الكتاب: مختلف الشيعة
المؤلف: العلامة الحلي
الجزء: ٩
الوفاة: ٧٢٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٩
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: ٩٦٤-٤٧٠-١٥٧-٧
ملاحظات:

مختلف الشيعة
تأليف
أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي
(العلامة الحلي)
648 - 726 ه‍
الجزء التاسع
تحقيق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
1

الطبعة الأولى
التاريخ: 1149 ه‍. ق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

كتاب الفرائض
3

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الفرائض
مسألة: قال الشيخان (1): إن أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم، وتقسم
فريضتهم كقسمة فرائض آبائهم على الاتفاق.
ثم فصل الشيخ في النهاية فقال: فإن خلف الميت ابن بنت وبنت ابن
كان لبنت الابن الثلثان ولابن البنت الثلث، فإن خلف أولاد ابن وأولاد
بنت ذكورا وإناثا كان لأولاد الابن الثلثان بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين،
ولأولاد البنت الثلث الذكر والأنثى فيه سواء عند بعض أصحابنا. قال:
وعندي أن المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن خلف بنت ابن ولم يخلف
غيرها كان لها المال كله، وكذلك إن خلف أكثر منها كان المال كله لهن، فإن
خلف بنت بنت كان لها النصف تسمية أمها والباقي رد عليها بآية أولي
الأرحام، فإن خلف بنتي بنت كان لهما النصف أيضا بالتسمية التي تناولت
أمهما والباقي رد عليهما، فإن خلف بنتي بنتين كان لهما الثلثان نصيب أمهما
والباقي رد عليهما، وعلى هذا يجري مواريث ولد الولد، قلوا أم كثروا فإن كل
واحد منهم يأخذ نصيب من يتقرب به (2). ونحوه قال في الخلاف (3)

(1) المقنعة: ص 688، النهاية ونكتها: ج 3 ص 198.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 198 - 200.
(3) الخلاف: ج 4 ص 50 المسألة 57.
5

والمبسوط (1)، وبه قال الصدوق في المقنع (2) وكتاب من لا يحضره الفقيه (3)،
وابن أبي عقيل، وأبو الصلاح (4)، وابن البراج (5)، وابن حمزة (6).
إلا أن ابن البراج قال: أولاد البنات يقتسمون بالسوية للذكر مثل حظ
الأنثى (7).
مع أنه قسم بين أولاد الأخت من الأبوين للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذا
جعل لأولاد الأخت من قبل الأب للذكر ضعف الأنثى (8).
وقال ابن إدريس: بعض أصحابنا يذهب إلى أن ابن البنت يعطى نصيب
البنت وبنت الابن تعطى نصيب الابن، وذهب آخرون من أصحابنا إلى
خلاف ذلك، وقالوا: ابن البنت ولد ذكر حقيقة فنعطيه نصيب الولد الذكر
دون نصيب أمه، وبنت الابن بنت حقيقة نعطيها نصيب البنت دون
نصيب الابن الذي هو أبوها. قال: واختاره السيد المرتضى، واستدل على
صحته بما لا يمكن المنصف دفعه من الأدلة القاهرة اللائحة والبراهين
الواضحة، قال - رضي الله عنه -: اعلم أنه يلزم من ذهب من أصحابنا إلى أن

(1) المبسوط: ج 4 ص 84.
(2) راجع المقنع: ص 169.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 268 ذيل الحديث 5618.
(4) الكافي في الفقه: ص 371.
(5) المهذب: ج 2 ص 132 - 133.
(6) الوسيلة: ص 387.
(7) المهذب: ج 2 ص 133.
(8) المهذب: ج 2 ص 133 و ص 137.
6

أولاد البنين والبنات يرثون سهام آبائهم مسائل سبع لا مخلص لهم منها فمن
ذلك: أنه يلزمهم أن يكون حال البنت أحسن من حال الابن، بل أحسن من
حال جماعة كثيرة من البنين، كرجل خلف بنت ابن وعشرين ابنا من بنت
فعندهم أن لبنت الابن نصيب أبيها وهو الثلثان، ولبني البنت نصيب أمهم وهو
الثلث، فالبنت الواحدة أوفر نصيبا من عشرين ابنا. ومنها: أن يكون نصيب
البنت يساوي نصيب الابن حتى لو كان مكانها ابن لورث ما ترثه هي بعينه
على وجه واحد وسبب واحد، وذلك أن مذهبهم إن بنت الابن تأخذ المال
كله بسبب واحد، لأن لها عندهم نصيب أبيها، فلو كان مكان هذه البنت ابن
لساواها في هذا الحكم وأخذ ما كانت تأخذه البنت على الوجه الذي تأخذه،
وليس في الشريعة إن الابن يساوي البنت في الميراث. فإذا عارضونا بمن
خلف بنتا ولم يخلف غيرها فإنها تأخذ جميع المال، ولو كان مكانها ابن لجرى
في ذلك مجراها. فالجواب: أن الابن لا يجري مجرى البنت هنا، لأنها تأخذ النصف
بالتسمية والآخر بالرد، والابن يأخذ المال بسبب واحد من غير تسمية ولا
رد. ومنها: إن البنت في الشرع وبظاهر القرآن لها النصف إذا انفردت
وللبنتين الثلثان، وهم يعطون بنت الابن وهي عندهم بنت المتوفى ومستحقة
لهذه التسمية الجميع، وكذا في بنتي ابن فإن لهما جميع المال من غير رد، وهذا
بخلاف الكتاب والإجماع.
فإن قالوا: ما جعل الله للبنت الواحدة النصف وللبنتين الثلثين في كل
موضع، وإنما جعل لهن ذلك مع الأبوين خاصة، وإذا انفردن عن الأبوين لم
يكن لهن ذلك.
قلنا: قد ذهب الفضل بن شاذان إلى هذا المذهب ومن تابعه عليه فرارا من
مسألة العول، ونحن نبين فساد هذه الطريقة بعد أن نبين لزوم ما ألزمناهم إياه
7

على تسليم ما اقترحوه.
فنقول: قد جعل الله تعالى للبنت الواحدة النصف، ومذهبكم هذا يقتضي
أن للأبوين السدسين وما بقي لبنت الابن، وهي عندكم بنت المتوفى على سبيل
الحقيقة، فقد صارت البنت تأخذ مع الأبوين أكثر من النصف بسبب واحد
وجرت في ذلك مجرى الأبوين. فأما القول: " بأن للبنت الواحدة النصف
وللبنتين الثلثين " إنما يختص باجتماع الأبوين معهن، فمن بعيد القول عن
الصواب، لقوله تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين "
وهذه جملة مستقلة بنفسها، وظاهر القرآن يقتضي أن للذكر مثل حظ الأنثيين
على كل حال ومع وجود كل أحد وفقد كل أحد، ثم عطف جملة مستقلة
أخرى فقال تعالى: " فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك " ظاهر هذه
الجملة أن ذلك لهن على كل حال ومع فقد كل أحد ووجوده، ثم عطف
[جملة] أخرى مستقلة فقال تعالى: " وإن كانت واحدة فلها النصف " ولم يجر
للوالدين ذكر، فهذا يقتضي أن لها النصف مع كل أحد إلا أن يمنع دليل، ثم
قال: " ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له
ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث " فبين تعالى حكم الوالدين في الميراث مع وجود
الولد وفقده فكيف يجوز أن يعلق إيجاب النصف للبنت الواحدة والثلثين
للبنتين بوجود الأبوين؟! وقد تقدم ذكر حكم البنات مطلقا، وبعد الخروج عنه
أتى ذكر الأبوين مشروطا، وكيف يتوهم متأمل ذلك والله تعالى يقول: " إن
كان له ولد " فشرط في ميراث الأبوين الولد؟!.
ولو كان المراد أن النصف للبنت والثلثين للبنتين مع وجود الأبوين لكان
اشتراط الولد لغوا واشتراطا لما هو موجود مذكور، ولو صرح تعالى بما ذكروه لكان
الكلام قبيحا خارجا عن البلاغة، فإنه لو قال تعالى: ولأبويه مع البنت أو
8

البنتين لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد لقبح، وأجمع أهل العربية على
أن الوقف التام عند قوله تعالى: " وإن كان واحدة فلها النصف " ولو كان المراد
ما توهموه من أن لها النصف مع الأبوين لما كان ذلك وقفا تاما، ولا خلاف
بين أحد من أهل العلم والمفسرين وأصحاب الأحكام في أن قوله تعالى:
" ولأبويه " كلام مبتدأ لا تعلق له بما قبله. فأما اعتذارهم عند سماع هذا
الكلام " بأن اشتراط الولد إنما حسن ليدخل فيه الذكور وما زاد على البنتين،
لأنه لم يمض إلا ذكر البنت الواحدة والبنتين " فعجيب، لأنه لو أراد ما ذكروا
لقال تعالى: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين مع الأبوين،
فإن كن نساء فوق اثنتين معهما فلهما ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة معهما فلها
النصف. فلو أراد هذا المعنى على الترتيب الذي رتبوه وعنى بقوله: إن ذلك لهما
مع البنت أو البنتين وما زاد عليهما وأراد أن يبين أن السدس للأبوين مع
الأولاد لكان لا يحسن أن يقول تعالى: " إن كان له ولد " بل يقول: وإن كان له أيضا
ذكور، لأنه قد تقدم ذكر البنت الواحدة وما زاد عليها، فلا معنى لاشتراط الولد،
وانفراد قوله تعالى: " ولأبويه " عن الجملة المتقدمة لا يذهب على متأمل،
وإنما فروا (1) بهذا التقدير الذي لا يتحصل عن نقصان البنت في مسألة العول
عن النصف، وادعوا أن النصف جعل لها مع الأبوين لا في كل موضع.
وأحسن من ركوبهم هذه المعضلة أن يقولوا: إن الله تعالى جعل لها النصف
بظاهر الكلام في كل موضع، وفي مسألة العول قام دليل على أن لها دون ذلك،
فعلمنا أن الله تعالى لم يجعل لها النصف في هذا الموضع خاصة وإن كان لها في
سائر المواضع، وإنما أحسن أن نخص بدليل بعض المواضع أو يحصل ما هو مطلق

(1) ق 2: قرروا، م 3: فسروا.
9

من القول مشروطا بغير دليل، ولا حجة على وجه يسمح به الكلام.
ثم يقال لهم: خبرونا عمن خلف أولاد ابن وأولاد بنت ذكورا وإناثا
كيف تقسمون الميراث بين هؤلاء الأولاد؟ فإذا قالوا: للذكر مثل حظ
الأنثيين، قلنا: فبأي حجة فعلتم ذلك؟ فلا وجه لهذه القسمة إلا قوله تعالى:
" يوصيكم الله في أولادكم " وإلى الآية المفزع في ذلك.
فيقال لهم: فقد سمى الله تعالى أولاد الأولاد أولادا، فأي فرق بين أن
يكون الذكور والإناث أولاد ابن واحد أو بنت واحدة وبين أن يكون هؤلاء
الذكور والإناث أولاد بنت وابن في تناول الاسم لهم؟ وإذا كان الاسم
متناولا لهم في الحالين فيجب أن تكون القسمة في الحالين تتفق ولا تختلف،
ويعطى أولاد البنات الذكور والإناث وأولاد البنين الذكور والإناث للذكر
مثل حظ الأنثيين، فلا يخالف حكم الآية في أحد الموضعين، وتناول الآية لهما
تناولا واحدا.
فإن قالوا: يلزمكم أن تورثوا أولاد الأولاد مع الأولاد لتناول الاسم
للجماعة.
قلنا: لو تركنا وظاهر الآية فعلنا (1) ذلك، لكن إجماع الشيعة بل المسلمين
منع من ذلك فخصصنا الظاهر وحملنا الآية على أن المراد يوصيكم الله في
أولادكم بطنا بعد بطن.
فإن قالوا: فنحن أيضا نخصص الظاهر ونحمل قوله تعالى " يوصيكم الله في
أولادكم " على أن المراد به أولاد الصلب بغير واسطة.
قلنا: تحتاجون إلى دليل قاطع على [هذا] التخصيص كما فعلنا.

(1) م 3: لفعلنا.
10

فإن قالوا: أجمعت الإمامية عليه.
قلنا: ما نعرف هذا الإجماع.
وفي المسألة خلاف بينهم، وإن كان أكثرهم يقول بخلاف الصواب في
هذه المسألة تقليدا وتعويلا على روايات رووها أن كل من تقرب بغيره أخذ
سهام من تقرب به، وهذا الخبر إنما هو في أولاد الإخوة والأخوات والأعمام
والعمات والأخوال والخالات وبني الأعمام والأخوال، لأنهم لا تسمية لهم في
الميراث، وإنما يتقربون بغيرهم، فأعطوا سهام من يتقربون به وليس كذلك
أولاد الأولاد، لأن هؤلاء وإن نزلوا داخلون في اسم الولد واسم البنات والبنين
على الحقيقة ممن هو مسمى في الكتاب ومنصوص على توريثه لا يحتاج في
توريثه إلى ذكر قرابته وأن نعطيه نصيب من يتقرب به، كما لا يحتاج في توريث
أولاد الصلب إلى شئ من ذلك.
فإن قيل: فما دليلكم على صحة ما ذهبتم إليه من توريث أولاد الأولاد
والقسمة للذكر مثل حظ الأنثيين؟
قلنا: دليلنا: قوله تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الأنثيين " ولا خلاف بين أصحابنا في أن ولد البنين وولد البنات وإن سفلوا
يقع عليهم هذه التسمية ويتناولهم على سبيل الحقيقة، ولهذا حجبوا الأبوين إلى
السدسين بولد الولد وإن هبطوا و [حجبوا] الزوج عن النصف إلى الربع
والزوجة إلى الثمن، فمن سماه الله تعالى ولدا في حجب الأبوين وحجب
الزوجين يجب أن يكون هو الذي سماه ولدا في قوله تعالى: " يوصيكم الله في
أولادكم " وكيف يخالف بين حكم الأولاد ويعطى بعضهم للذكر مثل حظ
الأنثيين والبعض الآخر نصيب آبائهم الذي يختلف ويزيد وينقص، ويقتضي
تارة تفضيل الأنثى على الذكر والقليل على الكثير وتارة المساواة بين الذكر
11

والأنثى، وعلى أي شئ يعول في الرجوع عن الظاهر كتابه تعالى؟! فأما مخالفونا
من العامة فإنهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنه ولد على الحقيقة، وفيهم
من يوافق على ذلك، ووافق جميعهم على أن ولد الولد وإن هبط يسمى ولدا
على الحقيقة، وقد حكي عن بعضهم أنه كان يقول: إن ولد الولد إنما يسمون
بهذه التسمية إذا لم يحضر أولاد الصلب، فإن حضروا لم يتناولهم، وهذا
طريف، فإن الاسم إن تناولهم لم يختلف ذلك بأن يحضر غيرهم أولا يحضر،
وإنما أحوجهم إلى ذلك أنهم وجدوا أولاد الابن لا يأخذون مع حضور الابن
شيئا، ويأخذون مع فقده بالآية المتضمنة للقسمة على الأولاد، فظنوا أن الاسم
يتناولهم في الحال التي يرثون فيها، وهو غلط، وقد أغناهم الله تعالى عن هذه
البدعة في إجراء الاسم والخروج عن المعهود فيها بأن يقولوا: إن الظاهر يقتضي
اشتراك الولد وولد الولد في الميراث، لولا أن الإجماع على خلاف ذلك فيخصصوا
بالإجماع الظاهر. ومما يدل على أن ولد البنين والبنات يقع عليهم اسم الولد
قوله تعالى: " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم
وبنات الأخ وبنات الأخت " وبالإجماع، إن بظاهر هذه الآية حرمت بنات
أولادنا، ولهذا لما قال تعالى: " وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ
وبنات الأخت " ذكرهن في المحرمات، لأنهن لم يدخلن تحت اسم الأخوات،
ولما دخل بنات البنات تحت اسم البنات لم يحتج أن يقول: وبنات بناتكم،
وهذه حجة قوية في ما قصدناه، وقوله تعالى: " وحلائل أبنائكم " وقوله تعالى:
" ولا يبدين زينتهن - إلى قوله: - أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن " لا خلاف في عموم
الحكم بجميع أولاد الأولاد من ذكور وإناث. ولأن الإجماع واقع على تسمية
الحسن والحسين - عليهما السلام - بأنهما ابنا رسول الله - صلى الله عليه وآله -
وأنهما يفضلان بذلك ويمدحان، ولا فضيلة ولا مدح في وصف مجاز مستعار. ولم
12

يزل العرب في الجاهلية تنسب الولد إلى جدة، إما في موضع مدح أو ذم، ولا
يتناكرون ذلك ولا يحتشمون منه. وقد كان يقال للصادق - عليه السلام -
أبدا " أنت ابن الصديق " لأن أمه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر. ولا
خلاف في أن عيسى - عليه السلام - من بني آدم وولده، وإنما ينسب إليه
بالأمومة دون الأبوة.
فإن قيل: اسم الولد يجري على ولد البنات مجازا وليس كل شئ استعمل
في غيره يكون حقيقة.
قلنا: الظاهر من الاستعمال الحقيقة، وعلى مدعي المجاز الدلالة.
فإن قالوا: لو حلف من لا ولد له وله ولد بنت: أنه لا ولد له، لم يحنث.
قلنا: بل يحنث مع الإطلاق، وإنما لا يحنث إذا نوى ما يخرجه عن الحنث.
وقد ناقض الفضل بن شاذان في مذهبه وقال في كتابه في الفرائض: في
رجل خلف بنت ابن وابن بنت أن لبنت الابن الثلثين نصيب أبيها ولابن
البنت الثلث نصيب أمه في ولد الولد نصيب من يتقرب به وأعطاه ذلك. ثم
قال في هذا الكتاب: في بنت ابن وابن ابن إن المال بينهما للذكر مثل حظ
الأنثيين، وهذه مناقضة لما قرره، لأن بنت الابن تتقرب بأبيها وابن الابن
يتقرب أيضا بأبيه فيجب أن يتساويا في النصيب، فكيف جعل هاهنا للذكر
مثل حظ الأنثيين مع أن كل واحد يتقرب بغيره؟! فله على مذهبه نصيب من
يتقرب به، وإلا فعل مثل ذلك في بنت ابن وابن بنت وجعل للذكر مثل حظ
الأنثيين.
ومن العجب أنه قال في كتابه ما هذه حكاية لفظه: فإن ترك ابن بنت
وابنة ابن وأبوين فللأبوين السدسان، وما بقي فلابنة الابن حق أبيها الثلثان،
13

ولابن البنت حق أمه الثلث، لأن ولد الابنة ولد كما أن ولد الابن ولد. وهذا
التعليل ينقض الفتوى، لأنه إذا كان ولد البنت ولدا كما أن ولد الابن كذلك
فيجب أن يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، لظاهر " يوصيكم الله "
فكيف أعطى الأنثى ضعف ما أعطى الذكر؟! وقد يوافق الحق مذهب ابن
شاذان في بعض المسائل من هذا الباب وإن خالف في التعليل مثل: من خلف
بنت بنت وابن ابن فإنه يعطي البنت نصيب أمها وهو الثلث، ويعطي الابن
نصيب أبيه وهو الثلثان، وهكذا نعطيهما نحن، لأنا ننزلهما منزلة ابن وبنت بلا
واسطة للذكر مثل حظ الأنثيين (1).
قال ابن إدريس: هذا آخر كلام السيد المرتضى - رضي الله عنه - وهو
الذي يقوي في نفسي وأفتي به وأعمل عليه، لأن العدول إلى ما سواه عدول إلى
غير دليل من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع منعقد، بل ما ذهبنا إليه هو
ظاهر الكتاب الحكيم، والإجماع حاصل على أن ولد الولد ولد حقيقة، ولا يعدل
عن هذه الأدلة القاطعة للأعذار إلا بأدلة مثلها توجب العلم، ولا يلتفت إلى
أخبار الآحاد في هذا الباب، لأنها لا توجب علما ولا عملا ولا إلى كثرة
القائلين به والمودعية (2) كتبهم وتصانيفهم، لأن الكثرة لا دليل معها. وإلى ما
اختاره السيد واخترناه ذهب الحسن بن أبي عقيل العماني - رحمه الله - في كتاب
المتمسك، وهذا الرجل من جلة أصحابنا وفقهائنا، وكان شيخنا المفيد يكثر
الثناء عليه (3).
والمعتمد: المذهب المشهور.
لنا: ما رواه عبد الرحمان بن الحجاج في الصحيح، عن الصادق

(1) حكاه عنه الكليني في الكافي 7: 88 و 89.
(2) كذا في السرائر أيضا والظاهر: المودعة في.
(3) السرائر: ج 3 ص 232 - 240، مع اختلاف.
14

- عليه السلام - قال: بنات البنات يقمن مقام البنت إذا لم يكن للميت بنات
ولا وارث غيرهن، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد حر
ولا وارث غيرهن (1).
وفي الصحيح عن سعد بن أبي خلف، عن الكاظم - عليه السلام - قال:
بنات البنت يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميت بنات ولا وارث غيرهن،
وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيرهن (2).
وفي الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج، عن أبي عبد الله - عليه السلام -
قال: بنات البنت يرثن إذا لم يكن بنات كن مكان البنات (3).
والجواب عما ذكره السيد - رحمه الله -: فإنه مع طوله يرجع إلى شئ واحد
وهو: أن ولد الولد هل هو ولد حقيقة أم لا؟ ونحن نمنع كونه ولدا حقيقة
والتشنيعات التي ذكرها السيد لازمة له في أولاد الإخوة والأخوات والأعمام
والعمات، وكما لا اعتبار به هنا فكذا هناك، وأي استبعاد في أن تأخذ بنت
الابن ثلثي المال ويأخذ ابن البنت الثلث، فإن المال لم ينتقل إليهم بالأصالة بل
بالتبعية لآبائهم كأولاد الإخوة وغيرهم، وكذا التشنيع بالمساواة فإنه ليس في
الشريعة أن الابن للصلب كالبنت، أما مع بعد الدرجة فإن الأمثلة فيه كثيرة،
وكذا إنما يأخذ النصف بنت الصلب، أما بنت الابن فالجميع، لأنها تأخذ

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 316 ح 1136، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ميراث الأبوين ح 4.
ج 17 ص 450.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ح 1137 ص 316، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.
ح 3 ج 17 ص 449.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 1138 ص 317، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ح 1 ج 17 ص 449.
15

نصيب أبيها. واعتذار الفضل ليس بجيد. وأما ما ألزمه في كيفية القسمة فإن
بعض علمائنا يذهب إلى أن القسمة بين أولاد البنات بالسوية كما حكى
الشيخ عنهم في النهاية، وهذا القائل لا يرد عليه ما ذكره السيد - رحمه الله -: وأما
على قول الشيخ - رحمه الله -: من أن القسمة بينهم " للذكر مثل حظ الأنثيين ".
فلأن اسم الأولاد يتناولهم إما حقيقة وإما مجازا، ولا يلزم من خروجهم عن
حكم الأولاد في أن كل واحد يأخذ نصيب من يتقرب به، لما ورد من الأخبار
الدالة عليه خروجهم عن كيفية القسمة لغير دليل، والقياس عندنا باطل.
سلمنا أن الاسم يتناولهم حقيقة، لكن لفظ الأولاد عام بينهم وبين أولاد
الصلب وقد اختصوا باسم أولاد الأولاد، فإذا أخرجوا بالأدلة التي ذكرناها من
الأحاديث المشهورة المنقولة عن حكم العام لم يلزم منه محال. ونمنع انتفاء المدح
بالمجاز، بل هو الذي يحصل به المدح حقيقة، فإن أحد أسباب المجاز إرادة
التعظيم.
وما ذكره من التناقض في كلام الفضل فجيد، لكن نحن لا نقول به، بل
نقول: إنهما متساويان، ولا استبعاد في غلط القلم، حيث أراد أن يكتب للذكر
مثل حظ الأنثى فكتب الأنثيين، ولعل الغلط من الناسخ.
والتعجب من السيد في استدلال الفضل على إعطاء الأبوين السدسين ليس في
موضعه، لأنه لا يلزم من إعطاء الأبوين ذلك للآية مساواتهم لأولاد الصلب
حيث خرجوا عن هذا الحكم بالأخبار المنقولة. والشيخ معين الدين المصري
- رحمه الله - قوى مذهب السيد المرتضى (1).
تذنيبان: الأول: كلام الفضل في أن للبنت النصف وللبنتين الثلثان مع

(1) في الطبعة الحجرية: الشيخ والمرتضى.
16

الأب خاصة ليس بجيد، بل لهما ذلك مطلقا، وإذا لم يكن غيرهما رد عليهما،
لعموم القرآن. وقد لوح ابن أبي عقيل بما يوافق كلام الفضل فقال: وإذا حضر
واحد منهم - يعني: من الأولاد - فله المال كله بلا سهام مسمى ذكرا كان أو
أنثى، فإذا ترك بنتا فالمال كله لها بلا سهام مسماة، وإنما سمى الله عز وجل
للبنت الواحدة النصف وللابنتين الثلثان مع الأبوين فقط، وإذا لم يكن أبوان
فالمال كله للواحد ذكرا كان أو أنثى. قال: ولو ترك أمه (1) فالمال كله لها بلا
سهام مسماة، وإنما سمى الله عز وجل للأم السدس والثلث مع الولد والأب إذا
اجتمعوا، فإذا لم يكن ولد ولا أب فليست بذي سهم بينهم. وكذا قال: إنما
سمى الله للأخت من الأبوين أو من الأب أو من الأم إذا اجتمعوا مع الإخوة
أو الأخوات من الأبوين أو من الأب أو مع الأجداد، فإذا انفردت الأخت من
أي جهة كانت فالمال كله لها بلا سهام. والمعتمد: ما قلناه.
الثاني: قول بعض علمائنا: أولاد البنات يقتسمون المال بالسوية - كما نقله
الشيخ عنهم - ليس بجيد، لعموم القرآن أيضا، وقد تقدم.
مسألة: قال الشيخان: إذا خلف الميت ولدين ذكرين أحدهما أكبر من
الآخر أعطي الأكبر منهما ثياب بدنه وخاتمه الذي كان يلبسه وسيفه ومصحفه،
وعلى هذا الأكبر أن يقضي عنه ما فاته من صيام أو صلاة (2). وتبعهما ابن
البراج (3)، وابن حمزة (4). وهذا الكلام لا إشعار فيه بالوجوب تصريحا.
وقال ابن الجنيد: يستحب أن يؤثر الولد الأكبر إذا كان ذكرا بالسيف

(1) في الطبعة الحجرية: ابنة.
(2) المقنعة: 684، النهاية ونكتها: ج 3 ص 196 - 197.
(3) المهذب: ج 2 ص 132.
(4) الوسيلة: 387.
17

وآلة السلاح والمصحف والخاتم وثياب الأب التي كانت لجسده بقيمة. وليس
ذلك عندي بواجب إن تشاجرا عليه.
وروي الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه عن حماد بن عيسى، عن
ربعي بن عبد الله، عن الصادق - عليه السلام - قال: إذا مات الرجل فسيفه
ومصحفه وخاتمه وكتبه ورحله وكسوته لأكبر ولده، فإن كان الأكبر أنثى
فللأكبر من الذكور (1).
وعن حماد بن عيسى، عن شعيب بن يعقوب، عن أبي بصير، عن الصادق
- عليه السلام - قال: الميت إذا مات فإن لابنه الأكبر السيف والرحل والثياب
ثياب جلده (2).
وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية إن الولد الذكر الأكبر
يفضل دون سائر الورثة بسيف أبيه وخاتمه ومصحفه، وباقي الفقهاء يخالف في
ذلك، والذي يقوى في نفسي إن التفضيل للأكبر من الذكور بما ذكر إنما هو
بأن يخص بتسليمه إليه وتحصيله في يديه دون باقي الورثة وإن احتسب بقيمته
عليه، وهذا على كل حال انفراد من الإمامية الفقهاء، لأنهم لا يوجبون ذلك
ولا يستحسنونه وإن كانت القيمة محسوبة عليه (3).
وقال أبو الصلاح: ومن السنة أن يحبى الأكبر من ولد الموروث بسيفه
ومصحفه وخاتمه وثياب مصلاه دون سائر الورثة (4).

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 346 ح 5746، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأبوين
والأولاد ح 1 ج 17 ص 439.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 347 ح 5747، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأبوين
والأولاد ح 5 ج 17 ص 440.
(3) الإنتصار: 299 وفيه: " وتحصيله في يده ".
(4) الكافي في الفقه: 371.
18

وقال ابن إدريس: يخص الولد الأكبر من الذكور إذا لم يكن سفيها فاسد
الرأي بسيف أبيه ومصحفه وخاتمه وثياب جلده إذا كان هناك تركة سوى
ذلك، فإن لم يخلف الميت غيره سقط هذا الحكم وقسم بين الجميع، فإن كان
له جماعة من هذه الأجناس خص بالذي كان يعتاد لبسه ويديمه دون ما سواه
من غير احتساب به عليه. وذهب بعض أصحابنا إلى أنه يحتسب عليه بقيمته
من سهمه ليجمع بين ظواهر القرآن، وما أجمعت الطائفة عليه، وهو تخريج
السيد المرتضى. وذهب بعض أصحابنا إلى أن ذلك مستحب تخصيصه به دون
أن يكون ذلك مستحقا له على جهة الوجوب، وهو اختيار أبي الصلاح. والأول
من الأقوال هو الظاهر المجمع عليه عند أصحابنا المعمول به وفتاويهم في عصرنا
هذا - وهو سنة ثمان وثمانين وخمسمائة - عليه بغير خلاف بينهم (1).
والبحث هنا يقع في مواضع:
الأول: في ما يقع به التخصيص، والمشهور هذه الأربعة التي ذكرها الشيخ
في النهاية وهو: ثياب بدنه وخاتمه وسيفه ومصحفه، عملا بالأصل.
وقد روي الشيخ في الصحيح عن ربعي بن عبد الله، عن الصادق - عليه
السلام - قال: إذا مات الرجل فلأكبر ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه (2).
وفي الحسن عن حريز، عن الصادق - عليه السلام - قال: إذا هلك الرجل
وترك بنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف، فإن حدث به حدث
فللأكبر منهم (3).

(1) السرائر: ج 3 ص 258، وفيه: " يخص ولد الأكبر ".
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 275 ح 997، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ح 2 ج 17 ص 439.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 275 ح 994، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ح 3 ج 17 ص 440.
19

وعن ابن أذينة، عن بعض أصحابه، عن أحدهما - عليهما السلام - أن الرجل
إذا ترك سيفا وسلاحا فهو لابنة، وإن كان له بنون فهو لأكبرهم (1).
وعن ربعي بن عبد الله، عن أبي عبد الله الصادق - عليه السلام - قال: إذا
مات الرجل فسيفه وخاتمه ومصحفه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر
ولده، فإن كان الأكبر بنتا فللأكبر من الذكور (2).
وعن زرارة ومحمد بن مسلم وبكير وفضيل بن يسار، عن أحدهما - عليهما
السلام - أن الرجل إذا ترك سيفا أو سلاحا فهو لابنه، فإن كانوا اثنين فهو
لأكبرهما (3).
وعن شعيب العقرقوفي، عن الصادق - عليه السلام - قال سألته عن الرجل
يموت ما له من متاع بيته؟ قال: السيف، وقال: الميت إذا مات فإن لابنه
السيف والرحل والثياب ثياب جلده (4).
الثاني: هل هذا التخصيص على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ نص السيد
المرتضى (5) وابن الجنيد، وهو ظاهر كلام أبي الصلاح (6) على الاستحباب.

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 275 ح 995، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ح 4 ج 17 ص 440.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 275 ح 997، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ح 1 ج 17 ص 439.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 276 ح 998، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ح 6 ج 17 ص 440.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 276 ح 999، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ح 7 ج 17 ص 440.
(5) الإنتصار: 299 - 300.
(6) الكافي في الفقه: 371.
20

وكلام الشيخين (1) يوهم الوجوب، من غير أن يدل عليه دلالة ظاهرة.
ونص ابن إدريس (2) على الوجوب. وظاهر الأحاديث يحتمله (3).
والأقوى الاستحباب، للأصل.
الثالث: هل التخصيص بالقيمة أو مجانا؟ ظاهر كلام الشيخين (4). الثاني،
وعليه نص ابن إدريس (5). وقال السيد المرتضى، وابن الجنيد بالقيمة.
وقال السيد المرتضى: وإنما قوينا ما بيناه وإن لم يصرح به أصحابنا، لأن
الله تعالى يقول: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " وهذا
الظاهر يقتضي مشاركة الأنثى للذكر (6) في جميع ما يخلفه الميت من سيف
ومصحف وغيرهما، وكذلك ظاهر آيات ميراث الأبوين والزوجين يقتضي أن
لهم السهام المذكورة من جميع تركة الميت، فإذا خصصنا الذكر الأكبر بشئ
من ذلك من غير احتساب بقيمة (7) عليه تركنا هذه الظواهر، وأصحابنا لم
يجمعوا على أن الذكر الأكبر مفضل بهذه الأشياء من غير احتساب بالقيمة،
وإنما عولوا على أخبار رووها تتضمن تخصيص الأكبر بما ذكرناه من غير تصريح
باحتساب عليه بقيمته، وإذا خصصناه بذلك اتباعا لهذه الأخبار واحتسبنا
بالقيمة عليه فقد سلمت ظواهر الكتاب مع العمل بما اجتمعت (8) عليه الطائفة

(1) المقنعة: ص 684، النهاية ونكتها: ج 3 ص 196 - 197.
(2) السرائر: ج 3 ص 258.
(3) في الطبعة الحجرية: وألفاظ الأحاديث محتملة.
(4) المقنعة: ص 684، النهاية ونكتها: ج 3 ص 196 - 197.
(5) السرائر: ج 3 ص 258.
(6) في المصدر: الذكر.
(7) في المصدر: بقيمته.
(8) في المصدر: أجمعت.
21

من التخصيص له بهذه الأشياء، فذلك أولى. ووجه تخصيصه بذلك مع
الاحتساب بقيمته عليه أنه القائم مقام أبيه والساد مسده فهو أحق بهذه الأمور
من النسوان والأصاغر للمرتبة والجاه (1).
وكلام السيد - رحمه الله - لا بأس به، ويؤيده الروايات المتضمنة لتخصيصه
بسلاحه ورحله وراحلته، ولولا الاحتساب بالقيمة لزم الاجحاف على الورثة.
الرابع: قول الشيخين (2): " وعلى هذا الأكبر أن يقضي عنه ما فاته من صلاة
أو صيام " لا يعطي اشتراط التخصيص بالقضاء.
وقال ابن حمزة: يأخذ الابن الكبير ثياب بدن الوالد وخاتمه الذي يلبسه
وسيفه ومصحفه بخمسة شروط: ثبات العقل، وسداد الرأي، وفقد آخر في
سنه، وحصول تركة له سوى ما ذكرناه، وقيامه بقضاء ما فاته من صلاة
وصيام (3). وفيه إشكال، فإن ثبت فالأقوى دفعه إليه مجانا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: فإن خلف جدا من قبل أبيه أو جدته منه
وجده من قبل أمه أو جدته منها كان للجد أو الجدة من قبل الأم الثلث نصيب
الأم والباقي للجد أو الجدة من قبل الأب نصيب الأب (4).
وقال علي بن بابويه في رسالته: فإن ترك جدا من قبل الأب وجدا من
قبل الأم فللجد من قبل الأم الثلث وللجد من قبل الأب الثلثان. وهو قريب
من كلام الشيخ، لأن الشيخ جعل لأحد الجدين من الأم مع أحدهما من قبل
الأب الثلث، وبه قال ابن البراج (5)، وابن حمزة (6)، وابن إدريس (7).

(1) الإنتصار: ص 299 - 300 وفيه: " والأصاغر للرتبة ".
(2) المقنعة: ص 684، النهاية ونكتها: ج 3 ص 197.
(3) الوسيلة: ص 387.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 216.
(5) المهذب: ج 2 ص 143.
(6) الوسيلة: ص 392.
(7) السرائر: ج 3 ص 259.
22

وقال ابن أبي عقيل: لو ترك جدته أم أمه وجدته أم أبيه فلام الأم السدس
ولأم الأب النصف وما بقي رد عليهما على قدر سهامهما، لأن هذا كأنه ترك
أختا لأب وأم وأختا لأم.
وقال الصدوق في المقنع: فإن ترك جدا لأم وجدا لأب فللجد من الأم
السدس وما بقي فللجد من الأب، فإن ترك جدا لأم وأخا لأب أو لأب وأم
فللجد من الأم السدس وما بقي فللأخ (1).
وقال أبو الصلاح: فإن تفرد بالإرث إخوة للأم والجد والجدة لها فلهم جميع
الإرث بينهم بالسوية وحكم الجد والجدة معهم كحكمهم في الاستحقاق
وكيفيته، فإن كان معهم أخ لأب وأم أو أخت أو جماعة لهما أو للأب خاصة أو
جد أو جدة لأب فللاثنين من كلالة الأم، فما زاد عليهما الثلث بينهم بالسوية
ولواحدهم السدس، أخا كان أم أختا أم جدا أم جدة أو جماعة (2).
وقال ابن زهرة: ولواحد الإخوة أو الأخوات أو الأجداد أو الجدات إذا
انفرد جميع المال من أي الجهات كان، وإذا اجتمع كلالة الأم مع كلالة الأب
والأم كان للواحد من قبل الأم أخا كان أو أختا جدا أم جدة السدس
وللاثنين فصاعدا الثلث، والذكر والأنثى فيه سواء. وروي أن لواحد الأجداد
من قبل الأم الثلث نصيب الأم والباقي لكلالة الأب والأم، أخا كان أم
أختا، جدا أم جدة (3). وكذا قال قطب الدين الكيدري (4).

(1) المقنع: ص 175 وفيه: " فإن ترك جدا من قبل الأب وجدا من قبل الأم فللجد من قبل الأب
الثلثان وللجد من قبل الأم الثلث. "
(2) الكافي في الفقه: 371 - 372، مع اختلاف.
(3) الغنية: (الجوامع الفقهية): ص 545 س 16.
(4) إصباح الشيعة (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 22 ص 298.
23

والأقرب ما قاله الشيخ.
لنا: إن الجدة من قبل الأم يصدق عليها اسم الأم، ولأنها تأخذ بسببها عند
عدمها فلها نصيبها ونصيب الأم الثلث.
احتجوا بأن للواحد من كلالة الأم السدس.
والجواب: أنه في حق الإخوة، أما الأجداد فلا.
مسألة: لا خلاف في أن ابن العم للأبوين أولى بالمال من العم من قبل
الأب عند الإمامية كافة ما دامت هذه الصورة، فلو كان عوض العم عمة أو
خالا أو خالة فالمال للعمة والخال والخالة وسقط ابن العم. وهو اختيار ابن إدريس. (1)
وقال الشيخ في الاستبصار في تأويل خبر رواه وهو: رجل مات ولم يخلف
إلا بني عم وبنات عم وعم أب وعمتين لمن الميراث؟ فكتب: أهل العصبة
وبنوا العم هم وارثون. قال الشيخ - رحمه الله -: الوجه في هذا الخبر الحمل على
التقية، لأن الإجماع من الطائفة على أن الأقرب أولى بالميراث، فالعمتان أولى.
أو أن هذا الحكم يختص إذا كان بنو العم لأب وأم والعم أو العمة للأب
خاصة (2).
وقال ابن إدريس: قوله: " أو العمة " غير صحيح، لأن الإجماع منعقد على
العم دون العمة، وقد رجع شيخنا عن هذا في المسائل الحلبية: " المسألة
السادسة: ابن (3) العم للأب والأم مع العم للأب المال لابن العم، فإن كان
معه إخوة كان بينهم، فإن كان مكان العم (4) عمة للأب أو عم للأم كان

(1) السرائر: ج 3 ص 241 و 262.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 170 ح 643 وذيله.
(3) في المصدر: المسألة السادسة إن ابن.
(4) في المصدر: فإن كان مكان ابن العم.
24

المال لمن كان من قبل الأم أو الأب دون ابن العم للأب والأم " ولا تحمل على
تلك المسألة غيرها، لبطلان القياس، ولولا إجماع الفرقة عليها لما قلنا بها، لأنها
تخالف الأصول، فينبغي أن يكون الفتيا مقصورا عليها (1).
وقال معين الدين المصري: واعلم أن هذه المسألة قد اختلف في بعض
تفريعها بعض أصحابنا المتأخرين، والمسألة: متوفى ترك عمه لأبيه وخاله وابن
عمه لأبيه وأمه قال قطب الدين الراوندي: المال للخال وابن العم (2)، وقال
العماد القمي - يعرف بالطوسي - المال للعم والخال، لأن ابن العم محجوب
بالخال، وقال السديد الحمصي: المال للخال، لأن العم محجوب بابن العم
وابن العم محجوب بالخال. ثم قال: والصحيح ما ذكره قطب الدين الراوندي،
لأن الخال إنما يحجب ابن العم مع عدم كل من هو في درجته من ناحية
العمومة، فأما مع وجود أحدهم لا يقال: إنه محجوب به، وإنما هو محجوب بذلك
الذي هو من قبل العم، فلا يصح أن يحجبه مع وجود العم أصلا محجوب
بالخال، وإنما هو محجوب بمن بقي من كلالة الأب أرفع منه بدرجة، فلا يصح أن
يحجب مع وجود العم أصلا، لأن العم صاحب المرتبة في الميراث، والذي يبقي
بعد فرض الخال للعم دون الخال، والعم الذي له الحق لا يمكنه دفع هذا الذي
كان غير مستحق لولا الإجماع فكيف يصح حجب هذا الأبعد من الكلالة مع
وجود من هو أولى منه بأن يحجب؟! لأنه لو كان ابن العم غير شقيق لم يحجبه
الخال مع وجود العم، وإنما الذي حجبه العم، لأنه صاحب الباقي والمرتبة
والخال لا حق له مع وجوده سوى فرضه إجماعا، ولم يرد الشرع أن الخال يحوز
جميع الميراث مع وجود العم، والأحكام الشرعية لا يصح إثباتها عندنا

(1) السرائر: ج 3 ص 242.
(2) ق 2 و م 3: للعم والخال.
25

بالاستحسان والقياس، وإنما تثبت بأدلة شرعية معلومة، وأما توريث العم
للأب مع وجود ابن العم الشقيق فهو خلاف الإجماع أيضا بتأويل كان الأصل
لولا الإجماع، فإذا حصل الإجماع على خلاف الأصل بطل الأصل وصار
كالمنسوخ والمنسوخ ليس بدليل. وبيان ذلك: أن الطائفة أجمعت على أن ابن
العم الشقيق يحجب العم للأب ويرث ما كان يستحقه بلا خلاف بينهم، وإنما
كان يحجبه عما كان يستحقه خاصة دون ما يستحقه غيره، ألا ترى أنه يحجبه
مع الزوج أو الزوجة وغيرهما، ولا يأخذ إلا ما كان يستحقه، قليلا كان أو
كثيرا.
والدليل على ما ذكرناه أن الاستثناء ورد مطلقا غير مقيد، والأمر الشرعي
يحمل على عمومه، والإجماع حاصل على استثناء هذه المسألة، وهي على العموم
في كل موضع وجدنا فيه عما لأب وابن عم شقيق، فمن استثنى ميراث العم
للأب مع وجود ابن العم الشقيق بغيره أو ورث العم للأب مع وجوده فعليه
الدليل الذي تثبت به الأحكام الشرعية من نص معلوم أو كتاب أو إجماع،
لأنه تخصيص (1) للعموم، فلا يندفع إلا بمثله، وتأويل واحد أو أكثر منه إذا علم
أعيانهم ليس بدليل تثبت به الأحكام الشرعية. وقد أجمعنا على أن الخال مع
العم لا يأخذ أكثر من فرضه فكيف يجوز الجميع مع وجود عم مسلم مؤمن؟!
وفي أي كتاب منزل أو خبر متواتر ورد أن ابن العم للأب والأم يحجب العم
للأب لكي يأخذ الخال؟! وقد ذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي في النهاية: ولا
يرث مع العمومة والعمات واحدا كان أو اثنين أحد من بني العم ولا بني العمة
اختلفت أسبابهم أو اتفقت، إلا المسألة التي استثناها في صدر الباب، لأنهم

(1) ق 2: يخصص.
26

أقرب ببطن. وهذا كأنه دافع لاحتجاجهم، واحتجاجهم من أن ابن العم
محجوب بالخال ليس في موضعه، لأنه موضع الخلاف، وهو غير مسلم لهم في
هذا الموضع، ومحل النزاع لا يكون دليلا، وإنما يكون محجوبا بالخال عند
خصمهم إذا لم يكن عم ولا من في حكمه، وإنما يكون محجوبا بالخال إجماعا إذا
انفرد من جميع الكلالة المساوية له في الإرث، فأما مع وجود أحدهم فغير
مسلم. وهذا القدر كاف، وهذا الكلام على طوله غير مفيد للقطع.
ونحن في هذه المسألة من المتوقفين، فإن كل واحد من هذه الأقوال ينقدح
فيه الرجحان.
أما قول قطب الدين - رحمه الله - وهو: " المشاركة بين الخال وابن العم "
فلأن الخال لا يمنع العم، فلئن لا يمنع ابن العم الذي يمنع العم أولى، وهو
أقرب من ابن العم، وابن العم يرث مع العم فمع الخال المساوي يرث.
وأما قول عماد الدين - رحمه الله - وهو: " المشاركة بين الخال والعم " فلأن
ابن العم لا يرث مع الخال، لأنه أقرب منه، وللروايات الدالة على ذلك، روى
سلمة بن محرز، عن الصادق - عليه السلام - قال: في ابن عم وخالة، قال: المال
للخالة وقال: في ابن عم وخال، قال: المال للخال (1). وإذا سقط اعتبار ابن
العم بقي المال بين الخال والعم أثلاثا كما لو لم يكن هناك ابن عم.
وأما قول سديد الدين الحمصي - رحمه الله - فلأن ابن العم أولى من العم،
فلا يرث العم مع وجود ابن العم، والخال أإلى من ابن العم فاختص الخال
بالمال.
وهذه الاحتمالات الثلاثة سمعناها مشافهة من الشيخ الأعظم السعيد

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 328 ح 1179، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الأعمام والأخوال ح 4
ج 17 ص 509.
27

نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي - قدس الله روحه ونور ضريحه -.
وأما قول الشيخ في الاستبصار فليس بعيدا من الصواب، إذ لا فرق بين
العمة والعم. وقوله في المسائل الحلبيات أيضا قوي.
والأولى في هذه المسائل كلها اتباع النصوص.
مسألة: إذا اجتمع الخال والعم كان للخال الثلث وللعم الثلثان، ذهب
إليه الشيخ في النهاية (1)، وبه قال أبو علي بن الجنيد، والشيخ علي بن بابويه،
وابنه الصدوق في المقنع (2) وكتاب من لا يحضره الفقيه (3)، وهو قول ابن
البراج (4)، وأبي الصلاح (5)، وابن حمزة (6) وابن إدريس (7).
وقال ابن أبي عقيل: إن ترك عما وخالا فللخال السدس، وقد روي أن
له الثلث والباقي للعم.
وقال قبل ذلك: فرض العم والعمة النصف وفرض الخال والخالة الثلث
بينهم بالسوية، وإذا حضر أحدهم كان له السدس، وقد نقل أن الواحد منهم له
الثلث.
فجعل للخال مع العم السدس، وهو الظاهر من كلام شيخنا المفيد، فإنه
قال في المقنعة: ويجري ذوو الأرحام ممن سميناه - يعني: من العمومة والعمات
والخؤولة والخالات وأبنائهم - في الزيادة والنقصان معهم مجرى ذوي الأرحام
من الكلالة المقدم ذكرهم من الإخوة والأخوات.
ثم قال: والخامس: سهام من له سببان يستحق بهما الميراث مع من له

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 221.
(2) المقنع: ص 174.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 294.
(4) المهذب: ج 2 ص 146 و 149.
(5) الكافي في الفقه: 373.
(6) الوسيلة: 393.
(7) السرائر: ج 3 ص 261.
28

سبب واحد فيه على الاختصاص، كزوج هو ابن عم وابن خال فللزوج
النصف بالتسمية والثلثان (1) مما يبقى بالرحم ولابن الخال الثلث الباقي برحمه
على حسب فرائض من تقربا به من العمومة والخؤولة كما بيناه (2). فأعطى ابن
الخال هنا السدس وساوى بينه وبين الخال.
وكذا يظهر من كلام سلار فإنه قال: ميراث العمومة والعمات كميراث
الإخوة والأخوات من الأب والأم أو من الأب، وميراث الخؤولة والخالات
كميراث الإخوة والأخوات من الأم، إلا في موضع واحد وهو ابن العم للأب
والأم أحق بالميراث من العم، وليس كذلك الإخوة (3).
وقال قطب الدين الكيدري: ويجري الأخوال والخالات مجرى الإخوة
والأخوات من قبل الأم لواحدهم إذا اجتمع مع الأعمام والعمات السدس
ولمن زاد عليه الثلث للذكر مثل الأنثى والباقي للأعمام والعمات (4). وكذا قال
ابن زهرة (5).
وقال معين الدين المصري: للخال الواحد أو الخالة الواحدة السدس والباقي
للعم أو العمة أو للعمومة والعمات بأجمعهم، وفي أصحابنا من قال: الثلث
للخال الواحد أو الخالة الواحدة، وفيه خلاف.
والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: ما رواه أبو بصير في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته

(1) في المصدر: فللزوج النصف بالتسمية من جهة الزوجية والثلثان.
(2) المقنعة: ص 709.
(3) المراسم: ص 223 وفيه: " والأم أحق بالميراث من العم للأب ".
(4) إصباح الشيعة (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 22 ص 299.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 545 س 25.
29

عن شئ من الفرائض، فقال لي: ألا أخرج لك كتاب علي - عليه السلام -؟
فقلت: كتاب علي - عليه السلام - لم يدرس! فقال: يا أبا محمد إن كتاب علي
- عليه السلام - لا يدرس، فأخرجه فإذا كتاب جليل فإذا فيه رجل مات وترك
عمه وخاله، قال: للعم الثلثان وللخال الثلث (1).
وعن أبي مريم، عن الباقر - عليه السلام - في عمة وخالة، قال: الثلث
والثلثان، يعني: للعمة الثلثان وللخالة الثلث (2).
وعن أبي بصير عن الصادق - عليه السلام - في رجل ترك عمته وخالته،
قال: للعمة الثلثان وللخالة الثلث (3).
وفي الحسن عن محمد بن مسلم، عن الصادق - عليه السلام - قال: إذا
اجتمعت العمة والخالة فللعمة الثلثان وللخالة الثلث (4). والأخبار في ذلك
كثيرة فإن حملوه على الإخوة منعنا المساواة من كل وجه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: فإن خلف عما أو عمة أو عمومة أو عمات أو
عمومة وعمات، متفرقين كانوا أو متفقين مع خال أو خالة أو خؤولة أو خالات
أو خؤولة وخالات كان لمن يتقرب بالأب واحدا كان أو أكثر منه من العمومة
والعمات الثلثان على ما رتبناه من الاستحقاق، والثلث لمن يتقرب من قبل

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 324 ح 1162، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ميراث الأعمام
والأخوال ح 1 ج 17 ص 504.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 324 ح 1163، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال
ح 2 ج 17 ص 505.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 324 ح 1164، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ميراث الأعمام
والأخوال ح 3 ج 17 ص 505.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 324 ح 1165، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ميراث الأعمام
والأخوال ح 4 ج 17 ص 505.
30

الأم واحدا كان أو أكثر من ذلك على ما بيناه من الاستحقاق (1). وكذا قال
ابن البراج (2). وهو يعطي أن للخال أو الخالة مع العمة للأب الثلث والباقي
للعمة للأب، وهو قول ابن إدريس (3)، وهو المشهور.
وقال ابن أبي عقيل: وإن ترك خالا وعمة فللخال السدس وللعمة
النصف والباقي رد عليهما على قدر سهامهما، وكذلك إن ترك عمة وخالة
فللخالة السدس وللعمة النصف والباقي رد عليهما على قدر سهامهما.
والمعتمد ما قاله الشيخ، لما تقدم من الأخبار. ولأن الرد مع التسمية،
وهؤلاء لا مسمى لهم.
احتج بأن للخالة السدس وللعمة النصف كالأخوات فيرد على قدر
السهام.
والجواب: منع حكم الأصل، والقول بالقياس عندنا باطل.
مسألة: قال الشيخ في النهاية - وهو المشهور - أن أولاد العمومة والعمات
والخؤولة والخالات كآبائهم (4) فعلى هذا لبنت الخال مع بنت العم الثلث
والباقي لبنت العم.
وقال ابن أبي عقيل: لبنت العم النصف ولبنت الخال السدس والباقي رد
عليهما على قدر سهامهما. وبناه على أصله، وقد تقدم.
مسألة: المشهور ما قاله الشيخ في النهاية: إن أولاد العمومة والعمات وإن
سفلوا وأولاد الخؤولة والخالات وإن نزلوا أولى من عمومة الأب وعماته

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 224 - 225.
(2) المهذب: ج 2 ص 149.
(3) السرائر: ج 3 ص 261.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 228 و 229.
31

وخؤولته وخالاته ومن عمومته الأم وعماتها وخؤولتها وخالاتها (1).
وقال ابن أبي عقيل: لو ترك عمة أمه وابنة خالته فالمال بينهما نصفان،
لأنهما قد استوتا في البطون، وهما جميعا من طريق الأم. والأول أولى، لأن
الأولاد أقرب ببطن.
مسألة: لو ترك ابن عم وابنة عم وابن عمة وابن خال وابنة خالة وابن
خالة (2) قال ابن أبي عقيل: كان لولد الخال والخالة الثلث بينهما بالسوية،
والثلث لولد العمة بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، والثلث الباقي لولد العم
للذكر مثل حظ الأنثيين.
والمشهور أن لأولاد الخال والخالة الثلث، وثلثا الثلثين الباقيين لأولاد
العم، والثلث الباقي لأولاد العمة، لأن كلا منهم يأخذ نصيب من يتقرب به،
ولو كان الآباء موجودين كان حكمهم ما قلناه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: المرأة لا ترث من زوجها من الأرضين والقرى
والرباع من الدور والمنازل، بل يقوم الطوب (3) والخشب وغير ذلك من
الآلات، وتعطى حصتها منه ولا تعطى من نفس الأرضين شيئا. وقال بعض
أصحابنا: إن هذا الحكم مخصوص بالدور والمنازل دون الأرضين والبساتين.
والأول أكثر في الروايات وأظهر في المذهب، وهذا الحكم الذي ذكرناه إنما
يكون إذا لم يكن للمرأة ولد من الميت، فإن كان لها منه ولد أعطيت حقها من
جميع ما ذكرناه من الضياع والعقار والدور والمساكن (4). وتبعه ابن البراج (5).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 228.
(2) ق 2: وابن عمة وبنت عمة وابن خال وبنت خال.
(3) الطوب: الاجر (مجمع البحرين: ج 2 ص 111 مادة طيب).
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 210، وفيه: " ولا تعطى من نفس الأرض ".
(5) المهذب: ج 2 ص 140 - 141.
32

وقال أبو الصلاح: ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والأرض شيئا وترث
من قيمة الآلات الرباع من خشب وآجر كسائر الإرث (1). وهو مساو لقول
الشيخ.
وقال ابن حمزة: وإن لم تكن ذات ولد منه لم يكن لها حق في الأرضين
والقرى والمنازل والدور والرباع، وروي روايات مختلفات بخلاف ذلك (2).
وهو يناسب قول الشيخ أيضا.
وقال المفيد: ولا ترث الزوجة شيئا مما يخلفه الزوج من الرباع، وتعطى
قيمة الخشب والطوب والبناء والآلات فيه، وهذا منصوص عليه عن نبي الهدى
- عليه وآله السلام - وعن الأئمة عن عترته - عليهم السلام - والرباع هي الدور
والمساكن دون البساتين والضياع (3) وتبعه ابن إدريس (4).
وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية أن الزوجة لا ترث من رباع
المتوفى شيئا، بل تعطى بقيمة حقها من البناء والآلات دون قيمة العراص،
وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يفرقوا بين الرباع وغيرها في تعلق حق
الزوجات، والذي يقوى في نفسي إن هذه المسألة تجري مجرى المسألة المتقدمة
في تخصيص الأكبر من الذكور بالمصحف والسيف، وأن الرباع وإن لم يسلم
في (5) الزوجات فقيمتها محسوبة لها. ثم أحال بالبيان هنا على ما بينه هناك
وقد تقدم، ثم قال: ويمكن أن يكون الوجه في صد الزوجة عن الرباع أنها ربما

(1) الكافي في الفقه: ص 374، وفيه: " من رقاب الرباع والأرضين ".
(2) الوسيلة: 391.
(3) المقنعة: ص 687، وفيه: " وهذا هو منصوص عليه ".
(4) السرائر: ج 3 ص 258.
(5) في المصدر: لم تسلم إلى.
33

تزوجت فأسكنت هذه الرباع من كان ينافس المتوفى أو يغيظه أو يحسده فينقل
ذلك على أهله وعشيرته فعدل بها عن ذلك على أجمل الوجوه (1).
وقال ابن الجنيد: وإذا دخل الزوج أو الزوجة على الولد والأبوين كان
للزوج الربع وللزوجة الثمن من جميع التركة عقارا أو أثاثا وصامتا ورقيقا غير
ذلك وكذا إن كن أربع زوجات، ولمن حضر من الأبوين السدس، وإن حضرا
جميعا السدسان وما بقي للولد. ولم يخصص الولد بأنه من الزوجة.
احتج الشيخ على مذهبه في النهاية بما رواه زرارة وبكير وفضيل وبريد
ومحمد بن مسلم في الحسن، عن الباقر والصادق - عليهما السلام - ومنهم من رواه
عن الباقر - عليه السلام - ومنهم من رواه عن الصادق - عليه السلام - ومنهم من
رواه عن أحدهما - عليهما السلام - أن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار
أو أرض، إلا أن يقوم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان من
قيمة الطوب والجذوع والخشب (2).
وفي الصحيح عن زرارة، عن الباقر - عليه السلام - أن المرأة لا ترث مما
ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئا وترث من المال والفرش
والثياب ومتاع البيت مما ترك ويقوم النقض والأبواب والجذوع والقصب
فتعطى حقها منه (3).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم، عن الباقر - عليه السلام - قال: النساء لا

(1) الإنتصار: ص 301.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 151 ح 570، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب ميراث الأزواج ح 5 ج 17
ص 519.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 151 ح 571، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب ميراث الأزواج ح 1 ج 17
ص 517.
34

يرثن من الأرض ولا من العقار شيئا (1).
ثم إن الشيخ أورد غير ذلك من الأحاديث، وقال عقيبها: هذه الأخبار
التي أوردناها عامة في أنه ليس للمرأة من الرباع والأرض (2) والقرايا شئ
ولهن قيمة الطوب والخشب والبنيان، وما يتضمن بعض الأخبار من أنهن لا
يرثن شيئا من هذه الأشياء، فالمعنى: إنهن لا يرثن من نفس تربة الأرض وإن
كان لها من قيمة الخشب والطوب والبنيان، بدلالة ما فصل في غيرها من
الأخبار التي أوردناها. وكان شيخنا - رحمه الله - يقول: " ليس لهن من الرباع
شئ وإنما هي المنازل والعقارات، ولهن من الأرض سهم " والأخبار عامة،
والعمل بعمومها أولى، لأنا إن طرقنا على الأرضين ما يخصها تطرق على الرباع
والمنازل، لعدم الدليل على الكل. وما يتضمن بعض الأخبار من أن ليس لهن
من الرباع والعقار شئ ولم يتضمن ذكر الأرضين لا يدل على أن لهن من
الأرضين نصيبا، إلا من جهة دليل الخطاب، وذلك يترك لدليل. والأخبار
الآخر دالة على ذلك، ولا يمتنع أن تدل هذه الأخبار على أنه ليس لهن من
الرباع والعقار شئ، والأخبار الثانية تدل على أنه ليس لهن من الأرض
والقرايا شئ. فالأولى العمل بجميعها (3).
وقول السيد المرتضى - رحمه الله - حسن، لما فيه من الجمع بين عموم القرآن
وخصوص الأخبار. ثم قول شيخنا المفيد - رحمه الله - جيد أيضا، لما فيه من
تقليل التخصيص، فإن القرآن دال على التوريث مطلقا، فالتخصيص

(1) الإستبصار: ج 4 ص 152 ح 572، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب ميراث الأزواج ح 4 ج 17
ص 518.
(2) في المصدر: الأرضين.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 151 - 154 وذيل الحديث 580، وفيه: " والأخبار الباقية ".
35

مخالف (1)، وكل ما قل كان أولى، وبعد هذا كله فالفتوى على ما قاله الشيخ
- رحمه الله -.
تذنيب: قال الشيخ في النهاية: هذا الحكم الذي ذكرناه إنما يكون إذا لم
يكن للمرأة ولد من الميت، فإن كان لها منه ولد أعطيت حقها من جميع ما
ذكرناه من الضياع والعقار والدور والمساكن (2). وتبعه ابن البراج (3)، وابن
حمزة (4).
وشيخنا المفيد (5)، وأبو الصلاح (6)، والسيد المرتضى (7) أطلقوا القول كما
حكيناه عنهم، ولم يقيدوا بعدم الولد.
والصدوق - رحمه الله - لما روى في كتاب من لا يحضره الفقيه الأخبار (8)
الدالة على أن المرأة لا ترث من الرباع والمنازل والأراضي بل يقوم الأجذاع
والقصب والأبواب والطوب، روى عقيبها عن أبان، عن الفضل بن عبد الملك
وابن أبي يعفور، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن الرجل هل يرث
من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئا أو يكون ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من
ذلك شيئا؟ فقال: يرثها وترثه من كل شئ ترك وتركت (9).

(1) في الطبعة الحجرية: يخالف.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 210.
(3) المهذب: ج 2 ص 141.
(4) الوسيلة: ص 391.
(5) المقنعة: ص 687.
(6) الكافي في الفقه: ص 374.
(7) الإنتصار: ص 301.
(8) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 347 - 348، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب ميراث الأزواج ج 17
ص 517.
(9) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 349 ح 5753، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ميراث الأزواج ح 1
ج 17 ص 522.
36

ثم قال - عقيب هذه الرواية -: قال مصنف هذا الكتاب: هذا إذا كان لها
منه ولد، أما إذا لم يكن لها منه ولد فلا ترث من الأصول إلا قيمتها (1).
وتصديق ذلك:
ما رواه محمد بن أبي عمير، عن ابن أذينة في النساء إذا كان لهن ولد
أعطين من الرباع (2).
والشيخ - رحمه الله - في الاستبصار لما أورد الأخبار الدالة على منع الزوجة
من الإرث في رقبة الأرض أورد الحديث الذي رواه الفضل بن عبد الملك وابن
أبي يعفور (3).
ثم قال: أنه لا تنافي الأخبار الأولة من وجهين: أحدهما: أن نحمله على
التقية، لأن جميع من خالفنا يخالف في هذه المسألة، وليس يوافقنا عليها أحد
من العامة، وما يجري هذا المجرى يجوز التقية فيه. والثاني (4): إن لهن ميراثهن
من كل شئ ترك ما عدا تربة الأرض من القرايا والأرضين والرباع والمنازل،
فنخص الخبر بالأخبار المتقدمة. وكان أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن
بابويه - رحمه الله - يتأول هذا الخبر ويقول: ليس لهن شئ مع عدم الأولاد من
هذه الأشياء المذكور، فإذا كان هناك ولد فإنه يرثن (5) من كل شئ (6).

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 349 ذيل الحديث 5753.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 349 ح 5754، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ميراث الأزواج ح 2
ج 17 ص 523.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 151 - 154 ح 581، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب ميراث الأزواج ج 17
ص 517 و ب 7 من أبواب ميراث الأزواج ح 1 ج 17 ص 522.
(4) في المصدر: والوجه الآخر.
(5) في المصدر: فإنها ترث.
(6) الإستبصار: ج 4 ص 155 ذيل الحديث 581.
37

واستدل على ذلك بما رواه محمد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد،
عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة في النساء إذا كان لهم ولد أعطين من
الرباع (1).
وهذا القول من الشيخ في الاستبصار يشعر بأنه لا يرتضيه، وإلا لكان
يقول في وجه المتأول ثلاثة أوجه ثم يسند الثالث إلى ابن بابويه، لكنه لما جمع
بوجهين ثم قال: وكان ابن بابويه يجمع بكذا دل على أنه غير قابل به.
وأما في التهذيب فإنه قال: هذا الخبر محمول على أنه إذا كان للمرأة ولد
فإنها ترث من كل شئ تركه الميت، عقارا كان أو غيره (2). ثم روى عقيبه
دليلا عليه حديث ابن أذينة (3). ولم يذكر الوجهين الآخرين، وهو يدل على أنه
موافق للصدوق.
وأما ابن إدريس فإنه قال: فأما إذا كان لها منه ولد أعطيت سهمها من
نفس جميع ذلك، على قول بعض أصحابنا، وهو اختيار محمد بن علي بن
الحسين بن بابويه تمسكا منه برواية شاذة وخبر واحد لا يوجب علما ولا
عملا، وإلى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته، إلا أنه رجع عنه في
استبصاره، وهو الذي يقوى عندي - أعني: ما اختاره في استبصاره - لأن
التخصيص يحتاج إلى أدلة قوية وأحكام شرعية، والإجماع على أنها لا ترث من
نفس تربة الرباع والمنازل شيئا، سواء كان لها من الزوج ولد أو لم يكن، وهو

(1) الإستبصار: ج 4 ص 155 ح 582، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ميراث الأزواج ح 2 ج 17
ص 522.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 300 ذيل الحديث 1075.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 301 ح 1076، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ميراث الأزواج ح 2
ج 17 ص 522.
38

ظاهر قول شيخنا المفيد في مقنعته والسيد المرتضى في انتصاره (1).
والوجه ما قاله الصدوق - رحمه الله -.
لنا: عموم القرآن، خرج منه ما ورد من الأشياء المعينة، فيبقى الباقي على
عمومه. ثم هذه الأشياء لما وردت عامة وورد ما ينافيها وأمكن الجمع بينهما
بحال عدم الولد وورد به النقل وجب المصير إليه لتخرج الأدلة عن التعارض.
مسألة: لو لم يخلف كل من الزوجين سوى صاحبه قال الشيخ في النهاية: يرد
على الزوج النصف الباقي بالصحيح من الأخبار عن أئمة آل محمد - عليهم
السلام - وأما الزوجة فلها الربع بنص القرآن والباقي للإمام، وقد روى أن
الباقي يرد عليها كما يرد على الزوج، وقال بعض أصحابنا في الجمع بين
الخبرين: إن هذا الحكم مخصوص بحال غيبة الإمام وقصور يده. فأما إذا كان
ظاهرا فليس للمرأة أكثر من الربع والباقي له على ما بيناه، وهذا وجه قريب
من الصواب (2).
وقال الصدوق في المقنع: فإن تركت امرأة زوجها ولم تترك وارثا غيره
فللزوج النصف والباقي رد عليه، فإن ترك رجل امرأة ولم يترك وارثا غيرها
فللمرأة الربع وما بقي فلإمام المسلمين (3). وكذا قال أبوه في رسالته إليه.
ولما روى الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه عن أبي بصير، عن الباقر
- عليه السلام - عن امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره، قال: إذا لم
يكن غيره فالمال له والمرأة لها الربع وما بقي فللإمام (4).

(1) السرائر: ج 3 ص 259.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 210 - 211.
(3) المقنع: 170 - 171.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 262 ح 5612، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ميراث الأزواج ح 8
ج 17 ص 516.
39

ثم قال عقيبه: قال مصنف هذا الكتاب: هذا في حال ظهور الإمام - عليه
السلام - فأما في حال غيبته فمتى مات الرجل وترك امرأة لا وارث له غيرها
فالمال لها (1).
وتصديق ذلك ما رواه محمد بن أبي عمير، عن أبان عثمان، عن أبي
بصير، عن أبي عبد الله - عليه السلام - في امرأة ماتت وتركت زوجها، قال:
فالمال له، قلت: الرجل يموت ويترك امرأته، قال المال لها (2). وهذا القول
يوافق ما قربه الشيخ في النهاية من الصواب.
وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية أن الزوج يرث المال كله
إذا لم يكن له وارث سواه، فالنصف بالتسمية والنصف الآخر بالرد، وهو أحق
بذلك من بيت المال، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أن النصف
الآخر (3) لبيت المال. ثم احتج على ذلك بإجماع الطائفة. ثم اعترض بأنه إذا
قيل: كيف يرد على من لا قرابة له ولا نسب وإنما يرث بسبب وإنما يرد على
ذوي الأرحام، ولو جاز أن يرد على الزوج لجاز أن يرد على الزوجة حتى
تورث (4) جميع المال إذا لم يكن سواها؟ ثم أجاب: بأن الشرع ليس يؤخذ قياسا
وإنما يتبع فيه الأدلة الشرعية، وليس يمتنع أن يرد على من لم يكن ذا رحم
وقرابة إذا قام الدليل على ذلك، وأما الزوجة فقد وردت رواية شاذة بأنها ترث
المال كله إذا انفردت كالزوج، ولكن لا يعول (5) على هذه الرواية ولا تعمل

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 262 ذيل الحديث 5612.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 263 ح 5613، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ميراث الأزواج ح 6
ج 17 ص 515، وفيهما: " فالمال كله له ".
(3) في المصدر: وذهبوا كلهم إلى أن النصف له والنصف الآخر.
(4) في المصدر: ترث.
(5) في المصدر: معول.
40

الطائفة بها، وليس يمتنع أن يكون للزوج مزية في هذا الحكم على الزوجة كما
كانت له مزية عليها في تضاعف حقه على حقها (1).
وشرط أبو الصلاح في ميراث الإمام عدم ذوي الأنساب والزوج ومولى
النعمة، فإن كانت هناك زوجة فلها الربع والباقي للإمام (2).
وقال سلار: وفي أصحابنا من قال: إنه إذا ماتت امرأة ولم تخلف غير
زوجها فالمال كله له بالتسمية والرد، فأما الزوجة فلا رد لها، بل ما يفضل من
سهمها لبيت المال، وروي أنه يرد عليها كما يرد على الزوج (3). وهذا يدل على
استضعاف الرد في حق الزوجين معا.
وقال ابن البراج: فإن ماتت امرأة وتركت زوجها ولم تخلف غيره كان
له النصف بالتسمية والباقي يرد عليه، فإن مات رجل وخلف زوجة (4) ولم
يخلف غيرها كان لها الربع بالتسمية والباقي للإمام - عليه السلام - وقد روي
أن الباقي يرد عليها مثل الزوج، والظاهر ما ذكرناه. وذكر بعض أصحابنا في
الجمع بين الخبرين أن ذلك مخصوص بحال الغيبة، فأما إذا كان الإمام ظاهرا
فليس للمرأة أكثر من الربع والباقي له. وذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي
- رحمه الله - إن هذا الوجه قريب في جواز العمل به. والأولى عندي إلا يدفع
إليها إلا الربع بغير زيادة عليه والباقي للإمام - عليه السلام - لأنا إن عملنا به
- كما ذكرناه - (5) كنا قد عولنا في العمل به على خبر واحد لا يعضده قرينة،
وهذا لا يجوز، وينبغي أن يفعل فيه في حال الغيبة مثل ما يفعل في غيره في ما
يختص به من دفن أو وصية، والوصية أحوط على كل حال (6).

(1) الإنتصار: ص 300.
(2) الكافي في الفقه: ص 374.
(3) المراسم: ص 222.
(4) وفي المصدر: زوجته.
(5) في المصدر: إذا عملنا به كما ذكره.
(6) المهذب: ج 2 ص 141 - 142.
41

وقال ابن إدريس: ما قربه شيخنا - رحمه الله - أبعد مما بين المشرق
والمغرب، لأن تخصيص الجامع بين الخبرين بما قد ذهب إليه يحتاج فيه إلى
دلالة قاهرة وبراهين متظاهرة، لأن أموال بني آدم ومستحقاتهم لا تحل
بغيبتهم، لأن التصرف في مال الغير بغير إذنه قبيح عقلا وسمعا. وشيخنا قد
رجع عما قربه في إيجازه فقال: ذوو السهام ضربان: ذوو الأسباب وذوو
الأنساب، فذوو الأسباب الزوج والزوجة، فإذا انفردوا كان لهم سهمهم
المسمى إن كان زوجا النصف والربع إن كانت زوجة والباقي لبيت المال،
وقال أصحابنا: إن الزوج وحده يرد عليه الباقي بإجماع الفرقة على ذلك. وقال
شيخنا المفيد في آخر باب ميراث: الإخوة (والأخوات) من المقنعة إذا لم يوجد
مع الأزواج قريب ولا نسيب للميت رد باقي التركة على الأزواج، إلا أنه
- رحمه الله - رجع عن ظاهر كلامه وإجماله في كتابه كتاب الأعلام، فقال في
باب ميراث الأزواج: واتفقت الإمامية على أن المرأة إذا توفيت وخلفت زوجا
لم تخلف وارثا غيره من عصبة ولا ذي رحم إن المال كله للزوج، النصف منه
بالتسمية والنصف الآخر مردود عليه بالسنة. وإلى ما اخترناه ذهب السيد
المرتضى (1)، وهذا هو الأقوى عندي.
لنا: في الرد على الزوج الإجماع، فإن جلة أصحابنا نقلوه، ونقلهم
حجة.
وما رواه محمد بن قيس في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام - في امرأة
توفيت ولم يعلم لها أحد ولها زوج، قال: الميراث لزوجها (2).

(1) السرائر: ج 3 ص 243 - 244.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 149 ح 559، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأزواج ح 1 ج 17
ص 511.
42

وفي الصحيح عن أبي بصير قال: قرأ علي أبو عبد الله - عليه السلام -
فرائض علي - عليه السلام - فإذا فيها الزوج يجوز المال إذا لم يكن غيره (1).
وفي الصحيح عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد الله - عليه السلام -
فدعا بالجامعة فنظر فيها فإذا امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره
المال كله له (2).
وعن أبي بصير، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن امرأة تموت ولا
تترك وارثا غير زوجها، قال: الميراث له كله (3).
ثم إن الشيخ - رحمه الله - روى عن جميل بن دراج في الموثق، عن الصادق
- عليه السلام - قال: لا يكون الرد على زوج ولا زوجة (4).
ثم قال - رحمه الله -: فلا ينافي الأخبار الأولة، لأنا لا نعطي الزوج المال
كله بالرد، بل نعطيه النصف بالتسمية والباقي بإجماع الطائفة المحقة، ولا
نعطيه برد يقتضيه ظاهر القرآن، كما يقتضي في كثير من ذوي الأرحام (5).
وأما عدم الرد على الزوجة مطلقا فللأصل، لأنه تعالى جعل لها الربع مع
عدم الولد، ولا تأخذ ما زاد، لعدم دليل يقتضيه.
ولما رواه أبو بصير، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن امرأة ماتت

(1) الإستبصار: ج 4 ص 149 ح 560، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأزواج ح 2 ج 17
ص 512، وفيهما: " المال له كله ".
(2) الإستبصار ج 4 ص 149 ح 561، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأزواج ح 3 ج 17
ص 512.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 149 ح 562، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأزواج ح 4 ج 17
ص 512.
(4) الإستبصار: ج 4 ص 149 ح 563، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الأزواج ح 8 ج 17
ص 513.
(5) الإستبصار: ج 4 ص 149 ذيل الحديث 563.
43

وتركت زوجها لا وارث لها غيره، قال: إذا لم يكن غيره فله المال والمرأة لها
الربع وما بقي فللإمام (1).
وفي الصحيح عن علي بن مهزيار قال: كتب محمد بن حمزة العلوي إلى أبي
جعفر الثاني - عليه السلام - مولى لك أوصى إلي بمائة درهم وكنت أسمعه
يقول: كل شئ لي فهو لمولاي فمات وتركها ولم يأمر فيها بشئ وله امرأتان أما
الواحدة فلا أعرف لها موضعا الساعة وأما الأخرى بقم ما الذي تأمرني في هذه
المائة درهم؟ فكتب إلي: انظر أن تدفع هذه الدراهم إلى زوجتي الرجل
وحقهما من ذلك الثمن إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد فالربع وتصدق
بالباقي على من تعرف أن له إليه حاجة إن شاء الله تعالى (2).
ثم روى الشيخ في الصحيح، عن أبي بصير، عن الباقر - عليه السلام -
قال: قلت له: رجل مات وترك امرأته، قال: المال لها، قال: قلت: امرأة
ماتت وتركت زوجها، قال: المال له (3).
قال الشيخ: لا ينافي هذه الأخبار الأولة، لأنه يحتمل وجهين: أحدهما:
أن نحمله على ما ذكره أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه - رحمه
الله - فإنه قال: هذا الخبر يختص حال الغيبة، لأن لها الربع إذا كان هناك
إمام ظاهر يأخذ الباقي، وإذا لم يكن ظاهرا كان الباقي لها. والثاني (4): أن
نحمله على أنها إذا كانت قرابة (5) له فإنها تأخذ الربع بالتسمية والباقي

(1) الإستبصار: ج 4 ص 150 ح 564، وسائل الشيعة: ب 4 من ميراث الأزواج ح 8 ج 17 ص 516.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 150 ح 566، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ميراث الأزواج ح 1 ج 17
ص 514.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 150 ح 568، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ميراث الأزواج ح 9 ج 17
ص 516، وفيهما: " عن أبي عبد الله ".
(4) في المصدر: والوجه الثاني.
(5) في المصدر: قريبة.
44

بالقرابة. لما رواه محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار البصري قال: سألت
أبا الحسن الرضا - عليه السلام - عن رجل مات وترك امرأة قرابة ليس له
قرابة غيرها، قال: يدفع المال كله إليها (1).
مسألة: لو خلف أختا لأم أو أخا أو أختا وأخا أو أخوة وأخوات مع أخت
لأب لا غير قال الشيخ في النهاية: كان للأخ أو الأخت أو الإخوة والأخوات
من قبل الأم سهمهم المسمى السدس إن كان واحدا والثلث إن كانوا أكثر،
وللأخت من الأب النصف بالتسمية والباقي رد عليها، لأنه لو نقص من
النصف كان النقصان داخلا عليها، فإنه لو كان في الفريضة زوج أو زوجة
كان له حقه النصف أو الربع، وللأخ أو الأخت أو الإخوة والأخوات من
قبل الأم السدس أو الثلث والباقي للأخت من الأب (2). وهو اختيار الصدوق
في كتاب من لا يحضره الفقيه، وبه قال ابن البراج (3).
وقال في الاستبصار - حيث روى عن محمد بن مسلم، عن الباقر عليه
السلام قال: سألته عن ابن أخت لأب وابن أخت لأم، قال: لابن الأخت
من الأم السدس ولابن الأخت من الأب الباقي -: إن هذا الخبر يدل على أنه
إذا اجتمع أخت من أم وأخت من أب أن يعطى الأخت من الأم السدس
بالتسمية، والأخت من الأب الباقي النصف بالتسمية أيضا والباقي يرد
عليها، لأن بنتها إنما تأخذ ما كانت تأخذ هي لو كانت حية، لأنها تتقرب
بها وتأخذ نصيب من تتقرب به، وذلك خلاف ما يذهب إليه قوم من
أصحابنا من وجوب الرد عليهما، لأن ذلك خطأ على موجب هذا النص (4).

(1) الإستبصار: ج 4 ص 150 - 151 ذيل الحديث 568 و 569.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 205.
(3) المهذب: ج 2 ص 135.
(4) الإستبصار: ج 4 ص 168 - 169 ذيل الحديث 63 و 637.
45

وقال المفيد في المقنعة: الرابع: سهم الأخ من الأم مع الأخ من الأب
أو الأخت أو الإخوة والأخوات محسوب من ستة، لأن أقل عدد له سدس
صحيح ستة، فيكون للأخ من الأم السدس سهم واحد، وللأخ الباقي خمسة
أسهم صحاح، فإن كانا أخوين انكسرت الخمسة (1). وهذا يشعر بأن
للأخت من الأب الباقي أيضا.
وابن البراج وافق شيخنا أبا جعفر - رحمه الله - وكذا أبو الصلاح (2).
وقال ابن أبي عقيل: يرد عليهما على النسبة (3). وبه قال ابن الجنيد،
واختاره ابن إدريس (4).
لنا: ما تقدم من الرواية.
ولأنه لو كان ذكرا لكان الباقي له، فكذا الأنثى
احتج ابن إدريس بأنهم يتقربون إلى الميت بسبب واحد، وكذلك أولئك.
والجواب: أنهما يفترقان باعتبار آخر، فإن النقص يدخل عليها فكان
الفاضل لها، بخلاف الأخرى.
تذنيب: المشهور عند علمائنا أن للأخت من الأبوين الباقي بعد سدس
الأخت أو الأخ وثلث الإخوة من قبل الأم، وادعى أكثر علمائنا عليه
الإجماع، لأنها تجمع السببين فتكون أولى.
وقال ابن أبي عقيل قولا غريبا: إن الفاضل يقسم عليهما بالنسبة فيكون
المال أرباعا بين الأختين وأخماسا بين الأختين من الأم مع الأخت من الأبوين
وبين الأخت من الأم مع الأختين من قبلهما. والمشهور الأول.
قال الصدوق: فإن ترك ثلاثة بني ابنة أخت لأب وأم وثلاثة بني ابنة

(1) المقنعة: ص 712.
(2) الكافي في الفقه: ص 371 - 372.
(3) السرائر: ج 3 ص 259.
(4) السرائر: ج 3 ص 260.
46

أخت لأب وثلاثة بني ابنة أخت لأم فلبني ابنة الأخت من الأم السدس وما
بقي فلبني ابنة الأخت للأب والأم وسقط بنو ابنة الأخت من الأب. وغلط
الفضل بن شاذان في هذه المسألة وأشباهها فقال: لبني ابنة الأخت للأب
والأم النصف، ولبني ابنة الأخت من الأم السدس وما بقي رد عليهم على قدر
انصبائهم (1). وهذا يناسب ما قاله ابن أبي عقيل. والمشهور الأول.
مسألة: المشهور عند علمائنا أن ولد الولد يقوم مقام الولد في مقاسمة
الأبوين إذا لم يكن هناك ولد.
قال الشيخ في النهاية: ولد الولد مع الأبوين يقوم مقام الولد إذا لم يكن
هناك ولد للصلب، فولد الابن ذكرا كان أو أنثى يأخذ مع الأبوين نصيب
أبيه، وولد البنت معهما ذكرا كان أو أنثى يقوم مقام البنت يأخذ نصيب أمه
على الكمال، وعند اجتماع ذوي السهام من الزوج والزوجة والأبوين يجري
حكم ولد الولد حكم الولد على السواء، وذكر بعض أصحابنا أن ولد الولد مع
الأبوين لا يأخذ شيئا من المال، وذلك خطأ، لأنه خلاف لظاهر التنزيل
والمتواتر من الأخبار (2).
وقال المفيد: ولا يحجب الأبوان أولاد الولد وإن هبطوا (3).
وقال سلار: السدس فرض كل واحد من الأبوين مع الولد وولد الولد
وإن سفل (4).
ومذهب ابن أبي عقيل كمذهب الشيخين أيضا، وبه قال أبو
الصلاح (5)، وابن البراج (6).

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 295.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 191 - 192.
(3) المقنعة: ص 688.
(4) المراسم: 217.
(5) الكافي في الفقه: ص 368.
(6) المهذب: ج 2 ص 125.
47

وقال الصدوق في المقنع: فإن ترك ابن ابن وأبوين فللأم الثلث وللأب
الثلثان (1).
وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه: أربعة لا يرث معهم أحد إلا زوج
أو زوجة: الأبوان والابن والابنة، هذا هو الأصل لنا في المواريث، فإذا ترك
الرجل أبوين وابن ابن أو ابنة (2) ابنة فالمال للأبوين للأم الثلث وللأب
الثلثان، لأن ولد الولد إنما يقومون مقام الولد إذا لم يكن هناك ولد ولا وارث
غيره، والوارث هو الأب والأم. قال: وقال الفضل بن شاذان خلاف قولنا
في هذه المسألة وأخطأ، قال: إن ترك ابن ابنة وابنة ابن وأبوين فللأبوين
السدسان وما بقي فلابنة الابن من ذلك الثلثان، ولابن الابنة من ذلك
الثلث تقوم ابنة الابن مقام أبيها وابن الابنة مقام أمه. وهذا مما زل به قدمه
عن الطريقة المستقيمة، وهذا سبيل من يقيس (3).
والمعتمد ما قاله الشيخان.
لنا: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح، عن الصادق - عليه
السلام - قال: بنات البنت يرثن إذا لم يكن بنات كن مكان البنات (4).
وعن إسحاق بن عمار، عن الصادق - عليه السلام - قال: ابن الابن يقوم
مقام أبيه (5).
قال الشيخ - رحمه الله - في كتابي الأخبار: فأما ما ذكره بعض أصحابنا

(1) المقنع: ص 169.
(2) في المصدر: ابن.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 269 - 270.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 317 ح 1138، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ح 1 ج 17 ص 449.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 317 ح 1139، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ميراث الأبوين
والأولاد ح 2 ج 17 ص 449.
48

من أن ولد الولد لا يرث مع الأبوين فاحتجاجه في ذلك بخبر سعد بن أبي
خلف وعبد الرحمن بن الحجام في قوله: إن ابن الابن يقوم مقام الابن إذا لم
يكن للميت ولد " ولا وارث غيره "، قال: " ولا وارث غيره " إنما هو الوالدان لا
غير فغلط، لأن قوله - عليه السلام -: " ولا وارث غيره " المراد بذلك إذا لم
يكن للميت الابن الذي يتقرب ابن الابن به أو البنت التي تتقرب بنت
البنت بها ولا وارث له غيره من الأولاد للصلب. لما رواه عبد الرحمن بن
الحجاج، عن الصادق - عليه السلام - قال: ابن الابن إذا لم يكن من صلب
الرجل أحد قام مقام الابن، قال: وابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل
أحد قامت مقام البنت (1).
والظاهر إن قصد الشيخ بقوله: " بعض أصحابنا " الصدوق (2)، فإنه قال
بهذه المقالة الغريبة.
مسألة: قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: لو خلفت المرأة
زوجها وأمها وإخوة وأخوات لأب وأم أو لأب أو لأم فللزوج النصف وللأم
السدس وما بقي رد عليها (3).
والمشهور أن للأم الثلث والباقي رد عليها، ولا منازعة هنا في الحاصل لها
بالرد والتسمية، لأن الباقي كله لها، وإنما النزاع في التقدير، فعندنا لها
الثلث، لقوله تعالى: " وورثه أبواه فلأمه الثلث " (4) فإن اعترض بقوله تعالى:
" فإن كان له إخوة فلأمه السدس " (5) أجبنا: بأن شرط حجب الإخوة

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 317 - 318 ذيل الحديث 1140 و ح 1141، الإستبصار: ج 4 ص 167
ذيل الحديث 632 و ح 633.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 269 ذيل الحديث 5619.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 271، وفيه: " إن تركت المرأة زوجها ".
(4) النساء: 11.
(5) النساء: 11.
49

وجود الأب والأب هنا مفقود.
مسألة: المشهور أنه إذا خلف أخا لأم وابن أخ لأب وأم فالمال للأخ للأم،
وسقط ابن الأخ للأب والأم، لأن الأخ أقرب بدرجة، وتكثر الأسباب إنما
يراعى مع قرب الدرج وتساويها، أما مع اختلافها فلا.
وقال الصدوق بذلك أيضا، ثم قال في كتاب من لا يحضره الفقيه:
وغلط الفضل بن شاذان في هذه المسألة فقال: للأخ من الأم السدس سهمه
المسمى له وما بقي فلابن الأخ للأب والأم، واحتج في ذلك بحجة ضعيفة
فقال: لأن ابن الأخ للأب والأم يقوم مقام الأخ الذي يستحق المال كله
بالكتاب، فهو بمنزلة الأخ للأب والأم وله فضل قرابة بسبب الأم. قال
الصدوق: وإنما يكون ابن الأخ بمنزلة الأخ إذا لم يكن أخ، فإذا كان أخ (1) لم
يكن بمنزلة الأخ، كولد الولد إنما هو ولد إذا لم يكن للميت ولا أبوان،
ولو جاز القياس في دين الله عز وجل لكان الرجل إذا ترك أخا لأب وابن أخ
لأب وأم كان المال كله لابن الأخ للأب والأم، قياسا على عم لأب وابن عم
لأب وأم، لأن المال كله لابن العم للأب والأم، لأنه قد جمع الكلالتين
كلالة الأب وكلالة الأم، وذلك بالخبر المأثور عن الأئمة الذين يجب التسليم لهم
- عليهم السلام - والفضل يقول في هذه المسألة: إن المال للأخ للأب وسقط
ابن الأخ للأب والأم، ويلزمه على قياسه إن المال بين ابن الأخ للأب والأم
وبين الأخ للأب، لأن ابن الأخ له فضل قرابة بسبب الأم وهو يتقرب بمن
يستحق المال كله بالتسمية وبمن لا يرث الأخ للأب معه (2). ولا ريب في أن
الحق ليس في طرف الفضل.

(1) في المصدر: إذا لم يكن له أخ فإذا كان له أخ.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 275 - 276.
50

مسألة: لو خلف ابن أخ لأم وابن ابن أخ لأب وأم فالمال كله لابن الأخ
للأم، قاله الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه، وهو المشهور، لأنه أقرب.
ثم قال الصدوق: وليس كما قاله الفضل بن شاذان: إن لابن الأخ من
الأم السدس وما بقي فلابن ابن الأخ للأب والأم، لأنه خلاف الأصل الذي
بنى الله عز وجل عليه فرائض المواريث (1).
وقال في المقنع (2): وغلط الفضل في ذلك، والمال كله عندنا لابن الأخ
للأم، لأنه أقرب، وهو أولى ممن سفل.
مسألة: ولد الولد وإن نزل أولى من الجد في المشهور، لأنه بمنزلة الولد ولا
شئ للجد مع الولد، وكذا مع من يقوم مقامه ويساويه عند عدمه.
وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: قال الفضل بن شاذان: إن
الجد (3) بمنزلة الأخ أبدا يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط. قال: وغلط
الفضل في ذلك، لأن الجد يرث مع ولد الولد ولا يرث معه الأخ، ويرث الجد
من قبل الأب مع الأب والجد من قبل الأم مع الأم ولا يرث الأخ مع الأب
والأم، وابن الأخ يرث مع الجد ولا يرث مع الأخ، فكيف يكون الجد بمنزلة
الأخ أبدا؟! وكيف يرث حيث يرث الأخ ويسقط حيث يسقط؟! بل الجد
مع الإخوة كواحد (4) منهم فأما أن يكون بمنزلتهم (5) يرث حيث يرث الأخ
ويسقط حيث يسقط الأخ فلا. وذكر الفضل من الدليل على ذلك ما رواه

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 277.
(2) المقنع: ص 173 ورد فيه: " فإن الفضل بن شاذان قال: لأن الأخ من الأم السدس وما بقي
فلابن ابن ابن الأخ للأب ولم أرو بهذا حديثا ولم أجده في غير كتابه ".
(3) في المصدر: اعلم أن الجد.
(4) في المصدر: بمنزلة واحد.
(5) في المصدر: يكون أبدا بمنزلتهم.
51

فراس، عن الشعبي، عن ابن عباس أنه قال: كتب إلي علي بن أبي طالب
- عليه السلام -: في ستة إخوة وجد أن اجعله كأحدهم وامح كتابي. فجعله
علي - عليه السلام - سابعا معهم. وقوله - عليه السلام -: " امح كتابي " كره
أن يشنع عليه بالخلاف على من تقدمه، وليس هذا بحجة للفضل بن شاذان،
لأن هذا الخبر إنما يثبت أن الجد مع الإخوة بمنزلة أحدهم. قال: وليس يثبت
كونه " أبدا " بمنزلة الأخ، ولا يثبت أنه يرث حيث يرث الأخ ويسقط حيث
يسقط الأخ (1).
والمشهور ما قاله الفضل، لما تقدم.
وقد احتج الصدوق على المشاركة بين الجد وولد الولد بما رواه سعد بن
أبي خلف قال: سألت أبا الحسن موسى - عليه السلام - عن بنات بنت (2)
وجد، قال: للجد السدس والباقي لبنات البنت (3) (4).
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي - رحمه الله - عقيب هذه الرواية: وقد ذكر
علي بن الحسن بن فضال: إن هذا الخبر أجمعت العصابة على ترك العمل به.
قال الشيخ: ورأيت بعض المتأخرين ذهب إلى ما تضمنه الخبر، وهو غلط،
لأنه قد ثبت أن ولد الولد يقوم مقام الولد وبنت البنت تقوم مقام البنت إذا لم
يكن هناك ولد، ومع وجود الولد لا يستحق واحد من الأبوين ما يؤخذ من
نصيب السدس فيعطى الجد على وجه الطعمة، وإنما يؤخذ من فريضتهما
السدس إذا كانا هما الوارثان دون الأولاد، وذلك يدل على ما قاله ابن

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 287 - 288 ذيل الحديث 5650 و ح 5651 وذيله.
(2) في المصدر: الابنة.
(3) في المصدر: الابنة.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 281 ح 5628، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ميراث الأبوين
والأولاد ح 10 ج 17 ص 451.
52

فضال (1). وهذا الذي قاله الشيخ - رحمه الله - هو المشهور.
وقوله: " إن الجد يرث مع الأبوين " ممنوع، بل إنما يأخذ معهما على سبيل
الطعمة لا على وجه الميراث.
تذنيب: لو تركت امرأة زوجها وابن ابنها وجدا وإخوة وأخوات لأب وأم
فللزوج الربع والباقي لابن الابن، ولا شئ للجد ولا للإخوة.
وقال الصدوق: للزوج الربع وللجد السدس وما بقي فلابن الابن وسقط
الإخوة والأخوات (2). وهو بناء على أصله من المشاركة بين الجد وولد الولد،
وليس بمعتمد.
مسألة: لو خلف خالا وجدة لأم فالمال لجدة الأم، وسقط الخال في المشهور،
وبه قال الصدوق. وقال الصدوق: وغلط الفضل بن شاذان في قوله: المال
بينهما نصفان بمنزلة ابن الأخ والجد (3).
والحق ما قاله الصدوق، لأن الجد وإن علا أولى من العم والخال
وأولادهم.
مسألة: لو ترك عما وابن أخ فالمال لابن الأخ، وهو المشهور عند علمائنا،
وبه قال الصدوق والفضل بن شاذان أيضا. قال الصدوق: قال يونس بن
عبد الرحمن: المال بينهما نصفان، وذكر الفضل بن شاذان: أن يونس غلط في
هذا. قال الصدوق: وإنما دخلت عليه الشبهة في ذلك لأنه لما رأى أن بين العم
وبين الميت ثلاثة بطون وكذلك بين ابن الأخ وبين الميت ثلاثة بطون وهما
جميعا من طريق الأب قال: المال بينهما نصفان، وهذا غلط، لأنهما وإن كانا

(1) الإستبصار: ج 4 ص 164 ذيل الحديث 622.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 289.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 292 - 293.
53

جميعا كما وصف، فإن ابن الأخ من ولد الأب والعم من ولد الجد وولد الأب
أحق وأولى بالميراث من ولد الجد وإن سفلوا، كما أن ابن الابن أحق من
الأخ، لأن ابن الابن من ولد الميت والأخ من ولد الأب وولد الميت أحق
بالميراث من ولد الأب وإن كانوا في البطون سواء.
تذنيب: قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: لو ترك ابنة عم
أبيه وابنة بنت عمه فالمال لابنة ابنة عمه وسقطت ابنة عم أبيه، لأن هذا
كأنه ترك جد أبيه وعما، فالعم أحق من جد الأب (1).
والحكم صحيح، لكن التعليل باطل، فإن الجد وإن علا أحق من العم
الأدنى.
مسألة: قال المفيد - رحمه الله - في المقنعة: إذا أسلم الذمي وتولى رجلا
مسلما على أن يضمن جريرته ويكون ناصره كان ميراثه له، وحكمه حكم
السيد مع عبده إذا أعتقه، وكذا الحكم في من تولى غيره، وإن كان مسلما
إذا قبل ولاءه وجب عليه ضمان جريرته وكان له ميراثه (2).
وقال ابن إدريس: إذا مات هذا - يعني: المضمون - ولا أحد يرثه من
قريب ولا بعيد فميراثه لمن ضمن جريرته وحدثه، فإذا مات بطل هذا
الولاء ورجع إلى ما كان، ولا ينتقل منه إلى ورثته كانتقال ولاء العتق، وهو
اختيار شيخنا في الإيجاز، وهو الأظهر، لأن انتقال الضمان بعد الموت
والإرث يحتاجان إلى دليل شرعي، لأن هذا حكم التزمه ضامن الجريرة
على نفسه، ولا دليل على التزام ورثته له بعد موته، وذهب شيخنا في مقنعته
إلى أنهما سواء في جميع الأحكام (3). وقول ابن إدريس لا بأس به، لكن قول

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 293 و 300.
(2) المقنعة: ص 694، وفيه: " ويكون ناصرا له كان ميراثه ".
(3) السرائر: ج 3 ص 265.
54

شيخنا المفيد ليس صريحا في ما نقله ابن إدريس عنه.
مسألة: إذا تعاقدا بينهما ولاء تضمن الجريرة قال الشيخ في مسائل
الخلاف: كان له الفسخ، وإن ينقل ولاءه إلى غيره ما لم يعقل عنه أو عن
أحد من أولاده الذين كانوا صغارا عند عقد الولاء (1). وتبعه ابن حمزة (2).
وقال ابن إدريس: ليس لأحدهما فسخ ذلك العقد، سواء عقل عنه بعد
العقد أو لم يعقل، لأنه الذي يقتضيه أصولنا، ولقوله تعالى: " أوفوا بالعقود "
وهذا عقد يجب الوفاء به (3).
وللشيخ - رحمه الله - أن يستدل بأصالة براءة الذمة من الوجوب.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا خلفت المرأة زوجا مسلما وولدا أو
والدا أو ذوي أرحام كفارا كان المال للزوج كله وسقط هؤلاء كلهم، وإن
أسلموا رد عليهم ما يفضل من سهم الزوج، وإن خلف الرجل امرأة مسلمة ولم
يخلف وارثا غيرها مسلما وخلف وارثا كفارا كان ربع ما تركه لزوجته
والباقي لإمام المسلمين وسقط هؤلاء كلهم، فإن أسلموا بعد ذلك قبل قسمة
المال رد عليهم ما يفضل من سهم الزوجة، وإن كان إسلامهم بعد ذلك لم
يكن لهم شئ على حال (4). وتبعه ابن البراج (5).
وقال ابن إدريس: قوله في طرف الزوج غير مستقيم، على الأصل الذي
أصله وقرره في صدر الباب، وإجماعنا مستقر عليه، وهو أنه إذا كان الوارث
المسلم واحدا استحق بنفس الموت الميراث، ولا يرد على من أسلم بعد الموت

(1) الخلاف: ج 6 ص 369 المسألة 9، وليس فيه: " أو عن أحد من... ".
(2) الوسيلة: ص 398.
(3) السرائر: ج 3 ص 265.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 234 - 235.
(5) المهذب: ج 2 ص 157.
55

من الميراث شئ على حال، لأن هاهنا لا تتقدر القسمة، والزوج عندنا في
هذه الحال وارث جميع المال النصف بالتسمية والنصف الآخر رد عليه
بإجماع أصحابنا على ما قدمناه، بل [كان] هذا يستقيم لشيخنا أبي جعفر لو
كان الوارث زوجة لتعذر القسمة بينها وبين الإمام - عليه السلام - لأنها لا
ترث جميع المال، بل (لها) الربع والباقي للإمام (1). وهذا القول جيد إن
جعلنا للزوج جميع المال كما اختاره الشيخ - رحمه الله -.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا خلف الكافر أولادا صغارا وإخوة
وأخوات من قبل الأب وإخوة وأخوات من قبل الأم مسلمين كان للإخوة
والأخوات من قبل الأم الثلث وللإخوة والأخوات من قبل الأب الثلثان،
وينفق الإخوة من قبل الأم على الأولاد بحساب حقهم ثلث النفقة، وينفق
الإخوة والأخوات من الأب بحساب حقهم ثلثي النفقة، فإذا بلغ الأولاد
وأسلموا سلم الإخوة إليهم ما بقي من الميراث، وإن اختاروا الكفر تصرفوا في
باقي التركة ولم يعطوا الأولاد منها شيئا (2). وتبعه ابن البراج (3)، ورواه
الصدوق - رحمه الله - (4) وهو قول شيخنا المفيد في المقنعة أيضا (5).
وابن زهرة عمم الحكم فقال: إذا كان للكافر أولاد صغار وقرابة مسلم
أنفق عليهم من التركة حتى يبلغوا، فإن أسلموا فالميراث لهم، وإن لم يسلموا

(1) السرائر: ج 3 ص 268، مع اختلاف.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 236 - 238.
(3) المهذب: ج 2 ص 159 - 160.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 337 ح 5729، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب موانع الإرث ح 1
ج 17 ص 379، وفيهما: " ابن أخ مسلم " بدل " إخوة وأخوات من قبل الأب مسلمين " و " ابن
أخت مسلم " بدل " إخوة وأخوات من قبل الأم مسلمين ".
(5) المقنعة: ص 701.
56

كان لقرابته المسلم (1). وبه قال أبو الصلاح (2).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصل مذهبنا إن الميراث يكون بين
الإخوة من الأب والإخوة من الأم للذين من قبل الأب الثلثان وللذين من
قبل الأم الثلث، يتصرفون فيه تصرف المالكين في أملاكهم، لأنه لا وارث
مسلم لهذا الميت الكافر سواهم، لأنهم استحقوا الميراث دون من عداهم من
سائر الناس، لأنه لا وارث له مسلم سواهم، ولو لم يكن كذلك ما جاز لهم
قسمة الميراث بينهم ثلثين وثلثا، ولا سوغ لهم الشارع ذلك. فعلى هذا
التحرير والتقدير إذا بلغ الأولاد واختاروا الإسلام لا يجب على الإخوة رد
شئ من الميراث إليهم بحال، ولا يجب لهم النفقة أيضا قبل البلوغ، ولا يلزم
الإخوة ذلك بحال، على الأصل الذي أصلناه، لأن الأولاد حكمهم حكم
آبائهم في ما يجري عليهم من الأحكام الشرعيات، لأنهم لا يدفنون في مقابر
المسلمين لو ماتوا قبل البلوغ (3).
والشيخ - رحمه الله - عول في ذلك على ما رواه مالك بن أعين في الصحيح،
عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن نصراني مات وله ابن أخ مسلم وابن
أخت مسلم وللنصراني أولاد وزوجة نصارى، قال: فقال: أرى أن يعطى ابن
أخيه المسلم ثلثي ما ترك ويعطى ابن أخته ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد
صغار، فإن كان له ولد صغار كان على الوارثين أن ينفقا على الصغار مما
ورثا من أبيهم حتى يدركوا، قيل له: كيف ينفقان؟ قال: فقال: يخرج
وارث الثلثين ثلثي النفقة ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة، فإذا أدركوا

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 546 س 9، وفيه: " لقرابة المسلم ".
(2) الكافي في الفقه: ص 375.
(3) السرائر: ج 3 ص 269.
57

قطعا النفقة عنهم (1).
والوجه ما قاله ابن إدريس، وحمل هذه الرواية على الاستحباب دون الوجوب.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: والمسلمون يتوارث بعضهم من بعض وإن
اختلفوا في الآراء والديانات، لأن الذي به تثبت الموارثة إظهار الشهادتين
والإقرار بأركان الشريعة من الصلاة والزكاة والصوم والحج دون فعل الإيمان
الذي يستحق به الثواب (2). وتبعه ابن البراج (3)، وابن حمزة (4)، وابن إدريس (5).
وقال شيخنا المفيد: ويرث المؤمنون أهل البدع من المعتزلة والمرجئة
والخوارج والحشوية ولا يرث هذه الفرق أحدا من أهل الإيمان كما يرث
المسلمون الكفار، ولا ترث الكفار أهل الإسلام. ويوجد في بعض نسخ
المقنعة: ويتوارث المسلمون وإن اختلفوا في الأهواء، ولا يمنع تباينهم في الآراء
من توارثهم وإن كان بالإسلام، وظاهر حكمه يجب التوارث، وتحل المناكحة
دون الإيمان الذي يستحق به الثواب وبتركه العقاب (6). وهذا النسخة
موافقة لما قاله الشيخ في النهاية.
وقال أبو الصلاح: ولا يرث الكافر المسلم وإن اختلفت جهات كفره
وقرب نسبه، ويرث المسلم الكافر وإن بعد نسبه كابن خال مسلم والموروث
مسلم أو كافر له ولد كافر بيهودية أو نصرانية أو جبرية أو تشبيه أو جحد (7)
نبوة أو إمامة، ميراثه لابن خاله المسلم دون ولده الكافر (8).

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 368 ج 1315، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب موانع الإرث ح 1 ج 17
ص 379.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 238.
(2) المهذب: ج 2 ص 160.
(4) الوسيلة: ص 394.
(5) السرائر: ج 3 ص 270.
(6) المقنعة: ص 701.
(7) في المطبوع الحجري: جحود.
(8) الكافي في الفقه: ص 374 - 375.
58

والمعتمد ما قاله الشيخ، لأن سبب التوارث الإسلام.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: المرتد من غير فطرة إذا لحق بدار الحرب ولم
يقدر عليه اعتدت منه امرأته عدة المطلقة ثم يقسم ميراثه بين أهله (1). وتبعه
ابن البراج (2).
وقال ابن إدريس: لا تقسم تركته باعتبار لحوقه بدار الحرب، بل يوقف
وهو على ملكه ما زال عنه بارتداده، وما ذكره في نهايته قد رجع عنه في مسائل
خلافه ومبسوطه وذهب إلى ما اخترناه، لأن قسمة أموال بني آدم وانتقالها منهم
حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي (3). وقول ابن إدريس جيد.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا لم يخلف الميت وارثا حرا على وجه
وخلف وارثا مملوكا ولدا كان أو والدا أو أخا أو إخوة أو أحدا من ذوي
أرحامه وجب أن يشترى من تركته وأعتق وأعطي بقية المال، ولم يكن لمالكه
الامتناع من بيعه، بل يقهر عليه، هذا إذا كان قدر ما خلفه بقيمة المملوك أو
أكثر منه، فإن كانت التركة أقل من قيمة المملوك لم يجب شراء الوارث على
حال وكان المال لبيت مال المسلمين، وحكم الزوج والزوجة حكم ذوي
الأرحام في أنه إذا لم يخلف غيرهما اشتريا وأعتقا وورثا على ما بيناه، وقال
بعض أصحابنا: أنه إذا كانت التركة أقل من ثمن المملوك استسعي في
باقية، ولست أعرف بذلك أثرا. وينبغي أن يكون العمل على ما قلناه (4).
والبحث هنا يقع في مقامين:
الأول: في من يجب شراؤه من الوارث، وكلام الشيخ هنا عام في كل
وارث قرب أو بعد حتى الزوج والزوجة. وهو ظاهر كلام ابن زهرة فإنه قال:

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 239.
(2) المهذب: ج 2 ص 161.
(3) السرائر: ج 3 ص 271 و 272
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 241 - 242.
59

ومتى لم يكن للميت إلا وارث مملوك ابتيع من التركة وعتق وورث
الباقي (1). وكذا قطب الدين الكيدري (2).
وقال ابن الجنيد: فإن مات أبو العبد أو قريبه وخلف مالا وارث له
حرا ابتيع العبد مما خلف أبوه أو قريبه فيعتق ويرث الباقي، وإن كان ما خلفه
الميت لا يفي بثمن قريبه المملوك فقد قيل: يدفع إلى السيد ويستسعى العبد
في بقية قيمته. وهذا الكلام يعطي اعتبار القرابة مطلقا، ويبقي حكم
الزوجين على الأصل. وهو أيضا قول ابن البراج (3)، وأبي الصلاح فإنه قال:
إذا لم يكن للموروث أقارب إلا مملوك ابتيع من الإرث وعتق وورث
الباقي (4).
وقال المفيد: إذا مات الحر وخلف مالا وترك أباه وهو مملوك اشترى أبوه
من تركته وأعتق وورث ما بقي من الذي نقد في يده (5) من تركة ابنه،
وكذلك إن ترك أمه أو ولده لصلبه، وليس حكم الجد والجدة وولد الولد
حكم (6) الوالدين الأدنين (7) والولد للصلب في ما ذكرناه، ولا يجب ابتياع
أحد من ذوي أرحامه سوى الأبوين والولد، إلا (8) أن يتبرع المولى بعتق
غيرهم (9) من القرابة، فإن أعتقهم ورثوا (10).
فاقتصر - رحمه الله - على الوالدين والولد للصلب دون من عداهم من

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 546 س 10.
(2) إصباح الشيعة (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 22 ص 300.
(3) المهذب: ج 2 ص 155.
(4) الكافي في الفقه: ص 375، وفيه: " للموروث إلا وارث مملوك ".
(5) في المصدر: ثمنه.
(6) في المصدر: كحكم.
(7) في المصدر: الأدنيين.
(8) في المصدر: ولولد للصلب إلا أن.
(9) في المصدر: الولد.
(10) المقنعة: ص 695.
60

الأجداد وأولاد الأولاد والإخوة والأعمام والأخوال وأولادهم وغيرهم، وهو
قول ابن حمزة (1). وقواه ابن إدريس (2) ونقله عن السيد المرتضى.
والذي ذكره السيد هنا أنه: مما انفردت به الإمامية إن من مات وخلف
مالا وأبا مملوكا وأما مملوكة فإن الواجب أن يشترى أبوه أو أمه من تركته
ويعتق عليه ويورث باقي التركة (3). وهذا القول لا تصريح فيه بمنع من عداهم،
ولا ذكر فيه الولد أيضا.
وقال الصدوق في المقنع: إذا مات رجل حر وترك أما مملوكة (4) فإن أمير
المؤمنين عليا - عليه السلام - أمر أن تشترى الأم من مال ابنها ثم تعتق
فيورثها (5).
وقال أبوه في الرسالة: وإذا مات رجل حر وترك أما مملوكة فإن أمير
المؤمنين - عليه السلام - أمر أن تشترى الأم من مال ابنها ثم تعتق فيورثها.
وقال سلار: والرق ضربان: أحدهما: تجب إزالته للإرث، وهو رق
الأبوين ورق باقي الأقارب لا يجب فيه ذلك فيه ذلك (6).
وفي هذا دلالة على اختصاص الأبوين بهذا الحكم دون الأولاد وغيرهم،
أما الأبوان والأولاد فإنهم يشترون ويعتقون، لما رواه عبد الله بن سنان في
الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال: قضى أمير المؤمنين - عليه السلام - في
الرجل يموت وله أم مملوكة وله مال أن تشترى أمه من ماله ويدفع إليها بقية
المال إذا لم يكن له ذو قرابة لهم سهم في الكتاب (7).

(1) الوسيلة: ص 396 - 397.
(2) السرائر: ج 3 ص 272.
(3) الإنتصار: ص 308.
(4) في الطبعة الحجرية: أما مملوكة أو أبا.
(5) المقنع: ص 178.
(6) المراسم: ص 219.
(7) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 333 ح 1196، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب موانع الإرث ح 6 ج 17
ص 405.
61

وفي الحسن عن جميل بن دراج، عن الصادق - عليه السلام - قال: قلت له:
الرجل يموت وله ابن مملوك، قال: يشترى ويعتق ثم يدفع إليه ما بقي (1).
وأما الأقارب غير هؤلاء فقد روى عبد الله بن طلحة، عن الصادق - عليه
السلام - قال: سألته عن رجل مات وترك مالا كثيرا وترك أما وأختا
مملوكة، قال: تشتريان من مال الميت ثم تعتقان وتورثان (2).
والظاهر أنه ليس المراد الجمع بين الأم والأخت، لأن الأخت عندنا لا
ترث مع الأم.
وعن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن الصادق - عليه السلام - قال: إذا
مات الرجل وترك أباه وهو مملوك وأمه وهي مملوكة والميت حر يشترى مما
ترك أبوه أو قرابته وورث الباقي من المال (3).
وعن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن الصادق - عليه السلام - قال:
إذا مات الرجل وترك أباه وهو مملوك أو أمه وهي مملوكة أو أخاه أو أخته
وترك مالا والميت حر اشترى مما ترك أبوه أو قرابته وورث ما بقي من
المال (4).
وهذه الطرق غير سليمة من الطعن، فنحن فيها من المتوقفين.
وأما الزوجة فقد روى الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد، عن

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 334 ح 1221، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب موانع الإرث ح 4 ج 17
ص 405.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 333 ح 1198، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب موانع الإرث ح 5 ج 17
ص 405، وفيهما: " وترك أما وأختا ".
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 334 ح 1202، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب موانع الإرث ح 3 ج 17
ص 404.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 335 ح 1203، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب موانع الإرث ح 9 ج 17
ص 407.
62

الصادق - عليه السلام - قال: كان علي - عليه السلام - إذا مات الرجل وله امرأة
مملوكة اشتراها من ماله وأعتقها ثم ورثها (1).
قال الشيخ: الوجه في هذا الخبر إن أمير المؤمنين - عليه السلام - كان يفعل
ذلك على طريق التبرع (2)، لأنا قد بينا أن الزوجة إذا كانت حرة ولم يكن
هناك وارث لم يكن لها أكثر من الربع والباقي يكون للإمام، وإذا كان
المستحق للمال أمير المؤمنين - عليه السلام - جاز أن يشتري الزوجة ويعتقها
ويعطيها بقية المال تبرعا منه دون أن يكون فعل ذلك واجبا (3).
والذي ذكره الشيخ محتمل، لكن تعليله ليس بجيد، لأن كون الزوجة لها
الربع لا غير لا ينافي ما تضمنته الرواية، لاحتمال أن يكون ثمنها أقل من
الربع فيشتري ثم يعطي بقية الربع. نعم احتمال التبرع ظاهر، فالعمل
بذلك في حق الزوجين مشكل.
المقام الثاني: لو قصرت التركة عن القيمة نقل الشيخ عن بعض أصحابنا
الشراء وأنه يستسعى المملوك في ثمن باقية (4). وكذا نقله ابن الجنيد، وابن
البراج (5).
والشيخ المفيد - رحمه الله - قال: إن التركة لبيت المال (6)، وكذا سلار (7).
وهذا هو المشهور، لأصالة عدم وجوب الشراء، خرج ما إذا وفت التركة،
فيبقى الباقي على المنع، على أن القول الآخر ليس بعيدا من الصواب، لأن عتق
الجزء يشارك عتق الجميع في الأمور المطلوبة شرعا فيساويه في الحكم.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: القاتل ضربان: قاتل عمد، ولا يرث المقتول

(1) الإستبصار: ج 4 ص 178 ح 674، وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب العتق ح 1 ج 17 ص 56.
(2) في المصدر: التطوع.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 179.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 241 - 242.
(5) المهذب: ج 2 ص 155.
(6) المقنعة: ص 695.
(7) المراسم: ص 219.
63

لا من التركة ولا من الدية. وقاتل خطأ، ويرث المقتول على كل حال، ولدا
كان أو والدا أو ذا رحم أو زوج أو زوجة من نفس التركة ومن الدية. وقد
رويت رواية بأن القاتل لا يرث وإن كان خطأ، وهذه رواية شاذة لا عمل
عليها، لأن أكثر الروايات على ما قدمناه. وكان شيخنا - رحمه الله - يحمل هذه
الرواية على أنه إذا كان القاتل خطأ، فإنه لا يرث من الدية ويرث من
التركة بجمع (1) بين الأخبار، وعلى هذا أعمل، لأنه أحوط (2).
وقال في الخلاف: القاتل إذا كان عمدا في معصية فإنه لا يرث المقتول
بلا خلاف، وإن كان خطأ فإنه لا يرث من ديته ويرث مما سواها (3). وكذا
قال في المبسوط (4).
وقال ابن الجنيد: القاتل عمدا لا يرث من الذي قتله، وكذا القاتل شبيه
العمد، وأما القاتل خطأ فإنه يرث من التركة ولا يرث من الدية.
وقال المفيد: قاتل العمد لا يرث المقتول إذا كان بشبيه ويرثه إذا قتله
خطأ، وإنما منع قاتل العمد من الميراث عقوبة له على جرمه وعظم ذنبه،
وقاتل الخطأ غير مذنب، لأنه لم يتعمد لله تعالى خلافا ولا أوقع بقتله له
معصية (5)، وأطلق ولم يفصل إلى التركة والدية.
وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: قال الفضل بن شاذان
النيسابوري: لو أن رجلا ضرب ابنه ضربا غير مسرف في ذلك يريد (به)
تأديبه فمات الابن من ذلك الضرب ورثه الأب ولم يلزمه الكفارة، لأن للأب
أن يفعل ذلك وهو مأمور بتأديب ولده، لأنه في ذلك بمنزلة الإمام يقيم حدا
على رجل فيموت الرجل من ذلك الضرب فلا دية على الإمام ولا كفارة، ولا

(1) في المصدر: ليجمع،: و م 3: للجمع.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 247 و 248 - 249.
(3) الخلاف: ج 4 ص 28 المسألة 22.
(4) المبسوط: ج 4 ص 79 - 80.
(5) المقنعة: ص 703.
64

يسمى الإمام قاتلا إذا أقام حدا لله عز وجل على رجل فمات من ذلك، وإن
ضرب الابن ضربا مسرفا لم يرثه (1) الأب وكانت عليه الكفارة، فإن كان
بالابن جرح فبطه الأب فمات الابن من ذلك فإن هذا ليس بقاتل وهو يرثه
ولا كفارة عليه ولا دية، لأن هذا بمنزلة الأدب والاستصلاح والحاجة من الولد
إلى ذلك وإلى شبهه من المعالجات، ولو أن رجلا كان راكبا على دابة فوطئت
أباه أو أخاه ثم مات من ذلك لم يرثه وكانت الدية على العاقلة والكفارة عليه،
ولو كان يسوق الدابة أو يقودها فوطئت أباه أو أخاه فمات ورثه وكانت الدية
على العاقلة للورثة ولم تلزمه كفارة، ولو أن رجلا حفر بئرا في غير حقه أو
أخرج كنيفا أو ظلة فأصاب شئ منها وارثا فقتله لم تلزمه الكفارة وكانت
الدية على العاقلة وورثه، لأن هذا ليس بقاتل، ألا ترى أنه إن فعل ذلك في
حقه لم يكن بقاتل ولا وجب في ذلك دية ولا كفارة، فإخراجه ذلك الشئ
في غير حقه ليس هو قتلا، لأن ذلك بعينه يكون في حقه فلا يكون قتلا، وإنما
ألزم العاقلة الدية في ذلك احتياطا للدماء (2)، ولئلا يبطل دم امرئ مسلم،
ولئلا يتعدى الناس حقوقهم إلى مالا حق لهم فيه، وكذلك الصبي إذا لم يدرك
والمجنون لو قتلا لورثا وكانت الدية على عاقلتهما (3).
وقال ابن أبي عقيل: لا يرث عند آل الرسول - عليه السلام - القاتل من
المال شيئا، لأنه إن قتل عمدا فقد أجمعوا على أنه لا يرث، وإن قتل خطأ كيف
يرث وهو يؤخذ منه الدية؟! وإنما منع من (4) الميراث احتياطا لدماء المسلمين،
لئلا يقتل أهل المواريث بعضهم بعضا طمعا في المواريث، وإذا اجتمعوا جميعا
في الجملة إن القاتل لا يرث. ثم ادعى بعض الناس أنه عني بذلك العمد

(1) في المصدر: مسرفا فمات لم يرثه.
(2) في المصدر: في الدماء.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 320 - 321.
(4) في الطبعة الحجرية: الدية، وليس في " ق 2 ".
65

دون الخطأ فعليه الدليل والحجة الواضحة، ولن يأتي في ذلك بحجة أبدا. ولو
أن رجلا ضرب ابنه ضربا غير مبرح يريد به تأديبه فمات من ذلك الضرب
ورثه الأب ولا تلزمه الكفارة، لأن ذلك للأب وهو مأمور بتأديب ولده، فإن
ضربه ضربا مسرفا لم يرثه، فإن كان بالابن قروح أو جراح فبطه الأب فمات
من ذلك ورثه، لأن هذا ليس بقاتل ولا كفارة عليه ولا دية وهو يرثه، لأن
هذا بمنزلة الأدب والاستصلاح والحاجة من الولد إلى ذلك وإلى أشباهه من
المعالجات ماسة. ولو أن رجلا كان راكبا دابة فوطئ أباه أو أخاه فمات لم
يرثه، ولو كان يسوق الدابة أو يقودها فوطئت الدابة أباه أو أخاه فمات لم يرثه
وكانت الدية على عاقلته لغيره من الورثة ولم تلزمه الكفارة. ولو حفر بئرا في غير
حقه أو أخرج كنيفا أو ظله فأصاب شئ منها وارثا له فقتله لم تلزمه الكفارة
وكانت الدية على العاقلة وورثه، لأن هذا ليس بقاتل، ألا ترى أنه لو فعل
ذلك في حقه لم يكن قاتل ولم يجب عليه في ذلك دية ولا كفارة، فإخراجه
ذلك في غير حقه ليس هو قتل، لأن ذلك بعينه يكون في حقه فلا يكون
قاتلا، وإنما ألزم الدية في ذلك إذا كان في غير حقة احتياطا للدماء، ولئلا
يبطل دم امرئ مسلم، ولئلا يتعدى الناس حقوقهم إلى ما لا حق لهم فيه.
وكذلك الصبي والمجنون لو قتلا لورثا وكانت الدية على العاقلة.
وقال السيد المرتضى: مما يظن انفراد الإمامية به ولها فيه موافق قولها:
بأن القاتل خطأ يرث المقتول لكنه لا يرث من الدية، واستدل عليه بالإجماع
وبظاهر آيات المواريث، وإذا عورضنا بقاتل العمد فهو مخرج بدليل قاطع لم
يثبت مثله في القاتل خطأ (1). قال: ويمكن أن يقوى ذلك أيضا بأن قاتل
الخطأ (2) معذور غير مذموم ولا مستحق للعقاب فلا يجب أن يحرم [من]

(1) في المصدر: قاتل الخطأ.
(2) في المصدر: الخاطئ.
66

الميراث الذي يحرمه العامد على سبيل العقوبة. ثم عارض بقوله تعالى: " ومن
قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله " فلو كان القاتل
وارثا لما وجب عليه تسليم الدية. ثم أجاب: بأن وجوب تسليم الدية على القاتل
إلى أهله لا يدل على أنه لا يرث ما دون هذه الدية من تركته، لأنه لا تنافي بين
الميراث وبين تسليم الدية، وأكثر ما في ذلك ألا يرث من الدية التي يجب عليه
تسليمها شيئا، وإلى هذا نذهب (1).
وابن البراج (2)، وأبو الصلاح (3) وافقا الشيخ على المنع من الدية دون
التركة في الخطأ، وابن زهرة (4)، وابن إدريس (5).
وقال سلار: القتل ثلاثة: عمد وخطأ وخطأ شبيه العمد، ولا يمنع
الإرث إلا العمد خاصة (6).
وقال ابن حمزة: القتل أما عمد عدوان ولا يستحق القاتل شيئا من
ميراثه، أو عمد غير عدوان ولا يسقط حقه من الميراث، أو خطأ ويرث من
التركة دون الدية، وقيل: يرث من (7) الدية أيضا (8)، وقيل لم يرث من التركة أيضا
وقد تلخص من هذه الأقوال الإجماع على منع القاتل عمدا والخلاف في
القاتل خطأ، فابن أبي عقيل منع من إرثه مطلقا، والمفيد وسلار لم يمنعاه
مطلقا، والشيخ وابن الجنيد والسيد المرتضى وأبو الصلاح وابن البراج وابن
حمزة وابن زهرة وابن إدريس منعوه من الدية دون التركة. وأما القتل شبيه
العمد فابن الجنيد ألحقه بالعمد في المنع، وسلار ألحقه بالخطأ.
والمعتمد ما قاله الشيخ في الخطأ، أما المنع من الدية فلأنه يجب عليه دفعها

(1) الإنتصار: ص 307 و 308.
(2) المهذب: ج 2 ص 162.
(3) الكافي في الفقه: ص 375.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 546 س 14.
(5) السرائر: ج 3 ص 274.
(6) المراسم: ص 218.
(7) ليس في المصدر.
(8) الوسيلة: ص 395 - 396.
67

إلى الوارث، ولو ورث منها لم يجب دفع الجميع.
ولما رواه فضيل بن يسار، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا يقتل
الرجل بولده، ويقتل الولد بوالده إذا قتل والده، ولا يرث الرجل الرجل إذا
قتله وإن كان خطأ (1). وإنما حملناه على الدية جمعا بين الأدلة (2).
وأما التوريث في الخطأ فلما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح، عن
الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن رجل قتل أمه أيرثها؟ قال: إن كان
خطأ ورثها، وإن كان عمدا لم يرثها (3)
وفي الموثق عن محمد بن قيس، عن الباقر - عليه السلام - قال: قضى أمير
المؤمنين - عليه السلام - في رجل قتل أمه، قال: إن كان خطأ فإن له ميراثه،
وإن كان قتلها متعمدا فلا يرثها (4).
وأما شبيه العمد فالأولى إلحاقه بالخطأ، لأن المقتضي للمنع في العمد
- وهو المؤاخذة له بنقيض مقصوده - منتف (5) هنا كالخطأ فألحق به.
احتج المانعون في الخطأ بما رواه هشام بن سالم في الصحيح، عن الصادق
- عليه السلام - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: لا ميراث
للقاتل (6). وهذا عام، وبالحديث الأول الذي رواه فضيل بن يسار فإنه عام

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 379 - 380 ح 1359، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب موانع الإرث ح 3
ج 17 ص 392.
(2) ق 2: الأخبار.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 379 ح 1358، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب موانع الإرث ح 2 ج 17
ص 392.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 379 ح 1357، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب موانع الإرث ح 1 ج 17
ص 391 - 392.
(5) في الطبعة الحجرية: مفقود.
(6) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 378 ح 1352، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب موانع الإرث ح 1 ج 17
ص 388.
68

في التركة والدية.
والجواب عن الأول: الحمل على العمد جمعا بين الأدلة، وعن الثاني:
بالحمل على المنع من الدية لذلك.
قال الشيخ: إنه خبر مرسل مقطوع الإسناد، لأنه يرويه معلى بن محمد،
عن بعض أصحابه، عن حماد بن عثمان، عن فضيل بن يسار، قال: ومع ذلك
يحتمل أن يكون الوجه فيه ما كان يقوله شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان من أنه: لا يرث الرجل الرجل إذا قتله خطأ من ديته ويرثه مما عدا
الدية، والمتعمد ألا يرث شيئا لا من الدية ولا من غيرها، وكان بهذا التأويل
يجمع بين الحديثين، وهذا وجه قريب (1)
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وكذلك إن كانت الإخوة والأخوات من قبل
الأب أو الأب والأم كفارا أو مماليك لم يحجبوا الأم عن الثلث على حال (2).
ولم يتعرض للقاتل. وكذا سلار (3).
وقال في الخلاف: القاتل والمملوك والكافر لا يحجبون، واستدل بإجماع
الفرقة، بل بإجماع الأمة. وابن مسعود خالف فيه، وقد انقرض خلافة (4).
وقال المفيد: ولا يحجب عن الميراث من لا يستحقه لرق أو كفر أو قتل
على حال (5). وكذا قال ابن الجنيد، وابن البراج (6).
وقال الصدوق: والقاتل يحجب وإن لم يرث، ألا ترى أن الإخوة يحجبون

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 380 ذيل الحديث 1359، وفيه: " والمعتمد ألا يرثه ".
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 189.
(3) المراسم: ص 220.
(4) الخلاف: ج 4 ص 32 - 33 المسألة 24.
(5) المقنعة: ص 704.
(6) المهذب: ج 2 ص 128، وليس فيه: " الرق والقتل ".
69

الأم ولا يرثون (1). وكذا قال ابن أبي عقيل.
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: إنه المشهور بين علمائنا فيتعين العمل به.
وما رواه الصدوق في الصحيح عن الفضيل بن عبد الملك، عن الصادق
- عليه السلام - قال: سألته عن المملوك والمملوكة هل يحجبان إذا لم يرثا؟
قال: لا (2).
ولأنه مشارك للكافر والمملوك في المنع من الإرث فيشاركهما في منع
الحجب.
والصدوق، وابن أبي عقيل عولا على عموم قوله تعالى: " فإن كان له
إخوة " (3) خرج منه المماليك والكفار، للرواية الصحيحة عن محمد بن مسلم،
عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم
يرثا؟ قال: لا (4). فيبقى الباقي على العموم.
ولا بأس بهذا القول، فإنه لم يبلغنا من الأحاديث في هذا الباب شئ يعتد
به سوى هذا، ولا دلالة فيه على القاتل.
مسألة: ميراث ولد الملاعنة لأمه ومن يتقرب بها، فإن لم يخلف سوى أمه
كان ميراثه لها أجمع، قاله الشيخ في النهاية، قال: وقد روي أن ميراث ولد
الملاعنة ثلثه لأمه والباقي لإمام المسلمين، لأن جنايته عليه، والعمل على ما

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 321.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 341 ح 5739، وفيه: " الفضل " بدل " الفضيل "، وسائل الشيعة:
ب 16 من أبواب موانع الإرث ح 9 ج 17 ص 400.
(3) النساء: 11.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 284 ح 1027، وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب ميراث الأبوين
والأولاد ح 1 ج 17 ص 459.
70

قدمناه (1). فجعل الشيخ ميراث ابن الملاعنة لأمه خاصة دون بيت المال،
وهو قول المفيد - رحمه الله - (2) وابن أبي عقيل، والصدوق في المقنع (3)، وأبوه في
الرسالة، وأبي الصلاح (4)، وابن البراج (5)، وابن إدريس (6). واستدل
الشيخ عليه في الخلاف بإجماع الفرقة (7).
وقال ابن الجنيد: إن لاعن وانتفى من الولد ثم أكذب نفسه وادعاه ورث
الولد الأب ولم يرثه الأب ولا أحد من أقرباء الأب وكان ميراثه لأمه ثم بعد
أمه لأخواله، وإن أقام ابن الملاعنة على نفيه فخلف أما لها عصبة كان
ميراثه لها، وإن لم يكن لها عصبة كان لها ثلث ما خلف والباقي لبيت مال
المسلمين، لأن جنايته عليه.
وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: ابن الملاعنة لا وارث له
من قبل أبيه، وإنما ترثه أمه وإخوته لأمه وولده وأخواله وزوجته، فإن ترك
أباه وأمه فالمال لأمه، فإن ترك أمه وامرأته فللمرأة الربع وما بقي فللأم، فإن
ترك أمه وأخاه فالمال للأم. ثم روى عن الباقر - عليه السلام - أن ميراث ولد
الملاعنة لأمه، فإن كانت أمه ليست بحية فلأقرب الناس من أمه أخواله. ثم
قال: قال: مصنف هذا الكتاب: متى كان الإمام غائبا كان ميراث ابن
الملاعنة لأمه، ومتى كان ظاهرا كان لأمه الثلث والباقي لإمام المسلمين.
وتصديق ذلك ما رواه الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي عبيدة، عن
أبي جعفر الباقر - عليه السلام - قال: ابن الملاعنة ترثه أمه الثلث والباقي
لإمام المسلمين. وعن زرارة، عن الباقر - عليه السلام - قال: قضى أمير

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 261.
(2) المقنعة: ص 696.
(3) المقنع: ص 177.
(4) الكافي في الفقه: ص 375.
(5) المهذب: ج 2 ص 164.
(6) السرائر: ج 3 ص 274.
(7) الخلاف: ج 4 ص 104 المسألة 113.
71

المؤمنين - عليه السلام - في ابن الملاعنة أنه ترثه أمه الثلث والباقي للإمام، لأن
جنايته على الإمام (1).
والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: إن الأم وارثه (2) له، وشرط ميراث الإمام عدم المناسب فالمال بأجمعه
لها، والأخبار المتظافرة دالة عليه
روى زرارة في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام - أن ميراث ولد
الملاعنة لأمه، فإن كانت أمه ليست بحية فلأقرب الناس لأمه أخواله (3).
وغير ذلك من الأحاديث.
والشيخ - رحمه الله - في التهذيب لما روى الحديثين اللذين ذكرهما الصدوق
قال: هذان الخبران غير معمول عليهما، لأنا قد بينا أن ميراث ولد الملاعنة
لأمه كله، والوجه فيهما التقية (4).
وأما في كتاب الاستبصار فقال عقيبهما، الوجه في هاتين الروايتين أن
نقول: إنما يكون لها الثلث من المال إذا لم يكن لها عصبة يعقلون عنه، فإنه إذا
كان كذلك كانت جنايته على الإمام، وينبغي أن تأخذ الأم الثلث والباقي
يكون للإمام، ومتى كان هناك عصبة لها يعقلون عنه فإنه يكون جميع ميراثه
لها أو لمن يتقرب بها إذا لم تكن موجودة (5). وهو كقول الصدوق.
والمعتمد ما قلناه.

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 321 و 322 و 323 ح 5692 و ص 324 ح 5693 و ح 5694، وليس
فيه: " فإن ترك أمه وأخاه فالمال للأم ".
(2) في نسخة: ق 2 الإمام وارث.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 338 ح 1218، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ميراث ولد الملاعنة ح 2
ج 17 ص 556.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 343 ح 1230 و 1231 وذيله.
(5) الإستبصار: ج 4 ص 182 ح 683 و 684 وذيله.
72

مسألة: قال الشيخ في النهاية: ولد الملاعنة لا يرثه أبوه، سواء اعترف به
بعد اللعان أو لم يعترف به، ولا أحد من جهته من جد وجدة وإخوة وأخوات
وعمومة وعمات وأولادهم، وهو لا يرث واحدا منهم أيضا على حال، اللهم
إلا أن يعترف به أبوه بعد اللعان، فإن اعترف به ورث الابن الأب دون غيره
ممن يتقرب إليه من جهته (1).
وقال المفيد: ومتى جحد الرجل ولده من الحرة ولاعنها ثم رجع عن
الجحد وأقر بالولد ضرب حد المفتري ورد إليه نسب الولد، فإن مات الأب
وله مال ورثه الولد، وإن مات الولد وله مال لم يرثه الأب، لأنه قد كان أنكره
ويوشك أن يكون إقراره به طمعا في ميراثه فلا يمكن منه بل يحرمه. وترث
الولد أمه إن كانت باقية، وإن مضت قبله ورثه إخوته من قبل أمه، فإن لم
يكن له إخوة لأم ورثه أخواله وأقاربه من قبل أمه ولا يرثه الإخوة من قبل
الأب ولا قريب له من قبله (2).
وقال أبو الصلاح: ولا يرث ولد الملاعنة ملاعن أمه المصر على نفيه، ولا
من يتعلق بنسبه، ولا يرثونه ومن يتعلق بنسبه، ويرثه بعد الاعتراف به
والرجوع عن نفيه ومن يتعلق بنسبه، ولا يرثه الأب ولا من يتعلق بنسبه،
وترثه أمه ومن يتعلق بنسبها ويرثهم على كل حال (3).
ونقل ابن إدريس قول الشيخ في النهاية، ثم نقل عقيبه قول أبي
الصلاح، ثم قال: وهذا هو الأقوى عندي، لأنه إذا أقر به حكم عليه بأنه
ابنه، إلا ما أخرجه الدليل. ولأن الإقرار بمنزلة البينة، بل أقوى، إلا أن لقائل
أن يقول: قد حكم الشارع في هذا الموضع أنه ليس بولد له، كما لو أقر اللقيط

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 259 - 260، وفيه: " بعد انقضاء اللعان فإن ".
(2) المقنعة: ص 542 - 543.
(3) الكافي في الفقه: ص 375.
73

بأنه عبد لا يقبل إقراره بالعبودية، لأن الشارع حكم بأنه حر فلا يقبل إقراره
بالرق. ثم قال: والذي أعتمده في هذه الفتوى إن الولد يرثه بعد إقراره به دون
غيره من قراباته فإنه لا يرثهم ولا يرثونه، لإجماع أصحابنا على ذلك، ومن شذ
منهم لا يلتفت إلى خلافه، فإنه معروف النسب والاسم، وهو أبو الصلاح
صاحب كتاب الكافي الحلبي (1). وهذا يدل على اضطرابه وعدم تميز قوته
المفكرة.
والمشهور الأول، لانقطاع سبب الإرث من جهة الأب وعوده من جهة
الابن باعتبار الإقرار لا يتعدى حكم المقر.
تذنيب: هذا المكذب نفسه بعد انقضاء اللعان هل يجب عليه الحد؟ قال
الشيخ في النهاية: لا حد عليه، وقد روي أن عليه الحد. قال: والأظهر ما
ذكرناه أولا، لأنه لا حد عليه بعد مضي اللعان (2).
وقال ابن أبي عقيل: يجب عليه الحد.
والوجه ما قاله الشيخ: لأن اللعان يسقط الحد فلا يعود بغير سبب.
مسألة: روى الشيخ في الاستبصار أن ولد الملاعنة يرثه أخواله ولا يرثهم
الولد روايات متعددة (3). ثم تأولها بأنها لا تنافي الأخبار الأولى الدالة على أنه
يرثهم ويرثونه، بأن ثبوت الموارثة بينهم إنما يكون إذا أقر به الوالد بعد انقضاء
الملاعنة، لأن ذلك يبعد التهمة من المرأة، ويقوى صحة نسبه فيرث أخواله
ويرثونه، والأخبار الأخيرة متناولة لمن لا يقر والده به بعد الملاعنة، فإن عند
ذلك، التهمة باقية فلا تثبت الموارثة، بل يرثونه ولا يرثهم، لأنه لم يصح نسبه،
وقد فصل ما قلناه أبو عبد الله - عليه السلام - في رواية أبي بصير ومحمد بن مسلم

(1) السرائر: ج 3 ص 274 و 275.
(2) النهاية ونكتها: ج 2 ص 452 و 453.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 179 باب 104.
74

وأبي الصباح الكناني وزيد الشحام، وأنه إنما تثبت الموارثة إذا أكذب نفسه.
وذكر في رواية أبي بصير الأخيرة والحلبي معا أنه إنما لم يثبت ذلك إذا لم يدعه
أبوه، وكان ذلك دالا على ما قلناه من التفصيل، وعلى هذا الوجه لا تنافي بينهما
على حال (1).
وقال في التهذيب: قد روي أن الأخوال يرثونه ولا يرثهم، غير أن العمل
على ثبوت الموارثة بينهم أحوط وأولى على ما يقتضيه شرع الإسلام (2).
والوجه ما قاله الشيخ في التهذيب، وهو اختيار الأكثر. وبه قال ابن
إدريس (3) لما رواه زيد الشحام، عن الصادق - عليه السلام - قال: وهو يرث
أخواله (4). ولأنهم يرثونه فيرثهم، لأن نسبه من جهة الأم باق. ولأنهم
كالإخوة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ولد الزنا لا يرثه أحد إلا ولده أو زوجه أو
زوجته، وهو أيضا لا يرث أحدا إلا ولده أو زوجه أو زوجته، فإن مات وليس
له ولد ولا زوج ولا زوجة فميراثه لإمام المسلمين، ولا يرثه أبواه ولا أحد ممن
يتقرب بهما إليه على حال. وقال بعض أصحابنا: إن ميراث ولد الزنا مثل
ميراث ولد الملاعنة. والمعتمد ما قلناه (5).
وقال في الخلاف: الظاهر من مذهب أصحابنا إن ولد الزنا لا يرث أمه ولا

(1) الإستبصار: ج 4 ص 181 - 182 ذيل الحديث 682.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 341.
(3) السرائر: ج 3 ص 276.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 341 ح 1225، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ميراث ولد الملاعنة
ح 3 ج 17 ص 561.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 262 - 263.
75

ترثه أمه ولا أحد من جهتها. وقد ذهب قوم من أصحابنا إلى أن ميراثه مثل
ميراث ولد الملاعنة، وسواء كان ولدا واحدا أو ولدين، فإن أحدهما لا يرث
الآخر إلا على القول الثاني. ولو كان ولد الزنا توأما ثم مات أحدهما فإنه يرث
الآخر منه من جهة الأمومة دون الأبوة على قول من قال من أصحابنا: أنه يجري
مجرى ولد الملاعنة. واستدل بالأخبار وبأن الميراث تابع للنسب الشرعي. وليس
هنا نسب شرعي بين ولد الزنا وبين الأم (1).
وقال ابن البراج: ميراث ولد الزنا يختلف أصحابنا فيه، فمنهم من يقول:
ولد الزنا لا يرث أباه ولا أمه ولا يرثه أبوه ولا أمه، ومنهم من يقول: يرث أمه
ومن يتقرب بها وترثه أمه ومن يتقرب بها. قال: والأقوى عندي الأول (2). وهو
قول ابن حمزة (3)، وابن إدريس (4). وأبو الصلاح اختار الثاني (5).
وقال ابن الجنيد: لا يرث ولد الزنا ممن زنى بأمه فولدته بمائه، ولا يرثه
وإن ادعاه، وميراثه لأمه كولد الملاعنة.
وقال الصدوق في كتاب المقنع: إذا ترك الرجل ابن الملاعنة فلا ميراث
لولده منه وكان ميراثه لأقربائه، فإن لم يكن فلإمام المسلمين، إلا أن يكون
أكذب نفسه بعد اللعان فيرثه الابن، وإن مات الابن لم يرثه الأب، وإذا ترك
ابن الملاعنة أمه وأخواله فميراثه كله لأمه، فإن لم يكن له أم فميراثه لأخواله.
وإذا ترك ابنته وأخته فميراثه كله لابنته، وإذا ترك خاله وخالته فالمال بينهما

(1) الخلاف: ج 4 ص 104 و 105 المسألة 114 و 115.
(2) المهذب: ج 2 ص 165، وفيه: " والأقوى عندي هو الأول ".
(3) الوسيلة: ص 403.
(4) السرائر: ج 3 ص 276.
(5) الكافي في الفقه: ص 377.
76

سواء، فإن ترك أخا لأم وجده أبا أمه فالمال بينهما سواء، وهكذا يكون مواريث
ابن الملاعنة وولد الزنا (1). فأجرى ولد الزنا مجرى ولد الملاعنة. وجعله في
كتاب من لا يحضره الفقيه رواية (2).
والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: إن سبب الميراث منقطع شرعا عن الأبوين ولا يلحقهما، ولا يرث
الأب ولا يرثه إجماعا، فكذا الأم، لأنها إحدى الأبوين، ولانقطاع النسب.
وما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن الصادق - عليه السلام - قلت:
فإنه مات - يشير إلى ولد الزنا - وله مال، من يرثه؟ قال: الإمام (3).
وعن زيد الشحام، عن الصادق - عليه السلام - قال: أيما رجل وقع على
جارية حراما ثم اشتراها وادعى ولدها فإنه لا يورث منه فإن رسول الله - صلى
الله عليه وآله - قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولا يورث ولد الزنا إلا رجل
يدعي ولد جاريته (4).
احتج الآخرون بما رواه يونس، قال: ميراث ولد الزنا لقرابته من قبل أمه
على ميراث ابن الملاعنة (5).
قال الشيخ: هذه رواية موقوفة لم يسندها يونس إلى إمام (6).

(1) المقنع: ص 177 - 178 مع اختلاف.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 317.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 343 ح 1234، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة وما
أشبهه ح 3 ج 17 ص 567.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 344 ح 1236، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة وما
أشبهه ح 4 ج 17 ص 568.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 344 ح 1238، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ميراث ابن الملاعنة وما
أشبهه ح 6 ج 17 ص 568.
(6) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 344 ذيل الحديث 1238.
77

ثم روى عن إسحاق بن عمار، عن الصادق - عليه السلام - عن الباقر
- عليه السلام - أن عليا - عليه السلام - كان يقول: ولد الزنا وابن الملاعنة ترثه
أمه وإخوته لأمه أو عصبتها (1)
وتأوله بأنه يجوز أن يكون سمع الراوي هذا الحكم في ولد الملاعنة فظن أن
حكم ولد الزنا حكمه (2).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا خلف الميت وارثا له ما للرجل وما
للنساء فإنه يعتبر حاله بالبول، فأيهما سبق منه البول ورث عليه، فإن خرج من
الموضعين سواء فأيهما انقطع منه البول ورث عليه، فإن انقطع منهما معا ورث
ميراث الرجال والنساء نصف ميراث الرجال ونصف ميراث النساء. وقد
روي أنه تعد أضلاعه من الجانبين فإن تساويا ورث ميراث المرأة، وإن زاد
أحدهما على الآخر ورث ميراث الرجال. والأول أحوط وأكثر في الروايات (3).
وقال في الخلاف: يعتبر بالمبال، فإن خرج من أحدهما أولا ورث عليه،
وإن خرج منهما اعتبر بالانقطاع فيورث على ما ينقطع أخيرا، فإن اتفقا روى
أصحابنا أنه تعد أضلاعه، فإن تساويا ورث ميراث النساء، وإن نقص أحدهما
ورث ميراث الرجال، والمعمول عليه أن يرجع إلى القرعة فيعمل عليها. ثم نقل
عن الشافعي أنه ينزل بأسوأ حالتيه فنعطيه نصف المال، لأنه اليقين والباقي
يكون موقوفا حتى يتبين حاله، فإن بان أنه ذكر أعطي ميراث الذكور، وإن بان
أنه أنثى فقد أخذ حقه ويعطى الباقي العصبة. وعن أبي حنيفة أنه يعطي

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 345 ح 1239، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ميراث ابن الملاعنة وما
أشبهه ح 9 ج 17 ص 569، وفيهما: " ترثه أمه وأخواله لأمه ".
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 345 ذيل الحديث 1239.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 258 و 259.
78

النصف يقينا والباقي للعصبة، وعن قوم من الحجازيين وقوم من البصريين أنه
يدفع إليه نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى فيعطى ثلاثة أرباع
المال. واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم (1)، وقال في المبسوط (2) كقوله في
النهاية.
وقال المفيد: يعتبر بالبول، فإن بال من أحدهما دون الآخر قضي له بحكم
ما بال منه، وإن بال منهما جميعا نظر من أيهما ينقطع أخيرا فيحكم له بحكمه،
فإن بال منهما جميعا وقطع منهما جميعا ورث ميراث النساء والرجال فأعطي
نصف سهم الأنثى ونصف سهم الذكر (3).
وقال ابن الجنيد: السنة أن ينظر إلى المكان الذي يبول منه، فإن خرج من
الذكر دون غيره ورث ميراث الذكر، وإن خرج من الفرج دون الذكر ورث
ميراث الأنثى، وإن خرج منهما كان الحكم لما سبق منه البول، فإن ورد معا
عدت أضلاعه، فإن للمرأة ثمانية عشر ضلعا وللرجل سبعة عشر ضلعا من
الجانب الأيسر ثمانية ومن الجانب الأيمن تسعة وضلع ناقص صغير من الجانب
الأيسر.
وقال ابن أبي عقيل: الخنثى عند آل الرسول - عليهم السلام - فإنه ينظر،
فإن كان هناك علامة يتبين به الذكر من الأنثى من بول أو حيض أو احتلام
أو لحية أو ما أشبه ذلك فإنه يورث على ذلك، فإن لم يكن هناك ما يتبين به
وكان له ذكر كذكر الرجل وفرج كفرج النساء فإن له ميراث الذكر، لأن
ميراث النساء داخل في ميراث الرجل. هذا ما جاء عنهم - عليهم السلام - في

(1) الخلاف: ج 4 ص 106 المسألة 116، مع اختلاف.
(2) المبسوط: ج 4 ص 114.
(3) المقنعة: ص 698.
79

بعض الآثار. وقد روي عن بعض علماء الشيعة أنه سئل عن الخنثى فقال:
روى بعض أصحابنا - من وجه ضعيف لم يصح عندي - إن حواء خلقت من
ضلع آدم فصار للرجل من ناحية اليسار ضلعا أنقص، فللنساء ثمانية عشر
ضلعا من كل جانب تسعة، وللرجال سبعة عشر ضلعا من جانب الأيمن تسعة
ومن جانب اليسار ثمانية، وهذه علامة جيدة واضحة إن صحت. وروي عنهم
- عليهم السلام - أنه يورث من المبال، فإن سلسل البول على فخذه فهي امرأة،
وإن زرق البول كما يزرق من الرجل فهو رجل. وجميع ما ذكرناه كله من
العلامات التي يعرف بها الرجال من النساء مثل: الحيض واللحية والجماع
وغير ذلك. ولو أن رجلا مات وترك خنثى مشكلا وأبوين فللأبوين السدسان
وما بقي فللخنثى.
وقال علي بن بابويه: ينظر إلى إحليله إذا بال فإن خرج بوله مما يخرج من
الرجال ورث ميراث الرجال، وإن خرج البول مما يخرج من النساء ورث
ميراث النساء، وإن خرج البول منهما جميعا فمن أيهما سبق البول ورث عليه،
فإن خرج البول من الموضعين معا فله نصف ميراث الذكر ونصف ميراث
الأنثى.
وقال الصدوق: فإنه ينظر إلى إحليله فإن خرج البول مما يخرج من
الرجال ورث ميراث الرجال، وإن خرج مما يخرج من النساء ورث ميراث
النساء، وإن خرج البول من الموضعين معا ورث نصف ميراث الذكر ونصف
ميراث الأنثى، وروي في حديث آخر أنه إذا مات ولم يبل فنصف ميراث
الذكر ونصف ميراث الأنثى (1).

(1) المقنع: ص 176 - 177. وليس فيه: " وروي.. ميراث الأنثى ".
80

وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية أن من أشكلت حاله من
الخناثى في كونه ذكرا أو أنثى اعتبر حاله بخروج البول، فإن خرج من الفرج
الذي يكون للرجال خاصة ورث ميراث الرجال، وإن كان خروجه مما يكون
للنساء خاصة ورث ميراث النساء، وإن بال منهما معا نظر إلى الأغلب والأكثر
منهما فعمل عليه وورث به، فإن تساوى ما يخرج من الموضعين ولم يختلف اعتبر
بعدد الأضلاع، فإن اتفقت ورث ميراث الإناث، وإن اختلفت ورث ميراث
الرجال، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقالوا فيه أقوالا مختلفة كلها تخالف قول
الشيعة في ذلك، لأن أبا حنيفة وإن كان قد روي عنه اعتبار البول كما تعتبره
الإمامية فإنه يذهب إلى أنه متى خرج البول من الفرجين جميعا ورثه بأحسن
أحواله أن يكون ذكرا أعطاه ذلك، وإن كان أحسن أحواله أن يكون أنثى
أعطاه ذلك، والشافعي يعطي الخنثى ميراث امرأة ويوقف بقية المال حتى
يتضح أمره. وأقوال الجميع إذا تأملت علم أنها خارجة عن أقوال الإمامية
ومنفردة، والذي يدل على صحة ما ذهبنا إلى الإجماع المتردد، وأيضا فإن باقي
الفقهاء عولوا عند إشكال الأمر وتقابل الأمارات على رأي وظن وحسبان،
وعولت الإمامية في ما تحكم به في الخنثى على نصوص وشرع محدود، فقولها على
كل حال أولى (1).
وقال سلار: إن بال من أحدهما ورث عليه، وإن بال منهما ورث على ما
انقطع عليه أخيرا، فإن قطع منهما ورث النصف من ميراث النساء والنصف
من ميراث الرجال (2).
وقال ابن البراج في كتابي المهذب والكامل: إن خرج البول مما هو

(1) الإنتصار: ص 306 - 307.
(2) المراسم: ص 225.
81

للرجال ورث ميراث الذكور، وإن خرج مما هو للنساء ورث ميراث الإناث، فإن
خرج منهما جميعا كان الاعتبار بما سبق منهما، فإن سبق ما للرجال ورث
ميراث الذكور، وإن سبق ما للنساء ورث ميراثهن، فإن لم يسبق أحدهما الآخر كان
الاعتبار بانقطاعه، فأيهما انقطع منه قبل الآخر كان التوريث بحسبه، فإن انقطعا
جميعا دفعة أعطي نصف ميراث النساء ونصف ميراث الذكور (1).
وقال ابن حمزة: من أي الأليتين خرج البول ورث عليهما، فإن خرج منهما
اعتبر الأسبق، فإن خرج منهما دفعة فأيهما انقطع أخيرا ورث عليه، فإن انقطعا
دفعة فهو مشكل، فإن بان أنثى كان ميراثها ميراث النساء، وإن بان ذكرا كان
ميراثه ميراث الرجال، وإن أشكل أمره ورث نصف ميراث الرجل ونصف
ميراث الأنثى، وقيل: يفرض بنتا ونصف بنت، فعلى الأول لو خلف الرجل ابنا
وبنتا وخنثى فالفريضة من أربعين، وعلى الثاني من تسعة (2).
وقال ابن إدريس: يحكم بالبول، فمن أيهما خرج ورث عليه، فإن خرج منهما
اعتبر بالأسبق، فمن أيهما سبق ورث عليه، فإن خرج دفعة اعتبر بالذي ينقطع
منه البول أخيرا فيورث عليه ويحكم به له، فإن جاء سواء دفعة وانقطعا سواء في
وقت واحد ففي هذه الحال يتصور مسألة الخلاف بين أصحابنا فحينئذ
يجري (3) النزاع. وأما في الأحوال الأول فلا خلاف بينهم فيها أجمع، بل الخلاف فيما
صورناه، فذهب شيخنا في المبسوط والنهاية والإيجاز إلى أنه يورث نصف
ميراث الرجال ونصف ميراث النساء، وذهب جماعة من أصحابنا والأكثرون منهم
والمحصلون إلى أنه في هذه الحال المتنازع فيها يعتبر ويورث بعدد الأضلاع، فإن

(1) المهذب: ج 2 ص 171، وليس فيه: " كان الاعتبار... ميراثهن " والعبارة موجودة في
الهامش.
(2) الوسيلة: ص 401 - 402 مع اختلاف.
(3) كذا في مصححة (ق 2) وفي المطبوع: ينجر، في نسخة بدله: يتحرر: وقد اختلفت نسخ
السرائر أيضا في هذه الكلمة.
82

نقص عدد أحد الجانبين عن الآخر ورث ميراث الرجال وحكم عليه بحكمهم،
وإن تساوى الجانبان في عدد الأضلاع ورث ميراث النساء وحكم له بحكمهن.
وهو مذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان فإنه قال في كتاب الأعلام
وشرحه - محتجا على جميع متفقهة العامة فيه ومستدلا عليهم -: واتفقت الإمامية
في توريث الخنثى على اعتباره بالمبال، فإن كان خروج البول مما يكون للرجال
خاصة ورث ميراث الرجال، وإن كان خروجه مما يكون للنساء حسب ورث
ميراث النساء، وإن بال منهما جميعا نظر إلى الأغلب منهما بالكثرة فورث عليه،
وإن تساوى ما يخرج من الموضعين اعتبر باتفاق الأضلاع واختلافها، فإن
اتفقت ورث ميراث الإناث، وإن اختلفت ورث ميراث الرجال، ولم أجد
أحدا من العامة يعتبر في الخنثى ما ذكرناه على الترتيب الذي وصفناه، واستدل
بإجماع الفرقة، وورود الخبر بذلك عن أمير المؤمنين - عليه السلام - بعزوه إلى
السنة الثابتة عن نبي الهدى - صلى الله عليه وآله - وبطلان مقال من خالفه
وقطع على فساده من العامة، إذ لم يعتمد في ذلك على حجة في فساده، وقد ثبت
إن الحق لا يخرج عن أمه محمد - صلى الله عليه وآله - ولو كانت الإمامية مبطلة
في ما اعتقدته منه وكان من خالفها أيضا مبطلا في إنكاره لما ذكرناه لخرج
الحق عن أمة محمد - صلى الله عليه وآله - وذلك باطل لما بيناه. قال ابن
إدريس: فقد رجع شيخنا عما ذكره في مقنعته بغير شك ولا ارتياب، وهذا
أيضا مذهب السيد المرتضى، واستدل عليه أيضا بالإجماع، ألا ترى - أرشدك
الله - استدلال هذين العالمين القدوتين بإجماع الإمامية على صحة القول في هذه
المسألة وفساد قول من خالفهما، وإلى ما ذهبا إليه أذهب وعليه أعمل وبه أفتي،
إذ الدليل يعضده، وهو الإجماع والخبر المتفق عليه. وقد كان بعض أصحابنا
الماضين يتعاطى معرفة مسائل الخناثى والضرب لها واستخراج سهامهم بغير
83

انكسار، وكنا نجيل في ذلك سهامنا مع سهامهم فيه متبعين كلامهم قبل
إعمال نظرنا في المسألة، إذ الإذن البكر تقبل ما يرد عليها بلا روية ولا نظر،
وهذا غير محمود عقلا وشرعا، فحيث تأملنا المسألة وأعطينا النظر حقه، وسبرنا
أقاويل أصحابنا وكتبهم وجدناها بخلاف ما كنا عليه، فكشفنا قناع صحتها
وأوضحنا غياهب ظلمتها. ويدل على أيضا قوله تعالى - ممتنا على عباده -:
" وبث منهما رجالا كثيرا ونساء "، " يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء
الذكور "، " وما خلق الذكر والأنثى " وما قال في امتنانه والخنثى. وقال: فجعل
منه الزوجين الذكر والأنثى، فلو كان المجعول قسما آخر لذكره في امتنانه، ثم
إن الشيخ رجع عما ذكره في نهايته وإيجازه ومبسوطه في مسائل خلافه، ورجع
إلى القرعة، والقرعة إنما ترد في أمر مشكل لم يرد فيه بيان شرعي. وقد أقر
- رحمه الله - أن أصحابنا رووا عد الأضلاع، مع أنه سئل في الحائريات عن الخبر
الذي ورد: أن الله تعالى لما خلق آدم - عليه السلام - أخذ من جنبه الأيسر
ضلعه الأعوج فخلق منه حواء وإن أضلاع الرجال تنقص وأضلاع النساء
تمام. فأجاب: بأنه مشهور بين أهل النقل في أصحابنا والمخالفين، وهو جائز لا
مانع منه، وهو في قضايا أمير المؤمنين - عليه السلام -. وهذا قول يدل على أنه
إجماع المسلمين فضلا عن طائفتنا (1).
والمعتمد أنه يرث نصف الميراثين.
لنا: ما رواه هشام بن سالم في الموثق، عن الصادق - عليه السلام - قال:
قضى على - عليه السلام - في الخنثى له ما للرجال وله ما للنساء، قال: يورث من
حيث يبول، فإن خرج منهما جميعا فمن حيث سبق، فإن خرج سواء فمن حيث

(1) السرائر: ج 3 ص 277 - 288، مع اختلاف.
84

ينبعث، فإن كانا سواء ورث ميراث الرجال والنساء (1).
ولأن القضية المعهودة في الشرع قسمة ما يقع فيه التنازع بين الخصمين مع
تساويهما في الحجة وعدمها. والأمر كذلك هنا، فإنه إذا خلف مع الخنثى ذكرا
فهو يقول: أنثى ذكر، والذكر ينكر (2) فله ما اتفقا عليه وهو سهم الأنثى، ويقع
التنازع في التفاوت بين السهمين فيقسم بينهما.
ولأنه ليس أحد الاحتمالين أولى فتعين الاقتسام.
وقد روى عد الأضلاع علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة بن شريح،
عن أبيه، عن جدة، عن أبي جده ميسرة قضية شريح وحكم علي - عليه
السلام - (3) ولم يحضر عندي عدالة الرواة الآن، فالاعتماد على الأول.
واعلم أن عبارة ابن البراج فاسدة، لأنه اعتبر السبق في الانقطاع وورث
على السابق، وأخذه من عبارة شيخنا في النهاية فإنها موهمة، فإنه قال: فأيهما
انقطع منه البول ورث عليه.
وقول ابن أبي عقيل: بأنه يورث ميراث الرجال لدخول ميراث النساء فيه،
ليس بمعتمد، لأن دخول ميراث النساء في ميراث الرجال لا يقتضي إعطاءه
سهم الرجال، لجواز أن يكون امرأة فتأخذ أكثر من حقه. وكذا الفرض الذي
ذكره في الأبوين والخنثى إنه يكون للأبوين السدسان والباقي للخنثى، ليس
بجيد، بل للخنثى تسعة عشر من ثلثين وللأبوين الباقي، ويصح من غير كسر

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 354 ح 1269، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ميراث الخنثى ذيل
الحديث 1 ج 17 ص 575.
(2) كذا في النسخ والطبعة الحجرية، والصواب هكذا: " فإنه إذا خلف مع الخنثى ذكرا فالخنثى
يقول: إنه ذكر، والذكر ينكر " كما في مفتاح الكرامة: ج 8 ص 219 س 18.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 354 ح 1271، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ميراث الخنثى ح 3 ج 17
ص 575.
85

عليهما من ستين.
مسألة: الذي ليس له ما للرجال ولا ما للنساء يورث بالقرعة عند أكثر
علمائنا.
وقال ابن الجنيد: فإن كان في الموضع ثقبة لا تشبه الفرج ولا له ذكر ينظر (1).
فإن كان إذا بال نحى ببوله ناحية من حذاء مباله فهو ذكر، وإن لم ينح وبال
على مباله فهو أنثى.
والمشهور الأول، لما رواه عبد الله بن مسكان في الموثق (2)، عن الصادق
- عليه السلام - قال: سئل - عليه السلام - وأنا عنده عن مولود ليس بذكر ولا
أنثى ليس له إلا دبر كيف يورث؟ قال: يجلس الإمام ويجلس عنده أناس من
المسلمين ويدعون الله ويجيل السهام عليه على أي ميراث يورثه (3) وكذا رواه
ثعلبة عن بعض أصحابنا عن الصادق - عليه السلام - (4).
احتج ابن الجنيد بما رواه عبد الله بن بكير، عن بعض أصحابنا عنهم - عليه
السلام - في مولود ليس له ما للرجال ولا ما للنساء إلا ثقب يخرج منه البول
على أي ميراث يورث؟ قال: إن كان إذا بال يتنحى بوله ورث ميراث الذكر،
وإن كان لا يتنحى بوله ورث ميراث الأنثى (5).

(1) في الطبعة الحجرية: نظر.
(2) في التهذيب: عبد الله بن مسكان عن إسحاق المرادي في الموثق، والوسائل: عن إسحاق العرزمي.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 357 ح 1276، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ميراث الخنثى ح 4 ج 17
ص 581.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 357 ح 1275، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ميراث الخنثى ح 3 ج 17
ص 580 - 581.
(5) الإستبصار: ج 4 ص 187 ح 702، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ميراث الخنثى ح 5 ج 17
ص 581.
86

والجواب: ما ذكرناه أوضح طريقا وأشهر بين علمائنا، وقد رواه الشيخ في
الصحيح عن الفضيل بن يسار، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
مولود ليس له ما للرجال ولا ما للنساء، قال: يقرع الإمام.. الحديث (1).
قال الشيخ - لما ذكر رواية عبد الله بن بكير -: لا ينافي الأخبار المتقدمة،
لأنها محمولة على ما إذا لم يكن هناك طريق يعلم به أنه ذكر أم أنثى استعمل
القرعة، فأما إذا أمكن على ما تضمنته الرواية الأخيرة فلا يمتنع العمل عليها،
وإن كان الأخذ بالروايات الأولة أحوط وأولى (2).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: طلاق المريض غير جائز، فإن طلق ورثته
المرأة ما بينه وبين سنة إذا لم يبرأ من مرضه ولا تتزوج المرأة، وإن لم تتزوج
ومضى لها سنة ويوم لم يكن لها بعد ذلك ميراث ويرث هو المرأة ما دامت في
العدة، فإذا خرجت من عدتها لم يكن له منها ميراث، ولا فرق بين أن تكون
التطليقة أولة أو ثانية أو ثالثة وعلى كل حال (3). وهذه العبارة موهمة أنه يرثها
في التطليقة الثالثة، ونقله ابن إدريس عنه (4)، بمجرد ذلك.
والحق أنه لا يرثها مع البينونة، بل ترثه هي لانقطاع العصمة باعتباره على
أن الشيخ لم يصرح بأنه يرثها في البائن، بل قال: ولا فرق بين أن تكون
التطليقة أولة أو ثانية أو ثالثة بالنسبة إلى ميراثها منه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وأما المشكوك فيه فهو أن يطأ الرجل امرأته أو

(1) الإستبصار: ج 4 ص 187 ح 701، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ميراث الخنثى ح 2 ج 17
ص 580.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 187 ذيل الحديث 702.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 177 - 178، مع اختلاف.
(4) السرائر: ج 3 ص 283.
87

جاريته ثم يطأها غيره في تلك الحال وتجئ بالولد فإنه لا ينبغي له أن يلحقه
به لحوقا صحيحا، بل ينبغي أن يربيه وينفق عليه، فإذا حضرته الوفاة عزل له
شيئا من ماله قدر ما يتقوى به على شأنه، فإن مات هذا الولد لم يكن له شئ
من تركته وكانت لبيت المال إن لم يخلف ولدا ولا زوجا ولا زوجة (1). وتبعه
ابن البراج (2).
وقال ابن إدريس: ما ذكره الشيخ - رحمه الله - خلاف ما يقتضيه أصول
مذهبنا، والصحيح أن هذا الولد الذي من زوجته ولده شرعا يرثه إذا مات،
وكذلك الولد يرث الوالد إذا لم ينتف منه باللعان مع أمه بغير خلاف بيننا،
ولقوله - عليه السلام -: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " والفراش عبارة عن
العقد وإمكان الوطئ على ما جرت به العادة دون التمكين على ما في مقدور الله
تعالى (3).
والصدوق - رحمه الله - روى في الصحيح عن عبد الله بن سنان، عن
الصادق - عليه السلام - قال: إن رجلا من الأنصار أتى أبي - عليه السلام -
فقال: إني ابتليت بأمر عظيم إن لي جارية كنت أطأها فوطأتها يوما وخرجت في
حاجة لي بعد ما اغتسلت منها ونسيت نفقة لي فرجعت إلى المنزل لأخذها
فوجدت غلامي على بطنها فعددت لها من يومي ذلك تسعة أشهر فولدت
جارية، فقال: لا ينبغي لك أن تقربها ولا تبيعها، ولكن أنفق عليها من مالك
ما دمت حيا، ثم افرض عند موتك أن ينفق عليها من مالك حتى يجعل الله لك

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 264 - 266.
(2) المهذب: ج 2 ص 166
(3) السرائر: ج 3 ص 285.
88

ولها مخرجا (1) وروي نحو ذلك (2)، لكن كل ذلك في الجارية. وأما في الزوجة
فالإشكال الذي قاله ابن إدريس حق.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن تبرأ عند السلطان من جريرة ولده ومن
ميراثه ثم مات الولد وله مال كان ميراثه لعصبة أبيه دون أبيه (3). وتبعه ابن
البراج (4).
وقال ابن إدريس: هذا خلاف إجماع أصحابنا وإجماع المسلمين، لأن
الوالد يضمن جريرة ابنه ويعقل عنه، ولا يصح التبري من المواريث على حال،
وإنما هذه رواية شاذة من أضعف أخبار الآحاد أوردها شيخنا إيرادا لا
اعتقادا. وقد رجع عنها في الحائريات: وعن العاقلة إذا تبرأت من ميراث من
تعقل عنه وجريرته أيكون ذلك بمنزلة الأب أو ما الحكم في ذلك؟ فأجاب
- رحمه الله - وقال: والجواب: لا يصح له التبري، لأن الشرع إذا حكم به لم
ينفع (5) التبري وثبت حكمه، والرواية في تبري الأب من جريرة الابن رواية
شاذة فيها نظر، فإن صحت لا يقاس عليها غيرها (6).
والوجه ما قاله الشيخ في المسائل الحائرية للأصل، والقرآن الدال على
التوارث.
والصدوق - رحمه الله - روى عن أبي بصير قال: سألته - عليه السلام - عن
.

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 314 ح 5677، وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب نكاح العبيد
والإماء ح 1 ج 14 ص 563.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 180 ح 629، وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب نكاح العبيد والإماء
ح 2 ج 14 ص 563.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 267.
(4) المهذب: ج 2 ص 167.
(5) ق 2 و م 3: يقع.
(6) السرائر: ج 3 ص 286.
89

المخلوع يتبرأ منه أبوه عند السلطان ومن ميراثه وجريرته لمن ميراثه؟ فقال: قال
علي - عليه السلام -: هو لأقرب الناس إليه (1). ولا دلالة صريحة في هذه
الرواية، على ما ذكره الشيخ في النهاية، فلا يصح الاحتجاج بها.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: اختلف أصحابنا في ميراث المجوس، فقال
قوم: إنهم يورثون بالأنساب والأسباب الصحيحة التي تجوز في شرع الإسلام ولا
يورثون بما لا يجوز فيه على حال، وقال قوم: إنهم يورثون بالأنساب على كل
حال ولا يورثون بالأسباب إلا بما هو جائز في شريعة الإسلام، وقال قوم: إنهم
يورثون من الجهتين معا، سواء كان مما يجوز في شرع الإسلام أو لا يجوز. وهذا
القول عندي هو المعتمد وبه تشهد الروايات، وأيضا فإن أنسابهم وأسبابهم وإن
لم تكن جائزة في شريعة الإسلام فهي جائزة عندهم وهي نكاح على رأيهم
ومذهبهم، وقد أمرنا بأن نقرهم على ما يرونه من المذاهب ونهينا عن قذفهم
بالزنا. وقيل: أليس ذلك عندهم نكاحا؟! وإذا كان ذلك ثابتا فينبغي أن
يكون العمل عليه، مع أنه قد رويت الرواية الصريحة وقد أوردناها في كتاب
تهذيب الأحكام: بأنهم يورثون من الجهتين جميعا وإن كان ذلك باطلا في
شريعة الإسلام (2). ونحوه قال في الخلاف (3).
وقال ابن الجنيد: المشهور عن أمير المؤمنين - عليه السلام - أنه كان يورث
المجوسي إذا تزوج بأمه أو أخته أو ابنته من وجهين: يوجه القرابة وبوجه
الزوجية.

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 313 ح 5674، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ميراث ولد الملاعنة
ح 3 ج 17 ص 566.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 269 - 271.
(3) الخلاف: ج 4 ص 108 المسألة 119.
90

وقال ابن أبي عقيل: والمجوس عند آل الرسول - عليهم السلام - يورثون
بالنسب ولا يورثون بالنكاح، فإن هلك مجوسي وترك أمه وهي أخته وهي
امرأته فالمال لها من قبل أنها أم، وليس لها من قبل أنها زوجة شئ، وإن ترك
بنتا هي زوجة فلها النصف من قبل أنها بنت والباقي رد عليها ولا ترث من
قبل أنها زوجة. ولو أن مجوسيا تزوج ابنته فأولدها ابنتين ثم مات فإن ترك
ثلاث بنات المال بينهن بالسوية، فإن ماتت إحدى الابنتين فإنها تركت أمها
وهي أختها وتركت أختها لأبيها وأمها فالمال كله لأمها التي هي أختها لأبيها.
وقال المفيد - رحمه الله -: إن ترك المجوسي أمه وهي زوجته ورثت من جهة
الأمومة دون الزوجية، وكذلك إن كانت أخته أو ابنته فالحكم على ما ذكرناه
يكون الميراث بالنسب دون السبب الفاسد (1).
وقال الصدوق في المقنع: فأما مواريث أهل الكتاب والمجوس فإنهم يورثون
من جهة القرابة ويبطل ما سوى ذلك من ولاداتهم (2).
وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه: المجوس يرثون بالنسب ولا يرثون
بالنكاح الفاسد، فإن مات مجوسي وترك أمه وهي أخته وهي امرأته فالمال لها
من قبل أنها أم وليس لها من قبل أنها أخت وأنها زوجة شئ. وفي رواية
السكوني أن عليا - عليه السلام - كان يورث المجوسي إذا تزوج بأمه وأخته
وبابنته من وجهين: من وجه أنها أمه ومن وجه أنها زوجته، ولا أفتي بما ينفرد
به السكوني بروايته. وفرع على ذلك مسائل (3).

(1) المقنعة: ص 699، وعبارة: " من جهة الأمومة.. الخ " في الهامش.
(2) المقنع: ص 179، وفيه: " ذلك من ولادتهم ".
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 343 - 346.
91

وابن البراج (1) وافق شيخنا في نهايته، وكذا سلار (2)، وابن حمزة (3).
وقال أبو الصلاح: إنهم يورثون بالنسب والسبب الصحيحين دون
الفاسدين (4).
وقال ابن إدريس: اختلف قول أصحابنا في ميراث المجوس إذا تحاكموا
إلى حكام الإسلام على ثلاثة أقوال: فقال قوم: إنهم يورثون بالأنساب
والأسباب الصحيحة التي تجوز في شرع الإسلام [ولا يورثون بما لا يجوز فيه على
كل حال، وقال قوم: إنهم يورثون بالأنساب على كل حال] ولا يورثون
بالأسباب إلا بما هو جائز في شريعة الإسلام، وقال قوم إنهم يورثون من
الجهتين معا، سواء كان مما يجوز في شريعة الإسلام أو لا يجوز. وهذا القول
الأخير الذي هو ثالث الأقوال خيرة شيخنا في نهايته وسائر كتبه. وأول الأقوال
اختيار شيخنا المفيد فإنه قال في كتاب الأعلام وشرحه، فأما ميراث المجوس
فإنه عند جمهور الإمامية يكون من جهة النسب الصحيح دون النكاح الفاسد.
قال: وإلى هذا القول أذهب، وعليه أعتمد، وبه أفتي لأن الله تعالى قال: " وإن
احكم بينهم بما أنزل الله "، " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر "، " فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن
يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ". فإذا حكم الحاكم بما لا
يجوز في شرع الإسلام فقد حكم بغير الحق وبغير ما أنزل الله وبغير القسط، ولأنه
لا يحوز للحاكم الحكم بمذاهب أهل الخلاف. وقول الشيخ إنه المعتمد، وبه
تشهد الروايات. ثم قوله: " مع أنه قد رويت الرواية الصريحة بأنهم يورثون من

(1) المهذب: ج 2 ص 170 - 171.
(2) المراسم: ص 224.
(3) الوسيلة: ص 403.
(4) الكافي في الفقه: ص 377، نقلا بالمعنى.
92

الجهتين وإن كان باطلا في شرع الإسلام " متناف، لأن قوله: أولا يعطى تعدد
الروايات، وثانيا: وحدتها، مع أنه لم يوجد روايات متعددة، مع أن أكبر كتب
الأحاديث تهذيب الأحكام ولم يورد فيه سوى رواية يرويها مخالفنا في المذهب،
وهو إسماعيل بن أبي زياد السكوني، وهو عامي المذهب. ثم نقل بعد كلام
طويل ما ذكره الشيخ في التهذيب، عن السكوني، عن الصادق - عليه السلام -
عن الباقر، عن علي - عليهما السلام - أنه كان يورث المجوسي إذا تزوج بأمه
وبابنته من وجهين: من وجه إنها أمه ومن وجه إنها زوجته. قال محمد بن
الحسن: اختلف أصحابنا في ميراث المجوس إذا تزوج بإحدى المحرمات من
جهة النسب في شريعة الإسلام، فقال يونس بن عبد الرحمان وكثير ممن تبعه
من المتأخرين: أنه لا يورث إلا من جهة النسب والسبب اللذين يجوز أن في
شريعة الإسلام، فأما ما لا يجوز في شريعة الإسلام فإنه لا يورث منه على حال،
وقال الفضل بن شاذان وقوم من المتأخرين ممن تبعوه على قوله: إنه يورث من
جهة النسب على كل حال وإن كان حاصلا عن سبب لا يحوز في شريعة
الإسلام، وأما السبب فلا يورث منه إلا بما يجوز في شرع الإسلام. والصحيح
عندي أنه يورث المجوسي من جهة النسب والسبب معا، سواء كانا مما يجوز في
شريعة الإسلام أو لا يجوز، لدلالة الخبر الذي قدمناه عن السكوني، وما ذكره
أصحابنا من خلاف ذلك ليس به أثر عن الصادقين - عليهم السلام - ولا عليه
دليل من ظاهر القرآن، بل إنما قالوه لضرب من الاعتبار، وذلك عندنا مطرح
بالإجماع، وأيضا فإن هذه الأسباب والأنساب وإن كانا غير جائزين في شريعة
الإسلام فهما جائزان عندهم، ويعتقدون أنه مما يستحل به الفروج ولا يستباح
بغيره، فجرى مجرى العقد في شريعة الإسلام. ألا ترى إلى ما روي أن رجلا
سبب مجوسيا بحضرة أبي عبد الله - عليه السلام - فزبره ونهاه عن ذلك، فقال: إنه
93

تزوج بأمه! فقال: أما علمت أن ذلك عندهم النكاح. وقد روى أيضا أنه قال
- عليه السلام - إن كل قوم دانوا بشئ يلزمهم حكمه، ولو كان غير جائز
لوجب ألا يجوز إذا عقد على غير المحرمات وجعل المهر خمرا أو خنزيرا، لأنه غير
جائز في الشرع، وأجمع أصحابنا على جوازه. وقال ابن إدريس: وليس في ما
ذكره الشيخ هنا دليل يعتمد عليه ويوجب العلم والعمل، بل معظمها عنده
الرواية عن السكوني وقد بينا ما فيها، ثم إنه حكى في التهذيب أن أصحابنا
على مذهبين اثنين فحسب يونس (1) ومن تابعه ومذهب ابن شاذان ومن تبعه،
فكيف يحدث هو - رحمه الله - قولا ثالثا وأصحابنا على ما حكاه عنهم على
قولين؟! وطول ابن إدريس في مناقضاته للشيخ، ثم نقل عن السيد المرتضى أنه
اختار أيضا ما ذهب إليه في المسائل الموصليات الثانية فإنه قال: المسألة
التاسعة والمائة: فإن ميراث المجوس من جهة النسب الصحيح دون النكاح
الفاسد، والحجة في ذلك الإجماع المتكرر (2).
والمعتمد أنهم يورثون بالأنساب والأسباب الصحيحة خاصة، لأن ما
عداهما باطل، فلا يتعلق به حكم التوارث.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف (3) والمبسوط (4): لا يقسم مال المفقود حتى
يعلم موته أو يمضي مدة لا يعيش مثله إليها بمجرى العادة، فإن مات له من يرثه
المفقود دفع إلى كل وارث أقل ما يصيبه ووقف الباقي حتى يعلم حاله. وتبعه
ابن البراج (5)، وابن حمزة (6)، وابن إدريس (7).

(1) ق 2 و م 3: فحسب مذهب يونس.
(2) السرائر: ج 3 ص 287 - 297، مع اختلاف.
(3) الخلاف: ج 4 ص 119 المسألة 136.
(4) المبسوط: ج 4 ص 125.
(5) المهذب: ج 2 ص 165 - 166.
(6) الوسيلة: ص 400.
(7) السرائر: ج 3 ص 298.
94

وقال ابن الجنيد: والنظرة في ميراث من فقد في عسكر قد شهدت هزيمته
وقتل من كان فيه أو أكثرهم أربع سنين، وفي من لا يعرف مكانه في غيبته ولا
خبر له عشر سنين، والماسور في يد العدو يوقف ماله ما جاء خبره ثم إلى عشر
سنين.
وقال المفيد: إذا مات إنسان وله ولد مفقود لا يعرف له موت ولا حياة
عزل ميراثه حتى يعرف خبره، فإن تطاولت المدة في ذلك وكان للميت ورثة
سوى الولد ملأ بحقه لم يكن بأس باقتسامه وهم ضامنون له إن عرف للولد خبر
بعد ذلك، ولا بأس أن يبتاع الإنسان عقار المفقود بعد شعر سنين من غيبته
وفقده وانقطاع خبره ويكون البائع ضامنا للثمن والدرك، فإن حضر المفقود
خرج إليه من حقه (1).
وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية القول: بأن المفقود يحبس
ما له عن ورثته قدر ما يطلب في الأرض كلها أربع سنين، فإن لم يوجد بعد
انقضاء هذه المدة قسم المال بين ورثته (2).
وروى الصدوق، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو الحسن - عليه
السلام -: في المفقود يتربص بماله أربع سنين ثم يقسم. قال - رحمه الله -: يعني:
بعد ألا يعرف حياته من موته ولا يعلم في أي أرض هو وبعد أن يطلب من
أربعة جوانب أربع سنين ولا يعرف له خبر حياة ولا موت فحينئذ تعتد امرأته
عدة المتوفى عنها زوجها، ويقسم ماله بين الورثة على سهام الله عز وجل
وفرائضه (3).

(1) المقنعة: ص 706.
(2) الإنتصار: ص 307.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 330 ح 5707 وذيله.
95

وقال أبو الصلاح: إذا فقد أحد الورثة عزل سهمه حتى يكشف السلطان
خبره أربع سنين، فإن عرفت حياته فهو له، وإلا قسم بين الورثة، إن كان
المفقود أولى بالميراث ممن وجد عزل [سهمه] (1) جملة الإرث المدة المذكورة إلى أن
ينكشف الحال فيه فيحكم بما شرع في أمره (2).
والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: الأصل البقاء وعصمة مال الغير حتى يثبت السبب الموجب لنقله.
وما رواه معاوية بن وهب، عن الصادق - عليه السلام - في رجل كان له
على رجل حق ففقده ولا يدري أين يطلبه ولا يدري أحي هو أم ميت ولا
يعرف له وارثا ولا نسبا له ولا بلدا، قال: اطلبه، قال: إن ذلك قد طال
فأتصدق به؟ قال: اطلبه (3).
وعن الهيثم قال: كتبت إلى العبد الصالح - عليه السلام - إني أتقبل
الفنادق فينزل عندي الرجل فيموت فجأة ولا أعرفه ولا أعرف بلاده ولا ورثته
فيبقى المال عندي كيف أصنع به ولمن ذلك المال؟ فقال: اتركه على حاله (4).
احتج الآخرون بأن الزوجة تعتد للوفاة بعد مضي أربع سنين، وعصمة
الفروج أشد في نظر الشرع من عصمة الأموال، وإنما تصح العدة لو حكم الشرع
بموته، والرواية التي رواها الصدوق. وهذا القول لا بأس به مع طلبه في البلاد كما
في الاعتداد.

(1) ليس في المصدر.
(2) الكافي في الفقه: ص 378.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 389 ح 1388، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب ميراث الخنثى وما
أشبهه ح 2 ج 17 ص 583.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 389 ح 1390، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه
ح 4 ج 17 ص 583.
96

مسألة: قال المفيد في مقنعته: ومن مات وخلف تركة في يد إنسان لا يعرف
له وارثا جعلها في الفقراء والمساكين ولم يدفعها إلى سلطان الجور والظلمة من
الولاة (1).
مع أنه قال في الكتاب قبل ذلك: فإن مات إنسان لا يعرف له قرابة من
العصبة ولا الموالي ولا ذوي الأرحام كان ميراثه لإمام المسلمين خاصة يضعه
فيهم حيث يرى، وكان أمير المؤمنين - عليه السلام - يعطي تركة من لا وارث له
- من قريب ولا نسيب ولا مولى - فقراء أهل بلده وضعفاء جيرانه وخلطائه تبرعا
عليهم بما يستحقه من ذلك، واستصلاحا للرعية حسب ما كان يراه في الحال
من صواب الرأي، لأنه من الأنفال، كما قدمناه في ذكر ما يستحقه الإمام من
الأموال، وله إنفاقه في ما شاء ووضعه حيث شاء، ولا اعتراض عليه للأمة في
ذلك بحال (2). ثم عقبه بما ذكره أولا.
وروى الصدوق، عن محمد بن مسلم، عن الباقر - عليه السلام - قال: من
مات وليس له وارث وقرابة ولا مولى عتاقة قد ضمن جريرته فماله من
الأنفال (3).
قال: وقد روي في خبر آخر أن من مات وليس له وارث فميراثه لهمشهريجه
يعني: أهل بلده. قال الصدوق: ومتى كان الإمام ظاهرا فماله للإمام، ومتى
كان الإمام غائبا فماله لأهل بلده متى ما لم يكن له وارث ولا قرابة أقرب إليه
منهم بالبلدية (4).

(1) المقنعة: ص 706.
(2) المقنعة: ص 705.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 333 ح 5714، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ولاء ضامن الجريرة
والإمامة ح 1 ج 17 ص 547 - 548.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 333 ح 5715 وذيله.
97

وقال ابن الجنيد: إذا لم يعرف للميت وارث من ذوي رحم أو عصبة أو
مولى عتاقة أو علاقة انتظر بماله وميراثه طالب، فإن حضر أو وكيله وأقام البينة
بما يوجب توريثه منه سلم إليه، وإلا فميراثه مردود إلى بيت مال المسلمين و
اختار أن يكون بشهادة، فمتى حضر من يستحقه سلم إليه.
وقال الشيخ في الخلاف: ميراث من لا وارث له لا ينتقل إلى بيت المال
وهو للإمام خاصة، وعند جميع الفقهاء ينتقل إلى بيت المال ويكون للمسلمين،
واستدل بإجماع الفرقة. ثم قال: كل موضع وجب المال لبيت المال عند
الفقهاء وعندنا للإمام إن وجد الإمام العادل سلم إليه بلا خلاف، وإن لم
يوجد وجب حفظه له عندنا كما يحفظ سائر أمواله التي يستحقها (1).
والمشهور أن ميراث من لا وارث له للإمام خاصة، لما روى الحلبي، عن
الصادق - عليه السلام - قال: " يسألونك عن الأنفال "، قال: قال: من مات
وليس له مولى فماله من الأنفال (2).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر - عليه السلام - قال: من مات
وليس له وارث من قبل قرابته ولا مولى عتاقة ضمن جريرته فماله من
الأنفال (3).
ثم إن الشيخ روى عن داود بن فرقد، عمن ذكره، عن الصادق - عليه
السلام - قال: مات رجل على عهد أمير المؤمنين - عليه السلام - لم يكن له وارث

(1) الخلاف: ج 4 ص 22 و 23 المسألة 14 و 15.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 386 ح 1379، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ولاء ضامن الجريرة
والإمامة ح 3 ج 17 ص 548، وفيهما: " قال: من مات ".
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 387 ح 1381، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة
والإمامة ح 1 ج 17 ص 547 - 548.
98

فدفع أمير المؤمنين - عليه السلام - ميراثه إلى همشاريجه (1). وروى نحوه عن
السري يرفعه إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - (2).
ثم قال: هاتان الروايتان مرسلتان شاذتان، وما هذا حكمه لا يعارض به
الأخبار المسندة المجمع على صحتها، مع عدم منافاتهما لما تقدم، لأنه - عليه
السلام - فعل ذلك تبرعا منه - عليه السلام - (3). وما قاله الشيخ جيد.
والمعتمد العمل على المشهور من كونه للإمام، وبه قال ابن إدريس (4)،
وتأويل الصدوق لا بأس به، وكأنه الذي اختاره المفيد - رحمه الله -.
مسألة: اختلف علماؤنا في ميراث الغرقى فقال الشيخ - رحمه الله: إنهم
يتوارثون، يرث بعضهم من بعض من نفس تركته، لا مما يرث من الآخر (5).
وهو الظاهر من كلام الشيخ علي بن بابويه وابنه الصدوق فإنهما قالا: لو أن
أخوين غرقا ولأحدهما مال وليس للآخر شئ كان المال لورثة الذي ليس له
شئ إذا لم يكن لهما أحد أقرب بعضهم من بعض (6).
وبه قال ابن الجنيد فإنه قال: القرابات إذا ماتوا معا وعدمت الدلائل التي
يستدل بها على وفاة بعضهم قبل بعض ورث بعضهم من بعض من صلب مال
كل واحد منهم قبل ميراثه من صاحبه، وأضيف ما يحصل له من ميراث

(1) الإستبصار: ج 4 ص 196 ح 736، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة
ح 3 ج 17 ص 552.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 196 ح 735، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة
ح 2 ج 17 ص 552.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 196، مع اختلاف.
(4) السرائر: ج 3 ص 299.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 253، وفيه: " لا مما يرثه ".
(6) المقنع: ص 178.
99

صاحبه إلى ما يبقى من ماله بعد الذي ورث صاحبه منه، ثم قسم ميراث كل
واحد منهم على ورثته الأحياء.
وقال ابن أبي عقيل: يرث الغرقى والهدمى عند آل الرسول - عليهم السلام -
من صلب أموالهم، ولا يرثون مما يورث بعضهم بعضا شيئا. وبه قال
أبو الصلاح (1)، وابن البراج (2)، وابن حمزة (3).
وقال المفيد (4)، وسلار (5): إنه يرث مما ورث منه أيضا.
والمعتمد الأول.
لنا: إن ثبوت ذلك يستلزم المحال فيكون محالا.
بيان الشرطية: إن توريثه مما ورث منه يستلزم فرض الميت حيا، وهو
محال عادة، فثبوت القول بذلك يستلزم المحال فيكون محالا.
وما رواه حمران بن أعين، عمن ذكره عن أمير المؤمنين - عليه السلام - في
قوم غرقوا جميعا أهل البيت، قال: يورث هؤلاء من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء.
ولا يرث (6) هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئا، ولا يرث (7) هؤلاء مما ورثوا من
هؤلاء شيئا (8).
وعن عبد الرحمان بن الحجاج في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - في
أخوين ماتا لأحدهما مائة ألف درهم والآخر ليس له شئ ركبا في السفينة

(1) الكافي في الفقه: ص 376.
(2) المهذب: ج 2 ص 168.
(3) الوسيلة: ص 400.
(4) المقنعة: ص 698 - 699.
(5) المراسم: ص 225 - 226.
(6) في المصدر: يورث.
(7) في المصدر: يورث.
(8) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 362 ح 1294، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم
عليهم ح 2 ج 17 ص 592.
100

فغرقا فلم يدر أيهما مات أولا فإن المال لورثة الذي ليس له شئ، ولم يكن
لورثة الذي له المال شئ (1).
قال الشيخ في المبسوط: لو ورث مما ورث من صاحبه لم تنقطع القسمة
أبدا (2).
احتج المفيد - رحمه الله -: بأنه قد ورد تقديم الأكثر نصيبا في الموت فيورث
الآخر منه، ولو لم يكن التوارث مما ورث من صاحبه لم يكن للتقديم فائدة.
والجواب: لا يجب في فوائد الشرع العلم بها.
لنا: فإن أكثر العلل (3) الشرعية خفية عنا والمصالح المعتبرة في نظره يعجز
عن إدراكها، ويحكم بالانقياد لها ووجوب اتباعها وإن خفيت عنا حكمها
وغاياتها، على إنا نمنع وجوب التقديم، بل يحمل ذلك على الاستحباب.
تذنيب: قال الشيخ في المبسوط: تقديم الأضعف في الميراث لا يتغير به
حكم، لكنا نتبع الأثر في ذلك (4). وبه قال ابن إدريس (5).
وقال في الإيجاز: إنه غير واجب (6). وهو المعتمد.
وقال أبو الصلاح: الأولى تقديم الأضعف في التوريث (7).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا غرق جماعة يتوارثون في وقت واحد أو
انهدم عليهم حائط وما أشبه ذلك ولم يعلم أيهم مات قبل صاحبه ورث بعضهم

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 360 ح 1286، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم
عليهم ح 1 ج 17 ص 590 - 591.
(2) المبسوط: ج 4 ص 118.
(3) من هنا سقط من نسخة " ق 2 و م 3 " إلى " مسألة قد تقدم إن القابلة ".
(4) المبسوط: ج 4 ص 118.
(5) السرائر: ج 3 ص 300.
(6) الإيجاز (الرسائل العشر): ص 276.
(7) الكافي في الفقه: ص 376.
101

من بعض (1)
وفي إعادة ذلك إشكال، فإن قصد به الحائط لم يعم الحكم، وإن قصد به
الهدم أو الغرق عم، فلفظه ليس صريحا في شئ، لكن الأول أقوى لقربه.
لكنه قال في آخر كلامه في الغرقى: وإذا مات نفسان حتف أنفهما لم يورث
بعضهما من بعض، ويكون ميراث كل واحد منهما لمن يرثه من الوراث الأحياء،
لأن هذا الحكم جعل في الموضع الذي يجوز فيه تقديم موت كل واحد منهما على
صاحبه (2). وهذا التعليل يشعر بالتعميم، وليس نصا منه أيضا. وكذا في
المبسوط (3) ذكر التعليل.
والمفيد - رحمه الله - قال: إذا غرق جماعة يتوارثون أو انهدم عليهم جدار أو وقع
عليهم سقف فماتوا ولم يعلم أيهم مات قبل صاحبه ورث بعضهم من بعض. ثم
قال في آخر الباب: وإذا مات جماعة يتوارثون بغير غرق ولا هدم في وقت واحد
لم يورث بعضهم من بعض، بل جعلت تركة كل واحد منهم لوراثه الأحياء
خاصة (4). وهو يدل على تخصيص هذا الحكم بالهدم والغرق لا غير.
وقال ابن الجنيد: القرابات إذا ماتوا معا وعدمت الدلائل التي يستدل بها
على وفاة بعضهم قبل بعض ورث بعضهم من بعض. وهو يدل على تعميم
الحكم.
وقال أبو الصلاح: وإن لم يعلم بوقت موتهم بهدم أو غرق أو قتل معركة أو
غير ذلك ورث كلا بعضهم من بعض (5).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 253.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 258.
(3) المبسوط: ج 4 ص 119.
(4) المقنعة: ص 698 - 699، وفيه: " بل جعل تركة ".
(5) الكافي في الفقه: ص 376.
102

وقال ابن حمزة: إذا غرق اثنان أو أكثر دفعة أو احرقوا أو هدم عليهم أو قتلوا
ولم يعلم تقدم موت أحدهم ولا تأخر ورث كل منهما من صاحبه (1). وهو
تصريح بالتعميم.
والأقرب الأول.
لنا: إن الأصل عدم توريث أحدهما من صاحبه، لعدم العلم ببقائه بعده،
خرج عنه الغرقى والمهدوم عليهم، للنصوص الدالة عليه، فيبقى الباقي على أصالة المنع.
احتج بأن العلة الاشتباه، وهي موجودة في القتل والحريق.
والجواب: المنع من التعليل بمطلق الاشتباه فجاز أن يكون العلة الاشتباه
المستند إلى أحدهما، على أن قول ابن حمزة لا يخلو من قوة.
مسألة: المشهور عند أكثر علمائنا أن الواحد من الأبوين مع البنتين يكون له
السدس ولهما الثلثان والباقي رد عليهم على النسبة أخماسا.
وقال ابن الجنيد: وإن حضر أحد الأبوين والابنتان كان لمن حضر من
الأبوين السدس والباقي للابنتين.
لنا: إن الفاضل لا بد له عن مستحق، وليس غير هؤلاء، لأن هؤلاء أقرب،
ولا بعض هؤلاء، لعدم الأولوية، فتعين الجميع على النسبة.
وما رواه بكير عن الباقر - عليه السلام - في رجل ترك ابنته وأمه: إن
الفريضة من أربعة، لأن للبنت ثلاثة أسهم وللأم السدس سهم وبقي
سهمان، فهما أحق بهما من العم ومن الأخ ومن العصبة، لأن الله تعالى قد
سمى لهما، ومن سمى لهما فيرد عليهما بقدر سهامهما (2). وهذه العلة موجودة في

(1) الوسيلة: ص 400 و 401.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 273 ح 988، وسائل الشيعة: ب 17 من ميراث الأبوين والأولاد ح 6
ج 17 ص 464 مع تفاوت.
103

البنتين وأحد الأبوين.
احتج بدخول النقص على البنتين بدخول الزوجين فالفاضل لهما.
وبما رواه أبو بصير، عن الصادق - عليه السلام - في رجل مات وترك ابنتيه
وأباه، قال: للأب السدس وللابنتين الباقي (1).
والجواب: المنع من صلاحية ما ذكره أولا للعلية وصحة السند، فإن في
طريق الرواية الحسن بن محمد بن سماعة وهو ضعيف، أو يحمل ذلك على ما
إذا كان مع البنتين ذكر، وعليه يحمل كلام ابن الجنيد على أنه - رحمه الله -
جعل للزوج الربع عطية وللأب السدس فرضا وللبنت النصف فرضا لو
اجتمعوا، وجعل الباقي - وهو نصف السدس - ردا على الأب والبنت على قدر
حصتهما، للأب سهم من أربعة وللبنت ثلاثة أسهم من أربعة مضافا إلى
سهميهما.
مسألة: المشهور أن ذوي الأرحام من قبل الأب يتقاسمون المال بالسوية
وقال ابن الجنيد: ذوو أرحام الأم أيضا، فالذي دل عليه الدليل
أنهم يتقاسمون ما أحرزوه بجهة الأم الذكر مثل حظ الأنثيين، لأنه صار
كميراثهم منها. لنا في هذا نظر، وهذا يدل على توقفه في ذلك وتردده،
وهو جيد.
مسألة: المشهور أن العم أولى من ابن الخال، فلا شئ لابن الخال مع العم،
لأنه أقرب، فيكون أولى.
وقال ابن الجنيد: وإذا اجتمع ذوو أرحام الأب وذوو أرحام الأم فكان أحد

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 274 ح 990، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ح 7 ج 17 ص 465.
104

الرحمين أقرب إلى الميت - كعم وابن خال - أخذ العم الثلثين وأخذ ابن الخال
الثلث.
والمعتمد الأول، لما رواه أبو أيوب، عن الصادق - عليه السلام - قال: إن في
كتاب علي - عليه السلام - إن كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجربه إلا أن
يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه (1).
ولأن العم أقوى من الخال، لأنه أكثر منه نصيبا، والخالة تحجب ابن العم،
فالعم أولى بأن يحجب ابن الخال.
ويدل على الأول ما رواه سلمة بن محرز، عن الصادق - عليه السلام - قال:
في ابن عم وخالة، قال: المال للخالة، وقال: في ابن عم وخال، قال: المال
للخال (2).
مسألة: المشهور أن الأجداد إنما يطعمون لو زاد نصيب أولادهم وهم الأبوان
عن السدس، فإن كان سهم أحدهما السدس لم يستحب الطعمة، وإن الطعمة
هي السدس من أصل المال.
وقال ابن الجنيد: وإن كان ما يأخذه ولد الحاضر - يعني: من الأجداد - من
الميراث بالتسمية ما يتجاوز السدس كان السدس للحاضر طعمة من سهم
ولده الذي يقرب إلى الميت به لا من أصل المال.
والمعتمد الأول، للأصل.
مسألة: المشهور لا ميراث للأجداد مع الأبوين والبنت، بل يكون الفاضل

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 269 ح 976، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد
ح 9 ج 17 ص 487.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 328 ح 1179، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ميراث الأعمام
والأخوال ح 4 ج 17 ص 509.
105

ردا على البنت والأبوين أو أحدهما، لأن هؤلاء أقرب فيكونون أولى.
وقال ابن الجنيد: فإن حضر جميع الأبوين أو أحدهما مع الجد أو الجدة مع
الولد للميت من لا يستوعب بما سمي له، وللوالدين جميع المال كابنة وأبوين
وجد كان ما يبقى بعد حق الأبوين والابنة ميراثا لمن حضر من الجدين أو
الجدتين، لمشاركتهم أحد الأبوين في التسمية التي أخذوا بها الميراث الذي عين لهم.
والمعتمد الأول، لما تقدم.
ولما رواه الحسن بن صالح، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
امرأة مملكة لم يدخل بها زوجها ماتت وتركت أمها وأخوين لها من أبيها وأمها
وجدها أبا أمها وزوجها، قال: يعطى الزوج النصف وتعطى الأم الباقي، ولا
يعطى الجد شيئا، لأن ابنته حجبته عن الميراث، ولا يعطى الإخوة شيئا (1)
ولا فرق بين الأم والبنت في ذلك، لتساويهما في الرتبة، فإذا حجبت إحداهما
حجبت الأخرى.
مسألة: ولد الولد والوالد أولى من الجد عند علمائنا، لأنهم أقرب.
وقال ابن الجنيد: إذا حضر مع الجد الوالد أو ولد الولد أخذ الجد السدس
وكان الباقي للوالد أو لولد الولد. فإن قصد في الوالد أنه يأخذ معه السدس طعمة
فهو صواب، وإن قصد أنه يأخذه ميراثا فهو ممنوع، وأما مع ولد الوالد فلا شئ
له طعمة ولا ميراثا (2).
مسألة: قد تقدم إن القابلة تقبل شهادتها في ربع ميراث المستهل إذا شهدت
بالحياة.

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 310 ح 1111، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب ميراث الأبوين
والأولاد ح 2 ج 17 ص 458.
(2) إلى هنا انتهى السقط من نسخة " ق 2 و م 3 ".
106

وقال ابن الجنيد: ولو كانت القابلة وحدها شاهدت ذلك - يعني: ما يدل
على الحياة (1) كالبكاء والصياح والعطاس - لعلة منعت من حضور غيرها قبلت
شهادتها، ولو كان حاضر الولادة جماعة فشهد بعضهن بحال الحياة بعد الولادة
وأنكر الباقيات قبلت شهادة الواحدة إذا كانت من أهل العدالة في ربع
الميراث والاثنتين في النصف، وقد قيل: إنه تقبل شهادتهما في جميع الميراث
ويجعل كشهادة العدلين على الحقوق. قال: ولنا في ذلك نظر.
والمعتمد ما تقدم.
مسألة: المرتد عن غير فطرة إذا لم يكن له وارث مسلم وكان له ورثة كفار
قال في النهاية: يكون ميراثه لبيت المال. وقد روي أنه يكون ميراثه لورثته
الكفار، وذلك محمول على ضرب من التقية، لأنه مذهب العامة (2).
وقال ابن الجنيد: إن كان المرتد ممن كان مشركا فأسلم ثم رجع إلى
الشرك ولا قرابة له مسلم كان ميراثه لقرابته المشركين كذلك، روى ابن
فضال وابن يحيى، عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: ولنا في ذلك نظر. وهو
يعطي توقفه العمل بهذه الرواية كما اختاره الشيخ.
وقال الصدوق في المقنع: والنصراني إذا أسلم ثم رجع إلى النصرانية ثم
مات فميراثه لولده النصراني (3).
والحق ما قلناه أولا.
مسألة: المشهور أن الوارث المسلم إذا كان واحدا لم يشاركه الكافر إذا
أسلم، ولم يفصل علماؤنا إلى كون التركة باقية أو تالفة، بل أطلقوا القول في
ذلك.
.

(1) ق 2: ما يدل به على الحياة.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 239 - 240
(3) المقنع: ص 179
107

وقال ابن الجنيد: فإن كان الوارث واحدا فأسلم نظيره أو الذي يحجبه عن
الميراث وكانت التركة عينا باقية في يد الوارث الأول شاركه إن كان نظيره أو
حازه دونه إن كان حاجبا له، فأما ما كان الأول أتلفه ولا عين له في يده فلا
يرجع على المسلم، وكذلك لو مات الوارث الأول وورثه ورثته ثم أسلم الثاني
بعد ذلك لا حق له في التركة الأولى والثانية.
وفي عبارة شيخنا المفيد إيهام فإنه قال: فإن ترك ولدين أحدهما حر والآخر
مملوك كانت تركته للحر منهما دون المملوك، فإن أعتق المملوك قبل نفوذ
الميراث كان بينهما جميعا. وكذلك إن ترك ولدين أحدهما مسلم والآخر كافر
كانت تركته للمسلم دون الكافر، فإن أسلم الكافر قبل قسمة الميراث كان
الميراث بينه وبين أخيه المسلم (1).
وفي الثانية يحمل المسلم على الجنس حتى تتحقق القسمة، أما الأول فلا
يجب فيه ذلك، لأنه ذكر (2) النفوذ ويصدق في غير القسمة.
والمعتمد الأول.
لنا: إنه حين الموت لا بد للتركة من مالك، لاستحالة بقاء مال لا مالك له
وليس غير المسلم، أما الكافر فلكفره لا يصح أن يكون مالكا، وأما غيره فلبعده
عن الميت فتعين المسلم فلا ينتقل عنه. ومقتضى هذا الدليل عدم المشاركة مع
الجماعة، لكن صرنا إلى اعتبار القسمة للنقل، ولعدم استقرار ملك كل واحد
من الورثة على عين من التركة فكان في حكم مال الميت.
ولأنه لا يرث لو أتلفها، فكذا قبله.
ولأنه لا يرث لو مات وانتقلت التركة إلى ورثته، فكذا مع بقائه، لوجود

(1) المقنعة: ص 695.
(2) في الطبعة الحجرية: ذاكر.
108

الانتقال إليه في هذه الأحوال.
تذنيب: حكم العبد إذا أعتق حكم الكافر إذا أسلم فلا يرث لو أعتق بعد
الموت وكان الوارث واحدا، لما تقدم.
وقال ابن الجنيد - عقيب كلامه الأول -: والعتاقة للعبد كالإسلام
للمشرك (1) في ذلك، وقد تقدم البحث في ذلك.
مسألة: قال ابن الجنيد - في باب الولاء -: والذي نقول في تطوعه بالعتق:
أنت حر سائبة لا ولاء لي عليك، ويختار لهذا أن يشهد على ذلك ليبرأ من
جريرته. وهذا يعطي عدم وجوب اشتراط الإشهاد في التبري.
وقال - في باب الميراث بالولاء -: والمعتق تطوعا إن لم يشهد على أن عتيقه
سائبة كان ولاؤه وميراثه له. فإن قصد بذلك في الظاهر فهو حق، وإن قصد
بذلك في نفس الأمر منعناه، وقد تقدم البحث في ذلك.
مسألة: قال ابن الجنيد: فإن كان أب الغلام، زوج ابنه بنته في حجره فمات
الابن ورثته الصبية، وإن ماتت الصبية لم يرثها الغلام، إلا أن يكون ورثتها
بالنسب والرحم رضوا بعقد نكاح الوصي عليها.
وفي هذا الكلام إشكال، فإنا نقول: إن كان للذي عقد على البنت ولاية
شرعية عليها في النكاح لزم وتوارثا معا، وإن لم يكن له ولاية النكاح كان
النكاح جائزا من قبلها ولازما من قبل الولد حيث عقد عليه الأب، فإذا مات
الولد لم ترثه الصبية، إلا أن تبلغ وترضى بالعقد، وإذا ماتت الصبية لم يرثها
الصبي، سواء رضى ورثتها بالنسب والرحم بعقده أولا، فإن رضاءهم لا يصير
الجائز لازما في حال الحياة ولا بعد الموت، لانتفاء سبب الميراث، وهو النكاح اللازم.

(1) في الطبعة الحجرية: للكافر.
109

مسألة: ألحق ابن الجنيد طلاق الأسير في يد عدو لا يأمنه على نفسه على
الأغلب من حاله، وطلاق المأخوذ ليقاد منه أو ليقام عليه الحد المخوف مثله
عليه بطلاق المريض في اعتبارات إرث الزوجة منه إلى سنة، لاشتراكهما في
السبب، وهو قصد نفي الإرث منها عند ظهور أمارة التلف بخلاف الصحيح.
ولا بأس به، لكن المشهور اختصاص الحكم بالمريض اتباعا للنص،
وتصحيحا لإيقاع الطلاق من العاقل، وجريا على الأصل في استلزامه توابعه من
البينونة.
مسألة: قال ابن الجنيد: وامرأة المفقود ترثه ويورث منها ما لم يطلقها أو وليه
أو السلطان، وكذلك إن صحت وفاته وقد وقع بها الطلاق أوله أو ثانية من وليه
ما لم تخرج من عدتها، فإن كانت ثالثة برجعتين منه لم ترثه، ولو خرجت من
عدتها بطلاق الوالي أو السلطان واعتدت ونكحت زوجا أخر فقدم الأول وقد
ماتت كان الأول أحق بميراثها وإن كان الثاني قد حازه.
والمعتمد أن نقول: إنه يورث بعد أربع سنين مع طلبه وعدم ظهور خبره، إما
مع طلاق السلطان أو بدونه على ما تقدم من البحث في ذلك فحينئذ لا يرث
الأول، لأن نكاحه سقط في نظر الشرع، ولهذا لا ينفسخ نكاحها من الثاني.
مسألة: اختار ابن الجنيد في تداعى الورثة متاع المنزل إن ما كان فيه مما لا
يصلح للرجال أو ما كان فيه مما لا يصلح للنساء - كالسلاح ونحوه - فالظاهر
يوجب الحكم به لمن جرت العادة.
والمشهور من أحوالهما أنه يختص به دون صاحبه، إلا أن يقيم بينة بأنه له
خاصة أو بينهما مشترك، وما كان استعماله مشتركا فهو بينهما، إلا أن يكون
هناك بينة تفرد أحدهما به، وقد تقدم البحث في ذلك على الاستقصاء.
مسألة قال الشيخ في النهاية: ومتى سقط بيت على قوم فماتوا وبقي منهم
110

صبيان: أحدهما: مملوك والآخر: حر والمملوك عبد لذلك الحر ولم يتميز أحدهما
من الآخر أقرع بينهما، فمن خرج اسمه فهو الحر وكان الآخر مملوكا له (1). وهذا هو
المشهور.
وقال ابن أبي عقيل: ولو انهدمت دار على قوم يرث بعضهم بعضا فماتوا فنجا
منهم صبيان: أحدهما مملوك، والآخر حر، ولا يدرى الحر من المملوك: أقرع
بينهما، فأيهما خرج سهمه ورث المال والآخر يعتق، فإن كان المملوك
للحر منهما أعتق وجعل مولاه كذلك. وروى (2) عن أمير المؤمنين - عليه السلام - أنه
قضى بها باليمن في حياة النبي - صلى الله عليه وآله -. وروي أن أبا حنيفة دخل
على أبي عبد الله - عليه السلام - فقال: له الصادق - عليه السلام - ما تقول في
بيت سقط على قوم فنجا منهم صبيان: أحدهما: حر والآخر: مملوك لصاحبه فلم
يعرف الحر من المملوك؟ فقال أبو حنيفة: يعتق نصف هذا ونصف هذا ويقسم
المال بينهما، فقال الصادق - عليه السلام -: ليس كذلك، بل يقرع بينهما، فمن
أصابته القرعة فهو الحر ويعتق الآخر فيجعل مولاه.
والصدوق روى في كتابه حديث أبي حنيفة (3)، فإن كانا قد ذهبا إلى ما
تضمنته الرواية صارت المسألة خلافية، وإلا فلا.
وهذه الرواية أن صحت تعين العمل بمضمونها، وإلا فالأقوى ما ذكره الشيخ:
أو يحمل العتق على الاستحباب.
والشيخ - رحمه الله - روى أحاديث كثيرة في التهذيب كلها تتضمن عتق
الآخر بعد القرعة (4)، فحينئذ يتعين الحمل على الاستحباب، أو نقول: الأصل

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 76.
(2) كذا في المخطوطات، والعبارة في المطبوع هكذا، فإن كان الأول للحر منهما أعتق وجعل
مولاه، كذلك روي.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 308 ح 5660.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 362 و 363 ح 1292 و 1296، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب
ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج 17 ص 592.
111

الحرية، فلا تثبت القرعة هنا باعتبارها، إذ لا إشكال مع وجود هذا الأصل،
وإنما تثمر القرعة تعين المستحق للمال، فإذا خرجت على أحدهما أخذ المال
وبقي الآخر على الأصل، على أن المعتمد ما قلناه أولا.
مسألة: قال الصدوق في المقنع: لو ترك بني أخ لأم وبني أخ لأب وأم وبني
أخ لأب فلبني الأخ من الأم الثلث بينهم بالسوية وما بقي فلبني الأخ للأب
والأم وسقط [بنات الأخ و] بنو الأخ للأب، فإن ترك بنات وبني ابن أخ لأم
وبنات وبني ابن أخ لأب وأم وبنات وبني ابن أخ للأب فللبنات وبني ابن
الأخ للأم الثلث بينهم بالسوية وما بقي فللبنات وبني ابن الأخ للأب والأم
وسقط بنات وبنو ابن الأخ للأب (1).
وليس بجيد، بل لبني الأخ أو لبني وبنات الأخ للأم السدس والباقي لبني
الأخ أو لبني وبنات الأخ للأبوين، وكذا في بني وبنات ابن أخ لأم لهم
السدس والباقي لبني وبنات ابن الأخ لأبويه. والأصل في ذلك الاعتبار
بالمنتسب به وهو الأخ، فإن كان واحدا كان لأولاده أو لأولاد أولاده
السدس، وإن كان أكثر فلأولادهما أو لأولاد أولادهما الثلث لكل نصيب من
يتقرب به.
مسألة: قال الصدوق في المقنع: إن ترك أختا لأب وأم أو لأب وجدا
فللأخت النصف وما بقي فللجد (2). وكذا قال أبوه في رسالته.
وفيه إشكال، فإن الجد هنا إن كان من قبل الأم كان له السدس أو
الثلث على الخلاف والباقي رد عليهما، وإن كان للأب كان له الثلثان وللأخت
الثلث لما تقرر من أن الجد كالأخ، ولو كان هنا أخ لكان الحكم ذلك، وكذا
الجد.

(1) المقنع: ص 173.
(2) المقنع: ص 173 - 174.
112

ثم قال: فإن ترك أخوات لأب أو لأب وأم وجدا فللأخوات الثلثان وما
بقي فللجد (1). وكذا قال أبوه.
وفيه إشكال أيضا، فإن الجد إن كان من قبل الأم كان له السدس على
مذهبه، فإنه قال - بعد ذلك بلا فصل - فإن ترك جدا لأم وأخا لأب أو لأب
وأم فللجد من الأم السدس وما بقي فللأخ، وإن كان من قبل الأب فإنه يكون
كالأخ مع الأخوات (2).
مسألة: المشهور أن أم الولد تنعتق من نصيب ولدها إذا كان حيا بعد موت
مولاها، فإن لم يكن سواها عتق نصيب ولدها منها وسعت في الباقي لباقي
الورثة.
وقال الصدوق في المقنع: إذا ترك الرجل جارية أم ولده ولم يكن ولده منها
باقيا فإنها مملوكة للورثة، فإن كان ولده منها باقيا فإنها للولد وهم لا يملكونها،
لأن الإنسان لا يملك أبويه ولا ولده، وإن كان للميت ولد من غير هذه التي
هي أم الولد فإنها تجعل في نصيب ولدها إذا كانوا صغارا، فإذا أدركوا تولوا هم
عتقها، فإن ماتوا من قبل أن يدركوا رجعت ميراثا لورثة الميت، كذلك ذكره
أبي - رحمه الله - في رسالته إلي (3). وهذا القول قد اشتمل على حكمين.
الأول: عتقها عند بلوغهم بإعتاقهم وإيقاع لفظ ينعتق به، والحق أنها
تنعتق من حين موت المولى من غير احتياج إلى مباشرة اعتاق.
الثاني: ردها إلى الرق لو ماتوا قبل البلوغ، وليس بمعتمد، لأنها قد انعتق
نصيب أولادها منها فلا تعود إلى الرق ونصيب غيرهم فتستسعى فيه. وكان
الصدوق استضعف هذا الكلام، فنسبه إلى والده - رحمه الله - من غير أن يجزم هو به

(1) المقنع: ص 174.
(2) لم نعثر عليه.
(3) المقنع: ص 178.
113

مسألة: قال الصدوق في المقنع: إذا لم يكن للميت وارث حر ورث المملوك
ماله على قسمة السهام التي سمى الله عز وجل لأصحاب المواريث (1).
والظاهر أن مقصوده بذلك أنه يشترى بتلك التركة على نسبة السهام،
فالزوجة تشترى بثمن التركة، والولد يشترى بالباقي. ولم يقصد الإرث الحقيقي،
لأن المملوك لا يرث ولا يورث.
مسألة: قال ابن البراج: إذا مات إنسان وترك ورثة بعضهم غائب
وبعضهم حاضر والغائب أحق (بالميراث) من الحاضر وأولى بالميراث وقف
الميراث إلى حين حضور الغائب، فإذا حضر سلم إليه ويدفع إليه، فإن لم يحضر
وتطاولت المدة قسم على الحاضر وكان ضامنا له إلى حين حضور الغائب، فإذا
حضر سلمه إليه، وإن مات الغائب بعد أن يسلم الحاضر الميراث وكان للغائب
وارث كان على الحاضر تسليم الميراث إلى ورثة الغائب، وإن لم يكن له ورثة
كان الميراث للحاضر (2).
وهذا ليس بجيد، لأن مال الغائب لا يجوز التصرف فيه لأحد، بل يحفظه
الحاكم له، فلا يجوز دفعه إلى الحاضر.
ثم قوله: " إن لم يكن له ورثة كان الميراث للحاضر " ليس بجيد أيضا، بل
يكون للإمام، وإنما يكون للحاضر لو كان الحاضر وارثا للغائب.
مسألة: قال أبو الصلاح: حكم الأجداد والجدات وإن علوا مع الإخوة
حكم الأجداد الأدنين بشرط فقدهم، ويترتبون في التوريث ترتب ولد الولد،
فلا يرث من علا بدرجتين مع الجد الأدنى، ولا ذو الثلاث درج مع ذي
الدرجتين، هكذا أبدا إذا كانوا متساويين في الكلالة، فإن اختلفوا لم يحجب

(1) المقنع: ص 179.
(2) المهذب: ج 2 ص 154 - 155.
114

بعضهم بعضا، كما لا يحجب الجد الأدنى من قبل الأب أو الأم الأعلى من قبل
الأب أو الأم (1).
وهذا ليس بجيد، بل الجد الأدنى يمنع الأعلى، سواء اتفقت درجتهم أو
اختلفت كغيرهم من الوراث.
مسألة: قال أبو الصلاح: ورابع المستحقين: مولى النعمة، وفرضهم مختص
بوليها وعصبته من بعده بشرط فقد ذوي الأنساب، فإن كان معه زوج أو
زوجة فللزوج النصف بالتسمية والباقي رد عليه دون مولى النعمة، وللزوجة
الربع والباقي لمولى النعمة أو لعصبته (2).
وهذا ليس بجيد، والمشهور أن الزوج كالزوجة هنا، وإن لكل منهما نصيبه
الأعلى والباقي لمولى النعمة، ولا رد على الزوج هنا.
مسألة: المشهور أن الكفار يتوارثون وإن اختلفوا في الملل.
وقال أبو الصلاح: ويرث الكفار بعضهم بعضا وإن اختلفت جهات
كفرهم، ما عدا كفار ملتنا فإنهم يرثون غيرهم من الكفار ولا يرثونهم (3).
والتخصيص ممنوع، لعدم الدليل عليه.
مسألة: المشهور أن الطعمة للأجداد مستحبة، سواء كانوا لأب أو لأم.
وقال أبو الصلاح: ولا طعمة لأجداد الأم (4).
والمعتمد الأول.
لنا: تساويهما في الدرج والنسبة فيتساويان في الحكم.
وما رواه جميل بن دراج في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - أن رسول
الله - صلى الله عليه وآله - أطعم الجدة أم الأب السدس وابنها حي، وأطعم

(1) الكافي في الفقه: ص 373.
(2) الكافي في الفقه: ص 374.
(3) الكافي في الفقه: ص 375.
(4) الكافي في الفقه: ص 378.
115

الجدة أم الأم السدس وابنتها حية (1).
وعن إسحاق بن عمار، عن الصادق - عليه السلام - في أبوين وجدة لأم،
قال: للأم السدس وللجدة السدس وما بقي - وهو الثلثان - للأب (2).
وعن علي بن الحسن بن رباط رفعه إلى الصادق - عليه السلام - قال: الجدة
لها السدس مع ابنها ومع ابنتها (3).
مسألة: قال معين الدين المصري - رحمه الله -: وقد ذكرت مسألة في من ترك
خنثى وأحد أبويه أو هما وقيل: إن فيها ردا، ولا أعلم له وجها، لأن الأصل أن
لا رد، لأنا لو تركنا وظاهر القرآن لما زدناهما مع البنت على السدس شيئا، لأنه
سبحانه يقول: " ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد " (4)
واسم الولد يقع على الأنثى كما يقع على الذكر، وإنما رجعنا عن هذا الظاهر في
مواضع الرد بدليل وهو الإجماع، وهذا المشكل أمره ليس بأنثى على الحقيقة
فيثبت الرد، فإن قيل: فالحكم بأن له ميراث نصف أنثى فيثبت (5) الرد، قلنا:
والحكم بأن له ميراث نصف ذكر يمنع منه، وإذا تقابلا سقطا وبقيا على
الأصل.
والوجه ثبوت الرد بأنه أولو الأرحام التي باعتبارها أوجبنا الرد ولم يتعد إلى

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 311 - 312 ح 1118، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب ميراث الأبوين
والأولاد ح 9 ج 18 ص 471.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 312 ح 1119، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب ميراث الأبوين
والأولاد ح 10 ج 18 ص 472.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 312 ح 1120، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب ميراث الأبوين
والأولاد ح 11 ج 18 ص 472.
(4) النساء: 11.
(5) ق 2 و م 3: يثبت.
116

العصبة فللخنثى حينئذ مع أحد الأبوين تسعة عشر من ثلاثين، وكونه يرث
نصف ميراث ذكر يقتضي منع الرد في نصف النصيب.
مسألة: قال معين الدين المصري: في ما لو خلف أبوين وبنتا وإخوة يحجبون
ورد الاختصاص بالرد مجملا، وهو يقتضي أمرين: إما أن يكون للأب في الرد
سهمان من خمسة وهما اللذان كانا له وللأم، لأن الإخوة إنما يحجبون بوجود
الأب، وأما أن يكون له سهم من أربعة فيكون الرد عليه وعلى البنت
بمجموعهما، والأول أقوى. وليس بجيد، بل الأقوى الثاني، لقوله تعالى: " فإن
كان له إخوة فلأمه السدس " (1) وحينئذ يكون الباقي لباقي الورثة على نسبة
سهامهم، ولا وجه لاختصاص الأب.
مسألة: قال معين الدين المصري: لو كان في الورثة حمل آخر له نصيبان
تامان هذا هو الأولى، وقد ذكر أنه يؤخر نصيب ابن ونصيب بنت، والأول
أقوى. وهذا الذي قواه هو الأقوى عندي، لأنه أحوط.
مسألة: قال معين الدين المصري: وأما ولد الزنا فلا يرثه أحد إلا زوجة أو
زوجته أو ولده خاصة، وكذلك هو لا يرث إلا زوجة أو زوجته أو ولده خاصة،
فإن لم يكن أحد فللإمام، وميراث ولده بعده لأمه (2) أو لمن يتقرب بها بعد موتها
على الصحيح وبالعكس، لأن هذا الولد ليس بولد زنى، وليس هو ممن لا
ينسب إلى أب وأم كما حكم في أبيه أو أمه أو فيهما. وهذا يشعر بالخلاف، وما
اختاره هو الصحيح، لما ذكره من العلة.
مسألة: قال معين الدين المصري: لو ترك ابن ابن أخ أو أخت من قبل
أبوية أو من قبل أحدهما وجدا له من قبل الأب فإن الجد لا يمنع ابن ابن الأخ

(1) النساء: 11.
(2) ق 2: وميراث ولد الملاعنة لأمه.
117

وإن كان أقرب منه بدرجتين، ولا يجوز الميراث دونه على قول بعض أصحابنا،
بل يأخذ ابن ابن الأخ ميراث أبيه أو أمه على حد سواء ويشارك الجد، وعلى
قول بعضهم - وهو الأضعف - الجد يجوز الميراث دونه.
احتج الأولون بأن ولد الأخ ممن سمى الله تعالى لأبيه فرضا في القرآن
العزيز، وهو أقوى سببا ممن يرث بالرحم، وعليه الإجماع. وبه احتج السيد
المرتضى (1)، وإن كان قد ذكر في موضع آخر أن ولد ولد الأخ إذا نزل بدرجة
لا يرث مع الجد، وليس له أصل، لأن ولد الولد وإن نزل فهو ولد على الحقيقة،
وهو الذي استقر عليه المذهب، وعليه الإطباق الآن. وهذا الذي اختاره معين
الدين هو المعتمد.
مسألة: المشهور أن المعتق (2) لا يرث المنعم عليه.
وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: إذا ترك الرجل مولى منعما
أو منعما عليه ولم يترك وارثا غيره فالمال له (3).
لنا: الأصل عدم الانتقال إليه، وإنما صرنا إلى المنعم لأنه شابه الأب، فإن
الأب علة في إيجاد الولد والمنعم عليه في تمليكه نفسه، بخلاف العتيق الذي لا
سبب يقتضي ميراثه.

(1) الإنتصار: ص 302.
(2) في الطبعة الحجرية: العتيق.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 305.
118

كتاب الحدود
119

كتاب الحدود
وفيه فصول:
الأول في حد الزنا
مسألة: قال الشيخ في النهاية في باب شهادة النساء: إذا شهد أربعة رجال
على امرأة بالزنا فادعت إنها بكر أمر النساء بأن ينظرن إليها، فإن كانت كما
قالت درى عنها الرجم والحد وجلد الأربعة حد الفرية (1). ولم يذكر جلد
الشهود في كتاب الحدود.
وابن إدريس (2) قال كما قال الشيخ في باب شهادة النساء، لكن قيد إنهم
شهدوا بالزنا قبلا. وهو جيد.
وذكر هذه المسألة في كتاب الحدود أيضا ولم يذكر حد الشهود، بل قال:
فأما الشهود الأربعة فلا يحدون حد القاذف، لأنه لا دليل عليه، ولأن شهادتهم
ظاهرها الصحة، وإلى هذا القول ذهب شيخنا في المبسوط ولم يذكر في النهاية
شيئا (3). ولعله نسي ما ذكره الشيخ في باب شهادة النساء.
وقال ابن الجنيد: ولو ادعت المشهود عليها إنها رتقاء أو عذراء أو المشهود
عليه أنه خصي ارتآهما أهل العدالة، فإذا شهد أربعة من النساء بما ادعت المرأة

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 61.
(2) السرائر: ج 2 ص 137.
(3) السرائر: ج 3 ص 430.
121

ورجلان بما ادعاه الرجل أو بأحدهما بطلت الشهادة وصار الشهود قذفة.
والمعتمد ما ذكره الشيخ في المبسوط (1)، وبه قال ابن حمزة (2)، لأنه ليس
تصديق شهادة النساء أولى من تصديق شهادة الرجم، وأقل ما يحصل به الشبهة
فيدرأ بها الحد، لقوله - عليه السلام -: " إدرأوا الحدود بالشبهات " (3).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا شهد أربعة نفر على امرأة بالزنا أحدهم
زوجها وجب عليها الحد، وقد روي أن الثلاثة يجلدون حد المفتري ويلاعنها
زوجها. وهذه الرواية محمولة على أنه إذا لم يعدل الشهود، أو اختلفوا في إقامة
الشهادة، أو اختل بعض شرائطها، فأما مع اجتماع شرائط الشهادة كان
الحكم ما قدمناه (4).
وقال ابن الجنيد: إذا كان أحد الأربعة الشهود زوجا وكانت المرأة غير
مدخول بها صحت الشهادة ووجب الحد، وإن كان قد دخل بها بطلت
الشهادة وكان عليه اللعان وعلى الثلاثة الحد.
وقال الصدوق في المقنع: وإذا شهد أربعة شهود على امرأة بالفجور أحدهم
زوجها جلد الثلاثة الحد ولاعنها زوجها، ولا تحل له أبدا (5).
وقال ابن البراج: إذا شهد أربعة نفر بالزنا وأحدهم زوجها كان عليها
الحد، وقد ذكر أن الثلاثة يحدون حد المفتري ويلاعنها زوجها، وذكر بعض
أصحابنا إن هذه الرواية محمولة على أنه إذا لم يعدل الشهودا واختلفوا في إقامة

(1) المبسوط: ج 8 ص 10.
(2) الوسيلة: ص 410.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 74 ح 5146، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب مقدمات الحدود
وأحكامها العامة ح 4 ج 18 ص 336.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 283 - 284.
(5) المقنع: ص 148.
122

الشهادة. وقد ذكرت في كتابي الكامل: إن الأقوى في نفسي في ذلك أنهم
يحدون، ولا يجب على المرأة حد، لأن زوجها في حكم الخصم لها، وشهادة
الخصم على خصمه في الأمر الذي هو خصمه فيه ليست مقبولة، وإذا كان
الأمر على ذلك لم يبق غير ثلاثة فيجب عليهم حد الفرية (1).
وقال أبو الصلاح: فإن كان أحد الشهود الزوج حد الثلاثة حد المفتري
ولاعن الزوج (2).
وقال ابن حمزة: إن كان زوجها أحد شهود البينة ولم يقذفها جاز، فإن
قذفها لم يجز ولزم الحد الثلاثة، وأسقط الحد الزوج باللعان إن شاء (3).
وقال ابن إدريس: إن شهد الزوج ابتداء من غير أن يتقدم منه القذف لها
مع الثلاثة المذكورة قبلت شهادتهم ووجب على المرأة الحد، فإن كان قد رمى
الزوج المرأة بالزنا أولا ثم شهد مع الثلاثة المذكورة عليها به فلا تقبل شهادته،
ثم نقل كلام الشيخ في النهاية. ثم قال - عقيبه -: إلا أنه قيده في مسائل خلافه
فقال: إذا شهد الزوج ابتداء من غير أن يتقدم منه القذف مع ثلاثة على المرأة
بالزنا قبلت شهادتهم ووجب على المرأة الحد، وهو الظاهر من أحاديث
أصحابنا، وبه قال أبو حنيفة، وقد روي أيضا أن الثلاثة يحدون ويلاعن
الزوج. وهذا الذي (4) حققه في مسائل خلافه هو الأصح والأظهر ويتناولها قوله
تعالى: " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم "
ولم يفرق بين أن يكون الزوج أحدهم أو لا يكون، وهذا خطاب للحكام (5).
وقول ابن إدريس لا بأس به.

(1) المهذب: ج 2 ص 525، مع اختلاف.
(2) الكافي في الفقه: ص 415.
(3) الوسيلة: ص 410.
(4) في الطبعة الحجرية: وهذا القدر الذي.
(5) السرائر: ج 3 ص 430 - 431.
123

والشيخ - رحمه الله - ذكر في الاستبصار حديث إبراهيم بن نعيم، عن
الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم
زوجها، قال: تجوز شهادتهم (1).
ثم قال: وقد روي أن الزوج يلاعنها ويجلد الباقون جلد المفتري، روى
ذلك زرارة، عن أحدهما - عليهما السلام - في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا
أحدهم زوجها، قال: يلاعن ويجلد الآخرون (2).
قال: والخبر الأول أولى بأن يعمل عليه، لأنه موافق لكتاب الله تعالى، قال
تعالى: " والذين يرمون أزواجهم " بين أنه إنما يجوز اللعان إذا لم يكن للرجل من
الشهود إلا نفسه فإنه يلاعنها، فأما إذا أتى بالشهود الذين بهم يتم أربعة فلا
يجب عليه اللعان (3).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا شاهد الإمام من يزني أو يشرب الخمر
كان عليه أن يقيم عليه الحد ولا ينتظر مع مشاهدته قيام البينة ولا الإقرار،
وليس ذلك لغيره، بل هو مخصوص به، وغيره وإن شاهد يحتاج أن يقيم له بينة أو
إقرار من الفاعل على ما بيناه (4).
وقال ابن إدريس: حكم النائب من قبل الإمام حكمه في الحكم
بعلمه (5). وهو الأقوى عندي، وقد تقدم البحث في ذلك.
مسألة: إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فشهد اثنان منهم أنه أكرهها

(1) الإستبصار: ج 3 ص 35 ح 118، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب اللعان ح 1 ج 15 ص 606.
(2) الإستبصار: ج 3 ص 36 ذيل الحديث 118 و ح 119، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب اللعان
ح 2 ج 15 ص 606، وفيهما: " ويجلد الآخرون ".
(3) الإستبصار: ج 3 ص 36 ذيل الحديث 119.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 285.
(5) السرائر: ج 3 ص 432.
124

والآخران إنها طاوعته فلا حد على المرأة، لأنه لم يثبت المطاوعة.
وأما الرجل فقال الشيخ في الخلاف: قال الشافعي: لا يجب عليه الحد،
وهو الأقوى عندي، وقال أبو حنيفة: عليه الحد. ثم استدل بأصالة براءة الذمة،
واحتاج إيجاب الحد إلى دليل، ولأن الشهادة لم تكمل بفعل واحد وإنما هي
شهادة على فعلين، لأن الزنا طوعا غير الزنا كرها (1).
وقال في المبسوط: لا حد على المرأة، لأن الشهادة لم تكمل، والرجل لا حد
عليه أيضا، وقال بعضهم: إن عليه الحد، وهو الأقوى عندي، لأن الشهادة قد
كملت في حقه على الزنا، لأنه زان في الحالين، ومن قال بالأول قال: لأن
الشهادة لم تكمل على فعل واحد فإن الإكراه غير المطاوعة (2). وهذا عكس ما
قاله في الخلاف، فإنه قوي هناك كلام الشافعي وقوي هنا كلام أبي حنيفة.
وقال ابن الجنيد: لو شهد اثنان من الأربعة بأن الرجل استكره المرأة وشهد
الآخران بأنها طاوعته وادعت المرأة الإكراه سقط الحد عن المرأة ولزم الحد
الرجل. وبه قال ابن حمزة (3)، وابن إدريس (4). وقوله في الخلاف أجود عندي.
لنا: إن الزنا بقيد الإكراه مغاير له بقيد المطاوعة، كما أن الزنا في أحد
الزوايا مغاير له في الزاوية الأخرى وكما لم تسمع الثانية إن اتفقا على مطلق
الزنا فكذا في الأول للتغاير.
واحتجاج الشيخ بكونه زانيا ممنوع، لأنه إنما يثبت المطلق بشهادة الأربعة
لو لم يختلف المشخصات له، أما مع اختلافها فلا.
وابن إدريس لقصور فهمه وعدم قوته المميزة لم يتفطن لذلك، وتعجب من
استدلال الشيخ بالمغايرة، وادعى أن الشهادة كملت بالزنا، لأن من شهد

(1) الخلاف: ج 5 ص 383، المسألة 24.
(2) المبسوط: ج 8 ص 8.
(3) الوسيلة: ص 410.
(4) السرائر: ج 3 ص 432.
125

بالإكراه فقد شهد بالزنا، ومن شهد بالمطاوعة فقد شهد أيضا بالزنا فالفعل
واحد، وإن اختلفت أسبابه وهو غلط ظاهر.
مسألة: إذا حضر أربعة ليشهدوا بالزنا فشهد واحد أو ثلاثة ولم يشهد الرابع
لم يثبت على المشهود عليه الزنا، لأن الشهادة ما تكاملت بلا خلاف ومن لم
يشهد لا شئ عليه أيضا بلا خلاف، ومن شهد فعليه حد القذف. قاله الشيخ
في الخلاف، ونقله عن أبي حنيفة وأصحابه، والشافعي في أحد قوليه، وقال في
الآخر: لا يجب الحد (1).
وقال الشيخ في المبسوط: الذي يقتضيه مذهبنا أن عليهم الحد، وعلى ما
يحكمون أصحابنا في قصة المغيرة لا حد عليهم (2).
والشيخ نقل قصة المغيرة في الخلاف، وجعله دليلا بعد استدلاله بإجماع
الفرقة، فقال: وقد روي ذلك عن علي - عليه السلام - وعمر ولا مخالف لهما. أما
علي - عليه السلام - فروي أن أربعة أتوه ليشهدوا على رجل بالزنا فصرح ثلاثة
وقال الرابع: رأيتهما تحت ثوب، فإن كان ذلك زنى فهو ذلك. وأما عمر
فالقصة مشهورة، وهو: أنه استخلف المغيرة بن شعبة على البصرة وكان نازلا في
أسفل الدار ونافع وأبو بكرة وشبل بن معبد وزياد في علوها، فهبت ريح
ففتحت باب البيت ورفعت الستر فرأوا المغيرة بين رجلي امرأة، فلما أصبحوا
تقدم المغيرة ليصلي فقال أبو بكرة: تنح عن مصلانا فبلغ ذلك عمر فكتب: أن
يرفعوا إليه، وكتب إلى المغيرة: قد يحدث عنك بما إن كان صدقا لو كنت مت
قبله كان خيرا لك، فاشخصوا (3) إلى المدينة فشهد نافع وأبو بكرة وشبل بن
معبد، فقال عمر: أودى المغيرة الأربعة، فجاء زياد ليشهد فقال عمر: هذا

(1) الخلاف: ج 5 ص 389، المسألة 32.
(2) المبسوط: ج 8 ص 9.
(3) في الطبعة الحجرية: فاشخص.
126

رجل لا يشهد إلا بالحق إن شاء الله تعالى، فقال: أما بالزنا فلا أشهد، ولكني
رأيت أمرا قبيحا، فقال عمر: الله أكبر وجلد الثلاثة، فلما جلد أبو بكرة قال:
اشهد أن المغيرة زنى، فهم عمر بجلده فقال له علي - عليه السلام -: إن جلدته
فارجم صاحبك - يعني: ارجم المغيرة - فموضع الدلالة إن هذه قضية ظهرت
واشتهرت ولم ينكر ذلك أحد، وقيل في تأويل قول علي - عليه السلام - لعمر: - إن
جلدت أبا بكرة ثانيا فارجم صاحبك - تأويلان، أصحهما أن معناه إن كانت
هذه شهادة غير (1) الأولى فقد كملت الشهادة أربعة فارجم صاحبك، يعني:
إنما أعاد ما شهد به فلا تجلده بإعادته (2). وقول الشيخ في المبسوط مشكل.
وابن الجنيد قال: لو شهد ثلاثة وتأخر الرابع إلى تصرم مجلس الحكم أو
قدر ساعة صاروا كلهم بمعنى القذفة.
قال الشيخ في الخلاف: ومن قال: لا حد عليهم استدل بقوله تعالى:
" والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة "
فأخبر أن القاذف من إذا لم يأت بأربعة شهداء فاجلدوهم، وليس هذا منهم،
فإنه لا يحد إذا أتى بأقل منهم، وهو إذا شهد معه ثلاثة فكل من خرج من قذفه
بأقل من أربعة شهود لم يكن قاذفا (3).
وصاحب الكامل قال: إذا لم يتم عدد الشهود كان شهد ثلاثة أو شهد
واحد فهل يكونون قذفة يجب عليهم حد القذف؟ فيه قولان: أحدهما - وهو
المنصوص المشهور - أنهم يحدون، وبه قال مالك وأبو حنيفة. والثاني: أنهم لا
يحدون، لأنه أضاف الزنا إليه بلفظ الشهادة عند الحاكم فلم يجب عليه الحد،

(1) م 3: عين.
(2) الخلاف: 5: 389، المسألة 32.
(3) الخلاف: 5: 389 - 390 المسألة 32.
127

كما لو شهد الأربعة ثم رجع واحد منهم فلم يحد الباقين. وهذا القول عندي لا
يخلو من قوة، وإلا لأدى ذلك إلى امتناع الشهود عن إقامتها، لأن تجويز أن
يترك أحدهم الشهادة يقتضي تجويز إيقاع الحد عليه فيمتنع من أدائها، ولأن
أصحابنا نصوا على أنه لو شهد أربعة فردت شهادة واحد منهم بأمر خفي لا يقف
عليه إلا الآحاد يقام (1) على المردود الشهادة الحد دون الثلاثة، لأنهم غير مفرطين
في أقامتها، فإن أحدا لا يقف على بواطن الناس فكان عذرا في إقامتها، فلهذا لا
حد، وما ذكرناه من الأمور الباطنة.
مسألة: إذا استكره امرأة على الزنا فلا حد عليها إجماعا، وعليه الحد، ولها
مهر المثل.
وبه قال ابن إدريس قال: وقال أبو حنيفة: لا مهر لها، واختاره شيخنا
أبو جعفر في كتاب الحدود من مسائل خلافه، إلا أنه رجع عنه في مبسوطه، وفي
موضع آخر من مسائل خلافه، واستدل شيخنا على سقوطه بقول النبي - صلى
الله عليه وآله -: إنه نهى عن مهر البغي، وقال: البغي: الزانية. قال: وهذا
الاستدلال يرغب عن ذكره هل هذه المكرهة بغي حتى يستشهد بهذا الحديث
على نفي مهرها (2)؟!.
وقول ابن إدريس جيد، والحديث غير متناول لها على ما قاله الشيخ.
وقال في كتاب الصداق من الخلاف: إذا وطأ امرأته فأفضاها - بأن صير
مجرى البول ومدخل الذكر واحدا - فإن كان قبل تسع سنين لزمه نفقتها
ما دامت حية وعليه مهرها وديتها كاملة، وإن كان بعد تسع سنين لم يكن عليه
شئ غير المهر، هذا إذا كان في عقد صحيح أو عقد شبهة، فأما إذا كان

(1) في نسخة: ق 2 لقام.
(2) السرائر: ج 3 ص 436.
128

مكرها لها فإنه يلزمه ديتها على كل حال ولا مهر لها، وسواء كان البول
مستمسكا أو مسترسلا، وقال الشافعي: عليه ديتها ومهرها، ولم يفصل قبل
تسع سنين أو بعده (1) (2). وليس في هذا رجوع عما قاله أولا.
وقال في المبسوط: إذا استكره امرأة على الزنا فلا حد عليها، لأنه ليست
بزانية وعليه الحد، لأن زان، وأما المهر فلها مهر مثلها عند قوم، وقال آخرون:
لا مهر لها، وهو مذهبنا، لأن الأصل براءة الذمة. ثم قال: والأحكام التي
تتعلق بالوطئ على ثلاثة أضرب: أحدها: معتبر بهما، وهو الغسل، فالغسل يجب
على كل واحد منهما والحد (بكل واحد منهما)، فإن كانا زانيين فعلى كل واحد
منهما الحد، وإن كان أحدهما زانيا فعليه الحد دون الآخر، وأما المهر فمعتبر بها،
فمتى حدت فلا مهر، وإذا سقط الحد وجب لها المهر (3). وهذا الكلام الأخير
كالناقض للأول، حيث قال لا حد عليها، لأنه ليست زانية ولا مهر لها.
وقال في الصداق من المبسوط: وهكذا إن أكره امرأة أو وطأها بشبهة
فأفضاها وجب المهر والدية، وعندنا خاصة أنه يلزم النفقة عليها (4). وهو موافق
لما اخترناه.
مسألة: قسم الشيخ الزناة في النهاية على خمسة أقسام: منهم من يجب عليه
الحد بالقتل على كل حال، سواء كان مسلما أو كافرا، شيخا كان أو شابا،
وعلى كل حال وهو كل من وطأ ذات محرم له إما أو بنتا أو أختا أو بنتها أو
بنت أخيه أو عمته أو خالته فإنه يجب عليه القتل على كل حال. وكذا الذمي
إذا زنى بمسلمة، ومن غصب امرأة على فرجها، ومن زنى بامرأة أبيه فإنه يقتل،

(1) في المصدر: ولم يفصل بين قبل تسع سنين أو بعده.
(2) الخلاف: ج 4 ص 395 المسألة 41.
(3) المبسوط: ج 8 ص 10 - 11.
(4) المبسوط: ج 4 ص 318.
129

سواء كان محصنا أو غير محصن (1). ولم يذكر جلدا ولا رجما. وكذا أبو الصلاح
قال في الزاني بالمحرمات بالنسب (2)، وابن البراج تبع الشيخ (3).
وشيخنا المفيد قال في المقنعة: وإذا زنى الذمي بمسلمة ضربت عنقه ومن
زنى بذات محرم له - كعمته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أخته - ضربت عنقه،
وكذا الحكم في من زنى بأمه أو ابنته أو أخته، ومن عقد على واحدة ممن سميناه
وهو يعرف رحمه منها ثم وطأها ضربت عنقه، ومن غصب امرأة على نفسها
ووطأها مكرها لها ضربت عنقه محصنا كان أو غير محصن (4).
وقال ابن إدريس: الذي يجب تحصيله في هذا القسم - وهو الذي يجب عليه
القتل، على كل حال - أن يقال: إن كان محصنا وجب عليه الجلد أولا ثم
الرجم فيحصل امتثال الأمر في الحدين معا ولا يسقط واحد منهما، ويحصل أيضا
المبتغى الذي هو القتل، لأجل عموم أقوال أصحابنا وأخبارهم، لأن الرجم
يأتي على القتل ويحصل الأمر بحد الرجم، وإن كان غير محصن وجب عليه
الجلد، لأنه زان ثم القتل بغير الرجم (5).
واحتج الشيخان بما رواه زرارة في الحسن، عن أحدهما - عليهما السلام - في
رجل غصب امرأة نفسها، قال: يقتل (6).
وعن جميل بن دراج عن الصادق - عليه السلام. قال: قلت له: أين تضرب

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 286 - 287، مع اختلاف.
(2) الكافي في الفقه: ص 405.
(3) المهذب: ج 2 ص 519.
(4) المقنعة: ص 778.
(5) السرائر: ج 3 ص 438.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 17 ح 48، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب حد الزنا ح 2 ج 18
ص 381.
130

هذه الضربة - يعني: من أتى ذات محرم -؟ قال: يضرب عنقه، أو قال: رقبته (1).
ثم إن الشيخ - رحمه الله - روى عن أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام -
قال: إذا زنى الرجل بذات محرم حد حد الزاني إلا أنه أعظم ذنبا (2).
قال الشيخ: وليس منافيا، لما تقدم من ضربه بالسيف، لأن القصد قتله،
وفي ما يجب على الزاني الرجم وهو يأتي على النفس فالإمام مخير بين أن يضربه
ضربة بالسيف أو يرجمه (3). وهذا قول الشيخ لا بأس به عندي.
مسألة: قسم الشيخ الزاني المحصن في النهاية إلى شيخين وشابين، فإن كانا
شيخين جلدا مائة ثم رجما، وإن كانا شابين رجما بغير جلد (4). وتبعه ابن
البراج (5)، وابن حمزة (6).
وأطلق الشيخ المفيد (7)، وابن الجنيد، وسلار (8) القول في المحصن: إنه يجلد
أولا ثم يرجم.
وقال ابن أبي عقيل: وحد الزاني عند آل الرسول - عليهم السلام - إذا كانا
بكرين جلدا مائة ونفيا سنة، وحد المحصن والمحصنة إذا زنيا الرجم. ولم يتعرض
للجلد.
وقال السيد المرتضى: مما ظن انفراد الإمامية به وأهل الظاهر يوافقونهم
فيه القول: بأنه يجمع على الزاني المحصن الجلد والرجم يبدأ بالجلد ويثنى

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 23 ح 69، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب حد الزنا ح 7 ج 18
ص 386.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 23 - 24 ح 71، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب حد الزنا ح 8 ج 18
ص 386.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 24 ذيل الحديث 71.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 287.
(5) المهذب: ج 2 ص 519.
(6) الوسيلة: ص 411.
(7) المقنعة: ص 775 - 776.
(8) المراسم: ص 252.
131

بالرجم، وداود يوافقهم عليه، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقالوا: لا يجتمع
الجلد والرجم، بل يقتصر في المحصن على الرجم، واحتج بإجماع الطائفة، ولأنه
لا خلاف في استحقاقه الرجم، وإنما الخلاف في استحقاقه الجلد، ويدل على
استحقاقه إياه قوله تعالى: " الزانية والزاني فاجلدوا.. الآية " والمحصن داخل
فيه، واستحقاقه الرجم غير مناف لاستحقاقه الجلد (1). وأطلق القول، ولم
يفصل. وكذا الصدوق في المقنع (2).
وتبعه ابن إدريس، لقوله تعالى: " الزانية والزاني فاجلدوا " قال: وما
اخترناه مذهب السيد المرتضى، واختيار شيخنا المفيد والجلة من المشيخة
الفقهاء من أصحابنا، وشيخنا قد رجع في التبيان فقال: يجلد الزاني والزانية إذا
لم يكونا محصنين كل واحد منهما مائة جلدة، وإذا كانا محصنين أو أحدهما كان
على المحصن الرجم بلا خلاف، وعندنا أنه يجلد أولا مائة جلدة ثم يرجم، وفي
أصحابنا من خص ذلك بالشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا محصنين، فأما إذا كانا
شابين محصنين لم يكن عليهما غير الرجم، وهو قول مسروق، وفي ذلك خلاف
ذكرناه في الخلاف (3).
والشيخ قال في الخلاف: المحصن إذا كان شيخا أو شيخة فعليهما الجلد ثم
الرجم، وإن كانا شابين فعليهما الرجم، وقال داود وأهل الظاهر: عليهما الجلد
ثم الرجم، ولم يفصلا، وبه قال جماعة من أصحابنا، وقال جميع الفقهاء: ليس
عليهما إلا الرجم دون الجلد. ثم استدل بقوله تعالى: " الزانية والزاني فاجلدوا "
ولم يفصل. وروى عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه
وآله -: " خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب

(1) الإنتصار: ص 254، مع اختلاف.
(2) المقنع: ص 144.
(3) السرائر: ج 3 ص 440 - 441.
132

عام، والثيب بالثيب الجلد ثم الرجم " وفيه إجماع الصحابة. وجلد علي - عليه
السلام - شراحة (1) يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، فقيل له: أتحدها حدين؟
فقال: حددتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله - (2).
وقال في المبسوط: حد الثيب - وهو المحصن - من أصحابنا من قال: يجب
عليه الجلد ثم الرجم، ومنهم من قال: إنما يجب ذلك إذا كانا شيخين، فإن
كانا شابين فعليهما الرجم لا غير، وعند المخالف يجب الرجم بلا تفصيل،
وبعضهم يجمع بينهما، ولا يفصل (3).
واحتج الشيخ بما رواه عبد الله بن طلحة، عن الصادق - عليه السلام - قال:
إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثم رجما عقوبة لهما، وإذا زنى النصف من الرجال
رجم، ولم يجلد إذا كان قد أحصن (4).
واحتج الباقون بعموم الآية (5).
وبما رواه محمد بن مسلم في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام - في المحصن
والمحصنة جلد مائة ثم الرجم (6). وكذا رواه زرارة عنه - عليه السلام - (7) وهذا
هو الأقوى عندي.

(1) في (م 3): سراجة.
(2) الخلاف: ج 5: 366 - 368، المسألة 2.
(3) المبسوط: ج 8 ص 2.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 4 ح 10، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد الزنا ح 11 ج 18
ص 349.
(5) النور: 2.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 4 ح 13، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد الزنا ح 8 ج 18
ص 348.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 5 ح 16، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد الزنا ح 14 ج 18
ص 349.
133

مسألة: قسم الشيخ في النهاية الزاني غير المحصن على قسمين: البكر وغيره،
وفسر البكر بأنه المملك على المرأة من غير دخول، وغيره من ليس بمملك،
وأوجب على البكر جلد مائة والتغريب سنة وجز الشعر إن كان رجلا، ولا جز
على المرأة ولا تغريب، وعلى غير البكر جلد مائة لا غير، رجلا كان أو امرأة (1).
وقال في الخلاف (2) والمبسوط (3): البكر عبارة عن غير المحصن، فإذا زنى
بالبكر جلد مائة وغرب عاما إذا كان ذكرا، وإن كان أنثى لم يكن عليها
تغريب.
وقال المفيد - رحمه الله -: وإذا زنى الرجل وقد أملك بامرأة وكان زناه قبل
أن يدخل بها جزت ناصيته وجلد مائة جلدة ونفي عن المصر حولا كاملا (4).
وقال ابن أبي عقيل: إذا كانا بكرين جلدا مائة ونفيا سنة، وحد المحصن
والمحصنة إذا زنيا الرجم، ثم فسر المحصن بأنه الذي يكون له زوجة حرة مسلمة
يغدوا عليها ويروح. ولم يفسر البكر، والظاهر أنه في مقابلته، لكنه لم يصرح
بذلك.
وقال الصدوق في المقنع: إن كانا محصنين ضربا مائة جلدة ثم رجما، وإن
كانا غير محصنين فعليه وعلى المرأة جلد مائة، والذي قد أملك ولم يدخل بها جلد
مائة وينفى (5)
وقال ابن الجنيد: إذا زنى غير المحصن جلد مائة وغرب سنة من بلده إذا

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 288، وليس فيه: " وغيره من ليس بمملك ".
(2) الخلاف: ج 5: 368، المسألة 3.
(3) المبسوط: ج 8 ص 2.
(4) المقنعة: ص 780.
(5) المقنع: ص 143 و 144 و 146.
134

كان حرا. ولم يشرط (1) الملاك.
وقال أبو الصلاح: إن كان حرا مسلما محصنا وكان شيخا جلد مائة سوط
وأمهل حتى يبرأ الضرب ثم رجم حتى يموت، وإن كان شابا رجم حسب، وإن
كان أحدهما محصنا لغائبة عنه أو حاضرة لا يتمكن من الوصول إليها جلد مائة
سوط وغرب عاما، وإن لم يكن محصنا جلد مائة سوط (2). وابن البراج (3) تبع
الشيخ - رحمه الله -، وكذا ابن حمزة (4).
وقال ابن إدريس (5): البكر هو غير المحصن، سواء كان مملكا أولا، كما قاله
الشيخ في الخلاف. والأقرب ما اختاره الشيخ في النهاية.
لنا: الأصل براءة الذمة.
وما رواه سماعة عن الصادق - عليه السلام - قال: الحر والحرة إذا زنيا
جلدا كل واحد منهما مائة جلدة، فأما المحصن والمحصنة فعليهما الرجم (6).
احتج الآخرون بما رواه عبد الله بن طلحة، عن الصادق - عليه السلام -
قال: إذا زنى الشاب الحدث السن جلد ونفي سنة من مصره (7).
والجواب: المراد بذلك إذا كان مملكا لما رواه زرارة، عن الباقر - عليه
السلام - قال: ومن لم يحصن يجلد مائة ولا ينفى، والتي قد أملكت ولم يدخل بها

(1) م 3: يشترط.
(2) الكافي في الفقه: ص 405، وفيه: " محصنا بغائبه عنه ".
(3) المهذب: ج 2 ص 520.
(4) الوسيلة: ص 411.
(5) السرائر: ج 3 ص 441 - 442.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 3 ح 6، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد الزنا ح 3 ج 18 ص 347.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 4 ح 10، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد الزنا ح 11 ج 18
ص 349.
135

تجلد مائة وتنفى (1).
وفي الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - الشيخ والشيخة جلد
مائة والرجم، والبكر والبكرة جلد مائة ونفي سنة (2).
وعن عبد الرحمن، عن الصادق - عليه السلام - قال: كان علي - عليه السلام -
يجلد البكر والبكرة وينفيهما سنة (3).
والبكر هو المملك، لما رواه زرارة في الحديث السابق.
وما رواه محمد بن قيس، عن الباقر - عليه السلام - قال: قضى أمير المؤمنين
- عليه السلام - في الشيخ والشيخة أن يجلدا مائة، وقضى في المحصن الرجم،
وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مائة ونفي سنة إلى غير مصرهما وهما
اللذان قد أملكا ولم يدخل بها (4).
مسألة: المشهور أن المرأة لا نفي عليها، قاله الشيخ - رحمه الله - وتبعه
المتأخرون. واستدل في الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم وأصالة البراءة، ولقوله
تعالى: " فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب " فلو كانت الحرة يجب
عليها التغريب لكان على الأمة نصفها، وقد بينا أنه لا تغريب على الأمة، لقوله
- عليه السلام -: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها، وكان هذا كل الواجب (5).
وكلام ابن أبي عقيل يدل على أنها تنفى سنة كالرجل، للأخبار السالفة في

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 4 ح 12، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد الزنا ح 7 ج 18 ص 348.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 4 - 5 ح 14، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد الزنا ح 9 ج 18
ص 348.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 4 ح 11، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد الزنا ح 12 ج 18
ص 349.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 3 ح 9، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد الزنا ح 2 ج 18 ص 347.
(5) الخلاف: 5: 368 - 369 المسألة 3.
136

المسألة السابقة، لكن المشهور ما قاله الشيخ لما فيه من الصيانة ومنعها عن
الإتيان بمثل ما فعلت.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: حد الإحصان في الرجل هو أن يكون له فرج
متمكن من وطئه يكون مالكا له، سواء كان بالعقد أو ملك اليمين، ويراعى في
العقد الدوام، فإن المتعة لا تحصن، ولا فرق بين أن يكون الدائم على حرة أو أمة
أو يهودية أو نصرانية، فإن جميع ذلك يحصن الرجل، وملك اليمين أيضا يحصن.
والإحصان في المرأة مثل الإحصان في الرجل سواء، وهو: أن يكون لها زوج
يغدوا إليها ويروح، مخلا بينها وبينه، غير غائب عنها، قد دخل بها، حرا كان أو
عبدا وعلى كل حال (1). ومثله قال السيد المرتضى (2)، وشيخنا المفيد (3)، وابن
البراج (4).
وقال ابن الجنيد: والإحصان الذي يلزم صاحبه إذا زنى الرجم هو: أن
يكون الزوجان حرين بالغين مسلمين وقد وقع الوطئ بينهما، والرجل غير ممنوع
وقت زناه من وطئ زوجته بغيبته عنها ولا حبس ولا علة في محضرها.
وقال ابن أبي عقيل: والمحصن الذي يكون له زوجة حرة مسلمة يغدو عليها
ويروح، فقد اتفقا على اعتبار إسلام الزوجة وحريتها. وابن الجنيد زاد اعتبار
حرية الرجل.
وقال سلار: العاقل المحصن إذا شهد عليه أربعة رجال عدول ولا حائل
بينه وبين وطئ زوجته وكان نكاحها للدوام، فإن المتعة لا تحصن، فأما ملك
اليمين فقد روي أنه تحصن (5). وهذا يعطي أنه لا يفتي بأن ملك اليمين يحصن.

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 287 و 288.
(2) الإنتصار: ص 258.
(3) المقنعة: ص 775 - 776.
(4) المهذب: ج 2 ص 519 - 520.
(5) المراسم: ص 252.
137

وأبو الصلاح وافق شيخنا في أن الإحصان يحصل بالزوجة الحرة والأمة
وملك اليمين (1)، وكذا ابن إدريس (2).
والمعتمد ما اختاره الشيخ في النهاية.
لنا: ما رواه إسحاق بن عمار في القوي، عن الكاظم - عليه السلام - قال:
سألته عن الرجل إذا هو زنى وعنده السرية والأمة (3) يطأها تحصنه الأمة
تكون عنده؟ فقال: نعم إنما ذاك، لأن عنده ما يغنيه عن الزنا، قلت: فإن
كانت عنده أمة زعم أنه لا يطأها؟ فقال: لا يصدق، قلت: فإن كانت عنده
امرأة متعة تحصنه؟ قال: لا، إنما هو على الشئ الدائم عنده (4).
وفي الصحيح عن حريز، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
المحصن، قال: فقال: الذي يزني وعنده ما يغنيه (5).
وفي الصحيح عن إسماعيل بن جابر، عن الباقر - عليه السلام - قال: قلت
له: ما المحصن رحمك الله؟ قال: كل (6) من كان له فرج يغدو عليه ويروح (7).
احتج الآخرون بما رواه الحلبي في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام -

(1) الكافي في الفقه: ص 405
(2) السرائر: ج 3 ص 441.
(3) في المصدر: أو الأمة
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 11 - 12 ح 26، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب حد الزنا ح 2 ج 18
ص 352.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 12 ح 27، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب حد الزنا ح 4 ج 18
ص 352.
(6) ليس في المصدر.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 12 ح 28، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب حد الزنا ح 1 ج 18 ص 351
- 352.
138

قال: قال: لا يحصن الحر المملوكة ولا المملوكة الحرة (1).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم، عن الباقر - عليه السلام - قال: وكما
لا تحصنه الأمة والنصرانية واليهودية إن زنى بحرة فكذلك لا يكون عليه حد
المحصن إن زنى بيهودية أو نصرانية أو أمة وتحته حرة (2).
والجواب عن الأول: أنه لا دلالة فيه، لأن مقتضاه إن الحر لا يحصن الأمة
حتى إذا زنت وجب عليها الرجم كما لو كانت تحته حرة، لأن حد المملوك
والمملوكة خمسون جلدة ولا رجم عليهما.
وعن الثاني: قال الشيخ: يحتمل أن هؤلاء كانوا عنده على سبيل المتعة،
فلهذا حكم بأنهن لا يحصنه (3).
مسألة: لما قسم الشيخ في النهاية الزناة خمسة أقسام وجعل الخامس من ليس
بمحصن ولا مملك قال: ومن هذه صورته إذا زنى فجلد ثم زنى ثانية فجلد ثم زنى
ثالثة فجلد ثم زنى رابعة كان عليه القتل (4).
وكذا قال شيخنا المفيد: إن غير المحصن إذا زنى فجلد ثم عاد إلى الزنا ثانية
فجلد ثم عاد ثالثة فجلد فإن عاد رابعة بعد جلده ثلاث مرات قتل، وكذا المرأة
تقتل في الرابعة بعد جلدها ثلاث مرات (5).
وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية القول: بأن الحر البكر إذا

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 12 ح 30، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب حد الزنا ح 7 ج 18
ص 353.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 13 ح 31، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب حد الزنا ح 9 ج 18
ص 354.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 13 ذيل الحديث 31.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 288
(5) المقنعة: ص 776.
139

زنى فجلد ثم عاد فجلد ثم عاد الثالثة فجلد أنه إن عاد الرابعة قتله الإمام (1).
وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد، وبه قال سلار (2)، وابن البراج (3)،
وأبو الصلاح (4)، وابن حمزة (5).
وقال الصدوق في المقنع وأبوه في الرسالة: يقتل في الثالثة بعد إقامة الحد
مرتين (6). وبه قال ابن إدريس (7).
وقال الصدوق: وروي أنهما يقتلان في الرابعة (8).
وللشيخ في الخلاف قول غريب: أنه يقتل في الخامسة بعد جلد أربع
مرات. قال فيه: وقد روي أنه يقتل في الرابعة (9).
والمعتمد ما قاله الشيخان.
لنا: ما رواه أبو بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: الزاني إذا جلد ثلاثا
يقتل في الرابعة (10). يعني: إذا جلد ثلاث مرات.
ولأن فيه صيانة للنفس عن الإتلاف، وهو مطلوب للشارع.
احتج ابن إدريس أن الأظهر من أقوال أصحابنا، والذي يقتضيه أصول
مذهبنا أنه يقتل في الثالثة، لإجماعنا أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة،
وهذا منهم بغير خلاف (11).

(1) الإنتصار: ص 256.
(2) المراسم: ص 251.
(3) المهذب: ج 2 ص 520.
(4) الكافي في الفقه: ص 407.
(5) الوسيلة: ص 411.
(6) المقنع: ص 148.
(7) السرائر: ج 3 ص 442.
(8) لم نعثر عليه.
(9) الخلاف: ج 5: 408، المسألة 55.
(10) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 37 ح 129، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب حد الزنا ح 1 ج 18
ص 387.
(11) السرائر: ج 3 ص 442.
140

وبما رواه يونس، عن الكاظم - عليه السلام - قال: أصحاب الكبائر كل ما
أقيم عليهم الحد [مرتين] قتلوا في الثالثة (1).
والجواب: إنه كيف يصح ادعاؤه الإجماع مع أن جلة أصحابنا وأكثرهم
ممن ذكرناه خالف فيه؟!
وعن الحديث قال الشيخ: إنه مخصوص بما عدا حد الزنا من شرب الخمر
وغيره على ما نبينه (2). وهو حسن، لأن ما ذكرناه خاص وحديثه عام فيقدم
حديثنا.
تذنيب: قال الشيخ في النهاية: المملوك والمملوكة يقتلان في التاسعة بعد
إقامة الحد ثمان مرات (3). وتبعه ابن البراج (4).
وقال في الخلاف: يقتل المملوك في الثامنة (5). وبه قال السيد المرتضى (6)،
وهو أيضا قول شيخنا المفيد (7)، وعلي بن بابويه وولده الصدوق في المقنع (8)،
وسلار (9)، وابن حمزة (10)، وأبي الصلاح (11)، وابن إدريس (12). والأول أقوى.
لنا: إنه أصون للنفس عن التلف فيتعين العمل به.
وما رواه زرارة (13) وبريد العجلي، عن الصادق - عليه السلام - قال: قلت

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 37 ح 130، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب حد الزنا ح 3 ج 18
ص 388.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 37 ذيل الحديث 130، مع اختلاف.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 289.
(4) المهذب: ج 2 ص 520.
(5) الخلاف: ج 5: 408 المسألة 55.
(6) الإنتصار: ص 256.
(7) المقنعة: ص 779.
(8) المقنع: ص 148.
(9) المراسم: ص 253.
(10) الوسيلة: ص 411.
(11) الكافي في الفقه: ص 407.
(12) السرائر: 3: ص 442.
(13) في المصدر: عبيد بن زرارة.
141

له: أمة زنت، قال: تجلد خمسين جلدة، قلت: فإنها عادت؟ قال: تجلد خمسين،
قلت: فيجب عليها الرجم في شئ من الحالات؟ قال: إذا زنت ثماني مرات
يجب عليها الرجم، قلت: كيف صار في ثماني مرات؟ قال: لأن الحر إذا زنى
أربع مرات فأقيم عليه الحد قتل، فإذا زنت الأمة ثماني (1) مرات رجمت في
التاسعة (2).
احتج الآخرون بما رواه بريد في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال:
إذا زنى العبد ضرب خمسين، فإن عاد ضرب خمسين، فإن عاد ضرب خمسين إلى
ثماني مرات، فإن زنى ثماني مرات قتل (3).
والجواب: لعل المراد: إذا زنى ثماني مرات وأقيم الحد فيها قتل في التاسعة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا زنى الرجل بصبية لم تبلغ ولا مثلها قد بلغ
لم يكن عليه أكثر من الجلد وليس عليه رجم، فإن أفضاها أو أعابها كان ضامنا
لعيبها، وكذلك المرأة إذا زنت بصبي لم يبلغ لم يكن عليها رجم وكان عليها جلد
مائة ويجب على الصبي والصبية التأديب (4). وتبعه ابن البراج (5)، وهو قول
الصدوق في المقنع (6).
وقال المفيد: من زنى بصبية حد وتؤدب الصبية من غير حد، والمرأة إذا
مكنت الصبي من وطئها بغير نكاح أقيم عليها الحد ولم يقم على الصبي بل

(1) في المصدر: ثمانية.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 27 ح 86، وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب حد الزنا ح 1 ج 18
ص 402 - 403.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 28 ح 87، وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب حد الزنا ح 2 ج 18
ص 403.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 289 - 290.
(5) المهذب: ج 2 ص 521.
(6) المقنع: ص 145.
142

يؤدب (1). ولم يذكر تفصيل الحد، بل أطلق.
وقال ابن الجنيد: وإذا كان أحد المشهود عليهما غير بالغ رجم الرجل إن
كان محصنا.
وقال أبو الصلاح: فإن كان حرا مسلما محصنا جلد مائة سوط وأمهل حتى
يبرأ الضرب ثم يرجم حتى يموت، وإن كان شابا رجم حسب، وإن كان
أحدهما محصنا بغائبة عنه أو حاضرة لا يتمكن من الوصول إليها جلد مائة سوط
وغرب عاما، وإن لم يكن محصنا جلد مائة سوط، سواء كانت المزني بها حرة أو
أمة، مسلمة أو ذمية، صغيرة أو كبيرة، أو معقودا عليها عقدا لا تحل معه بسبب
أو رضاع أو نسب عاقلة أو مجنونة حية أو ميتة، وإن كانت الزانية حرة
مسلمة عاقلة مؤثرة فعليها إن كانت محصنة بزوج حاضر يصل إليها الرجم، وإن
كانت بكرا أو محصنة بزوج لا يصل إليها جلدت مائة ولا تغريب عليها، سواء
كان الزاني بها حرا أو عبدا، مسلما أو كافرا، صغيرا أو كبيرا، عاقلا أو
مجنونا (3).
وحكى ابن إدريس كلام شيخنا في النهاية وجعله رواية، وقال: إنه
مذهب شيخنا في نهايته، وذهب شيخنا المفيد إلى أن على الرجل وعلى المرأة
الحد، وأطلق، وهو الصحيح عندي، لأن الإحصان والزنا وجدا معا، وهما
الموجبان للجلد والرجم (4).
والمعتمد ما قاله الشيخ في النهاية.
لنا: إن اللذة فيه أنقص، فلا يجب فيه من العقوبة ما يجب في الأكمل.
وما رواه أبو بصير في الصحيح عن الصادق - عليه السلام - في غلام صغير لم

(1) المقنعة: ص 779، مع اختلاف.
(2) الكافي في الفقه: ص 405 مع اختلاف.
(3) السرائر: ج 3 ص 443.
143

يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة، قال: يجلد الغلام دون الحد وتجلد المرأة الحد
كاملا، قيل له: فإن كانت محصنة؟ قال: لا ترجم، لأن الذي نكحها ليس
بمدرك، ولو كان مدركا رجمت (1). ورواه الصدوق في كتاب من لا يحضره
الفقيه (2).
وشيخنا المفيد - رحمه الله - لا ينافي كلامه ما قاله الشيخ، لأن كمال الجلد
يسمى حدا، كما قال الإمام - عليه السلام - في هذا الحديث وغيره.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: الرجل إذا زنى بمجنونة لم يكن عليه رجم (3)،
وتبعه ابن البراج (4). وجعله ابن إدريس رواية (5)، وهو يدل على استضعافه.
وكلام أبي الصلاح يعطي وجوب الرجم عليه مع الإحصان (6).
وقال ابن الجنيد: إذا كان أحد المشهود عليهما غير بالغ رجم الرجل إن
كان محصنا، وإن كانت المرأة مجنونة حد الرجل دون المرأة. ولم يذكر ما هو
الحد، فيحمل ظاهرا على المعهود من الرجم في المحصن والجلد في غيره.
والوجه ما قاله الشيخ، لنقص الزنا هنا كما قلنا في الصبية، ولأصالة
البراءة.
مسألة: قال الشيخان: المجنون إذا زنى وجب عليه الحد كاملا جلد مائة إن
لم يكن محصنا، والرجم إن كان محصنا (7). وتبعهما ابن البراج (8).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 16 ح 44، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب حد الزنا ح 1 ج 18
ص 362، وفيهما: " قلت فإن كانت ".
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 27 ح 5005.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 290.
(4) المهذب: ج 2 ص 521.
(5) السرائر: ج 3 ص 444.
(6) الكافي في الفقه: ص 405.
(7) المقنعة: ص 779، النهاية ونكتها: ج 3 ص 290 - 291، مع اختلاف.
(8) المهذب: ج 2 ص 521.
144

وقال الشيخ في المبسوط: حد الإحصان عندنا هو كل حر بالغ كامل
العقل كان له فرج يغدو إليه ويروح على جهة المداومة متمكنا من وطئه. ثم
قال: وأصحابنا لم يراعوا كمال العقل، لأنهم رووا أن المجنون إذا زنى وجب
عليه الرجم أو الحد (1).
وقال في الخلاف: ليس من شرط إحصان الرجل (2) الإسلام، بل من
شرطه الحرية والبلوغ وكمال العقل والوطء في نكاح صحيح، فإذا وجدت هذه
الشرائط فقد أحصن إحصانا يرجم (3). وهو يعطي عدم الرجم على المجنون.
وقال ابن الجنيد: والإحصان الذي يلزم صاحبه إذا زنى الرجم هو أن
يكون الزوجان حرين بالغين مسلمين وقد وقع الوطء بينهما والرجل غير ممنوع
وقت زناه من وطء زوجته. وهذا يعطي عدم اشتراط العقل. ونحوه قال السيد
المرتضى (4).
وقال الصدوق في المقنع: إذا زنت المجنونة لم تحد، وإذا زنى المجنون حد (5)،
لأن المجنون يأتي وهي تؤتى.
وقال سلار: فنقول أن الزانيين على ضربين: محصن وغير محصن، فالمحصن
على ضربين: عاقل ومجنون، فالمجنون يدرأ عنه الحد (6).
وقال ابن إدريس: لا حد على المجنون والمجنونة، لأنهما غير مخاطبين
بالتكاليف والأحكام، ولا قام على ذلك دليل فيهما، والأصل براءة الذمة، فلا
يرجع عنه إلى أخبار الآحاد (7).

(1) المبسوط: ج 8 ص 3.
(2) في المصدر وفي الطبعة الحجرية: الرجم.
(3) الخلاف: ج 5: 402 المسألة 46.
(4) الإنتصار: ج 258.
(5) المقنع: ص 146.
(6) المراسم: ص 252.
(7) السرائر: ج 3 ص 444، مع اختلاف.
145

وقسم أبو الصلاح المجنون: إلى مطبق لا يفيق ولا يهتدي شيئا فلا شئ
عليه، وإلى من يصح منه القصد إلى الزنا فيجلد مائة محصنا كان أو غيره (1).
والمعتمد إسقاط الحد عن المجنون والمجنونة.
لنا: إنه عقوبة تترتب على ثبوت التحريم في حق فاعل موجبها، وهو منتف
هنا، لانتفاء أصل التكليف عنهما، فلا يثبت مقتضاه.
احتج الشيخ بما رواه أبان بن تغلب، عن الصادق - عليه السلام - قال:
قال: إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحد، فإن كان محصنا رجم، قلت: وما
الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال: المرأة إنما تؤتى والرجل
يأتي، وإنما يأتي إذا عقل كيف يأتي اللذة، وإن المرأة تستكره ويفعل بها
وهي لا تعقل ما يفعل بها (2).
والجواب: بعد صحة السند الحمل على من يعتوره الجنون إذا زنى بعد
تحصيله، لأن العلة التي ذكرها الإمام - عليه السلام - تدل عليه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن زنى وتاب قبل قيام البينة عليه بذلك
درأت التوبة عنه الحد، فإن تاب بعد قيام الشهادة عليه وجب عليه الحد ولم يجز
للإمام العفو عنه، فإن كان أقر على نفسه عند الإمام ثم أظهر التوبة كان
للإمام الخيار في العفو عنه أو في إقامة الحد عليه حسب ما يراه من المصلحة،
ومتى لم يتب لم يجز للإمام العفو عنه على حال (3). وتبعه ابن البراج (4)، وابن

(1) الكافي في الفقه: ص 406.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 19 ح 56، وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب حد الزنا ح 2 ج 18
ص 388.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 291.
(4) المهذب: ج 2 ص 521.
146

إدريس، لكن ابن إدريس قال: هذا إذا كان الحد رجما يوجب تلف نفسه،
فأما إن كان الحد جلدا فلا يجوز العفو عنه، ولا يكون الحاكم بالخيار فيه، لأنا
أجمعنا على أنه بالخيار في الموضع الذي ذكرناه، ولا إجماع على غيره، فمن ادعاه
وجعله بالخيار وعطل حدا من حدود الله تعالى فعليه الدليل (1).
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: أن المقتضي لإسقاط الرجم عنه اعترافه بالذنب، وهو موجود في
الجلد، لأنه إحدى العقوبتين.
ولأن التوبة يسقط تحتم أشد العقوبتين، فإسقاطها لتحتم الأخرى الأضعف
أولى.
تذنيب: قال شيخنا المفيد: من زنى وتاب قبل أن تقوم الشهادة عليه بالزنا
أدرأت عنه التوبة الحد، فإن تاب بعد قيام الشهادة عليه كان للإمام الخيار في
العفو عنه أو إقامة الحد عليه حسب ما يراه من المصلحة في ذلك له ولأهل
الإسلام، فإن لم يتب لم يجز العفو عنه في الحد بحال (2). ووافقه أبو الصلاح (3)
والشيخ أبو جعفر وابن إدريس أوجبوا الحد إذا تاب بعد قيام الشهادة عليه، وإنما
خيروا الإمام إذا تاب بعد الإقرار، وهو المشهور.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن عقد على امرأة في عدتها ودخل بها عالما
بذلك وجب عليه الحد، وإن كانت عدتها عدة الطلاق الذي يملك فيه رجعتها
كان عليها الرجم، وإن كانت التطليقة بائنة أو كانت عدة المتوفى عنها زوجها
كان عليها جلد مائة لا غير، فإن ادعيا أنهما لم يعلما أن ذلك لا يجوز في شرع

(1) السرائر: ج 3 ص 444.
(2) المقنعة: ص 777.
(3) الكافي في الفقه: ص 407.
147

الإسلام لم يصدقا فيه وأقيم عليهما الحد (1). ونحوه قال المفيد (2).
وقال ابن إدريس: إن ادعيا أنهما لم يعلما أن ذلك لا يجوز في شرع الإسلام
وكانا قريبي العهد بالإسلام فإنه يدرأ الحد عنهما، لقوله - عليه السلام -: " إدرأوا
الحدود بالشبهات " وهذه شبهة بغير خلاف، فإن كانا بخلاف ذلك لم يصدقا
فيه وأقيم الحد، لأنه شائع ذائع بين المسلمين لا يختص بعالم دون عامي جاهل،
فلا شبهة لهما في ذلك، فليلحظ الفرق بين الموضعين، وشيخنا أبو جعفر أطلق
ذلك في نهايته إطلاقا، والأولى ما فصلناه (3). وهو جيد، وكأن مراد الشيخين
- رحمهما الله - ذلك، فلا منازعة هنا في الحقيقة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن وطأ جارية من المغنم قبل أن يقسم
قومت عليه وأسقط عنه من قيمتها بمقدار ما يصيبه منها والباقي بين المسلمين،
ويقام عليه الحد، ويدرأ عنه بمقدار ما كان له منها (4). وتبعه ابن البراج (5)، وهو
قول ابن الجنيد أيضا.
وقال المفيد - رحمه الله -: من وطأ جارية في المغنم قبل أن يقسم عزره الإمام
بحسب ما يراه من تأديبه، وقومها عليه، وأسقط من قيمتها سهمه، وقسم الباقي
بين المسلمين (6).
وقال ابن إدريس: من وطأ جارية من المغنم قبل أن يقسم وادعى الشبهة
في ذلك فإنه يدرأ عنه الحد. وقد روي أنها تقوم عليه، ويسقط عنه من قيمتها
بمقدار ما يصيبه منها والباقي بين المسلمين، ويقام عليه الحد، ويدرأ عنه بمقدار

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 292.
(2) المقنعة: ص 780.
(3) السرائر: ج 3 ص 445، وفيه: " وأقيم عليهما الحد ".
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 292 - 293.
(5) المهذب: ج 2 ص 522.
(6) المقنعة: ص 781.
148

ما كان له منها.
والأولى ما ذكرناه، لأن الاشتباه حاصل في ذلك بلا خلاف، ولأنه يظن
أن سهمه أكثر منها، ولأن الأصل براءة الذمة، والحد يحتاج إلى دليل (1).
والوجه أن نقول: إن وطأ مع الشبهة فلا حد ولا تعزير، وإن وطأ من علم
التحريم عزر، لعدم علمه بقدر النصيب، وإنما يتحصل بعد القسمة، وتجويز أن
يكون له أقل أو أكثر شبهة في إسقاط الحد.
واحتج الشيخ بما رواه عمرو بن عثمان، عن عدة من أصحابنا عن الصادق
- عليه السلام - إنه سئل عن رجل أصاب جارية من الفئ فوطأها قبل أن يقسم،
قال: تقوم الجارية وتدفع إليه بالقيمة، ويحط له منها ما يصيب منها من الفئ
ويجلد الحد، ويدرأ عنه من الحد بقدر ما له فيها... الحديث (2).
والجواب: أنه محمول على ما إذا عينها الإمام لجماعة هو أحدهم.
مسألة: قال الشيخان: والأعمى إذا زنى وجب عليه الحد كما يجب على
البصير ولم يسقط عنه الحد بعماه (3)، فإن ادعى أنه اشتبه على الأمر فظن أن
التي وطأها كانت زوجته أو أمته لم يصدق في ذلك (4) وأقيم عليه الحد. وقد
روي أن امرأة تشبهت لرجل بجاريته واضطجعت على فراشه ليلا فظنها
جاريته فوطأها من غير تحرز فرفع خبره إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - فأمر
بإقامة الحد على الرجل سرا وإقامة الحد على المرأة جهرا (5). وتبعهما ابن البراج،

(1) السرائر: ج 3 ص 446.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 30 - 31 ح 100، وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب حد الزنا ح 6 ج 18
ص 391.
(3) في المصدر: لعماه.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 294 - 296، المقنعة: ص 783 - 784.
(5) ليس " في ذلك " في المصدر.
149

إلا أنه لم يجعل رواية التشبه رواية بل فتوى، فقال: إذا اشتبهت امرأة لرجل
بجاريته ونامت على مرقده ليلا فظن أنها جاريته فوطأها من غير تحرز كان عليه
الحد سرا وعلى المرأة جهرا (1). وتبعهما سلار أيضا في الأعمى (2).
وقال ابن إدريس: الأعمى إذا زنى كالبصير، فإن ادعى أنه اشتبه عليه
الأمر فظنها أو أمته وكانت الحال شاهدة بما ادعاه - بأن تكون على فراشه
نائمة قد تشبهت بزوجته أو أمته - فإنه يدرأ عنه الحد للشبهة، وإن كان شاهد
الحال بخلاف ذلك فإنه لا يصدق وأقيم عليه الحد. وقد روي أن امرأة تشبهت لرجل
بجاريته واضطجعت على فراشه ليلا فظنها جاريته فوطأها من غير تحرز، فرفع خبره إلى
أمير المؤمنين - عليه السلام - فأمر بإقامة الحد على الرجل سرا وإقامته على المرأة
جهرا. أورد هذه الرواية شيخنا أبو جعفر في نهايته، ورجع عنها في مسائل خلافه
فقال: إذا وجد الرجل امرأة على فراشه فظنها زوجته فوطأها لم يكن عليه الحد،
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: عليه الحد، وقد روى ذلك أيضا أصحابنا،
دليلنا: إن (3) الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
والوجه أن الأعمى إن ادعى الشبهة قبل منه، لأنه مسلم، والأصل في
أخباره المطابقة، وهو في مظنة ما أخبر به. وأما الواجد على فراشه فإنه لا حد
عليه للشبهة.
والشيخ - رحمه الله - لم يفت في النهاية بل ذكرها رواية فقال: وقد روي،
وكذا شيخنا المفيد، فلا منافاة بين كلامه في النهاية وكلامه في الخلاف (4)،

(1) المهذب: ج 2 ص 524، وفيه: " وإذا تشابهت امرأة لرجل ".
(2) المراسم: ص 254.
(3) السرائر: ج 3 س 447 - 448 مع اختلاف.
(4) الخلاف: ج 3 ص 180 المسألة 20.
150

بحيث يكون قوله فيه رجوعا عما ذكره. نعم الخلاف مع ابن البراج حيث
ذكره فتوى لا رواية.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن افتض جارية بإصبعه غرم عشر ثمنها
وجلد من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا عقوبة لما جناه، وإن كانت
الجارية حرة غرم عقرها، وهو مهر مثل نسائها بلا نقصان (1). وتبعه ابن
البراج (2).
وقال الصدوق في المقنع: فإن افتضت جارية جارية بإصبعها فعليها المهر
وتضرب الحد (3).
وقال المفيد: ومن افتض جارية بإصبعه ضرب من ثلاثين سوطا إلى
ثمانين عقوبة على ما جناه، وألزم صداق المرأة، لذهابه بعذرتها (4). وبه قال
سلار (5).
وقال ابن إدريس: إن كانت أمة روي أنه يغرم عشر قيمتها (6) ويجلد من
ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا عقوبة، والأولى (7) أنه يغرم ما بين قيمتها
بكرا وثيبا، وإن كانت حرة غرم عقرها، وهو مهر مثل نسائها (8).
والشيخ - رحمه الله - روى في الصحيح عن ابن سنان وغيره، عن الصادق
- عليه السلام - في امرأة افتضت جارية بيدها، قال: عليها المهر وتضرب الحد (9).
وفي الصحيح عن ابن سنان، عن الصادق - عليه السلام - إن أمير المؤمنين

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 296 - 298.
(2) المهذب: ج 2 ص 523.
(3) المقنع: ص 145.
(4) المقنعة: ص 785.
(5) المراسم: ص 255.
(6) في المصدر: منها.
(7) في المصدر: عقوبة لما جناه والأولى.
(8) السرائر: ج 3 ص 449.
(9) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 47 ح 172، وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب حد الزنا ح 1
ج 18 ص 409.
151

قضى بذلك، وقال: تجلد ثمانين (1). والرواية يتعين العمل بها، والظاهر أنهما
واردتان في الحرة، أما الأمة فالأقوى الأرش.
تذنيب: قال ابن إدريس: إذا زنى بامرأة فإن كانت أمة ثيبا مطاوعة فلا
شئ لمولاها، لنهي النبي - صلى الله عليه وآله - عن مهر البغي، فإن كانت
مكرهة فعلى الزاني لمولاها مهر أمثالها، وذهب بعض أصحابنا إلى أن عليه
نصف عشر ثمنها. قال: والأول (هو) الصحيح، لأن هذا ورد في من اشترى
جارية ووطأها وكانت حاملا وأراد ردها فإنه يردها ويرد معها نصف عشر
ثمنها، والقياس عندنا باطل. وإن كانت بكرا فإن أكرهها فعليه مهر أمثالها
وعليه ما نقص من قيمتها قبل افتضاضها، وهو أرش البكارة يجمع بين الشيئين
معا بين المهر وما نقص من القيمة، لأن أحدهما لا يدخل في الآخر ألزمناه
المهر، لأنها مكرهة غير بغي، وما نقص من القيمة يأخذ بكارتها، لأنها جناية
على مال الغير، فيجب أن يلزمها بأرش ما جناه وأتلفه. وإن كانت مطاوعة فلا
مهر، لأنها بغي، بل عليه ما نقص من قيمتها فحسب، وإن كانت حرة ثيبا
مطاوعة عاقلة فلا شئ لها، وإن كانت مكرهة فعليه عقرها وهو مهر أمثالها،
لأنها غير بغي وإن كانت بكرا مطاوعة فلا شئ لها، لأنها زانية وبكارتها
ذهبت باختيارها، وإن كانت مكرهة فلها مهر نسائها فحسب دون أرش
البكارة ولا يجمع بينهما (2). وقد سبق البحث في ذلك.
مسألة: قال الشيخان: المحصن الذي يجب عليه الجلد ثم الرجم يجلد أولا
ثم يترك حتى يبرأ جلده، فإذا برأ رجم (3). وتبعهما ابن البراج (4)، وأبو

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 47 ح 173، وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب حد الزنا ح 2
ج 18 ص 409 - 410.
(2) السرائر: ج 3 ص 449 - 450، مع اختلاف.
(3) المقنعة: ص 775، النهاية ونكتها: ج 3 ص 298 - 299.
(4) المهذب: ج 2 ص 527.
152

الصلاح (1).
وقال سلار: يجلد الزاني أولا مائة جلدة ثم يرجم حتى يموت (2).
وقال ابن الجنيد: ويجلد المحصن قبل رجمه بيوم.
وقال ابن إدريس: وروى أصحابنا أنه لا يرجم حتى يبرأ جلده، فإذا برئ
رجم. والأولى حمل الرواية على جهة الاستحباب دون الفرض والإيجاب، لأن
الغرض في الرجم إتلافه وهلاكه (3). ونمنع كون الغرض الإتلاف مطلقا، بل
جاز أن يكون بعض الغرض ويكون البعض الآخر قصد التعذيب.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا كان الرجم وجب عليهما بإقرارهما على
أنفسهما ثم فر أحدهما وكان قد أصابهما شئ من الحجر لم يردا ويتركا حتى
يمضيا، فإن فرا قبل أن ينالهما شئ من الحجر ردا على كل حال، وإن كان قد
وجب بالبينة رد حتى يستوفى منه الحد بالرجم (4). وتبعه ابن البراج (5)، ونحوه
قال ابن الجنيد.
وقال المفيد: إن فر من البئر وقت الرجم وكان عليه شهود بالزنا رد إليها
ورجم حتى يموت، وإن فر منها ولم يكن عليه شهود وإنما أخذ بإقراره ترك ولم
يرد، لأن فراره رجوع عن الإقرار وهو أعلم بنفسه (6). ولم يشرط في عدم الرد
إصابة الحجر، وكذا سلار (7)، وأبو الصلاح (8).
ولما نقل ابن إدريس كلام الشيخين قال: ولي في ذلك نظر (9).
والصدوق قال في المقنع (10) كقول المفيد، ثم قال: وروي في المرجوم إذا فر

(1) الكافر في الفقه: ص 407.
(2) المراسم: ص 252.
(3) السرائر: ج 3 ص 451.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 299.
(5) المهذب: ج 2 ص 527.
(6) المقنعة: ص 775.
(7) المراسم: ص 252.
(8) الكافي في الفقه: ص 407.
(9) السرائر: ج 3 ص 452.
(10) المقنع: ص 144.
153

أنه إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يرد، وإن لم يكن أصابه ألم الحجارة فليرد
حتى يصيبه ألم الحجارة (1).
وقول المفيد عندي أقوى.
وقد روى الشيخ عن الحسين بن خالد قال: قلت لأبي الحسن - عليه
السلام -: أخبرني عن المحصن إذا هو هرب من الحفرة هل يرد حتى يقام عليه
الحد؟ فقال: يرد ولا يرد، قلت: كيف ذاك؟ فقال: إذا كان هو المقر على
نفسه ثم هرب من الحفرة بعد ما يصيبه شئ من الحجارة لم يرد، وإن كان إنما
قامت عليه البينة وهو يجحد ثم هرب يرد وهو صاغر حتى يقام عليه الحد (2).
فإن صحت هذه الرواية تعين المصير إليها.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا أراد الوالي ضرب الزاني أو رجمه ينبغي
أن يشعر الناس بالحضور ثم يجلدهما بمحضر منهم لينزجروا عن مواقعة مثله، قال
تعالى: " وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " وأقل ما يحضر عذابهما واحد
فصاعدا (3).
والبحث هنا يقع في أمرين:
الأول: في وجوب الحضور، وكلام الشيخ هنا لا يشعر به، لأن لفظة
" ينبغي " يستعملها الشيخ في هذا الكتاب تارة للوجوب، وأخرى للاستحباب
وهي أكثر.
وقال في الخلاف: يستحب أن يحضر عند إقامة الحد على الزاني طائفة من
المؤمنين بلا خلاف، لقوله تعالى: " وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " (4).

(1) لم نعثر عليه في المقنع ووجدناه في من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 34 ذيل الحديث 5020.
(2) الكافي: ج 7 ص 185 ح 5، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب حد الزنا ح 1 ج 18 ص 376.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 300، وفيه: " ثم يجلده بمحضر ".
(4) الخلاف: ج 5: 374، المسألة 11.
154

ومثله قال في المبسوط (1)، وتبعه ابن البراج (2).
وقال المفيد: وإذا أراد الإمام أو خليفته جلد الزانيين نادى بحضور جلدهما،
وإذا اجتمع الناس جلدهما بمحضر منهم لينزجر من يشاهدهما عن مثل ما أتياه
ويكونا عبرة لغيرهما وموعظة لمن سواهما، قال تعالى: " وليشهد عذابهما طائفة
من المؤمنين " (3).
وقال أبو الصلاح: وإذا أراد ولي الأمر إقامة الحد على الزانيين أو أحدهما
فليكن ذلك بمحضر من جماعة من المسلمين (4).
وقال ابن حمزة: يعتبر وقت إقامة الحد أربعة أشياء: إحضار طائفة من خيار
الناس (5).
وقال ابن إدريس: الذي أذهب إليه أن الحضور واجب، لقوله تعالى:
" وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " ولا خلاف أنه أمر، والأمر للوجوب (6).
ولا بأس بقوله هنا.
الثاني: في أقل عدد يحضر قال الشيخ في النهاية: وأقل ما يحضر عذابهما
واحد (7).
وقال في الخلاف: أقل ذلك عشرة، قال: وبه قال الحسن البصري، وقال
ابن عباس: أقله واحد، وروى ذلك أيضا أصحابنا، وقال عكرمة: اثنان،
وقال الزهري: ثلاثة، وقال الشافعي: أربعة، ثم استدل بالاحتياط، لأنه إذا
حضر عشرة دخل الأقل فيه، ولو قلنا: بأحد ما قالوه لكان قويا: لأن لفظ
الطائفة يقع على جميع ذلك (8).

(1) المبسوط: ج 8 ص 8.
(2) المهذب: ج 2 ص 528.
(3) المقنعة: ص 780 - 781.
(4) الكافي في الفقه: ص 406.
(5) الوسيلة: ص 412.
(6) السرائر: ج 3 ص 453.
(7) النهاية ونكتها: ج 3 ص 300.
(8) الخلاف: ج 5: 374 - 375، المسألة 11.
155

وقال ابن إدريس: الذي أقول في الأقل أنه ثلاثة نفر، لأنه من حيث
العرف دون الوضع، والعرف إذا طرا صار الحكم له دون الوضع الأصلي،
وشاهد الحال يقتضي ذلك وألفاظ الأخبار، لأن الحد إن كان قد وجب
بالبينة فالبينة ترجمه وتحضره وهم أكثر من ثلاثة، وإن كان باعترافه (1) فأول
من يرجمه الإمام ثم الناس مع الإمام، وإن كان المراد والمعنى حضور غير الشهود
والإمام، فالعرف والعادة اليوم أن أقل ما يقال: جئنا في طائفة من الناس أو
جاءنا طائفة من الناس المراد به الجماعة عرفا وعادة، وأقل الجمع ثلاثة،
وشاهد الحال يقتضى أنه أراد تعالى الجمع، وفيه الاحتياط، وخيرة شيخنا في
الخلاف لا وجه له، فأما الرواية فمن أخبار الآحاد، وقد بينا ما في ذلك (2).
والمعتمد في ذلك: المصير إلى العرف، فمهما دل عليه لفظ " الطائفة " صرف
إليه، وإلا فعلى الموضوع اللغوي، لانتفاء العرف الشرعي فيه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وقضى أمير المؤمنين - عليه السلام - في من أقر
على نفسه بحد ولم يبينه أن يضرب حتى ينهى هو عن نفسه الحد (3). وأفتى به ابن
البراج (4).
وقال ابن إدريس: ومن أقر على نفسه بحد ولم يبينه ضرب أعلى الحدود
وهي المائة، إلا ينهي هو عن نفسه من دونها، وبعد تجاوز الحد الذي هو الثمانون
فإن نهى عن نفسه قبل بلوغ الثمانين سوطا - الذي هو حد شارب الخمر - فلا
يقبل منه وضرب إلى أن يبلغه. فهذا تحرير هذه الفتيا. وقد روى أنه يضرب
حتى ينهى هو عن نفسه الحد (5).
والمعتمد: الأول، لما رواه محمد بن قيس، عن الباقر - عليه السلام - عن أمير

(1) في المصدر: وإن كان الحد باعترافه.
(2) السرائر: ج 3 ص 454.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 303 - 304.
(4) المهذب: ج 2 ص 529.
(5) السرائر: ج 3 ص 455 - 456.
156

المؤمنين - عليه السلام - في رجل أقر على نفسه بحد ولم يسم أي حد هو، قال: أمر
أن يجلد حتى يكون هو الذي ينهى عن نفسه الحد (1).
ولأن حد القواد أقل من ثمانين فكيف يتعين الثمانون؟!.
ولأن التعزير قد سمى حدا مجازا، والأصل براءة الذمة الذمة فجاز إرادته.
مسألة قال الشيخ في النهاية (2)، وابن البراج (3)، وابن إدريس (4) إذا شهد
الأربعة بوطء ما دون الفرج ولم يشهدوا بالزنا قبلت شهادتهم ووجب على
فاعل ذلك التعزير، وأطلقوا.
وقال المفيد: يجب التعزير بحسب ما يراه الإمام من عشر جلدات إلى تسعة
وتسعين جلدة (5).
وفي تقدير شيخنا إشكال. والأقرب أنه بحسب ما يراه الإمام، فجاز أن
يقتضي المصلحة جلدة أقل من عشر جلدات.
مسألة: قال المفيد - رحمه الله -: وإن اختلفت الشهود في الرؤية بطلت
شهادتهم، فإن كانت وقعت بالزنا جلدوا الحد، وإن كانت وقعت بغيره مما
ذكرناه وجب عليهم التأديب (6).
والمعتمد أن الاختلاف في القسم الثاني إن كان على وجه يمتنع الجمع بين
شهاداتهم وجب التأديب، وإن أمكن وجب التأديب على المشهود عليه، إذا لا
يشترط الأربعة في الشهادة على ذلك.

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 45 ح 160، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب مقدمات الحدود
وأحكامها العامة ح 1 ج 18 ص 318.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 283.
(3) المهذب: ج 2 ص 525.
(4) السرائر: ج 3 ص 429.
(5) المقنعة: ص 774.
(6) المقنعة: ص 774.
157

مسألة: قال المفيد: إذا أقر على نفسه بالزنا أربع مرات على اختيار منه
للإقرار وجب عليه الحد (1)، وأطلق. ولم يشترط تعدد المجالس. وكذا أطلق
الشيخ في النهاية (2)، وابن البراج (3)، وابن إدريس (4).
وقال الشيخ في الخلاف (5)، والمبسوط (6): لا يجب الحد بالزنا إلا بالإقرار
أربع مرات في أربعة مجالس.
والمعتمد الأول.
لنا: الأصل عدم الاشتراط.
ولأن تعدد المجالس لا مدخل لها في قبول الإقرار وعدمه، إذ لا يثمر ظنا ولا
علما بصدق المقر أو بكذبه.
وما رواه جميل، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا يقطع السارق حتى يقر
بالسرقة مرتين ولا يرجم الزاني حتى يقر أربع مرات (7).
احتج الشيخ بما رواه أبو العباس، عن الصادق - عليه السلام - قال: أتى
النبي - صلى الله عليه وآله - رجل فقال: إني زنيت، فصرف النبي - صلى الله
عليه وآله - وجهه عنه، فأتاه من جانبه الآخر ثم قال مثل ما قال، فصرف
وجهه عنه، ثم جاء إليه الثالثة فقال: يا رسول الله إني زنيت وعذاب الدنيا
أهون على من عذاب الآخرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله -:

(1) المقنعة: ص 775.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 281.
(3) المهذب: ص 524.
(4) السرائر: ج 3 ص 429.
(5) الخلاف: ج 5: 377، المسألة 16.
(6) المبسوط: ج 8 ص 4.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 8 ح 21، وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب حد الزنا ح 3 ج 18
ص 380.
158

أبصاحبكم بأس - يعني جنة -؟ قالوا: لا، فأقر على نفسه الرابعة، فأمر رسول الله
- صلى الله عليه وآله - أن يرجم (1).
والجواب: أنه لا حجة فيه، لأنه وقع اتفاق لا أنه شرط.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: فإذا أراد الإمام أن يرجمه فإن كان الذي
وجب عليه ذلك قد قامت عليه به بينة أمر أن يحفر له حفيرة ودفن فيها إلى
حقويه ثم يرجم، والمرأة مثل ذلك تدفن إلى صدرها ثم ترجم (2). وتبعه ابن
البراج (3)، وابن إدريس (4).
وقال المفيد: يحفر له حفيرة إلى صدره ثم يرجم بعد ذلك، وإذا وجب على
المرأة رجم حفر لها بئرا إلى صدرها كما يحفر للرجل ثم تدفن فيها إلى وسطها
وترجم، هذا إن كان عليها شهود بالزنا، وإن كانت مقرة بلا شهود لم تدفن
وتركت كما ترك الرجل، فإن خرجت هاربة لم ترد (5).
وقال الصدوق: والرجم أن يحفر له حفيرة مقدار ما يقوم فيها فيكون بطوله
إلى عنقه (6).
وقال سلار: يحفر له حفيرة ويقام فيها إلى صدره ثم يرجم، والمرأة تقام إلى
وسطها (7).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 8 ح 22، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب حد الزنا ح 2 ج 18
ص 376.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 299.
(3) المهذب: ج 2 ص 527.
(4) السرائر: ج 3 ص 451 - 452.
(5) المقنعة: ص 775، 780.
(6) المقنعة: ص 144.
(7) المراسم: ص 252.
159

وقال أبو الصلاح: فإن كان حدهما أو أحدهما رجما فليحفر زبية (1) ويجعل
فيها المرجوم ويرد التراب عليه إلى صدره إن كانت إقامة الحد بعلم الإمام أو
ببينة، وإن كانت بإقرار لم يرد عليهما التراب (2).
وفي رواية سماعة عن الصادق - عليه السلام - قال: تدفن المرأة إلى وسطها
ثم يرمي الإمام ويرمي الناس بأحجار صغار، ولا يدفن الرجل إذا رجم إلا إلى
حقويه (3). ولا بأس بالعمل بمضمونها.
مسألة: قال أبو الصلاح: أو يعلمه سلطان الحد (4) زانيا، وهو ممن يصح
منه القصد، سواء كان مختارا له أو مكرها صاحيا أو (5) سكرانا (6).
وفيه إشكال، فإن الإكراه يتحقق في طرف المرأة قطعا، وفي تحققه في
الرجل إشكال:
ينشأ من أنه لا يحصل إلا مع ميل وقصد، فإن الخوف يقطع الشهوة ويمنع
الانتشار، فإذا وطأ لم يكن مكرها.
ومن أن الخوف من ألا يفعل، والفعل لا يخاف منه، فلا يمنع ذلك قدرته
عليه.
وبالجملة فإن قلنا: يتحقق الإكراه في طرف الرجل سقط الحد، وإن قلنا:

(1) الزبية: حفرة تحفر للأسد، سميت بذلك لأنهم كانوا يحفرونها في موضع عالي (الصحاح: ج 3
ص 2366).
(2) الكافي في الفقه: ص 406 - 407.
(3) الكافي: ج 7 ص 184 - 185 ح 4، وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب حد الزنا ح 3 ج 18 ص 374 -
375، وفيهما: " حتى يقر بأحجار ".
(4) في الطبعة الحجرية و ق 2 و م 3: الحق - عليه السلام - وما أثبتناه من المصدر.
(5) في المصدر: أم.
(6) الكافي في الفقه: ص 404.
160

لا يتحقق بطل قوله: " أو مكرها ".
وأما المرأة فإن الإكراه يسقط عنها الحد قطعا، مع أن الشيخين (1) قالا في
باب الزنا - وتبعهما ابن البراج (2) وغيره -: إنه لا حد مع إكراه وإجبار، وإنما
يجب الحد بالأفعال المحظورة على الاختيار.
مسألة: قال الشيخان (3)، وابن البراج (4): حكم الزنا بالمرأة في الدبر الحكم
الزنا في القبل. وهو المشهور أيضا.
وقال ابن حمزة: وفي الوطء في دبره المرأة قولان: أحدهما: أن يكون زنى
- وهو الأثبت - والثاني: وأن يكون لواطا (5). والمشهور هو الأول، فتعين المصير
إليه.
مسألة: قال الشيخان: يجلد الزاني ويتقى وجهه ورأسه وفرجه (6)، وكذا قال
ابن البراج (7).
وقال الشيخ في الخلاف: يفرق حد الزاني على جميع البدن إلا الوجه
والفرج، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إلا الوجه والفرج والرأس.
دليلنا: إجماع الفرقة (8).
وقال في المبسوط: إذا أقيم الحد على الزاني فرق الضرب على بدنه، ويتقى

(1) المقنعة: ص 784، النهاية ونكتها: ج 3 ص 296.
(2) المهذب: ج 2 ص 524.
(3) المقنعة: ص 776، النهاية ونكتها: ج 3 ص 283.
(4) المهذب: ج 2 ص 525.
(5) الوسيلة: ص 409.
(6) المقنعة: ص 775، النهاية ونكتها: ج 3 ص 299.
(7) المهذب: ج 2 ص 527.
(8) الخلاف: ج 3 ص 178 المسألة 12.
161

الوجه والفرج. وقال بعضهم: إلا الوجه والفرج والرأس (1).
وقال الصدوق في المقنع (2) وأبوه في الرسالة: والضرب يكون على جسديهما
إلا الوجه والفرج.
وقال ابن أبي عقيل: ويرجم سائر جسده إلا وجهه. ولم يذكر حكم الجلد.
وقال أبو الصلاح: يضرب سائر بدنه أشد الضرب ما عدا رأسه وفرجه (3).
والوجه الأول.
لنا: إن الرأس فيه مقتل ويخاف منه العمى وزوال العقل والمقصود الردع
دون الإتلاف.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولو زنى الزاني مرارا بامرأة واحدة وجب حد
واحد، فإن زنى بجماعة نساء في ساعة واحدة حد لكل امرأة حدا. وبه قال
الصدوق في المقنع (4).
ولم يفصل شيخنا ذلك، بل قال في النهاية: فإن زنى أربع مرات أو أكثر من
ذلك ولم يقم عليه فيها الحد فليس عليه أكثر من مائة جلدة (5). وهو المشهور بين
علمائنا، فيتعين المصير إليه.
احتج بما رواه أبو بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن الرجل
يزني في اليوم الواحد مرات كثيرة، قال: فقال: إن زنى بامرأة واحدة كذا وكذا
مرة فإنما عليه حد واحد، وإن هو زنى بنسوة شتى في يوم واحد في ساعة واحدة
فإن عليه في كل امرأة فجر بها حدا (6).

(1) المبسوط: ج 8 ص 8.
(2) المقنع: 143.
(3) الكافي في الفقه: ص 407.
(4) المقنع: ص 147.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 288، وفيه: " ولم يقم عليه الحد ".
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 37 ح 131، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب حد الزنا ح 1 ج 18
ص 392 - 393.
162

والجواب: المنع من صحة السند، فإن في طريقه علي بن أبي حمزة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية - وهو المشهور -: إن الرجل يجلد قائما على حالته
التي وجد عليها إن وجد عريانا جلد كذلك، وإن وجد وعليه ثياب ضرب
وعليه ثيابه، والمرأة إذا أريد جلدها ضربت مثل الرجل، غير أنها لا تضرب قائمة
بل تضرب وهي جالسة عليها ثيابها قد ربطت عليها، لئلا تنهتك فتبدو
عورتها (1).
وقال الصدوق في المقنع: ويجلدان في ثيابهما التي كانت عليهما حين زنيا،
وإن وجدا مجردين ضربا مجردين (2).
والمعتمد الأول.
لنا: إن جسد المرأة عورة، فلا يجوز تجريدها كعورة الرجل.
مسألة: قال الصدوق في المقنع: وإذا وقع الرجل على مكاتبته فإن كانت
أدت الربع ضربت الحد، وإن كان محصنا رجم، وإن لم تكن أدت شيئا فليس
عليه شئ (3).
والوجه أن نقول: إن كانت الكتابة مطلقة جلد المولى بقدر ما تحرر منها
وسقط بقدر ما بقي منها، لأن شبهة الملك متمكنة فيه.
ولما رواه الحسين بن خالد، عن الصادق - عليه السلام - قال: سئل عن
رجل كانت له أمة فكاتبها فقالت الأمة: ما أديت من مكاتبتي فأنا به حرة على
حساب ذلك فقال لها: نعم فادت بعض مكاتبتها وجامعها مولاها بعد ذلك،
فقال: إن كان استكرهها على ذلك ضرب من الحد بقدر ما أدت من مكاتبتها
وادرأ عنه من الحد بقدر ما بقي له من مكاتبتها، وإن كانت تابعته كانت

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 299 - 300.
(2) المقنع: ص 144، وليس فيه " وإن وجدا مجردين ضربا مجردين ".
(3) المقنع: ص 145.
163

شريكته في الحد ضربت مثل ما يضرب (1).
احتج بما رواه الحلبي في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - عن رجل
وقع على مكاتبته، قال: إن كانت أدت الربع جلد، وإن كان محصنا رجم،
وإن لم تكن أدت شيئا فليس عليه شئ (2).
والجواب: القول بالموجب، فإنه لم يذكر في الرواية كمية الجلد، وأما
الرجم فيحمل على ما إذا أدت جميع مال الكتابة.
مسألة: قال الصدوق في المقنع: ولا يرجم إن زنى الرجل بيهودية أو نصرانية
أو أمة (3).
والوجه الرجم، لأنه محصن زان فكان عليه الرجم كغيره، للعموم الشامل
لهما معا.
قال: فإن فجر بامرأة حرة وله امرأة حرة فإن عليه الرجم، وكما لا تحصنه
الأمة واليهودية والنصرانية إن زنى بحرة فكذلك لا يكون عليه حد المحصن إن
زنى بيهودية أو نصرانية أو أمة وتحته حرة (4).
ونحن نمنع عدم الإحصان باليهودية والأمة، ونمنع القياس أيضا.
قال: والحر إذا زنى بغير محصنة ضرب مائة جلدة، فإن عاد ضرب مائة
جلدة، فإن عاد الثالثة قتل (5).
وفي تقييد زناه بغير المحصنة لا فائدة له، وإنما الفائدة فيه فإنه إن كان محصنا
رجم وإن كانت المرأة غير محصنة، وإن لم يكن محصنا جلد وإن كانت محصنة.

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 29 ح 94، وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب حد الزنا ح 1 ج 18
ص 406: وفيه: " وأدرأ عنه الحد ".
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 29 ح 95، وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب حد الزنا ح 2 ج 18
ص 406.
(3) المقنع: ص 148.
(4) المقنع: ص 148.
(5) المقنع: ص 148.
164

اللهم إلا أن يعتقد إن الرجم إنما يجب لو كانا معا محصنين، وهو ممنوع.
مسألة: قال الصدوق في المقنع: وإذا شهد أربعة عبيد على رجل بالزنا لم يجلد
ولم يرجم (1).
ولا أعرف على الشهود حدا، مع أنه قال في باب القضايا والأحكام،
وشهادة العبد إذا كان عدلا لا بأس بها لغير سيده (2).
وأول من رد شهادة المملوك عمر، فعلى هذا الأولى وجوب الحد.
مسألة: المشهور عند علمائنا أنه لا يقبل الإقرار بالزنا إلا أربع مرات، ذهب
إليه الشيخان (3)، وابن الجنيد وغيرهم.
وقال ابن أبي عقيل: إذا أقر الرجل أو المرأة بالزنا ثم جحدا جلدا، وقد
قيل: إذا أقر المحصن بالزنا رد أربع مرات ثم رجم. وهذا يعطي قبول المرة
الواحدة.
والمعتمد الأول، لأن التشديد في الشهادة يناسب التشديد في الإقرار.
وما رواه جميل: عن الصادق - عليه السلام - قال: لا يرجم الزاني حتى يقر
أربع مرات (4). وحديث المقر عند النبي - صلى الله عليه وآله - (5) يدل عليه.
فإن احتج بما رواه الفضيل في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال:
من أقر على نفسه عند الإمام بحق حد من حدود الله مرة واحدة حرا كان أو

(1) لم نعثر عليه.
(2) المقنع: ص 133.
(3) المقنعة: ص 775، النهاية ونكتها: ج 3 ص 281.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 8 ح 21، وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب حد الزنا ح 3 ج 18
ص 380.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 8 ح 22، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب حد الزنا ح 3 ج 18
ص 376.
165

عبدا أو حرة كانت أو أمة فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه للذي أقر به على نفسه
كائنا من كان، إلا الزاني المحصن فإنه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهود (1).
والجواب: المراد بذلك غير حد الزنا.
واعلم أن كلام ابن أبي عقيل ليس بقاطع على المخالفة، فإن قصدها
صارت المسألة خلافية، وإلا فلا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا شهد الأربعة باجتماع الرجل مع المرأة في
إزار واحد مجردين من ثيابهما أو شهدوا بوطء ما دون الفرج ولم يشهدوا بالزنا
قبلت شهادتهم، ووجب على فاعل ذلك التعزير (2).
وقال المفيد: فإن شهدوا عليه بما عاينوه من اجتماع في إزار والتصاق جسم
بجسم وما أشبه ذلك ولم يشهدوا عليه بالزنا قبلت شهادتهم، ووجب على
الرجل والمرأة التعزير حسب ما يراه الإمام من عشر جلدات إلى تسع وتسعين
جلدة، ولا يبلغ التعزير في هذا الباب حد الزنا المختص به في شريعة الإسلام (3).
وقال الشيخ في الخلاف: روى أصحابنا في الرجل إذا وجد مع امرأة
أجنبية يقبلها ويعانقها في فراش واحد إن عليهما مائة جلدة، وروي ذلك عن
علي - عليه السلام - وقد روي أن عليهما أقل من الحد (4).
والمعتمد الأول.
لنا: إنه لم يثبت الزنا فلا يثبت مقتضاه.
وما رواه حريز في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - أن عليا
- عليه السلام - وجد رجلا وامرأة في لحاف فجلد كل واحد منهما مائة سوط إلا

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 7 ح 20، وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح 1 ج 18
ص 343.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 283.
(3) المقنعة: ص 774.
(4) الخلاف: ج 5: 373 - 374 المسألة 9.
166

سوطا (1).
وعن زيد الشحام، عن الصادق - عليه السلام - في الرجل والمرأة يوجدان في
لحاف واحد، قال: فقال: يجلدان مائة غير سوط (2).
وأما الرواية التي نقلها الشيخ في الخلاف فقد رواها في الصحيح عن
الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: حد الجلد أن يوجدا في لحاف
واحد (3).
وعن عبد الرحمان الحذاء، عن الصادق - عليه السلام - قال: سمعته يقول:
إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جلدا مائة (4). وغير ذلك من الأخبار.
والجواب: قال الشيخ: إنه محمول على أنه إذا انضاف إلى ذلك وقوع الفعل
منهما وعلم الإمام ذلك، أو على أنه إذا تكرر منه ذلك وعزره الإمام مرتين أو
ثلاثا (5).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إن كان الذي وجب عليه الرجم قد قامت
عليه به البينة كان أول من يرجمه الشهود ثم الإمام ثم الناس، وإذا كان قد
وجب عليه (6) ذلك بالإقرار كان أول من يرجمه الإمام ثم الناس (7). ولم يصرح

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 41 ح 145، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب حد الزنا ح 20 ج 18
ص 367.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 40 ح 141، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب حد الزنا ح 3 ج 18
ص 364.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 42 ح 148، وفيه: " أن يؤخذا "، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب حد
الزنا ح 1 ج 18 ص 363.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 43 ح 153، وفيه: " جلدا مائة مائة " وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب
حد الزنا ح 5 ج 18 ص 364، فيه: " جلدا مائة جلدة ".
(5) الإستبصار: ج 4 ص 216 ذيل الحديث 808 - 810.
(6) في الطبعة الحجرية: عليهما.
(7) النهاية ونكتها: ج 3 ص 299.
167

في ذلك بوجوب ما فصله.
وكذا قال شيخنا المفيد (1)، وعلي بن بابويه، والصدوق (2)، وابن البراج (3)،
وابن إدريس (4).
وقال ابن الجنيد: والوالي إن كان المرجوم مقرا يحتاج إلى أن يحضر الرجم
ويكون أول من يرمى، وإن كانت البينة قامت بالزنا كان الشهود أول من
يرجم بها إن احتيج إليه حتى يعرف منه.
وقال ابن حمزة: يعتبر وقت إقامة الحد أربعة أشياء: إحضار طائفة من خيار
الناس، وأن لا يرميه من كان لله في جنبه حد مثله، وأن يرميه الإمام أولا إن
ثبت بالاعتراف، والشهود إن ثبت بالبينة (5). وهذان القولان يشعران
بالوجوب.
وقال الشيخ في الخلاف: إذا ثبت الزنا بالبينة لم يجب على الشهود حضور
موضع الرجم، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يلزمهم ذلك. ثم استدل
بأصالة براءة الذمة، وإيجاب الحضور يحتاج إلى دليل. قال: وقد روى أصحابنا
أنه إذا وجب الرجم فأول من يرجمه الشهود ثم الإمام، وإن كان مقرا على نفسه
كان أول من يرجمه الإمام، فعلى هذا يلزمهم الحضور. ثم قال: وإذا حضر
الإمام والشهود موضع الرجم فإن كان الحد ثبت بالإقرار وجب على الإمام
البداة ثم يتبعه الناس، وإن كان ثبت بالبينة بدأ أولا الشهود ثم الإمام ثم
الناس (6). وقال في المبسوط: يجوز للإمام أن يحضر عند من وجب عليه الرجم، وليس

(1) المقنعة: ص 775.
(2) لم نعثر عليه في المقنع والهداية وذكرها رواية في من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 28 ح 5009.
(3) المهذب: ج 2 ص 527.
(4) السرائر: ج 3 ص 452.
(5) الوسيلة: ص 412.
(6) الخلاف: ج 5: 376 - 377 المسألة 24 و 15.
168

من شرط استيفائه حضور شاهد الإمام ولا الإمام، لأن النبي - صلى الله عليه
وآله - رجم ما عزا والمشهودين (1) ولم يحضرهم، هذا إذا ثبت باعترافه، فأما إذا ثبت
بالبينة فليس من شرطه حضور الشهود. وروى أصحابنا أنه يبدأ الشهود
بالرجم إن ثبت بالبينة ثم الإمام ثم الناس، وإن ثبت باعترافه بدأ برجمه
الإمام ثم الناس. وهذا يدل على أن من شرطه حضور الإمام والشهود، وبه قال
جماعة (2).
وقال سلار: إن كان بالشهادة حد رجمه الشهود أولا ثم غيرهم، وإن كان
بالإقرار رجمه من يأمر الإمام بذلك (3).
والمعتمد عدم الوجوب، لأن النبي - صلى الله عليه وآله - أمر برجم ما عز ولم
يحضره، ولأصالة البراءة نعم يستحب الحضور، لأن الإمام أعرف بكيفية
استيفاء الحد.
ولأن ماعزا هرب بعد أن مسته الحجارة فلقيه الزبير فضربه يساق بعير فعقله
فأدركه الناس فقتلوه، فأخبروا النبي - صلى الله عليه وآله - بذلك فقال: هلا
تركتموه! (4).
والشيخ - رحمه الله - روى عن صفوان، عمن رواه، عن الصادق
- عليه السلام - قال: إذا أقر الزاني المحصن كان أول من يرجمه الإمام ثم الناس،
فإذا قامت عليه البينة كان أول من يرجمه البينة ثم الإمام ثم الناس (5).
والحديث مرسل، وفي طريقه ابن فضال، ولا دلالة فيه على الوجوب.

(1) وفي المطبوع: والشهود به، وفي المصدر اليهوديين.
(2) المبسوط: ج 8 ص 4.
(3) المراسم: ص 252.
(4) الكافي: ج 7 ص 185 ح 5، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب حد الزنا ح 1 ج 18 ص 376.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 34 ح 114، وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب حد الزنا ح 2 ج 18
ص 374.
169

تذنيب: قال الشيخ في الخلاف: إذا تكامل شهود الزنا أربعة شهدوا به ثم
ماتوا أو غابوا جاز للحاكم أن يحكم بشهادتهم ويقيم الحد على المشهود عليه،
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: متى غابوا أو ماتوا لم يجز له أن يحكم
بشهادتهم. واستدل بأنه إذا ثبت الحكم بها جاز تنفيذه مع غيبة الشهود كسائر
الشهادات، ومن قال: يسقط فعليه الدلالة (1).
وقال في المبسوط: إذا تكامل شهود الزنا أربعة شهدوا به ثم ماتوا أو غابوا
جاز للحاكم أن يحكم بشهادتهم ويقيم الحد على المشهود عليه، وقال قوم: لا
يجوز، وهذا الذي يقتضيه مذهبنا، لأنا قد بينا أن البينة تبدأ برجمه وإن كان ما
يوجب الحد. والأول أقوى (2).
والوجه ما قاله في الخلاف.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا ردت شهادة بعض الأربعة بأمر خفي
أقيم الحد على المردود الشهادة دون الثلاثة الباقية (3).
وقال في المبسوط: المردود الشهادة قال قوم: لا حد عليه، وهو الأقوى
عندي (4).
والمعتمد ما قاله الشيخ في الخلاف.
لنا: إنه مردود الشهادة فيجب عليه الحد، كما لو ردت بأمر ظاهر.
احتج الشيخ بأنه قد لا يعلم أنه ترد شهادته بما ردت به فكان كالثلاثة.
والجواب: الفرق، فإنه يعلم أنه على سبب ترد به الشهادة لو علم به،
بخلاف الشهود.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كان مرضه مما لا يرجى زواله وكان

(1) الخلاف: ج 5: 378 - 388، المسألة 30.
(2) المبسوط: ج 8 ص 9.
(3) الخلاف: ج 5: 391 المسألة 33.
(4) المبسوط: ج 8 ص 9.
170

نضو الخلقة ضرب بأطراف الثياب واثكال النخل، وقال بعضهم: يضرب
بالسياط ويجلد، وروى أصحابنا أنه يضرب بضغث فيه مائة شمراخ. فإن أفتى
بالأول صارت المسألة خلافية، والظاهر أنه قال ذلك نقلا عن غيره من فقهاء
الجمهور. ثم قال: إذا وجب عليه الرجم وهناك مرض أو كان الزمان غير
معتدل وثبت الرجم بالبينة أقيم في الحال وإن ثبت بالإقرار أخر إلى اعتدال
الزمان، لأنه ربما مسته الحجارة فيرجع (1) فيعين الزمان على قتله. وروى
أصحابنا أن الرجم يقام عليه، ولم يفصلوا (2).
والبحث هنا كالأول، وابن حمزة وافقه (3)، ولا بأس به.
ثم قال: إن ثبت الحد بالاعتراف لم يحفر له، لأن النبي - صلى الله عليه
وآله - لم يحفر لماعز، وإن ثبت بالبينة فإن كان رجلا لم يحفر له، لأنه ليس
بعورة، وإن كان امرأة حفر لها، لأن النبي - صلى الله عليه وآله - حفر للعامرية (4)
إلى الصدر. وروى أصحابنا أنه يحفر لمن يجب عليه الرجم، ولم يفصلوا (5).
والكلام هنا كما تقدم.
وقال أيضا: إذا رجع أحد الأربعة وقال: عمدت وأخطأ أصحابي فلا قود
وعليه ربع الدية (6).
والمعتمد أن عليه القود بعد أن يرد الولي عليه ثلاثة أرباع الدية.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا تكامل شهود الزنا فقد ثبت الحكم
بشهادتهم، سواء شهدوا في مجلس أو مجالس، وشهادتهم متفرقين
أحوط (7).
وقال ابن حمزة: وإنما تقبل البينة مع ثبوت العدالة بستة شروط قيامها في

(1) كذا في (ق 2)، (م 3) وفاقا للمصدر، وفي المطبوع فيوجع.
(2) المبسوط: ج 8 ص 5.
(3) الوسيلة: ص 412.
(4) في المطبوع: الغامدية.
(5) المبسوط: ج 8 ص 6.
(6) المبسوط: ج 8 ص 10.
(7) الخلاف: ج 5: 388 المسألة 31.
171

مجلس واحد (1).
والمعتمد ما قاله الشيخ للعموم، ولاستحباب تفريق الشهود. وإن قصد ابن
حمزة اجتماعهم لإقامة الشهادة دفعة صح كلامه، لأنه المذهب عندنا.
وقال سلار: كل حدود الزنا على اختلافه لا تثبت إلا بشهادة أربعة رجال
على الوجه الذي ذكرناه في مجلس واحد (2).
مسألة: قال الشيخ في النهاية حين قسم الزناة إلى من يجب عليه القتل على
كل حال وعد من جملتهم: من زنى بامرأة أبيه وجب عليه القتل (3). وتبعه ابن
البراج (4).
وكذا قال ابن حمزة، وأضاف إليه: من زنى بجارية أبيه التي وطأها (5).
وأضاف ابن إدريس إلى ما قاله الشيخ: من زنى بامرأة ابنه أيضا (6).
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: أصالة البراءة.
ولأن عصمة نفس الإنسان أمر مطلوب للشارع، فلا يصار إلى خلافه إلا
بدليل، على أن الجارية ليس لها حرمة الحرة، فلا يثبت بها ما يثبت في الزنا
بزوجة الأب.
وسلار قال - ونعم ما قال -: ومن زنى بجارية أبيه جلد الحد، فإن زنى الأب
بجارية الابن عزر (7).
وقول ابن إدريس أيضا ضعيف، لأن حرمة الابن أقل من حرمة الأب،
فلا يجب على الأب القتل بالزنا بزوجة الابن.

(1) الوسيلة: ص 409.
(2) المراسم: ص 252، وفيه: " على اختلافها ".
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 286 و 287.
(4) المهذب: ج 2 ص 519.
(5) الوسيلة: ص 410.
(6) السرائر: ج 3 ص 438.
(7) المراسم: ص 253.
172

مسألة: قال الصدوق في كتاب المقنع: وإذا جامع الرجل وليدة امرأته فعليه
جلد مائة (1).
وروى في كتاب من لا يحضره الفقيه عن وهب بن وهب، عن الصادق
- عليه السلام - أن عليا - عليه السلام - أتي برجل وقع على جارية امرأته فحملت
فقال الرجل: وهبتها لي وأنكرت المرأة، فقال: لتأتيني بالشهود أو لأرجمنك
بالحجارة، فلما رأت المرأة ذلك اعترفت، فجلدها علي - عليه السلام - الحد. ثم
قال الصدوق: قال مصنف هذا الكتاب: جاء هذا الحديث هكذا: ورواه
وهب بن وهب، وهو ضعيف. قال: والذي أفتي به وأعتمده في هذا المعنى
ما رواه الحسن بن محبوب، عن العلا، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر
- عليه السلام - في الذي يأتي وليدة امرأته بغير إذنها عليه ما على الزاني يجلد
مائة (2).
وأما الشيخ فلما روى في التهذيب حديث محمد بن مسلم هذا قال: لا
ينافي أن يجب معه أيضا الرجم، لأنا قد بينا أن المحصن يجب عليه أن يجمع بين
الشيئين إذا كان بالصفة التي ذكرناها، وليس فيه أنه لا يجب عليه الرجم،
والذي يدل على أنه يجب عليه الرجم ما قد ثبت أنه زان، وكل ما دل على أن
الزاني يجب عليه الرجم يدل على وجوبه عليه، وقوله - عليه السلام -: " عليه مثل
ما على الزاني " أيضا يؤكد ذلك. ويزيده بيانا ما رواه أحمد بن محمد بن
عيسى، عن محمد بن سهل، عن زكريا بن آدم قال: سألت الرضا
- عليه السلام - عن رجل وطأ جارية امرأته ولم تهبها له، قال: هوزان عليه
الرجم. ثم روى عقيبه حديث وهب بن وهب (3).

(1) المقنع: ص 145.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 34 - 35 ح 5023 وذيله و ح 5024.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 13 و 14 ح 31 وذيل الحديث 33 و ح 34 و ح 35.
173

وهذا يدل على أن الشيخ يذهب إلى وجوب الرجم عليه، ولا بأس به مع
انتفاء الشبهة وعلم التحريم.
مسألة: قال أبو الصلاح: وإن كان الحد جلدا فقط وجب عن بينة تولى
إقامته الشهود، فإن كان إقرارا أو علما تولاه ولي الأمر أو من يأذن له (1). ولم
يذكر أكثر علمائنا ذلك في الجلد، وإنما قالوا: ببدأة الشهود في الرجم.

(1) الكافي في الفقه: ص 407.
174

الفصل الثاني في اللواط
والسحق والقيادة وشرب المسكر
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا كان اللواط دون الإيقاب فإن كان
الفاعل أو المفعول به محصنا وجب عليه الرجم، وإن كان غير محصن وجب عليه
الحد مائة جلدة، ولا فرق بين الحر والعبد والمسلم والكافر (1). وتبعه ابن
البراج (2)، وابن حمزة (3).
وقال المفيد: إيقاع الفعل في ما سوى الدبر من الفخذين وفيه جلد مائة
للفاعل والمفعول به إذا كانا عاقلين حرين بالغين، ولا يراعي في جلدهما عدم
إحصان ولا وجوده - كما يراعى ذلك في الزنا - بل حدهما الجلد على هذا الفعل
دون ما سواه (4). وبه قال السيد المرتضى (5)، وابن أبي عقيل، وسلار (6)، وأبو

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 307.
(2) المهذب: ج 2 ص 530.
(3) الوسيلة: ص 413 - 414 وفيه اختلاف في الكافر حيث قال: " وإن تلوط كافر بكافر أو مسلم
بكافر أقيم على المسلم حد الإسلام، والحاكم بالخيار في الكافر إن شاء أقام عليه حد الإسلام، وإن
شاء دفعه إلى أهل نحلته ليحكم فيه بحكمهم ".
(4) المقنعة: ص 785.
(5) الإنتصار: ص 251.
(6) المراسم: 253.
175

الصلاح (1).
وقال الصدوق (2) وأبوه في رسالته: وأما اللواط فهو ما بين الفخذين، فأما
الدبر فهو الكفر بالله العظيم، ومن لاط بغلام فعقوبته أن يحرق بالنار أو يهدم
عليه حائط أو يضرب ضربة بالسيف، ثم قال بعد ذلك أبوه: فإذا أوقب فهو
الكفر بالله العظيم. وهذا يعطي إن القتل يجب بالتفخيذ، وكلام ابن الجنيد
يدل عليه أيضا. وابن إدريس (3) اختار ما ذهب إليه المفيد، وهو الأقرب.
لنا: أصالة البراءة.
وما رواه سليمان بن هلال، عن الصادق - عليه السلام - في الرجل يفعل
بالرجل، فقال: إن كان دون الثقب فالحد، وإن كان ثقب أقيم قائما ثم ضرب
بالسيف (4).
احتج بما رواه العلاء بن الفضيل، عن الصادق - عليه السلام - قال: حد
اللوطي مثل حد الزاني. وقال: إن كان قد أحصن رجم، وإلا جلد (5).
وعن حماد بن عثمان، عن الصادق - عليه السلام - قال: رجل أتى رجلا،
قال: عليه إن كان محصنا القتل، وإن لم يكن محصنا فعليه الجلد (6).
قال الشيخ: يحتمل هذه الأخبار شيئين: أحدهما: إذا كان الفعل دون

(1) الكافي في الفقه: ص 408.
(2) المقنع: ص 144.
(3) السرائر: ج 3 ص 458 - 459.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 52 ح 194، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد اللواط ج 18 ح 2
ص 416.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 54 ح 200، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد اللواط ح 3 ج 18
ص 417.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 55 ح 201، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد اللواط ح 4 ج 18
ص 417.
176

الإيقاب فإنه يعتبر فيه الإحصان وعدمه، أو يحمل على التقية، لأن ذلك
مذهب بعض العامة (1). وقول الشيخ لا بأس به.
واحتج الصدوق بما رواه حذيفة بن منصور، عن الصادق - عليه السلام -
قال: سألته عن اللواط، فقال: بين الفخذين. قال: وسألته عن الذي يوقب،
فقال: ذاك الكفر بما أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وآله - (2).
والجواب: إنه محمول على المبالغة في الذنب.
مسألة: قال الشيخان: إذا لاط المجنون أقيم عليه الحد على الكمال (3). وتبعهما
ابن البراج (4)، وابن حمزة (5)، وهو قول أبي الصلاح (6) كما قسمه في الزاني.
وقال ابن إدريس: لا يجب عليه شئ، وما ذكره شيخنا في نهايته ليس
عليه دليل من كتاب ولا سنة متواترة ولا إجماع، والأصل براءة الذمة،
والأحكام الشرعية من الحدود وغيرها متوجهة إلى العقلاء دون غيرهم (7).
وقول ابن إدريس لا بأس به.
احتج الشيخ بأنه يجب عليه الجلد في الزنا فكذا هنا.
والجواب: المنع من الصغرى، وقد تقدم البحث فيه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: واللواط الذي يقام عليه الحد ثلاث مرات
قتل في الرابعة مثل الزاني (8). وتبعه ابن البراج (9)، وأبو الصلاح (10)، وهو المعتمد.

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 55 - 56 ذيل الحديث 203 و 204.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 53 ح 197، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب النكاح المحرم وما يناسبه
ح 3 ج 14 ص 257.
(3) المقنعة: ص 786، النهاية ونكتها: ج 3 ص 307.
(4) المهذب: ج 2 ص 530
(5) الوسيلة: ص 413.
(6) الكافي في الفقه: ص 406 و 408.
(7) السرائر: ج 3 ص 459 و 460، مع اختلاف.
(8) النهاية ونكتها: ج 3 ص 308.
(9) المهذب: ج 2 ص 531.
(10) الكافي في الفقه: ص 409.
177

وقال ابن إدريس: يقتل في الثالثة كالزاني (1). وقد تقدم البحث في الزاني
من أنه يقتل في الرابعة لا في الثالثة، وإلا لقتل العبد في السادسة، والتالي
باطل إجماعا، فكذا المقدم.
مسألة: قال الشيخ: إذا تاب اللائط قبل قيام البينة سقط عنه الحد، فإن
تاب بعد قيامها لم يسقط عنه الحد ووجب على الإمام إقامته عليه، وإن كان قد
أقر على نفسه ثم تاب وعلم الإمام منه ذلك جاز له أن يعفو عنه، ويجوز له أيضا
أن يقيم عليه الحد على حسب ما يراه من الصلاح (2). وبه قال ابن البراج (3)،
وابن إدريس (4).
وقال المفيد: إن تاب بعد قيام البينة عليه كان السلطان بالخيار في العفو
عنه والعقاب له، وإن تاب قبل قيام البينة سقط عنه الحد (5).
وقال أبو الصلاح: وإذا تابا أو أحدهما قبل قيام البينة أو الإقرار توبة
ظاهرة ظهر معها صلاح عملهما سقط عن التائب الحد، فإن تاب بعد الإقرار أو
العلم أو البينة فالإمام العادل مخير في العفو والإقامة، ولا خيار لغيره في
العفو (6).
والمشهور الأول، وقد تقدم البحث في ذلك في الزنا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى وجد رجلان في إزار واحد مجردين أو
رجل وغلام وقامت عليهما بذلك بينة أو أقرا بفعله ضرب كل واحد منهما تعزيرا

(1) السرائر: ج 3 ص 461 - 462.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 308، وفيه: " وإن كان اللائط قد أقر ".
(3) المهذب: ج 2 ص 531.
(4) السرائر: ج 3 ص 460 - 461.
(5) المقنعة: ص 787.
(6) الكافي في الفقه: ص 409، مع اختلاف.
178

من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا بحسب ما يراه الإمام، فإن عادا إلى
ذلك ظربا مثل ذلك، فإن عادا أقيم عليهما الحد على الكمال مائة جلدة (1).
وتبعه ابن البراج (2)، وابن إدريس (3).
وقال المفيد: فإن شهد الأربعة على رؤيتهما في إزار واحد مجردين من الثياب
ولم يشهدوا برؤية الفعال كان على الاثنين الجلد دون الحد تعزيرا وتأديبا من
عشرة أسواط إلى تسعة وتسعين سوطا بحسب ما يراه الحاكم من عقابهما في
الحال، وبحسب التهمة لهما والظن بهما السيئات (4).
وقال الصدوق: إذا وجد رجلان في لحاف واحد ضربا الحد مائة جلدة (5).
وقال ابن الجنيد: فإن عثر على امرأتين قد فعلتا ذلك - يعني: نومهما في
لحاف واحد وكانتا مجردتين - حدت كل واحدة منهما مائة جلدة، فإن ادعتا
الجهل بذلك درئ عنهما الحد وعرفتا وجوبه عليهما إن عادتا، فإن عادتا حدتا،
فإن عادتا في الرابعة فقد روي عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنهما تقتلان.
وكذلك أيضا حكم الرجلين، فإن كان أحدهما غير بالغ أدب، وإن كان
كونهم تحت اللحاف بينهم حاجز من ثوب أو غيره لم يبلغ بهما الحد في الضرب،
وضرب الحر والحرة مائة سوط غير سوط أو سوطين.
وقال ابن حمزة: وإن نام رجلان أو رجل وغلام وهما مجردان في إزار واحد
من غير فعل عزر الرجل وأدب الغلام، فإن عادا ثلاثا وعزرا بعد كل مرة قتلا
في الرابعة (6).
والمعتمد الأول، لأصالة البراءة، ولأنه دون الفعل فلا يجب فيه ما يجب في
الفعل.

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 308.
(2) المهذب: ص 531.
(3) السرائر: ص 460.
(4) المقنعة: ص 785.
(5) المقنع: ص 145.
(6) الوسيلة ص 414.
179

وما رواه ابن سنان، عن الصادق - عليه السلام - في رجلين يوجدان في
لحاف واحد، فقال: يجلدان حدا غير سوط واحد (1).
احتج الصدوق بما رواه عبد الله بن مسكان، عن الصادق - عليه السلام -
قال سمعته يقول: حد الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد (2).
وفي الحسن عن عبد الرحمان بن الحجاج، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سمعته يقول: كان علي - عليه السلام - إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما
الحد، وإذا أخذ المرأتين في لحاف واحد ضربهما الحد (3).
ولأنه في مظنة اللواط، فيثبت له حكمه إقامة لمظنة الفعل مقام الفعل
كالخلوة.
والجواب: يحمل الحد على أقصى نهايات التعزير، وهي مائة سوط غير
سوط جمعا بين الأدلة، والحكم في الخلوة ممنوع.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا ساحقت امرأة امرأة أخرى وقامت عليهما
البينة بذلك كان على كل واحدة منهما الحد مائة جلدة إن لم تكونا محصنتين،
فإن كانتا محصنتين كان على كل واحدة منهما الرجم (4). وتبعه ابن البراج (5).
وقال المفيد: تجلدان مائة جلدة، محصنتين كانتا أو غير محصنتين (6). وبه

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 40 ح 143، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب حد الزنا ح 18 ج 18
ص 367.
(2) لم نعثر عليه في الفقيه ووجدناه في تهذيب الأحكام: ج 10 ص 42 ح 149، وسائل الشيعة: ب 10 من
أبواب حد الزنا ح 22 ج 18 ص 368.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 42 ح 151، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب حد الزنا ح 6 ج 18
ص 365.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 309
(5) المهذب: ج 2 ص 531.
(6) المقنعة: ص 787 - 788.
180

قال السيد المرتضى (1)، وأبو الصلاح (2)، وظاهر كلام سلار (3)، وبه قال ابن
إدريس (4)، وهو الأقرب.
لنا: أصالة براءة الذمة.
وما رواه زرارة، عن الباقر - عليه السلام - قال: السحاقة تجلد (5).
احتج الشيخ بما رواه محمد بن أبي حمزة وهشام وحفص، عن الصادق
- عليه السلام - إنه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق، فقال: حدها
حد الزاني، فقالت المرأة: ما ذكر الله ذلك في القرآن؟ فقال: بلى، قالت:
وأين؟ قال: هن أصحاب الرس (6).
والجواب: يحمل على حد الزاني من الجلد.
مسألة: قال الشيخان: إذا ساحقت المجنونة وجب عليها الحد إذا كانت
فاعلة (7).
وقال ابن إدريس: لا يجب الحد (8)، لسقوط التكليف في طرفها. وهو
جيد، وقد تقدم في الزنا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى وطأ الرجل امرأته فقامت المرأة

(1) الإنتصار: ص 253.
(2) الكافي في الفقه: ص 409.
(3) المراسم: ص 253.
(4) السرائر: ج 3 ص 463.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 58 ح 209، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد السحق والقيادة ح 2
ج 18 ص 425.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 58 ح 210، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد السحق والقيادة ح 1
ج 18 ص 424 - 425.
(7) المقنعة: ص 788 - 789، النهاية ونكتها: ج 3 ص 309.
(8) السرائر: ج 3 ص 464.
181

فساحقت بكرا فألقت ماء الرجل في رحمها وحملت الجارية وجب على المرأة
الرجم، وعلى الجارية إذا وضعت الجلد مائة، وألحق الولد بالرجل، وألزمت
المرأة المهر للجارية، لأن الولد لا يخرج منها إلا بعد ذهاب عذرتها، بذلك قضى
الحسن بن علي - عليهما السلام - (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال ابن إدريس: إن عضد هذه الرواية دليل من كتاب أو سنة متواترة أو
إجماع، وإلا السلامة التوقف فيها وترك العمل بها، لأنا قد بينا أن جل
أصحابنا لا يرجمون المساحقة، سواء كانت محصنة أو غير محصنة، واستدللنا على
(صحة) ذلك فكيف نوجب على هذه الرجم؟! وإلحاق الولد بالرجل فيه نظر
يحتاج إلى دليل قاطع، لأنه غير مولود على فراشه، والرسول - صلى الله عليه وآله -
قال: " الولد للفراش " وهذه ليست بفراش للرجل، لأن الفراش عبارة في الخبر
عن العقد وإمكان الوطئ ولا هو من وطئ شبهة بعقد الشبهة، وإلزام المرأة المهر
أيضا فيه نظر، ولا دليل عليه، لأنها مختارة غير مكرهة، وقد بينا أن الزاني إذا
زنى بالبكر الحرة البالغة لا مهر عليه إذا كانت مطاوعة، والبكر المساحقة هنا
مطاوعة قد أوجبنا عليها الحد، لأنها بغي، والنبي - صلى الله عليه وآله - نهى عن
مهر البغي، فهذا الذي يقال على هذه الرواية (3).
والجواب: أما الرجم فقد سبق البحث فيه، وإن الأقرب عدمه. وأما
إلحاق الولد فلأنه مخلوق من نطفته، وليست زنا، بل عن وطئ صحيح. وأما
المهر فلأن المساحقة سبب في زوال العذرة، فلزمها عوضها وهو مهر نسائها،
وقياسها على الزانية خطأ، لأن الزانية آذنة في الافتضاض وإذهاب العذرة فلا
عوض لها.

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 309 - 310.
(2) المهذب: ج 2 ص 532.
(3) السرائر: ج 3 ص 465.
182

مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجردتين من
ثيابهما وليس بينهما رحم ولا أحوجهما إلى ذلك ضرورة من برد وغيره كان على
كل واحدة منهما التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين، فإن عادتا إلى مثل
ذلك نهيتا وأدبتا، فإن عادتا ثالثة أقيم عليهما الحد كاملا مائة جلدة، فإن عادتا
رابعة كان عليهما القتل (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال المفيد: تجلد كل واحدة دون الحد من عشر جلدات إلى تسع وتسعين
جلدة (3).
وقال الصدوق في المقنع: إذا وجد امرأتان في لحاف واحد ضربتا الحد مائة
جلدة (4). وكذا قال ابن الجنيد.
وقال ابن إدريس: يعزر كل واحدة منهما من ثلاثين سوطا إلى تسعة
وتسعين حسب ما يراه الإمام، وقد يوجد في بعض المواضع التعزير من ثلاثين
سوطا إلى تسعة وسبعين، والوجه في ذلك أنه إن كان الفعال مما يناسب الزنا
واللواط والسحق فإن الحد في هذه الفواحش مائة جلدة، فيكون التعزير دونها
ولا يبلغها، فللحاكم أن يعزر من ثلاثين إلى تسعة وتسعين فينقص عن المائة
سوطا، وإن كان التعزير عما يناسب حد الثمانين - كالشرب والقذف - فالتعزير
فيه لا يبلغه، بل من ثلاثين إلى تسعة وسبعين، فهذا سبب اختلاف المواضع.
وشيخنا قال في الأشربة من الخلاف ما ينبهك على ما قلناه وهو أنه: لا يبلغ
بالتعزير حد كامل بل يكون دونه، وأدنى الحدود في جنية الأحرار ثمانون،
والتعزير فيهم تسعة وسبعون، هذا آخر كلامه. والذي يقتضيه أصول مذهبنا
وأخبارنا أن التعزير لا يبلغ الحد الكامل الذي هو المائة أي تعزير كان، سواء

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 310.
(2) المهذب: ج 2 ص 533.
(3) المقنعة: ص 787.
(4) لم نعثر عليه.
183

ناسب الزنا أو القذف، وإنما هذا الذي لوح به شيخنا من أقوال المخالفين وفرع
من فروع بعضهم ومن اجتهاداتهم الباطلة وظنونهم العاطلة. وأما القتل فإنه
يثبت في الثالثة، لأن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة (1).
والوجه ما قاله الشيخ، لما رواه زيد الشحام، عن الصادق - عليه السلام - في
الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد، فقال: يجلدان مائة مائة غير سوط (2).
ونحوه عن ابن سنان، عن الصادق - عليه السلام (3).
ولأن في السحق مائة، فلا يكون في النوم مائة، لأنه أدون منه. وأما القتل
في الرابعة فقد تقدم البحث فيه، وهو اختيار أبي الصلاح (4).
ويؤيده أيضا ما رواه أبو خديجة، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا
ينبغي لامرأتين تنامان في لحاف واحد إلا وبينهما حاجز، فإن فعلتا نهيتا عن
ذلك فإن وجدتا بعد النهي في لحاف واحد جلدتا كل واحدة منهما حدا
حدا، فإن وجدتا الثالثة (في لحاف) حدتا، فإن وجدتا الرابعة قتلتا (5).
وأما ما ذكره الشيخ من تقدير التعزير فهو جيد حسن، لأنا لا نبلغ بما
يناسب الفعل ويقرب منه، وليس به حد ذلك الفعل. وحاشى شيخنا أن يقلد
غيره من علمائنا فكيف من لا يعتقد صحة مذهبه وهل هذا إلا جهل من ابن إدريس وقلة تحصيل؟

(1) السرائر: ج 3 ص 466 - 467.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 40 ح 141، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب حد الزنا ح 3 ج 18
ص 364.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 40 ح 143، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب حد الزنا ح 18 ج 18
ص 367.
(4) الكافي في الفقه: ص 410.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 44 ح 159 وفيه: " فإن وجدتا بعد النهي "، وسائل الشيعة: ب 10 من
أبواب حد الزنا ح 25 ج 18 ص 368 - 369.
184

مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا ساحقت المرأة وأقيم عليها الحد ثلاث
مرات قتلت في الرابعة مثل الزانية سواء (1). وبه قال أبو الصلاح (2).
وقال المفيد: فإن قامت البينة عليهما بالسحق جدت كل واحدة منهما مائة
جلدة حد الزانية، فإن قامت البينة عليهما بتكرر هذا الفعال منهما ولم يكن منهما
توبة منه وكانتا فيه على الإصرار كان للإمام - عليه السلام - قتلهما، كما أن له
ذلك في حد اللواط (3). ولم يذكر حد التكرير.
وقال ابن إدريس: الصحيح أنهما تقتلان في الثالثة (4). وقدم تقدم البحث
فيه.
مسألة قال الشيخ في النهاية: وإذا تابت المساحقة قبل أن ترفع إلى الإمام
سقط عنها الحد، فإن قامت عليها بعد ذلك البينة لم يقم عليها الحد، وإن قامت
البينة عليها ثم تابت بعد ذلك أقيم عليها الحد على كل حال، فإن كانت أقرت
بالفعل عند الإمام أو من ينوب عنه ثم أظهرت التوبة كان للإمام العفو عنها
وله إقامة الحد عليها (5). وتبعه ابن البراج (6).
وقال المفيد: إن تابتا قبل قيام البينة عليهما بذلك سقط عنهما الحد
والعقاب، وإن تابتا بعد قيام البينة عليهما كان الإمام في العفو عنهما والعقاب
لهما بالخيار، على ما قدمناه في باب الزنا واللواط (7).
وقال ابن إدريس: - لما نقل كلام الشيخ في النهاية -: هكذا أورده شيخنا
في نهايته، والأظهر أنه لا يجوز له العفو، لأن هذا الحد لا يوجب القتل، وإنما
ذلك في الإقرار الذي يوجب القتل (8).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 310.
(2) الكافي في الفقه: ص 410.
(3) المقنعة: ص 787 - 788، مع اختلاف.
(4) السرائر: ج 3 ص 467.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 310.
(6) المهذب: ج 2 ص 532.
(7) المقنعة: ص 788.
(8) السرائر: ج 3 ص 467.
185

والوجه ما قاله الشيخ، لأن الأدلة ناهضة بسقوط تحتم الحد في مطلق الزنا
واللواط، وقد سبق البحث في ذلك.
مسألة: المشهور أنه لا يثبت اللواط إلا بالإقرار أربع مرات أو أربعة عدول
يشهدون به.
وقال أبو الصلاح: إذا تزيا الذكر بزي المرأة واشتهر بالتمكين من نفسه - وهو
المخنث في عرف العادة - قتل صبرا، وإن فقدت البينة والإقرار بإيقاع الفعل به
لنيابة الشهرة منابهما (1). وفي ذلك إشكال.
مسألة: قال الشيخان: يثبت الزنا بالميتة بشهادة عدلين (2).
قال الشيخ في النهاية: وبالإقرار مرتين (3).
وقال ابن إدريس: لا يثبت إلا بشهادة أربعة رجال أو إقرار الفاعل أربع
مرات، لأنه زنا (4).
والوجه الأول.
لنا: إنها شهادة على فعل واحد، فلا يشترط فيه ما يكون شهادة على
فعلين.
وقد نبه شيخنا المفيد عليه فقال: والفرق بين ذلك وبين ما يوجب الحد في
الزنا واللواط بالأحياء أن الحد في فعلهما يتوجه على نفسين، وهو حدان لكل
واحد منهما حد، وليس في نكاح البهيمة والأموات أكثر من حد واحد لنفس
واحدة (5).
وقد وافقنا ابن إدريس على أن وطئ البهيمة يثبت بشهادة رجلين وبالإقرار
مرتين (6).

(1) الكافي في الفقه: ص 409.
(2) المقنعة: ص 790، النهاية ونكتها: ج 3 ص 311.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 311.
(4) السرائر: ج 3 ص 468.
(5) المقنعة: ص 790.
(6) السرائر: ج 3 ص 470.
186

مسألة: قال الشيخ في النهاية: من نكح بهيمة كان عليه التعزير بما دون الحد
ويغرم ثمن البهيمة لصاحبها إن لم تكن له، فإن كانت ملكه لم يكن عليه
شئ، فإن كانت البهيمة مما تقع عليه الذكاة ذبحت وأحرقت، وإن كانت
مما لا تقع عليها الذكاة أخرجت من البلد الذي فعل بها ما فعل إلى بلد آخر
وبيعت هناك (1).
وقال المفيد: إن كانت البهيمة ملكا للفاعل ذبحت إن كانت مما تقع
عليها الذكاة، وإن كانت مما لا تقع عليها (2) الذكاة أخرجت إلى بلد آخر
وبيعت هناك وتصدق بثمنها، ولم يعط صاحبها شيئا منها عقوبة له على ما جناه
ورجاء لتكفير ذنبه بذلك بالصدقة عنه بثمنها على المساكين والفقراء، وإن
كانت لغير الفاعل بها أغرم لصاحبها ثمنها وكان الحكم فيه ما ذكرناه من ذبح
ما تقع عليه الذكاة وتحريقه بالنار، وإخراج ما لا تقع عليه الذكاة إلى بلد آخر
ليباع فيه ويتصدق بثمنه على الفقراء (3).
وقال ابن إدريس: إن لم تكن الدابة له غرم ثمنها وبيعت في غير البلد إن لم
تكن مأكولة ويرد الثمن على الواطئ، وإن كانت له بيعت ودفع ثمنها إليه (4).
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: الأصل بقاء الملك على صاحبه، والتصدق به خارج عنه يفتقر إلى
الدليل.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى تكرر الفعل من واطئ البهيمة والميتة
وكان قد أدب وحد وجب عليه القتل في الرابعة (5).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 311 و 313.
(2) في المصدر: عليه.
(3) المقنعة: ص 790.
(4) السرائر: ج 3 ص 468 و 469.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 313.
187

وقال ابن إدريس: في الثالثة (1).
لما رواه يونس، عن أبي الحسن الماضي - عليه السلام - قال: أصحاب
الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة (2). وقد تقدم البحث في
ذلك.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: يجلد القواد خمسة وسبعين جلدة ويحلق رأسه
ويشهر في البلد ثم ينفى عن البلد الذي فعل فيه إلى غيره من الأمصار (3). وتبعه
ابن البراج (4)، وابن إدريس (5).
وقال المفيد: يجلد في المرأة الأولى ويحلق رأسه ويشهر، فإن عاد ثانية جلد
ونفي (6). وتبعه أبو الصلاح (7)، وسلار (8).
والمشهور الأول، لما رواه عبد الله بن سنان، عن الصادق - عليه السلام -
قال: يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة وسبعين سوطا وينفى من المصر الذي
فيه (9).
تذنيب: قال أبو الصلاح: فإن عاد ثانية جلد ونفي عن المصر، فإن عاد ثالثة

(1) السرائر: ج 3 ص 470.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 95 - 96 ح 369، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مقدمات الحدود
وأحكامها ح 1 ج 18 ص 313 - 314.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 313 - 314.
(4) المهذب: ج 2 ص 534.
(5) السرائر: ج 3 ص 471.
(6) المقنعة: ص 791.
(7) الكافي في الفقه: ص 410.
(8) المراسم: ص 257.
(9) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 64 ح 235، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب حد السحق والقيادة ح 1
ج 18 ص 429.
188

جلد، فإن عاد رابعة استتيب، فإن تاب قبلت توبته وجلد، وإن أبى التوبة
قتل، فإن تاب ثم أحدث بعد التوبة خامسة قتل على كل حال (1). ونحن في
ذلك من المتوقفين.
مسألة: للشيخ قولان في قتل شارب المسكر في الثالثة أو الرابعة.
فقال في النهاية: يقتل في الثالثة بعد تكرر الحد عليه مرتين (2)، وبه قال
شيخنا المفيد (3)، وابن أبي عقيل، وأبو الصلاح (4)، وابن البراج (5)، وابن
حمزة (6)، وابن إدريس (7).
الثاني: قال في الخلاف (8) والمبسوط (9): إنه يقتل في الرابعة، وهو قول
الصدوق في المقنع (10).
وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه: شارب المسكر خمرا كان أو نبيذا يجلد
ثمانين، فإن عاد جلد، فإن عاد قتل، وقد روي أنه يقتل في الرابعة (11).
والمعتمد الأول.
لنا: ما رواه أبو عبيدة في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال: من
شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه (12).
وفي الصحيح عن جميل بن دراج، عن الصادق - عليه السلام - أنه قال في

(1) الكافي في الفقه: ص 410.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 317 - 318.
(3) المقنعة: ص 801.
(4) الكافي في الفقه: ص 413.
(5) المهذب: ج 2 ص 536.
(6) الوسيلة: ص 416.
(7) السرائر: ج 3 ص 473.
(8) الخلاف: ج 5: 473 المسألة 1.
(9) المبسوط: ج 8 ص 59.
(10) المقنع: ص 153 - 154 وفيه: " في الثالثة ".
(11) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 56.
(12) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 95 ح 367، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب حد المسكر ح 3 ج 18
ص 476.
189

شارب الخمر: إذا شرب ضرب، فإن عاد ضرب، فإن عاد قتل (1).
وفي الصحيح عن يونس، عن الكاظم - عليه السلام - قال: أصحاب الكبائر
كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة (2).
وفي الصحيح عن أبي الصباح الكناني، عن الصادق - عليه السلام - قال:
كان النبي - صلى الله عليه وآله - إذا أتي بشارب الخمر ضربه، فإن أتي به ثانية
ضربه، فإن أتي به ثالثة ضرب عنقه، قلت: النبيذ؟ قال: إذا أخذ شاربه
انتشى (3) ضرب ثمانين، قلت: أرأيت أن أخذته (4) ثانية؟ قال: اضربه،
قلت: فإن أخذته (5) ثالثة؟ قال: يقتل كما يقتل شارب الخمر (6).
وفي الصحيح عن سليمان بن خالد، عن الصادق - عليه السلام - قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وآله -: من شرب فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن
عاد الثالثة فاقتلوه (7). وغير ذلك من الأحاديث.
احتج الشيخ بقول الصدوق، وروي أنه يقتل في الرابعة (8). وهو ثقة يعمل
بمرسله كما يعمل بمسنده.

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 95 ح 368، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب حد المسكر ح 6 ج 18
ص 477.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 95 ح 369، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مقدمات الحدود
وأحكامها العامة ح 1 ج 18 ص 313 - 314.
(3) في المصدر: قد انتشى.
(4) في التهذيب: أخذ به.
(5) في التهذيب: أخذ به.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 96 ح 370، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب حد المسكر ح 11 ج 18
ص 478.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 95 ح 364، وسائل الشيعة: باب 11 من أبواب حد المسكر ج 18 ح 1
ص 476، وفيهما: " شرب الخمر فاجلدوه ".
(8) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 56، ذيل الحديث 5089.
190

ولأن الزنا أكثر منه ذنبا، مع أنه لا يقتل في الثالثة.
والجواب: المرسل ليس حجة عند المحققين، وقد بيناه في أصول الفقه.
سلمنا، لكن إذا وجد ما يعارضه من الأحاديث المسندة كان العمل بها
أولى، خصوصا مع تعددها وتعاضدها بعضا ببعض، ونمنع أن الزنا لا يقتل في
الثالثة، فقد ذهب بعضهم إلى ذلك.
ولو سلمنا هو مذهبنا نحن، لكن القياس باطل، خصوصا في الحدود
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن شرب الخمر مستحلا لها حل دمه
ووجب على الإمام أن يستتيبه، فإن تاب أقام عليه حد الشراب إن كان
شربه، وإن لم يتب قتله (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال المفيد: فمن شرب الخمر ممن هو على ظاهر الملة مستحلا لشربها خرج
عن ملة الإسلام وحل دمه بذلك، إلا أن يتوب قبل قيام الحد عليه ويراجع
الإيمان (3).
وقال أبو الصلاح: وإن كان مستحلا فهو كافر قتله (4).
وابن إدريس لما نقل كلام الشيخ في النهاية قال: والأولى والأظهر أنه
يكون مرتدا، ويحكم فيه بحكم المرتدين، لأنه قد استحل ما حرمه الله تعالى،
ونص عليه في محكم كتابه (5). وهذا القول يناسب قول أبى الصلاح ولا بأس
به.
مسألة: قال أبو الصلاح: وحكم شارب الفقاع محرما له صرفا لو ممتزجا

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 316 - 317.
(2) المهذب: ج 2 ص 535.
(3) المقنعة: ص 799.
(4) الكافي في الفقه: ص 413.
(5) السرائر: ج 3 ص 476.
191

بغيره حكم شارب المسكر في الحد، وإن كان مستحلا فهو كافر يجب قتله (1).
والوجه أنه لا يجب قتله، لأنه ليس مجمعا على تحريمه عند المسلمين وإن
كان مجمعا عليه عند الإمامية فلا يجب بفعله القتل، لدخول الشبهة في ذلك
بسبب الاختلاف الواقع فيه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن تاب من شرب الخمر أو غيره مما يوجب
الحد أو التأديب قبل قيام البينة عليه سقط عنه الحد، ومن تاب بعد قيام البينة
عليه أقيم عليه الحد على كل حال، فإن كان قد أقر على نفسه وتاب بعد الإقرار
جاز للإمام العفو عنه وإقامة الحد عليه (2). وتبعه ابن البراج (3)، وابن حمزة (4).
وقال أبو الصلاح: فإن تاب شاربهما - يعني: الفقاع والخمر - أو أحدهما قبل
الإقرار أو البينة توبة يظهر صلاح التائب معها درأت عنه الحد، وإن تاب بعد
ذلك فالإمام مخير بين الاستيفاء والعفو (5).
وقال ابن إدريس: ومن تاب من شرب الخمر أو غيره من المسكرات التي
توجب الحد أو الفقاع أو تاب مما يوجب التأديب قبل قيام البينة سقط عنه
الحد، فإن تاب بعد قيام البينة لم تسقط التوبة عنه الحد، وإن أقر على نفسه
وتاب بعد الإقرار قبل أن يرفع إلى الحاكم درأت التوبة عنه الحد، فإن كان قد
أقر عند الحاكم أو الإمام ثم تاب بعد إقراره عندهما فإنه يقام عليه الحد، ولا
يجوز إسقاطه، لأن هذا الحد لا يوجب القتل بل الجلد وقد ثبت، فمن أسقطه
يحتاج إلى دليل، وحمله على الإقرار بما يوجب القتل في الرجم قياس لا نقول به،

(1) الكافي في الفقه: ص 413، وفيه: " قبل الإقرار والبينة ".
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 319 - 320.
(3) المهذب: ج 2 ص 536.
(4) الوسيلة: ص 416.
(5) الكافي في الفقه: ص 413، مع اختلاف.
192

لأنه عندنا باطل. والشيخ قد رجع عن قوله في نهايته في مسائل خلافه ومبسوطه
وقال: كل حد لا يوجب القتل وأقربه من جناه فلا يجوز للإمام العفو عنه
ووجب عليه إقامته. وهذا هو الظاهر من أقوال أصحابنا، ما أظن أن أحدا
خالف فيه، لأن شيخنا رجع عما ذكره في نهايته (1).
والمعتمد الأول: لأن التوبة تسقط تحتم أقوى الذنبين، فإسقاطهما لتحتم
أدناهما أولى. وظن ابن إدريس عدم المخالفة في ذلك باطل بما نقلناه من
الخلاف.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا عزر الإمام من يجب تعزيره أو يجوز
تعزيره وإن لم يجب فمات منه لم يكن عليه شئ (2). وبه قال ابن إدريس (3)،
لأن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، ولأن التعزير حد من حدود
الله.
وقد روي عنهم - عليهم السلام - إن من حددناه حدا من حدود الله فمات
فليس له شئ، ومن ضربناه حدا من حدود الآدميين فمات كان علينا
ضمانه (4). والتعزير من حدود الله تعالى.
وقال في المبسوط: إذا عزر الإمام رجلا فمات من الضرب فعليه كمال
الدية، لأنه ضرب تأديب، وأين تجب الدية؟ قال قوم: في بيت المال، وهو
الذي يقتضيه مذهبنا، وقال قوم: على عاقلته، وإن قلنا نحن: لا ضمان عليه
أصلا كان قويا، لما روي عن أمير المؤمنين - عليه السلام - أنه قال: من أقمنا عليه

(1) السرائر: ج 3 ص 478 - 479.
(2) الخلاف: 5: 493 - 494 المسألة 10.
(3) السرائر: ج 3 ص 479.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 4 س 72 ح 5139، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب مقدمات الحدود ح 4
ج 18 ص 312، وفيهما اختلاف.
193

حدا من حدود الله فمات فلا ضمان، وهذا حد وإن كان غير معين. ثم قال:
والذي قلناه أحوط. وأما الكفارة فمنهم من قال: في ماله، لأنه قاتل خطأ، وقال
آخرون: على بيت المال، لأن خطأه يكثر فيذهب ماله بالكفارات، وهو الذي
يقتضيه مذهبنا (1). وهذا يدل على تردده وهو في موضع التردد.
مسألة: إذا ذكرت امرأة عند الحاكم بسوء فأرسل إليها فأسقطت ما في بطنها
فزعا منه فخرج الجنين منها فعلى الحاكم الضمان، لما روي من قصة المجهضة،
وأين يكون الضمان؟ قال الشيخ في المبسوط: على ما مضى (2). وعنى به: إنه
على بيت المال، لأنه من خطأ الحاكم.
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه مذهبنا إن دية الجنين على عاقلة الإمام
و (3) الحاكم، لأن هذا بعينه قتل الخطأ المحض، وهو أن يكون غير عامد في فعله
ولا قصده، وكذلك هنا، لأنه لم يقصد الجنين بفعل ولا قصد قتل، وإنما قصد
شيئا آخر وهي أمه فالدية على عاقلته والكفارة في ماله، والمسألة منصوصة: لنا:
قد وردت في فتوى أمير المؤمنين - عليه السلام - لعمر - في قصة المجهضة، أوردها
شيخنا المفيد في الإرشاد في قضايا أمير المؤمنين عليه السلام - حيث سأل عمر
جماعة من الصحابة عن ذلك فأخطأوا وأمير المؤمنين - عليه السلام - جالس،
فقال له عمر: ما عندك في هذا يا أبا الحسن؟ فتنصل من الجواب، فعزم عليه
فقال: إنه إن كان القوم قد قاربوك فقد غشوك، وإن كانوا ارتاؤا فقد قصروا
والدية على عاقلتك، لأن قتل الصبي خطأ تعلق بك، فقال: أنت والله نصحتني
من بينهم، والله لا تبرح حتى تجري الدية على بني عدي، ففعل ذلك أمير المؤمنين
- عليه السلام - وإنما نظر شيخنا ما ذكره المخالفون (4).

(1) المبسوط: ج 8 ص 63.
(2) المبسوط: ج 8 ص 64.
(3) في الطبعة الحجرية و م 3: أو.
(4) السرائر: ج 3 ص 480.
194

والمعتمد ما قاله الشيخ - رحمه الله - لأنه خطأ الحاكم، وخطأ الحكام في
الأحكام مضمون على بيت المال، وقضية عمر لا حجة فيها، لأنه لم يرسل لها بعد
ثبوت ما ذكر عنها، ولأنه لم يكن حاكما عند علي - عليه السلام -.
مسألة: ظاهر كلام ابن الجنيد يعطي المنع من شرب الخليطين وهو: ما ينبذ
فيه ثمرة الكرم والنخل في إناء واحد قبل الغليان والشدة، إلا أن يكون عذقا
واحدا فيه بسر ورطب. فلا بأس بذلك.
قال: ولو نبذ كل واحد مما لا يجوز الجمع بينهما في النبيذ ثم شرب نبيذ
كل واحد منهما على حدته قبل حلول الشدة فيه جاز أيضا، وكذا لو خلطا عند
الشرب.
وقال الشيخ في المبسوط: كل ما يعمل من شيئين يسمى خليطين، والنهي
عن ذلك نهي كراهة إذا كان حلوا عند قوم، وعند آخرين لا بأس بشرب
الخليطين، وهو الصحيح عندنا إذا كان حلوا (1). وقول الشيخ هو الأقوى.
مسألة: النبيذ في الأوعية جائز في أي وعاء كان إذا كان زمانا لا يظهر فيه
الشدة.
وقال ابن الجنيد: لا أختار أن ينبذ إلا في اشنية الأدم التي تملأ ثم توكأ
رؤوسها، فأما الحنتم (2) من الجرار والخوابي المزفت والمقير وغير المقير والمزفت
والمغضر وغير المغضر فلا اختار أن ينبذ فيه.
والنزاع في الحقيقة هنا لفظي، لأن الحرام من ذلك ما بلغ الشدة في أي
آنية كان، والحنتم (3): الجرة الصغيرة، والمزفت: ما قير بالزفت.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: الذي يثبت به الشرب الموجب للحد وجوه:

(1) المبسوط: ج 8 ص 60.
(2) في الطبعة الحجرية: الخيتم.
(3) في الطبعة الحجرية: الخيتم.
195

أحدها: إن يقر بذلك، والثاني: إن يقوم عليه به بينة أو يشرب شرابا يسكر
غيره منه إن اعترف بذلك ثبت عليه بالاعتراف، غير أن عندنا يحتاج أن
يعترف دفعتين، وإذا شرب شرابا يسكر غيره منه ثبت أيضا وحد، فأما إن لم
يثبت شئ من هذا لكنه وجد وهو سكران أو تقيا خمرا أو شم منه رائحة الخمر
فلا حد عليه عندهم، وعندنا إذا تقيأ ذلك أقيم عليه الحد (1). وهذا يشعر بأنه
لا يجب لو وجد سكرانا شئ.
وقال المفيد: وسكره بينة عليه بشرب المحظور، ولا يرتقب مع ذلك إقرار
منه في حال صحوه به، ولا شهادة من غيره عليه (2). ولا بأس بذلك، لورود
الحد مع القئ، وكذا السكر.
والأقرب المنع، لاحتمال استناد السكر إلى غير الشرب الاختياري.
مسألة: المشهور أن حد الخمر ثمانون في الحر والعبد، وذهب إليه
الشيخان (3)، وابن البراج (4)، وابن إدريس (5).
وقال الصدوق في كتابي المقنع (6) ومن لا يحضره الفقيه (7): حد الحر
ثمانون وحد المملوك أربعون.
وقال ابن الجنيد: الحد ثمانون، فإن كان السوط مثنيا فأربعون على الحر،
مسلما كان أو ذميا إذا أظهر ذلك.

(1) المبسوط: ج 8 ص 61.
(2) المقنعة: ص 801.
(3) المقنعة: ص 799 و 800، النهاية ونكتها: ج 3 ص 314.
(4) المهذب: ج 2 ص 534 - 535.
(5) السرائر: ج 3 ص 475.
(6) المقنع: ص 153 - 154 (وليس فيه أربعون للعبد).
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 56 ذيل الحديث 5089.
196

والمعتمد الأول، لما رواه أبو بصير، عن أحدهما - عليهما السلام - قال: كان
أمير المؤمنين - عليه السلام - يضرب في الخمر والنبيذ ثمانين، الحر والعبد
واليهودي والنصراني (1).
وفي الصحيح عن أبي بصير قال: حد اليهودي والنصراني والمملوك في الخمر
والفرية سواء (2).
احتج الصدوق بما رواه حماد بن عثمان، عن الصادق - عليه السلام - قال:
قلت له: التعزير كم هو؟ قال: دون الحد، قال: قلت: دون ثمانين؟ قال:
فقال: لا ولكنها دون الأربعين، فإنها حد المملوك (3).
وحمله الشيخ على التقية، لأنه مذهب بعض العامة (4).
وعن أبي بكر الحضرمي، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن عبد
مملوك قذف حرا، قال: يجلد ثمانين هذا من حقوق المسلمين، فأما ما كان من
حقوق الله عز وجل فإنه يضرب نصف الحد، قلت: الذي من حقوق الله ما هو؟
قال: إذا زنى أو شرب الخمر فهذا من الحقوق التي يضرب فيها نصف الحد (5).
قال الشيخ: إنه محمول على التقية أيضا (6).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 91 ح 353، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب حد المسكر ح 1 ج 18
ص 471.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 92 ح 355، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب حد المسكر ح 5 ج 18
ص 472.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 92 ح 356، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب حد المسكر ح 6 ج 18
ص 472.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 92 ذيل الحديث 356.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 92 ح 357، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب حد المسكر ح 7 ج 18
ص 473.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 93 ذيل الحديث 357.
197

وعن يحيى بن أبي العلا، عن الصادق - عليه السلام - قال: كان أبي يقول:
حد المملوك نصف حد الحر (1).
قال الشيخ: إنه عام، فخصه بحد الزنا، بدلالة الأخبار الأولة (2). على أن
قول ابن بابويه لا بأس به.
مسألة: قال الصدوق في كتابيه (3) وأبوه في الرسالة: لا بأس بالصلاة في ثوب
أصابه خمر، لأن الله عز وجل حرم شربها ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابته. وقد
تقدم البحث في ذلك، والحق المنع منه.
مع أنه قال: لا يجوز الصلاة في بيت فيه خمر محصور في آنية، وشدد في أمرها
حتى قال: من شربها حبست صلاته أربعين يوما (4).
مسألة: قال الصدوق: وإن صب في الخل خمر لم يجز أكله حتى يصير خلا،
فإذا صار خلا أكل (5). ونحوه قال ابن الجنيد، وهو مذهب الشيخ - رحمه الله - (6)
وخالف فيه ابن إدريس (7)، وقد تقدم.

(1) الإستبصار: ج 4 ص 238 ح 895، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب حد المسكر ح 9 ج 18
ص 473.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 238 ذيل الحديث 895.
(3) المقنع: ص 153، ومن لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 57 ذيل الحديث 5090.
(4) المقنع: 153.
(5) المقنع: ص 153، ومن لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 57 ذيل الحديث 5089.
(6) النهاية ونكتها: ج 3 ص 113.
(7) السرائر: ج 3 ص 133.
198

الفصل الثالث
في حد السرقة والمحاربة
مسألة: قال الشيخ في النهاية: الحرز: هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف
فيه الدخول إليه إلا بإذنه أو يكون مقفلا عليه أو مدفونا (1).
وقال في المبسوط: معرفة الحرز مأخوذة من العرف، فما كان حرزا لمثله في
العرف ففيه القطع، وما لم يكن حرزا لمثله في العرف فلا قطع، لأنه ليس بحرز
فحرز البقل والخضراوات في دكاكين من وراء شريجة يغلق أو يقفل عليها وحرز
الذهب والفضة والجوهر والثياب في الأماكن الحريزة في الدور الحريزة وتحت
الإغلاق الوثيقة، وكذلك الدكاكين والخانات الحريزة، فمن جعل الجوهر في
دكان البقل تحت شريجة قصب فقد ضيع ماله، والحرز يختلف باختلاف المحرز
فيه، وقال قوم: إذا كان الموضع حرزا لشئ فهو حرز لسائر الأشياء، ولا يكون
المكان حرزا لشئ دون شئ، وهو الذي يقوى في نفسي، لأن أصحابنا قالوا:
إن الحرز هو كل موضع ليس لغير المالك أو المتصرف فيه دخوله إلا بإذنه،
والطعام حرزه أن يجعل في غرائر ويخيط ويجمع ويشد بعضها إلى بعض، وقال
بعضهم: لا بد من أن يكون وراء باب يغلق وقفل يغلق عليه، وهو الأقوى

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 320 - 321.
199

عندي. والإبل إن كان راعية فحرزها أن ينظر الراعي إليها مراعيا لها، وإن
كان ينظر إلى جميعها - مثل إن كان على نشز أو مستوى من الأرض - فهي في
حرز، لأن الناس هكذا يحرزون أموالهم عند الراعي، وإن كان لا ينظر إليها أو
كان ينظر إليها فنام عنها فليست في حرز، وإن كانت باركة ينظر إليها فهي في
حرز، وإن كان لا ينظر إليها فهي في حرز بشرطين: أن تكون معقولة، وأن
يكون معها نائما أو غير نائم، لأن الإبل الباركة هكذا حرزها، وإن كانت
مقطرة فإن كان سائقا ينظر إليها فهي في حرز، وإن كان قائدا فإنما تكون في
حرز بشرطين: أن يكون بحيث إذا التفت إليها شاهدها كلها، وأن يكثر
الالتفات إليها مراعيا لها، وكذا البغال والحمير والخيل والغنم والبقر، فإذا آوت
إلى حضيرة كالمراح والمر بدو الاصطبل فإن كان في البر دون البلد فما لم يكن
صاحبها معها في المكان فليس بحرز، وإن كان معها فيه فهو حرز، وإن كان
الباب مفتوحا فليس بحرز إلا أن يكون معها مراعيا لها غير نائم، وإن كان
الباب مغلقا فهو حرز نائما كان أو غير نائم، وإن كانت في جوف البلد فالحرز
أن يغلق الباب سواء كان صحابها معها أولا، وإن كان معه ثوب ففرشه ونام
عليه أو اتكأ عليه أو نام وتوسده فهو في حرز في أي موضع كان في البلد أو
البادية، فإن تدحرج عن الثوب زال الحرز، فإن كان بين يديه متاع كالميزان
بين يدي الخبازين والثياب بين يدي البزازين فحرز ذلك نظره (إليه) فإن
سرق من بين يديه وهو ينظر إليه ففيه القطع، وإن سها أو نام عنه زال الحرز
وسقط القطع (1).
وقال في الخلاف: كل موضع حرز لشئ من الأشياء فهو حرز لجميع
الأشياء، والإبل إذا كانت مقطرة وكان سائقا لها فهي في حرز بلا خلاف،

(1) المبسوط: ج 8 ص 22 - 24. مع اختلاف.
200

وإن كان قائدا لها فلا يكون في حرز إلا الذي زمامه بيده، وبه قال أبو حنيفة،
وقال الشافعي: تكون في حرز بشرطين: أن تكون بحيث إذا التفت إليها
شاهدها كلها، وأن يكون مع الالتفات إليها مراعيا لها. دليلنا: إن كون ذلك
حرزا يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك (1).
وقال ابن الجنيد: فأما السرقة من حيث لا يحجب السارق عن الدخول
إليه أو من رفقاء الذين متاعهم مرمي بينهم فلا قطع في ذلك، وكذلك
الحمامات والخانات، إلا أن يكون على الثياب حافظ. وقال أيضا: فأما
القطار وما على ظهر الجمال فإنه حرز يجب على سارقه القطع. وهو يعطي أن
المراعاة حرز.
وقال ابن إدريس: المراعاة - بالعين - ليست حرزا، والذي يقتضيه المذهب
أن الحرز ما كان مقفلا أو مغلقا أو مدفونا دون ما عدا ذلك (2).
ولا قطع في الإبل، سواء كانت مقطرة أو غير مقطرة، راعاها بعينه أو
ساقها أو غير ذلك، إلا أن يكون في حرز. وهو الأقوى، لما رواه السكوني، عن
الصادق، عن الباقر، عن علي - عليهم السلام - قال: لا يقطع إلا من نقب بيتا أو
كسر قفلا (3).
ثم إن ابن إدريس نقض حد الشيخ في النهاية: بأن دار الغير المفتوحة أو
التي لا باب لها ليس لغيره الدخول فيها، ولا يجب القطع بالسرقة منها (4). وهو
حسن.

(1) الخلاف: ج 5: 419 و 420 المسألة 6 و 7.
(2) السرائر: ج 3 ص 483.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 109 ح 423، وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب حد السرقة ح 3 ج 18
ص 509.
(4) السرائر: ج 3 ص 484.
201

ويحتمل أن يكون المراد بقوله: " ليس لغير المتصرف الدخول فيه " سلب
القدرة لا الجواز الشرعي.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: من سرق من مال الغنيمة قبل أن يقسم ما
يزيد على قسمه بمقدار ما يجب عليه القطع أو زائدا عليه كان عليه القطع (1).
وبه قال ابن الجنيد، وابن البراج (2).
وقال المفيد: لا يقطع المسلم إذا سرق من مال الغنيمة، لأن له فيه
قسطا (3)، وأطلق. وتبعه سلار (4).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول المذهب أنه لا قطع عليه بحال إذا
ادعى الاشتباه في ذلك وأنه ظن أن نصيبه يبلغ ما أخذه، لأن الشبهة
بلا خلاف حاصلة في ما قال وادعى، ولأن الأصل ألا قطع، فمن ادعاه فقد
ادعى حكما شرعيا يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، ولا دليل ولا إجماع (5).
وهذا القول غير سديد، لأن الشيخ - رحمه الله - لم يوجب القطع مع الشبهة،
بل على تقدير العلم بالتحريم، فإن جعل نفس شركة المغنم شبهة وإن كان
السارق عالما بالتحريم ثبت الخلاف، لكنه ممنوع.
وقد روى الشيخ عن محمد بن قيس، عن الباقر - عن علي - عليهما السلام -
قال في رجل أخذ بيضة من المغنم وقالوا: قد سرق اقطعه، فقال: إني لم أقطع
أحدا له في ما أخذ شركة (6).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 322 - 323، وفيه: " على قسمته بمقدار فيه القطع ".
(2) المهذب: ج 2 ص 542.
(3) المقنعة: ص 803.
(4) المراسم: ص 258.
(5) السرائر: ج 3 ص 485.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 104 ح 406، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 518 وفيهما: " في ما أخذ شرك ".
202

قال الشيخ: ولا ينافي ذلك ما رواه عبد الرحمان بن أبي عبد الله، عن
الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين
- عليه السلام - فقال: كانت بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه (1).
قال الشيخ: لأن الوجه في هذا الخبر أن يكون الحكم مقصورا على ما فعله
أمير المؤمنين - عليه السلام - وليس في هذا الخبر إن من سرق من المغنم يقطع
فيكون منافيا للأول، بل هو صريح بحكاية فعل، ولا يمتنع أن يكون أمير المؤمنين
- عليه السلام - فعل ذلك لما اقتضته المصلحة (2)
والشيخ احتج على ما ذكره في النهاية بما رواه عبد الله بن سنان، عن
الصادق - عليه السلام - قال: قلت: رجل سرق من المغنم أي شئ الذي يجب
عليه أيقطع؟ قال: ينظر كم الذي يصيبه، فإن كان الذي أخذ أقل من نصيبه
عزر ودفع إليه تمام ماله، وإن كان أخذ مثل الذي له فلا شئ عليه، وإن
كان أخذ فضلا بقدر ثمن مجن - وهو ربع دينار - قطع (3).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إن كان السارق صبيا عفي عنه مرة، فإن عاد
أدب، فإن عاد ثالثة حكت أصابعه حتى تدمى، فإن عاد قطعت أنامله، فإن
عاد بعد ذلك قطع أسفل من ذلك كما يقطع الرجل سواء (4). وتبعه ابن
حمزة (5).
وقال الصدوق في المقنع: والصبي إذا سرق يعفى عنه، فإن عاد قطعت

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 105 ح 408، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب حد السرقة ح 3 ج 18
ص 518.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 105 ذيل الحديث 408.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 106 ح 410، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب حد السرقة ح 4 ج 18
ص 519.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 234 - 235.
(5) الوسيلة: ص 418.
203

أنامله أو حكت حتى تدمى، فإن عاد قطعت أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من
ذلك (1).
وقال المفيد: وإذا سرق الصبي أدب ولم يقطع وعزره الإمام بحسب ما
يراه (2).
وقال أبو الصلاح: يهدد في الأول وتحك أصابعه بالأرض حتى تدمى في
الثانية وقطعت أطراف أنامله الأربع من المفصل الأول في الثالثة، ومن المفصل
الثاني في الرابعة، ومن أصول الأصابع في الخامسة (3).
والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: اشتهاره بين علمائنا، وفتوى أكثرهم به، والأحاديث المتظافرة الدالة
عليه.
وروى الحلبي في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال: إذا سرق الصبي
عفي عنه، فإن عاد عزر، فإن عاد قطع أطراف الأصابع، فإن عاد قطع أسفل
من ذلك. وقال: أتي أمير المؤمنين - عليه السلام - بغلام يشك في احتلامه فقطع
أطراف الأصابع (4).
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان، عن الصادق - عليه السلام قال:
سألته عن الصبي يسرق، قال: يعفى عنه مرة ومرتين ويعزر في الثالثة، فإن عاد
قطعت أطراف أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك (5).

(1) المقنع: ص 150.
(2) المقنعة: ص 803.
(3) الكافي في الفقه: ص 411.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 118 - 119 ح 472، وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب حد السرقة ح 2
و 3 ج 18 ص 523.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 119 ح 473، وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 522.
204

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم، عن أحدهما - عليهما السلام - قال: سألته
عن الصبي يسرق، قال: إذا سرق مرة وهو صغير عفي عنه، فإن عاد عفي عنه (1)،
فإن عاد قطع بنانه، فإن عاد قطع أسفل من بنانه، فإن عاد قطع أسفل من
ذلك (2).
وروى الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه عن محمد بن مسلم، عن
الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن الصبي يسرق، قال: إن كان له سبع سنين
أو أقل رفع عنه، فإن عاد بعد السبع قطعت بنانه أو حكت حتى تدمى، فإن
عاد قطع عنه أسفل من بنانه، فإن عاد بعد ذلك وقد بلغ تسع سنين قطعت يده
ولا يضيع حد من حدود الله عز وجل (3).
والأخبار في ذلك كثيرة، ولا استبعاد في كون التأديب الواجب عليه
بذلك، ولا يكون ذلك من باب التكليف، بل من باب اللطف.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: والأجير إذا سرق من مال المستأجر لم يكن
عليه قطع، وكذلك الضيف إذا سرق من مال مضيفه لا يجب عليه قطع (4).
وقال ابن الجنيد: وسرقة الأجير والضيف والزوج في ما اؤتمنوا عليه خيانة
لا قطع عليهم فيه، فإن سرقوا مما لم يؤتمنوا عليه قطعوا.
وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (5) والمقنع (6): ليس على

(1) ليس في المصدر " فإن عاد عفي عنه ".
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 119 ح 474، وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب حد السرقة ح 4 ج 18
ص 523.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 62 ح 5105، وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب حد السرقة ح 12
ج 18 ص 525.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 326 - 327.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 65 ذيل الحديث 5117.
(6) المقنع: ص 151.
205

الأجير ولا على الضيف قطع، لأنهما مؤتمنان.
وقال ابن إدريس: روي أن الأجير إذا سرق من مال المستأجر لم يكن عليه
قطع، وكذلك الضيف إذا سرق من مال مضيفه لا يجب عليه قطع على ما رواه
أصحابنا. ويمكن حمل الرواية في الضيف والأجير على أنهما لا قطع عليهما إذا لم
يحرزه صاحبه من دونهما وأدخلهما حرزه وأدخلهما بابه ثم سرقا فلا قطع عليهما،
لأنهما دخلا بإذنه وسرقا من غير حرز، فأما ما قد أحرزه دونهما فنقباه وسرقاه أو
فتحاه وسرقاه أو كسراه وسرقاه فعليهما القطع، لدخولهما تحت عموم قوله تعالى:
" والسارق " فمن أسقط الحد عنهما في ما صورناه فقد أسقط حدا من حدود الله
تعالى بغير دليل من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع. فإن قيل: فأي فرق
بين الضيف وغيره؟ قلنا: غير الضيف لو سرق من الموضع الذي إذا سرقه
الضيف الذي لم يوجب على الضيف بسرقته القطع قطعناه، لأنه غير مأذون له
في دخول الحرز الذي دخله، والضيف مأذون له في دخوله إليه، فلا قطع عليه،
فافترق الأمران. وشيخنا أطلق في النهاية أنه: لا قط على الضيف، ولم يقيده.
وقال في مسائل خلافه: مسألة: إذا سرق الضيف من بيت مقفل أو مغلق
وجب قطعه، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا قطع عليه.
دليلنا: الآية، والخبر، ولم يفصلا. وقال في المبسوط: فإن نزل برجل ضيف
فسرق الضيف شيئا من مال صاحب المنزل فإن كان من البيت الذي نزل فيه
فلا قطع، وإن كان من بيت غيره من دون غلق وقفل ونحوه فعليه القطع، وقال
قوم: لا قطع على هذا الضيف، وروى أصحابنا أنه لا قطع على الضيف، ولم
يفصلوا، وينبغي أن يفصل مثل الأول، فإن أضاف هذا الضيف ضيفا آخر
بغير إذن صاحب الدار فسرق الثاني كان عليه القطع على كل حال، ولم يذكر
هذه أحد من الفقهاء. قال ابن إدريس: هذا آخر كلامه - ونعم ما قال وحقق -
والذي ينبغي تحصيله في هذه المسألة ويجب الاعتماد عليه هو أن الضيف لا
206

قطع عليه سواء سرق من حرز أو غيره من غير تفصيل، لإجماع أصحابنا المنعقد
من غير خلاف بينهم ولا تفصيل من أحد منهم، وأخبارهم المتواترة العامة في أن
الضيف لا قطع عليه إذا سرق من مال مضيفه، فمن خصصها بأنه إذا سرق من
غير حرز يحتاج إلى دليل، وأيضا فلا معنى إذا أراد ذلك، لإجماعهم، ولا لعموم
أخبارهم، لأن غير الضيف في ذلك الحكم مثل الضيف سواء، فلا معنى
لقولهم - عليهم السلام -: إنه لا قطع على الضيف، لأن من ليس بضيف إذا
سرق من غير حرز لا قطع عليه، ولم يذهب إلى تفصيل ذلك سوى شيخنا أبي
جعفر في مبسوطه ومسائل خلافه، وهو موافق لباقي أصحابنا في نهايته، فأما
الأجير فإنه يقطع (1). وهذا يدل على اضطرابه وعدم تحقيقه، فلا يبالي بتناقض
كلاميه.
والشيخ - رحمه الله - احتج بما رواه سليمان، عن الصادق - عليه السلام -
قال: سألته عن الرجل استأجر أجيرا فسرق من بيته هل تقطع يده؟ قال: هذا
مؤتمن ليس بسارق، وهذا خائن (2).
وعن سماعة قال: سألته عمن استأجر أجيرا فأخذ الأجير متاعه فسرقه،
قال: هذا مؤتمن. ثم قال: الأجير والضيف أمناء ليس يقع عليهما حد السرقة (3).
وفي الحسن عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - أنه قال: في رجل
استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرقه، فقال: هو مؤتمن (4).

(1) السرائر: ج 3 ص 486 - 488، مع اختلاف.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 109 ح 424، وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب حد السرقة ح 3 ج 18
ص 506.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 109 ح 425، وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب حد السرقة ح 4 ج 18
ص 506.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 109 ح 426، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 507.
207

وفي الحسن عن محمد بن قيس، عن الباقر - عليه السلام - قال: الضيف إذا
سرق لم يقطع، وإن أضاف الضيف ضيفا فسرق قطع ضيف الضيف (1).
والتحقيق: القطع عليهم مع الإحراز دونهم بقفل أو غلق لا بدونه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن سرق وليس له اليمنى فإن كانت قطعت
في القصاص أو غير ذلك وكانت له اليسرى قطعت يسراه، فإن لم يكن له
اليسرى أيضا قطعت رجله، فإن لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من
الحبس (2).
وقال في المسائل الحلبية: المقطوع اليدين والرجلين إذا سرق ما يوجب
القطع وجب أن نقول: الإمام مخير في تأديبه وتعزيره أي نوع أراد فعل، لأنه لا
دليل على شئ بعينه، وإن قلنا: يجب أن يحبس أبدا - لأن القطع لا يمكن
هاهنا ولا يمكن غير ما ذكرناه وتركه مخالفة إسقاط الحدود - كان قويا (3).
وقال ابن الجنيد: وكذلك لو كانت يده اليسرى مقطوعة في قصاص فسرق
لم يقطع يمينه، ويحبس في هذه الأحوال، وأنفق عليه من بيت مال المسلمين إن
كان لا مال له.
وقال ابن البراج: إذا سرق ولم يكن له يمين قطعت رجله اليسرى، وذكر
أنه يقطع يساره، والأول هو الظاهر (4).
وقال في الكامل: ومن كانت يده اليمنى قد قطعت وله اليسرى وسرق
قطعت يسراه، فإن لم يكن له يسرى قطعت رجله، فإن لم يكن له رجل لم يكن

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 110 ح 428، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 508.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 328.
(3) نقله عنه في السرائر: ج 3 ص 489 - 490.
(4) المهذب: ج 2 ص 544.
208

عليه غير الحبس.
وقال ابن حمزة: إن قطعت يمينه قصاصا قطعت يساره، وإن قطعت في
السرقة قطعت رجله اليسرى (1).
وقال ابن إدريس - لما نقل كلام الشيخ في المسائل الحلبية والنهاية -:
الأقوى عندي أن من ذكر حاله لا يجوز حبسه أبدا إذا سرق أول دفعة بل يجب
تعزيره، لأن الحبس هو حد من سرق في الثالثة بعد تقدم دفعتين قد أقيم عليه
الحد فيهما، فكيف يفعل به ما يفعل في حد الدفعة الثالثة في حد الدفعة
الأولى؟ (2) ولا بأس به.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: فإن أقر تحت الضرب بالسرقة وردها بعينها
وجب عليه أيضا القطع (3).
وقال ابن إدريس: والذي يقوى عندي أنه لا يجب عليه القطع، لأن من
أقر تحت الضرب لا يعتد بإقراره في وجوب القطع، وإنما يثبت القطع بشهادة
عدلين أو إقرار السارق مرتين مختارا، وهذا ليس كذلك، والأصل ألا قطع،
وإدخال الألم على الحيوان قبيح إلا ما قام عليه دليل (4).
والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: إنه قد ثبت أنه سارق، لوجود المال عنده، فوجب عليه القطع، لثبوت
المقتضي، كما أوجبنا الحد على من قاء الخمر، لوجود سببه وهو الشرب.
وما رواه سليمان بن خالد في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن رجل سرق سرقة وكابر عليها فضرب فجاء بها بعينها هل يجب عليه
القطع؟ قال: نعم، ولكن إذا اعترف ولم يجئ بالسرقة لم تقطع يده، لأنه

(1) الوسيلة: ص 420.
(2) السرائر: ج 3 ص 490.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 329.
(4) السرائر: ج 3 ص 490، مع اختلاف.
209

اعترف على العذاب (1).
مسألة: المشهور أن القطع لا يجب بالإقرار مرة واحدة، بل إنما يجب بالإقرار
مرتين.
وقال الصدوق في المقنع: والحر إذا أقر على نفسه عند الإمام مرة واحدة
بالسرقة قطع (2).
لنا: إنه حد فلا يستوفى بالإقرار مرة واحدة كغيره.
ولأن الحدود مبناها على التخفيف.
وما رواه جميل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما - عليهما السلام -
قال: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين، فإن رجع ضمن السرقة، ولم
يقطع إذا لم يكن شهود (3).
احتج الصدوق بما رواه الفضيل في الصحيح عن الصادق - عليه السلام -
قال: إذا أقر الحر على نفسه بالسرقة مرة واحدة عند الإمام قطع (4).
والجواب: قال الشيخ: إنه محمول على التقية (5).
ويحتمل أن يقال: الإقرار عند الإمام يخالف الإقرار عند الناس، لأن
الإنسان يتحرز عند الإمام ويتحفظ من الاعتراف بما يوجب العقوبات، وفي
الغالب إنما يقر عنده إذا أقر عند غيره، فلهذا أوجب القطع عليه بإقراره عنده

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 106 ح 411، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 497، وفيهما: " وكابر عنها فضرب ".
(2) المقنع: ص 151 وفيه: " والحر إذا أقر على نفسه لم يقطع ".
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 129 ح 515، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 487.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 126 ح 504، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب حد السرقة ح 3 ج 18
ص 488.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 126 ذيل الحديث 504.
210

مرة واحدة، لأنها في الغالب يقع عقيب إقرار آخر عند الناس.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن أقر بالسرقة مختارا ثم رجع عن ذلك
ألزم السرقة وسقط عنه القطع (1). وكذا قال في الخلاف (2)، وتبعه ابن
البراج (3)، وأبو الصلاح (4).
وقال في المبسوط: متى رجع عن اعترافه سقط برجوعه عندهم، إلا ابن أبي
ليلى فإنه قال: لا يسقط برجوعه، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، وحمله على الزنا
قياس لا نقول به (5).
وقال ابن إدريس: هذا غير واضح، لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة
مقطوع بها ولا إجماع، بل مخالف لكتاب الله تعالى وتعطيل لحدوده، ولا يرجع
في مثل ذلك إلى خبر شاذ إن كان قد ورد (6). بل يجب عليه القطع.
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: إن رجوعه توبة منه وندامة فيسقط عنه الحد.
وما رواه جميل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما - عليهما السلام -
قال: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين، فإن رجع ضمن السرقة ولم يقطع
إذا لم يكن شهود (7).
احتج بما رواه الحلبي ومحمد بن مسلم في الصحيح، عن الصادق

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 329.
(2) الخلاف: ج 5: ص 444 المسألة 41.
(3) المهذب: ج 2 ص 544.
(4) الكافي في الفقه: ص 412.
(5) المبسوط: ج 8 ص 40، وفيه: " متى رجع من اعترافه ".
(6) السرائر: ج 3 ص 491.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 129 ح 515، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 487.
211

- عليه السلام - قال: إذا أقر الرجل على نفسه أنه سرق ثم جحد فاقطعه وإن رغم
أنفه (1).
والجواب: الحمل على ما إذا رجع عن إقراره بعد قيام البينة عليه بالفعل
فإنه لا يقبل رجوعه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا تاب بعد الإقرار جاز للإمام العفو عنه
وإقامة الحد عليه حسب ما يراه أردع في الحال، ويجب عليه رد السرقة على كل حال (2).
وقال أبو الصلاح: فإن تاب السارق وظهر صلاحه قبل أن يرفع خبره إلى
السلطان سقط عنه القطع وعليه غرم ما سرق، وإن تاب بعد ما رفع إليه
فالإمام خاصة مخير بين قطعه والعفو عنه ولا خيار لغيره (3).
وقال ابن إدريس: إذا أقر مرتين عند الحاكم ثم تاب بعد الإقرار وجب
عليه القطع، ولم يجز للإمام والحاكم العفو عنه بحال، لأنه تعطيل لحدود الله
تعالى وخلاف لكتابه وأوامره سبحانه. وحمل ذلك على الإقرار بالزنا الموجب
للرجم قياس، والقياس عندنا باطل لا نقول به. وشيخنا في مبسوطه رجع عما
قاله في نهايته ومسائل خلافه فقال: إذا ادعي على رجل أنه سرق منه نصابا من
حرز مثله وذكر النصاب فإن اعترف بذلك مرتين ثبت إقراره وقطع، ومتى
رجع عن اعترافه سقط برجوعه عندهم، إلا ابن أبي ليلى فإنه قال: لا يسقط
برجوعه، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، وحمله على الزنا قياس لا نقول به. وما
ذكره في مبسوطه هو الصحيح الذي لا يجوز العدول عنه، وإنما يورد شيخنا في
نهايته أخبار آحاد إيرادا لا اعتقادا (4).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 126 ح 503، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب مقدمات الحدود ح 1
ج 18 ص 318 - 319.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 330، وفيه: " العفو عنه أو إقامة ".
(3) الكافي في الفقه: ص 412.
(4) السرائر: ج 3 ص 491 - 492، مع اختلاف.
212

والمعتمد الأول.
لنا: إن التوبة تسقط تحتم أعظم الذنبين، فتسقط تحتم أضعفهما.
وما رواه أبو عبد الله البرقي، عن بعض أصحابه، عن بعض الصادقين
- عليهم السلام - قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - فأقر بالسرقة،
فقال له أمير المؤمنين - عليه السلام -: أتقرأ شيئا من كتاب الله؟ قال: نعم سورة
البقرة، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة، قال: فقال الأشعث: أتعطل حدا
من حدود الله تعالى؟! قال: وما يدريك ما هذا، إذا قامت البينة فليس للإمام
أن يعفو، وإذا أقر الرجل على نفسه فذلك إلى الإمام، إن شاء عفا وإن شاء قطع (1).
وابن إدريس توهم أن الشيخ أفتى بذلك عن قياس، وحاشاه عن ذلك،
فإن مذهبنا تحريم العمل بالقياس، والأدلة لا تنحصر في الكتاب والسنة
المتواترة والإجماع، فإن أخبار الآحاد معمول عليها، وتخصيص الكتاب بها ليس
إبطالا للكتاب كما توهمه، ونحن لم نثبت ذلك بالقياس بل بطريق الأولى،
فإن المسقط لأقوى الذنبين أولى بالإسقاط لأدناهما، وإنما اقتضى هذه
الاغلوطات عدم قوته المميزة ونسبة شيخنا - رحمه الله - إلى ما لا يليق.
مسألة: المشهور بين علمائنا أن النصاب الذي يجب به قطع السارق ربع
دينار ذهبا خالصا أو ما قيمته ذلك، سواء كان منقوشا أولا، ذهب إليه
الشيخان (2)، والسيد المرتضى (3)، وسلار (4)، وابن البراج (5) وأبو الصلاح (6)،

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 129 ح 516، وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح 3
ج 18 ص 331.
(2) المقنعة: ص 802، النهاية ونكتها: ج 3 ص 320، وليس فيهما: " سواء كان منقوشا أولا ".
(3) الإنتصار: ص 268، وليس فيه: " سواء كان منقوشا أولا ".
(4) المراسم: ص 258، وفيه: " ما قدره ربع دينار قطع ".
(5) المهذب: ج 2 ص 537.
(6) الكافي في الفقه: ص 411 وفيه: " ما مقداره ربع دينار فما زاد ".
213

وابن حمزة (1)، وابن زهرة (2)، وأكثر علمائنا.
وقال ابن أبي عقيل: والسارق عند آل الرسول - عليهم السلام - يقطع في
كل شئ سرق إذا بلغ قيمة ما يسرق دينارا فصاعدا.
وقال الصدوق في كتاب المقنع: سئل أمير المؤمنين - عليه السلام - عن أدنى
ما يقطع فيه السارق؟ فقال: ربع دينار، وروي أنه يقطع في خمس دينار أو في
قيمة ذلك، وروي أنه يقطع في درهمين (3). وقد روي الجميع في كتاب من لا
يحضره الفقيه (4).
وقال ابن الجنيد: وقد روي عن أبي جعفر محمد بن علي وأبي عبد الله جعفر
بن محمد - عليهم السلام - إن القطع في خمس دينار وفي درهمين، وروى أيضا
الدرهمين عن موسى بن جعفر - عليهما السلام -.
والمعتمد الأول.
لنا: ما رواه محمد بن مسلم بن الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال:
قلت له: في كم يقطع السارق؟ قال: في ربع دينار، قال: قلت: في درهمين،
فقال: في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ، قال: فقلت له: أرأيت من سرق أقل
من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق وهل هو عند الله سارق في
تلك الحال؟ فقال: كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه وأحرزه فهو يقع عليه
اسم السارق وهو عند الله السارق، ولكن لا يقطع إلا في ربع دينار أو أكثر، ولو
قطعت يد السارق في ما هو أقل من ربع دينار لألفيت عامة الناس مقطعين (5)

(1) الوسيلة: ص 417 وليس فيه: " سواء كان منقوشا أولا ".
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 561 ص 13، وليس فيه: " سواء كان منقوشا أولا ".
(3) المقنع: ص 150، وليس فيه: " وروي أنه يقطع في درهمين ".
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 64 ح 5113 و 5114، وليس فيه: " وروي أنه يقطع في درهمين ".
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 99 ح 384، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18 ص 482.
214

وتحمل الروايات الدالة على القطع في درهمين أو خمسة على مساواة
الدرهمين لربع الدينار الذهب في بعض الأوقات وهو وقت السؤال، أو بخمسة
دراهم بحسب اختلاف أسعار الفضة من الذهب.
مسألة: قال الشيخان: إذا سرق اثنان فصاعدا ما قيمته ربع دينار وجب
عليهما القطع، فإن انفرد كل واحد منهما ببعض لم يجب عليهما القطع، لأنه قد
نقص من المقدار الذي يجب فيه القطع (1). وبه قال السيد المرتضى (2)، وابن
البراج (3)، وأبو الصلاح (4)، وابن حمزة (5).
وللشيخ قول آخر في الخلاف (6) والمبسوط (7) أنه: لا يجب القطع إلا أن
يبلغ نصيب كل واحد منهم نصابا، وبه قال ابن الجنيد، وابن إدريس (8). وهو
المعتمد.
لنا: أصالة البراءة.
ولأن كل واحد منهم لم يفعل الموجب، وإلا لزم استناد الفعل الواحد إلى
علل كثيرة وهو محال، فالصادر عن كل واحد بعضه وبعض الشئ ليس نفس
ذلك الشئ، وإذا انتفى السبب انتفى الحكم.
احتج الشيخ بأن موجب الحد ثابت، وهو سرقة النصاب، وقد صدرت عن
الجميع، فثبت عليهم القطع.
والجواب: المنع من صدوره عن كل واحد بخصوصه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا شهد الشهود على سارق بالسرقة دفعتين لم

(1) المقنعة: ص 804، النهاية ونكتها: ج 3 ص 331 - 332.
(2) الإنتصار: ص 264.
(3) المهذب: ج 2 ص 540.
(4) الكافي في الفقه: ص 411.
(5) الوسيلة: ص 419.
(6) الخلاف: ج 5 ص 420 المسألة 8.
(7) المبسوط: ج 8 ص 28.
(8) السرائر: ج 3 ص 492 - 493.
215

يكن عليه أكثر من قطع اليد، فإن شهدوا عليه بالسرقة الأولى وأمسكوا حتى
يقطع ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة وجب عليه قطع رجله بالسرقة الأخيرة
على ما بيناه (1). وبه قال الصدوق (2).
وقال ابن الجنيد: لو سرق السارق مرارا ولم يقدر عليه ثم قدر عليه قطعت
يمينه فقط، وأطلق.
وقال الشيخ في الخلاف: إذا سرق دفعة بعد أخرى وطولب دفعة واحدة
بالقطع لم يجب إلا قطع يده فحسب بلا خلاف، فإن سبق بعضهم وطالب
بالقطع فقطع ثم طالب الباقون روى أصحابنا أنه يقطع للآخرين أيضا، وقال
الشافعي وجميع الفقهاء: لا يقطع للآخرين، لأنه إذا قطع بالسرقة فلا يقطع
دفعة أخرى قبل أن يسرق حتى يسرق، وهذا أقوى، غير أن الرواية ما قلناه.
دليلنا على ذلك: الآية والخبر وإجماع الفرقة (3).
وقال في المبسوط: إذا تكررت منه السرقة فسرق مرارا من واحد أو من
جماعة ولم يقطع فالقطع مرة واحدة، لأنه حد من حدود الله تعالى، فإذا ترادفت
تداخلت كحد الزنا وشرب الخمر، فإذا ثبت أن القطع واحد نظرت، فإن
اجتمع المسروق منهم وطالبوه بأجمعهم قطعناه وغرم لهم، وإن سبق واحد منهم
فطالب بما سرق منه وكان نصابا غرم وقطع، ثم كل من جاء بعده من القوم
فطالب بما سرق منه غرمناه ولم نقطعه، لأنا قد قطعناه بالسرقة فلا يقطع قبل أن
يسرق مرة أخرى (4). وتبعه ابن إدريس (5). وهو الأقوى.
لنا: إنه حد، فلا يتكرر بتكرر سببه.
احتج الشيخ بما رواه بكير بن أعين، عن الباقر - عليه السلام - في رجل سرق

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 332 - 333.
(2) المقنع: ص 150 - 151.
(3) الخلاف: ج 5 ص 441 المسألة 36.
(4) المبسوط: ج 8 ص 38.
(5) السرائر: ج 3 ص 494.
216

فلم يقدر عليه ثم سرق مرة أخرى فأخذ فجاءت البينة فشهدوا عليه بالسرقة
الأولى والسرقة الأخيرة، فقال: تقطع يده بالسرقة الأولى ولا تقطع رجله
بالسرقة الأخيرة، فقلت: كيف ذاك؟ فقال: لأن الشهود شهدوا جميعا في مقام
واحد بالسرقة الأولى والأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الأولى، ولو أن الشهود
شهدوا عليه بالسرقة الأولى ثم أمسكوا حتى تقطع يده ثم شهدوا عليه بالسرقة
الأخيرة قطعت رجله اليسرى (1).
والجواب: في الطريق سهل بن زياد، وفيه ضعف، فيبقى المستند أصالة
البراءة.
تذنيب (2): قال الشيخ في النهاية: إذا سرق السارق فلم يقدر عليه ثم سرق
ثانية فأخذ وجب عليه القطع بالسرقة الأخيرة ويطالب بالسرقتين معا، فإن
شهد الشهود على سارق بالسرقة دفعتين لم يكن عليه أكثر من قطع اليد، فإن
شهدوا عليه بالسرقة الأولى وأمسكوا حتى قطع ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة
وجب عليه قطع رجله بالسرقة الأخيرة (3).
وقال الصدوق: فإن سرق رجل فلم يقدر عليه ثم سرق مرة أخرى فأخذ
فجاءت البينة فشهدوا عليه بالسرقة الأولى والأخيرة فإنه تقطع يده بالسرقة
الأولى ولا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة، ولو أن الشهود شهدوا عليه بالسرقة
الأولى ثم أمسكوا حتى تقطع يده ثم شهدوا بعد ذلك بالسرقة الأخيرة قطعت
رجله اليسرى (4).
وقال أبو الصلاح: وإذا أقر بسرقات كثيرة أو قامت بذلك بينة قطع لأولها

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 107 ح 418، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 499.
(2) في الطبعة الحجرية: مسألة.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 332.
(4) المقنع: ص 150.
217

واغرم جميعا (1).
وقال ابن حمزة: وإن توالى منه السرقة وشهدت البينة عليه بالجميع دفعة لم
يجب عليه غير قطع اليد، فإن شهدت عليه بسرقة واحدة وسكتت حتى قطعت
يده ثم شهدت عليه بأخرى قطعت ثانيا (2).
والتحقيق أن نقول: إن شهدت البينات بالسرقات المتعددة قبل القطع
قطع على أي واحد كان، بحيث لو عفي الأول قطع بالثاني وبالعكس، وإن شهد
بعضهم بعد قطعه لم يقطع، ويقطع هنا على أسبق الشهادات عند الحاكم، سواء
كانت تلك السرقة متأخرة أو متقدمة.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا نقبا معا ودخل أحدهما فوضع السرقة في
بعض النقب فأخذها الخارج قال قوم: لا قطع على واحد منهما، وقال آخرون:
عليهما القطع، لأنهما اشتركا في النقب والإخراج معا فكانا كالواحد المنفرد
بذلك، بدليل أنهما لو نقبا معا ودخلا وأخرجا معا كان عليهما الحد كالواحد،
ولأنا لو قلنا: لا قطع كان ذريعة إلى سقوط القطع بالسرقة، لأنه لا يشاء
شيئا (3) إلا شارك غيره فسرقا هكذا فلا قطع، والأول أصح، لأن كل واحد
منهما لم يخرجه من كمال الحرز، فهو كما لو وضعه الداخل في بعض النقب
فاجتاز مجتاز فأخذه من النقب فإنه لا قطع على واحد منهما (4). وتبعه ابن البراج
في جواهر الفقه (5) والمهذب (6).

(1) الكافي في الفقه: ص 412.
(2) الوسيلة: ص 419.
(3) في الطبعة الحجرية: " لا فشاش " بدل " لأنه لا يشاء شيئا ".
(4) المبسوط: ج 8 ص 26 - 27.
(5) جواهر الفقه: 227.
(6) المهذب: ج 2 ص 540 - 541.
218

وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن القطع على الأخذ
الخارج، لأنه نقب وهتك الحرز وأخرج المال منه، بخلاف المجتاز فإنه لم يهتك
حرزا. وأيضا الداخل إما أن يكون قد أخرج المال من الحرز أولا، فإن كان
الأول وجب عليه القطع، ولم يقل به أحد. فلم يبق إلا أنه لم يخرجه من الحرز
وأخرجه الخارج من الحرز الهاتك له فيجب عليه القطع، لأنه نقب وأخرج
المال من الحرز، ولا ينبغي أن يعطل الحدود بحسن العبارات وتزويقاتها
وصقلها، وهو قولهم: ما أخرجه من كمال الحرز أي شئ هذه المغلطة، بل
الحق أن يقال: أخرجه من الحرز أو من غير الحرز لا عبارة عند التحقيق سوى
ذلك، وما لنا حاجة إلى المغالطات بعبارات كمال الحرز (1). وهذا التطويل من
ابن إدريس غير مفيد.
والتحقيق أن نقول: إن المقدور الواحد إن امتنع وقوعه من القادرين
فالقطع عليهما معا، لأنه لا فرق حينئذ بين أن يقطعا كمال المسافة دفعة وإن
يقطعاها على التعاقب، فإن الصادر عن كل واحد منهما ليس هو الصادر عن
الآخر، بل وجد المجموع منهما، وإن سوغناه فالقطع على الخارج، لظهور الفرق
حينئذ بين وقوع القطع منهما دفعة أو على التعاقب.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا نقب وأخرج ثمن دينار وانصرف ثم
عاد من ليلته فأخرج ثمن دينار وكمل نصابا قال بعضهم: لا قطع عليه، لأنه لم
يخرج في الأول نصابا وأخذ في الثاني من حرز مهتوك، وقال بعضهم: عليه
القطع، لأنه سرق نصابا من حرز هتكه، وهو الأقوى. فإن أخرج أولا ثمن
دينار ثم عاد في الليلة الثانية وأخذ ثمن دينار فتكامل نصابا قال قوم: لا قطع
عليه، لأنه لو عاد من ليلته لا قطع عليه، وقال قوم: عليه القطع كما لو عاد من

(1) السرائر: ج 3 ص 498.
219

ليلته، وهو الأقوى عندي (1).
وقال في الخلاف: إذا نقب وحده ودخل فأخرج ثمن دينار ثم عاد من
ليلته أو من الليلة الثانية فأخرج ثمن دينار آخر وكمل النصاب فلا قطع عليه،
لأصالة البراءة، ولأنه لما هتك الحرز أخرج أقل من النصاب فلم يجب عليه
القطع، فلما عاد ثانيا لم يخرج من حرز، لأنه كان مهتوكا، ولو لم نقل هذا للزم
لو أخرجه حبة حبة في كل ليلة حتى كمل النصاب أن يجب (2) عليه القطع،
وهو بعيد. ولو قلنا: يجب عليه القطع - لأن النبي - عليه السلام - قال: من سرق
ربع دينار فعليه القطع ولم يفصل - كان قويا (3). وهذا يدل على تردده
- رحمه الله -.
وشرط ابن حمزة في القطع اتحاد إخراج النصاب، فلو أخرجه في دفعتين لم
يجب عليه القطع (4).
وقال ابن البراج: عليه القطع، وقال بعض الناس: لا قطع عليه، وما
ذكرناه هو الصحيح، لأنه أخرج نصابا من حرز هتكه هو (5).
وقال ابن إدريس: يجب عليه القطع، ولو قلنا: إنه لا قطع عليه كان قويا،
لأنه ما أخرج من الحرز في دفعة واحدة ربع دينار، ولا قطع على من سرق أقل
منه، ودليل الأول أن النبي - عليه السلام - قال: " من سرق ربع دينار فعليه
القطع " ولم يفصل، وقوله تعالى: " والسارق والسارقة " وهذا سارق لغة وشرعا،
وبهذا أفتي وعليه أعمل (6). وهذا اضطراب عظيم.
والوجه القطع إن لم يشتهر بين الناس هتك الحرز وعدمه إن علم هتكه،
لخروجه عن اسم الحرز حينئذ.

(1) المبسوط: ج 8 ص 29 - 30.
(2) م 3: إن لم يجب.
(3) الخلاف: ج 5 ص 423 - 424 المسألة 13، مع اختلاف.
(4) الوسيلة: ص 417.
(5) المهذب: ج 2 ص 541.
(6) السرائر: ج 3 ص 498.
220

مسألة: قال الشيخ في المبسوط (1) والخلاف (2) وتبعه ابن البراج (3): إنه
يجب القطع على من سرق من ستارة الكعبة ما قيمته ربع دينار إذا كانت
محيطة بها. واستدل عليه الشيخ بعموم الآية والخبر، وروى أصحابنا " أن القائم
- عليه السلام - إذا قام قطع أيدي بني شيبة وعلق أيديهم على البيت ونادى
مناديه هؤلاء سراق الله " (4) لا يختلفون في ذلك.
وقال ابن إدريس: لا يجب القطع، لأن الحرز عندنا القفل والغلق والدفن،
وليست هذه الأشياء في حرز، والأصل براءة الذمة (5).
ولا بأس بقوله، والآية والخبر مخصوصان بالحرز إجماعا، وحديث أصحابنا
لا يعطي قطع أيديهم على سرقة الستارة، بل جاز أن يكون على سرقة ما أحرز
بقفل أو غلق أو دفن.
مسألة: قال ابن إدريس: إذا كان باب الدار مفتوحا وأبواب الخزائن
مفتوحة فليس شئ منها في حرز إذا لم يكن صاحبها فيها، فإن كان فيها فليس
شئ في حرز إلا ما يراعيه ببصره، مثل من كان بين يديه متاع كالميزان بين
يدي الخبازين والثياب بين يدي البزازين فحرز ذلك نظره إليه، فإن سرق من
بين يديه وهو ينظر إليه ففيه القطع، وإن سها أو نام عنه زال الحرز وسقط
القطع، وهذا الحكم إذا استحفظ إنسان حماميا ثيابه فإن راعاها الحمامي
فهي في حرز، وإن سها عنها أو نام فليست في حرز، هذا على ما أورده شيخنا
في مبسوطه، وقد قلنا ما عندنا في أمثال ذلك من أن الحرز القفل والغلق
والدفن، وما عداه لا دليل عليه من كتاب ولا إجماع، وليس على من سرق من
ذلك شيئا القطع، سواء راعاه ببصره أولا، نظر إليه أولا، بين يديه كان أو

(1) المبسوط: ج 8 ص 33.
(2) الخلاف: ج 5 ص 429 - 430 المسألة 22.
(3) المهذب: ج 2 ص 542.
(4) التهذيب ج 9: ص 213.
(5) السرائر: ج 3 ص 501
221

لا، إلا أن يكون في حرز (1). وهذا القول لا بأس به، وقد تقدم البحث في
ذلك.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إن دخل وأخذ جوهرة فابتلعها ثم خرج
وهي في جوفه فإن لم يخرج منه فعليه ضمانها ولا قطع عليه، لأنه أتلفها في
جوفه، كما لو كان مأكولا فأكله وخرج فإنه لا قطع كذلك هنا. وإن خرجت
الجوهرة قال قوم: عليه القطع، لأنه أخرجها في وعاء، فهو كما لو جعلها في
جراب أو جيب. وقال آخرون: لا قطع عليه، لأنه قد ضمنها بقيمتها بابتلاعها،
فهو كما لو أتلف شيئا في جوف الحرز ثم خرج. ولأنه أخرجها مكرها على
إخراجها بدليل أنه ما كان يمكنه تركها والخروج دونها، فهو كما لو نقب وأكره
على إخراج المتاع. والأول أقوى، وإن كان الثاني قويا أيضا (2). وهذا يدل على
تردده.
وقال ابن البراج: إذا دخل حرزا فأخذ منه جوهرة فابتلعها وخرج منه
وهي باقية في جوفه كان عليه القطع، لأنه أخرجها، كما لو جعلها في جراب أو
ما أشبهه. وقد ذكر أنه لا قطع عليه، وما ذكرناه أظهر (3).
وقال ابن إدريس - لما نقل كلام الشيخ في المبسوط - وأما الذي يقوى في
نفسي وجوب القطع عليه، لعموم الآية، ولأنه نقب وأخرج النصاب ولم
يستهلكه في الحرز ولا خارج الحرز (4).
والوجه أن نقول: إن كان قادرا على إخراجها وجب عليه القطع كالوعاء،
وإلا فلا وإن خرجت اتفاقا، لأنها كالمستهلكة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا أخرج المال من الحرز وأخذ فادعى أن

(1) السرائر: ج 3 ص 502.
(2) المبسوط: ج 8 ص 28، مع اختلاف.
(3) المهذب: ج 2 ص 540، مع اختلاف.
(4) السرائر: ج 3 ص 503.
222

صاحب المال أعطاه درئ عنه القطع، وكان على من ادعى عليه السرقة البينة
بأنه سارق (1).
وقال ابن أبي عقيل: ولو أن رجلا أخذ وهو حامل متاع من بيت فقال:
صاحب البيت أعطانيه وقال صاحب البيت: بل سرقته لم يقطع، لأن هذا
شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.
وقال الصدوق في المقنع (2) وكتاب من لا يحضره الفقيه (3): وإذا دخل
السارق بيت رجل فجمع الثياب فيؤخذ في الدار ومعه المتاع فقال: إذا دفعه إلي
رب الدار فليس عليه القطع، فإذا خرج بالمتاع من باب الدار فعليه القطع أو
يجئ بالمخرج منه.
وهذا الفرق مشكل من الحيثية التي قالها - رحمه الله - نعم بينهما فرق من
حيثية أخرى وهي: أن القطع إنما يجب لو خرج بالقماش من المنزل لا يجمعه
فيه، فإذا خرج به وجب عليه القطع، وإذا ادعى أن صاحب المنزل دفعه إليه
سقط عنه القطع، لأنه ادعى أمرا ممكنا فحصلت الشبهة فدرئت الحد عنه.
وما رواه الحلبي في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
رجل أخذوه وقد حمل كارة من ثياب فقال صاحب المنزل أعطانيها، قال:
يدرأ عنه القطع، إلا أن يقوم عليه البينة، فإن قامت عليه البينة قطع (4).
وإنما حملناه على الخارج من المنزل لما رواه السكوني، عن الصادق
- عليه السلام - قال: قال أمير المؤمنين - عليه السلام - في السارق إذا أخذ وقد أخذ
المتاع وهو في البيت لم يخرج بعد، قال: ليس عليه قطع حتى يخرج به من

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 323 - 324.
(2) المقنع: ص 150.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 64 ذيل الحديث 5114.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 107 ح 416، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 498.
223

الدار (1).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن نبش قبرا وسلب الميت كفنه وجب عليه
القطع كما يجب على السارق سواء، فإن نبش ولم يأخذ شيئا أدب بغليظ
العقوبة ولم يكن عليه قطع على حال، فإن تكرر منه الفعل وفات الإمام تأديبه،
كان له قتله كي يرتدع غيره عن إيقاع مثله في مستقبل الأوقات (2).
وقال المفيد: يقطع النباش إذا سرق من الأكفان ما قيمته ربع دينار كما
يقطع غيره من السراق إذا سرقوا من الأحراز، وإذا عرف الإنسان بنبش القبور
وكان قد فات السلطان ثلاث مرات كان الحاكم فيه بالخيار إن شاء قتله وإن
شاء عاقبه وقطعه، والأمر في ذلك إليه يعمل في ذلك بحسب ما يراه أزجر
للعصاة وأردع للجناة (3).
وقال الصدوق في المقنع: إذا وجد رجل ينبش قبرا فليس عليه القطع، إلا
أن يؤخذ وقد نبش مرارا فإن كان كذلك قطعت يمينه (4).
وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه: النباش إذا كان معروفا بذلك
قطع. وروي أن عليا - عليه السلام - قطع نباش القبر، فقيل له: أتقطع في
الموتى؟ فقال: إنا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا. وروي أن أمير المؤمنين
- عليه السلام - أتي بنباش فأخذ بشعره وجلد به الأرض، ثم قال: طئوا عباد الله
عليه فوطئ (5) حتى مات (6).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 107 ح 417، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب حد السرقة ح 2 ج 18
ص 498.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 336 - 337.
(3) المقنعة: ص 804.
(4) المقنع: ص 151، وفيه: " فليس عليه قتل ".
(5) في الفقيه: طئوا عليه عباد الله فوطئ. وفي الوسائل: طؤوا عباد الله فوطئ.
(6) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 67 ح 5118 - 5120، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب حد السرقة
ح 8 و 12 و 15 ج 18 ص 512 و 513.
224

وقال ابن الجنيد: النباش بمنزلة السارق إذا أخرج الكفن من القبر قطع،
فإن تعدى ذلك إلى أن وطأ وكان محصنا رجم، وإن كان غير محصن جلد.
وقال أبو الصلاح: يقطع النباش إذا أخذ من الأكفان ما يجب في مثله
القطع (1).
وقال سلار: القبر عندنا حرز فلأجل هذا يقطع النباش إذا سرق النصاب،
فإن أدمن ذلك وفات السلطان ثلاث مرات فإن اختار قتله قتله، وإن اختار
قطعه قطعه أو عاقبه (2).
وقال ابن البراج: النباش إذا نبش قبرا وأخذ كفن الميت كان عليه القطع
كما يكون على السارق سواء، فإن نبش القبر ولم يأخذ منه شيئا أدب وغلظت
عقوبته ولم يكن عليه قطع (3) على حال، فإن تكرر الفعل منه ولم يؤدبه الإمام
كان له قتله ليرتدع غيره في المستقبل عن مثل ذلك (4).
وقال ابن حمزة: النباش من ينبش القبور، فإن نبش قبرا ولم يأخذ شيئا
عزر، أخرج الكفن إلى ظاهر القبر أو لم يخرج، فإن أخرج من القبر ما قيمته
نصابا قطع، فإن فعل ثلاث مرات وفات (5) فإذا ظفر به بعد الثلاث كان
الإمام فيه بالخيار بين العقوبة والقطع، وإن عزر ثلاث مرات قتل في الرابعة (6).
وقال ابن إدريس: ومن نبش قبرا وسلب الميت كفنه وأخرجه من القبر
وكان قيمته ربع دينار فإنه يجب عليه القطع ويكون المطالب بذلك الورثة، لأنه
على حكم ملكهم، بدلالة أنه لو أكل الميت سبع أو أخذه سيل وبقي الكفن
فإنه يكون للورثة دون غيرهم، ويجب عليه مع القطع التأديب المردع (7). فإن

(1) الكافي في الفقه: ص 412.
(2) المراسم: ص 258.
(3) في الطبعة الحجرية و ق 2: القطع.
(4) المهذب: ج 2 ص 554.
(5) في الطبعة الحجرية: وفات السلطان.
(6) الوسيلة: ص 423.
(7) في الطبعة الحجرية: للردع.
225

كان قد نبش القبر ولم يأخذ شيئا أو أخذ وكان الكفن دون ربع فإنه لأقطع
عليه، بل يجب عليه العقوبة المردعة. فإن نبش ثانية فإنه يجب عليه القطع إذا
أخذ الكفن، سواء كانت قيمته ربع دينار أو أقل من ذلك، ولا يراعى في
مقدار الكفن النصاب، إلا في الدفعة الأولى فحسب، لقولهم - عليهم السلام -:
" سارق موتاكم كسارق أحيائكم " ولا خلاف أن من سرق من حي دون ربع
دينار عندنا لا يجب عليه القطع. فإن قيل: فلهذا يلزم في الدفعة الثانية، قلنا: لما
تكرر منه الفعل صار مفسدا ساعيا (1) في الأرض فسادا فقطعناه لأجل ذلك لا
لأجل كونه سارقا ربع دينار. والأخبار مختلفة، فبعضها يوجب عليه القطع
مطلقا، وبعضها يوجب عليه التعزير ولا يوجب عليه القطع. فحملنا ما يوجب
القطع منها إذا سرق الكفن وأخرجه من القبر وكان قيمته ربع دينار قطع،
لقولهم - عليهم السلام -: " سارق موتاكم كسارق أحيائكم " على ما قدمناه أو
على من يتكرر منه ذلك وكان معتادا لفعل ذلك وإن لم يأخذ ما يبلغ قيمة
الكفن ربع دينار وإن لم يأخذ كفنا أيضا على ما ذهب إليه شيخنا في
استبصاره. وحملنا منها ما يوجب التعزير والعقوبة إذا نبش أول مرة ولم يكن له
عادة بذلك ولم يكن قيمة الكفن تبلغ ربع دينار، أو أنه لم يأخذ الكفن وقد
عمل بجميعها وكان لكل منهما وجه يقتضيه الأدلة.
وقال شيخنا في استبصاره لما اختلفت عليه الأخبار - فإنه أورد جملة منها
بوجوب القطع ثم أورد جملة أخرى بالتعزير فحسب - فقال: فهذه الأخبار
الأخيرة كلها تدل على أنه إنما يقطع النباش إذا كان ذلك له عادته، فأما إذا لم
يكن ذلك عادته نظر، فإن كان نبش وأخذ الكفن وجب قطعه، وإن لم يأخذ لم
يكن عليه أكثر من التعزير، قال: وعلى هذا تحمل الأخبار التي قدمناها. قال

(1) في الطبعة الحجرية و ق 2: باغيا.
226

ابن إدريس: بقي عليه - رحمه الله - أنه أسقط جميع الأخبار التي رويت في أن
سارق موتاكم كسارق أحيائكم، لأنه - رحمه الله - لم يراع النصاب في شئ منها
في وساطته بينها فقد سقطت جملة، وهذا بخلاف عادته وخرم لقاعدته في
وساطته. ثم نقل كلام الشيخ في النهاية، ثم عقبه بنقل كلام المفيد، وقال عقيبه:
ونعم ما قال، فإنه الذي يقتضيه أصول المذهب ويحكم بصحته أعيان الآثار عن
الأئمة الأطهار، وأيضا الأصل براءة الذمة، فمن قطعه في غير المتفق عليه يحتاج إلى
دليل. ثم نقل كلام الشيخ في الخلاف: من أن النباش يقطع إذا أخرج الكفن من
القبر إلى وجه الأرض، لعموم قوله تعالى: " السارق والسارقة ". وهذا سارق،
ولأن السارق هو من أخذ الشئ مستخفيا متفزعا، وقوله - عليه السلام -:
" القطع في ربع دينار " ولم يفصل، فهذا الاستدلال بالخبر فيه مقدار النصاب. ثم
قال عقيب ذلك: والذي أعتمد عليه وأفتي به ويقوى في نفسي قطع النباش إذا
أخرج الكفن من القبر إلى وجه الأرض وسلب الميت، سواء كان قيمة الكفن ربع
دينار أو أقل من ذلك أو أكثر في الدفعة الأولى أو الثانية، لإجماع أصحابنا وتواتر
أخبارهم بوجوب قطع النباش من غير تفصيل، وفتاويهم وعملهم على ذلك، وما
ورد في بعض الأخبار وأقوال بعض المصنفين بتقييد وتفصيل ذلك بالمقدار في
الدفعة الأولى قبل ذلك (1) لا يخصص العموم، لأن تخصيص العموم يكون دليلا
قاهرا مثل العموم في الدلالة (2). وهذا يدل على اضطرابه في هذه المسألة: لتناقض
كلامه.
والمعتمد أن نقول: إن نبش وأخرج من القبر إلى وجه الأرض الكفن الذي
قدره ربع دينار وجب عليه القطع أول مرة، فإن تكرر منه النبش مرات متعددة جاز
قتله، سواء أخذ أولا. وإن سرق غير الكفن لم يجب عليه القطع، سواء زاد

(1) السرائر: ج 3 ص 512 - 515، مع اختلاف.
(2) هكذا في النسخ، وفي المصدر: " فمثل ذلك " والصواب.
227

عن النصاب أولا، إلا مع التكرر. وإن كان الكفن أقل من النصاب فلا قطع
عليه، إلا مع التكرر.
لنا: إنه سارق، فيثبت أحكامه فيه من اعتبار النصاب وغيره
وما رواه حفص بن البختري في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام -
قال: سمعته يقول: حد النباش حد السارق (1).
وعن أبي الجارود، عن الباقر - عليه السلام - قال: قال أمير المؤمنين
- عليه السلام -: يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء (2).
وعن إسحاق بن عمار، عن الصادق - عليه السلام - أن عليا - عليه السلام -
قطع نباش القبر، فقيل له: أتقطع في الموتى؟ فقال: إنا لنقطع لأمواتنا كما نقطع
لأحيائنا (3).
والتشبيه يستدعي الاشتراط في الأموات كما يشترط في الأحياء، أما غير
الكفن فإن القبر ليس حرزا له، للأصل، وأما القتل مع التكرر فلأنه مفسد.
وما روي أن عليا - عليه السلام - أمر بأن يطأه الرجال حتى يموت (4). وليس
ذلك في أول مرة، لما تقدم من وجوب القطع كما يقطع في السرقة، فتعين أن
يكون مع التكرار.
احتج الصدوق بما رواه علي بن سعيد، عن الصادق - عليه السلام - قال:

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 115 ح 457، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 510.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 115 ح 458، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب حد السرقة ح 4 ج 18
ص 511.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 116 ح 464، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب حد السرقة ح 12 ج 18
ص 513.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 118 ح 470، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب حد السرقة ح 3 ج 18
ص 511.
228

سألته عن النباش، قال: إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع ويعزر (1).
وعن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن الصادق - عليه السلام - في النباش
إذا أخذ أول مرة عزر، فإن عاد قطع (2).
والجواب: إنها محمولة على النبش من غير أخذ جمعا بين الأدلة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: من وجب عليه قطع اليمين وكانت شلاء
قطعت ولا تقطع يسراه، وكذلك من وجب عليه قطع رجله اليسرى وكانت
كذلك قطعت ولا تقطع رجله اليمنى (3). ونحوه قال في الخلاف (4)، وكذا قال
ابن الجنيد، والصدوق (5)، وابن إدريس (6).
وقال في المبسوط: إن قال أهل العلم بالطب: إن الشلاء متى قطعت بقيت
أفواه العروق مفتحة كانت كالمعدومة، وإن قال: تندمل قطعت الشلاء (7). وبه
قال ابن البراج (8)، وابن حمزة (9)، وهو المعتمد.
لنا: أن الحد إذا لم يشتمل على القتل يتعين فيه الاحتياط في الاحتفاظ،
والتقدير حصول الحذر من القتل فيسقط احتياطا في بقاء النفس.
احتج الشيخ بما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح، عن الصادق
- عليه السلام - في رجل أشل اليد اليمنى أو أشل الشمال سرق، قال: تقطع يده

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 117 ح 465، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب حد السرقة ح 13 ج 18
ص 513.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 117 ح 468، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب حد السرقة ح 16 ج 18
ص 514.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 328.
(4) الخلاف: ج 5 ص 441 المسألة 37.
(5) المقنع: ص 151.
(6) السرائر: ج 3 ص 489.
(7) المبسوط: ج 8 ص 38.
(8) المهذب: ج 2 ص 544.
(9) الوسيلة: ص 420.
229

اليمنى على كل حال (1).
والجواب: أنه محمول على حالة عدم خوف التلف.
تذنيب: قال ابن الجنيد: القطع على يمين السارق وإن كانت شلاء، فإن
كانت يساره شلاء لم تقطع يمينه ولا رجله، وكذلك لو كانت يده اليسرى
مقطوعة في قصاص فسرق لم يقطع يمينه، وحبس في هذه الأحوال وأنفق عليه
من بيت مال المسلمين إن كان لا مال له وهو وجه، لأن الشلاء كالمعدومة
حيث لا انتفاع بها، ولو كانت يساره مقطوعة لم تقطع يمينه، وكذا لو كانت
شلاء.
ويؤيده ما رواه المفضل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن الصادق
- عليه السلام - قال: إذا سرق الرجل ويده اليسرى شلاء لم تقطع يمينه ولا
رجله (2).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: المحتال على أموال الناس بالمكر والخديعة
والرسالات الكاذبة وغير ذلك يجب عليه التأديب والعقاب وأن يغرم ما
أخذ (3).
وقال الصدوق: فإن أتى رجل رجلا فقال: أرسلني إليك فلان لترسل إليه
بكذا وكذا فدفع إليه ذلك الشئ فلقي صاحبه فزعم أنه لم يرسله إليه ولا أتاه
بشئ وزعم الرسول أنه قد أرسله إليه وقد دفعه إليه فإن وجد عليه بينة أنه لم
يرسله قطعت يده، فإن لم يجد بينة فيمينه بالله ما أرسله ويستوفي من الرسول

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 108 ح 419، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 501.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 108 ح 420، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب حد السرقة ح 2 ج 18
ص 502.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 335.
230

المال، فإن زعم أنه حمله على ذلك الحاجة قطع، لأنه سرق مال الرجل (1).
واحتج عليه بما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه عن حماد، عن الحلبي في
الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - في رجل أتى رجلا فقال له: إن رسولك
أتاني فبعثت معه بكذا وبكذا فقال: ما أرسلته إليك ولا أتاني أحد بشئ فزعم
الرسول أنه قد أرسله وقد دفعه إليه، قال: إن وجد عليه بينة أنه لم يرسله قطعت
يده، وإن لم يجد بينة فيمينه بالله ما أرسله ويستوفي الآخر من الرسول المال،
قلت: فإن زعم أنه حمله على ذلك الحاجة، قال: يقطع، لأنه سرق مال
الرجل (2).
والجواب: أنه محمول على إذا اعتاد ذلك فإن للإمام أن يعزره ويؤدبه بما
يراه رادعا له ولغيره، فجاز أن يكون للإمام أن يقطعه جمعا بين الأدلة.
مسألة: قال الصدوق في المقنع: العبد إذا أبق من مواليه ثم سرق لم يقطع
وهو آبق، لأنه مرتد عن الإسلام، ولكن يدعى إلى الرجوع إلى مواليه والدخول
في الإسلام، فإن أبى أن يرجع إلى مواليه قطعت يده في السرقة ثم قتل، والمرتد
إذا سرق بمنزلته (3).
وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه: العبد الآبق إذا سرق لم يقطع،
وكذلك المرتد إذا سرق، ولكن يدعى العبد إلى الرجوع إلى مواليه، والمرتد
يدعى إلى الدخول في الإسلام، فإن أبى واحد منهما قطعت يده في السرقة ثم
قتل (4).

(1) المقنع: ص 151.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 61 ح 5102، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 507.
(3) المقنع: ص 152.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 67 ذيل الحديث 5120.
231

وقال ابن الجنيد: إن سرق العبد وهو آبق لم يقطع في إباقه، وكذلك روي
عن أبي عبد الله - عليه السلام -.
والمشهور وجوب القطع على المرتد والعبد الآبق لعموم الآية (1).
وما رواه السكوني، عن الصادق - عليه السلام - قال: قال أمير المؤمنين
- عليه السلام -: عبدي إذا سرقني لم أقطعه، وعبدي إذا سرق غيري قطعته،
وعبد الإمارة إذا سرق لم أقطعه، لأنه فئ (2).
وعن يونس، عن بعض أصحابه، عن الصادق - عليه السلام - قال: المملوك
إذا سرق من مواليه لم يقطع، وإذا سرق من غير مواليه قطع (3).
وهذه الأخبار عامة، فلتجر على عمومها، حيث لا معارض لها، ولأن الآبق
والمرتد أولى بالزجر من غيرهما.
قال الشيخ في الخلاف: إذا سرق العبد كان عليه قطع كالحر، آبقا كان
أو غيره، وعليه إجماع الصحابة، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا قطع
على الآبق بناء على أصله في القضاء على الغائب، فقال: قطع الآبق قضاء على
سيده والسيد غائب فلا قطع. واستدل الشيخ بالآية والخبر، ولأن عبدا لابن
عمر أبق فسرق فبعث به إلى سعيد (4) بن العاص وكان أمير المدينة ليقطعه فأبى،
فقال ابن عمر: في أي كتاب وجدت أن الآبق لا يقطع؟! ثم أمر به ابن عمر
فقطع (5).

(1) المائدة: ص 38.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 111 ح 437، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب حد السرقة ح 2 ج 18
ص 527.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 111 ح 438، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب حد السرقة ح 3 ج 18
ص 527.
(4) في الطبعة الحجرية: سعد.
(5) ج 5 ص 431 - 432 المسألة 26، مع اختلاف.
232

مسألة: المشهور أن الأم تقطع إذا سرقت من مال الولد دون الأب.
وقال أبو الصلاح: يقطع أصابع السارق الأربع من اليد اليمنى حرا كان أو
عبدا مسلما كان أو ذميا قريبا أو أجنبيا، إلا سرق الوالدين من ولدهما على
كل حال (1).
لنا: العموم، وقول أبي الصلاح لا بأس به، لأنها أحد الأبوين، فيسقط
القطع عنها كما يسقط عن الأب، لاشتراكهما في وجوب الاعظام.
مسألة: قال أبو الصلاح: من باع حرة زوجة أو أجنبية قطع، لفساده في
الأرض، وفرق بين المبتاع وبينها. وإن كان قد وطأها بعد (2) العلم بحالها حد
حد الزاني وحدت إن طاوعته. وإن غصبها نفسها فلا شئ عليها، ولا يرجع
على بائعها بشئ، بل يأخذ منه الثمن ويسلم إلى المغلوبة على نفسها ويتصدق به
عن المطاوعة. وإن لم يعلم بحالها فلا شئ عليه، ويرجع على البائع بما أخذه
فيعطي للمغلوبة (3) ويتصدق به على المطاوعة (4).
والوجه أن المشتري إن كان عالما فهو كالمشتري من الغاصب العالم، وقد
تقدم أنه هل يرجع بالثمن مع وجوده أم لا؟ قولان، أما مع عدم الثمن فلا رجوع
له قطعا، وكذا ينبغي أن يكون الحكم هنا، لأنه قد أباحه إتلافه بغير عوض.
وأما الوطء فيحد به وتحد هي أيضا إن طاوعته وكانت عالمة بالتحريم ولا مهر
لها. وإن غصبها فلا حد عليها ولها مهر المثل على الواطئ، ولا يرجع على بائعها
بشئ على ما تقدم تفصيله، ولا يؤخذ منه الثمن، ويسلم إلى المغلوبة على نفسها
ليتصدق به على المطاوعة، بل لها مهر المثل عليه. وإن كان المشتري جاهلا فلا
حد عليه، ويرجع على البائع بالثمن الذي دفعه، وللمرأة عليه مع الإكراه أو

(1) الكافي في الفقه: ص 411.
(2) في المصدر: مع.
(3) في الطبعة الحجرية: المغلوبة.
(4) الكافي في الفقه: ص 412.
233

الجهل المهر.
مسألة: المشهور أنه لا قطع على من سرق من المساجد والأسواق.
وقال ابن أبي عقيل: يقطع السارق من أي موضع سرق من بيت كان أو
سوق أو مسجد أو غير ذلك، قال: وقد جاء عنهم - عليهم السلام - أن صفوان بن
أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام فوضع رداءه وخرج ليهريق الماء فوجد
رداءه قد سرق حين رجع إليه فقال: من ذهب بردائي؟ فانطلق فوجد صاحبه،
فرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله - فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله -:
اقطعوا يده، فقال صفوان: من أجل ردائي يا رسول الله؟! فقال: نعم، فقال:
وأنا أهبه له، فقال: - عليه السلام -: هلا كان هذا قبل أن ترفعه إلي!
فإن قصد ابن أبي عقيل أنه يقطع بالسرقة من الأسواق والمساجد مع
الإحراز والمراعاة صح، وإلا كان في موضع المنع.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: من سرق شيئا من كم إنسان أو جيبه وكانا
باطنين وجب عليه القطع، فإن كانا ظاهرين لم يجب (1). وكذا قال المفيد في
المقنعة (2).
وفي الخلاف: ومن سرق من جيب غيره وكان باطنا - بأن يكون فوقه قميص
آخر أو من كمه وكان كذلك - كان على القطع، وإن سرق من الكم الأعلى
والجيب الأعلى فلا قطع عليه، سواء شده في الكم من داخل أو من خارج (3).
وقال في المبسوط: جيب الإنسان إن كان باطنا فهو حرز لما فيه، وكذلك
الكم عندنا، وإن كان ظاهرا فليس بحرز، وقال قوم: الجيب حرز. لما يوضع
فيه في العادة، ولم يفصلوا، وإن شده في كمه كالصرة ففيه القطع عند قوم،

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 330 - 331.
(2) المقنعة: ص 803.
(3) الخلاف: ج 5 ص 451 المسألة 51.
234

سواء جعله في جوف كم وشده كالصرة من خارج الكم أو شده من داخل
حتى صارت الصرة في جوف كمه، وقال قوم: إن جعلها في جوف الكم
وشدها من خارج فعليه القطع، وإن جعلها من خارج وشدها من داخل فلا
قطع، وهو الذي يقتضيه مذهبنا (1).
وقال ابن حمزة: إن طر جيب القميص الداخل وذهب بالمال كان سارقا،
وإن طر جيب القميص الخارج وأخذ المال أو من الكم الخارج ولم يكن
صاحب القميص اضطبعه (2) (3) لم يكن سارقا، وإن اضطبعه (4) كان سارقا (5).
والمشهور الأول، لما رواه السكوني، عن الصادق - عليه السلام - قال: أتي
أمير المؤمنين - عليه السلام - بطرار قد طر دراهم من كم رجل، فقال: إن كان
طر من قميصه الأعلى لم أقطعه، وإن كان طر من قميصه الداخل قطعته (6).
وعن مسمع أبي سيار، عن الصادق - عليه السلام - أن أمير المؤمنين
- عليه السلام - أتي بطرار قد طر من رجل من ردائه دراهم، فقال: إن كان طر
من قميصه الأعلى لم نقطع، وإن كان طر من قميصه الأسفل قطعناه (7).
مسألة: قال المفيد - رحمه الله -: ولا يقطع السارق من الحمامات والخانات

(1) المبسوط: ج 8 ص 45.
(2) في الطبعة الحجرية: اصطنعه.
(3) الاضطباع: أن تدخل الرداء من تحت إبطك الأيمن وترد طرفه على يسارك وتبدي منكبك الأيمن
وتغطى الأيسر، وسمي بذلك لإبداء أحد الضبعين. (الصحاح: ج 3 ص 1248).
(4) في الطبعة الحجرية: اصطنعه.
(5) الوسيلة: ص 419.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 115 ح 455، وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب حد السرقة ح 2 ج 18
ص 504 - 505.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 115 ح 456، وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب حد السرقة ذيل
الحديث 2 ج 18 ص 504 - 505.
235

والمساجد، لأنها ليست بأحراز، إلا أن يكون الشئ محرزا في الحمام والخان
والمسجد بشد أو قفل أو دفن فيقطع إذا كان قدره ربع دينار (1).
فإن أراد بالشد وضعه في كارة (2) وشده فيها مع المراعاة كان كقول الشيخ
من أن المراعاة بالعين حرز، لكن لا حاجة إلى الشد، لأنه لو راعاه وكان ظاهرا
من غير شد وجب القطع عند الشيخ (3). وإن عنى بالشد شده على وسطه أو في
بعض أعضائه - كيده أو رجله من دون المراعاة - فلا قطع. وبالجملة فهذا اللفظ
مشكل.
وقال ابن الجنيد: وكذلك لا يقطع في الحمامات والخانات، إلا أن يكون
على الثياب حافظ، أو يكون المسروق قد أحرزها في وعاء، أو جعلها حيث
يمتنع على الآخذ لها.
مسألة: قال ابن الجنيد: لو سرق من المشرك خمرا حكم له بقيمة الخمر خلا
على المسلم إذا سرقها واستهلكها، وعلى الذمي أيضا بالقيمة إن سرق مسلما
ذلك وينهك ضربا، لدخوله حرز المسلم بغير إذنه.
والوجه أن المسلم إذا سرق الخمر من ذمي مستتر بها وأتلفها وجب عليه
قيمتها عند مستحليها، ولا ينحصر في الخل، بل يقوم بالذهب والفضة. وأما
الذمي إذا سرق الخمر من المسلم فلا شئ عليه، لأنه لا قيمة له عنده فلا
مطالبة له بشئ. نعم لو أمسكها للتخليل وجب عليه إعادتها مع بقائها، فإن
أتلفها فلا شئ عليه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن سرق حرا فباعه وجب عليه القطع، لأنه

(1) المقنعة: ص 804.
(2) الكارة: ما يحمل على الظهر من الثياب (الصحاح: ج 2 ص 810).
(3) المبسوط: ج 8 ص 36.
236

من المفسدين في الأرض (1).
وقال في الخلاف: إذا سرق عبدا صغيرا لا يعقل أنه لا ينبغي أن يقبل إلا
من سيده وجب عليه القطع، وإن سرق حرا صغيرا فلا قطع عليه، وبه قال أبو
حنيفة والشافعي، وقال مالك عليه القطع، وقد روى ذلك أصحابنا.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن السرقة لا تجب إلا في ربع دينار فصاعدا، والحر
لا قيمة له بحال (2).
وقال في المبسوط: إن سرق حرا صغيرا روى أصحابنا أن عليه القطع، وبه
قال قوم: وقال أكثرهم: لا يقطع، ونصرة الأول قوله تعالى: " والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما " ولم يفرق (3).
والمشهور الأول، لأن وجوب القطع في سرقة المال إنما كان لصيانته وحراسته
وحراسة النفس أولى، فوجوب القطع فيه أولى لا من حيث أنه سارق مال، بل
من حيث أنه من المفسدين.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا كانت يمينه ناقصة الأصابع ولم يبق إلا
واحدة قطعت بلا خلاف، وإن لم يبق إصبع قطع الكف، وإن كانت شلاء
روى أصحابنا أنها تقطع، ولم يفصلوا وللشافعي قولان (4)، الأظهر مثل ما
قلناه، وفي أصحابه من قال: لا تقطع، لأنه لا منفعة فيها ولا كمال (5) ولا
جمال، وإن كانت شلاء رجع إلى أهل المعرفة بالطب فإن قالوا: إذا أقطعت
اندملت قطعت، وإن قالوا: تبقى أفواه العروق مفتحة لم تقطع.
دليلنا: قوله تعالى: " فاقطعوا أيديهما " أراد أيمانهما (6) بلا خلاف، ولم يفصل،

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 336.
(2) الخلاف: ج 5 ص 427 - 428 المسألة 18 و 19، وفيه: " إن القطع لا يجب "
(3) المبسوط: ج 8 ص 31.
(4) في المصدر: وللشافعي فيها قولان.
(5) ليس في المصدر.
(6) في المصدر: وإنما أراد ايمانهما.
237

والخبر مثل ذلك، وإجماع الفرقة على ما قلناه دليل في هذه المسألة (1).
وقال في المبسوط: إذا سرق وله يمين كاملة أو ناقصة قد (2) ذهبت أصابعها
إلا واحدة قطعنا يمينه الكاملة أو الناقصة، للآية والخبر، وإن لم يكن فيها
إصبع وإنما بقي منها الكف وحدها أو بعض الكف قال قوم: تقطع، وقال
آخرون: لا تقطع وتكون كالمعدومة فيحول القطع إلى رجله اليسرى، لأنه لا
منفعة في ما بقي ولا جمال (3)، ومن قال: يقطع للآية (4) والخبر، وعندنا لا تقطع،
لأن القطع عندنا لا يتعلق إلا بالأصابع، فمن ليس له أصابع لم يجب قطع
غيرها إلا بدليل (5). وهو المعتمد، لما ذكره - رحمه الله -.
واحتجاجه في الخلاف بالآية والخبر مدفوع بما قاله في المبسوط.
مسألة: قد نقلنا في ما تقدم عن الشيخ ابن الجنيد - رحمه الله - إن السارق لو
سرق وكانت يده اليسرى مقطوعة في قصاص أو شلاء لم تقطع يمينه وحبس.
وقال الشيخ في المبسوط (6) والخلاف (7): تقطع يمينه، واستدل بالظواهر
كلها، ولم يفرق فيها (8).
واحتج ابن الجنيد بما رواه المفضل بن الصالح، عن بعض أصحابه، عن
الصادق - عليه السلام - قال: إذا سرق الرجل ويده اليسرى شلاء لم تقطع يمينه
ولا رجله (9).
وعن عبد الرحمان بن الحجاج في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام -

(1) الخلاف: ج 5 ص 441 - 442 المسألة 37.
(2) في المصدر: وقد.
(3) في المصدر: بقي منها ولاجمال.
(4) في المصدر: قال للآية.
(5) المبسوط: ج 8 ص 38.
(6) المبسوط: ج 8 ص 39.
(7) الخلاف: ج 5 ص 442 المسألة 38.
(8) الخلاف: ج 3 ص 203 المسألة 38.
(9) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 108 ح 420، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب حد السرقة ح 2 ج 18
ص 502.
238

قال: قلت له: لو أن رجلا قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به؟
قال: فقال: لا يقطع (1).
والجواب: المنع من صحة سند الأول، فإنه مرسل. وعن الثاني: باحتمال
إظهار التوبة منه جمعا بين الأدلة.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا قامت عليه البينة بأنه سرق نصابا من
حرز لغائب وليس للغائب وكيل بذلك لم يقطع حتى يحضر الغائب، وكذلك
إن قامت عليه البينة بأنه زنى بأمة غائب لم يقم عليه الحد حتى يحضر، وإن أقر
بالسرقة أو بالزنا أقيم عليه الحد فيهما. واستدل بأنه يجوز أن يكون الغائب أباح
له العين المسروقة، أو ملكه إياها، أو وقفها عليه، أو كانت ملكا للسارق عنده
غصبت من أبيه، أو وديعة أو غير ذلك أو أباح له وطء الأمة أو متعه بها، وإذا
احتمل ذلك لم يقطع ولم يحد، للشبهة. فأما مع الإقرار فإنه يقام عليه الحد
والقطع، لأنه يثبت عليه الحد والقطع بإقراره وهما من حقوق الله فلا يقف على
حضور الغائب، والظاهر يوجب قطعه وإقامة الحد عليه، وهو قوله تعالى:
" فاقطعوا أيديهما " وقوله " فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " (2). وقواه في
المبسوط (3) أيضا.
وقال ابن إدريس: الحقوق ثلاثة: حق لله تعالى محض - كالزنا والشرب -
ويقيمه الإمام من غير مطالبة آدمي، وحق الآدمي محض ولا يطالب بها الإمام
إلا بعد مطالبتهم إياه باستيفائها، وحق لله تعالى ويتعلق به حق آدمي - كحد
السارق - فلا يطالب به الإمام ولا يستوفيه إلا بعد المطالبة من الآدمي. فعلى

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 108 ح 421، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب حد السرقة ح 3 ج 18
ص 502.
(2) الخلاف: ج 5 ص 445 - 446.
(3) المبسوط: ج 8 ص 41.
239

هذا التحرير لو قامت البينة عليه بأنه سرق نصابا من حرز لغائب وليس
للغائب وكيل يطالب بذلك لم يقطع حتى يحضر الغائب ويطالب، فأما إن
قامت عليه البينة أو أقر بأنه قد زنى بأمة غائب فإن الحاكم يقيم عليه الحد ولا
ينتظر مطالبة آدمي، لأنه حق محض لله تعالى، ولهذا قال الشيخ في الخلاف: لو
سرق عينا يجب فيها القطع فلم يقطع حتى ملك السرقة بهبة أو شراء، لم يسقط
القطع عنه، سواء ملكها بعد أن ترافعا إلى الحاكم أو قبله، بل إن ملكها قبل
الترافع لم يقطع، لا لأن القطع سقط، لكن لأنه لا مطالب له بها، ولا قطع بغير
مطالبة بالسرقة، ونعم ما قال (1).
والمعتمد أن الزنا والسرقة إن ثبتا بالبينة فالوجه ما قاله الشيخ، للتجويز
الذي ذكره إن ادعى في الأمة التحليل أو الاتهاب، وإلا فلا. وبالجملة فإن
الشبهة حاصلة وهي دارئة للحدود، وإن ثبتا بالإقرار حد في الزنا ولم يقطع في
السرقة، لأنه لا مطالب لها ولا حد في السرقة إلا بعد المطالبة، وهو اختيار ابن إدريس أيضا.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف (2) والمبسوط (3): من سرق باب دار رجل قلعه
وأخذه أو هدم من حائطه آجرا وبلغ قيمته نصابا كان عليه القطع، لعموم الآية
والخبر، وكذا يقطع لو قلع حلقة الباب المسمرة فيه، لأن حرزها ذلك. وتبعه
ابن البراج (4).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول مذهبنا أنه لا قطع على من أخذ
ذلك بحال، لأن الحرز عندنا القفل والغلق والدفن، وليست هذه الأشياء في

(1) السرائر: ج 3 ص 495، مع اختلاف.
(2) الخلاف: ج 5 ص 452 المسألة 53، وليس فيه: " وكذا يقطع لو قلع... ".
(3) المبسوط: ج 8 ص 25 و 46.
(4) المهذب: ج 2 ص 538.
240

حرز، والأصل براءة الذمة، لا إجماع (1) من علمائنا عليه، بل ما ذهب منهم سوى
شيخنا أبي جعفر ومن تابعه، ولم يرد عن الأئمة - عليهم السلام - أخبار لا آحاد
ولا متواترة (1). وما قاله ابن إدريس لا بأس به.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط (2)، وتبعه ابن البراج (3): بأن باب الدار متى
نصب ودار (4) في مكانه فهو في حرز، سواء كان مغلقا أو مفتوحا. وأما أبواب
الخزائن التي فيها فهي كالمتاع في الدار، فإن كانت هذه الأبواب مغلقة فهي في
حرز، وإن كانت غير مغلقة فإن كان باب الدار مفتوحا فهي في غير حرز، وإن
كان باب الدار مغلقا فهي في حرز.
والوجه أن نقول: نصب الباب إن كان إحرازا كانت أبواب الخزائن
المنصوبة في حرز وإن لم تكن مغلقة ولا كان باب الدار مغلقا كباب الدار، بل
هذا أولى للتخطي في الدار مع المنع منه، وإن لم يكن إحرازا لم يكن نصب
الباب على الدار إحرازا.
مسألة: قال الشيخان (5): إذا سرق ثانيا بعد قطع يمينه قطعت رجله اليسرى
من أصل الساق.
قال في النهاية: ويترك عقبه يعتمد عليها في الصلاة (6).
وقال في المقنعة - عقيب قوله: من أصل الساق -: ويترك له مؤخر القدم
ليعتمد عليه عند قيامه في الصلاة (7).

(1) كذا في نسخة: م 3، وفي نسخة: ق 2 " والإجماع " والصواب ما أثبتناه كما يظهر بالمراجعة إلى السرائر.
(2) السرائر: ج 3 ص 501، مع اختلاف.
(3) المبسوط: ج 8 ص 25.
(4) المهذب: ج 2 ص 538.
(5) كذا في النسخ، وفي المصدر: كان.
(6) المقنعة: ص 802، النهاية ونكتها: ج 3 ص 327.
(7) النهاية ونكتها: ج 3 ص 327، وفيه: " ليعتمد عليها ".
(8) المقنعة: ص 802.
241

وقال السيد المرتضى: وفي الرجل تقطع من صدر القدم ويبقى له العقب،
وخالف باقي الفقهاء فذهبوا إلى أنه تقطع الرجل من المفصل من غير تبقية
قدم (1).
وقال سلار: تقطع رجله اليسرى من أصل الساق ويترك له القدم (2).
وهذه عبارة رديئة.
وقال أبو الصلاح: فإن سرق ثانية قطع مشط رجله اليسرى من المفصل
دون مؤخر القدم والعقب (3).
وقال ابن حمزة: ويلزم قطع رجله اليسرى من الناتئ في ظهر القدم ويترك
العقب (4).
وقال الشيخ في المبسوط (5) والخلاف (6): القطع عندنا في الرجل من عند
معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم ويترك له ما يمشي عليه،
وعندهم المفصل الذي بين الساق والقدم.
وفي رواية أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - (7). وإسحاق بن عمار،
عن الكاظم - عليه السلام - (8) يقطع رجله ويترك عقبه يمشي عليها.

(1) الإنتصار: ص 262.
(2) المراسم: ص 259، وفيه: " وترك له العقب ".
(3) الكافي في الفقه: ص 411.
(4) الوسيلة: ص 420.
(5) المبسوط: ج 8 ص 35.
(6) الخلاف: ج 5 ص 437 - 438 مسألة 31.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 102 ح 398، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب حد السرقة ح 2 ج 18
ص 489.
(8) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 102 ح 399، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب حد السرقة ح 4 ج 18
ص 490.
242

وفي رواية سماعة، عن الصادق - عليه السلام - فإن عاد قطعت رجله من
وسط القدم (1).
وفي رواية عبد الله بن هلال، عن الصادق - عليه السلام - إنما تقطع الرجل
من الكعب ويترك له من قدمه ما يقوم ويصلي ويعبد ربه (2).
ورواية إسحاق أوضح طريقا فليعمل عليها.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا وجب قطع يمين السارق فأخرج إلى
القاطع يساره فقطعها قال قوم: إن قطعها مع العلم بأنها يساره وأنه لا يجوز
قطعها مكان يمينه لم يسقط قطع يمينه ويقاد منه، وإن قال القاطع: دهشت وما
علمت أنها يساره أو علمت أنها يساره وظننت أن قطعها يقوم مقام اليمين فلا
قود وتقطع يمين السارق، وقال قوم: لا تقطع. والأول أقوى، لأن يساره ذهبت
بعد وجوب القطع في يمينه، كما لو ذهبت قصاصا (3).
وقال ابن الجنيد: ومن أريد قطع يمينه فقدم شماله فحسبوها يمينه قطعت،
فقد روي أن أمير المؤمنين - عليه السلام - قال: لا تقطع يمينه، قد مضى الحكم.
وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: وإذا أمر الإمام بقطع يمين
السارق فتقطع يساره بالغلط فلا تقطع يمينه إذا قطعت يساره (4). وهو الأقوى.
لنا: أنه قطع مساوي اليمين فيسقط القطع، لاستيفاء مساوي الحق منه.
وما رواه محمد بن قيس، عن الباقر - عليه السلام - قال: قضى أمير المؤمنين

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 103 ح 400، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب حد السرقة ح 3 ج 18
ص 489.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 103 ح 401، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب حد السرقة ح 8 ج 18
ص 494.
(3) المبسوط: ج 8 ص 39، مع اختلاف.
من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 64 ذيل الحديث 5114.
243

- عليه السلام - في رجل أمر به أن تقطع يمينه فقدمت شماله فقطعوها وحسبوها
يمينه وقالوا: إنما قطعنا شماله أتقطع يمينه: فقال: لا تقطع وقد قطعت
شماله (1).
والجواب عما ذكره الشيخ في المبسوط: بالفرق، فإن قطع اليسار في
القصاص ليس استيفاء لحق السرقة ولا لمساويه، فيبقى في عهدة الاستحقاق،
بخلاف قطعها في السرقة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: المحارب هو الذي يجرد السلاح ويكون من
أهل الريبة في مصر أو غير مصر، في بلاد الشرك كان أو في بلاد الإسلام، ليلا
كان أو نهارا، فمتى فعل ذلك كان محاربا، ويجب عليه إن قتل ولم يأخذ المال
أن يقتل على كل حال، وليس لأولياء الدم (2) العفو عنه، فإن عفوا عنه وجب
على الإمام قتله، لأنه محارب، وإن قتل وأخذ المال وجب عليه أولا أن يرد
المال ثم يقطع بالسرقة ثم يقتل بعد ذلك ويصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل ولم
يجرح قطع ثم نفي عن البلد، وإن جرح ولم يأخذ المال ولم يقتل وجب أن (3)
يقتص منه ثم ينفى بعد ذلك من البلد الذي فعل فيه ذلك الفعل إلى غيره،
وكذلك إن لم يجرح ولم يأخذ المال وجب عليه أن ينفى من البلد الذي فعل فيه
ذلك الفعل إلى غيره، ثم يكتب إلى أهل ذلك المصر بأنه منفي محارب فلا
تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تبايعوه ولا تجالسوه، فإن انتقل إلى غير ذلك من البلدان
كوتب أيضا أهلها بمثل ذلك فلا يزال يفعل به ذلك حتى يتوب، فإن قصد بلاد
الشرك لم يمكن من الدخول فيها وقوتلوا هم على تمكينهم من دخولها (4). وتبعه

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 104 ح 406، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب حد السرقة ح 1 ج 18
ص 496، مع اختلاف.
(2) في المصدر: المقتول.
(3) في المصدر: وجب عليه أن.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 334.
244

ابن البراج (1).
ونحوه قال في الخلاف وهو أنه: إذا شهر السلاح وأخاف السبيل بقطع
الطريق كان حكمه متى ظفر به الإمام التعزير، وتعزيره أن ينفيه من البلد، وإن
قتل ولم يأخذ المال قتل، والقتل متحتم عليه لا يجوز العفو عنه، وإن قتل وأخذ
المال قتل وصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف وينفى
من الأرض متى ارتكب شيئا من هذا ويتبعهم أينما حلوا كان في طلبهم، فإذا
قدر عليهم أقام عليهم هذه الحدود (2). وكذا في المبسوط (3).
وقال المفيد: وأهل الدغارة (4) إذا جردوا السلاح في دار الإسلام وأخذوا
الأموال كان الإمام مخيرا فيهم، إن شاء قتلهم بالسيف، وإن شاء صلبهم حتى
يموتوا، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإن شاء نفاهم من المصر
إلى غيره ووكل بهم من ينفيهم عنه إلى ما سواه حتى لا يستقربهم مكان إلا
وهم منفيون عنه مبعدون إلى أن تظهر منهم التوبة والصلاح. فإن قتلوا النفوس
مع إشهارهم السلاح وجب قتلهم على كل حال بالسيف أو الصلب حتى يموتوا
ولم يتركوا على وجه الأرض أحياء (5).
فالخلاف بين الشيخين في موضعين:
الأول: التخيير والترتيب، فالمفيد قال بالأول، والشيخ قال بالثاني.
الثاني: الصلب يكون بعد القتل عند الشيخ، وكلام المفيد يعطي أنه
يصلب حيا.
وقال ابن الجنيد: والآية على الترتيب، فمن قتل قتل أو فعل به ما يكون
مؤديا له إلى تلف نفسه، مثل: أن يقطع ولا يحسم أو يصلب فلا ينزل (6) به حتى

(1) المهذب: ج 2 ص 553.
(2) الخلاف: ج 5 ص 458 المسألة 2.
(3) المبسوط: ج 8 ص 47 و 48.
(4) في نسخة: (م 3) الدعارة.
(5) المقنعة: ص 804 - 805.
(6) ق 2: فلا يزال.
245

يموت. وقد روى عبد الله بن طلحة، عن أبي عبد الله الصادق - عليه السلام - أنه قال: يحكم على المحارب بقدر ما يعمل، وينفى ويحمله (1) في البحر ثم يقذف به حتى
يكون حدا يوافق القطع والصلب (2). وليس للوالي (3) أن يفعل به مالا يؤدي إلى
تلف نفسه إذا قتل، لأن الله عز وجل قد حكم على القاتل بالقود. وإن أخذ المال
ولم يقتل قطع، وكان التخيير بعد ذلك إلى الوالي، ليس أن يكون له أن يتخير إزالة
حكم قد ثبت بآية أخرى، ولو قطع ثم قتل (4) من أخذ المال وقتل كان جائزا إذا
كان المقتول غير المأخوذ ماله، فإن كان فعله للحالين برجل واحد كان الإمام
مخيرا أن يفعل ذلك به، فإن شاء قتله ودخل الحد الأصغر في الحد الأكبر وهو
القتل.
وقال سلار: المجرد للسلاح في أرض بلاد الإسلام الساعي فيها فسادا، إن
شاء الإمام قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف، وإن شاء
نفاه من الأرض (5). فاختار التخيير، كما ذهب إليه المفيد، وبه قال ابن إدريس (6).
وهو الأقوى.
لنا: الآية، فإن " أو " يقتضي التخيير.
وما رواه جميل بن دراج في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته
عن قول الله عز وجل: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض
فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا.. إلى آخر الآية " فقلت: أي شئ عليهم من
هذه الحدود التي سمى الله؟ قال: ذلك إلى الإمام، إن شاء قطع، وإن شاء صلب،
وإن شاء نفى، وإن شاء قتل، قلت: النفي إلى أين؟ قال: ينفى من مصر إلى

(1) م 3 يحمل وفي المطبوع بحمل.
(2) الكافي: ج 7 ص 247 ج 10.
(3) م 3: للموالي.
(4) كذا في ق 2 ومصححة المطبوع، والعبارة في م 3 هكذا: ولو قطع ثم قتل بعد أخذ المال وقتل..
(5) المراسم: 251، وفيه: " في أرض الإسلام والساعي ".
(6) السرائر: ج 3 ص 505.
246

مصر آخر، وقال: إن عليا - عليه السلام - نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة (1).
احتج الشيخ بما رواه عبد الله المدائني، عن الصادق - عليه السلام - قال:
قلت له: جعلت فداك أخبرني عن قول الله عز وجل: (إنما جزاء الذين يحاربون
الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم
وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) قال: فعقد بيده ثم قال: يا أبا
عبد الله خذها أربعا بأربع، ثم قال: إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض
فسادا فقتل قتل، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل
قطعت يده ورجله من خلاف، وإن حارب الله وسعى في الأرض فسادا ولم
يقتل ولم يأخذ المال نفي من الأرض، قال: قلت: وما حد نفيه؟ قال: سنة ينفى
من الأرض التي يفعل فيها إلى غيرها، ثم يكتب إلى ذلك المصر: بأنه منفي فلا
تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تناكحوه حتى يخرج إلى غيره، فيكتب إليهم أيضا بمثل
ذلك فلا يزال هذا حاله سنة، فإذا فعل به ذلك تاب وهو صاغر (2).
والجواب: لا منافاة بين الخبرين، فجاز أن يكون الثاني منوطا بنظر الإمام
إذا أداه إلى هذا التفصيل كان فعله أولى من غيره.
تذنيب: إذا قتل تحتم القتل، قاله المفيد (3)، أما الصلب أو غيره، وكذا قال
ابن الجنيد، وسواء قتل مكافئا أو لا، وسواء عفا ولي المقتول أو لا.
وليس للإمام نفيه هنا دون قتله، قاله ابن إدريس (4)، وهو جيد، قال:

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 133 ح 528، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد المحارب ح 3 ج 18
ص 533 وفيهما: " عبيد الله المدائني ".
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 131 ح 523، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد المحارب ذيل
الحديث 4 ج 18 ص 534 و ب 4 ذيل الحديث 4 ص 539.
(3) المقنعة: ص 805.
(4) السرائر: ج 3 ص 505.
247

وإن أخذ المال قطع، سواء أخذ ما يجب فيه قطع السارق أو أقل منه من حرز أو
من غيره.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط (1) والخلاف (2): أحكام المحاربين تتعلق
بالرجال والنساء سواء، على ما فصلناه في العقوبات، للآية وعموم الأخبار.
وقال ابن الجنيد: وكذلك كل النساء، إلا أنهن لا يقتلن.
وقال ابن إدريس: هذان الكتابان معظمهما فروع المخالفين، وهو قول
بعضهم، اختاره - رحمه الله - ولم أجد لأصحابنا المصنفين قولا في قتل النساء في
المحاربة، والذي يقتضيه أصول مذهبنا ألا يقتلن إلا بدليل قاطع، فأما تمسكه
بالآية فضعيف، لأنها خطاب للذكران دون الإناث، ومن قال: تدخل النساء
في خطاب الرجال على طريق التبع، فذلك مجاز، والكلام في الحقائق والمواضع
التي دخلن في خطاب الرجال فبالإجماع (3).
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال:
من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتص منه... الحديث (4).
ولفظة " من " يتناول المذكر والمؤنث بالحقيقة إجماعا.
ولأن تعليق هذه العقوبة على هذا الوصف يشعر بالعلية بالمناسبة
والاقتران، والعلة أينما تحققت ثبت معلولها، ولا عبرة بخصوصيات الفاعلين
كالعبد والحر والعالم والجاهل.

(1) المبسوط: ج 8 ص 56.
(2) الخلاف: ج 5 ص 470 المسألة 15.
(3) السرائر: ج 3 ص 508.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 132 ح 524، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد المحارب ح 1 ج 18
ص 532 وفيهما: " عن أبي جعفر ".
248

ثم إن ابن إدريس قال بعد ذلك: قد بينا أن أحكام المحاربين تتعلق
بالرجال والنساء سواء، على ما فصلناه من العقوبات، للآية، ولم يفرق بين
الرجال والنساء، فوجب حملها على عمومها (1).
وهذا اضطراب منه، وقلة تأمل، وعدم مبالاة بتناقض كلاميه.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف (2) والمبسوط (3): إنه يصلب بعد قتله ولا
يكون قبله.
وقال المفيد: إنه يصلب حيا (4)، وبه قال ابن إدريس (5): للآية (6)،
والحديث الذي رواه جميل بن دراج (7).
والشيخ عول على حديث عبد الله المدائني (8)، وقد سلف.
قال ابن إدريس: قال شيخنا المفيد: يصلب حيا وينزل من خشبته بعد
ثلاثة أيام ويغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه، لأنه قتل حدا لا قودا، وشيخنا
أبو جعفر قال في مبسوطه على ما قدمناه قتله قودا، فكان يلزمه أن يؤمر أولا
بالاغتسال والتكفين ثم يصلب، وهو لا يرى غسله إلا بعد نزوله من خشبته.
قال: والصحيح ما ذهب إليه شيخنا المفيد من التخيير (9)، وقد سبق.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا كان (10) المحارب ولدا أو عبدا أو كان

(1) السرائر: ج 3 ص 510.
(2) الخلاف: ج 5 ص 462 المسألة 5.
(3) المبسوط: ج 8 ص 48.
(4) المقنعة: ص 804.
(5) السرائر: ج 3 ص 509.
(6) المائدة: 33.
(7) الكافي: ج 7 ص 245 ح 3، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد المحارب ح 3 ج 18 ص 533.
(8) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 131 ح 523، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب حد المحارب ذيل
الحديث 4 ج 18 ص 534، وفيهما: " عبيد الله المدائني ".
(9) السرائر: ج 3 ص 508 - 509، وفيه: " يلزمه أنه يؤمر ".
(10) في المصدر: قتل.
249

مسلما قتل ذميا فإنه يقتل، وللشافعي قولان (1): أحدهما مثل ما قلناه، والثاني
- وهو أصحهما عندهم -: لا يقتل. دليلنا: قوله تعالى: " أو يقتلوا " وقد بينا أن
معناه أن يقتلوا، إن قتلوا ولم يفصل، وتخصيصه يحتاج إلى دليل. والقول الثاني
قوي أيضا، لقوله - عليه السلام -: " لا يقتل والد بولده، ولا يقتل مؤمن بكافر ".
إلا أن المحارب يتحتم عليه القتل لكونه محاربا، ألا ترى أنه لو عفا الولي عنه
وجب (2) قتله، فلا يمتنع على هذا أن يجب قتله وإن كان قتل ولده أو ذميا
لكونه محاربا (3). وهذا يدل على تردده، لكن الأقوى الأول.
قال في المبسوط: والأول يقتضيه عموم الأخبار (3)، وبه قال ابن إدريس (5) وقد تقدم.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: قد بينا أن المحارب إذا أخذ المال قطع، ولا
يجب قطعه حتى يأخذ نصابا يجب فيه القطع في السرقة، وللشافعي قولان:
أحدهما مثل ما قلناه وعليه عامة أصحابه، وقال بعضهم: يقطع في قليل المال
وكثيره، وهو قوي أيضا، لأن الأخبار وردت أنه إذا أخذ المال وجب قطعه، ولم
يقيدوا، فوجب حملها على عمومها. دلينا: أن ما اعتبرناه مجمع على وجوب
القطع به، وما قالوه ليس عليه دليل، وأيضا قوله - عليه السلام -: " القطع في
ربع دينار " (6).
وقال ابن إدريس: لا يعتبر النصاب، بل يقطع في الأقل، ولا يعتبر الحرز
أيضا (7). وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط (8)، وهو المعتمد.

(1) في المصدر: وللشافعي فيه قولان.
(2) في المصدر: لوجب.
(3) الخلاف: ج 5 ص 463 - 464 المسألة 6.
(4) المبسوط: ج 8 ص 49.
(5) السرائر: ج 3 ص 505 - 506.
(6) الخلاف: ج 5 ص 464 المسألة 7، وفيه: " وللشافعي فيه قولان ".
(7) السرائر: ج 3 ص 506.
(8) المبسوط: ج 8 ص 49.
250

لنا: إن حكم المحاربة مغاير لحكم السرقة، ويجب فيه أحكام لا يجب في
السرقة، فيتبع فيها النصوص (1) الدالة على أحكامها من غير التفات إلى أحكام
السرقة.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: وإذا جرح المحارب جرحا يجب فيه
القصاص في غير المحاربة - مثل قطع اليد أو الرجل أو قلع العين وغير ذلك - وجب
عليه القصاص بلا خلاف ولا يتحتم، بل للمجروح العفو، وهو أحد قولي
الشافعي، وفي الآخر: أنه يتحتم.
دليلنا: أن الأصل جواز العفو وانحتامه يحتاج إلى دليل (2).
وقال في المبسوط: إن كان الجرح دون النفس نظرت، فإن كان مما لا
يوجب القود في غير المحاربة لم يجب به في المحاربة، وإن كان مما يوجب
القصاص في غير المحاربة - كاليد والرجل والأذن والعين - وجب القصاص في
المحاربة، لكن هل يتحتم أم لا؟ قال قوم: لا يتحتم، وقال آخرون: يتحتم، وهو
الأقوى (3). وما ذكره في المبسوط أقوى.
لنا: أنه يتحتم القتل، فكذا الجرح، حسما لمادة الفساد، ومجازاة له على
فعله بمثله.

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 131 - 135 ح 523 و...، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب حد
المحارب ج 18 ص 532.
(2) الخلاف: ج 5 ص 466 المسألة 10، مع اختلاف.
(3) المبسوط: ج 8 ص 51، وفيه في المواضع: " ينحتم ".
251

الفصل الرابع
في حد الفرية
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا قال لغيره: يا ابن الزانية أو يا ابن الزاني
أو قد زنت بك أمك أو ولدت من الزنا وجب أيضا عليه الحد، وكان المطالبة
في ذلك إلى أمه، فإن عفت عنه جاز عفوها ولا يجوز عفو غيرها (1). وتبعه ابن
البراج (2).
وهذا حق في قوله: " يا ابن الزانية " أو " زنت بك أمك "، أما قوله: " يا
ابن الزاني " فإن الحد لأبيه، وقد ذكره الشيخ (3) بعد ذلك بقليل.
بقي قوله: " ولدت من الزنا " قال ابن إدريس: هذا غير واضح، لاحتمال
أن تكون الزانية هي الأم أو الأب، وإذا كان مشتركا لم يختص المطالبة
بالأم (4). وهذا الاحتمال الذي ذكره ابن إدريس حسن.
لكن شيخنا المفيد - رحمه الله - قال: وقول الرجل لغيره: يا ولد زنا مثل
قوله: زنت بك أمك في القذف سواء (5). وهو يؤيد ما ذكره الشيخ، وكان
.

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 339 - 340.
(2) المهذب: ج 2 ص 547 وفيه: " وكانت المطالبة بذلك إلى أولياء المقول له ".
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 340.
(4) السرائر: ج 3 ص 517 نقلا بالمعنى.
(5) المقنعة: ص 793 - 794.
252

الظاهر في العرف ذلك، فلهذا اختصت المطالبة بالأم.
ولأن أصل الولادة من الأم، وهي مستندة إليها، فاختصت بالإضافة.
ولهذا فإنه لو قال: ولدتك أمك من الزنا كان قذفا لها، وقد صرح به ابن إدريس (1) مع قيام الاحتمال المذكور.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: فإن قال له: ابنك زان أو لائط أو بنتك زانية
أو قد زنت كان عليه الحد، وللمقذوف المطالبة بإقامة الحد عليه، سواء كان
ابنه أو بنته حيين أو ميتين، وكان إليه أيضا العفو، إلا أن يسبقه الابن أو
البنت إلى العفو، فإن سبقا إلى ذلك كان عفوهما جائزا (2). وتبعه ابن
البراج (3).
وقال المفيد: فإن قذف ابنته كان الحق له، سواء كانت البنت حية أو
ميتة، إلا أن تسبقه بالعفو عنه وهي مالكة لأمرها بالبلوغ وكمال العقل، فلا
يكون له عليه حينئذ حق في حده (4).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه المذهب أنهما إن كانا حيين غير مولى
عليهما فالحق لهما وهما المطالبان به، ولا يجوز لأحد العفو عنه دونهما ولهما العفو
عنه، لأن حد القذف حق من حقوق الآدميين يستحقه صاحبه المقذوف به
دون غيره (5).
والوجه ما قاله ابن إدريس.
احتج الشيخ بأن العار هنا لا حق للأب، فكان له المطالبة بالحد.
والجواب: المنع من الملازمة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: من أقيم عليه الحد في القذف ثلاث مرات

(1) السرائر: ج 3 ص 518.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 341.
(3) المهذب: ج 2 ص 547.
(4) المقنعة: ص 794.
(5) السرائر: ج 3 ص 519.
253

قتل في الرابعة (1).
ونقله ابن إدريس وقال: الصحيح أنه يقتل في الثالثة، وهو اختيار شيخنا
أبي جعفر في استبصاره (2). والوجه الأول، وقد تقدم البحث في ذلك في الزنا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا قال لمسلم: أمك زانية أو يا ابن الزانية
وكانت أمه كافرة أو أمة كان عليه الحد تاما، لحرمة ولدها المسلم الحر (3).
وتبعه ابن البراج (4)، وهو قول ابن الجنيد.
وقال ابن إدريس: الأصل مراعاة التكافؤ للقاذف أو علو المقذوف (5). وهو
حسن، لأصالة البراءة، والمنع من كون الولد مسلما يقتضي إيجاب الحد.
والشيخ عول على ما رواه عبد الرحمان بن أبي عبد الله، عن الصادق
- عليه السلام - قال: النصرانية واليهودية تكون تحت المسلم فيقذف ابنها يضرب
القاذف، لأن المسلم قد حصنها (6)، ولا بأس بالعمل بهذه الرواية، فإنها
واضحة الطريق.
مسألة: قال في النهاية: إذا قال لغيره: قد زنيت بفلانة وكانت المرأة ممن
يجب لها الحد كاملا وجب عليه حدان: حد للرجل وحد للمرأة، وكذلك إن
قال: لطت بفلان كان عليه حدان: حد للمواجه وحد لمن نسبه إليه (7). وتبعه

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 342، وفيه: " ثلاث دفعات ".
(2) السرائر: ج 3 ص 519.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 344 - 345.
(4) المهذب: ج 2 ص 548.
(5) السرائر: ج 3 ص 520.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 75 ح 290، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب حد القذف ح 2 ج 18.
ص 441.
(7) النهاية ونكتها: ج 3 ص 345 - 346.
254

ابن البراج (1)، وهو قول شيخنا المفيد (2) وأبي الصلاح (3).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه الأدلة أنه لا يجب على قائل ذلك سوى
حد واحد وإن كان المقول لهما بالغين حرين، لأنه إذا قال له: زنيت بفلانة أو
لطت بفلان فقد قذفه بلا خلاف، وأما المرأة والرجل فليس بقاذف لهما، لأنه
قد لا تكون المرأة زانية بأن تكون مكرهة على الزنا، وكذلك الرجل قد لا يكون
مختارا بل يكون مكرها على اللواط، فالزنا واللواط متحققان في جهة المقول لهما،
وغير متحقق في جهة من فعل به ذلك، فالشبهة حينئذ حاصلة بغير خلاف،
وبالشبهة لا يجد، لقوله - عليه السلام - المجمع عليه: " إدرأوا الحدود بالشبهات "
وهذا القول الواقع (4) به النقل من أعظم الشبهات فليلحظ ذلك، وإنما أورد ذلك
شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثاله (5).
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: أنه أضاف الزنا واللواط إليهما فيجب به الحد، لتحقق القذف،
والشبهة التي ذكرها لم يعتد بها الشارع ولم يلتفت إليها، لحصول السبب به،
ولهذا إذا قال له: يا منكوحا في دبره وجب عليه حد القذف إجماعا مع تطرق
الاحتمال الذي ذكره.
ولأن الزنا واللواط إن تحققا مع حصول الكراهة من أحدهما تحققا مع
حصولها منهما، فإن من أكره غيره على فعل اللواط وأكره الصبي على الانفعال
يتحقق اللواط مع اشتراك الكراهة، وكما تطرق الاحتمال إلى المنسوب إليه
كذا يتطرق إلى المقدوف، ففرقه بينهما لا وجه له، ثم يحتمل أن يكون المنسوب

(1) المهذب: ج 2 ص 548.
(2) المقنعة: ص 793.
(3) الكافي في الفقه: ص 414.
(4) وفي نسخة: ق 2 للواقع به الفعل، وفي المصدر الواقع به الفعل.
(5) السرائر: ج 3 ص 520 وفيه: " متحقق في جنبة ".
255

إليه مختارا أو المقذوف مكرها، فلا يجب الحد قطعا بالنسبة إلى المقذوف، وهو
باطل قطعا، فإذن الاحتمال الأول لا أثر له هنا.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف (1) والمبسوط (2): إذا قذف جماعة واحدا بعد
واحد كل واحد منهم بكلمة مفردة فعليه لكل واحد منهم حد القذف، سواء
جاؤوا به متفرقين أو مجتمعين، وإن قذفهم بكلمة واحدة فقال: زنيتم أو أنتم
زناة فإن جاؤوا به متفرقين كان لكل واحد منهم حد كامل، وإن جاؤوا به
مجتمعين كان عليه حد واحد لجماعتهم. ونحوه قال في النهاية (3)، وشيخنا المفيد
في المقنعة (4)، وسلار (5)، وأبو الصلاح (6)، وابن البراج (7)، وابن إدريس وادعى
عليه الإجماع (8).
وقال الصدوق: إن قذف قوما مجتمعين بكلمة واحدة فعليه حد واحد إذا لم
يسمهم، وإذا سماهم فعليه لكل رجل سماه حد. وروي في رجل قذف قوما
أنهم إن أتوا به متفرقين ضرب لكل واحد منهم حدا، وإن أتوا به مجتمعين
ضرب حدا واحدا (9).
وقال ابن الجنيد: ولو قذف جماعة بكلمة واحدة جلد حدا واحدا، فإن
سمى واحدا واحدا فأتوا به مجتمعين ضرب به حدا واحدا، وإن أتوا به متفرقين
ضرب لكل واحد منهم حدا.
والمشهور الأول، لما رواه جميل في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام -
قال: سألته عن رجل افترى على قوم جماعة فقال: إن أتوا به مجتمعين ضرب

(1) الخلاف: ج 5 ص 404 المسألة 48.
(2) المبسوط: ج 8 ص 16.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 342 - 344.
(4) المقنعة: ص 796 - 797.
(5) المراسم: ص 256.
(6) الكافي في الفقه: ص 414.
(7) المهذب: ج 2 ص 548.
(8) السرائر: ج 3 ص 519.
(9) المقنع: ص 149.
256

حدا واحدا، وإن أتوا به متفرقين ضرب لكل واحد حدا (1).
قال الشيخ: فأما ما رواه الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن
سماعة، عن الصادق - عليه السلام - قال: قضى أمير المؤمنين - عليه السلام - في
رجل افتري على نفر جميعا فجلده حدا واحدا. فالوجه فيه أحد شيئين: أحدهما:
أن نحمله على التفصيل الذي تضمنه الخبر الأول من أنه إنما وجب عليه حدا
واحدا إذا أتوا به مجتمعين، ولو جاؤوا به متفرقين لكان عليه لكل إنسان حد
على الكمال. والثاني: أن نحمله على أنه إذا قذفهم بكلمة واحدة كان عليه حدا
واحدا، وإن قذفهم بألفاظ مختلفة كان عليه لكل إنسان حدا، لما رواه الحسن
العطار، عن الصادق - عليه السلام - قال: قلت له: رجل قذف قوما جميعا،
فقال: بكلمة واحدة؟ قلت: نعم، قال: يضرب حدا واحدا، وإن فرق بينهم في
القذف ضرب لكل واحد منهم حدا (2).
وابن بابويه، وابن الجنيد احتجا بالخبر الأول، ولا بأس به، فإنه أوضح
طريقا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وليس للإمام أن يعفو عن القاذف على كل
حال، بل ذلك إلى المقذوف على ما بيناه، سواء كان أقر على نفسه أو قامت به
عليه بينة أو تاب القاذف أو لم يتب فإن العفو في جميع هذه الأحوال إلى
المقذوف (3). وتبعه ابن البراج (4)، وبه قال ابن إدريس (5).

(1) الإستبصار: ج 4 ص 227 ح 848، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب حد القذف ح 1 ج 18
ص 444.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 227 ح 850 وذيله و ح 851.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 347.
(4) المهذب: ج 2 ص 549.
(5) السرائر: ج 3 ص 521 - 522.
257

لما رواه سماعة قال: سألته عن الرجل يفتري على الرجل ثم يعفو عنه ثم
يريد أن يجلده بعد التوبة، قال: ليس له ذلك بعد العفو (1).
وقال الشيخ في الاستبصار: إذا رفعته (2) المقذوفة إلى الإمام أو الحاكم لم
يكن لها بعد ذلك عفو، عقيب ما روى عن محمد بن مسلم في الصحيح قال:
سألته عن الرجل يقذف امرأته، قال: يجلد، قلت: أرأيت إن عفت عنه؟ قال:
لا ولا كرامة (3). جامعا بين هذا الحديث وبين الحديث السابق.
والوجه الأول.
مسألة: قد تقدم في كتاب الشهادات كيفية التوبة من القذف.
قال الشيخ في المبسوط: إذا كانت التوبة عن فعل - كالزنا والسرقة واللواط
والغصب وشرب الخمر - الإتيان بالضد مما كان عليه وهو صلاح عمله، لقوله
تعالى: " إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات "
فإذا ثبت أنها صلاح عمله فمدته التي يقبل بها شهادته سنة، ومن الناس من
قال: يصلح عمله ستة أشهر، وإن كانت عن قوله - كقذف السب - فصفة
التوبة أن يقول: القذف باطل حرام ولا أعود إلى ما قلت. وهل يفتقر عدالته
التي يقبل بها شهادته إلى صلاح العمل أم لا؟ قال قوم: مجرد التوبة مجزئة،
وقال قوم: لا بد من صلاح العمل، وهو الأقوى، للآية، وصلاح العمل عند من
شرطه سنة على ما مضى. وأما قذف الشهادة فهو أن تشهد بالزنا دون أربعة
فإنهم فسقة فالتوبة هنا أن يقول: ندمت على ما كان مني ولا أعود إلى ما اتهم
فيه، ولا يقول: ولا أعود إلى ما قلت، لأن الذي قاله شهادة، فيجزئه أن يقول:

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 79 ح 308، وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب حد القذف ح 1 ج 18
ص 455، وفيه: " أن يجلده بعد العفو ".
(2) في الطبعة الحجرية و م 3: رافعته.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 232 ح 874. وذيله.
258

لا أعود إلى ما اتهم فيه، فإن قال هذا زال فسقه وثبتت عدالته وقبلت شهادته
ولا يراعي صلاح العلم (1).
قال ابن إدريس: هذا الذي ذكره شيخنا في مبسوطه صحيح سديد، إلا في
قوله: " وحده صلاح العمل سنة أو ستة أشهر " فإن هذا مذهب الشافعي، فأما
نحن معشر أهل البيت - عليهم السلام - فلا نعتبره بزمان ولا مدة، بل لو
عرف ذلك منه في ساعة واحدة كان صلاح عمله. وقد رجع شيخنا عن ذلك
في الخلاف فقال: إذا أكذب نفسه وتاب لا تقبل شهادته حتى يظهر منه العمل
الصالح، وهو أحد قولي الشافعي، إلا أنه اعتبر ذلك سنة، ولم نعتبره نحن، لأنه
لا دليل عليه (2). والذي ذكره في الخلاف (3) هو المعتمد.
وقال شيخنا المفيد: ومن قذف مسلما لم تقبل له شهادة بعد القذف، إلا
أن يظهر توبته بتكذيبه نفسه في المقام الذي قذف فيه (4). ولم يعتبر غير ذلك،
وهو حسن.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا قال له: أنت ولد حرام أو حملت بك أمك
في حيضها لم يكن عليه حد الفرية، وكان عليه التعزير (5). وتبعه ابن البراج (6)،
وبه قال شيخنا المفيد أيضا وزاد: أو قال له: أنت ولد خبث (7).
وقال ابن إدريس: إذا قال له: أنت ولد حرام فهو كقوله: أنت ولد زنا،
لعدم الفرق بينهما في العرف وعادة الناس وما يريدونه بذلك (8).
والمعتمد ما قاله الشيخان، لأصالة البراءة، ونمنع العرف في ما قاله ابن إدريس.

(1) المبسوط: ج 8 ص 178 - 179، مع اختلاف.
(2) السرائر: ج 3 ص 527، مع اختلاف.
(3) الخلاف: ج 6 ص 264 المسألة 13.
(4) المقنعة: ص 792، مع اختلاف.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 351.
(6) المهذب: ج 2 ص 550.
(7) المقنعة: ص 795.
(8) السرائر: ج 3 ص 529.
259

مسألة: قال المفيد: إذا سب جماعة بغير الزنا واللواط مما يوجب السب به
التعزير فجاؤوا به مجتمعين عزر لجماعتهم بتعزير واحد، وإن جاؤوا به متفرقين
عزر لكل واحد منهم تعزيرا على حدته (1). وتبعه سلار (2)، وأبو الصلاح (3).
وقال ابن إدريس: الأولى عندي أن يعزر لكل واحد منهم، فإنه قد آلمه، وحمل
ذلك على القذف الصريح في الجماعة بكلمة واحدة قياس لا نقول به، وشيخنا
أبو جعفر غير قائل بما قاله المفيد في هذه الفتيا (4) والمعتمد: ما قاله المفيد.
لنا: أصالة البراءة.
ولأنه لا تصريح هنا بسب كل واحد بخصوصه، لأن دلالة الخاص على
مدلوله أقوى من دلالة العام عليه.
ولأن موجب الحد أقوى، فإذا وجب التداخل عند الاجتماع فالأضعف في
السببية أولى.
مسألة: قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: المرأة إذا قذفت زوجها
وهو أصم يفرق بينهما ثم لا تحل له أبدا (5). وهو قول غريب لم أظفر به قولا
لغيره.
والمعتمد عدم التحريم المؤبد، عملا بالأصل.
احتج بالحمل على المرأة.
والجواب: القياس عندنا باطل.
مسألة: المشهور أن اللعان يثبت بأمرين: القذف ونفي الولد.

(1) المقنعة. ص 797.
(2) المراسم: ص 256.
(3) الكافي في الفقه: ص 414 و 419.
(4) السرائر: ج 3 ص 535.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 50 ذيل الحديث 5072.
260

وقال الصدوق: إذا قذف امرأته ضرب ثمانين جلدة، فإن قذفها وأنكر
ولدها لاعنها وفرق بينهما ولم تحل له أبدا، وإن أكذب نفسه قبل أن يلاعنها جلد
الحد ولم يفرق بينهما وألزم الولد، واللعان لا يكون إلا بنفي الولد (1).
وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه: روي مسمع أبي سيار، عن الصادق
- عليه السلام - في أربعة شهدوا على امرأة بالفجور أحدهم زوجها، قال: يجلدون
الثلاثة ويلاعنها زوجها ويفرق بينهما، ولا تحل له أبدا. وقد روي أن الزوج
أحد الشهود. ثم قال: هذان الحديثان متفقان، وذلك أنه متى شهد أربعة على
امرأة بالفجور أحدهم زوجها ولم ينف ولدها فالزوج أحد الشهود، ومتى نفى
ولدها مع إقامة الشهادة عليها بالزنا جلد الثلاثة الحد ولاعنها زوجها وفرق
بينهما، ولم تحل له أبدا، لأن اللعان لا يكون إلا بنفي الولد (2).
لنا: قوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا
أنفسهم...) الآية (3).
وما رواه عبد الرحمان بن الحجاج في الصحيح قال: سأل عباد البصري أبا
عبد الله - عليه السلام - وأنا حاضر كيف يلاعن الرجل المرأة؟ فقال أبو عبد الله
- عليه السلام -: أن رجلا من المسلمين أتى رسول الله صلى الله عليه وآله -
فقال: يا رسول الله أرأيت لو أن رجلا دخل منزله فوجد مع امرأته رجلا يجامعها
ما كان يصنع؟ قال: فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وآله - فانصرف
الرجل وكان ذلك الرجل هو الذي ابتلي بذلك من امرأته، قال: فنزل الوحي
من عند الله عز وجل بالحكم فيها، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وآله - إلى
ذلك الرجل فدعاه فقال له: أنت الذي رأيت مع امرأتك رجلا؟ فقال: نعم،

(1) المقنع: ص 149، مع اختلاف.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 52 ح 5078 و 5079 وذيله.
(3) النور: 6.
261

فقال له: انطلق فأتني بامرأتك فإن الله عز وجل قد أنزل الحكم فيك وفيها،
فأحضرها، زوجها فأوقفها رسول الله - صلى الله عليه وآله - ثم قال للزوج...
الحديث (1).
احتج بما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما - عليهما السلام - قال: لا يكون
لعان إلا بنفي ولد، وقال: إذا قذف الرجل امرأته لا عنها (2).
وعن أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا يقع اللعان حتى يدخل
الرجل بامرأته، ولا يكون اللعان إلا بنفي الولد (3).
والجواب: ما قاله الشيخ أنهما محمولان على أنه لا يكون اللعان بمجرد القذف
حتى يضيف إليه ادعاء المشاهدة، بخلاف نفي الولد فإنه يصح اللعان فيه بمجرد
النفي وإن لم يدع المشاهدة (4).
أقول: ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يكون اللعان بنفي الولد إلا مع
الدخول.
مسألة: المشهور أن للمقذوف العفو مطلقا.
وقال الصدوق في المقنع: إذا قذف الرجل امرأته فليس لها أن تعفو عنه ولا
كرامة. وقد روي أن لها ذلك (5).
لنا: أنه حق لها. فجاز لها تركه وإسقاطه كغيره من الحقوق.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا قال: زنت بك أمك كان المطالبة في
ذلك لأمه (6). وهو المشهور.

(1) الإستبصار: ج 3 ص 370 ح 1322، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب اللعان ح 1 ج 15 ص 586.
(2) الإستبصار: ج 3 ص 371 ح 1323، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب اللعان ح 1 ج 15 ص 604.
(3) الإستبصار: ج 3 ص 371 ح 1324، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب اللعان ح 2 ج 15 ص 604.
(4) الإستبصار: ج 3 ص 372 ذيل الحديث 1324.
(5) المقنع: 149، وليس فيه: " عنه ولا كرامة، وقد روي أن لها ذلك ".
(6) النهاية ونكتها: ج 3 ص 339 - 340.
262

وقال المفيد: إذا قال لغيره: يا ابن الزانية وكانت الأم المقذوفة حية فلها
المطالبة بحقها في إقامة الحد عليه بقذفها ولها العفو، وإن كانت ميتة كان لابنها
المطالبة بحقها في إقامة الحد على قاذفها وكان إليه العفو عن ذلك، فإن قال له:
زنت بك أمك كان له الحق في حده، سواء كانت أمه حية أو ميتة (1).
والمعتمد الأول.
لنا: أنا الزنا هنا منسوب إلى الأم، فكان الحق لها في المطالبة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا قال الرجل أو المرأة - كافرين كانا أو
مسلمين حرين أو عبدين بعد أن يكونا بالغين لغيره من المسلمين البالغين
الأحرار -: يا زاني أو يا لائط أو يا منكوحا في دبره أو قد زنيت أو لطت أو
نكحت أو ما معناه (2) وجب عليه الحد ثمانون (3). وبه قال ابن الجنيد.
وقال المفيد: إذا قذف الذمي مسلما أو عرض به كان دمه بذلك هدرا.
على كل حال (4). وتبعه سلار (5)، وابن إدريس فقال: إذا قذف ذمي مسلما
قتل، لخروجه عن الذمة بسب أهل الإيمان (6). وهو قول أبي الصلاح (7) أيضا.
والمعتمد أن نقول: إن شرط عليه الكف خرق الذمة، وإلا فلا.
ويؤيده ما رواه أبو بصير قال: قال: حد اليهودي والنصراني والمملوك في
الخمر والفرية سواء (8).

(1) المقنعة: ص 793.
(2) في الطبعة الحجرية: أو ما في معناه.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 338.
(4) المقنعة: ص 792.
(5) المراسم: ص 256.
(6) السرائر: ج 3 ص 534.
(7) الكافي في الفقه: ص 414.
(8) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 74 ح 283، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب حد القذف ح 1 ج 18
ص 449.
263

وعن يونس قال: سألته - عليه السلام - عن اليهودي والنصراني يقذف
صاحب ملة على ملته والمجوسي يقذف المسلم، قال: يجلد الحد (1).
وعن عباد بن صهيب قال: سئل أبو عبد الله - عليه السلام - عن نصراني
قذف مسلما فقال له: يا زان، فقال - عليه السلام -: عليه ثمانون جلدة لحق
المسلم وثمانون سوطا إلا سوطا لحرمة الإسلام، ويحلق رأسه ويطاف به في أهل
دينه لكي ينكل غيره (2).
مسألة: قال ابن الجنيد: ولو نفى رجل رجلا من ولاء عتاقه ضرب الحد (3).
والوجه أنه إن تضمن هذا النفي نفي النسبة إلى أحد الأبوين صح كلامه،
وإلا كان ممنوعا.
مسألة: المشهور أن الرجل إذا قال لامرأته بعدما دخل بها: لم أجدك عذراء
لم يكن عليه حد بل يعزر.
وقال ابن الجنيد: ولو قال لها من غير حرد ولا سباب: لم أجدك عذراء لم
يحد. وهو يشعر بأنه لو قال مع الحرد أو السباب كان عليه الحد من حيث
المفهوم.
وقال ابن أبي عقيل: ولو أن رجلا قال لامرأته: لم أجدك عذراء جلد الحد،
ولم يكن له في هذا وأشباهه لعان.
لنا: ما رواه أبو بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: في رجل قال

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 74 ح 284، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب حد القذف ح 2 ج 18
ص 450.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 75 ح 285، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب حد القذف ح 3 ج 18
ص 450.
(3) في الطبعة الحجرية: الجلد.
264

لامرأته: لم أجدك عذراء، قال: يضرب، قلت: فإنه عاد، قال: يضرب، فإنه
يوشك أن ينتهي (1). والضرب يصدق مع التعزير صدقه مع الحد، فأوجبنا
الأقل عملا بأصالة البراءة.
ولأن هذا القول ليس تصريحا بالقذف بل ولا تلويحا لجواز ذهاب العذرة
بغير جماع.
ويؤيده ما رواه زرارة في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - في رجل
قال لامرأته: لم تأتني عذراء، قال: ليس عليه شئ: لأن العذرة تذهب بغير
جماع (2).
ومعنى قوله - عليه السلام -: " ليس عليه شئ " أي ليس عليه حد تام، لما
رواه زياد بن سليمان، عن الصادق - عليه السلام - في رجل قال لامرأته بعد ما
دخل بها: لم أجدك عذراء، قال: لا حد عليه (3).
احتج ابن أبي عقيل بما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح، عن الصادق
- عليه السلام - قال: إذا قال الرجل لامرأته: لم أجدك عذراء وليست له بينة
يجلد الحد ويخلى بينه وبينهما (4).
قال الشيخ: معنى " يجلد الحد " (5) يعني: حد التعزير، ولم يرد حدا تاما

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 196 ح 690، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب اللعان ح 2 ح 15
ص 609، وفيهما: " فإن عاد ".
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 196 ح 689، وفيه: " زياد عن سليمان "، وسائل الشيعة: ب 17 من
أبواب اللعان ح 1 ج 15 ص 609.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 78 ح 301، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب اللعان ح 4 ج 15
ص 610.
(4) الإستبصار: ج 4 ص 231 - 232 ح 871، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب اللعان ح 5 ج 15
ص 610.
(5) في الطبعة الحجرية: يجب عليه الحد.
265

للأخبار السابقة (1). وهو جيد.
مسألة: إذا قذف رجلا ثم اختلفا فقال المقذوف: أنا حر فعليك الحد وقال
القاذف: أنت عبد فعلي التعزير قال في الخلاف: القول قول القاذف، لأصالة
البراءة (2).
وقال في المبسوط: إن علم أنه حر أو عبد فأعتق قبل القذف فعليه الحد،
وإن علم أنه مملوك عزر، وإن جهل قال قوم: القول قول القاذف، لأصالة البراءة،
وقال آخرون: القول قول المقذوف، لأصالة الحرية، وهما جميعا قويان (3). وهذا
يدل على تردده، وقوله في الخلاف أقوى.
مسألة: قال المفيد - رحمه الله -: إذا قذف ذمي ذميا بالزنا واللواط وترافعا إلى
سلطان الإسلام أدب القاذف، ولم يجده كحد قاذف أهل الإسلام (4). وتبعه
ابن إدريس (5).
وقال أبو الصلاح: إن كان القاذف ذميا لذمي أو ذمية ترافعا إلى حاكم
المسلمين، فعليه أن يجلده كما يجلده المسلم للمسلم (6). وهو الأقوى.
لنا: الآية وهي قوله تعالى: (فإن جاؤوك فاحكم بينهم... الآية) (7).
ولأنهم إذا تحاكموا إلينا أجرينا عليهم أحكام المسلمين.
وقول المفيد - رحمه الله - ليس بعيدا من الصواب، لأن الذمي لا يجب بقذفه

(1) الإستبصار: ج 4 ص 232 ذيل الحديث 871.
(2) الخلاف: ج 5 ص 407 المسألة 52.
(3) المبسوط: ج 8 ص 17.
(4) المقنعة: ص 797 - 798.
(5) السرائر: ج 3 ص 530.
(6) الكافي في الفقه: ص 414.
(7) المائدة: 42.
266

الحد بل التعزير، ولا فرق بين أن يكون القاذف مسلما أو كافرا.
مسألة: إذا قال له: يا فاسق قال الشيخان: إنه يوجب التأديب لا
الحد (1).
وقال أبو الصلاح: والكناية المفيدة يا قحبة أو يا فاجرة أو يا عاهرة أو يا
فاجر أو يا عاهر أو يا فاسق أو يا فاسقة أو يا مواجر أو يا علق أو يا مأبون أو يا
قرنان أو يا كشخان أو يا ديوث أو غير ذلك من الألفاظ الموضوعة، لكون
الموصوف بها زانيا أو لائطا أو ملوطا به (2).
والأقرب ما ذهب إليه الشيخان، لأصالة البراءة، ولأنه قد يستعمل دائما
في غير الزنا، وكذا عندي الأقرب في يا فاجر أو يا فاجرة التعزير دون الحد.
مع أنه قال بعد ذلك: إن قوله: يا فاسق يوجب التعزير (3).
مسألة: قال الشيخان: إذا قال له: يا ابن الزانية أو يا أخا الزانية أو يا أبا
الزانية فالمطالبة بالحد للمنسوب إليه الزنا إن كان حيا، وإلا فلوارثه (4). وهو
المشهور.
وقال أبو الصلاح: إن كان القذف مقصودا به استخفاف المخاطب وسب
غيره صريحا أو كناية - كقوله: يا ابن الزانية أو أخا الزانية أو أبا الزانية أو
يا قرنان أو يا كشخان - في كون ذلك استخفافا بالمخاطب وسبا لأمه أو بنته أو
أخته أو زوجته فالولاية لهما، فإن مات أحدهما قام وارثه في ذلك مقامه (5).
لنا: أصالة البراءة.

(1) المقنعة: ص 796، النهاية ونكتها: ج 3 ص 351.
(2) الكافي في الفقه: ص 414.
(3) الكافي في الفقه: ص 418.
(4) المقنعة: ص 793 - 794، النهاية ونكتها: ج 3 ص 339 - 340.
(5) الكافي في الفقه: ص 415 - 416.
267

ولأن جهة السب منسوبة إلى غير المخاطب، فلا يتعلق بالمخاطب ولاية
الاستيفاء.
مسألة: قال أبو الصلاح: إن مات المقذوف وليس له ولي فعلى سلطان
الإسلام الأخذ بحقه، وليس له العفو (1).
وعندي في ذلك إشكال، إذ ليس المطالبة هنا باعتبار الميراث، فإن
الزوجين لا ميراث لهما في الحد، وإنما يرثه الأقارب، والمستحق قد مات
فانقطعت تعلقاته.
مسألة: قال أبو الصلاح: ويعزر مالك الأمة إذا أكرهها على البغاء وتحد
هي، وعد أيضا في ما يوجب التعزير: والأمة إذا ادعت إكراه السيد لها على
السحق، والعبد المفعول به إذا ادعي إكراه السيد له على التلوط به (2).
والوجه عدم الحد في المكرهة على البغاة، وعدم التعزير للأمة والعبد إذا
ادعيا إكراه الموليين لهما للعذر المسقط للعقوبة وهو الإكراه.
مسألة: المشهور أن المولى إذا وطأ المكاتبة بعد ما تحرر بعضها سقط من الحد
بقدر نصيبه وحد بنصيب الحرية، وإذا وطأ الأمة المشتركة حد بقدر نصيب
الشريك فيها.
وقال أبو الصلاح: ويعزر واطئ الأمة المشتركة بالابتياع أو الغنيمة،
والأمة المكاتبة إذا تحرر بعضها (3).
لنا: أن المقتضى للحد موجود سقط نصيبه منها، لعدم تحقق المقتضي فيه،
فيبقى الباقي على الأصل.
مسألة: أوجب ابن الجنيد الحد في قول الرجل للمرأة: يا سحاقة، أو قال
.

(1) الكافي في الفقه: ص 416.
(2) الكافي في الفقه: ص 417.
(3) الكافي في الفقه: ص 417
268

لرجل آخر: زنيت بشئ من الحيوان، أو يا لوطي بحمار.
وقال أبو الصلاح: لو قال له أتيت بهيمة أو قال للمرأة: يا سحاقة وجب
التعزير (1). وهو الأقرب، لأصالة البراءة.
مسألة: قال أبو الصلاح: التعزير لما يناسب القذف من التعريض والنبز
والتلقب من ثلاثة أسواط إلى تسعة وسبعين، ولما عدا ذلك من ثلاثة إلى تسعة
وتسعين (2).
وقال ابن حمزة: الحد في القذف ثمانون، والتعزير ما بين العشرة إلى
العشرين (3).
والوجه ما قاله الشيخ - رحمه الله -: من أن تعزير كل صنف من موجبات
الحد أقل من حد ذلك (4) الصنف، لورود النص (5) بأنه لا يبلغ بالتعزير الحد.
مسألة: قال الشيخ: ومن قال لولد الزنا الذي أقيم على أمه الحد بالزنا: يا
ولد الزنا أو زنت بك أمك لم يكن عليه الحد تاما وكان عليه التعزير، فإن
كانت أمه قد تابت وأظهرت التوبة كان عليه الحد تاما (6)، وأطلق. وتبعه ابن
البراج (7).
وقال ابن الجنيد، وكذلك أي: يجب عليه الحد لكل نكاح دارئ فيه
الحد، أو للقيط، أو لابن المحدودة إذا جاءت تائبة، أو مقرة فأقيم عليها الحد.
وهو جيد، لأن إقرارها واعترافها وإقامة الحد عليها بسببه توبة منها وندم، فالحق
بالتائبة، ولا منافاة في الحقيقة، ولا خلاف بين الكلامين.

(1) الكافي في الفقه: ص 418.
(2) الكافي في الفقه: ص 420.
(3) الوسيلة: ص 424، مع اختلاف.
(4) المبسوط: ج 8 ص 69.
(5) الكافي: ج 7 ص 241 ح 5، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الحدود ح 1 ج 18 ص 584.
(6) النهاية ونكتها: ج 3 ص 346، مع اختلاف.
(7) المهذب: ج 2 ص 549.
269

كتاب القصاص والديات
271

كتاب القصاص والديات
وفيه فصول:
الأول: في أقسام القتل
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا قتل مسلما في دار الحرب قاصدا لقتله
ولم يعلمه بعينه وإنما ظنه كافرا فلا دية عليه، وليس عليه أكثر من الكفارة (1).
وقال ابن إدريس: الذي يقوى في نفسي ويقتضيه أصول مذهبنا أن عليه
الدية والكفارة معا (2).
والوجه الأول.
لنا: قوله تعالى: (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة
مؤمنة) (3) دل الاقتصار بمفهومه على سقوط الدية وخصوصا مفهوم الشرط، فإن
الاقتصار في الجزاء يدل على الاكتفاء به، وقد تأكد ذلك بأنه تعالى ذكر الدية
في موضعين قبل ذلك وبعده، وذكر الكفارة أيضا قبل ذلك وبعده، فلو وجبت
الدية لتساوت الأحكام في مسائل الثلاث، لكنه تعالى خالف بينها، فجعل في

(1) الخلاف: ج 5 ص 320 المسألة 3.
(2) السرائر: ج 3 ص 320.
(3) النساء: 92.
273

قتل المؤمن خطأ دية وكفارة، وجعل في قتل المؤمن بين المعاهدين دية وكفارة،
وذكر حكم المؤمن بين أهل الحرب متوسطا بين الحكمين واقتصر فيه على
الكفارة، ولأصالة البراءة، وللحاجة إلى قتله للإذن في قتل الكفار والمعول في
ذلك على الظن، فلا يناسب العقوبة بإيجاب الدية.
احتج ابن إدريس بقوله - عليه السلام -: " لا يطل دم امرئ مسلم " وقوله
- عليه السلام -: " في النفس مائة من الإبل " (1).
والجواب: الآية أخص فتعين (2) العمل بها، وتخصيص أدلتهم العامة بها.
مسألة: المشهور عند علمائنا أن الواجب بالأصالة في قتل العمد القود،
والدية إنما تثبت صلحا، فإن اختار ولي المقتول القود كان له ذلك، وإن اختار
الدية لم يكن له ذلك إلا برضى القاتل، فإن دفع نفسه للقود لم يكن للولي
غيره، اختاره الشيخان (3)، وأبو الصلاح (4)، وسلار (5)، وهو قول الأكثر.
وقال ابن الجنيد: ولولي المقتول عمدا الخيار بين أن يستفيد أو يأخذ الدية
أو يعفو عن الجناية، ولو شاء الولي أخذ الدية وامتنع القاتل من ذلك وبذل
نفسه للقود كان الخيار إلى الولي، ولو هرب القاتل فشاء الولي أخذ الدية من
ماله حكم بها له، وكذلك القول في جراح العمد، وليس عفو الولي والمجني عليه
من القود مسقطا حقه من الدية.
وقال ابن أبي عقيل: فإن عفا الأولياء عن القود لم يقتل وكانت عليه الدية
لهم جميعا.
لنا: قوله تعالى: (النفس بالنفس) (6) وقوله تعالى: (والجروح

(1) السرائر: ج 3 ص 320 - 321.
(2) في الطبعة الحجرية: فيتعين.
(3) المقنعة: ص 735، النهاية ونكتها: ج 3 ص 360.
(4) الكافي في الفقه: ص 391 - 392.
(5) المراسم: ص 236.
(6) المائدة: 45.
274

قصاص (1) وعموم قوله تعالى: (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم) (2)
وقوله تعالى: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر) (3).
وما رواه جميل بن دراج، عن بعض أصحابه، عن أحدهما - عليهما السلام -
قال: العمد كلما عمد به الضرب ففيه القود (4).
وفي الصحيح عن الحلبي وعبد الله بن سنان جميعا، عن الصادق
- عليه السلام - قال: سمعته يقول: من قتل مؤمنا متعمدا قيد به، إلا أن يرضى
أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية اثنا
عشرا ألفا... الحديث (5).
ولأنه متلف يجب به البدل من جنسه، فلم يجز العدول إلى غير جنسه، إلا
بالتراضي كسائر المتلفات.
احتجوا بأن فيه إسقاط بعض الحق، فلم يكن لمن عليه الحق الامتناع كما
في الدين.
وما رواه الفضيل، عن الصادق - عليه السلام - قال: والعمد هو القود أو
رضي ولي المقتول (6).
والجواب: نمنع أنه إسقاط محض، بل هو نوع معاوضة، فافتقرت إلى رضى

(1) المائدة: 45.
(2) البقرة: 194.
(3) البقرة: 178.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 155 - 156 ح 623، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب قصاص النفس
ح 6 ج 19 ص 25، وفيهما: " قال قتل العمد ".
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 159 ح 638، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب قصاص النفس ح 3
ج 19 ص 37 - 38، وفيهما: " قيد منه إلا أن يرضى ".
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 247 ذيل الحديث 977، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ديات النفس
ذيل الحديث 13 ج 19 ص 145.
275

الغريمين كما في المعاوضات، ونقول: بالموجب في الحديث، فإن الواجب له إما
القود إن طلب الأصل أو رضاه إن طلب الدية مع موافقة الجاني.
مسألة: لا خلاف في أنه يجب بالقتل خطأ الدية ومن أصنافها الإبل وهي
مائة إجماعا، وإنما الخلاف في الأسنان.
فقال الشيخان (1)، وابن الجنيد، والصدوق (2): إنها عشرون منها بنت
مخاض وعشرون منها ابن لبون ذكر، وثلاثون منها بنت لبون أنثى، وثلاثون منها
حقة.
قال في النهاية: وقد روي أن خمسا وعشرين منها بنت مخاض، وخمسا
وعشرين منها بنت لبون، وخمسا وعشرين حقة، وخمسا وعشرين جذعة (3).
وبقول الشيخين قال أبو الصلاح (4)، وسلار (5)، وابن البراج (6)، وابن زهرة (7)،
ونقلا الرواية التي ذكرها الشيخ في النهاية.
وقال ابن حمزة: يجب أرباعا من الجذاع والحقاق وبنات لبون وبنات
مخاض (8).
وقال ابن أبي عقيل: الدية في العمد والخطأ سواء، على أهل الورق عشرة
آلاف قيمة كل عشرة دراهم دينار، وعلى أهل العين ألف دينار، وعلى أهل
الإبل والبقر والغنم من أي صنف كان قيمته عشرة آلاف درهم، وأطلق.
وللشيخ قول آخر في المبسوط أنه يجب أخماسا: عشرون بنت مخاض،
وعشرون ابن لبون ذكر، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون

(1) المقنعة: ص 735، والنهاية ونكتها: ج 3 ص 369.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 105.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 369.
(4) الكافي في الفقه: ص 392.
(5) المراسم: ص 239.
(6) المهذب: ج 2 ص 458.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 558 س 27.
(8) الوسيلة: ص 441.
276

جذعة (1). وهي جميع أسنان الزكاة.
وجعله في الخلاف (2) رواية، وهو اختيار ابن إدريس (3).
والمعتمد الأول.
لنا: ما رواه ابن سنان في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سمعته يقول: قال أمير المؤمنين - عليه السلام -: في الخطأ شبيه العمد أن يقتل
بالسوط أو بالعصا أو بالحجر، أن دية ذلك تغلظ، وهي مائة من الإبل، منها:
أربعون خلفة بين ثنية إلى بازل عامها، وثلاثون حقة، وثلاثون بنت لبون.
والخطأ يكون فيه ثلاثون حقة، وثلاثون بنت لبون، وعشرون بنت مخاض،
وعشرون ابن لبون ذكر، وقيمته كل بعير من الورق مائة وعشرون درهما أو
عشرة دنانير، ومن الغنم قيمة كل ناب من الإبل عشرون شاة (4).
ولأنه أشهر بين الأصحاب، فظن العمل به أقوى.
احتج ابن حمزة بما رواه العلاء بن الفضيل، عن الصادق - عليه السلام -
قال: في قتل الخطأ مائة من الإبل أو ألف من الغنم أو عشرة آلاف درهم أو
ألف دينار، فإن كانت الإبل فخمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون
بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة (5).
والجواب: روايتنا أصح طريقا وأشهر بين الأصحاب.

(1) المبسوط: ج 7 ص 115.
(2) الخلاف: ج 5 ص 225 المسألة 9.
(3) السرائر: ج 3 ص 322.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 159 ح 635 وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ديات النفس ح 1 ج 19
ص 146، وفيهما: " وثلاثون ابنة لبون ".
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 158 ح 634، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ديات النفس ح 13
ج 19 ص 145.
277

مسألة: المشهور بين علمائنا أن دية الخطأ تجب على العاقلة ابتداء، ولا يرجع
بها على القاتل، سواء كان موسرا أو معسرا، اختاره الشيخ في كتبه، وابن
البراج (1)، وأبو الصلاح (2).
قال الشيخ في الخلاف (3) والمبسوط (4): الدية في قتل الخطأ تجب ابتداء
على العاقلة، وفي أصحابنا من قال: ترجع العاقلة على القاتل بها، ولا أعرف به
نصا.
وقال ابن الجنيد: لا أعلام خلافا في أن دية المقتول خطأ إذا قامت بالقتل
البينة على عاقلة القاتل، سواء كان القاتل ذا مال أو معدما. ثم قال: ولا
يدخل الجاني في ضمان دية من قتله خطأ مع عاقلته.
وقال ابن إدريس: دية الخطأ على العاقلة ولا يرجع العاقلة بها على القاتل،
سواء كان في حال الأداء موسرا أو معسرا، وذهب شيخنا المفيد إلى أن العاقلة
ترجع بها على القاتل. قال: وهذا خلاف إجماع الأمة (5).
وهذا جهل من ابن إدريس وتخطئه لشيخنا الأعظم، مع أنه الأصل في
إنشاء المذهب وتقريره، والعارف بمذاهب الناس والمجمع عليه والمختلف فيه،
القيم بالأصولين، المهذب لهما، الباحث مع الخصوم العالم بما يجوز له فيه المخالفة
والموافقة. مع أن هذا القائل الجاهل إنما يعتد بإجماع الطائفة، ويعتقد رئاسة
شيخنا المفيد، وأنه رأس هذه الطائفة، وأول من أظهر علم الإمامية وفقه آل
محمد - عليه السلام - بعد السلف.
وسلار (6) رحمه الله - ذهب إلى ما ذهب إليه شيخنا (7) المفيد أيضا.

(1) المهذب: ج 2 ص 502.
(2) الكافي في الفقه: ص 392.
(3) الخلاف: ج 5 ص 285 المسألة 108.
(4) المبسوط: ج 7 ص 174 و 175.
(5) السرائر: ج 3 ص 322، مع اختلاف.
(6) المراسم: ص 239.
(7) المقنعة: ص 737.
278

ولا بعد فيه، بل فيه أيضا الجمع بين المعقول والمنقول، فإن الإجماع لما دل
على تضمين العاقلة والعقل لما دل على أن العقوبة إنما يجب على الجاني جمع
شيخنا المفيد بذهنه الثاقب وفكره الصائب بين الدليلين، وألزم العاقلة ضمان
الدية لدلالة الإجماع عليه، وجعل لها الرجوع على الجاني تعويلا على دليل
العقل. وشيخنا أبو جعفر الطوسي - رحمه الله - أصاب حيث قال: لست أعرف
به نصا، فإنه لا يقتضي نسبة شيخنا إلى تخطئة وتغليظ ومخالفة للإجماع، فإن
عدم معرفته لا يستلزم عدم النص، فلعل شيخنا المفيد وقف عليه أو عول على
دليل قاده العقل إليه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: دية العمد مائة من مسان الإبل، ودية شبيه
العمد ثلاث وثلاثون منها بنت لبون وثلاث وثلاثون حقة وأربع وثلاثون منها
خلفة، كلها طروقة الفحل. وقد روي أنها يكون أثلاثا: ثلاثون منها بنت
مخاض، وثلاثون بنت لبون، وأربعون خلفة كلها طروقة الفحل (1). وكذا في
الخلاف (2)، وهو قول ابن حمزة (3).
وفي المبسوط: ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة حوامل (4)، والمعتبر
الحامل في الدية ولا يختص بسن، وقال بعضهم: يكون ثنايا (5).
وقال المفيد: في الخطأ شبيه العمد مائة من الإبل منها: ثلاث وثلاثون حقة
وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية، كلها طروقة الفحل، وفي العمد مائة
من مسان الإبل (6). وبه قال سلار (7).
وقال ابن الجنيد: أسنان دية الخطأ شبيه العمد أربعون خلفة بين ثنية إلى

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 364 و 370، وفيه: " وثلاثون منها بنت لبون ".
(2) الخلاف: ج 5 ص 219 و 221 المسألة 3.
(3) الوسيلة: ص 441.
(4) ليس في المصدر.
(5) المبسوط: ج 7 ص 116.
(6) المقنعة: ص 735.
(7) المراسم: ص 239.
279

بازل عامها وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون، ودية العمد ثلاث حقاق وثلاث
جذاع وثلاث ما بين ثني إلى بازل عامها حوامل.
والصدوق نقل ما ذكره ابن الجنيد في دية شبيه العمد عن علي
- عليه السلام - في المقنع (1).
وقال أبو الصلاح: دية شبيه العمد (2) كقول المفيد، إلا أنه لم يذكر أنها
طروقة الفحل.
وقال ابن البراج: دية شبيه العمد ثلاث وثلاثون بنت لبون وثلاث
وثلاثون حقة وأربع وثلاثون خلفة، كلها تتمخض بأولادها (3)، والكل
متقارب لا خلاف طائل تحته، ومع ذلك فالرواية الصحيحة دلت على ما قاله
ابن الجنيد.
وروي ابن سنان في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال: قال أمير
المؤمنين - عليه السلام - في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو
بالحجر أن دية ذلك تغلظ وهي مائة من الإبل منها: أربعون خلفة بين ثنية إلى
بازل عامها وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون (4).
وفي رواية أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: ودية المغلظة التي
تشبه العمد وليست بعمد أفضل من دية الخطأ بأسنان الإبل: ثلاث (5) وثلاثون
حقة وثلاث (6) وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية، كلها طروقة الفحل (7).

(1) المقنع: ص 182.
(2) الكافي في الفقه: ص 392.
(3) المهذب: ج 2 ص 458 - 459.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 158 - 159 ح 635، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ديات النفس
ح 1 ج 19 ص 146.
(5) في المصدر: ثلاثة.
(6) في المصدر: ثلاثة.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 158 ح 633، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ديات النفس ح 4 ج 19
ص 147.
280

وفي رواية العلاء بن الفضيل، عن الصادق - عليه السلام - قال: ثلاث
وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة، كلها طروقة
الفحل (1).
وفي الأولى علي بن أبي حمزة، وفي الثانية محمد بن سنان، فالتعويل على ما
روينا نحن أولا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: يلزم دية العمد في مال القاتل خاصة ولا
تؤخذ من غيره، فإن لم يكن له مال فليس لأولياء المقتول إلا نفسه، فإما أن
يقيدوه بصاحبهم أو يعفوا عنه أو يمهلوه إلى أن يوسع الله عليه. ودية العمد
تستأدى في سنة واحدة، ودية الخطأ في ثلاث سنين، ودية شبيه العمد يلزم
القاتل نفسه في ماله، فإن لم يكن له مال استسعى فيها أو يكون في ذمته إلى أن
يوسع الله عليه، وقال بعض أصحابنا: إنها تستأدى في سنتين (2). وهو يشعر
بتردده في ذلك، وتبعه ابن البراج (3).
وقال في الخلاف: تستأدى دية شبيه العمد في سنة، ودية العمد حالة (4).
وفي المبسوط: عندنا تؤخذ في سنتين (5).
وقال المفيد: تستأدى دية العمد في سنة، ودية الخطأ شبيه العمد في
سنتين، ودية الخطأ المحض في ثلاث سنين (6). وتبعه سلار (7)، وأبو الصلاح (8)،
وهو المشهور.
وروي أبو ولاد، عن الصادق - عليه السلام - قال: كان علي، عليه السلام -

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 158 ح 634، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ديات النفس ح 13
ج 19 ص 145.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 364 و 369 و 370.
(3) المهذب: ج 2 ص 457 و 458 و 459.
(4) الخلاف: ج 5 ص 220 المسألة 4 و 5.
(5) المبسوط: ج 7 ص 115.
(6) المقنعة: ص 735 و 736.
(7) المراسم: ص 236 و 239.
(8) الكافي في الفقه: ص 391 و 392.
281

يقول: تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين، وتستأدى دية العمد في سنة (1).
وكما ظهر التفاوت بين الخطأ والعمد في الأجل لتفاوت الجناية فيهما وجب
أن يظهر التفاوت في الأجل بالنسبة إليهما وإلي الخطأ شبيه العمد، لوجود
المقتضى، عملا بالمناسبة فتستأدى في سنتين، فإن الجناية هنا أخف من العمد
فكانت أخف في الأجل، وأثقل من الخطأ المحض فكانت أثقل في الأجل.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى كان القاتل غير بالغ وحده عشر سنين
فصاعدا أو يكون مع بلوغه زائل العقل فإن قتلهما وإن كان عمدا فحكمه حكم
الخطأ المحض (2).
وقال في المبسوط: الذي يقتضيه عموم أخبارنا أن المراهق إذا كان جاز
عشر سنين فإنه يجب عليه القود، وإن عمده عمد (3).
وقال الصدوق: إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه وله (4).
وقال المفيد: إذا بلغ الصبي خمسة أشبار اقتص منه (5).
وقال ابن إدريس: قوله: " حده عشر سنين " رواية شاذة لا يلتفت إليها
ولا يعرج عليها، لأنها مخالفة لأصول المذهب وظاهر القرآن والسنة، لقوله
- عليه السلام -: " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم " وقد رجع شيخنا
عن ذلك في مبسوطه ومسائل خلافه (6).
وقول ابن إدريس جيد، لأن مناط القصاص إنما هو البلوغ والعقل، والأول
منفي، فلا يثبت الحكم به.

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 162 ح 646، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ديات النفس ح 1 ج 19
ص 151.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 358 - 359، مع اختلاف.
(3) المبسوط: ج 7 ص 44.
(4) المقنع: ص 186.
(5) المقنعة: ص 748.
(6) السرائر: ج 3 ص 325.
282

والشيخ - رحمه الله - حيث روى عن أبي بصير، عن الباقر - عليه السلام - أنه
سئل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلا خطأ، فقال: إن خطأ المرأة والغلام
عمد، فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما ويردوا على أولياء الغلام
خمسة آلاف درهم، وإن أحبوا أن يقتلوا الغلام قتلوه وترد المرأة على مولى الغلام
ربع الدية، قال: وإن أحب أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كان على الغلام
نصف الدية وعلى المرأة نصف الدية (1).
وحمل هذه الرواية على أنه يكون خطأهما عمدا ما يعتقده بعض المخالفين أنه
خطأ وإن كان عمدا، لأن فيهم من يقول: إن من قتل غيره بغير حديد كان
ذلك خطأ ويسقط القود ويكون المعنى في قوله - عليه السلام - " لم يدرك " يعني:
حد الكمال، لأنه إذا بلغ خمسة أشبار اقتص منه أو بلغ عشر سنين (2).
لما رواه السكوني، عن الصادق - عليه السلام - قال: قال أمير المؤمنين
- عليه السلام -: في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه، فقال أمير المؤمنين
- عليه السلام -: إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه، وإذا لم يكن بلغ خمسة
أشبار قضي بالدية (3).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وأولياء المقتول هم الذين يرثون ديته، سوى
الزوج والزوجة فقد ذكرناهم في باب المواريث، ويكون للجميع المطالبة بالقود،
ولهم المطالبة بالدية، ولهم العفو على الاجتماع والانفراد، ذكرا كان أو أنثى
على الترتيب الذي رتبناه، وإذا مات ولي الدم قام ولده مقامه في المطالبة بالدم،

(1) الإستبصار: ج 4 ص 286 ح 1084، وليس فيه: " عن أبي بصير "، وسائل الشيعة: ب 34 في أبواب
القصاص في النفس ح 1 ج 19 ص 64.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 286 و 287 ذيل الحديث 1084.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 287 ح 1085، وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب القصاص في النفس ح 1
ج 19 ص 66.
283

والزوج والزوجة ليس لهما غير سهمهما من الدية إن قبلها أولياء المقتول، أو العفو
عنه بمقدار ما يصيبهما من الميراث، وليس لهما المطالبة بالقود. ومن ليس له من
الدية شئ من الإخوة والأخوات من الأم من يتقرب من جهتها فليس لهم
المطالبة بالدم ولا الدية (1).
وقال أبو الصلاح: أولياء المقتول من (2) عدا كلالة الأم من الإخوة
والأخوات (3) وأولادهم (4).
وقال شيخنا المفيد: ويؤخذ دية الخطأ من عاقلة القاتل: وهم عصبة
الرجال دون النساء، ولا يؤخذ من إخوته لأمه منها شئ ولا من أخواله، لأنه
لو قتل وأخذت ديته ما استحق إخوته لأمه وأخواله منها شيئا، فلذلك لم يكن
عليهم منها شئ (5).
وقال في الخلاف: الدية يرثها الأولاد، ذكورا كانوا أو إناثا، للذكر مثل
حظ الأنثيين، وكذلك الوالدان، ولا يرث الإخوة والأخوات من قبل الأم منها
شيئا، ولا الإخوة والأخوات من قبل الأب، وإنما يرثها بعد الوالدين والأولاد
الإخوة من قبل الأب والأم أو العمومة، فإن لم يكن واحد منهم وكان هناك
مولى كانت الدية له، فإن لم يكن هناك مولى كان ميراثه للإمام، والزوج
والزوجة يرثان من الدية، وكل من يرث الدية يرث القصاص، إلا الزوج
والزوجة فإنه ليس لهما من القصاص شئ على حال (6).
وقال في المبسوط: وأما الكلام في القصاص وهو إذا قتل عمدا محضا فإنه
كالدية في الميراث يرثه من يرثها، فالدية يرثها من يرث المال، والقود يرثه من

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 363.
(2) في المصدر: المقتول وهم من.
(3) في المصدر: الأخوال.
(4) الكافي في الفقه: ص 389.
(5) المقنعة: ص 735.
(6) الخلاف: ج 5 ص 178 المسألة 41.
284

يرث الدية والمال معا، هذا مذهب الأكثر، وقال قوم: يرثه العصبات من
الرجال دون النساء، وفيه خلاف، والأقوى عندي الأول، وإن كان الثاني قد
ذهب إليه جماعة من أصحابنا، وذكرناه نحن في النهاية ومختصر الفرائض. فأما
الزوج والزوجة فلا خلاف بين أصحابنا أنه لاحظ لهما في القصاص، ولهما
نصيبهما من الميراث من الدية (1).
وقال ابن إدريس: الذي أعول عليه وأفتي به القول الذي قواه شيخنا في
مبسوطه دون ما ذكره في نهايته، لأنه موافق لأصول مذهبنا، يعضده ظاهر
القرآن من قوله تعالى: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فلا
يرجع عن كتاب الله بأخبار آحاد التي لا توجب علما ولا عملا، وهي أيضا
معارضة بأخبار مثلها، والإجماع فغير منعقد على ما ذكره في نهايته، فإذا لم يكن
على المسألة إجماع فالتمسك فيها بكتاب الله تعالى هو الواجب، وذهب شيخنا في
الجزء الثالث من الاستبصار إلى أن النساء لا عفو لهن ولا قصاص، وما ذكره
في نهايته ومبسوطه هو الصحيح (2).
والمعتمد ما قاله الشيخ في المبسوط، لعموم الآية (3).
واحتج الشيخ على قوله في المبسوط بما رواه أبو العباس، عن الصادق
- عليه السلام - قال: ليس للنساء عفو ولا قود (4).
والجواب: المنع من صحة السند.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى هرب القاتل عمدا ولم يقدر عليه إلى أن

(1) المبسوط: ج 7 ص 54.
(2) السرائر: ج 3 ص 328.
(3) الأنفال: 75.
(4) تهذيب الأحكام: ج 7 ص 177 ح 692، وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب القصاص في النفس ح 1
ج 19 ص 87 - 88.
285

مات أخذت الدية من ماله، فإن لم يكن له مال أخذت من الأقرب فالأقرب
من أوليائه الذين يرثون ديته (1). وتبعه ابن البراج (2)، والسيد ابن زهرة وادعي
عليه الإجماع (3)، ونحوه قال أبو الصلاح (4).
وقال في الخلاف: إذا قتل رجل رجلا ووجب القود عليه فهلك القاتل
قبل أن يستقاد منه سقط القصاص إلى الدية، وبه قال الشافعي، وقال أبو
حنيفة: يسقط القصاص لا إلى بدل. دليلنا: قوله - عليه السلام -: " لا يطل دم
امرئ مسلم " فلو أسقطناه لا إلى بدل لأطللنا دمه، ولو قلنا بقول أبي حنيفة
لكان قويا، لأن الدية لا تثبت عندنا إلا بالتراضي بينهما وقد فات ذلك (5).
وهذا يدل على تردده في ذلك.
وقال في المبسوط: قال قوم: يسقط القود إلى غير مال، وهو الذي يقتضيه
مذهبنا (6).
وقال ابن إدريس: وقول الشيخ في النهاية غير واضح، لأنه خلاف الإجماع
وظاهر الكتاب والمتواتر من الأخبار وأصول المذهب، وهو أن موجب قتل العمد
القود دون الدية، فإذا فات محله وهو الرقبة فقد سقط لا إلى بدل وانتقاله إلى
مال الميت أو مال أوليائه حكم شرعي يحتاج مثبته إلى دليل شرعي، وقد رجع
شيخنا في مسائل خلافه (7).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 364 - 365 - 366.
(2) المهذب: ج 2 ص 457.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 558 س 28 - 29.
(4) الكافي في الفقه: ص 395.
(5) الخلاف: ج 5 ص 184 المسألة 50.
(6) المبسوط: ج 7 ص 53.
(7) السرائر: ج 3 ص 330، وليس فيه: " وقول الشيخ في النهاية ".
286

والمعتمد ما قاله الشيخ في النهاية، وهو قول ابن الجنيد.
لنا: قوله - عليه السلام -: " لا يطل دم امرئ مسلم " (1) وعموم قوله تعالى:
" ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا " (2).
وما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الباقر (3) - عليه السلام - في رجل قتل
رجلا عمدا ثم فر فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذ منه،
وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب (4).
وعن أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن رجل قتل رجلا
متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال: إن كان له مال أخذت الدية من
ماله، وإلا فمن الأقرب فالأقرب، فإنه لا يبطل دم امرئ مسلم (5).
ولأنه أخل بدفع الواجب عليه حتى تعذر فكان عليه البدل، فإذا مات
وجب أن يؤخذ من تركته، وإذا لم يكن له تركة أخذ من عاقلته الذين يرثون
الدية، لأنهم يأخذون ديته مع العفو على المال أو تعذر الاستيفاء بالقصاص
فكانت ديته عليهم كما في الخطأ.
ولأنهم يضمنون دية الخطأ، ولم يبطلها الشارع، حراسة للنفوس وحفظا لها
وزجرا عن القتل خطأ، فالعمد أولى بالحراسة والزجر عنه والمعاقبة عليه وأخذ
العوض فيه.

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 172 ذيل الحديث 675، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب العاقلة ذيل
الحديث 1 ج 19 ص 301.
(2) الإسراء: 33.
(3) كذا في النسخ، وفي التهذيب أبي جعفر، والمراد به الإمام الجواد ظاهرا.
تهذيب الأحكام: ج 10 ص 170 ح 672، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب العاقلة ح 3 ج 19
ص 303.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 170 ح 671، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب العاقلة ح 1 ج 19
ص 303.
287

وما ذكره ابن إدريس: " من أن قول شيخنا في النهاية مخالف للإجماع "
جهل منه وخطأ في القول، وحاشا شيخنا عن مخالفة الإجماع، مع أنه أعرف
بمواضعه منه، وأي أخبار تواترت له في ذلك حتى يخالفها شيخنا - رحمه الله - وأي
منافاة بين ما قلناه وبين أن الواجب القود، فإنا لو سلمنا له ذلك لم يلزم إبطال
ما اخترناه، فإن مفوت العوض مع مباشرة إتلاف المعوض ضامن للبدل.
والشيخ لم يرجع في الخلاف عن قوله في النهاية، بل صدر المسألة بما أفتى به
في الخلاف، ثم عقب في آخرها بقوله: ولو قلنا بقول أبي حنيفة كان قويا،
وليس في ذلك إفتاء بقوله، ثم مع ذلك كيف يدعي مخالفة الشيخ للإجماع وقد
أفتى بقوله جماعة من علمائنا؟!.
مسألة: تصح التوبة من قاتل العمد ويسقط بها حق الله تعالى دون حق
المقتول، وهي الآلام التي دخلت عليه بقتله، فإن تلك لا تصح التوبة منها،
سواء قتل مؤمنا متعمدا على إيمانه أو للأمور الدنيوية، وهو اختيار الشيخ في
المبسوط (1)، لقوله تعالى: (إلا من تاب) (2) وقوله تعالى: (يغفر الذنوب
جميعا) (3) وقوله تعالى: (غافر الذنب) (4).
ونقل ابن إدريس عن بعض علمائنا أنه لا تقبل توبته ولا يختار التوبة ولا
يوفق للتوبة، معتمدا على أخبار آحاد (5).
فإن قصد أنه لا يصح توبته مطلقا حتى من حق الله تعالى فليس بجيد، وإن
قصد أنه لا يصح توبته من حق المقتول فحق.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: في الناس من قال: قاتل العمد إنما يجب

(1) المبسوط: ج 7 كتاب الجراح ص 4.
(2) مريم: 60.
(3) الزمر: 53.
(4) غافر: 3.
(5) السرائر: ج 3 ص 331.
288

عليه الكفارة إذا أخذت منه الدية، فأما إذا قتل قودا فلا كفارة عليه، وهو
الذي يقتضيه مذهبنا (1).
وتبعه ابن إدريس، واستدل عليه بأن من جملة الكفارة الصوم، فإذا قتل
من يصوم عنه (2)؟
وقال ابن البراج: فإن لم يقيدوه بصاحبهم كان عليه بعد التوبة الكفارة (3).
وهو يشعر بموافقة الشيخ.
والوجه عندي وجوب الكفارة، سواء قتل أولا، لوجود المقتضي، وقضاء
الصوم هنا كقضاء الصوم الواجب على الميت.
وقول المفيد: (وكفارة قتل العمد إذا أدى القاتل الدية عتق رقبة وصيام
شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا) (4) ليس صريحا في اشتراط أخذ الدية
في وجوب الكفارة، بل هذا القيد للأغلبية.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ودية الخطأ تلزم العاقلة الذين يرثون دية
القاتل إن لو قتل، ولا يلزم من لا يرث من ديته شيئا على حال (5).
وقال في المبسوط (6) والخلاف (7): العاقلة كل عصبة خرجت عن الوالدين
والمولودين وهم: الإخوة وأبناؤهم إن كانوا من جهة أب وأم، أو من جهة أب
والأعمام وأبناؤهم، وأعمام الأب وأبناؤهم والموالي. وتبعه ابن البراج (8).
وقال المفيد: تؤخذ دية الخطأ من عاقلة القاتل، وهم عصبة الرجال دون
النساء، ولا يؤخذ من إخوته لأمه منها شئ ولا من أخواله، لأنه لو قتل

(1) المبسوط: ج 7 ص 246.
(2) السرائر: ج 3 ص 331.
(3) المهذب: ج 2 ص 457.
(4) المقنعة: ص 746.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 366، وفيه: " وأما دية الخطأ فإنها تلزم ".
(6) المبسوط: ج 7 ص 173.
(7) الخلاف: ج 5 ص 227 المسألة 98.
(8) المهذب: ج 2 ص 503.
289

وأخذت ديته ما استحق إخوته لأمه وأخواله منها شيئا فلذلك لم يكن عليهم
شئ (1).
وقال ابن الجنيد: العاقلة هم المستحقون لميراث القاتل من الرجال
العقلاء، سواء كانوا من قبل أبيه أو أمه، فإن تساوت القرابتان كالإخوة للأب
والإخوة للأم كان على الإخوة للأب الثلثان وعلى الإخوة للأم الثلث، ولا يلزم
ولد الابن (2) شيئا إلا بعد عدم الولد والأب، ولا يلزم ولد الجدين شيئا إلا بعد
عدم الولد والأبوين، وعلى هذا فإن عدمت قرابة النسب كانت على الموالي
عتاقة، فإن عدموا كان على الموالي علاقة.
وقال ابن إدريس: دية الخطأ تلزم العاقلة وهي تلزم العصبات من
الرجال، سواء كان وارثا أو غير وارث الأقرب فالأقرب، ثم نقل كلام الشيخ
في النهاية والخلاف، ونسب ما اختاره الشيخ في الخلاف إلى أنه قول الشافعي،
وما ذكره في النهاية هو أخبارنا وروايتنا (3).
وقال أبو الصلاح: عاقلة الحر عصبته وعاقلة الرقيق مالكه (4). والمشهور بين
الأصحاب خيرة المفيد وابن الجنيد احتج برواية سلمة بن كهيل، عن
أمير المؤمنين - عليه السلام - لما أتي بقاتل من أهل الموصل فكتب إلى عامله بها
وقال في الكتاب: وسل عن قرابته من المسلمين فإن كان من أصل الموصل ممن
ولد بها وأصبت له قرابة من المسلمين فأجمعهم إليك، ثم انظر فإن كان هناك
رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية

(1) المقنعة: ص 735، وفيه: " تؤخذ من إخوته ".
(2) في نسخة: م 3 الأب.
(3) السرائر: ج 3 ص 331 - 332.
(4) الكافي في الفقه: ص 392، وفيه: " عاقلة الحر المسلم عصبته ".
290

وخذه بها في ثلاث سنين وإن لم يكن له من قرابته أحد له سهم في الكتاب
وكانوا قرابته سواء في النسب، ففض الدية على قرابته من قبل أبيه وعلى قرابته
من قبل أمه من الرجال المدركين المسلمين، ثم اجعل على قرابته من قبل أبيه
ثلثي الدية واجعل على قرابته من قبل أمه ثلث الدية... الحديث (1). وفي سلمة
ضعف، فالأولى الاعتماد على الشهرة.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: الذي يقتضيه مذهبنا ألا يقدر ذلك - يعني:
ما يتحمله العاقلة الغنى والمتجمل - بل يقسم الإمام على ما يراه من حاله من
الغنى والفقر، وأن يفرقه على القريب والبعيد، وإن قلنا: يقدم الأولى فالأولى
كان قويا، لقوله تعالى: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) (2). وقال أيضا
في هذا الكتاب قبل ذلك بقليل: وأكثر ما يحمله كل رجل من العاقلة نصف
دينار إن كان موسرا وربع دينار إن كان متجملا، لأن هذا القدر لا خلاف
فيه، وما زاد عليه ليس عليه دليل، والأصل براءة الذمة (3). وتبعه ابن
البراج (4) في الأخير.
وقال في الخلاف: مسألة: قال الشافعي: لا يحمل كل واحد من العاقلة
أكثر من نصف دينار إن كان مؤسرا وربع دينار إن كان معسرا، ويؤخذ
الأقرب فالأقرب، وكل ما أخذت من الأقرب وفضل من الدية شئ أخذت
من الذين يلونهم على ترتيب الميراث، فإذا لم يبق أحد من العاقلة وبقي من الدية
كانت من بيت المال، وعندنا أنها تؤخذ جميعها منهم، ويؤخذ منهم على قدر
أحوالهم وما لا يجحف ببعضهم ويشترك البعيد والقريب في ذلك (5).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 171 ح 675، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب العاقلة ح 1 ج 19
ص 301.
(2) المبسوط: ج 7 ص 178، وفيه: " بل يقسمه ".
(3) المبسوط: ج 7 ص 174.
(4) المهذب: ج 2 ص 504.
(5) الخلاف: ج 5 ص 279 المسألة 100، وفيه: " ويستوى البعيد ".
291

ثم قال بعد ذلك بمسائل قليلة: مسألة الموسر عليه نصف دينار والمتوسط
ربع دينار ويوزع على الأقرب فالأقرب حتى تنفذ العاقلة، وبه قال الشافعي،
وقال أبو حنيفة: على كل واحد منهم من ثلاثة إلى أربعة والغني والمتوسط سواء
ويقسم الواجب على العاقلة فلا يبدأ بالأقرب فالأقرب، فخالف الشافعي في
ثلاثة فصول: في قدر الواجب والفرق بين الموسر والمتوسط، وهل يقسط على
القريب والبعيد أم لا؟ فهذا التعليل مذهب الشافعي. والذي يقتضيه مذهبنا
ما قدمنا ذكره من أنه لا يتعين في قدر الواجب، وإنما يوجب عليهم بحسب ما
يحتمله أحوالهم، ولا بد أن يفرق بين الموسر والمتوسط ويشترك القريب والبعيد،
لأن عموم الأخبار يقتضي ذلك.
دليلنا: على أن الأقرب فالأقرب أولى قوله تعالى: (وأولو الأرحام بعضهم
أولى ببعض) وهو عام، ولأنه لا يخلو من أن يكون على الأقرب وحده، ولا
خلاف في بطلانه أو على جميع القريب والبعيد وهو باطل، للآية، فوجب أن
يكون على الأقرب فالأقرب كالميراث والولاية في النكاح، وأما المقدار فمقدار
ربع دينار على المتوسط لا خلاف في أنه يلزمه وما زاد عليه ليس عليه دليل،
والموسر نصف دينار أيضا مثل ذلك حتى يكون فرقا بينه وبين المتوسط، ولأنه
يلزمه من النفقة مدان والمتوسط مد (1).
وقال ابن إدريس: والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا تقدير ولا توظيف على
أحد منهم، بل تؤخذ منهم على قدر أحوالهم حتى يستوفى النجم الذي هو ثلثها؟
لأن تقدير ذلك يحتاج إلى دليل، وشيخنا قد رجع في مبسوطه عما ذكره في
مسائل خلافه (2).

(1) الخلاف: ج 5 ص 282 المسألة 105 مع اختلاف، وعبارة: " والذي يقتضيه... يقتضي ذلك "
في هامش الكتاب.
(2) السرائر: ج 3 ص 332.
292

والوجه ما قاله الشيخ في المبسوط.
لنا: إنه دين عليهم، فيجب أداؤه بحسب ما وظفه الشارع من الأجل كغيره
من الديون.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا تتحمل العاقلة في الجراح إلا الموضحة
فصاعدا، فأما كان دون ذلك فإنه على الجارح نفسه (1)، وبه قال ابن الجنيد،
وأبو الصلاح (2).
وقال في الخلاف: القدر الذي تحمله العاقلة عن الجاني هو قدر جنايته،
قليلا كان أو كثيرا، وروي في بعض أخبارنا أنها لا تحمل إلا نصف العشر
أرش الموضحة فما فوقها وما نقص عنه ففي مال الجاني (3).
وقال في المبسوط: روي أصحابنا أنه لا تحمل على العاقلة إلا أرش
الموضحة فصاعدا، فأما ما دونه ففي مال الجاني، وفي الناس من قال تحمل عليهم
قليله وكثيره، وفيه خمس مذاهب ذكرناها في الخلاف (4).
وقال ابن إدريس: ما ذهب إليه الشيخ في خلافه، هو الحق اليقين،
والإجماع منعقد عليه، ولا يرجع عن ذلك إلى رواية شاذة لا يوجب علما ولا
عملا (5).
والمعتمد ما قاله الشيخ في النهاية.
لنا: أن الأصل إيجاب العقوبة على مباشر الجناية، والحوالة بها على غيره
خلاف الأصل، صرنا إليه في ما بلغ الموضحة أو زاد للإجماع ولندوره فلا نتعداه
إلى غيره.
ولأن في إيجاب القاصر عن دية الموضحة على العاقلة إغراء بالخصومة،

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 368.
(2) الكافي في الفقه: ص 395 - 396.
(3) الخلاف: ج 5 ص 283 المسألة 106.
(4) المبسوط: ج 7 ص 178.
(5) السرائر: ج 3 ص 334.
293

وتسليطا على الجنايات ومشقة على العاقلة بكثرة الجراحات القاصرة عن دية
الموضحة وقوعا بين الناس.
وما رواه الشيخ في الموثق، عن أبي مريم، عن الباقر - عليه السلام - قال
قضى أمير المؤمنين - عليه السلام - ألا تحمل على العاقلة إلا الموضحة فصاعدا (1).
احتج الشيخ في الخلاف بعموم الأخبار الواردة بإيجاب الدية على العاقلة
ولم يفصل، وإذا قلنا بالرواية الأخرى فالرجوع في ذلك إلى تلك الرواية، وقد
أوردناها (2).
والجواب: المنع من عدم التفصيل، فإن الرواية التي ذكرناها دالة عليه،
وكلام ابن إدريس أنه إجماع خطأ، فإن الشيخ أعرف بمواقع الإجماع، وقد أفتى
بخلاف ما ذكره ابن إدريس.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى كان للقاتل مال ولم يكن للعاقلة شئ
ألزم في ماله خاصة الدية (3)، وبه قال سلار (4)، وأبو الصلاح (5).
وقال في الخلاف: القاتل لا يدخل في العقل بحال مع وجود من يعقل عنه
من العصبات وبيت المال، واستدل بأصالة البراءة، وعموم الأخبار (6)، وهو
يشعر بأنه يضمن الدية مع عدمهم.
وقال في المبسوط: قال قوم: يجب على القاتل إذا قتل (7) الدية تجب في
الابتداء عليه، وإنما العاقلة تحملها عنه، لأنها عليه وجبت فإذا لم يكن هناك
من ينوب عنه عاد الغرم عليه، ومن قال: يجب على العاقلة ابتداء فلا غرم
عليه، لأنه ما وجب عليه بالقتل غرم، فعلى هذا تتأخر الدية حتى يحدث من

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 170 ح 669، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب العاقلة ح 1 ج 19
ص 303 - 304.
(2) الخلاف: ج 5 ص 283 ذيل المسألة 106.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 367
(4) المراسم: ص 239.
(5) الكافي في الفقه: ص 395.
(6) الخلاف: ج 5 ص 278 المسألة 99.
(7) هكذا في النسخ، وفي المصدر إذا قيل.
294

يحملها من بيت المال (1). والظاهر من كلام ابن البراج (2) الثاني.
وقال ابن الجنيد: ولا يدخل الجاني في ضمان دية من قتله خطأ مع عاقلته،
فإن عدمت عاقلته وكان ذا مال قام مقامهم كما كانوا يؤدونها عنه.
وقال ابن إدريس: قول الشيخ في النهاية غير مستقيم، لأنه خلاف إجماع
المسلمين، لأن القاتل لا يدخل في العقل ولا يعقل عن نفسه (3).
وهذا خطأ منه وجهل، وكيف يجوز أن ينسب الشيخ إلى مخالفة إجماع
المسلمين؟! وقد تقدم البحث في العمد وإن عموم قوله - عليه السلام -:
" لا يطل دم امرئ مسلم " (4) دال عليه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى لم يكن للقاتل خطأ عاقلة ولا من يضمن
جريرته من مولى نعمة أو مولى تضمن جريرته ولا له مال وجبت الدية على بيت
مال المسلمين (5).
وقال سلار: يؤديها عنه السلطان من بيت المال (6). وهو قول المفيد (7)،
وابن البراج (8).
وقال ابن إدريس: وهذا أيضا غير مستقيم، لأنه خلاف إجماع أصحابنا،
بل تجب الدية على مولاه الذي يرثه وهو إمام المسلمين في ماله، وبيت ماله دون
بيت مال المسلمين، لأنه ضامن جريرته وحدثه ووارث تركته، وهذا إجماع منا
لا خلاف فيه (9).

(1) المبسوط: ج 7 ص 179.
(2) المهذب: ج 2 ص 457 - 458.
(3) السرائر: ج 3 ص 335.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 172 ذيل الحديث 674، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب العاقلة ذيل
الحديث 1 ج 19 ص 301.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 367 - 368.
(6) المراسم: ص 239.
(7) المقنعة: ص 743.
(8) المهذب: ج 2 ص 504.
(9) السرائر: ج 3 ص 335.
295

ورواية سلمة بن كهيل تدل على ما قاله ابن إدريس، حيث قال أمير
المؤمنين عليه السلام - لعامله في الموصل - لما أنفذ إليه في استعلام عاقلة القاتل
خطأ -: وإن لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل ولا يكون من أهلها
وكان مبطلا فرده إلي مع رسولي فلان فأنا وليه والمؤدي عنه، ولا يطل دم
امرئ مسلم (1).
وعن يونس بن عبد الرحمان، عمن رواه، عن أحدهما - عليهما السلام - أنه
قال: في الرجل إذا قتل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من
الدية أن الدية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال (2).
وللشيخ أن يحتج بما رواه أبو ولاد، عن الصادق - عليه السلام - في الرجل
يقتل وليس له ولي إلا الإمام أنه ليس للإمام أن يعفو وله أن يقتل أو يأخذ
الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين، لأنه جناية المقتول كانت على الإمام،
وكذلك يكون ديته لإمام المسلمين (3).
وعن أبي ولاد، عن الصادق - عليه السلام - فإن لم يسلم أحد كان الإمام
ولي أمره، فإن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين،
قلت له: فإن عفا عنه الإمام، قال: فقال: إنما هو حق لجميع المسلمين، فإنما
على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية وليس له أن يعفو (4).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 171 ح 675، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب العاقلة ح 1 ج 19
ص 301.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 172 ح 676، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العاقلة ح 1 ج 19
ص 304.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 178 ح 696، وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب القصاص في النفس ح 2
ج 19 ص 93.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 178 ح 697، وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب القصاص في النفس ح 1
ج 19 ص 93، وفيهما اختلاف.
296

وهذا يعطي أن الدية على بيت مال المسلمين، كما أن ديته لهم، وبهذه
الرواية أفتى الصدوق في المقنع (1)، وبالجملة فقول ابن إدريس لا يخلو من قولة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وأما دية قتل الخطأ شبيه العمد فإنها تلزم
القاتل نفسه في ماله خاصة، فإن لم يكن له مال استسعي فيها أو يكون في ذمته
إلى أن يوسع الله عليه، فإن مات أو هرب أخذ أولى الناس إليه بها، فإن لم
يكن له أحد أخذت من بيت المال (2). وتبعه ابن البراج (3).
وقال ابن إدريس: هذا غير واضح، لأنه خلاف الإجماع، وضد ما يقتضيه
أصول مذهبنا، لأن الأصل براءة الذمة، فمن شغلها يحتاج إلى دليل، والإجماع
حاصل على أن الأولياء وبيت المال لا يعقل إلا قتل الخطأ المحض، فأما الخطأ
شبيه العمد فعندنا بغير خلاف بيننا ألا تعقله العاقلة ولا تتحمله، بل تجب
الدية على القاتل نفسه، فمن قال بموته أو هربه يصير على غيره يحتاج إلى دليل
قاهر، ولا يرجع في ذلك إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا (4).
والوجه ما قاله الشيخ وقد تقدم البحث في ذلك في العمد.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: من قتل عمدا وليس له ولي كان الإمام ولي
دمه، إن شاء قتل قاتله، وإن شاء أخذ الدية وتركها في بيت المال، وليس له أن
يعفو، لأن ديته لبيت المال، كما أن جنايته على بيت المال (5). وتبعه ابن
البراج (6)، وهو قول ابن الجنيد.
والمفيد عمم الحكم في الخطأ أيضا فقال: وكذا ليس له العفو عن قتل

(1) المقنع: ص 192 - 193.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 369 - 370، وفيه: " أولى الناس إليه ممن يرث ديته بها ".
(3) المهذب: ج 2 ص 458.
(4) السرائر: ج 3 ص 335.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 371.
(6) المهذب: ج 2 ص 460.
297

الخطأ إذا لم يكن للمقتول أولياء (1). وكذا قال الشيخ (2). وقال ابن إدريس: هذا غير صحيح ولا مستقيم، بل الإمام ولي المقتول
المذكور، إن شاء قتل، وإن شاء عفا، فإن رضي هو والقاتل واصطلحا على
الدية فإنها تكون له دون بيت مال المسلمين، لأن الدية عندنا يرثها من يرث
المال والتركة سوى كلالة الأم، فإن كلالة الأم لا ترث الدية ولا القصاص ولا
القود بغير خلاف، وتركته لو مات لإمام (3) المسلمين بغير خلاف، ولأن جنايته
على الإمام، لأنه عاقلته. وشيخنا رجع في غير نهايته من كتبه عن هذه الرواية
الشاذة إن كانت رويت، فقد أوردها في نهايته إيرادا لا اعتقادا، فإن روي
ذلك فقد ورد للتقية، لأنه مذهب بعض المخالفين (4).
والشيخ - رحمه الله - عول في ذلك على رواية أبي ولاد الحناط، عن الصادق
- عليه السلام - في الرجل يقتل وليس له ولي إلا الإمام أنه ليس للإمام أن
يعفو، وله أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين، لأن جناية
المقتول كانت على الإمام، وكذلك تكون ديته لإمام المسلمين (5).
وقول ابن إدريس لا بأس به، لكن العمل بالرواية أولى.

(1) المقنعة: ص 743.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 371.
(3) في المصدر: كانت لإمام.
(4) السرائر: ج 3 ص 336.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 178 ح 696، وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب القصاص في النفس ح 2
ج 19 ص 93.
298

الفصل الثاني
في ما يثبت به القتل
مسألة: اختلف الشيخان في عدد القسامة في قتل الخطأ.
فقال الشيخ في النهاية: وإن كان خطأ فخمسة وعشرون رجلا يقسمون
مثل ذلك (1). وكذا قال في المبسوط (2) والخلاف (3)، وادعي فيه إجماع الطائفة
وأخبارهم، وتبعه ابن البراج (4)، وابن حمزة (5).
وقال المفيد - رحمه الله - إنه يثبت بخمسين يمينا (6). وتبعه سلار (7)، وهو
اختيار ابن إدريس (8)، وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد.
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: أنه أدون من قتل العمد فناسب تخفيف القسامة، ولأن التهجم على

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 372.
(2) المبسوط: ج 7 ص 211.
(3) الخلاف: ج 5 ص 308 المسألة 4.
(4) المهذب: ج 2 ص 500.
(5) الوسيلة: ص 460.
(6) المقنعة: ص 736.
(7) المراسم: ص 232.
(8) السرائر: ج 3 ص 338.
299

الدم بالقود أضعف من التهجم على أخذ الدية، فكان التشديد في إثبات الأول
أولى.
وما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال القسامة
خمسون رجلا في العمد وفي الخطأ خمسة وعشرون رجلا وعليهم أن يحلفوا بالله (1).
وفي الحسن عن يونس، عن الرضا - عليه السلام - أن أمير المؤمنين - عليه
السلام - جعل القسامة في النفس على العمد خمسين رجلا، وجعل في النفس
على الخطأ خمسة وعشرين رجلا (2).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: فأما إذا كانت الدعوى دون النفس فعندنا
فيه قسامة وعندهم لا قسامة فيها، ولا يراعى أن يكون معه لوث ولا شاهد (3).
ومنع ابن إدريس ذلك وشرط اللوث (4)، وهو أقرب.
لنا: أن الأصل براءة الذمة، وعموم قوله - عليه السلام -: " البينة على
المدعي واليمين على من أنكر " (5) صرنا إلى العكس في الجناية مع اللوث، لأنه
يصير كالأصل، فناسب تقديم قول المدعي مع اليمين التي هي القسامة، ويبقي (6) ما
انتفى فيه اللوث على أصالة العدم.
مسألة: القسامة في الأعضاء تجب فيها الدية كاملة كالعينين والسمع
والأنف والذكر واليدين والرجلين وغيرها قال الشيخ: تجب القسامة فيه ستة
رجال يحلفون بالله تعالى أن المدعى عليه قد فعل بصاحبهم ما ادعوه عليه، فإن

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 168 ح 667، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب دعوى القتل... ح 1 ج 19
ص 119.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 169 ح 668، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب دعوى القتل وما يثبت
له ح 2 ج 19 ص 120.
(3) المبسوط: ج 7 ص 223.
(4) السرائر: ج 3 ص 338.
(5) سنن البيهقي: ج 10 ص 252.
(6) في المطبوع ينتفي.
300

لم يكن للمدعي قسامة كررت عليه ستة أيمان، فإن لم يكن له من يحلف ولا
يحلف هو طولب المدعى عليه بقسامة ستة نفر يحلفون عنه أنه برئ من ذلك،
فإن لم يكن له من يحلف حلف ستة مرات أنه برئ مما ادعى عليه. وفي ما
نقص من الأعضاء القسامة منها على قدر ذلك إن كان سدس العضو فرجل
واحد يحلف بذلك، وإن كان ثلثه فاثنان، وإن كان النصف فثلاثة ثم على
هذا الحساب (1). وكذا في الخلاف (2) والمبسوط (3)، وتبعه ابن حمزة (4)، وابن
البراج (5).
وقال سلار: أنه كالنفس إن وجب فيها خمسون كالعمد، وكذا الطرف إذا
بلغ أرشه الدية وإن وجب فيها خمس وعشرون كالخطأ وكذا الطرف (6)، ونقله
ابن إدريس عن المفيد واختاره هو أيضا (7).
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: أن الجناية هنا أخف فكان الحلف فيها أخف والتشدد فيه أقل، عملا
بالتناسب.
وما رواه يونس في الحسن، عن الرضا - عليه السلام - وقال في الحديث عن
أمير المؤمنين - عليه السلام -: وعلى ما بلغت ديته من الجوارح ألف دينار ستة
نفر، فما كان دون ذلك فبحسابه من ستة نفر... الحديث (8).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 373 وفيه: " القسامة فيها على قدر ".
(2) الخلاف: ج 5 ص 312 ذيل المسألة 12.
(3) المبسوط: ج 7 ص 223.
(4) الوسيلة: ص 460.
(5) المهذب: ج 2 ص 501.
(6) المراسم: ص 232 و 248، مع اختلاف.
(7) السرائر: ج 3 ص 338.
(8) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 169 ح 668، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب دعوى القتل وما يثبت
به ح 2 ج 19 ص 120.
301

مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى شهد نفسان على رجل بالقتل وشهد
آخران على غير ذلك الشخص بأنه قتل ذلك المقتول بطل هاهنا القود إن كان
عمدا وكانت الدية على المشهود عليهما نصفين، وإن كان القتل شبيه العمد
فكمثل ذلك، وإن كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما (1). وتبعه ابن
البراج (2)، وهو مذهب شيخنا المفيد (3) - رحمه الله - أيضا.
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول المذهب ويحكم بصحته
الاستدلال أن أولياء المقتول بالخيار في تصديق إحدى البينتين وتكذيب
الأخرى، فإذا صدقوا إحداهما قتلوا ذلك المشهود عليه ولم يكن لهم على الآخر
سبيل، ولا يبطل هاهنا القود، لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة متواترة،
بل الكتاب قاض بالقود مع البينة في قوله تعالى: " فقد جعلنا لوليه سلطانا)
فمن عمل بهذه الرواية أبطل حكم الآية رأسا، ولا وجه لآخذ الدية منهما جميعا،
لأنهما غير مشتركين في القتل، لأن البينة عليهما، بخلاف ذلك، لأنها تشهد
بقتل كل واحد منهما على الانفراد دون الاجتماع والاشتراك ويؤيد هذه المسألة
ما يأتي من أن من شهد عليه بالقتل ثم أقر آخر بالقتل فللأولياء أن يقتلوا من
شاؤوا منهما بغير خلاف، ولا فرق بين الموضعين، لأن الإقرار كالبينة، والبينة
كالإقرار في ثبوت الحقوق الشرعية التي تتعلق بحقوق بني آدم (4).
والوجه ما أفتى به الشيخان.
لنا: أنهما بينتان تصادمتا، وليس قبول إحداهما في نظر الشرع أولى من
قبول الأخرى ولا يمكن العمل بهما فيوجب قتل الشخصين معا إجماعا، ولا
العمل بإحداهما دون الأخرى، لعدم الأولوية، فلم يبق إلا سقوطهما معا في ما

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 374 - 375.
(2) المهذب: ج 2 ص 502.
(3) المقنعة: ص 737.
(4) السرائر: ج 3 ص 341، مع اختلاف.
302

يرجع إلى القود، لأنه تهجم على الدماء المحقونة في نظر الشرع بغير سبب معلوم
ولا مظنون، إذ كل واحدة من الشهادتين تكذب الأخرى، فانتفى العلم والظن
بصدق إحداهما، والحدود - وهي أسهل وأهون - تسقط بالشبهة، فسقوط القود
أولى، وأما إيجاب الدية عليهما فلئلا يطل دم امرئ مسلم قد ثبت أن قاتله
أحدهما، لكن لجهلنا بالتعيين أسقطنا القود الذي هو أعلى العقوبتين، وأوجبنا
الدية التي هي أخفهما، وتخيير الورثة تسلط على الدم بمجرد التشهي، والكتاب
إنما يدل على القود مع علم القاتل وهو منتف هنا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا قامت البينة على رجل بأنه قتل رجلا
عمدا وأقر رجل آخر بأنه قتل ذلك المقتول بعينه عمدا كان أولياء المقتول
مخيرين في أن يقتلوا أيهما شاؤوا، فإن قتلوا المشهود عليه فليس لهم على الذي
أقر سبيل ويرجع أولياء الذي شهد عليه على الذي أقر بنصف الدية، وإن
اختاروا قتل الذي أقر قتلوه وليس لهم على الآخر سبيل وليس لأولياء المقر على
نفسه على الذي قامت عليه البينة سبيل، وإن أراد أولياء المقتول قتلهما جميعا
قتلوهما معا وردوا على أولياء المشهود عليه نصف الدية ليس لهم أكثر من ذلك،
فإن طلبوا الدية كانت عليهما نصفين على الذي أقر، وعلى الذي شهد عليه
الشهود (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال أبو الصلاح: إن شاء الأولياء قبلوا الدية منهما نصفين، وإن شاؤوا
قتلوهما وردوا نصف الدية على ورثة المشهود عليه دون المقر ببراءة الآخر منهما،
وإن شاؤوا قتلوا المشهود عليه وأدى المقر إلى ورثته نصف ديته، وإن شاؤوا
قتلوا المقر ولا شئ لورثته على المشهود عليه، هذا إذا أبرأ المقرد المشهود عليه من

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 375 - 376 - 377.
(2) المهذب: ج 2 ص 502.
303

قتله، وإن لم يبرء فهما شريكان في القتل متساويان في ما يقتضيه (1).
وقال ابن الجنيد: ولو قامت بينة على رجل بقتل عمدا فأقر غيره بأنه هو
القاتل والمشهود عليه برئ، فإن أراد الولي قتل الذي أقر، قتله ولا سبيل له ولا
لورثة الذي أقر على المشهود عليه. وإن أراد الولي أن يقتل المشهود عليه، قتله ولا
سبيل له على الذي أقر، ولولي المشهود عليه - الذي قتل - أن يطالب الذي أقر على
نفسه بنصف الدية. قال أبو جعفر - عليه السلام -: لأن الذي أقر على نفسه قد
أبرأ المشهود عليه من القتل، والمشهود عليه لم يبرء الذي أقر.
وقال ابن إدريس: ولي في قتلهما جميعا نظر، لأن الشهود ما شهدوا بأنهما
اشتركا في قتل المقتول ولا المقر أيضا أقر باشتراكهما في قتله، وإنما كل واحد
منهما من الشهود أو الإقرار يؤذن بأنه قتله على الانفراد دون الآخر فكيف
يقتلان معا وما تشاركا في القتل؟! وإنما لو تشاركا في قتله لأقدناهما، ولو كانوا
ألفا بعد أن يرد ما فضل عن ديته وهنا رد نصف دية فلو اشتركا لكان يرد دية
كاملة ألف دينار يتقاسم بها أولياؤهما معا. قال: الأولى عندي أن يرد الأولياء
إذا قتلوهما معا دية كاملة فيكون بين ورثتهما نصفين، إذ قد ثبت أنهما قاتلان
جميعا بإقرار أحدهما على نفسه والبينة على الآخر، ولا يرجع في مثل هذا إلى
أخبار آحاد لا يوجب علما ولا عملا، هذا إذا أقر بالقتل مجتمعين مشتركين
وتشهد البينة بذلك، فأما إذا كانا متفرقين فالعمل على ما حررناه في شهادة
الشهود على الاثنين حرفا فحرفا (2). وقول ابن إدريس لا بأس به.
لكن الشيخ - رحمه الله - عول في ذلك على رواية زرارة في الصحيح، عن
الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن رجل قتل فحمل إلى الوالي وجاء قوم
فشهدوا عليه أنه قتله عمدا فدفع الوالي القاتل إلى أولياء المقتول ليقاد به فلم

(1) الكافي في الفقه: ص 387.
(2) السرائر: ج 3 ص 342.
304

يرموا حتى أتاهم رجل فأقر عند الوالي أنه قتل صاحبهم عمدا وإن هذا الذي
شهد عليه الشهود برئ من قتل صاحبهم فلا تقتلوه وخذوني بدمه، قال: فقال
أبو جعفر - عليه السلام -: إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقر على نفسه
فليقتلوه ولا سبيل لهم على الآخر، ولا سبيل لورثة الذي أقر على نفسه على ورثة
الذي شهد عليه، فإن أرادوا أن يقتلوه الذي شهد عليه فليقتلوه، ولا
سبيل لهم على الذي أقر ثم ليؤدي الذي أقر على نفسه إلى أولياء الذي
شهد عليه نصف الدية، قلت: إن أرادوا يقتلوهما جميعا، قال لهم (1)
وعليهم أن يؤدوا إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية خاصة دون
صاحبه ثم يقتلوهما (2) به، قلت: فإن أرادوا أن يأخذوا الدية، قال:
فقال: الدية بينهما نصفان، لأن أحدهما أقر والآخر شهد عليه، قلت:
كيف جعل لأولياء الذي شهد عليه على الذي أقر نصف الدية حين
قتل ولم يجعل لأولياء الذي أقر على الذي شهد عليه ولم يقر؟ قال:
فقال: لأن الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقر، الذي شهد عليه لم يقر
ولم يبرء صاحبه والآخر أقر وأبرأ صاحبه فلزم الذي أقر وأبرأ
صاحبه ما لم يلزم الذي شهد عليه ولم يقر ولم يبرء صاحبه (3).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: المتهم بالقتل ينبغي أن يحبس ستة أيام، فإن
جاء المدعي ببينة أو فصل الحكم معه، وإلا خلي سبيله (4)، وتبعه ابن
البراج (5).
وقال ابن حمزة: يحبس ثلاثة أيام (6).

(1) في المصدر: ذاك لهم.
(2) في الوسائل: يقتلونهما.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 172 ح 678، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب دعوى القتل وما يثبت
به ح 1 ج 19 ص 108.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 378 - 379.
(5) المهذب: ج 2 ص 503.
(6) الوسيلة: ص 461.
305

وقال ابن إدريس: ليس على هذه الرواية دليل يعضدها، بل هي مخالفة
للأدلة (1).
والشيخ - رحمه الله - عول على رواية السكوني، عن الصادق - عليه السلام -
قال: إن النبي - صلى الله عليه وآله - كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام، فإن
جاء أولياء المقتول ببينة وإلا خلي سبيله (2).
والتحقيق أن نقول: إن حصلت التهمة للحاكم بسبب لزم الحبس ستة
أيام، عملا بالرواية وتحفظا للنفوس عن الإتلاف، وإن حصلت لغيره فلا،
عملا بالأصل.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن قتل رجلا ثم ادعى أنه وجده مع امرأته
أو في داره قتل به أو يقيم البينة على ما قال (3).
وقال ابن إدريس: الأولى أن يقيد ذلك بأن الموجود كان يزني بالمرأة وكان
محصنا فحينئذ لا يجب على قاتله القود ولا الدية، لأنه مباح الدم، فأما إن أقام
البينة أنه وجده مع المرأة لا زانيا بها أو زانيا بها ولا يكون محصنا فإنه يجب على
من قتله القود ولا ينفعه بينة (4).
وهذا النزاع لفظي، ومقصود الشيخ - رحمه الله - سقوط القود في القتل
المستحق، أو نقول: جاز أن يكون وجدانه مع امرأته أو في داره شبهة مسوغة
لقتله، فلهذا أسقط القود ولا يلزم منه سقوط الضمان.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا قطع طرف غيره ثم اختلفنا فقال

(1) السرائر: ج 3 ص 343.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 174 ح 683، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب دعوى القتل وما يثبت
به ح 1 ج 19 ص 121، وفيهما: " فإن جاء أولياء المقتول بثبت ".
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 379.
(4) السرائر: ج 3 ص 343 - 344، وفيه: " ولا ينفعه بينته ".
306

الجاني: كان الطرف أشل فلا قود ولا دية كاملة فيه، وقال المجني عليه: كان
صحيحا ففيه القود والدية كاملة، فإن كان الطرف ظاهرا مثل اليدين
والرجلين والعينين والأنف وما أشبهها فالقول قول الجاني مع يمينه أو يقيم المجني
عليه البينة، وإن كان الطرف باطنا فالقول قول المجني عليه، وقال أبو حنيفة:
القول قول الجاني، وهو قوي (1).
وقال في المبسوط: الصحيح عندي أن القول قول الجاني في الظاهرة والقول
قول المجني عليه في الباطنة (2).
وقال ابن إدريس: هذا قول الشافعي اختاره الشيخ، والذي يقتضيه أصول
مذهبنا أن القول قول المجني عليه في الطرفين معا، سواء كانا ظاهرين أو
باطنين، لإجماع أصحابنا على ذلك، وقول الرسول - عليه السلام - المتفق عليه
على الجاحد اليمين وعلى المدعي البينة، والأصل سلامة الأعضاء، والجاني
يدعي الشلل والعيب فعليه البينة، ومن فصل ذلك وخصص يحتاج إلى
دلالة (3).
وهذا قلة إنصاف منه في حق الشيخ، فإن شيخنا - رحمه الله - أجل من أن
يقلد فضلا عن أن يقلد من يخالف أصول مذهبه وفروعه، والشيخ - رحمه الله -
إنما عول في ذلك على الظاهر لأن الواجب اتباعه متى حصل لقوله
- عليه السلام -: " إنما أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر " (4). ولا شك في أن
العضو إذا كان بارزا ينكشف للناس لا يخفى عنهم حاله ولا يشتبه عليهم
صحته وسقمه، فإذا ادعي السلامة التي هي الأصل أمكنه إقامة البينة عليها،

(1) الخلاف: ج 3 ص 112 المسألة 76، وفيه: " كان الطرف فاسدا ".
(2) المبسوط: ج 7 ص 95، وفيه: وقول المجني عليه في الباطنة ".
(3) السرائر: ج 3 ص 344.
(4) إحياء علوم الدين: 212 - 213.
307

وأصالة السلامة معارضة بأصالة براءة الذمة، فإذا أنكر الجاني السلامة أمكن
المجني عليه إقامة البينة على دعواه، فكلف ذلك ليعضد أصالة السلامة ويقهر
أصالة البراءة من غير تكلف مشقة. أما العضو الباطن فإنه يعسر على المجني عليه
إقامة البينة على صحته وسلامته فاكتفى بقوله، عملا بأصالة السلامة السالمة
عن معارضة سهولة إقامة البينة.
308

الفصل الثالث
في الاشتراك في الجنايات
مسألة: قال الشيخ في النهاية: فإن قتل رجل وامرأة رجلا كان لأولياء
المقتول قتلهما جميعا ويؤدون إلى أولياء الرجل نصف ديته خمسة آلاف درهم،
فإن اختاروا قتل المرأة كان لهم قتلها ويأخذون من الرجل خمسة آلاف درهم،
وإن اختاروا قتل الرجل كان لهم قتله وتؤدى المرأة إلى أولياء الرجل نصف
ديتها ألفين وخمسمائة درهم، وإن أراد أولياء المقتول الدية كان على الرجل
نصفها وعلى المرأة نصفها، وإن كان القتل خطأ كان على عاقلة المرأة النصف
وعلى عاقلة الرجل النصف (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال المفيد: إذا اجتمع رجل وامرأة على قتل رجل حر عمدا كان لأولياء
الحر قتلهما جميعا ويؤدون إلى ورثتهما خمسة آلاف درهم يقتسمونها على ثلاثة
أسهم لورثة الرجل الثلثان ولورثة المرأة الثلث (3).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 381.
(2) المهذب: ج 2 ص 468.
(3) المقنعة: ص 752.
309

وقال ابن إدريس: للأولياء قتلهما ويؤدون إلى أولياء الرجل خمسة آلاف
درهم، كما قاله شيخنا أبو جعفر الطوسي ليس للمرأة فيها شئ، وإن قتلوا
الرجل أدت المرأة إلى أولياء نصف ديته خمسة آلاف درهم، خلافا للشيخ
حيث قال: يؤدي نصف ديتها (1). وهو المعتمد.
لنا: أنها جنت على نصف نفس رجل فكان عليها ضمانه، ومع قتلهما
يكون الفاضل للرجل خاصة: لأن القدر المستوفي منه أكثر من جنايته بقدر
الضعف، والمستوفى من المرأة بقدر جنايتها فلا يرد عليها شئ.
تذنيب: قال شيخنا المفيد - رحمه الله -: فإن كان معهما خنثى لم يبين أمره ولا
يعلم أذكر هو أم أنثى كان لهم قتل الثلاثة وعليهم أن يؤدوا اثني عشر ألف
درهم وخمسمائة درهم إلى ورثتهم جميعا، يقسم (2) بينهم بحساب ما تقدم ذكره
لورثة كل واحد منهم بحساب ديته في الأصل، فيكون للرجل ثلث وتسع من
اثني عشر ألف درهم وخمسمائة ألف درهم وهو خمسة آلاف وخمسمائة درهم
وخمسة وخمسون درهما ونصف وحبتان وثلثا حبة، وللخنثى الثلث وهو أربعة
آلاف ومائة وستة وستون درهما وثلثا درهم، وللمرأة خمس وتسع خمس فيكون
ألفي درهم وسبعمائة وسبعة وسبعين درهما وأربعة دوانيق وخمس حبات وثلث
حبة، فذلك تكملة الاثني عشر ألف درهم وخمسمائة درهم (3).
والمعتمد ما تقدم من أن الرد عليهم بحسب ما يفضل من دية كل واحد عن
جنايته وقد صدر القتل عن ثلاثة فعلى كل واحد ثلث نفس، فيفضل للرجل
ثلثا دية نفس ويسقط عنه الثلث الآخر في مقابلة جنايته، ويفضل للمرأة
سدس دية نفس ويسقط منها الثلث في مقابلة جنايتها، ويفضل للخنثى ثلث دية

(1) السرائر: ج 3 ص 345، 346، مع اختلاف.
(2) ق 2 والطبعة الحجرية: فيقسم.
(3) المقنعة: ص 752.
310

نفس ونصف سدس دية نفس ويسقط منه الثلث في مقابلة جنايته.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: فإن قتل رجل حر ومملوك رجلا على العمد
كان أولياء المقتول مخيرين بين أن يقتلوهما ويؤدوا إلى سيد العبد ثمنه، أو
يقتلوا الحر ويؤدي سيد العبد إلى ورثته خمسة آلاف درهم، أو يسلم العبد إليهم
فيكون رقا لهم، أو يقتلوا العبد بصاحبهم خاصة فذلك لهم، وليس لسيد العبد
على الحر سبيل، فإن اختاروا الدية كان على الحر النصف منها وعلى سيد العبد
النصف الآخر، أو يسلم العبد إليهم فيكون رقا لهم، وإن كان قتلهما له خطأ
كان نصف ديته على عاقلة الرجل ونصفها على مولى العبد أو يسلمه إلى أولياء
المقتول يسترقونه، وليس لهم قتله على حال (1). وتبعه ابن البراج (2)، وهو قول
شيخنا المفيد أيضا (3).
وقال أبو الصلاح: إن اختار ولي الدم قتلهما رد قيمة العبد على سيده
وورثة الحر، وإن اختار قتل الحر فعلى سيد العبد نصف ديته لورثته، وإن اختار
قتل العبد قتله ويؤدي الحر إلى سيده نصف قيمته (4).
وقال السيد ابن زهرة: فإن كان العبد شريكا للحر في القتل واختار
الأولياء قتل الحر فعلي سيد العبد لورثته نصف ديته، أو تسليم العبد إليهم يكون
رقا لهم بدليل الإجماع، وإن اختاروا قتل العبد كان لهم ذلك، بلا خلاف بين
أصحابنا، وليس لسيد العبد على الحر سبيل عند الأكثر منهم، وهو الظاهر في
الروايات، ومنهم من قال: يؤدي الحر إلى سيد العبد نصف قيمته، وإن
اختاروا قتلهما جميعا كان لهم ذلك، بلا خلاف بين أصحابنا، ومنهم من قال:

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 383 - 384.
(2) المهذب: ج 2 ص 468 - 469.
(3) المقنعة: ص 751.
(4) الكافي في الفقه: ص 386، وفيه: " إن اختار قتلهما ورد ".
311

بشرط أن يؤدوا قيمة العبد إلى سيده خاصة، ومنهم من قال: وإلى ورثة الحر
أيضا (1).
وقال ابن إدريس: قال بعض أصحابنا في كتاب له: وإذا قتل الحر والعبد
حرا فاختار وليه الدية فعلى الحر النصف وعلى سيد العبد النصف، وإن اختار
قتلهما رد قيمة العبد على سيده وورثة الحر، وإن اختار قتل الحر فعلى سيد العبد
نصف ديته لورثته، وإن اختار قتل العبد قتله ويؤدي الحر إلى سيده نصف
قيمته، ثم قال: وهذا الذي يقتضيه أصول مذهبنا. قال: وذهب شيخنا أبو
جعفر في استبصاره إلى أنه إذا قتل الولي الحر يجب على سيد العبد أن يرد على
ورثة المقتول الثاني نصف الدية، أو يسلم العبد إليهم، لأنه لو كان حرا لكان
عليه ذلك على ما بينا، فحكم العبد حكمه على السواء. قال: وهو رجوع عما
ذكره في نهايته، ونعم الرجوع إلى الحق (2).
والوجه أن نقول: إما أن يزيد قيمة العبد على جنايته أولا، وعلى
التقديرين فإما أن يختار الولي قتلهما أو قتل الحر أو قتل العبد أو الدية، فالأقسام
ثمانية، أربعة في طرف الزيادة، وأربعة في طرف عدمها.
أما الزيادة فالأول: أن يختار الولي قتلهما معا فله ذلك ويرد الولي على الحر
نصف ديته، لأنه الفاضل عن قدر جنايته، وعلى سيد العبد الزيادة ما لم
يتجاوز القيمة دية الحر فيرد إليها، ويؤدي نصف دية الحر لا غير إلى سيد العبد
كما أدى إلى الحر نصف ديته. الثاني: مقابله أن يختار الولي الدية منهما، فعلى
الحر النصف، وعلى سيد العبد النصف، أو يسلم ما قابل النصف من العبد إلى
الولي ليسترقه. الثالث: أن يختار قتل الحر فيؤدي سيد العبد إلى الحر نصف
ديته، أو يسلم من العبد ما قابل نصف الدية ليسترقوه، وليس لهم قتله. الرابع:

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 557 س 34.
(2) السرائر: ج 3 ص 347.
312

أن يختار قتل العبد فيؤدي الحر إلى سيد ما زاد عن نصف الدية، ثم إن قصرت
الزيادة عن نصف دية الحر أدي الحر إلى الولي تمام نصف الدية، وإن لم يقصر
لم يؤد إلى الولي شيئا.
وأما طرف العدم فالأول: أن يختار الولي قتلهما فله ذلك، ولا شئ له على
سيد العبد، سواء قصرت قيمته عن نصف الدية أو لا، ولا شئ للحر أيضا
على سيد العبد، ويؤدي الولي إلى الحر نصف ديته، سواء قصرت قيمة العبد
عن نصف الدية أو ساوته. الثاني: أن يختار الدية، فعلى الحر نصفها، وعلى سيد
العبد النصف الآخر، أو يسلم العبد إلى ولي المقتول إن شاء استرقه، وإن شاء
قتله أو باعه، وليس على سيد العبد ولا على الحر الشريك تكميل ما نقص عن
نصف دية الحر لو كان هناك نقصان. الثالث: أن يختار قتل الحر فله ذلك،
ويؤدي سيد العبد إلى ورثة الحر نصف ديته، أو يسلم العبد إليهم ليسترقوه،
وليس لهم قتله، فإن كانت قيمته بقدر نصف الدية فلا بحث، وإن نقصت
كان على أولياء المقتول أن يؤدوا إلى ورثة الحر قدر النقصان، لأنهم استرقوا منه
أكثر مما يجب عليه. الرابع: أن يختار قتل العبد، وليس لسيده على الحر سبيل،
بل يؤدي الحر إلى ولي المقتول نصف ديته، لأنه قدر جنايته، وليس للولي على
سيد العبد سبيل، وإن نقصت قيمة العبد عن نصف الدية ولا على الحر أيضا
على ذلك التقدير.
مسألة: قال المفيد إذا قتل العبد والمدبر رجلا حرا خطأ فديته على سيديهما،
فإن لم يؤدياه (1) دفع العبد والمدبر إلى أولياء المقتول واسترقوا العبد واستخدموا
المدبر حتى يموت سيده الذي دبره، فإذا مات سيده خرج عن الرق إلى الحرية
ولم يكن لأحد عليه سبيل (2).

(1) في نسخة: م 3 لم يرضياه، وفي نسخه ق 2 وفاقا للمصدر لم يداه.
(2) المقنعة: ص 751.
313

والأصل في ذلك أن المدبر إذا قتل خطأ ودفعه مولاه للرق أو قتل عمدا
ودفعه مولاه إلى الولي إذا طلب الدية واسترقه في الحالين هل يعتق بموت المولى
أم لا؟ قال الشيخ في النهاية: إذا قتل مدبرا حرا كانت الدية على مولاه الذي
دبره إن شاء أو يسلمه برمته إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوه إن كان قتل
صاحبهم عمدا، وإن شاؤوا استرقوه، وإن كان قتله خطأ استرقوه وليس لهم
قتله، وإذا مات الذي دبره استسعي في دية المقتول وصار حرا (1).
وقال ابن إدريس - لما نقل كلام الشيخ في النهاية -: لا دليل على صحة
هذه الرواية، لأنها مناقضة للأصول، وهو أنه خرج من ملك من دبره وصار
عبدا لأولياء المقتول، فمن أخرجه من ملكهم بعد دخوله فيه يحتاج إلى دليل،
ولا دليل على ذلك، ولا يرجع في ذلك إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا
عملا، ويمكن أن تحمل الرواية على أنه كان التدبير عن نذر واجب لا يجوز
الرجوع فيه، فإذا كان كذلك وكان القتل خطأ فإنه بعد موت من دبره يصير
حرا أو يستسعى في الدية، فأما إذا كان التدبير لا عن نذر فهو على ما قررناه
وحررناه فليلحظ ذلك ويتأمل. ثم قال: والأقوى عندي في الجميع أنه يسترق،
سواء كان عن نذر أو لم يكن، لأن السيد ما رجع عن النذر وإنما صار عبدا
بحق (2). وهو الأقرب.
لنا: أنه عبد قد انتقل بجنايته إلى ولي المقتول فأشبه البيع، وقد قلنا: إنه
مع البيع يبطل التدبير فكذا هنا، لوجود المقتضي للإبطال، وهو الانتقال.
وما رواه أبو بصير في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن
مدبر قتل رجلا عمدا، قال: فقال - عليه السلام -: يقتل به قلت: وإن قتله

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 391 - 392 - 393.
(2) السرائر: ج 3 ص 354.
314

خطأ، قال: فقال: يدفع إلى أولياء المقتول فيكون لهم، فإن شاؤوا استرقوه
وليس لهم قتله، قال: ثم قال: يا أبا محمد أن المدبر مملوك (1). وهذا نص في
الباب.
احتج المفيد بما رواه جميل بن دراج في الحسن، عن الصادق - عليه السلام -
قال: قلت له: مدبر قتل رجلا خطأ من يضمن عنه؟ قال: يصالح عنه مولاه،
فإن أبى دفعه إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبره ثم يرجع حرا لا
سبيل عليه (2).
قال الشيخ في كتابي الأخبار: هذه الروايات وردت مطلقة بأنه متى مات
المدبر صار المدبر حرا، وليس فيها أنه يستسعى في الدية، والأولى أن يشترط
ذلك فيها فيقال: إذا مات المولى الذي دبره يستسعى في دية المقتول لئلا يطل
دم امرئ مسلم، وذلك لا ينافي هذه الأخبار، لما رواه الخطاب بن سلمة، وما
رواه هشام بن أحمد قال: سألت أبا الحسن - عليه السلام - عن مدبر قتل رجلا
خطأ، قال: أي شئ رويتم في هذا الباب؟ قال: قلت: روينا عن أبي عبد الله
- عليه السلام - أنه قال: يتل برمته إلى أولياء المقتول، فإذا مات الذي دبره
أعتق، قال: سبحان الله فيبطل دم امرئ مسلم، قلت: هكذا روينا، قال:
غلطتم على أبي، يتل برمته إلى أولياء المقتول، فإذا مات الذي دبره استسعي في
قيمته (3).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 197 ح 782، وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب القصاص في النفس
ح 1 ج 19 ص 75 وفيهما: " فإن شاؤوا باعوه وإن شاؤوا استرقوه، وليس لهم أن يقتلوه ".
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 197 ح 783، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب ديات النفس ح 1 ج 19
ص 155.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 198 ذيل الحديث 784 و ح 785، الإستبصار: ج 4 ص 275 ذيل
الحديث 1043 و ح 1044.
315

وهذا الذي اختاره الشيخ هو مذهب الصدوق في المقنع، إلا أنه في المقنع
قال: يستسعى في قيمته (1).
والشيخ قال: يستسعى في الدية، وليس بعيدا من الصواب، لما فيه من
الجمع بين الأخبار بما يناسب المعقول.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا أمر عبده بقتل غيره فقتله وجب على العبد
القود دون سيده ويحبس المولى ما دام حيا، ثم قال: وقد روي أنه يقتل السيد
ويستودع العبد السجن، والمعتمد ما قلناه (2). وكذا في الاستبصار (3).
وقال في الخلاف: اختلفت روايات أصحابنا في أن السيد إذا أمر عبده
بقتل غيره فقتله فعلى من يجب القود؟ فرووا في بعضها أن على السيد القود
وفي بعضها أن على العبد القود، ولم يفصلوا، والوجه في ذلك أنه إن كان العبد
مميزا عاقلا يعلم أن ما أمره به معصية فإن القود على العبد، وإن كان العبد
صغيرا أو كبيرا لا يميز ويعتقد أن جميع ما يأمره سيده به واجب عليه فعله كان
القود على السيد، ثم قال: والأقوى في نفسي أن نقول إن كان العبد عالما بأنه
لا يستحق القتل أو متمكنا من العلم به فعليه القود، وإن كان صغيرا أو مجنونا
فإنه يسقط القود وتجب فيه الدية. ثم نقل كلام الشافعي وقال عقيبه: وسنبين
ما يتعلق بهذه المسألة إن شاء الله تعالى، وجملة القول في هذه المسائل: أن المأمور
إذا كان عاقلا مميزا فالضمان عليه، وإن لم يكن عاقلا ولا مميزا إما بصغر أو
جنون فالضمان على الأمر (4).
وقال في المبسوط: إذا كان له عبد صغير لا يعقل أو يعتقد أن كل ما يأمره

(1) المقنع: ص 191.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 386.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 283 ح 1073.
(4) الخلاف: ج 5 ص 168 المسألة 30، من اختلاف.
316

سيده فعليه فعله أو كان كبيرا أعجميا يعتقد إطاعة مولاه ووجوبها في كل ما
يأمره ولا يعلم أنه لا طاعة في معصية الله، فإذا كان كذلك فأمره بقتل رجل فقتله
فعلى السيد القود، لأن العبد يتصرف عن رأي مولاه وكان كالآلة بمنزلة السكين
والسيف وكان على السيد القود وحده، وإن كان العبد مملوكا لغيره وهو بهذه
الصفة ويعتقد أن أمر هذا الأمر طاعة في كل ما يأمره به فأمره بقتل غيره فقتله
فالحكم فيه كما لو كان عبد نفسه والقود على الأمر عندهم، ويقتضي مذهبنا أن
القود على القاتل لو كان بالغا، وإن كان المأمور عاقلا مميزا فالحكم يتعلق
بالمأمور وسقط الأمر وحكمه، لأنه إذا كان عاقلا مميزا فقد أقدم على ما يعلم أنه
لا يجوز باختياره، فإن كان عبدا كبيرا فعليه القود، وإن كان صغيرا مميزا فلا
قود، ولكن الدية متعلقة برقبته (1).
وقال ابن الجنيد: ولو أمر رجل رجلا عاقلا عالما بأن الأمر ظالم بقتل رجل
فقتله أقيد القاتل به وحبس الأمر في السجن حتى يموت، فإن كان المأمور عبدا أو
جاهلا أو مكرها لا يأمن بمخالفته إتلاف نفسه أزلت القود عنه واقدت الآمر
وحبست القاتل حتى يموت بعد تعزير له وأمرته بالتكفير ليتولى (2) القتل بنفسه.
وقال أبو الصلاح: من قتل أو جرح غيره بغير حق لأمر آمر أو إكراه فالقود
والقصاص مستحق عليه دون الآمر والمكره، لما بيناه من عدم تأثير الأمر
والإكراه في الظلم، ويخلد الآمر والمكره الحبس حتى يموت، فإذا كان الآمر سيد
العبد معتادا لذلك قتل السيد وخلد العبد الحبس، وإن كان نادرا قتل العبد وخلد
السيد الحبس (3).
وقال ابن حمزة: إن أمر حرا عاقلا بالغا أو أمر مراهقا فالقود على المباشر، وإن
أمر صبيا أو مجنونا ولم يكرهه لزمت الدية عاقلته، وإن أكرهه كان نصف

(1) المبسوط: ج 7 ص 42 و 43.
(2) كذا في المطبوعة، وفي (ق 2): بالتكفين ليتولى، وفي (م 3) بالتكفين لمولى.
(3) الكافي في الفقه: ص 387.
317

الدية على الآمر ونصفها على عاقلة القاتل، وإن أمر عبدا له صغيرا أو كبيرا غير
مميز لزم الآمر القود، وإن كان مميزا كان القصاص على المباشر (1).
وقال ابن إدريس: إذا أمر إنسان آخر بقتل رجل فقتله المأمور وجب القود
على القاتل المباشر للقتل دون الآمر وكان على الإمام حبس الآمر ما دام حيا،
فإن أكره رجل رجلا على قتل رجل فقتله كان على المكره الذي باشر القتل
القود دون المكره، فإن أمر عبده بقتل غيره فقتله فقد اختلفت روايات أصحابنا
في ذلك، فروي أنه يقتل العبد ويستودع السيد السجن، وروي أنه يقتل السيد
ويستودع العبد السجن. قال: والذي يقوى عندي في ذلك أنه إن كان العبد
عالما بأنه لا يستحق القتل أو متمكنا من العلم فعليه القود دون السيد، وإن
كان صغيرا أو مجنونا فإنه يسقط القود وتجب فيه الدية على السيد دون القود،
لأنه غير قاتل حقيقة وألزمناه الدية، لقوله - عليه السلام -: " لا يطل دم امرئ
مسلم " فلو لم يلزمه الدية لأطللنا دمه، ثم نقل ما ذكره في النهاية، ثم قال:
وذهب في مسائل خلافه إلى ما اخترناه نحن وقويناه، وهو الذي يقتضيه أصول
مذهبنا، وذهب شيخنا في مبسوطه إلى أن العبد المأمور إذا كان عاقلا مميزا
وجب عليه القود دون السيد، وإن كان غير عاقل ولا مميز وجب على السيد
الآمر القود دون العبد، وهو قوي، إلا أن ما اخترناه أقوى وأوضح وأظهر في
الاستدلال (2).
والوجه ما فصله الشيخ في المبسوط من أنه: إن كان العبد كبيرا عاقلا مميزا
فالقود عليه، وإن كان صغيرا أو مجنونا فعلى السيد.
لنا: أن الكبير عامد في قتله فوجب عليه القصاص، وأمر السيد أو إكراهه

(1) الوسيلة: ص 437 و 438، وفيه: " رجل فقتله المكره ".
(2) السرائر: ج 3 ص 349.
318

عليه لا يخرجه عن كونه مباشرا في قتل العمد كالحر، وأما الصغير فإنه كالآلة.
وما رواه السكوني، عن الصادق - عليه السلام - قال: قال أمير المؤمنين
- عليه السلام -: في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله، فقال أمير المؤمنين
- عليه السلام -: وهل عبد الرجل إلا كسيفه يقتل السيد ويستودع العبد
السجن؟! (1).
وعن إسحاق بن عمار، عن الصادق - عليه السلام - في رجل أمر عبده أن
يقتل رجلا فقتله، فقال: يقتل السيد به (2). وحملنا الروايتين على صغر العبد،
لأنه المناسب للأدلة العقلية.
ولما رواه زرارة في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام - في رجل أمر رجلا
بقتل رجل فقتله، فقال: يقتل به الذي قتله، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتى
يموت (3). وهذا يشعر بأن المأمور رجل، وهو شامل للحر والعبد.
والشيخ - رحمه الله - احتج في الاستبصار بهذا الحديث على وجوب القتل على
المباشر، ثم ذكر عقيبه الحديثين السابقين (4). ثم قال: والوجه فيهما أن نحملهما
على من يتعود أمر عبيده بقتل الناس ويلجئهم إلى ذلك ويكرههم عليه، فإن من
هذه صورته وجب عليه القتل، لأنه مفسد في الأرض. قال: وإنما قلنا لأن
الخبر الأول - يعني: الذي رواه زرارة - مطابق لظاهر القرآن، قال الله تعالى:

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 220 ح 866. وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب قصاص النفس ح 2
ج 19 ص 33، وفيهما: " العبد في السجن ".
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 220 ح 865. وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب قصاص النفس ح 1
ج 19 ص 33.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 219 ح 864. وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب قصاص النفس: ح 1
ج 19 ص 32.
(4) الإستبصار: ج 4 ص 283 ح 1071 و 1072 و 1073.
319

(النفس بالنفس) وقد علمنا أنه أراد النفس القاتلة دون غيرها
بلا خلاف (1).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا قتل الذمي مسلما عمدا دفع برمته هو
وجميع ما يملكه إلى أولياء المقتول، فإن أرادوا قتله كان لهم ذلك ويتولى ذلك
عنهم السلطان، وإن أرادوا استرقاقه كان رقا لهم، فإن أسلم بعد القتل فليس
لهم عليه إلا القود أو المطالبة بالدية كما يكون على المسلم سواء (2).
وقال المفيد في المقنعة في باب القود بين النساء والرجال والمسلمين
والكفار: وإذا قتل الذمي المسلم عمدا دفع برمته إلى أولياء المقتول، فإن
اختاروا قتله كان السلطان يتولى ذلك منه، وإن اختاروا استعباده كان رقا
لهم، وإن كان له مال فهو لهم كما يكون مال العبد لسيده (3).
ثم قال في باب اشتراك الأحرار والعبيد والذمي: إذا قتل المسلم خطأ
فديته على عاقلته، وإن قتله عمدا سلم بماله وولده إن كانوا صغارا إلى ورثته
على ما تقدم به القول في ما سلف (4). وتبعه سلار في الأخير (5)، وابن حمزة (6).
وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية القول: بأن الذمي إذا قتل
مسلما عمدا دفع الذمي إلى أولياء المقتول، فإن اختاروا قتله تولى السلطان
ذلك منه، وإن اختاروا استرقاقه كان رقا لهم، وإن كان له مال فهو لهم كما
يكون مال العبد (7).
وقال الصدوق في المقنع: إذا قطع الذمي يد رجل مسلم قطعت يده وأخذ

(1) الإستبصار: ج 4 ص 283 ذيل الحديث 1073.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 387 - 388.
(3) المقنعة: ص 740.
(4) المقنعة: ص 753، وفيه: " إذا قتل الذمي خطأ ".
(5) المراسم: ص 237.
(6) الوسيلة: ص 434 و 435.
(7) الإنتصار: ص 275.
320

فضل ما بين اليدين، وإن قتل قتلوه إن شاؤوا أولياؤه ويأخذوا من ماله أو من
مال أوليائه فضل ما بين الديتين (1).
وروي من كتاب من لا يحضره الفقيه عن ضريس الكناسي، عن الباقر
- عليه السلام - في نصراني قتل مسلما فلما أخذه أسلم أقتله به؟ قال: نعم،
قيل: فإن لم يسلم؟ قال: يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا
عفوا، وإن شاؤوا استرقوا، وإن كان معه مال عين له دفع إلى أولياء المقتول هو
وماله (2). ولم يتعرض للأولاد الصغار كالشيخ.
وقال أبو الصلاح: إذا قتل الذمي أو الذمية حرا مسلما أو عبدا أو حرة أو
أمة مسلمة منفردين بذلك أو متشاركين فيه قتل (3) الذمي، لخروجه بقتل
المسلم عن الذمة والرجوع على تركته أو أهله بدية الحر، أو (4) قيمة الرق، أو ما
يلحقه من قسط ذلك - وقال في موضع آخر: ولا يجوز العفو عنه (5) وإن كان
القاتل عبدا ذميا أو أمة قتلا ورجع على مولاهما بالدية، وإذا قتل الواحد من
أهل الذمة جماعة من المسلمين قتل ورجع على تركته بدياتهم، وإن كان القاتلون
جماعة والمقتول من المسلمين واحدا قتلوا جمعيا، لخروجهم عن الذمة ورجع على
مواريثهم وأوليائهم بدية المسلم (6).
وقال ابن حمزة: وإن قتل الكافر حرا مسلما أو كفارا وأسلموا قبل
الاقتصاص كان حكمهم حكم المسلمين، وإن لم يسلموا دفعوا برمتهم مع
أولادهم وجميع ما يملكونه إلى ولي الدم، فإن شاء قتل القاتل واسترق الأولاد

(1) المقنع: ص 191 وفيه: " مسلم قطعها وأخذ فضل ما بين الديتين ".
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 121 ح 5251. وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب القصاص ح 1 ج 19
ص 81.
(3) في المصدر: فيه وجب قتل.
(4) في المصدر: و.
(5) الكافي في الفقه: ص 393.
(6) الكافي في الفقه: ص 385.
321

وتملك الأموال، وإن شاء استرق القاتل أيضا (1). والسيد ابن زهرة (2) تابع أبا
الصلاح.
وقال ابن إدريس: إذا قتل الذمي مسلما عمدا دفع برمته هو وجميع ما
يملكه إلى أولياء المقتول، فإن أرادوا قتله كان لهم ذلك ويتولى ذلك عنهم
السلطان، وإن أرادوا استرقاقه كان رقا لهم، فإن أسلم بعد القتل فليس عليه
إلا القود ويكون إسلامه قبل خيرة الأولياء، لرقه ودفعه إليهم، فأما إن اختاروا
استرقاقه وأخذ جميع ماله ثم بعد ذلك أسلم فهو عبد لهم مسلم وما أخذوه منه لهم،
وذهب بعض أصحابنا إلى أنه يدفع بجميع ماله وولده الصغار إلى أولياء
المقتول. والذي يقتضيه الأدلة أن الأولاد الصغار لا تدفع إليهم، لأن ماله إذا
اختاروا استرقاقه فهو مال عبدهم ومال العبد لسيده وأولاده أحرار قبل القتل
فكيف يسترق الحر بغير دليل؟! فأما استرقاقه هو فإجماعنا دليل عليه، وليس
كذلك أولاده، فإن لم يختاروا استرقاقه بل اختاروا قتله فليس لهم على ماله
أيضا سبيل، لأنه لا يدخل في ملكهم إلا باختيارهم استرقاقه (3).
والمشهور ما قاله الشيخ في النهاية، وعليه دلت رواية ضريس، وقد ذكرناها
في ما تقدم، ورواها الشيخ أيضا في التهذيب (4).
تذنيب: لو كان القتل خطأ قال المفيد: تكون الدية على عاقلته (5).
وقال الشيخ في النهاية: إذا قتله خطأ كانت الدية عليه في ماله خاصة إن
كان له مال، وإن لم يكن له مال كانت ديته على إمام المسلمين، لأنهم مماليك

(1) الوسيلة: ص 434 و 435، وفيه: " وإن قتل كافر حرا ".
(2) الغنية: (الجوامع الفقهية): ص 557 س 33.
(3) السرائر: ج 3 ص 351.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 190 ح 750، وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب القصاص ح 1 ج 19
ص 81.
(5) المقنعة: ص 753.
322

له يؤدون الجزية إليه كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده، وليس لهم عاقلة غير
الإمام (1).
وقال ابن إدريس: الصحيح أن الإمام عاقلته على كل حال، سواء كان له
مال أو لم يكن (2). وعندي في ذلك تردد.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا قتل المسلم ذميا عمدا وجب عليه ديته،
ولا يجب عليه القود، إلا أن يكون معتادا لقتل أهل الذمة، فإن كان كذلك
فطلب أولياء المقتول بالقود كان على الإمام أن يقيده به بعد أن يأخذ من أولياء
الذمي ما يفضل من دية المسلم فيرده على ورثته، فإن لم يردوه أو لم يكن معتادا
فلا يجوز قتله به على حال (3). ونحوه قال المفيد (4).
والصدوق لم يشترط الاعتياد، بل أطلق القول، فقال في المقنع: وإن قطع
المسلم يد المعاهد خير أولياء المعاهد، فإن شاؤوا أخذوا دية يده، وإن شاؤوا
قطعوا يد المسلم وأدوا إليه فضل ما بين الديتين، وإذا قتله المسلم صنع
كذلك (5).
وقال ابن الجنيد: والكافر الذي لم يحصل له ذمة قبل ملك رقبته عنوة لا
يقاد لمسلم ولا يقاص من جرحه إياه وله ديته، وكذلك الحكم في أولادهم،
فإن جعل المسلم ذلك عادة قتل بهم لا من طريق القود، ولكن لإفساده في
الأرض الذي أقام به مقام المحاربين.
وقال ابن إدريس: لا يجوز قتل المسلم به مطلقا، سواء كان معتادا لقتل
أهل الذمة أو لا (6).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 388.
(2) السرائر: ج 3 ص 352.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 389.
(4) المقنعة: ص 739.
(5) المقنع: ص 191.
(6) السرائر: ج 3 ص 352، نقلا بالمعنى.
323

والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: أنه مفسد في الأرض بارتكابه قتل من حرمه الله قتله، فجاز قتله حدا.
وما رواه إسماعيل بن الفضيل، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته
عن دماء اليهود والنصاري والمجوس هل عليهم وعلى من قتلهم شئ إذا غشوا
المسلمين وأظهروا العداوة لهم؟ قال: لا، إلا أن يكون متعودا لقتلهم، قال:
وسألته عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة وأهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال: لا،
إلا أن يكون معتادا لذلك لا يدع قتلهم فيقتل وهو صاغر (1).
احتج الصدوق بما رواه ابن مسكان، عن الصادق - عليه السلام - قال: إذا
قتل المسلم يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا فأرادوا أن يقيدوا ردوا فضل دية المسلم
وأقادوا به (2).
والجواب: أنه محمول على التفصيل.
احتج ابن إدريس بما رواه محمد بن قيس، عن الباقر - عليه السلام - قال:
لا يقاد مسلم بذمي لا في القتل ولا في الجراحات، ولكن يؤخذ من مسلم
جنايته للذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم (3).
والجواب: أنه مطلق فيحمل على الخبر المفصل، جمعا بين الأدلة.
مسألة: قال السيد المرتضى مما انفردت به الإمامية القول: بأن دية ولد
الزنا ثمانمائة درهم، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والحجة بعد الإجماع المتردد

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 189 ح 744، وسائل الشيعة: باب 47 من أبواب القصاص في النفس
ح 1 ج 19 ص 79 في التهذيب: عن إسماعيل بن فضل.
(2) لم نعثر عليه في من لا يحضره الفقيه: ووجدناه في تهذيب الأحكام: ج 10 ص 189 ح 741. وسائل
الشيعة: باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح 2 ج 19 ص 79.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 188 ح 740، وسائل الشيعة: باب 47 من أبواب القصاص في النفس
ح 5 ج 19 ص 80.
324

إنا قد بينا أن مذهب هذه الطائفة أن ولد الزنا لا يكون قط طاهرا ولا مؤمنا
بإيثاره واختياره وإن أظهر الإيمان، وهم على ذلك قاطعون وبه عاملون، وإذا
كانت هذه صورته عندهم فيجب أن تكون ديته دية الكفارة من أهل الذمة
للحوقه في الباطن بهم (1).
وقال ابن إدريس - لما نقل مذهب السيد المرتضى -: ولم أجد لباقي
أصحابنا فيه قولا فأحكيه، والذي يقتضيه الأدلة: التوقف في ذلك ولا دية له،
لأن الأصل براءة الذمة (2). والقولان عندي ضعيفان.
والوجه عندي وجوب دية المسلم إن كان متظاهرا بالإسلام، بل ويجب
القود لو قتله مسلم عمدا، لعموم الآية (3)، وقوله - عليه السلام -: " المسلمون
بعضهم أكفاء لبعض " (4) والأصل الذي بناه السيد عليه من كفر ولد الزنا
ممنوع.
وقال الصدوق في كتاب المقنع: وقال أبو جعفر - عليه السلام - دية ولد الزنا
دية العبد ثمانمائة درهم. وروي أن دية العبد ثمنه، ولا يتجاوز بقيمة عبد دية
حر (5).
وقال في موضع آخر منه: ودية اليهودي والنصراني والمجوسي وولد الزنا
ثمانمائة درهم (6).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى قتل مكاتب حرا فإن كان لم يؤد من
مكاتبته شيئا أو كان مشروطا عليه وإن أدي من مكاتبته شيئا فحكمه حكم

(1) الإنتصار: ص 273.
(2) السرائر: ج 3 ص 352.
(3) المائدة: 45.
(4) سنن أبي داود كتاب الديات: ج 4 ص 180 - 181 ح 4530، وفيه: " المؤمنون تتكافأ
دماؤهم... ".
(5) المقنع: ص 185.
(6) المقنع: ص 189.
325

المماليك سواء، وإن كان غير مشروط عليه وقد أدي من مكاتبته شيئا كان
على مولاه من الدية بقدر ما بقي من كونه رقا وعلى إمام المسلمين من بيت المال
بقدر ما تحرر منه، ومتى قتل حر مكاتبا وكان قد أدى من مكاتبته شيئا كان
عليه بمقدار ما قد تحرر منه من دية الحر وبمقدار ما قد بقي منه من قيمة
المماليك، وليس عليه أكثر من ذلك (1).
وعليه دلت رواية محمد بن قيس، عن الباقر - عليه السلام - في قضاء أمير
المؤمنين - عليه السلام - (2).
ولما روي الشيخ هذه الرواية قال: ولا ينافي ذلك ما رواه علي بن جعفر،
عن أخيه الكاظم - عليه السلام - قال: سألته عن مكاتب فقأ عين مكاتب أو
كسر سنة، ما عليه؟ قال: إن كان أدى نصف مكاتبته فديته دية حر، وإن
كان دون النصف فبقدر ما عتق، وكذلك إذا فقأ عين حر، وسألته عن حر فقأ
عين مكاتب أو كسر سنة، قال: إذا أدى نصف مكاتبته تفقأ عين الحر أو
ديته، فإن كان خطأ فهو بمنزلة الحر، وإن كان لم يؤد النصف قوم فأدي بقدر ما
عتق منه. وسألته عن المكاتب إذا أدي نصف ما عليه، قال: هو بمنزلة الحر في
الحدود، وغير ذلك من قتل أو غيره، قال الشيخ: لأن الوجه في الجمع أن يحمل
الخبر الأول على التفصيل الذي تضمنه الخبر الأخير، فنقول: يحسب فيؤدي منه
بحساب الحرية ما لم يكن أدي نصف ثمنه، فإذا أدي ذلك كان حكمه حكم
الأحرار على ما تضمنه الخبر الأخير (3).
وقال ابن إدريس: الصحيح ما ذهب إليه في نهايته، لأنه يعضده أصول

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 393 - 394.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 276 - 277 ح 1048. وسائل الشيعة ب 10 من أبواب ديات النفس ح 2
ج 19 ص 157.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 277 ذيل الحديث 1048 و ح 1049 وذيله.
326

مذهبنا (1).
والوجه عندي أنه إن قتل حرا خطأ وكان قد عتق بعضه بالأداء، سواء
كان أكثر من النصف أو أقل، فإن نصيب الحرية على الإمام، وأما نصيب
الرق فإنه يتعلق برقبته، فإن فداه مولاه فهو باق على الكتابة، وإن دفعه استرقه
أولياء المقتول.
وقال الصدوق: إذا فقأ حر عين مكاتب أو كسر سنه فإن كان أدى نصف
مكاتبته فقأ عين الحر أو أخذ ديته إن كان خطأ فإنه بمنزلة الحر، وإن كان لم
يؤد النصف قوم فأدي بقدر ما عتق منه (2).
وقال الصدوق أيضا: والمكاتب إذا قتل رجلا خطأ فعليه من الدية بقدر ما
أدى من مكاتبته، وعلى مولاه ما بقي من قيمته (3).
وقال أيضا: فإن قتل المكاتب رجلا خطأ فإن كان مولاه حين كاتبه
اشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق، فهو بمنزلة المملوك يدفع إلى أولياء المقتول
فإن شاؤوا استرقوا، وإن شاؤوا باعوا، وإن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط
عليه وكان قد أدى من مكاتبته شيئا فإن على الإمام أن يؤدي إلى أولياء المقتول
من الدية بقدر ما أعتق من المكاتب، وأرى أن يكون على المكاتب ما بقي مما لم
يؤد لأولياء المقتول عليه يستخدمونه حياته، وليس لهم بيعه (4).
وقال المفيد: إن قتل المكاتب حرا عمدا وكان مشروطا عليه فداه السيد أو
دفعه إلى أولياء المقتول ليسترقوه أو يبيعوه إن اختاروا ذلك، وإن كان مطلقا
كان على الإمام أن يؤدي عنه بقدر ما عتق منه بحساب أدائه من مكاتبته،

(1) السرائر: ج 3 ص 355.
(2) المقنع: ص 189، وفيه: " ففي عين الحر ".
(3) المقنع: ص 191.
(4) المقنع: ص 192 مع اختلاف.
327

ويستخدمه أولياء المقتول في باقي ما عليه حتى يوفيه أو يموت قبل ذلك (1). وتبعه
سلار (2).
لنا: ما دلت الرواية الأولى عليه.
ولأنه قبل الأداء مملوك، وإنما ينعتق به، فإذا لم يؤد شيئا بقي على محض
الرق، ومع أداء البعض ينعتق بقدر ما يؤدي إجماعا فيلحقه حكم الأحرار في
ذلك القدر خاصة دون نصيب الرقية. وقول المفيد لا بأس به.
مسألة: لو قطع رجل يد عبد وآخر رجله كان للمولى مطالبة كل منهما بنصف
قيمته ويكون العبد باقيا على ملكه.
قال الشيخ في المبسوط: لو قطع يدي عبد كان عليه كمال قيمته ويسلم
العبد عندنا، وإذا قطع رجل رجل عبد والآخر يده كان عليهما كمال قيمته على
كل واحد منهما نصفه، ويمسك المولى العبد هنا بلا خلاف، وفي الأول خلاف،
ومنهم من سوى بين المسألتين فجعل العبد بين الجانبين، وهو الأقوى (3).
وقال ابن إدريس: ما قواه الشيخ أضعف من التمام (4)، بل الأول
الصحيح (5). وهو المعتمد، وبه قال ابن البراج (6).
لنا: أنه كان رقا للمولى فيستصحب إلى أن يظهر المزيل، ولم يثبت، ولولا
الإجماع في الواحد لكان الحكم فيه ذلك أيضا، لكن صرنا إلى الانتقال مع
أخذ الدية، للإجماع المنفي هنا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى قتل عبد حرين أو أكثر منهما أو جرحهما
جراحة تحيط بثمنه واحدا بعد الآخر كان العبد لأولياء الأخير، لأنه إذا قتل
واحدا فصار لأوليائه، فإذا قتل الثاني انتقل منهم إلى أولياء الثاني ثم هكذا

(1) المقنعة: ص 752، وفيه: " وإذا قتل المكاتب الحر خطأ...
(2) المراسم: ص 237.
(3) المبسوط: ج 7 ص 108.
(4) كذا في النسخ، والظاهر: الثمام بنت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص.
(5) السرائر: ج 3 ص 356.
(6) المهذب: ج 2 ص 486.
328

بالغا ما بلغ، ومتى قتلهم بضربة واحدة أو جناية واحدة كان بين أوليائهم
بالسوية، وليس على مولاه أكثر منه (1).
وقد روي الشيخ في الاستبصار عن علي بن عقبة، عن الصادق
- عليه السلام - قال: سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحدا بعد واحد، قال:
فقال: هو لأهل الأخير من القتلى، إن شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا استرقوه لأنه
إذا قتل الأول استحق أولياؤه، فإذا قتل الثاني استحق من أولياء الأول فصار
لأولياء الثاني: فإذا قتل الثالث استحق من أولياء الثاني فصار لأولياء
الثالث، فإذا قتل الرابع استحق من أولياء الثالث فصار لأولياء الرابع، إن
شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا استرقوه (2).
قال الشيخ: هذا الخبر ينبغي أن نحمله على أنه إنما يصير لأولياء الأخير إذا
حكم بذلك الحاكم، فأما قبل ذلك فإنه يكون بين أولياء الجميع (3)، لما رواه
محمد بن علي بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، عن الباقر
- عليه السلام - في عبد جرح رجلين قال: هو بينهما إن كانت تحيط بقيمته قيل
له: فإن جرح رجلا في أول النهار وجرح آخر في آخر النهار، قال: هو بينهما ما لم
يحكم الوالي للمجروح الأول، قال: فإن جني بعد ذلك جناية فإن جنايته على
الأخير (4).
وقال ابن الجنيد: ولو جرح العبد حرين كان ثمنه بينهما على رأس (5)
جراحتهما، وإن فضل شئ كان للسيد، ولو جرح رجلا جراحة استحق بها

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 394 - 395.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 274 ح 1040، وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب القصاص في النفس ح 3
ج 19 ص 77.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 274 ح 1040.
(4) الإستبصار: ج 4 ص 274 ذيل الحديث 1040 و 1041.
(5) في نسخة: (ق 2) قدر، بدل رأس.
329

رقبته أول النهار ثم جرح آخر في النهار مثلها فإن كان حكم للأول بالعبد قبل
الجراحة الثانية قام مقام المولى الأول، وإن لم يكن حكم له بذلك حتى جرح
الثاني كانا جميعا شريكين في قيمته بحسب جراحتهما.
والصدوق روى في كتاب المقنع حديث علي بن عقبة (1).
وقال ابن إدريس: إن كان أولياء الأول اختاروا استرقاقه ورضوا بذلك
وعفوا من قتله صار مملوكا لهم، فإذا قتل الثاني صار مملوكا لأوليائه إن اختاروا
ذلك، وإلا لهم قتله ولا يدخل في ملك واحد من القبيلتين بغير اختياره، فأما
إذا لم يختر أولياء الأول استرقاقه ولا عفوا عن قتله ثم قتل الثاني فمن سبق إلى
قتله كان له ذلك، لقوله تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا) وإلى ما اختاره
ذهب شيخنا في الجزء الثالث من الاستبصار، وعاد عما أطلقه في نهايته وذهب
إليه، إلا أنه لما أورد الرواية التي فيها أنه لأولياء الأخير من المقتولين قال: هذا
الخبر ينبغي أن نحمله على أنه إنما يصير لأولياء الأخير إذا حكم بذلك الحاكم،
فأما قبل ذلك فإنه يكون بين أولياء الجميع، وأي فائدة وأثر في الحاكم وحكمه
إن أراد - رحمه الله - بقوله: " حكم الحاكم " ثبت عنده، فما يكون الأحكام إلا
بعد ثبوتها، وإن أراد حكم الحاكم باسترقاق العبد القاتل فلا حكم للحاكم في
ذلك ولا مدخل ولا قول، بل الاختيار في ذلك إلى الأولياء بين القتل
والاسترقاق، ولا مدخل للحاكم في ذلك بلا خلاف، ومتى قتلهما بضربة
واحدة أو جناية واحدة كان بين أوليائهما على ما حررناه، وليس على مولاه أكثر
من تسليمه إليهما (2).
والوجه ما قاله الشيخ في الاستبصار، ومراد الشيخ بحكم الحاكم ما يجب

(1) المقنع: ص 186.
(2) السرائر: ج 3 ص 357، مع اختلاف.
330

أن يحكم به، وهو الانتقال المستند إلى اختيار أولياء الأول استرقاقه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا قتل عبد حرا خطأ فأعتقه مولاه جاز
عتقه، ولزمه دية المقتول، لأنه عاقلته على ما بيناه (1).
وقال ابن إدريس: المولى لا يعقل عن عبده، وإنما مقصود شيخنا إذا أعتقه
تبرعا فإنه مولاه وله ولاؤه وهو يعقل عنه بعد ذلك، إلا أنه في حال ما قتل الحر
لم يكن السيد عاقلته، ولا يجب على السيد سوى تسليمه إلى أولياء المقتول
حسب ما قدمناه فإنه عبدهم وهم مستحقون له، إلا أن يتبرع المولى ويفديه
بالدية، فإذا فداه وضمن عنه ما جناه جاز له حينئذ عتقه والتصرف فيه، وقبل
ذلك لا يجوز له شئ من ذلك، لأنه قد تعلق به حق الغير، فلا يجوز إبطاله إلا
أن يضمن عنه، وكذلك لا يجوز بيعه قبل الضمان عنه ولا رهنه، وشيخنا أبو
جعفر قائل بذلك موافق عليه، لأنه قال في الخلاف في الرهن: إذا جنى العبد
جناية ثم رهنه بطل الرهن، سواء كانت الجناية عمدا أو خطأ أو توجب
القصاص أو لا توجبه. واستدل على بطلانه إذا كان عمدا بأنه إذا كان كذلك
فقد استحق المجني عليه العبد، وإن كان خطأ تعلق الأرش برقبته فلا يصح
رهنه، فكيف يصح ما قاله في النهاية وإطلاق كلامه بأنه عاقلته وأنه يجوز عتقه
قبل ضمان الدية عنه؟! (2).
والوجه ما اختاره الشيخ في النهاية.
لنا: أن العبد إذا جنى خطأ كان الخيار إلى مولاه، إن شاء فداه، وإن شاء
سلمه إلى أولياء المقتول ليسترقوه، فإذا باشر عتقه فقد باشر إتلافه فكان عليه
ضمان ما تعلق به.

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 396 - 397.
(2) السرائر: ج 3 ص 358.
331

ويؤيد ذلك ما رواه جابر، عن الباقر - عليه السلام - قال: قضى أمير
المؤمنين - عليه السلام - في عبد قتل حرا خطأ فلما قتله أعتقه مولاه، قال: فأجاز
عتقه وضمنه الدية (1).
والشيخ عنى بالعاقلة هنا الضامن، لا المعنى المتعارف.
تذنيب: قال أبو الصلاح: وإذا قتل العبد أو الأمة حرا مسلما أو حرة وجب
تسليم كل منهم إلى ولي الدم برمته، إن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا تملكوا ما معه
من مال وولده، وإن شاؤوا استرقوه وولده وتصرفوا في ملكه (2).
والوجه أن المال الذي بيد العبد وولده للمولى، ولو تجدد للعبد قبل تملك
الأولياء كان أيضا للمولى.
مسألة: قال المفيد: قتيل الزحام في أبواب الجوامع وعلى القناطر والجسور
والأسواق وعلى الحجر الأسود وفي الكعبة وزيارات قبور الأئمة - عليهم السلام -
لا قود له، ويجب أن يدفع الدية إلى أوليائه من بيت مال المسلمين، فإن لم يكن
له ولي يأخذ ديته فلا دية له على بيت المال، ومن وجد قتيلا في أرض بين
قريتين ولم يعرف قاتله كانت ديته على أهل أقرب القريتين من الموضع الذي
وجد فيه، فإن كان الموضع وسطا ليس يقرب إلى أحد القريتين إلا كما يقرب
من الآخر كانت ديته على أهل القريتين بالسوية، وإذا وجد قتيل في قبيلة قوم
أو دارهم لم يعرف له قاتل بعينه كانت ديته على أهل القبيلة أو الدار دون من
بعد منهم، إلا أن يعفو أولياؤه عن الدية فسقط عن القوم، فإذا وجد قتيل في
مواضع متفرقة قد فرق جسده فيها ولم يعرف قاتله كانت ديته على أهل الموضع

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 200 ح 794، وسائل الشيعة: باب 12 من أبواب ديات النفس ح 1
ج 19 ص 160.
(2) الكافي في الفقه: ص 385، وفيه: " وتصرفوا في ماله ".
332

الذي وجد فيه قلبه وصدره، إلا أن يتهم أولياء المقتول أهل موضع آخر فتكون
الشبهة فيهم قائمة فيقسم على ذلك، ويكون الحكم في القسامة ما ذكرناه (1).
وقال الشيخ في النهاية: من مات في زحام يوم الجمعة أو عرفة أو على جسر
وما أشبه ذلك ولا يعرف قاتله كانت ديته على بيت المال إن كان له ولي
يطلب ديته، فإن لم يكن له ولي فلا دية له، وإذا وجد قتيل في باب دار قوم أو
في قرية أو قبيلة ولا يدرى من قتله كانت ديته على أهل تلك الدار أو القبيلة أو
القرية التي وجد المقتول فيها إذا كانوا متهمين بقتله وامتنعوا من القسامة، فإن لم
يكونوا متهمين بذلك أو أجابوا إلى القسامة لم يكن عليهم شئ وكانت ديته على
بيت المال، فإن وجد المقتول بين قريتين كانت ديته على أهل أقرب القريتين
إليه، فإن كانت القريتان متساويتين إليه في المسافة كانت ديته على أهل
القريتين، وإذا وجد قتيل في مواضع متفرقة كانت ديته على أهل الموضع الذي
وجد فيه قلبه وصدره وليس على الباقين شئ، إلا أن يتهم؟؟ قوم آخرون
فيكون حينئذ الحكم فيهم إما إقامة البينة أو القسامة على الشرح الذي
قدمناه (2).
وقال أبو الصلاح: ودية القتيل الموجود في القرية أو المحلة المتميزة أو الدرب
أو الدار أو القبيلة ولا يعرف له قاتل بإقرار أو بينة على أهل المحل الذي وجد
فيه، فإن وجد بين القريتين أو الدارين أو المحلتين أو القبيلتين فديته على أقربهما
إليه، فإن كان وسطا فالدية نصفان (3).
وقال ابن إدريس: من مات في زحام على جسر أو زيارة قبور الأئمة - عليهم
السلام - أو في أبواب الجوامع أو المشاهد أيام الزيارات وعرفة وشبهها ولا يعرف

(1) المقنعة: ص 741 - 742.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 397 - 398، مع اختلاف.
(3) الكافي في الفقه: ص 393.
333

قاتله ولا واكزه فديته على بيت مال المسلمين إن كان له ولي يطلب ديته، وإن
لم يكن له ولي فلا دية له، ودية القتيل الموجود في القرية أو المحلة المتميزة أو
الدرب أو الدار أو القبيلة ولا يعرف له قاتل بإقرار أو بينة على أهل المحل الذي
وجد فيه، فإن وجد بين القريتين أو الدارين أو المحلتين أو القبيلتين فديته على
أقربهما إليه، فإن كان وسطا فالدية نصفان. وروى أصحابنا أنه إذا كانت
القريتان متساويتين إليه في المسافة كانت ديته على أهل الموضع الذي وجد فيه
قبله وصدره، وليس على الباقيتين شئ، إلا أن يتهم آخرون فيكون الحكم
فيهم إما إقامة البينة أو القسامة. وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في استبصاره
وأورد ثلاثة أخبار: بأن على أهل القرية أو القبيلة الدية، ثم قال: قال محمد
بن الحسن: الوجه في هذه الأخبار أنه إنما يلزم أهل القرية أو القبيلة إذا وجد
القتيل بينهم متى كانوا متهمين بالقتل وامتنعوا من القسامة حسب ما بيناه في
كتابنا الكبير، فإن لم يكونوا متهمين أو أجابوا إلى القسامة فلا دية عليهم ويؤدي
ديته من بيت المال.
قال ابن إدريس: وإلى هذا القول أذهب وبه أفتي، لأن وجود القتيل بينهم
لوث فيقسم أولياؤه مع اللوث وقد استحقوا ما يقسمون عليه، وهذا الذي
يقتضيه أصول مذهبنا (1).
وقول الشيخ لا بأس به، ولا خلاف طائل تحت هذه المسألة.
والذي رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال:
في الرجل يوجد قتيلا في القرية أو بين قريتين، فقال: يقاس ما بينهما فأيهما
كانت أقرب ضمنت (2).

(1) السرائر: ج 3 ص 359 - 360، مع اختلاف.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 277 - 278 ح 1051، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب دعوى القتل وما يثبت
به ذيل الحديث 4 ج 19 ص 112.
334

وفي الصحيح عن عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس، عن الباقر
- عليه السلام - قال: قضى أمير المؤمنين - عليه السلام - في رجل قتل في قرية أو
قريبا من قرية أن يغرم أهل تلك القرية إن لم يوجد بينة على أهل تلك القرية
أنهم ما قتلوه (1). ثم ذكر ما نقله ابن إدريس.
ثم روى عن الفضيل، عن الصادق - عليه السلام - قال: إذا وجد رجل
مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعا ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا، فإن أبوا غرموا
الدية في ما بينهم في أموالهم سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين (2).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا وقعت فزعة بالليل فوجد فيها قتيل أو
جريح لم يكن فيه قصاص ولا أرش وكانت ديته على بيت المال (3).
وجعله ابن إدريس رواية، ثم قال: هذا إذا لم يتهم قوم فيه ويكون ثم
لوث (4). ولا بأس بهذا القيد.
قال الشيخ في النهاية أيضا: وإذا وجد قتيل في معسكر أو في سوق من
الأسواق ولم يعرف له قاتل كانت ديته على بيت المال (5).
وجعله ابن إدريس رواية، ثم قال: إلا أن يكون هناك لوث على رجل
بعينه أو قوم بأعيانهم فيجب على الأولياء القسامة حسب ما قدمناه. قال:
والفرق بين القبيلة والقرية وبين المعسكر والسوق على هذه الرواية أن القرية
متميزة، وكذلك القبيلة لا يختلط بهم سواهم، وليس كذلك السوق والمعسكر،

(1) الإستبصار: ج 4 ص 278 ح 1052، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح 5
ج 19 ص 112.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 278 ح 1053، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح 5
ج 19 ص 115.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 398 - 399.
(4) السرائر: ج 3 ص 360.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 399.
335

ويمكن أن يكون الوجه في هذه الرواية ما قدمناه (1). وهذا يشعر باستضعاف
ذلك عنده.
والوجه ما قال الشيخ مقيدا بما قاله ابن إدريس.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن قتله القصاص أو الحد فلا قود له ولا
دية (2)، وأطلق.
وقال المفيد: ومن جلده إمام المسلمين حدا في حق من حقوق الله فمات لم
يكن له دية، فإن جلده حدا أو أدبا في حقوق الناس فمات كان ضامنا لديته،
ومن قتله القصاص من غير تعد فيه فلا دية له (3).
والوجه ما قاله الشيخ في النهاية، وبه قال ابن إدريس (4).
لنا: أنه حد مأمور به فلا يكون مضمونا كحد الله تعالى، بل حد الآدميين
أضيق من حد الله تعالى المالك للأشياء كلها.
وما رواه الحلبي في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال: أيما رجل قتله
الحد أو القصاص فلا دية له (5).
وعن زيد الشحام، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن رجل قتله
القصاص هل له دية؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتص من أحد، ومن قتله الحد
فلا دية له (6).
احتج المفيد - رحمه الله - بما رواه الحسن بن صالح الثوري، عن الصادق

(1) السرائر: ج 3 ص 360.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 399.
(3) المقنعة: ص 743.
(4) السرائر: ج 3 ص 361.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 206 ح 813، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب قصاص النفس ح 9
ج 19 ص 47.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 207 ح 815، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب قصاص النفس ح 1
ج 19 ص 46.
336

- عليه السلام - قال: كان علي - عليه السلام - يقول: من ضربناه حدا من حدود
الله فمات فلا دية له علينا، ومن ضربناه حدا في شئ من حقوق الناس فمات
قال ديته علينا (1).
والشيخ في الاستبصار اختار مذهب المفيد، لهذه الرواية (2).
والجواب: أحاديثنا أصح طريقا فتعين العمل بها.
مسألة: روى الشيخ في النهاية عن الأصبغ بن نباتة قال: قضى أمير المؤمنين
- عليه السلام - في جارية ركبت جارية فنخستها جارية أخرى فقمصت المركوبة
فصرعت الراكبة، فقضى أن ديتها نصفين بين الناخسة والمنخوسة (3).
وقال المفيد في المقنعة: قضى علي - عليه السلام - في جارية ركبت عنق
أخرى فجاءت جارية ثالثة فقرصت المركوبة فقمصت لذلك فوقعت الراكبة
فاندق عنقها، فألزم القارصة ثلث الدية، والقامصة ثلثها الآخر، وأسقط الثلث
الباقي لركوب الواقصة عبثا (4).
وقال أبو الصلاح: قضى أمير المؤمنين - عليه السلام - في امرأة ركبت عنق
أخرى فجاءت أخرى فقرصت المركوبة فقمصت فوقعت الراكبة فاندق عنقها،
على القارصة ثلث الدية، وعلى المركوبة الثلث، وأسقط الثلث لركوبها، ولو
كانت راكبة بأجر لكانت الدية على القارصة القامصة كاملة وأنها كانت
لاعبة (5).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 208 ح 822، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب قصاص النفس ح 3
ج 19 ص 46.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 279 ح 1057 وذيل حديث 1056.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 422 - 423.
(4) المقنعة: ص 750.
(5) الكافي في الفقه: ص 394.
337

وقال ابن البراج: إذا ركبت جارية جارية فنخستها أخرى فقمصت
المركوبة فصرعت الراكبة فماتت كانت الدية على الناخسة والقامصة نصفين،
وروي أن عليهما ثلثي الدية، وسقط الثلث الباقي لركوب الميتة عبثا. والأول
أظهر (1).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه الأدلة أن الدية جميعا على الناخسة دون
المنخوسة، لأنها الجانية، والتي اضطرتها للمركوبة حتى قمصت، فأما إذا أمكنها
ألا تقمص وقمصت لا ملجأة فالدية عليها وحدها (2).
وقول المفيد ليس بعيدا عن الصواب، لأن هذا الوقوع في الحقيقة مستندا
إلى فعل الثلاثة، والتقدير الإلجاء.
مسألة: روى الشيخ في النهاية عن محمد بن قيس، عن الباقر - عليه السلام -
قال: قضى أمير المؤمنين - عليه السلام - في أربعة نفر اطلعوا في زبية الأسد فخر
أحدهم فاستمسك بالثاني واستمسك الثاني بالثالث واستمسك الثالث
بالرابع، فقضى بالأول فريسة الأسد وغرم أهله ثلث الدية لأهل الثاني، وغرم
الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية، وغرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة (3).
وقال المفيد: - رحمه الله - إذا وقف جماعة على نهر أو بئر أو أشرفوا من علو فوقع
أحدهم فتشبث بالذي يليه وتعلق الذي يليه بمن يليه كان الحكم فيه ما قضى
به أمير المؤمنين - عليه السلام - في الذين سقطوا في زبية الأسد وكانوا أربعة نفر،
ثم ذكر ما رواه الشيخ (4). وهو يعطي إفتاؤه بهذه الرواية، وكذا ابن البراج (5).
وقال ابن إدريس - عقيب الرواية -: وعلى من تجب؟ يعني دية الرابع قال

(1) المهذب: ج 2 ص 499.
(2) السرائر: ج 3 ص 374.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 425 - 426 - 427.
(4) المقنعة: ص 750.
(5) المهذب: ج 2 ص 498.
338

قوم: على الثالث وحده، لأنه هو الذي باشر جذبه، وقال آخرون: على الثالث
والثاني والأول، لأنهم كلهم جذبوه، فعلى كل واحد منهم ثلث الدية، وعلى
هذا أبدا وإن كثروا، وهذا الذي يطابق ما رواه أصحابنا. قال: وقد روى
المخالف عن سماك بن حرب، عن حنبش الصنعاني أن قوما من اليمن حفروا
زبية للأسد فوقع فيها الأسد واجتمع الناس على رأسها فهوى فيها واحد فجذب
ثانيا وجذب الثاني ثالثا ثم جذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد، فرفع ذلك إلى
علي - عليه السلام - فقال: للأول ربع الدية، لأنه هلك فوقه ثلاثة، وللثاني ثلثا
الدية، لأنه هلك فوقه اثنان، والثالث نصف الدية، لأنه هلك فوقه واحد،
والرابع كمال الدية، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله - فقال: هو كما
قال علي - عليه السلام - قالوا: وهذا حديث ضعيف، والفقه ما بيناه في الأربعة،
وروايتنا خاصة مطابقة لما بيناه أولا بعينه، وفقهها على ما قلناه (1). ولا خلاف
طائل تحت هذا.
لكن يحتمل أن يقال: الأول هدر وعليه دية الثاني، وعلى الثاني دية
الثالث، وعلى الثالث دية الرابع.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: روى أبو بصير، عن الصادق - عليه السلام
قال: قضى أمير المؤمنين - عليه السلام - في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر
فوقع على واحد منهم فمات فضمن الباقين ديته، لأن كل واحد منهم ضامن
صاحبه (2). ورواها الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (3)، مع أنه قرر أنه
يروي فيه ما يعتقدوه.

(1) السرائر: ج 3 ص 375.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 427 - 428.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 159 ح 5361.
339

وقال في المقنع - عقيب هذه الرواية -: وليس في ذلك إلا التسليم، مع أنه
قال قبلها: والهدم جبار (1).
وقال ابن إدريس: هذه الرواية من أخبار الآحاد أوردها شيخنا في نهايته
على ما وجدها إيرادا، وقد أورد شيخنا ما يقتضي رجوعه عن هذه الرواية في
مبسوطه من قوله: في رجال عشرة رموا بحجر المنجنيق فعاد الحجر على أحدهم
فقتله فقال: يضمن التسعة ديته إلا قدر جنايته على نفسه، والذي يقتضيه
الأدلة ويحكم بصحته أصول المذهب أنه مات بفعله وفعل الآخرين، فيسقط
ثلث الدية الذي قابل فعله، ويستحق على الاثنين ثلثا الدية فحسب (2).
وهذا الذي اختاره هو المعتمد، فإن صحت الرواية تعين العمل بها.
وقال ابن الجنيد بما اخترناه، فقال: والقوم إذا عملوا عملا واحدا فأصيب
به بعضهم ضمن الأحياء دية الميت بعد وضع قسطه منها، فإنهم إذا كانوا أربعة
فمات واحد بالجناية المشتركة منهم أجمعين ضمن الثلاثة ثلاثة أرباع الدية. ثم قال
بعد ذلك: والفارسان إذا تصادما فمات أحدهما ضمن الحي دية الميت.
والوجه أنه يضمن النصف.

(1) لم نعثر عليه.
(2) السرائر: ج 3 ص 377.
340

الفصل الرابع
في ضمان النفوس وغيرها
مسألة: قال الشيخ في النهاية: من دعا غيره ليلا فأخرجه من منزله فهو له
ضامن إلى أن يرده إلى منزله أو يرجع هو بنفسه إليه، فإن لم يرجع ولا يعرف له
خبر كان ضامنا لديته، فإن وجد قتيلا كان على الذي أخرجه القود أو يقيم
البينة بأنه برئ من قتله، فإن لم تقم بينة وادعى أن غيره قتله طولب بإقامة
البينة على القاتل أو إحضاره ليحكم معه بما يقتضيه شريعة الإسلام، فإن تعذر
عليه ذلك كان عليه القود أو الدية يسلمها إلى أوليائه إذا رضوا بها عنه. وقد
روي أنه إذا ادعى أنه برئ من قتله ولم تقم عليه بينة بالقتل كان عليه الدية
دون القتل، وهذا هو المعتمد (1).
ونحوه قال المفيد، إلا أنه قال عوض: " وهذا هو المعتمد " " وهذا أحوط في
الحكم " (2)

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 406 - 407 - 408.
(2) المقنعة: ص 746.
341

وقال أبو الصلاح: من أخرج غيره من منزله ليلا ضمن في ماله دون عاقلته
حيت يرده إليه، أو يقيم البينة بسلامته، أو موته حتف أنفه، أو قتل غير له (1)
وقال سلار: من أخرج غيره من بيته فهو ضامن له حتى يرجع، فإن لم
يرجع فلا يخلو إما أن لا يعرف له أبدا خبر فعليه الدية إذا لم يثبت أنه قتله، وإن
وجد مقتولا فلا يخلو من أن يدعي ضامنه قتله على غيره أو لا يدعي، فإن ادعى
طولب بإحضار قاتله وإقامة البينة عليه، فإن فعل ذلك فلا شئ عليه، وإن لم
يفعل فعليه ديته، فإن لم يدع فلا يخلو من أن يدعي أنه مات حتف أنفه أولا
يدعي شيئا، فإن ادعى موته لزمته الدية، وإن لم يدع شيئا فأولياء المقتول
مخيرون بين قتله قودا وأخذ الدية منه (2).
وقال ابن حمزة: من دعا غيره ليلا وأخرجه من منزله ولم يرده إليه ولا
رجع هو ولم يعرف خبره حيا أو ميتا أو وجد قتيلا ولم يقم الداعي بينة على أنه
مات حتف أنفه أو قتله غيره ضمن ديته في الموت، ولزمه القصاص في القتل
إذا لم يدع البراءة من قتله (3).
وقال ابن إدريس: روى أصحابنا أن من دعا غيره ليلا فأخرجه من منزله
فهو له ضامن إلى أن يرده إلى منزله أو يرجع هو بنفسه إليه، فإن لم يرجع إلى
المنزل أو لا يعرف له خبر كان ضامنا لديته، فإن وجد قتيلا كان على الذي
أخرجه القود بعد القسامة من أوليائه على ما مضى شرحه أو يقيم البينة بأنه
برئ من قتله، فإن لم يقم بينة وادعى أن غيره قتله ولم يقم بذلك بينة بقتل
غيره له على ما ادعاه كان عليه الدية دون القود على الأظهر في الأقوال
والروايات، وقد روي أن عليه القود. والأول هو الصحيح، وهو اختيار شيخنا

(1) الكافي في الفقه: ص 392.
(2) المراسم: ص 241، مع اختلاف.
(3) الوسيلة: ص 454.
342

أبي جعفر في نهايته، ومتى أخرجه من البيت ثم وجد ميتا فادعى أنه مات
حتف أنفه روي أنه عليه الدية أو البينة على ما ادعاه، والذي يقتضيه الأدلة
أنه إذا كان غير متهم عليه ولا يعلم بينهما إلا خير وصلح فلا دية عليه بحال، فأما
إذا كان يعلم بينهما مخاصمة وعداوة فلأوليائه القسامة بما يدعونه من أنواع
القتل، فإن ادعوا قتله عمدا كان لهم القود، وإن ادعوا أنه خطأ كان لهم
الدية، لأن إخراجه والعداوة التي بينهما يقوم مقام اللوث المقدم ذكره (1).
والوجه أن نقول: إن أخرجه ليلا ولم يعلم له خبر البتة كان عليه الدية في
ماله، وإن وجد قتيلا فإن ادعى قتله على أحد وصدقه أو قامت معه البينة فلا
ضمان عليه بل على الجاني، وإن انتفى الأمران كان ضامنا لديته في ماله، وإن
كان هناك لوث كان عليه القود بعد قسامة أهله، وكذا إذا لم يدع على أحد.
وإن وجد ميتا من غير قتل وادعى أنه مات حتف أنفه ولا لوث هناك ولا تهمة
فالقول قوله، وإن كان هناك لوث أو تهمة ضمن الدية، أما تقييد الإخراج
بالليل فلأصالة البراءة من غيره صرنا إلى خلافه، لثبوت التهمة فيبقى الباقي على
الأصل.
ولأن الأخبار الواردة وردت مقيدة فتتبع:
روى عبد الله بن ميمون، عن الصادق - عليه السلام - قال: إذا دعا الرجل
أخاه بليل فهو ضامن له حتى يرجع إلى بيته (2).
وروى عمرو بن أبي المقدام قال: كنت شاهدا عند البيت الحرام ورجل
ينادي بأبي جعفر وهو يطوف وهو يقول: يا أمير المؤمنين إن هذين الرجلين طرقا

(1) السرائر: ج 3 ص 364 - 365.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 222 ح 869، وسائل الشيعة: باب 36 من أبواب موجبات الضمان ح 1
ج 19 ص 206.
343

أخي ليلا فأخرجاه من منزله فلم يرجع إلي والله ما أدري ما صنعا به، فقال
لهما أبو جعفر: ما صنعتما به؟ فقالا: يا أمير المؤمنين كلمناه ثم رجع إلى منزله،
فقال لهما: وافياني غدا صلاة العصر في هذا المكان، فوافياه من الغد صلاة
العصر وحضرته (1)، فقال لجعفر بن محمد - عليهما السلام - وهو قابض على يده:
يا جعفر إقض بينهم أنت، فقال له: بحقي عليك إلا قضيت بينهم، قال: فخرج
جعفر فطرح له مصلى قصب فجلس - عليه السلام - عليه ثم جاء الخصماء
فجلسوا قدامه فقال: ما تقول؟ فقال: يا ابن رسول الله إن هذين طرقا أخي
ليلا فأخرجاه من منزله فوالله ما رجع إلي والله ما أدري ما صنعا به، فقال: ما
تقولان؟ فقالا: يا ابن رسول الله كلمناه ثم رجع إلى منزله، فقال جعفر
- عليه السلام -: يا غلام اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله - صلى
الله عليه وآله -: كل من طرق رجلا بالليل فأخرجه من منزله فهو له ضامن، إلا
أن يقيم البينة أنه قد رده إلى منزله، يا غلام نح هذا فاضرب عنقه، فقال: يا
ابن رسول الله والله ما قتلت ولكني أمسكته ثم جاء هذا فوجأه فقتله، فقال: يا
غلام نح هذا واضرب عنق الآخر، فقال: يا بن رسول الله والله ما عذبته ولكني
قتلته بضربة واحدة، فأمر أخاه فضرب عنقه ثم أمر بالآخر فضرب جبينه
وحبسه في السجن، ووقع على رأسه: يحبس عمره ويضرب كل سنة خمسين
جلدة (2).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: متى انقلبت الظئر على الصبي في منامها فقتلته
فإن كانت إنما طلبت المظائرة للفخر والعز كان عليها الدية في مالها خاصة،
وإن كانت إنما فعلت ذلك للفقر والحاجة كانت الدية على عاقلتها، ومن نام

(1) كذا في نسخة ق 2 وفاقا لبعض نسخ المصدر، وفي المطبوع: خصومه.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 221 ح 868، وسائل الشيعة: باب 18 من أبواب قصاص النفس ح 1
ج 19 ص 36.
344

فانقلب على غيره فقتله فإن ذلك شبيه العمد تلزمه الدية في ماله خاصة، وليس
عليه قود (1).
وقال المفيد: إذا نام الصبي إلى جنب الظئر فانقلبت عليه في النوم فقتلته لم
يجب عليها بذلك القود وكانت ضامنة لديته، وكذلك من انقلب في منامه على
طفل فقتله على غير تعمد لم يقد به، لكنه يفديه بالدية المغلظة حسب ما بيناه (2).
وقال سلار: وإن نومت الصبي إلى جنبها فانقلبت عليه فقتلته فعليها
الدية (3).
وابن حمزة (4) فصل الظئر إلى ما فصله الشيخ في النهاية، وهو الذي رواه
الصدوق في كتابيه (5) معا.
وابن إدريس اضطرب هنا فقال: فقد روي أنه متى انقلبت الظئر على
الصبي في منامها فقتلته فإن كانت إنما فعلت ذلك للفقر والحاجة كانت الدية
على عاقلتها، وإن كانت إنما طلبت المظائرة للفخر والعز كان عليها الدية في
مالها خاصة، وروي أن من نام فانقلب على غيره فقتله كان ذلك شبيه العمد
يلزمه الدية في ماله خاصة وليس عليه قود، والذي يقتضيه أصول مذهبنا أن
الدية في جميع هذا على العاقلة، لأن النائم غير عامد في فعله ولا عامد في قصده،
وهذا حد قتل الخطأ المحض، ولا خلاف أن دية قتل الخطأ المحض على العاقلة،
وإنما هذه أخبار آحاد، ولا يرجع بها عن الأدلة. والذي ينبغي تحصيله في هذا
أن الدية على النائم نفسه، لأن أصحابنا جميعهم يوردون ذلك في باب ضمان

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 410 - 411 - 412.
(2) المقنعة: ص 747.
(3) المراسم: ص 241.
(4) الوسيلة: ص 454.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 160 ح 5263، المقنع: ص 184.
345

النفوس، وذلك لا تحمله العاقلة بلا خلاف (1). وهذا يدل على اضطرابه
واختلال فتواه.
والذي رواه الشيخ والصدوق عن عبد الرحمان بن سالم، عن أبيه، عن الباقر
- عليه السلام - قال: أيما ظئر قوم قتلت صبيا لهم وهي نائمة فانقلبت عليه فقتلته
فإنما عليها الدية من مالها خصاة إن كانت إنما ظائرت لطلب العز والفخر، وإن
كانت إنما ظائرت من الفقر فإن الدية على عاقلتها (2).
والوجه أن نقول: إن صحت هذه الرواية تعين العمل بها، لكن في طريقها
من لا يحضرني الآن حاله، وإن لم يصح طريقها فالدية على العاقلة في الظئر
وغيرها فإن النائم لا قصد له، فيكون فعله خطأ محضا وطلب الظئر الفخر وعدمه
لا يخرج الفعل عن كونه خطأ أو شبيه العمد، لأن ذلك مستند إلى القصود
والدواعي وعدمها.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا أعنف الرجل على امرأته أو المرأة على
زوجها فقتل أحدهما صاحبه فإن كانا متهمين ألزما الدية، وإن كانا مأمونين لم
يكن عليها شئ (3).
وقال المفيد: الرجل إذا أعنف على امرأته فماتت من ذلك كان عليه ديتها
مغلظة ولم يقد بها، فإن أعنفت هي على زوجها فضمته إليها ونحو ذلك من
الفعل الذي لا يقصد به فاعله إلى إتلاف النفس فمات الزوج من ذلك كان
عليها دية مغلظة، ولم يكن عليها القود (4)، وأطلق. ولم يفصل إلى المتهم وغيره.

(1) السرائر: ج 3 ص 365 - 366.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 222 ح 873، من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 160 ح 5363، وسائل
الشيعة: ب 29 من أبواب موجبات الضمان ح 1 ج 19 ص 199.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 412 - 413.
(4) المقنعة: ص 747.
346

وروى الصدوق في المقنع عن الصادق - عليه السلام - قال: سئل عن رجل
أعنف على امرأته أو امرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الآخر، قال: لا
شئ عليهما إذا كانا مأمونين، فإذا اتهما لزمهما اليمين بالله أنهما لم يريدا القتل (1).
وقال سلار: وإذا أعنف الرجل بالمرأة فماتت فعليه ديتها، وكذا لو ضمته
فقتلته لكان عليها الدية (2).
وقال ابن إدريس: الأولى وجوب الدية على المعنف منهما كيف ما دارت
القضية، إلا أن الحكم إذا كانا متهمين فقد حصل لولي المقتول تهمة وهو
اللوث، فله أن يقسم ويستحق القود إن ادعى أن القتل عمد، فأما إذا كانا
مأمونين فالمستحق الدية على المعنف فحسب، ولا يستحق الولي القود هاهنا
بحال (3).
وهذا الذي اختاره يقتضيه قول شيخنا المفيد، إلا أن شيخنا المفيد لم
يفصل إلى التهمة وادعاء العمد وعدمه، وهو الوجه.
لنا: أن القتل مستند إليه فيكون مضمونا، وعدم التهمة لا ينفي القتل،
لصدوره حقيقة منه، لكن ينفي العمد.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: عمد الأعمى وخطأه سواء يجب فيه الدية على
عاقلته (4)، وتبعه ابن البراج (5)، وهو قول ابن الجنيد، ورواه الصدوق في كتاب
من لا يحضره الفقيه (6).

(1) المقنع: ص 190.
(2) المراسم: ص 241.
(3) السرائر: ج 3 ص 366.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 415.
(5) المهذب: ج 2 ص 495.
(6) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 114 ح 5227، وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب موجبات الضمان
ح 1 ج 19 ص 208.
347

وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول المذهب أن عمد الأعمى عمد
يجب فيه عليه القود، لقوله تعالى: (النفس بالنفس) (ولكم في القصاص
حياة) فإذا لم يقتل الأعمى بمن قتله عمدا خرجت فائدة الآية، فلا يرجع عن
الأدلة القاهرة برواية شاذة وخبر واحد لا يوجب علما ولا عملا (1). والوجه
ذلك.
لنا: أن مناط القصاص - وهو القتل العمد - العدوان ثبت هنا فيثبت
الحكم، عملا بالعلة وعموم الآيات.
احتج الشيخ - رحمه الله - بما رواه أبو عبيدة، عن الباقر - عليه السلام - قال:
سألته عن أعمى فقأ عين رجل صحيح متعمدا، قال: فقال: يا أبا عبيدة إن
عمد الأعمى مثل الخطأ هذا فيه الدية من ماله، فإن لم يكن له مال فإن دية
ذلك على الإمام، ولا يبطل حق مسلم (2).
وعن محمد الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن رجل ضرب
رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خديه فوثب المضروب على ضاربه فقتله،
قال: فقال أبو عبد الله - عليه السلام -: هذان متعديان جميعا، فلا أرى على الذي
قتل الرجل قودا، لأنه قتله حين قتله وهو أعمى، والأعمى جنايته خطأ يلزم
عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما، فإن لم يكن للأعمى عاقلة
لزمته ديته ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين ويرجع الأعمى على ورثة
ضاربه بدية عينيه (3).

(1) السرائر: ج 3 ص 368.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 232 ح 917، وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب القصاص في النفس
ح 1 ج 19 ص 65.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 232 - 232 ح 918، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب العاقلة ح 1
ج 19 ص 306.
348

والجواب: المنع من صحة الرواية، ويحمل على ما إذا لم يقصد القتل بل
الدفع.
تذنيب: قال ابن حمزة: ومن ضرب ضربة على رأس غيره فسالت عيناه
وضربه المضروب فقتله فإن ضربه دافعا لم يلزمه شئ وله الرجوع على تركة
المقتول بدية عينيه، وإن ضربه مقتصا لم يلزمه القود، لأنه أعمى وكان دية
المقتول على عاقلة الأعمى ودية عيني الأعمى في تركة الضارب، فإن لم يكن له
عاقلة تقاصا (1).
والوجه أن نقول: إن ضربه للدفع فلا شئ عليه، وإن ضربه قصاصا فمات
فلا قود، لأنه عمد الخطأ، بل تجب الدية عليه في ماله.
مسألة: المشهور بين علمائنا أن القصاص تجب في قتل الصبي، اختاره
الشيخ (2)، وابن حمزة (3)، وابن إدريس (4).
وقال أبو الصلاح:، لا تجب به القصاص بل الدية (5).
لنا: عموم قوله تعالى: (النفس بالنفس) (6) وقوله تعالى: (ولكم في
القصاص حياة) (7) وقوله تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا) (8).
احتج بأن عقله ناقص فأشبه المجنون.
والجواب: المنع من المساواة، فإن الفرق بينهما ظاهر.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن أحدث في طريق المسلمين حدثا ليس
له، أو في ملك لغيره بغير إذنه - من حفر بئر أو بناء حائط أو نصب خشبة أو
إقامة جذع أو إخراج ميزاب أو كنيف وما أشبه ذلك فوقع فيه شئ أو زلق أو

(1) الوسيلة: ص 455.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 416.
(3) الوسيلة: ص 434.
(4) السرائر: ج 3 ص 369.
(5) الكافي في الفقه: ص 384.
(6) المائدة: 45.
(7) البقرة: 179.
(8) الإسراء: 33.
349

أصابه منه شئ من هلاك أو تلف شئ من الأعضاء أو كسر شئ من
الأمتعة - كان ضامنا لما يصيبه، قليلا كان أو كثيرا، فإن أحدث في الطريق
ماله إحداثه لم يكن عليه شئ (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال الشيخ في الخلاف: من أخرج ميزابا إلى شارع فوقع على إنسان فقتله
أو متاع فأتلفه كان ضامنا، وبه قال جميع الفقهاء، إلا بعض الشافعية فإنه
قال: لا ضمان عليه، لأنه محتاج إليه، قال أصحابه: ليس بشئ. دليلنا إجماع
الأمة، وهذا القول شاذ لا يعتد به (3).
وقال في المبسوط: وأما الميازيب (4) فلكل أحد نصبها للخبر والإجماع. ولأن به
حاجة داعية إلى ذلك، إلا أنه لو وقع على إنسان فقتله فالحكم فيه كخشب
الجناح سواء، وقال بعضهم ها هنا: لا ضمان عليه، لأنه يحتاج إلى فعله مضطر
إليه، والأول هو الصحيح (5).
مع أنه قال في الجناح: إذا سقط أنه يضمن النصف، لأنه هلك عن فعل
مباح ومحظور (6).
وقال المفيد: من أحدث في طريق المسلمين شيئا لحق أحدا منهم به ضرر
كان ضامنا لجناية ذلك عليه، فإن أحدث فيه ما أباحه الله تعالى إياه وجعله
وغيره من الناس فيه سواء فلا ضمان عليه، لأنه لم يتعد واجبا بذلك (7)،
وأطلق. ولم يذكر حكم الميازيب، وتبعه سلار (8).
وقال أبو الصلاح: يضمن الحر العاقل قيمة ما أفسده وأرش ما جناه وما
يحصل عند فعله، والثاني - يعني ما يحصل عند فعله -: على ضروب: منها: أن

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 417.
(2) المهذب: ج 2 ص 496 - 497.
(3) الخلاف: ج 5 ص 290 المسألة 119.
(4) في المطبوع: الموازيب.
(5) المبسوط: ج 7 ص 188.
(6) المبسوط: ج 7 ص 188.
(7) المقنعة: ص 749.
(8) المراسم: ص 242.
350

يحدث في طريق المسلمين، أو في الملك المشترك بغير إذن الشركاء، أو في ملك
الغير بغير إذنه، فيضمن ما أثر ذلك من فساد أو حصل عنده من تلف أو
نقص (1).
وقال ابن حمزة: وإن نصب ميزابا جاز للمسلمين المنع، فإن نصب ووقع
على شئ ضمن (2).
وقال ابن إدريس: ومن أحدث في الطريق ماله إحداثه وفعله ونصبه - مثل
الميازيب والرواشن الغير المضرة بالمارة - لم يكن عليه شئ، لأنه محسن بفعله
وإحداثه غير مسئ، وقد قال تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) فمن أوجب
عليه شيئا خالف الآية، وأوجب عليه ما لم يوجبه الله عليه، وأيضا الأصل براءة
الذمة، فمن شغلها بشئ يحتاج إلى دليل، وشيخنا في نهايته ضمن صاحب
الميزاب، ولا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة ولا إجماع، وما اخترناه مذهب
شيخنا المفيد، ثم نقل كلامه في المقنعة، ثم قال: ولا خلاف بين المسلمين في
إباحة نصب الميازيب وجعلها لم ينكر أحد منهم ذلك بحال (3).
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: أنه سبب في الإتلاف فكان ضامنا، وإباحة السبب لا يسقط
الضمان، كالطبيب والبيطار والمؤدب بالسائغ شرعا.
وقد روى أبو الصباح الكناني في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام -
قال: من أضر بشئ من طريق المسلمين فهو له ضامن (4). وهذا عام يندرج فيه

(1) الكافي في الفقه: ص 401.
الوسيلة: ص 426.
(3) السرائر: ج 3 ص 370.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 231 ح 911، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب موجبات الضمان ح 2
ج 19 ص 179 - 180.
351

صورة النزاع.
وروى السكوني في الموثق، عن الصادق - عليه السلام - قال: قال رسول الله
- صلى الله عليه وآله -: من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو
حفر بئرا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن (1). وهو نص في
الباب.
وقوله: " إنه محسن " ليس بشئ، لأن إحسانه في حق نفسه لا يستلزم
إحسانه في حق المقتول، بل هو مسئ في حقه، إذ لولا نصب الميزاب لما سقط
عليه، ولو سلم منعنا عموم الآية (2)، لأنها مخصوصة بالطبيب والمؤدب وغيرهما.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن رمى في دار غيره متعمدا نارا فاحترقت
وما فيها كان ضامنا لجميع ما يتلفه النار من النفوس والأثاث والأمتعة وغير
ذلك، ثم يجب عليه بعد ذلك القتل (3). وتبعه ابن البراج (4).
وقال المفيد: ومن أحرق دار قوم فهلك فيها مال وأنفس كان عليه القود
بمن قتله وغرم ما أهلكته النار من متاع القوم، فإن لم يتعمد الإحراق لكنه
أضرم نارا لحاجة له فتعدت النار إلى الإحراق كان عليه دية الأنفس على
التغليظ وغرم ما هلك بالنار من المتاع، اللهم إلا أن يكون إضرامه النار في
مكان له التصرف فيه بحق ملك أو إجارة فتعدت النار إلى ملك قوم فأصابتهم
مضرتها فلا ضمان عليه (5).
وقال ابن إدريس: ومن أحرق دار قوم فهلك فيها أنفس وأموال كان عليه
القود بمن قتل وغرم ما أهلكه بالإحراق من الأموال، هذا إذا تعمد قتل

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 230 ح 908، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب موجبات الضمان ح 1
ج 19 ص 182.
(2) التوبة: 91.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 418 - 419.
(4) المهذب: ج 2 ص 496.
(5) المقنعة: ص 748.
352

الأنفس، فأما إذا لم يتعمد قتل الأنفس لكن تعمد إحراق الأموال والدار
فحسب فإنه يجب عليه ضمان الأموال، فأما الأنفس فدياتها على عاقلته، لأنه
غير عامد إلى القتل لا بالفعل ولا بالقصد فهو خطأ محض، لأنه غير عامد في فعله
إلى القتل ولا عامد في قصده إلى تناول النفس المقتولة وتلفها، وذكر شيخنا في
نهايته أن عليه ضمان ما أتلف من الأنفس وبعد ذلك عليه القتل، وهذا غير
واضح، لأنه إن كان قتل العمد فليس عليه إلا القود فحسب، وإن كان قتل
شبيه العمد أو الخطأ المحض فلا يجب عليه القود بحال (1).
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: أنه من المفسدين في الأرض.
وما رواه السكوني، عن الصادق - عن الباقر - عليهما السلام - عن أمير
المؤمنين - عليه السلام - أنه قضى في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم فاحترقت
واحترق متاعهم، قال: يغرم قيمة الدار وما فيها ثم يقتل (2).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا اغتلم البعير على صاحبه وجب عليه
حبسه وحفظه، فإن جنى قبل أن يعلم به لم يكن عليه شئ، فإن علم به وفرط
في حفظه كان ضامنا لجميع ما يصيبه من قتل نفس أو غيرها، فإن كان الذي
جنى عليه البعير ضرب البعير فقتله أو جرحه كان عليه بمقدار ما جنى عليه مما
ينقص من ثمنه يطرح من دية ما كان جنى عليه البعير (3). وتبعه ابن البراج (4).
وقال ابن إدريس: هذا غير واضح، والذي يقتضيه أصول مذهبنا أنه لا

(1) السرائر: ج 3 ص 371.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 231 ح 912، وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب موجبات الضمان ح 1
ج 19 ص 210.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 419.
(4) المهذب: ج 2 ص 497.
353

ضمان عليه بضرب البعير، لأنه بفعله محسن، وقال تعالى: (ما على المحسنين
من سبيل) (1).
والوجه أن نقول: إن دفع بذلك عن نفسه من غير تعد فيه فلا ضمان عليه،
كما قاله ابن إدريس، وإن لم يقصد الدفع بل جنى عليه بعد انفصاله وبعده عنه
وأمنه منه فالحق ما قاله الشيخ.
مسألة قال الشيخ في النهاية: ومن أركب غلاما له مملوكا دابة فجنت الدابة
جناية كان ضمانها على مولاه، لأنه ملكه (2).
وقال ابن البراج: إذا أركب إنسان عبدا له دابة فجنت الدابة جناية كان
ضمان ذلك على السيد (3)، وأطلق.
وقال ابن إدريس: إن كان الغلام غير بالغ كان الضمان على مولاه، لأنه
فرط بركوبه له الدابة، وإن كان بالغا عاقلا فإن كانت الجناية على بني آدم
فيؤخذ المملوك إذا كانت الجناية بقدر قيمته أو يفديه السيد، وإن كانت على
الأموال فلا يباع العبد في قيمة ذلك ولا يستسعى ولا يلزم مولاه ذلك (4). وهو
تفصيل حسن، لكن في الأخير يتعلق الجناية برقبة العبد يتبع به بعد العتق.
مسألة: قال ابن البراج: إذا دخل ستة غلمان الماء فغرق واحد منهم وشهد
اثنان منهم على الثلاثة بأنهم غرقوه وشهد الثلاثة على الاثنين أنهما غرقاه
فيجب أن يفرض الدية أخماسا، على الاثنين ثلاثة أخماس الدية وعلى الثلاثة
خمسا الدية، وإذا شرب أربعة نفر خمرا فتباعجوا بالسكاكين أو غيرها فمات
منهم اثنان وجرح اثنان فالحكم فيهم أن يضرب المجروحان كل واحد منهما

(1) السرائر: ج 3 ص 372.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 419.
(3) المهذب: ج 2 ص 497.
(4) السرائر: ج 3 ص 372: وفيه " وإن كانت الجناية على الأموال ".
354

ثمانين جلدة ويكون عليهما دية المقتولين ثم يقاس جراحتهما وتدفع من الدية،
وإن مات واحد من المجروحين لم يكن على أولياء المقتولين شئ (1).
والشيخ - رحمه الله - روى هذين الحكمين عن علي - عليه السلام - في
النهاية (2).
وقال ابن الجنيد: ولو تجارح اثنان فقتل أحدهما قضي بالدية على الباقي
ووضع منها عنه أرش الجناية عليه.
وقال ابن إدريس - لما روي الرواية الأولى -: إن كان الغلمان غير بالغين،
وهذا هو الظاهر، فشهادة الصبيان لا تقبل عندنا، إلا في الجراح والشجاج
فحسب دون ما عداه، وفي ما يقبل فيه أن يكونوا قد بلغوا عشر سنين، وقال
- عقيب الرواية الثانية -: الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن القاتلين يقتلان
بالمقتولين، فإن اصطلح الجميع على أخذ الدية أخذت كملا من غير نقصان،
لأن في إبطال القود إبطال القران، وأما نقصان الدية فذلك على مذهب من
تخير بين القصاص وأخذ الدية، وذلك مخالف لمذهب أهل البيت - عليهم
السلام - لأن عندهم ليس يستحق غير القصاص فحسب (3).

(1) المهذب: ج 2 ص 499.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 424.
(3) السرائر: ج 3 ص 374 و 375.
355

الفصل الخامس
في ديات الأعضاء
مسألة: قال الشيخ في النهاية: من قلب على رأس إنسان ماء حارا فامتعط
شعره فلم ينبت كان عليه الدية كاملة، فإن نبت ورجع إلى ما كان كان عليه
أرشه حسب ما يراه الإمام، فإن كان امرأة كان عليه ديتها إذا لم ينبت، فإن
نبت كان عليه مهر نسائها، وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة، فإن
نبتت كان فيها ثلث الدية (1) ونحوه في الخلاف (2).
وقال المفيد: وفي شعر الرأس إذا أصيب فلم ينبت مائة دينار، وفي شعر
اللحية كذلك إذا ذهب فلم ينبت (3).
وقال سلار: في شعر اللحية أو الرأس إذا لم ينبت الدية، وروي أن فيهما
إذا لم ينبتا مائة دينار (4). ونحوه ذهب ابن البراج (5).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 428 - 429 و 440، وفيه: " إذا لم ينبت الشعر فإن نبت ".
(2) الخلاف: ج 5 ص 197 المسألة 67 و ص 211 المسألة 91.
(3) المقنعة: ص 756.
(4) المراسم: ص 244 و 245، وفيه: " وروي أيضا أن قيمتها إذا ".
(5) المهذب: ج 2 ص 476.
356

وقال ابن الجنيد: واللحية إذا حلقت فلم ينبت ففيها الدية، فإن نبتت
فثلث الدية، وكذلك شعر المرأة، وقد روي في المرأة عن الصادق - عليه السلام -
أن يضرب ضربا وجيعا ويحبس في سجن المسلمين حتى يستوي، فإن نبت
شعرها أخذ منه مهر نسائها وحكم لحية الخنثى إن كان رجلا كذلك، وإن
كان امرأة ففيه حكومة.
والصدوق روى في كتاب من لا يحضره الفقيه عن الصادق - عليه السلام -
في شعر الرأس إذا لم ينبت الدية (1).
وروي فيه عن علي - عليه السلام - في اللحية إذا لم تنبت الدية، فإن نبتت
فثلث الدية (2).
وقال في المقنع: إذا حلق رجل لحية رجل فإن لم تنبت فعليه دية كاملة،
وإن نبتت فعليه ثلث الدية (3).
وقال في موضع آخر: ومن حلق رأس رجل فلم ينبت فعليه مائة دينار، فإن
حلق لحيته فعليه الدية (4).
وقال أبو الصلاح: في ذهاب شعر الرأس أو اللحية لا ينبت الدية كاملة،
فإن نبت ففي شعر رأس الرجل أو لحيته عشر ديته، وفي شعر المرأة مهر مثلها (5).
وابن حمزة أوجب الدية في شعر رأس الرجل أو لحيته إذا لم تنبت، أو في
شعر المرأة إذا لم تنبت ديتها (6).

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 149، وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب ديات الأعضاء ح 2 ج 19
ص 261.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 150 ح 5332، وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب ديات الأعضاء ح 1
ج 19 ص 260.
(3) المقنع: ص 188.
(4) المقنع: ص 190.
(5) الكافي في الفقه: ص 396.
(6) الوسيلة: ص 444.
357

وابن إدريس (1) اختار مذهب الشيخ في النهاية.
واحتج الشيخ عليه بما رواه مسمع، عن الصادق - عليه السلام - قال: قضى
أمير المؤمنين - عليه السلام - في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة، فإذا
نبتت فثلث الدية (2).
وعن يحيى بن حديد، عن بعض رجاله، عن الصادق - عليه السلام - قال:
قلت: الرجل يدخل الحمام فيصب عليه صاحب الحمام ماء حارا فيتمعط شعر
رأسه فلا ينبت، فقال: عليه الدية كاملة (3).
وعن سليمان بن خالد، عن الصادق - عليه السلام - قال: قلت له: رجل
دخل الحمام فيصب عليه ماء حار فامتعط شعر رأسه ولحيته فلا ينبت أبدا،
قال: عليه الدية (4).
وهذه الرواية عندي حسنة يتعين العمل بها، ولأنه واحد في الإنسان
فيدخل تحت حكم ما في الإنسان منه واحد، ويمكن منع الوحدة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: في شفر العين الأعلى ثلث دية العين مائة
وستة وستون دينارا وثلثا دينار، وفي شفر العين الأسفل نصف دية العين مائتان
وخمسون دينارا (5). وبه قال ابن حمزة (6).

(1) السرائر: ج 3 ص 377.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 250 ح 990، وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب ديات الأعضاء ح 1
ج 19 ص 260 - 261.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 250 ح 991، وفيه: " عن علي بن حديد "، وسائل الشيعة: ب 37 من
أبواب ديات الأعضاء ح 2 ج 19 ص 261.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 250 ح 992، وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب ديات الأعضاء ح 2
ج 19 ص 261.
(5) النهاية ونكتها: ج 2 ص 429.
(6) الوسيلة: ص 447.
358

وقال في الخلاف: في الأربعة الأجفان الدية كاملة، وفي كل جفنين في
عين واحدة خمسمائة دينار، وفي الأسفل منهما ثلث ديتها، وفي العليا ثلثا ديتها،
واحتج عليه بإجماع الفرقة وأخبارهم (1).
وفي المبسوط: في الأربعة أجفان الدية كاملة، وفي كل واحدة منهما مائتان
وخمسون دينارا، وروى أصحابنا أن في السفلى ثلث ديتها، وفي العليا ثلثيها (2).
والمفيد قال في المقنعة كما قال الشيخ في النهاية، ثم قال: وهذان العضوان
يختصان بهذا الحكم (3).
وقال سلار: في شفر العين الأعلى ثلث دية العين، وفي الأسفل نصف ديتها
بالرسم النبوي العلوي (4).
وقال ابن الجنيد: في جفون العينين الدية، وإن شتر الجفن الأعلى كان فيه
ثلث دية العين، وإن شتر الجفن الأسفل ففيه نصف دية العين.
وقال أبو الصلاح (5) بقول الشيخ في النهاية.
وقال ابن إدريس: في شفر العين الأعلى ثلثا دية العين، وفي شفر العين
الأسفل ثلث دية العين (6).
والشيخ - رحمه الله - روى في التهذيب عن ظريف بن ناصح، عن الصادق
- عليه السلام - قال: أفتى أمير المؤمنين - عليه السلام - فكتب الناس فتياه، فكتب
أمير المؤمنين - عليه السلام - إلى أمرائه ورؤوس أجناده: فمما كان فيه إن أصيب
شفر العين الأعلى فشتر فديته ثلث دية العين مائة دينار وست وستون دينارا وثلثا
دينار، وإن أصيب شفر العين الأسفل فشتر فديته نصف دية العين مائتان

(1) الخلاف: ج 5 ص 236 - 237 المسألة 24.
(2) المبسوط: ج 7 ص 130
(3) المقنعة: ص 755.
(4) المراسم: ص 245.
(5) الكافي في الفقه: ص 396.
(6) السرائر: ج 3 ص 378.
359

وخمسون دينارا (1).
والمعتمد ما ذكره في المبسوط لما رواه هشام بن سالم في الصحيح قال: كل
ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وما كان
واحدا ففيه الدية (2).
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا جنى على أهداب العينين فأعدم انباتها
ففيها الدية كاملة، واستدل عليه بإجماع الفرقة وأخبارهم (3).
وفي المبسوط: يقتضي مذهبنا أن في الأجفان والأهداب ديتين (4)، وتبعه
ابن حمزة (5).
وقال ابن البراج: فأما شعر الحاجبين فمضمون بنصف الدية، وكذلك شعر
أشفار العينين (6).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه الأدلة والإجماع أن الأهداب - وهو العشر
النابت على الأجفان - لا دية فيه مقدرة، لأن أصحابنا جميعهم لم يذكروا في
الشعور مقدرا سوى شعر الرأس واللحية وشعر الحاجبين، فإلحاق غير ذلك به
قياس، والأصل براءة الذمة، فإذا أعدم ذلك جان مفردا عن الأجفان كان فيه
حكومة، فإذا أعدمه مع الأجفان كان في الجميع دية الأجفان فحسب، لأن
الأهداب تبع للأجفان، فكان كما لو قطع اليد وعليها شعر (7). وهذا القول
لا بأس به.

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 258 ح 1019، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ديات الأعضاء ح 3
ج 19 ص 218.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 258 ح 1020 وفيه: " ففيهما الدية وفي أحدهما "، وسائل الشيعة: ب 1
من أبواب ديات الأعضاء ح 12 ج 19 ص 217.
(3) الخلاف: ج 5 ص 237 المسألة 25.
(4) المبسوط: ج 7 ص 130.
(5) الوسيلة: 442 و 447.
(6) المهذب: ج 2 ص 476.
(7) السرائر: ج 3 ص 378.
360

مسألة: لو ادعي نقصان ضوء إحدى العينين قال في النهاية: اعتبر مدى ما
يبصر بها من أربع جوانب بعد أن تشد الأخرى، فإن تساوى صدق، وإن
اختلف كذب، ثم يقاس ذلك إلى العين الصحيحة فما كان بينهما من النقصان
أعطي بحساب ذلك بعد أن يستظهر عليه بالأيمان حسب ما قدمناه في باب
القسامة (1).
وقال المفيد: واعتبار إحدى العينين إذا ادعى صاحبها نقصان نظر فيها بأن
تشد عينه المصابة ويمد له حبل فينظر منتهى نظر عينه الصحيحة ويحقق ذلك بمد
الحبل في الجهات الأربع، فإذا عرف صدقه باستواء المسافات الأربع المتساوية
حلت عينه المصابة وشدت عينه الصحيحة ومد الحبل تلقاء وجهه واعلم مدى
نظر عينه المصابة، ثم مد من جانب آخر ونظر منتهى نظره منه فإن خالفه لم
يصدق، وإن ساواه حقق ذلك باعتبار مد الحبل في الجهتين الأخراوين، فإذا
استوى نظره في الأربع جهات نظر في ما بين مدى عينه الصحيحة وعينه
المصابة وأعطي من ديتها بحساب ذلك إن شاء الله (2). وهو قريب من قول
الشيخ.
وقال ابن الجنيد: ويستدل على ذلك إذا ادعاه في إحدى العينين بالبيضة
وقدر نظر العين المدعى فيها نقص زوال نظرها في نظر الصحيحة.
وقال في المبسوط: فأما إذا نقص ضوء إحداهما أمكن اعتباره بالمسافة، وهو
أن يعصب العليلة ويطلق الصحيحة وينصب له شخص على نشز أو تل أو ربوة
في مستو من الأرض، وكلما ذكر أنه يبصره فلا يزال يباعد عليه حتى ينتهي إلى
مدى بصره، فإذا قال: قد انتهى غير ما عليه لون الشخص حتى يعلم صدقة من
كذبه، لأن قصده أن يبعد المدى، فإنه كل ما بعد وقصر مدى بصر العليلة كان

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 430.
(2) المقنعة: ص 758.
361

أكثر لحقه فلهذا غيرنا الشخص، فإذا عرفنا قدر المسافة ذرعا عصبنا الصحيحة
وأطلقنا العليلة ونصبنا له شخصا ولا يزال يباعد عليه حتى يقول: لا أبصره بعد
هذا وقصده هاهنا تقليل المسافة ليكثر حقه، فإذا فعل هذا أدرنا بالشخص من
ناحية إلى ناحية وكلفناه أن ينظر إليه، فإن اتفقت المسافتان علم صدقة، وإن
اختلفتا علم كذبه، فلا يزال معه حتى يسكن النفس إلى صدقه فيمسح المسافة
هاهنا وينظر ما بين المسافتين فيؤخذ بالحصة من الدية (1). ولا خلاف طائل
تحت هذه المسألة، والضابط فعل ما يحصل للحاكم معه صدق المدعى.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وفي العين العوراء الدية كاملة إذا كانت
خلقة أو قد ذهبت في آفة من جهة الله تعالى، فإن كانت قد ذهبت وأخذ
ديتها أو استحق الدية، وإن لم يأخذها كان فيها نصف القيمة (2).
وقال المفيد: وفي عين الأعور الدية كاملة، إلا أن تكون قد فقئت إحدى
عينيه فاستحق ديتها، ففي عينه إذا فقئت نصف الدية (3).
وقال الصدوق في المقنع: قضى أبو جعفر - عليه السلام - في عين الأعور إذا
أصيبت عينه الصحيحة ففقئت تفقأ عين الذي فقأ عينه ويعقل له نصف
الدية، وإن شاء أخذ الدية كملا (4). وهو موافق للشيخ في أن فيها الدية إذا
ذهبت خلقة، والنصف إذا ذهبت بجناية جان. ونحوه قال أبو الصلاح (5)،
وابن حمزة (6)، وسلار (7).
وقال ابن الجنيد: والأعور ولادة إذا فقئت عينه كانت له الدية كاملة،
لأن الجاني أذهب جميع بصره.

(1) المبسوط: ج 7 ص 128.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 433، وفيه: " نصف الدية ".
(3) المقنعة: ص 759.
(4) المقنع: ص 183 - 184.
(5) الكافي في الفقه: ص 396.
(6) الوسيلة: ص 446.
(7) المراسم: ص 244.
362

وقال ابن إدريس في العين العوراء الدية كاملة إذا كانت خلقة أو قد
ذهبت بآفة من جهة الله تعالى، فإن كانت قد ذهبت وأخذ ديتها أو استحق
الدية، وإن لم يأخذها كان فيها ثلث الدية، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في
مبسوطه ومسائل خلافه، وذهب في نهايته إلى أن فيها نصف الدية. والأول
الذي اخترناه هو الأظهر الذي يقتضيه أصول مذهبنا، ولأن الأصل براءة الذمة
فيما زاد على الثلث، فمن ادعى عليه زيادة يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه من
كتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا يرجع في مثل ذلك إلى أخبار الآحاد (1).
وفي هذا النقل نظر، فإن الشيخ قال في الخلاف: إذا قلع عين أعور أو من
ذهبت عينه بآفة من الله تعالى كان بالخيار بين أن يقتص من إحدى عينيه أو
يأخذ تمام دية كاملة ألف دينار، فإن كانت قلعت فأخذ ديتها أو استحقها،
وإن لم يأخذها فليس له إلا نصف الدية (2).
وقال في المبسوط: في عين الأعور إذا كانت خلقة الدية كاملة، أو يأخذ
إحدى عيني الجاني ونصف الدية، وإن كانت قلعت فاستحق ديتها، أو اقتص
منها كان فيها نصف الدية (3).
فهذا ما قاله الشيخ في الكتابين، ولعل الخطأ نشأ لابن إدريس من دية
العين إذا خسف بها بعد ذهاب ضوئها فإنه ثلث دية العين، أما العين
الصحيحة إذا فقئت فإن فيها نصف الدية إجماعا، وأوجبنا الدية الكاملة في
صحيحة الأعور خلقة، لإجماع علمائنا، وإذا كان العور غير خلقة صرنا إلى
الحكم المجمع عليه أولا وهو وجوب نصف الدية، وقول ابن إدريس خطأ لا
دليل عليه.

(1) السرائر: ج 3 ص 380.
(2) الخلاف: ج 5 ص 251 المسألة 57.
(3) المبسوط: ج 7 ص 146.
363

وقد روى عبد الله بن أبي جعفر، عن الصادق - عليه السلام - أنه قال: في
العين العوراء تكون قائمة تخسف بها قال: قضى فيها علي - عليه السلام - بنصف
الدية في العين الصحيحة (1).
والظاهر أن ابن إدريس توهم أن الشيخ قصد بعين الأعور هنا العين
السقيمة فتعجب من إيجاب نصف الدية، ولهذا قال في ما بعد: والأعور إذا فقأ
عين صحيح قلعت عينه، وإن عمى فإن الحق أعماه، فإن قلعت عينه كان
بالخيار بين أن يقتص من إحدى عينيه أو يأخذ تمام دية كاملة ألف دينار،
هذا إذا كانت قد ذهبت بآفة من الله تعالى، فإن كانت قلعت عينه فأخذ ديتها
أو استحقها ولم يأخذها ففي العين الأخرى نصف الدية فحسب (2).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: الأعور إذا فقأ عين صحيح قلعت عينه، وإن
عمى فإن الحق أعماه، فإن قلعت عينه كان مخيرا بين أن يأخذ الدية كاملة أو
يقلع إحدى عيني صاحبه ويأخذ نصف الدية (3). وكذا في المبسوط (4).
وفي الخلاف: إذا قلع عين أعور أو من ذهبت عينه بآفة من الله تعالى كان
بالخيار بين أن يقتص من إحدى عينه أو يأخذ تمام دية كاملة ألف دينار (5)
ولم يتعرض للأخذ مع القصاص.
والذي رواه الصدوق في كتاب المقنع (6) يدل على قول الشيخ في النهاية،
وبه قال ابن حمزة (7).
وقال المفيد: وإذا قلع صحيح عينه الباقية كان مخيرا بين ديتها - على ما

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 270 ح 1060، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب ديات الأعضاء ح 1
ج 19 ص 254 - 255.
(2) السرائر: ج 3 ص 381.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 432.
(4) المبسوط: ج 7 ص 146.
(5) الخلاف: ج 5 ص 251 المسألة 57.
(6) المقنع: ص 183 - 184.
(7) الوسيلة: ص 446 - 447.
364

قدمناه - أو يقلع إحدى عيني صاحبه، وليس له مع قلعها شئ سواه (1).
وقال ابن إدريس: الأعور إذا فقأ عين صحيح قلعت عينه (وإن فقئت
عينه) (2) فإن الحق أعماه، فإن قلعت عينه كان بالخيار بين أن يقتص من إحدى
عينه أو يأخذ تمام ديته كاملة ألف دينار إذا كانت قد ذهبت بآفة من الله تعالى، ثم
نقل كلام الشيخ في النهاية. ثم قال: وما اخترناه هو اختياره في مسائل خلافه،
فإنه رجع عما ذكره في نهايته. وهو الذي يقتضيه الأدلة ويحكم بصحته ظاهر
التنزيل، لأنه تعالى قال: (العين بالعين) ولم يقل: العين بالعين ونصف الدية، ولأن
الأصل براءة الذمة. فمن شغلها بنصف الدية يحتاج إلى دليل (3).
وقول الشيخ لا بأس به، لأن دية عين الأعور خلقة ألف دينار، فلا يؤخذ
عوضها ما قيمة النصف، إلا بعد رد التفاوت تحفظا من الظلم عليه.
وما رواه محمد بن قيس، عن الباقر - عليه السلام - قال: قضى أمير المؤمنين
- عليه السلام - في رجل أعور أصيبت عينه الصحيحة ففقئت أن تفقأ إحدى
عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية، وإن شاء أخذ دية كاملة ويعفو عن
صاحبه (4).
وعن عبد الله بن الحكم، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن رجل
صحيح فقأ عين أعور، فقال: عليه الدية كاملة، فإن شاء الذي فقئت عينه أن
يقتص من صاحبه ويأخذ خمسة آلاف درهم فعل، لأن له الدية كاملة وقد أخذ

(1) المقنعة: ص 761.
(2) في المصدر بدل ما بين المعقوفتين " وإن عمي " وفي المطبوع من الكتاب وإن فقئت عينيه ".
وعلى أي حال ما في نسخ المختلف لا يخلو عن إشكال لفظا ومعنى.
(3) السرائر: ج 3 ص 381.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 269 ح 1057، وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب ديات
الأعضاء ح 2 ج 19 ص 252.
365

نصفها بالقصاص (1).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وفي العين القائمة إذا خسف بها ثلث ديتها
صحيحة (2)، وكذا في الخلاف (3) والمبسوط (4)، ونحوه قال الصدوق في المقنع (5)،
وابن الجنيد، وأبو الصلاح (6)، وابن حمزة (7).
وقال المفيد: ومن كانت عينه ذاهبة وهي قائمة غير مخسوفة فلطمه إنسان
فانخسفت بذلك أو كانت مفتوحة فانطبقت أو كان سوادها باقيا فذهب فعليه
ربع دية العين الصحيحة لذهابه بجمالها، وفي العينين إذا أصابهما ذلك ربع
ديتهما إذا كانتا صحيحتين (8).
وقال سلار: فأما من لا يبصر شيئا وعينه قائمة فذهبتا (9) ففيها ربع دية
العينين الصحيحتين، وفي كل واحدة نصف ذلك (10).
وقال ابن إدريس: وفي العين القائمة إذا خسف بها ثلث ديتها صحيحة،
وكذا في العين العوراء التي أخذت ديتها أو استحقها صاحبها ولم يأخذها ثلث
ديتها صحيحة على ما بيناه، وشيخنا أبو جعفر في نهايته فرق بينهما بأن قال: إذا
قلع العين العوراء التي أخذت ديتها أو استحقت الدية ولم يؤخذ نصف الدية
- يعني: ديتها - فإن خسف بها ولم يقلعها ثلث ديتها، والأولى عندي أن في القلع
والخسف ثلث ديتها، فأما إذا كانت عوراء والعور من الله فلا خلاف بين

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 269 ح 1058، وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب ديات الأعضاء ح 4
ج 19 ص 253.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 433.
(3) الخلاف: ج 5 ص 260 المسألة 71.
(4) المبسوط: ج 7 ص 128 و 129 و 152.
(5) المقنع: ص 189.
(6) الكافي في الفقه: ص 396.
(7) الوسيلة: ص 446.
(8) المقنعة: ص 760.
(9) كذا في نسخة ق 2 وفاقا للمصدر، وفي نسخة م 3 فيهما بدل فيها.
(10) المراسم: ص 244.
366

أصحابنا أن فيها ديتها كاملة خمسمائة دينار (1).
وهذا كله اضطراب وقلة تأمل وقلة تحصيل اقتضاه عدم قوته المميزة، وحمله
كلام الشيخ في قوله: " وفي عين العوراء الدية كاملة " على العين التي ذهب
ضوؤها. وليس مراد الشيخ ذلك ولا قصده، بل إنما قصد الصحيحة كما تضمنه
الخبر السابق، بقي البحث بين الشيخين.
أما المفيد فقد احتج بما رواه عبد الله بن أبي جعفر، عن الصادق
- عليه السلام - أنه قال: في العين العوراء تكون قائمة يخسف بها، قال: قضى فيها
علي - عليه السلام - بنصف الدية في العين الصحيحة (2).
وعن عبد الله بن سليمان، عن الصادق - عليه السلام - في رجل فقأ عين
رجل ذاهبة وهي قائمة، قال: عليه ربع دية العين (3).
وأما الشيخ فإنه احتج بما رواه بريد بن معاوية في الصحيح، عن الباقر
- عليه السلام - أنه قال: في لسان الأخرس وعين الأعور وذكر الخصي الحر
وأنثييه ثلث الدية (4).
وفي الصحيح عن أبي بصير، عن الباقر - عليه السلام - قال: سأله بعض آل
زرارة عن رجل قطع لسان رجل أخرس، فقال: إن كان ولدته أمه وهو أخرس
فعليه ثلث الدية، وإن كان لسانه ذهب به وجع أو آفة بعد ما كان يتكلم فإن

(1) السرائر: ج 3 ص 381 - 382.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 270 ح 1060، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب ديات الأعضاء ح 1
ج 19 ص 254 - 255.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 270 ح 1061، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب ديات الأعضاء ح 2
ج 19 ص 255 وفيهما: " وعين الأعمى وذكر ".
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 270 ح 1062، وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب ديات الأعضاء ح 1
ج 19 ص 256.
367

على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه. قال: وكذلك القضاء في العينين
والجوارح، قال: وهكذا وجدناه في كتاب علي - عليه السلام - (1) وهذه الروايات
أصح طريقا فيتعين العمل بها.
تذنيب: قال أبو الصلاح: وفي خسف العين الواقفة العمياء ثلث ديتها، وفي
طبق المفتوحة أو ذهاب سوادها مع تقدم العماء ربع ديتها (2). وظاهر كلام
المفيد التسوية كما حكيناه في المسألة، وهو أقرب.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وفي شحمة الأذن ثلث دية الأذن، وكذلك في
خرمها ثلث ديتها (3).
وقال ابن إدريس: يعني: في خرم الشحمة ثلث دية الشحمة، وهو ثلث
الثلث الذي هو دية الشحمة (4).
وقال ابن حمزة: وفي شحمة الأذن القصاص أو ثلث الدية، وفي قطع بعضها
كذلك والخرم ديتها ثلث دية الأذن إذا لم تبن، ولم يلزم فيه القصاص إلا بعد
أن يندمل ولم يتصل، فإن اتصل سقط القصاص وفيه حكومة، وإن سرى إلى
السمع لم يدخل أرش الجناية في أرشه وغير القطع والخرم - وهو الثقب - فيه
حكومة (5).
وقال الشيخ في الخلاف: في شحمة الأذن ثلث دية الأذن، وكذلك في
خرمها (6). وهذا يدل على أنه أراد في النهاية خرم الأذن وثلث دية الأذن لا كما
قال ابن إدريس.

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 270 ح 1063، وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب ديات الأعضاء ح 2
ج 19 ص 257.
(2) الكافي في الفقه: ص 396.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 433.
(4) السرائر: ج 3 ص 382.
(5) الوسيلة: ص 446.
(6) الخلاف: ج 5 ص 234 المسألة 19.
368

وقال في المبسوط: الأذنان فيهما الدية، ويجب بقطع اشرافهما وهو الأذن
المعروف، والجلد القائم بين العذار والبياض التي حولها وفي كل واحدة منهما
نصف الدية، فإن قطع بعض الأذن ففيها بحساب ذلك من الدية، سواء قطع
من أعلاها أو من أسفلها (1). وتأويل ابن إدريس لا دليل عليه.
مسألة: في الشفتين معا الدية إجماعا، واختلفوا في التفضيل.
فقال ابن أبي عقيل: إنهما بالسوية في كل واحدة نصف الدية.
وقال ابن الجنيد: وإذا استوصلت الشفتان ففيهما الدية، وإذا استوصلت
العليا ففيها نصف الدية، وفي السفلى ثلث الدية، وإنما فضلت السفلى لأنها
تمسك الطعام والشراب وترد اللعاب.
وقال المفيد: في الشفة العليا ثلث الدية، وفي السفلى ثلثا الدية، لأنها
تمسك الطعام والشراب، وشينها أقبح من شين العليا، وبهذا ثبتت الآثار عن
أئمة الهدى - عليهم السلام - (2) وهو اختيار الشيخ في المبسوط (3)، وسلار (4)، وأبي
الصلاح (5).
وللشيخ قول آخر: إن في العليا خمسي الدية، وفي السفلى ثلاثة أخماسها،
اختاره في النهاية (6)، والخلاف (7)، وكتابي الأخبار (8)، وهو قول الصدوق في
المقنع (9)، ورواه في كتاب من لا يحضره الفقيه (10)، وبه قال ابن حمزة (11).

(1) المبسوط: ج 7 ص 125.
(2) المقنعة: ص 755.
(3) المبسوط: ج 7 ص 132.
(4) المراسم: ص 244.
(5) الكافي في الفقه: 398.
(6) النهاية ونكتها: ج 3 ص 434.
(7) الخلاف: ج 3 ص 125 المسألة 30.
(8) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 246 ح 974، الإستبصار: ج 4 ص 288 ح 1086.
(9) المقنع: ص 180.
(10) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 81.
(11) الوسيلة: ص 443.
369

وقال ابن إدريس قولا يدل على اضطرابه وهو: إن في العليا منهما ثلث
الدية، وفي السفلى ثلثاها، ثم نقل كلام الشيخ في النهاية، ثم قال: إلا أنه رجع
في مبسوطه إلى ما اخترناه فإنه قال: في السفلى عندنا ثلثاها، وفي العليا الثلث،
وهذا هو الأظهر، ولا يرجع في مثل ذلك إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا
عملا، وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد في مقنعته، وذهب بعض أصحابنا إلى
أنهما متساويتان في الدية فيهما جميعا الدية، وفي إحداهما نصف الدية، وهو قول
ابن أبي عقيل في كتابه، وهو قول قوي، إلا أن يكون على خلافه إجماع، ولا
شك أن الإجماع منعقد على تفضيل السفلى، والاتفاق حاصل على الستمائة
دينار، والأصل براءة الذمة في ما زاد عليه، وبهذا القول الأخير أعمل وأفتي به،
وهو خيرة شيخنا في الاستبصار (1).
فانظر إلى اختياره أولا من إيجاب الثلثين في السفلى، ونسبة كلام الشيخ
في النهاية إلى أنه من أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، ثم تقوية
كلام ابن أبي عقيل، مع أنه ذكر أنه مخالف للإجماع، ثم اختياره أخيرا لما
ضعفه أولا، ونسبه إلى أخبار الآحاد، وأنه الذي به يفتي وعليه نعمل، وهذا
الرجل لا يبالي بتناقض أقواله واختلالها.
والوجه ما اختاره الشيخ في النهاية.
لنا: أن منفعة السفلى أكثر، فناسب ذلك كثرة ديتها وزيادتها على دية
العليا. والتقدير مستند إلى رواية أبان بن تغلب، عن الصادق - عليه السلام -
قال: في الشفة السفلى ستة آلاف، وفي العليا أربعة آلاف، لأن السفلى تمسك
الماء (2). وفي طريقها أبو جميلة، وفيه قول، لكنها أوضح من غيرها.

(1) السرائر: ج 3 ص 382.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 246 ح 974، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ديات الأعضاء ح 2
ج 19 ص 222.
370

احتج ابن أبي عقيل بما رواه زرعة، عن سماعة، عن الصادق
- عليه السلام - قال: قال: الشفتان العليا والسفلى سواء في الدية (1).
قال الشيخ: المراد بالتسوية بينهما في وجوب الدية لا في مقداره فيكونان
متساويتين من حيث يجب لكل واحدة منهما الدية وإن تفاضلا في المقدار (2).
مسألة: في اللسان الصحيح الدية كاملة، وكذا في النطق لو ذهب بالجناية
على اللسان.
قال الشيخ في النهاية: في اللسان إذا قطع فلم يفصح بشئ من الكلام
الدية كاملة، فإن أفصح ببعض ولم يفصح ببعض عرض عليه حروف المعجم
وهي ثمانية وعشرون، فما أفصح منها طرح عنه، وما لم يفصح ألزم الدية بحساب
ذلك لكل حرف جزء من ثمانية وعشرين جزءا (3).
وقال في المبسوط: في اللسان الدية، فإن جني على لسانه فذهب نطقه ففيه
كمال الدية، فإن ذهب ذوقه ففيه الدية، وإذا جني على لسانه فذهب بعض
كلامه فالصحيح عندنا وعندهم أنه يعتبر بحروف المعجم كلها وهي: ثمانية
وعشرون حرفا، ولا يعد لا فيها فإن كان النصف منها ففيه نصف الدية، وما زاد
أو نقص فبحسابه، فإن قطع بعض اللسان نظرت، فإن قطع ربعه فذهب ربع
الكلام أو نصفه فذهب نصف الكلام ففيه من الدية بحساب ذلك، لأنه وافق
القطع والكلام معا، وإذا قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام أو نصف
اللسان فذهب ربع الكلام كان فيه نصف الدية بلا خلاف، واختلفوا في
تعليله، فمنهم من قال: الجناية إذا كانت على عضو ذي منفعة أوجبت الدية في

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 246 ح 975، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح 10
ج 19 ص 216.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 246 ذيل الحديث 975، وفيه: " وإن تفاضلتا في المقدار ".
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 434 - 435.
371

أغلط الأمرين، فإن كانت دية المنفعة أكثر أوجبتها، وإن كانت دية ما أتلف
أكثر أوجبتها، فإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام أوجبت نصف
الدية، لأن دية المنفعة أكثر، ولو قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه أوجبت
نصف الدية اعتبارا بالمقدار المقطوع، لأن المنافع أقل، وقال بعضهم: إذا قطع
ربع لسانه فذهب نصف كلامه أوجبت نصف الدية اعتبارا باللسان، وذلك
أنه قد قطع الربع وشل ربع آخر بعد قطعه، لأنا اعتبرنا ذلك بالحروف
فوجدناها نصف الكلام فعلمنا أنه قطع الربع وشل الربع الآخر فأوجبنا نصف
الدية ربعها بقطع ربعه وربعها بشل ربعه (1).
وقال المفيد: في اللسان إذا قطع من أصله الدية كاملة، وفي قطع بعضه
بحساب ذلك، والعبرة في ما ينقص من اللسان بحساب حروف المعجم وهي
ثمانية وعشرون حرفا لكل حرف منها جزء من الدية بحسابها على السواء، فإن
أخل في كلامه بحرف واحد كان له جزء من ثمانية وعشرين جزء من أصل
ألف دينار، وإن أخل باثنين كان له من ذلك جزءان، ثم على هذا الحساب
في جميع ما أخل به من الأحرف على ما ذكرناه (2).
وقال ابن الجنيد: وفي اللسان كله إذا قطع أو ذهب النطق بقطع بعضه
الدية، وفي ما قطع منه أو نقص من النطق بحساب ذلك.
وقال أبو الصلاح: وفي ذهاب النطق الدية كاملة، وفي بعضه بحساب
حروف المعجم يلزم الجاني من أقساط الدية بعدد ما يختل النطق به منها، وفي
اللسان الدية كاملة، وفي بعضه بحساب ذلك يقاس بالميل (3).
وقال ابن إدريس - لما نقل كلام شيخنا في المبسوط: والذي يقتضيه الأدلة

(1) المبسوط: ج 7 ص 133 - 134 - 135.
(2) المقنعة: ص 757.
(3) الكافي في الفقه: ص 397.
372

أن اللسان الصحيح الاعتبار فيه بحروف المعجم لا بقطع أبعاضه، فإذا قطع
نصف اللسان فذهب ربع الكلام فعليه ربع الدية اعتبارا بالكلام دون نصف
اللسان، وكذلك إذا قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام كان عليه نصف
الدية اعتبارا بالكلام، فلو كان الاعتبار بالأبعاض من اللسان لكان عليه ربع
الدية، لأنه ما قطع هاهنا سوى ربع اللسان (1).
والوجه ما قاله الشيخ في المبسوط، وهو الظاهر من كلام أبي الصلاح.
لنا: أن في اللسان الصحيح الدية كاملة إذا استوصل قطعه، وفي النطق مع
بقائه أيضا الدية كاملة، وكذا في بعض الحروف مع بقائه دية الذاهب من
الحروف.
روى الحلبي في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال: إذا ضرب
الرجل على رأسه فثقل لسانه عرض عليه حروف المعجم، فما لم يفصح به كانت
الدية بالقصاص من ذلك (2).
مسألة: إذا جني على لسانه فذهب كلامه واللسان صحيح بحاله وحكم له
بالدية ثم عاد فتكلم فللشيخ قولان: ففي المبسوط: أنه يرد الدية، لأنه لما نطق
بعد أن لم ينطق علمنا أن كلامه ما كان ذهب، إذ لو كان ذاهبا ما عاد، لأن
انقطاعه بالشلل والشلل لا يزول، وليس كذلك إذا قطع لسانه وأخذ الدية ثم
نبت فإنه لا يرد الدية هنا، لأنا نعلم أنه هبة من الله تعالى مجددة فلهذا لم يرد
الدية (3).
وقال في الخلاف: لا يسترجع، لأنه إيجابه يحتاج إلى دليل، لأن الأصل

(1) السرائر: ج 3 ص 384.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 262 ح 1038، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ديات المنافع ح 3
ج 19 ص 274.
(3) المبسوط: ج 7 ص 136.
373

أخذه له بالاستحقاق (1).
وقوله في المبسوط أقرب، لكن يجب عليه الأرش.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: في الأسنان كلها الدية كاملة، والتي يقسم
عليها الدية ثمانية وعشرون سنا، ستة عشر في مواخير الفم واثنا عشر في مقاديمه،
فالتي هي في مواخير الفم لكل سن منها خمسة وعشرون دينارا فذلك أربعمائة
دينار، والتي في مقاديم الفم لكل سن منها خمسون دينارا فذلك ستمائة دينار
الجميع ألف دينار وما زاده على ما ذكرناه في العدد فليس له دية مخصوصة، إلا
إذا قلعت منفردة فإن قطع السن الزائد مفردا كان فيه ثلث دية السن
الأصلي (2).
وقال المفيد: وما زاد على هذه الأسنان في العدد، فليس له دية موظفة،
لكنه ينظر في ما نقص من قيمة صاحبه بذهابه منه أن لو كان عبدا ويعطي
بحساب دية الحر منه (3).
وسلار نقل المذهبين معا ولم يفت بشئ منهما (4).
وقال الصدوق في المقنع: فإن زاد على الأسنان واحد على الثمانية وعشرين
التي هي الخلقة السوية فلا دية له، لأنه قد زاد على الثمانية وعشرين، وما نقص
فلا دية له (5).
وفي كتاب من لا يحضره الفقيه - لما ذكر قضاء أمير المؤمنين
- عليه السلام - في الأسنان وأنها ثمانية وعشرون وديتها ألف دينار - قال: فما
نقص فلا دية له وما زاد فلا دية له، ثم قال: قال مصنف هذا الكتاب: إذا
أصيب الأسنان كلها فما زاد على الخلقة المستوية - وهي ثمانية وعشرون

(1) الخلاف: ج 5 ص 242 المسألة 36.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 435.
(3) المقنعة: ص 756.
(4) المراسم: ص 245 - 246.
(5) المقنع: ص 190.
374

سنا - فلا دية له، وإذا أصيب الزائدة منفردة عن جميعها ففيها ثلث دية التي
تليها (1).
وقال ابن البراج: السن الزائدة هي التي تكون خارجة عن صف الأسنان
وعن سمتها إما من خارج الفم أو داخل الفم، فإن جنى إنسان على ما هذه
صفته ولم يكن له سن زائدة فليس في ذلك قصاص وعليه ثلث دية السن
الأصلي، وإن كان له سن زائدة في غير محل المقلوعة فليس في ذلك أيضا
قصاص وعليه ثلث دية السن الأصلي، وإن كان للجاني سن زائدة في محلها
كان المجني عليه مخيرا بين القصاص وبين العفو على مال (2).
وقال أبو الصلاح: في الأسنان وهي ثمانية وعشرون سنا الدية، وفي ما زاد
على هذا العدد من الزوائد الأرش (3).
وقال ابن حمزة: الأسنان إن كانت زائدة وللجاني مثلها ففيها القصاص أو
الدية وديتها ثلث دية الأصلية، وإن لم يكن له مثلها ففيه الأرش، وإذا قلع جميع
الأسنان ففيها القصاص أو دية النفس وما يقسم عليه الدية ثمانية وعشرون،
وما زاد عليه زائد، وفي كل واحدة من مقاديم الأسنان - وهي اثنتا عشرة - خمسون
دينارا، وفي كل واحدة من المواخير - وهي ستة عشر - ربع العشر، وإن نقص منها
شئ نقص من الأرش، وإن زاد عليها شئ كان في الزائد ثلث دية ما
يجنيه (4).
ونقل ابن إدريس كلام الشيخين، ثم قال عن كلام شيخنا في النهاية: أنه
قوي، وبه أخبار كثيرة معتمدة (5).

(1) من لا يحضره: ج 4 ص 136 ح 5300 وذيله.
(2) المهذب: ج 2 ص 484 - 485.
(3) الكافي في الفقه: ص 398.
(4) الوسيلة: ص 448.
(5) السرائر: ج 3 ص 386.
375

والوجه أن نقول: إن قلعت الزائدة منفردة كان فيها ثلث دية الأصلية،
وإن قلعت منضمة ففيها الحكومة، لما رواه الحكم بن عتيبة، عن الباقر
- عليه السلام - وذكر عدد الأسنان ثمانية وعشرون سنا وإنما وضعت الدية على
هذا، قال: فما زاد على ثمانية وعشرين سنا فلا دية له، وما نقص فلا دية له،
هكذا وجدناه في كتاب علي - عليه السلام - (1).
وهذا محمول على الانضمام، وأنه لا دية منفردة له حينئذ، ولا يلزم منه نفي
الأرش، لأن فيه ألما ونقصا في خلقته، على أن إيجاب الأرش في الحالين لا
بأس به.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: في السن الأسود ربع دية السن الصحيح (2).
وقال في الخلاف: ثلث دية الصحيحة (3).
وفي المبسوط: إذا ضرب سن الرجل فلم يتغير منها إلا اللون فإن كان
التغير سوادا مع بقاء قوتها ومنافعها ففيها حكومة، وقد روى أصحابنا فيه مقدارا
ذكرناه في النهاية، وإن كان خضره دون السواد ففيها حكومة، وإن صارت
صفراء ففيها حكومة دون الخضرة، لأن السن يصفر من غير علة، فإن قلعها قالع
بعد هذا فعليه الدية، لأنها سن بحالها، وإنما لحقها شين فإن ذهب مع هذا
التغير بعض منافعها كأنها ضعفت عن القوة التي كانت عليه في عض المأكول
ونحو ذلك ففيها حكومة لأجل الشين والضعف معا (4).
وقال الصدوق في المقنع: في السن الأسود ثلث دية السن، فإن كان
مصدوعا فربع دية السن (5).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 254 ح 1005، وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب ديات الأعضاء ح 2
ج 19 ص 262.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 437.
(3) الخلاف: ج 5 ص 246 المسألة 46.
(4) المبسوط: ج 7 ص 141.
(5) المقنع: ص 180.
376

ولابن البراج قولان: ففي الكامل كقول الشيخ في النهاية، وفي المهذب (1)
كقوله في الخلاف، وابن حمزة (2) وافق كلام الشيخ في الخلاف، وبه قال ابن
إدريس (3)، وهو المعتمد.
لنا: إن في قلع السن دية موظفة، وفي اسودادها ثلثي ذلك، ففي قلعها بعد
الاسوداد الثلث لتكمل الدية ولا ينقص منها شئ.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن ضرب سن صبي فسقط انتظر به، فإن
نبتت كان فيها الأرش ينظر في ما ينقص من قيمته بذلك أن لو كان مملوكا
ويعطى بحساب دية الحر منها (4). ونحوه في الخلاف (5)، وهو قول الشيخ المفيد في
المقنعة (6).
وقال في المبسوط: الذي رواه أصحابنا في كل سن بعير، ولم يفصلوا (7).
يعني: إلى العود وعدمه.
وقال ابن الجنيد: وفي أحد أسنان الصبي التي نبتت إذا ضرب فسقطت
فإن نبتت ففيها بعير، وإن لم تنبت ففيها ديتها وما كان منها لا يتغير كالضرس
فإن لم ينبت فديته، وإن نبتت ففيه ثلث الدية.
وقال أبو الصلاح: وفي سن الصبي قبل أن ثيغر (8) عشر عشر الدية (9) وقال
ابن البراج في الكامل كقول الشيخ في النهاية.
وقال في المهذب: فإن قلع سنا وكان سن متغير (10) لم يكن فيها قصاص في
الحال ولا دية، لأنها مما يرجى رجوعه، وينبغي للمجني عليه أن يصبر حتى

(1) المهذب: ج 2 ص 484.
(2) الوسيلة: ص 448.
(3) السرائر: ص 386.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 438 - 439، وفيه: " دية الحر منها ".
(5) الخلاف: ج 5 ص 244 المسألة 39.
(6) المقنعة: ص 757.
(7) المبسوط: ج 7 ص 138.
(8) في (م 3): أن يتغير
(9) الكافي في الفقه: ص 398.
(10) كذا في المصدر أيضا، وفي المطبوع: مثغر.
377

يسقط أسنانه التي هي أسنان اللبن وتعود، فإذا سقطت وعادت ولم تعد المقلوعة
سئل أهل الخبرة فإن ذكروا أنها لا يؤيس من رجوعها إلى وقت كذا فينبغي
أن يصبر إلى ذلك الوقت، فإن لم تعد علم أنه قد أعدم انباتها وآيس من عودها،
وكان حينئذ المجني عليه مخيرا بين القصاص وبين العفو على مال ويأخذ دية
سن، كما لو قلع سن من قد أثغر، والمثغر هو الذي قد سقطت أسنان اللبن من
ثغره ونبت موضعها غيرها، فإن عادت في الوقت الذي ذكره أهل الخبرة أو مع
عود الأسنان وكانت متغيرة سوداء أو خضراء أو صفراء فالظاهر أنه من فعله
فيكون عليه حكومة، وإن رجعت كما كانت سالمة من التغير والنقصان لم يكن
فيها قصاص ولا دية (1).
وهذا أخذه من قول شيخنا في المبسوط، إلا أن الشيخ زاد فقال: وأما إسالة
الدم فإن كان عن حرج في غير مغرزها وهو اللحم الذي حول السن ويحيط بها
ففيه حكومة، لأنها جناية على محل السن، وإن كان من نفس مغرزها قال قوم:
فيها حكومة، وقال قوم: لا شئ عليه، والأول أقوى (2).
وقال ابن حمزة: إن كانت أصلية وكانت سن صغير وجب لكل سن
بعير (3).
وقال ابن إدريس: الذي قاله الشيخ في نهايته هو مذهب جميع أصحابنا،
وما قاله في مبسوطه لم يذهب أحد من أصحابنا إليه ولا أفتي به ولا وضعه في
كتابه على ما أعلمه (4).
وهذا جهل من ابن إدريس، وقلة تحصيل، ومن أجل من شيخنا - رحمه الله -

(1) المهذب: ج 2 ص 483.
(2) المبسوط: ج 7 ص 97، مع اختلاف.
(3) الوسيلة: ص 448.
(4) السرائر: ج 3 ص 387.
378

وقد وضعه في كتابه. وكذا ابن الجنيد، وأبو الصلاح (1)، وابن حمزة (2) كلهم
أفتوا بقول شيخنا في المبسوط.
وقد روى الشيخ عن مسمع بن عبد الملك، عن الصادق - عليه السلام -
قال: إن عليا - عليه السلام - قضى في سن الصبي قبل أن يثغر بعيرا بعيرا في كل
سن (3). والأولى ذلك، لهذا النقل، وعمل أكثر الأصحاب.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا قلع سن مثغر كان له قلع سنه، فإذا
قلعه ثم عاد سن الجاني كان للمجني عليه أن يقلعه ثانيا أبدا (4)، ومثله قال ابن
حمزة (5).
وقال ابن إدريس: هذا قول الشافعي اختاره شيخنا، ثم استدل شيخنا بما
يضحك الثكلى فقال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، يا سبحان الله من أجمع
معه على ذلك وأي أخبار لهم فيه! وإنما أجمعنا في الأذن لأنها ميتة لا يجوز
الصلاة له، لأنه حامل نجاسة فيجب إزالتها ولإجماعنا عليه وتواتر أخبارنا،
فالتعدية إلى السن قياس، وهو باطل عندنا، ولأن السن هبة مجددة من الله
تعالى خلقة ليست تلك المقلوعة فكيف تقلع أبدا!؟ وهذا منه - رحمه الله - إغفال
في التصنيف، فإنه قد رجع عن ذلك في مبسوطه (6).
وهذا جهل من ابن إدريس وقلة تأمل وعدم تحصيل، وذلك لقصور قوته

(1) الكافي في الفقه: ص 398.
(2) الوسيلة: ص 448.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 256 ح 1010، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ديات الأعضاء ح 6
ج 19 ص 225.
(4) الخلاف: ج 5 ص 204 المسألة 77.
(5) الوسيلة: ص 448.
(6) السرائر: ج 3 ص 387، مع اختلاف.
379

المميزة وشدة جرأته على شيخنا - رحمه الله - وكثرة سلاطته وسوء أدبه، مع قصوره
عن أن يكون أقل تلامذة شيخنا - رحمه الله -.
وقوله: " أن شيخنا - رحمه الله - قد رجع ذلك في مبسوطه " افتراء عليه.
فإن الشيخ نقل عمن تقدمه ثلاثة أقوال: أحدها: إن له قلعها أبدا، لأنه
أعدم سن المجني عليه فله قلعها أبدا حتى يعدم إنباتها. ثم قال: وهو الذي
يقتضيه مذهبنا، وقال آخرون: ليس له قلعها ولا دية، وقال آخرون: له الدية
دون القلع ثانيا (1).
وهذا لا رجوع فيه عما قاله في الخلاف، بل فيه تقوية لما اختاره في خلافه،
حيث قال: " وهو الذي يقتضيه مذهبنا " وأي استبعاد في ذلك، فإن الجناية
توجب القصاص وهو المماثلة، فكما أعدم سن المجني عليه كذا يجب أن يعدم
سن الجاني.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا قلع سن مثغر وأخذ ديتها ثم نبت السن
لم يجب عليه رد الدية، لعدم الدلالة (2).
وقال ابن البراج: عليه الرد، لأن السن التي قد أخذ الدية عنها قد
عادت (3).
والوجه ما قاله في الخلاف.
لنا: أن العادة قاضية بعدم العود، فإذا عادت كانت هبة من الله تعالى
مجددة، وإنما أخذ الدية عن المقلوعة لا عن المتجددة هبة.
تذنيب: قال ابن البراج: لو اقتص المجني عليه ثم نبت سنه كان عليه دية
سن الجاني التي أخذها قصاصا، وليس عليه هو قصاص في ذلك، وقد ذكر

(1) المبسوط: ج 7 ص 99.
(2) الخلاف: ج 5 ص 204 المسألة 78.
(3) المهذب: ج 2 ص 484.
380

خلاف قولنا هذا، والاحتياط يتناول ما ذكرناه (1).
وقال في المبسوط: من قال: هذه هبة مجددة فقال: لا شئ عليه، لأنه أخذ
القصاص في سنه وقد وهب الله له سنا، ومن قال: هذه تلك قال: عليه دية
سن الجاني، لأنا بينا أنه أخذ القصاص بغير حق ولا قصاص عليه، لأنه إنما
أخذ سن الجاني قصاصا ولا قصاص عليه فيما أخذه قصاصا فيكون عليه
الدية (2).
والمعتمد ما قلناه في المسألة السابقة، لأنه هبة مجددة من الله تعالى فلا
تستعاد الدية.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: في أصابع اليدين الدية كاملة، وفي كل
واحدة منها عشر الدية، وقد روي أن في الإبهام ثلث دية اليد، وفي الأربع
أصابع كلها ثلثا ديتها بينها بالسوية، وفي أصابع الرجلين الدية كاملة، وفي كل
واحدة منها عشر الدية، وقد روي أن في الإبهام منها ثلث دية الرجل والثلثين في
الأصابع الأربع، كما ذكرناه في اليدين سواء (3).
وقال في المبسوط: الواجب فيها بالسوية كل إصبع عشر من الإبل وروى
أكثر أصحابنا أن في الإبهام ثلث الدية، وفي الأربع ثلثي دية اليد. ثم قال:
والخلاف في أصابع الرجلين كالخلاف في أصابع اليدين في كل واحدة عشر
من الإبل يتساوى فيه عندهم وعندنا في الإبهام ثلث دية الرجل (4).
وفي الخلاف: في الخمس الأصابع من يد واحدة خمسون من الإبل
بلا خلاف، وروى أصحابنا أن في الإبهام منها ثلث ديتها، وفي الأربع أصابع

(1) المهذب: ج 2 ص 484.
(2) المبسوط: ج 7 ص 99، وفيه: " قال عليه رد الدية ".
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 440 و 443.
(4) المبسوط: ج 7 ص 143 و 144.
381

منها ثلثا ديتها بالسوية، وقال الشافعي: الخمسة متساوية في كل واحدة عشر
من الإبل، وقد روي ذلك أيضا في أخبارنا، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم.
ثم قال: والخلاف في أصابع الرجلين كالخلاف في أصابع اليدين في تفضيل
الإبهام عندنا وعند الفقهاء متساوية، واستدل بإجماع الفرقة (1).
وقال الصدوق في المقنع: دية كل إصبع ألف درهم (2)، وهو موافق لقول
شيخنا في النهاية وبه قال المفيد (3).
وقال ابن الجنيد: وقد روي اختلاف دية الأصابع عن أمير المؤمنين علي
- عليه السلام - فإنه جعل في إبهام اليد ثلث ديتها، وفي كل واحدة من الأربع
ربع ما بقي من دية اليد.
وسلار أفتى بالتسوية بين الأصابع، وجعل في كل إصبع عشر الدية من
اليدين والرجلين (4)، كقول الشيخين، وبه قال ابن أبي عقيل، وهو قول ابن
البراج (5).
وقال أبو الصلاح: في كل إصبع عشر الدية إلا الإبهام فديتها ثلث دية
اليد، وفي مفصلها نصف ديتها، وفي مفصل الطرف من كل إصبع عدا الإبهام
ثلث ديتها وفي الباقي ثلثا ديتها، وفي الرجلين الدية كاملة، وفي إحداهما نصف
الدية، وفي كل إصبع من أصابعها عشر الدية، وفي مفصلها نصف ديتها (6).
وقال ابن حمزة: في قطع أنملة الإبهام القصاص أو نصف ديتها وديتها ثلث
دية اليد، وفي قطع أنملة سواها ثلث ديتها وهي سدس دية اليد (7). وجعل
أصابع الرجل كأصابع اليد.

(1) الخلاف: ج 5 ص 248 المسألة 50 و ص 250 المسألة 54.
(2) المقنع: ص 180.
(3) المقنعة: ص 756.
(4) المراسم: ص 245.
(5) المهذب: ج 2 ص 487.
(6) الكافي في الفقه: ص 398.
(7) الوسيلة: ص 452.
382

والوجه ما قاله الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة، وهو قول ابن إدريس (1).
لنا: ما رواه الحلبي في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
الأصابع أسواء هن في الدية؟ قال: نعم (2).
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان، عن الصادق - عليه السلام - قال:
أصابع اليدين والرجلين سواء في الدية، وفي كل إصبع عشر من الإبل، وفي
الظفر خمسة دنانير (3).
وعن سماعة قال: سألته عن الأصابع هل لبعضها على بعض فضل في
الدية؟ فقال: هي سواء في الدية (4).
وعن أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: في الأصابع في كل إصبع
عشر من الإبل (5).
قال الشيخ في كتابي الأخبار: هذه الأخبار متفقة غير مختلفة، وقد روى
ظريف بن ناصح في رواية: أن الأصابع متساوية إلا الإبهام فإن لها دية مفردة
وهي ثلث دية اليد وثلثا الدية بين الأربع أصابع بالسواء، ويجوز أن تحمل هذه
الروايات على هذا التفصيل. وأما ما تضمن رواية أبي بصير وعبد الله بن سنان
" أن في كل إصبع عشر من الإبل يجوز أن يكون من كلام الراوي " وهو أنه لما

(1) السرائر: ج 3 ص 388.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 257 ح 1015، وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح 3
ج 19 ص 264.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 257 ح 1016، وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح 4
ج 19 ص 264.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 259 ح 1023، وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح 6
ج 19 ص 265.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 259 ح 1024، وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح 7
ج 19 ص 265.
383

سمع أن الأصابع سواء في الدية ففسر هو لكل إصبع عشرة من الإبل، ولم يعلم
أن هذا الحكم مختص بالأصابع الأربعة، وإنما قلنا هذا ليكون العمل على جميع
الأخبار دون اطراح شئ منها (1).
وهذا الذي ذكره الشيخ بعيد جدا، لأن تطرق مثل ذلك إلى ما رواه
يسقط الاحتجاج بها جملة، ومع ذلك فقد روى الحكم بن عيينة، عن الباقر
- عليه السلام - قال: وفي كل إصبع من أصابع اليدين ألف درهم، وفي كل
إصبع من أصابع الرجلين ألف درهم (2).
وقول أبي الصلاح مشكل، فإنه جعل في الإبهام ثلث دية اليد، وفي البواقي
في كل واحدة عشر دية اليد، وهو يقتضي نقصا لا موجب له، ثم كلامه
يقتضي الفرق بين أصابع اليدين والرجلين، مع أن أحدا من علمائنا لم يفصل
بينهما.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: في الظفر إذا قلع ولم يخرج أو خرج أسود
عشرة دنانير (3) وبه قال ابن البراج (4)، وابن حمزة (5).
وقال ابن الجنيد: في دية الظفر من إبهام اليد عشرة دنانير، وفي كل واحد
من الأربع الباقية خمسة دنانير، وفي ظفر إبهام الرجل ثلاثون دينارا، وفي كل
واحد من أظفار الباقية الأربع عشرة دنانير، فإن قلع شئ من ذلك فلم ينبت
أو نبت أسود معيبا ففيه الدية، وإن خرج على ما كان نباته ففيه نصف ديته.

(1) الإستبصار: ج 4 ص 292 ذيل الحديث 1102، تهذيب الأحكام: ج 10 ص 259 ذيل
الحديث 1024، مع اختلاف
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 254 ح 1004، وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح 1
ج 19 ص 263 وليس فيه: " وفي كل إصبع من أصابع اليدين ألف درهم. "
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 440.
(4) لم نعثر عليه.
(5) الوسيلة: ص 454.
384

وقال ابن إدريس: وفي الظفر إذا قلع ولم يخرج عشرة دنانير، فإن خرج
أسود فثلثا ديته، وما ذكرناه أولى من قول الشيخ، لأن الأصل براءة الذمة
وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا فليس خروجه أسود كلا خروجه بالكلية (1).
وقوله ابن إدريس لا بأس به.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ويقتص للرجل من المرأة من الرجل
ويتساوى جراحتهما ما لم يتجاوز ثلث الدية، فإذا بلغ ذلك ثلث الدية نقصت
المرأة وزيد الرجل، وإذا جرح الرجل المرأة بما يزيد على الثلث وأرادت المرأة أن
تقتص منه كان لها ذلك إذا ردت عليه فضل ما بين جراحتهما (2).
وقال المفيد: وللمرأة أن تقاص الرجل في ما تساويه في ديته من الأعضاء
والجوارح والأسنان، ولا قصاص بينها وبينه في ما زاد على ذلك، لكنها تستحق
به الأرش والديات (3).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه الأدلة أن لها القصاص، في ما تساويه
وفي ما تساويه، إلا أن ما تساويه لا يرد إذا اقتصت وفي ما لا تساويه ترد
فاضل الدية تقتص حينئذ (4) والظاهر أن مراد الشيخ المفيد أنه لا قصاص
بدون الرد وحينئذ ينتفي الخلاف، ولو قصد ظاهر ما يقتضيه لفظه صارت
المسألة خلافية، وكان الحق ما ذهب إليه الشيخ في النهاية، لعموم الأدلة الدالة
على الاقتصاص والروايات الدالة عليه.
روى عبد الله بن سنان في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سمعته يقول: في رجل قتل امرأة متعمدا، فقال: إن شاء أهلها أن يقتلوه يردوا

(1) السرائر: ج 3 ص 388.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 449.
(3) المقنعة: ص 764.
(4) السرائر: ج 3 ص 391.
385

إلى أهله نصف الدية، وإن شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم (1).
وقد روى إسحاق بن عمار، عن الصادق - عليه السلام - أن رجلا قتل
امرأة فلم يجعل علي - عليه السلام - بينهما قصاصا وألزم الدية. قال الشيخ:
يحتمل أنه لم يجعل بينهما قصاصا لا يحتاج معه إلى رد فضل الدية (2).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: الإسكتان والشفرتان عبارة عن شئ
واحد (3).
وقال ابن إدريس: الإسكتان بكسر الأول وتسكين السن غير المعجمة
وفتح الكاف تثنية إسكت، وهما غير الشفرين عند أهل اللغة، وهما اللحم
المحيط بشق الفرج، والشفران بضم الشين حاشية الإسكتين (4).
وهذا النزاع لفظي، على أن الشيخ قال في المبسوط: الإسكتان والشفران
عبارة عن شئ واحد، وهو اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم، وهما
عند أهل اللغة عبارة عن شيئين، قال بعضهم: الإسكتان هو اللحم المحيط بشق
الفرج، والشفران حاشية الإسكتين، كما أن للعين جفنين ينطبقان عليهما،
وشفرهما هي الحاشية التي تنبت فيها أهداب العين، والإسكتان هنا
كالأجفان، والشفران كشفري العين (5). والأولى في ذلك الرجوع إلى أهله
اللغة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن أفضى جارية بأن يطأها قبل تسع سنين
كان عليه ديتها كاملة يلزم نفقتها إلى أن تموت (6).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 181 ح 707، وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب القصاص في النفس
ح 1 ج 19 ص 59.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 266 ح 1002 وذيله.
(3) المبسوط: ج 7 ص 149.
(4) السرائر: ج 3 ص 392، مع اختلاف.
(5) المبسوط: ج 7 ص 149.
(6) النهاية ونكتها: ج 3 ص 442.
386

وقال في الخلاف: إذا وطأ زوجته فأفضاها فإن كان لها دون تسع سنين
كان عليه ضمانها بديتها مع المهر الواجب بالدخول، وإذا وطأ امرأة مكرهة
فأفضاها وجب عليه الحد، لأنه زان ووجب عليه مهرها ولوطئها ووجب عليه
الدية، لأنه أفضاها، وإن كان البول مستمسكا فلا زيادة على الدية، وإن كان
مسترسلا ففيه حكومة، وإذا وطأ بشبهة فأفضاها مثل أن كان النكاح فاسدا أو
وجد على فراشه امرأة فظنها زوجته فوطأها فأفضاها فالحد لا يجب للشبهة
ويجب عليه الدية، فإن أفضاها فإن كان البول مسترسلا فعليه الدية مع
الحكومة، وإن كان مستمسكا فالدية بلا حكومة (1).
وقال في المبسوط: الإفضاء أن يجعل مدخل الذكر وهو مخرج المني،
والحيض والولد ومخرج البول واحدا، فإن مدخل الذكر ومخرج الولد واحد وهو
أسفل الفرج، ومخرج البول من ثقبه كالإحليل في أعلى الفرج وبين المسلكين
حاجز رقيق، فالإفضاء إزالة ذلك الحاجز، وقال كثير من أهل العلم: الإفضاء
أن يجعل مخرج الغائط ومدخل الذكر واحدا، وهذا غلط، لأن ما بينهما حاجز
عريض قوي. فإن كانت زوجته استقر المسمى بالتقاء الختانين إن كان لها
مسمى. فإن كانت مفوضة استقر مهر المثل، فإذا أفضاها بعد هذا فعليه الدية
بالإفضاء إن وطأها قبل تسع سنين ويلزمه النفقة عليها حتى يموت أحدهما، وإن
كان الإفضاء بعد تسع سنين لم يكن مضمونا ولا فصل في ذلك بين أن تكون
المرأة بكرا أو ثيبا. فإن كانت ثيبا فالمهر والدية والحكومة على ما فصلناه، وكذا
إن كانت بكرا ويسقط أرش إزالة البكارة، لأن إزالتها مستحق. وإن كانت
مكرهة فعليه الحد ولها المهر وعليه الدية بالإفضاء، فإن كان البول مستمسكا
فلا زيادة على الدية، وإن كان مسترسلا ففيه حكومة وعليه الحد، وأما المهر

(1) الخلاف: ج 5 ص 257 - 258 المسألة 66 و 67 و 68.
387

فلا يجب لوجوب الحد. وأما الإفضاء فينظر فإن كان البول مستمسكا ففيه
ثلث الدية، وإن كان مسترسلا فعليه الدية ولا حكومة. ومذهبنا الأول، غير أنه
لا يجب به المهر، لأنه زنى. فإن كانت ثيبا فلا كلام، وإن كانت بكرا وجب
المهر والدية، وقال قوم: لا يجب أرش البكارة فإنه يدخل في دية الإفضاء،
ومنهم من قال: يجب، وهو مذهبنا (1).
وقال ابن إدريس في تفسير الإفضاء كقول الشيخ في المبسوط، ثم قال: وفي
الإفضاء الدية كاملة، فإن كانت بكرا وجب المهر والدية معا، وقال قوم: لا
يجب أرش البكارة فإنه يدخل في دية الإفضاء، ومنهم من قال: يجب أرش
البكارة، وهو مذهبنا، لأنه لا دليل على دخوله في أرش الإفضاء (2).
وقال ابن حمزة: وفي إفضائها إذا كانت دون تسع سنين ديتها، سواء كان
زوجا لها أو غير زوج أو جامعها بشبهة نكاح أو عقد (3).
والوجه أن نقول: متى حصل الإفضاء بأي المعنيين كان وجبت الدية
كملا، ثم إن كانت بكرا دون البلوغ وجب أرش البكارة - وهو المسمى - إن
كانت زوجة، ومهر المثل إن كان الوطئ إكراها مع البلوغ أو مطلقا مع عدمه
أو شبهة، والنفقة عليها حتى تموت أحدهما كما تقدم.
تذنيب: لو أفضى الزوجة مع بلوغها لم يكن عليه شئ، ولو قيل: يجب عليه
الضمان مع التفريط كان وجها.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: في الأنثيين معا الدية كاملة، وفي كل واحدة
منهما نصف الدية، وقد روي أن في اليسرى منهما ثلثي الدية، وفي اليمنى ثلث
الدية، لأن الولد يكون من اليسرى (4).

(1) المبسوط: ج 7 ص 149 و 150، مع اختلاف.
(2) السرائر: ج 3 ص 393.
(3) الوسيلة: ص 451.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 441 - 442.
388

وقال في الخلاف: في الخصيتين الدية بلا خلاف، وفي اليسرى منهما ثلثا
الدية، وفي اليمنى ثلثها، وبه قال سعيد بن المسيب، لأن النسل منها كما رواه
أصحابنا، وقال جميع الفقهاء: أنهما متساويان، دليلنا: إجماع الفرقة
وأخبارهم (1).
وقال في المبسوط: وفي الخصيتين الدية، وفي كل واحدة منهما نصف الدية،
وفي بعض رواياتنا في اليسرى ثلثي الدية، وفي اليمنى ثلثها (2).
وقال المفيد: في كل واحدة منهما نصف الدية، وقد قيل: إن في اليسرى
منهما ثلثا الدية، وفي اليمنى ثلث الدية، واعتل من قال ذلك بأن اليسرى يكون
منها الولد وبفسادها يكون العقم، ولم أتحقق ذلك برواية صحت عندي (3).
وقال الصدوق: في المقنع: في الذكر وأنثييه الدية. وروي في الأنثيين
الدية، لليمنى ثلث الدية، ولليسرى ثلثا الدية، لأن اليسرى منها الولد (4).
وروي في كتاب من لا يحضره الفقيه عن أبي يحيى الواسطي رفعه إلى أبي
عبد الله - عليه السلام - قال: الولد يكون من البيضة اليسرى، وإذا قطعت ففيها
ثلثا الدية (5).
وقال ابن الجنيد: في الأنثيين الدية، وفي اليسرى منهما أيضا الدية، لأن
الولد منها، وفي اليمنى نصف الدية.

(1) الخلاف: ج 5 ص 259 المسألة 69.
(2) المبسوط: ج 7 ص 152، وفيه: " وفي اليمنى ثلثه ".
(3) المقنعة: ص 755.
(4) المقنع: ص 180، وليس فيه: " وروي في الأنثيين... " وقد ذكرها في الهداية: ص 78 فتوى لا
رواية.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 152 ح 5337 وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب ديات الأعضاء ح 1
ج 19 ص 237.
389

وقال أبو الصلاح: في الخصيتين الدية كاملة، وفي إحداهما نصف
الدية (1).
وقال سلار: في الأنثيين الدية، إلا أن في اليسرى ثلثي الدية، وفي اليمنى
الثلث (2).
وقال ابن البراج في المهذب: فإن عفا على مال كان له نصف الدية إن
كانت المقطوعة هي اليمنى، وإن كانت هي اليسرى كان فيها ثلثا الدية، لأن
منها يكون الولد (3).
وقال في الكامل كقول الشيخ في النهاية، وروى الرواية التي رواها.
وقال ابن حمزة: في اليسرى ثلثا الدية، وفي اليمنى ثلثها (4).
وابن إدريس قال بالتسوية بينهما (5).
والوجه أن في اليسرى ثلثي الدية، وفي اليمنى الثلث.
لنا: أنهما متفاوتتان في المنفعة فتفاوتتا في الدية.
وما رواه عبد الله بن سنان في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال: ما
كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية مثل اليدين والعينين، قلت: فرجل
فقئت عينه، قال: نصف الدية، قلت: رجل قطعت يده، قال: فيه نصف
الدية، قلت: فرجل ذهبت إحدى بيضتيه، قال: إن كان اليسار ففيها ثلثا
الدية، قلت: ولم، أليس قلت: ما كان في الجسد اثنان ففيه نصف الدية؟!
قال: لأن الولد من البيضة اليسرى (6).

(1) الكافي في الفقه: ص 399.
(2) المراسم: ص 244.
(3) المهذب: ج 2 ص 481.
(4) الوسيلة: ص 451.
(5) السرائر: ج 3 ص 393.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 250 ح 989، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح 1
ج 19 ص 213.
390

احتج الشيخ بالرواية الدالة على أن ما في البدن منه اثنان ففيه الدية (1).
والجواب: روايتنا أخص (2) فيتعين العمل بها.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: في حلمتي الرجل ديته (3)، وكذا في
المبسوط (4).
وقال ابن الجنيد: في حلمة ثدي الرجل ربع دية الثدي.
وقال ابن حمزة: في قطع حلمة ثدي الرجل ثمن الدية (5)، كما قال ابن
الجنيد. وابن إدريس وافق (6) الشيخ في الخلاف، وهو الوجه.
لنا: عموم قوله - عليه السلام -: " ما في البدن منه اثنان ففيه الدية " (7).
مسألة: قال الشيخان: من داس بطن إنسان حتى أحدث كان عليه أن
يداس بطنه حتى يحدث أو يفديه بثلث الدية (8).
ورواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (9) والمقنع (10)، وهو قول ابن
حمزة (11).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول مذهبنا خلاف هذه الرواية، لأن

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 258 ح 1020، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح 12
ج 19 ص 217، مع اختلاف.
(2) في المطبوع: أصح.
(3) الخلاف: ج 5 ص 257 المسألة 65.
(4) المبسوط: ج 7 ص 148.
(5) الوسيلة: ص 450.
(6) السرائر: ج 3 ص 394.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 258 ح 1020، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح 12
ج 19 ص 217 مع اختلاف.
(8) المقنعة: ص 761، النهاية ونكتها: ج 3 ص 444.
(9) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 147 ح 5326.
(10) المقنع: ص 187.
(11) الوسيلة: ص 450.
391

فيه تغريرا بالنفس، فلا قصاص في ذلك بحال (1).
وقول ابن إدريس جيد.
والشيخ روى هذه الرواية عن السكوني، عن الصادق - عليه السلام - قال:
رفع إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه،
فقضى على أن يداس بطنه حتى يحدث في ثيابه، كما أحدث أن يغرم ثلث
الدية (2).
وفي طريقها ضعف، فالأولى الحكومة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن قطع أنف إنسان وقلع أذنيه وعينيه ثم
قتله اقتص منه أولا ثم يقاد به إذا كان قد فرق ذلك به، وإن كان قد ضربه
ضربة واحدة فجنت الضربة هذه الجنايات وأدت إلى القتل لم يكن عليه أكثر
من القود أو الدية على ما قدمناه (3). وبه قال ابن الجنيد.
وقال الشيخ في المبسوط في فصل صفة قتل العمد وجراحته: الذي يقتضيه
مذهبنا أنه يدخل كل واحد من القصاص والأرش في بدل النفس، أما الأرش
فلا إشكال فيه، وأما القصاص فلأن أصحابنا رووا أنه إذا مثل إنسان بغيره
وقتله لم يكن عليه غير القتل، وليس له التمثيل بصاحبه (4).
وقال في الخلاف: لا يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس، ويدخل
دية الطرف في دية النفس (5).

(1) السرائر: ج 3 ص 395.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 251 ح 993، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب قصاص الطرف ح 1
ج 19 ص 137 - 138.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 445.
(4) المبسوط: ج 7 ص 22.
(5) الخلاف: ج 5 ص 163 المسألة 23 وفيه: " يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس.. "
392

وقال ابن إدريس: لا فرق بين أن يفرق ذلك في ضربات أو يكون في
ضربة واحدة في أنه يجب أن يقتص له في ذلك ثم يقاد به. قال: وهو اختيار
شيخنا في مسائل خلافه ومبسوطه، ويعضده ظاهر التنزيل، وهو قوله تعالى:
(ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقوله تعالى:
(والجروح قصاص) لأنه لا يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس،
ويدخل دية الطرف في دية النفس، فهذا هو الفرق بين الموضعين (1).
والشيخ - رحمه الله - احتج على قوله بما رواه محمد بن قيس، عن أحدهما
- عليهما السلام - في رجل فقأ عين رجل وقطع أنفه وأذنيه ثم قتله، فقال: إن
كان فرق ذلك اقتص منه ثم يقتل، وإن كان ضربه ضربة واحدة ضربت
عنقه ولم يقتص منه (2).
وفي الحسن عن حفص بن البختري، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن رجل ضرب على رأسه فذهب سمعه وبصره واعتقل لسانه ثم مات،
فقال: إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتص منه ثم قتل، وإن كان أصابه
هذا من ضربة واحدة قتل ولم يقتص منه (3).
وفي الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته
عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى
وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله، فقال: إن كان المضروب لا يعقل
معها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له فإنه ينتظر به سنة، فإن

(1) السرائر: ج 3 ص 396، مع اختلاف.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 252 ح 1000، وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب القصاص في النفس
ح 1 ج 19 ص 82.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 253 ح 1002، وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب القصاص في النفس
ح 2 ج 19 ص 83.
393

مات فيما بينه وبين السنة أقيد به ضاربه، وإن لم يمت فيما بينه وبين سنة ولم يرجع
إليه عقله اعزم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله، قلت: فما ترى عليه في الشجة
شيئا؟ فقال: لا: لأنه إنما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته
أغلظ الجنايتين وهي الدية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين
لألزمته جناية ما جنى (1) كائنا ما كان، إلا أن يكون فيها الموت فيقاد به ضاربه
واحدة (2) بعد واحدة وتطرح الأخرى، قال: وإن ضربه ثلاث ضربات واحدة
بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات ألزمته ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما
كانت لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه، قال: وقال: وإن ضربه عشر ضربات
فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات كائنة ما
كانت ما لم يكن فيها الموت (3).
وقول ابن إدريس لا بأس به، فنحن في هذه المسألة من المتوقفين.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن قطع يمين رجل قطعت يمينه بها، فإن لم
يكن له يمين وكانت له يسار قطعت به، فإن لم يكن له يدان قطعت رجله باليد،
فإن لم يكن له يدان ولا رجلان كان عليه الدية لا غير ويسقط القصاص، وكذلك
إذا قطع أيدي جماعة قطعت يداه بالأول فالأول والرجل بالآخر فالآخر، ومن
يبقى بعد ذلك كان له الدية لا غير (4). وهو مذهب ابن الجنيد، وتبعه ابن البراج في
الكامل.
وأبو الصلاح عمم الحكم فقال: وكذلك القول في أصابع اليدين والرجلين
والأسنان (5).

(1) في المصدر ما جنتا كائنة ما كانت.
(2) في المصدر: بواحدة بدل واحدة بعد واحدة.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 253 ح 1003، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب ديات المنافع
ح 1 ج 19 ص 281.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 447.
(5) الكافي في الفقه: ص 389.
394

وقال ابن إدريس: ومن قطع يمين رجل قطعت يمينه بها، فإن لم يكن له يمين
وكانت له يسار قطعت به، فإن لم يكن له يدان فلا يقطع رجله باليد، لأنه لا
دليل عليه وكان عليه الدية لما قطع. وقد روي أنه إذا لم يكن له يدان قطعت
رجله، فإن لم يكن له يدان ولا رجلان كان عليه الدية لا غير (1).
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: إنه استيفاء لمساوي الحق مع تعذر عين الحق فأجزأه كالقيمة في
المتلف والدية مع تعذر القصاص.
وما رواه حبيب السجستاني في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام - قال:
سألته عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين، فقال: يا حبيب تقطع يمينه للرجل
الذي قطع يمينه أولا وتقطع يساره للذي قطع يمينه أخيرا، لأنه إنما قطع يد
الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأول. قال: فقلت: إن عليا - عليه السلام -
إنما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، قال: فقال: إنما كان يفعل ذلك فيما
يجب من حقوق الله تعالى، وأما ما يجب من حقوق المسلمين فإنه يؤخذ لهم
حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يدان والرجل باليد إذا لم
يكن للقاطع يدان، فقلت له: أما توجب عليه الدية وتترك رجله، فقال: إنما
توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل، وليس للقاطع يدان ولا رجلان فثم يوجب
عليه الدية، لأنه ليست له جارحة فتقاص منها (2).
والمساواة الحقيقة لو اعتبرت لما جاز التخطي من اليد اليمنى إلى اليسرى،
كما لا يجوز لو كانت الجناية واحدة.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا بنى حائطا مستويا في ملكه فمال إلى

(1) السرائر: ج 3 ص 396 - 397.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 259 ح 1022، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب قصاص الطرف ح 2
ج 19 ص 131.
395

الطريق أو إلى دار جاره ثم وقع فأتلف أنفسا أو أموالا كان عليه الضمان،
واستدل بأنه إذا مال إلى طريق المسلمين أو دار جاره فقد حصل في ملك الغير
فيلزمه ضمانه كما لو ترك في الطريق حجرا، ولأنه قد استحق إزالته عليه، فإذا
لم يفعل ضمن كما لو وضع حجرا في طريق المسلمين. ثم قال: ويقوى في نفسي
أنه لا ضمان عليه، لأن الأصل براءة الذمة، وليس هاهنا دليل على وجوب
الضمان (1). وهذا يدل على تردده.
وقال في المبسوط: قال قوم: لا ضمان عليه، وقال بعضهم: عليه الضمان،
لأنه استحق إزالته عليه بدليل أن للحاكم مطالبته وبنقضه، والأول أقوى، لأنه
بناه في ملكه ومال بغير فعله فوجب ألا يضمن، وقال بعضهم: إن وقع قبل
المطالبة بنقضه وقبل الإشهاد عليه فلا ضمان، وإن كان قد طولب بنقضه
وأشهد عليه فوقع بعد القدرة على نقضه فعليه الضمان، وإن كان قبل القدرة
فلا ضمان، وهذا قوي (2). وهذا أيضا يدل على تردده.
وابن البراج أفتى بما (3) قواه الشيخ في المبسوط.
وقال ابن إدريس: لا يضمن، لأن الأصل براءة الذمة (4).
والوجه أن نقول: إن فرط المالك بأن علم بميله ولم يزله مع قدرته على
الإزالة كان ضامنا، وإلا فلا، لأن الإتلاف صدر عنه تسبيبا فكان ضامنا.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا أشرع جناحا إلى شارع المسلمين أو إلى
درب نافذ أو غير نافذ وبابه فيه أو أراد إصلاح ساباط على وجه لا يضر بأحد
من المارة فليس لأحد معارضته ولا منعه منه، وبه قال الشافعي، وقال أبو

(1) الخلاف: ج 5 ص 288 - 289 المسألة 116.
(2) المبسوط: ج 7 ص 187 و 188.
(3) المهذب: ج 2 ص 507.
(4) السرائر: ج 3 ص 400.
396

حنيفة: له ذلك ما لم يمنع مانع، فإن اعترضه معترض أو منعه كان عليه قلعه،
واستدل بأصالة الجواز، واحتياج المنع إلى دليل، ولأن عمر مر بباب العباس
فقطر ماء من ميزاب فأمر عمر بقلعه فخرج العباس فقال: أو تقلع ميزابا نصبه
رسول الله - صلى الله عليه وآله - بيده؟! فقال عمر: والله لا يحمل من ينصب
هذا الميزاب إلى السطح إلا ظهري، فركب العباس ظهر عمر فصعد وأصلحه.
وهذا إجماع، لأن أحدا لم ينكره، والنبي - عليه السلام - أيضا فعله، ولأن هذه
الأجنحة والساباطات والسقائف - سقيفة بنى النجار وسقيفة بني ساعدة - وغير
ذلك إلى يومنا هذا لم ينقل أن أحدا اعترض فيها ولا أزيلت باعتراض معترض
عليها، فثبت أن إقرارها جائز المسلمين (1). وهو اختيار ابن إدريس (2).
وقال في المبسوط: إذا فعله على حد لا يستضر به أحد فليس لأحد معارضته
فيه ولا منعه منه، وقال قوم: إنما له ذلك ما لم يمنعه مانع، فأما إن اعترض عليه
معترض أو منعه مانع كان عليه قلعه، وهو الأقوى عندي (3). وهذا خلاف ما
قاله في الخلاف، وابن البراج وافق (4) كلام الشيخ في الخلاف، وهو الأقوى لما
تقدم.
تذنيب: قال الشيخ في الخلاف: من أخرج ميزابا إلى شارع فوقع على إنسان
فقتله أو متاع فأتلفه كان ضامنا، وبه قال جميع الفقهاء، إلا بعض أصحاب
الشافعي فإنه قال: لا ضمان عليه، لأنه محتاج إليه. دليلنا: إجماع الأمة، وهذا
القول شاذ لا يعتد به (5).
وقال في المبسوط: عليه الضمان (6).

(1) الخلاف: ج 5 ص 290 المسألة 118، مع اختلاف.
(2) السرائر: ج 3 ص 400.
(3) المبسوط: ج 7 ص 188.
(4) المهذب: ج 2 ص 508.
(5) الخلاف: ج 5 ص 290 المسألة 119.
(6) المبسوط: ج 7 ص 188 و 189.
397

وابن إدريس اختار عدم الضمان (1).
والمعتمد ما قاله الشيخ وقد تقدم.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا كان الرجل ملففا في كساء أو ثوب
فشهد شاهدان على رجل أنه ضربه فقده باثنين ولم يشهدا بحياته عند الضرب
واختلف الولي والجاني، فقال الولي: كان حيا حين الضرب وقد قتله الجاني،
وقال الجاني: ما كان حيا حين الضرب، كان القول قول الجاني مع يمينه، لأن
الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل، فإن قالوا: الأصل كونه حيا
وزواله يحتاج إلى دليل، قلنا: والأصل براءة ذمة الجاني فتقابلا وسقطا (2).
ونحوه في المبسوط (3).
وقال ابن إدريس: الذي يعول عليه ويعمل به ويسكن إليه قبول قول
الشاهدين وقول الولي مع يمينه، ولا يلتفت إلى إنكار الجاني الحياة، لأنه مدع
للموت بغير جناية، والأصل الحياة، وإنما هذا مذهب أبي حنيفة لا مذهب
جعفر بن محمد الصادق - عليهما السلام - اختاره شيخنا هاهنا، ألا ترى ما
استدل بإجماع الفرقة ولا بأخبارنا، فلا حاجة بنا إلى القول بمذهب أبي حنيفة
وتصحيحه (4).
وهذا جهل من ابن إدريس، وقلة إنصاف، وقلة تحصيل، وشيخنا أعرف
منه بمذهب جعفر بن محمد الصادق - عليهما السلام - وموافقة الفتوى لبعض
المذاهب لا يستلزم استنادها إلى التقليد، وحاش شيخنا - رحمه الله - من الإفتاء
بالتقليد، وكونه لم يستدل بإجماع الفرقة لا يدل على بطلان الفتوى، لأن النزاع
في مسألة فرعية. نعم أصولها مجمع عليها، فإن أصالة البراءة مجمع عليها وهي

(1) السرائر: ج 3 ص 371.
(2) الخلاف: ج 5 ص 326 المسألة 13.
(3) المبسوط: ج 7 ص 255.
(4) السرائر: ج 3 ص 402.
398

مقدمة قطعية، واستصحاب الحياة أمر ظني، والقطعي أقوى.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن قطعت أصابعه فجاءه رجل فأطار كفه
وأراد القصاص من قاطع الكف فليقطع يده من أصله، ويرد عليه دية
الأصابع (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال ابن إدريس: هذه الرواية مخالفة لأصول المذهب، لأنه لا خلاف
بيننا أنه لا يقتص من العضو الكامل للناقص، والأولى الحكومة في ذلك وترك
القصاص وأخذ الأرش (3).
والشيخ - رحمه الله - عول في ذلك على رواية رواها عن الحريش، عن أبي
جعفر الثاني - عليه السلام - قال: قال أبو جعفر الأول - عليه السلام - لعبد الله بن
العباس: يا بن عباس أنشدك الله هل في حكم الله اختلاف؟ قال: فقال: لا،
قال: فما ترى في رجل ضربت أصابعه بالسيف حتى سقطت فذهبت فأتى رجل
آخر فأطار كف يده فأتى به إليك وأنت قاض كيف أنت صانع؟ قال: أقول
لهذا القاطع: اعطه دية كف وأقول لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت أو أبعث
لهما ذوي عدل، قال: فقال له: جاء الاختلاف في حكم الله ونقضت القول
الأول، أبى الله أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود، وليس تفسيره في الأرض،
اقطع يد قاطع الكف أصلا ثم اعطه دية الأصابع هذا حكم الله عز وجل (4).
وفي طريق هذه الرواية سهل بن زياد.
وقول ابن إدريس لا بأس به.
وبالجملة فنحن في هذه المسألة من المتوقفين.

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 449.
(2) لم نعثر عليه.
(3) السرائر: ج 3 ص 404.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 276 ح 1082، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب قصاص الطرف ح 1
ج 19 ص 129.
399

الفصل السادس
في الجراحات
مسألة: قال الشيخ في النهاية: الجراحات ثمانية: أولها الخارصة وهي
الدامية وفيها بعير، ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم وفيها بعيران، ثم المتلاحمة
وهي التي تنفذ في اللحم وفيها ثلاثة أبعرة، ثم السمحاق وهي التي تبلغ القشرة
التي بين اللحم والعظم وفيها أربعة أبعرة، ثم الموضحة وهي التي تبلغ العظم
وتوضحه وفيها خمسة أبعرة، ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم فتكسره من غير
أن تفسده وفيها عشرة أبعرة، ثم المنقلة وهي التي تحوج إلى نقل العظم من
موضعه وفيها خمسة عشر بعيرا، ثم المأمومة وهي التي تبلغ أم الرأس وفيها ثلث
الدية ثلاث وثلاثون بعيرا (1). فجعل الدامية والحارصة واحدة، وتمايز بين
الباضعة والمتلاحمة. وكذا قال في الخلاف (2) والمبسوط (3)، إلا أنه جعل

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 453، وفيه: " أبعر " بدل " أبعرة ".
(2) الخلاف: ج 5 ص 191 المسألة 57.
(3) المبسوط: ج 7 ص 119 - 124.
400

الجراحات فيهما عشرة.
وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: قال الأصمعي: أول
الشجاج الحارصة وهي التي تحرص الجلد يعني تشقه، ثم الباضعة وهي التي
تبضع اللحم أي تشق اللحم بعد الجلد، ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم
ولم تبلغ السمحاق، ثم السمحاق وهي التي بينها بين العظم قشرة رقيقة (1).
وقال المفيد: الشجاج ثمانية: الحارصة وهي الخدش الذي يشق الجلد
وفيها بعير، والدامية وهي التي تصل إلى اللحم ويسيل منها الدم وفيها بعيران،
والباضعة وهي التي تقطع اللحم وتزيد في الجناية على الدامية وفيها ثلاثة
أبعرة، والسمحاق وهي التي تقطع اللحم حتى تبلغ إلى الجلدة الرقيقة المغشية
للعظم وفيها أربعة أبعرة (2). فجعل الدامية والحارصة متغايرتين، والباضعة
والمتلاحمة شيئا واحدا. وبه قال أيضا سلار (3)، وهو قول السيد المرتضى في
المسائل الناصرية (4)، وابن إدريس (5).
وقال أبو الصلاح: الشجاج ثمان: أولها: الدامية وهي الخدش الذي يقشر
الجلد ويسيل الدم وفيها عشر عشر دية المشجوج، ثم الباضعة وهي التي تبضع
اللحم وفيها خمس عشر الدية، ثم النافذة وهي التي تنفذ في اللحم وتزيد على
الباضعة وتسمى المتلاحمة وفيها خمس عشر وعشر عشر، ثم السمحاق التي تبلغ
إلى القشرة الرقيقة المغشية للعظم وفيها خمسا عشر الدية (6).

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 باب الشجاج ص 166.
(2) المقنعة: ص 765.
(3) المراسم: ص 247.
(4) الناصريات: (الجوامع الفقهية): ص 255 س 4.
(5) السرائر: ج 3 ص 406.
(6) الكافي في الفقه: ص 399.
401

وقال ابن البراج في الكامل: الجراح ثمانية: أولها: الحارصة وهي الدامية
وفيها بعير، وثانيها: الباضعة وهي التي تبضع اللحم وفيها بعيران، وثالثها:
المتلاحمة وهي التي تنفذ في اللحم وفيها ثلاثة أبعرة، ورابعها: السمحاق وهي
التي تبلغ القشرة التي بين اللحم والعظم وفيها أربعة أبعرة، وخامسها: الهاشمة
وهي التي تهشم العظم فتكسره من غير أن يفسده وفيها عشرة أبعرة، وسادسها:
المنقلة وهي التي تحوج إلى نقل العظم من موضعه وفيها خمسة عشر بعيرا،
وسابعها: المأمومة هي التي تبلغ أم الرأس وفيها ثلث الدية ثلاثة وثلاثون
بعيرا، وثامنها: الجائفة وهي التي تبلغ الجوف بمثل المأمومة في الرأس وفيها ثلث
الدية.
وقال ابن الجنيد: أول الشجاج: الحارصة وهي التي تخدش الجلد ولا يخرج
الدم وفيها نصف بعير، ثم الثانية: الدامية وهي التي تسيل منها الدم وفيها بعير،
ثم الثالثة: الباضعة وهي التي تذهب بالبضعة من الجلد أو تبضع اللحم وتقطعه
وفيها بعيران، ثم الرابعة: المتلاحمة وفيها ثلاثة أبعرة، ثم الخامسة: السمحاق
وهي الملطاة، وقد روي عن أمير المؤمنين - عليه السلام - أن فيها حقة وجذعة
وابنة مخاض وابنة لبون، ثم السادسة: الموضحة وهي التي توضح عن العظم ولا
يؤثر فيه وفيها خمس من الإبل بلا خلاف ومكانها الرأس والوجه، فإن كانت في
الجسد فربع دية كسر ذلك العظم، ثم السابعة: الهاشمة وهي التي تؤثر في
العظم هشما وفيها عشر من الإبل، ثم الثامنة: المنقلة وهي التي تكسر العظم
وتشطيه وفيها خمس عشرة من الإبل والعود من الشجاج وهي التي تعود من
العظم ولا تخرقه وفيها عشرون من الإبل، والأمة وهي التي تخرق عظم الرأس
وتصل إلى الدماغ وفيها ثلث الدية، وفي الجوف الجائفة وهي التي تصل إلى
جوف الرجل ولا تقتله وفيها أيضا ثلث الدية، وفيه النافذة وهي الجائفة إذا
نفذت إلى الجانب الآخر من البدن، وقال أمير المؤمنين - عليه السلام - في كتابه
402

في الديات: إن فيها أربعمائة وثلاثة وثلاثين دينارا وثلث دينار. وابن حمزة (1)
وابن زهرة (2) وافقا الشيخ في النهاية.
والبحث في هذه المسألة يقع في مواضع:
الأول: عددها، والشيخ المفيد على أنها ثمانية على ما تقدم، وإن الحارصة
مغايرة للدامية، وأما الباضعة فإنها المتلاحمة. وشيخنا أبو جعفر على أن الدامية
هي الحارصة، وأن الباضعة مغايرة للمتلاحمة. والسيد المرتضى في الانتصار
وافق (3) المفيد - رحمه الله -.
والنزاع هنا إما في التسمية ولا كثير فائدة تحته، وإما في المعنى وهو أن
الشارع علق على كل واحدة منها دية مخالفة للأخرى، وهو الذي يقع البحث
عنه.
ففي رواية زرارة، عن الصادق - عليه السلام - قال: في الموضحة خمس من
الإبل، وفي السمحاق أربع، وفي الباضعة ثلاث من الإبل (4). وكذا في رواية
الحلبي الصحيحة، عن الصادق - عليه السلام - (5). وهذا يعطي أن الباضعة هي
المتلاحمة.
وفي رواية مسمع بن عبد الملك، عن الصادق - عليه السلام - عن أمير المؤمنين
- عليه السلام - قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله - إلى أن قال: - وفي

(1) الوسيلة: ص 444.
(2) الغنية: (الجوامع الفقهية): ص 559 س 34.
(3) الإنتصار: ص 276.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 290 ح 1124، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الشجاج والجراح ح 11
ج 19 ص 292 - 293.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 290 ح 1125، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الشجاج والجراح ح 4
ج 19 ص 291.
403

الدامية بعيرا، وفي الباضعة بعيرين، وقضى في المتلاحمة ثلاثة أبعرة (1).
وكذا في رواية السكوني، عن الصادق - عليه السلام - أن رسول الله - صلى
الله عليه وآله - قضى في الدامية بعيرا، وفي الباضعة بعيرين، وفي المتلاحمة ثلاثة
أبعرة (2). والمعول فيه على الرواية الصحيحة.
الثاني: المشهور أن في الحارصة بعيرا، وهي إما الدامية أو غيرها على ما
تقدم.
وقال ابن الجنيد: فيها نصف بعير، والاعتماد على الأشهر أولى.
الثالث: أسقط الصدوق في نقله عن الأصمعي الدامية، وكذا نقل الشيخ
عن الأصمعي في التهذيب (3)، ولا خلاف عندنا في أن لها تقديرا، وهو إما بعير
على رأي الشيخ حيث جعلها الحارصة، أو بعيران على رأي المفيد وسلار حيث
جعلاها مغايرة لها.
وأبو الصلاح وابن زهرة أسقطا الحارصة لفظا وذكرا الدامية. والظاهر أن
مرادهما بها الحارصة.
وابن حمزة أسقط الدامية، وجعل الحارصة التي تشق الجلد دون اللحم،
والباضعة التي تقطع اللحم، والمتلاحمة التي ينفذ فيه.
الرابع: زاد ابن الجنيد على المشهور العود، وهي التي تعود في العظم فلا
تخرقه، وجعل ديتها عشرين من الإبل، ولم يصل إلينا في ذلك حديث يعتمد
عليه.

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 290 ح 1126، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ديات الشجاج
والجراح ح 6 ج 19 ص 291.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 290 ح 1127، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ديات الشجاج
والجراح ح 8 ج 19 ص 292.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 289.
404

الخامس: أسقط ابن البراج في كامله الموضحة في مراتب الجراحات الثمانية،
وليس بجيد، فإنه أمر مشهور، ومع ذلك فقد ذكر الموضحة في كتابيه (1) معا،
وأثبت فيهما القصاص. والذي ذكره في الكامل غريب، مع أن الروايات دالة
على أن في الموضحة خمسا من الإبل.
السادس: زاد ابن الجنيد في الجراحات وأثبت الحارصة مغايرة للدامية،
وأثبت الباضعة مغايرة للمتلاحمة.
والمشهور ما قدمناه من إحدى الوحدتين بين الحارصة والدامية، أو بين
المتلاحمة والباضعة.
السابع: قال الشيخ في المبسوط: لو أراد المجني عليه في المأمومة القصاص في
الموضحة وأخذ دية الزيادة وهي ثمانية وعشرون بعيرا وثلث بعير كان له
ذلك (2). وهو يدل على أن في المأمومة ثلاثة وثلاثين بعيرا وثلث بعير.
والروايات الدالة على أن فيها ثلث الدية تدل على ذلك، لكن الروايات الأخر
دالة على أن الواجب ثلاثة وثلاثون بعيرا.
روى الحلبي في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - والمأمومة ثلاثة
وثلاثون من الإبل، والجائفة ثلاثة وثلاثون من الإبل (3).
قال ابن إدريس: وفي الثامنة - يعني المأمومة - ثلث دية النفس ثلاث
وثلاثون بعيرا فحسب بلا زيادة ولا نقصان إن كان من أصحاب الإبل، ولم
يلزمه أصحابنا ثلث البعير الذي يتكمل به ثلث المائة بعير التي هي دية النفس،
لأن رواياتهم هكذا مطلقة وكذا تصنيفاتهم، وقول مشايخهم وفتاويهم وإجماعهم

(1) المهذب: ج 2 ص 471.
(2) المبسوط: ج 7 ص 122.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 290 ح 1125، وليس فيه: " والجائفة ثلاثة وثلاثون من الإبل "،
وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح 4 ج 19 ص 291.
405

منعقد على هذا الإطلاق أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء، لأن
ذلك يتحدد فيه الثلث، ولا يتحدد في الإبل والبقر والغنم. قال: وما حررناه
واخترناه اختيار السيد المرتضى، وتحريره في جواب المسائل الناصريات التي
هي الطبريات، وكذا قال شيخنا المفيد في مقنعته: دية المأمومة ثلث دية النفس
ثلاثة وثلاثون بعيرا ولم يقل وثلث بعير، وهكذا قول شيخنا أبي جعفر في
نهايته (1).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا تحمل في الجراح على العاقلة إلا الموضحة
فصاعدا (2). وتبعه ابن البراج في الكامل، وأبو الصلاح (3)، وهو قول ابن الجنيد
أيضا.
وقال في الخلاف: القدر الذي تحمله العاقلة على الجاني هو قدر جنايته
قليلا كان أو كثيرا، وبه قال الشافعي. وروي في بعض أخبارنا أنها لا تحمل
إلا نصف العشر أرش الموضحة فما فوقها، وما نقص عنه ففي مال الجاني، وبه
قال أبو حنيفة وأصحابه (4).
وقال في المبسوط: روى أصحابنا أنه لا تحمل على العاقلة إلا أرش
الموضحة فصاعدا، فأما دونه ففي مال الجاني، وفي الناس من قال: يحمل عليهم
قليله وكثيره، وفيه خمس مذاهب ذكرناها في الخلاف (5).
وقال ابن إدريس: جميع الجراحات تحمله العاقلة إن كان الفعل خطأ محضا
على الصحيح من المذهب، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه،
وقال في نهايته: لا تحمل العاقلة إلا الموضحة فصاعدا. وما اخترناه هو الظاهر،

(1) السرائر: ج 3 ص 407.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 368.
(3) الكافي في الفقه: ص 396.
(4) الخلاف: ج 5 ص 283 المسألة 106.
(5) المبسوط: ج 7 ص 178.
406

وتعضده الأدلة، وجميع الظواهر تشهد بصحته (1).
والوجه ما قاله الشيخ في النهاية.
لنا: أصالة براءة ذمة العاقلة، ومقابلة الجاني بالضمان دون غيره خرج عنه
ما زاد على الموضحة، للإجماع منا، فيبقى الباقي على الأصل، ولاستلزامه الضرر
الكثير، إذ الغالب وقوع التنازع وحصول الجنايات اليسيرة بين العامة، فلو
أوجبنا دية كل جرح قل أو كثر على العاقلة لزم حصول المشقة لهم وتساهل
الجناة في الجناية حيث ينتفي الضمان عنهم.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: والقصاص ثابت في جميع هذه الجراح إلا في
المأمومة خاصة، لأن فيها تغريرا بالنفس، فليس فيها أكثر من ديتها (2). وكذا
قال شيخنا المفيد في المقنعة (3).
وقال سلار: ولا قصاص إلا في سبع منهن، ما عدا المأمومة والجائفة فإن
فيهما تغريرا بالنفس (4).
وأثبت ابن حمزة القصاص في الهاشمة والمنقلة (5).
وقال ابن إدريس: إنما يثبت القصاص في خمس منهن دون الهاشمة
والمنقلة، وشيخنا قد رجع إلى ما اخترناه في مسائل خلافه ومبسوطه (6).
وقول ابن إدريس جيد، لتعذر التوصل إلى الاستيفاء، ولما فيه من التغرير
أيضا. وكأن الشيخين - رحمهما الله - لم يصرحا بثبوت القصاص في الهاشمة
والمنقلة، بل على تعميم القصاص في الجراح والهشم والنقل كأنهما خارجان عن
الجراح.

(1) السرائر: ج 3 ص 408.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 453 - 454.
(3) المقنعة: ص 766.
(4) المراسم: ص 247.
(5) الوسيلة: ص 444 و 445.
(6) السرائر: ج 3 ص 408، مع اختلاف.
407

مسألة: قال الشيخ في النهاية (1) والخلاف (2): وفي اللطمة في الوجه إذا اسود
أثرها ستة دنانير، فإن اخضر فثلاثة دنانير، فإن احمر فدينار ونصف.
وكذا رواه الصدوق في المقنع عن قضاء علي - عليه السلام - (3). ورواه أيضا
في كتاب من لا يحضره الفقيه (4)، وتبعه ابن البراج في الكامل، وابن حمزة (5).
ورواه أيضا ابن الجنيد عن قضاء أمير المؤمنين - عليه السلام -.
وقال المفيد: في لطمة الوجه إذا احمر موضعها دينار واحد ونصف، فإن
اخضر أو اسود ففيها ثلاثة دنانير (6). وبه قال أبو الصلاح (7)، وسلار (8)، وهو
أيضا قول سيدنا المرتضى - رحمه الله - (9) وبه قال ابن إدريس (10).
والمتعمد ما قاله الشيخ في النهاية.
لنا: أن الجناية في الاسوداد أكثر منها في الاخضرار، فناسب كثرة الدية
وزيادتها على دية الاخضرار والاحمرار.
وما رواه إسحاق بن عمار، عن الصادق - عليه السلام - قال: قضى أمير
المؤمنين - عليه السلام - في اللطمة يسود أثرها في الوجه أن أرشها ستة دنانير، وإن
لم تسود وأحضرت فإن أرشها ثلاثة دنانير، فإن احمرت ولم تخضر فإن أرشها
دينار ونصف. (11).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 454.
(2) الخلاف: ج 5 ص 262 المسألة 74.
(3) المقنع: ص 186.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 158 ح 5359، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ديات الشجاج
والجراح ح 1 ج 19 ص 295 - 296.
(5) الوسيلة: ص 445.
(6) المقنعة: ص 766.
(7) الكافي في الفقه: ص 400.
(8) المراسم: ص 248.
(9) الإنتصار: ص 276.
(10) السرائر: ص 410.
(11) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 294 ح 1145، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ديات الشجاج
والجراح ح 1 ج 19 ص 295.
408

مسألة: قال الشيخ في الخلاف: لو قتل اثنان رجلا وكان أحدهما لو انفرد
بقتله قتل دون الآخر، فإن كان عدم وجوب القود على الآخر لمعنى فيه - مثل أن
يشارك الأب أجنبيا في قتل الولد أو المسلم نصرانيا في قتل نصراني أو الحر العبد
في قتل عبد - فعلى شريكه القود دونه، وإن كان عدم القود لمعنى في فعله - مثل
إن كان عمدا محضا شارك من قتله خطأ أو عمد الخطأ - فلا قود على واحد
منهما، وبه قال الشافعي، وقال مالك: على القاتل القود سواء سقط عن شريكه
لمعنى فيه أو في فعله، وقال أبو حنيفة: لا قود عليه سواء سقط القود عن شريكه
لمعنى فيه أو في فعله، دليلنا: على مالك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله -
" ألا إن في قتل العمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون
خلفة في بطونها أولادها " فأوجب في عمد الخطأ الدية، وهذا عمد الخطأ، لأنها
روح خرجت عن عمد وخطأ، وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم. وعلى أبي حنيفة
قوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل)
وهذا قتل مظلوما فلوليه سلطان، وقوله - عليه السلام -: " ثم أنتم يا خزاعة قد
قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقلته، فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين
خيرتين، إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية " ولم يفصل (1).
وقوى في المبسوط وجوب القود على العامد، سواء سقط القود عن شريكه
لمعنى فيه أو في فعله (2). وهو المعتمد، وبه قال ابن الجنيد، وابن إدريس (3).
لنا: أن مناط القود موجود فيثبت مقتضاه، وبيان الصغرى أن القود إنما
يجب مع العمد العدوان، سواء استقل به أولا، وهذا الفعل الصادر عنه لا
يخرج عن كونه عمدا ظلما بالمشاركة للمخطي، فإن الفعل تابع لقصد فاعله

(1) الخلاف: ج 5 ص 185 - 186 المسألة 51.
(2) المبسوط: ج 7 ص 68.
(3) السرائر: ج 3 ص 413.
409

وداعيه دون غيره. واحتجاج الشيخ على مالك ضعيف، لأن العمد الصادر عن
أحدهما لا ينقلب إلى عمد الخطأ باعتبار نية الشريك وقصده.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن ضرب إنسانا على رأسه ضربة فذهب
عقله انتظر به سنة، فإن مات فيما بينه وبين سنة قيد به، وإن لم يمت ولم يرجع
إليه عقله كان عليه أيضا الدية كاملة، فإن رجع إليه عقله كان عليه أرش
الضربة، وإن كان أصابه مع ذهاب العقل، شجة إما موضحة أو مأمومة أو
غيرهما من الجراحات لم يكن فيه أكثر من الدية كاملة، اللهم إلا أن يكون
ضربه ضربتين أو ثلاثة فجنت كل ضربة منها جناية كان عليه حينئذ ديتها (1).
وقال ابن إدريس: في العقل دية كاملة فإن جنى جناية ذهب عقله فيها لم
يدخل أرش الجناية في دية العقل، سواء كان مقدرا أو حكومة، وسواء كان
أرش الجناية أقل من دية العقل أو أكثر منها أو مثله، سواء ضربه ضربة واحدة
أو ضربتين، وقد كنا قلنا من قبل فإن كان أصابه مع ذهاب العقل إما موضحة
أو مأمومة أو غيرهما من الجراحات لم يكن فيه أكثر من الدية كاملة، اللهم إلا
أن يكون ضربه ضربتين أو ثلاثة فجنت كل ضربة منها جناية كان عليه حينئذ
ديتها، وأوردناه على ما أورده شيخنا في نهايته، إلا أن هذا أظهر من ذلك،
وشيخنا قد رجع عما أورده في نهايته وقال بما اخترناه الآن في مسائل خلافه،
وهو الصحيح، لأن تداخل الديات إذا لم يمت المجني عليه يحتاج إلى دليل (2).
وهذا يدل على اضطراب هذا الرجل، وقد تقدم البحث في هذه المسألة.
مسألة: قال الشيخان (3): دية الجنين مائة دينار إذا لم تلجه الروح بعد تمام

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 446 - 447.
(2) السرائر: ج 3 ص 414 و 415، وفيه: " بحيث كل ضربة منها جناية كان... "
(3) المقنعة: ص 763، النهاية ونكتها: ج 3 ص 459.
410

خلقته. وبه قال الصدوق في المقنع (1)، ورواه في من لا يحضره الفقيه (2)، وهو
قول السيد المرتضى (3)، وأبي الصلاح (4)، وسلار (5)، وابن البراج (6)، وابن
حمزة (7)، وابن إدريس (8).
وقال ابن الجنيد: وإذا ألقي الجنين ميتا من غير أن تبين جناية بعد الجناية
على الأم كان فيه غرة عبد أو أمة إذا كانت الأم حرة مسلمة، وقدر قيمة الغرة
قدر نصف عشر الدية.
وقال ابن أبي عقيل: دية الجنين عند آل الرسول - عليهم السلام - إذا كانت
مضغة ما لم ينبت له العظم أربعون دينارا أو غرة عبد أو أمة بقيمة ذلك، فإن
كان قد نبت له العظم وشق له السمع والبصر ففيه الدية كاملة. والمشهور
الأول.
لنا: ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - إلى
أن قال: فإذا تم الجنين كان له مائة دينار (9).
وعن سليمان بن صالح، عن الصادق - عليه السلام - قال: وفي العظم
ثمانون دينارا، فإذا كسي اللحم فمائة دينار ثم هي مائة حتى يستهل، فإذا

(1) المقنع: ص 180.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 143 ح 5316، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح 2
ج 19 ص 238.
(3) الإنتصار: ص 264.
(4) الكافي في الفقه: ص 393.
(5) المراسم: ص 242.
(6) المهذب: ج 2 ص 509.
(7) الوسيلة: ص 456.
(8) السرائر: ج 3 ص 416.
(9) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 281 ح 1099، وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب ديات النفس ح 1
ج 19 ص 169، وفيهما: " عن عبد الله بن مسكان ".
411

استهل فالدية كاملة (1). وكذا في حديث أبي جرير القمي، عن الصادق -
عليه السلام (2) وغيره من الأحاديث.
احتج القائلون بالغرة بما رواه أبو بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال:
إن ضرب رجل امرأة حبلى فألقت ما في بطنها ميتا فإن عليه غرة عبد أو أمة
يدفعها إليها (3).
وعن السكوني، عن الصادق - عليه السلام - قال: قضى رسول الله - صلى
الله عليه وآله - في جنين الهلالية حيث رميت بالحجر فألقت ما في بطنها غرة عبد
أو أمة (4). وغير ذلك من الأحاديث.
والجواب: ما ذكرناه من الأحاديث أصح طريقا وأقوى متمسكا، لأن
الحوالة فيها على أمر مقدر معلوم، بخلاف هذه الأحاديث فإن فيها حوالة على أمر
مختلف لا يجوز أن يناط به الأحكام.
وقد روى عبيد بن زرارة في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قلت:
إن الغرة تكون بمائة دينار وتكون بعشرة دنانير، فقال: بخمسين (5).
وعن إسحاق بن عمار، عن الصادق - عليه السلام - قال: إن الغرة تزيد

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 281 ح 1100، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح 3
ج 19 ص 238.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 282 ح 1102، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح 9
ج 19 ص 241.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 286 ح 1108، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب ديات الأعضاء ح 5
ج 19 ص 243.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 286 ح 1109، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب ديات الأعضاء ح 3
ج 19 ص 243. وفيهما: " ما في بطنها ميتا فإن عليه غرة ".
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 287 ح 1114، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب ديات الأعضاء ح 7
ج 19 ص 244.
412

وتنقص ولكن قيمتها أربعون دينارا (1).
ويحتمل أن يجيب الإمام - عليه السلام - بغرة قيمتها خمسون تارة وأربعون
أخرى بحسب الجنايات التي وقعت وقت السؤال لا مطلقا، ولهذا اختلفت
القيم، ولا يجوز التعويل في الحكم الكلي على ما هو متخلف.
واحتج ابن أبي عقيل بما رواه أبو عبيدة في الصحيح، عن الصادق
- عليه السلام - في امرأة شربت دواء لتطرح ولدها فألقت ولدها، قال: إن كان
له عظم قد نبت عليه اللحم وشق له السمع والبصر فإن عليها ديته تسلمها إلى
أبيه، قال: وإن كان جنينا علقة أو مضغة فإن عليها أربعين دينارا أو غرة
تسلمها [إلى أبيه] (2).
والجواب: ما تقدم أيضا.
مسألة: للشيخ قولان في أن الجنين هل يختلف ديته باختلاف الذكورة
والأنوثة؟ ففي المبسوط: يختلف، فدية الذكر عشر ديته ودية الأنثى عشر
ديتها (3).
وقال في الخلاف: ففيه مائة دينار سواء كان ذكرا أو أنثى (4)، وبه قال ابن إدريس (5). وهو الوجه، لعموم إطلاق الأحاديث الدالة على أن في الجنين مائة
دينار من غير تفصيل.

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 287 ح 1115، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب ديات الأعضاء ح 8
ج 19 ص 244.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 287 ح 1113، وليس فيه: " أبو عبيدة " وسائل الشيعة: ب 20 من
أبواب ديات الأعضاء ح 1 ج 19 ص 242، وفيهما: " شربت دواء وهي حامل لتطرح ".
(3) المبسوط: ج 7 ص 194.
(4) الخلاف: ج 5 ص 293 المسألة 124.
(5) السرائر: ج 3 ص 416.
413

مسألة: قال الشيخ في الخلاف: في جنين الأمة عشر قيمتها، ذكرا كان أو
أنثى (1).
وقال في المبسوط: إن كان الجنين عبدا ففيه عشر قيمته إن كان ذكرا،
وكذلك عشر قيمته إن كان أنثى، وعندهم نصف عشر قيمة أمه (2).
وقال في موضع آخر منه: إذا ضرب بطن أمة فألقت جنينا ميتا مملوكا ففيه
عشر قيمة أمه، ذكرا كان أو أنثى، وعند قوم اعتباره بأبيه مثل جنين الحرة،
وهو الذي رواه أصحابنا (3).
وقال في النهاية: وجنين الأمة إذا كانت حاملا بمملوك عشر ثمنها (4).
وكذا قال المفيد في المقنعة (5)، وابن إدريس (6)، وهو المشهور.
وقال ابن أبي عقيل: ولو أن رجلا ضرب أمة قوم وهي حامل فمات الجنين
في بطنها فعليه نصف عشر قيمة الأمة، فإن ضربها فألقته حيا ثم مات فإن عليه
عشر قيمتها. وهو قول ابن الجنيد.
لنا: ما رواه ابن سنان، عن الصادق - عليه السلام - في رجل قتل جنين أمة
لقوم في بطنها، فقال: إن كان مات في بطنها بعد ما ضربها فعليه نصف عشر
قيمة الأمة (7).
ونقل ابن إدريس عن الشيخ الكلام الذي قلناه أخيرا في المبسوط وهو أنه:
إذا ضرب بطن أمة فألقت جنينا ميتا مملوكا ففيه عشر قيمة أمه، ذكرا كان أو
أنثى، وعند قوم غرة تامة مثل جنين الحرة، وهو الذي رواه أصحابنا. ثم قال

(1) الخلاف: ج 5 ص 298 المسألة 133.
(2) المبسوط: ج 7 ص 197.
(3) المبسوط: ج 7 ص 205.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 462.
(5) المقنعة: ص 763.
(6) السرائر: ج 3 ص 419.
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 146 ح 5322 وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب ديات الأعضاء ح 1
ج 19 ص 245، وفيه: " عن أبي سيار ".
414

ابن إدريس: هاهنا يحسن قول: " إقلب تصب " بل رواية أصحابنا ما قدمه (1).
وهذا تجاهل من ابن إدريس، فشيخنا أعرف بالروايات منه، وقد أورد
منها طرفا صالحا، وتأولها في كتابه على جاري عادته.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: الجنين أول ما يكون نطفة وفيه عشرون
دينارا، ثم يصير علقة وفيه أربعون دينارا وفيما بينهما بحساب ذلك، ثم يصير
مضغة وفيها ستون دينارا وفيما بين ذلك بحسابه، ثم يصير مكسوا عليه اللحم
خلقا سويا شق له العينان والأذنان والأنف قبل أن تلجه الروح وفيه مائة
دينار وفيما بين ذلك بحسابه (2).
وقال ابن إدريس: الجنين الولد ما دام في البطن وأول ما يكون نطفة وفيها
بعد وضعها في الرحم إلى عشرين يوما عشرون دينارا، ثم بعد العشرين يوما
لكل يوم دينار إلى أربعين يوما أربعون دينارا وهي دية العلقة، فهذا معنى
قولهم: وفيما بينهما بحساب ذلك (3). فجعل ما بين النطفة والعلقة عشرين يوما
لكل يوم دينار، ولا نعرف مستنده في ذلك.
والصدوق قال في المقنع: في النطفة عشرون دينارا، فإن خرج في النطفة
قطرة دم فهي عشر النطفة فيها اثنان وعشرون دينارا، فإن قطرت قطرتين فأربعة
وعشرون دينارا، فإن قطرت ثلاث قطرات فستة وعشرون دينارا، فإن قطرت
أربع قطرات ففيها ثمانية وعشرون دينارا، فإن قطرت خمس قطرات ففيها
ثلاثون دينارا، وما زاد على النصف فعلى حساب ذلك حتى يصير علقة، فإذا
كان علقة فأربعون دينارا، فإن خرجت متخضخضة بالدم فإن كان دما صافيا
ففيها أربعون دينارا، وإن كان دما أسود فلا شئ عليه إلا التعزير، لأنه ما

(1) السرائر: ج 3 ص 417.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 458 - 459.
(3) السرائر: ج 3 ص 416.
415

كان من دم صاف فهو للولد، وما كان من دم أسود فإن ذلك من الجوف، فإن
كان في العلقة شبه العرق من اللحم ففي ذلك اثنان وأربعون دينارا، فإن كان
في المضغة شبه العقد عظما يابسا فذلك العظم أول ما يبتدئ ففيه أربعة
دنانير، ومتى زاد يزيد أربعة حتى يتم الثمانين، فإذا كسى العظم لحما وسقط
الصبي لا يدري أحيا كان أو ميتا فإنه إذا مضت خمسة أشهر فقد صارت فيه
حياة وقد استوجب الدية (1). ورواه في كتاب من لا يحضره الفقيه (2).
ورواه ابن الجنيد أيضا عن أهل البيت - عليهم السلام -.
ورواه الشيخ في التهذيب أيضا عن الصادق - عليه السلام - (3).
وروي عن أبي جرير القمي، عن العبد الصالح - عليه السلام - قال: إنه
يكون في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة أربعين يوما ثم مضغة أربعين
يوما (4).
ونحوه رواه سعيد بن المسيب، عن زين العابدين - عليه السلام - (5).
وروى محمد بن مسلم في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام - قلت: فما
صفة النطفة التي تعرف بها؟ قال: النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة
فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوما ثم تصير إلى علقة، قلت: فما صفة
خلقة العلقة التي تعرف بها؟ قال: هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة

(1) المقنع: ص 179 - 180.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 144 ح 5317 و 5318، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ديات
الأعضاء ح 5 و ح 6 ج 19 ص 239 - 240.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 282 - 283 ح 1105.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 282 ح 1102، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح 9
ج 19 ص 241 مع اختلاف فيهما.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 281 - 282 ح 1101، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ديات
الأعضاء ح 8 ج 19 ص 240.
416

تمكث في الرحم بعد تحولها عن النطفة أربعين يوما ثم تصير مضغة، قلت: فما
صفة المضغة وخلقتها التي تعرف بها؟ قال: هي مضغة لحم حمراء فيها عروق
خضر مشبكة ثم تصير إلى عظم، قلت: فما صفة خلقته إذا كان عظما؟ قال:
إذا كان عظما شق له السمع والبصر ورتبت جوارحه، فإذا كان كذلك فإن
فيه الدية كاملة (1).
وهذه الأخبار وغيرها تدل على أن مدة التنقل من حالة إلى أخرى من هذه
الأحوال أربعون يوما، خلافا لما قاله ابن إدريس.
مسألة: المشهور أنه إذا ضرب الحبلى فماتت ومات الحمل في جوفها بعد تيقن
حياته وجب عليه دية الحبلى ونصف دية ذكر ونصف دية أنثى للحمل، اختاره
الشيخان (2)، وسلار (3)، وابن البراج (4)، وابن حمزة (5)، وهو أيضا قول ابن
الجنيد.
وقال أبو الصلاح: وإن ألقت جنينا فاستهل أو تحرك تحركا يدل على الحياة
ثم مات فدية كاملة، إن ذكرا فدية للذكر، وإن أنثى فدية الأنثى، وإن مات
الجنين المعلوم كماله وحياته من الضرب في بطنها فنصف ديته (6).
وقال ابن إدريس: الأولى استعمال القرعة في ذلك هل هو ذكر أو أنثى،
لأن القرعة مجمع عليها في كل أمر مشكل، وهذا من ذلك (7).
لنا: أنه قضى أمير المؤمنين - عليه السلام - نقله الشيخ في الخلاف وادعى

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 281 - 282 ح 1103، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ديات
الأعضاء ح 4 ج 19 ص 238.
(2) المقنعة: ص 762، النهاية ونكتها: ج ص 459 - 460.
(3) المراسم: 242.
(4) المهذب: ج 2 ص 510.
(5) الوسيلة: ص 456.
(6) الكافي في الفقه: ص 393.
(7) السرائر: ج 3 ص 417.
417

عليه إجماع الفرقة وأخبارهم (1)، وأن أصحابنا لم يختلفوا فيه.
وروى يونس في الصحيح قال: عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين
- عليه السلام - على أبي الحسن - عليه السلام - فقال: هو صحيح، وكان مما فيه
أن أمير المؤمنين - عليه السلام - جعل دية الجنين مائة دينار - إلى أن قال: - وإن
قتلت امرأة وهي حبلى متم فلم يسقط ولدها ولم يعلم أذكر هو أم أنثى ولم يعلم
أبعدها مات أو مات قبلها فديته نصفان نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى
ودية المرأة كاملة بعد ذلك (2).
ورواه في الصحيح عبد الله بن سنان، عن الصادق - عليه السلام - (3).
وإذا كانت الروايات متطابقة على هذا الحكم وأكثر الأصحاب قد صاروا
إليها فأي مشكل بعد ذلك في هذا الحكم حتى يرجع إليها ويعدل عن النقل
وعمل الأصحاب، ولو استعملت القرعة في ذلك استعملت (4) في جميع
الأحكام، لأنا إذا تركنا النصوص بقيت مشكلة هل التحريم ثابت أم لا؟
وكذا باقي الأحكام، وهذا في غاية السقوط. وقول أبي الصلاح الظاهر أن مراده
به ما أفتى به الأصحاب.
مسألة: قد بينا أن دية الجنين بعد كمال خلقته وقبل ولوج الروح فيه مائة
دينار، وإذا لم يتم فإن كان نطفة كانت ديته عشرين دينارا، وإن كان علقة
فأربعون، وإن كان مضغة فستون، وإن كان عظما فثمانون. وهو قول الشيخ (5).

(1) الخلاف: ج 5 ص 294 المسألة 125.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 285 ح 1107، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح 1
ج 19 ص 237، وفيه: " عن محمد بن يعقوب بأسانيده إلى كتاب ظريف عن أمير المؤمنين ".
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 281 ح 1099، وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب ديات النفس ح 1
ج 19 ص 169 وفيهما: " عن عبد الله بن مسكان ".
(4) م 3: استعملت القرعة.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 458 - 459.
418

وأكثر علمائنا.
وقال أبو الصلاح: وأن ألقت عظما وهو أن يصير في المضغة سبع عقد
فثمانون دينارا (1).
وللشيخ قول آخر في الخلاف: إن دية الجنين إذا تم خلقه مائة دينار، وإذا
لم يتم فغرة عبد أو أمة، ذكره في كتاب الفرائض منه (2).
وقال في كتاب الديات منه (3) كما قال في النهاية وغيرها. وهو المعتمد،
لدلالة الروايات عليه، وقد سلفت.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا عزل الرجل عن زوجته الحرة بغير
اختيارها كان عليه عشرة دنانير عشرة دية الجنين يسلمه إليها، على ما روي في
الأخبار -.
مع أنه قال في كتاب النكاح من هذا الكتاب: يكره للرجل أن يعزل عن
امرأته الحرة، فإن عزل لم يكن بذلك مأثوما غير أنه يكون تاركا فضلا (5).
وقال في كتاب النكاح من الخلاف: العزل عن الحرة لا يجوز إلا برضاها،
فمتى عزل بغير رضاها أثم وكان عليه عشر (6) دية الجنين عشرة دنانير، وللشافعي
فيه وجهان: أحدهما: إنه محظور مثل ما قلناه غير أنه لا يوجب الدية، والمذهب
أنه مستحب وليس بمحظور. دليلنا: إجماع الفرقة وأخبار هم وطريقة
الاحتياط (7).
وقال في كتاب الديات منه: إذا عزل الرجل عن زوجته الحرة بغير
اختيارها فإن عليه عشرة دنانير، وخالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا: إجماع

(1) الكافي في الفقه: ص 393.
(2) الخلاف: ج 4 ص 113 المسألة 126.
(3) الخلاف: ج 5 ص 291 و 294 المسألة 120 و 125.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 463.
(5) النهاية ونكتها: ج 2 ص 354.
(6) في المصدر: نصف عشر.
(7) الخلاف: ج 4 ص 359 المسألة 143.
419

الفرقة وأخبارهم (1).
وقال المفيد في كتاب النكاح من المقنعة: وليس لأحد أن يعزل الماء عن
زوجة له حرة، إلا أن ترضى منه بذلك (2).
وقال في كتاب الديات منها: إذا عزل الرجل عن زوجته الحرة بغير
اختيارها فإن عليه عشر دية الجنين يسلمه إليها وهي عشرة دنانير (3). على ما
جاء به بعض الحديث.
وقال ابن الجنيد: وقد روى إباحة العزل عن الحرة عن علي بن الحسين
ومحمد بن علي وجعفر بن محمد - عليهم السلام -.
وقال ابن البراج: فإن عزل زوجته الحرة كان عليه عشرة دنانير (4).
وكذا قال أبو الصلاح (5).
وقال ابن إدريس: قد روي أنه إذا عزل الرجل عن زوجته الحرة بغير
اختيارها كان عليه عشر دية الجنين يسلمه إليها، وهذه رواية شاذة لا يعول
عليها ولا يلتفت إليها، لأن الأصل براءة الذمة، ولأنا قد بينا أن العزل عن
الحرة مكروه وليس بمحظور (6).
والذي رواه الشيخ في الصحيح عن يونس، عن أبي الحسن - عليه السلام -
في قضاء أمير المؤمنين - عليه السلام - وأفتى في مني الرجل يفزع عن عرسه فيعزل
عنها الماء ولم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة دنانير (7). ولا امتناع في كراهة
ذلك وإيجاب الدية للزوجة.

(1) الخلاف: ج 5 ص 293 المسألة 123.
(2) المقنعة: ص 516.
(3) المقنعة: ص 763.
(4) المهذب: ج 2 ص 510.
(5) الكافي في الفقه: 392.
(6) السرائر: ج 3 ص 418 - 419.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 285 ح 1107، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح 1
ج 19 ص 237 وفيه: " عن كتاب ظريف. ".
420

والوجه الحمل على الاستحباب.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: والفرق بين دية الجنين والميت: أن دية الجنين
يستحقها ورثته، ودية الميت لا يستحقها أحد من ورثته بل تكون له خاصة
يتصدق بها عنه (1). ونحوه قال المفيد في المقنعة (2)، وأبو الصلاح (3).
وقال السيد المرتضى: يكون لبيت المال (4).
وقال ابن إدريس: هو الذي يقوى في نفسي، لأن ما ذهب إليه شيخنا في
نهايته لا دليل عليه، وهذه جناية يأخذها الإمام على طريق العقوبة والردع
فيجعلها في بيت المال (5).
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: أنها عوض لغير مالك في الحقيقة، فوجب صرفها إلى ما ينفعه وهو
الصدقة.
وما رواه محمد بن الصباح، عن بعض أصحابنا في قضية المنصور مع
الصادق - عليه السلام - قال: ليس لورثته فيها شئ، إنما هذا شئ صار إليه في
بدنه بعد موته يحج بها عنه أو يتصدق بها عنه أو يصرف في سبيل من سبل
الخير (6).
احتج الآخرون بما رواه إسحاق بن عمار، عن الصادق - عليه السلام -
قلت: فمن يأخذ ديته؟ قال: الإمام هذا لله (7).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 463 - 464.
(2) المقنعة: ص 760 و 763.
(3) الكافي في الفقه: ص 393.
(4) الإنتصار: ص 272.
(5) السرائر: ج 3 ص 419.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 270 - 271 ح 1065، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب ديات
الأعضاء ح 1 ج 19 ص 247.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 272 - 273 ح 1069، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب ديات
الأعضاء ح 3 ج 19 ص 248.
421

والجواب: لا منافاة بين الصدقة وبين كونها لله تعالى.
مسألة: المشهور أن دية قطع رأس الميت مائة دينار مطلقا.
وقد روى عبد الله بن مسكان، عن الصادق - عليه السلام - في رجل قطع
رأس الميت، قال: عليه الدية، لأن حرمته ميتا كحرمته وهو حي (1).
قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: لا منافاة بينهما، لأن كل
واحد منهما في حال متى قطع رأس ميت وكان ممن أراد قتله في حياته فعليه
الدية، ومتى لم يرد قتله في حياته فعليه مائة دينار (2).
وفي هذا التأويل بعد، والأولى حمل الدية على دية الجنين - وهي مائة دينار -
لا دية الحي.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: من أتلف حيوانا لغيره مما لا يقع عليه
الذكاة كان عليه قيمته يوم أتلفه، وذلك مثل الفهد والبازي والصقر، فإن
أتلف ما يقع عليه الذكاة على وجه يمكنه الانتفاع به كان صاحبه مخيرا بين أن
يلزمه قيمته يوم أتلفه ويسلم إليه ذلك الشئ أو يطالبه بقيمته ما بين كونه
متلفا وكونه حيا (3). ونحوه قال المفيد (4)، وابن البراج (5)، وسلار (6).
وقال ابن إدريس: الفهد يقع عليه الذكاة، وقد سبق، وإذا أتلف ما يقع
عليه الذكاة بالذكاة - كما لو ذبح شاة غيره - وجب عليه ما بين قيمتها حية
ومذبوحة، وشيخنا قد رجع عما ذكره في نهايته في مبسوطه (7).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 273 ح 1072، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب ديات الأعضاء ح 6
ج 19 ص 249.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 158 ذيل الحديث 5357.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 466.
(4) المقنعة: ص 769.
(5) المهذب: ج 2 ص 511.
(6) المراسم: ص 243.
(7) السرائر: ج 3 ص 420 مع اختلاف.
422

والشيخ - رحمه الله - عول على أن الجاني أتلف معظم منافعه وصيره كالتالف
فضمن قيمته. وقوله في المبسوط: " من الرجوع بالتفاوت " (1) هو المعتمد،
لتحقق المالية بعد الجناية، فكان الواجب الأرش.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: دية كلب السلوقي أربعون درهما لا يزاد
عليه، ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما، وفي كلب الزرع قفيز من
طعام، وليس في شئ من الكلاب غير هذه شئ على حال (2).
وكذا قال ابن البراج، إلا أنه قال عوض: " قفيز طعام " " قفيز حنطة " (3)
وقال المفيد: قد وظف في قيمة السلوقي المعلم للصيد أربعون درهما، وفي
قيمة كلب الحائط والماشية عشرون درهما، وليس في شئ من الكلاب سوى
ما سميناه غرم ولا لها قيمة (4). وكذا قال سلار (5). وهو يعطي إلا شئ في
كلب الزرع.
وقال ابن الجنيد: دية الكلب الذي للصيد قيمته ولا يتجاوز به أربعين
درهما، ودية الكلب الأهلي زنبيل من تراب.
وقال الصدوق: دية كلب الصيد أربعون درهما، ودية كلب الماشية
عشرون درهما، ودية الكلب الذي ليس لصيد ولا ماشية زنبيل من تراب على
القاتل أن يعطي وعلى صاحب الكلب أن يقبله (6).
وقال ابن إدريس: دية كلب الصيد سواء كان سلوقيا أو غير ذلك إذا
كان معلما للصيد أربعون درهما، وشيخنا أطلق في دية الكلب السلوقي،
والأولى تقييده بكلب الصيد، لأنه إذا كان غير معلم على الصيد ولا هو كلب

(1) المبسوط: ج 8 ص 30.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 466.
(3) المهذب: ج 2 ص 512، وفيه: " قفيز من طعام "، وليس: " قفيز من حنطة ".
(4) المقنعة: ص 796، وفيه: " في قيمة السلوقي منها ".
(5) المراسم: ص 243.
(6) المقنع: ص 192.
423

ماشية ولا زرع ولا حائط فلا دية له وإن كان سلوقيا، وإنما أطلق ذلك لأن
العادة والعرف أن السلوقي الغالب عليه أنه يصطاد، والسلوقي منسوب إلى سلوق
قرية باليمن. ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما، والمراد بالحائط
البستان، لأن في الحديث أن فاطمة - عليها السلام - وقفت حوائطها بالمدينة،
والمراد، بذلك بساتينها. وفي كلب الزرع قفيز من طعام، وإطلاق الطعام في
العرف يرجع إلى الحنطة. وليس في شئ من الكلاب غير هذه الأربعة دية على
حال (1).
وقول ابن الجنيد عندي حسن، وعليه دلت رواية السكوني، عن الصادق
- عليه السلام - قال: قال أمير المؤمنين - عليه السلام -: في من قتل كلب الصيد،
قال: يقومه، وكذلك البازي، وكلب الغنم، وكذلك كلب الحائط (2).
وفي رواية الوليد بن صبيح، عن الصادق - عليه السلام - قال: دية الكلب
السلوقي أربعون درهما، أمر رسول الله - صلى الله عليه وآله - بذلك أن يديه لبني
خزيمة (3).
وعن أبي بصير، عن أحدهما - عليهما السلام - قال: دية الكلب السلوقي
أربعون درهما، جعل له ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله -، ودية كلب الغنم
كبش، ودية كلب الزرع جريب من بر، ودية كلب الأهل قفيز من تراب (4).

(1) السرائر: ج 3 ص 421.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 310 ح 1156، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ديات النفس ح 3
ج 19 ص 167.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 309 ح 1154، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ديات النفس ح 1
ج 19 ص 167.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 310 ح 1155، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب ديات النفس ح 2
ج 19 ص 167.
424

مسألة: قال المفيد - رحمه الله - في المقنعة: ومن ذلك قتل ما لا يقع عليه
الذكاة ولا يحل أكله مع الاختيار، كالبغال والحمير الأهلية والهجن من
الدواب والسباع من الطير وغيره (1).
قال ابن إدريس: هذا غير واضح ولا صحيح، أما البغال والحمير والخيل
- سواء كانت عرابا أو هجانا - فإنها على الأظهر والأصح من أقوال أصحابنا
وفتاويهم ومناظراتهم مأكولة اللحم يقع عليها الذكاة، وهو مذهب شيخنا أبي
جعفر الطوسي في سائر كتبه، واختيار السيد المرتضى في انتصاره. وأما السباع
من الطير وغيره فعندنا أن أسئارها طاهرة وهي طاهرة، وتقع عليها الذكاة عندنا
بغير خلاف، وإنما لا يقع الذكاة على الكلب والخنزير (2) وهذا الذي اختاره هو
المشهور المعتمد.
وقال سلار: البهيمة إما لا تدخل تحت ملك المسلم وهو الخنزير والدب
والقرد، أو يدخل وهو ضربان: أحدهما: لا يقع عليه ذكاة وهو ما لا يحل
أكله (3). وهذا على إطلاقه ليس بجيد، وقد تقدم البحث في ذلك كله.
تذنيب: قال المفيد: والمسلم لا يملك شيئا محرما عليه كالخمر والخنزير
والقرد والدب (4). وكذا قال سلار (5).
وقال ابن إدريس: لا أرى بأسا بتملك الدب، لأنه سبع، ويجوز بيع جلده
بعد ذكاته والانتفاع به بعد دباغه (6). وهو الأقوى عندي، وقد تقدم

(1) المقنعة: ص 768.
(2) السرائر: ج 3 ص 423.
(3) المراسم: ص 243، مع اختلاف.
(4) المقنعة: ص 769، وفيه: " كالخمور ".
(5) المراسم: ص 243.
(6) السرائر: ج 3 ص 242.
425

الفصل السابع
في اللواحق
مسألة: قال الصدوق في المقنع: في ذكر الخنثى وأنثييه ثلث الدية (1).
وقال ابن الجنيد: وسواء في ذلك ذكرا الصبي إذا لم يبلغ والعنين والخنثى
المحكوم له بأنه رجل، فإن كان محكوما بأنه امرأة كان فيه ثلث الدية.
والوجه أن نقول: إن كان قد حكم له بالرجولية وجب عليه في كل واحد
من ذكره وأنثييه دية كاملة، وإن حكم له بالأنوثة وجبت الحكومة، لأنه زائد،
وكذا إن اشتبه أمره، لأصالة البراءة.
مسألة: قال الصدوق في المقنع: وفي السمحاق وهي التي دون الموضحة
خمسمائة درهم، فإذا كانت في الوجه فالدية على قدر الشين (2).
والمعتمد ما تقدم من أن في السمحاق سواء كانت في الرأس أو الوجه
أربعة أبعرة قيمتها أربعون دينارا أو أربعمائة درهم، أما الموضحة فإن فيها
خمسمائة درهم، وقد تقدم.

(1) المقنع: ص 180.
(2) المقنع: ص 181.
426

مسألة: قال الصدوق في المقنع: إذا ادعى رجل على رجل قتيلا وليس له بينة فعليه
أن يقسم خمسين يمينا بالله، فإذا أقسم دفع إليه صاحبه فقتله، فإن أبى أن يقسم
قيل للمدعى عليه أقسم فإن أقسم خمسين يمينا بالله أنه ما قتل ولا يعلم قاتلا
أغرم الدية إذا وجد القتل بين ظهرانيهم (1). وكذا قال في من لا يحضره الفقيه.
وهذه رواية رواها الشيخ عن أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - (2). وفي
الطريق علي بن أبي حمزة، وهو ضعيف.
والمعتمد أن نقول: وجود القتيل بين القبيلة أو في القرية إن كان موجبا
للدية عليهم وأراد الولي الحلف على إثبات القصاص كان له ذلك، وإن لم
يفعل ورد اليمين على المنكر فإذا حلفوا القسامة سقطت الدعوى عنهم، وإن طلبوا
إثبات الدية كان لهم ذلك بغير قسامة وإن لم يوجب الدية إلا بالقسامة، فإذا لم
يحلف أولياء المقتول وحلف المدعى عليه سقطت الدعوى عنهم ولا دية.
مسألة: قال الصدوق في المقنع: في ذكر العنين الدية (3). وكذا قال ابن
الجنيد.
والمشهور أن فيه ثلث الدية، لأنه أشل فيكون فيه ثلث دية الصحيح كغيره
من الأعضاء.
وقال في المقنع: إذا أسلم الرجل ثم قتل خطأ قسمت الدية على نحوه من
الناس ممن أسلم وليس له موال (4).
والمشهور أنه إن كان قاتلا خطأ كانت ديته عليه إن كان له مال، وإن لم
يكن له مال كانت الدية على الإمام، وإن كان مقتولا فديته للإمام إذا لم يمكن

(1) المقنع: ص 185.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 100 و 101 ح 5179، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب دعوى القتل
ح 5 ج 19 ص 118.
(3) المقنع: ص 186.
(4) المقنع: ص 188.
427

له وارث.
وقال في المقنع: فإن قتل المكاتب رجلا خطأ فإن كان مولاه حين كاتبه
اشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المملوك يدفع إلى أولياء المقتول،
فإن شاؤوا استرقوا، وإن شاؤوا باعوا. وإن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط
عليه وقد كان أدى من مكاتبته شيئا، فإن على الإمام أن يؤدي بقدر ما أعتق
من المكاتب، ولا يبطل دم امرئ مسلم، وأرى أن يكون ما بقي على المكاتب
ما لم يؤد لأولياء المقتول يستخدمونه حياته بقدر ما بقي، وليس لهم أن يبيعوه (1).
وهذا القول عندي أجود من قول شيخنا (2)، إن النصيب من الرقية يكون
على مولاه.
نعم قوله: " وليس لهم أن يبيعوه " ممنوع، لأن الكتابة في نصيب الرقية قد
بطلت باسترقاقه.
مسألة: المشهور أن في المنقلة خمسة عشر بعيرا.
وقال ابن أبي عقيل: وقد جاء بالتوقيف عنهم - عليهم السلام - أن في
الباضعة ثلاثة من الإبل، وفي المأمومة ثلاثة وثلاثون (3) من الإبل، وفي السمحاق
أربعة من الإبل، وفي المنقلة عشرين من الإبل.
والأول أقوى وأشهر بين الأصحاب. وعليه دلت رواية أبي بصير، عن
الصادق - عليه السلام - قال: وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل (4). وكذا في رواية
زرارة (5)، عن الصادق - عليه السلام -.

(1) المقنع: ص 192.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 393.
(3) في نسخة م 3 ثلاثين بدل ثلاثون.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 289 ح 1123، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ديات الشجاج
والجراح ح 10 ج 19 ص 292.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 290 ح 1124، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ديات الشجاج
والجراح ح 11 ج 19 ص 292.
428

ورواية مسمع بن عبد الملك، عن الصادق - عليه السلام - قال: قال أمير
المؤمنين - عليه السلام - قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله - في المأمومة ثلث
الدية، وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل (1).
مسألة: المشهور أنه إذا كان القاتل من أهل الحلل وأراد دفعها وجب عليه
مائتا حلة، كل حلة ثوبان من برود اليمن.
وقال الصدوق في المقنع: وعلى أهل اليمن الحلل مائة حلة (2).
ورواه في كتاب من لا يحضره الفقيه عن الحسن بن محبوب، عن
عبد الرحمان بن الحجاج قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: كانت الدية في الجاهلية
مائة من الإبل فأقرها - رسول الله - صلى الله عليه وآله - ثم إنه فرض على أهل
البقر مائتي بقرة، وفرض على أهل الشاة ألف شاة، وعلى أهل الحلل مائة حلة.
قال عبد الرحمان: فسألت أبا عبد الله - عليه السلام - عما رواه ابن أبي ليلى،
فقال: كان علي - عليه السلام - يقول: الدية ألف دينار وقيمة الدينار عشرة
دراهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم،
وعشرة آلاف لأهل الأمصار، ولأهل البوادي الدية مائة من الإبل، ولأهل السواد
مائتي بقرة أو ألف شاة (3).
والذي ذكرناه أولا اختيار الشيخين (4)، وسلار (5)، وأبي الصلاح (6)، وابن
البراج.
وقال ابن البراج: قيمة كل حلة خمسة دنانير (7).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 290 ح 1126، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ديات الشجاج
والجراح ح 6 ج 19 ص 291.
(2) المقنع: ص 182.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 107 ح 5201.
(4) المقنعة: ص 735، النهاية ونكتها: ج 3 ص 364.
(5) المراسم: ص 236.
(6) الكافي في الفقه: ص 391.
(7) المهذب: ج 2 ص 457.
429

وكذا ظاهر كلام ابن أبي عقيل فإنه قال: وعلى أهل الإبل والبقر والغنم
من أي صنف كان قيمة عشرة آلاف درهم، وإذا كان الضابط اعتبار القيمة
فلا مشاحة في العدد مع حفظ قدر القيمة وهي عشرة آلاف درهم أو ألف
دينار.
مسألة: قال سلار: وإذا ذهب بحاجبه فنبت ففيه ربع الدية، وقد روي أن
فيهما إذا لم ينبتا مائة دينار (1).
والوجه عندي الحكومة في ما إذا أنبت. وهو قول أبي الصلاح (2)، للأصل.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى ادعى ذهاب بصره وعيناه مفتوحتان
صحيحتان ولا يعلم صدق قوله حلف حسب ما قدمناه، وقد روي أنه يستقبل
بعينه عين الشمس فإن كان كما قال بقيتا مفتوحين في عين الشمس وإن لم
تكونا كما قال غمضهما (3).
وقال سلار: فإن ادعى ذهاب بصره ولم يظهر أمره يقام مواجها لعين
الشمس فإن أطبقهما فقد كذب، وإن لم يطبقهما فقد صدق (4). فأفتى بما جعله
الشيخ رواية، وكذا أبو الصلاح (5).
والشيخ - رحمه الله - عول على ما رواه سليمان بن خالد، عن الصادق
- عليه السلام - قال: سألته عن العين يدعي صاحبها أنه لا يبصر، قال: يؤجل
سنة ثم يستحلف بعد السنة أنه لا يبصر ثم يعطي الدية، قال: قلت: فإن هو
أبصر بعده؟ قال: هو شئ أعطاه الله إياه (6).

(1) المراسم: ص 245.
(2) الكافي في الفقه: ص 397.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 431، وفيه: " إنه يستقبل بعينه في عين ".
(4) المراسم: ص 245.
(5) الكافي في الفقه: ص 396.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 266 ح 1048، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ديات المنافع ح 5
ج 19 ص 283.
430

واحتج سلار بما رواه الأصبغ بن نباته، عن أمير المؤمنين - عليه السلام -
قال: وأما ما ادعاه في عينه فإنه يقابل بعينه عين الشمس فإن كان كاذبا لم
يتمالك حتى يغمض عينيه، وإن كان صادقا بقيتا مفتوحتين (1).
ولا بأس عندي بذلك إذا استفاد الحكم منه ظنا.
مسألة: قال المفيد: وليس في كسر اليد وشئ من العظام وقطع شئ من
الأعضاء التي تصلح بالعلاج قصاص، وإنما القصاص في ما لا يصلح من ذلك
بشئ من العلاج (2).
وقال الشيخ في النهاية: من قطع شيئا من جوارح الإنسان وجب أن يقتص
منه إن أراد ذلك المقطوع، وإن جرحه جراحة فمثل ذلك، إلا أن يكون جراحة
يخاف في القود منها على هلاك النفس فإنه لا يحكم فيها بالقصاص، بل يحكم
بالأرش كالمأمومة والجائفة وما أشبههما، وكسر الأعضاء التي يرجى
انصلاحها (3) بالعلاج فلا قصاص أيضا فيها، بل يراعى حتى ينجبر الموضع إما
مستقيما أو على عثم فيحكم حينئذ بالأرش، فإن كان شيئا لا يرجى صلاحه
فإنه يقتص من جانبه على كل حال (4).
وقال سلار: الجناية إن خيف من القصاص فيها تلف نفس المقتص منه في
الأغلب لاقصاص فيها بل الدية، وإن لم يخف فصاحب الجناية مخير بين
القصاص والدية، ولا قصاص فيما يبرأ ويصلح، وإنما فيه الأرش والقصاص فيما
لا يبرأ (5).
والوجه أن نقول: إنه لا قصاص في كسر الأعضاء والعظام، إما لما فيه من

(1) (1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 268 ح 1053، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ديات المنافع ح 1
ج 19 ص 279.
(2) المقنعة: ص 761.
(3) م 3: إصلاحها.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 447.
(5) المراسم: ص 246، مع اختلاف.
431

التغرير، أو لعدم التوصل إلى قدر الحق. وأما غير الكسر فإن خيف منه التلف
فلا قصاص أيضا، وإن لم يخف منه التلف وجب فيه القصاص، سواء برأ أو
لا، لعموم قوله تعالى: " والجروح قصاص " (1).
مع أن سلار قال - لما عد الجراحات -: فلا قصاص إلا في سبع منهن ما عدا
المأمومة والجائفة (2). مع غلبة الظن ببرء أكثرها. فإن قصد من الجنايات التي
يشتمل على الكسر فقد وافق الشيخين.
وأبو الصلاح: قال: إنما يكون جارحا بما يوجب القصاص مع تكامل
الشروط المذكورة في القود إذا كان ما قصده مما لا يرجى صلاحه كقطع اليد
والرجل والإصبع إلى غير ذلك، ولا يخاف معه تلف المقتص منه. فأما الكسر
والفك المنجبر والجرح الملتئم والمأمومة في الشجاج والجائفة في الجوف وما يجري
مجراه فلا قصاص في شئ منه (3).
وفيه الإشكال السابق أولا.
مسألة: قال أبو الصلاح: وإذا قتل العبد أو الأمة حرا مسلما أو حرة وجب
تسليم كل منهم إلى ولي الدم برمته، إن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا تملكوا ما معه
من مال وولد، وإن شاؤوا استرقوه وولده وتصرفوا في ملكه (4).
وهذا ليس بجيد على إطلاقه، فإن الصحيح عندنا أن العبد لا يملك شيئا
فجميع ما بيده لمولاه، ولا يجب دفعه إلى أولياء المقتول، بل الواجب دفع العبد
لا غير، ولو قلنا: إن العبد يملك فإن ملكه ناقص، فالأقوى أنه لا يجب دفعة
أيضا، وأما الأولاد فلا يجب دفعهم أيضا، سواء ولدوا بعد القتل، قبل الدفع أو
قبله، لأن الأولياء لا يملكون بنفس القتل بل باختيار الاسترقاق، ولو كانت

(1) المائدة: 45.
(2) المراسم: ص 247.
(3) الكافي في الفقه: ص 382.
(4) الكافي في الفقه: ص 385.
432

الأمة حاملا وقت القتل ودفعت لم يملك الأولياء ولدها، بل يكون للمولي سواء
وضعته قبل الدفع أو بعده، عملا بالاستصحاب السالم عن معارضة ما ينافيه،
وليس هذا الدفع بأقوى من الدفع بالبيع، مع أنه لا يجب دفع الولد هناك فهنا
أولى.
مسألة: قال الشيخان (1): إذا أقر واحد بقتله عمدا وأقر آخر بأنه قتله خطأ
تخير أولياؤه بين قتل المقر بالعمد وليس لهم على الآخر سبيل، وبين أخذ الدية
من المخطئ وليس لهم على العامد سبيل.
وقال أبو الصلاح: وإذا أقر من يعتد بإقراره بقتل يوجب القود وأقر آخر
بقتله إياه خطأ (2) فأولياء المقتول بالخيار إن شاؤوا قتلوا المقر بالعمد ولا سبيل
لهم على المقر بالخطأ، وإن شاؤوا طالبوهما بالدية نصفين، فإن كان المقر بالعمد
ممن لا يقاد بالمقتول لكونه صغيرا أو مؤوفا أو ذميا أو عبدا فعليهما جميعا
الدية (3).
والوجه ما قاله الشيخان.
لنا: أن كل واحد منهما أقر بالتفرد بالقتل فأيهما صدق كذب الآخر،
وتصديقهما معا ممتنع.
مسألة: قال أبو الصلاح: وإذا قتل الصغير أو المؤوف العقل - حرا أو عبدا
مسلما أو ذميا ذكرا كان أو أنثى - فعلى وليهما الدية (4).
ثم قال في موضع آخر: ودية قتل العبد على سيده والصغير والمحجور عليه على
وليه، فإن كان خطأ فعلى عاقلتهما (5).

(1) المقنعة: ص 744، النهاية ونكتها: ج 3 ص 378، مع اختلاف فيهما.
(2) ق 2: وأقر آخر بقتله أيضا خطأ. و م 3: وأقر آخر بأنه قتله خطأ وفي المصدر: وأقر آخر بأنه أتاه خطأ.
(3) الكافي في الفقه: ص 386.
(4) الكافي في الفقه: ص 384.
(5) الكافي في الفقه: ص 391، وفيه: " على سيده والصغير أو مأوفا ".
433

وقال في موضع آخر: وعاقلة الرقيق مالكه (1). وهذه العبارة رديئة.
والوجه أن جناية الصغير والمؤوف على عاقلتهما لا على وليهما، وأما العبد فإن
اختار مولاه الفداء فداه، وإلا دفعه إلى المجني عليه، وقد تقدم أن السيد لا يعقل
العبد.
والظاهر أن مراد أبي الصلاح ذلك أيضا، لأنه قال - بعد ذلك -: وإذا جنى
العبد على حر جناية توفي بقيمته فعلى سيده تسليمه أو فداؤه، وإن كانت أقل
من قيمته فعليه فداؤه أو تسليمه وأخذ الفاضل من قيمته عن أرش الجناية (2).
وعبارة ابن الجنيد هنا حسنة فإنه قال: ولو جنى عبد لرجل على رجل
كانت جنايته في رقبته، ولو مات الجاني قبل القصاص منه لم يجب على سيده
قود ولا دية ولا قيمة. مع أنه قال: وإذا كان أرش جناية العبد لا يحيط برقبته
كان الخيار إلى سيده، إن شاء فداه، وإلا كان المجني عليه شريكا في رقبة العبد
بقدر أرش الجناية، ولو كان أرش جنايته يحيط برقبة العبد كان الخيار إلى المجني
عليه أو وليه، فإن شاء ملك الرقبة، وإن شاء أخذ من سيده قيمته.
مسألة: قال أبو الصلاح: فعلى هذا التحرير يتنوع القتل ستة أنواع: عمد
يوجب القود، وخطأ محض، وخطأ شبيه العمد يوجبان الدية على العاقلة (3).
وهذا ليس بجيد، فإن المشهور أن دية شبيه العمد على القاتل (4)، وأن
العاقلة إنما يضمن الخطأ المحض.
مسألة: اعتبر أبو الصلاح دعوى ذهاب السمع بالصوت الرفيع من حيث لا
يعلم، فإن ارتاع فهو سميع، وإن لم يرتع فهو أصم، واعتبر ذهاب الشم بتقريب

(1) الكافي في الفقه: ص 392.
(2) الكافي في الفقه: ص 395.
(3) الكافي في الفقه: ص 396.
(4) في الطبعة الحجرية: شبيه العمد والعمد يوجبان الدية على القاتل.
434

الحراق إلى الأنف، فإن دمعت عيناه (1) فهو سليم، وإن لم تدفع فقد ذهبت حاسة
شمه (2). وكذا ابن الجنيد اعتبر في الشم.
والشيخ جعله في النهاية رواية، واعتبر بالأيمان والاستظهار بها (3).
واعتبر أبو الصلاح أيضا دعوى عدم النطق بالإبرة، فإن خرج الدم أسود أو
لم يخرج دم فهو أخرس، وإن خرج أحمر فهو سليم (4).
والوجه أن نقول: إن أفادت العلامة للحاكم ما يوجب الحكم اعتبرها،
وإلا فالأيمان.
مسألة: قال أبو الصلاح: ويضمن الحر قيمة ما أفسده وأرش ما جناه من
عمد أو خطأ عن قصد أو سهو وما يحصل عند فعله أو ممن يلي عليه. ثم قال:
والثالث: ما يقع من الرقيق أو المضمون الجريرة (5) أو المحجور عليه من قتل خطأ
أو فساد عن مقصود (6) أو عمد ممن لا يعقل، فيلزم الولي دية النفس وقيمة
المتلف وأرش الجناية (7).
وهذا على إطلاقه ليس بجيد، فإنا قد بينا أن المولى لا يضمن جناية عبده،
بل له أن يدفعه، ولا ضمان أيضا على ولي الطفل والمجنون بل على العاقلة، ولا
ضمان على العاقلة في ما يتلف من الأموال بل النفوس خاصة.
مسألة: قال ابن الجنيد: إذا أركب السيد عبده فجنى العبد كان الضمان
على السيد، وإن ركب العبد بغير إذنه فجنى كانت جنايته في عنقه.
والوجه أن نقول: إن كان العبد صغيرا فكذلك، وإن كان كبيرا كان
الضمان عليه مطلقا يتعلق برقبته.

(1) في المصدر: عينه.
(2) الكافي في الفقه: ص 397.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 433 - 434، جعله فتوى ولم يجعله رواية.
(4) الكافي في الفقه: ص 97 3.
(5) في الطبعة الحجرية: بالجريرة.
(6) في الطبعة الحجرية و ق: غير مقصود.
(7) الكافي في الفقه: ص 401 و 402.
435

مسألة: قال ابن الجنيد: القسامة تثبت إذا كان القتيل به أثر القتل من
جراحة أو شدخ أو خنق أو نحو ذلك، فإن لم يكن به أثر فلا قسامة.
وقال الشيخ - رحمه الله - في الخلاف: كل موضع قلنا قد حصل اللوث على
ما فسرناه فللولي أن يقسم، سواء كان بالقتيل أثر القتل أو لم يكن له أثر (1).
وهو الأقرب، للعموم. وكأن ابن الجنيد نظر إلى انتفاء الظن بالقتل عند فقد
العلامة والأثر.
ونحن نقول إن انتفى الظن فلا قسامة، لانتفاء اللوث حينئذ، والتقدير
خلافه.
وقال في المبسوط: كل موضع حصل اللوث فللولي أن يقسم، سواء كان
بالقتيل أثر القتل أو لا. وقال قوم: إن كان به أثر القتل فكذلك، وإن لم يكن
أثر فلا قسامة. قال: وهذا أقوى (2). وهو يوافق قول ابن الجنيد.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولا قسامة في بهيمة ولا في شئ من العروض ولا
في عبد مقتول.
وقال الشيخ في الخلاف: إذا قتل عبد وهناك لوث فلسيده القسامة،
لعموم الأخبار الواردة في وجوب القسامة في القتل (3).
مسألة: المشهور أن دية الذمي ثمانمائة درهم.
وقال ابن الجنيد: فأما أهل الكتاب الذين كانت لهم ذمة من رسول الله
- صلى الله عليه وآله - ولم يغيروا ما شرط عليهم رسول الله - صلى الله عليه وآله -
فدية الرجل منهم أربعمائة دينار أو أربعة آلاف درهم، وأما الذين ملكهم
المسلمون عنوة ومنوا عليهم باستحيائهم - كمجوس السواد وغيرهم من أهل

(1) الخلاف: ج 5 ص 310 المسألة 8.
(2) المبسوط: ج 7 ص 215.
(3) الخلاف: ج 5 ص 312 المسألة 11.
436

الكتاب بالجبال وأرض الشام - فدية الرجل منهم ثمانمائة درهم والمرأة من كلا
الصنفين ديتها نصف دية نظيرها من الرجال.
والمشهور الأول، للروايات الدالة عليه من غير تفصيل.
وروى ابن مسكان في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال: دية
اليهودي والنصراني والمجوسي ثمانمائة درهم (1).
وفي الصحيح عن أبان بن تغلب، عن الصادق - عليه السلام - قال: قلت
له: إبراهيم بن عمر يقول: إن دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء، قال:
نعم قال الحق (2).
وفي الصحيح عن ليث المرادي، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته
عن دية النصراني والمجوسي واليهودي، فقال: ديتهم جميعا سواء ثمانمائة
درهم (3). وغير ذلك من الروايات.
احتج بما رواه أبو بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: دية اليهودي
والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم (4).
وأجاب الشيخ بأنه محمول على المعتاد لقتل أهل الذمة، ولا بأس
بذلك (5).

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 186، وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب ديات النفس ح 2 ج 19
ص 160.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 186 ح 729، وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب ديات النفس ح 1
ج 19 ص 160، مع اختلاف فيهما.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 186 ح 730، وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب ديات النفس ح 5
ج 19 ص 161.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 187 ح 737، وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب ديات النفس ح 4
ج 19 ص 163.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 187 ذيل الحديث 737.
437

مسألة: قال ابن الجنيد: وإن حكم عليه بديات لأجنة قتلهم كان عليه من
الكفارة لكل جنين رقبة مؤمنة.
وقال الشيخ في الخلاف: وأما الكفارة فلا تجب بإلقاء الجنين على
ضاربها (1).
وفي المبسوط: كل موضع تجب فيه الغرة تجب فيه الكفارة عند قوم، وقال
قوم: لا كفارة، وهو الأقوى، لأن الأصل براءة الذمة (2).
وقول الشيخ جيد، عملا بالأصل وعدم ما ينافيه.
مسألة: قال ابن الجنيد: وما كان من الأعضاء معيبا ولادة وقد جرت
العادة بعدم المنفعة بالعضو، ففي الجناية على العضو ثلث دية العضو لو كان
صحيحا فجنى عليه بتلك الجناية، وذلك كاليد الأعسم واليد الشلاء والرجل
العرجاء ولسان الأخرس. وكذلك ما كان منها حادثا وقد جرت العادة بأنه لا
يعود إلى السلامة، مثل: ذكر الخصي وأنثييه وعين الأعمى. وإن كان
العارض مما يجوز مزايلته ويجوز رجوع العضو إلى حال السلامة فالجناية عليه
كالجناية على العضو الصحيح، كاللسان إذا خرس من علة، والعنين إذا حدث
بالذكر. وإذا حدث الشلل من الجناية وأزالت النفع من العضو وإن بقي العضو
ففيه دية العضو، وهذا يعطي أن في ذكر الخصي ثلث الدية.
والمشهور أن فيه الدية كاملة، لأن العيب ليس في الذكر بل في غيره،
وتجويز الرجوع إلى حال السلامة لا يكفي في إيجاب الدية بكمالها بل ظن
الرجوع، والعضو الأشل وإن ذهبت منفعته لا يجب فيه كمال الدية بل ثلثاها
على المشهور.

(1) الخلاف: ج 5 ص 292 ذيل المسألة 122.
(2) المبسوط: ج 7 ص 195.
438

مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا انشقت الشفتان حتى بدت الأسنان منها
ولم تبرأ فدية شقها ثلث دية النفس، فإن عولجت فبرأت والتأمت فديتها خمس
دية النفس، وفي شق إحداهما بحساب ذلك، فإن التأمت وصلحت ففيها خمس
ديتها (1). وكذا قال المفيد (2).
وقال ابن الجنيد: فأما الشفتان ففي العليا إذا شقت ثلث ديتها، وفي السفلى
نصف ديتها.
والمشهور الأول.
مسألة: قال ابن الجنيد: وفي الحيوان إذا فقئت عينه ربع ديته.
وقال في النهاية: وفي عين البهيمة إذا فقئت ربع قيمتها على ما جاءت به
الآثار (3). ونحوه قال ابن البراج (4)، وابن حمزة (5).
والمفيد - رحمه الله -: أوجب الأرش في جرح الحيوان وكسر أعضائه (6)،
وأطلق. وهو الأقوى في النظر، لأنه مال فاعتبر أرشه كغيره من الأموال، لكن
الروايات متظافرة على ما قاله الشيخ - رحمه الله -.
وقال سلار: فأما الجناية في أعضائها فبحسب قيمتها (7).
مسألة: قال ابن الجنيد: وإن نفذت في الأنف نافذة لا تنسد فديتها ثلث دية
الأنف، فإن انسدت فخمس دية الأرنبة مائة دينار، فإن كانت نافذة في أحد
المنخرين إلى الحاجز بين المنخرين فديته عشر دية الأرنبة خمسون دينارا.
والشيخان قالا: إن نفذت في الأنف نافذة لا تنسد فديتها ثلث الدية فإن
عولجت فبرأت على غير عثم فديتها خمس دية الأنف مائتا دينار فإن كانت
.

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 456.
(2) المقنعة: ص 767.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 468.
(4) المهذب: ج 2 ص 512.
(5) الوسيلة: ص 428.
(6) المقنعة: ص 769.
(7) المراسم: ص 243.
439

النافذة في أحد المنخرين إلى الخيشوم - وهي الحاجز بين المنخرين - فعولجت
فبرأت فديتها عشر دية الأنف مائة دينار (1). وكذا قال ابن البراج (2)، وابن إدريس (3)، ونحوه قال سلار (4).
وقال أبو الصلاح: وفي الأرنبة نصف الدية، وفي إحدى المنخرين ربع
الدية، وفي النافذة فيهما نصف الدية فإن صلحت والتأمت فخمس الدية، وفي
النافذة في إحدى المنخرين سدس الدية فإن التأمت فعشر الدية (5).
وفي كتاب ظريف: فإن قطعت روثة الأنف فديتها خمسمائة دينار، وإن
نفذت فيه نافذة لا تنسد بسهم أو رمح فديته ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا
وثلث، وإن كانت نافذة فبرأت والتأمت فديتها خمس دية روثة الأنف مائة
دينار فما أصيب فعلى حساب ذلك، وإن كانت النافذة في إحدى المنخرين إلى
الخيشوم - وهو الحاجز بين المنخرين فديته عشر دية روثة الأنف - خمسون دينارا
وإن كانت الرمية نفذت في إحدى المنخرين والخيشوم إلى المنخر الآخر فديتها
ستة وستون دينارا وثلثا دينار (6). وهو قريب مما قاله ابن الجنيد، لكن المشهور
بين الأصحاب ما قاله الشيخان.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: فإن قطع إحدى المنخرين قال قوم: فيه ثلث
الدية، لأن هاهنا حاجزا ومنخرين، فإذا قطع منخرا واحدا ففيه ثلث الدية،
وقال بعضهم: فيه نصف الدية، وهو مذهبنا، لأنه ذهب بنصف المنفعة
ونصف الجمال (7).

(1) المقنعة: ص 767، والنهاية ونكتها: ج 3 ص 455.
(2) المهذب: ج 2 ص 482.
(3) السرائر: ج 3 ص 411.
(4) المراسم: ص 244.
(5) الكافي في الفقه: ص 397.
(6) الفروع من الكافي: ج 7 ص 331 ذيل الحديث 2، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب ديات الأعضاء
ح 1 ج 19 ص 221.
(7) المبسوط: ج 7 ص 131.
440

وقال ابن الجنيد: وإذا قطعت الأرنبة فديتها خمسمائة دينار، وفي كل
واحدة من جانبي الأنف ثلث دية الأنف إذا قطعت دون الأرنبة والحاجز.
وقال أبو الصلاح: وفي أحد المنخرين ربع الدية (1). وقول ابن الجنيد
حسن.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولا تضمن العاقلة قيم العبيد إذا قتلهم أقرباءهم
خطأ ولا أرش جراحتهم، لأن النبي - صلى الله عليه وآله - ألزم العاقلة الديات،
وإنما يؤخذ عن العبيد قيم لا دية، لا خلاف في ذلك، ولأنهم كأموال ملاكهم.
وقال الشيخ في المبسوط: إن قتله خطأ محضا فالقيمة على عاقلته عندنا،
وكذلك في أطرافه (2). وفي الخلاف (3) كذلك.
وكلام أبي الصلاح يشعر بأن العاقلة تضمنها (4)، وقد سبق.
وقال ابن البراج: إذا قتل حر عبدا وجبت قيمته في ذمته، وكذلك إن قطع
يده أو قتله عمد الخطأ، وإن كان قد قتله خطأ محضا فالقيمة على عاقلته،
وكذلك في أطرافه (5). وقول ابن الجنيد حسن.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولو جنى العبد خطأ فبادر مولاه فأعتقه جاز عتقه
وضمن الدية كملا لأولياء المجني عليه، ولو دبره متطوعا أو كاتبه أو باعه
والجناية تحيط برقبته بطل فعل السيد في ذلك كله إن لم يجز ولي المقتول أو
المجروح فإنه يستحق رقبة العبد بما فعله السيد ورضي بالدية.
والوجه التسوية بين العتق وغيره من التصرفات في أنها تصح، ويضمن
السيد الدية أو الأقل من الدية وقيمة العبد على الخلاف. نعم لو كان السيد.

(1) الكافي في الفقه: ص 397.
(2) المبسوط: ج 7 ص 158.
(3) الخلاف: ج 5 ص 269 المسألة 85.
(4) الكافي في الفقه: ص 392.
(5) المهذب: ج 2 ص 487.
441

معسرا فالوجه ما قاله ابن الجنيد، ويمكن المصير إلى قول ابن الجنيد، لأنها رقبة
تعلقت بها الجناية، فلا يمضى تصرف المولى فيها كالمرهون ويفارق العتق غيره،
لأنه مبني على التغليب والسراية.
مسألة: المشهور أن الأم تقتل بالولد لو قتلته عمدا، وكذا الأجداد من قبلها.
وقال ابن الجنيد: ولا يقاد والد ولا والدة ولا جد ولا جدة لأب ولا لأم
بولد، ولا ولد ولد إذا قتله عمدا.
لنا: عموم قوله تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا) (1) خرج عنه الأب،
للأحاديث (2) الدالة عليه والجد من قبله، لأنه أب، فيبقى الأم والأجداد من
قبلها على الأصل.
احتج بأن الأم يصدق عليها أنها أحد الوالدين فساوت الآخر.
والجواب: المنع من المساواة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا قتل رجل رجلين أو أكثر منهما وأراد أولياء
المقتولين القود فليس لهم إلا نفسه، ولا سبيل لهم على ماله ولا ورثته ولا
عاقلته، وإن أرادوا الدية كان لهم عليه عن كل مقتول دية كاملة على
الوفاء (3). وتبعه ابن البراج (4)، وابن إدريس (5).
وقال في الخلاف: إذا قتل واحد عشرة فلكل واحد القود، إذ لا يتعلق حقه
بحق غيره، فإن قتل الأول سقط حق الباقين، وإن بادر أحدهم فقتله سقط
حق كل واحد من الباقين، وبه قال الشافعي، إلا أنه قال: يسقط إلى بدل،
وهو كمال الدية في ماله. واستدل بإجماع الفرقة، والأصل براءة الذمة من

(1) الإسراء: 33.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 234 في باب قتل السيد عبده والوالد ولده، وسائل الشيعة: ب 32 من
أبواب القصاص في النفس ج 19 ص 56.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 385.
(4) المهذب: ج 2 ص 469 - 470.
(5) السرائر: ج 3 ص 348.
442

إثبات البدل، على أنا قد بينا أن الدية لا تثبت إلا بالتراضي (1). وهو اختياره
في المبسوط (2).
وقال ابن الجنيد: ولو قتل جماعة عمدا فحضر أولياؤهم يطالبون بالقود أقيد
بالأول وكان لمن بعده الدية في ماله، ولو عفا الأول سلم إلى الثاني، ولو لم يقم
بينة بأنه الأول وأقر القاتل بمن قتله أولا قبل قوله، ولو طلب جميعهم الدية كان
عفوا عن القود وكانت الديات في ماله.
وقول ابن الجنيد هو الوجه عندي، لقوله - عليه السلام -: " لا يطل دم
امرئ مسلم " (3).
وقول المفيد في المقنعة: " إنه إذا كان له مال فاختار أولياء المقتولين
الديات كان عليه ديات الجماعة، وإن لم يكن له مال فليس لهم إلا نفسه،
فإذا قتل كان مستقادا بجميع من قتل، ولم يكن لأولياء المقتولين رجوع على
ورثته بشئ " (4) لا ينافي ما قلناه.
مسألة: قال ابن الجنيد: وإذا شهد الشهود عند الحاكم بالفتل حبس
المدعى عليه القتل إلى أن تبين حال الشهود، ولو ادعى الولي البينة حبس إلى
سنة، وإن أقامها وإلا خلي سبيله، ولو شهد شاهدان أن عمرو قتل زيدا عمدا
وشهد ثلاثة شهود أن بكرا قتل زيدا عمدا نظر إلى دعوى ولي زيد فإن كانت
على بكر طولب الولي بأن يقسم مع الشهود على الذي يدعى، فإن أقسم
استحق الدم، وإن لم يقسم الولي أو كان القتل خطأ عرض على الشهود اليمين،

(1) الخلاف: ج 5 ص 182 - 183 المسألة 47، مع اختلاف.
(2) المبسوط: ج 7 ص 60.
(3) تهذيب الأحكام: ج 7 ص 167، ذيل الحديث 663، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب دعوى القتل
وما يثبت به ذيل الحديث 5 ج 19 ص 118، وفيه: " لا يبطل ".
(4) المقنعة: ص 745.
443

فإن هم حلفوا استحق الولي الدية على المحلوف عليه أو على عاقلته، فإن تشاح
الشهود في اليمين أقرع بينهم فأيهم حلف أخذ بقوله، وإن نكلوا جميعا عن اليمين
كانت الدية على القاتلين على الذي شهد عليه ثلاثة ثلاثة أخماس من الدية،
وعلى الذي شهد عليه اثنان خمسا الدية، فإن كان الثلاثة الشهود يشهدون على
الاثنين أنهما قتلا والشاهدان يشهدان على الثلاثة الذين شهدوا عليهما أنهم
القتلة فإن أقسم الولي على إحدى الطائفتين كان له الخيار فيهم في القود أو
الدية، وإن لم يقسم الولي على أحدهما كانت الدية بينهم على الشاهدين ثلاثة
أخماس الدية وعلى الثلاثة خمساها.
وفي هذا الكلام إشكال، أما حبس المدعى عليه قبل إثبات الحق فقد
سبق البحث فيه مع الشيخ.
والوجه أنه لا يحبس، لأنه تعجيل للعقوبة قبل ثبوت سببها، وكذا لو ادعى
الولي البينة، وأما تعارض البينات فالوجه أن الولي على أيهما ادعى سقط حقه
عن الآخر وثبت دعواه بالبينة، ولا يحتاج إلى القسامة، بل يثبت القود مع
الدعوى والشهادة بدون القسامة وإحلاف الشهود لا سبيل إليه إذا لم يعهد
ذلك في الشرع، ولا يقسم الدية أخماسا، بل يثبت على من يتوجه الدعوى عليه،
وإذا شهد كل من المشهود عليه والشاهد على صاحبه سقطت الشهادة مع
حصول الشبهة وقيام التهمة.
مسألة: قال ابن الجنيد: وللولي أن يقتل قاتل قريبه بمثل القتلة التي قتله بها
إن وثق بأنه لا يتعدى، والاختيار ألا يقع القود إلا بالسيف.
والمشهور عند علمائنا أنه لا يمكن من ذلك، بل يقتل بالسيف، لما رواه
موسى بن بكر عن العبد الصالح - عليه السلام - في رجل ضرب رجلا بعصا فلم
يرفع العصا حتى مات، قال: يدفع إلى أولياء المقتول، ولكن لا يترك يتلذذ به،
444

ولكن يجاز عليه بالسيف (1).
احتج بعموم قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم) (2) وهو وجه قريب من الصواب.
مسألة: قال ابن الجنيد: وإذا أقر رجل بقتل رجل خطأ فادعى الولي بأنه
قتله عمدا فإن أقسم الولي استحق القود، وإن لم يقسم كانت الدية في مال
المقر. وهذا يعطي تقديم قول الوارث لو اختلف هو والجاني في صفة القتل.
وقال الشيخ في المبسوط: إذا ادعى على رجل أنه أقر بقتل وليه عمدا فأقام
شاهدين فشهد أحدهما أنه أقر بقتله عمدا وشهد الآخر على إقراره بالقتل فقط
فقد ثبت القتل بشاهدين فيطالب بالبيان، فإن قال: قتلته عمدا قتلناه
باعترافه، وإن قال: قتلته خطأ فإن صدقه الولي تثبت دية الخطأ عليه مؤجلة في
ماله، وإن كذبه الولي فالقول قول المدعى عليه (3). وهو يشعر بتقديم قول الجاني
في صفة القتل.
وقول ابن الجنيد جيد، لأن إقراره بالقتل لوث، فكان للولي إثباته
بالقسامة.
مسألة: قال ابن الجنيد: لو جرح مسلم مسلما فارتد المجروح ثم أسلم فمات
مسلما كان القود عندي للأولياء إن أحبوا، لأن توسط الحال بالردة لا حكم
لها مع وجوب القود في ابتداء الجناية، ولو كانت نفسا وانتهاءها لما آلت إلى
النفس، ولأن حكم الردة غير مسقط حق المسلم إذا أسلم بعدها.
والشيخ - رحمه الله - فصل في المبسوط فقال: إن أقام على الردة مدة يسري

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 130 ح 5278، وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب القصاص في النفس
ح 3 ج 19 ص 95 - 96.
(2) البقرة: 194.
(3) المبسوط: ج 7 ص 253.
445

فيها الجراح ثم عاد إلى الإسلام فلا قود، لأن القصاص إنما يجب بالقطع وكل
السراية، بدليل أنه لو قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع ومات على ردته لا قود
عليه، ولو قطع يد مرتد فأسلم المرتد ومات مسلما لا قود فيه، فإذا كان وجوبه
بالقطع وكل السراية فإن بعض السراية هنا هدر، لأنها حال الردة، فقد مات
من أمرين مضمون وغير مضمون فسقط القود، لأن القصاص لا يتبعض، وإن
عاد إلى الإسلام قبل أن يكون لها سراية حال الردة ثم مات قال قوم: لا قود،
لأنه حصل حال السراية حال لو مات فيها لا قود فوجب أن يسقط القود رأسا،
وقال آخرون: عليه القود، لأن الجناية وكل السراية حصلت حال التكافؤ
فكان عليه القود، وهو الأقوى عندي (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال في الخلاف: الأقوى عندي أنه يجب عليه القود، لأن الإسلام وجد
في الطرفين حال الإصابة وحال استقرار الدية فتجب الدية كاملة أو القود،
وهذا عندي أقوى (3).
لنا: أنه لو قتله قاتل حال رجوعه إلى الإسلام لوجب عليه القود، وإن
سرت جراحة الأول مدة مديدة والقتل هنا مستند إلى الجناية فكان على فاعلها
القود كغيره.
مسألة: قال ابن الجنيد: وعفو المقتول خطأ عن جنايته كوصيته يصح منها ما
يصح من وصاياه، فأما عفوه عن القاتل عمدا فباطل لا يصح لوجهين:
أحدهما: أنه عفا عما لا يملك، والثاني: أنه وصية لقاتل عمد (4)، وهي لا تصح
عندنا، ولو شاء ولي المقتول عمدا العفو لم يكن له ذلك إذا كان على المقتول

(1) المبسوط: ج 7 ص 26.
(2) المهذب: ج 2 ص 465 - 466.
(3) الخلاف: ج 5 ص 165 ذيل المسألة 25، وليس فيه: " أو القود وهذا عندي أقوى ".
(4) ق 2: انه وصيته لقاتله عمدا.
446

دين لا وفاء له إلا إذا ضمن الولي الديون، ولو كانت الجناية جراحة خطأ
فآلت إلى التلف وكان المجني عليه قد عفا عن الجرح كان على عاقلة الجاني
الدية إلا قدر دية الجرح الذي عفا له عنه، فإن كان عفا عن الجرح وما يتولد
منه كان ذلك كالوصية إن كانت الجناية عمدا فآلت إلى التلف وقد عفا عن
الجراح وما يتولد منه من قصاص أو دية، فإن قال: وإن كانت نفسا لم يصح
العفو عن النفس، لأن ذلك حق يجب لغيره فنزيل القود، للخلاف والشبهة،
ونوجب الدية على القاتل في ماله.
وقال الشيخ في المبسوط: إذا قطع إصبعه عمدا ثم عفا المجني عليه فإن
سرت إلى الكف فلا قود في الإصبع، لأنه قد عفا عنه، وأما الكف بعد
الإصبع فلا قود فيها، لأنه لا قصاص في الأطراف بالسراية، ويجب على الجاني
دية ما بعد الإصبع وهو أربع أصابع، وسواء قال: وعما يحدث منها أو لم
يقل (1)، لأن الحادث هنا وجوب دية ما بعد الإصبع فهو عفو وإبراء عما لم
يجب، وإن سري إلى النفس فالقود في النفس لا يجب، لأنه عفا عن القود في
الإصبع، وإذا سقط فيها سقط في الكل، لأن القصاص لا يتبعض، وهذا
القصاص يسقط عن النفس، سواء قلنا: يصح الوصية من القاتل أو لا نقول،
لأن القولين معا في ما كان مالا، فأما القصاص فإنه يصح، لأنه ليس بمال
بدليل أنه قد يعفو عن القود من لا يصح أن يعفو عن المال كالمحجور عليه للسفه.
والذي رواه أصحابنا أنه إذا جني عليه فعفا المجني عليه عنها ثم سرى إلى نفسه
أن لأوليائه القود إذا ردوا دية ما عفا عنه على أولياء المقتص منه، فإن لم يردوا
لم يكن لهم القود. فأما دية النفس فإن قال: عفوت عنها وعما يحدث من عقلها
فإن كان بلفظ الوصية فهو وصية لقاتل، وهل تصح؟ قال قوم: لا، لقوله

(1) في المصدر: وسواء قال عفوت عن عقلها وقودها وما يحدث فيها أو لم يقل.
447

- عليه السلام -: " ليس للقاتل شئ " وقال آخرون: تصح، وهو الذي يقتضيه.
مذهبنا، لأنه لا مانع منه، فمن قال: لا يصح قال: تكون الدية ميراثا، ومن
قال: تصح أخرجت من الثلث. وإن كان بلفظ العفو والإبراء فهل العفو
والإبراء من المريض وصية أم لا؟ قال قوم: هو وصية، لأنه يعتبر من الثلث.
قال آخرون: هو إسقاط وإبراء وليس بوصية، لأن الوصية نقل ملك في
ما يأتي والإبراء إسقاط في الحال فلهذا لم يكن العفو كالوصية، وعندنا أنه ليس
وصية. وهل يعتبر من الثلث؟ فيه لأصحابنا روايتان، فمن قال: إنه كالوصية
فالحكم فيه كما لو كان بلفظ الوصية وقد مضى، ومن قال: هو إبراء وليس
بوصية صح عما وجب وهو دية الأصابع، ولم يصح في ما عداه، لأنه إبراء عما
لم يجب (1).
والوجه أن نقول العفو كالوصية في أنه يخرج من الثلث وأنه يصح مما
وجب لا مما يتجدد، والوصية تجوز للقاتل عمدا على التفصيل الذي سبق منا
في كتاب الوصية، ويصح العفو عن القود من الولي وإن كان على المقتول دين،
لأن الواجب عندنا إنما هو القود والدية تثبت بدلا فليس للغرماء الاعتراض،
وإذا قال: عفوت عن الجناية وعما يتجدد منها لم يتناول ما يتجدد، لأنه إبراء
مما لم يجب بخلاف الوصية، ولا يسقط القود باعتبار العفو الباطل.
وقول الشيخ في المبسوط: " لا قصاص في الأطراف بالسراية " ممنوع، لأنه
كما يجب في النفس بالسراية ففي الأطراف أولى، وسقوط القصاص في الإصبع
لا يستلزم سقوطه في النفس
تذنيب: قال ابن الجنيد: ولو وصى المجني عليه بأن يعفى عن قاتله وكانت
الجناية خطأ كانت كالوصية المتطوع بها، وإن كان عمدا ادرئ القتل وألزم

(1) المبسوط: ج 7 ص 109 - 111.
448

الدية في ماله.
والوجه عندي التسوية بينهما في إسقاط الدية في العمد كما يسقط القود.
مسألة: قال ابن الجنيد: وإذا قطعت اليد من نصف الذراع كان الخيار إلى
المجني عليه، إن شاء قطع الكف وأخذ قدر أرش ما قطع من ذراعه زائدا على
كفه بحكومة ذوي عدل، وإن شاء اقتص من مفصل المرفق وأعطي قدر أرش
ما أخذه من ذراع الجاني زائدا على حقه بحكومة ذوي عدل.
وقال الشيخ في المبسوط: وإن قطع يده من بعض الذراع فلا قصاص فيها
من بعض الذراع، لأن نصف الذراع لا يمكن قطعه خوفا على إتلافه أو أخذ
أكثر من حقه فيكون المجني عليه بالخيار بين العفو على مال وله دية يد وحكومة
في ما زاد عليها من الذراع، وبين القصاص فيقتص في اليد من الكوع (1) ويأخذ
حكومة في ما بقي من الذراع (2).
وقول الشيخ هو الأشهر، فتعين العمل به، وبه قال ابن البراج (3).
تذنيب: قول الشيخ وابن البراج يعطي في الزائد على الكف حكومة.
وقال ابن إدريس: يعتبر بالمساحة فيثبت في اليد القود، لأن لها مفصلا،
وعليه نصف دية الذراع لو قطع نصفه (4).
مسألة قال الشيخ في النهاية: الأعور إذا فقأ عين صحيح قلعت عينه، وإن
عمي فإن الحق أعماه، فإن قلعت عينه كان مخيرا بين أن يأخذ الدية كاملة أو
يقلع إحدى عيني صاحبه ويأخذ نصف الدية (5).
وقال ابن الجنيد: الأعور إذا فقأ عين صحيح فقئت عينه، لأن الحق أعماه

(1) الكوع: طرف الزند الذي يلي أصل الإبهام.
(2) المبسوط: ج 7 ص 79.
(3) المهذب: ج 2 ص 473 - 474.
(4) السرائر: ج 3 ص 395.
(5) النهاية ونكتها، ج 3 ص 433.
449

إن شاء الولي، فإن فقأ صحيح عين أعور ولادة أو بمرض أو في سبيل الله كان
الخيار إلى المجني عليه، فإن شاء أخذ الدية كاملة للبصر، وإن شاء فقأ إحدى
عيني الجاني وأخذ منه نصف الدية، وإن شاء أعطى نصف دية وفقأ عين
الجاني.
والوجه ما قاله الشيخ في النهاية، وقد تقدم البحث في ذلك، ولا وجه لقلع
العينين، فإن جعلهما بمثابة العين الواحدة فلا وجه لدفع نصف الدية حينئذ.
والأولى ما قاله الشيخ وعليه الرويات (1).
مسألة: قال ابن الجنيد: ولو كانت لرجل إصبع زائدة في غير منبت الأصابع
فقطعت لم يكن فيها قصاص وكان فيها ثلث الدية، وإن كان منبتهما واحدا
وقطعتا جميعا وقع بهما قصاص بإصبع واحدة.
والوجه أن له القصاص وأخذ دية الزائدة وهو ثلث دية الأصلية، لأنهما
عضوان قطعا، فلا يسقط أحدهما بالاجتماع.
مسألة: قال ابن الجنيد: لو قطع رجل أذن رجل فأقيد فأخذ المستقاد منه
أذنه فألصقها فالتصقت كان للمجني عليه أن يقطعها ثانيا، فإن كان الأول
أعاد أذنه فالتصقت ثم طلب القود لم يكن له أولا ولا ثانيا.
والوجه أن له القصاص، لأن هذا الالتصاق لا يقر عليه بل يجب إزالته،
فلا يسقط القصاص بما لا استقرار له في نظر الشرع.
مسألة: قال ابن الجنيد: والأولى عندنا بالقصاص من الجراح دون النفس
أن يكون بعد أن يبرأ المجني عليه لئلا يتعدى الجراح إلى التلف أو زيادة على ما
يجب به وقت وقوعه،، وإذا أخر ذلك عرف ما يمكن أن يقع به القصاص وقت

(1) راجع تهذيب الأحكام: ج 10 ص 276 ح 1078، ح 1079 و ص 269 ح 1058. وسائل الشيعة:
ب 15 من أبواب قصاص الطرف ج 19 ص 134.
450

برئه، وإن اختار المجني عليه أن يقتص قبل البرء كان ذلك له فإن زاد الجراح
لم يكن على الذي يستقاد منه زيادة في اقتصاص ولا دية، ولو برئ المجني عليه
فاقتص ثم انتقضت جراحة المجني عليه فآلت إلى تلف لم يكن فيها قود، وعلى
الجاني الدية بعد أرش ما اقتص منه للشبهة.
وقال الشيخ في المبسوط: القصاص يجوز من الموضحة عند قوم وقال قوم: لا
يجوز إلا بعد الاندمال، وهو الأحوط عندنا، لأنها ربما صارت نفسا (1). وقول
ابن الجنيد قوي في جواز المبادرة إلى القصاص، لأنه حق ثبت له فيندرج تحت
قوله تعالى: (والجروح قصاص) (2)، لكن قوله: " فإن زاد الجرح " لم يكن على
الذي يستقاد منه زيادة في اقتصاص ولا دية، بل يجب عليه دية الزيادة
والقصاص إن كان مما يقتص منه. وكذا قوله: " لو برئ المجني عليه فاقتص
ثم انتقضت جراحة المجني عليه فآلت إلى تلف لم يكن فيها قود " بل الوجه
وجوب القود لحصول السبب وهو الجناية عمدا.
مسألة: قال المفيد في المقنعة: ومن سب رسول الله - صلى الله عليه وآله - أو
أحدا من أئمة الهدى - عليهم السلام - فهو مرتد عن الإسلام، ودمه هدر يتولى
ذلك منه الإمام - عليه السلام -، فإن سمعه منه غير الإمام فبدر إلى قتله عصى
الله ولم يكن عليه قود ولا دية، لاستحقاقه القتل على ما ذكرناه، لكنه يكون
مخطئا بتقدمه على السلطان (3).
وقال الشيخ في النهاية: ومن سب رسول الله - صلى الله عليه وآله - أو واحدا
من الأئمة - عليهم السلام - كان دمه هدرا وحل لمن سمع ذلك منه قتله ما لم
يخف في قتله على نفسه أو على غيره (4).

(1) المبسوط: ج 7 ص 75.
(2) المائدة: 45.
(3) المقنعة: ص 743.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 352.
451

والوجه ما قاله المفيد، لأنه حد، والمستوفي للحدود هو الإمام، ورواية أبي
عاصم السجستاني (1) دالة عليه.
مسألة: قال المفيد: السيد إذا قتل عبده عمدا كان عليه كفارة صنيعه عتق
رقبة مؤمنة، وإن أضاف إليه صيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا، فهو
أفضل وأحوط له في كفارة ذنبه (2). وهذا يشعر باكتفاء العتق.
والشيخ - رحمه الله - قال في النهاية: ومن قتل عبده متعمدا كان عليه كفارة
قتل العمد (3). وعليه المشهور، وهو الأقوى، لدلالة الروايات عليه.
روى أبو بصير في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال: من قتل عبده
متعمدا فعليه أن يعتق رقبة وأن يطعم ستين مسكينا ويصوم شهرين (4).
وفي الصحيح عن زرارة، عن الصادق - عليه السلام - في الرجل يقتل عبده
متعمدا أي شئ عليه من الكفارة؟ قال: عتق رقبة وصيام شهرين وصدقة على
ستين مسكينا (5).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط - وتبعه ابن البراج -: إذا قطع إنسان يد غيره
وقطع آخر رجله وأوضحه ثالث فسرى إلى نفسه كان جميعهم قتلة له، وكان
وليه مخيرا بين أن يقتص أو يعفو، فإن اقتص كان له أن يقتص في الجراح

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 213 - 214 ح 844، وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب حكم ضمان
الناصب وديته ح 1 ج 19 ص 204 - 205.
(2) المقنعة: ص 749.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 394.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 234 ح 929، وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب القصاص في النفس
ح 3 ج 19 ص 67.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 235 ح 934، وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب القصاص في النفس ح 6
ج 19 ص 68.
452

فيقطع القاطع ثم يقتله، ويوضح الذي أوضحه ثم يقتله (1).
وقال في الخلاف: إن أراد ولي الدم قتلهم قتلهم وليس له أن يقتص منهم
ثم يقتلهم، وقال الشافعي: له أن يقطع قاطع اليد ويقتله، وكذلك يقطع رجل
قاطع الرجل ثم يقتله، وكذلك يوضح الذي أوضحه ثم يقتله، دليلنا: إجماع
الفرقة وأخبارهم (2). وقول الشيخ في الخلاف هو المشهور، وفي قوله في المبسوط
بعض القوة.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا قطع كفا زائدا إصبعا ويده غير زائدة فإن
عفي المجني عليه على مال ثبت له دية يد كاملة وحكومة في الإصبع الزائدة، فإن
اختار القصاص اقتص وكان له حكومة في الإصبع الزائدة، ولا تبلغ تلك
الحكومة دية إصبع الأصلية بحال، لأنا لا نأخذ في الخلقة الزائدة ما نأخذ في
الأصلية (3). وتبعه ابن البراج (4).
والوجه أن في الزائدة ثلث دية الأصلية على ما تقدم.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وفي الأنف إذا استؤصلت الدية كاملة،
وكذلك إذا قطع مارنها كان فيه الدية (5).
وتبعه ابن إدريس فقال: وفي الأنف إذا استؤصلت واستوعبت جدعا (6)
الدية كاملة، وكذلك إذا قطع مارنها فحسب كان فيه الدية أيضا، والمارن ما
لأن منها ونزل عن الخياشيم (7).
وقال في المبسوط: الذي يؤخذ قصاصا ويجب فيه كمال الدية هو المارن من

(1) المبسوط: ج 7 ص 14، مع اختلاف.
(2) الخلاف: ج 5 ص 158 المسألة 16.
(3) المبسوط: ج 7 ص 87.
(4) المهذب: ج 2 ص 479.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 434.
(6) الجدع: قطع الأنف والأذن والشفة (مجمع البحرين: ج 4 ص 310 مادة جدع).
(7) السرائر: ج 3 ص 382.
453

الأنف، والمارن ما لان منه وهو ما نزل عن قصبة الخياشيم التي هي العظم، لأن
له حدا ينتهي إليه، فهو من قصبة الأنف كاليد من الساعد والرجل من الساق،
ثم ينظر فإن قطعه كله فالمجني عليه بالخيار بين القود أو كمال الدية، لأن في
الأنف الدية، فإن قطعه مع قصبة الأنف فهو كما لو قطع اليد من بعض الساعد
المجني عليه بالخيار بين أن يعفو وله كمال الدية في المارن، وحكومة في القصبة
كما لو قطع يده من نصف الساعد فإن له أن يعفو أو يأخذ كمال الدية،
وحكومة في الساعد وإن اختار أخذ القصاص في المارن، وحكومة في القصبة
كالساعد سواء (1). وتبعه ابن البراج (2).
والوجه ما قاله الشيخ، لما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح، عن الصادق
- عليه السلام - قال: في الأنف إذا استؤصل جدعة الدية (3).
وفي الحسن عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال وفي الأنف إذا قطع
المارن الدية (4). وقد ظهر من هاتين الروايتين وجوب الدية في الأنف جميعه وفي
مارنه.
مسألة: إذا جنت أم الولد قال الشيخ في المبسوط: كان أرش جنايتها على
سيدها بلا خلاف، إلا أبا ثور فإنه قال: أرش جنايتها في ذمتها تتبع به بعد
العتق (5).

(1) المبسوط: ج 7 ص 95 - 96.
(2) المهذب: ج 2 ص 481 - 482.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 246 ح 972، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح 5
ج 19 ص 215.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 245 ح 970، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح 4
ج 19 ص 214 - 215.
(5) المبسوط: ج 7 ص 160.
454

وقال في الخلاف: إذا جنت أم الولد كان أرش جنايتها في ذمتها تتبع به
بعد العتق، وهو اختيار المزني، وعندنا أن جنايتها مثل جناية المملوك سواء،
على ما مضى القول فيه من أن السيد بالخيار بين أن يؤدي أرش جنايتها أو
يسلمها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أنها مملوكة يجوز بيعها (1).
وقال ابن البراج: إذا جنت أم الولد جناية كان على سيدها أرش
جنايتها (2). وهو موافق لقول الشيخ في المبسوط.
والوجه ما قاله في الخلاف، لعموم الأدلة الدالة على أن السيد لا يعقل
عبده. وقوله في المبسوط ليس بعيدا من الصواب، لأن المولى باستيلاده منع من
بيع رقبتها، فأشبه ما لو أعتق الجاني عمدا.
مسألة: قول المقتول قبل موته: قاتلي فلان، لا يعد لوثا، قاله الشيخ في
المبسوط (3) والخلاف (4)، وتبعه ابن إدريس (5).
وقال ابن البراج (6) في كتابيه معا: إنه لوث يثبت معه القسامة.
والوجه الأول، لقوله - عليه السلام -: " البينة على المدعي " (7) وهذا مدع.
احتج بأن الظن يحصل بصدقه، لأنه إخبار مسلم عند وفاته وقربه من
الآخرة، فيغلب على الظن صدقه.
والجواب: العمل بالنص أولى.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: دية العبد قيمته يوم قتله، إلا أن تزيد على دية

(1) الخلاف: ج 5 ص 271 المسألة 88.
(2) المهذب: ج 2 ص 488.
(3) المبسوط: ج 7 ص 215.
(4) الخلاف: ج 5 ص 310 المسألة 9.
(5) السرائر: ج 3 س 401.
(6) المهذب: ج 2 ص 500.
(7) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 229 ح 553، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كيفية الحكم ح 1 ج 18
ص 170.
455

الحر، فإن زاد على ذلك رد إلى دية الحر (1). وكذا قال المفيد في المقنعة (2). وهو
المشهور بين علمائنا.
وقال ابن حمزة: وإن قتل عبد غيره لزمه قيمته ما لم يتجاوز دية الحر، فإن
تجاوزت ردت إلى أقل من دية الحر ولو بدينار (3). والروايات على الأول.
روى ابن مسكان في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال: دية العبد
قيمته، وإن كان نفيسا فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم، ولا يتجاوز به دية
الحر (4). وكذا غيره من الروايات. وقول ابن حمزة لا وجه له.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا قتل العبيد بعضهم بعضا أو تجارحوا أقيد
بينهم واقتص لبعضهم من بعض (5)، وأطلق. وكذا قال ابن إدريس (6).
وقال في المبسوط (7) والخلاف (8): إذا قتل عشرة أعبد عبدا دفعة فالقود
عليهم، فإن اقتص فلا كلام، غير أن عندنا إن زادت أثمانهم على قيمة عبده
وجب عليه رد ما فضل، وإن كان ثمنهم وفقا لقيمته أو دونها فلا شئ عليه،
ولم يعتبر ذلك أحد.
وقال ابن حمزة: وإن قتل عبد عبدا لزم القود مع تفاوت القيمتين من غير
تراد (9). وليس بمعتمد.
والوجه التراد إن كان الجاني أكثر قيمة، كما في المرأة والرجل.
مسألة: قال ابن حمزة: وإن قتل حران آخر وكان قتل أحدهما عمدا والآخر

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 390.
(2) المقنعة: ص 740.
(3) الوسيلة: ص 433.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 192 - 193 ح 760، وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب ديات النفس
ح 2 ج 19 ص 152.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 391.
(6) السرائر: ج 3 ص 354.
(7) المبسوط: ج 7 ص 7.
(8) الخلاف: ج 5 ص 150 المسألة 6.
(9) الوسيلة: ص 435.
456

خطأ أو قتل عاقل وصبي أو مجنون حرا لم يلزم القصاص ولزم الدية، وكان ما
يصيب من الدية الحر العاقل العامد في ماله مغلظا ونصيب المخطئ أو الصبي أو
المجنون على عاقلته (1).
والمشهور أنه يجب القود على العامد بعد رد الفاضل عن جنايته، وقد تقدم
البحث في ذلك مع الشيخ.
مسألة: المشهور أن دية عمد الخطأ تستأدى في سنتين.
وقال ابن حمزة: تستأدى في سنة إذا كان القاتل في غنى ويسار، في سنتين.
إذا لم يكن (2).
والاعتماد على المشهور أقوى.
مسألة: قال ابن حمزة: وإن ذهب السمع من إحدى الأذنين بسبب من الله
تعالى ففي الأخرى الدية كاملة، وإن ذهب بسبب من الناس لم يتغير حكم
الآخر (3).
ونحن نمنع ذلك، فإن حمله على الأعور منعنا القياس، لبطلانه عندنا، وإن
قاله لدليل طالبناه به.
مسألة: قال ابن حمزة: ودية العمشاوين ثلث دية النفس (4).
وقال الشيخ في المبسوط: وفي العينين الدية، وفي ضوئهما الدية، ولا فصل
بين أن يكونا صغيرين أو كبيرين، مليحتين أو قبيحتين، عمشاوين أو
صحيحتين (5). وهو الأقرب، للعموم.
قال صاحب الصحاح: العمش في العين ضعف الرؤية مع سيلان دمعها

(1) الوسيلة: ص 435.
(2) الوسيلة: ص 441.
(3) الوسيلة: ص 445، وفيه: " وفي الآخر الدية ".
(4) الوسيلة: 446.
(5) المبسوط: ج 7 ص 127.
457

في أكثر أوقاتها (1).
مسألة: قال ابن حمزة: وإن شق ما بين المنخرين ففيه خمسون دينارا، فإن بقي
منفرجا ففيه زيادة حكومة (2).
وقال الشيخ في المبسوط: فإن شق الحاجز بين المنخرين ففيه حكومة، سواء
اندمل أو بقي منفرجا، غير أنه إذا كان منفرجا فالحكومة فيه أكثر منه إذا كان
ملتحما (3). وهو الأقرب، وبه قال ابن إدريس (4)، عملا بالأصل من عدم
التقدير بالخمسين.
مسألة: قال ابن حمزة: فإن رض أحد خمسة أعضاء: المنكب والعضد والمرفق
والرسغ والكف وانجبر على عثم ففيه ثلث دية اليد، فإن انجبر على غير عثم ففيه
مائة دينار، وقيل: مائة وثلاثون دينارا وثلث (5).
وفي كتاب ظريف: فإن رض المرفق فعثم فديته ثلث دية النفس ثلاثمائة
وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، فإن كان فك فديته ثلاثون دينارا، وفي
المرفق الآخر مثل ذلك سواء، ودية الرسغ إذا رض فجبر على غير عثم ولا عيب
ثلث دية اليد مائة دينار وستة وستون دينارا وثلثا دينار (6).
مسألة: قال ابن حمزة: فإن كانت الجناية على النفس عمدا محضا كانت
القسامة خمسين يمينا، وإن كان معه شاهد واحد كان عليه خمسة وعشرون
يمينا (7).

(1) الصحاح: ج 3 ص 1112 (مادة عمش).
(2) الوسيلة: ص 447.
(3) المبسوط: ج 7 ص 131.
(4) السرائر: ج 3 ص 398.
(5) الوسيلة: ص 453، وفيه: " وقيل، مائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث ".
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 301 و 302 قطعة من حديث 1148، وسائل الشيعة: ب 11 من
أبواب ديات الأعضاء ح 1 ج 19 ص 227 و 228.
(7) الوسيلة: ص 460.
458

وقال الشيخ في المبسوط: وإن كانت الدعوى عمدا محضا يوجب القود،
حلف المدعي خمسين يمينا مع اللوث، سواء كان اللوث شاهدا أو غير شاهد (1).
وهو الأحوط، فيتعين العمل.
مسألة: قال ابن حمزة: وإن كان من يحلف ثلاثة حلف كل واحد سبعة
عشر يمينا (2). وهو قول الشيخ في المبسوط (3).
والأقرب أنه لا حاجة إلى اليمين الزائدة، بل يتولى الولي اليمين المتكررة.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط في كتاب الجراح: إذا قتل مسلم كافرا لم
يقتل به، سواء كان معاهدا أو مستأمنا أو حربيا، وعليه التعزير والدية
والكفارة (4).
وقال في كتاب كفارة القتل فيه: إن كان المقتول مسلما في دار الإسلام
ففيه الدية والكفارة بلا خلاف: وإن كان معاهدا قتل في دار الإسلام ففيه
الدية بلا خلاف والكفارة عند الفقهاء (5).
وقال في الخلاف: لا تجب الكفارة بقتل الذمي والمعاهد، وخالف جميع
الفقهاء في ذلك، فأجبوا فيه الكفارة. واستدل بأصالة البراءة، وقوله تعالى:
" وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق " الضمير في كان يرجع إلى المؤمن (6).
وهذا هو الأصح، والظاهر أن قوله الأول في المبسوط كلام المخالفين دون أن
يكون ذلك اعتقاده.
مسألة: إذا جنى العبد تعلق أرش الجناية برقبته، فإن أراد سيده أن يفديه
قال في المبسوط: يفديه عند قوم بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته، لأنه
إن كانت قيمته أقل فليس عليه غير قيمة عبده، وإن كانت الجناية أقل فليس

(1) المبسوط: ج 7 ص 212.
(2) الوسيلة: ص 460.
(3) المبسوط: ج 7 ص 231.
(4) المبسوط: ج 7 ص 6 و 7.
(5) المبسوط: ج 7 ص 245.
(6) الخلاف: ج 5 ص 319 المسألة 1.
459

عليه غيرها، وعند آخرين بالخيار بين أن يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ أو
يسلمه للبيع، لأنه قد يرغب فيه راغب فيشتريه بذلك القدر أو أكثر، وهذا أظهر
في رواياتنا (1) والأول أقوى.
وقال في الخلاف: إذا جنى العبد تعلق أرش الجناية برقبته، فإن أراد السيد
أن يفديه كان بالخيار بين أن يسلمه برقبته أو يفديه بمقدار أرش جنايته، ونقل
عن الشافعي وجهين هذا أحدهما، ثم استدل بإجماع الفرقة وأخبارهم (2). وهو
المعتمد لما قاله في المبسوط.
مسألة: قال الشيخ المبسوط: إذا ألقاه في البحر فقبل وصوله إلى الماء
التقمه الحوت قال قوم: عليه القود، لأنه أهلكه بنفس الإلقاء، بدليل أنه لو لم
يأخذه الحوت كان هلاكه فيه، فكأن الحوت أتلفه بعد أن حصل منه ما فيه
هلاكه، كما لو قتله ثم ألقاه. وقال آخرون: لا قود، لأنه ما هلك بنفس
الإلقاء ولا بما قصد إهلاكه به وإنما هلك بشئ آخر، كما لو رمي به من
شاهق فاستقبله غيره بالسيف فقده بنصفين فإن القود على الثاني، لأن هلاكه
به، ولا قود على الدافع، والقولان قويان، غير أن الأول أقواهما (3). وهذا يدل
على تردده.
وقال في الخلاف: للشافعي قولان: أحدهما: عليه القود، لأنه أهلكه
بنفس الإلقاء، وهو الصحيح الذي نذهب إليه، والثاني: لا قود عليه، لأن
الهلاك حصل بغيره (4). وهنا جزم بما قواه في المبسوط، وهو الوجه، لما ذكره
- رحمه الله -.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: لو قطع حر يد عبد ثم أعتق ثم قطع آخر

(1) المبسوط: ج 7 ص 7.
(2) الخلاف: ج 5 ص 149 المسألة 5.
(3) المبسوط: ج 7 ص 19.
(4) الخلاف: ج 5 ص 162 المسألة 22.
460

رجله ثم عاد الأول فذبحه قبل الاندمال فإن اختار الوارث القود سقط حق
السيد، لأنه لا يجتمع القصاص وأخذ دية اليد قبل الاندمال بحال، وإن عفى
على مال وجب دية حر مسلم اعتبارا بحال الاستقرار، يكون للسيد منها أقل
الأمرين من نصف قيمته أو نصف الدية (1). وهذا بناء منه على دخول أرش
الطرف في أرش النفس وقصاصه في قصاصها، وقد تقدم البحث فيه.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: لو قطع حر يد عبد ثم أعتق ثم قطع آخر يده
وثالث رجله ثم سرى الجميع فلا قود على الأول وعليه ثلث الدية وما للسيد
منه؟ قال قوم: له أقل الأمرين من أرش الجناية أو ثلث الدية، وقال آخرون: له
أقل الأمرين من ثلث القيمة أو ثلث الدية، والأول أصح عندنا، لأن الأول لما
جنى عليه وهو ملك للسيد، فلما جنى عليه آخران بعد العتق وليس ذلك للسيد
وكانت جنايتهما حال الحرية في حكم المعدومة في حق السيد، إذ لا فرق بين
عدمها وبين وجودها ولا حق له فيها، فإذا كانت كالمعدومة كان الجاني حال
الرق كالمنفرد بالجناية، فلو انفرد بها ثم أعتق العبد ثم سرى إلى نفسه كان على
الجاني أقل الأمرين من أرش الجناية أو كمال الدية، فإذا شارك من لا حق
للسيد فيه صار عليه الثلث وكان هذا الثلث مع الآخرين ككل الدية معه
فأوجبنا عليه أقل الأمرين من أرش الجناية أو ثلث الدية، لأنه إن كان الأرش
أقل من ثلثها فلا شئ له في الزائدة، وإن كان أكثر من ثلثها فما وجب على
الجاني في ملكه إلا ثلثها فلا يستحق عليه أكثر منها. واحتج الآخرون (2) بأنه
جنى عليه جان وهو ملك للسيد فلما أعتق جنى عليه آخران في غير ملكه، ولو
جنى عليه جان في ملكه وآخران في غير ملكه ثم مات عبدا بأن يبيعه السيد بعد

(1) المبسوط: ج 7 ص 36.
(2) ليس " واحتج الآخرون " في المصدر.
461

جناية الأول فجنى الآخران عليه في ملك المشتري ثم مات كان عليهم قيمته
على كل واحد ثلثها، وهكذا لو جنى عليه الأول ثم ارتد ثم جنى عليه آخران
وهو مرتد ثم مات كان على الجاني قبل الردة ثلث قيمته، وثبت أن على الجاني
حال الرق ثلث قيمته إذا مات عبدا، فلو أعتق بعد جناية الأول وجنى عليه
آخران حال الحرية كان الواجب على الجاني حال الرق ثلث الدية وكان عليه
ثلث القيمة إذا مات عبدا وثلث الدية إذا مات حرا فأوجب للسيد من ذلك
أقل الأمرين من ثلث قيمته أو ثلث الدية، لأنه إن كان ثلث القيمة أقل فلا
شئ للسيد فيما زاد على ثلثه بالسراية حال الحرية، وإن كان ثلث الدية أقل
فلا يلزمه أكثر مما وجب عليه بالجناية في ملكه (1).
وقال في الخلاف: إذا جنى جان على عبد غيره في حال الرق فقطع يده ثم
أعتق فجنى عليه آخران حال الحرية فقطع أحدهما يده والآخر رجله ثم مات
فإنه يجب على الجاني في حال الرق ثلث قيمة العبد وقت جنايته ما لم يتجاوز
ثلث الدية، فإن تجاوز وجب عليه ثلث الدية، واستدل بما ذكره في المبسوط
أخيرا (2). ونحن في هذه المسألة من المتوقفين.
مسألة: قال في المبسوط: إذا أمر خليفة الإمام رجلا بقتل رجل بغير حق فإن
علم المأمور بذلك لم يجز له قتله، فإن أطاعه فعليه القود والكفارة، وإن اعتقد
المأمور أن قتله حق وأن خليفة الإمام لا يقتل إلا بحق وأن طاعته فيما أمر به من
هذا واجبة. فالذي يقتضيه مذهبنا أن على المأمور القتل لأنه المباشر للظواهر
كلها (3).
وقال في الخلاف: وإن لم يعلم إلا أنه اعتقد أن الإمام لا يأمر بقتل من لا

(1) المبسوط: ج 7 ص 37 و 38 و 39 و 40، مع اختلاف.
(2) الخلاف: ج 5 ص 165 المسألة 27.
(3) المبسوط: ج 7 ص 41.
462

يجب قتله فقتله قال الشافعي: لا قود على القاتل بل على الإمام، والذي
يقتضيه مذهبنا أن هذا المأمور إن كان له طريق يعلم أن قتله محرم فأقدم عليه
من غير توصل إليه فإن عليه القود، وإن لم يكن من أهل ذلك فلا شئ عليه
وعلى الآمر القود، لأنه إذا تمكن من العلم بذلك ولم يفعله فقد أتى من قبل
نفسه وباشر قتلا لم يجز له فوجب عليه القود، وإذا لم يكن متمكنا فلا قود عليه
بلا خلاف وإن القود على الآمر (1). وهذا التفصيل عندي جيد.
مسألة: قال في المبسوط: إذا وجب له على غيره قصاص فإن كان نفسا فلولي
الدم أن يقتص بنفسه، لقوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
سلطانا) (2). وقال بعض علمائنا: ليس له ذلك إلا بإذن الحاكم، حذرا من
التجاوز والتخطي.
وقال في موضع آخر منه: إذا وجب لرجل على غيره قود في نفس أو طرف
لم يكن له أن يستوفيه بنفسه بغير سلطان، لأنه من فروض الأئمة، فإن خالفه
وبادر واستوفى حقه وقع موقعه ولا ضمان عليه وعليه التعزير، وقال بعضهم: لا
تعزير عليه. والأول أصح، لأن للإمام حقا في استيفائه (3).
وقال في الخلاف: إذا وجب لإنسان قصاص في نفس أو طرف فلا ينبغي
أن يقتص بنفسه فإن ذلك للإمام أو من يأمره الإمام بلا خلاف، فإن بادر
واستوفاه بنفسه وقع موقعه ولا شئ عليه، لأصالة البراءة، ومن أوجب التعزير
فعليه الدلالة (4).
والوجه ما ذكره الشيخ أولا، للآية (5)، والتجاوز حرام ليس له فعله.

(1) الخلاف: ج 5 ص 166 المسألة 28.
(2) المبسوط: ج 7 ص 56.
(3) المبسوط: ج 7 ص 100.
(4) الخلاف: ج 5 ص 205 المسألة 80.
(5) الإسراء: 33.
463

مسألة: قال ابن الجنيد وأبو الصلاح (1) وغيرهما: في الساعدين والعضدين
الدية.
وكلام الشيخ في المبسوط (2) يشعر بأن فيهما حكومة.
وفي الأول قوة، لعموم قولهم - عليهم السلام - " كل ما في البدن اثنان ففيه
الدية " (3).
مسألة قال الشيخ في الخلاف: إذا قطع يد رجل كان للمجني عليه أن
يقتص من الجاني في الحال والدم جار، ولكنه يستحب أن يصبر لينظر ما يكون
منها من اندمال أو سراية إلى النفس (4).
وقال في المبسوط كذلك، ثم قال: وفيه خلاف، ويقتضي مذهبنا
التوقف، لأنه إن سرى إلى النفس دخل قصاص الطرف في النفس عندنا (5).
والأول أقوى، لعموم قوله تعالى: (والجروح قصاص) (6).
مسألة: قال الشيخ في كتابي المبسوط (7) والخلاف (8): دية الخطأ شبيه العمد
تغلظ في الشهر الحرام وإذا قتل ذا محرم محرم مثل الأبوين والإخوة والأخوات
وأولادهم، والتغليظ في هذه هو أن يلزم دية وثلث من أي أجناس
الديات كان. وفي النهاية لم يذكر التغليظ في قتل الأقارب ولا المفيد في
المقنعة.
والرواية التي وصلت إلينا في التغليظ رواية كليب بن معاوية، عن
الصادق - عليه السلام - قال: سمعته يقول: من قتل في شهر حرام فعليه دية

(1) الكافي في الفقه: ص 398.
(2) المبسوط: ج 7 ص 143.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 258 ح 1020، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح 12
ج 19 ص 217.
(4) الخلاف: ج 5 ص 196 المسألة 65.
(5) المبسوط: ج 7 ص 81.
(6) المائدة: 45.
(7) المبسوط: ج 7 ص 116 مع اختلاف.
(8) الخلاف: ج 5 ص 222 و 223 المسألة 6 و 7.
464

وثلث (1) والأولى الاقتصار في التغليظ على المتفق عليه.
مسألة: قال الشيخان (2) دية العمد ألف دينار جيادا إن كان القتل من
أصحاب الذهب، أو عشرة آلاف درهم إن كان من أصحاب الورق جيادا، أو
مائة من مسان الإبل إن كان من أصحاب الإبل مائتا بقر مسنة إن كان من
أصحاب البقر، أو ألف كبش إن كان من أصحاب الغنم، أو مائتا حلة إن
كان من أصحاب الحلل.
والكلام هنا يقع في أمرين.
الأول: هل هذا التوزيع واجب أو مستحب؟ على معنى أن صاحب
الذهب هل يجوز له العدول عنه إلى باقي الأجناس من غيره وكذا صاحب الإبل
يعدل عنها إلى غيرها من الأجناس أم لا؟ ظاهر هذا الكلام يقتضي المنع.
وفي رواية ابن الفضيل، عن الصادق - عليه السلام - قال: في قتل الخطأ
مائة من الإبل، أو ألف من الغنم، أو عشرة آلاف درهم أو ألف دينار...
الحديث (3). وهذا يقتضي التخيير. وفي حديث (4) آخر كما ذكره الشيخان.
والوجه التخيير، كما في زكاة الفطرة خصص كل قوم بشئ على جهة
الاستحباب.
الثاني: هل يعتبر في الأجناس غير النقدين مساواة قيمتها لأحدهما؟ قال

(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 215 ح 848، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب ديات النفس ح 1 ج 19
ص 149.
(2) المقنعة: ص 735، النهاية ونكتها: ج 3 ص 364.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 158 ح 634، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ديات النفس ح 8 ج 19
ص 144.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 160 ح 640، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ديات النفس ح 1 ج 19
ص 141.
465

الشيخ في المبسوط: قلنا: إن عندنا ستة أصول، كل واحد أصل في نفسه،
وليس بعضها بدلا عن بعض، بل كل واحد منها بدل عن النفس، وهي مائة
من الإبل أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم أو مائتا بقرة أو ألف من الغنم أو
مائتا حلة، وكل من كان من أهل واحد من ذلك أخذ ذلك منه مع الوجود،
فإن لم يوجد أخذ أحد الأجناس الآخر، سواء كانت بقيمة الإبل أو دونها أو
فوقها (1).
وقال ابن البراج: إن كان القاتل من أصحاب الذهب ألف دينار جيادا،
وإن كان من أصحاب الفضة فعشرة آلاف درهم جيادا، وإن كان من
أصحاب الإبل فمائة مسنة قيمة كل واحدة منها عشرة دنانير، أو مائتا مسنة من
البقر إن كان من أصحاب البقر قيمة كل واحدة منها خمسة دنانير، أو ألف شاة
إن كان من أصحاب الغنم قيمة كل واحدة منها دينار واحد، أو مائتا حلة إن
كان من أصحاب البز قيمة كل حلة منها خمسة دنانير (2). وهو ظاهر كلام ابن
أبي عقيل، وقد تقدم البحث في ذلك.
وفي رواية ابن سنان الصحيحة، عن الصادق - عليه السلام - عن أمير
المؤمنين - عليه السلام - إلى أن قال: - وقيمة كل بعير مائة وعشرون درهما أو
عشرة دنانير، ومن الغنم قيمة كل ناب من الإبل عشرون شاة (3).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا جرحه فأجافه وأطلعها من ظهره قال
قوم: هما جائفتان، ومنهم من قال: جائفة واحدة، وهو الأقوى، لأن الجائفة
ما نفذت إلى الجوف من ظاهر (4).

(1) المبسوط: ج 7 ص 119.
(2) المهذب: ج 2 ص 457.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 158 ح 635، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب ديات النفس ح 1 ج 19
ص 146.
(4) المبسوط: ج 7 ص 125.
466

وقال في الخلاف: هما جائفتان، لأنه تسمى كل واحدة منهما بأنها جائفة
ما في بطنه وما في ظهره، فيجب أن تكونا جائفتين (1). وقوله في الخلاف جيد.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا جنى على سنه فسقطت ثم أعادها في
مغرزها بحرارة دمها ثم ثبتت ثم قلعها بعد هذا قالع فعليه حكومة، والأول عليه
ديتها، لأنه قلعها (2).
وقال في الخلاف: إذا جنى على سنه فسقطت ثم أعادها في مغزرها بحرارة
دمها فثبتت ثم قلعها بعد هذا قالع كان عليه الدية، لعموم الأخبار (3).
والتحقيق أن نقول: إن ثبتت صحيحة فعليه الدية، وإلا فالأرش.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كانت الدية أقل من عدد العاقلة قال
قوم: يوزع على الكل بالحصة حتى يكونوا في العقل سواء، وقال آخرون: للإمام
أن يخص بالعقل من شاء منهم على الغني نصف دينار وعلى المتجمل ربع دينار،
ولا شئ على الباقين، لأن في توزيعها على الكل بالحصص مشقة، وربما لزم
على جنايتها أكثر منها. وهذا أقوى (4).
وقال في الخلاف: يوزع على الجميع، لأن الدية وجبت على العاقلة كلهم،
فمن خص بها قوما دون قوم فعليه الدلالة (5). وقوله في الخلاف حسن.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كان المقتول مشركا والمدعى عليه مسلما
قال قوم: يقسم وليه ويثبت القتل على المسلم، وقال قوم: لا قسامة لمشرك على
مسلم، والأول أقوى عندنا، لعموم الأخبار، غير أنه لا يثبت به القود، وإنما
يثبت به المال (6).

(1) الخلاف: ج 5 ص 232 المسألة 15.
(2) المبسوط: ج 7 ص 140.
(3) الخلاف: ج 5 ص 245 المسألة 42.
(4) المبسوط: ج 7 ص 180.
(5) الخلاف: ج 5 ص 286 المسألة 110.
(6) المبسوط: ج 7 ص 216.
467

وقال في الخلاف: إذا كان المقتول مشركا والمدعى عليه مسلما لم يثبت
القسامة، وبه قال مالك، وقال الشافعي وأبو حنيفة: إنه يثبت القسامة، فإذا
حلفوا ثبت القتل على المسلم بيمين المشرك. دليلنا: أن الأصل براءة الذمة،
وإثبات القتل على المسلم بيمين المشرك يحتاج إلى دليل، وأيضا فلو أوجبنا
القتل بيمينهم لوجب أن يقاد به، وقد بينا أنه لا يقاد مسلم بكافر، ولو أوجبنا
عليه الدية لأوجبنا بيمين الكافر ابتداء على مسلم مالا، مع العلم بأنهم
يستحلون أموال المسلمين ودماءهم (1).
والوجه ما قاله في المبسوط، وأصالة البراءة إنما يعمل بها ما لم يظهر
المتضاد، وقد ظهر، لأن ثبوت اللوث ينفي ظن استصحاب أصالة البراءة،
ودليل إثبات القتل على المسلم عمومات الأخبار الدالة على إثبات القتل
بالقسامة كما في الأموال، وكما لا يجوز تخصيص عموم قوله - عليه السلام -:
" اليمين على المنكر " (2) بالمسلم كذا هنا. والملازمة الأولى - وهو وجوب القود لو
ثبت بيمينهم القتل - ممنوع، فإن القتل قد يثبت بالبينة إجماعا، ولا يثبت به
القود، بل المال. والملازمة الثانية منقوضة بدعوى المال مع الشاهد الواحد.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا كان المدعي واحدا فعليه خمسون يمينا
بلا خلاف، وكذلك المدعى عليه إن كان واحدا فعليه خمسون يمينا، فإن كان
المدعون جماعة فعليهم خمسون يمينا عندنا، ولا يلزم كل واحد خمسون يمينا، وكذا
في المدعى عليه إن كان واحدا لزمه خمسون يمينا، وإن كانوا جماعة لم يلزمهم
أكثر من خمسين يمينا. وللشافعي فيه قولان في الموضعين: أحدهما مثل ما قلناه في

(1) الخلاف: ج 5 ص 311 المسألة 10.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 229 ح 4، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب كيفية الحكم...، ح 1
ج 18 ص 170، وفيهما: " اليمين على المدعى عليه ".
468

الموضعين، والثاني: يلزم كل واحد خمسون يمينا في الموضعين، إلا أنه قال:
أصحهما أن في جنبة المدعي خمسين يمينا بالحصص من الدية، للذكر مثل حظ
الأنثيين، فإن تبعض في كل واحد كمل يمينا تامة، وأصحهما في جنبة المدعى
عليه أن يلزم كل واحد خمسين يمينا. دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا
الأصل براءة الذمة، وما قلناه مجمع على لزومه، وما قالوه ليس عليه دليل (1).
وقال في المبسوط: فإن كان المدعى عليه واحدا حلف خمسين يمينا، وإن
كانوا جماعة قال قوم: يحلف كل واحد خمسين يمينا، وقال آخرون: يحلف الكل
خمسين يمينا، وهو مذهبنا، ولكن على عدد الرؤوس الذكر والأنثى فيه سواء،
والأقوى في المدعي عليه أن يحلف كل واحد خمسين يمينا، وفي المدعي أن على
الكل خمسين يمينا، والفرق بينهما أن كل واحد من المدعى عليهم ينفي عن نفسه
ما ينفيه الواحد إذا انفرد وهو القود، فلهذا حلف كل واحد ما يحلف الواحد
إذا انفرد، وليس كذلك المدعي، لأن الكل سواء، يثبتون ما يثبته الواحد إذا
انفرد (2).
فإن قصد بقوله: " والأقوى في المدعى عليه " عنده صارت المسألة خلافية،
وإلا فلا.
والوجه ما قاله في الخلاف.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: فإن ادعى رجل على رجل أنه قتل وليا له
وهناك لوث فحلف المدعي واستوفى منه الدية ثم جاء رجل آخر فقال: ما قتله
المحلوف عليه وأنا الذي قتلته فالضمان علي فهل للحالف أن يدعي على المقر؟
قال قوم: ليس له أن يدعي عليه، لأن قول الولي في الابتداء ما قتله إلا فلان
وحده إقرار منه أن هذا المقر ما قتله ولا يقبل منه دعواه عليه، وقال آخرون، له

(1) الخلاف: ج 5 ص 314 المسألة 13.
(2) المبسوط: ج 7 ص 222.
469

أن يدعي عليه لأن قول الولي: " قتله فلان وحده " لم يقطع به، وإنما قاله بغالب
ظنه، وهذا المعترف يخبر عن قطع ويقين فكان أعرف بما اعترف به، فلهذا كان
له مطالبته به. والأقوى عندي الأول، لأنا بينا أنه لا يجوز له أن يحلف إلا على
علم، وإذا ثبت ذلك فكأنه قال: أنا أعلم أن الثاني ما قتله فيكون مكذبا له،
على أنا قد بينا قضية الحسن - عليه السلام - في مثل هذا، وأن الدية من بيت
المال (1).
وقال في الخلاف: إذا ادعى رجل على رجل أنه قتل وليا له وهناك لوث
وحلف المدعي القسامة واستوفى الدية فجاء آخر وقال: أنا قتلته وما قتله ذلك
كان الولي بالخيار بين أن يصدقه ويكذب نفسه ويرد الدية ويستوفي منه حقه،
وبين أن يكذب المقر ويثبت على ما هو عليه. وللشافعي قولان: أحدهما: ليس
له أن يدعي على المقر، لأن قوله في الأول: " ما قتله إلا فلان " إقرار منه أن
هذا المقر ما قتله فلا يقبل منه دعواه عليه، والقول الثاني: له أن يدعي عليه،
لأن قول الولي: " قتله فلان " إنما هو إخبار عن غالب ظنه، والمخبر يخبر عن قطع
ويقين فكان أعرف بما قال.
دليلنا: قول النبي - صلى الله عليه وآله -: " إن إقرار العاقل جائز على نفسه "
وهو إذا قبل من الثاني فقد كذب نفسه في الأول فقبل ذلك منه، وإقرار الثاني
مقبول على نفسه، لعموم الخبر (2).
والوجه ما قاله الشيخ في المبسوط، لما علل به فيه.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا سحر رجلا فمات من سحره سئل، فإن
قال: سحري يقتل غالبا وقد سحرته وقتلته عمدا فعليه القود كما لو أقر أنه قتله
بالسيف عمدا، وقال قوم: لا قود عليه بناء على أصله أنه لا يقتل إلا إذا قتل

(1) المبسوط: ج 7 ص 242.
(2) الخلاف: ج 5 ص 315 المسألة 16.
470

بالسيف، وإذا قتل بالمثقل فلا قود. والأول الذي يقتضيه مذهبنا (1).
وقال في الخلاف: إذا أقر أنه سحر فقتل بسحره متعمدا لا يجب به القود،
لأصالة براءة الذمة، وأن هذا مما يقتل به يحتاج إلى دليل، ولأنا قد بينا أن
الواحد منا لا يصح أن يقتل غيره بما لا يباشر به، إلا أن يسقيه ما يقتله به على
العادة مثل السم، وليس السحر بشئ من ذلك، وقد روى أصحابنا أن
الساحر يقتل. والوجه في هذه الرواية أن هذا من الساحر إفساد في الأرض
والسعي فيها به فلذلك وجب فيه القتل - (2).
والوجه أن نقول: إن كان للسحر حقيقة يصح باعتبارها التأثير وجب
القود، وإلا فلا.
وليكن هذا آخر ما أردنا إثباته في هذا الكتاب، مقتصرين عليه، حامدين
لله تعالى على آلائه، شاكرين له على فواضل نعمائه، مصلين على سيد أنبيائه
محمد المصطفى وعلى المعصومين من أبنائه - عليهم السلام - فرغت من تسويد نسخ
هذا من مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، وبه تم الكتاب من تسويده في
خامس عشر ذي القعدة من سنة ثمان وسبعمائة، والحمد لله وحده وصلى الله
على سيد المرسلين محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين.

(1) المبسوط: ج 7 ص 260.
(2) الخلاف: ج 5 ص 330 المسألة 16.
471