان قد ثبت في البناء بحيث صار كالجزء منه عرفا فلها القيمة وان لم يحصل فيه الا
مجردا لوضع ففي دخوله نظر من عموم اطلاق ارثها من قيمة الخشب ومن ظهور ان المراد
به الخشب المتصل بالبناء والأجود اتباع العرف في صيرورته جزءا وعدمه ومع الشك
يتناوله عموم أية الإرث وكذا القول في غيره من الأجزاء والآلات المعمولة لأجله
مع وضعها في محالها قبل احكامها الرابع لو كان الشجر موضوعا على خشب كعريش
العنب ففي الحاقه به أو بغيره من الأموال الداخلة في عموم الإرث نظر من ثباته غالبا
وكونه كالجزء منه ومن خروجه عن اسم الشجر والشك في دخوله في معناه فيرجع فيه
إلى الأصل وهذا هو الأقوى واولى بعدم الدخول لو كان يوضع له في بعض الأوقات
كزمن الثمرة وما قاربه ثم ينقل عنه إلى محل اخر كما يتفق في بعض البلاد واما حيطان
البساتين وغيرها من الاملاك فبحكم البناء ان لم نقل باختصاصه بالرباع ولو قلنا
بإرثها من عين الأشجار تبعه البناء الخامس كيفية التقويم لما تستحق فيه القيمة
من البناء والشجر على القول به ان يقوم مستحق البقاء في الأرض مجانا إلى أن يفنى ثم
تعطى من قيمة الربع أو الثمن هذا هو الظاهر الموافق للأصول لان الأصل ارثها من
عين كل شئ فإذا عدل عنه إلى القيمة في بعض الموارد وجب الاقتصار فيما خالف الأصل
على ما به يتحقق المعنى المخصص وهنا كذلك ولان البناء والشجر موضوع بحق في ملك
مالكه فلا وجه لتقويمه مستحقا بأجرة ويحتمل تقويمه كذلك
بأجرة التفاتا إلى أن الأرض لا يستحق فيها شيئا والبناء والشجر الذي يستحق فيه موضوع
في تلك الأرض التي ليست لها ومشغل لها فيجمع بين حقها وحق الورثة في الإرث
تقويمها مستحقة البقاء بأجرة ويضعف بان النصوص مطلقة في استحقاقها قيمة ذلك
والأصل فيه كونه على هيئة التي هو عليها وقت التقويم ولان ذلك تخصيص لعموم
278

القران فيقتصر فيه على موضع اليقين تقليلا للتخصيص بقدر الامكان فيجب زيادة
القيمة ما أمكن لكونه خلاف الأصل وعلى التقديرين لا يفتقر إلى تقويمه مع الأرض
ثم تقويم الأرض منفردة مشغولة بذلك مجانا أو بأجرة ثم اسقاط ما يخصها منفردة
من الجملة لعدم الفائدة في ذلك بل يكفي تقويم ما يعتبر قيمته منفردا كما وصفناه واعطاءها
قيمته لان ذلك هو الفرض ومدلول النصوص والظاهر أن التقويم على ذلك الوجه يؤدى
إلى هذا المعنى أيضا فيتخير في الوجهين ان لم يظهر بينهما اختلاف والا فالمعتبر تقويم
ما يراد قيمته خاصة ولو كان البناء في ارض غيره أو على حائط غيره اعتبر تقويمه على
الحالة التي يستحقها على ذلك الملك بأجرة أو غيرها ومستحقا للقطع أو غير مستحق لان ذلك
هو المال الذي تركه بصفته واما التقويم على مذهب المرتضى ره فواضح لأنه
يقوم الدار بأسرها قايمه بأرضها ويعطيها حصتها من القيمة السادس هل دفع
الوارث القيمة على وجه قهري بالنسبة إليه أم اختياري ظاهر النصوص والفتاوى
الأول لأنه من توابع الإرث ولوازمه وهو قهري ووجه الثاني انه معاوضه وهي
ليست لازمة لباذل القيمة وان لزمت الزوجة نظرا إلى النص ولان العلة الموجبة للقيمة
كما قد عرفت انما هي دفع الضرر عن الوارث فإذا أقدم على الضرر ورضى بدفع الغير
إليها يحير والأقوى الأول فعلى هذا لو امتنع حبره الحاكم على دفعها فان تعذر كان
بمنزلة امتناع المديون من وفاء الدين فيبيع عليه شيئا من ماله الحصة أو غيرها
ويدفع القيمة منه فان تعذر الحاكم احتمل تسلط الزوجة على الحصة دفعا للضرر
المنفى والأقوى انها كغيرها من الديون التي يمتنع المديون من وفائها فتأخذ الزوجة
ما قدرت عليه من ماله مقاصة والحصة كغيرها في ذلك ولو باطل بالقيمة ولم
يتفق لما اخذ شئ لم يستحق في النماء ولا في الأجرة شيئا بل هي كسائر الديون إذ لا
279

إذ لاحق لها في العين السابع لو تعددت الزوجات واتفقن في الحكم فواضح
وان اختلفن كذات ولد وغيرها على القول بالفرق استحقت ذات الولد كمال الثمن
من رقبة الأرض على الأقوى لأنه حق الزوجية ولم يوجد فيه مستحق غيرها كما
لو لم يكن غيرها ويحتمل كونه لجميع الورثة ولغيرها من الوراث وكذا لها نصف الثمن
من الباقي عينا وقيمة واما من لا ولد لها فتأخذ نصف الثمن مما ترث من عينه ونصف
قيمة ما ترث من قيمته وهل يختص ذات الولد بغير ما حرمت منه الأخرى وتدفع
قيمته كما استحقت الأرض أم هو لغيرها من الوراث أم هو للجميع احتمالات كل منها لا
يخلو من وجه ووجه الأول ان أم الولد لو انفردت لحازت جميع الثمن من التركة لان
ذلك نصيبها بنص القران ورجوعها إلى نصفه انما كان لمكان الزوجة الأخرى و
هي انما تستحق فيما ذكر من القيمة فيبقى استحقاق الغير لام الولد عملا بعموم الآية ووجه
الثاني ان منع غير ذات الولد من العين انما كان لمصلحة الوارث كما استفيد من العلة
المنصوصة فيكون تلك الأعيان لهم مراعاة للعلة ووجه الثالث ان أم الولد مع وجود
الأخرى انما ترث نصف الثمن ولاحق لها فيما سواه وغير ذات الولد لا تستحق في تلك
الأشياء خارجا عن حق أم الولد فيكون ذلك لجميع الورثة كغيره من أعاين التركة
فيقسم على الجميع بنسبة استحقاقهم والأقرب الأول لان هذا هو اللزوجية وهي موجودة
فلاحق لغيرها من الوراث فيه لأن عدم استحقاق الزوجة ذلك مخالف للأصل وعموم
القران كما سبق فيقتصر في مخالفة على محل الحاجة وهي منتفية مع وجود أم الولد
لتنزيلها منزلة غيرها من الوراث ولان الخروج عن الأصل للحاجة وهي المحافظة
على مصلحة الوارث المعلل بها هي مندفعة بصرف ذلك إلى أم الولد فتؤخذ منها القيمة
وتستحق العين فان امتنعت فكامتناع الوارث ويحتمل هنا مع امتناعها استحقاق
280

غيرها من الوراث ذلك دفعا للضرر بتسلط غير ذات الولد على العقار وعلى هذا يكون لهم
على وجه اللزوم والجواز الوجهان واولى بعدم اللزوم هنا والأقوى اختصاص الحكم بمن
حكم له به مطلقا الثامن اطلق المفصلون بذات الولد وغيرها وكذلك الرواية التي هي
مستند التفصيل ذات الولد فهل يختص الحكم بولد الصلب بحيث يكون من الميت أم يشتمل
ما صدق عليه اسم الولد حتى لو كان ولد ولد يحتمل الأول لأنه المتبادر من مفهوم الولد
واقتصارا في مخالفه اطلاق تلك النصوص الكثيرة على موضع اليقين والثاني لصدق
كونها ذات ولد لغة وشرعا وهو مناط الاستحقاق ولان حرمان الزوجة عما عين لها الله
تعالى من السهم على خلاف الأصل فيقتصر فيما خالفه على موضع اليقين وهو الزوجة
التي لا ولد لها مطلقا وهذا لايخ من قوة وموضع الاحتمالين ما لو كان ولد الولد
وارثا من الميت إما لو لم يكن وارثا بان كان هناك ولد للصلب فلا حكم له لان الحاقها
بباقي الوراث دون غيرها من الزوجات انما هو لمكان ولدها الوارث لأنها صارت ذات
نسب بين الورثة مع احتمال عموم الحكم لصدق كونها ذات ولد ويضعف بان ذلك لو تم
لزم مثله فيما لو كان لها ولد من غيره وهو باطل اجماعا وهذا الفرغ ذكره الشهيد رحمه الله
في الدروس واستقرب حكم ما لو كان الولد وارثا كما ذكرناه وتوقف فيما لو لم يكن
وارثا من حيث اطلاق اسم الولد ومن بقاء علة المنع على تقديم عدم ارثه وهي ادخالها
عليهم من يكرهونه التاسع لو خلف زرعا في ارض من جملة التركة ولم
يحكم لها بالإرث منها فهل تستحق ابقاء الزرع في الأرض إلى أو ان بلوغه بغير اجرة
أم بالأجرة الوجهان السابقان في الشجر واولى بعدم الأجرة هنا لقصر مدة الزرع
وانتهاء أمده مع اشتراكهما في وضعها بحق وتقليلا لتخصيص عموم أية الإرث و
اقتصارا فبما خالف الأصل على موضع اليقين لكن هنا يستحق ابقائه بحسب عادته بخلاف
281

الشجر فإنه يستحق الدوام فلو كانت العادة قطعه قصيلا فأرادت ابقاؤه إلى أو ان حصادة
ففي اجابتها مجانا أو بأجرة أو جواز قلعه مط بعد أو ان بصله احتمالات أجودها الأخير
حملا لحقه على ما يعتاده كما حمل الشجر على ذلك ولأصالة المنع من التسلط على ارض
الغير بغير اذنه في غير موضع اليقين العاشر لو خلف ماء مملوكا كالبئر والقناة
ففي استحقاقها من عينها لو قيمتها وجهان من الشك في كونها من العقار الذي لا تستحق من
عينه أو كونها من توابع الأرض كالآلات والشجر والالتفات إلى عموم أية الإرث
الا ما أخرجه الدليل وليس بمعلوم هنا والتعليل بادخال من يكره الوارث عليهم مختص
بما ورد المنع من الإرث من عينه عملا لا مطلقا والحكم هنا في موضع النظر وإن كان
ذلك يقتضى ثبوت ارثها من عينه عملا بالأصل حيث شك في المخصص ويقوى الاشكال
لو كان الماء في ارض مملوكة له لكونه ح من جملة توابعها كآلات البناء والشجر فيها الذي
حكم بقيمته واولى به هنا لاحتمال الماء من الدوام مالا يحتمله البناء والشجر فهو أولي
بكونه من العقارات وأصول الأموال ومن خروجه عن المستثنيات المحكوم بثبوت
قيمتها نعم لو كان واقفا متناهيا كالماء الموضوع في الحياض ونحوها ورثت من عينه
لأنه بحكم المنقول وللعموم وكذا الاشكال في ارثها من الآلات الثابتة لاخراج الماء
كالدولاب والدالية المثبتة ولعل الإرث من عينه هنا أقوى لأنه ليس بثابت ثبوت البناء
والشجر ويحتمل دخوله فيما يعتبر قيمته زيادة عما ذكر لكونه من جملة الآلات التي عبر كثير بثبوت
قيمتها هذا ما اقتضاه الحال الحاضر من بحث هذه المسألة ونسئل من الله سبحانه ان لا يؤاخذنا
بما وقع فيها من تقصيرا وخطأ فان ذلك منتهى الوسع وقدر الطاقة والخطأ السهو لازمان
للانسان ولا يكلف الله نفسا الا وسعها ان الله غفور رحيم وفرغ مؤلفها الفقير إلى الله تعالى
زين الدين علي بن أحمد الشامي العاملي عامله الله بلطفه وعفى عن سيئاته بمنه وكرمه يوم الخميس السابع والعشرين
من ذي الحجة الحرام حجة ست وخمسين وتسعمائة
282

هذا رسالة كشف
الريبة في احكام الغيبة
للامام الهمام شيخ الفقهاء الشهيد
السعيد الثاني طاب مضجعه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي طهر السنة أوليائه عن اللغو والغيبة والنميمة وزكى نفوسهم عن الأخلاق
الدنية والشيم الذميمة والصلاة على نبيه المصطفى المبعوث بالشريعة الحنيفة والملة القويمة
وعلى عترته الطاهرة التي هي على منهاجه مقيمة ولسنته عليمة وعن رذائل الأخلاق معصومة
وبمكارمها موسومة وبعد فلما رأيت أكثر هذه العصر ممن يتسم بالعلم و
يتصف بالفضل وينسب إلى العدالة ويترشح للرياسة يحافظون على أداء الصلوات
والدؤوب في الصيام وكثير من العبادات والقربات ويجتنبون جملة من المحرمات كالزنا
وشرب الخمر ونحوهما من القبايح الظاهرات ثم هم مع ذلك يصرفون كثيرا من أوقاتهم
ويتفكهون في مجالسهم ومحاوراتهم ويغذون نفوسهم بتناول اعراض اخوانهم
من المؤمنين ونظرائهم من المسلمين ولا يعدونه من السيئات ولا يحذرون
معه من مؤاخذة جبار السماوات والسبب المقدم لهم على ذلك دون غيره من المعاصي
الواضحات إما العقلة عن تحريمه وما ورد فيه من الوعيد والمناقشة في الآيات
والروايات وهذا هو السبب الأقل لأهل الغفلات واما لان مثل ذلك في المعاصي لا
يخل عرفا بمراتبهم ومنازلهم من الرياسات لخسفاء هذا لنوع من المنكر على من يرومون
المنزلة عنده من أهل الجهالات ولو وسوس إليهم الشيطان ان اشربوا الخمر وازنوا
المحصنات ما أطاعوه لظهور فحشه عند العامة وسقوط محلهم به لديهم بل عند
283

متعاطى الرزائل الواضحات ولو راجعوا عقولهم واستضاؤا بأنوار بصائرهم
لوجدوا بين المعصيتين فرقا بعيدا وتفاوتا شديدا بل لا نسبة بين المعاصي
المستلزمة للاخلال بحق الله سبحانه على الخصوص وبين ما يتعلق مع ذلك بحق
العبيد خصوصا اعراضهم فإنها أجل من أموالهم وأشرف ومتى شرف الشئ عظم
الذنب في انتهاكه مع ما يستلزمه من الفساد الكلى كما ستقف عليه انشاء الله اجتب ان اصنع
في هذه الرسالة جملة من الكلام على الغيبة وبما ورد فيها من النهى في الكتاب والسنة
والأثر ودلالة العقل عليه وسميتها كشف الريبة عن احكام الغيبة واتبعتها بما
يليق بها من النميمة وبعض احكام الحسد وختمتها بالحث على القواصل والتحابب و
المراحمة ورتبتها على مقدمة وفصول وخاتمة إما المقدمة ففي تعريفها وجملة
من الترهيب منها فنقول الغيبة بكسر الغين المعجمة وسكون الياء المثناة التحتانية
وفتح الباء الموحدة اسم لقولك اغتاب فلان فلانا إذا أوقع فيه في غيبته و
المصدر الاغتياب يقال اغتابه اغتيابا والاسم الغيبة هذا بحسب المعنى اللغوي
واما بحسب الاصطلاح فلها تعريفان أحدها المشهور مشهور وهو ذكر الانسان
حال غيبته بما يكره نسبة إليه مما يعد نقصانا في العرف بقصد الانتقاص والذم
فاحترز بقيد الأخير وهو قصد الانتقاص عن ذكر العيب للطبيب مثلا أو لاستدعاء
الرحمة من السلطان في حق الزمن والأعمى بذكر نقصانها ويمكن الغناء عنه
بقيد كراهته نسبة إليه والثاني التنبه على ما يكره نسبة الخ وهو أعم من الأول
لشمول مورده اللسان والإشارة والحكاية وغيرها وهو أولي لما سيأتي من عدم
قصر الغيبة على اللسان وقد جاء على المشهور قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل تدرون ما الغيبة
قالوا الله ورسوله اعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول
284

قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه فقد بهته وذكر عنده صلى الله عليه وآله رجل فقالوا
ما اعجزه فقال صلى الله عليه وآله اغتبتم صاحبكم فقالوا يا رسول الله قلنا ما فيه قال إن قلتم وما
ليس فيه فقد بهتموه وتحريم الغيبة في الجملة اجماعي بل هو كبيرة موبقة للتصريح
بالتوعيد عليها بالخصوص في الكتاب والسنة وقد نص الله تعالى على ذمها في كتابه
وشبه صاحبها بأكل لحم أخيه الميتة فقال ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم ان
يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل المسلم على المسلم حرامه دمه وماله و
عرضه والغيبة تناول العرض وقد جمع بينه وبين الدم والمال وقال لا تحاسدوا
ولا تباغضوا ولا يغتب بعضكم بعضا وكونوا عباد الله اخوانا وعن جابر وأبي
سعيد الخدري قالا قال صلى الله عليه وآله إياكم والغيبة فان الغيبة أشد من الزنى
ان الرجل قد يزنى فيتوب فيتوب الله عليه وان صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر
له صاحبه وفى خبر معاذ الطويل المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله الحفظة يصعد بعمل العبد
وله نور كشعاع الشمس حتى إذا بلغ السماء الدنيا والحفظة تستكثر عمله وتزكية
فإذا انتهى إلى الباب قال الملك بالباب اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه انا صاحب الغيبة
امرني ربى ان لا ادع عمل من يغتاب الناس يتجاوزني إلى ربى وعن انس قال صلى الله عليه وآله مررت
ليلة اسرى بي على قوم يخشون وجوههم بأظافيرهم فقلت يا جبرئيل من هؤلاء
قال هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون في اعراضهم وقال البراء خطبنا
رسول الله صلى الله عليه وآله حتى اسمع العواتق في بيوتها فقال يا معشر من امن بلسانه ولم يؤمن
بقلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله
عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته وقال سليمان بن جابر أتيت
رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت علمني خيرا ينفعني الله به قال لا تحقرن من المعروف شيئا ولو
285

ان تصب من دلوك في اناء المستقى وان تلقى أخاك ببشر حسن وإذا أدبر فلا تغتابه وعن
انس قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فذكر الربى وعظم الشأن فقال إن الدرهم يصيبه الرجل
من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلثين زينة يزينها الرجل وان اربى الربا
عرض الرجل المسلم وقال جابر كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فاتى على قبر بن يعذب صاحبهما
فقال إنهما لا يعذبان في كبيرة إما أحدهما فكان يعتاب الناس واما الأخر فكان لا
تبئر من بوله ودعى بجريدة رطبة أو جريدتين فكسرهما ثم أمر بكل كسرة فغرست؟ على
قبر فقال صلى الله عليه وآله إما انه سيهون من عذابهما ما كانتا رطبين أو ما لم يبسا وقال انس
أمر رسول الله صلى الله عليه وآله الناس بصوم يوم وقال لا يفطرن أحد حتى أذن له فصام
الناس حتى إذا أمسوا جعل الرجل يحبئ ويقول يا رسول الله ظلت صائما فاذن في
لأفطر فاذن له والرجل والرجل حتى جاء رجل فقال يا رسول الله فتاتان من أهلك
ظلتا صائمتين وانهما تسخيان ان تأتيانك فاذن لهما ان تفطرا فاعرض عنه
ثم عاوده فاعرض عنه ثم عاوده فقال إنهما لم تصوما وكيف صام من ظل هذا
اليوم يأكل لحوم الناس اذهب فمرهما ان كانتا صائمتين ان تستقيا فرجع
إليهما فأخبرهما فاستقائتا فقائت كل واحدة منهما علقة من دم فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله
فأخبره فقال صلى الله عليه وآله والذي نفس محمد صلى الله عليه وآله بيده لو بقيتا في بطونهما لأكلتهما النار وفى
رواية انه لما اعرض عنه جاءه بعد ذلك وقال يا رسول الله انهما والله لقدماتنا
أو كادتا ان تموتا فقال صلى الله عليه وآله أيتونى بهما فجائتا ودعا بعس أو قدح فقال لاحديهما
قئ فقائت من قيح ودم صديد حتى ملأت القدح وقال للاخر قئ فقائت كذلك
فقال إن هاتين صامتا عن ما أحل الله لهما وأفطرتا عما حرم الله عليهما جلست أحدهما
إلى الأخرى فجعلتا يأكلان لحوم الناس وروى مرفوعا من اكل لحم أخيه في الدنيا
286

قرب الله لحمه في الآخرة فقيل له كله ميتا كما أكلته حيا فيأكله فيصيح ويكلح ولما رجم رسول
الله الرجل في الزنا قال رجل لصاحبه هذا أقعص كما يقعص الكلب من النبي صلى الله عليه وآله معهما
بجيفة فقال انهشا منها فقالا يا رسول الله ننهش جيفة فقال صلى الله عليه وآله ما أصبتما من
أخيكما أنتن من هذه وقال الصادق عليه السلام الغيبة حرام على كل مسلم وانها لتأكل الحسنات
كما تأكل النار والحطب وروى الصدوق باسناده إلى الصادق عن ابائه عن علي عليه السلام
قال قال رسول الله أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى يسقون من
الحميم في الجحيم ينادون بالويل والثبور يقول أهل النار بعضهم لبعض ما بال هؤلاء
الأربعة قد آذونا على ما بنا من الأذى فرجل معلق على تابوت من جمر ورجل تجرى
معاه ورجل يسيل فاه دما وقيحا ورجل يأكل لحمه فيقال لصاحب التابوت ما بال
الابعد فقد اذانا على ما بنا من الأذى فيقول ان الا بعد مات وفى عنقه أموال
الناس لم يجد لها في نفسه أداه ولا وفاء ثم يقال للذي تجرى معاه ما بال الا بعد
قد اذانا على ما بنا من الأذى فيقول ان الابعد كان لا يبالي أين أصاب البول من
جسده ثم يقال للذي يسيل فاه قيحا ودما بال الابعد قد اذانا على ماينا من الأذى
فقال إن الابعد كان يحاكى ينظر إلى كل كلمة خبيثة فيشيدها ويحاكى بها ثم يقال للذي
يأكل لحمه ما بال الابعد قد اذانا على ما بنا من الأذى فقال إن الابعد كان يأكل
لحوم الناس بالغيبة ويمشى بالنميمة وباسناده عن النبي صلى الله عليه وآله من مشى في غيبة أخيه وكشف
عورته كانت أول خطوة خطاها وضعها في جهنم وكشف الله عورته على رؤوس
الخلائق ومن اغتاب مسلما بطل صومه ونقض وضوئه فان مات وهو كذلك مات
وهو مستحل لما حرم الله وعن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله الغيبة أسرع
في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الجلوس في المسجد انتظارا
287

للصلاة عبارة ما لم يحدث فقيل يا رسول الله وما الحدث قال الاغتياب وروى عن أبي
عمير عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اذناه فهو
من الذين قال عج ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم
وعن المفضل بن عمر قال قال أبو عبد الله عليه السلام من روى على مؤمن رواية يريد بها شنيه وهدم
مروته ليسقطه من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله
الشيطان وأوحى الله عز وجل إلى موسى بن عمران ان المغتاب إذا تاب فهو اخر من يدخل
الجنة ومن لم يتب فهو أول من يدخل النار وروى أن عيسى عليه السلام مرو الحواريون على جيفة
كلب فقال الحواريون ما أنتن ريح هذا فقال عيسى عليه السلام ما أشد بياض أسنانه كأنه
ينهاهم عن غيبة الكلب وينبههم على أنه لا يذكر من خلق الله الا أحسنه وقيل في تفسير
قوله تعالى ويل لكل همزة لمزة الهمزة الطعان في الناس واللمزة الذي يأكل لحوم الناس
وقال الحسن والله الغيبة أسرع في دين المؤمن من الأكلة في جسده وقال بعضهم ادركنا
السلف لا يرون العبادة في الصوم ولا في الصلاة ولكن في الكف عن اعراض الناس
واعلم أن السبب الموجب للتشديد في أمر الغيبة وجعلها أعظم من كثير من المعاصي
الكبيرة هو اشتمالها على المفاسد الكلية المنافية لغرض الحكيم سبحانه بخلاف باقي
المعاصي فإنها مستلزمة لمفاسد جزئية بيان ذلك أن المقاصد المهمة للشارع اجتماع
النفوس على هم واحد وطريقة واحدة وهي سلوك سبيل الله بسائر وجوده الأوامر
والنواهي ولا يتم ذلك الا بالتعاون والتعاضد بين أبناء النوع الانساني وذلك
يتوقف على اجتماع همهم وتصافي بواطنهم واجتماعهم على الألفة بالمحبة حتى يكونوا
بمنزلة عبد واحد في طاعة مولاه ولن يتم ذلك الا بنفي الضغاين والاحقاد والحسد
ونحوه وكانت الغيبة من كل منهم لأخيه مثيرة لضغنة ومستدعية منه بمثلها في
288

حقه لاجرم كانت ضد المقصود الكلى للشارع وكانت مفسدة كلية فلذلك أكثر الله
ورسوله من النهى عنها والوعيد عليها وبالله التوفيق وحيث آتينا على ما يحتاج
إليه في المقدمة فلنشرع في الفصول الفصل الأول في أقسامها لما عرفت
ان المراد منها ذكر أخيك بما يكرهه منه لو بلغه أو الاعلام به أو التنبيه عليه كان
ذلك شاملا لما يتعلق بنقصان بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو
دنياه حتى في ثوبه وداره ودابته وقد أشار الصادق عليه السلام إلى ذلك بقوله وجوه الغيبة
يقع بذكر عيب في الخلق والفعل والمعاملة والمذهب والجهل وأشباهه فالبدن
كذكرك فيه العمش والحول والعور والقرع والقصر والطول والسواد والصفرة
وجميع ما يتصور ان يوصف به ما يكرهه إما بان يقول أبوه فاسق أو خبيث
أو خسيس أو اسكاف أو تاجر أو حائك أو جاهل أو نحو ذلك مما يكرهه كيف كان
واما الخلق بان يقول إنه سئ الخلق محيل متكبر مرائ شديد الغضب جبان ضعيف
القلب ونحو ذلك واما في أفعاله المتعلقة بالدين كقولك سارق كذاب شارب
الخمر خائن ظالم متهاون للصلاة لا يحسن الركوع والسجود ولا يحترز من النجاسات
ليس بار بوالديه ولا يحرس نفسه من الغيبة والتعرض لاعراض الناس واما
فعله المتعلق بالدنيا كقولك قليل الأدب متهاون بالناس لا يرى لاحد عليه حقا
كثير الكلام كثير الاكل نئوم يجلس في غير موضعه ونحو ذلك واما في ثوبه كقولك
انه واسع الكم طويل الذيل وسخ الثياب ونحو ذلك واعلم أن ذلك لا يقصر
على اللسان بل التلفظ به انما حرم لان فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه بما
يكرهه فالتعريض به كالتصريح والفعل فيه كالقول والإشارة والرمز والايماء
والغمز واللمز والكتبة والحركة وكل ما يفهم المقصود داخل في الغيبة مسا واللسان
289

في المعنى الذي حرم التلفظ به لأجله ومن ذلك ما روى عن عايشة انها قالت دخلت
علينا امرأة فلما دلت أو مات بيدي أي قصيره قال صلى الله عليه وآله غيبتها ومن ذلك المحاكات
بان يمشى متعارجا أو كما يمشى فهو غيبة بل أشد من الغيبة لأنه أعظم في التصوير و
التفهيم وكذلك الغيبة بالكتاب فان الكتاب كما قيل أحدا للسانين ومن ذلك ذكر
المصنف شخصا معينا وتهجين كلامه في الكتاب الا ان يقترن به شئ من الاعذار
المحوجة إلى ذكره كمسائل الاجتهاد التي لا يتم الغرض من الفتوى وإقامة الدليل
على المطلوب الا بتترييف؟ كلام الغير ونحو ذلك ويجب الاقتصار؟ على ما تندفع
به الحاجة في ذلك وليس منه قوله قال قوم كذا ما لم يصرح بشخص معين ومنها
أن يقول الانسان بعض من مر بنا اليوم أو بعض من رأيناه حاله كذا إذا كان
المخاطب معهم ليفهم منه شخصا معينا لان المحذور تفهيمه دون ما به التفهم فاما
إذا لم يفهم عنه جاز كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كره من انسان شيئا قال ما بال أقوام
يفعلون كذا وكذا ولا يعين ومن أضر أنواع الغيبة غيبة المتسمين بالفهم و
العلم المرأتين فإنهم يفهمون المقصود على صفة أهل الصلاح والتقوى ليظهر ومن
أنفسهم التعفف عن الغيبة ويفهمون المقصود ولا يدرون بجهلهم انهم جمعوا بين
فاحشتين الرياء والغيبة وذلك مثل ان يذكر عنده انسان فيقول الحمد لله الذي
لم يبتلينا بحب الرياسة أو حب الدنيا أو بالتكليف بالكيفية الفلانية أو يقول
نعوذ بالله من قلة الحياء أو من سوء التوفيق أو نسئل الله ان يعصمنا من كذا
بل مجرد الحمد على شئ إذا علم منه اتصاف المحدث عنه بما ينافيه ونحو ذلك فإنه
يغتابه بلفظ الدعاء وسمت أهل الصلاح وانما قصده ان يذكر غيبة بضرب
من الكلام المشتمل على الغيبة والرياء ودعوى الخلاص من الرذائل وهو عنوان
290

الوقوع فيها بل في أفحشها ومن ذلك أنه قد يقدم مدح من يريد غيبته فيقول ما
أحسن أحوال فلان ما كان يقصر في العبادات ولكن قد اعتراه فتور وابتلى بما يبتلى
به كلنا وهو قلة الصبر فيذكر نفسه بالذم ومقصوده ان يذم غيره وان يمدح نفسه بالتشبه
بالصالحين في ذم أنفسهم فيكون مغتابا مرائيا مزكيا نفسه فيجمع بين ثلث فواحش
وهو يظن بجهله انه من الصالحين المتعففين عن الغيبة هكذا يلعب الشيطان باهل
الجهل إذا اشتغلوا بالعلم أو العمل من غير أن تيقنوا الطريق فيتبعهم ويحيط بمكائده
عملهم ويضحك عليهم ويسخر منهم ومن ذلك أن يذكر ذاكر عيب انسان فلا ينتبه له بعض
الحاضرين فيقول سبحان الله ما أعجب هذا حتى يصغى الغافل إلى المغتاب ويعلم ما يقوله
فيذكر الله سبحانه ويستعمل اسمه آلة في تحقيق خبثه وباطله وهو يمن على الله بذكره
جهلا وغرورا وفى ذلك أن يقول جرى من فلان كذا أو ابتلى بكذا بل يقول جرى
لصاحبنا أو صديقنا كذا تاب الله عليه وعلينا يظهر الدعاء له والتالم والصداقة
والصحبة والله مطلع على خبث سريرته وفساد ضميره وهو بجهله لا يدري انه قد
تعرض لمقت أعظم مما يتعرض له الجهال إذا جاهروا بالغيبة ومن أقسامها الخفية الاصغاء
إلى الغيبة على سبيل التعجب فإنه انما يظهر التعجب ليزيد نشاط المغتاب في الغيبة فيزيد
فيها فكأنه يستخرج منه الغيبة بهذا الطريق فيقول عجبت مما ذكرته ما كنت اعلم
بذلك إلى الان ما كنت اعرف من فلان ذلك يريد بذلك تصديق المغتاب و
استدعاء الزيادة منه باللطف والتصديق لها غيبة بل الاصغاء إليها بل
السكوت عند سماعها قال رسول الله صلى الله عليه وآله المستمع أحد المغتابين وقال علي عليه السلام
السامع للغيبة أحد المغتابين ومراده السامع على فصد الرضا والايثار لا على
وجه الاتفاق ومع القدرة على الانكار ولم يفعل ووجه كون المستمع والسامع
291

على ذلك الوجه مغتابين مشاركتهما للمغتاب في الرضا وتكيف ذهنهما بالتصورات المذمومة
التي لا تبغي وان اختلفا في أن أحدهما قائل والاخر قبل لكن كل واحد منهما صاحب
آلة عليه ما أحدهما فذو لسان يعتبر عن نفس قد تبخست بتصور الكذب والحرام والغرم
عليه واما الأخر فذو سمع تقبل عنه النفس تلك الآثار عن ايثار وسوء اختيار فتألفها
وتعتادها فتمكن من جوهرها سموم عقارب الباطل ومن ذلك قيل السامع شريك
القائل وقد تقدم في الخبر السالف ما يدل عليه حيث قال للرجلين الذين قال أحدهما
أقعص الرجل كما يقعص الكلب انهشا من هذه الجيفة فجمع بينهما مع أن أحدهما قائل و
الأخر ما مع فالمستمع لا يخرج من اثم الغيبة الا بان ينكسر بلسانه فان خاف فبقلبه
وان قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام غيره فلم يفعله لزمه ولو قال بلسانه
اسكت وهو يشتهى ذلك بقلبه فذلك نفاق وفاحشه أخرى زائدة لا يخرجه عن
الاثم ما لم يكرهه بقلبه وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من أزل عنده مؤمن وهو يقدر
على أن ينصره أدله الله يوم القيمة على رؤوس الخلايق وعن أبي الدرداء قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله من رد الخلائق عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على الله ان يرد عن عرضه
يوم القيمة وقال أيضا من رد عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله ان يعتقه
على النار وروى الصدوق باسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال من تطوع على أخيه في
غيبة سمعها عنه في مجلس فردها عنه رد الله عنه الف باب من الشر في الدنيا والآخرة
وان هو لم يردها وهو قادر على ردها كان عليه كوزر؟ من اغتابه سبعين مرة وباسناده
إلى الباقر عليه السلام أنه قال من اغتيب عنده اخوه المؤمن فنصره واعانه نصره الله في
الدنيا والآخرة ومن لم ينصره ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه حفظه
الله في الدنيا والآخرة واعلم أنه كما يحرم على الانسان سوء القول في المؤمن وان
292

يحدث غيره بلسانه بمساوى الغير كذلك يحرم عليه سوء الظن وان يحدث نفسه بذلك
والمراد من سوء الظن المحرم عقد القلب وحكمه عليه بالسوء من غير يقين به واما
الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه كما أن الشك أيضا معفو عنه قال الله تعالى
اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم فليس لك ان تعتقد في غيرك سوء الا
إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل وما لم تعلمه ثم وقع في قلبك فالشيطان يلقيه
إليك فينبغي ان تكذبه فإنه أفسق الفساق وقد قال الله تعالى يا أيها الذين
امنوا ان جائكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فلا يجوز تصديق
إبليس ومن هنا جاء في الشرع ان من علمت في فيه رايحة الخمر لا يجوز ان يحكم
عليه بشر بها ولا يحده عليه لامكان ان يكون تمضمض به ومجه أو حمل عليه قهرا
وذلك أمر ممكن فلا يجوز إساءة الظن بالمسلم وقد قال النبي ان الله تعالى حرم من المسلم
دمه وماله وان يظن به ظن السوء فلا يستباح ظن السوء الا بما يستباح به الدم
والمال وهو تيقن؟ مشاهدة أو بينة عادلة أو ما جرى مجريهما من الأمور المفيدة
لليقين أو الثبوت الشرعي وعن أبي عبد الله عليه السلام إذا اتهم المؤمن أخاه ينماث
الايمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء وعنه من اتهم أخاه في دينه فلا حرمة
بينهما وعنه عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له ضع أمر أخيك على أحسنه
حتى يأتيك ما يغليك منه ولا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في
الخبر محملا وطريق معرفة ما يخطر في القلب من ذلك هل هو ظن سوء أو احتلاج
وشك ان تختبر نفسك فإن كانت قد تغيرت ونفر قلبك نفورا واستثقلته وقترت
عن مراعاته وتفقده واكرامه والاهتمام بحاله والاغتمام بسببه غير ما كان أولا
فهو امارة عقد الظن وقد قال صلى الله عليه وآله ثلثة في المؤمن وله منها مخرج فمخرجه من سوء الظن
293

الا تحققه أي لاتحقق في نفسه بعقد ولافعل لافى القلب ولا في الجوارح إما في القلب
فبتغيره إلى النفرة والكراهة وفى الجوارح بالعمل بموجبه والذي ينبغي فعله عند
خطور خاطر سوء على مؤمن ان يزيد في مراعاته ويدعو له بالخير فان ذلك يغيظ
الشيطان ويدفعه عنك فلا يلقى إليك بعد ذلك خاطر سوء خيفة من اشتغالك
بالدعاء والمراعاة وهو ضد مقصوده ومهما عرفت بهفوة من مؤمن فانصحه في السر
ولا يخد عنك الشيطان فيدعوك إلى اغتياء وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور
باطلاعك على نقصه لينظر إليك بعين التعظيم وتنظر إليه بعين الاستصغار وترتفع
عنه بدالة الوعظ بل يكن قصدك تخليصه من الاثم وأنت حزين كما تحزن على نفسك إذا
ادخل عليك نقصان وينبغي ان يخطر بقلبك ان تركه ذلك من غير نصيحتك أحب
إليك من تركه بالنصيحة فإذا أنت فعلت ذلك كنت قد جمعت بين اجر الوعظ واجر
الغم بمصيبته واجر الإعانة له على دينه ومن ثمرات سوء الظن التجسيس فان القلب
لا يقنع بالظن ويطلب التحقيق فيشتغل بالتجسيس وهو أيضا منهى عنه قال الله تعالى
ولا تجسسوا وقد نهى الله سبحانه في هذه الآية الواحدة عن الغيبة وسوء الظن ومعنى
التجسس ان لا تترك عباد الله تحت سر الله فيتوصل إلى الاطلاع وهتك الستر حتى
ينكشف لك ما لو كان مستورا عنك كان أسلم لقلبك ولدينك فتدبر ذلك راشدا
وبالله التوفيق الفصل الثاني في العلاج الذي يمنع الانسان عن الغيبة
اعلم أن مساوى الأخلاق كلها انما تعالج بمعجون العلم والعمل وانما علاج كل علة
بمضاد سببها فلنبحث عن سبب الغيبة أولا ثم نذكر علاج كف اللسان عنها على وجه
يناسب علاج تلك الأسباب فنقول جملة ما ذكروه من الأسباب الباعثة على الغيبة
عشرة أشياء قد نبه الصادق عليه السلام عليها اجمالا بقوله أصل الغيبة يتنوع بعشر أنواع
294

شفاء غيظ ومساعدة قوم وتصديق خبر بلا كشفه وتهمة وسوء ظن وحسد وسخرية
وتعجب وتبرم وتزين ونحن نشير إليها مفصلة الأول تشفى الغيظ وذلك
إذا جرى سبب غضب به عليه فإذا هاج غضبه يشفى بذكر مساويه وسبق اللسان إليه
بالطبع ان لم يكن دين ورع وقد يمتنع من تشفى الغيظ عند الغضب فيتحقق الغضب
في الباطن فيصير حقدا ثابتا فيكون سببا دائما لذكر المساوى فالحقد والغضب
من البواعث العظيمة على الغيبة الثاني موافقة الاقران ومجاملة الرفقاء
ومساعدتهم على الكلام فإنهم إذا كانوا يتفكهون بذكر الاعراض فيرى انه لو
أنكر أو قطع المجلس استثقلوه ونفروا عنه فيساعدهم ويرى ذلك من حسن المعاشرة
ويظن انه مجاملة في الصحبة وقد يغضب رفقائه فيحتاج إلى أن يغضب لغضبهم
اظهارا للمساهمة في السراء في الضراء فيخوض معهم في ذكر العيوب والمساوي الثالث
ان يستشعر من انسان انه سيقصده ويطول لسانه فيه أو يقبح حاله عند محتشم
أو يشهد عليه بشهادة فيبادر قبل ذلك ويطعن فيه ليسقط اثر شهادته و
فعله أو يبتدى بذكر ما فيه صادقا ليكذب عليه بعده فيروج كذبه بالصدق الأول
ويستشهد به ويقول مامن عادتي الكذب فانى أخبرتكم بكذا وكذا من أحواله
فكان كما قلت الرابع ان ينسب إلى شئ فيريد ان يتبرى منه فيذكر الذي
فعله وكان من حقه ان يتبرء نفسه ولا يذكر الذي فعله ولا ينسب غيره إليه
أو يذكر غيره بأنه كان مشاركا له في الفعل ليمهد بذلك عذر نفسه في فعله
الخامس إرادة التصنع والمباهات وهوان يرفع نفسه بنقيص غيره
فيقول فلان جاهل وفهمه ركيك وكلامه ضعيف وغرضه ان يثبت في
ضمن ذلك فضل نفسه ويريهم انه أفضل منه أو يحذر ان يعظم مثل تعظيمه فيقدح
295

فيه لذلك السادس الحسد وهو انه ربما يحسد من يثنى الناس عليه
ويحبونه ويكرمونه فيريد زوال تلك النعمة عنه فلا يجد سبيلا إليه الا بالقدح
فيه فيريد ان يسقط ماء وجهه عند الناس حتى يكفوا عن اكرامه والثناء عليه لأنه
يثقل عليه ان يسمع ثناء الناس عليه واكرامهم له وهذا هو الحسد وهو عين الغضب و
الحقد والحسد قد يكون مع الصديق المحسن والقريب الموافق السابع اللعب و
الهزل والمطايبة وتزجية الوقت بالضحك فيذكر غيره بما يضحك الناس على سبيل
المحاكاة والتعجب الثامن السخرية والاستهزاء استحقارا له فان ذلك قد يجزى
في الحضور فيجرى أيضا في الغيبة ومنشأه التكبر واستصغار المستهزء التاسع
وهو مأخذ دقيق ربما يقع فيه الخواص وأهل الحذر من مزال اللسان وهو ان يغتم
بسبب ما يبتلى به أحد فيقول يا مسكين فلان قد غمني امره وما ابتلى به ويذكر سبب
الغم فيكون صادقا في اغتمامه ويلهيه الغم عن الحذر عن ذكر اسمه فيذكره بما يكرهه
فيصير به مغتابا فيكون نقمه ورحمته خيرا ولكنه ساقه إلى شر من حيث لا يدرى والترحم
والتغمم ممكن من دون ذكر اسمه ونسبته إلى ما يكره فيهيجه الشيطان على ذكر اسمه ليبطل
به على غير وجه النهى عن المنكر وكان الواجب ان يظهر غضبه عليه على ذلك الوجه
خاصة وهذا مما يقع فيه الخواص أيضا فإنهم يظنون أن الغصب إذا كان لله تعالى
كان عذرا كيف كان وليس كك إذا عرفت هذه الوجوه التي هي أسباب الغيبة
فاعلم أن الطريق في علاج كف اللسان عن الغيبة يقع على وجهين أحدهما
على الجملة والاخر على التفصيل إما على الجملة فهو ان يعلم تعرضه لسخط الله تعالى
بغيبته كما قد سمعته في الأخبار المتقدمة وان يعلم أنه تحبط حسناته فإنها
تنفل في القيمة حسناته إلى من اغتابه بدلا عما اخذ عرضه فإن لم يكن له حسنات نقل إليه
296

من سيئاته وهو مع ذلك متعرض لمقت الله تعالى ومشبه عنده بأكل الميتة وقد روى
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة في حسنات
العبد وروى أن رجلا قال لبعض الفضلاء بلغني انك تغتابني فقال ما بلغ من
قدرك عندي انى أحكمك في حسناتي فمهما امن العبد بما وردت به الاخبار لم
ينطلق لسانه بالغيبة خوفا من ذلك وينفعه أيضا ان يتدبر في نفسه فان وجد
فيها عيبا اشتغل بعيب نفسه وذكر قوله صلى الله عليه وآله طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس
ومهما وجد عيبا فينبغي ان يستحى من أن يترك نفسه ويذم غيره بل ينبغي ان يعلم أن
عجز غيره عن نفسه في التنزه عن ذلك العيب كعجزه إن كان ذلك عيبا يتعلق بفعله
واختياره وإن كان أمرا خلقيا فالذم له ذم للخالق فان من ذم صنعة فقد ذم
الصانع قال رجل لبعض الحكماء يا قبيح الوجه فقال ما كان خلق وجهي إلى
فاحسنه وان لم يجد عيبا في نفسه فليشكر الله ولا يتلوث نفسه بأعظم العيوب
فان ثلب الناس واكل لحم الميتة من أعظم العيوب فيصير ح ذا عيب بل لو انصف
من نفسه لعلم ان ظنه بنفسه انه برئ من كل عيب جهل بنفسه وهو من أعظم
العيوب وينفعه ان يعلم أن تألم غيره بغيبته كتألمه بغيبة غيره له فإذا كان لا يرضى
لنفسه ان يغتاب فينبغي ان لا يرضى لغيره مالا يرضاه لنفسه فهذه معالجات حمايته
فاما التفصيل فهو ان ينظر إلى السبب الباعث له على الغيبة ويعالجه فان علاج
العلة بقطع سببها وقد عرفت الأسباب الباعثة إما الغضب فيعالجه بان يقول إن
أمضيت غضبى عليه لعلى الله تعالى يمضى غضبه على بسبب الغيبة اذنها لي
عنها فاستجرأت على نهيه واستخففت بزجره وقد قال صلى الله عليه وآله ان لجهنم بابا لا يدخلها
الا من شفا غيضه بمعصية الله تعالى وقال من اتقى ربه كل لسانه ولم يشف غيظه
297

وقال صلى الله عليه وآله من كظم غيظا وهو يقدر على أن يمضيه دعاه الله يوم القيمة على رؤوس
الخلائق حتى خبره الله تعالى من أي الحور العين شاء وفى بعض كتب الله تعالى يا ابن
ادم اذكرني حين تغضب أذكرك حين اغضب فلا أمحقك فيمن أمحق واما الموافقة
فبان تعلم أن الله تعالى يغضب عليك إذا طلبت سخطه في رضاء المخلوقين فكيف ترضى
لنفسك ان توقر غيرك وتحقر مولاك فتترك رضاه لرضاهم الا ان يكون غضبك الله تعالى
وذلك لا يوجب ان تذكر المغضوب عليه بسوء بل ينبغي ان تغضب لله أيضا لرفقائك إذا
ذكروه بالسوء فإنهم عصوا ربك بأفحش الذنوب وهو الغيبة واما تنزيه النفس بنسبة
الخيانة إلى الغير حيث يستغنى عن ذكر الغير فتعالجه بان نعرف ان التعرض لمقت الخالق
أشد من التعرض لمقت الخلق بالغيبة تتعرض بسخط الله تعالى يقينا ولا تدري
انك تتخلص من سخط الناس أم لا تتخلص نفسك في الدنيا بالتوهم وتهلك في الآخرة
أو تخسر حسناتك بالحقيقة وتحصل ذم الله فقد أو تنتظر رفع ذم الخلق نسية هذا
غاية الجهل والخذلان واما عذرك كقولك ان اكلت الحرام ففلان يأكل وان فعلت
كذا ففلان يفعل وان قصرت في كذا من الطاعة ففلان مقصر ونحو ذلك فهذا
جهل لأنك تعتذر بالاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به فان من خالف أمر الله لا
يقتدى به كائنا من كان ولو دخل غيرك النار وأنت تقدر ان لا تدخلها لم توافقه
ولو وافقته سفه عقلك فأذكرته غيبته وزيادة معصيته أضفتها إلى ما اعتذرت
عنه وسبحان مع الجمع بين المعصيتين على جهلك وغباوتك وكنت كالشاة تنظر إلى
العنز تردى نفسه من الجبل فهى أيضا تردى نفسها ولو كان لها لسان وصرحت
بالعذر وقالت العنز أكيس منى وقد أهلك نفسه فكذا افعل لكنت تضحك من جهلها
وحالك مثل حالها ثم لا تتعجب ولا تضحك من نفسك واما قصدك المباهاة
298

وتزكية النفس بزيادة الفضل بان تقدح في غيرك فينبغي ان تعلم انك بما ذكرته
أبطلت فضلك عند الله وأنت من اعتقاد الناس فضلك على خطر وربما نقص اعتقادهم
فيك إذا عرفوك تثلب الناس فتكون قد بعت ما عند الخالق يقينا بما عند المخلوق و
هما ولو حصل لك من المخلوق اعتقاد الفضل لكانوا لا يغنون عنك من الله شيئا
واما الغيبة للحسد فهو جمع بين عذابين لأنك حسدته على نعمة الدنيا وكنت
معذبا بالحسد فما قنعت بذلك حتى أضفت إليه عذاب الآخرة فكنت خاسرا
في الدنيا فجعلت نفسك خاسرة في الآخرة لتجمع بين النكالين فقد قصدت محسودك
وأصبت نفسك وأهديت إليه حسنتك فأنت إذا صديقه وعدو نفسك اذلا
تضره غيبتك وتضرك وتنفعه إذ تنقل إليه حسنتك أو تنقل إليك سيئة ولا
تنفعك وقد جمعت إلى خبث الحسد جهد الحماقة وربما يكون حسدك وقدحك
سبب انتشار فضل محسودك فقد قيل فإذا أراد الله تعالى نشر فضيلته طويت أناح لها
لسان حسود واما الاستهزاء فمقصودك منه اخزاء غيرك عند الناس باخزاء
نفسك عند الله وعند الملائكة والنبيين فلو تفكرت في خزيك وحياتك وحسرتك
وخجلتك يوم تحمل سيئات من استهزأت به وتساق إلى النار لأدهشك ذلك
عن اخزاء صاحبك ولو عرفت حالك لكنت أولي ان تضحك منه فإنك سخرت
به عند نفر قليل وعرضت نفسك ان يأخذ بيدك يوم القيمة على ملا من الناس
ويسوتك تحت سيئاته كما يساق الحمار إلى النار مستهزء بك وفرحا بحزنك ومسرورا
بنصرة الله تعالى إياه وتسليطه على الانتقام واما الرحمة له على إثمه فهو حسن
ولكن حسدك إبليس واستنطقك بما تنقل من حسناتك إليه بما هو أكثر من رحمتك
فيكون جبر الاسم المرحوم فيخرج عن كونه مرحوما وتنقلب أنت مستحقا لان
299

يكون مرجوما إذ حبط اجرك ونقصت من حسناتك وكذلك الغضب لله لا يوجب الغيبة
فإنما حبب الشيطان إليك الغيبة ليحبط اجر غضبك وتصير معرضا لغضب الله تعالى
بالغيبة وبالجملة فعلاج جميع ذلك المعرفة والتحقيق لها بهذه الأمور التي هي من
أبواب الايمان فمن قوى ايمانه بجميع ذلك انكف عن الغيبة لا محالة الفصل الثالث
في الاعذار والمرخصة في الغيبة اعلم أن المرخص في ذكر مساءة الغير هو غرض
صحيح في الشرع لا يمكن التوصل إليه الا به فيدفع ذلك اثم الغيبة وقد حصروها في
عشرة الأول التظلم فان من ذكر قاضيا بالظلم والخيانة واخذ الرشوة كان
مغتابا غاصيا فاما المظلوم من جهة القاضي فله ان يتظلم إلى من يرجو منه إزالة
ظلمه وينسب القاضي إلى الظلم إذ لا يمكنه استيفاء حقه الا به وقد قال صلى الله عليه وآله لصاحب الحق
مقال وقال صلى الله عليه وآله مطل الغنى ظلم ومطل الواجد يحل عرضه وعقوبته الثاني الاستعانة
على تغيير المنكر ورد العاصي إلى منهج الصلاح ومرجع الامر في هذا إلى القصد
الصحيح فإن لم يكن ذلك هو المقصود كان حراما الثالث الاستفتاء كما يقول
للمفتي قد ظلمني أبى أو اخى فكيف طريق في الخلاص والا سلم هنا التعرض بان يقول
ما قولك في رجل ظلمه أبوه أو اخوه وقد روى أن هذا قالت للنبي صلى الله عليه وآله ان أبا سفيان
رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني انا وولداي فاخذ من غير علمه فقال خذي ما يكفيك
وولدك بالمعروف فذكرت الشح لها وولدها ولم يزجرها رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كان
قصدها الاستفتاء الرابع تحذير المسلم من الوقوع في الخطر والشر وفصح
المستشير فإذا رأيت متفقها يتلبس بما ليس من أهله فلك ان تنبه الناس على نقصه
وقصوره عما يأهل نفسه له وتنبههم على الخطر اللاحق لهم بالانقياد إليه وكذلك
إذا رأيت رجلا مترددا إلى فاسق يخفى امره وخفت عليه من الوقوع بسبب الصحبة فيما
300

لا يوافق الشرع فلك ان تنبهه على فسقه مهما كان الباعث لك الخوف على افشاء
البدعة وسراية الفسق وذلك موضع الغرور والخديعة من الشيطان إذ قد يكون
الباعث لك على ذلك هو الحسد له على تلك المنزلة فيلبس عليك الشيطان ان
ذلك باظهار الشفقة على الخلق وكذلك إذا رأيت رجلا يشترى مملوكا وقد
عرفت المملوك بعيوب منقصه فلك ان تذكرها للمشترى فان في سكوتك ضررا للمشترى
وفى ذكرك ضررا للعبد لكن المشترى أولي بالمراعاة ولتقتصر على العيب المنوط به ذلك
الامر فلا تذكر في عيب التزويج ما يخل بالشركة أو المضاربة أو السفر مثلا بل تذكر
في كل أمر يتعلق بذلك الامر ولا يتجاوزه قاصدا نصح المشترى لا الوقيعة ولو علم أنه
يترك التزويج بمجرد قوله لا يصلح لك فهو الواجب فان علم أنه لا ينزجر الا بالتصريح
بعيبه فله ان يصرح به قال النبي أترعون عن ذكر الفاجر حتى يعرفه الناس اذكروه
بما فيه يحذره الناس وقال صلى الله عليه وآله لفاطمة بنت قيس حين شاورته في خطابها إما معوية
فرجل صعلوك لامال له واما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقة الخامس
الجرح والتعديل للشاهد والزاواى؟ ومن ثم وضع العلماء كتب الرجال وقسموهم إلى الثقات
والمجروحين وذكروا أسباب الجرح غالبا ويشترط اخلاص النصيحة في ذلك كما مر
بان يقصد في ذلك حفظ أموال المسلمين وضبط الا لسنة وحمايتها عن الكذب و
لا يكون حامله العداوة والتعصب وليس له الا ذكر ما يخل بالشهادة والرواية منه ولا
يتعرض لغير ذلك مثل كونه ابن ملاعته وشبهة اللهم الا ان يكون متظاهرا بالمعصية
كما سيأتي السادس ان يكون المقول فيه به مستحقا لذلك لتظاهره لسببه كالفاسق
المتظاهر بفسقه بحيث لا يستنكف من أن يذكر بذلك الفعل الذي يرتكبه فيذكر بما هو
فيه لا بغيره قال رسول الله من القى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له وظاهر الخبر
301

جواز غيبته وان استنكف من ذكر ذلك المذنب وفى جواز اغتياب مطلق الفاسق
احتمال ناش من قوله صلى الله عليه وآله لا غيبة لفاسق ورد بمنع أصل الحديث أو بحمله على فاسق
خاص أو بحمله على النهى وإن كان بصورة الخبر وهذا هو الأجود الا ان يتعلق بذلك
غرض ديني ومقصد صحيح يعود على المغتاب بان يرجوا ارتداعه عن معصيته بذلك
فيلحق بباب النهى عن المنكر السابع ان يكون الانسان معروفا باسم يعرب عن
عيبه كالأعرج والأعمش فلا اثم على من يقول ذلك وقد فعل العلماء ذلك لضرورة
التعريف ولأنه صار بحيث لا يكرهه صاحبه لو علمه بعد أن صار مشهورا به والحق ان
ما ذكره العلماء المعتدون من ذلك لجواز التعويل فيه على حكايتهم واما ذكره عن
الاحياء فمشروط بعلم رضاء المنسوب إليه لعموم النهى و ح يخرج عن كونه غيبة وكيف
كان فلو وحد عنه معد لا وامكنه التعريف بعبارة أخرى فهو أولي الثامن لو اطلع
العدد الذي يثبت بهم الحدو التعذير على ناحشته جاز ذكرها عند الحكام بصورة
الشهادة في حضرة الفاعل وغيبته ولا يجوز التعرض إليها في غير ذلك الا ان نيحه
فبه أحد الوجوه الأخرى التاسع قيل إذا علم اثنان من رجل معسيته شاهدها
فاجرى أحدهما ذكرها في غيبته ذلك العاصي جاز لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا
وإن كان الأولى تنزيه النفس واللسان عن ذلك لغير غرض من الأغراض المذكورة
خصوصا مع احتمال نسيان المقول له لتلك المعصية أو خوف اشتهارها عنهما
العاشر إذا سمع أحد مغتا بالآخر وهو لا يعلم استحقاق المقول عنه للغيبة
ولا عدمه قيل لا يجب نهى القائل لامكان استحقاق القول عنه فيحمل فعل القائل
على الصحة ما لم يعلم فساده لان ودعه يستلزم أنهاك حرمته وهو أحد المحرمة
والأولى التنبه على ذلك الا ان يتحقق المخرج منه لعموم الأدلة وترك الاستقضال فيها
302

وهو دليل إرادة العموم حذرا من الأعزاء بالجهل ولان ذلك لو تم لتمشي فيمن يعلم
عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة إلى السامع لاحتمال اطلاع القائل على ما يوجب
تسويغ مقاله وهو يهدم قاعده النهى عن الغيبة وهذا الفرد يستثنى من جهة سماع
وقد تقدم انه أحد الغيبين وبالجملة فأتحرز عنها من دون وجه راحج في علها فضلا
عن الإباحة أولي لتتسم النفس بالأخلاق الفاضلة ويؤيده اطلاق النبي فيما تقده
كقوله ص أتدرون ما الغيبة وتلوا الله ورسوله اعلم قال ذكرك أخاك بما يكرهه واما
مع وحجانها كرد المبتدعة واخزاء الفسقة والتنفر منهم والتخرد من اتباعهم فذلك
يوصف بالوجوب مع امكانه فضلا عن غيره والمعتمد في ذلك كله على المقاصد قلا
يغفل المتيقظ عن ملا حظة مقصده واصلاحه والله الموفق الفصل الرابع
فيما يلحق بالغيبة عند التدبر وله اسم خاص وقد تعلق به نهى خاص لما عرفت ان
الغيبة تطلق على ما ذكر ما يسوء الغير ذكره ويكرهه ولا يؤثره وعلى التنبيه عليه بمكاتبة
وإشارة وغيرهما وعلى حديث النفس به وعقد القلب عليه وان لم يذكره ودخل في هذا
التعريف وافراد أخرى من المواضع المحرمة على الخصوص وهو أمور أحدها النميمة و
هي نقل تول الغير إلى المقول فيه كما يقول فلان تكلم فيك بكذا وكذا سواء نقل ذلك
بالقول أو الكتابة أو الإشارة والرمز وكان ذلك النقل كثيرا ما يكون متعلقة
نقصانا أو عيبا في المحكي عنه موجبا لكراهته له واعراضه عنه كان ذلك راجعا
إلى الغيبة أيضا فجمع بين معصيته الغيبة والنميمة فلا جرم حسن في هذه الرسالة
التنبيه على النميمة وما ورد فيها من النهى على الخصوص فإنها إحدى المعاصي الكبائر
كما تسمعه وثانيها كلام ذي اللسانين الذي يتردد بين المتخاصمين ونحوهما
ويكلم كل واحد منها بكلام يوافقه فان ذلك مع ما ورد فيه من النهى الخاص يرجع
303

إلى الغيبة بوجه ما والى النميمة بوجه آخر بل هو شر أقسام النميمة كما سيأتي من قول النبي
تجدون شر عباد الله يوم القيمة من يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء وهؤلاء الحديث هؤلاء
فإنه كلام يكرهه كل واحد منهما لو بلغه فان الانسان لا يجب من تكلم خصمه بما يرضيه
ولا من يؤثر معه ما يبغيه بل هو معدود من جملة الأعداء فتعلق الكراهة لذلك الكلام
بكل منهما فلنتكلم فيه أيضا على وجه الايجاز وتذكر ما ورد من النهى وثالثها
الحسد وهو كراهة النعمة على الغير ومحبة زوالها على المنعم عليه وهو مع كونه أيضا
من المحرمات الخاصة والمعاصي الكبيرة ترجع إلى الغيبة القلبية بوجه لأنه حكم على
القلب بشئ يتعلق بالغير يكرهه لو سمعه أشد كراهة وأبلغها فيجمع بين معصيتين الحسد
والغيبة فلنذكر جملة من الكلام فيه وما ورد فيه من النهى بل هو أولي الثلاثة بالذكر
لكثرة وقوعه في هذا العصر وابتداء الخواص فيه بل هو دأبهم ليس لهم عنه مناص
واولى ما يهتم الغافل به دواء المرض الحاضر فيقع الكلام هنا في مقامات ثلاثة الأول
النميمة قال الله تعالى هماز مشاء بنميم ثم قال عتل بعد ذلك زنيم قال بعض العلماء
هذه الآية دلت على أن من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة ولد زنا لان الزنيم هو
الدعي وقال الله تعالى ويل لكل همزة لهزة النمام وقال تع عن امرأة نوح وامرأة
لوط فخانتا هما فعلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين قيل
كانتا مرأة لوط تخبر بالضيفان وامرأة نوح تخبر بأنه مجنون وقال النبي ص لا يدخل
الجنة نمام وفى حديث اخر لا يدخل الجنة قتات والقتات هو النمام وقال تعالى
أحبكم إلى الله تعالى أحسنكم أخلاقا الموطؤن أكنافا الذين يألفون ويؤلفون
وان أبغضكم إلى الله تعالى المشاؤن بالنميمة المفرقون بين الاخوان الملتمسون
للبزاء العثرات وقال الا أخبركم قالوا بلى يا رسول الله قال المشاؤن بالنميمة
304

المفسدون بين الأحبة الباغون للبراء العيب وقال أبو ذر قال رسول الله ص من
أشار على مسلم بكلمة ليشينه بها بغير حق شانه الله تعالى في النار يوم القيمة وقال
أبو الدرداء قال رسول الله ص أيما رجل أشاع على رجل كلمة وهو منها برئ ليشينه بها
في الدنيا كان حقا على الله عز وجل ان يدينه بها يوم القيمة في النار وعنه ص ان الله
لما خلق الجنة قال لها تكلمي قالت سعد من دخلني قال الجبار وعزني وجلالي لا هيكن
فيك ثمانية نفر من الناس لا يسكن فيك مدمن خمر ولا مصر على الزنا ولا قنات وهو
النمام ولا ديوث ولا الشرطي ولا المحنث ولا قاطع رحم ولا الذي يقول على عهد الله ان لم
يفعل كذا وكذا ثم لم يف به وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال الجنة محرمة على القتاتين
المشائين بالنميمة وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال قال أمير المؤمنين عليه السلام شراركم
المشاؤن بالنميمة المفرقة بين الأحبة المتيعون للبراء المغايب وروى أن موسى عليه السلام
استسقى لبني إسرائيل حين أصابهم قحط فأوحى الله تعالى إليه لا استجيب لك ولا لمن معك
وفيكم نمام قد أصر على النميمة فقال موسى ع من هو يا رب حتى نخرجه من بيننا فقال
الله يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نماما فتابوا بأجمعهم فسقوا وروى أن رجلا
تبع حكيما سبع مأة فرسخ في سبع كلمات فلما قدم عليه قال انى جئتك للذي اتاك الله
تعالى من العلم اخبرني عن السماء وما أثقل منها وعن الأرض وما أوسع منها وعن
الحجارة وما اقسى منها وعن النار وما أحر منها وعن الزمهرير وما أبرد منه وعن البحر
وما اغنى منه وعن اليتيم وما أذل منه فقال الحكمي البهتان على البرئ أثقل من السماوات
والحق أوسع من الأرضين والقلب القانع أعني من الحجر والحرص والحسد أحرض من النار
والحاجة إلى القريب إذا لم ينحج أبرد من الزمهرير و قلب الكافر اقسى من الحجارة والنمام
إذا بان امره أذل من اليتيم واعلم أن النميمة بطلق في الأكثر على من يتم قول الغير إلى
305

المقول فيه كما يقول فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا وليست مخصوصة به بل تطلق على
ما هو أعم من القول كما مر في الغيبة وحدها بالمعنى الأعم كشف ما يكره كشفه سواء كرهه
المنقول عنه أم المنقول إليه أم كرهه ثالثا وسواء كان الكشف بالقول أم بالكتابة أم بالإشارة
أم بالرمز أم بالايماء وسواء كان المنقول من الأعمال أم من الأقوال وسواء كان عيبا أو
نقصانا على المنقول عنه أم لم يكن بل حقيقة النميمة افشاء السرو هتك السر عما يكره كشفه
بل كل ماراه الأسنان من أحوال الانسان فينبغي ان يسكت عنه الاما في حكايته فائدة
لمسلم أو دفع لمعصيته كما إذا رأى من يتناول مال غيره فعليه ان يشهد به مراعاة لحق
المشهود عليه وأما إذا أراه يخفى مالا لنفسه فذكره نميمة وافشاء للسر فإن كان ما نيم
به نقصانا أو عيبا في المحكي عنه كان قد جمع بين الغيبة والنميمة والسبب الباعث على النميمة
إما إرادة السوء بالمحكى عنه أو اظهار الحب للمحكى له أو التفرح بالحديث أو الخوض في
الفضول وكل من حملت إليه النميمة وقيل إن فلانا قال فيك كذا وكذا أو فعل فيك كذا
وكذا وهو يدبر في افساد امرك أو في ممالاة وعدك أو تقبيح حالك أو ما يجرى مجراه
فعليه ستة أمور الأول ان لا يصدقه لان النمام فاسق وهو مردود الشهادة قال
الله تعالى ان جائكم فاسق بنبأ فتبينوا الآية الثاني ان ينهاه عن ذلك وينصحه
ويقبح له فعله قال الله تعالى وامر عن بالمعروف وانه عن المنكر الثالث ان يبغضه
في الله تعالى فإنه يبغض عند الله ويجب بغض من يبغضه الله تعالى الرابع ان لا
تظن بأخيك السوء بمجرد قوله لقوله تعالى فاجتنبوا كثيرا من الظن بل يثبت حتى يتحقق
الحال الخامس ان لا يحملك ما حكى لك في التحبيس والبحث ليتحقق لقوله تعالى
ولا تحبسوا السادس ان لا ترضى لنفسك ما نهيت النمام عنه فلا نحكي نميمة
فنقول فلان قد حكى لي بكذا فيكون به نماما مغتابا وقد تكون أتيت بما نهيت عنه
306

؟؟ عن علي عليه السلام ان رجلا اتاه يسعى إليه برجل فقال يا هذا نحن نسئل عما قلت
فان كنت صادقا مقتاك وان كنت كاذبا عاقبناك وان شئت ان نقيلك أقلناك
قال أقلني يا أمير المؤمنين وقد تيعه في ذلك عمر بن عبد العزيز وقد روى أنه دخل إليه رجل
فذكر عنده عن رجل شيئا فقال إن شئت نظرنا في امرك فان كنت كاذبا فأنت من أهل
هذه الآية ان جائكم فاسق بنبأ وان كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية هماز مشاء
بنميم وان شئت عفونا عنك فقال العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه ابدا وقد روى أن
حكيما من الحكماء زاره بعض إخوانه وأخبره بخبر عن غيره فقال له الحكيم قد أبطأت
في الزيارة واتيت بثلث خيانات بغضت إلى اخى وشغلت قلبي الفارغ واتهمت
نفسك الأمنية وروى أن بعض الخلفاء قال لرجل بلغني انك قلت في في كذا وكنا
فقال الرجل ما قلت وما فعلت فقال إن الذي اخبرني صادق فقال الزهري وكان جالسا
لا يكون النمام صادقا قال صدقت اذهب بسلامة وقال الحسن من نم إليك نم عليك وهذه إشارة
إلى أن النمام ينبغي ان يبغض ولا يوثق بصداقة وكيف لا يبغض وهولا ينفك من
الكذب والغيبة والغدر والخيانة والغل والحسد والنفاق والافساد بين الناس
والخديعة وهو ممن قد سعى في قطع ما أمر الله به ان يوصل قال الله تعالى ويقطعون
ما أمر الله به ان يوصل ويفسدون في الأرض وقال تعالى انما السبيل على
الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق والنمام منهم وقال إن من شر
الناس من اتقاه الناس لشره والنمام منهم وقال لا يدخل الجنة قاطع بين الناس
وهو النمام وقيل قاطع الرجم وقال لقمان الحكيم لابنه يا بنى انى موصيك بخلال
ان تمسك بهن لو تزل سيدا ابسط خلقك للقريب والبعيد وامسك جهلك عن الكريم
واللئيم واحفظ إخوانك وصداقا ربك وامنهم من قول ساع أو سماع باغ
307

يريد افسادك ويروم خداعك وليكن إخوانك من إذا فارقهم وفارقوك لم تغتبهم
ولم يغتبوك وقال بعضهم لو صح ما نقله النمام إليك لكان هو المجرى بالشتم عليك و
المنقول عنه أولي لأنه لم يقابلك بشتمك وبالجملة فشر النمام عظيم ينبغي ان يتوقى
قبل باغ بعضهم عبد أو قال للمشرى ما فيه عيب الا النميمة قال رضيت به فاشتراه
فمكث الغلام أياما ثم قال لزوجة مولاه ان زوجك لا يحبك وهو يريد ان تيسري
عليك واحلقي من قفاه شعرات حتى أبخر عليها فيحبك ثم قال للزوج ان امرئتك أخذت
خليلا وتريد ان تقتلك فتناوم لها حتى تعرف فتناوم فجائت المرأة بالموسى فظن أنها
تقتله فقام وقتلها فجاء أهل المراة وقتلوا الزوج فوقع القتال بين القبيلتين
وطال الامر المقام الثاني كلام ذي اللسانين الذي يتردد بين اثنين
سيما المعتادين ويكلم كل واحد منهما بكلام يوافقه وقل ما يحلو عنه من يشاهده معادية
وذلك عين النفاق وهو من المعاصي الكبائر المتوعد عليه بخصوصه وروى عمار بن ياسر عن
النبي ص من كان له وجهان في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيمة وعنه ص تجدون
من شر عباد الله يوم القيمة ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء وهؤلاء بحديث
هؤلاء وفى حديث اخر الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه وقيل مكتوب في التورية بطلت
الأمانة والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين وقال ص أبغض خلق الله إليه يوم القيمة
الكذابون والمستكبرون والذين يكثرون البغضاء لإخوانهم في صدورهم فإذ القوهم
تخلقوا لهم والذين إذا دعوا إلى الله ورسوله كانوا بطاء وإذا ادعوا إلى الشيطان وأمره
كانوا اسراعا وروى للصدوق باسناده إلى علي عليه السلام قال قال رسول الله ص يجئ
يوم القيمة ذو الوجهين دالعا لسانه في قفاه واخر من قدامه يلهبان نارا حتى يلتهبان
جسده ثم يقال هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين وذا السانين يعرف بذلك يوم
308

القيمة وبالاسناد إلى الباقر ع قال بئس العبد وعبد إذا وجهين وذا لسانين يطرى
أخاه شاهدا ويأكله غائبا ان اعطى حسده وان ابتلى خذله وباسناده عنه قال بئس
العبد عبد ا همزة لمزة يقبل بوجه ويدبر بخر وبالاسناد عنه قال قال الله تعالى لعيسى بن
مريم يا عسى ليكن لسانك في السرو العلانية لسانا واحدا وكذلك قلبك انى أحذرك
نفسك وكفى بك خبير الا يصلح لسانان في فم واحد ولا سيفان في غمد واحد ولا قلبان
في صدر واحد وكذلك الأذهان واعلم أن الانسان يتحقق كونه ذا السانين بأمور
منها ان ينقل كلام كل واحد إلى الأخر وهو مع ذلك نميمة وزيادة فان النميمة يتحقق
بالنقل من أحد الجانبين فقط ومنها ان يجز لكل واحد منهما ما هو عليه من المعادة
مع صاحبه وان لم ينقل بينهما كلاما ومنها ان يعد كل واحد منهما بان ينصره ويساعده
ومنها ان يثنى على كل واحد منهما في معادلته واولى منه ان يثنى عليه في وجهه وإذا
خرج من عنده ذمه والذي ينبغي ان يسكت ان يثنى على الحق منهما في حضوره وغيبته
وبين يدي عدوه ولا يتحقق اللسانان بالدخول على المتعاديين ومجاملة كل واحدة منهما
مع صدقه في المجاملة فان الواحد قد يتصادق متعاومين ولكن صداقة ضعيفه لا تصل
إلى حد الاخوة إذ لو تحققت الصداقة لاقتضت معادات العدو كما هو المشهور من أن
الأصدقاء ثلثة الصديق وصديق الصديق وعدو العدو والأعداء ثلاثة العدو
وعدو الصديق وصديق العدو فان قيل كثيرا ما يتفق لنا اختلاف اللسانين
مع الامراء وأعداء الذين المتظاهرين فهل يكون ذلك داخلا في النهى والنفاق كما ورد
من أنه سئل بعض الصحابة انا ندخل على أمرائنا فنقول القول ما ذا خرجنا قلنا غيره
قلنا إن كان القائل مستغنيا عن الدخول على الأمير وعن مخالفة العدو للذين و
اختار الاجتماع والصحبة له اختاره طلبا للجاه والمال زيادة على القدر الضروري
309

فهو ذو لسانين ومنافق كما ذكر الضحاك وعليه يحمل الخبر وقد قال ص حب الجاه والمال
ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل وإن كان محتاجا إلى ذلك اتقاء ضرورة
فهو معذور لاحرج عليه فيه فان اتقاء الشر جائز قال أبو الدرداء انا لنكشر في وجوه أقوام
وان قلوبنا لتبغضهم وروى أنه مر رجل عن النبي ص فقال بئس رجل العشرة فلما دخل عليه
اقبل عليه فقيل له في ذلك فقال إن شر الناس الذي يكرم اتقاء لشره المقام الثالث
الحسد وهو من أعظم الأدواء واكبرا المعاصي وأشرها وافسدها للقلب وهي أول خطيئة
وقعت في الأرض لما حسد إبليس ادم فحمله على المعصية فكانت البلية من ذلك إلى
الأبد وقدام الله نبيه ص باستعاذة من شرة فقال ومن شرحا سد بعدان استعاذ من الشيطان
والساحر وانزله منزلتهما والاخبار النبوية فيه لا تحضى كثرة قال رسول الله ص الحسد
يأكل الحسنات كما تأكل النار الخطب وقال ص ستة يدخل النار قبل الحسنات بسنة الامراء
بالجور والعرب بالمعصية والدهاقين بالكبر والتجارب لخيانة وأهل الرستاق بالجهل و
العلماء بالحسد وقال ص دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضة هي الحابقة
الا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين والذي نفس محمد ص بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا
ولن تؤمنوا حتى تحابوا الا أنبئكم بما تثبت ذلك لكم افشوا السلام وفى خبر معاذ عنه
ان الحفظة يصعد يعمل العبد يرق كما يرق العروس إلى أهلها حتى إذا انتهوا إلى السما الخامسة
بذلك العمل الخمس من جهاد وحج وله ضوء كضوء الشمس فتقول الملك انا الملك صاحب الحسد
انه كان يحسد الناس على ما اتاهم الله من فضله ويسخط ما رضي الله امرني ربى ان
لا ادع عمله يتجاوزني إلى غير وقال الصادق الحاسد مضر بنفسه قبل ان يضر المحسود
كإبليس أورث بحسده لنفسه اللغة ولادم ص الاجتباء والهدى والرفع إلى محل حقايق
العهد والاصطفاء فكن محسورا ولا تكن جاسد فان ميزان الحاسد ابدا خفيف بثقل
310

ميزان المحسود والرزق مقسوم فماذا ينفع الحسد الحاسد وماذا يضره المحسود الحسد
والحسد أصله من عمل القلب وجحود فضل الله وهما جناحان للكفر وبالحسد وقع ابن ادم
في حسرة الا بد وهلك فهلكا لا ينجو منه ابدا ولا توبة للحاسد لأنه مستمر عليه معتقد به
مطبوع فيه يبد ويلا معارض به ولا سبب والطبع لا يتغير عن الأصل وان عولج وكفى
بالحسد داء ابلاغه العلماء النار وكما وورد في الحديث السابق واعلم أن الحسد نهيج
خمسة أشياء أحدها افساد الطاعات قال رسول الله ص الحسد يأكل الحسنات كما
تأكل النار الحطب والثاني فعل المعاصي والشرور وقد قال بعض الفضلاء للحاسد
ثلاث علامات يتملق إذا شهد ويغتاب إذا غاب ويشتمت بالمعصية وحسبك ان الله
أمر بالاستعاذة من شره وقرنه بالشيطان والساحر النافث في العقد كما تقدم
والثالث التعب والغم من غير فائدة بل مع كل وزر ومعصيته قال بعضهم لم أر ظالما
أشبه بالمظلوم من الحاسد نفس دائم وعقل ها ثم وغم لازم والرابع الحرمان
والخذلان فلا يكاد يظفر بمراد ولا ينصر على عدو قد قيل الحاسد غير منصور وكيف
يظفر بمراده ومراده زوال نعم الله عن عباده وكيف ينصر على أعدائه وهم عباد الله
الذين نظر الله إليهم وأسبغ نعمه عليهم سيما إذا كانت النعمة نعمة العلم والكلام في
الحسد طويل الاعتناء علماء القلوب به وبحثهم عنه وقوة دائة في قلوب الخاصة وفى
العامة ولنقصرها في البحث على مواضع الأول في حقيقة الحسد وحكمه ومراتبه وامامه
ومراتبه فحقيقته انبعاث القوة الشهوية إلى تمنى مال الغير أو الحالة التي هو عليها و
زوالها عن ذلك الغير وهو مستلزم لحركة القوة الغضبية واشات المغضب وروابه
وزيادته بحسب زيادة حال المحسود التي يتعلق بها الحسد ولذلك قال على ع الحاسد
مغتاظ على من لا ذنب له وهو نوع من أنواع الظلم والجور وقال أيضا لا راحه مع
311

حسد ووجهه قد ظهر من حقيقته فان شهوة الحاسد وفكره في كيفية حصول حال المحسود فيها
وفى كيفية زوالها عمن هي له المستلزم لحركة آلات البدن في ذلك مستلزم لعدم الراحة
وقد اتفق العقلاء على أن الحسد مع أنه رزيلة عظيمة للنفس فهو من أسباب العظيمة الحزاب
العالم إذ كان الحاسد كثيرا ما يكون حركانه وسيعة في هلاك أرباب الفضايل وأهل
الشرف والأموال الذين يقوم بوجودهم عمارة الأرض إذ لا يتعلق الحسد بغيرهم من
أهل الحسنة والفقر ثم لا يقصر في سعيه ذلك دون ان يزول تلك الحالة المحسود بها عن
المحسودا ويهلك هو في تلك الحركات الحسية الفعلية والقولية ولذلك قيل حاسد
النعمة لا يرضيه الا زوالها وما دام الباعث في القوة الغضبية قائما فهى قائمة متحركة
ومحركة وكثيرا ما يؤثر الغاية بين يدي الامرا والمسلطين لعلم الساعي بقدرتهم على
تنفيذ اغراضه ولقرب طباعهم إلى قبول قوله من الغير لمشاركتهم في الطباع وغلبة القوة
الشهوية والمغضبية فيهم ولكن كثيرا ما يؤثر حركة الحاسد في إزالة نعمة المحسود لمحة من
لمحات الله للمحسود بعين العناية فيحرسهم وتزيد نعمتهم فلا يتوجه للحاسد عليهم سبيل
وانما السبيل على الذين يظلمون الناي ويبغون في الأرض بغير الحق فيصير نعيهم سببا
لخراب الأرض فيفسد الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذ قد عرفت انه لا حسدا لا
على نعمة فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة قالت فيها حالتان إحديهما ان تكوه تلك النعمة
وتحب زوالها وهذه الحالة تسمى حسدا والثانية ان لا تحب زوالها ولا تكره وجودها
ودوامها ولكنك تشهى لنفسك مثلها وهذا يسمى غبطة وقد يخص باسم المنافية
قال الله تعالى وفى ذلك فليتنا في المتنافسون وقد تسمى المنافسة حسدا والحسد منافسة
كقول الفضل وقثم ابني العباس لعلى حين أشار عليهما بان لا يذهبا إلى النبي ص ولا
يسألانه الولاية على الصدقة وقد كانا أراد إذ لك ما ذا منك الا فقاسة والله لقد
312

زوجك ابنته فما نفسنا ذلك عليك وكقول النبي ص لا حسد الا في اثنين رجل أتى
الله ما لا فسلطه على هلكته في الحق ورجل اتاه الله علما فهو يعمل به ويعمله الناس
والمحرم من الحالتين هو الحالة الأولى وهي المخصوصة بالذم قال ص المؤمن ليغبط والمنافق
يحسد اللهم الا ان يكون النعمة قد احتابها فاجر يستعين بها على ايذاء الخلق وتيح
القمة وفساد الذين ونحو ذلك فلا تضر الكراهة لها ومحبة زوالها إذا لم
يكن ذلك من حيث إنها نعمة بل من حيث إنها آلة الفساد ويدل على عدم تحريم الحالة
الثانية الآية المتقدمة والحديث وقد قال الله تعالى وسابقوا إلى مغفرة من ربكم
والمسابقة انما يكون عند خوف الفوت كالعبيدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما
ويخرج كل واحد منهما ان يسبق صاحبه فيخطى عند مولاه بمنزلة لا يخطى هو بها
بل قد يكون المنافسة واجبة إذا كان المنافس فيه واجبا إذ لو لم يجب مثله كان
راضيا بالمعصية المحرمة وقد تكون مندوبة كالمنافسة في الفضائل المندوبة
من انفاق الأموال ومكارم الأخلاق وقد يوصف بالإباحة إذا كان مباحا وبالجملة
فهى تابعة للفعل المناقش تيه ولكن في المناقشة دقيقة وخطر غامض يجب على طالب الخلاص
التحرز منه فإنه وهو انه إذا آيس عن أن ينال مثل تلك النعمة وهو يكره تخلفه ونقصانه
فلا محالة يحب زوال النقصان وانما يزول بأحد أمرين ان ينال مثله أوان يزول نعمة
للنافس فإذا السند أحد الطريقين عن الساعي يكاد القلب ان تشتهى الطريق الأخرى
إذ بزوال النعمة يزول التخلف المرعوب عنه فيمتحن نفسه فإن كان بحيث لو القى الامر
إليه ورد إلى اختياره لسعى في إزالة النعمة فهو حسود حسدا مذموما وإن كانت التقوى
تمنعه عن إزالة ذلك عفى عما يجده في طبعه من ارتياحه إلى ذوال النعمة من كان منى كارها
لذلك من نفسه بعقله وإذ قد عرفت حقيقة الحسد فاعلم أن له مراتب أربع الأول
313

ان يحب زوال النعمة عنه وإن كانت لا ينتقل إليه وهذا غاية الخبث وأعظم افراد الحسد
الثانية ان يحب زوال النعمة إليه لرغبته في تلك النعمة لا مجرد زوالها عن صاحبها الثالثة
ان لا تشتهي عنها بل يشتهى لنفسه مثلها فان عجز عن مثلها يجب زوالها كي لا يظهر التفاوت
بينهما وهذه الثلاثة محرمة وهي مرتبة في القوة ترتبها في اللفظ الرابعة ان يشتهى لنفسه
مثلها فإذا لم يحصل فا ليجب زوالها منه وهذا هو المحمود المخصوص باسم الغبطة بل
المندوب إليه في الدين ونسميه حسدا تجوز الثاني في الأسباب المثيرة للحسد و
هي كثيرة جدا الا انها ترجع إلى سبقه العداوة والتعزن والتكبر والتعجب والخوف من
فوت المقاصد وحب الرقايته وخبث النفس وبخلها فإنه انما يكره النعمة عليه إما الانه
عدوه فلا يريد له الخير وهذا لا يختص بالأمثال واما لأنه يخاف ان يتكبر بالنعمة عليه
وهو لا يطيق احتمال كسره وعظمته لغرة نفسه وهو المراد بالتعزز واما ان يكون في
طبعه ان يتكبر على المحسور ويمتنع ذلك عليه بنعمته وهو المراد بالتكبر واما ان يكون
النعمة عظيمة والمصب كثيرا فيتعجب من نور مثله بمثل تلك النعمة وهو التعجب واما ان يخاف
من فوات معاصده بسبب نعمته بان يتوصل به إلى مزاحمته في اغراضه واما ان
يكون يجب الرياسة التي تبتنى على الاختصاص بنعمة لا يساوى وفيها واما ان لا يكون
بسبب من هذه الأسباب بل بخبث النفس وشحها بالحبر لعباد الله وقد أشار الله سبحانه إلى
إلى السبب الأول بقوله ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم والى الثانية
بقوله لولا نزل هذا القران على رجل من القيرمين عظيم أي كان لاثقل علينا ان نتواضع
له ونتبعه وإذا كان عظيما وكانوا قد قالوا كيف يتقدم علينا غلام يتيم وكيف تطأطأ
رؤسائنا والى الرابعة بقوله قالوا ما أنتم الا بشر مثلنا أنؤمن لبشرين مثلنا لئن
أطعتم بشرا مثلكم انكم إذا لخاسرون فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب
314

من الله تعالى بشر مثلهم فحسدوهم وقالوا متعجبين ابعث الله بشرا رسولا فقال تعالى أو عجبتم
ان جائكم ذكر من ربكم على رجل منكم وأعظم الأسباب
فسادا الخامس والسادس لتعلقهما غالبا بعلماء السوء نظرائهم ومناط الخامس يرجع
إلى متراجمين على مطلوب واحد فان كلا منهما يحسد صاحبه في كل نعمة يكون عونا له في الانفراد
بمقصوده ومن هذه الباب تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصد الزوجة والاخوة
في التزاحم على نيل المنزلة المطلوبة بها عند الأب والتلامذة لأستاذ واحد في نيل
المنزل عنده والعالمين المتزاحمين على طائفة من المحصورين إذ يطلب كل واحد منزلة
في قلبهم للتوصل بهم إلى اغراضه ومرجع السادس ذلك إلى محبة الانفراد بالرياسة والاختصاص
بالثناء والقرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر فلا نظير له فإنه متى سمع بنظير له في
أقصى العالم اسائه ذلك وأحب موته وزوال النعمة التي بها يشاركه في المنزلة و
هذا زيادة على ما في قلوب آحاد العلماء من طلب الجاه والمنزلة في قلوب الناس للتوصل
إلى مقاصد سوى الرياسة وقد كان علماء اليهود يعلمون رياسة رسول الله ص وينكرونها
ولا يؤمنون به مخافة ان يبطل رياستهم وان يصيروا تابعين بعد إن كان نوا متبوعين
مهما نسخ علمهم وقد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد فيعظم
فيه داء الحسد وينكر في قلبه ويقوى قوة لا يقدر معه على الاخفاء والمجاملة
بل يتهتك حجاب المجاملة ويظهر العداوة بالمكاشفة ولا يكاد يزول الا بالموت وقل
ان يتفق بالحاسد سبب واحد من هذه الأسباب بل أكثر واصل العداوة والحسد التزاحم
على غرض واحد والغرض الواحد لا يجتمع متباعدين بل متناسبين فلذلك ترى
الحسد يكثر بين الأمثال والاقران والاخوة ونبى العم والأقارب ويقد في غيرهم
الا مع الاجتماع في أحدا الأغراض المقررة نعم من اشتد حرصه على الجاه وحب الصيت في
315

جميع أطراف العالم بما هو فيه فإنه يسحد كل من هو في العالم وان يعد ممن يساهمه في الخصلة
التي تفاخر بها ومنشأ جميع ذلك حب الدنيا فان الدنيا هي التي تضيق عن التزاحمين إما
الآخرة فلا ضيق فيها وانما مثلها مثل العلم فان من عرف الله تعالى وملائكة وأنبيائه
وملكوت ارضه وسمائه لم يحسد غيره إذا عرف ذلك أيضا لان المعرفة لا تضيق على
العارفين بلا المعروف الواحد يعرفه الف الف عالم ويفرح بمعرفته ويلتذ به ولا ينقص
لذة واحدة بسبب غيره بل يحصل بكثرة العارفين زيادة الانس وثمرة الإفادة و
الاستفادة فلذلك لا يكون بين علماء الدين محاسدة لان مقصدهم بحر واسع لا
ضيق فيه وعرضهم المنزلة عند الله ولا ضيق أيضا فيه بل يزيد الانس بكثر تهم نعم إذا
قصد العلماء بالعلم المال والجاه تحاسد والآن المال أعيان وأحسام إذا وقعت في
يد واحد خلت عنه يد الآخر وكذلك الجاه إذ معناه ملك القلوب ومهما امتلا قلب شخص
بتعظيم عالم انصرف عن تعظيم الأخر أو نقص منه لا محالة فيكون ذلك سببا للحاسدة
واما العلم فلا نهاية له ولا يتصور استيعابه فمن بذل جهله في تحصليه واشغل نفسه
في الفكر في جلالة الله وعظمته صار ذلك ألذ عنده من كل نعيم ولم يكن ممنوعا منه
مزاحما فيه فلا يكون في قلبه حسدا لاحد من الخلق لان غيره أيضا لو عرف مثل معرفته
لم ينقص لذته بل زادت لذته بموانسته بل مثل العاملين بالحقيقة المتمسكين بالطريقة
كما قال الله تعالى عنهم ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين فهذا حالهم في
الدنيا فما ذا نظر عند انكشاف الغطاء ومشاهدة المحبوب في العقبى فلا محاسدة
في الجنة أيضا إذ لا مضايقة فيها ولا مزاحمة فعليك أيها الأخ وفقنا الله
وإياك ان كنت بصيرا وعلى نفسك مشفقا ان نطلب نعيما لا زحمة فيه ولذة لا مكدر
لها والله ولى التوفيق الثالث في إشارة وجيزة إلى الدواء الذي ينفى مرض الحسد
316

عن القلب اعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب ولايد أي وأمراض القلب الا بالعلم
والعمل والعلم النافع لمرض الحسد هو ان تعلم يقينا ان الحسد ضرر عليك في الدنيا و
الدين ولا ضرر به على المحسود في الدنيا ولا في الدين بل ينتفع به فيهما ومهما عرفت هذا عن
بصيرة ولم تكن عدو نفسك وصديق عدوك فارقت الحسد لا محالة إما كونه ضررا عليك
في الدين فهو انك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى وكرهت نعمته التي قسمها لعباده و
عدله الذي اقامه في ملكه لخفى حكمته واستكبرت ذلك واستبشعته وهذه جناية على
حدقة التوحيد وقدى في عين الايمان وناهيك بها جناية على الدين وقد تضاف إليه انك غشت
رجلا من المؤمنين وتركت نصيحته وفارقت أولياء الله وأنبيائه في حبهم للخير
لعباد الله وشاركت إبليس وسائر الكفار في محبتهم للمؤمنين البلاء وزوال النعم و
هذه جناية في القلب تأكل حسنات القلب كما تأكل النار الحطب وتمحوها كما تمحو الليل
والنهار واما كونه ضررا عليك في الدنيا فهو انك تتألم بحسد وتتعذب به ولا
تزال في كدر وغم إذا عداؤك لا يخليهم الله عن نعم يفيضها عليهم فلا تزال تتعذب بكل
نعمة تراها تتألم بكل بلية تنصرف عنهم فتبقى مغموما محروما متشعب القلب ضيق النفس
كما تشتهيه لأعدائك وكما يشتهى أعداؤك لك فقد كنت تريد المحنة لعدوك فتنجزت
في الحال محنتك وغمك نقد أولا تزول النعمة عن المحسود بحسدك ولو لم يكن تؤمن
بالبعث والحساب لكان مقتضى الظنة؟ ان كنت عاقلا ان تحذر من الحسد لما فيه من ألم
القلب ومسائته وعدم النفع فكيف وأنت عالم بما في الحسد من العذاب الشديد في الآخرة
فما أعجب من العاقل ان يتعرض لسخط الله من غير نفع يناله بل مع ضرر يحتمله والم يقاسيه
فيهلك دينه ودنياه من غير جدوى ولا فائدة واما انه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه
فواضح لان النعمة لا تزول عنه بحسدك بل ما قدره الله تعالى له من اقبال ونعمة
317

فلابد وان يدوم إلى أجل قدره الله تعالى فلا حيلة في رفعه وإن كانت النعمة قد حصلت
لسعيه من علم أو عمل فلا حيلة في دفعه أيضا بل ينبغي ان تلوم أنت نفسك حيث يسعى وقعدت وشمر
وكسلت وسهر ونمت وكان حالك كما قيل هلا سعوا سعى الكرام فادركوا أو سلموا
لمواقع الاقدار ومهما لم تزل النعمة بالحسد لم يكن على المحسود من ضرر في الدنيا ولا كان عليه
اثم في الآخرة ولعلك تقول ليت النعمة كانت تزول عن المحسود بحسدي وهذا غاية الجهل و
الغباوة فإنه بلاء تشهيه أولا لنفسك فإنك لا تخلو أيضا من عدوك فلو كانت النعم تزول
بالحسد لم يبق بالله عليك نعمة ولا على الخلق نعمة حتى نعمة الايمان لان الكفار يحسدون
المؤمنين عليه قال الله تعالى ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون
الا أنفسهم وان اشتهيت ان تزول نعمة الغير عنه بحسدك ولا تزول عنك بحسد الغير فهذا
غاية الجهل والغباوة فان كل واحد من حمقاء الحساد أيضا يشتهى ان يخص بهذه الخاصة
ولست بأولى من غيرك فنعمة الله تعالى عليك في أن لم تزل نعمة عليك بحسد غيرك من
النعم التي يجب عليك شكرها وأنت بجهلك تكرهها واما ان المحسود ينتفع به في الدين والدنيا
فواضح إما منفعته في الدين فهو انه مظلوم من جهتك لا سيما إذا أخرجك الحسد إلى
القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكر مساويه فهى هدايا تهديها
إليه فإنك تهدى إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيمة مفلسا محروما عن النعمة كما خرجت
في الدنيا عن النعمة فكأنك أردت زوال النعمة عنه فلم يزل نعمه كان عليك نقمه
إذ وفقك للحسنات فنقلتها إليه فأضقت له نعمة إلى نعمة وأضقت إلى نفسك
شقاوة إلى شقاوة إما منفعته في الدنيا فهو ان أهم اغراض الخلق مسائة الأعداء وغمهم
وشقاوتهم وكونهم معذبين مغمومين فلا عذاب أعظم مما أنت فيه من ألم الحسد
وغاية أماني أعدائك ان يكونوا في نعمة وأن يكون في غم وحسرة بسببهم وقد فعلت
318

ما هو مرادهم وقد قال علي عليه السلام لإراحة للحسود وقال عليه السلام الحاسد مغتاظ على من لا
ذنب له وقد عرفت من تضاعيف هذه المباحث وجه الكلمتين ومن أجل ذلك ينبغي ان لا
تشتهى أعدائك موتك بل تشتهى ان تطول حياتك في عذاب الحسد لتنظر إلى نعمة
الله تعالى عليهم فينقطع قلبك حسدا ولذلك قيل لامات أعدائك بل خلدوا حتى
يروا منك الذي يكمد لا زلت محسودا على نعمة فإنما الكامل من يحسد ففرح عدوك
بغمك وحسدك أعظم من فرحه بنعمته فإذا تأملت هذا عرفت انك عدو نفسك وصديق
عدوك ان تعاطيت ما تضررت به في الدنيا والآخرة وانتفع به عدوك في الدنيا و
الآخرة وصرت شقيا عند الخلق والخالق مذموما في الحال والمال ثم لم تقصر على
تحصيل مراد عدوك حتى أدخلت أعظم السرور الذي هو اعدى أعدائك لأنك لم تحب ما أحبه
أهل الخير لأنفسهم فتكون معهم لان المرء مع من أحب فأحبك إبليس لذلك فكنت معه
وقد تظافرت الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله بان المرء مع من أحب وانك ان لم تكن عالما
ولا متعلما تكن محبا فقد فإنك بحسدك ثواب الحب واللحاق بهم وعساك تحاسد رجلا
من أهل العلم وتحب ان يخطئ في دين الله وينكشف خطائه ليفتضح وتحب ان يعرض له
ما يمنعه عن العلم والتعليم وأي أتم تزيد على هذا فليتك إذا فاتك اللحاق بهم ثم اعثمت
به فاتك الاثم وعذاب الآخرة وفذ جائك في الأحاديث ان أهل الجنة ثلثه المحسن
والمحب له والكاف عنه أي من يكف عنه الأذى والحسد والبغض فانظر كيف أبعدك
إبليس عن المداخل الثلاثة فقد تعد عليك حسد إبليس وما تعد حسدك على عدوك
بل على نفسك فلو انكشفت حالك لك في يقظته أو منام لرأيت نفسك أيها الحاسد
في صورة من يرمى عدوه بحجارة ليصيب بها مقلته فلا يصيبه بل يرجع حجره على
حدقته اليمنى فيعميها فيزداد غضبه ثانيا فيعود إلى الرمي أشد من الأول فيرجع على
319

عينه الأخرى فيعميها فيزداد غضبه فيعود ثالثة فيرجع إلى رأسه فيشجه وعدوه سالم على
كل حال وأعدائه حوله يفرحون بما اصابه ويضحكون منه فهذه حال الحسود لا بل حالة
أقبح لان من الحجر المفوت للعين انما يفوت ما لو بقى لفات بالموت لامحة بخلاف الاثم
الحاصل للحسود فإنه لا يفوت بالموت بل بسوقه إلى غضب الله والى النار فلان تذهب
عينه في الدنيا خير من أن تبقى له عين يدخل بها النار فيعميها لهبها لهيب النار فانظر
كيف انتقام الله تعالى من الحاسد إذا أراد زوال النعمة عن المحسود فأزالها عن نفسه
إذ السلامة من الاثم نعمة ومن الغم نعمة أخرى وقد زالتا منه تصديقا لقوله تعالى ولا
يحيق المكر السيئ الا باهله وربما يبتلى بعين ما يشتهيه لعدوه إذ قل ما شمت شامت بمسائة
أحدا لا وابتلى بمثلها فهذه هي الأدوية العلمية فمهما تفكر الانسان فيها بذهن صاف
وقلب حاضر انطفى من قلبه نار الحسد وعلم أنه مهلك نفسه ومفرح عدوه ومسخط ربه
ومنغص عيشه واما الدواء العملي فبعد ان يتدبر ما تقدم ينبغي ان يكلف نفسه نقيض ما
ما يبعثه عليه فيمدح للمحسود عليه عند بعثه على القدح ويتواضع له عند بعثه على
التكبر ويزيد في الانعام عند بعثه على كفه فينتج هذه المقدمات تمام الموافقة وتنقطع مادة
الحسد وتستريح القلب من المه وغمه فهذه أدوية نافعة جدا الا انها مرة جدا لكن النفع
في دواء المرو من لم يصبر على مرارة الدواء لم يظفر لحلاوة العشاء والباعث على هذه
الخصال الحميدة الرغبة في ثواب الله تعالى والخوف من عقابه وفقنا الله وإياكم لاستعماله
بمحمد واله وصلى الله عليهم أجمعين الفصل الخامس في كفارة الغيبة اعلم أن الواجب
على المغتاب ان يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ليخرج من حق الله تعالى ثم يستحل المغتاب
عنه ليحله فيخرج عن مظلمته وينبغي ان يستحله وهو حزين متأسف نادم على فعله إذا
المرء قد يستحل ليظهر من نفسه الورع وفى الباطن لا يكون نادما فيكون قد قارن
320

معصيته أخرى وقد ورد في كفارتها حديثان أحدهما قوله صلى الله عليه وآله كفارة
من استغتبته ان تستغفر له والثاني قوله صلى الله عليه وآله من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال
فليستحللها منه من قبل ان يأتي يوم ليس هناك دينا ولا درهم يؤخذ من حسناته
فإن لم يكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فيزيد على سيئاته ويمكن ان يكون طريق الجمع
حمل الاستغفار له على من لم يبلغ عيبة المغتاب فينبغي الاقتصار على الدعاء له والاستغفار
لان في محالته إثارة للفتنة وجلبا للضغائن وفى حكم من لم يبلغه من لم يقدر على
الوصول إليه بموت أو غيبة وحمل المحالة على من يمكن التوصل إليه مع بلوغه الغيبة
ويستحب للمعتذر إليه قبول العذر والمحالة استحبابا مؤكدا قال الله تعالى خذ
العفو الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا جبرئيل ما هذا العفو قال إن الله يأمرك ان تعفو
عن من ظلمك وتصل من قطعك وتعطى من حرمك وفى خبر اخر إذا جثى الأمم بين
يدي الله تعالى يوم القيمة نود واليقم من كان اجره على الله فلا يقوم الا من عفى في الدنيا
وروى عن بعضهم ان رجلا قال له ان فلانا قد اغتابك فبعث إليه طبقا من الرطب و
قال بلغني انك قد أهديت إلى حسناتك فأردت ان أكافيك عليه فاعذرني فانى لا
اقد وان أكافيك على التمام وسبيل المتعذر ان يبالغ في الثناء عليه والتودد و
يلازم ذلك حتى يطيب قلبه فإن لم يطب كان اعتذاره وتودده حسنة محسوبة
له وقد تقابل سيئة الغيبة في القيمة ولافرق بين غيبة الصغير والكبير والحي والميت
والذكر والأنثى وليكن الاستغفار والدعاء له على حسب ما يليق بحاله فيدعو للصغير
بالهداية وللميت بالرحمة والمغفرة ونحو ذلك ولا يسقط الحق بإباحة الانسان غرضه
للناس لأنه عفو عما يجب وقد صرح الفقهاء بان من أباح قذف نفسه لم يسقط حقه
من حده وما روى عن النبي صلى الله عليه وآله أيعجز أحدكم ان يكون كأبي صمصم كان إذا خرج من بيته قال
321

اللهم إني تصدقت بعرضي على الناس معناه انى لا اطلب مظلمته في القيمة ولا أخاصم عليها
لا ان صارت غيبة بذلك حلالا وتجب النية لها كبا في الكفارات والله الموفق
واما الخاتمة فاعلم وفقك الله تعالى وإيانا ان الغرض الكلى للحق تعالى من الخلق
والمقصد الأول من بعثته الأنبياء والرسل والكتب الإلهية والنواميس الشرعية انما
هو جذت الخلق إلى الواحد سبحانه ومعالجة نفوسهم من داء الجهل والتفاتها إلى دار القرار
ورفضها لهذا الدار وحمايتها ان ترد موارد الهلاك إذا كانت من ذلك على خطر و
تشويقها إلى ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم ما يلزم ذلك
المقصود من تدبر أحوال المعاش البدني وساير الأسباب البقاء للنوع الانساني
وكان ذلك موقوفا على الاجتماع والتعاون والتعاضد بالتعلم والتعليم وتذكير
المعارف للعاقل بالعهد القديم واستعانة كل واحد بالآخر في تحصيل نفعه إذ كان الانسان
مدنيا بطبعه لا يستقل وحده بتحصيل معايشه ولا يقدر على استنباط جميع اغراضه
من مأكله ورياسة فلا جرم توقف غرض الحكيم جل جلاله على الاجتماع وتالف
القلوب والموادة حالتي الحاضر والغيوب فلذلك تظافرت الاخبار والآثار بالحث
على الموادة والنهى على المباينة والمحادة وأكثر على عباده لبعضهم بعضا الحقوق وحذرهم
من الكفران والعقوق ووعدهم على التألف والتعاطف جزيل الثواب وأوعدهم على
ترك ذلك مزيد النكال والعقاب كما ستقف عليه إن شاء الله في ضمن ما نورده من الاخبار
عن النبي صلى الله عليه وآله الأخيار الاطهار والتذكر من ما يناسب هذه الرسالة اثنى عشر حديثا ايثارا
للاختصار ومن أراد الغاية في ذلك فليطالعه من كتب المصنفة فيه ككتاب الاخوان
للصدوق وابن بابويه وكتاب الايمان وكتاب العشرة وغيرهما من كتب الكافي للكليني
قدس سره فان فيه بلاغا وافيا لأهل الاعتبار ودواءا شافيا لاولى الابصار
322

الحديث الأول أخبرنا الشيخ السعيد المبرور نصير الدين ابن علي عبد العالي الميسي قدس سره نور قبره اجازه عن شيخه المرحوم المغفور شمس الدين محمد بن المؤذن الجزيني
عن الشيخ ضياء الدين عن ولد الامام العلامة المحقق السعيد شمس الدين أبى عبد الله
الشهيد محمد بن مكي عن والده المذكور عن السيد عميد الدين عبد المطلب والشيخ فخر
الدين ولد الشيخ الإمام الفاضل العلامة محيى المذهب جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر
عن والده المذكور عن جده السعيد سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر عن الشيخ المحقق
نجم الدين جعفر بن الحسن بن سعيد الحلى جميعا عن السيد محيي الدين أبى حامد محمد بن عبد
الله بن علي بن زهره الحلبي عن الشريف الفقيه عز الدين أبى الحرث محمد بن الحسن الحسيني
البغدادي عن الشيخ قطب الدين أبى الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي عن الشيخ أبى جعفر
محمد بن علي بن المحسن الحلبي عن الشيخ الفقيه أبى الفتح محمد بن علي الكراجكي قال حدثني
أبو عبد الله الحسين محمد بن الصيرفي البغدادي قال حدثني القاضي أبو بكر محمد بن عمر
الجماني قال حدثنا أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر من ولد عمر بن علي عليه السلام قال حدثني أبي عن
أبيه عن ابائه عن أمير المؤمنين قال عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله للمؤمن على أخيه ثلاثون
حقا لابراء له منها الا بأدائها أو العفو يغفر زلته ويرحم عبرته ويستر عورته ويقبل
عثرته ويقبل معذرته ويرد غيبته ويديم نصيحته ويحفظ خلته ويرعى ذمته ويعود
مرضته ويشهد ميتته ويجيب دعوته ويقبل هديته ويكافى صلته ويشكر نعمته
ويحسن نصرته ويحفظ حليلته ويقضى حاجة ويشفع مسئلته ويسمت عطسة
ويرشد ضالته ويرد سلامه ويطيب كلامه ويبر نعامه ويصدق أقسامه وتواليه
ولا يعاديه وينصره ظالما ومظلوما فاما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه واما نصرته
مظلوما فيعينه على اخذ حقه ولا يسلمه ولا يخذله ويحب له من الخير ما يحب لنفسه و
323

يكره له من الشر ما يكره لنفسه ثم قال عليه السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إن أحدكم ليدع من حقوق
أخيه شيئا فيطالب به يوم القيامة فيقضى له عليه الحديث الثاني وبالاسناد
المتقدم إلى السيد محيي الدين زهرة قال اخبرني أبو الحسن أحمد بن وهب بن سليمان بقرائتي عليه في
شعبان سنة إحدى وتسعين وخمسمائة قال أخبرنا القاضي فخر الدين أبو الرضا سعيد بن عبد الله بن
القسم الشهرزوري يوم الجمعة سابع شهر ربيع الأخر سنة أربع وسبعين وخمسمائة بالموصل
قال أخبرنا الشيخ الحافظ أبو بكر وجيه طاهر الشحامي بقرائتي عليه يوم الأربعاء خامس شهر
رمضان سنة تسع وثلثين وخمسمائة قال أخبرنا الشيخ الزكي أبو حامد أحمد بن الحسن الأزهري
قال أخبرنا الشيخ أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن مخلد المخلدي العدل قراءة
عليه فاقر به قال أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي السراج فيما قرائة عليه
لسنة اثنى عشر وثلثمائة فاقر به وقال نعم قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا
الليث عن عقيل عن الزهري عن سالم عن أبيه ان رسول الله قال المسلم أخو المسلم
لا يظلمه ولا يشتمه من كان في حاجة أخيه كان الله له في حاجته ومن فرج عن مسلم كربه
فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيمة من سر مسلما ستر الله يوم القيمة الحديث
الثالث بالاسناد التقدم إلى السيد محيي الدين قال أخبرنا القاضي شيخ الاسلام
أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم بقراءتي عليه في الرابع عشر من جمادى الآخرة من سنة ثمان
عشرة وستمائة قال أخبرنا القاضي الامام فخر الدين أبو الرضا سعيد بن عبد الله بن القسم
الشهرزوري سماعا عليه في جمادى الآخرة سنة أربع وسبعين وخمسمائة قال أخبرنا الشيخ
الإمام أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن الخطيب الكبثمهينى؟ بقرائتي عليه يوم السبت سابع
عشر شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمأة قال أخبرنا الشيخ أبو القاسم هبة الله بن عبد
الوارث بن علي بن أحمد الشيرازي كتبه لي بخطه في شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين
324

وأربعمائة قال أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن الحسن بن طوق المعدل قال أخبرنا أبو
القاسم نضر بن أحمد بن محمد الفقيه قال اخبرني أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي التيمي قال
هبة الله أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز علي بن أحمد السكري قال أخبرنا أبو طاهر محمد بن
عبد الرحمن بن بن العباس المخلص قال حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال حدثني عبد الاعلى ابن حماد التونسي قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي
رافع عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال إن رجلا زارا خاله في قرية أخرى فارصد الله
على مدرجته ملكا فلما اتى عليه قال أين تريد قال أردت أخا لي في قرية كذا وكذا
قال له هل لك عليه من نعمة ترميها قال لا أفي أحبه في الله قال انى رسول إليك ان
الله تعالى قد أحبك كما أحببته فيه الحديث الرابع وبالاسناد المتقدم
إلى القاضي فخر الدين الشهرزوري قال أخبرنا الشيخ الحافظ ثقة الدين أبو القاسم
زاهر بن طاهر بن محمد الشحام قرائة عليه وانا اسمع يوم الأربعاء التاسع والعشرين من
سنة خمس وعشرين وخمسمائة ببغداد قال أخبرنا الشيخ أبو نصر عبد الرحمن بن علي بن
موسى قال أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت القزويني ببغداد قال حدثنا
أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي املاء قال حدثني أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري
عن مالك بن انس عن أبي شهاب عن انس بن مالك ان رسول الله قال لا تباغضوا
ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا ولا يحل لمسلم ان يهجر أخاه
فوق ثلث ليال الحديث الخامس وبالاسناد المتقدم إلى الشحامي قال أخبرنا الشيخ
أبو سعيد محمد بن عبد العزيز الصفار قال أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن محمد بن الحسن
السلمي قال أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن محبوب قال حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى قال
حدثنا محمد بن الأزهري قال حدثنا محمد بن عبد الله البصري قال حدثنا يعلى بن ميمون
325

قال حدثنا يزيد الرقاشي عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من الطف مؤمنا أو
قام له بحاجة من حوائج الدنيا والآخرة صغر ذلك أو كبر كان حقا على الله ان يخدمه
يوم القيمة الحديث الثالث وبالاسناد المتقدم إلى السلمي قال أخبرنا عبد
العزيز بن جعفر بن محمد بن الحرابي ببغداد قال حدثنا محمد بن هارون بن برية قال حدثنا
عيسى بن مهران قال حدثنا الحسن بن الحسين قال حدثنا الحسين بن زيد قال قلت لجعفر بن
محمد عليه السلام جعلت فداك هل كانت في النبي مداعته فقال لقد رصفه الله بخلق عظيم في المداغبة
وان الله بعث أنبيائه فكانت فيهم كزازة وبعث محمدا بالرأفة والرحمة وكان من
رأفته لامته مداعبته لهم لكيلا يبلغ بأحد منهم التعظيم حتى لا ينظر إليه ثم قال حدثني أبي
محمد عن أبيه على عن أبيه الحسين عن أبيه على عليهم السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليسر الرجل
من أصحابه إذا رآه مغموما بالمداعبة وكان يقول إن الله يبغض المعبس في وجه إخوانه
الحديث السابع بالاسناد المتقدم إلى شيخ المذهب ومحييه ومحققه جمال الدين الحسن بن
يوسف بن المطهر عن والده السعيد سديد الدين يوسف بن المطهر قال أخبرنا الشيخ العلامة
النسابة فخار بن المعد الموسوي عن الفقيه سديد الدين شاذان بن جبرئيل القمي عن عماد
الدين الطبري عن الشيخ أبى على الحسن بن الشيخ أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن والده
الشيخ قدس الله روحه عن الشيخ المفيد محمد بن النعمان عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن
الحسين بن بابويه القمي عن الشيخ أبى عبد الله جعفر بن قولويه عن الشيخ أبى عبد الله
محمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن عبد
الله بن بكر عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال قلت له ماحق
المسلم على المسلم قال له سبع حقوق واجبات ما منها حق الا وهو واجب ان ضيع منها
خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن فيه نصيب قلت له جعلت فداك وما هي قال
326

يا معلى انى عليك شفيق أخاف ان تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل قال قلت لا قوة الا
بالله قال أيسر حق منها ان تحب له ما تحب لنفسك وتكره ما تكره لنفسك والحق الثاني ان
تتجنب سخطه وتتبع مرضاته ونطيع امره والحق الثالث ان تعينه بنفسك ومالك و
لسانك ويدك ورجلك والحق الرابع أن تكون عينه مراته ودليله والحق الخامس
ان لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى والحق السادس ان يكون لك
خادم وليس لأخيك خادم فواجب لك ان تبعث إليه خادمك فيغسل ثيابه ويضع
طعامه ويمهد فراشه والحق السابع ان تر فسمعته وتجيب دعوته وتعود مرضته وتشهد
جنازته وإذا علمت أن له حاجة فبادر إلى قضائها ولا تلجئه إلى أن يسألكها ولكن
تبادره مبادرة فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك
الحديث الثامن وبالاسناد إلى محمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا مشى
الرجل في حاجة أخيه المؤمن تكتب له عشر حسنات وتمحى عنه عشر سيئات وترفع له
عشر درجات ولا اعلمه قال الا قال ويعدل عشر رقبات وأفضل من اعتكاف شهر في
المسجد الحرام الحديث التاسع بالاسناد عن الكليني رحمه الله عن علي بن إبراهيم بن
الهاشم القمي ره عن أبيه عن محمد بن أبي عميد عن حسين بن أبي نعيم عن مسمع بن أبي
يسار بن سيار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام من نفس عن مؤمن كربة كرب الآخرة نفس الله عنه
كربة يوم القيمة وخرج من قبره ثبح الفؤاد ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة
ومن سقاه شربة سقاه الله من الرحيق المختوم الحديث العاشر رويناه بأسانيد
متعددة أحدها الاسناد المتقدم في الحديث السابع إلى الشيخ أبى القاسم جعفر بن
محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه محمد بن عيسى
327

الأشعري عن عبد الله بن السليمان النوفلي قال كنت عند جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فإذا بمولى
لعبد الله النجاشي قد ورد عليه فسلم وأوصل إليه كتابه نقضه وقراه فإذا أول سطر بسم الله
الرحمن الرحيم أطال الله تعالى بقاء سيدي وجعلني من كل سوء فداه ولا أداتي فيه مكروها فإنه
ولى ذلك والقادر عليه اعلم سيدي ومولاي انى بولاية الأهواز فان رأى سيدي ان يحد لي
حدا أو يمثل مثالا لاستدل به على ما يقربني إلى الله عز وجل والى رسوله ويلخص في كتابه
ما يرى لي للعمل به وفيما تبدله وأبتدله وأين أضع زكاتي وفيمن اصرفها وبمن انس والى
من أستريح وبمن أثق وامن وألجأ إليه في سرى فعسى ان يخلصني بهدايتك ودلالتك
فإنك حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده لا زالت نعمته عليك كذا بخطه قال عبد الله بن
سليمان فاجابه أبو عبد الله عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم حاملك الله بصنعه ولطف بمنه وكلا
برعايته فإنه ولى ذلك إما بعد فقد جاء إلى رسولك بكتابك وقراءة وفهمت ما فيه و
جميع ما ذكرته وسئلت عنه وزعمت انك بليت بولاية الأهواز فسرني ذلك وسائني
وسأ؟ خبرك بما سائني من ذلك وما سرني إن شاء الله تعالى فاما سروري بولايتك
فقلت عسى ان يغيث الله بك ملهوفا خائفا من أولياء آل محمد ويغر بك ذليلا ويكسو
بك عاديهم ويقوى بك ضعيفهم ويطفئ بك نار المخالفين عنهم واما الذي سائني من
ذلك فان أدنى ما أخاف عليك ان تعثر بولي لنا فلا تشم رائحة حضيرة القدس فانى
مخلص لك جميع ما سئلت عنه ان أنت عملت به ولم تجاوزه رجوت ان تسلم إن شاء الله
اخبرني يا عبد الله أبى عن ابائه عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال من استشاره
اخوه المؤمن فلم يمحصه النصيحة سلبه الله لبه واعلم انى سأشير عليك برأي ان أنت
عملت به تخلصت مما أنت متخوفه؟ واعلم أن خلاصك ونجاتك من حقن الدماء وكف الأذى
عن أولياء الله والرفق بالرعية والثاني وحسن المعاشرة مع لين في غير ضعف وشدة
328

في غير أنف ومدارات صاحبك ومن يرد عليك من رسله وارتق فتق رعيتك بان
توفقهم على ما وافق الحق والعدل إن شاء الله تعالى وإياك والسعادة وأهل النمايم
فلا يلتزقن منهم بك أحدا ولا يراك الله يوما وليلة وأنت تقبل منهم صرفا ولا عدلا
فيسخط الله عليك وبهتك سترك واحذر مكر خوز الأهواز فان أبى اخبرني عن ابائه
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال إن الايمان لا يثبت في قلب يهودي ولا خوزى ابدا فاما من
تأنس به وتستريح إليه وتلجأ أمورك إليه فذلك الرجل المستبصر الأمين الموافق لك
على دينك ومنيرا عوانك وجرب الفريقين فان رأيت هنا لك رشدا فشانك وإياه
وإياك ان تعطى درهما أو تخلع ثوبا أو تحمل على دابة في غير ذات الله لشاعر أو مضحك أو
ممتزح الا أعطيت مثله في ذات الله وليكن جوائزك وعطاياك وخلعك للقواد
والرسل والأحفاد وأصحاب الرسائل وأصحاب الشرط والأخماس وما أردت ان
تصرفه في وجوه البر والنجاح والعتق والصدقة والحج والمشرب والكسوة التي تصل
فيها وتصل بها والهدية التي تهديها إلى الله تعالى عج والى رسوله صلى الله عليه وآله
من أطيب كسبك يا عبد الله اجهد ان لا تكنز ذهبا ولا فضة فتكون من أهل هذه
الآية التي قال الله تعالى الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله
ولا تستصغرن من حلوا وفضل طعام تصرفه في بطون خالية يسكن بها غضب الله تبارك
وتعالى واعلم انى سمعت أبي يحدث عن ابائه عن أمير المؤمنين عليه السلام انه سمع النبي يقول لأصحابه
يوما ما امن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره جائع فقلنا هلكنا يا رسول الله
فقال من فضل طعامكم ومن فضل تمركم ورزقكم وخلقكم وخرقكم نطفؤون بها غضب
الرب وسأنبئك بهوان الدنيا وهو ان شرفها على ما مضى من السلف والتابعين فقد
حدثني محمد بن علي بن الحسين قال لما تجهر الحسين عليه السلام إلى الكوفة اتاه ابن عباس فنا شده الله
329

والرحم ان يكون هو المقتول بالطف فقال بمصرعي منك وما ركدي من الدنيا الا
فراقها الا أخبرك يا ابن عباس بحديث أمير المؤمنين والدنيا فقال له بلى لعمري انى لأحب
ان تحدثني بأمرها فقال أبى قال على ابن الحسين عليه السلام سمعت أبا عبد الله يقول حدثني أمير المؤمنين
قال انى كنت بفدك في بعض حيطانها وقد صارت لفاطمة عليه السلام قال فإذا انا بأمره قد فحمت
على وفى يدي مسحاة وانا اعمل بها فلما نظرت إليها طاير قلبي مما تداخلني من جمالها فشبهتها ببينة
بنت عامر الجمحي وكانت من نساء أجمل قريش فقالت يا ابن أبي طالب هل لك ان تتزوج لي فأغنيك
عن هذه المسحاة وادلك على خزائن الأرض فيكون لك الملك ما بقيت ولعقبك من بعدك
فقال لها علي عليه السلام من أنت حتى أخطبك من أهلك فقالت انا الدنيا قال لهما فارجعي
واطلبي زوجا غيري وأقبلت على مسحاتي وأنشأت أقول لقد خاب من غرته دنيا دنية
وما هي ان عزت قرونا بتائل * اتتنا على ذي العزيز وثبنية * وزينتها في مثل تلك الشمائل
فقلت لها غرى سواي فإنني * عروف عن الدنيا ولست بجاهل * وما انا والدنيا فان محمدا
أهل صريعا بين تلك الجنادل * وهبها اتتنى بالكنوز وردها * وأموال قارون وملك
القبائل أليس جميعا للفناء مصيرها * ويطلب من خزانها بالطوائل * فغري سواي انني غير راغب
بما فيك من ملك وعز ونائل * فقد قنعت نفسي بما قد رزقته * فشانك يا دنيا وأهل
الغوائل فانى أخاف الله يوم لقائه * واخشى غدايا دائما غير زائل * فخرج من الدنيا وليس في
عتقه تبعة لاحد حتى لقى الله محمودا غير ملوم ولا مذموم ثم اقتدت به الأئمة من بعده
بما قد بلغكم لي يتلظحوا بشئ من بوائقها عليهم السلام أجمعين وأحسن مثواهم وقد وجهت
إليك بمكارم الدنيا والآخرة وعن الصادق عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله فان أنت عملت بما نصحت
لك في كتابي هذا ثم كانت عليك من الذنوب والخطايا كمثل اوزان الجبال وأمواج
البحار رجوت الله ان يتجاوز عنك عج بقدرته يا عبد الله إياك ان نخيف مؤمنا فان
330

محمد بن علي عليه السلام حدثني عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب عليه السلام انه كان يقول من نظرا إلى مؤمن ليخيفه
بها أخافه الله يوم القيمة لاظل الا ظله وحشره الله في صورة الذر لحمه وجسده جميع أعضائه
حتى يورده مورده وحدثني أبي عن ابائه عن علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال من أغاث
لهفانا من المؤمنين إغاثة الله يوم لاظل الاظله وامنه يوم الفزع الأكبر وامنه من
سوء المتقلب ومن اقضي لأخيه المؤمن حاجة قضى الله له حوائج كثيره من إحداها الجنة
ومن كسا أخاه المؤمن من عرى كساه الله من سندس الجنة واستبرقها وحريرها ولم
يزل يخوض في رضوان الله ما دام على المكسو منها سلك ومن أطعم أخاه من جوع أطعمه الله
من طيبات الجنة ومن سقاه من ظماء سقاه الله من الرحيق المختوم دية ومن أخدم أخاه
أخدمه الله من الولدان المخلدين وأسكنه مع أوليائه الطاهرين ومن حمله أخاه المؤمن
رحله حمله الله على ناقة من نوق الجنة وباهى به على الملائكة المقربين يوم القيمة ومن
زوج أخاه المؤمن امرأة يأنس بها وتشد عضده ويستريح إليها زوجه الله من حور
العين وانسه بمن أحب من الصديقين من أهل بيته واخوانه وأنسهم به ومن أعان
أخاه المؤمن على سلطان جائر اعانه الله على اجازه الصراط عند زلزلة الاقدام
ومن زار أخاه المؤمن إلى منزلة لا لحاجة منه إليه كتب من زوار الله وكان حقيقا على
الله ان يكرم زائره يا عبد الله حدثني أبي عن ابائه عن علي عليه السلام انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو
يقول لأصحابه يوما معاشر الناس انه ليس بمؤمن من امن بلسانه ولم يؤمن بقلبه فلا
تتبعوا عثرات المؤمنين فإنه من اتبع عثرة من اتبع الله عثراته يوم القيمة وفضحه
في جوف بيته وحدثني أبي عليه السلام عن ابائه عن علي أنه عليه السلام قال اخذ الله ميثاق المؤمن ان لا يصدق
في مقالته ولا ينتصف به من وعده وعلى ان لا يشفى غيظه الا بفضيحة نفسه لان كل مؤمن
ملجم وذلك لغاية قصيرة وراحة طويلة اخذ الله ميثاق المؤمن على أشياء أيسرها
331

عليه مؤمن مثله يقول بمقالته في فيه ويحسده والشيطان يغويه ويمعيه والسلطان يقفوا
اثره ويتبع عثراته كافر بالذي هو مؤمن يرى سفك دمه دنيا واباحته حريمه غنما فما بقاء
المؤمن بعد هذا يا عبد الله وحدثني أبي عليه السلام عن ابائه عن علي عليه السلام عن النبي صلى
الله عليه وآله قال نزل جبرئيل عليه السلام فقال يا محمد صلى الله عليه وآله ان الله يقرأك عليك السلام يقول
اشتققت للمؤمن اسما من أسمائي سميته مؤمنا فالمؤمن متى وانا منه من استهان بمؤمن
فقد استقبلتني بالمحاربة يا عبد الله وحدثني أبي عليه السلام عن ابائه عن علي عليهم السلام عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال يوما يا علي لا تناظر رجلا حتى ننظر في سريرته فإن كانت
سريرته حسنة فان الله تعالى عز وجل لم يكن ليحذوك لبه وإن كانت سريرته روية
فقد يكفيه مساويه فلو جهدت ان يعمل به أكثر مما عمله من معاصي الله عز وجل ما قدرت
عليه يا عبد الله وحدثني أبي عليه السلام عن ابائه عن علي عليه السلام عن النبي أنه قال أدنى
الكفر ان يسمع الرجل عن أخيه الكلمة ليحفظها عليه يريد ان يفضحه بها أولئك لأخلاق
لهم يا عبد الله وحدثني أبي عن ابائه عن علي عليه السلام قال من قال في مؤمن ما رأت
عيناه وسمعت اذناه ما يشينه ويهدم مروته فهو من الذين قال الله عز وجل ان
الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم يا عبد الله وحدثني أبي
عن ابائه عن علي أنه قال من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بها ان يهدم مروته
وثلبه أوقبه الله تعالى بخطبه حتى يأتي بمخرج مما قال ولن يأتي بالمخرج منه ابدا ومن ادخل على
أخيه المؤمن سرورا فقد ادخل على أهل البيت سرورا ومن ادخل على أهل البيت سرورا فقد ادخل على
رسول الله صلى الله عليه وآله سرورا ومن ادخل على رسول الله صلى الله عليه وآله سرورا فقد سر الله ومن سر الله فحقيق عليه ان
يدخل الجنة ثم انى أوصيك بتقوى الله وايثار طاعته والاعتصام بحبله فإنه من اعتصم بحبل
الله فقد هدى إلى صراط مستقيم فاتق الله ولا تؤثر أحدا على وضاه وهواه فإنه وصية الله عج
332

إلى خلقه لا يقبل منهم غيرها ولا يعظم سواها؟ واعلم أن الخلائق لم يوكلوا بشئ أعظم من التقوى
فإنه وصينا أهل البيت فان استطعت من أن لا تنال من الدنيا شيئا تسئل عنه غدا فافعل قال عبد
الله بن سليمان فلما وصل كتاب الصادق إلى النجاشي نظر فيه وقال صدق الله الذي لا اله الا هو مولاي فما
عمل أحد بهذا الكتاب الا نجا فلم يزل عبد الله يفعل به أيام حياته الحديث الحادي عشر بالاسناد إلى
الكليني عن محمد بن يحيى عن علي بن النعمى عن ابن مسكان عن خثيمة قال دخلت على أبى جعفر عليه السلام أودعه
قال يا خثيمة أبلغ من ترى من موالينا السلام وأوصيه بتقوى الله العظيم وان يعود غنيهم على
فقيرهم وقويهم على ضعيفهم وان يشهد جنازة ميتهم وان يتلاقوا في بيوتهم فان لقيا بعضهم بعضا
حياة لامرنا رحم الله عبدا أحيى أمرنا يا خثيمة أبلغ موالينا ان لا يغنى عنهم من الله شيئا الا بعمل وانهم
لن ينالوا أو لا بتنالوا الا بالورع ان أشد الناس حسرة يوم القيمة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره
الحديث الثاني عشر بالاسناد عنه ره عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن سنان عن العلاء بن الفضل
عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان أبو جعفر عليه السلام يقول عظموا أصحابكم ووقروهم ولا يحبهم بعضكم بعضا
ولا تضاد واو لا تحاسدوا وإياكم والبخل وكونوا عباد الله المخلصين وبهذا نختم الرسالة
ونبتهل إليه تعالى بفضله العميم وكرمه الجسيم وبمحمد واله أفضل الصلاة والتسليم ان يرزقنا العمل
بما اشتملت عليه من الكمال وان لا يجعل حظنا منها مجرد المقال ويصلحنا لأنفسنا وإخواننا
ويصلحهم لنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيد
رسله وخير خلقه محمد وآله الطاهرين افردها من مواضع متعددة وأماكن متبددة العبد
الفقير إلى الله تعالى زين الدين بن علي بن أحمد بن تقى بن صالح بن شرف العاملي تخار يرى تجاوز
الله تعالى عن سيئاته ووفقه لمرضاته وفرغ منها يوم ثالث عشرين شهر صفر ختم بالخير سنة تسع و
أربعين وتسعمائة من الهجرة النبوية حاميا مصليا مسلما مستغفرا صلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
حرره العبد الاثم الجاني ابن محمد على محمد حسن الجرفاذقاني
سنة 1313
333

هو
تفصيل ما في هذا الكتاب
المستطاب بحسب ترتيب الأبواب
رسالة في انفعال ماء البئر بملاقات النجاسة * رسالة فيمن تيقن با
الطهارة والحدث وشك في المتأخر * رسالة فيمن أحدث في
أثناء غسل الجنابة * رسالة في وجوب صلاة الجمعة
كتاب اسرار الصلاة * رسالة نتايج الأفكار * رسالة في طلاق
الحايض والغايب عن زوجته * رسالة في الحبوة * رسالة في ميراث الزوجة
كتاب كشف الريبة في احكام الغيبة *
تلك عشرة كاملة
في سنة 1313
تم بحمد الله والمنة
334