الكتاب: مختلف الشيعة
المؤلف: العلامة الحلي
الجزء: ٨
الوفاة: ٧٢٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٨
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: ٩٦٤-٤٧٠-١٥٧-٧
ملاحظات:

مختلف الشيعة
تأليف أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي
(العلامة الحلي)
648 - 726 ه‍
الجزء الثامن
تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
1

الطبعة الأولى 1418 ه‍. ق
2

كتاب العتق وتوابعه
3

كتاب العتق وتوابعه
وفيه فصول:
الفصل الأول
في العتق
مسألة: قال السيد المرتضى: ومما انفردت به الإمامية: أن من أعتق عبدا
كافرا لا يقع عتقه، وخالف باقي الفقهاء في ذلك. واستدل عليه بالإجماع،
وبأن العتاق حكم شرعي، ولا يثبت إلا بدليل شرعي، ولا دليل على وقوعه
مع نفي القربة (1).
وقال المفيد: ولا يعتق عبدا كافرا فاجرا فيتسلط بالحرية على أهل الدين.
ويقوى بذلك على معاصي الله عز وجل (2). وليس في هذا اللفظ نص قاطع على
عدم الوقوع.
وقال ابن الجنيد: لا يجوز للمسلم أن يعتق مشركا.
وقال أبو الصلاح ولا يجوز عتق الكافر (3).
وقال سلار: ولا يعتق إلا عبدا ظاهره الإسلام، ولا يسلط بالعتق كافر
على أذية أهل الدين ومعاصي الله سبحانه (4).

(1) الإنتصار: ص 169.
(2) المقنعة: ص 548
(3) الكافي في الفقه: ص 318.
(4) المراسم: ص 191.
5

وقال ابن حمزة: عتق الكافر محظور (1).
وقال الشيخ في الخلاف: إذا أعتق مسلم عبدا كافرا عتق، ويثبت له
عليه الولاء (2). وكذا في المبسوط (3).
وقال في النهاية: وإذا نذر الإنسان أن يعتق مملوكا بعينه لم يجز له أن يعتق
غيره، وإن كان لولا النذر ما كان يجوز له عتقه، أو كأن يكون مكروها مثل:
أن يكون كافرا أو مخالفا (4).
وظاهر هذا يقتضي تحريم عتق الكافر، وتسويغه مع النذر.
وقال ابن إدريس: لا يصح عتق الكافر، ولا يقع على الصحيح من أقوال
المحصلين من أصحابنا، وهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا، لأن العتق قربة إلى
الله تعالى، ولا يتقرب إليه بالمعاصي متقرب به إلى الله تعالى (5).
واختار الشيخ في كتابي الأخبار المنع، لما رواه سيف بن عميرة، عن
الصادق - عليه السلام - قال: سألته أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: لا (6).
ثم عارض بما رواه الحسن بن صالح، عن الصادق - عليه السلام - قال: إن
عليا - عليه السلام - أعتق عبدا له نصرانيا فأسلم حين أعتقه (7).

(1) الوسيلة: ص 340.
(2) الخلاف: ج 6 ص 370 المسألة 11.
(3) المبسوط: ج 6 ص 70.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 16.
(5) السرائر: ج 3 ص 4.
(6) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 218 ح 782، الإستبصار: ج 4 ص 2 ح 1، وسائل الشيعة: ب 17 جواز
عتق المستضعف... ح 5 ج 16 ص 20.
(7) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 219 ح 783، الإستبصار: ج 4 ص 2 ح 2، وسائل الشيعة: ب 17 جواز
عتق المستضعف... ح 2 ج 16 ص 19.
6

قال الشيخ: فلا ينافي الخبر الأول، لأنه - عليه السلام - إنما أعتقه لعلمه بأنه
يسلم حين يعتقه، فأما من لا يعلم ذلك فلا يجوز له عتق الكافر حسب ما
تضمنه الخبر الأول. قال: ويجوز أن يكون ذلك إنما فعل لأنه نذر أن يعتقه
فلزمه الوفاء به، ولم يجز له عتق غيره وإن كان كافرا (1).
واحتج من منع من عتقه أيضا بقوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه
تنفقون) (2) وفيه قوة. ولقولهم - عليهم السلام -: (لا عتق إلا ما أريد به وجه
الله) (3). ونحن في هذه المسألة من المتوقفين.
مسألة: سوغ الشيخ عتق ولد الزنا (4). وبه قال ابن حمزة (5).
وقال ابن الجنيد: لا يجوز للمسلم أن يعتق مشركا، ولا أختار (6) له عتق
ولد الزنا.
وقال ابن إدريس: لا يصح (7). والحق الأول.
لنا: الأصل، وعمومات الأوامر بالإعتاق.
وما رواه سعيد بن يسار، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا بأس بأن
يعتق ولد الزنا (8).

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 219 ذيل الحديث 783، الإستبصار: ج 4 ص 3 ذيل الحديث 2.
(2) البقرة: 267.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 217 ح 772، وسائل الشيعة: ب 4 اشتراط صحة العتق... ح 1 ج 16
ص 6.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 8.
(5) الوسيلة: ص 341.
(6) في الطبعة الحجرية: نختار.
(7) السرائر: ج 3 ص 10.
(8) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 218 ح 780، وسائل الشيعة: ب 16 جواز عتق ولد الزنا... ح 1 ج 16
ص 19.
7

احتج بأنه كافر.
والجواب: المنع.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا كان العبد بين شريكين وأعتق أحدهما
نصيبه مضارة لشريكه الآخر ألزم أن يشتري ما بقي ويعتقه إذا كان موسرا،
وإن لم يكن موسرا ولا يملك غير ما أعتقه كان العتق باطلا، وإذا لم يقصد
بذلك مضارته بل قصد بذلك (1) وجه الله تعالى لم يلزم شراء الباقي وعتقه بل
يستحب له ذلك، فإن لم يفعل استسعى العبد في الباقي، ولم يكن لصاحبه
الذي يملك ما بقي منه استخدامه ولا له عليه ضريبة بل له أن يستسعيه فيما بقي
من ثمنه، فإن امتنع العبد من السعي في فك رقبته كان له من نفسه قدر ما
أعتق، ولمولاه قدر ما بقي (2).
وقال في الخلاف: إذا أعتق شركا له من عبد لم يخل من أحد أمرين: إما
أن يكون موسرا أو معسرا، فإن كان معسرا لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يقصد به مضارة شريكه أو لا يقصد بل يقصد به وجه الله تعالى، فإن قصد
مضارة شريكه كان العتق باطلا، وإن قصد به وجه الله تعالى مضى في
نصيبه (3)، وكان شريكه بالخيار بين أن يعتق نصيبه الآخر أو يستسعي العبد
في قيمته، وإن كان موسرا ألزم قيمته، فإذا أدى انعتق عليه ولشريكه أن
يعتق نصيبه ولا يأخذ القيمة، فإن عتق (4) كان عتقه ماضيا (5).
وقال في المبسوط: إذا أعتق شركا له من عبد لم يخل من أحد أمرين: إما
أن يكون موسرا أو معسرا، فإن كان معسرا عتق نصفه واستقر الرق في نصف

(1) في المصدر: به.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 8 - 9.
(3) في المصدر: مضى العتق في نصيبه.
(4) في المصدر: فعل.
(5) الخلاف: ج 6 ص 359 المسألة.
8

شريكه، وروى أصحابنا أنه قصد بذلك الإضرار أقره (1) على ملكه. وإن
كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه، ومتى يعتق نصيب شريكه؟ قيل (2): إنه
يعتق كله باللفظ، وكانت القيمة في ذمته، وعليه تسليمها إلى شريكه.
والثاني: أنه يعتق نصيبه باللفظ ودفع القيمة، فإن دفع القيمة إلى شريكه عتق
نصيب شريكه، وإن لم يدفع إليه القيمة لم يعتق. والثالث: يكون مراعى، فإن
دفع القيمة (3) إليه تبينا أنه عتق وقت العتق، وإن لم يدفع (4) تبينا أن العتق في
نصيب شريكه لم يقع. قال: وهذا هو الأقوى عندي (5).
وقال المفيد: إذا كان العبد بين شريكين أو أكثر من ذلك فأعتق أحد
الشريكين أو الشركاء (6) حصته من العبد انعتق ملكه خاصة وألزم ابتياع
حصص الشركاء، فإذا ابتاعها انعتق العبد بذلك ولم يبق فيه رق، وإن كان
معسرا استسعى العبد في باقي قيمته، فإذا أداه إلى أصحابه انعتق. والمعنى في
ذلك: أنه يؤمر بالتكسب حسب ما يتمكن منه، فيؤدي إلى باقي الشركاء ما
لهم من قيمته أو بعضها مما يوافقونه عليه ثم يعتق بعد ذلك، فإن لم يكن له
صناعة يكتسب بها مالا خدم ملاكه بحساب رقة، وتصرف (7) في نفسه بحساب
ما أعتق منها إن شاء الله (8).
وقال الصدوق في المقنع: ومن كان له شركاء في جارية أو عبد فأعتق
حصته وله سعة فليشتر حصة صاحبه وليعتقه كله، وإن لم يكن له سعة في مال

(1) في المصدر: بذلك الإضرار بشريكه أنه يبطل عتقه فإن اختار شريكه أن يعتق نصيبه منه فعل وإلا
أقره.
(2) في المصدر: قيل فيه ثلاثة أقوال أحدها.
(3) في المصدر: القيمة إلى شريكه عتق نصيب شريكه وإن لم يدفع إليه القيمة لم يعتق فإن أدى.
(4) في المصدر: يؤد.
(5) المبسوط: ج 6 ص 51 - 52.
(6) في المصدر: أحد الشركاء.
(7) في المصدر: ويتصرف.
(8) المقنعة:: ص 550.
9

فلينظر (1) إلى قيمة العبد كم كانت يوم أعتق نصفه، ثم يستسعي (2) العبد في
حساب ما بقي حتى يعتق كله (3).
وسلار (4) وافق شيخنا المفيد - رحمه الله -.
وقال أبو الصلاح: إذا أعتق (5) أحد الشركاء لوجه الله تعالى تحرر منه
بمقدار حصته واستسعى في الباقي (6). ولم يفصل إلى الموسر والمعسر.
وقال ابن البراج: إذا كان عبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه إضرارا
لشريكه (7) الآخر وكان موسرا كان عليه أن يبتاع ما بقي من العبد ويعتقه،
وإن كان معسرا لا يملك إلا ما أعتقه كان العتق باطلا، وإن لم يكن قصده بما
أعتقه من نصيبه الإضرار بشريكه وإنما قصد بذلك وجه الله سبحانه وتعالى لم
يجب عليه ابتياع نصيب شريكه ولا عتقه بل يستحب له ذلك، فإن لم يفعله
استسعي العبد في الباقي (8)، ولم يكن لصاحبه الذي يملك فيه (9) ما بقي
استخدامه ولا له عليه ضريبة بل له أن يستسعيه في الباقي من ثمنه، فإن امتنع
العبد من السعي في فك رقبته كان له من نفسه قدر ما أعتق ولمولاه الباقي (10).
وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية أن العبد إذا كان بين
شريكين أو أكثر من ذلك فأعتق أحد الشركاء نصيبه انعتق ملكه من العبد
خاصة، فإن كان هذا المعتق موسرا طولب بابتياع حصص شركائه، فإذا
ابتاعها انعتق جميع العبد، وإن كان المعتق معسرا وجب أن يستسعى العبد في
باقي ثمنه، فإذا أداه عتق جميعه، فإن عجز العبد عن التكسب والسعاية كان

(1) في المصدر: ينظر.
(2) في المصدر: يسعى.
(3) المقنع: ص 156.
(4) المراسم: 191.
(5) في المصدر: وإن كان مشتركا فعتق.
(6) الكافي في الفقه: ص 317 - 318.
(7) في المصدر: بشريكه.
(8) في المصدر: الباقي: من ثمنه.
(9) في المصدر: يملك منه ولا عليه ضرر به.
(10) المهذب: ج 2 ص 358.
10

بعضه رقيقا وبعضه عتيقا وخدم ملاكه بحساب رقه، وتصرف في نفسه بحساب
ما انعتق منه (1).
وقال ابن الجنيد: إذا أعتق البالغ الرشيد نصيبا له من عبد أو أمة وهو في
عتقه متبرع وطالب ثواب الله تعالى غير مضار عتق نصيبه، وكان شركاؤه على
ملكهم، وكان بعقته جانيا على شركائه، لأنهم ممن لا يحكم لهم بالمقام على
حقهم حتى يكون بعض العبد حرا وبعضه عبدا، لما روي عن النبي - صلى الله
عليه وآله - أن رجلا أعتق شقصا من مملوك له فأجاز النبي - صلى الله عليه
وآله - عتقه، وقال: ليس لله شريك، والشريك في حقه مخير بين إلزام المعتق
قيمة حقه بجنايته عليه إن كان موسرا، وبين أن يعتق أو يستسعي العبد في
قيمة حقه. ولو اختار إلزام المعتق حصته فيحكم بها عليه كان للمعتق أن
يرجع على العبد فيستسعيه فيما غرمه من حصه شريكه إن لم يقصد بذلك العتق
الضرر به (2)، لأنه إنما غرم ذلك عن العبد وقام مقامه. ولو اختار الشريك
استسعاءه فيه، فإن كان المعتق شقصه معسرا وتنحى الشريك عن حقه
استسعى العبد في قيمته.
وقال ابن إدريس: قول شيخنا في النهاية متناقض، لأنه قال: إذا أعتق (3)
مضارة لشريكه الآخر ألزم شراء الباقي وعتقه (4) إذا كان موسرا، وقال: لا
عتق إلا ما أريد به وجه الله تعالى. ثم قوله: (وإن لم يقصد به (5) مضارته بل
قصد به (6) وجه الله تعالى لم يلزم شراء الباقي وعتقه بل يستحب) غير

(1) الإنتصار: ص 169.
(2) ق 2 و م 3: التبرد به.
(3) في المصدر: وإذا كان العبد بين شريكين وأعتق أحدهما نصيبه.
(4) في المصدر: أن يشتري ما بقي ويعتقه.
(5) في المصدر: بذلك.
(6) في المصدر: بذلك.
11

واضح (1) ولا مستقيم، لأنه إذا كان (2) موسرا ألزم شراء الباقي وأجبره
السلطان على ذلك، وإن كان معسرا استسعي العبد في الباقي. ثم قال: إذا
أعتق أحد الشركاء نصيبه لا للإضرار بالشركاء انعتق ملكه خاصة، إلا أنه
إن كان موسرا انعتق الباقي واجبر على قيمته لشريكه، وإن كان معسرا
استسعي العبد في قيمة باقيه، فإذا أداها عتق جميعه، فإن عجز عن ذلك فكه
سلطان الإسلام من سهم الرقاب من الزكاة، وإلا خدم مولاه بما فيه من
العبودية (3).
واحتج الشيخ على عدم وجوب الشراء بما رواه الحسن بن زياد قال: قلت
لأبي عبد الله - عليه السلام -: رجل أعتق شركة له في غلام مملوك عليه شئ؟
قال: لا (4).
وعن يعقوب بن شعيب، عن الصادق - عليه السلام - مثله (5).
وعن القاسم بن محمد، عن علي، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته
عن مملوك بين أناس فأعتق أحدهم نصيبه، قال: يقوم قيمة ثم يستسعى فيما
بقي ليس للباقي أن يستخدمه، ولا يأخذ منه الضريبة (6).
ثم قال: فأما ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن الصادق - عليه
السلام - قال: سألته من قوم ورثوا عبدا جميعا فأعتق بعضهم نصيبه منه كيف

(1) في المصدر: بل يستحب له ذلك، وهذا غير واضح.
(2) في المصدر: لأنا قد بينا أنه إن كان.
(3) السرائر: ج 3 ص 5 و 10 و 11.
(4) الإستبصار: ج 4 ص 2 ح 3، وسائل الشيعة: ب 18 إن من أعتق مملوكا... ح 8 ج 16 ص 22،
وفيه: (رجل أعتق شركاء).
(5) الإستبصار: ج 4 ص 2 ح 4، وسائل الشيعة: ب 18 إن من أعتق مملوكا... ح 8 ج 16 ص 22.
(6) الإستبصار: ج 4 ص 2 - 3 ح 5، وسائل الشيعة: ب 18 إن من أعتق مملوكا... ح 10 ج 16
ص 23.
12

يصنع بالذي أعتق نصيبه منه هل يؤخذ بما بقي؟ قال: يؤخذ بما بقي (1).
وفي الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - في جارية كانت بين
اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، قال: إن كان موسرا كلف أن يضمن، وإن كان
معسرا خدمت بالحصص (2).
وعن سماعة قال: سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه،
قال: يقوم قيمته (3) ويضمن الذي أعتقه، لأنه أفسده على أصحابه (4).
وعن حماد، عمن أخبره، عن الصادق - عليه السلام - أنه سئل عن رجل
أعتق غلاما بينه وبين صاحبه، قال: قد أفسد على صاحبه، فإن كان له مال
أعطى صاحبه نصف المال، وإن لم يكن له مال عومل الغلام يوم له ويوم (5)
للمولى يستخدمه، وكذلك إن كانوا شركاء (6).
قال: فلا تنافي هذه الأخبار الأخبار الأولى (7)، لأن الوجه في هذه:
الحمل (8) على أنه إذا كان قد قصد بذلك الإضرار بشريكه (9) فإنه يلزمه العتق
فيما بقي ويؤخذ بما بقي لشريكه (10).
لما رواه الحلبي في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - أنه سئل عن رجلين.

(1) الإستبصار: ج 4 ص 3 ح 6، وسائل الشيعة: ب 18 إن من أعتق مملوكا... ح 6 ج 16 ص 22.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 3 ح 7، وسائل الشيعة: ب 18 إن من أعتق مملوكا... ح 7 ج 16 ص 22.
(3) في المصدر: قيمة.
(4) الإستبصار: ج 4 ص 3 ح 8، وسائل الشيعة: ب 18 إن من أعتق مملوكا... ح 5 ج 16 ص 22.
(5) في المصدر: عومل الغلام يوما ويوما.
(6) الإستبصار: ج 4 ص 3 ح 9، وسائل الشيعة: ب 18 إن من أعتق مملوكا... ح 11 ج 16 ص 23.
(7) في المصدر: الأولة.
(8) في المصدر: في هذه الأخبار أحد شيئين: أحدهما: أن نحملها.
(9) في المصدر: لشريكه.
(10) الإستبصار: ج 4 ص 3 - 4 ذيل الحديث 9.
13

كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه، فقال: إن كان مضارا كلف أن يعتقه
كله، وإلا استسعي العبد في النصف الآخر (1).
وفي الصحيح عن سليمان بن خالد، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن المملوك يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، قال: إن ذلك
فساد (2) على أصحابه فلا يستطيعون بيعه ولا موأجرته، قال: يقوم قيمة
فيجعل على الذي أعتقه عقوبة، وإنما جعل ذلك لما أفسده (3).
وفي الصحيح عن محمد قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: رجل
ورث غلاما وله فيه شركاء فأعتق لوجه الله نصيبه، فقال: إذا أعتق نصيبه
مضارة وهو موسر ضمن للورثة، وإذا أعتق لوجه الله كان الغلام قد أعتق من
حصة من أعتق فيستعلمونه على قدر ما أعتق منه له ولهم، فإن كان نصفه عمل
لهم يوما وله يوما، وإن أعتق الشريك (4) مضارا وهو معسر فلا عتق له، لأنه
أراد أن يفسد على القوم فيرجع القوم على حصتهم (5).
والآخر الحمل للأخبار الأخيرة على الاستحباب (6)، لما رواه محمد بن قيس في
الصحيح، عن الباقر - عليه السلام - قال: من كان شريكا في عبد أو أمة
قليل (7) أو كثير فأعتق حصته وله سعة فليشتره من صاحبه فيعتقه كله، وإن لم
يكن له سعة من مال نظر قيمته يوم أعتق منه ما أعتق ثم يسعى (8) العبد في

(1) الإستبصار: ج 4 ص 4 ح 10، وسائل الشيعة: ب 18 إن من أعتق مملوكا... ح 2 ج 16 ص 21.
(2) في م 3 والاستبصار: إن كان ذلك فسادا.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 4 ح 11، وسائل الشيعة: ب 18 إن من أعتق مملوكا... ح 9 ج 16 ص 23.
(4) ليس في المصدر.
(5) الإستبصار: ج 4 ص 4 ح 12، وسائل الشيعة: ب 18 إن من أعتق مملوكا... ح 12 ج 16 ص 23.
(6) في المصدر: والآخر أن نحمل الأخبار على ضرب من الاستحباب.
(7) في المصدر: قليلا كان.
(8) في المصدر: يستسعى.
14

حساب ما بقي حتى يعتق (1).
والمعتمد أن نقول: إن أعتق الشريك لمجرد الاضطرار لا للتقرب إلى الله
تعالى بطل العتق، لانتفاء وجه التقرب إلى الله تعالى الذي هو شرط في صحته.
ويؤيده رواية محمد الصحيحة، عن الصادق - عليه السلام - حيث قال:
(وإن أعتق الشريك مضارا وهو معسر فلا عتق له). وإن أعتق متقربا إلى الله
تعالى فإن كان موسرا قوم عليه، لرواية الحلبي الصحيحة، عن الصادق - عليه
السلام - وإن كان معسرا استسعي العبد إن لم يكن فكه، للروايات.
وقول ابن إدريس في الرد على الشيخ ضعيف، لأن الشيخ لم يقصد أنه
أعتق لمجرد الإضرار من غير قصد التقرب، بل إن المعتق قصد التقرب، وهو لا
ينافي إرادة منع الشريك من التصرف في حصته، ومعنى الإضرار هو هذا.
ومعلوم أنه لو قصد التقرب لا غير لحصل هذا النوع من الضرر (2)، فلما كان
تضرر الشريك حاصلا على التقديرين لم يكن قصد الإضرار مانعا إرادة
التقرب، فإنه لا يريد بالإضرار شيئا زائدا على المقدر (3) في الشرع، وإذا كان
ذلك القدر حاصلا على كلا التقديرين لم يكن مانعا من العتق، قصده أولا.
ويؤيده رواية محمد الصحيحة، عن الصادق - عليه السلام - حيث قال له
السائل: فأعتق لوجه الله، فقال: إذا أعتق نصيبه مضاره، وهو يدل على مجامعة
الإضرار للتقرب.
مسألة: لو أوصى بعتق عبده: فإن كانت قيمته تساوي الثلث عتق جميعه.
وإن كانت أقل عتق أيضا، وإن زادت عتق منه بقدر الثلث، واستسعي فيما زاد

(1) الإستبصار: ج 4 ص 4 - 5 ح 13، وسائل الشيعة: ب 18 إن من أعتق مملوكا... ح 3 ج 16
ص 21.
(2) في الطبعة الحجرية: التضرر.
(3) في الطبعة الحجرية: المقرر.
15

على الثلث، سواء كانت الزيادة ضعفي الثلث أو أقل أو أكثر، وعلى كل حال.
وهو اختيار ابن إدريس، ونقله عن شيخنا في مبسوطه، وعن علي بن بابويه في
رسالته. ثم قال: وقال بعض أصحابنا: إن كانت القيمة على الضعف من
الثلث بطلت الوصية، ولم ينفذ عتق شئ منه. قال: وقد أورد ذلك شيخنا أبو
جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا (1).
وفي هذا النقل نظر، فإن الشيخ قال في النهاية: إذا أوصى الإنسان لعبده
بثلث ماله نظر في قيمته قيمة عادلة، فإن كانت قيمته أقل من الثلث أعتق
وأعطي الباقي، وإن كانت مثله، أعتق وليس له شئ ولا عليه (2)، وإن
كانت (3) أكثر من الثلث بمقدار السدس أو الربع أو الثلث أعتق بمقدار ذلك
واستسعي في الباقي لورثته، وإن كانت قيمته على الضعف من ثلثه كانت
الوصية باطلة (4).
وقد تقدم البحث في هذه المسألة في كتاب الوصايا، وذكرها ابن إدريس،
ثم ذكرها عقيب نقله عن الشيخ (5).
ثم إن الشيخ ذكر مسألة أخرى عقيب هذه، فقال: إذا أوصى الإنسان
بعتق مملوك له وعليه (6) دين فإن كانت قيمة العبد ضعفي الدين استسعي العبد
في خمسة أسداس قيمته: ثلاثة أسهم للديان وسهمان للورثة وسهم له، وإن
كانت قيمته أقل من ذلك بطلت الوصية (7).
والمسألة التي نقلها عن الشيخ لم أظفر بها.
والذي قاله شيخنا علي بن بابويه في رسالته هو المسألة الأولى التي نقلناها

(1) السرائر: ج 3 ص 5 - 6.
(2) في المصدر: ولا عليه شئ.
(3) في المصدر: وإن كان كانت القيمة.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 148 - 149.
(5) السرائر: ج 3 ص 198 - 199.
(6) في المصدر: وكان عليه.
(7) النهاية ونكتها: ج 3 ص 149 - 150.
16

عن الشيخ في النهاية.
إذا تقرر هذا فالمسألة الأولى قد تقدمت. وأما المسألة الثانية - وهي ما إذا
أوصى بعتق مملوكه وعليه دين - فقد ذكرها في باب الوصية على ما ذكرناه.
وقال في باب العتق: إذا أعتق الرجل مملوكه عند موته وعليه دين فإن كان
ثمن العبد ضعفي ما عليه من الدين مضى العتق واستسعي العبد في قضاء دين
مولاه، وإن كان ثمنه أقل من ضعفي الدين كان العتق باطلا (1). وتبعه ابن
البراج (2).
وقال ابن الجنيد: ولو أعتق الرجل عبدا أو أعبدا له في مرضه الذي مات
فيه وعليه دين يحيط برقابهم ولا مال له غيرهم كان العتق باطلا، ولو كان
واحدا والدين نصف قيمة العبد استسعي للغرماء والورثة في نصف وثلث
قيمته وعتق، فإن لم يكن له ورثة استسعي في دين مولاه إن كان دون قيمته
وعتق إذا وفاه.
وقال الصدوق: فإن أعتق رجل مملوكه عند موته وعليه دين وقيمة العبد
ستمائة درهم ودينه خمسمائة درهم فإنه يباع العبد، ويأخذه الغرماء خمسمائة
درهم، ويأخذ الورثة مائة درهم. وإن كان قيمة العبد ستمائة درهم ودينه
أربعمائة درهم فكذلك يباع العبد، ويأخذه الغرماء أربعمائة درهم والورثة
مائتين. وإن كان قيمة العبد ستمائة درهم ودينه ثلاثمائة درهم واستوى مال
الغرماء ومال الورثة أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتهم الرجل على
وصيته وأجيزت على وجهها فيوقف العبد، فيكون نصفه للغرماء وثلثه للورثة،
ويكون له السدس من نفسه (3).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 18 - 19.
(2) المهذب: ج 2 ص 361.
(4) المقنع: ص 155 - 156، مع اختلاف.
17

وقال ابن حمزة: إذا أعتق نصف عبد وعليه دين فإن كان قيمة العبد ضعفي
الدين نفذ العتق ولزم العبد السعي في دين مولاه، وإن كان قيمته أقل من
ذلك بطل العتق (1).
ثم نقل ابن إدريس بعد ذلك المسألة الثانية، ثم قال: إن أراد بقوله عند
موته: أنه نجز عتقه قبل موته فإن العتق صحيح ماض، ولا سبيل للديان عليه،
لأنه تصرف في ملك الإنسان قبل الحجر عليه، وللإنسان أن يتصرف في ملكه
كيف شاء، وإن أخر عتقه إلى بعد موته فهذا تدبير ووصية، لأن التدبير عند
أصحابنا بمنزلة الوصية، والوصية لا تصح إلا بعد قضاء جميع الديون، وإنما الذي
أورده شيخنا في نهايته خبر واحد على قول من يقول من أصحابنا: إن منجزات
المريض من الثلث (2).
واحتج الشيخ بما رواه زرارة في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - في
رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين، قال: إن كان قيمة العبد مثل الدين
الذي عليه ومثله جاز عتقه، وإلا لم يجز (3).
وعن الحسن بن الجهم قال: سمعت أبا الحسن - عليه السلام - يقول في
رجل أعتق مملوكا له وقد حضره الموت وأشهد له بذلك وقيمته ستمائة درهم
وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترك شيئا غيره، قال: يعتق منه سدسه، لأنه
إنما له منه ثلاثمائة وله السدس من الجميع (4).

(1) الوسيلة: ص 342، وفيه: (وإن أعتق مريض عبدا).
(2) السرائر: ج 3 ص 14، مع اختلاف.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 232 ح 840، وسائل الشيعة: ب 39 في أحكام الوصايا ح 6 ج 13
ص 425، وفيهما: (مثل الذي عليه).
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 169 ح 690، وسائل الشيعة: ب 39 في أحكام الوصايا ح 4 ج 13
ص 423.
18

والوجه أن نقول: إن الدين مقدم على العتق: لأنا قد بينا أن تصرفات
المريض تخرج من الثلث، ولا بأس بحمل الروايات على ما قاله ابن حمزة:
(بأنه أعتق نصفه) لكن يبنى على أن تصرفات المريض تخرج من الأصل.
ويؤيد ما اخترناه من بطلان العتق ما رواه الحلبي أنه قال في الرجل
يقول: إن مت فعبدي حر وعلى الرجل دين، قال: إن توفي وعليه دين قد
أحاط بثمن العبد بيع العبد، وإن لم يكن أحاط بثمن العبد استسعي العبد في
قضاء دين مولاه، وهو حر إذا وفاه (1).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا كان العبد معه مال فأعتقه صاحبه فإن
كان عالما بأن له مالا كان المال للعبد، وإن لم يكن عالما بأن له مالا كان ماله
له دون العبد، فإن علم أن له مالا وأراد أن يستثنيه كان له ذلك، إلا أنه لا
يبدأ بالحرية أولا بل يبدأ فيقول: لي مالك وأنت حر، فإن قال: أنت حر ولي
مالك لم يكن له على المال سبيل، وإذا باع العبد وعلم أن له مالا كان ماله لمن
ابتاعه، وإن لم يكن عالما بذلك كان المال له دون المبتاع. والعبد المملوك لا
يملك شيئا من الأموال ما دام رقا، فإن ملكه مولاه شيئا ملك التصرف فيه
بجميع ما يريده. وكذلك إذا فرض عليه ضريبة يؤديها إليه، وما يفضل بعد
ذلك يكون له جاز ذلك، وإذا أدى إلى مولاه ضريبته كان له التصرف فيما بقي
من المال. وكذلك إذا أصيب العبد في نفسه بما يستحق به الأرش كان له ذلك
وحل له التصرف فيه، وليس له رقبة المال على وجه من الوجوه، فإن تزوج من
هذا المال أو تسرى كان ذلك جائزا. وكذلك إن اشترى مملوكا فأعتقه كان
العتق ماضيا، إلا أن يكون سائبة لا يكون ولاؤه له، ولا يجوز له أن يتوالى إليه،

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 232 ح 839، وسائل الشيعة: ب 39 في أحكام الوصايا ح 3 ج 13
ص 423.
19

لأنه عبد لا يملك جريرة غيره (1). وتبعه ابن البراج (2) في ذلك كله.
وقال الصدوق في المقنع: فإن أعتق الرجل (3) عبده وله مال فإن كان حين
أعتقه علم أن له مالا تبعه ماله، وإلا فهو للمعتق، فإن (4) لم يعلم أن له مالا
فأعتقه ومات فماله لولد سيده. وروي أن من اشترى مملوكا له مال فإن كان
اشترط ماله فهو له، وإن لم يشترط فهو للبائع (5).
وقال ابن الجنيد: وإذا حرر السيد عبده ومعه مال جاء به ولم يعلم به سيده
وقت تحريره كان للسيد، فإن علم به فلم يستثنه كان للمعتق.
وقال أبو الصلاح: وإذا أعتق عبدا أو أمة وله مال يعلم به فهو للمعتق
يملكه بإباحته، وإن لم يعلم أو علم به فاشترطه فهو له دون المعتق (6).
وقال ابن إدريس: إذا أعتق مملوكا وله مال فماله لمولاه، سواء علم مولاه
بالمال في حال إعتاقه أو لم يعلم، لأن العبد عندنا لا يملك شيئا. وذهب بعض
أصحابنا إلى أنه إن علم [أن له مالا في حال إعتاقه] فالمال للعبد، وإن لم يعلم
أو علم فاشترطه [لنفسه] فهو لمولاه: وقد بينا أن العبد لا يملك شيئا، لقوله
تعالى: (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) (7).
والبحث في هذه المسألة يقع في مقامات.
المقام الأول: هل يتحقق (8) للعبد ملك ويثبت هذا المعنى في حقه؟ الوجه
عدم تحققه.
لنا: إنه ملك محض، فلا يكون له أهلية التملك كغيره من المملوكات.

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 11 - 13.
(2) المهذب: ج 2 ص 359 - 360.
(3) في المصدر: رجل.
(4) في المصدر: وإلا فهو له وإن.
(5) المقنع: ص 157، وليس فيه: (وروي... الخ).
(6) الكافي في الفقه: ص 318.
(7) السرائر: ج 3 ص 6، مع اختلاف.
(8) في الطبعة الحجرية: هل يصح أن يتحقق.
20

ولقوله تعالى: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) (1) وقال تعالى:
(ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما
رزقناكم فأنتم فيه سواء... الآية) (2) وهو تقريع وتوبيخ في صيغة الاستفهام.
وما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله في الصحيح قال: سألته عن رجل
أعتق عبدا له وللعبد مال وهو يعلم أن له مالا فتوفي الذي، أعتق (3)، لمن يكون
مال العبد؟ أيكون للذي أعتق العبد أو للعبد؟ قال: إذا أعتقه وهو يعلم أن له
مالا كان له (4)، وإن لم يعلم فماله لولد سيده (5).
ولأنه لو ملك لدخل المال في ملكه بالأسباب الموجبة للدخول من غير
اختيار كالميراث وشبهه، والتالي باطل إجماعا، فكذا المقدم.
ولأنه لو ملك لما جاز له أخذه منه قهرا، والتالي باطل إجماعا.
ولما رواه محمد بن إسماعيل في الصحيح، عن الرضا - عليه السلام - قال:
سألته عن الرجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها بغير طيب نفسها من خدم أو
متاع أيجوز ذلك له؟ قال: نعم إذا كانت أم ولده (6).
احتج الشيخ بالأحاديث الدالة على إضافة الملك إليه.
والجواب: الإضافة تصدق بأدنى ملابسة.
المقام الثاني: لو فرضنا أن العبد يملك فإنه لا يملك ملكا تاما، إذ لمولاه
انتزاعه منه إجماعا، إذا ثبت هذا، فلو أعتقه مع العلم بأن له مالا كان المال

(1) النحل: 75.
(2) الروم: 28.
(3) في التهذيب: أعتق العبد.
(4) في التهذيب: أن له مالا فماله.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 223 - 224 ح 805، وسائل الشيعة: ب 24 حكم مال المملوك إذا عتق
ح 6 ج 16 ص 29.
(6) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 206 ح 729، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أحكام الهبات ح 2
ج 13 ص 342 - 343.
21

للمولى، لما تقدم في حديث عبد الرحمن بن أبي عبد الله، وقد تقدم.
والشيخ - رحمه الله - قال: إن علم كان المال للعبد، إلا أن يستثنيه قبل
العتق (1).
لما رواه زرارة في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن رجل
أعتق عبدا له وللعبد مال لمن المال؟ فقال: إن كان يعلم أن له مالا تبعه ماله،
وإلا فهو له (2).
المقام الثالث: لو استثناه على تقدير الثبوت بعد الحرية فالأولى الجواز، لأن
الكلام إنما يتم بآخره، كما لو قال: أنت حر وعليك خدمة سنة.
وقال الشيخ: يقدم الاستثناء، لما رواه حريز في الصحيح، قال:
سألت أبا الحسن - عليه السلام - عن رجل قال لمملوكه: أنت حر ولي مالك،
قال: لا يبدأ بالحرية قبل المال، يقول له: لي مالك وأنت حر برضى
المملوك (3).
المقام الرابع: في باقي الأحكام التي ذكرها الشيخ من جواز عتق المملوك،
وثبوت الولاء لضامن الجريرة إن كان دون المعتق.
لما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد، عن الصادق - عليه السلام -
قال: سألته عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له وقد كان مولاه يأخذ منه ضريبة
فرضها عليه في كل سنة ورضي بذلك المولى ورضي بذلك المملوك (4) فأصاب
المملوك في تجارته مالا سوى ما كان يعطيه (5) مولاه من الضريبة، قال فقال:

(1) الإستبصار: ج 4 ص 11 ذيل الحديث 32، مع اختلاف.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 10 ح 30، وسائل الشيعة: ب 24 حكم مال المملوك إذا أعتق ح 4 ج 16
ص 29.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 11 ذيل الحديث 33 و ح 13.
(4) في المصدر: المولى.
(5) في المصدر: يعطي.
22

إذا أدى إلى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك.
ثم قال أبو عبد الله - عليه السلام -: و (1) قد فرض الله عز وجل على العبيد (2)
فرائض فإذا أدوها إليه لم يسألهم عما سواها، قلت: فما ترى للمملوك أن (3).
يتصدق مما اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال:
نعم، وأجر ذلك له، قلت: فإن أعتق مملوكا مما اكتسب سوى الفريضة لمن
يكون ولاء المعتق؟ فقال: يذهب فيتوالى إلى من أحب، فإذا ضمن جريرته
وعقله كان مولاه وورثه، قلت: أليس قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -:
الولاء لمن أعتق؟ قال: فقال: هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله، قلت: فإن
ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه أيلزم (4) ذلك ويكون مولاه ويرثه؟
قال: فقال: لا يجوز ذلك، ولا يرث عبد حرا (5).
ورواه ابن بابويه (6) في الصحيح.
واعلم أن قول الشيخ قوي باعتبار الأحاديث الصحيحة الدالة عليه، لكنه
مشكل من حيث النظر، فنحن في هذه المسألة من المتوقفين.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى ملك الإنسان أحد والديه أو ولده
ذكرا كان أو أنثى أو أخته أو عمته أو خالته أو واحدة من المحرمات عليه في
النكاح من ذوي أرحامه انعتقوا في الحال، ولم يثبت لهم معه استرقاق على

(1) في المصدر: أليس.
(2) في المصدر: على العباد.
(3) في المصدر: قلت له: فللمملوك أن.
(4) في المصدر: أيلزمه.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 224 ح 807، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب بيع الحيوان ح 1 ج 13
ص 34 - 35.
(6) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 126 - 127 ح 3474.
23

حال (1). ونحوه قال المفيد (2).
وقال أبو الصلاح: لا يصح أن يبتاع المرء من تحرم عليه مناكحته من
ذوي نسبه، ومتى يفعل ينعتقوا عليه عند مضي عقد ابتياعهم (3).
وقال ابن الجنيد: ومن ملك ذا رحم محرم عتق عليه عند ملكه إياه.
وقال الشيخ في المبسوط في عتق الشريك: وكيف يعتق عليه نصيبه مع
الملك أو بعده؟ قيل: فيه قولان. وهكذا إذا اشترى أباه عتق عليه. ومتى يقع؟
على وجهين: أحدهما: يقع العتق والملك معا في زمان واحد، والثاني: أن
العتق بعد الملك، وهو الأقوى عندي (4).
وقال ابن إدريس: وقد قيل: في أنه متى يكون العتق؟ أقوال، الأصح
من ذلك أنه مع تمام البيع معا، لأن الإنسان لا يملك من ذكرناه (5).
والوجه: أنهم يدخلون في الملك آنا واحدا، ثم في ثانيه ينعتقون عليه.
كما قواه الشيخ، لقوله - عليه السلام -: (لا عتق إلا في (6) ملك) (7).
ولتحقق قولهم - عليهم السلام -: (من ملك أحد هؤلاء عتق عليه) (8).
ولأن العقد لو اقتضى زوال الملك من البائع من غير أن يثبت الملك

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 5.
(2) المقنعة: ص 599.
(3) الكافي في الفقه: ص 356.
(4) المبسوط: ج 6 ص 55.
(5) السرائر: ج 3 ص 7.
(6) في المصدر: بعد.
(7) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 217 ح 774 وسائل الشيعة: ب 5 أنه لا يصح العتق قبل الملك... ح 2
ج 16 ص 7.
(8) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 240 ح 866 - 871، وسائل الشيعة: ب 7 إن الرجل إذا ملك أحد
الآباء... ج 16 ص 10.
24

للمشتري لما قوم عليه لو اشترى بعضه، ولما تبعه أحكام البيع من وجوب
الأرش وغيره.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: والمملوك إذا عمي أو جذم أو أقعد أو نكل
به صاحبه أو مثل به انعتق في الحال، ولا سبيل لصاحبه عليه (1). وتبعه ابن
البراج (2).
وقال أبو الصلاح: إذا عجز المرقوق عن الخدمة بعمى أو زمانة أو مرض
سقط عنه فرضها. (3).
وقال الصدوق في المقنع: واعلم أن المملوك إذا عمي فقد عتق، وإذا جذم
فلا رق (4) عليه (5).
وقال ابن الجنيد: في الحديث أهل البيت - عليهم السلام - أن الرسول
- صلى الله عليه وآله - قال: (إذا عمي المملوك أو جذم فلا رق عليه) وعن أمير
المؤمنين - عليه السلام -: (إذا أصابه زمانة في جوارحه وبدنه ومن نكل بمملوكه
فهو حر لا سبيل عليه سائبة).
وقال ابن حمزة: إذا ملك مملوكا فإما أن يعتق عليه في الحال، وهم تسعة:
الوالدان وإن علوا، والولد وإن نزلوا، وجميع المحرمات عليه نسبا ورضاعا، ومن
نكل به أو برص أو عمي أو جذم أو أقعد (6). فزاد البرص، وليس بمشهور.
وقال ابن إدريس: والمملوك إذا عمي من قبل الله تعالى أو جذم أو أقعد
بزمانة من قبل الله تعالى انعتق بغير اختيار مالكه، ولا يكون له ولاؤه. وقد
روي أنه إذا نكل به صاحبه أو مثل به انعتق في الحال، ولا سبيل لصاحبه

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 5.
(2) المهذب: ج 2 ص 357.
(3) الكافي في الفقه: ص 318.
(4) المقنع: ص 157 و 160.
(5) في المصدر: وإذا جذم العبد فلا رق.
(6) الوسيلة: ص 340.
25

عليه. أورد هذه الرواية شيخنا في نهايته إيرادا (1). وهذا يدل على ضعف هذا
القول عنده.
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: ما رواه ابن محبوب، عمن ذكره، عن الصادق - عليه السلام - قال:
كل عبد مثل به فهو حر (2).
وما رواه الصدوق في الصحيح، عن أبي بصير، عن الباقر - عليه السلام -
قال: قضى أمير المؤمنين - عليه السلام - في من نكل بمملوكه أنه حر لا سبيل له
عليه سائبة يذهب فيتولى إلى من أحب، فإذا ضمن حدثه فهو يرثه (3).
وقول ابن حمزة بعتق الأبرص ضعيف.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا أعتق مملوكه وشرط عليه شرطا وجب
عليه الوفاء به ولم يكن له خلافه، فإن شرط عليه أنه متى خالفه في فعل من
الأفعال كان ردا في الرق فخالفه كان له رده في الرق (4).
وقال ابن البراج: إذا كان له مملوك فأعتقه وشرط عليه أنه متى خالفه في
فعل من الأفعال كان ردا في الرق، أو كان عليه مال معلوم كان الشرط
صحيحا (5).
وقال ابن إدريس: قول الشيخ غير واضح، لأن الحر لا يجوز أن يعود رقا،
والشرط إذا كان مخالفا للكتاب والسنة كان باطلا، وهذا شرط يخالف

(1) السرائر: ج 3 ص 8 - 9.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 223 ح 801، وسائل الشيعة: ب 22 إن المملوك إذا مثل به... ح 1
ج 16 ص 26.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 142 ح 3519، وسائل الشيعة: ب 22 إن المملوك إذا مثل به...
ح 2 ج 16 ص 26.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 9 - 10.
(5) المهذب: ج 2 ص 359.
26

السنة (1).
والمعتمد: أنه إذا شرط عليه شيئا معينا (2) لزمه، ويكون ذلك عتقا وشرطا
لا عتقا معلقا على شرط، مثل أن يقول: أنت حر وعليك كذا. أما لو علق
العتق بشرط فإنه يبطل، كقوله: أنت حر إن فعلت كذا، ولو شرط عليه أنه متى
خالفه في الأول كان ردا في الرق بطل العتق، لما تقرر من عدم قبوله
للشرط (3).
احتج الشيخ بما رواه إسحاق بن عمار وغيره، عن الصادق - عليه السلام -
قال: سألته عن الرجل يعتق مملوكه ويزوجه ابنته ويشترط عليه إن هو
أغارها (4) أن يرده في الرق، قال: له شرطه (5).
والجواب: الطعن في السند أولا، فإن في إسحاق قولا. والقول بالموجب
ثانيا، فإن إثبات أن له شرطه يقتضي رده في الرق، ومع بطلان العتق يكون
هذا الحكم ثابتا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: فإن شرط عليه خدمة سنة أو سنتين أو أكثر
من ذلك لزمه ذلك، فإن مات المعتق كانت خدمته لورثته، فإن أبق العبد ولم
يوجد إلا بعد انقضاء المدة التي شرط عليه المعتق لم يكن للورثة عليه سبيل (6).
وتبعه ابن البراج (7).
وقال ابن الجنيد: ولا بأس بأن يشترط على المعتق عملا معينا أو مدة
معلومة، ويجعل له في تلك المدة ما ينفق منه ويكتسي به لقطعه بشرطه عليه من

(1) السرائر: ج 3 ص 11.
(2) ليس في م (3) والطبعة الحجرية.
(3) م 3: الشرط.
(4) في التهذيب: أغلظها.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 222 ح 795، وسائل الشيعة: ب 12 حكم من أعتق عبده... ح 2
ج 16 ص 15.
(6) النهاية ونكتها: ج 3 ص 10.
(7) المهذب: ص 359.
27

التكسب، ولو فات الفعل أو منع (1) منه لم يلزم المعتق العوض عنه.
وقال الصدوق: وإذا أعتق الرجل جاريته وشرط عليها أن تخدمه خمس
سنين فأبقت ثم مات الرجل فوجدها ورثته فليس لهم أن يستخدموها (2).
وقال ابن إدريس: ليس للورثة عليه سبيل في الخدمة، والأولى أن يكون
لهم الرجوع بمثل أجرة تلك المدة، لأنها مستحقة عليه وقد فاتت أوقاتها فيرجع
عليه بأجرة مثلها. فأما الخدمة فليس لهم سبيل عليه، فلأجل هذا قال شيخنا
في نهايته: لم يكن للورثة عليه سبيل - يعني: في الخدمة - (3).
وهذا تأويل حسن، ويؤيده قول الصدوق: (وليس لهم أن يستخدموها)
وهو عين الرواية التي رواها الشيخ في الصحيح، عن يعقوب بن شعيب قال:
سألت أبا عبد الله - عليه السلام - (عن رجل أعتق جاريته وشرط عليها أن تخدمه
خمس سنين فأبقت ثم مات الرجل فوجدها ورثته ألهم أن يستخدموها؟ قال:
لا (4). ونفي الاستخدام لا يستلزم نفي الأجرة الثابتة لهم عوضا عما أتلفته
عليهم من الخدمة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا نذر الإنسان أن يعتق أول مملوك يملكه
فملك جماعة من العبيد في حالة واحدة أقرع بينهم، فمن خرج اسمه أعتقه. وقد
روي أنه مخير في عتق أيهم شاء. والأول أحوط (5). وتبعه ابن البراج على
القرعة (6).

(1) في الطبعة الحجرية: امتنع.
(2) المقنع: ص 156 - 157.
(3) السرائر: ج 3 ص 11.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 222 ح 797، وسائل الشيعة: ب 11 إن من أعتق مملوكا وشرط عليه
ح 1 ج 16 ص 14.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 13 - 14.
(6) المهذب: ج 2 ص 360.
28

وقال ابن الجنيد: ومن نذر أن يعتق أول مملوك يملكه فملك جماعة في وقت
واحد اختار أيهم شاء فأعتقه، فإن مات أو منع عن بيان إرادته أقرع بينهم.
وقال الصدوق: فإن قال: أول مملوك أملكه فهو حر فورث سبعة مماليك
فإنه يقرع بينهم، ويعتق الذي خرج في القرعة (1).
وقال ابن إدريس: الأولى عندي أنه لا يعتق شئ من العبيد، لأن شرط
النذر ما وجد، لأنه نذر عتق أول مملوك يملكه، وليس لمن ملك في حالة واحدة
من المماليك أول، فما وجد شرط النذر. ولأن الأصل براءة الذمة، فمن شغلها
بشئ يحتاج إلى دليل ولا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما
ولا عملا (2).
وما اختاره الشيخ في النهاية هو المعتمد.
لنا: ما رواه الشيخ والصدوق معا في الصحيح، عن الحلبي، عن الصادق
- عليه السلام - في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر فورث سبعة جميعا،
قال: يقرع بينهم، ويعتق الذي خرج اسمه (3) (4).
وعن عبد الله بن سليمان قال: سألته عن رجل قال: أول مملوك أملكه
فهو حر فلم يلبث أن ملك ستة، قال: يقرع بينهم ثم يعتق واحدا (5).
ولأنه يملك الجماعة يصدق عليه أنه قد ملك مملوكا واحدا قطعا، فذلك

(1) المقنع: ص 157.
(2) السرائر: ج 3 ص 12.
(3) في الطبعة الحجرية: سهمه.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 225 - 226 ح 811، من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 94 ح 3395،
وسائل الشيعة: ب 57 إن من نذر عتق أول... ح 1 ج 16 ص 58 - 59.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 225 ح 810، وسائل الشيعة: ب 57 إن من نذر عتق أول مملوك يملكه
... ح 2 ج 16 ص 59 وفيهما: (إن ملك ستة أيهم يعتق).
29

الواحد إن لم يسبقه ملك مملوك غيره فهو أول، إذ لا يشترط في الأول وجود
ثان بالفعل، بل الشرط إمكان وجوده، ولهذا لو ملك واحدا لا غير وجب عتقه
من غير ترقب ملك ثان، وإن سبقه ملك مملوك، فذلك هو الأول فيتعين للنذر،
ولا يستلزم من عدم صدق الأولوية على كل واحد بالنسبة إلى الآخرين عدم
صدقها على كل واحد مطلقا، فإذن كل واحد يصدق عليه أنه أول فإما أن
يقرع أو يتخير، فيبطل قول ابن إدريس.
وأصالة البراءة بعد وجود النص (1).
وعموم الدليل الدال على وجوب الوفاء به ممنوع ومعارض بالاحتياط.
وأي دليل أقامه على مطلوبه بحيث لا يرجع عنها إلى أخبار الآحاد؟
احتج ابن الجنيد بما رواه الشيخ، عن الحسن الصيقل، عن الصادق - عليه
السلام - قال: سألته عن رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر فأصاب ستة.
قال: إنما كان نيته على واحد فليتخير أيهم شاء فليعتقه.
ولأن كل واحد منهم أول بالنسبة إلى من يتجدد ملكه عليه وقد كان مخيرا
في إيجاد السبب فيه، بأن يشتريه منفردا إن شاء فيثبت له الخيار كما كان.
والجواب عن الأول: أن روايتنا أصح طريقا، فإن الحسن الصيقل لا
أعرفه، وفي الطريق أيضا إسماعيل بن يسار الهاشمي.
وقال النجاشي: إن إسماعيل بن يسار الهاشمي بن علي بن عبد الله بن
العباس ذكره أصحابنا بالضعف (2).
وعن الثاني: أن إيجاد الوصف في كل واحد يستلزم إيجاب عتقه، ولا
أولوية، ولا يجب الجميع، فيتعين القرعة، لإشكاله وإبهامه، على أني لا أستبعد
قول ابن الجنيد، لكن الأقوى الأول.

(1) م 3 والطبعة الحجرية: الندر.
(2) رجال النجاشي: ص 29.
30

مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا كان للرجل جارية فنذر أنه متى وطأها
كانت معتقة، فإن وطأها قبل أن يخرجها من ملكه انعتقت، وإن أخرجها ثم
اشتراها بعد ذلك ووطأها لم يقع بها عتق (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال الصدوق في المقنع: إذا كانت للرجل أمة فيقول يوم يأتيها (3): فهي
حرة ثم يبيعها من رجل ثم يشتريها بعد ذلك فلا بأس أن يأتيها قد خرجت من
ملكه (4).
وقال ابن إدريس: قد روي: أنه إذا كان للرجل جارية فنذر أنه متى
وطأها كانت معتقة فإن وطأها قبل أن يخرجها من ملكه انعتقت، وإن أخرجها
ثم اشتراها بعد ذلك و (5) وطأها لم يقع بذلك عتق. وفقه هذه الرواية إن
صحت أنه إذا أخرجها من ملكه انحل نذره، لأنه نذر في ملكه، فإذا زال ملكه
عنها انحل نذره، ولا يصح في ملك الغير، فيحتاج إذا عادت إلى ملكه إلى
دليل على عتقها (6).
وهذا يدل على عدم قوله بهذه الرواية، وهي صحيحة السند، رواها الشيخ
في الصحيح، عن محمد، عن أحدهما - عليهما السلام - قال: سألته عن الرجل
يكون له الأمة فيقول يوم يأتيها: فهي حرة ثم يبيعها من رجل ثم يشتريها بعد
ذلك، قال: لا بأس أن يأتيها، قد خرجت من ملكه (7).
ووجه ذلك أن يقال: الوطئ شرط النذر، وهو يستتبع الملك، فإذا
خرجت عن ملكه فقد انحل النذر، لزوال الشرط الذي باعتباره يتحقق النذر،

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 14 - 15.
(2) المهذب: ج 2 ص 360.
(3) في المصدر: يوما أن يأتيها.
(4) المقنع: ص 157.
(5) ليس في المصدر.
(6) السرائر: ج 3 ص 12 - 13.
(7) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 226 ح 814، وسائل الشيعة: ب 59 إن من نذر عتق أمته إن وطأها
... ح 1 ج 16 ص 60.
31

فإذا عاد الملك لم يعد النذر بعد زواله. وليس بعيدا من الصواب أن يقال: إنه
ليس بنذر لازم، لأن قوله في السؤال: (يوم يأتيها فهي حرة) ليست صيغة
تقتضي إيجاب العتق، فلهذا ساغ له الوطء بعد رد الملك إليه.
وبالجملة: فالمسألة مشكلة. وقول ابن إدريس بانحلال النذر لأنه (لا
يصح في ملك الغير) ممنوع، فإنه لو نذر أنه لو وطأ هذه الجارية أن يعتقها ثم
ملكها وجب عتقها.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا زوج الرجل جاريته وشرط أن أول ما
تلده يكون حرا فولدت توأما كانا جميعا معتقين (1).
وتبعه ابن البراج، لكن غير لفظة (ما تلده)، فقال: شرط أن أول ولد
تلده يكون حرا (2).
وقال ابن إدريس: إن أراد بالشرط المذكور أول حمل كان على ما ذكر،
وإن أراد بذلك أول ولد تلده كان الأول حرا والذي يخرج ثانيا مملوكا (3).
واعلم أن الشيخ - رحمه الله - قال في المبسوط: إذا قال: أول من يدخل الدار
من عبيدي حر (4) فدخل اثنان لم يعتق أحدهما (5)، لأنه لا أول منهما. ثم
قال: وقد روي في أحاديثنا أن الاثنين يعتقان، لأنهم رووا أنه إذا قال: أول
ما تلده الجارية فهو حر فولدت توأمين أنهما يعتقان (6).
والشيخ روي هذه الرواية عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، رفعه قال:

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 16 - 17.
(2) المهذب: ج 2 ص 360.
(3) السرائر: ج 3 ص 13.
(4) في المصدر: أحرار.
(5) في المصدر: فدخل اثنان معا ودخل ثالث لم يعتق الاثنان.
(6) المبسوط: ج 6 ص 248 - 249.
32

قضى أمير المؤمنين - عليه السلام - في رجل نكح وليدة رجل أعتق ربها أول
ولد تلده، فولدت توأما، فقال: أعتق كلاهما (1).
واعلم أنه فرق بين أول مملوك وبين أول ما تلده، لأن أول هنا أفعل،
وهي بعض ما يضاف إليه، وإذا أضيفت إلى النكرة لم تعم، وإذا أضيفت إلى
(ما) - وهي للعموم - عمت.
وبالجملة: فقول ابن إدريس هنا حسن.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا اشترى رجل جارية ولم ينقد ثمنها
فأعتقها وتزوجها ثم مات بعد ذلك ولم يخلف غيرها فإن عتقه ونكاحه باطل
وترد في الرق لمولاها الأول، فإن كانت قد حملت كان أولادها رقا كهيئتها،
وإن خلف ما يحيط برقبتها فعلى الورثة أن يؤدوا ثمنها لمولاها وقد مضى العتق
والتزويج، ولا سبيل لأحد عليها (2). وتبعه ابن البراج (3).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول مذهب أصحابنا (4) أن العتق
المذكور صحيح، لأنه أعتق ملكه بغير خلاف، والحر لا يعود رقا، والنكاح
صحيح، والولد حر، والحر لا يصير عبدا، لأنه انعقد حرا، سواء خلف غيرها
من الأموال أو لم يخلف، والثمن في ذمته. وما ذكره - رحمه الله - من بطلان
العتق والتزويج وصيرورة أولادها إن حملت كهيئتها رقا غير مستقيم ولا واضح،
لأنه مخالف للأدلة القاهرة ومضاد للكتاب والإجماع والسنة المتواترة، ولأنه لا
إجماع عليه ولا كتاب ولا سنة. وما ذكر شيخنا خبر واحد لا يوجب علما ولا

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 231 ح 834، وسائل الشيعة: ب 31 إن من نذر عتق أول ولد تلده...
ح 1 ج 16 ص 35.
(2) النهاية: ج 3 ص 17 - 18 وفيه: (بثمن رقبتها).
(3) المهذب: ج 2 ص 361.
(4) ق 2 و م 3: أصول مذهبنا.
33

عملا، أورده إيرادا لا اعتقادا (1).
ونحن قد بينا في فصل كتاب نكاح الإماء الوجه في هذه الرواية وحملها على
أن يكون المعتق قد أعتق في مرض الموت وتزوجها ولا مال له سواها فإن العتق
يكون باطلا على ما اخترناه في منجزات المريض.
مسألة: قد بينا أن الشيخ اختار في المبسوط بعد أن نقل في عتق الشقص
خلافا في وقت عتقه. فعن بعضهم يعتق كله باللفظ، فيكون عليه القيمة في
ذمته، وعليه تسليمها إلى شريكه. وعن بعضهم أنه ينعتق باللفظ ودفع القيمة،
فإن دفعها عتق نصيب شريكه، وإلا لم يعتق. وعن بعضهم أنه يكون مراعى،
فإن دفع القيمة تبينا أنه عتق وقت العتق، وإن لم يدفع تبينا عدم العتق في
نصيب الشريك وقواه (2) هذا القول (3).
وقال ابن إدريس: الأظهر أن حصة الشريك تنعتق بنفس اللفظ (4).
وفي رواية محمد بن قيس الصحيحة، عن الباقر - عليه السلام - (قال: من
كان شريكا في عبد أو أمة قليل أو كثير فأعتق حصته وله سعة فليشتره من
صاحبه فيعتقه كله، وإن لم يكن له سعة من مال نظر قيمته يوم أعتق منه ما
أعتق (5) ثم يسعى العبد في حساب ما بقي حتى يعتق) (6) دلالة على عدم
إعتاقه (7) بمجرد اللفظ.

(1) السرائر: ج 3 ص 14، وفيه: (وما أورد شيخنا).
(2) كذا في الطبعة الحجرية، وفي (ق 2 و م 3) هذا القول وقواه، والصواب: وقوى هذا القول.
(3) المبسوط: ج 6 ص 51 - 52، مع اختلاف.
(4) السرائر: ج 3 ص 16.
(5) في التهذيب: ما عتق.
(6) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 221 ح 791، وسائل الشيعة: ب 18 إن من عتق مملوكا.... ح 3 ج 16
ص 21.
(7) ق 2: انعتاقه.
34

وفي رواية الحلبي الحسنة، عن الصادق - عليه السلام - أنه سئل عن رجلين
كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه فقال: إن كان مضارا كلف أن يعتقه
كله، وإلا استسعي العبد في النصف الآخر (1).
وفي رواية سليمان بن خالد، عن الصادق - عليه السلام - (2) وغيره (3) عنه
- عليه السلام - أنه قد أفسد على صاحبه. وفيه دلالة على أنه ينعتق بالإعتاق
حيث أفسد (4)، وإنما أفسد (5) باعتبار الإعتاق.
وفي رواية غياث بن إبراهيم الرازي، عن الصادق، عن الباقر - عليهما
السلام - أن رجلا أعتق بعض غلامه، فقال علي - عليه السلام -: هو حر ليس
لله شريك (6).
وكذا في رواية طلحة بن زيد، عن الصادق، عن الباقر - عليهما
السلام - (7).
ونفي الشركة مشترك بين أن يكون العبد له أو مشتركا.
وكلام شيخنا المفيد - رحمه الله - يقتضي أنه ينعتق بالأداء، قال: إذا كان

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 220 ح 788، وسائل الشيعة: ب 18 إن من عتق مملوكا... ح 2 ج 16
ص 21.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 220 ح 790، وسائل الشيعة: ب 18 إن من عتق مملوكا... ح 9 ج 16
ص 23.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 220 ح 789، وسائل الشيعة: ب 18 إن من عتق مملوكا... ح 5 ج 16
ص 22.
(4) ق 2: فسد.
(5) ق 2: فسد.
(6) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 228 ح 834، وسائل الشيعة: ب 64 إن من أعتق بعض مملوكه... ح 1
ج 16 ص 63.
(7) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 228 ح 825، وسائل الشيعة: ب 64 إن من أعتق بعض مملوكه... ح 2
ج 16 ص 63.
35

العبد بين شريكين أو أكثر فأعتق أحدهم (1) حصته من العبد انعتق ملكه
خاصة وألزم ابتياع حصص الشركاء، فإذا ابتاعها انعتق العبد بذلك ولم يبق
فيه رق، وإن كان معسرا استسعي العبد في باقي قيمته، فإذا أداه إلى أصحابه
انعتق، والمعنى في ذلك: أنه يؤمر بالتكسب حسب ما يتمكن منه فيؤدي إلى
باقي الشركاء مالهم من قيمته أو بعضها مما يوافقونه عليه ثم ينعتق بعد ذلك (2).
وهذا تصريح (3) بأنه ينعتق بالأداء لا بالإعتاق، ولا بأس به عندي، وقد
ظهر (4) من ذلك أن المفيد اختار أنه ينعتق بالأداء، وابن إدريس بالإعتاق،
والشيخ أنه مراعى.
مسألة: لو أعتق ثلث عبيده وكانوا ستة و (5) أعتقهم وهو مريض ومات
احتيج إلى القرعة قال الشيخ: أقسامها ستة: الأول: أن يكونوا على صفة يمكن
تعديلهم أثلاثا بالقيمة والعدد، بأن يكونوا ستة قيمة كل واحد ألف فإنا
نجزئهم ثلاثة أجزاء، كل عبدين جزء، وتقرع بينهم بأن يكتب الرقاع، ويمكن
إخراج الأسماء على الرق والحرية وإخراج الرق والحرية على الأسماء، فإن أردت
أن تخرج الأسماء على الرق والحرية كتبت في كل رقعة اسم اثنين فيكون
ثلاث رقاع وتقول: أخرج رقعة على الحرية، فإذا أخرجتها قضيت برق (6) من
اسمه فيها، ولا بد من إخراج أخرى، فيقول: أخرج أخرى على الرق، فإذا
أخرج رق من فيها وعتق الآخران (7) فمتى أخرج القرعة (8) على الحرية أجزأه
دفعة، ومتى أخرجها على الرق فلا بد من مرتين. الثاني: أن يختلفوا قيمة،

(1) في المصدر: أو أكثر من ذلك فأعتق أحد الشركاء.
(2) المقنعة: ص 550.
(3) ق 2: صريح.
(4) في الطبعة الحجرية: يظهر.
(5) م 3: أو.
(6) سقط من جميع النسخ ما يلي: بعتق من اسمه فيها، ورق الباقون،... فإن قلت: أخرج رقعة على
الرق، فإذا أخرجتها قضيت.
(7) في المصدر: الآخر.
(8) ق 2: الرقعة.
36

ويمكن التعديل بالقيمة دون العدد، وبالعكس، بأن يكونوا ستة قيمة عبد
ألف وقيمة عبدين ألف وقيمة ثلاثة ألف، فإن اعتبرت القيمة كانت التركة
أثلاثا، لكن العدد مختلف، ومتى اعتبرت العدد وجعلت كل عبدين سهما
صح، لكن اختلفت القيمة، فقال قوم: يعتبر القيمة ويترك العدد، وهو أصح
عندنا، وقال آخرون: يعتبر العدد (1).
والوجه عندي أنه يكتب رقاع بعدد العبيد، ويخرج إما على الحرية والرقية
أو على الأسماء، لأنه أحوط وأعدل، فقد يكون أحد العبدين اللذين كتبا (2) في
رقعة واحدة حرا والآخر رقا، فلا يجوز جمعهما في رقعة واحدة. ويحتمل في
الثاني اعتبار العدد، لأن الثلث وغيره من الأجزاء إنما يلحق المقدار أو العدد
لذاته، ويلحق ما عداه باعتبار لحوق الكم المتصل أو المنفصل به وقد أضاف
الثلث إلى العبيد أنفسهم، وإنما عرض (3) لهم الكم المنفصل لا غير، فكان
انضياف الثلث إليهم أولى من انضيافه إلى القيمة التي لم تكن ملفوظة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا أعتق الرجل مملوك ابنه كان العتق
ماضيا (4).
وقال ابن إدريس: هذه الرواية لا يصح العمل بها، إلا أن يكون الابن
صغيرا ويكون الأب قد قوم العبد على نفسه، وإلا فلا يصح ذلك (5).
والظاهر أن مراد الشيخ ب‍ (الابن) هنا (الصغير) لما علم من انقطاع
تصرفات الأب عن مال الكبير، فالصغير لا بد من اشتراطه. وأما التقويم فليس
شرطا بعينه، لأنه لو كان عتقه مصلحة للصغير جاز للأب عتقه عنه بحكم
الولاية، وإن لم يقومه على نفسه فالشرط حينئذ أحد الأمرين: إما الصغر أو المصلحة.

(1) المبسوط: ج 6 ص 58 - 59
(2) ق 2: كتبتا.
(3) ق 2: عورض.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 21.
(5) السرائر: ج 3 ص 17.
37

والشيخ - رحمه الله - احتج بما رواه الحسين بن علوان، عن زيد بن علي، عن
آبائه، عن علي - عليهم السلام - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وآله - رجل
فقال: يا رسول الله إن أبي عمد إلى مملوك لي فأعتقه كهيئة المضرة لي، فقال
رسول الله - صلى الله عليه وآله -: أنت ومالك من هبة الله لأبيك، أنت سهم
من كنانته، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، ويجعل من يشاء
عقيما، جازت عتاقة أبيك، يتناول والدك من مالك وبدنك، وليس لك أن
تتناول من ماله ولا من بدنه شيئا إلا بإذنه (1)
والجواب: لعل السائل صبي (2)، وسماه أمير المؤمنين - عليه السلام - رجلا
بالمجاز، لأنه يؤول إليه. أو نقول: إن الولد أضاف المملوك إليه من حيث أنه
وارث والده فكأنه له.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإن أعتق الرجل جارية حبلى من غيره صار
ما في بطنها حرا كهيئتها، وإن استثناه من الحرية لم يثبت رقه مع نفوذ الحرية في
أمه (3). وتبعه ابن البراج (4)، وابن حمزة (5)، وهو ظاهر كلام ابن الجنيد.
وقال ابن إدريس: هذه الرواية أوردها شيخنا في نهايته، ولا دليل على
صحتها من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع، والأصل ألا عتق، وثبوت
العبودية في حملها، فمن حرره (6) يحتاج إلى دليل، ولا دليل له على ما بيناه، وإنما
يصح هذا على مذهب الشافعي، لأنه يجري الحمل مجرى بعض أعضائها، ولهذا
يقول: إنه إذا باعها واستثنى الحمل لا يصح استثناؤه، وتحمل الرواية على

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 35 ح 849، وسائل الشيعة: ب 67 ما لو أعتق الوالد... ح 1 ج 16
ص 66.
(2) ق 2: كان صبيا.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 21 - 22.
(4) المهذب: ج 2 ص 361.
(5) الوسيلة: ص 342.
(6) ق 2 و م 3: جوزه.
38

التقية (1).
والوجه ما قاله ابن إدريس.
والشيخ - رحمه الله - عول على ما رواه السكوني، عن الصادق، عن الباقر
- عليهما السلام - في رجل أعتق أمة وهي حبلى فاستثنى ما في بطنها، قال: الأمة
حرة وما في بطنها حر، لأن ما في بطنها منها (2). وفي سندها ضعف، فلا تعويل
عليها.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا أتى على الغلام عشر سنين جاز عتقه
وصدقته إذا كان على جهة المعروف (3). وتبعه ابن البراج (4).
وقال ابن الجنيد: ولما كان العتق نقل ملك وإخراجه عن يد المالك لم يجز
إلا من نافذ الأمر. وهو يعطي منع عتق الصبي.
وقال ابن إدريس: قول الشيخ في النهاية رواية أوردها إيرادا لا اعتقادا،
لأنه لا دليل على صحة العمل بها، لأنها مخالفة لأصول المذهب وقول الرسول
- عليه السلام -: رفع القلم عن ثلاث، وذكر الصبي من جملتهم يدل عليه (5).
وقول ابن إدريس هو الوجه، لثبوت الحجر على الصبي حتى يبلغ.
والشيخ - رحمه الله - عول على رواية رواها زرارة، عن الباقر - عليه السلام -
قال: إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له من ماله ما أعتق وتصدق على
وجه المعروف فهو جائز (6)

(1) السرائر: ج 3 ص 17.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 236 ح 851، وسائل الشيعة: ب 69 من أعتق أمة حبلى... ح 1 ج 16
ص 67 - 68.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 23 - 24.
(4) المهذب: ج 2 ص 362.
(5) السرائر: ج 3 ص 18.
(6) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 248 ح 898، وسائل الشيعة: ب 56 عتق الصبي مملوكه... ح 1 ج 16
ص 57 - 58.
39

مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا ورث شقصا من أبيه أو أمه قوم عليه ما
بقي إن كان موسرا، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم (1).
وفصل في المبسوط جيدا فقال: إن كان معسرا لم يقوم عليه كما لو باشر
عتقه، وإن كان موسرا (2) فإن كان قد ملكه باختياره بعوض كالشراء
والصلح أو بغير عوض كالهبة والوصية قوم عليه نصيب شريكه، وإن ملكه بغير
اختياره كالإرث فإنه لا يقوم عليه باقيه (3).
وقال ابن الجنيد: ولو ملك رجل حصة من والديه بميراث فعتقت عليه فإن
كان حقه من الميراث مستغرقا لقيمة جميع ملك شركائه فيعتق عليه، أو كان
موسرا كذلك لم يكن لباقي الورثة أن يستسعوه في بقية حقهم، ولا للولد أن يمتنع
من إعطائهم قيمة حقوقهم في والديه وعتق جميعه من ماله، وليس له أن يرجع
على أحد والديه فيستسعيه فيما أداه من حقوق شركائه، ولو كان ما وصل إلى
الولد (4) من الحق في أحد الوالدين بهبة أو وصية لم يعتق جميعه عليه، وكان
لشرائه أن يعتقوا حصصهم، ويكون لهم من الولاية بقدرها. وليس لهم عندي
أن يمتنعوا من قبول قيمة حقوقهم طلبا للسعاية، لأن في ذلك ضرارا وغبنا (5)
على المستسعي. وابن البراج (6) تبع الشيخ في المبسوط.
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول مذهبنا أنه لا يقوم عليه ما بقي،
لأنه لا دلالة على ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع، والأصل براءة

(1) الخلاف: ج 6 ص 368 المسألة 7.
(2) في المصدر: وإن كان الموسر لم يخل من أحد أمرين.
(3) المبسوط: ج 6 ص 68.
(4) م 3: الوالدين.
(5) ق 2: ضرارا وعبثا، م 3: ضرار وعيبا.
(6) المهذب: ح 2 ص 363.
40

الذمة، والإجماع إنما وقع على أنه أعتق شريكا له (1) في عبد وكان مسرا
قوم عليه حصة شريكه، وكذلك الأخبار إنما وردت على ذلك، ولم يجمع
أصحابنا على أن من ورث شقصا له من عبد يعتق عليه يقوم عليه ما بقي إذا
كان موسرا (2).
والمعتمد ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط، لأنه إذا ملك باختياره وكان
موسرا فقد اختار عتق الجميع حيث كان العتق يسري، وأشبه ذلك الجارح إذا
مات المجروح بالسراية فإنه يجعل قاصدا إلى قتل النفس، لأن الجرح يسري.
ولأن في بقاء العتق مبعضا إضرارا لشريكه، فأزيل عنه الضرر بدفع القيمة،
ويصدق عليه أنه أفسد على الشريك فضمن (3)، بخلاف ما لو دخل في ملكه
بغير اختياره كالإرث فإنه لم يختر إعتاقه، وإنما هو عتق قهري من قبل الشرع فلا
يستعقب العقوبة بتضمين الحصة.
ويؤيده ما رواه الشيخ عن محمد بن قيس، عن الصادق - عليه السلام - في
الحسن قال: قلت له: رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو
لا يعلم، فقال: يقوم، فإن كان (4) درهما واحدا أعتق واستسعى من مال
الرجل (5).
وهذا الحديث يشعر بما قلناه، حيث إنه لم يعلم أن العبد أبوه فلم يقصد
الإضرار بل دخل في ملكه بغير اختياره، وفي إلحاقه بالإرث نظر.

(1) ق 2: شركاء له، و م 3: شركاءه وفي المصدر: شركا له.
(2) السرائر: ج 3 ص 20.
(3) ق 2: فيضمن، م 3: يضمن.
(4) في المصدر: زاد.
(5) تهذيب الأحكام: ج 7 ص 190 ح 841، وسائل الشيعة: ب 8 في أحكام المضاربة ح 1 ج 13
ص 188.
41

مسألة: قال الشيخ في المبسوط (1) والخلاف (2): إذا أعتق كافر مسلما ثبت
له عليه الولاء، إلا أنه لا يرثه ما دام كافرا، فإذا أسلم ورثه. واستدل بقوله
- عليه السلام -: (الولاء لمن أعتق) ولمن يفصل. فأما قوله تعالى: (والمؤمنون
والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) لا يدل على أن الكافر لا يكون وليا إلا من
حيث دليل الخطاب، وليس بصحيح عند الأكثر، على أن المراد به النصرة
والولاية، وذلك لا يثبت هاهنا.
وقال ابن إدريس: هذا لا يتقدر على ما قررناه من أن العتق لا يقع، إلا
أن يقصد به وجه الله تعالى، والكافر لا يعرف الله تعالى ولا يقع منه نية
القربة (3).
والتحقيق أن يقال: إن كان الكفر باعتبار جهله بالله تعالى وقلنا: إنه لا
بد في القاصد بفعله وجه الله تعالى من علمه به من غير اكتفاء بالتقليد فالوجه
ما قاله ابن إدريس، وإن كان الكفر بهذا الاعتبار بل اعتبار جحد، بالنبوة
أو بعض أصول الإسلام كالصلاة مثلا. أو اكتفينا في القصد بالتقليد فالحق
ما قاله الشيخ، فإن جاحد النبوة قد يعرف الله تعالى، وكذا الجاهل بالله تعالى
إذا قلد العارف به صح أن يقصد بالفعل وجهه تعالى، وإن شرط في صحة
العتق (4) صحة إيقاع النية المتقرب بها إلى الله تعالى بحيث يستحق بها الثواب
منعنا ذلك وطالبناه بالدليل.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا أعتق عبد نفسه عن الغير لم يخل إما أن
يكون في حياته بإذن المعتق فيقع (5) عن الآذن والولاء له أيضا سواء (6) كان

(1) المبسوط: ج 6 ص 70.
(2) الخلاف: ج 6 ص 371 المسألة 12.
(3) السرائر: ج 3 ص 20.
(4) في الطبعة في الحجرية: العقد.
(5) في المصدر: لم يخل عن أمرين: أما أن يكون في حال حياته بعد وفاته بإذن الغير وقع العتق.
(6) ليس في المصدر.
42

بعوض أولا (1)، وإن كان بغير إذنه فالعتق عن المباشر دون المعتق عنه، وقال
بعضهم: عن المعتق عنه، وهو قوي. والأول أقوى، لقوله - عليه السلام -:
(الولاء لمن أعتق) وإن كان بعد وفاته فإن كان بإذنه وقع عن الآذن، وإن
كان بغير إذنه فإن كان تطوعا وقع عن المعتق، وإن كان عن كفارة فعندنا
تكون سائبة لا ولاء لأحد عليه، وعندهم يقع عن المعتق عنه (2).
وقال في الخلاف: إذا أعتق عن غيره عبدا بإذنه وقع العتق عن الإذن
دون المعتق سواء كان بعوض أو لا، وإن كان بغير إذنه وقع عن المعتق دون
المعتق عنه. واستدل على الأول: بأن الآذن في الحقيقة هو المعتق، لأنه لو لم
يأمره بذلك لم يعتقه، فهو كما لو أمره ببيع شئ منه من نفسه أو بشرائه له.
وعلى الثاني: بقوله - عليه السلام -: (الولاء لمن أعتق) وهو الذي باشر
العتق (3).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن العتق لا يقع إلا عن
المالك للعبد دون الآذن الذي ليس بمالك، لأنه لا خلاف في قوله - عليه
السلام -: (لا عتق قبل ملك ولا طلاق قبل نكاح) والآذن لم يملك العبد،
وإنما هو على ملك المباشر للعتق إلى حين إعتاقه، وإنما هذا الذي ذكره شيخنا
- رحمه الله - قول المخالفين دون أن يكون ورد في أخبارنا أو أجمع أصحابنا عليه،
لأنه لو أجمع عليه أصحابنا أو وردت عليه أخبارنا لما قال في استدلاله: إن الآذن
في الحقيقة هو المعتق، ولكان يقول: دليلنا إجماع الفرقة (4).
وما اختاره الشيخ هو المعتمد.
لنا: أنه أوجد سبب التحرير فيقع، ولم يقع عن المباشر، لأنه إنما أعتق عن

(1) في المصدر: أو بغير عوض.
(2) المبسوط: ج 6 ص 71.
(3) الخلاف: ج 6 ص 373 و 374 المسألة 16 - 17.
(4) السرائر: ج 3 ص 21.
43

الإذن إما تقربا إلى الله تعالى أو تحصيلا للثمن، ولولا هذا ما أعتق ولا تقرب
إلى الله تعالى بالعتق فلا يقع عنه بل عن الآذن، لانحصار القول فيهما.
ولأنه لم يقصد العتق عن نفسه ولا نواه، وإنما نوى العتق عن الآمر فيقع
عنه، لقوله - عليه السلام -: (الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى) (1).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي، عن الباقر - عليه
السلام - قال: سألته عن رجل كان عليه عتق رقبة فمات من قبل أن يعتق
فانطلق ابنه فابتاع رجلا من كسبه فأعتقه عن أبيه وأن المعتق أصاب بعد ذلك
مالا ثم مات وتركه لمن يكون ميراثه؟ قال: فقال: إن كانت الرقبة التي كانت
على أبيه في ظهار أو نسك (2) أو واجبة عليه فإن المعتق سائبة لا سبيل لأحد
عليه. قال: وإن كان قد توالى قبل أن يموت إلى أحد من المسلمين يضمن
جنايته وحدثه كان مولاه ووارثه إن لم يكن له قريب يرثه. قال: وإن لم يكن
توالى إلى أحد حتى مات فإن ميراثه لإمام المسلمين إن لم يكن له قريب يرثه من
المسلمين. قال: وإن كانت الرقبة التي على أبيه تطوعا وقد كان أبوه أمره أن
يعتق عنه نسمة فإن ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال. قال:
ويكون الذي اشتراه فأعتقه بأمر أبيه كواحد من الورثة إذا لم يكن للمعتق قرابة
من المسلمين أحرار يرثونه. قال: وإن كان ابنه الذي اشترى الرقبة فأعتقها عن
أبيه من ماله بعد موت أبيه تطوعا منه من غير أن يكون أمره أبوه بذلك فإن ولاءه
وميراثه للذي اشتراه من ماله، وأعتقه عن أبيه إذا لم يكن للمعتق وارث من
قرابة (3).

(1) سنن البيهقي: ج 6 ص 331.
(2) في المصدر: شكر.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 254 - 255 ح 925، وسائل الشيعة: ب 40 إن المعتق إذا مات... ح 2
ج 16 ص 45.
44

فجعله - عليه السلام - ولاؤه لجميع أولاد الآمر دليل على انتقاله إليه بالأمر
والإعتاق.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: يستحب ألا يعتق الإنسان إلا من أغنى نفسه
ويقدر على اكتساب ما يحتاج إليه، ومن أعتق صبيا أو من يعجز عن النهوض
بما يحتاج إليه فالأفضل له أن يجعل له شيئا يعينه به على معيشته، وليس ذلك
بفرض (1). وبه قال ابن البراج (2)، وابن إدريس (3)، وهو المشهور بين
علمائنا.
وقال ابن الجنيد: ومن أعتق طفلا ومن لا قدرة له على التكسب كان
عليه أن يعوله حتى يكبر ويستغني.
وقال الصدوق: ومن أعتق مملوكا لا حيلة له فإن عليه أن يعوله حتى
يستغني (4).
والمعتمد الأول، لأصالة البراءة.
مسألة: قال ابن الجنيد: لو كان العتق في المرض ثم تغيرت حالهم بزيادة
أو نقصان كان التقويم يوم يقع العتق في الحكم، وإن كن مدبرات أو بوصية
كان يوم يموت، لأنه في ذلك وقع العتق، ولو كن حبالى قومن حبالى، وأيتهن
عتقت تبعها ولدها، لأنه جزء منها وقت وقوع العتق.
والوجه التسوية بين العتق المنجز والمؤخر كالتدبير والوصية، في أن الاعتبار
بالقيمة إنما هو وقت الوفاة إن نقصت قيمة المنجز، لأنه لو بقي عبدا لم يتحفظ
على الورثة سوى قيمة الناقصة فلم يتلف عليهم أكثر منها، وأما إن زادت القيمة
كانت بمنزلة التكسب للعلم بعتق شئ منه وقت الإعتاق، فإذا زادت قيمة

(1) النهاية ونكتها ج 3 ص 7 - 8.
(2) المهذب: ج 2 ص 358.
(3) السرائر: ج 3 ص 9.
(4) المقنع: ص 160.
45

المعتق لم تحتسب من التركة ولا عليه، وأما الرق فيحسب زيادته منها، فإن
خلف ضعف قيمته الأولى (1) من غيره عتق كله، وإن خلف أقل أو لم يخلف
شيئا دخلها الدور. فلو كانت قيمته مائة وقته العتق ثم مات ولا شئ له سواه
بعد أن بلغت قيمته ثلاثمائة فنقول: عتق منه شئ وله من زيادة القيمة
شيئان وللورثة شيئان منه ضعف ما عتق، فيصير العبد في تقدير خمسة أشياء:
ثلاثة له واثنان للورثة فيعتق منه مائة وثمانون وللورثة مائة وعشرون. ولو
صارت قيمته مائتين وخلف السيد ماءة غيره فنقول: عتق منه شئ وله من
نفسه باعتبار زيادة القيمة شئ آخر وللمولى منه ومن المائة شيئان بإزاء ما
انعتق، فالمجموع في تقدير أربعة أشياء: شيئان للعبد من نفسه وشيئان للورثة،
فالشئ خمسة وسبعون، فيعتق منه ثلاثة أرباعه وتسلم المائة والربع الآخر
للورثة. ولو بلغت قيمته ثلاثمائة وخلف مائة عتق منه شئ وتبعه من نفسه
باعتبار زيادة القيمة شيئان وللورثة من نفسه وباقي التركة شيئان بإزاء ما
انعتق، فالمجموع في تقدير خمسة أشياء: ثلاثة له من نفسه وهي أربعة أخماس
نفسه وللورثة اثنان من نفسه وباقي التركة، فيعتق منه أربعة أخماسه وهي
مائتان وأربعون، ويسترق الورثة خمسه ستون ولهم مائة، فيكمل لهم مائة وستون
ضعف ما انعتق منه. ولو أعتق وقيمته مائة ثم مات وهي ألف عتق منه شئ
وتبعه تسعة أشياء وللورثة شيئان بإزاء ما عتق، فالعبد في تقدير اثني عشر شيئا:
للورثة سدسه فيعتق خمسة أسداسه. وعلى هذا المنهاج ولو زادت قيمته قبل الموت
ثم نقصت بعده فإن كان بعد حصوله في يد الورثة فكما لو لم ينقص، وإن كان
قبله فكما لو لم يزد.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولو مات المعتق بعضه قبل أن يستتم عتقه بعتق

(1) في الطبعة الحجرية: قيمة الأولى، م 3: قيمة الأول.
46

الشريك أو السعاية أو ضمان العتق وكان له مال أدى ما بقي عليه من السعاية
وكان باقي ماله لورثته، وإن لم يكن له ورثة أحرار ورث المعتق بحق الولاء بقدر
حصته التي أعتقها إن لم يكن عتقه سائبة وورث الشريك بقدر حصته التي
بقيت رقا فيه، ولو كان مقدار ذلك من ميراثه أكثر من مقدار حقه من قيمته
فحكم الحاكم للذي لم يعتق حقه بقدر قيمة حقه ورد الباقي على المعتق بحق
الولاء كان وجها.
والوجه على تقدير القول بعتقه بالأداء إذا مات العبد قبله وله مال كان
نصيب الحرية لورثة العبد إن كان له ورثة، وإلا فلمعتقه المتبرع به. وأما
نصيب الرقية (1) فإنه للشريك حيث مات على ملكه (2)، ولا يؤدي شئ من
المال لإعتاقه كله.
والوجه الذي قدره على تقدير حكم الحاكم فليس بجيد، وهذا إنما يتأتى لو
قلنا: إنه ينعتق بالإعتاق وإن العبد يضمن.
وكلام ابن الجنيد بعد ذلك يقتضيه حيث قال: ولو مات السيد عند عتقه
حقه من العبد لم يك للشريك غير استسعاء العبد، ولو أراد إلزام الورثة قيمة
حقه لم يكن له، لأن الجناية على حقه لم يكن من جهتهم إن لم يكن للمعتق
مال، فإن كان له مال يحيط ثلثه بقدر ما بقي من حق الشريك في العبد
فشاء (3) الشريك أن يأخذ قيمة حقه من ثلث الميت كان ذلك له.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولو شهد بعض الورثة على الميت بعتقه عبدا له أو
أمة وكان الشاهد مرضيا لم يضمن حصة شركائه وجازت شهادته واستسعي
العبد فيما بقي للورثة إن لم يصدقوا الشاهد، فإن شهد معه عدل بذلك على الميت
عتق من الثلث وكان ولاؤه له، وإن لم يكن الشاهد مرضيا لم يلزم الشركاء

(1) م 3: الرقبة.
(2) م 3: ملكيته.
(3) م 3: فجاء.
47

استسعاء العبد في حقوقهم وبقي على أصل العبدوية ومنعنا الشاهد من تملك
العبد والشيخ - رحمه الله - قال في النهاية: إذا (1) شهد بعض الورثة أنه أعتقه فإن
كان مرضيا جائز الشهادة وكان اثنين أعتق (2) المملوك، وإن لم يكن مرضيا
مضى العتق في حصته واستسعي العبد في الباقي (3).
والوجه أن نقول: إنه يمضى الإقرار في حق المقر، سواء كان مرضيا أو لا،
ولا يجب السعاية. وبالجملة فلا فرق بين المرضي وغيره.
والرواية التي وردت هنا رواها محمد بن مسلم في الصحيح، عن أحدهما
- عليهما السلام - قال: سألته (4) عن رجل ترك مملوكا بين نفر (5) فشهد أحد هم
أن الميت أعتقه، قال: إن كان الشاهد مرضيا لم يضمن وجازت شهادته
واستسعي (6) العبد فيما كان للورثة (7). وبهذه الرواية أفتى الصدوق في
المقنع (8).
ويمكن أن يقال: أن عدالته تنفي التهمة في تطرق (9) الكذب عليه،
فيمضى الإقرار في حقه خاصة. وأما في حق الشركاء فيستسعى العبد، كمن
أعتق حصة من عبد ولم يقصد الإضرار مع إعساره. وأما إذا لم يكن الشاهد
مرضيا فإنه لا يلتفت إلى قوله، إلا في حقه خاصة، فلا يستسعى العبد، بل
يبقي حصص الشركاء فيه على العبودية ويحكم في حصته بالحرية. وهذا عندي

(1) في المصدر: وإذا خلف الرجل مملوكا وشهد.
(2) في المصدر: عتق.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 20.
(4) في التهذيب: سألت أبا جعفر (ع).
(5) في التهذيب: جماعة.
(6) في التهذيب: ويستسعى.
(7) تذهيب الأحكام: ج 8 ص 246 ص 888، وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب أحكام الوصايا ح 2 ج 13
ص 401.
(8) المقنع: ص 156.
(9) في المصدر: من تطرق.
48

محمول على الاستحباب، عملا بالرواية.
مسألة: من كان له وارث مملوك أشتري من تركة الميت وأعتق وأعطي بقية
المال، فإن لم تكن التركة وافية بقيمته كملا لم يجب شراؤه عند الشيخ (1)
وجماعة من علمائنا.
وقال ابن أبي عقيل: يشتري بحساب ذلك، وصاحبه فيه بالخيار إن شاء
استسعاه فيما بقي من قيمته، وإن شاء يخدمه بحساب ما بقي منه. وسيأتي البحث
في ذلك في باب المواريث إن شاء الله تعالى.
مسألة: قال الصدوق في المقنع: فإن قال رجل لغلامه: أعتقتك على أن
أزوجك جاريتي فإن نكحت عليها أو تسريت (2) فعليك مائة دينار فأعتقه على
ذلك فنكح أو تسرى فعليه ذلك الشرط (3) (4).
وعليه دلت الرواية الصحيحة عن محمد بن مسلم، عن أحدهما - عليهما
السلام - في الرجل يقول لعبده: أعتقتك على أن أزوجك ابنتي فإن تزوجت
عليها أو تسريت [عليها] فعليك مائة دينار فأعتقه على ذلك فيتسرى أو يتزوج،
قال: عليه مائة دينار (5).
والرواية وإن كانت صحيحة لكن في العمل بها نظر.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: العتق لا يقع إلا بقوله: أنت حر مع القصد
إلى ذلك والنية، ولا يقع بشئ من الكنايات مثل: أنت سائبة ولا سبيل لي

(1) المبسوط: ج 4 ص 79.
(2) في المصدر: اشتريت جارية.
(3) في المصدر: وأعتقه على هذا فنكح أو اشترى فعليه الشرط.
(4) المقنع: ص 156.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 222 ح 796، وسائل الشيعة: ب 12 حكم من أعتق عبده على أن
يزوجه ابنته... ح 3 ج 16 ص 15.
49

عليك (1).
وقال أبو الصلاح: العتق يفتقر إلى لفظ مخصوص وقصد، ثم قال: فاللفظ
به قوله: أنت حر لوجه الله تعالى (2). وهو يعطي الحصر في هذه اللفظة. مع أنه
قال: يجوز أن يجعل عتقها صداقها، وصفته أن يقول سيدها: قد أعتقتك
وتزوجتك وجعلت عتقك صداقك (3).
وقال ابن البراج: صحة العتق يفتقر إلى شروط وهي: أن يكون المعتق
كامل العقل ويتلفظ فيه بالحرية فيقول: أنت حر، فإن لم يتلفظ باللفظ الذي
قدمناه لم يقع عتقه، وكان عتقه باطلا (4).
والوجه أنه ينعتق بلفظ التحرير والإعتاق أيضا، لأنه حقيقة فيه، وهو
اللفظ الموضوع للعتق.
مسألة: لو اختلف المعتق والشريك في قيمة العبد قال ابن الجنيد: كان
على المدعي زيادة البينة، فإن لم تكن له كان القول قول المعتق مع يمينه وقال
الشيخ في المبسوط: إن كان العبد حاضرا عقيب العتق فلا نزاع، لأن قيمته
تعرف في الحال، وإن غاب أو مات أو مضت مدة بين العتق والاختلاف
يتغير قيمته فيها، فقال قوم: القول قول المعتق، وقال آخرون: القول قول
الشريك، فمن قال: يعتق باللفظ قال: القول المعتق لأنه غارم، ومن
قال: بشرطين أو مراعى (5) قال: القول قول الشريك، لأن ملك ينتزع عنه
بعوض، كالشفعة إذا اختلفا في قدر الثمن كان القول قول المشتري، لأن الشفيع

(1) الخلاف: ج 6 ص 372 المسألة 14.
(2) الكافي في الفقه: ص 317، مع اختلاف.
(3) الكافي في الفقه: ص 317، مع اختلاف.
(4) المهذب: ج 2 ص 357، مع اختلاف.
(5) في المصدر: أو قال مراعى.
50

ينتزع الملك منه بعوض (1).
ويلزم من هذا أن يكون مذهب الشيخ تقديم قول الشريك مع يمينه، لأنه
يذهب إلى أن العتق مراعى.
مسألة: قال الشيخ المبسوط: إذا أوصى بعتق عبد يخرج من الثلث ثم
مات كان على الوارث أن يعتقه، فإن فعل (2) وإلا أعتقه السلطان، لأنه حق
لله تعالى تعلق بماله، فإذا أعتقه السلطان أو الوارث كان حرا حين (3) الإعتاق
لا حين الوفاة، فإن كان له كسب فكل ما اكتسبه (4) قبل وفاة الموصي فهو
للموصي في حياته ولورثته بعد وفاته، وكل ما اكتسبه بعد الوفاة وبعد العتق
فهو له، لأنه حر اكتسب مالا، وكل ما اكتسبه بعد الوفاة وقبل العتق فهو له
أيضا، لأنه مال اكتسبه بعد استقرار سبب العتق بالوفاة وكان أحق به، فإذا
ثبت أنه يرجع إليه فإنما يملكه بعد العتق، لأنه قبله رقيق لا يملك، وإنما كان
أحق به (5).
وليس بجيد، لأن سبب العتق إن كان تاما جامعا لشرائطه وجب أن
يثبت معلوله، وهو لم يقل به، حيث حكم برقه، وأنه إنما يتحرر بالإعتاق. وإن
لم يكن تاما لم يثبت معلوله ولا أحكام معلوله، فكان الكسب لمالك الرقبة،
لوجود السبب التام فيه وهو الملك. وهذا بخلاف المكاتب، لأنه عاوض على
منافعه كما عاوض على نفسه، فكان كسبه تابعا له.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: قيمة من أعتقه في مرضه يعتبر حين

(1) المبسوط: ج 6 ص 62 - 63.
(2) في المصدر: أن يعتقه كما لو أوصى بتفرقة ثلثه فإن فعل الوارث ذلك.
(3) في المصدر: من حين.
(4) في المصدر: ما كسبه.
(5) المبسوط: ج 6 ص 62 - 63.
51

الإعتاق، لأنه وقت إتلافه، وقيمة من أوصى بعتقه يعتبر حين الوفاة، لأنه
وقت استحقاق العتق (1). وهذا يوافق قول ابن الجنيد الذي نقلناه أولا، وبينا
الوجه في ذلك.
والأصل في هذه المسألة أن نقول: إن العبد إذا أعتقه مولاه المريض ولا
شئ له سواه ثم مات قبله هل يكون حرا كله أو رقا كله أو يعتق ثلثه؟ يحتمل
الأوجه الثلاثة، فإن قلنا: إنه يتحرر كله فالوجه ما قدمناه أولا حين نقلنا
كلام ابن الجنيد في هذه المسألة، وإن قلناه بالثاني جاء ما قاله الشيخ وابن
الجنيد.
وطريق استخراج معرفة القدر المعتق منه على قولهما: أن نفرض قيمته مائة
- مثلا - حال الإعتاق ثم رجع إلى خمسين فنقول: عتق منه شئ ورجع إلى
نصف شئ فبقي خمسون ناقصة نصف شئ يعدل ضعف ما عتق وذلك
شيئان، فإذا جبرت وقابلت صارت خمسين كاملة يعدل شيئين ونصفا،
فالشئ عشرون. ولما حكمنا برجوع الشئ إلى نصف شئ تبينا (2) أن
المعتق منه خمسه، لأن نصف شئ هو خمس شيئين ونصف، وكان قيمة
النصف وهو خمس العبد عشرين يوم الإعتاق وعاد إلى عشرة (3) وبقي للورثة
أربعة أخماسه، وقيمته يوم الموت أربعون وهو ضعف ما عتق، فإن خلف الميت
مائة أخرى فعلى ما اخترناه ينعتق بأجمعه، لأنه الآن ثلث التركة. وعلى قولهما
نقول: عتق منه شئ ورجع إلى نصف شئ بقي منه خمسون إلا نصف شئ
ويكون للورثة المائة وخمسون إلا نصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة
يكون مائة وخمسين يعدل شيئين ونصفا، فالشئ ستون فيعتق منه ثلاثة أخماسه
هي الآن ثلاثون وللورثة مائة وعشرون ضعف ما عتق منه أولا، ولو أعتق

(1) المبسوط: ج 6 ص 64.
(2) في الطبعة الحجرية و م 3: بينا.
(3) ق 2: العشرة.
52

ثلاثة أعبد قيمة كل واحد مائة فعادت قيمة أحد هم إلى خمسين فإن خرجت
القرعة للذي انتقص قيمته عتق ويعتق ثلث الآخر بالقرعة أيضا عندنا. وعلى
ما اختاراه - رحمهما الله - لا يعتق من الآخرين شئ، لأنه قد كانت قيمته يوم
الإعتاق مائة وينبغي أن يبقى للورثة ضعفها، وإن خرجت لأحد الآخرين فعلى
قولنا وقولهما ينعتق منه خمسة أسداسه وقيمتها ثلاثة وثمانون وثلث ويبقى للورثة
سدسه والآخران، وجملة قيمتهما مائة وستة وستون وثلثان وهي ضعف ما عتق،
لأن المحسوب على الورثة الباقي بعد النقصان وهو مائتان وخمسون، ولو أعتق
عبدين لا مال له سوا هما قيمة كل واحد مائة ثم عادت قيمة أحدهما إلى خمسين
فإن خرجت القرعة للذي لم ينتقص قيمته عتق نصفه وبقي للورثة نصفه والآخر
وهما ضعف ما عتق عندنا وعند هما، وإن خرجت للذي انتقص عتق كله على
ما اخترناه وعلى قولهما يقع الدور، لأنا نحتاج إلى إعتاق بعضه معتبرا بيوم
الإعتاق وإلى إبقاء بعضه للورثة معتبرا بيوم الموت.
وطريقه أن نقول: عتق منه شئ وعاد إلى نصفه فبقي للورثة مائة وخمسون
إلا نصف شئ يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فإذا جبرت وقابلت صار
مائة وخمسون يعدل شيئين ونصفا، فالشئ خمساه ستون، فعرف أن المعتق من
العبد يوم الإعتاق ستون وعاد هذا المبلغ إلى ثلاثين يبقى للورثة خمسا هذا العبد
وهو عشرون، والعبد الآخر وهو مائة وذلك ضعف ما عتق أولا. وإنما طولنا في
مثل هذه المسائل في هذا الكتاب وكثرنا الأمثلة لخلو كتب علمائنا عنها،
وبكثرة الشواهد يحصل التميز فيما يرد على الفقيه من هذا الباب.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا أوصي بعتق مملوك وبشئ لقرابته ولم
يبلغ الثلث ذلك بدئ بعتق المملوك، وما فضل بعد ذلك كان لمن أوصى له به (1).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 160.
53

وقال في المبسوط: وإن كانت العطايا مؤخرة فإن لم يكن فيها عتق قالوا
- يعني المخالفين -: الكل بالسوية، وإن كان فيها عتق قال بعضهم: قدم العتق
على غيره، وهكذا رواه أصحابنا (1).
وقال في باب الوصية بالكتابة: لو أوصى بوصايا في جملتها عتق، فهل
يسوى بين الكل أو يقدم العتق فعندنا العتق يقدم، وقال بعضهم: يسوى، فأما
إذا أوصى بالكتابة وغيرها فعندنا أنها يقدم، وقال بعضهم: يسوى، لأن
الكتابة معاوضة فجرت مجرى المعاوضات (2).
والوجه عندي تقديم الأول فالأول، وقد تقدم البحث في ذلك في الوصايا.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا ملك بعض من ينعتق عليه باختياره
كالهبة والوصية قوم عليه، ثم قال: ولو أوصى للصبي أو المجنون ببعض من
ينعتق عليه يبنى على قولين هل يقوم عليه نصيب شريكه أم لا؟ فإن قلنا: يقوم
لم يقبله، وإن قلنا: يقوم فعليه قبوله، لأنه لا ضرر عليه، وهو أقوى عندي (3).
وبين الكلامين منافاة.

(1) المبسوط: ج 6 ص 67.
(2) المبسوط: ج 6 ص 152.
(3) المبسوط: ج 6 ص 68 - 69.
54

الفصل الثاني
في الولاء
مسألة: لو مات المعتق قال الشيخ في النهاية: لا يخلو إما أن يكون المعتق
رجلا أو امرأة، فإن كان رجلا ورث ولاء مواليه أولاده الذكور منهم دون
الإناث، فإن لم يكن له ولد ذكور وكان له بنات كان ولاء مواليه لعصبته
دون غيرهم، لأنهم الذين يضمنون جريرته، وإن كان امرأة ولها موال ولها ولد
ذكور وإناث ولها عصبة فإذا ماتت كان ولاء مواليها لعصبتها دون أولادها (1).
وقال في المبسوط: الولاء لحمة كلحمة النسب يثبت به الميراث، إلا أنه لا
يرث المولى مع وجود واحد من ذوي الأنساب، سواء كان ذا فرض أو لا،
وسواء كان قريبا أو بعيدا، من أب كان أو من أم (2). وعلى كل حال وإذا لم
يكن له أحد كان ميراثه لمولاه الذي أعتقه أو من يتقرب من جهته من الولد
والوالدين أو إخوته من قبل أبيه وأمه أو من قبل أبيه، وفي أصحابنا من قال:
والأخوات من جهتهما أو من يتقرب بأبيه من الجد والعمومة وأولادهم، ولا
يرث أحد ممن يتقرب من جهة أمه من الإخوة والأخوات ومن يتقرب بهما ولا

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 27، وفيه: (وكانت له بنات) (وإن كان المعتق امرأة ولها أموال).
(2) في المصدر: ذا فرض أو لم يكن، وسواء كان قريبا أو بعيدا، من قبل أب كان أو من قبل أم.
55

الجد ولا الجدة من قبلهما ولا من يتقرب بهما، فإن لم يكن أحد ممن ذكرناه
كان ميراثه للإمام، والمرأة إذا أعتقت فالولاء لها وترث بالولاء بلا خلاف،
ولا ترث المرأة بالولاء إلا في موضعين: أحدهما: إذا باشرت العتق فيكون مولى
لها أو يكون مولى لمولى لها، وإذا خلف المولى إخوة وأخوات من الأب والأم أو
من الأب أو أخا وأختا كان ميراث مولاه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين،
وقال المخالف (1): للذكور دون الإناث، وفي أصحابنا من قال بذلك (2).
وقال في الخلاف: الولاء يجري مجرى النسب ويرثه من يرث من ذوي
الأنساب على حد واحد إلا الإخوة والأخوات من الأم أو من يتقرب بها من
الجد والجدة والخال والخالة وأولاد هما، وفي أصحابنا من قال: إنه لا ترث
النساء من الولاء شيئا، وإنما يرثه الذكور من الأولاد والعصبة، وإذا كان المعتق
امرأة فولاء مواليها (3) لعصبتها دون ولدها، سواء كانوا ذكورا أو إناثا. واستدل
بإجماع الفرقة وأخبار هم (4).
وقال شيخنا المفيد: وإن مات المعتق قبل المعتق ثم مات المعتق بعده ولم
يترك ولدا ولا ذا قرابة كان ميراثه وولاؤه (5) لولد مولاه الذي أعتقه إن كانوا
ذكورا، فإن لم يكن له ولد ذكور كان لعصبة مولاه دون الإناث من الولد، وإذا
أعتقت المرأة العبد ثم مات وخلف مالا ولم يترك ولدا ولا ذا قرابة فما له
لسيدته التي أعتقته، فإن ماتت قبله وخلفت ولدا ذكرا كان ميراثه له، فإن لم
يكن لها ولد ذكر فميراثه لعصبة سيدته على ما بيناه (6).
وقال ابن الجنيد: والنساء لا يرثن من الولاء شيئا.
وقال ابن أبي عقيل: ومن أعتق غلاما له فولاؤه ما دام حيا له، فإذا مات

(1) في المصدر: المخالفون.
(2) المبسوط: ج 4 ص 93 و 95.
(3) في المصدر: مولاها.
(4) الخلاف: ج 4 ص 79 و 81 المسألة 84 و 86.
(5) ليس في المصدر.
(6) المقنعة: ص 694.
56

مولاه فلعاقلته الذين يكون عليهم الدية إذا جنى جناية بخطأ، فإن مات المعتق
وترك وارثا من أولي أرحامه فلا ميراث للمولى معه، لقوله تعالى: (وأولو
الأرحام بعضهم أولى ببعض) واختلف الشيعة في العاقلة، فقال الأكثرون:
العاقلة هم ورثة الرجل يقسم عليهم الدية ويكون لهم الولاء. وروى عن أمير
المؤمنين والأئمة من ولده - عليهم السلام - قالوا: تقسم الدية على من أحرز
الميراث، ومن أحرز الميراث أحرز الولاء. وهذا مشهور متعالم. وقال الباقون:
العاقلة هم العصبة دون الورثة. ورووا عن الأئمة - عليهم السلام - أن أمير
المؤمنين قضى في امرأة العاقلة عتقت رجلا واشترطت ولاءه فاختصم في ولائه
من بعدها أولادها وعصبتها فحكم بالولاء لعصبتها دون أولادها. قال: والقول
الأول عندي أشبه بقولهم وأولى، لأن الثاني يجوز أن يكون قالوه تقية، لإجماع
العامة على ذلك، ولما قد سبق من الأقاويل فيه من الأحكام المشهورة. ولم
يختلف الشيعة في أن العقل على من له الولاء. وقد زعم بعض العامة أن الولاء
لذكور (1) الورثة والعقل على العصبة، واحتجوا بأن عليا - عليه السلام - والزبير
اختصما إلى عمر في معتق صفية (2) - وهي أم الزبير وعمة علي عليه السلام
- فحكم عمر بالميراث للزبير والعقل على علي - عليه السلام - وهذا من الأحكام
التي أنكرها عليه أمير المؤمنين - عليه السلام - لأنه إن كان الولاء للزبير فيجب
أن يكون عليه العقل، وإن كان العقل على علي - عليه السلام - فيجب أن يكون
الولاء له، إذ قد حكم الله عز وجل والرسول - عليه السلام - بالولاء لمن عليه
العقل.
وقال الصدوق: فإن ترك بني وبنات مولاه المنعم أو المنعم عليه ولم يترك

(1) في الطبعة الحجرية: الولاء كله لذكور.
(2) م 3 وفي الطبعة الحجرية: معتق وهي صفية.
57

وارثا غير هم فالمال لبني وبنات مولاه، للذكر مثل حظ الأنثيين، لأن الولاء
لحمة كلحمة النسب (1).
وقال أبو الصلاح: ورابع المستحقين - يعني: الإرث - مولى النعمة، وفرضهم
يختص بوليها وعصبته من بعده بشرط فقد ذوي الأنساب، فإن كان معه زوج
أو زوجة فللزوج النصف بالتسمية والباقي رد عليه دون مولى النعمة، وللزوجة
الربع والباقي لمولى النعمة أو لعصبته، وأولاد هم الولد ثم الإخوة ثم الأعمام ثم
بنو العم الذكور منهم دون الإناث (2). وابن البراج (3) تبع كلام الشيخ في
النهاية.
وقال ابن حمزة: والولاء للمعتق ما دام حيا، رجلا كان أو امرأة، فإذا
مات وكان رجلا كان ذلك لولده الذكور دون الإناث، والأب يقاسمه على
رواية، وولد الولد يقوم مقام أبيه في مقاسمته، والأم لا ترث الولاء على
الصحيح، والأخ من الأب والأم أو الأب وحده يرث دون الأخ من الأم على
ترتيب سائر المواريث، وإن كان المعتق امرأة وماتت كان ولاء عتيقها لعصبتها
دون ولدها (4).
وقال ابن إدريس: إذا كان المباشر للعتق رجلا فولاء مولاه له، فإن مات
المنعم فولاء مولاه يجري مجرى النسب ويرثه من يرث من ذوي الأنساب على
حد واحد، إلا الإخوة والأخوات من الأم أو من يتقرب بها من الجد والجدة
والخال والخالة وأولاد هما. وفي أصحابنا من قال: إنه لا ترث النساء من الولاء
شيئا، وإنما يرثه الذكور من الأولاد والعصبة. وهذا مذهب شيخنا في نهايته
وإيجازه، والأول مذهبه في استبصاره فإنه قال: إن البنت ترث من ميراث المولى

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 306.
(2) الكافي في الفقه: ص 374.
(3) المهذب: ج 2 ص 364.
(4) الوسيلة ص 344.
58

كما يرث الابن. قال: وهو الأظهر من مذهب أصحابنا، وهو مذهبه في مسائل
خلافه، واستدل عليه بإجماع الفرقة وبقوله - عليه السلام -: (الولاء لحمة
كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب) قال: وهذا الذي يقوى في نفسي وبه أفتي،
لأن هذا الخبر مجمع عليه متلقى بالقبول عند الخاصة والعامة، فلا معدل عنه ولا
إجماع منعقد لأصحابنا على المسألة فيخصص العموم به، وإن كان المعتق (1)
امرأة فإنها ترث ولاء مواليها ما دامت حية، فإذا ماتت ورث ولاء مواليها
عصبتها من الرجال دون أولادها، سواء كان الأولاد ذكورا أو إناثا، لأن إجماع
أصحابنا منعقد على ذلك، فهو المخصص، لعموم الخبر المقدم ذكره. إلا ما
ذهب إليه شيخنا المفيد في مقنعته، فإنه قال: يرث الولاء أولادها الذكور دون
الإناث. وابن أبي عقيل ذهب إلى أن الولاء يرثه أولاد المرأة، سواء كانوا
ذكورا أو إناثا، وهو يجري مجرى النسب على حد واحد، إلا الإخوة والأخوات
من الأم ومن يتقرب بها، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه. وهذا
قوي يجب أن يعتمد عليه، للخبر المقدم ذكره. وما قلناه من تخصيصه بالإجماع
فراجعنا النظر في أقوال أصحابنا وتصانيفهم فرأيناها مختلفة غير متفقة، فالأولى
التمسك بالعموم إلى أن يقوم دليل الخصوص (2).
والمعتمد ما قاله الشيخ في النهاية.
لنا: ما رواه الشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي، عن الصادق
- عليه السلام - قال: سألته عن رجل كان عليه عتق رقبة فمات قبل أن يعتق
فانطلق ابنه فابتاع رجلا من كسبه (3) فأعتقه عن أبيه وإن المعتق أصاب بعد
ذلك مالا ثم مات وتركه لمن يكون تركته؟ فقال: إن كانت الرقبة التي كانت
على أبيه في ظهار أو واجبة عليه فإن المعتق سائبة لا سبيل لأحد عليه، وإن

(1) في المصدر: وإن كان المنعم بالعتق.
(2) السرائر: ج 3 ص 23 - 24 - 25.
(3) في الوسائل: كيسه.
59

كان توالى قبل أن يموت إلى أحد من المسلمين يضمن جنايته وحدثه فكان
مولاه ووارثه إن لم يكن له قريب يرثه، فإن لم يكن توالى إلى أحد حتى مات كان
ميراثه لإمام المسلمين إن لم يكن له قريب يرثه من المسلمين، وإن كانت الرقبة
التي على أبيه تطوعا وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإن ولاء المعتق هو
ميراث لجميع ولد الميت من الرجال. قال: ويكون الذي اشتراه فأعتقه بأمر
أبيه كواحد من الورثة إذا لم يكن للمعتق قرابة من المسلمين أحرار يرثونه. قال:
وإن كان ابنه الذي اشترى الرقبة فأعتقها عن أبيه من ماله بعد موت أبيه
تطوعا منه من غير أن يكون أمره أبوه بذلك فإن ولاءه وميراثه للذي اشتراه من
ماله فأعتقه عن أبيه إذا لم يكن للمعتق وارث من قرابته (1).
وفي الصحيح عن محمد بن قيس، عن الباقر - عليه السلام - قال: قضى في
رجل حرر رجلا فاشترط ولاءه فتوفي الذي أعتق وليس له ولد إلا النساء ثم
توفي المولى وترك مالا وله عصبة فاحتق في ميراثه بنات مولاه والعصبة فقضى
بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا أحدث حدثا يكون فيه عقل (2).
أما إذا كان المنعم امرأة فإن ولاءها لعصبتها دون ولدها، لما رواه عاصم بن
حميد في الصحيح، عن محمد بن قيس، عن الباقر - عليه السلام - قال: قضى أمير
المؤمنين - عليه السلام - على امرأة أعتقت رجلا واشترطت ولاءه ولها ابن فألحق
ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه دون ولدها (3).

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 254 - 255 ح 925، وسائل الشيعة: ب 40 إن المعتق إذا مات... ح 2
ج 16 ص 45، وفيهما اختلاف.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 254 ح 923، وسائل الشيعة: ب 40 إن المعتق إذا مات... ح 2 ج 16
ص 45.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 254 ح 921، وسائل الشيعة: ب 39 إن المرأة إذا أعتقت... ح 1 ج 16
ص 14.
60

وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن امرأة أعتقت مملوكا ثم ماتت، قال: يرجع الولاء إلى بني أبيها (1).
وفي الصحيح عن حفص بن سالم أبي ولاد قال: سألت أبا عبد الله - عليه
السلام - عن رجل أعتق جارية صغيرة لم تدرك وكانت أمه قبل أن تموت
سألته أن يعتق عنها رقبة من مالها فأعتقها بعد ما ماتت أمه لمن يكون ولاء
المعتق؟ قال: فقال: يكون ولاؤها لأقرباء أمه من قبل أبيها وتكون نفقتها
عليهم حتى تدرك تستغني، قال: ولا يكون للذي أعتقها عن أمه شئ من
ولائها (2).
قال الشيخ في الاستبصار: فأما ما رواه السكوني، عن جعفر، عن أبيه
- عليهما السلام - قال: قال النبي - صلى الله عليه وآله -: (الولاء لحمة كلحمة
النسب لا يباع ولا يوهب) فلا ينافي الأخبار السابقة، لأنه يحتمل أن يكون
المراد المنع من جواز بيعه كما لا يجوز بين النسب، وقد بينه بقوله: (لا يباع ولا
يوهب) (3).
أو أنه مثل النسب في أنه يرثه الأولاد الذكور دون الإناث للأخبار
السابقة.
وقال في كتاب الميراث روى عبد الرحمن بن الحجاج، عن الصادق - عليه
السلام - قال: مات مولى لحمزة بن عبد المطلب فدفع رسول الله - صلى الله عليه
وآله - ميراثه إلى بنت حمزة. وفي طريقها الحسن بن سماعة، قال الحسن بن

(1) تذهيب الأحكام: ج 8 ص 254 ح 922، وسائل الشيعة: ب 39 أن المرأة إذا... ح 2 ج 16 ص 44.
(2) تذهيب الأحكام: ج 8 ص 254 ح 924، وسائل الشيعة: ب 39 أن المرأة إذا... ح 3 ج 16 ص 44،
مع اختلاف.
(3) استبصار: ج 4 ص 24 ح 78 وذيله مع اختلاف.
61

سماعة: هذه الرواية تدل عن أن المرأة ترث الولاء ليست كما تروي العامة (1).
قال الشيخ - رحمه الله -: هذا الخبر يدل على أن البنت ترث من ميراث المولى
كما يرث الابن، وهو الأظهر من مذهب أصحابنا، وذلك خلاف ما قدمناه في
كتاب العتق: من أن الميراث لأولاد المولى للذكور منهم دون الإناث، فإن لم
يكونوا ذكورا كان للعصبة، لأن في هذا الخبر مع وجود العصبة إعطاء المال
للبنت. والوجه في الأخبار التي ذكرناها هناك أن نحملها على التقية، لأنها
موافقة للعامة، هذا إذا كان المعتق رجلا، فأما إذا كان المعتق امرأة فلا
خلاف بين الطائفة أن الميراث للعصبة دون الأولاد، ذكورا كانوا أو إناثا، وقد
دللنا عليه فيما تقدم (2).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا ملك من يعتق عليه بعوض أو بغير
عوض عتق عليه وكان ولاؤه له، لعموم الخبر (3).
ولما رواه صدق عن سماعة، عن الصادق - عليه السلام - في رجل يملك
ذا رحمه هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟ قال: لا يصلح له بيعه ولا يتخذه
عبدا وهو مولاه وأخوه في الدين، وأيهما مات ورثه صاحبه، إلا أن يكون له
وارث أقرب إليه منه (4). وتبعه ابن حمزة (5).
وقال ابن إدريس: هذا غير واضح ولا مستقيم، لأنا قد بينا أنه لا خلاف
بين أصحابنا في أن الولاء يستحقه المتبرع بالعتق دون غيره، وأيضا قول الرسول

(1) الإستبصار: ج 4 ص 172 - 173 ح 652 مع اختلاف.
(2) الإستبصار: ج 4 ص 172 ذيل الحديث 652.
(3) المبسوط: ج 6 ص 71.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 135 ح 3500، وسائل الشيعة: ب 13 كراهة تملك ذوي الأرحام
... ح 5 ج 16 ص 16.
(5) الوسيلة: ص 343.
62

- صلى الله عليه وآله - المجمع عليه: (أن الولاء لمن أعتق) وهذا ما أعتق بغير
خلاف، لأنه انعتق عليه بغير اختياره، فإن أراد شيخنا بقوله: (لعموم الخبر)
هذا الخبر الذي ذكرناه فهو بالضد من مراده واستشهاده (1).
وقول ابن إدريس لا بأس به، وهو المعتمد، وهو قول ابن الجنيد، فإنه جعل
من أقسام السائبة الذي لا ولاء للمعتق عليه، كل ذي رحم عتق على قريبه
فيحكم الله أنه أعتق، وهو نظير العتق في الواجب لا ولاء لقريبه عليه.
مسألة: قال الشيخ وفي المبسوط: المدبر يثبت عليه الولاء بلا خلاف،
وكذلك أم الولد (2). وتبعه ابن حمزة (3).
وقال ابن إدريس: قوله: (في المدبر) صحيح لا خلاف عندنا فيه، وأما
أم الولد فلا ولاء عليها لأحد من جهة مولاها، لما قدمناه من الأدلة وبيناه (4).
والذي قاله ابن إدريس هو المعتمد، لأنها تعتق من نصيب ولدها عندنا.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: قد ذكرنا في النسب أن من يتفرع منه
العصبة نفسان أب وابن كذلك ها هنا في الولاء الذي يتفرع منه العصبة أب
المولى وابن المولى، فابن المولى والأب يرثان معا من الولاء، لأنهما في درجة
واحدة، وعند المخالفين أن الابن أولى (5).
وقال ابن الجنيد: وابن المعتق إذا كان رجلا أحق بولاء من أعتقه أبوه من
أبي المعتق وولده.
وقال ابن حمزة: والولاء للمعتق ما دام حيا، رجلا كان أو امرأة، فإذا

(1) السرائر: ج 3 ص 25.
(2) المبسوط: ج 6 ص 71 و
(3) الوسيلة: ص 343 - 344.
(4) السرائر: ج 3 ص 26.
(5) المبسوط: ج 4 ص 94.
63

مات وكان رجلا كان ذلك لولده الذكور دون الإناث، والأب يقاسمه على
رواية (1).
والحق ما قاله الشيخ.
لنا: أن الولاء لحمة كلحمة النسب فتشاركا في الحكم.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط (2) والخلاف (3): الجد والأخ يستويان، وهما
بمنزلة أخوين في الولاء يتقاسمان المال. وهو المشهور عند علمائنا.
وقال ابن الجنيد: الجد من قبل الأب أولى بالولاء من الأخ، وهو قول
الزهري، وأبي ثور.
والحق ما قاله الشيخ، لقوله - عليه السلام - (الولاء لحمة كلحمة
النسب) (4) ولأنهما يدليان بالأب فتساويا (5) في الحكم.
مسألة: المشهور بين علمائنا أن المعتق لا يرث المعتق، قاله الشيخ وادعى
عليه الإجماع من الفرقة، واستدل عليه أيضا بقوله - عليه السلام -: (الولاء لمن
أعتق) وهذا ما أعتق (6).
وقال الصدوق: إذا ترك الرجل مولى منعما [أو منعما] عليه ولم يترك وارثا
غيره فالمال له، فإن ترك موالي منعمين أو منعما عليهم رجالا ونساء فالمال
بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن ترك بني وبنات مولاه المنعم أو المنعم
عليه ولم يترك وارثا غير هم فالمال لبني وبنات مولاه، للذكر مثل حظ الأنثيين،

(1) الوسيلة: ص 344.
(2) المبسوط: ج 6 ص 71.
(3) الخلاف: ج 4 ص 81 المسألة 87.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 255 ح 926، وسائل الشيعة: ب 42 أنه لا يصح بيع الولاء... ح 2 ج 16
ص 47.
(5) ق 2: فيتساويا.
(6) الخلاف: ج 4 ص 84 المسألة 91.
64

لأن الولاء لحمة كلحمة النسب، ومتى خلف وارثا من ذوي الأرحام من قرب
نسبة أو بعد وترك مولاه المنعم أو المنعم عليه فالمال للوارث من ذوي الأرحام،
وليس للمولي شئ (1).
وقال ابن الجنيد: والمولى الأسفل يرث عتقه إذا لم يخلف الذي عتقه
وارثا غيره.
والوجه ما قاله الشيخ، والدليل ما تقدم.
مسألة: في عبارات بعض أصحابنا أن الولاء موروث كالمال، ونص ابن
الجنيد على خلافه، فإنه قال: وإذا مات المعتق وكان رجلا وخلف ابنين
والمعتوق حيا كان ولاؤه للابنين، فإن مات أحدهما وخلف ابنا ثم مات
المعتوق لم يكن لابن ابن معتقه من الولاء والميراث شئ، وكان لابن المعتق
الباقي وحده.
وقال الشيخ في الإيجاز: الولاء لا يورث مع بقاء من يرثه في درجته، مثل
أن يكون للمعتق ولدان ذكران فما داما حيين كان الولاء لهما، فإن مات
أحدهما وخلف أولادا كان الباقي للباقي من الولدين دون ولد الولد، لأنه لا
يرث مع الولد للصلب ولد الولد (2).
والأقرب عندي أن الولاء غير موروث بل يحصل الإرث به، وأنه لا ينتقل
كالنسب، لقوله - عليه السلام -: (الولاء لحمة كلحمة النسب) (3) وكما لا
ينتقل النسب ولا يورث بل يورث به كذا الولاء. والفائدة تظهر فيما صوره ابن
الجنيد، فمن قال: الولاء يورث به ولا يورث كان الميراث للابن دون ابن

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 305 - 306.
(2) الإيجاز (الرسائل العشر): ص 278، وفيه: (كان الولاء للباقي من الوالدين).
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 255 ح 926، وسائل الشيعة: ب 42 أنه لا يصح بيع الولاء... ح 2 ج 16
ص 47.
65

الابن، ومن قال: إنه موروث كان ميراث المعتق نصفين بين الابن وابن
الابن، لأن المنعم مات وله ابنان فورثا الولاء بالسوية، فإذا مات أحدهما
وخلف ابنا انتقل ما يستحقه أبوه من الولاء، وهو نصفه إلى ابنه، وكان الولاء
مشتركا بين العم وابن الأخ، وباقي مباحث الولاء تذكر في الميراث إن شاء الله
تعالى.
مسألة: ظاهر كلام الشيخ (1)، والصدوق (2)، وجماعة من علمائنا يقتضي
اشتراط الشهادة في التبري من ولاء المعتق تبرعا. وظاهر كلام ابن الجنيد
يقتضي المنع، وهو المعتمد.
لنا: أن المراد بالشهادة في جميع العقود والأحكام ثبوتها عند الحاكم، لا
وقوعها في أنفسها، عدا الطلاق عندنا، فكذا هنا.
والشيخ عول على ما رواه ابن سنان في الصحيح، عن الصادق - عليه
السلام - قال: من أعتق رجلا سائبة فليس عليه من جريرته شئ، وليس له
من الميراث شئ، وليشهد على ذلك (3).
وعن أبي الربيع قال: سئل أبو عبد الله - عليه السلام - عن السائبة، فقال:
الرجل يعتق غلامه ويقول له: اذهب حيث شئت، وليس لي في ميراثك
شئ، ولا علي من جريرتك شئ، ويشهد على ذلك شاهدين (4).
والجواب: ليس في الحديثين دلالة على الاشتراط.

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 26.
(2) المقنع: ص 160.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 256 ح 928، وسائل الشيعة: ب 43 إن المعتق واجبا سائبة... ح 4
ج 16 ص 49.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 256 ح 929، وسائل الشيعة: ب 43 إن المعتق واجبا سائبة... ح 2
ج 16 ص 48.
66

الفصل الثالث
في التدبير
مسألة: قال الشيخ في النهاية (1)، وشيخنا المفيد في المقنعة (2): التدبير أن
يقول الرجل لعبده أو أمته: أنت رق في حياتي حر أو حرة بعد وفاتي.
وقال ابن أبي عقيل: التدبير أن يقول الرجل لعبده أو لأمته: أنت مدبرة في
حياتي وحرة بعد وفاتي.
وقال ابن الجنيد: والذي نختار للسيد إذا أراد تدبير عبده بعد موته أن يقول
بمشهد من يجب الحقوق بشهادته: إني قد أعتقت فلانا أو حررته عن دبر مني أو
هو حر إذا مت أو عند موتي أو متى ما مت أو إذا حدث في حدث الموت ليكون
مصرحا بعتاقه، وذلك أحوط من أن يقول: قد دبرت عبدي أو هو مدبر، لأن
ذلك يحتمل غير العتق.
وقال الشيخ في الخلاف (3) والمبسوط (4): التدبير أن يعلق عتق عبده
بوفاته فيقول: متى مت أو إذا مت فأنت حر. وكذا قال أبو الصلاح (5)، وابن
حمزة (6).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 32.
(2) المقنعة: ص 550.
(3) الخلاف: ج 6 ص 409 المسألة 1.
(4) المبسوط: ج 6 ص 167.
(5) الكافي في الفقه: ص 319.
(6) الوسيلة: ص 345 - 346.
67

وقال ابن إدريس: لا حاجة بنا إلى أن نقول: أنت رق في حياتي، لأنه لو
لم يقل ذلك وقال: أنت حر بعد وفاتي كان ذلك كافيا (1).
والشيخ - رحمه الله - لم يقصد هو ولا شيخنا المفيد اشتراط ذلك في قوله كما
توهمه ابن إدريس، ولهذا قال في المبسوط والخلاف ما نقلناه.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا قال: أنت مدبر أو مكاتب لا يتعلق به
كتابة ولا تدبير، وإن نوى ذلك، بل لا بد أن يقول في التدبير: فإذا مت فأنت
حر أو أنت حر إذا مت، وفي الكتابة: إذا أديت إلي مالي فأنت حر، فمتى لم
يقل ذلك لم يكن شيئا (2).
وقال في المبسوط: صريح التدبير أن يقول: إذا مت فأنت حر أو محرر أو
عتيق أو معتق، غير أنه لا بد من النية عندنا، فأما إن قال: أنت مدبر، فقال
بعضهم: هو كناية، وكذلك لقول إذا قال: كاتبتك على كذا قال قوم: هو
صريح، وقال آخرون: هو كناية. والأول أقوى، وإن كان عندنا يحتاج إلى
نية (3).
وظاهر كلام ابن الجنيد انعقاده بقوله: أنت مدبر مع النية.
وقال ابن البراج: صفته أن يقول الإنسان لمملوكه: أنت رق في حياتي وحر
لوجه الله تعالى بعد وفاتي، فإذا قال هذا القول صح التدبير. وكذا لو قال له:
أنت حر لوجه الله تعالى إذا أنا مت أو إن حدث بي حدث الموت أو أنت محرر
أو أنت عتيق بعد موتي أو أنت مدبر ويريد بذلك عتقه بعد موته أو ما أشبه
ذلك من الألفاظ كان ذلك جاريا مجرى الأول (4).

(1) السرائر: ج 3 ص 31.
(2) الخلاف: ج 6 ص 409 المسألة 2.
(3) المبسوط: ج 6 ص 167.
(4) المهذب: ج 2 ص 365 - 366.
68

وهذا يدل على أن قوله: أنت مدبر صريح في التدبير، وهو المعتمد.
لنا: أنه اللفظ الموضوع له المختص به فكان صريحا فيه.
وقول الشيخ في الخلاف ليس بجيد.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى أراد المدبر بيعه من غير أن ينقض تدبيره
لم يجز له، إلا أن يعلم المبتاع أنه يبيعه خدمته، وأنه متى مات هو كان حرا لا
سبيل له عليه (1).
وقال ابن أبي عقيل: وليس للمدبر أن يبيع، إلا أن يشترط على
المشتري عتقه، وإذا أعتقه المشتري فالولاء لمن أعتق وله أن يبيع خدمته، فإذا
مات المدبر فالمدبر حر.
وقال الصدوق: وإذا أعتق الرجل غلامه أو جاريته على دبر منه ثم يحتاج
إلى ثمنه فليس له أن يبيعه، إلا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند
موته (2).
وقال ابن الجنيد: وعن أمير المؤمنين - عليه السلام - أن رسول الله - صلى الله
عليه وآله - باع خدمة المدبر ولم يبع رقبته، ولا بأس عندنا ببيع رقبة المتطوع
بتدبيره إذا احتاج السيد إلى ثمنه، لحديث جابر. فأما المدبر عن نذر قد كان
ما نذر فيه ووجب على السيد تدبيره، فلا يجوز بيع رقبته، وإنما يباع من هذا
خدمته مدة حياة سيده، والأحوط أن يبتاع ذلك منه بمكاتبة أو غير ها. ولا
أختار بيع المتطوع بتدبيره وخدمته، والواجب تدبيره في دين أو غيره، إلا إذا لم
يف ملك السيد بدينه ولم يكن به غنى عن بيعه. ولو باع خدمة مدبره من نفسه
لم يسقط ما وافقه عليه بموت السيد، فإن كان مال حال وجب عند موته، وإن

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 33 - 34.
(2) المقنع: ص 157.
69

كان منجما كان للورثة على نجومه كالكتابة.
وقال المفيد: ولمالك العبد أن يبيعه بعد التدبير له، غير أنه متى مات البائع
صار حرا لا سبيل للذي ابتاعه عليه (1).
وقال ابن البراج في المهذب: يجوز لسيد المدبر أن يبيع خدمته، [و] إذا
ثبت على تدبيره ولم يرجع عنه فيشتري المشتري كذلك فيخدمه أيام حياته
الذي دبره، فإذا مات عتق من الثلث (2).
وقال في الكامل: ومن دبر مملوكه وأراد بيعه لم يجز له ذلك، إلا أن ينقض
تدبيره، أو يعلم المشتري أنه يبيع خدمته، وأنه متى مات هو كان حرا لا سبيل
له عليه.
وقال أبو الصلاح: ويجوز بيعه في حال تدبيره، فإذا مات مدبره تحرر على
مبتاعه، فإن كان عالما بتدبيره حال ابتياعه وإلى أن مات مدبره فلا شئ
[له]، وإن لم يعلم رجع إلى التركة بما نقد فيه، وإن كان باعه بعد ما رجع في
تدبيره لم يتحرر بموت مدبره (3).
وقال ابن حمزة: وليس له التصرف فيه بالبيع والشراء والهبة وغير ذلك
رجوعا، وإذا أراد ذلك رجع ثم باع أو فعل ما شاء (4).
وللشيخ قول آخر في الخلاف (5) والمبسوط (6): إن بيع المدبر وهبته
ووقفه ناقض للتدبير، ولو وهبه كانت الهبة رجوعا في الدبير، سواء أقبضه
أولا، وكذا لو أوصى به.
ثم قال في الخلاف: إذا دبر عبدا ثم أراد بيعه والتصرف فيه كان له ذلك
إذا نقض تدبيره، فإن لم ينقض تدبيره لم يجز بيع رقبته، وإنما يجوز له بيع خدمته

(1) المقنعة: ص 551.
(2) المهذب: ج 2 ص 366.
(3) الكافي في الفقه: ص 319 مع اختلاف.
(4) الوسيلة: ص 346.
(5) الخلاف: ج 6 ص 410 و 412 المسألة 4 و 6 و 7
(6) المبسوط: ج 6 ص 171.
70

مدة حياته (1).
وقال في المبسوط أيضا: لو جني المدبر فإن اختار سيده تسليمه للبيع فإن
استغرق الأرش قيمته بيع فيها وبطل التدبير، وإن كان الأرش لا يستغرق
قيمته ولم يمكن بيع بعضه بيع كله والفضل لسيده، وإن بيع بعضه كان الباقي
مدبرا، وكل موضع زال ملكه عنه زال التدبير. وروى أصحابنا أن التدبير باق
إذا مات السيد يعتق في ملك المشتري، وينبغي أن يبيعه بهذا الشرط، ومتى
عاد إليه ملكه بعد ذلك بميراث أو غيره فهل يعود حكم التدبير أو لا؟ قال قوم:
يعود تدبيره، وإن كان لم ينقص تدبيره فالتدبير باق، لأن عندنا يصح بيع
خدمته دون رقبته مدة حياته (2).
وقال ابن إدريس: حقيقة البيع في عرف الشرع يقتضي بيع الرقبة، فحمله
على بيع المنافع عدول باللفظ عن حقيقته بلا دلالة، بل شروعه في بيعه يقتضي
الرجوع عن التدبير الذي هو عندنا بمنزلة الوصية، وهذا الذي يقتضيه أصول
مذهبنا، وهو مقالة السيد المرتضى ذكره في مسائل الناصريات. فأما إن كان
التدبير غير واجب فيمكن بيعه على جهة الصلح، فيكون الصلح على منافعه مدة
حياة من دبره، ولا يمتنع أن يسمى هذا الصلح على المنافع في هذا الموضع
بيعا (3).
والمعتمد جواز بيعه، وأنه مع البيع يبطل التدبير.
لنا: أنه وصية بالعتق في الحقيقة، وكل وصية يجوز الرجوع فيها إجماعا
وينقض بالإخراج عن ملك الموصي إجماعا.
وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام - وقد سئل

(1) الخلاف: ج 6 ص 411 المسألة 5.
(2) المبسوط: ج 6 ص 172، مع اختلاف.
(3) السرائر: ج 3 ص 31 - 32.
71

عن رجل مملوكا له ثم احتاج إلى ثمنه، قال: فقال: هو مملوكه إن شاء باعه،
وإن شاء أعتقه، وإن شاء أمسكه حتى يموت، فإذا مات السيد فهو حر من
ثلثه (1).
وفي الحسن عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله - عليه السلام -
عن المدبر، قال: هو بمنزلة الوصية يرجع فيها متى شاء (2).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم، عن الباقر - عليه السلام - قال: قلت له:
رجل دبر مملوكه ثم يحتاج إلى الثمن، قال: إذا احتاج إلى المثن فهو له يبيع إن
شاء، وإن أعتق فذلك من الثلث (3).
احتج الشيخ بما رواه محمد بن مسلم في الصحيح، عن أحدهما - عليهما
السلام - في الرجل يعتق غلامه وجاريته عن دبر منه ثم يحتاج إلى ثمنه أيبيعه؟
فقال: لا إلا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته (4).
وفي الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - مثله (5).
وفي الصحيح عن أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
العبد والأمة يعتقان عن دبر، فقال: لمولاه أن يكاتبه إن شاء، وليس له أن

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 259 ح 943، وسائل الشيعة: ب 1 جواز بيع المدبر... ح 1 ج 16
ص 71.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 258 ح 939، وسائل الشيعة: ب 2 أنه يجوز الرجوع... ح 1 ج 16
ص 73 وفيهما: (عن التدبير، فقال: هو بمنزلة الوصية يرجع فيما شاء منها).
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 263 ح 958، وسائل الشيعة: ب 1 جواز بيع المدبر... ح 7 ج 16
ص 72.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 263 ح 959، وسائل الشيعة: ب 1 جواز بيع المدبر... ح 6 ج 16
ص 72.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 263 ح 960، وسائل الشيعة: ب 1 جواز بيع المدبر... ذيل الحديث 6
ج 16 ص 72.
72

يبيعه، إلا أن يشاء العبد أن يبيعه قدر حياته، وله أن يأخذ ماله إن كان له
مال (1).
وعن القاسم بن محمد، عن علي قال: سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن
رجل أعتق جارية له عن دبر في حياته، قال: إن أراد بيعها باع خدمتها مدة
حياته، فإذا مات أعتقت الجارية، وإن ولدت أولادا فهم بمنزلتها (2).
وعن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي - عليهم السلام - قال: باع
رسول الله - صلى الله عليه وآله - خدمة المدبر ولم يبع رقبته (3).
قال الشيخ: الوجه في الجمع بين الأخبار السابقة، وهذه أن المولى إن أراد
بيع رقبة المدبر احتاج إلى أن ينقض تدبيره، كما أنه إذا أوصى بوصية ثم أراد
تغييرها احتاج أن ينقض وصيته، لأنه بمنزلة الوصية، فإذا نقض التدبير جاز له
بيع المدبر على كل حال، ومتى لم يرد أن ينقض تدبيره وآثر تركه على حاله
جاز له أن يبيع خدمته طول حياته ويشترط ذلك على المشتري، فإذا مات
الذي دبره صار حرا (4).
وقال في التهذيب: الأخبار الدالة على جواز بيع المدبر إنما هو بيع خدمته
دون الرقبة، لأنا قد بينا أنه ما دام مدبرا لا يملك منه إلا تصرفه مدة حياته،
وإذا لم يملك غير ذلك فلا يصح منه بيع سواه، والأخبار الدالة على أن المدبر
بمنزلة الوصية، فالمراد أن المدبر أن ينقض التدبير كما له أن ينقض الوصية، فمتى
نقضه عاد المدبر إلى كونه رقا خالصا فحينئذ يجوز له بيع رقبته كما يجوز له بيع
من عداه من المماليك، ومتى لم ينقض التدبير وأراد بيعه لم يجز له أن يبيع إلا

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 264 ح 962، وسائل الشيعة: ب 3 جواز إجارة المدبر ح 2 ج 16 ص 74.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 264 ح 963، وسائل الشيعة: ب 3 جواز إجارة المدبر ح 3 ج 16 ص 74.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 260 ح 945، وسائل الشيعة: ب 3 جواز إجارة المدبر ح 4 ج 16 ص 74.
(4) الإستبصار: ج 4 ص 29 ذيل الحديث 100، مع اختلاف.
73

الخدمة (1).
وهذا الذي ذكره الشيخ ليس بجيد، لما بيناه من أن التدبير وصية، وأنها
تبطل بالخروج عن ملكه، وبيع المنافع لا يصح، لعدم كونها أعيانا، وعدم العلم
بها وبمقدارها، بل الوجه في الجمع أن يحمل المنع من بيع المدبر على ما إذا كان
التدبير واجبا فهنا لا يجوز بيعه، لما فيه من مخالفة النذر. ويحمل بيع الخدمة على
الإجارة، فإنها في الحقيقة بيع المنافع مدة معينة، ويريد ببيع الخدمة مدة حياته
أن له أن يؤجره مدة معينة، فإذا انقضت المدة جاز له أن يؤجره أخرى، وهكذا
مدة حياته.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا دبر الرجل جارية وهي حبلى فإن علم
بذلك كان ما في بطنها بمنزلتها يكون مدبرا، فإن لم يعلم بحبلها كان الولد رقا
ويكون التدبير ماضيا في الجارية، فإن حملت بعد التدبير وولدت أولادا كان
أولادها بمنزلتها مدبرين (2)، فمتى مات الذي دبر أمهم صاروا أحرارا من
الثلث، فإن زاد الثلث (3) استسعوا في الباقي، فإذا أدوا انعتقوا، وليس للمولى
أن ينقض تدبير الأولاد وإنما له نقض تدبير الأم فحسب (4). وتبعه ابن
البراج (5).
والبحث هنا يقع في موضعين:
الأول: لو دبر الحبلي هل يسري إلى الحمل؟ نص في النهاية عليه مع علمه
بالحبل، وإلا فلا. وتبعه ابن البراج على ذلك.

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 263 ذيل الحديث 958، مع اختلاف.
(2) في المصدر: بمنزلتها يكونون مدبرين.
(3) في المصدر: فإن زاد ثمنهم على الثلث.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 34 - 35.
(5) المهذب: ج 2 ص 367، وفيه: (فإن لم يعلم بحبلها كان التدبير لهما...).
74

وقال ابن الجنيد: لو دبرها وهو لا يعلم أنها حامل ولم يذكر تدبيره ما في
بطنها لم يتعدها التدبير، وهو يشعر بموافقته للشيخ، وكذا ابن حمزة (1) وافق
الشيخ أيضا وللشيخ - رحمه الله - قول في المبسوط والخلاف.
قال في المبسوط: إذا دبرها وهي حامل بولد مملوك فهي مدبرة، وحملها
مدبر يتبعها عند المخالف. وروى أصحابنا أن الولد لا يكون مدبرا (2).
وفي موضع آخر منه: إذا دبر حمل جاريته صح ويكون مدبرا دون أمه، ولو
دبرها كانت مدبرة هي وولدها عند المخالفين، وقد بينا أن عندنا في الطرفين
على حد واحد لا يتبعها ولا تتبعه (3).
وقال في الخلاف: إذا دبرها وهي حامل بمملوك لم يدخل الولد في
التدبير (4). وأطلق في الكتابين ولم يفصل إلى العالم وغيره.
وقال ابن البراج: وإذا دبر أمته وهو لا يعلم أنها حامل ولم يذكر في تدبيره
ما في بطنها كان التدبير لهما، وكذلك إن حدث الحمل بعد التدبير كانا جميعا
مدبرين، ويعتقان معا من الثلث (5).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه مذهبنا أن ما في بطنها لا يكون مدبرا
مثلها، لأنه ما دبره والتدبير حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، ولا
يرجع في مثل هذا إلى أخبار الآحاد (6).
والمعتمد أن الأولاد رق، سواء علم المدبر أو لا، إلا أن يدبرهم بالمباشرة.
لنا: الأصل بقاء الملك، واستصحاب الحال فيه السالم عن معارضة
التدبير، لأنه يتناول الأم، وهو لا يدل على تناوله للولد، لعدم صدق اسمها

(1) الوسيلة: ص 346.
(2) المبسوط: ج 6 ص 176.
(3) المبسوط: ج 6 ص 178.
(4) الخلاف: ج 6 ص 416 المسألة 15.
(5) المهذب: ج 2 ص 367.
(6) السرائر: ج 3 ص 32.
75

عليه، وعدم دلالته عليه بشئ من الدلالات الثلاث.
وما رواه الشيخ في الموثق عن عثمان بن عيسى الكلابي، عن الكاظم
- عليه السلام - قال: سألته عن امرأة دبرت جارية لها فولدت الجارية جارية
نفيسة فلم تدر المرأة المولود مدبر أو غير مدبر (1)، فقال لي: متى كان الحمل
بالمدبرة أقبل إن دبرت أو بعد ما دبرت؟ فقلت: لست أدري، ولكن أجبني
فيهما جميعا، فقال: إن كانت المرأة دبرت وبها حبل ولم تذكر ما في بطنها
فالجارية مدبرة والولد رق، وإن كان إنما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبر
في تدبير أمه (2).
احتج الشيخ بما رواه الحسن بن علي، عن الرضا - عليه السلام - قال: سألته
عن رجل دبر جارية وهي حبلى، فقال: إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها
بمنزلتها، وإن كان لم يعلم فما في بطنها رق (3).
ورواه الصدوق في الصحيح عن الحسن بن علي الوشا، عن الرضا - عليه
السلام - (4).
والجواب: الحمل على ما إذا دبر الحمل مع الأم.
الثاني: لو حملت بعد التدبير ثم رجع في تدبير الأم قال الشيخ: لم يكن له
نقض التدبير في الأولاد (5).

(1) في المصدر: المولودة مدبرة أو غير مدبرة.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 260 ح 947، وسائل الشيعة: ب 5 أن أولاد المدبرة... ح 2 ج 16
ص 76.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 260 ح 946، وسائل الشيعة: ب 5 أن أولاد المدبرة... ح 3 ج 16
ص 76.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 121 ح 3460، وسائل الشيعة: ب 5 أن أولاد المدبرة... ذيل
الحديث 3 ج 16 ص 76.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 34.
76

وكذا قال في الخلاف: لو دبر أمته ثم حملت بمملوك من غيره بعد التدبير
كان الولد مثل أمه ينعتقون بموت سيدها، وليس له نقض تدبير هم، وإنما له
نقض تدبير الأم. واستدل عليه بإجماع الفرقة (1). وتبعه ابن البراج (2)، وابن
حمزة (3).
وقال ابن الجنيد: ولو أراد السيد فسخ التدبير عن الأب لم يكن فسخه
ذلك عنه إخراجا لولده من التدبير. وهو جيد.
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه مذهبنا أن له الرجوع في تدبير هم أيضا
كالأم (4). وهو المعتمد.
لنا: أن التدبير وصية، وكل وصية يصح الرجوع فيها، والمقدمتان
إجماعيتان.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا دبر عبده وعليه دين فرارا به من الدين ثم
مات كان التدبير باطلا وبيع العبد في الدين، وإن دبر العبد في حال السلامة
ثم حصل عليه دين ومات لم يكن للديان على المدبر سبيل (5). وتبعه ابن البراج.
وقال ابن إدريس: هذا غير واضح، لأن التدبير (6) بمنزلة الوصية يخرج من
الثلث، ولا يصح إلا بعد قضاء الديون، فعلى هذا التحرير يباع (7) العبد في

(1) الخلاف: ج 6 ص 416 المسألة 14.
(2) المهذب: ج 2 ص 366 - 367.
(3) الوسيلة: ص 346 وفيه: (وإذا ابتاع المدبر جارية بإذن مولاه فأولدها ورجع في التدبير صح في المدبر
دون ولده).
(4) السرائر: ج 3 ص 33.
(5) النهاية: ص 553.
(6) في المصدر: لأنه لا خلاف بيننا أن التدبير.
(7) في المصدر: هذا التحرير والتقرير يباع.
77

الدين، ويبطل التدبير على كل حال، سواء دبره في حال السلامة أو فرارا من
الدين، وإنما هذا خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا (1).
والمعتمد أن التدبير إن كان واجبا بنذر وشبهه لم يكن للديان عليه سبيل،
وإن كان تبرعا بطل مع استغراق الدين التركة.
لنا: على الأول: أنه عتق واجب بعد الموت فأشبه المتقدم عليه كسائر
الديون، وعلى الثاني: أنه وصية فيقدم الدين عليها.
احتج الشيخ بما رواه أبو بصير في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - عن
رجل دبر غلامه وعليه دين فرارا من الدين، قال: لا تدبير له، وإن كان دبره
في صحة منه وسلامة فلا سبيل للديان عليه (2).
وفي الصحيح عن الحسين بن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن - عليه
السلام - عن بيع المدبر، قال: إذا أذن في ذلك فلا بأس به، وإن كان على مولى
العبد دين فدبره فرارا من الدين فلا تدبير له، وإن كان دبره في صحة وسلامة
فلا سبيل للديان عليه ويمضي تدبير (3).
والجواب: الحمل على ما قلناه: من أنه واجب بنذر وشبهه، فإذا كان من
سلامة من الدين لم يكن للديان عليه سبيل، وإن لم يكن في سلامة ونذر أن
يدبر فرارا من الدين لم ينعقد نذره، لأنه لم يقصد به الطاعة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا جعل الإنسان خدمة عبده لغيره وقال:
متى مات من جعل له تلك الخدمة يكون حرا كان ذلك صحيحا، فمتى مات

(1) السرائر: ج 3 ص 33.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 261 ح 949، وسائل الشيعة: ب 9 إن من دبر مملوكه... ح 2 ج 16
ص 79.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 261 ح 950، وسائل الشيعة: ب 9 إن من دبر مملوكه... ح 1 ج 16
ص 79.
78

المجعول له ذلك صار حرا، فإن أبق العبد ولم يرجع إلا بعد موت من جعل له
خدمته لم يكن لأحد عليه سبيل وصار حرا (1). وتبعه ابن البراج (2)، وهو يدل
على جواز التدبير معلقا بحياة غير المالك، وهو ظاهر كلام ابن الجنيد.
وصرح ابن حمزة على جوازه فقال: التدبير عتق معلق بموت المعتق أو بموت
من جعل سيده خدمته له مدة حياته، ثم قال: فإن أبق المدبر بطل التدبير، فإن
رزق بعد الإباق مالا وأولادا كان الجميع لمولاه، فإن مات المولى كان الجميع
لورثته، وإن دبره وجعل خدمته مدة حياته لنفسه (3) ولغيره وأبق المدبر ولم يرجع
إلا بعد وفاة سيده لم يكن عليه سبيل لأحد (4).
والظاهر أن الضمير في قوله: (لنفسه) راجع إلى العبد.
وقال ابن إدريس: قد روي أنه إذا جعل الإنسان خدمة عبده لغيره وقال:
متى مات من جعل له تلك الخدمة يكون حرا كان ذلك صحيحا، فمتى مات
المجعول له ذلك صار حرا، وإن أبق العبد ولم يرجع إلا بعد موت من جعل له
خدمته لم يكن لأحد عليه سبيل وصار حرا، ولا دليل على هذه الرواية
وصحتها، لأنها مخالفة لأصول مذهبنا، لأن التدبير في عرف الشريعة عتق العبد
بعد موت مولاه، والمجعول له الخدمة غير مولاه. وأيضا لو كان التدبير صحيحا
لكان إذا أبق أبطل التدبير، لأن عندنا إباق المدبر يبطل التدبير، وفي هذه
الرواية أنه إن أبق العبد ولم يرجع إلا بعد موت من جعل له خدمته لم يكن
لأحد عليه سبيل وصار حرا، وهذا مخالف لحقيقة التدبير. وأيضا فهذا حكم
شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، ولا دليل على ذلك إلا هذه الرواية
الشاذة (5).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 37 - 38.
(2) المهذب: ج 2 ص 373.
(3) في المصدر: حياة لنفسه.
(4) الوسيلة: ص 345 و 346.
(5) السرائر: ج 3 ص 33 - 34.
79

والحق ما اختاره الشيخ.
لنا: إن العتق قابل للتأخير كما هو قابل للتنجيز، ومعلوم أنه لا تفاوت
بين الأشخاص في ذلك، فإن العتق إذا قبل التعليق بحياة المعتق الصادر عنه
كان قابلا لذلك التعليق أيضا إذا صدر عن غيره، وعدم التفاوت في ذلك
معلوم قطعا.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد
الله - عليه السلام - عن الرجل يكون له الخادم فقال: هي لفلان تخدمه ما
عاش، فإذا مات فهي حرة وتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو
ست سنين ثم يجدها ورثته لهم أن يستخدموها بعد ما أبقت؟ فقال: لا إذا
مات الرجل فقد عتقت (1).
وقول ابن إدريس: (التدبير في عرف الشرع عتق العبد بعد موت مولاه)
ممنوع، بل هو العتق المؤخر، وهو شامل للصورتين، واستدلاله بالملازمة بين
صحته وبطلانه على تقدير الإباق ممنوع، والقياس على جعل الخدمة للمدبر
باطل، لأنا لا نقول نحن وإياه بالقياس، فلا يجوز التمسك به.
سلمنا، لكن الفارق موجود، فإن الخدمة إذا جعلت للمدبر ثم أبق فقد
قابل النعمة بالكفر والإباق فقوبل بنقيض ذلك كالقاتل في العمد في منع
التوريث، بخلاف ما إذا جعلت الخدمة للغير.
وهذه الرواية دليل شرعي، مع أنها صحيحة السند متلقاة بالقبول عمل بها
الأكثر من علمائنا، ولم نر لها مخالفها سواه، واعتضادها بالحكمة المناط بها
الأحكام الشرعية فلا وجه لردها.

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 264 ح 965، وسائل الشيعة: ب 11 أنه يجوز تعليق... ح 1 ج 16
ص 81.
80

مسألة: قال الشيخ في النهاية: والمدبر لا يجوز أن يعتق في كفارة ظهار ولا
في شئ من الواجبات التي على الإنسان فيه (1) العتق ما لم ينقض تدبيره، فإن
نقض تدبيره ورده إلى محض الرق جاز له بعد ذلك عتقه فيما وجب عليه (2).
وتبعه ابن البراج (3).
وقال ابن إدريس: الحق أن التصرف فيه وإخراجه عن ملكه رجوع عن
التدبير، ولا يحتاج إلى قوله بأنه نقض تدبيره، وإلى هذا يذهب شيخنا أبو جعفر
في مسائل خلافه فإنه قال: إذا دبره ثم وهبه كان هبته رجوعا في التدبير، سواء
أقبضه أو لا (4).
والشيخ - رحمه الله - عول على ما رواه عبد الرحمن في الموثق قال: سألته
- عليه السلام - عن رجل قال لعبده: إن حدث بي حدث فهو حر وعلى الرجل
تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار أله أن يعتق عبده الذي جعل له العتق إن
حدث به حدث في كفارة تلك اليمين؟ قال: لا يجوز للذي جعل له ذلك (5).
وفي الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - في رجل جعل لعبده
العتق إن حدث به حدث وعلى الرجل تحرير رقبة واجبة في كفارة يمين أو ظهار
أيجزئ عنه أن يعتق عبده ذلك في تلك الرقبة الواجبة عليه؟ قال: لا (6).
ولأنه ملك ناقص فلا يجزئ قبل إكماله، وإنما يكمل بنقض التدبير.

(1) في المصدر: فيها.
(2) النهاية: ونكتها: ج 3 ص 38.
(3) المهذب: ج 2 ص 373.
(4) السرائر: ج 3 ص 34.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 265 ح 967، وسائل الشيعة: ب 12 حكم عتق المدبر... ح 1 ج 16
ص 82.
(6) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 248 ص 900، وسائل الشيعة: ب 9 من كتاب الإيلاء والكفارات ح 2
ج 15 ص 558.
81

سيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.
مسألة: قال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية إن من دبر نصيبه من
عبده ثم مات انعتق نصيبه، والقول في نصيب شريكه كالقول في من أعتق
عتقا منجزا حقه من عبد، وتلك القسمة التي ذكرناها في عتق الشقص هي
ثابتة هنا، والدلالة على المسألتين واحدة (1).
وقال الشيخ في الخلاف: إذا كان العبد (2) بين شريكين فدبر أحدهما
نصيبه لم يقوم عليه نصيب شريكه (3).
وقال أيضا: لو كان للإنسان مملوك فدبر نصفه كان صحيحا، ولا يسري
إلى النصف الآخر (4).
وقال ابن البراج: ويجوز له تدبير حصته من مملوكه، فإذا مات الذي دبر
حصته في مملوك كان بمنزلة الذي يعتق الحصة (5).
وقال ابن إدريس: إذا كان عبد بين شريكين فدبر أحدهما نصيبه لم يقوم
عليه نصيب شريكه.
وقال السيد المرتضى: حكم التدبير بين الشريكين حكم العتق، سواء
من التقويم والسعاية (6).
والأول اختيار شيخنا أبي جعفر، وهو الذي يقوى في نفسي، لأنه لا دليل
على التقويم، وإلحاقه بحكم العتق يحتاج إلى دليل، وهو ضرب من القياس،

(1) الإنتصار: ص 173.
(2) في المصدر: عبد.
(3) الخلاف: ج 6 ص 417 المسألة 16.
(4) الخلاف: ج 3 ص 386 المسألة 18.
(5) المهذب: ج 12 ص 368، وفيه: (يعتق الحصة في العبد).
(6) السرائر: ج 3 ص 34.
82

ونحن لا نقول به، والأصل براءة الذمة. وقول الشيخ هنا هو الأجود، عملا
بالأصل.
مسألة: قد تقدم الخلاف بين علمائنا في أن تصرفات المولى في التدبير من
البيع والهبة وغير ذلك إبطال للتدبير، وذكرنا قول الشيخ في الخلاف (1)
والمبسوط (2) واختياره فيهما أن ذلك إبطال له، وهو اختيار ابن إدريس (3).
وقال ابن حمزة: لا يكون ذلك رجوعا (4). والحق الأول: لما تقدم.
وقال ابن الجنيد: وللمدبر عبده أن يرجع في تدبيره الذي تطوع به ببيع
وهبة، وأن يجعله مهرا لزوجته. وهو يشعر بما قلناه أيضا.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولو قال السيد لعبده: أنت حر يوم أموت وقال:
أردت إن مت نهارا دون الليل كان ذلك بالنذر أشبه منه بالتدبير، لأنه لا
يوجب له العتق عند موت سيده بكل حال، وكذلك لو قال له: أنت حر بعد
موت فلان. ولو جعل له العتق بعد وقت من موت سيده كان ذلك وصية
بعتقه في معنى التدبير.
والوجه أن الأول تدبير، فإن مات نهارا صح، وإلا فلا. ولو جعل له العتق
بعد وقت من موت سيده كان باطلا، لأنه عتق معلق على وصف.
قال: ولو قال: إذا بنيت الدار أو قدم فلان فأنت حر مني كان نذرا للتدبير
لا تدبير، فإذا كان ذلك الشئ صار العبد مدبرا.
والوجه بطلان ذلك إن علق العتق بالشرط أو التدبير به، وقد أجمع علماؤنا
على بطلان التدبير المعلق على الشرط ونص الشيخ على بطلان التدبير المعلق
بالشرط (5) أيضا.

(1) الخلاف: ج 6 ص 410 و 412 المسألة 4 و 6 و 7.
(2) المبسوط: ج 6 ص 171.
(3) السرائر: ج 3 ص 30 و 31 و 32.
(4) الوسيلة: ص 346.
(5) الخلاف: ج 6 ص 410 المسألة 3.
83

ثم قال: ولو قال السيد: إن شاء الله فلان وفلان فعبدي حر بتا أو تدبيرا لم
يكن حرا إن شاء أحدهما دون الآخر أو مات ولم تكن منهما جميعا المشيئة
لذلك، وكذلك لو قال لعبديه: أنتما حران أو مدبران إن قدم فلان أو بعد موتي
فمات أحدهما بطل التدبير عن الآخر.
والوجه ما قدمناه من بطلان ذلك كله، لأنه معلق على شرط، وأما قوله في
الثانية وهي: (ما لو قال لعبديه: أنتما حران أو مدبران بعد موتي فمات أحدهما
بطل التدبير) فليس بجيد، إذ لا يبطل التدبير في أحدهما ببطلانه في الآخر،
لأنه لم يجعله شرطا.
قال: وأما المدبر عن نذر قد كان ما نذر فيه ووجب على السيد تدبيره فلا
يجوز بيع رقبته، وإنما يباع من هذا خدمته مدة حياة سيده. والأحوط أن يباع
ذلك منه بمكاتبة أو غيرها. ولا أختار بيع المتطوع بتدبيره وخدمة الواجب
تدبيره في دين أو غيره إلا إذا لم يف ملك السيد بدينه ولم يكن به غنى عن
بيعه، وقد بينا فيما تقدم أنه لا يصح بيع الخدمة، فإن أراد بذلك الإجارة صح
الكلام، وإلا فلا.
قال: ولو باع جاريته التي دبرها ما في بطنها من غير أن يستثني ولدها كان
بيعه رجوعا من تدبير الحمل. وتبعه ابن البراج (1).
وليس بمعتمد، لأن الحمل لا يدخل في بيع الأم، إلا أن يشترط المشتري
وحينئذ يبطل تدبيره، وإلا فلا.
قال: وإذا قتل المدبر خطأ صالح عنه مولاه، فإن أبى دفع إلى أولياء المقتول
يخدمهم حتى يموت الذي دبره ثم استسعي في قيمته.
والوجه بطلان التدبير بالدفع للاسترقاق.

(1) المهذب: ج 2 ص 367.
84

مسألة: قال الشيخ في المبسوط: وإذا ارتد المدبر فالتدبير بحاله، فإن مات أو
قتل بطل التدبير، وإن لحق بدار الحرب بطل تدبيره عندنا، لما رواه أصحابنا
من أن إباق المدبر يبطل تدبيره (1).
وفي الخلاف: إذا ارتد المدبر ارتدادا يستتاب لم يبطل تدبيره، فإن رجع إلى
الإسلام كان تدبيره تاما بلا خلاف، وإن لحق بدار الحرب بطل تدبيره،
لإجماع الفرقة على أن المدبر متى أبق بطل تدبيره، وهذا قد أبق زيادة على
ارتداده (2).
وقال ابن الجنيد: ولو ارتد المدبر أو لحق بدار الحرب فأسره المسلمون بطل
التدبير. وهذا يوهم أن مجرد ارتداده يقتضي بطلان تدبيره، وليس بجيد،
عملا بالاستصحاب، ويقتضي أيضا من حيث دلالة المفهوم، وإن كانت
ضعيفة اشتراط الأسر في اللاحق بدار الحرب فإن أراده فهو ممنوع، لأن مجرد
الإباق مستقل بالبطلان.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا ارتد المسلم ثم دبر مملوكا فإن كان
ممن يستتاب لم يزل ملكه على ماله وصح تدبيره، وإن كان ممن لا يستتاب
فإنه (3) يجب عليه القتل على كل حال (4).
وقال في المبسوط: إذا ارتد أولا ثم دبر عبده فالكلام في ملكه (5) ثم في
تصرفه، وفيهما ثلاثة أقوال: أحد ها: باطل، والثاني: صحيح، والثالث:
مراعى. قال: ويقوى في نفسي أن ملكه باق، لأنه لا دليل على زواله، وأما
تصرفه فإنه باطل، لأنه محجور عليه بالردة، فعلى هذا تدبيره باطل (6).

(1) المبسوط: ج 6 ص 173.
(2) الخلاف: ج 6 ص 413 المسألة 8.
(3) في المصدر: زال ملكه و...
(4) الخلاف: ج 6 ص 413 المسألة 10.
(5) في المصدر: فالكلام أولا في ملكه.
(6) المبسوط: ج 6 ص 173 - 174.
85

وقال في كتاب المرتد من الخلاف: إن المرتد عن غير فطرة (1) لا يزول
ملكه، وتصرفه صحيح، عملا بالأصل (2). وسيأتي البحث فيه إن شاء الله
تعالى.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: يعتبر المدبر من الثلث، فإن احتمله
عتق (3)، فإن لم يكن له مال سواه عتق ثلثه ورق باقيه ولا يقوم عليه ولا على
وارثة، وإن كان عليه دين فإن أبرأه صاحب الدين عتق كله، فإن امتنع من
ذلك بيع في الدين ويبطل التدبير (4).
وفي عتق الجميع إشكال، لأنا إن قلنا: إن الورثة يملكون التركة بالموت
ويتعلق الدين بها كتعلقه بالرهن أو لم نقل بذلك بل جعلناها على حكم مال
الميت فإنه لا يصح التدبير من الجميع، لأن الوصية هنا سلمت من مزاحمة
الدين، فلا يمضي منها شئ إلا وللوارث ضعفه.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: لو ادعى الوارث أن أباه كان رجع في
التدبير قبل الوفاة فالقول قول المدبر، فإن أقام الوارث بينة على الرجوع لم يقبل
إلا ذكرين (5). وفيه إشكال.
والأقوى قبول رجل وامرأتين، لأنه يدعي مالا.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: لو دبر حمل جارية صح ويكون مدبرا دون
أمه، فإن باع الأم وقصد بالبيع الرجوع في التدبير صح البيع، وإن لم يقصد بطل
البيع عند بعضهم، وقال بعضهم: لا يبطل، وعندنا إن شرط أنه يبيع مدبرا
صح، فإذا مات السيد عتق، وإن باعه عبدا قنا ولم يقصد الرجوع بطل البيع.
ولو دبر ما في بطنها أو أعتقه ثم باعها فولدت قبل ستة أشهر من حين التدبير

(1) في المصدر: إن كان عن إسلام قبله كان كافرا.
(2) الخلاف: ج 5 ص 358 المسألة 7.
(3) في المصدر: فإن احتمله الثلث عتق.
(4) المبسوط: ج 6 ص 174.
(5) المبسوط: ج 6 ص 175.
86

فالبيع باطل والولد حر أو مدبر، وإن ولدت بعد ستة أشهر ففيها قولان:
أحدهما: البيع مردود، لأنه باع في وقت هو ممنوع من بيعها فيه ليعرف حال
الحمل فوقع باطلا، والثاني: جائز. والأول أصح (1).
وهذه الأحكام مشكلة، أما أولا: فلأن البيع يقتضي بطلان التدبير، وقد
سلف. وأما ثانيا: فلأنه إذا باعه عبدا قنا ولم يقصد الرجوع لم يبطل البيع، بل
يصح إذا قصده وكان مقتضيا لبطلان التدبير. وأما ثالثا: فلان بيعها لا
يستلزم بيع ولدها.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كان العبد بين شريكين فدبر أحدهما
نصيبه وأعتق الآخر نصيبه لم يقوم عليه حصة شريكه، لأن لها جهة يعتق
بها (2).
والأقوى التقويم، لأنه عبد لم يخرج بالتدبير عن الرقية.
مسألة: قال ابن البراج: إذا قال له: أنت حر إذا جاءت سنة كذا أو شهر كذا أو شهر
كذا أو يوم كذا فحضر الوقت الذي ذكره وهو في ملكه كان حرا، وله أن يرجع
في ذلك كله بأن يخرجه من ملكه ببيع أو هبة أو غير ذلك، كما له الرجوع في
تدبيره. [و] إذا قال له: متى ما قدم زيد فأنت حر أو متى ما صح عمرو من
مرضه فأنت حر كان له بيعه قبل قدوم زيد أو أن يبرأ عمرو فإن قدم هذا أو
برئ هذا من مرضه وهو في ملكه عتق عليه (3).
والحق خلاف هذا كله، للإجماع المنعقد بيننا على أن العتق بشرط
باطل.
مسألة: قال ابن البراج: إذا ارتد المدبر ولحق بدار الحرب ثم عاد إلى سيده
بالملك الأول فتاب كان على تدبيره، ولو أخذ أسيرا فأخذه سيده قبل القسم أو

(1) المبسوط: ج 6 ص 178، مع اختلاف.
(2) راجع المبسوط: ج 6 ص 180.
(3) المهذب: ج 2 ص 368.
87

بعده كان على تدبيره (1).
والوجه بطلان التدبير، لأنه بالإباق يبطل، ولحوقه بدار الحرب إباق
وزيادة، فإذا عاد بعد بطلان التدبير لم يعد التدبير.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا دبر مملوكا (2) ثم كاتبه كان ذلك
إبطالا للتدبير. وللشافعي (3) قولان: إذا قال: إنه وصية قال مثل ما قلناه، وإذا
قال: عتق بصفة لم يبطل، ثم استدل بأنا قد دللنا على أنه وصية، وإذا ثبت
ذلك ثبت (4)، لأن أحدا لا يخالف فيه مع ثبوته (5).
وقال في المبسوط: إذا دبره أولا ثم كاتبه فمن قال: التدبير وصية قال:
يكون رجوعا فيه، لأنه وصية، فهو كما لو أوصى بعبده ثم كاتبه، ومن قال: هو
عتق بصفة قال: يصير مكاتبا مدبرا (6).
وقال ابن الجنيد: ولا بأس بكتابة المدبر، وأي الأمرين سبق عتق بأداء
الكتابة أو موت السيد، وإذا مات السيد كان ما بقي عليه من الكتابة دينا
لورثته، فإن كان السيد أبطل التدبير وجعل الكتابة بدلا منه وشرط عليه بأنه
رق إن عجز فعجز كان للورثة، وليس يكون الفسخ للتدبير بالكتابة ما لم يشهد
بالفسخ، لأنه قد تصح الكتابة على مدبر.
وقال ابن البراج: إذا كاتب السيد مدبره لم يبطل التدبير بالكتابة (7)، فإن
أدى الكتابة قبل موت سيده عتق وبطل التدبير، وإن مات سيده (8) وكان يخرج من
الثلث عتق وبطل عنه (9) السعاية، وإن لم يخرج من الثلث عتق منه ما خرج

(1) المهذب: ج 2 ص 368.
(2) في المصدر: مملوكه.
(3) في المصدر: لتدبيره وللشافعي فيه.
(4) في المصدر: فإذا ثبت ذلك ثبت ما قلناه.
(5) الخلاف: ج 6 ص 415 المسألة 12.
(6) المبسوط: ج 6 ص 175.
(7) في المصدر: بالمكاتبة.
(8) في المصدر: سيده قبل.
(9) في المصدر: وبطلت منه.
88

منه ويبطل (1) من مال الكتابة بقدر ما عتق منه ويسعى فيما (2) بقي، فإن مات
السيد وليس له من المال غيره ولم يكن أدى من مال (3) الكتابة شيئا عتق منه
الثلث وسعى في ثلثي القيمة إن شاء أو ثلثي الكتابة (4).
والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: أن الكتابة والتدبير متنافيان، وقد بينا أن الوصية تبطل بفعل ما
ينافيها وأن التدبير وصية وقد تعقبه الكتابة فيبطل.
لا يقال: لو تنافيا لم يجتمعا على تقدير تقديم الكتابة، والتالي باطل،
لصحته عندكم، فيبطل المقدم.
لأنا نقول: الفرق ظاهر، فإن الوصية تصح للأجنبي، وأقصى ما تقتضيه
الكتابة العتق.
مسألة: قال ابن البراج: إذا كان له عبدان فكاتبهما مكاتبة واحدة على
ألف درهم وكل منهما (5) كفيل عن صاحبه ثم دبر أحدهما ومات السيد عتق
المدبر ورفعت حصته من المكاتبة وأخذ الوارث بحصة الآخر أيهما شاء، فإن
أخذ بها المدبر رجع بها على صاحبه (6). وهذا يشعر بجواز كفالة كل من الغريمين
لصاحبه بما عليه من المال، وأن المالك يتخير في إلزام أيهما شاء.
والمعتمد أن نقول: إن رضي بكفالة كل منهما لصاحبه فلا فائدة في
الكفالة، لأن الكفالة بالمال عندنا ناقلة، وإن لم يرض بكفالتهما بل بكفالة
أحدهما خاصة كان له مطالبته بجميع الدين وبرئ الآخر منه.
مسألة: قال ابن البراج: إذا كان العبد بين اثنين فدبر أحدهما نصيبه كان
نصيبه مدبرا وليس عليه لشريكه قيمة، فإن مات فعتق العبد كانت

(1) في المصدر: ويبطل عنه.
(2) في المصدر: ما بقي فإن.
(3) ليس في المصدر.
(4) المهذب: ج 2 ص 370.
(5) في المصدر: وكل واحد منهما.
(6) المهذب: ج 2 ص 370.
89

بقية القيمة من الثلث، فإن لم يكن في الثلث فضل كان مخيرا بين أن يعتق أو
يستسعى (1).
وليس بجيد، لأن المراد إن كان هو إيجاب التقويم على المدبر إذا انعتق
المدبر بعد موته فهو خطأ، لأنه لا يملك بعد موته شيئا، وإن كان هو إيجابها على
الورثة فليس بصحيح أيضا، لأنهم لم يباشروا العتق.
مسألة: قال الشيخ: تدبير الكفار جائز، ذميا كان السيد أو حربيا، كتابيا
كان أو وثنيا (2).
وقال ابن إدريس: لا يقع التدبير على غضب، ويكون القربة إلى الله تعالى
هي المقصودة به دون سائر الأغراض، فعلى هذا تدبير الكافر غير جائز (3).
والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: إنا قد بينا فيما سلف صحة عتق الكافر، فتدبيره أولى، لأنه كالوصية.
احتج بأن نية القربة شرط، ولا يصح من الكافر. والكبرى ممنوعة.
مسألة: جوز الشيخ تدبير العبد الكافر (4).
وقال السيد المرتضى: مما انفردت الإمامية به أن تدبير الكافر لا يجوز،
وقد مضى الكلام في نظير هذه المسألة، لما دللنا على أن عتق الكافر لا يجوز،
فإن التدبير ضرب من العتق (5).
والوجه ما قاله الشيخ، وقد تقدم في العتق.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا دبر الكافر عبده فأسلم العبد فإن رجع
في تدبيره بيع عليه بلا خلاف، وإن لم يرجع في تدبيره بيع عليه، وهو أحد قولي

(1) المهذب: ج 2 ص 370 - 371.
(2) المبسوط: ج 6 ص 182.
(3) السرائر: ج 3 ص 30.
(4) المبسوط: ج 6 ص 182.
(5) الإنتصار: ص 172.
90

الشافعي: والآخر لا يباع. واحتج بإجماع الفرقة على أن العبد إذا أسلم في يد
الكافر أعطي ثمنه، وقوله - عليه السلام -: (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه) ولو لم
يبع عليه وكان لمولاه عليه طاعة لكان قد علاه وهو كافر، وذلك ينافي
الخبر (1).
وقال في المبسوط أيضا: إذا دبر الكافر عبده ثم أسلم نظرت، فإن رجع
السيد في تدبيره بعناه عليه، وإن أقام على التدبير قال قوم: يباع عليه، وهو
الصحيح عندنا، وقال آخرون: لا يباع (2).
وقال ابن البراج: إذا دبر ذمي مملوكة فأسلم المملوك قيل له: إن أردت الرجوع
في التدبير بعناه عليك، وإن لم ترده حيل بينك وبينه وادي خراجه إليك حتى
تموت فيعتق أو تستسعيه إن اتفق معك على ذلك أو ترجع فنبيعه (3).
والمعتمد الأول، لما تقدم.
مسألة: قال ابن البراج: الحربي إذا دخل دار الإسلام بأمان فدبر عبدا له
كان جائزا، وإن أراد الرجوع إلى دار الحرب لم يمنعه (4) من ذلك، فإن أسلم
المدبر قيل للحربي: إن رجعت في التدبير بيع عليك ولم يمنع من ذلك، وإن لم
ترجع خارجناه لك ومنعناك خدمته، وإن أردت العود (5) إلى بلدك وكلت
بخراجه إن شئت من يقبضه، فإذا مت كان حرا، وإن اتفقت معه على السعاية
سعى لك في قيمته، فإن كان التدبير حصل في دار الحرب وخرج مستأمنا
والعبد معه فأسلم العبد بيع عليه على كل حال (6).
والوجه ما تقدم من أنه يباع عليه، ولا فرق بين أن يقع التدبير في دار

(1) الخلاف: ج 6 ص 418 المسألة 20.
(2) المبسوط: ج 6 ص 183.
(3) المهذب: ج 2 ص 371.
(4) في المصدر: لم يمتنعا.
(5) في المصدر: العودة.
(6) المهذب: ج 2 ص 371.
91

الحرب أو دار الإسلام.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا ارتد المسلم ثم دبر مملوكا فإن كان
ممن يستتاب لم يزل ملكه عن ماله وصح تدبيره، وإن كان ممن لا يستتاب
زال ملكه، فإنه يجب عليه القتل على كل حال (1).
وقال في المبسوط: إذا ارتد ثم دبر فالكلام أولا في ملكه ثم في تصرفه،
وفيهما ثلاثة أقوال: أحدها: باطل، والثاني: صحيح، والثالث: مراعى.
ويقوي في نفسي أن ملكه باق، وأما تصرفه فإنه باطل، لأنه محجور عليه بالردة،
فعلى هذا تدبيره باطل (2). وقد تقدمت هذا المسألة.
وقال ابن البراج: وإن دبر المرتد مملوكه وتاب قبل أن يحكم الحاكم في
ماله جاز تدبيره، وإن لحق بدار الحرب أو قتل وقسم ماله كان تدبيره
باطلا (3).
والوجه أن نقول: إن دبر قبل حجر الحاكم صح، وإلا فلا.

(1) الخلاف: ج 6 ص 413 المسألة 10.
(2) المبسوط: ج 6 ص 173 - 174.
(3) المهذب: ج 2 ص 371 - 372.
92

الفصل الرابع
في المكاتبة
مسألة: قال الشيخ في النهاية: حد العجز في المكاتب المشروط أن يؤخر
نجما إلى نجم أو يعلم من حاله أنه لا يقدر على فك رقبته (1) وتبعه ابن
البراج (2).
وقال المفيد: فإن اشترط في الكتاب أنك إن عجزت عن الأداء أو ألطت
به رجعت عبدا فعجز عن الأداء بعد حلول الأجل أو ألط بالأداء وقد حل
الأجل كان عبدا على حاله قبل المكاتبة (3). وهذا يقتضي أن يكون العجز
تأخير النجم عن وقته.
وقال ابن الجنيد: ولو قال: وعلي أنه إن عجز بشئ من مال كتابته (4)
ونجومه فهو رق رجع رقا متى عجز عن أداء نجم في وقته أو بعضه إن شاء سيده،
فإن قال: فإن عجز عن نجم من نجومه فبقي عليه بعض النجم الأخير لم يرجع
رقا، وكذلك إن تأخر عنه بعض نجم إلى أن يؤديه مع الذي يليه.
وقال الصدوق: وإن كاتب رجل عبدا وشرط عليه إن عجز فهو رد في

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 30.
(2) المهذب: ج 2 ص 376.
(3) المقنعة: ص 551، وفيه: (الططت).
(4) ق 2: المكاتبة، م 3: الكتابة.
93

الرق فله شرطه ينتظر المكاتب ثلاثة أنجم، فإن هو عجز رد رقا (1).
وقال ابن إدريس: وحد العجز هو: أن يؤخر نجما إلى نجم، والأولى أن
نقول: أن يؤخر النجم بعد محله، فأما تأخير النجم إلى النجم الآخر فعلى جهة
الاستحباب الصبر عليه إلى ذلك الوقت (2). وهو موافق لما ذكره شيخنا المفيد،
وهو أيضا خيرة الشيخ في الاستبصار (3)، وهو المعتمد.
لنا: أنه إخلال بالشرط فكان للمولى الفسخ قضية للاشتراط.
وما رواه معاوية بن وهب في الصحيح، عن الصادق عليه السلام - إلى أن
قال: - فقلت له: ما حد العجز؟ فقال: إن قضاتنا يقولون: إن عجز المكاتب أن
يؤخر النجم إلى النجم الآخر حتى يحول عليه الحول، قلت: فما تقول أنت؟
فقال: لا ولا كرامة، ليس له أن يؤخر نجما عن أجله إذا كان ذلك في
شرطه (4).
وفي الصحيح عن معاوية بن وهب، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن مكاتبة أدت ثلثي مكاتبتها وقد شرط عليها إن عجزت فهي رد في
الرق ونحن في حل مما أخذنا منها وقد اجتمع عليها نجمان، قال: يرد ويطيب
لهم ما أخذوا، وقال: ليس لها أن تؤخر النجم بعد حلة شهرا واحدا إلا
بإذنهم (5).

(1) المقنع: ص 158.
(2) السرائر: ج 3 ص 27.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 35 ذيل الحديث 117.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 265 - 266 ح 968، وسائل الشيعة: ب 5 إن حد عجز المكاتب...
ح 1 ج 16 ص 88 - 89.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 266 ح 971، وسائل الشيعة: ب 5 إن حد عجز المكاتب... ح 2 ج 16
ص 89.
94

احتج الشيخ بما رواه إسحاق بن عمار، عن الصادق، عن الباقر - عليهما
السلام - أن عليا - عليه السلام - كان يقول: إذا عجز المكاتب لم ترد مكاتبته في
الرق، ولكن ينتظر عاما أو عامين فإن قام بمكاتبته وإلا رد مملوكا (1).
واحتج الصدوق بما رواه جابر، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن
المكاتب يشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق فعجز قبل أن يؤدي شيئا، فقال
أبو جعفر - عليه السلام -: لا يرده في الرق حتى يمضي له ثلاث سنين ويعتق منه
مقدار ما أدى، فأما إذا صبروا (2) فليس لهم يردوه في الرق (3).
وقد روى القاسم بن سليمان، عن الصادق - عليه السلام - أن عليا - عليه
السلام - كان يستسعي المكاتب أنهم (4) لم يكونوا يشترطون إن عجز فهو رقيق،
وقال أبو عبد الله - عليه السلام -: لهم شرطهم، وقال: ينتظر بالمكاتب ثلاثة
أنجم، فإن هو عجز رد رقيقا (5).
والجواب: الحمل على الاستحباب وضعف السند.
مسألة: منع السيد المرتضى في الانتصار (6). وقواه الشيخ في المبسوط (7) من
كتابة العبد الكافر، واستدل عليه بمثل ما استدل على منع عتقه وتدبيره من

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 66 ح 972، وسائل الشيعة: ب 4 إن المكاتب المطلق... ح 13 ج 16
ص 87 - 88.
(2) في المصدر: ما أدى صدرا فإذا أدى صدرا فليس.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 125 ح 3470، وسائل الشيعة: ب 4 إن المكاتب المطلق... ح 14
ج 16 ص 88.
(4) في التهذيب: يستسعي المكاتب لأنهم.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 267 ح 974، وسائل الشيعة: ب 4 إن المكاتب المطلق... ح 9 ج 16
ص 86 - 87.
(6) الإنتصار: ص 174.
(7) المبسوط: ج 6 ص 130.
95

أن في تحريره تسليطا على مكاره أهل الدين والإيمان، وبقوله تعالى: (فكاتبوهم
إن علمتم فيهم خيرا) (1)، وليس المراد المال أو حسن التكسب فإنه لا يسمى
الكافر والمرتد إذا كانا موسرين بأن فيهما خيرا ويسمى ذو الإيمان خيرا، وإن لم
يكن موسرا فالحمل على ما ذكرناه أولى. ولو تساوت المعاني في الاحتمال
لوجب الحمل على الجميع.
والوجه الجواز، وقد تقدم في عتق الكافر. الخير لو حمل على الدين لم يكن
منافيا للجواز، لأن الأمر بكتابته مع الصلاح، والايتاء من مال الله لا يمنع من
كتابة الكافر.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا مات هذا المكاتب - يعني: المشروط عليه -
وخلف مالا وأولادا كان ما تركه لمولاه دون غيره وكان أولاده مماليك له. وإن
مات المكاتب المطلق وترك مالا وأولادا ورثه مولاه بقدر ما بقي من العبودية
وكان الباقي لولده إذا كانوا أحرارا، فإن كان المكاتب قد رزق الولد بعد
الكتابة من أمة له كان حكم ولده حكمه في أنه يسترق منه مولى أبيه بقدر ما
بقي على أبيه، فإن أدى الابن ما كان قد بقي على أبيه صار حرا لا سبيل لمولاه
عليه، وإن لم يكن له مال استسعاه مولى الأب فيما بقي على أبيه فمتى أداه صار
حرا (2). وتبعه ابن البراج (3).
وقال المفيد وإن مات المكاتب المطلق وله مال وولد أحرار ورثوا منه
بحساب الحرية فيه، وكذلك إن مات وله قرابة حر ورث منه بحساب الحرية
فيه (4).

(1) النور: 33.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 30 - 31.
(3) المهذب: ج 2 ص 375 - 376.
(4) المقنعة: ص 551.
96

وقال الشيخ في الخلاف: إذا مات المكاتب المشروط عليه وخلف تركة
فإن كان فيها وفاء لما عليه وفي منه (1) ما عليه وكان الباقي لورثته، وإن لم يكن
فيه (2) وفاء كان ما خلفه لمولاه، لأن ذلك عجز عن الأداء، وإن كان له أولاد
من مملوكة له كان حكمهم حكمه، وإن وفى ما عليه انعتقوا، وإن عجزوا (3) عن
ذلك كانوا مماليك لسيد أبيهم، وإن كانت المطلقة (4) ورث بحساب ما أدى
منه ورثته وبحساب ما بقي للسيد (5).
وقال في المبسوط: إذا كان مشروطا عليه انفسخت الكتابة (6) وما خلفه
لسيده، وإن كانت مطلقة وقد أدى بعضه كان لسيده بحساب ما بقي من الرق
وللورثة بحساب ما تحرر منه، وقد روي أنهم يؤدون ما بقي عليه وتحرر كله وما
يبقى فلهم (7).
وقال الصدوق: فإن مات مكاتب وقد أدى بعض مكاتبته وله ابن من
جارية وترك مالا فإن ابنه يؤدي ما بقي من (8) مكاتبة أبيه ويعتق ويورث (9) ما
بقي (10). ولم يفصل إلى المشروط والمطلق هنا.
وقال ابن الجنيد: ولو مات هذا المكاتب لم يكن للسيد إلا بقية مكاتبته
وكان الباقي في ديونه ووصاياه ولورثته. ولم يفصل أيضا.
ثم قال بعد ذلك: ولو أدى المكاتب بعض كتابته ثم مات وترك مالا
كثيرا وولدا أدى عنه بقية مكاتبته وما بقي ميراث لولده، فإن عجز ما خلفه
عن قدر ما بقي عليه ولم يكن شرط عليه الرق إن عجز كان ما خلفه بين المولى

(1) في المصدر: منها.
(2) في المصدر: منها.
(3) في المصدر: عجز.
(4) في المصدر: مطلقة.
(5) الخلاف: ج 6 ص 394 المسألة 18.
(6) في المصدر: المكاتبة.
(7) المبسوط: ج 6 ص 91.
(8) في المصدر: يؤدي عنه ما بقي.
(9) في المصدر: ويرث.
(10) المقنع: ص 159.
97

والولد يأخذ السيد قدر ما بقي على المكاتب ويأخذ الولد بقدر ما أدى المكاتب
والولد بمنزلة أبيه، فإذا أدى ما بقي على أبيه عتق، وإن لم يكن خلف شيئا وقد
شرط عليه الرق رجع ولده مماليك، وإن لم يكن شرط عليه سعى ولده في
مكاتبة أبيهم، فإذا أدوا عتقوا، وإن كانوا صغارا انتظر بهم حتى يكبروا إن كان
قد أدى أبوهم بعض مكاتبته. ولم يشرط رده في الرق إن عجز.
وقال ابن إدريس: فإن مات المشروط وخلف مالا وأولادا كان ما ترك
لمولاه دون غيره وكان أولاده مماليك إذا كان أولاده من مملوكة اشتراها، فأما
إن كانوا من حرة فلا يكونون مماليك لسيده، وإن مات المطلق وترك مالا
وأولادا ورثه مولاه بقدر ما بقي له من العبودية، وكان الباقي لولده إذا كانوا
أحرارا في الأصل بعد إخراج ما بقي من مال الكتابة قبل ذلك أجمع، لأنه دين
وما يبقى بعد ذلك يكون ميراثا على ما بيناه. والذي ينبغي تحصيله في ذلك أن
نقول: يرث السيد بمقدار ما فيه من العبودية وابنه أو وارثه بقدر ما تحرر منه
ويؤخذ بقية مال الكتابة من نصيب وارث المكاتب إذا صار إليه نصيبه، لأن
الدين الذي هو مال الكتابة يخرج من نصيب الوارث للأجزاء الحرية دون
جميع ما خلفه وتركه الميت، لأن الأجزاء الباقية على العبودية لا يملك شيئا،
لأنه مال سيده دونه، وإنما الدين يتعلق بما فيه من الحرية ونصيبها دون جميع
التركة، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في استبصاره، وهو الصحيح دون ما
أوردناه أولا، فإن كان هذا المكاتب قد رزق الولد بعد الكتابة من أمة له كان
حكم ولده حكمه في أنه يسترق منه مولى أبيه بقدر ما بقي على أبيه، فإن أدى
الابن ما كان قد بقي على أبيه صار حرا لا سبيل لمولاه عليه، فإن لم يكن له مال
استسعاه مولى الأب فيما بقي على أبيه فمتى أداه صار حرا (1).

(1) السرائر ج 3 ص 27 - 28.
98

والوجه أن نقول: المكاتب إن كان مشروطا بطلت كتابته بموته، ولو بقي
عليه درهم واحد وكان جميع ما خلفه من مال وولد من أمته للمولى، وإن كان
مطلقا وقد أدى بعض مكاتبته فإن كان وارثه مكاتبا بالتبعية بأن يكون ولدا له
تجدد بعد الكتابة من أمة له ورث مولاه بقدر ما بقي فيه من الرقية وورث ولده
بقدر ما فيه من الحرية ويؤدي من نصيب الحرية بقدر ما بقي على أبيه من مال
الكتابة ويتحرر هو بالتبعية، فإن فضل من نصيبه شئ كان له، وإن أعوز
استسعي، وإن كان الوارث حرا في الأصل بأن يكون ولده من حرة أو غيره
كان للمولى بقدر ما فيه من نصيب الرقية والباقي لوارثه الحر ولا يؤدي ما تخلف
من مال الكتابة، ولو خلف ولدا من أمته وولدا من حرة وقد انعتق نصفه
- مثلا - كان نصف ما خلفه لمولاه نصيب الرقية والنصف الآخر يقسم بين
ولده الحر وولده المكاتب على قدر الحرية ونسبتها إليهما، فنصيب الحر لا يؤدي
منه شيئا البتة، وأما نصيب المكاتب فيؤدي منه جميع ما تخلف على أبيه من
مال الكتابة، فإن أعوز استسعي فيه.
لنا: ما رواه ابن سنان في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - في
مكاتب (1) يموت وقد أدى بعض مكاتبته وله ابن من جاريته، قال: إن
اشترط (2) عليه إن عجز فهو مملوك رجع ابنه مملوكا، والجارية وإن لم يكن
اشترط عليه أدى ابنه ما بقي من مكاتبته وورث ما بقي (3).
وفي الصحيح عن جميل ابن دراج، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته
عن مكاتب يؤدي بعض مكاتبته ثم يموت ويترك ابنا له من جارية له، فقال

(1) في التهذيب: في رجل مكاتب.
(2) في التهذيب: إن كان اشترط
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 349 - 350 ح 1296، وسائل الشيعة: ب 19 إن المكاتب إذا... ح 3
ج 16 ص 100.
99

إن كان اشترط عليه أنه إن عجز فهو رق رجع ابنه مملوكا، والجارية وإن لم
يشترط عليه صار ابنه حرا ورد على المولى بقية المكاتبة وورث (1) ابنه ما بقي (2)
وغيرهما من الأحاديث الدالة على بطلان الكتابة المشروطة. وأما المطلق فقد
روى بريد بن معاوية العجلي في الصحيح قال: سألته عن رجل كاتب عبدا له
على ألف درهم ولم يشترط عليه حين كاتبه إن هو عجز عن مكاتبته فهو رد في
الرق وإن المكاتب أدى إلى مولاه خمسمائة درهم ثم مات المكاتب وترك مالا
وترك (3) ابنا له مدركا، قال: نصف ما ترك المكاتب من شئ فإنه لمولاه الذي
كاتبه والنصف الباقي لابن المكاتب الذي (4) مات ونصفه حر ونصفه عبد
للذي كاتبه، وابن المكاتب كهيئة أبيه نصفه حر ونصفه عبد للذي كاتب
أباه، فإن أدى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حر لا سبيل لأحد من
الناس عليه (5).
وفي الصحيح عن محمد بن قيس، عن الباقر (6) - عليه السلام - قال: قضى
أمير المؤمنين - عليه السلام - في مكاتب توفي وله مال، قال: يقسم ماله على قدر
ما أعتق منه لورثته، وما لم يعتق يحسب (7) منه لأربابه الذين كاتبوه هو
ماله (8).

(1) في التهذيب: وورثه.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 272 ح 992، وسائل الشيعة: ب 7 إن المكاتب المطلق... ح 3 ج 16 ص 92.
(3) ليس (مالا وترك) في التهذيب.
(4) في التهذيب: لأن المكاتب.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 350 ح 1259، وسائل الشيعة: ب 7 إن المكاتب المطلق... ح 1 ج 16
ص 91.
(6) في التهذيب: عن أبي عبد الله.
(7) في التهذيب: يحتسب.
(8) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 274 ح 999، وسائل الشيعة: ب 19 إن المكاتب إذا... ح 1 ج 16 ص 99.
100

قال الشيخ في التهذيب: هاتان الروايتان هما الذي أفتي به وأعمل
عليه (1)، وهو أن المولى يرث من تركه مكاتبه بقدر ما بقي عليه من العبودية
ويكون الباقي لولده، ويلزمه أن يؤدي إلى مولى أبيه ما كان قد بقي على أبيه
ليصير حرا ويستحق ما بقي من المال. ولا ينافي ذلك ما تقدم من الروايات من
أنه إذا أدى ما بقي على أبيه كان ما يبقى له، لأنه ليس في هذه الأخبار أنه إذا
أدى ما بقي على أبيه من أصل المال أو من نصيبه، وإذا احتمل ذلك حملناه على
أنه إذا أدى ما بقي على أبيه من الذي يخصه ثم يبقى بعد ذلك منه شئ كان
له، وعلى هذا الوجه تسلم الأخبار كلها (2).
وابن الجنيد احتج بما تقدم من الأحاديث.
والجواب: المعارضة بما تلوناه من الأخبار، والجمع ما تقدم.
مسألة: كلام السيد المرتضى يشعر بأن الخير المراد به في الآية الدين
والأمانة (3).
وقال الشيخ في الخلاف (4) والمبسوط (5): إنه الكسب والأمانة، للإجماع
على أنه يتناوله الاسم، وبه قال ابن الجنيد.
والمعتمد أن نقول: إن الخير قد ورد في القرآن بمعنى العمل الصالح، وهو
يناسب الدين في قوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) (6) وبمعنى المال
في قوله تعالى: (إن ترك خيرا) (7) (وإنه لحب الخير لشديد) (8) وبمعنى

(1) في المصدر: الذي أفتي وعليه أعمل.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 274 ذيل الحديث 999، وفيه: (الأخبار كلها من المنافاة).
(3) الإنتصار: ص 174، وفيه: (الدين والإيمان).
(4) الخلاف: ج 6 ص 380 المسألة 3.
(5) المبسوط: ج 6 ص 72.
(6) الزلزلة: 7.
(7) البقرة: 180.
(8) العاديات: 8.
101

الثواب: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير) (1) يعني: ثوابا.
فأما أن يجعل مشتركا أو للقدر المشترك أو حقيقة في أحدهما ومجازا في الآخر،
وليس في القرآن العزيز ما يدل على أحد الثلاثة.
مسألة: الكتابة عقد مستقل بنفسه، وليست بيعا للعبد من نفسه.
وقال أبو الصلاح (2)، وتبعه ابن إدريس (3): إنها بيع العبد من نفسه.
وليس بمعتمد، لبعدها عن شبه البيع.
قال الشيخ: إنها تفارق البيع من وجوه: الأول: الكتابة لا بد فيها من
أجل، والبيع لا يفتقر إليه. الثاني: الكتابة (4) يمتد فيها خيار العقد (5)، والبيع
لا يمتد فيه خيار الشرط. الثالث: البائع يشترط لنفسه الخيار، والسيد لا
يشترطه في عقد الكتابة، ويتفقان في أن الأجل فيهما (6) لا يكون إلا معلوما،
ولا يصح كل واحد منهما إلا بعوض معلوم (7).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: الكتابة لا تنعقد إلا بأجل، ومتى كانت
بغير أجل كانت باطلة (8). وتبعه ابن حمزة (9).
وقال ابن إدريس: الكتابة تصح حالة ومؤجلة، وليس الأجل شرطا في
صحتها (10).
احتج الشيخ بأن ما في يد العبد لمولاه لا يصح المعاملة عليه، وإنما يقع على
ما يتوقع حصوله بالتكسب فلا بد له من ضرب الأجل تحفظا من تطرق
الجهالة.

(1) الحج: 36.
(2) الكافي في الفقه: ص 318.
(3) السرائر: ج 3 ص 26.
(4) في المصدر: المكاتبة.
(5) في المصدر: العبد.
(6) في المصدر: منهما.
(7) المبسوط: ج 6 ص 73.
(8) المبسوط: ج 6 ص 73.
(9) الوسيلة: ص 344.
(10) السرائر: ج 3 ص 30.
102

احتج ابن إدريس بأصالة الجواز.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: الكتابة لازمة من جهة السيد جائزة من
جهة العبد، ومعناه: إن له الامتناع من أداء ما عليه وتعجيزه، فإذا امتنع منه
كان سيده بالخيار بين البقاء على العقد وبين الفسخ، واستدل بإجماع الفرقة
وأخبارهم على أن المكاتب متى عجز كان لمولاه رده في الرق إذا كانت الكتابة
مشروطة (1). والظاهر أنه يريد المشروطة.
وقال في المبسوط: الكتابة لازمة من جهة السيد جائزة من جهة العبد،
ولسنا نريد بقولنا: جائزة من جهته أن له الفسخ كالعامل في القراض، بل
نريد أن له الامتناع من أداء ما عليه مع القدرة عليه، فإذا امتنع منه كان سيده
بالخيار بين البقاء على العقد وبين الفسخ. وقال قوم: هي لازمة من الطرفين،
فإن (2) كان معه مال أجبرناه على الأداء ليعتق، وإن لم يكن معه مال قال
بعضهم: أجبره على الكسب، وقال آخرون: لا يجبره (3) والذي يقتضيه مذهبنا
أن الكتابة إن كانت مطلقة فهي لازمة من الطرفين، وليس لأحدهما فسخ (4)،
وإن كانت مقيدة فهي لازمة من جهة السيد وجائزة من جهة العبد، فإن عجز
لم يجبر على الاكتساب، وإن لم يعجز وكان معه مال وامتنع أجبر على الأداء
كمن عليه دين وهو موسر (5).
وقال ابن حمزة: المشروطة عقد جائز من الطرفين، والمطلقة عقد لازم من
جهة السيد جائز من جهة المكاتب (6).

(1) الخلاف: ج 6 ص 393 المسألة 17.
(2) في المصدر: من الطرفين معا فان.
(3) في المصدر والطبعة الحجرية: لا أجبره.
(4) في المصدر: فسخها.
(5) المبسوط: ج 6 ص 91.
(6) الوسيلة: ص 345.
103

وقال ابن إدريس: المشروطة لازمة من جهة السيد جائزة من جهة العبد،
والمطلقة لازمة من الطرفين (1).
والوجه أن نقول: الكتابة بنوعيها لازمة من الطرفين، لأنها عقد فيجب
الوفاء به، لقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (2) ونمنع أن للعبد تعجيز نفسه، بل يجب
عليه أداء المال مع الإمكان والقدرة عليه أو التكسب له، فإن عجز كان للمولى
حينئذ خيار الفسخ في المشروطة، ولو لم يختر المولى الفسخ عند العجز لم تنفسخ
الكتابة بمجرد العجز.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط الإيتاء واجب عندنا، وهو أن يحط السيد
عن مكتابه شيئا من مال الكتابة أو يؤتيه شيئا يستعين به على الأداء، لقوله
تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) وهذا أمر. وقال قوم: هو
مستحب، وبه قال قوم من أصحابنا (3).
وقال في الخلاف: إذا كاتب عبده وكان السيد يجب عليه الزكاة وجب
عليه أن يعطيه شيئا من زكاته يحتسب به من مال مكاتبته، وإن لم يكن ممن
وجب عليه الزكاة كان ذلك مستحبا غير واجب، وأوجبه الشافعي، ولم
يفصل، واستحبه أبو حنيفة، ولم يفصل. واستدل بقوله تعالى: (وآتوهم من
مال الله الذي آتاكم) وقوله تعالى في آية الزكاة: (وفي الرقاب) وهم
المكاتبون، وهذا منهم. وأما إذا لم يجب عليه الزكاة فالأصل براءة الذمة،
وإيجاب شئ عليها يحتاج إلى دليل، وقوله تعالى: (وآتوهم من مال الله) نحمله
على من يجب عليه الزكاة أو على وجه الاستحباب، ولو كان الإيتاء واجبا
لعتق إذا بقي عليه من مكاتبته درهم، لأنه يستحق على سيده هذا القدر، فلما لم

(1) السرائر: ج 3 ص 29.
(2) المائدة: 1.
(3) المبسوط: ج 6 ص 93 - 94.
104

يعتق دل على أنه ليس بواجب، ويجوز أن يكون قوله تعالى: (وآتوهم من مال
الله) متوجها إلى غير سيد المكاتب ممن يجب عليه الزكاة، ألا ترى إلى قوله
تعالى: (من مال الله الذي آتاكم) تنبيها على ما تجب فيه الزكاة، وعلى
المسألة إجماع الفرقة وأخبارهم (1).
وقال ابن الجنيد: وأما قوله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)
فيحتمل أن يكون ذلك أمرا بأن يدفع إلى المكاتبين من سهم الرقاب من
الصدقات إن عجزوا، ويحتمل أن يكون ندبا للسيد أن يضع عنه جزاء من
مكاتبته. وهو يشعر بالاستحباب.
وقال ابن البراج: ويستحب لسيده أن يعينه على فك رقبته بشئ من
ماله من سهم الرقاب (2).
وقال ابن حمزة: يستحب للسيد الإيتاء، وهو أن يعطيه شيئا من سهم
الرقاب ليعينه على فك رقبته (3).
وقال ابن إدريس: إذا كان المكاتب غير مشروط عليه وعجز عن توفية
ثمنه فإن كان مولاه ممن تجب عليه زكاة فإنه يجب عليه أن يعطيه شيئا من
ذلك قل أم كثر، لقوله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) وإن لم يكن
ممن يجب عليه زكاة فلا يجب عليه الإيتاء المذكور في الآية، لأنه لا مال لله
تعالى واجب عليه، وكان على الإمام أن يفك رقبته من سهم الرقاب (4).
والوجه الاستحباب، لأصالة البراءة، والآية محمولة على الندب.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: ليس لولي اليتيم والمولى عليه لسفه أن

(1) الخلاف: ج 6 ص 396 المسألة 21.
(2) المهذب: ج ص 377.
(3) الوسيلة: ص 345.
(4) السرائر: ج 3 ص 29.
105

يكاتب عبدا له، سواء كان المولى هو الأب أو الجد أو الوصي أو الحاكم أو ولي
الحاكم. وقال بعضهم: له ذلك، لأنه كالبيع، فإذا ثبت هذا وخالفه وكاتبه
فالكتابة باطلة، فإن أدى المال كان لسيده ولا يعتق العبد به (1).
وقال في الخلاف: لولي المولى عليه من يتيم وغيره أن يكاتب عبد المولى
عليه إذا كان في ذلك حظ للمولى عليه، وقال أبو حنيفة: له ذلك، ولم يقيد،
وقال الشافعي: ليس له ذلك. واستدل بأنه لا خلاف أن لولي المولى عليه أن
يبيع مال المولى عليه، وهذا بيع إلا أنه من نفسه (2).
والوجه ما قاله الشيخ في الخلاف، لأن له ولاية المصلحة، وجاز أن تكون
الكتابة مصلحة.
وقد روى معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام - إني
كاتبت جارية لأيتام لنا واشترطت عليها إن عجزت فهي رد في الرق وأنا في
حل مما أخذت منك، قال: فقال: لك شرطك (3).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كاتب ثلاثة أعبد له صفقة واحدة
فالكتابة (4) صحيحة، وكل واحد منهم مكاتب بحصة قيمته من المسمى فإن شرط
إن كل واحد منهم كفيل ضامن عن صاحبه فإن الشرط باطل، وقال بعضهم:
صحيح، فإذا ثبت أن الشرط باطل بطلت الكتابة أيضا. قال: وعندي أن
الشرط صحيح والكتابة صحيحة (5).

(1) المبسوط: ج 6 ص 95.
(2) الخلاف: ج 6 ص 398 المسألة 22.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 265 ح 968، وسائل الشيعة: ب 4 إن المكاتب المطلق... ح 1 ج 16
ص 85 وفيهما: (إن هي عجرت).
(4) في المصدر: واحدة فقد قلنا إن الكتابة.
(5) المبسوط: ج 6 ص 81.
106

وقال في الخلاف: إن وقع شرط إن كل واحد منهم كفيل عن صاحبه
ضامن، فالشرط صحيح للأصل، ولقوله - عليه السلام -: (المؤمنون عند
شروطهم) (1) وتبعه ابن البراج (2).
وفيه إشكال، من حيث إن الضمان عندنا ناقل، فإن رضي المولى
بضمانهم كلهم فهو كما لو لم يقع ضمان، وإن رضي بضمان أحدهم تعلق المال
كله بذمته وبرئ الباقون منه. وقد سلف البحث في ذلك.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا كان له مكاتبان كاتبهما بقيمة واحدة
فأدى أحدهما ألفا ثم أشكل عليه من (3) المؤدي منهما أقرع بينهما، فمن خرج (4)
قرعته حكم له بالأداء وعتق وبقي الآخر مكاتبا، فإن مات أقرع بينهما، وقال
الشافعي: لا يجوز أن يقرع بينهما ما دام حيا، بل يلزم التذكر أبدا، فإن مات
أقرع بينهما. واستدل بإجماع الفرقة على أن كل مشكل فيه القرعة (5)، وهذا من
جملة ذلك (6).
وقال في المبسوط (7)، وتبعه ابن البراج (8): إذا أشكل المؤدى لزمه أن
يكرر الذكر لعله أن يذكر ذلك طول حياته، وليس له فرض القبض في أحدهما
بل عليه التذكر فقط، فإن لم يتبين حتى مات قبل البيان أقرع بينهما.
والوجه ما قاله الشيخ في الخلاف، لما ذكره.
مسألة: قال ابن البراج: إذا كاتب اثنان عبدا لهما مكاتبة واحدة وغاب
أحدهما وقدم الآخر العبد إلى الحاكم وقد عجز لم يرده في الرق حتى يجتمع

(1) الخلاف: ج 6 ص 387 المسألة 10.
(2) المهذب: ج 2 ص 381.
(3) في المصدر: عين.
(4) في المصدر: خرجت.
(5) في المصدر: قرعة.
(6) الخلاف: ج 6 ص 399 المسألة 24.
(7) المبسوط: ج 6 ص 96.
(8) المهذب: ج 3 ص 378.
107

السيدان (1).
وليس بجيد، لأنه مناف للشرط ومقتضى عقد الكتابة المشروطة
والوجه أن له رد حصته في الرق.
مسألة: قال ابن البراج: إذا كاتب إنسان عبدين كتابة واحدة فمات
أحدهما قيل للثاني: إما أن تختار أن تؤدي باقي الكتابة عنك وعن صاحبك،
وإما أن تكاتب عن نفسك كتابة جديدة فأيهما اختار كان له ذلك، وإن كان
المتروك مالا فيه وفاء بقسطه من الكتابة أخذه السيد من الكتابة وكان على
الباقي ما بقي من قسطه منها. وكذلك إن ارتد أحدهما ولحق بدار الحرب فحكم
بلحاقه أو قتل على ردته، فإن كان ما ترك الميت فيه وفاء لجميع (2) الكتابة،
فإن السيد يأخذ من ذلك جميع الكتابة ويعتقان معا ويرجع (3) ورثته على
الحي بحصته وبقية ذلك ميراث لهم، فإن كسب مالا في دار الحرب وظهر
المسلمون عليه لم يرجع المؤدي في ذلك بشئ، لأنه فئ (4).
والوجه أن نقول: إذا مات أحدهما بطلت الكتابة فيه، سواء كانت
مشروطة أو مطلقة لم يؤد من المال شيئا، وحينئذ يسقط قد نصيبه من مال
الكتابة، إذ لا ينحصر المال في أحدهما، لأنه عوض عنهما معا فيقسط عليهما
كالمبيع، فحينئذ يؤدي الحي قدر ما يصيبه من مال الكتابة وينعتق.
قال الشيخ في الخلاف: إذا كاتب ثلاثة أعبد صفقة كان كل واحد
مكاتب بحصة قيمته من المسمى كأنه كاتبه بذلك مفردا (5) لا يتعلق به حكم
غيره، فإن أدى ما عليه من مال الكتابة عتق، سواء أدى صاحباه وعتقا أو

(1) المهذب: ج 2 ص 381.
(2) في المصدر: بجميع.
(3) في المصدر: وترجع.
(4) المهذب: ج 2 ص 381 - 382.
(5) في المصدر: منفردا من غيره.
108

عجزا ورقا، ولا يكون كل واحد كفيلا عن صاحبه، إلا إذا شرط في عقد
الكتابة أن كلا منهم كفيل ضامن فالشرط صحيح، للأصل، ولقوله - عليه
السلام -: (المؤمنون عند شروطهم) (1) وهو يناسب ما اخترناه إلا في
الضمان.
وقال في المبسوط: الرجل إذا كاتب عبيدا له في عقد واحد، فإن كل واحد
منهم يكون مكاتبا على ما يخصه من العوض، ولا يتحمل بعضهم ما يلزم
البعض، وفيه خلاف (2).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط (3) والخلاف (4): إذا كاتب اثنان عبدا
صحت الكتابة، ولم يجز له أن يخص أحدهما بمال الكتابة بلا خلاف إذا كان
بغير إذنه، فإن أذن الشريك له أن يعطي الآخر نصيبه كان إذنه صحيحا،
ومتى أعطاه وقبضه كان القبض صحيحا.
وقال ابن البراج: إذا كاتباه ولم يشترطا عليه أن يكون أداء الكتابة لهما
جميعا جاز له أن يدفع حق (5) كل واحد منهما إلى صاحبه على الانفراد وكان
لكل واحد منهما جائزا ما أخذ منه (6) لا يشركه فيه غيره (7).
احتج الشيخ في المبسوط بأن الدفع إلى أحدهما بغير إذن شريكه يفضى (8)
إلى أن ينتفع أحدهما بمال شريكه مدة بغير حق، لأن المكاتب إذا قدم لأحدهما
ربما عجز ورق فيرجعان معا في ماله نصفين، فيحتاج أن يرجع على القابض
بنصف ما قبضه بعد أن انتفع به تلك المدة.

(1) الخلاف: ج 6 ص 384 - 387 المسألة 8، 9، 10.
(2) المبسوط: ج 6 ص 141.
(3) المبسوط: ج 6 ص 105.
(4) الخلاف: ج 6 ص 402 المسألة 30.
(5) في المصدر: حق.
(6) في المصدر: منهما ما أخذ منه ولا يشركه.
(7) المهذب: ج 2 ص 382.
(8) ق 2 و م 3: يقضي.
109

مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا عدم العبد الأمرين الثقة والكسب
كانت كتابته مباحة غير مستحبة، وقال أحمد وإسحاق: إذا عدم فيه الأمران
كره مكاتبته. واستدل بأصالة الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل (1).
وقال في المبسوط: إذا عدم الأمران كرهت مكاتبته. قال: وهو قوي (2).
وقوله في الخلاف جيد.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: فأما إن قال: كاتبتك إلى عشر سنين فإنه
يصح عندنا وإن كان أجلا واحدا، وعند من اعتبر الزيادة لا تصح، فإن قال:
تؤدي إلي في هذه العشر سنين قالوا: لا يصح، لأنه أجل واحد، ولأنه مجهول،
لأنه لا يعرف وقت الأداء، كما لو قال: بعتك بمائة تحل عليك في رجب لم
يصح، لأن كل شهر جعله وقتا لمحله (3)، وهذا غير صحيح عندنا أيضا، من
حيث كان مجهولا لا من حيث كان أجلا واحدا (4).
وقال في الخلاف: إذا كاتب الكتابة مؤجلة صحت بأجل واحد وبأجلين
بأن يقول: كاتبتك إلى عشر سنين تؤدي ذلك في هذه المدة كان ذلك جائزا،
وقال الشافعي: كل ذلك باطل. دليلنا: إن الأصل جوازه، وبطلانه يحتاج إلى
دليل، وقولهم: إن وقت الأداء مجهول ليس كذلك، لأنه إذا جعل هذه المدة
مدة الأداء كانت معلومة، فأي وقت أدى هذه المدة فهو وقت الأداء (5).
وقال ابن الجنيد: ولو قال: كاتبتك على مائة تؤديها في عشر سنين جاز
ذلك، وتأديته إياها في أوقات قبل خروج العشر سنين جائز.

(1) الخلاف: ج 6 ص 382 المسألة 4.
(2) المبسوط: ج 6 ص 73.
(3) في المصدر: محله.
(4) المبسوط: ج 6 ص 74.
(5) الخلاف: ج 6 ص 383 المسألة 6.
110

والوجه ما قاله في المبسوط، لحصول الجهالة في وقت الأداء
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كاتبه على مال معلوم وذكر الأجل
والنجوم فهو كتابة (1)، ولا يعتق بالأداء عند بعضهم حتى يقول: فإذا أديت إلي
هذا فأنت حر وينوي هذا، فإن عدما أو أحدهما لم يعتق أصلا، وقال آخرون:
هو صريح فيه لا يفتقر (2) إلى نية ولا قول. والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا بد من
نية، ولا يحتاج إلى القول (3).
وقال في الخلاف: إذا كاتبه على مال معلوم وآجال معلومة ونجوم معلومة
وقال: إذا أديت إلي هذا المال فأنت حر ونوى بذلك العتق انعتق، وإن عدما
أو أحدهما لم ينعتق، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: هو صريح فيه لا
يفتقر إلى نية ولا قول. واستدل بأن ما اعتبرناه مجمع على وقوع العتق عنده،
وما قاله ليس عليه دليل، وأيضا قوله: كاتبتك اسم مشترك يصلح للمكاتبة
التي هي المراسلة والمكاتبة التي هي المخارجة - أعني: مخارجة العبد - ويصلح
للكاتبة الشرعية، وإذا كان مشتركا (4) لم يكن بد من نية أو نطق يزول به
الاشتراك (5) (6).
وقوله في المبسوط أجود، واستدلاله الثاني يطابق ما قاله في المبسوط من
الاكتفاء بالنية لا ما قاله هنا من الافتقار إليهما معا.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كاتبه على خدمة شهر عقيب هذا الشهر
ودينار عقيب شهر الخدمة فالكتابة باطلة، كما لو آجره دارا (7) شهرا عقيب
هذا الشهر (8).

(1) في المصدر: كناية.
(2) في المصدر: ولا يفتقر.
(3) المبسوط: ج 6 ص 74.
(4) في المصدر: وإذا اشتركا.
(5) في المصدر: هذا الاشتراك.
(6) الخلاف: ج 6 ص 384 المسألة 7.
(7) في المصدر: دابة.
(8) المبسوط: ج 3 ص 75.
111

وليس بجيد، لوجود شرائط الصحة من ضبط الأجل والمال وإيقاع الصيغة
المشترطة، وما ذكره في الإجارة باطل أيضا عندنا، لأنه يصح العقد على مدة
متأخرة عن وقت العقد، وقد تقدم.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كاتب عبدا على مال ثم إن السيد باع
المال الذي في ذمة المكاتب قال قوم: البيع صحيح، وقال آخرون: لا يصح،
وهو الأقوى عندي، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله - أنه نهى عن بيع ما
لم يقبض (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال ابن الجنيد: لا يجوز عندي بيع ما على المكاتب الذي يعتق بقدر ما
يؤدي ولا الذي شرط عليه الرق إن عجز دون رقبته، لجواز بطلان ذلك. وهو
نظير بيع حبل الحبلة ولقاح الفحل.
وقال في الخلاف: يجوز بيع المال الذي على المكاتب، فإن أدى المكاتب
مال الكتابة انعتق على سيده، وإن عجز رجع بها على سيده وكان للمشتري
الدرك بما اشتراه، وقال أبو حنيفة: لا يجوز بيع ذلك. واستدل بأصالة الجواز،
والمنع يحتاج إلى دليل، وقوله تعالى: (وأحل الله البيع) يدل عليه، فإن قيل:
نهى النبي - صلى الله عليه وآله - عن بيع ما لم يقبض، قلنا: نحمله على أنه إذا لم
يكن مضمونا، وأما إذا ضمنه فلا بأس (3).
والوجه ما قاله في الخلاف: لنا: أنه مال مملوك وقعت عليه المعاوضة من
أهله فصحت كبيع الدين.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كان في يد المكاتب مال يجب فيه
الزكاة فزكاته على سيده، وقال بعضهم: لا زكاة فيه أصلا، وهو قوي (4). وهو

(1) المبسوط: ج 6 ص 126.
(2) المهذب: ج 2 ص 378.
(3) الخلاف: ج 6 ص 404 المسألة 33.
(4) المبسوط: ج 6 ص 92.
112

يدل على تردده.
والوجه أن نقول: إن كان المكاتب مطلقا وقد أدى بعض الكتابة وجبت
عليه الزكاة في نصيب الحرية إذا بلغ نصابا، لأنه مالك لما تجب فيه الزكاة ملكا
تاما مستقرا فوجب عليه الزكاة، وإن كان مشروطا أو مطلقا غير مؤد أو قد أدى
البعض ولم يبلغ نصيب الحرية نصابا فلا زكاة هنا. أما على السيد فلانقطاع
تصرفاته عنه، وإنما يتمكن من التصرف بعد الرد في الرق. وأما المكاتب فلأنه
ممنوع أيضا من التصرف بغير الاكتساب، وهو في معرض التزلزل، فلا يكون
ملكه تاما.
مسألة: للشيخ قولان في كتابة أحد الشريكين نصيبه دون صاحبه، فجوزه
في الخلاف (1)، ومنع منه في المبسوط قال فيه: إذا كاتب نصف عبده فإن
كان باقيه حرا صحت الكتابة (2)، وإن كان مملوكا له فالصحيح أن الكتابة
باطلة، لأن المقصود بالكتابة وقوع العتق بالأداء، وهو مفقود (3) هنا، لأنه لا
يتمكن من التصرف، لأن السيد يمنعه من السفر (4) بما فيه من الرق، ولا يأخذ من
الصدقات، وإذا أخذ اقتضى أن يقاسمه السيد عليها. وقال بعضهم: يصح،
كما لو كان النصف لغيره وكاتبه (5) بإذنه. والأول أقوى عندي، وإن كان هذا
أيضا قويا. وإن كان (6) الباقي لغيره وكاتب نصيبه منه فإن كان بغير إذن
شريكه فالكتابة فاسدة عندنا وعند جماعة، لأنه يؤدي إلى الإضرار بشريكه
ويفارق البيع، لأنه لا يضر بشريكه (7).
والمعتمد ما قاله الشيخ في الخلاف.

(1) الخلاف: ج 6 ص 401 المسألة 28.
(2) في المصدر: فالكتابة صحيحة.
(3) في المصدر: بالأداء والمقصود. ها هنا مفقود.
(4) في نسخة ق 2 بدل (السفر) التصرف.
(5) في المصدر: فكاتبه.
(6) في المصدر: قويا فأما إن كان.
(7) المبسوط: ج 6 ص 98 - 99.
113

لنا قوله - عليه السلام -: (الناس مسلطون على أموالهم).
ولأنه يجوز بيع نصيبه وعتقه فجازت كتابته، لأنها لا ينفك عنهما، ونمنع
تضرر الشريك بالكتابة، فإن السعي الثابت قبل الكتابة يثبت بعدها، أقصى
ما في الباب إن الشريك يقاسم شريكه، وهنا يقاسم العبد.
مسألة: سوغ الشيخ في المبسوط في كتاب المكاتب أن يبيع المولى عبده من
نفسه، فإن أطلق كان الثمن حالا ويعتق العبد، وولاؤه للإمام، لأنه سائبة
لا ولاء لمولاه عليه، إلا أن يشترط ذلك كالكتابة عندنا، وإن كان الثمن إلى
أجل كان على ما وقع عليه العقد (1). ومنع جماعة من علمائنا في ذلك.
احتج الشيخ بأصالة الجواز، وبأنه عقد وقع من أهله في محله فكان
صحيحا.
احتج المانعون بأن البيع يستدعي انتقال الملك من البائع إلى المشتري
ومقتضاه ذلك، والملك من الأمور النسبية، وهي لا شك تستدعي تغاير
المنتسبين، ولا مغايرة هنا فلا ملك ولا بيع.
ويشكل الأول: بأن الأصل يعدل عنه عند قيام الدليل على خلافه.
والثاني: بمنع كون المحل محلا قابلا لما يحله هنا، فإن الملك يستدعي كون
المحل قابلا له، وإنما يكون قابلا لو كان أهلا للتملك، والعبد قد بينا أنه لا
يملك شيئا.
والثالث: بمنع حصر مقتضى البيع في ذلك، بل قد يكون شيئا آخر وهو
خروج الملك عن البائع، وإن لم يدخل في ملك المشتري كشراء القريب إن
أحلنا ملكه.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كاتب عبده على ألف إلى أجلين (2)

(1) المبسوط: ج 6 ص 120.
(2) في المصدر: على ألف درهم إلى أجلين.
114

فجاء بخمسمائة قبل الأجل وقال: خذ هذه على أن تبرئني من الباقي لم يصح،
لأنه (1) مضارع لربا الجاهلية، لأنه ينقص من الحق لينقصه من الأجل، وربا
الجاهلية كان يزيده في الحق ليزيده في الأجل، فإن قبض المال لم يصح
قبضه، لأنه إنما دفعه بشرط أن يبرئه (2) من مال الكتابة، فأما إذا قال له: خذ
هذه (3) وأبرئني من الباقي إن شئت ففعل ذلك وأبرأه صح القبض
والإبراء (4)، لأنه دفع مطلقا من غير شرط (5) (6).
والوجه التسوية بين المسألتين في الجواز ولا ربا هنا، لأن حقيقة الربا بيع
أحد المتجانسين بجنسه مع زيادة عينية أو حكمية، وذلك منتف هنا.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كان للمكاتب على سيده ما وحل
للسيد شئ من النجوم فإن كان الحقان من جنس واحد من النقود تقاصا،
وإن اختلف الجنس أو كانا من غير النقود فإن أحدهما لا يصير قصاصا عن
الآخر، ثم (7) إن كان المالان نقدين لم يحتج (8) إلى قبض الحقين معا، بل قبض
أحدهما ما عليه من صاحبه ثم يرده عليه عوضا عن ماله في ذمته، لأن دفع
العرض (9) عن الدراهم والدنانير التي في الذمة يجوز، وإن كانا عرضين فلا بد
أن يقبض كل واحد منهما ماله على صاحبه، ولا يجوز أن يقبض أحدهما ثم يرد
ما قبضه عليه الآخر عوضا عما له عليه، لأن هذا العرض (10) الذي في الذمة
ثابت في أحد الجنسين (11) عن سلم، فإن المكاتب لا يجوز له أن يعوض ما في يده

(1) في المصدر: فإنه.
(2) في المصدر: يبرئ.
(3) في المصدر: هذه الخمسمائة.
(4) في المصدر: وصح الإبراء.
(5) في المصدر: عن شرط.
(6) المبسوط: ج 6 ص 121 - 122.
(7) في المصدر: عن الآخر بلا خلاف ثم.
(8) في المصدر: فلا يحتاج.
(9) م 3: العوض.
(10) م 3: العوض.
(11) في المصدر: الحقين.
115

من المال وأخذ المال عن العوض الثابت في الذمة عن كتابة أو سلم غير جائز،
وإن كان أحدهما نقدا والآخر عرضا (1) فإنه إن قبض صاحب النقد حقه لم
يجز أن يدفعه عوضا عن العرض (2) الذي في ذمته بل عليه تسليمه وإقباضه،
وإن قبض صاحب العرض حقه جاز أن يدفعه بدلا عن النقد وعوضا عنه (3).
والوجه أن نقول: إن كان المالان من جنس واحد تقاصا من غير
اختيارهما، ولا حاجة إلى أن يقبض أحدهما ماله على الآخر أو يقبضا معا،
سواء كان المالان نقدا أو أحدهما أو كانا من العروض، وأما إن كانا من
جنسين مختلفين فإنه لا بد فيه من التراضي، فإذا رضي كل واحد منهما بإسقاط
حقه على صاحبه عوضا عما له في ذمته صح وسقط الحقان عنهما وبرئا معا من
غير حاجة إلى التقابض أيضا، لأنه نوع من الإبراء فلا يفتقر إلى القبض.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: المسلم إذا كان له عبد كافر وكاتبه يقوى عندي
أنه لا تصح الكتابة، لقوله تعالى: (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) وهذا لا
خير فيه، ولقوله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) وهذا ليس من
أهله، لأن ذلك من الصدقة، وليس الكافر من أهلها (4). وهذا موافق (5) لما
اختاره السيد المرتضى (6)، وقد تقدم.
ثم قال الشيخ: إذا كان للمسلم عبد فارتد ثم كاتبه السيد بعد ردته صح،
لأنه عقد معاوضة، والمرتد يصح منه ذلك (7). وتبعه ابن البراج (8).
وهذان القولان من الشيخ متنافيان، إذ لا فرق بين المرتد والكافر في المنع

(1) م 3: عوضا.
(2) م 3: عرضا عن العرض.
(3) م 3: العوض.
(4) المبسوط: ج 6 ص 130.
(5) م 3: يوافق.
(6) الإنتصار: ص 174.
(7) المبسوط: ج 6 ص 135.
(8) المهذب: ج 2 ص 380.
116

والجواز، ودليلاه في الكافر آتيان في المرتد، فإن صحا هناك صحا هنا، وإن
بطلا هناك بطلا هنا.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كاتب المسلم عبدا ثم ظهر المشركون
على الدار فأسروا المكاتب وحملوه إلى دار الحرب لم يملكوا (1) بذلك، فإن انفلت
المكاتب منهم أو ظهر المسلمون على الدار فأخذوه فهو على كتابته، وكذا لو
دخل (2) الكافر دار الإسلام بأمان كاتب عبدا له (3) ثم ظهر المشركون على
الدار فقهروا المكاتب على نفسه وأخذوه إلى دار الحرب ثم انفلت منهم أو غلبهم
المسلمون عليه فإنه يكون على كتابته، وهل يجب عليه أن يخليه مثل تلك المدة
التي حبسه فيها المشركون ليكتسب مالا [أم لا]؟ قيل: فيه قولان: أحدهما:
يجب، والآخر: لا يجب. قال: والأول أقوى عندي، وهكذا لو كاتب عبده ثم
حبسه مدة من الزمان قال قوم: يجب عليه أن يتركه مدة مثل تلك المدة. قال:
وهو الأقوى عندي، وقال آخرون: لا يجب عليه، غير أنه يلزمه ضمان مثل
أجرة تلك المدة، وهو قوي أيضا (4). وهذا يدل على تردده.
والوجه أن نقول في المسألة الأولى: لا يجب عليه التخلية ولا الأجرة، لأن
التعدي من غيره. وفي المسألة الثانية: يجب عليه أجرة المثل عن تلك المدة، لأنه
القدر الذي يستحقه عوضا عما ثبت في ذمته، ومنافع الأيام إنما تضمن بالقيمة
لا بالمثل، إذ لا مثل لها.
احتج الشيخ على الأول: بأن التمكين مستحق على السيد، فإذا تعذر لم
يفرق (5) الحال بين أن يكون جهته أو من جهة غيره، كما أن تسليم المبيع إذا

(1) في المصدر: فإنهم يملكونه، وفي الطبعة الحجرية: لم يملكوه.
(2) في المصدر: وهكذا إن دخل.
(3) في المصدر: بأمان عبدا له.
(4) المبسوط: ج 6 ص 132.
(5) م 3: يفترق.
117

تعذر على البائع لم يستحق تسليم الثمن، سواء كان تعذر من جهته أو من جهة
غيره.
والجواب: استمرار التمكين ليس واجبا على المولى بل التخلية وقد
حصلت.
مسألة: قال ابن البراج: إذا كاتبها وهي حامل واستثنى ما في بطنها لم يجز
ذلك (1).
والوجه الجواز، لأن الحمل عندنا لا يدخل في كتابة أمة وإن لم يستثنه،
لأنه ليس جزء من المسمى، فمع الاستثناء أولى.
مسألة: إذا أوصى فقال: كاتبوا عبدا من عبيدي قال في المبسوط: تخير
الوارث في عتق أي عبد من عبيدة شاؤوا، والأقوى عندي أن يستعمل القرعة
في ذلك (2). وتبعه ابن البراج (3) في الأول، وهو الوجه.
لنا: أنه أوصى بما ينطلق على المتعدد فكان الخيار للوارث، كما لو أوصى
له بقوس وله عدة من القسي، والقرعة عندي على سبيل الاستحباب.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا قال: كاتبوا أحد رقيقي جاز أن يكاتبوا
عبدا أو أمة، وهل يجوز أن يكاتبوا خنثى مشكلا؟ قال بعضهم: يجوز، وهو
الأقوى عندي، وقال قوم: لا يجوز (4).
وقال ابن البراج: إذا قال: كاتبوا واحدا من رقيقي جاز أن يكاتب عبدا
أو أمة، لأن اسم الرقيق يجري عليهما، وإن كان له خنثى مشكل لم يكاتبها حتى
يتبين أمرها (5).

(1) المهذب: ج 2 ص 386.
(2) المبسوط: ج 6 ص 153.
(3) المهذب: ج 2 ص 395.
(4) المبسوط: ج 6 ص 153.
(5) المهذب: ج 2 ص 395.
118

والحق ما قواه الشيخ.
لنا: أنه ينطلق عليه اسم الرقيق فانصرفت الوصية إليه.
احتج ابن البراج بأن الخنثى لا ينصرف إليه اسم الرقيق في الإطلاق
العرفي، وإنما يعتبر في الوصية ما ينطلق عليه الاسم العرفي.
والجواب: المنع من عدم الإطلاق.
مسألة: إذا قال: ضعوا عنه أوسط نجومه وكان فيها أوسط في العدد كالثاني
من الثلاثة، وفي الأجل كما لو كاتبه على نجم إلى شهر ونجم إلى شهرين ونجم
إلى ثلاثة فالشهران أوسط، وفي القدر مثل أن يكاتبه على نجم إلى مائة ونجم إلى
مائتين ونجم إلى ثلاثمائة، فالمائتان أوسط كان الخيار إلى الورثة يدفعون إليه ما
شاؤوا من ذلك. وإن قلنا: يستعمل القرعة على مذهبنا كان قويا.
وقال ابن البراج: يستعمل القرعة في ذلك (1).
والوجه الأول لما تقدم.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: لا يجوز عتق المكاتب في الكفارة، سواء
كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة (2).
وقال ابن إدريس: يجوز عتقه في الكفارة، سواء كان مشروطا عليه أو
مطلقا لم يؤد (3).
والوجه ما قاله الشيخ وسيأتي.
مسألة: قال ابن الجنيد: فإذا أراد الكتابة فلا يقول فيها: وأنت حر بقدر ما
تؤدي من كتابتك، فإن ذلك يوجب متى أدى شيئا أن يعتق منه بقدر ذلك
ويسري العتق في جميعه ويصير بمنزلة من عتق سيده بعضه، ولكن يقول: وأنت

(1) المهذب: ج 2 ص 399.
(2) الخلاف: ج 4 ص 544 المسألة 29.
(3) السرائر: ج 3 ص 30.
119

عبد بقدر ما بقي عليك.
والوجه التسوية بين الأمرين، لأن الأول ليس عتقا منجزا بل معلقا على
الأداء، وإنما يسري العتق المنجز.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا قال للعبد: أنت مدبر أو مكاتب لا
ينعقد به كتابة ولا تدبير وإن نوى ذلك، بل لا بد أن يقول في التدبير: فإذا مت
فأنت حر أو أنت حر إذا مت، وفي الكتابة إذا أديت إلي مالي فأنت حر، فمتى
لم يقل ذلك لم يكن شيئا (1).
وقال ابن الجنيد: والاختيار أن يقول السيد لعبده: إذا أديت ما كاتبتك
عليه فأنت حر. أو ذكر ذلك في كتاب المكاتبة.
ولو ترك ذلك لعتق عليه إذا أدى ما كاتبه عليه على نجومه، لأن المفهوم
عند الناس إن الكتابة عند السيد لعبده العتق متى أدى ما وافقه عليه.
وقول ابن الجنيد جيد، وهو ظاهر كلام ابن أبي عقيل أيضا فإنه قال في
الكتابة: هو أن يقول الرجل لعبده أو أمته. قد كاتبتك على كذا وكذا دينارا
إلى وقت كذا وكذا ونجوما في كل نجم كذا وكذا.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولو كان السيد ممن لا تحل له الصدقة حل له ما
يأخذه من مكاتبته إذا تصدق عليه، فإن رده لعجزه رد ما أخذه من الصدقة على
صاحبه إن عرفه أو على أهل الصدقات إن لم يعرفه.
والوجه أنه لا يجب عليه ذلك، لأن العبد قد ملكه بالأخذ والسيد بالدفع
إليه، فلا يجب إخراجه عنه.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا خرج العوض الذي وقعت الكتابة عليه
مستحقا سلم إلى صاحبه وارتفع العتق، لأن الكتابة عقد معاوضة، فإذا دفع

(1) الخلاف: ج 6 ص 409 المسألة 2.
120

عوضا مستحقا كان ذلك الدفع كلا دفع كالبيع. ثم يقال للمكاتب: إن
جئت بعوض آخر على الصفة التي شرط عليك عتقت، وإلا فقد ظهر عجزك،
فللسيد أن يفسخ الكتابة ويرده إلى ملكه (1).
وقال ابن الجنيد: ولو استحق ما دفعه المكاتب إلى السيد أو بعضه بعد
التحرير فإن كان المكاتب فعل ذلك على علم به كان الأداء باطلا وهو على
الكتابة، وإن كان جميع الكتابة حالا يوم يستحق السلعة كان لسيده إن لم
يكن عند العبد وفاء ذلك أو لم يؤديه إليه أن يعجزه ويرده مملوكا إن كان شرط
ذلك عليه، وإن كان المكاتب غير عالم بحال السلعة المستحقة لم يبطل عتقه
ورجع عليه السيد بقيمتها.
والمعتمد ما قاله الشيخ، لظهور بطلان المعاوضة باستحقاق أحد العوضين
وعجز المكاتب عن دفع العوض.
احتج ابن الجنيد بأن المكاتب معذور بجهله وقد عتق بالدفع الواجب عليه
- وهو المملوك - ظاهرا، ولا يجب عليه تتبع ما في نفس الأمر.
والجواب: المنع من العتق في نفس الأمر بل في الظاهر، وبظهور فساد
العوض يظهر بطلان العتق.
مسألة: لو دفع المكاتب مال الكتابة قبل حلول النجوم لم يجب على المولى
قبوله على قول أكثر علمائنا مطلقا.
وقال ابن الجنيد بذلك، لكنه قال بعد ذلك: لو كان المكاتب مريضا
فسام سيده أخذ باقي كتابته ووصى بوصايا وأقر بديون عليه لم يكن للسيد
الامتناع من الأخذ، لأن في امتناعه من ذلك بطلان إقراره بدين غرمائه وما
يتقرر (2) به من وصيته عند بعض المسلمين.

(1) المبسوط: ج 6 ص 158 - 159 مع اختلاف.
(2) في الطبعة الحجرية: وما تقرر.
121

والوجه الأول، لأصالة عدم الوجوب.
وقال ابن الجنيد: وللسيد أن يمتنع من أخذ مال الكتابة، إلا في النجوم
خاصة إن كان المكاتب بذلها حيث يخاف عليها أو كانت السلعة تفسد على
السيد إلى وقته الذي شرط. وهو يعطى أنه ليس له الامتناع لو انتفى الأمران.
والمعتمد إن له ذلك مطلقا، لأنه أداء للحق قبل وقته فلا يجب قبوله.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولا بأس بأن يشتري المكاتب أباه أو أمه
وذوات (1) المحارم عليه ويستعين بهم في كتابته ويكون حكمهم حكمه، فإن عتق
عتقوا ويرق ويعتق ما يرق منه، ولو عجز وقد شرط عليه الرق لم يكن له بيع
أحد من هؤلاء ورجعوا جميعا في الرق.
وقال الشيخ في المبسوط: إذا اشترى المكاتب من يعتق عليه بحق القرابة
كالآباء والأمهات وغيرهم فإن اشتراه بغير إذن سيده بطل الشراء، وقال
بعضهم: يصح الشراء ولا يصح التصرف فيه استحبابا (2). والأول أصح
عندنا، لأن في ابتياعهم إتلاف المال فإنه يخرج من يده شيئا ينتفع به ويمكنه
التصرف فيه، ويستبدل مكانه ما لا ينتفع به ولا يمكنه التصرف فيه فهو
إتلاف في الحقيقة (3). وتبعه ابن البراج (4)، وهو جيد، لما قرره الشيخ.
مسألة: قال ابن الجنيد: لا بأس بكفالة الكفيل للسيد بما كاتب عليه عبده
الذي شرط له أن يعتق منه بقدر ما يؤدي، وقد قال ابن أبي ليلى: بجواز أخذ
الكفيل في الكتابة. فأما من شرط عليه رجوعه في الرق إن عجز فلا يصح أخذ
الكفيل بكتابته، فإن أخذه على ذلك وأوجب ضمانه إذا ما عجز عنه العبد
فأداه كان الكفيل مخيرا بين أن يكون ولاؤه له ولا يرجع عليه بما أداه، وبين أن

(1) ق 2: أو ذوات.
(2) في المصدر: استحسانا.
(3) المبسوط: ج 6 ص 127.
(4) المهذب: ج 2 ص 379.
122

يرجع به عليه إذا عتق (1).
والوجه صحة الكفالة في الموضعين، لأنه حق واجب عليه فصحت كفالته
كغيره من الديون، ولا فرق بين المطلق والمشروط فيه، وإذا أدى عن المشروط
ما ضمنه فإن كان بإذن العبد رجع عليه بما أداه، وإن كان ضمانه بغير إذنه لم
يرجع عليه ولا ولاء له عليه على التقديرات كلها.
مسألة: قال ابن البراج: وإذا كاتب رجل أمتين له على ألف درهم
تؤديانها إليه لم أختر له ولا لهما إلا أن يفصلها بينهما، فإن لم يفصلها وجعل من
أداها منهما عتقا كان جائزا، فإن أدتا عتقتا، وإن تشاحتا وفصلاها بينهما فقبل
السيد تفصيلهما لها جاز، وإن لم يقبل قلنا لهما: تراضيا بينكما حتى يكون الأداء
بينكما معا، فإن تبرعت إحداهما بالأداء من غير تضمين لصاحبتها لم تلزم
الأخرى غرم وعتقتا، وإن ماتت إحداهما قبل التأدية لشئ بطلت الكتابة،
إلا أن ترضى الباقية بأداء جميع الكتابة، وإن أدتا جزء من المال أو مال بنجم
مفصلا وماتت إحدى الأمتين لزم الباقية منهما من بقية المكاتبة بقسطها من
الأداء الذي قبله السيد منهما على التفصيل، إلا أن يقيم السيد البينة أنه لم يقبل
التفصيل لما أدى على رضاء منه بالقسط للأصل الذي عليه، فإن كان ما أدتاه
غير مفصل قيل للثانية: إما أن تختاري أن توفي باقي الكتابة وتعتقي،
وإما أن تكاتبي عن نفسك كتابة جديدة، فإن اختارت تجديد المكاتبة كاتبها
السيد ولم يكن له أن يمتنع ولا أن يسومها الباقي من الكتابة. وكان الأولى
عندي تقسيط الباقي على قدر كسب الأمتين، لأن الكتابة إنما وقعت على أن
يؤخذ من مكسبهما لا على القيم، فإن كان قد شرط عليهما إن عجزتا رجعتا في
الرق فموت إحداهما كالعجز، إلا أن يضمن الأخرى أداء جميع الباقي.

(1) في الطبعة الحجرية: بما أداه إذا عتق.
123

والوجه التقسيط إذا كاتبهما دفعة، فمن أدى من مكاتبته شيئا برئ، ولا
اعتبار بعجز الآخر. وقد سلف البحث فيه.
مسألة: قال الشيخ: إذا كان العبد بين شريكين فكاتباه فليس له (1) أن
يخص أحدهما بالأداء دون شريكه بغير إذن شريكه، لأنه يفضي إلى أن ينتفع
أحدهما بمال شريكه مدة بغير حق، وذلك أن المكاتب إذا قدم لأحدهما ربما
عجز ورق فيرجعان معا في ماله نصفين، فيحتاج أن يرجع على القابض بنصف
ما قبضه بعد أن انتفع به تلك المدة، فإن أذن له في ذلك صح (2) (3).
وقال ابن الجنيد: إذا كاتب المملوك سيدان له فهو في حال كتابته لهما
- كالغريم - فإذا لم يشترطا عليه أن يكون أداء الكتابة لهما جميعا معا كان جائزا
له دفع حق كل واحد منهما على الانفراد إليه، وكان لكل واحد منهما جائز ما
أخذ منه لا يشركه فيه غيره. وهذه المسألة قد سلفت، وبينا موافقة ابن البراج
لابن الجنيد.
والوجه أن نقول: إن كاتباه بعقد واحد وعوض واحد فالقول ما قاله
الشيخ، وإن تعدد حق كل منهما فالقول ما قاله ابن الجنيد، لأنه على التقدير
الأول يكون المال مشتركا، وليس لأحد الشريكين التصرف في المشترك إلا
بإذن شريكه، فما قبضه بغير إذنه يكون بينهما. وأما على التقدير الثاني فظاهر.
ويحتمل على الأول ما قاله ابن الجنيد أيضا، لأن لمن عليه الحق التخيير في
جهة القضاء وتعيين ما يشاء فيه من أمواله، فإذا دفع إلى أحدهما حقه فقد
اختار دفع ما يستحقه المدفوع إليه في المدفوع واختار منع الآخر منه فلا

(1) في المصدر: فكاتباه صحت الكتابة على ما مضى فإذا صحت فليس له.
(2) في المصدر: في ذلك ودفع بإذنه صح.
(3) المبسوط: ج 6 ص 105.
124

شركة (1) فيه، كما لو منعه من الاستيفاء من بعض أمواله.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كاتب عبده ثم زوجه من ابنته لرضاها
أو لصغرها ثم مات السيد لم تنفسخ الكتابة، فإن لم ترث البنت أباها بأن كان
بينهما اختلاف دين أو كانت قاتلة فالنكاح على حاله، لأنها لم تملك من
زوجها شيئا، وإنما انتقل ملكه من مالك فلم يؤثر ذلك في النكاح، وإن ورثته
فإنها تملك جزء منه فينفسخ النكاح بينهما، وقال بعضهم: لا ينفسخ. والأول
أقوى عندنا (2).
وقال في الخلاف: إذا زوج الرجل بنته من مكاتبه فورثته بنته انفسخ عقد
النكاح بينهما، لأن المكاتب يورث فينتقل إلى الزوجة ملكه فينفسخ النكاح
بذلك، وإنما قلنا: إنه يورث، لأنه لا خلاف (3) أن الرجل إذا مات وله مكاتب
فورثته ابنته وغيرها ثم أراد المكاتب أن يتزوج الابنة لم يكن له ذلك، ولولا أن
ملكه قد انتقل إلى ورثته والبنت من جملتهم لما امتنع من تزويجه بها، ألا ترى أن
في حال الحياة لم يكن لها فيه ملك بوجه جاز له التزويج بها، فلما امتنع في هذه
الحال (4) علم أنه حدث لها عليه ملك فامتنع التزويج لأجله (5).
وقال ابن الجنيد: ولو مات السيد وابنته تحت المكاتب الذي شرط عليه
الرق عند عجزه منع من الوطء، فإن أدى كانا على النكاح، لأنها لم ترث من
رقبته شيئا، وإن عجز بطل النكاح، فإن كان ممن يعتق بما أدى بطل النكاح
إذا حصل له أداء بعض الكتابة.

(1) ق 2: يشركه.
(2) المبسوط: ج 6 ص 154.
(3) في المصدر: فينفسخ النكاح بذلك، والدليل على أنه يورث هو أنه لا خلاف.
(4) في المصدر: الحالة.
(5) الخلاف: ج 6 ص 405 المسألة 45.
125

والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: إن المكاتب مملوك لم يخرج بالكتابة عن الرق، وإذا مات مالكه
انتقل إلى ورثته، لامتناع انتقاله إلى غيرهم وبقاء ملك بغير مالك.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كان للكافر عبد وكاتبه ثم أسلم فإنه
لا يباع عليه، لأن القصد إزالة سلطان وقد حصل (1).
وقال ابن الجنيد: الذمي إذا كاتب عبدا ذميا جاز ذلك وعتق عند
الأداء، ولو أسلم وهو يؤدي الكتابة لم تبطل الكتابة، وإن وجد من يرغب في
ابتياعه على ما قلناه ليخرج من أن يكون للذمي عليه سبيل بيع على الذمي،
وإذا أدى المكاتبة عتق ولم يكن للذي يشتريه فسخ مكاتبته ولا أن يزيد عليه
بسبب ما عجله، لأن ذلك ربا.
والوجه ما قاله الشيخ، لأن سلطانه انقطع عنه، ومال الكتابة دين عليه،
والدين قد يثبت للكافر على المسلم.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولو كاتب الذمي المسلم عند إسلامه لم تصح
الكتابة، وإن ترافعا إلينا حكمنا على الذمي بالعتق ورد فضل ما أخذه بالكتابة
على قيمته يوم أسلم.
والوجه أن المال للمولى، لأنه لم يخرج عن ملكه بالإسلام، والكتابة باطلة
على ما قرره.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كاتب الذمي مثله على خمر ثم أسلما قبل
القبض كان عليه قيمة ما وقع عليه العقد (2).
وقال ابن الجنيد: لو أعتق الذمي عبده الذمي أو كاتبه على خمر ثم أسلم
العبد كان عليه قيمة نفسه إن كانت أقل من قيمة الخمر.

(1) المبسوط: ج 6 ص 129.
(2) المبسوط: ج 6 ص 128 - 129.
126

والمعتمد ما قاله الشيخ، لأنه دين قد وجب عليه، وحكم الشرع بإتلافه
فيضمن قيمته، لأنه الواجب.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كاتب الذمي مثله على خمر أو خنزير ثم
أسلما وترافعا قبل التقابض فالذي يقتضيه مذهبنا أن عليه قيمة ما وقع عليه
العقد، ولا تبطل الكتابة (1).
وقال ابن الجنيد: ولو أسلما جميعا كان على المسلم تجديد الكتابة له على ما
يحل أن يتموله المسلمون، ولا يختار له أن يزيد على قيمة ما كان كاتبه عليه بين
مستحلية من أهل الملة التي انتقلا عنها بالبلد الذي كاتبه فيه.
والوجه ما قاله الشيخ، لأنه عقد أمرنا بإقراره، والحكم فيه بما عقداه عليه
مع التقابض قبل الإسلام وبالقيمة مع عدمه، ولا يجب تجديد الكتابة.
قال ابن الجنيد: ولو أسلم السيد وحده كان مخيرا بين إتمام الكتابة وقبض
قيمة ما كاتبه عليه، وبين الفسخ عليه.
والوجه أنه ليس له الفسخ، لأنه عقد وقع لازما فلا يتطرق الفسخ إليه.
مسألة: قال الشيخ: الكافر الحربي إذا كاتب عبده ثم دخل دار الإسلام
بأمان أو دخل (2) دار الإسلام ثم كاتبه فقد انقطع سلطانه عنه، وإنما بقي له في
ذمته المال (3) فلم يكن له منعه من السفر ولا إجباره عليه فيقال له: إن اخترت
أن تقيم معه في دار الإسلام حتى تقبض المال منه فافعل واعقد لنفسك عقد
الذمة، وإن اخترت فالتحق (4) بدار الحرب ووكل من يقبض لك المال (5).
وقال ابن الجنيد: ولو كاتب حربي مستأمن أو معاهد عبدا له مثله في الملة
في دار الإسلام لم يكن له إخراجه من دار الإسلام إن أبي العبد، وخاصة إن

(1) المبسوط: ج 6 ص 128.
(2) في المصدر: دخلا.
(3) في المصدر: دين.
(4) في المصدر: فألحق.
(5) المبسوط: ج 6 ص 130.
127

كان قد استجدد ملكه في دار الإسلام وقيل له: إما أن توكل من يقبض نجومك
وإما أن تبيعه مكاتبا وإما أن تفسخ.
والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: إن الكتابة عقد لازم فلا سبيل إلى فسخها، وبيع المكاتب غير جائز،
لانقطاع ولاية السيد عنه ما دام يؤدي النجوم.
مسألة: قال ابن الجنيد: لو كاتب الجماعة كتابة واحدة فجنى أحدهم كان
القول فيهم كالقول في الواحد، وكذلك ولد المكاتب من أمته وولد المكاتبة لو
جنى أحدهم فإن عجزوا ولم يشأ السيد أداء قيمة الأرش سلم الجاني ورجع
الباقون رقا، فإن كاتب على جماعة وهي مقسطة بينهم لم يلزم غير الجاني حكم
جناية الجاني.
والوجه عندي التسوية بين المسألتين، وقد تقدم أن كتابة الجماعة مقسطة
وإن اتحد العقد.
مسألة: قال ابن الجنيد: إذا جنى على المكاتب الذي قد عتق بعضه بأدائه
أو على ولده بالكتابة أدى كذلك، فإن كان قد شرط عليه الرق إن عجز أخذ
قدر أرش جناية العبد وضمن الجاني تتمة جناية الحر، فإن عتق بالأداء رجع
على الجاني بالفضل. وفيه إشكال، من حيث إن المشروط رقه عند العجز لا
يعتق منه شئ.
قال: وليس للمكاتب المشترط عليه الرق القصاص إن اختار السيد
الأرش، إلا بعد أن يؤدي كتابته. وهو مشكل أيضا، لأن الواجب عندنا إنما
هو القصاص.
128

الفصل الخامس
في الاستيلاد
مسألة: جوز الشيخان (1) بيع أمهات الأولاد في ثمن رقبتهن إذا كان الثمن
دينا على مولاهن ولا مال له سوى ذلك، وبه قال ابن الجنيد، وابن البراج (2)،
وابن حمزة (3)، وابن إدريس (4)، ونقل ابن إدريس عن المرتضى أنه لا يجوز
بيعها ما دام الولد باقيا لا في الثمن ولا في غيره (5).
والمعتمد الأول.
لنا: إنها لم تخرج بالاستيلاد عن الملك. وقد احتج السيد المرتضى (6) على
الجمهور على ذلك بوجوه من الاحتجاجات، والأصل صحة تصرف الإنسان في
ملكه بالبيع وغيره، منع منه ما إذا كان الثمن دينا على المولى ولا شئ له سواه،
فيبقى الباقي على أصالة الجواز

(1) المقنعة: ص 601، النهاية ونكتها: ج 3 ص 24.
(2) المهذب 2: 250.
(3) الوسيلة: ص 343.
(4) السرائر: ج 3 ص 21.
(5) السرائر: ج 3 ص 21.
(6) الإنتصار: ص 175 - 176.
129

وما رواه زرارة في الحسن، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن أم
الولد، قال: إنه تباع وتورث (1) (2).
وعن عمر بن يزيد، عن الكاظم - عليه السلام - قال: قلت له: أسألك،
قال: سل، قلت: لم باع أمير المؤمنين - عليه السلام - أمهات الأولاد؟ قال: في
فكاك رقابهن، قلت: وكيف ذلك؟ قال: أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم
لم يؤد ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدي عنه أخذ ولدها منها وبيعت فأدى ثمنها،
قلت: فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟ قال: لا (3).
وعن عمر بن يزيد، عن أبي الحسن - عليه السلام - قال: سألته عن أم الولد
تباع في الدين؟ قال: نعم في ثمن رقبتها (4).
مسألة: الأقرب أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون السيد حيا أو ميتا.
ونص عليه ابن الجنيد فقال: وكذلك حالها في حياة سيدها، وهو الظاهر
من كلام الشيخين (5).
وقال ابن حمزة: فإن مات سيدها ولم يكن له مال سواها وكان ثمنها في ذمة
سيدها عادت بولدها رقا (6). وليس بجيد، لأنه ولد حر.
مسألة: إذا مات السيد جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه، فإن لم يكن

(1) في التهذيب: أمة تباع وتورث وتوهب وحدها حد الأمة.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 237 ح 858، وسائل الشيعة: ب 1 إن أم الولد مملوكة... ح 1 ج 16
ص 103.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 238 ح 862، وسائل الشيعة: ب 2 أنه يجوز بيع أم الولد... ح 1 ج 16
ص 104.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 238 ح 859، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب بيع الحيوان ح 2 ج 13
ص 51 وفيه: (نعم تباع).
(5) المقنعة: ص 601، النهاية ونكتها: ج 3 ص 24.
(6) الوسيلة: ص 343.
130

هناك مال سواها قال الشيخ في النهاية: كان نصيب ولدها منها حرا
واستسعت (1) في الباقي لمن عدا ولدها من الورثة، فإن لم يخلف غيرها وكان
ثمنها دينا على مولاها قومت على ولدها وترك إلى أن يبلغ، فإذا بلغ أجبر على
ثمنها، فإن مات قبل البلوغ بيعت في ثمنها وقضى به الدين (2).
وقال ابن إدريس: هذا غير واضح، لأنا نبيعها في ثمن رقبتها في حياة
مولاها فكيف بعد موته، ولأي شئ يجبر الولد بعد بلوغه على ثمنها، ولأي
شئ يؤخر الدين، إلا أن شيخنا قد رجع عن هذا في عدة مواضع، ولا شك أن
هذا خبر واحد أورده ها هنا إيرادا لا اعتقادا (3).
وقول ابن إدريس جيد، لكن الشيخ عول في ذلك على ما رواه وهب بن
حفص في الموثق، عن أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - أنه سأله عن رجل
اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات، قال: إن شاء يبيعها (4) باعها، وإن مات
مولاها وعليه دين قومت على ابنها، فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ثم
يجبر على قيمتها، فإن مات ابنها قبل أمه بيعت في ميراث الورثة إن شاء
الورثة (5).
وقال ابن الجنيد: ولو مات السيد وخلف مالا يستحق ولدها بنصيبه منها
أمه ولا كان له من المال ما يؤدي عنها قيمة ذلك وكان الولد صغيرا انتظر بها
إلى أن يكبر، فإن أدى حقوق باقي الورثة من قيمتها أو أدته هي بكدها عتقت،

(1) في المصدر: واستعيت.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 24 - 26.
(3) السرائر: ج 3 ص 23.
(4) في المصدر: أن يبيعها.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 239 - 240 ح 865، وسائل الشيعة: باب 6 إن أم الولد إذا كان ولدها
... ذيل الحديث 4 ج 16 ص 108.
131

وإن مات ابنها قبل ذلك كان نصيب ابنها منها حرا، وما بقي للورثة إن شاؤوا
أعتقوا وإن شاؤوا رقوا.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا استولد الذمي أمة ثم أسلمت لم يقر في
يده ولا يمكن من وطئها واستخدامها ويكون عند امرأة مسلمة يتولى القيام بها
ويؤمر بالإنفاق عليها ما دام ولدها باقيا، فإذا مات الولد قومت عليه وأعطي
ثمنها، وإن مات هو قومت على ولدها على ما قلناه. واستدل بإجماع الفرقة على
أن المملوك إذا أسلم في يد كافر قوم عليه، وهذه قد ولدت منه فلا يمكن
تقويمها ما دام ولدها باقيا، فأخرنا تقويمها إلى بعد موت واحد منهما (1).
وقال في المبسوط: إذا كان لذمي أم ولد منه فأسلمت فإنها لا تعتق عليه،
وتباع عليه عندنا، لأنها مملوكة (2).
واختاره ابن إدريس، واستدل بقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا) وإذا أسلمت الذمية وجب بيعها عليه، وقوله في الخلاف
مذهب بعض المخالفين اختاره، والذي ذكره في المبسوط هو الذي يقتضيه
أصول مذهبنا (3).
والوجه عندي أنها تستسعى في قيمتها، فإذا أدت القيمة عتقت.
لنا: إن البيع مع وجود الولد منهي عنه لا سبيل إليه، وإبقاؤها في يد المولى
لا سبيل إليه أيضا: للآية، وعتقها مجانا إضرار بالمولى، وكذا الحيلولة بينه
وبينها، كما اختاره الشيخ فتعين ما اخترناه.
مسألة: إذا مات السيد عتقت من نصيب ولدها وتنعتق عليه، فإن لم يكن

(1) الخلاف: ج 6 ص 425 المسألة 2.
(2) المبسوط: ج 6 ص 188.
(3) السرائر: ج 3 ص 22.
132

هناك غيرها انعتق نصيب ولدها واستسعيت في الباقي، اختاره الشيخان (1)،
وابن إدريس وقال: وروي أنه إن كان لولدها مال أدى بقية ثمنها منه، ولا
دليل على هذه الرواية (2).
وقال في المبسوط: وإذا مات السيد جعلت من نصيب ولدها وتنعتق عليه،
فإن لم يكن هناك غيرها انعتق نصيب ولدها واستسعيت في الباقي، وإن كان
لولدها مال أدى بقية ثمنها منه، فإن لم يكن ولدها باقيا جاز للورثة بيعها (3).
وقال ابن الجنيد: إنما ينعتق عندنا إذا كان لها ولد فمات سيدها وقد خلف
ما يستحقه ولدها بنصيبه من ميراث والده أو يستحق بعضها فيؤدي بقية
قيمتها، لقول النبي - صلى الله عليه وآله: (من ملك ذا رحم فهو حر).
والوجه ما قاله الشيخان، وقد تقدم البحث في أنه لا يجب على القريب
شراء قريبه إذا ملك بعضه بغير اختياره.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: في الاستيلاد ثلاث مسائل: الأولى: إن
تعلق الجارية بولد في ملك الوطء فتصير أم ولده بلا خلاف. الثانية: إن تعلق
بمملوك في غير ملكه بأن تزوج أمه فأحبلها فأتت بولد مملوك (4) شرط المالك رقة
لا يثبت للأم حكم الحرية لا في الحال ولا إذا ملكها فيما بعد، سواء ملكها بعد
انفصال الولد أو قبله عندنا وعند جماعة. الثالثة: إن تعلق الأمة بحر في غير ملكه
بأن يطأ أمة غيره بشبهة فتعلق منه بولد حر فلا تصير أم ولد في الحال، فإن
ملكها قال قوم: لا تصير أم ولده، وقال بعضهم: تصير أم ولده. قال: وهو
الأقوى عندي (5).

(1) المقنعة: ص 601، النهاية ونكتها: ج 3 ص 24 - 25.
(2) السرائر: ج 3 ص 22.
(3) المبسوط: ج 6 ص 185.
(4) في المصدر: بولد فإنه مملوك عندنا بشرط وعندهم بلا شرط ولا.
(5) المبسوط: ج 6 ص 185 - 186.
133

وقال في الخلاف: إذا نكح الرجل أمة غيره فأولدها ولدا كان (1) حرا
تابعا له، وإن شرط الرق كان مملوكا، فإن ملكها وملك ولدها بعد ذلك عتق
الولد عليه بحق النسب وتكون هي أم ولده. واستدل على كونها أم ولد بأن
طريقة الاشتقاق يقتضيه، وهذه قد ولدت منه، فينبغي أن تسمى بذلك (2).
وقال ابن حمزة: كل وطء يحصل منه ولد يلتحق بالواطئ صارت الأمة أم
ولد ألا في ثلاثة مواضع ذكرناها في أحكام السراري، سواء كان الولد حرا أو
مملوكا، وذلك في خمسة مواضع: وطأ بملك يمين وبعقد على جارية غيره
وبتحليل الأمة وبشبهة عقد أو نكاح، وسواء ولدت الولد حيا أو ميتا، أو سقط
منها تاما، أو غير تام، ظهر فيه تخطيط أو لم يظهر (3) والمواضع المستثناة في أحكام
السراري موضعان: الأول: إذا وطأ الأب جارية ابنه الكبير من غير إذنه أو
الصغير من غير تقويم كان الولد حرا، ولم تصر الجارية أم ولد. وهذا يمكن جعله
قسمين.
الثاني أن يطأ الولد جارية الأب من غير إذنه عالما بالتحريم لم تصر الجارية
أم ولد ورق الولد إن أحبلها ولم يلحق نسبه، وإن كان جاهلا التحق نسبه، ولم
تصر الجارية أم ولد. وهذا يمكن جعله أيضا قسمين، وهذا يوافق اختيار الشيخ
في الخلاف.
والأقوى أن الاستيلاد إنما يتحقق لو وطأ أمة في ملكه لا غير، عملا
بالأصل، وفي كلام ابن حمزة دلالة على أن ولد الزنا لا ينعتق على الأب.
ثم قال الشيخ في المبسوط: لو اشترى امرأته وهي حامل (4) فأولدها ولدا

(1) ليس في المصدر: ولدا كان.
(2) الخلاف: ج 6 ص 427 المسألة 3.
(3) الوسيلة: ص 342 - 343.
(4) في المصدر: لو تزوج أمة وهي حائل.
134

فإن الولد يكون مملوكا لسيد الأمة عندنا بالشرط، فإن ملك الزوج زوجته
وولدها فالولد يعتق عليه، لأن الابن يعتق عليه (1) والأم تصير عندنا أم ولد.
لأن الاشتقاق يقتضي ذلك (2). وهو يوافق ما قاله في الخلاف.
وفي رواية ابن مارد (لا تصير أم ولد له) (3) وهي موافقة لما قويناه.
مسألة: المشهور أنه لا يجوز بيع أم الولد إلا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على
مولاها وليس له سواها.
وقال ابن حمزة: وإن مات سيدها وعليه دين في غير ثمن رقبتها قومت على
ولدها، فإذا بلغ ألزم أداءها، فإن لم يكن له مال استسعي فيه، فإن مات قبل
البلوغ بيعت في الدين (4).
احتج الأولون بما رواه عمر بن يزيد، عن الكاظم - عليه السلام - قال: أيما
رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدي عنه أخذ
ولدها منها وبيعت فادي ثمنها، قلت: فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟ قال:
لا (5).
احتج ابن حمزة بما رواه أبو بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال سألته
عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات، قال: إن شاء يبيعها باعها،
وإن مات مولاها وعليه دين قومت على ابنها، فإن كان ابنها صغيرا انتظر به

(1) ليس في المصدر: لأن الابن يعتق عليه.
(2) المبسوط: ج 6 ص 187.
(3) تهذيب الأحكام: ج 7 ص 482 - 483، وسائل الشيعة: ب 4 إن من تزوج أمة فأولدها... ح 1
ج 16 ص 105.
(4) الوسيلة: ص 343.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 238 ح 862، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب بيع الحيوان ح 1 ج 13
ص 51.
135

حتى يكبر ثم يجبر على قيمتها، فإن مات ابنها قبل أمه بيعت في ميراث الورثة
إن شاء الله الورثة (1).
ولأنها مملوكة فيجب صرف ثمنها في الدين، كما لو كان الدين ثمنها. ونحن
في هذه المسألة من المتوقفين.

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 240 ح 865، وسائل الشيعة: ب 6 أن أم الولد إذا كان ولدها... ح 4
ج 16 ص 108 وفيهما: (إن شاء أن يبيعها).
136

كتاب الأيمان وتوابعها
137

كتاب الأيمان وتوابعها
وفيه فصول:
الأول
في الأيمان
مسألة: قال المفيد: لا يمين عند آل محمد - عليهم السلام - إلا بالله عز وجل
وبأسمائه الحسنى، ومن حلف بغير اسم من أسماء الله تعالى فقد خالف السنة،
ويمينه باطلة لا توجب حنثا ولا كفارة. ثم قال: ولا يجوز اليمين بالبراءة من
الله تعالى ومن رسوله ومن أحد من الأئمة - عليهم السلام - ومتى حلف بشئ من
ذلك ثم حنث كان عليه كفارة ظهار (1).
وقال الصدوق: إن قال رجل: إن كلم ذا قرابة (2) فعليه المشي إلى بيت
الله عز وجل وكل ما يملكه في سبيل الله وهو برئ من دين محمد - صلى الله عليه
وآله - فإنه يصوم ثلاثة أيام ويتصدق على عشرة مساكين (3).

(1) المقنعة: ص 554 و 558.
(2) في المصدر: إن قال الرجل أن لكم ذا قرابة له.
(3) المقنع: ص 136.
139

وقال الشيخ في النهاية: اليمين المنعقدة عند آل محمد - عليهم السلام - هي أن
يحلف الإنسان بالله تعالى أو بشئ من أسمائه أي اسم كان، وكل يمين بغير
الله أو بغير اسم من أسمائه فلا حكم له، ولا يجوز أن يحلف أحد بالبراءة من
الله تعالى ولا من كتابه ولا من نبيه ولا من شريعة نبيه ولا من أحد من الأئمة
- عليهم السلام - (1).
ثم قال في باب الكفارات: ومن حلف بالبراءة من الله تعالى أو من
رسوله أو من أحد من الأئمة - عليهم السلام - كان عليه كفارة ظهار، فإن لم يقدر
على ذلك كان عليه كفارة اليمين (2). وتبعه ابن البراج (3).
وقال سلار: اليمين بغير الله تعالى على ضربين: أحدهما: يلزم بالحنث فيه
كفارة ظهار، وهي اليمين بالبراءة من الله تعالى ورسوله والأئمة - عليهم
السلام - (4).
وقال أبو الصلاح: وقول القائل: هو برئ من الله أو رسوله أو أحد الأئمة
- عليهم السلام - مطلقا مختارا يقتضي كونه مأثوما يجب عليه التوبة وكفارة
ظهار، وإن كان مكرها فلا شئ عليه، وإن علق ذلك بشرط أثم، فإن خالف
ما علق عليه البراءة به فعليه الكفارة المذكورة (5).
وقال ابن حمزة: وإن حلف بالبراءة من الله تعالى أو من رسوله أو من أحد
الأئمة - عليهم السلام - ولم يكن يمينا، فإن كذب أثم ولزمته كفارة النذر (6).
وقال ابن إدريس: رجع شيخنا عما ذكره في نهايته في مبسوطه فقال:
إذا قال: أنها يهودي أو نصراني أو مجوسي أو برئت من الله أو من القرآن أو من

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 40 و 42.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 65 - 66.
(3) المهذب: ج 2 ص 421.
(4) المراسم: ص 184 - 185.
(5) الكافي في الفقه: ص 229.
(6) الوسيلة: ص 349.
140

الإسلام لا فعلت كذا ففعل لم يكن يمينا، ولا يحنث بخلافه، ولا يلزمه كفارة،
وفيه خلاف. ورجع أيضا في مسائل خلافه فقال: إذا قال: أنا يهودي أو
نصراني أو مجوسي أو برئت من الإسلام أو من الله أو من القرآن لا فعلت كذا
ففعل لم يكن يمينا ولا المخالفة حنثا. ولا يجب به كفارة، واستدل بإجماع
الفرقة وأخبارهم وأصالة البراءة. قال: وما ذكره في مبسوطه ومسائل خلافه
هو الذي يقوى في نفسي، وإليه أذهب وبه أفتي، لأنا قد بينا أنه لا يمين إلا
بالله تعالى وبأسمائه وصفاته (1)، وهذا ليس كذلك، ولأن الأصل براءة
الذمة، ولأن اليمين حكم شرعي يحتاج في ثبوته إلى دليل شرعي، والإجماع
غير (2) منعقد عليه، وكتاب الله تعالى خال من ذلك، ولا يرجع في ذلك إلى
الأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا (3).
والمعتمد أن نقول: لا يجوز الحلف بذلك، فإن فعل أثم، وإن حنث في يمينه
بذلك وجب عليه إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد ويستغفر الله تعالى، لما
رواه محمد بن يحيى في الصحيح قال: كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي
محمد العسكري - عليه السلام - رجل حلف بالبراءة من الله ورسوله - صلى الله
عليه وآله - فحنث ما توبته وكفارته؟ فوقع: عليه السلام -: يطعم عشرة مساكين
لكل مسكين مد ويستغفر الله عز وجل (4).
ولا منافاة بين إيجاب الكفارة لارتكاب اليمين المنهي عنها شرعا معاقبة له
ومؤاخذة على فعل ما نهاه الشرع عنه ومقابلة لحنثه فيها، وبين تحريم الحلف بها.

(1) في المصدر: وبصفاته.
(2) في المصدر: فغير.
(3) السرائر: ج 3 ص 39 - 40.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 299 ح 1108، وسائل الشيعة: ب 7 تحريم الحلف بالبراءة... ح 3
ج 16 ص 126.
141

مسألة: المشهور بين علمائنا أنه لا ينعقد اليمين بغير الله تعالى وأسمائه من
الرسل المشرفة والأماكن المقدسة والكتب المعظمة، كقوله: وحق رسول الله
وحق الكعبة والقرآن.
وقال ابن الجنيد: الأيمان الموجبة للكفارة لا ينعقد إلا أن يكون الحالف
حالفا بالله أو باسم من أسمائه التي لا يسمي بها أحد سواه، وأن يريد الحالف
الله عز وجل بالاسم الذي لا يجوز به غير الله تعالى كالسميع والبصير. ثم قال
- بعد كلام طويل -: ولا بأس أن يحلف الإنسان بما عظم الله تعالى من
الحقوق، لأن ذلك من حقوق الله عز وجل، كقوله: وحق رسول الله - صلى الله
عليه وآله - وحق القرآن. ونهى النبي - عليه السلام - عن الحلف بغير الله أو أن
يحلفوا بآبائهم، فيحتمل أن يكون لأن آباءهم كانوا يشترطون فيها من تعظيم ما
كانوا يحلفون به ويشركون به كاللات والعزى، وما كان شركا، لأنه لا يعظم
الشرك إلا مشرك.
لنا: ما رواه محمد بن مسلم في الحسن، عن الباقر - عليه السلام - قال:
قلت له: قول الله عز وجل: (والليل إذا يغشى) (والنجم إذا هوى) وما أشبه
ذلك، فقال: إن الله عز وجل يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا
إلا به (1).
وفي الحسن عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا أرى أن يحلف
الرجل إلا بالله (2).
احتج بما رواه عمر بن يزيد، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 277 ح 1009، وسائل الشيعة: ب 30 أنه لا يجوز الحلف... ح 3 ج 16
ص 160.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 278 ح 1010، وسائل الشيعة: ب 30 أنه لا يجوز الحلف... ح 4 ج 16
ص 160.
142

حلف الرجل بالعتق بغير ضمير على ذلك، فقال: من حلف بذلك فقد رضي
فهو لازم له فيما بينه وبين الله تعالى، وليس ذلك على المستكره (1).
والجواب: القول بالموجب، وصرف ذلك إلى أن ينذر عتق عبده إن فعل
شيئا أو إن لم يفعل لا على وجه اليمين، وسمي حلفا بالمجاز، أو يحمل على ما
قاله الشيخ من الاستحباب.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف في كتاب الأيمان: لا يدخل الاستثناء
بمشيئة الله تعالى إلا في اليمين فحسب، وقال أبو حنيفة: يدخل في اليمين بالله
وبالطلاق والعتاق وفي النذور وفي الإقرار. دليلنا: إن ما ذكرناه مجمع على
دخوله فيه، وما قالوه ليس عليه دليل (2).
وقال أولا في كتاب الطلاق من الخلاف: الاستثناء بمشيئة الله تعالى
يدخل في الطلاق والعتاق، سواء كانا مباشرين أو معلقين بصفة، وفي اليمين
بهما وفي الإقرار وفي اليمين بالله فيوقف الكلام، ومن خالفه لم يلزمه حكم
ذلك. واستدل بأصالة براءة الذمة وثبوت العقد، وإذا عقب كلامه بلفظة
(إن شاء الله) في هذه المواضع فلا دليل على زوال العقد في النكاح أو العتق،
ولا على تعلق حكم بذمته، فمن ادعى خلافه فعليه الدلالة (3). وكذا قال في
المبسوط (4).
وقال ابن إدريس: الصحيح الذي لا خلاف فيه بين أصحابنا ما قاله في
الخلاف في كتاب الأيمان وما ذكره في المبسوط، وفي كتاب الطلاق من

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 299 ح 1109. وسائل الشيعة: ب 14 أنه لا تنعقد اليمين... ح 8 ج 16
ص 140، وفيه: (بذلك ولله فيه رضي فهو له لازم فيما).
(2) الخلاف: ج 6 ص 132 المسألة 26.
(3) الخلاف: ج 4 ص 483 المسألة 53.
(4) المبسوط: ج 5 ص 66.
143

الخلاف مذهب بعض المخالفين (1).
والمعتمد ما قاله الشيخ في المبسوط: وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب
الطلاق.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا حلف الإنسان غيره على مال له وجب
عليه الرضا بيمينه، وليس له أن يأخذ من ماله شيئا، فإن جاء الحالف تائبا
مقلعا وأعطاه المال الذي حلف عليه جاز له قبضه، فإن جاء بالمال ومعه ربحه
فليأخذ رأس المال ونصف الربح ويعطيه النصف الآخر، وإن كان له المال
عنده فغصبه عليه وجحده غير أنه لم يحلفه ثم ظفر بشئ من ماله جاز له أن
يأخذ منه القدر الذي له من غير زيادة عليه، وإن كان المال الذي ظفر به
وديعة عنده لم يجز له جحده ولا يدخل فيما دخل معه فيه (2). وتبعه ابن
البراج (3).
وقال ابن إدريس: الذي نقول في هذا كله: إنه يجوز له أن يأخذ بمقدار
ماله فيما بينه وبين الله تعالى، سواء حلفه أو لم يحلفه، وسواء كان المال المجحود
غصبه منه أو لم يغصبه، وسواء كان ما ظفر به وديعة أو غير وديعة، لأنه لا دليل
على المنع من ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع منعقد، فلا يجوز
تضييع المال، لأن الرسول - عليه السلام - نهى عن قيل وقال وإضاعة المال، فأما
الربح المذكور وأخذ نصفه فلا وجه له، إلا أن يكون مال المجحود مضاربة
وكان الربح قبل الجحود والمطالبة والحكومة فحينئذ يصح ما ذكره
- رحمه الله - (4).

(1) السرائر: ج 3 ص 42.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 43 - 44 وفيه: (فإن جاء الحالف ثانيا).
(3) لم نعثر عليه.
(4) السرائر: ج 3 ص 42 - 43.
144

والمعتمد هنا أن نقول كما ذهب إليه الشيخ في الاستبصار من أنه: إذا لم
يحلف كره أن يأخذ من الوديعة ويجوز الاقتصاص من غيرها، وإن حلف لم
يجز له ذلك، لما رواه جميل بن دراج، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته
عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيجحده فيظفر من ماله بقدر الذي
جحده أيأخذه وإن لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال: نعم (1). وهذا يدل على جواز
الاقتصاص مطلقا.
وعلى جواز الاقتصاص من الوديعة ما رواه أبو العباس البقباق أن شهابا
ما رآه (2) في رجل ذهب له ألف درهم واستودعه بعد ذلك ألف درهم، قال أبو
العباس: فقلت له: خذها مكان الألف التي أخذ منك فأبى شهاب، قال:
فدخل شهاب على أبي عبد الله - عليه السلام - فذكر له ذلك، فقال: أما أنا
فأحب إلي أن تأخذ وتحلف (3).
ولقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم) (4).
وأما المنع مع الحلف فلما رواه عبد الله بن وضاح قال: كانت بيني وبين
رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم فقدمته إلى الوالي فأحلفه فحلف (5)
وقد علمت أنه حلف يمينا فاجرة فوقع له بعد ذلك عندي أرباح (6) ودراهم

(1) الإستبصار: ج 3 ص 51 ذيل الحديث 167 و ح 172، وسائل الشيعة: ب 83 من أبواب ما يكتسب
به ح 10 ج 12 ص 205.
(2) ماراه: جادله ونازعه.
(3) الإستبصار: ج 3 ص 53 ح 174، وسائل الشيعة: ب 83 من أبواب ما يكتسب به ح 2 ج 12
ص 202.
(4) البقرة: 194.
(5) في المصدر: فاحلفته فحلف لي.
(6) في المصدر: حلف لي يمينا فاجرة فوقع بعد ذلك له أرباح.
145

كثيرة فأردت أن أقبض (1) الألف درهم التي كانت لي عنده وأحلف (2)
عليها، فكتبت إلى أبي الحسن - عليه السلام - فأخبرته أني قد أحلفته فحلف وقد
وقع له عندي مال فإن أمرتني أن آخذ منه الألف درهم التي حلف عليها
فعلت، فكتب [عليه السلام لي]: لا تأخذ منه شيئا إن كان ظلمك فلا
تظلمه، ولولا أنك رضيت بيمينه فحلفته (3) لأمرتك أن تأخذ (4) من تحت
يدك، ولكنك رضيت بيمينه، فقد مضت اليمين بما فيها فلم آخذ منه شيئا،
وانتهيت إلى كتاب أبي الحسن - عليه السلام - (5).
ولقول رسول الله - صلى الله عليه وآله -: (من حلف فليصدق، ومن حلف
له [بالله] فليرض، ومن لم يرض فليس من الله في شئ) (6).
احتج الشيخ على المنع من الاقتصاص من الوديعة بما رواه ابن أبي عمير في
الصحيح، عن ابن أخي الفضيل بن يسار قال: كنت عند أبي عبد الله - عليه
السلام - ودخلت امرأة وكنت أقرب القوم إليها فقالت لي: أسأله، فقلت:
عماذا؟ فقالت: إن أبي مات وترك مالا كان في يد أخي فأتلفه ثم أفاد مالا
فأودعنيه فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شئ؟ فأخبرته بذلك فقال: لا،
قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من

(1) في المصدر: اقتص.
(2) في المصدر: وحلف.
(3) في المصدر: فاحلفته.
(4) في المصدر: تأخذها.
(5) الإستبصار: ج 3 ص 53 ح 175، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كيفية الحكم... ح 2 ج 18
ص 180.
(6) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 349 ح 987، وسائل الشيعة: ب 6 وجوب الرضا باليمين الشرعية ح 1
ج 16 ص 124 مع اختلاف.
146

خانك (1).
والجواب: الحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة. ولما رواه علي بن سليمان
قال: كتب إليه - عليه السلام - رجل غصب رجلا مالا أو جارية ثم وقع عنده
مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه أيحل له حبسه عليه أم لا؟
فكتب: نعم يحل له ذلك إن كان بقدر حقه، وإن كان أكثر فليأخذ منه ما
كان عليه ويسلم الباقي إليه إن شاء الله تعالى (2).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن وهب له أحد والديه شيئا ثم مات
الواهب فطالبه الورثة بذلك الشئ جاز له أن يحلف أنه كان اشتراه وأعطى
ثمنه، ولم يكن عليه كفارة ولا إثم (3). وتبعه ابن البراج في الكامل.
وقال ابن إدريس: هذا غير واضح، أما إذا طالبه الورثة بذلك الشئ فأقر
لهم به أو قامت لهم بينة بأنه للميت فلهم انتزاعه وعوده تركة، فإن ادعى أنه
اشتراه من والده فقوله غير مقبول، والقول قول الورثة، إلا أن يردوا عليه اليمين،
لأن اليمين في جنبهم، ولا يجوز له أن يدعي أنه اشتراه ولا أن يحلف أنه اشتراه،
فإن حلف على ذلك كان كاذبا معاقبا على كذبه، وأما إن ادعي أنه له
ورضي الورثة بيمينه فيجوز حينئذ أن يحلف أنه له ولا يكون كاذبا في يمينه بل
يكون صادقا، وإنما هذا خبر واحد أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا (4).
وقول ابن إدريس جيد، وقول شيخنا - رحمه الله - له محمل وهو: أن يكون

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 348 ح 981، وسائل الشيعة: ب 83 من أبواب ما يكتسب به ح 3 ج 12
ص 202.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 349 ح 985، وسائل الشيعة: ب 83 من أبواب ما يكتسب به ح 9 ج 12
ص 205.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 47 - 48.
(4) السرائر: ج 3 ص 44 - 45.
147

قد كتب له الواهب كتاب ابتياع يتضمن البيع وقبض الثمن فالملك حصل له
بالهبة، وإذا ادعى الشراء وبيده حجة بقبض الثمن فقد ثبت مدعاه، فإذا
ادعى الخصم أن ذلك على وجه الحيلة جاز له الحلف ويوري ما يخرجه عن
الكذب، لما رواه محمد بن أبي الصباح قال: قلت لأبي الحسن - عليه السلام -:
إن أمي تصدقت علي بنصيب لها في دار فقلت لها: إن القضاة لا يجيزون هذا
لكن اكتبيه شراء، فقالت: إصنع من ذلك ما بدا لك وكل (1) ما ترى أنه
يسوغ لك فتوثقت فأراد بعض الورثة أن يستحلفني إني نقدتها الثمن ولم أنقد
شيئا، قال: فاحلف له (2) (3).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن حلف ألا يشرب من لبن عنز له ولا
يأكل من لحمها وليس به حاجة إلى ذلك لم يجز له شرب لبنها ولا لبن أولاد ها
ولا يأكل لحومهن، فإن أكل أو شرب مع ارتفاع الحاجة كانت عليه الكفارة،
وإن كان قد شرب ذلك لحاجة لم يكن عليه شئ (4).
وقال ابن الجنيد: وإن حلف ألا يأكل لحم عنز ولا يشرب من لبنها لم
يأكل لحم ما أنتجت ولا يشرب من لبنه. وتبعهما ابن البراج في الكامل.
وقال ابن إدريس: لا بأس بشرب لبن أولاد ها وأكل لحومهن، لأن اليمين
تعلقت بعين العنز دون أولاد ها، وإنما ذلك خبر واحدا أورده إيرادا لا اعتقادا،
فهذا تحرير الفتيا (5).

(1) في المصدر: في كل.
(2) في المصدر: انقدها شيئا فما ترى قال: احلف له.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 287 ح 1056، وسائل الشيعة: ب 43 جواز الحلف في... ح 1 ج 16
ص 175.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 49 - 50.
(5) السرائر: ج 3 ص 46.
148

وقول ابن إدريس جيد.
لنا: الأصل براءة الذمة وإباحة لحوم الأولاد ولبنهن، لعدم تعلق اليمين بهن،
وعدم تناول لفظ الأمهات لهن بالمطابقة والتضمن والالتزام.
احتج الشيخ بما رواه عيسى بن عطية قال: قلت لأبي جعفر - عليه
السلام -: إني آليت ألا أشرب من لبن عنزي ولا آكل من لحمها فبعتها
وعندي من أولاد ها، فقال: لا تشرب من لبنها ولا تأكل من لحمها فإنها
منها (1).
والجواب: الطريق ضعيف، فإن في طريقه عبد الله بن الحكم وهو
ضعيف، وسهل بن الحسن ويعقوب بن إسحاق وعيسى بن عطية، ولا أعرف
حالهم، فلا تعويل على هذه الرواية.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن أودع عند إنسان مالا وذكر أنه لإنسان
بعينه ثم مات فجاء ورثته يطالبونه بالوديعة فإن كان الموصي ثقة عنده جاز له
أن يحلف بأن ليس عنده شئ ويوصل الوديعة إلى صاحبها، وإن لم يكن ثقة
عنده وجب عليه أن يرد الوديعة إلى ورثته (2).
وقال ابن إدريس: يجوز أن يحلف أنه ليس عنده شئ ويوصل الوديعة إلى
صاحبها الذي أقر المودع بأنها له، سواء كان المودع ثقة أو غير ثقة، لأن إقرار
العقلاء جائز على أنفسهم، سواء كانوا أتقياء أو غير أتقياء، وقول شيخنا خبر
واحد أورده إيرادا كما أورد أمثاله مما لا يعمل عليه (3).

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 293 ح 1082، وسائل الشيعة: ب 37 حكم من حلف... ح 1 ج 16
ص 171.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 50 - 51.
(3) السرائر: ج 3 ص 46.
149

والحق ما قاله الشيخ، لأن قوله الموصي يعطي أن القول على سبيل الوصية
أو الإقرار في المرض، وقد بينا فيما تقدم الحق في ذلك.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: الكافر يصح يمينه بالله في حال كفره، فإن
حنث فعليه الكفارة، سواء حنث في حال كفره أو بعد أن يسلم، وقال
بعضهم: لا ينعقد يمينه بالله، ولا تجب عليه الكفارة، ولا يصح منه التكفير.
قال: والأقوى عندي الأول، إلا أنه لا تصح منه الكفارة في حال كفره، لأنها
تحتاج إلى نية القربة وهي لا تصح من كافر، لأنه غير عارف بالله (1).
وقال في الخلاف: لا تنعقد يمين الكافر بالله تعالى، ولا يجب عليه الكفارة
بالحنث، ولا يصح منه التكفير بوجه، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي:
تنعقد يمينه ويلزمه الكفارة بحنثه، سواء حنث حال كفره أو بعد إسلامه.
دليلنا: اليمين إنما تصح بالله ممن كان عارفا بالله، والكافر غير عارف بالله
عندنا أصلا فلا تصح يمينه، وأيضا الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل
وأيضا قوله - عليه السلام -: (الإسلام يجب ما قبله) وأما الكفارة فتحتاج إلى
نية، ومن لا يعرف الله لا يصح أن ينوي ويتقرب إليه، واستدل الشافعي
بظواهر الأخبار وحملها على عمومها. قال: وهو قوي يمكن اعتماده (2).
وقال ابن البراج: إذا حلف الإنسان بالله تعالى وهو كافر صحت يمينه، ولم
تصح منه الكفارة إذا حنث، لأنها تفتقر إلى نية القربة، والقربة لا تصح من
الكافر، لأنه لا يعرف الله تعالى. وإذا لم يعرفه لم يصح أن يتقرب إليه
بذلك (3).
وقال ابن إدريس: لا تنعقد يمين الكافر بالله، ولا يجب عليه الكفارة

(1) المبسوط: ج 6 ص 194 - 195.
(2) الخلاف: ج 6 ص 116 المسألة 9.
(3) المهذب: ج 2 ص 406.
150

بالحنث، ولا تصح منه التكفير بوجه (1).
والمعتمد أن نقول: إن كان الكفر باعتبار جهله بالله تعالى وعدم علمه به
أما بأن يجحد الرب تعالى أو يشبهه بغيره كالمجوس فهذا لا ينعقد يمينه، لأنه
يحلف بغير الله تعالى، وإن كان باعتبار جحده نبوة أو فريضة معلومة الثبوت من
دين الإسلام انعقدت يمينه بالله تعالى، لوجود المقتضي للانعقاد وهو الحلف
بالله تعالى من عارف به عاقل لا ولاية لأحد عليه، وإذا انعقدت وجب عليه
الفعل المحلوف عليه، فإن كان من الطاعات وقصد إيقاعه على وجه التقرب إلى
الله تعالى وجب عليه تقديم الإسلام وفعله، إذ لا طاعة من الكافر، لأن
استحقاق الثواب مشروط بالإيمان، وإن كان غير طاعة وجب عليه فعله مطلقا،
ومتى حنث وجبت عليه الكفارة، لوجود المقتضي، ولكن لا يصح منه أداؤها
إلا بتقديم الإسلام عليه، فإن أسلم بعد الحنث سقطت الكفارة عنه، لوجود
المقتضي للإزالة وهو الإسلام.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا حلف لا دخلت بيتا، فدخل بيتا من شعر أو
وبر أو بيتا من حجر أو مدر فإنه يحنث، وقال بعض الشافعية: إن كان بدويا حنث
بدخول بيت البادية أو البلدان، وإن كان قرويا حنث بدخول بيت البلدان،
وفي بيوت البادية وجهان. ثم قال: دليلنا: إن الاسم يتناول هذه الأبيات،
قال تعالى: (وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا) فسماها بيوتا (2).
وقال في المبسوط: إذا حلف لا دخلت بيتا فدخل بيتا من شعر أو أدم أو
وبر أو من حجر أو طين أو مدر قال قوم: يحنث على كل حال، بدويا كان أو
قرويا إذا كان يعرف عادة البادية والحاضرة، وقال بعضهم: إن كان بدويا لا

(1) السرائر: ج 3 ص 48.
(2) الخلاف: ج 6 ص 148 المسألة 45.
151

يعرف بيوت الحاضر فمتى دخل بيوت الحاضرة لا يحنث، وإن كان قرويا لا
يعرف بيوت البادية فمتى دخل بيوت البادية من الشعر فإنه لا يحنث. قال:
والذي يقوى في نفسي أن يرجع في ذلك إلى العادة، فإن كان بدويا حنث،
سواء دخل بيوت البادية أو الحاضرة، وإن كان قرويا فدخل بيوت البلدان
حنث، وإن دخل بيوت البادية فإن كان يعرفها حنث بدخولها، وإن لم يعرفها
لا يحنث (1).
وقال ابن البراج: إن كان بدويا حنث، سواء دخل بيوت البادية أو
الحاضرة، وإن كان قرويا فدخل بيوت البلدان حنث، وإن دخل بيوت البادية
وكان يعرفها حنث، وإن لم يعرفها لم يحنث (2).
وقال ابن إدريس: إذا حلف لا دخلت بيتا فدخل بيتا من شعر أو وبر أو
بيتا مبنيا من حجر أو مدر فإنه يحنث (3).
والوجه أن نقول: مبني الأيمان على المقاصد والعرف العام أو اللغوي، فإن
كان الحالف قصد بيتا من هذه البيوت انصرفت اليمين إليه، لأنه المحلوف عليه
دون غيره، وإن قصد ما يسمى بيتا في عرفه انطلق (4) إلى عرفه، فمهما سمي بيتا
في عرفه انصرفت اليمين إليه، وإن قصد مها يسمى بيتا على الإطلاق سواء كان
في عرفه أو غير عرفه عم المنع الجميع، لاندراج كل فرد تحت عموم المقصود.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط إذا حلف لا أدخل بيتا فإن دخل الكعبة أو
المسجد أو البيعة أو الكنيسة لم يحنث عند قوم. لأن البيت إذا أطلق يتناول ما
بني للإيواء والسكنى، وكل هذا بني للعبادة والصلاة، وعلى هذا إذا دخل

(1) المبسوط: ج 6 ص 222، مع اختلاف.
(2) المهذب: ج 2 ص 417.
(3) السرائر: ج 3 ص 48.
(4) في الطبعة الحجرية: انطلق اليمين.
152

الحمام لم يحنث، لأنه بني للاغتسال والتنظيف (1).
ونقله ابن إدريس قولا للشيخ في المبسوط وقال: هو أنه يحنث، لأن الله
تعالى سماه بيتا، فبعرف الشرع يسمى بيتا وإن كان بعرف الاستعمال والعادة
لا يسمى بيتا، فإذا طرأ عرف الشرع على عرف اللغة أو الاستعمال كان
الحكم له والمرجع إليه دون العرفين (2).
ولهذا قال الشيخ في الخلاف: لو حلف لا يأكل لحما حنث بلحم
السمك، لأن اسم اللحم يتناوله، قال تعالى: (ومن كل تأكلون لحما طريا)
وإذا كان اسم اللحم ينطلق عليه وجب أن يطلق الأيمان عليه (3).
وقال ابن إدريس: إذا كان العرف الشرعي - وهو القرآن - هو الذي سماه
لحما وإن كان في عرف الاستعمال والعادة لا يسمى لحما فيلزمه في البيت
والكعبة ما ألزم خصمه من الاستشهاد بالقرآن، ويحنث من دخل الكعبة،
لتساويهما (4).
والوجه عندي في المسألتين البناء على المقصد، فإن قصد المسمى انصرف
إلى العرف.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا حلف لا دخل بيتا لم يحنث بالدهليز،
لأنه بنى للدخول منه إلى الدار والاستطراق لا للإيواء والسكنى، فإن دخل بيتا
في جوف الدار حنث، لأنه بنى للإيواء والسكنى، وإن دخل صفة في الدار لم
يحنث، وقال بعضهم: يحنث. والأول أقوى، لأن الصفة لا تسمى بيتا (5).

(1) المبسوط: ج 6 ص 249.
(2) السرائر: ج 3 ص 48.
(3) الخلاف: ج 6 ص 167 المسألة 73، مع اختلاف.
(4) السرائر: ج 3 ص 49، مع اختلاف.
(5) المبسوط: ج 6 ص 249.
153

وقال في الخلاف: إذا حلف لا يدخل بيتا فدخل صفة في الدار لم يحنث،
لأصالة البراءة، ولأن الصفة لا تسمى بيتا في اللغة (1).
وقال ابن الجنيد: لو حلف ألا يظله سقف بيت فدخل صفته حنث، ولو
مشى تحت ساباط على طريق مسلوك لم يحنث. وهو يشعر بالحنث في الصفة.
والوجه الحوالة في ذلك على العرف.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا حلف لا دخلت على زيد بيتا فدخل
على عمرو بيتا وزيد في ذلك البيت فإن علمه هناك فدخله واستثناه بقلبه
فدخل عليه معتقدا أنه داخل على عمرو دون زيد فهل يحنث أم لا؟ مبنية على
أصل وهو: إذا حلف لا كلم زيدا فسلم على قوم فيهم زيد فإن كان مع العلم
بحاله من غير استثناء حنث، وإن كان جاهلا أو ناسيا فعلى قولين أصحهما
عندنا أنه لا يحنث، وإن كان عالما فاستثناه بقلبه واعتقد أن السلام عليهم دونه
فهل يصح الاستثناء فلا يحنث؟ قال: قوم يصح، وهو الأقوى عندي، ومنهم
من قال: لا يصح (2).
وقال في الخلاف: إذا حلف لا دخلت على زيد بيتا فدخل على عمرو بيتا
وفيه زيد فاستثناه بقلبه كأنه قصد الدخول على عمرو دون زيد لم يصح، وإن
حلف لا كلم زيدا فسلم على جماعة واستثناه بقلبه لم يحنث. دليلنا في السلام:
إن السلام لفظ عام، ويجوز أن يخصه بقلبه، والفعل فعل الواحد لا يصح
تخصيصه بزيد دون عمرو، وإذا لم يصح تخصيصه فقد حنث بالدخول، ولا
يحنث بالسلام (3). وابن إدريس (4) وافق شيخنا في مسائل خلافه.

(1) الخلاف: ج 6 ص 184 المسألة 99.
(2) المبسوط: ج 6 ص 226 - 227.
(3) الخلاف: ج 6 ص 157 المسألة 56.
(4) السرائر: ج 3 ص 50.
154

وقال ابن البراج: إذا حلف ألا يدخل على زيد بيتا فدخل بيت عمرو
وزيد فيه وهو عالم بذلك حنث، ولم يفصل، وفصل في السلام (1).
وقول الشيخ في الخلاف جيد، لصدق الدخول على زيد مع الاستثناء، لأنه
حقيقة واحدة لا تختلف باختلاف المقاصد والدواعي، بخلاف السلام المفتقر
في تحقق كونه خطابا إلى قصد توجهه إلى المخاطب، فلا يصح تعلقه بالغير بدون
قصد توجهه إلى ذلك الغير، بخلاف الدخول فإنه ماهية حقيقية كالضرب، فلو
حلف لا ضربت زيدا فضرب زيدا وعمروا بقصد ضرب عمرو حنث.
لا يقال: لو لم يفتقر الدخول إلى القصد لحنث الساهي والمكره.
لأنا نقول: عدم الحنث فيهما ليس باعتبار عدم تحقق المحلوف عليه بل
باعتبار اشتراط القصد في فعل المحلوف عليه وتعمد المخالفة لليمين فتحقق
الحنث.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا حلف لا يفعل فعلا فأمر غيره بفعله
عنه بأمره مثل: أن يحلف لا تزوجت ولا طلقت ولا بعت ولا اشتريت ولا
ضربت عبدي فإذا فعله غيره بأمره فإن كان الحالف يلي أموره بنفسه - كأفناء
الناس - لم يحنث، لأنه لم يفعله، والأيمان تتعلق بحقائق الأسماء والأفعال، فإذا
فعله عنه غيره بإذنه فهو وإن أضيف إليه لكنه لم يفعله هو حقيقة، لصحة نفي
الفعل عنه، وإن كان لا يلي هذه الأشياء بنفسه - كالخليفة والسلطان العظيم -
فوكل غيره بفعله عنه نظر، فإن حلف لا تزوجت ولا طلقت لم يحنث، لأن هذا
مما يليه بنفسه فهو فيهما كالعامة، وإن كان حلف لا بعت ولا اشتريت ولا
ضربت عبدي ففعله غيره بإذنه قال قوم: لا يحنث، وقال آخرون في الضرب:
أنه يحنث، لأنه يقال: باع الخليفة وإن كان البائع وكيله، كما روي زنى ما عز

(1) المهذب: ج 2 ص 418.
155

فرجمه رسول الله - صلى الله عليه وآله - وإنما أمر برجمه، وهذا الأقوى عندي.
ومن قال لا يحنث قال: هذا مجاز، والأيمان تتعلق بالحقائق، وهو قوي أيضا،
ويقويه إن الأصل براءة الذمة (1).
وقال في الخلاف: إذا قال الخليفة أو الملك: والله لا ضربت (2) عبدي ثم
أمر عبده فضربه لم يحنث، لأن حقيقة هذه الإضافة أن يفعل الفعل بنفسه،
وإنما ينسب بما يفعله غيره بأمره إليه على ضرب من المجاز، ولهذا يحسن أن يقال:
ما ضربه وإنما ضربه غلامه أو من أمره به، فلو كان حقيقة لما جاز ذلك، وإذا
قال: والله لا تزوجت ولا بعت فوكل فيهما لم يحنث (3). لما تقدم.
وقال ابن الجنيد: ولو حلف ألا يبيع شيئا ولا يشتريه فأمر من باعه
واشتراه لم يحنث، إلا أن يكون له نية في العين.
وقال ابن إدريس: إذا قال الخليفة أو الملك: والله لا ضربت عبدي لم
يحنث بالأمر، وكذا لو قال: لا تزوجت ولا بعت فوكل فيهما (4) (5).
والتحقيق أن نقول: إن نوى الحالف ألا يفعله بنفسه فلا يحنث بفعل غيره
بأمره اعتبارا بنيته، سواء جل قدره أولا، وإن نوى أنه لا يكون منه ما يقتضي
ذلك الفعل ولا ما يكون باعثا عليه حنث بالأمر كما يحنث بالفعل مباشرة،
لأنه قد كان باعثا عليه، سواء جل قدره أو قل. وإن لم يقترن باليمين نية بل
أطلق فإن كان العرف جاريا بإسناد الفعل إلى المباشر والآمر على حد سواء
حنث بالأمر كما لو حلف لا احتجمت ولا افتصدت ولا حلقت رأسي ولا

(1) المبسوط: ج 6، ص 230 - 231، مع اختلاف.
(2) ق 2 و م 3: لأضربن.
(3) الخلاف: ج 6 ص 162 المسألة - 64 - 65.
(4) في المصدر: لا ضربت عبدي ثم أمر فضربه لم يحنث إذا قال الخليفة... فيهما لم يحنث.
(5) السرائر: ج 3 ص 50.
156

بنيت داري سواء جل قدر الحالف أو قل إذا لم يجر في العرف من جليل أو حقير
أن يباشر هذه الأفعال في نفسه فصار العرف صارفا عن حقيقة اللفظ إلى مجازه
فيصير اعتبار المجاز حيث اقترن بالعرف أولى من اعتبار الحقيقة إذا فارق (1)
العرف، وإن كان العرف جاريا في فعله بالمباشرة دون الأمر من جميع الناس
كقوله: لا قرأت ولا كتبت ولا حججت ولا اعتمرت لم يحنث بالأمر، سواء
جل قدر الحالف أو قل، لأن العرف جار بمباشرة ذلك من كل جليل وحقير
فصار العرف مقترنا بالحقيقة فيتعين الحمل عليها دون المجاز، وإن كان العرف
مختلفا في مباشرة فعله فيفعله مباشرة الحقير دون الجليل فإن اقترن بعرف
الاستعمال في الاختلاف بينهما عرف الشرع - كإقامة الحدود التي لا يقيمها في
الشرع والعرف إلا الولاة والحكام - فيحنث الآمر بها إذا كان من الولاة، وإن لم
يباشرها كما قيل: جلد رسول الله - صلى الله عليه وآله - زانيا ورجم ماعزا
وقطع سارقا ولا يحنث بها غير الولاة إلا بالمباشرة، لأنه غير نافذ الأمر فيها، وإن
انفرد الاختلاف بينهما بعرف الاستعمال دون عرف الشرع فيباشره الأدنى دون
الأعلى تنزها وترفعا - كعقود البيع وتأديب العبيد والخدم - فإن كان عرف
الحالف جاريا بمباشرته كرجل من عوام السوقة حلف لا باع ولا اشترى ولا
ضرب عبدا حنث بالمباشرة دون الأمر، لأن الأيمان تحمل على حقائق الأسماء
والأفعال ما لم (2) ينقلها عرف، والحقيقة في هذه الأفعال مباشرتها والعرف
مقترن بها، وإن كان عرفه جاريا بالاستنابة فيه دون مباشرته - كالسلطان إذا
حلف لا باع ولا اشترى ولا ضرب عبدا - فالأقرب الحنث اعتبارا بالعرف،
والعرف هنا قد اقترن بالمجاز فيحمل عليه، ويحتمل عدمه، عملا بالحمل على
الحقيقة، وهي إنما تتناول المباشرة لها دون الأمر بها، والحقيقة إنما تنتقل بعرف

(1) م 3: قارنت، والطبعة الحجرية: فارقت.
(2) ق 2: إذا.
157

عام كما لو حلف لا آكل رؤوسا فإنه لا يحنث بأكل رؤوس الطير والجراد
وإن وجد حقيقة الاسم فيها لأن العرف العام نقل عما عداها حقيقة الاسم،
وهذا عرف خاص فلا ينتقل به الحقيقة، كما لو حلف السلطان لا أكلت خبزا
ولا لبست ثوبا فإنه يحنث بخبز الذرة ولبس العباءة.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا حلف لا يأكل الرؤوس حنث بأكل
رؤوس النعم الإبل والبقر والغنم، ولا يحنث بأكل رؤوس سواها كرؤوس
الحيتان والعصافير والطيور والجراد، وإن كان في بلد له صيد كثير وتكون
رؤوس الصيد يؤكل مفردة عنها (1) حنث فيها، وإن حلف لا يأكل الرؤوس
وهو في غيرها من البلاد فأكل منها هل يحنث أم لا؟ قال قوم: يحنث، لأنه
إذا ثبت عرف في مكان تعلق بها حكم اليمين في كل مكان كخبز الأرز له
عرف بطبرستان فيتعلق به الأيمان في كل مكان، وقال آخرون: لا يحنث، لأن
هذا الحالف لا علم له بذلك ولا عرف له بهذا البلد، وهكذا القول في رؤوس
الحيتان إذا ثبت لها من العرف ما ثبت لرؤوس الصيود، هذا إذا لم يكن له
نية، فأما إذا كان له نية حنث وبر عليه نيته، والورع أن يحنث بأي رأس كان
ليخرج من الخلاف، لأن فيه خلافا. والأقوى عندي ألا يحنث بما لا يعرفه،
لأن الأصل براءة الذمة (2).
وفي الخلاف إذا حلف لا يأكل رؤوسا حنث بأكل رؤوس الإبل والبقر
والغنم دون الطيور والعصافير والجراد والحيتان (3).
وقال ابن إدريس: إذا حلف لا يأكل الرؤوس فأكل رؤوس الغنم

(1) في المصدر: عندنا.
(2) المبسوط: ج 6 ص 238 - 239.
(3) الخلاف: ج 6 ص 167 المسألة 72، مع اختلاف.
158

والإبل والبقر حنث ولا يحنث بأكل رؤوس العصافير والطيور والحيتان
والجراد، وقال بعض الفقهاء: لا يحنث إلا بأكل رؤوس الغنم فحسب، وهو
قوي، لعرف العادة، هذا إذا لم يكن له نية، فإن كان له نية حنث وبر على
نيته، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مبسوطه، وهو من فروع المخالفين
وتخريجاتهم، والذي يقتضيه أصولنا أنه يحنث بأكل جميع الرؤوس، لأن ذلك
هو الحقيقة فلا يعدل عنها إلى المجاز، لأنا ننظر إلى مخرج اليمين، ويحنث صاحبها
ويبر على مخرجها وحقائقها دون أسبابها ومعانيها ومجازاتها وفحوى خطابها (1).
والمعتمد أن نقول: إن نوى الحالف صرف الحلف إليه، وإن لم ينو فإن
كان هناك عرف خاص يعهده الحالف وينصرف إطلاق لفظه إليه حمل
عليه، وإلا حمل على الحقيقة اللغوية.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا حلف لا يأكل بيضا، حقيقة هذا كل
بيض، سواء زايل بايضه وهو حي كالدجاج والنعام والإوز والعصافير، أو لا
يزايل بايضه وهو حي كبيض السمك والجراد والبيض الموجود في جوف
الدجاجة يطبخ ويشوي معها، غير إنا نحمله على ما يزايل بايضه حيا بالعرف
القائم في الاسم، ألا تراه إذا قال: أكلت البيض لم يفهم منه بيض السمك
والجراد، وكذلك إذا حلف لا أكلت الرؤوس فهذا حقيقته كل رأس وحملناه
على النعم بالعرف القائم في الاسم (2).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه مذهبنا أنه يحنث بأكل جميع ما ينطلق
عليه اسم البيض، لأن اسم البيض يقع حقيقة على جميع ذلك، والأيمان عندنا
يتعلق بحقائق الأشياء ومخارج الأفعال والأسماء ولا يرجع إلى المعاني، وإنما هذه
تخريجات المخالفين وقياساتهم، فإذا كان اسم البيض ينطلق على بيض السمك

(1) السرائر: ج 3 ص 50 - 51.
(2) المبسوط: ج 6 ص 255.
159

حقيقة وجب أن يتعلق به الأيمان ويطلق عليه، والاحتياط أيضا يقتضيه (1).
والمعتمد في ذلك أن نقول: إن كان عرف الحالف يقتضي صرف إطلاق
البيض إلى ما يعم الجميع انصرف إليه جمعا بين الحقيقة اللغوية والعرفية، وإن
كان لا ينطلق إلا على نوع خاص انصرف إليه، عملا بالحقيقة العرفية عند
التعارض بينها وبين اللغوية.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط (2) والخلاف (3): إذا حلف لا يأكل لحما
فأكل قلبا لم يحنث، لأن اسم اللحم لا يقع عليه، ولا يقال لمن أكله أكل
لحما.
وقال ابن إدريس: الأولى أنه يحنث، لأن اسم اللحم يطلق عليه
حقيقة (4).
والوجه ما قلناه أولا: إن كان اسم اللحم يطلق عليه حقيقة أو عرفا حمل
عليه أيضا، وإلا فلا.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا حلف لا يأكل لحما لم يحنث بأكل
لحم الحيتان، وقال بعضهم: يحنث. والأول أقوى (5).
وقال في الخلاف: يحنث، لأن اسم اللحم يطلق عليه، قال الله تعالى:
((ومن كل تأكلون لحما طريا) وإذا كان اسم اللحم مطلقا عليه وجب أن
يطلق الأيمان عليه (6).

(1) السرائر: ج 3 ص 51.
(2) المبسوط: ج 6 ص 241.
(3) الخلاف: ج 6 ص 170 ج 6 المسألة 79.
(4) السرائر: ج 3 ص 51.
(5) المبسوط: ج 6 ص 239.
(6) الخلاف: ج 6 ص 167 المسألة 73، وفيه: (لحم السمك وقال بعضهم).
160

وقال ابن إدريس: ما ذكره الشيخ في مبسوطه قوي، لعرف العادة، وما
ذكره في الخلاف أقوى، للآية، لأن عرف الشرع إذا طرأ على عرف العادة
كان الحكم لعرف الشرع (1).
والمعتمد ما قلناه في المسائل السابقة من البناء على العرف.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا حلف لا شربت من نهر لا شربت من
دجلة فمتى شرب من مائها سواء غرف بيده أو في كوز أو غيره أو كرع فيها
كالبهيمة حنث (2).
وقال في المبسوط: إذا حلف لا شربت من النهر لا شربت من دجلة فمتى
شرب من مائها حنث، سواء غرف بيده أو في كوز أو غيره على أي وجه شرب
منها أو كرع فيها كالبهيمة، وقال بعضهم: لا يحنث حتى يكرع منها كالبهيمة،
لأنه إذا شرب غرفا بيده فما شرب منها وإنما شرب من يده، وهو الأقوى
عندي (3).
وقال ابن إدريس: ما ذكره في المبسوط هو الذي يقوى في نفسي، لأن
الأصل براءة الذمة، والكلام في الحقائق دون المجاز، وهذا هو الحقيقة وما عداه
مجاز (4).
واحتج الشيخ على قوله في الخلاف بأن معنى هذا الكلام لا شربت من
مائها، فبهذا جرت العادة، لأن دجلة عبارة عن قرارها ومكان جري الماء فيه،
والقرار لا يمكن الشرب منه، فلو لزم ما قالوه للزم إذا شرب بفيه كالبهيمة لا
يحنث أيضا، لأنه إنما شرب من فيه فإنه يأخذ الماء بفيه أولا فيصير فيه، ولا
يحنث حتى يزدرده، بدليل أنه لو أخذه بفيه ومجه من فيه لم يحنث، ثبت أن

(1) السرائر: ج 3 ص 52.
(2) الخلاف: ج 6 ص 163 المسألة 67.
(3) المبسوط: ج 6 ص 232.
(4) السرائر: ج 3 ص 52.
161

الفم آلة يشرب منه كالكوز والقدح لم يثبت أنه يحنث إذا شرب من فيه،
وكذلك إذا شرب من قدح (1).
والمعتمد اتباع العرف إن كان أو الحقيقة اللغوية إن لم يكن، واحتجاج
الشيخ في الخلاف ضعيف، لأن كون الفم آلة لا يقتضي مساواته للإناء
لانصراف الشرب من الكوز - مثلا - إلى أخذ الماء بالفم من الكوز.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا حلف لا وهبت له فإن الهبة عبارة عن
كل عين يملكه إياها متبرعا بها بغير عوض، فإن وهب له أو أهدى أو نحله أو
أعمره أو تصدق عليه بصدقة تطوع بها حنث، وقد سمى رسول الله - صلى الله
عليه وآله - العمرى هبة، فقال: العمرى هبة لمن وهبت له (2).
وكذا قال في المبسوط، وزاد: فإن حلف لا أعمرته فتصدق عليه أو لا
أتصدق عليه فأهدى له لم يحنث، لأن اليمين تعلقت بنوع فلا يحنث بنوع آخر،
فإن حلف لا وهبت له فأعاره لم يحنث، لأن الهبة تمليك الأعيان، والعارية لا
يملك بها العين، فإن وقف عليه فمن قال: إنه ينتقل إلى الله تعالى لا إلى ملك (3)
لم يحنث، لأنه ما ملكه، ومن قال: ينتقل (4) إلى الموقوف عليه حنث. قال:
والثاني أقوى، فإن أوصى له بشئ وقبله لم يحنث، لأنه سبب تمليك وليس
بتمليك (5).
وقال ابن إدريس: قوله الهبة عبارة عن كل عين يملكه إياها متبرعا بغير
عوض فغير واضح، أن الوقف كذلك، ولا يسمى هبة بغير خلاف، وصدقة

(1) الخلاف: ج 6 ص 163 المسألة 67.
(2) الخلاف: ج 6 ص 177 المسألة 91.
(3) في المصدر: مالك.
(4) في المصدر: أنه ينتقل.
(5) المبسوط: ج 6 ص 244.
162

التطوع عندنا لا تسمى هبة، بل بينها وبين الهبة فرق كثير، لأن صدقة التطوع
بعد القبض لا يجوز الرجوع فيها والهبة يجوز الرجوع فيها فلا يحنث بصدقة
التطوع، لأنه ما وهب (1).
والمعتمد ما قاله الشيخ، لأن الوقف على تقدير انتقاله إلى الموقوف عليه
والصدقة المتطوع بها يندرجان تحت اسم الهبة وحدها فيكونان نوعين منها.
وادعاء ابن إدريس الإجماع على خلافه غلط، وحجته بأن الصدقة لازمة والهبة
غير لازمة ينتقض بهبة ذي الرحم بأنها لازمة والهبة غير لازمة فلا يكون هبة ذي
الرحم هبة.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا حلف لا وهبت عبدي ثم وهبه من
رجل حنث بوجود الإيجاب، قبل الموهوب له أو لم يقبل، وبه قال أبو حنيفة
وابن شريح (2)، وقال الأسفرائيني: لا يحنث، لأن الهبة عبارة عن الإيجاب
والقبول كالبيع، وهو قوي. دليلنا على الأول: أنه إذا قال: وهبت فقد فعل ما
حلف أنه لا يفعله، وإنما حلف ألا يفعل هذه الصيغة بعينها وقد فعلها فيجب
أن يحنث، وليس كذلك البيع، لأنه لا يقال: باع بلفظة (3) قوله: (بعت) حتى
يحصل القبول (4).
وقال في المبسوط: إذا حلف لا وهبت عبدي هذا أو قال له: إن وهبتك
فأنت حر وجعله نذرا عندنا فإن وهبه من رجل حنث بوجود الإيجاب، قبل
الموهوب له أو لم يقبل عند قوم، وقال آخرون - وهو الأقوى -: أنه لا يحنث حتى
يحصل القبول، لأن الهبة عبارة عن الإيجاب والقبول معا كالبيع، بدليل أنه لو
حلف لا بعت لم يحنث بالإيجاب، فالهبة مثله. والأول أيضا قوي (5). وهذا

(1) السرائر: ج 3 ص 55.
(2) في المصدر: سريج.
(3) في المصدر: بلفظ.
(4) الخلاف: ج 6 ص 186 المسألة 103.
(5) المبسوط: ج 6 ص 250.
163

يدل على تردد الشيخ في الكتابين معا.
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول أصحابنا أنه لا يحنث إلا بوجود
الإيجاب والقبول، لأن الهبة عقد عندنا بلا خلاف، والعقود لا يكون إلا بين
اثنين، وهو مثل البيع سواء. وقد فرق شيخنا بغير فرق وهو أنه قال: لا يقال:
باع بلفظ قوله: بعت حتى يحصل القبول، وكذلك نحن نقول في الهبة، لأنها
باقية على ملكه بلا خلاف، فإذا وجد القبول انتقلت من ملكه، وكذلك البيع
سواء، وقد رجع شيخنا في مبسوطه إلى ما اخترناه وحررناه (1).
وقول الشيخ في المبسوط هو الأقوى.
لنا: إن الهبة والبيع عقدان، فإن تناولت اليمين فعل الحالف فهو الإيجاب
لا غير، وإن تناولت كمال العقد فهو الإيجاب إذا اقترن به القبول. نعم يمكن
أن يقال: قبول الهبة قد يحصل بالفعل وقد يحصل بالقبول، والفعل ليس جزء
من مسمى الهبة، فيبقى الجزء الأعظم فيها الإيجاب فينصرف اليمين فيها إليه،
إلا أن الجواب أن القبول لا بد منه، سواء كان فعلا أو قولا، وكون الفعل لا
يتعين للجزئية لا يخرجه عن كونه أحد الجزئين.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا حلف لا يأكل شحما - فالشحم هو
الذي يكون في الجوف من شحم الكلى أو غيره - فإن أكل منه حنث، وإن أكل
غيره من كل شئ في الشاة من لحمها الأحمر والأبيض والألية والكبد
والطحال والقلب لم يحنث بشئ من هذا، لأن اسم الشحم لا يقع عليه، وقال
بعضهم: إن أكل من لحم الظهر حنث. والأول أقوى عندي. ولو حلف لا
يأكل لحما نظرت فإن أكل من اللحم الأحمر أو من الأبيض الذي يكون على
الظهر حنث، وإن أكل من القلب لم يحنث، وإن أكل من شحم البطن لم

(1) السرائر: ج 3 ص 55.
164

يحنث عندنا، وقال بعضهم: يحنث (1).
وقال في الخلاف: إذا حلف لا أكلت شحما فأكل شحم الظهر لم يحنث،
لأن اسم الشحم يختص بما يكون في الجوف، ولو حلف لا يأكل لحما وأكل
من شحم الجوف لم يحنث (2).
وقال ابن الجنيد: ومن حلف ألا يأكل شحما من غير نية إفراده من اللحم
كان الاحتياط له تركهما جميعا من غير حيوان واحد أو اثنين.
وقال ابن البراج: إذا حلف لا يأكل شحما فأكل ما يجري عليه اسم
شحم حنث (3).
وقال ابن إدريس: الصحيح الذي يقتضيه أصول المذهب أنه يحنث بشحم
الظهر، لأن الشحم عبارة من غير اللحم من أي موضع كان، سواء كان شحم
الآلية أو الظهر أو البطن بغير خلاف بين أهل اللسان (4). وهو المعتمد.
لنا: إن اللحم والشحم جسمان قد اشتمل عليها الدابة يفترقان في الاسم
والحقيقة. أما افتراقهما في الاسم فظاهر. وأما افتراقهما في الحقيقة فلأن اللحم
أحمر كثيف ذو طعم خاص، والشحم أبيض رخو الجسم ذو طعم آخر، سواء
كان في الجوف أو على الجنب في الظهر والزور (5). ولقوله تعالى: (ومن البقر
والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط
بعظم ((6) والاستثناء إخراج. ولأنه بصفة الشحم أشبه منه بصفة اللحم.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا حلف لا يأكل رطبا فأكل المنصف

(1) المبسوط: ج 6 ص 241.
(2) الخلاف: ج 6 ص 170 المسألة 78 - 79، مع اختلاف.
(3) المهذب: ج 2 ص 420.
(4) السرائر: ج 3 ص 56.
(5) الزور: وسط الصدر أو ما ارتفع إلى الكتفين.
(6) الأنعام: 146.
165

- وهو الذي نصفه رطب ونصفه بسر - أو حلف لا يأكل بسرا فأكل المنصف
حنث، لأنه قد أكل الرطب وأكل معه شيئا آخر (1).
وقال ابن الجنيد: ولو حلف ألا يأكل بسرا أو ألا يأكل رطبا فأكل مذنبا
لم يبر.
وقال في المبسوط: فإن حلف لا يأكل رطبا فأكل من المنصف - وهو ما
نصفه رطب ونصفه بسر - نظرت، فإن أكل منه الرطب حنث، وإن أكل منه
البسر لم يحنث، وإن أكله على ما هو به حنث، لأنه أكل الرطب، وقال
بعضهم: لا يحنث. والأول أصح عندنا. وهكذا إذا حلف لا يأكل بسرا فأكل
المنصف فعلى ما فصلناه (2). وتبعه ابن البراج (3).
وقال ابن إدريس: الذي يقوى في نفسي أنه لا يحنث للعرف، لأن
الإنسان إذا قال لغلامه: اشتر لنا رطبا فاشترى له منصفا لم يمتثل أمره، وكذلك
إن أمره أن يشتري البسر (4) فاشترى له المنصف لم يكن ممتثلا، لأن عرف
العادة (5) الرطب - هو الذي جميعه قد نضج - وكذلك في البسر - الذي جميعه لم
ينضج منه شئ - هذا (6) هو المتعارف (7).
والوجه عندي أن نقول: إن أكل البسر من المنصف حنث به في البسر ولم
يحنث به في الرطب، وإن أكل الرطب منه حنث به في الرطب ولم يحنث به في

(1) الخلاف: ج 6 ص 171 المسألة 82.
(2) المبسوط: ج 6 ص 241، وفيه: (لأنه قد أكل الرطب).
(3) المهذب: ج 2 ص 420.
(4) في المصدر: وكذلك إن أمره يشتري البسر.
(5) في المصدر: ممتثلا أمره لأن في عرف العادة.
(6) في المصدر: وهذا.
(7) السرائر: ج 3 ص 56.
166

البصر، وإن أكل الجميع فإن كل أحدهما أغلب وأكثر - مثلا يكون مذنبا - فإنه
يجري عليه حكم الغالب، فالبسر يشمل المذنب فيحنث به فيه، أما ما رطب
أكثره فإنه يحنث به في الرطب دون البسر، ولو تساويا حنث به في الرطب،
لأنه يطلق على المنصف اسم الرطب، ولا يحنث به في البسر، لأنه لا يطلق عليه
اسم البسر عرفا.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا حلف لا تسرى فمتى تسرى حنث، وما
هو التسري؟ الأولى أن يقال: إنه عبارة عن الوطء والتخدير فيه، لأن الجارية
ضربان: سرية وخادمة، فإذا خدرها ووطأ فقد تسرى وترك الاستخدام (1).
وقال في المبسوط: قال قوم: التسري الوطء والتخدير، أنزل أو لم ينزل،
لأن الجارية ضربان: سرية وخادمة، فإذا خدرها ووطأ فقد تسرى وترك
الاستخدام. وقال آخرون: التسري مجرد الوطء، أنزل أولا، حصنها أولا، لأن
السيد إذا جامع فقد تسرى. وقال آخرون: إذا جامع وأنزل فقد تسرى، سواء
حصنها أو لم يحصنها. وهذا هو الأقوى، وبعده الأول (2). وابن إدريس (3) وافق
الشيخ في الخلاف.
والمعتمد البناء على العرف، وهو يختلف باختلاف الأزمان والأصقاع.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط (4) والخلاف (5): إذا حلف لا يتكلم فقرأ
القرآن لم يحنث، سواء كان في الصلاة أو في غير الصلاة، لأن الأصل براءة
الذمة، وأيضا فلا يطلق على من قرأ القرآن أنه تكلم، ولو كان كاملا خارج

(1) الخلاف: ج 6 ص 187 المسألة 106 مع اختلاف.
(2) المبسوط: ج 6 ص 251، مع اختلاف.
(3) السرائر: ج 3 ص 56.
(4) المبسوط: ج 6 ص 250.
(5) الخلاف: ج 6 ص 185 المسألة 102.
167

الصلاة لكان كلاما داخل الصلاة وكان يجب أن يقطع الصلاة، وأجمعنا على
خلافه.
وقال ابن الجنيد: ومن حلف ألا يتكلم فقرأ أو سبح الله أو سأله رغبة
إليه أو استعاذ به خوفا من عقابه أو أذن أو أقام لفرضه لم يحنث.
وقال ابن إدريس: هذا - يعني: قول الشيخ - غير واضح، والذي يقتضيه
أصول المذهب ولغة العرب أنه إذا قرأ القرآن فقد تكلم، وإن القرآن كلام بغير
خلاف، فعلى هذا التقرير يحنث (1). وهو المعتمد.
لنا: إن الكلام اسم للمنتظم من الحروف المسموعة الدالة بالوضع إذا
صدرت من قادر واحد، وهذا المعنى موجود في القرآن، ولقوله تعالى: (حتى
يسمع كلام الله) (2) والملازمة التي ذكرها الشيخ ممنوعة، فإن مطلق الكلام
غير مبطل، بل المبطل الكلام الذي ليس قرآنا، ولهذا يصدق التكبير والتسبيح
والتحميد والدعاء اسم الكلام إجماعا، وليس مبطلا بلا خلاف. نعم إن
قصد الشيخ إن هذا الكلام طاعة فلا ينعقد اليمين بتركه كان حقا، لكن لا من
هذه الحيثية، وقد يحرم أو يكره كالعزائم وغيرها، للحنث، فلا يصح التعميم.
مسألة: المشهور أنه لا ينعقد اليمين بقول الرجل: يا هناه، ونص عليه
الشيخ (3).
وقال ابن الجنيد: وكل ما كان معروفا عند العرب أنه يراد به الله كقولهم:
وأيم الله ولعمر الله ولاه الله فجائز الحلف بذلك، وكذلك قولهم: يا هناه
ويا هناه، فإنما هو طلب الاسم. وفي حديث أبي جعفر وأبي عبد الله - عليهما
السلام - أنه لا بأس به.

(1) السرائر: ج 3 ص 57.
(2) التوبة: 6.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 40.
168

والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: أصالة براءة الذمة.
وقد روى الحلبي في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا أرى أن
يحلف الرجل إلا بالله، فأما قول الرجل: لا بل شانئك فإنه من قول الجاهلية،
ولو حلف الناس بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله، فأما قول الرجل: يا هناه ويا
هناه فإنما ذلك طلب الاسم ولا أرى به بأسا، وأما قوله: لعمر الله وقوله: لاها
الله فإنما ذلك بالله (1).
مسألة: إذا حلف ألا يضربه فألمه بخنق أو قرص أو عض قال ابن الجنيد:
حنث. والوجه أنه لا يحنث.
لنا: إنهما فعلان متغايران، فإن الضرب امساس عنيف لجسم بآخر
ومصاكة له، والاشتراك في اللازم - وهو الألم - لا يستلزم الاشتراك في الماهية.
مسألة: قال ابن الجنيد: لو حلف ألا يشرب خمرا فشرب مسكرا أو فقاعا
حنث.
والوجه عدمه، للتغاير.
قال: ولو حلفت المرأة ألا تلبس حليا حنثت بكل ما يصنع من الذهب
والفضة مفردا ومرصعا بجوهر، ولو لبست الجوهر مفردا لم تحنث.
والوجه ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط (2) والخلاف (3) وهو الحنث،
لقوله تعالى: (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) (4).

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 278 ح 1010، وسائل الشيعة: ب 30 أنه لا يجوز... ح 4 ج 16
ص 160.
(2) المبسوط: ج 6 ص 199.
(3) الخلاف: ج 6 ص 131 المسألة 25.
(4) النحل: 14.
169

مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا قال: وحق الله كانت يمينا إذا أراد
يمينا، فإن لم يرد لم يكن يمينا (1).
وقال في الخلاف: إذا قال: وحق الله لا يكون يمينا قصد أو لم يقصد، لأن
اليمين حكم شرعي، ولا دليل في الشرع على أن هذا يمين، وأيضا الأصل براءة
الذمة، فمن أوجب هذا يمينا فعليه الدلالة، وأيضا فإن حقوق الله هو الأمر
والنهي والعبادات كلها، فإذا حلف بذلك كانت يمينا بالمخلوقات ولم يكن يمينا
بالله (2). وتابعه ابن إدريس (3).
والوجه عندي اعتبار عرف الحالف في ذلك، فإن قصد به الحلف بالله
تعالى كانت يمينا، وإلا فلا.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا قال: (الله) بالكسر من غير حرف
قسم لا يكون يمينا (4). وتبعه ابن إدريس (5).
وقال في المبسوط: إذا قال: الله لأفعلن كذا فإن أطلق أو لم يرد يمينا لم يكن
يمينا عندنا وعند هم، أما عندنا فلأن اليمين يحتاج إلى نية، وعند هم لأن حرف
القسم ليس فيه، وقال بعضهم: يكون يمينا (6). وهذا يدل بمفهومه على أنه لو
قصد اليمين كان يمينا، وهو المعتمد.
لنا: أنه يمين لغة وعرفا، لأن أهل اللغة سوغوا حذف حرف القسم، ولو
بطل القسم حينئذ لم يجز ذلك في اللغة، والأصل في هذا الباب اللغات.

(1) المبسوط: ج 6 ص 197.
(2) الخلاف: ج 6 ص 125 المسألة 16.
(3) السرائر: ج 3 ص 48.
(4) الخلاف: ج 6 ص 127 المسألة 18.
(5) السرائر: ج 3 ص 48.
(6) المبسوط: ج 6 ص 197.
170

مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا قال: أشهد بالله لم يكن يمينا، لأن هذا
لفظ الشهادة، ولفظ الشهادة لا يسمى يمينا (1). وتبعه ابن إدريس (2).
وقال في المبسوط: إن أراد به اليمين كان يمينا، وإن أطلق أو لم يرد لم يكن
يمينا، وفيه خلاف (3). وتبعه ابن البراج (4).
والوجه ما قاله في المبسوط: عملا بالعرف، وضع لفظ الشهادة لمعناها لا
يمنع من التجوز بها في غيره، فمع اقتران العرف يحمل على المجاز.
مسألة: شرط الاستثناء الاتصال، فإن قطع لتنفس أو سعال أو ابتلاع
لقمة ثم استثنى بحيث لا يخرج عن الاتصال جاز، ولو مكث ساعة ثم استثنى
لا لعارض لم يقبل الاستثناء في المشهور، ذهب إليه الشيخ وجماعة من علمائنا.
لنا: إن عادة اللغة وعرف أهل اللسان ذلك، فلا يلحقون الاستثناء
المنفصل بالكلام الأول، بل يعدونه لاغيا.
ولأنه - عليه السلام - قال: (من حلف على شئ ورأي غيره خيرا منه
فليكفر وليأت الذي هو خير منه) (5) رواه الجمهور، ولو جاز الاستثناء المنفصل
لأرشد إليه.
وروى الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن ميمون، عن الصادق - عليه
السلام - قال: للعبد أن يستثني ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي أن رسول الله
- صلى الله عليه وآله - أتاه ناس من اليهود فسألوه عن أشياء فقال لهم: تعالوا
غدا أحدثكم ولم يستثن، فاحتبس جبرئيل - عليه السلام - أربعين يوما ثم أتاه

(1) الخلاف: ج 6 ص 128 المسألة 19.
(2) السرائر: ج 3 ص 48.
(3) المبسوط: ج 6 ص 197.
(4) المهذب: ج 2 ص 407.
(5) سنن البيهقي: ج 10 ص 32 كتاب الأيمان باب من حلف على يمين فرأى خيرا منها.
171

فقال: ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله، واذكر ربك إذا
نسيت (1).
والجواب: القول بالموجب، فإنا قد بينا أن الأيمان معتبرة بالضمير دون
النطق اللساني، فالحالف إذا حلف على شئ وفي ضميره الاستثناء لم يقصد
العموم في يمينه بل ما عدا المستثنى فانصرفت اليمين إليه، فإذا لم يستثن في اللفظ
لم تصر اليمين عامة بهذا الاعتبار، بل هي متناولة لما حلف عليه في ضميره
ونيته، وجاز أن يستثني بعد ذلك في النطق متى شاء، والتقييد بالأربعين
للمبالغة.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: الاستثناء إنما يصح قولا ونطقا
، ولا يصح
اعتقادا ونية (2). وتبعه ابن إدريس (3).
وقال في النهاية: ومن حلف علانية فليستثن مثل ذلك علانية، ومن حلف
سرا فليستثن مثل ذلك سرا (4).
ورواه الصدوق قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: من حلف سرا
فليستثن سرا، ومن حلف علانية فليستثن علانية (5).
والوجه صحة الاستثناء ضميرا وسرا وإن حلف علانية، لما تقدم بيانه: من
أن المعتبر في الأيمان إنما هو النية والضمير، فإذا استثنى سرا لم ينو شمول اليمين لما

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 362 ح 4284، وسائل الشيعة: ب 29 استحباب استثناء... ح 6
و 7 ج 16 ص 158.
(2) المبسوط: ج 6 ص 200.
(3) السرائر: ج 3 ص 41.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 43.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 371 ح 4301، وسائل الشيعة: باب 25 استحباب استثناء... ح 2
ج 16 ص 155.
172

استثناه فلا يندرج في الحلف، وإنما أمر - عليه السلام - بالاستثناء علانية مع
الحلف كذلك على سبيل الإرشاد، لئلا يتهم بمخالفة اليمين، ويحكم عليه
بارتكاب المحرم.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا كان في الدار فحلف لأسكنت هذه
الدار وانتقل بنفسه بر في يمينه وإن لم ينقل (1) المال والعيال، وبه قال الشافعي،
وقال أبو حنيفة: السكنى بنفسه وبالعيال وبالمال (2) معا. دليلنا: أنه أضاف
السكنى إلى نفسه فلما خرج منها خرج من أن يكون ساكنا فيها، ومن ادعى
أن يكون عياله أو ماله يكون سكنى فعليه الدلالة، والأصل براءة الذمة، وأيضا
قوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم)
فأخبر (3) أن من ترك المتاع وخرج منها يقال: غير مسكونة، وقال تعالى: (ربنا
إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) وفيه دليلان
أحدهما: أنه أسكن زوجته وولده في المكان (4) فقال: أسكنتهم وإن لم يكن
ساكنا معهم، والثاني: قال: أسكنت ولم يسكن هو معهم ثبت أنه ساكن في
مكان آخر، وإن كان ولده وعياله في غير ذلك المكان فالأول أوضح (5).
وقال في المبسوط: إن أقام عقيب يمينه لا للسكنى بل لنقل الرحل والمتاع
والعيال والمال قال بعضهم: يحنث، وقال آخرون: لا يحنث، وبناءه على أصله
أن السكنى ما كان بالبدن والمال والعيال معا، فإذا أقام لنقل هذا لم يكن
ساكنا، وهو الذي يقوى في نفسي. ثم قال فيه: السكنى بالبدن دون المال
والعيال، فمن سكن ببدنه حنث وإن نقل العيال والمال، وإن انتقل بنفسه بر في

(1) في المصدر: ينتقل.
(2) في المصدر: والمال.
(3) في المصدر: فقد أخبر.
(4) في المصدر: أسكنتهم في المكان.
(5) الخلاف: ج 6 ص 142 المسألة 42.
173

يمينه وإن لم ينقل العيال والمال، وقال آخرون: ببدنه وبالعيال والمال. قال:
والأول أقوى عندي (1). وهذا يدل على تردده.
والوجه ما قاله في الخلاف والمبسوط: من أن الاعتبار بالسكنى إنما هو
بالبدن لا غير، لما تقدم.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد
فاشترى زيد وعمرو طعاما صفقة واحدة فأكل منه لم يحنث عندنا، لأن الكناية
راجعة إلى طعام انفرد زيد بشرائه، وليس فيه جزء يشار إليه أن زيدا انفرد
بشرائه، وكل حبة يشار إليها يقال: هذه اشتراها زيد وعمرو، فهو كما لو حلف
لا لبست ثوب زيد فلبس ثوبا لزيد وعمرو أو قال: لا دخلت دار زيد فدخل
دارا لزيد ولعمرو (2). وتبعه ابن إدريس (3).
وقال في المبسوط: لا يحنث، وقال قوم: يحنث، وجميعهما قويان (4). وهو
يدل على تردده.
والمعتمد ما قاله في الخلاف، لأن الشراء عقد واحد، فإذا اشترك فيه
اثنان ولم ينفرد أحدهما به اختص كل واحد منهما في العرف بنصفه
فلم يكمل الصفقة لأحد هما فلا يقع الحنث، لأن الأسماء في الأيمان يتبع
العرف.
احتج الشيخ بأنهما لما اشترياه معا فكل واحد منهما قد اشترى نصفه، لأن
لكل واحد منهما ثمن نصفه، فإذا كان لزيد نصفه فقد أكل من طعام اشتراه
زيد.

(1) المبسوط: ج 6 ص 220.
(2) الخلاف: ج 6 ص 149 المسألة 46.
(3) السرائر: ج 3 ص 49.
(4) المبسوط: ج 6 ص 223.
174

والجواب: المنع، بل كل واحد منهما نصف مشتر لجميعه ولا مشتر تام
لنصفه.
تذنيب: قال الشيخ في المبسوط: إذا ثبت أنه لا يحنث إذا كان مشاعا
بينهما فإن اقتسماه وأفرد كل واحد نصيبه منه فإن أكل من نصيب زيد أو
نصيب عمرو لم يحنث أيضا، وقال بعضهم: إن أكل من نصيب زيد حنث،
وإن أكل من نصيب عمرو لم يحنث، وهما قويان (1). وهو يدل على تردده.
وفي الخلاف نقل المذهب الأول عن الشافعي، والثاني عن أبي حنيفة (2).
ولم يحكم فيهما بشئ.
وابن إدريس قال: لا يحنث مطلقا (3). وهو الوجه، لما تقدم.
مسألة: لو اشترى زيد طعاما في صفقة بانفراده واشترى عمرو طعاما آخر
بانفراده ثم اختلطا فأكل منه الحالف قال الشيخ في الخلاف: فيها ثلاثة
أوجه، قال أبو سعيد الإصطخري: إن أكل النصف فما دونه لم يحنث، وإن زاد
على النصف حنث، لأنه لا يقطع على أنه أكل من طعام انفرد زيد بشرائه حتى
يزيد على النصف، وقال ابن أبي هريرة: لا يحنث وإن أكله كله، وقال أبو
إسحاق: إن أكل حبة أو حبتين ونحوها لم يحنث، وإن أكل كفا منه حنث.
قال: والأقوى عندي الأول: لأصالة البراءة (4).
ونقل في المبسوط: الأوجه الثلاثة، واستدل على الثاني منها بأنه: إذا
اختلط فليس هناك حبة يشار إليها أنها من شراء زيد أو عمرو، فهو كما لو
اشترياه معا. وعلى الثالث: إن الطعامين إذا اختلطا فلا يكاد أن ينفرد من
أحدهما فيعلم قطعا أنه قد أكل منهما، فإذا أكل منهما فقد أكل من طعام انفرد

(1) المبسوط: ج 6 ص 223.
(2) الخلاف: ج 6 ص 150 المسألة 47.
(3) السرائر: ج 3 ص 49.
(4) الخلاف: ج 6 ص 150 المسألة 48.
175

زيد بشرائه. ثم قال: والأول أقوى عندي، ثم الثالث، وأما الثاني فبعيد
جدا (1).
وقال ابن البراج: إذا حلف لا يأكل من طعام يشتريه زيد فاشترى زيد
طعاما واشترى عمرو طعاما وخلطاه فأكل منه حنث، لأنه لا يقطع على أنه لم
يأكل من طعام زيد، وقد ذكر أنه لا يحنث، والأحوط ما ذكرناه (2). ولم يعتبر
تجاوز النصف.
والوجه أن نقول: إن كان الطعام مائعا - كاللبن والعسل أو ما يشبه
الممتزج كالدقيق - حنث بأكل قليله وكثيره، لامتزاجه واختلاط جميع أجزائه
بعضها ببعض، فأي شئ أكل منه يعلم أن فيه أجزاء مما اشتراه زيد، فإن
كان متميزا - كالتمر والرطب والخبز وشبهها - لم يحنث حتى يأكل أزيد مما
اشتراه عمرو، لدخول الاحتمال في المتميز وانتفائه عن الممتزج. وقول ابن
البراج ضعيف، وحجته رديئة.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا حلف لا دخلت دار زيد هذه أولا
كلمت عبد زيد هذا أولا كلمت زوجته هذه لم يتعلق اليمين بغير من علق اليمين
به، فإن دخلها وملكها لزيد حنث بلا خلاف، وإن زال ملكه عنها فدخل بعد
ذلك لم يحنث عندنا، لأصالة البراءة وأيضا فإذا دخل هذه الدار بعد خروجها
عن ملك زيد لا يقال: دخل دار زيد، فيجب ألا يحنث، لأن اليمين متعلقة
بالاسم، فإن زال الاسم وجب أن يزول الحنث (3).
وقال في المبسوط: إن زال ملك زيد عنها فدخلها بعد ذلك حنث عند

(1) المبسوط: ج 6 ص 223.
(2) المهذب: ج 2 ص 417.
(3) الخلاف: ج 6 ص 151 المسألة 49.
176

بعضهم ولم ينحل اليمين بزوال المضاف إليه، وقال بعضهم: إذا زال ملكه عنها
انحلت اليمين، فإن دخلها بعد ذلك لم يحنث، وهذا الذي يدل عليه أخبار
أصحابنا. والأول أقوى (1).
وقوى في موضع آخر منه الثاني (2).
وقال ابن البراج: يحنث، سواء كان ملك زيد زال عنها أو لم يزل (3).
والوجه أن نقول: إن قصد بهذه اليمين قطع الموالاة وإظهار المباينة والعداوة
للمضاف إليه اختصت اليمين بالإضافة، فإذا قصد بقوله: لا دخلت دار زيد
هذه مباينته وإظهار عداوته لم يحنث بدخولها بعد انتقالها عن زيد، وإن لم يقصد
ذلك ولا قصد الإضافة ولا التعيين نصا بل أطلق وقصد ما يصدق عليه هذا
اللفظ لم يحنث أيضا، وإن قصد بالإضافة التعريف والتخصيص حنث، لأنه لم
يقصد النسبة.
وفي رواية أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن رجل
أعجبته جارية عمته فخاف الإثم وخاف أن يصيبها حراما وأعتق كل مملوك له
وحلف بالأيمان ألا يمسها أبدا فماتت عمته فورث الجارية أعليه جناح أن
يطأها؟ فقال: إنما حلف على الحرام، ولعل الله أن يكون رحمه فورثها إياه لما
علم من عفته (4). وهو يدل ما قلناه.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا قال: والله لا شربت لك ماء من
عطش عقيب تعديد أنعامه عليه - كقوله: أحسنت إليك أو وهبتك كذا أو

(1) المبسوط: ج 6 ص 223.
(2) المبسوط: ج 6 ص 224.
(3) المهذب: ج 2 ص 418.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 301 ح 1118، وسائل الشيعة: ب 49 إن من أعجبته... ح 1 ج 16
ص 180.
177

أعطيتك كذا وكذا - تعلق الحكم بشرب مائه من عطش، فإن انتفع بغير الماء
من ماله فأكل طعامه ولبس ثيابه وركب دوابه لم يحنث، لأنه إنما ينظر إلى
مخرج اليمين، ويحنث صاحبها ويبر على مخرجها دون أسبابها، وقال بعضهم:
يحنث بكل حال. والأول أقوى عندي، لأن الأصل براءة الذمة، والثاني قوي،
لفحوى الخطاب (1). وهذا يدل على تردده.
والوجه المصير إلى العرف في ذلك.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا حلف ليأكل الطعام غدا فهلك الطعام
غدا بعد أن قدر على أكله، منهم من قال: يحنث، لأنه ترك البر مع القدرة
عليه، ومنهم من قال: لا يحنث، كما لو ملك اليوم، لأنه فاته البر بغير اختياره،
وهو الأقوى عندي. ثم قال: ولو حلف ليأكلنه اليوم فإن هلك في اليوم بعد
القدرة على أكله فعلى قولين أيضا، أصحهما أنه يحنث، والثاني: لا يحنث، وهو
قوي. ثم قال: ولو حلف ليقضينه حقه غدا فمات من له الدين من غد بعد
القدرة على القضاء، منهم من قال: يحنث، ومنهم من قال: لا يحنث، وهو
الأقوى على ما مضى، ولو حلف ليقضينه غدا إلا أن يشاء التأخير ثم مات من
له الحق في غد بعد القدرة على القولين، أصحهما عندنا أنه لا يحنث (2).
وقال في الخلاف: إذا حلف ليأكلنه غدا فهلك الطعام في الغد بعد القدرة
على أكله فلم يأكله حنث، وإن كان قبله لم يحنث، لأنه في الأول قد فرط
فلزمته الكفارة (3). وهو يدل على تردد الشيخ في أنه لو تجدد العجز بعد القدرة
على الفعل هل يحنث أم لا؟
وقال ابن الجنيد: من حلف أن يفعل فعلا لا يمكنه إما بأنه لا يستطيعه أو

(1) المبسوط: ج 6 ص 225.
(2) المبسوط: ج 6 ص 228.
(3) الخلاف: ج 6 ص 158 المسألة 59.
178

لأنه في الأصل ممتنع أو لأنه حدث فيه أو في الحالف من غير اختياره بعد اليمين
ما يمنع من وجود الفعل لم يحنث في يمينه، ولو وقت للفعل وقتا فخرج آخر
الوقت ولم يفعله وقد كان أمكنه قبل حدوث ما وقع كونه كان الاحتياط له أن
يكفر عن يمينه، وليس بواجب. وكذلك لو لم يجعل للفعل وقتا يفعله إليه إلا أنه
قد أمكنه فلم يفعله إلى أن تعذر ذلك الفعل.
وهذا القول يقتضي عدم الحنث، وكلاهما عندي قوي، فنحن في ذلك
من المتوقفين.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا حلف ليقضين حقه إلى حين أو إلى
زمان الذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا كان إلى حين كان ذلك إلى ستة أشهر، وإن
كان إلى زمان كان إلى خمسة أشهر، ونص عليه أصحابنا في من نذر أن يصوم
حينا أو زمانا (1). وقد نازع بعض متأخري علمائنا فيه وجعل ذلك مخصوصا
بصورة المنقول، وهو النذر في الصوم خاصة.
والذي قاله الشيخ لا يخلو من قوة، لأن العرف الشرعي ناقل عن الوضع
اللغوي، ويجب المصير إليه، ولما ورد النقل بأن الحين في الصوم ستة أشهر (2)،
استدلالا بقوله تعالى: (تؤتي أكلها كل حين) (3) استقر العرف في ذلك.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا حلف لا فارقتك حتى أستوفي حقي
فإن استوفى نفس حقه بر بلا خلاف، وإن استوفى بدل حقه - مثل إن كان حقه
دنانير فأخذ دراهم أو ثيابا أو غير ذلك بقيمتها - بر في يمينه، واستدل بأصالة براءة
الذمة وتحنيثه بهذا يحتاج إلى دليل، وللعرف، فإن من استوفى من عيره بدل

(1) المبسوط: ج 6 ص 230.
(2) راجع تهذيب الأحكام: ج 4 ص 309 - 310 ح 933 و 934، وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب بقية
الصوم الواجب: ج 7 ص 284 - 285.
(3) إبراهيم: 25.
179

حقه يقال: استوفى حقه (1).
وقال في المبسوط: إن استوفى بدل حقه حنث في يمينه، سواء كان البدل
وفاء حقه أو أقل، لأنه ما استوفى حقه، بل بدل حقه (2). وهو الأقوى.
لنا: إن بدل الحق مغاير له، فإن ثبت عرف طارئ ناقل عن الحقيقة إلى
المجاز وجب العدول إليه، وإلا فلا، لكن ثبوت العرف يحتاج إلى دليل.
مسألة: قال في المبسوط: لو حلف لا فارقتني حتى أستوفي حقي منك فاليمين
تعلقت بفعل الغريم وحده، فإن قضاه الحق قبل المفارقة بر، وإن انصرف الغريم
باختيار نفسه حنث الحالف (3).
وفيه إشكال، ينشأ من أن اليمين إنما يتعلق بفعل الحالف نفسه لا بفعل
الغير عندنا، خلافا للجمهور (4).
وقال في المبسوط: لو حلف الغريم لا فارقتك حتى أقضيك حقك فأبرأه من
الحق فمن قال: الإبراء يحتاج إلى قبول فقبل حنث، ومن قال: يبرأ من غير قبول
فهل يحنث أم لا؟ على قولين، أقواهما عندي أنه يحنث، لأنه ما أقبضه (5).
والوجه أنه لا يحنث، لأنه تعذر عليه فعل المحلوف عليه وعجز عنه فسقط
اعتبار اليمين.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط (6) والخلاف (7): إذا حلف لا أكلت هذه

(1) الخلاف: ج 6 ص 164 المسألة 68.
(2) المبسوط: ج 6 ص 234.
(3) المبسوط: ج 6 ص 233.
(4) المغني لابن قدامة: ج 11 ص 308.
(5) المبسوط: ج 6 ص 234.
(6) المبسوط: ج 6 ص 240.
(7) الخلاف: ج 6 ص 169 المسألة 76 - 77.
180

الحنطة أو من هذه الحنطة فإن أكلها على جهتها حنث، وإن غيرها بأن طحنها
وجعلها دقيقا أو قلاها فجعلها سويقا فأكل منه لم يحنث عندنا، وإن حلف لا يأكل
من هذا الدقيق فخبزه وأكل منه لم يحنث.
والوجه عندي الحنث في ذلك كله، لما بينا من أن مبني الأيمان على
العرف، وإضافة الأكل إلى الحنطة إنما يكون على هذا الوجه، وكذا الدقيق.
وبه قال ابن البراج، قال: لأن العين التي تعلقت بها اليمين واحدة، قال:
وكان الشيخ أو جعفر محمد بن الحسن الطوسي - رحمه الله - قد قال لي يوما في
الدرس: إن أكلها على جهتها حنث، وإن أكلها دقيقا أو سويقا لم يحنث،
فقلت له: ولم ذلك وعين الدقيق هي عين الحنطة وإنما تغيرت بالتقطيع الذي
هو الطحن؟ فقال: قد تغيرت عما كانت عليه، وإن كانت العين واحدة فقد
حلف على ألا يأكل ما هو مسمى حنطة لا ما يسمى دقيقا، فقلت له: هذا لم
يجر في اليمين، فلو حلف لا أكلت هذه الحنطة ما كان يسمى حنطة لكان
الأمر على ما ذكرت، وإنما حلف ألا يأكل هذه الحنطة أو من هذه الحنطة،
فقال: على كل حال قد حلف ألا يأكلها وهي على صفة وقد تغيرت عن تلك
الصفة لم يحنث، فقلت له: الجواب هاهنا مثل ما ذكرناه أولا، وذلك إن كنت
تريد أنه حلف ألا يأكلها وهي على صفة أنه أراد وهي على تلك الصفة فقد
تقدم ما فيه، وإن كنت لم ترد ذلك فلا حجة فيه ثم يلزم على ما ذكرته أنه لو
حلف ألا يأكل هذا الخيار أو هذا التفاح ثم قشره وقطعه وأكله ألا يحنث ولا
شبهة في أنه يحنث، فقال: من قال في الحنطة ما تقدم فقوله في الخيار والتفاح
مثله، قلت له: إذا قال: هذا مثل ما قاله في الحنطة علم فساد قوله، لما ذكرته:
من أن العين واحدة، اللهم إلا أن يشترط في يمينه أنه لا يأكل هذا الخيار أو
هذا التفاح وهو على ما هو عليه فإن الأمر يكون على ما ذكرته، وقد قلنا: إن
اليمين لم يتناول ذلك، ثم قلت له: على أن الاحتياط يتناول ما ذكرته
181

فأمسك (1). وهذه المباحثة بين الشيخين غير مبينة.
والتحقيق أن نقول: الأيمان قد تتبع الأعيان وقد تتبع الأسماء إذا انفرد
كل واحد منهما عن صاحبه، كما لو حلف لا أكلت هذا أو لا لبست هذا فإن
اليمين تتعلق بتلك العين فلا يحل له أكل ذلك الشئ ولا لبسه على أي حال
كان، ولو حلف لا أكلت حنطة ولا لبست قميصا تعلقت اليمين بالأسماء هنا،
فلو أكل خبزا أو دقيقا أو سويقا أو لبس غير القميص إن كان ما يصلح
اتخاذه قميصا أو لا لم يحنث، فإذا اجتمعا كما في صورة النزاع احتمل انصراف
اليمين إلى العين وإلى الاسم، وإذا احتمل كل منهما وأصالة البراءة تقتضي عدم
الحنث وجب المصير إليه، وإنما قلنا نحن بالحنث لا من هذه الحيثية بل من
حيثية اسم الأكل، فإنه لا ينصرف إلى الحنطة إلا على الصفة التي انتقلت إليها
من كونها خبزا أو سويقا أو دقيقا.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا حلف لا ركبت دابة العبد وللعبد دابة
جعلها سيده في رسمه فركبها لم يحنث، وقال بعضهم: يحنث، لأنها تضاف
إليه، والأول أقوى، لأنه الحقيقة، والثاني مجاز. فأما إن ملكه سيده الدابة فمن
قال: إنه لا يملك لا يحنث، ومن قال: يملك حنث، لأنها ملك العبد، والأول
أقوى (2).
والوجه في الأول الحنث، لأن الحقيقة إذا تعذرت وجب الحمل على المجاز،
على أن الإضافة لا تستدعي التملك، بل قد يرد للاستحقاق - مثل: سرج الدابة
وثوب العبد - وحينئذ يتحقق المسمى هنا حقيقة.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا قال: أول من يدخل من عبيدي أحرار
فدخل اثنان معا ودخل ثالث بعد هما لم يعتق الاثنان، لأنه لا أول بينهما ولا

(1) المهذب: ج 2 ص 419.
(2) المبسوط: ج 6 ص 244.
182

الثالث: لأنه ليس بأول، فإن قال: أول من يدخل من عبيدي وحده فهو حر
فدخلها اثنان معا وثالث بعد هما عتق الثالث وحده، لأنه أول داخل وحده.
وقد روى في أحاديثنا أن الاثنين يعتقان، لأنهم رووا أنه إذا قال: أول ما
تلده الجارية فهو حر فولدت توأما اثنين أنهما يعتقان (1). وقد تقدم البحث في
ذلك في العتق.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا نذر المشي إلى بيت الله الحرام فخرج
راكبا وقد نذر المشي مع القدرة لزمه دم، لأنه ترك المشي، وروى أصحابنا
أنه يعيد الحج ويمشي ما ركب، ورووا مثل الأول (2).
وقال في الخلاف: إذا نذر المشي وجب عليه ذلك، ولا يجوز له أن يركب،
فإن ركب وجب عليه إعادة المشي، فإن عجز عن ذلك لزمه دم، لإجماع
الفرقة وأخبارهم (3).
والمعتمد أن نقول: إن كان النذر موقتا فركب مع القدرة وجب عليه كفارة
خلف النذر، وإن لم يكن موقتا وجب عليه الحج ماشيا ولا كفارة ولا دم، وإن
ركب مع العجز فإن كان موقتا فلا دم ولا كفارة وأجزأه، وإن لم يكن موقتا
توقع المكنة ولا دم ولا كفارة.

(1) المبسوط: ج 6 ص 248.
(2) المبسوط: ج 6 ص 250.
(3) الخلاف: ج 6 ص 187 المسألة 105.
183

الفصل الثاني
في النذر
مسألة: اختلف علماؤنا في النذر المطلق الذي لم يعلق على شرط هل يقع أم
لا كقوله: لله علي أن أصوم يوما؟ فالأكثر على وقوعه وصحته، واختاره
الشيخ (1) - رحمه الله - وهو مذهب ابن إدريس (2) أيضا.
وقال السيد المرتضى: لا ينعقد النذر حتى يكون معقودا بشرط متعلق به،
كأن يقول: لله علي إن قدم فلان أو كان كذا أن أصوم أو أتصدق، ولو قال:
لله علي أن أصوم أو أتصدق من غير شرط يتعلق به لم ينعقد نذره (3). والمعتمد
الأول.
لنا: إن النذر المطلق يصدق عليه أنه نذر، ويمكن تقسيمه إلى المشروط
وغيره، ومورد التقسيم يكون مشتركا بين الأقسام فيجب الوفاء به، لعموم
(يوفون بالنذر) (4) (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) (5) (وأوفوا بالعقود) (6).
وما رواه أبو الصباح الكناني في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام -

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 56.
(2) السرائر: ج 3 ص 58.
(3) الإنتصار: ص 163 - 164.
(4) الإنسان: 7.
(5) النحل: 91.
(6) المائدة: 1.
184

قال: سألته عن رجل قال: علي نذر، أنه قال: ليس النذر بشئ حتى يسمى
شيئا لله صياما أو صدقة أو هديا أو حجا (1).
احتج المرتضى بالإجماع. ولأن معنى النذر في القرآن (2) أن يكون متعلقا
بشرط، ومتى لم يتعلق بشرط لم يستحق هذا الاسم، وإذا لم يكن ناذرا إذا لم
يشترط لم يلزمه الوفاء، لأن الوفاء إنما يلزم (3) متى ثبت الاسم والمعنى (4).
والجواب: المنع من الإجماع، ومن أن معنى النذر أن يكون معلقا بشرط
فإنه المتنازع.
مسألة: لو نذر أن يصوم يوما معينا فاتفق أنه كان يوم العيد أفطر ذلك اليوم
إجماعا، لأن صوم العيد باطل محرم، وهل يجب عليه القضا؟ قال الشيخ في
النهاية (5): نعم، وكذا قال في المبسوط (6)، وتبعه ابن حمزة (7)، وهو قول
الصدوق (8) أيضا.
وقال ابن البراج: لا قضاء فيه ولا كفارة (9). وتبعه ابن إدريس (10)، وهو
المعتمد.

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 303 ح 1125، وسائل الشيعة: ب 1 أنه لا ينعقد النذر... ح 2 ج 16
ص 182.
(2) في المصدر: اللغة.
(3) في المصدر: ولم يلزمه الوفاء، لأن الوفاء إنما لم يلزم.
(4) الإنتصار: ص 164.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 56.
(6) المبسوط: ج 1 ص 281.
(7) الوسيلة: ص 350.
(8) المقنع: ص 137.
(9) المهذب: ج 2 ح 411.
(10) السرائر: ج 3 ص 60.
185

لنا: أنه نذر ما لا يصح صومه فلا ينعقد، كما لو نذر صوم الليل، والجهل
بكونه يوم العيد لا يخرج المحل عن عدم قبوله للصوم، كما لو جهل الليل ونذر أن
يصوم من ساعة فوافق أول جزء من الليل.
احتج الشيخ بما رواه علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي الحسن - عليه
السلام - رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو
أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو سفرا أو مرضا هل عليه صوم ذلك اليوم
أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه: قد وضع الله الصيام في هذه
الأيام كلها ويصوم يوما بدل يوم إن شاء الله (1).
والجواب: أنه محمول على الاستحباب في يوم العيد والأضحى، وعلى
الوجوب في غير هما.
لا يقال: لا يجوز إرادة المعنيين من اللفظ المشترك.
لأنا نقول: نمنع الاشتراك، فإن الأمر وضع للقدر المشترك بين الوجوب
والندب، وهو مطلق الطلب.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن نذر أن يتصدق من ماله بمال كثير ولم
يسم تصدق بثمانين درهما فما زاد (2)، وأطلق. وكذا قال شيخنا المفيد (3)،
وسلار (4)، وابن البراج (5).
وقال الصدوق وأبوه: من نذر أن يتصدق بمال كثير ولم يسم مبلغه فإن
الكثير ثمانون (6). ولم يقيدا بالدرهم.

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 305 ح 1135، وسائل الشيعة: ب 10 إن من نذر صوم... ح 1 ج 16
ص 194.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 57.
(3) المقنعة: ص 564.
(4) المراسم: ص 186.
(5) المهذب: ج 2 ص 411.
(6) المقنع: ص 137.
186

وقال ابن إدريس: من نذر أن يتصدق بمال كثير وأطلق ذلك من غير نية
بمقدار وجب عليه أن يتصدق بثمانين درهما إن كانت الدراهم يتعاملون بها
وعرفهم في بلادهم (1)، وإن كانت الدنانير هي التي يتعاملون بها وهي عرفهم
في بلادهم وجب عليه التصدق بثمانين دينارا (2).
والرواية الدالة على قول الصدوق وابنه هنا مرسلة رواها الشيخ عن محمد
ابن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه ذكره قال: لما
سم المتوكل نذر إن عوفي أن يتصدق بمال كثير، فلما عوفي سأل الفقهاء عن حد
المال الكثير، فاختلفوا عليه، فقال بعضهم: مائة ألف، وقال بعضهم: عشرة
آلاف، وقالوا فيه أقاويل مختلفة فاشتبه عليه الأمر، فقال له رجل من ندمائه
- يقال له: صفعان -: ألا تبعث إلى هذا الأسود فتسأله عنه، فقال له المتوكل:
من تعني ويحك؟! فقال: ابن الرضا، فقال له: هل يحسن من هذا شيئا؟ فقال
يا أمير المؤمنين: إن أخرجك من هذا فلي عليك كذا وكذا وإلا فاضربني مائة
مقرعة، فقال المتوكل: قد رضيت يا جعفر بن محمد سر إليه واسأله عن حد
المال الكثير، فصار جعفر إلى أبي الحسن علي بن محمد - عليهما السلام - فسأله
عن حد المال الكثير، فقال له: الكثير ثمانون، فقال له جعفر: يا سيدي أرى
أنه يسألني عن العلة فيه: فقال أبو الحسن - عليه السلام -: إن الله عز وجل
يقول: (لقد نصر كم الله في مواطن كثيرة) فعددنا تلك المواطن فكانت ثمانين
موطنا (3).
وأما الشيخ - رحمه الله - فإنه عول هو وشيخه المفيد على ما رواه أبو بكر

(1) في المصدر: بلد هم.
(2) السرائر: ج 3 ص 61.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 309 ح 1147، وسائل الشيعة: ب 3 إن من نذر الصدقة... ح 1 ج 16.
ص 186.
187

الحضرمي قال: كنت عند أبي عبد الله - عليه السلام - فسأله رجل عن رجل
مرض فنذر لله شكرا إن عافاه الله أن يتصدق من ماله بشئ كثير ولم يسم
شيئا فما تقول؟ قال: يتصدق بثمانين درهما فإنه يجزئه، وذلك بين في كتاب
الله، إذ يقول لنبيه: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) والكثير في كتاب
الله ثمانون (1).
والمعتمد أن نقول: الكثير ثمانون لهذه الرواية الصحيحة، فإن أضيف إلى
المال المطلق أو الدراهم تعينت الدارهم لهذه الرواية، وإن أضيف إلى نوع مغاير
للدراهم وجب من ذلك المعين هذا النوع من العدد.
مسألة: قال شيخنا المفيد: من نذر أن يحج ماشيا أو يزور كذلك فعجز عن
المشي فليركب ولا كفارة عليه، فإن ركب من غير عجز كان عليه إعادة
الحج، والزيارة يمشي ما ركب منه ويركب ما مشى (2). وتبعه ابن البراج (3).
وقال الشيخ في النهاية: من نذر أن يحج ماشيا أو يزور أحد المشاهد كذلك
فعجز عن المشي فليركب ولا كفارة عليه، وإن ركب من غير عجز كان عليه
إعادة الحج أو الزيارة يمشي ما ركب منه ويركب ما مشى (4).
وقال في الخلاف: إذا نذر المشي وجب عليه ذلك، ولا يجوز له أن يركب،
فإن ركب وجب عليه إعادة المشي، فإن عجز عن ذلك لزمه دم (5).

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 317 ح 1180، وسائل الشيعة: ب 3 إن من نذر الصدقة... ح 2 ج 16
ص 187.
(2) المقنعة: ص 565.
(3) المهذب: ج 2 ص 411.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 57.
(5) الخلاف: ج 6 ص 187 المسألة 105.
188

وقال في المبسوط: لو نذر المشي إلى بيت الله الحرام انعقد نذره، وعليه أن
يأتيه ماشيا كما نذر، لأن المشي عبادة وقربة، لما روي أن النبي - صلى الله عليه
وآله - ما ركب في عيد ولا جنازة قط طلبا للفضل، فإن مشى فلا كلام، وإن
ركب فإن كان مع القدرة على المشي فقد أساء، وروى أصحابنا أنه يعيد الحج
ويركب ما مشى ويمشي ما ركب، وقال بعضهم: عليه دم. وإن مشى مع
العجز كان له ذلك وعليه دم عندنا متى ركب، وقال بعضهم: لا شئ
عليه (1).
وقال ابن الجنيد: ولو جعل النذر لله أن يحج ماشيا مشى من حيث نذر إلى
أن يطوف طواف الفريضة الأخير، ولو زار راكبا مشى إذا نفر، ولو بلغ جهده
من المشي فركب أو كان نذره حافيا فتعب لم يكن عليه شئ، وقد أمر النبي
- عليه السلام - رجلا نذر أن يمشي في حج أن يركب وقال: الله عز وجل غني
عن تعذيب هذا نفسه، ولم يأمره بكفارة.
وقال ابن إدريس: ومن نذر أن يحج ماشيا أو يزور أحد المشاهد كذلك
فعجز عن المشي فليركب ولا كفارة عليه ولا سياق بدنة، هذا رأي شيخنا
المفيد - رحمه الله - وهو الصحيح. وقال شيخنا أبو جعفر: فليسق بدنة، ومتى
ركب من غير عجز كان عليه إعادة الحج والزيارة، يمشي في الدفعة الثانية ما
ركب من الطريق الأولة (2) ويركب منها ما مشى، هكذا رواه أصحابنا من
طريق الأخبار. قال: والذي ينبغي تحصيله في هذه الفتيا إن النذر المذكور
للحج إذا كان في سنة معينة ونذر أن يحج فيها بشرط أن يقدر على الحج ماشيا
ولم يقدر أن يمشي مارا تلك السنة فلا يجب عليه المضي ولا القضاء في السنة
الثانية إذا قدر على المشي فيها، لأن إيجاب ذلك في السنة الثانية يحتاج إلى

(1) المبسوط: ج 6 ص 250.
(2) في المصدر: الطريق في الأولة.
189

دليل، والقضاء فرض ثان يحتاج مثبته إلى شرع، والأصل براءة الذمة من
التكاليف. وأيضا فشرط النذر ما حصل فلا يجب مشروطه بغير خلاف في
هذا، فإن كان النذر مطلقا لا في سنة بعينها فيجب عليه الحج إذا قدر على
المشي أي سنة قدر على المشي، فإن كان قد ركب بعضا ومشى بعضا فلا
يجزئه الحج تلك السنة، لأن شرط النذر ما وجد، فإن حج بالسنة الثانية ومشى
ما ركب من السنة الأولة وركب ما مشى منها فلا يجزئه أيضا الحج، لأن شرط
نذره ما حصل، وإذا لم يحصل الشرط فلا يجب المشروط، سواء كان ذلك عن
عذر أو لم يكن، ساق بدنة أو لم يسق، على مقالتي شيخنا جميعا. فهذا الذي
تقتضيه الأدلة وأصول مذهبنا، ولا نرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد على ما
حررناه (1).
والمعتمد أن نقول: الحج في نفسه عبادة مستقلة بنفسها، والمشي هيئة في
قطع المسافة، وليس جزء من ماهية الحج، وهو أيضا عبادة، والناذر إما أن
يقصد إيجاب الحج وإيجاب إيقاعه على هيئة المشي في قطع المسافة لا بمعنى أن
يكون المشي شرطا في الحج، أو يقصد جعل الهيئة المذكورة شرطا في الحج، فإن
كان الأول فإن كان النذر موقتا بسنة معينة وجب عليه إيقاعه على الهيئة
المنذورة مع القدرة، فإن عجز عن المشي ركب وكفارة عليه، ولو عجز عن
الحج ماشيا وراكبا سقط النذر ولا كفارة عليه، ولو ركب والحال وهذه مع
القدرة على المشي وجبت عليه كفارة خلف النذر، وإن لم يكن موقتا وتجدد
العجز توقع المكنة فإن أيس منها حج راكبا ولا كفارة عليه، إلا أن يعجز بعد
تمكنه من الآيتان بالحج ماشيا، ولو ركب مع القدرة وجب عليه الإعادة
ماشيا. وإن كان الثاني وكان النذر موقتا وعجز سقط عنه النذر ولم يجب عليه

(1) السرائر: ج 3 ص 61.
190

الحج ماشيا ولا راكبا ولا كفارة عليه، وإن لم يعجز وركب وجب عليه كفارة
خلف النذر، وإن لم يكن موقتا وعجز توقع المكنة فإن أيس سقط ولا يجب الحج
راكبا.
والشيخ - رحمه الله - احتج على الكفارة بسياق بدنة مع العجز بما رواه
الحلبي في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - أنه قال: أيما رجل نذر نذرا أن
يمشي إلى بيت الله ثم عجز عن أن يمشي فليركب وليسق بدنة إذا عرف الله منه
الجهد (1).
وعلى الركوب مع العجز بما رواه رفاعة وحفص في الحسن، عن الصادق
- عليه السلام - قال: سألته عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت حافيا، قال:
فليمش، فإذا تعب فليركب (2).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم، عن أحدهما - عليهما السلام - قال سألته
عن رجل جعل عليه مشيا إلى بيت الله فلم يستطع، قال: يحج راكبا (3).
وقد روى عنبسة بن مصعب قال: نذرت في ابن لي إن عافاه الله أن أحج
ماشيا فمشيت حتى بلغت العقبة فاشتكيت فركبت ثم وجدت راحة فمشيت
فسألت أبا عبد الله - عليه السلام - فقال: إني أحب إن كنت موسرا أن تذبح
بقرة، فقلت: معي نفقة ولو شئت أن أذبح لفعلت وعلي دين، فقال: إني
أحب إن كنت موسرا أن تذبح بقرة، فقلت: أشئ واجب أفعله؟ فقال: لا،

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 315 ح 1171، وسائل الشيعة: ب 20 إن من نذر الحج ماشيا... ح 1
ج 16 ص 203.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 304 ح 1130، وسائل الشيعة: ب 8 إن من نذر الحج ماشيا... ح 2
ج 16 ص 192.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 304 ح 1131، وسائل الشيعة ب 8 إن من نذر الحج ماشيا... ح 1
ج 16 ص 193.
191

من جعل لله شيئا فبلغ جهدة فليس عليه شئ (1). وهذا يدل على استحباب
الدم.
وعن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن - عليه السلام - قال: سأله
عباد بن عبد الله البصري عن رجل جعل لله نذرا على نفسه المشي إلى بيت الله
الحرام فمشى نصف الطريق أقل أو أكثر، قال: ينظر ما كان ينفق من ذلك
الموضع فيتصدق به (2).
وأما أنه يركب ما مشي ويمشي ما ركب فليحصل منهما حجة ملفقة ماشيا
ولا استبعاد فيه، فإن الماشي إذا عرض له في أثناء مشيه قصد موضع بعينه
فمشى إليه راكبا ثم عاد إلى مكانه الذي فارقه أولا ثم أكمل مشيه أجزأه
ذلك، وكذا لو كان العارض في أثناء مشيه قصد البيت راكبا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: من نذر أن لا يبيع مملوكا له أبدا فلا يجوز له
بيعه وإن احتاج إلى ثمنه (3). وتبعه ابن البراج (4).
وقال ابن إدريس: هذا غير واضح ولا مستقيم على أصول المذهب، لأنه لا
خلاف بين أصحابنا أن الناذر إذا كان في خلاف ما نذره صلاح له ديني أو
دنياوي فليفعل ما هو أصلح له ولا كفارة عليه، وما ذكره شيخنا وأورده خبر
واحد لا يرجع بمثله عن الأدلة، لأن أخبار الآحاد لا توجب علما ولا
عملا (5).

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 313 ح 1163، وسائل الشيعة: ب 8 من نذر الحج ماشيا... ح 5
ج 16 ص 193.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 316 ح 1176، وسائل الشيعة: ب 21 حكم من نذر الحج ماشيا...
ح 2 ج 16 ص 204.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 60.
(4) المهذب ج 2 ص 412.
(5) السرائر: ح 3 ص 63.
192

والمعتمد أن نقول: إن كان الأصلح له بيعها جاز له البيع، سواء احتاج
إلى ثمنها أولا، وإن كان الأصلح ترك البيع لم يجز له بيعها، سواء احتاج إلى
ثمنها أو لا، لما تقرر من اعتبار الأصلح في الأيمان والنذور
وقد روى الشيخ عن الحسن بن علي في الضعيف، عن أبي الحسن - عليه
السلام - قال: قلت له: إن لي جارية ليس لها مني مكان ولا ناحية وهي
تحتمل الثمن إلا أني كنت حلفت منها بيمين، فقلت: لله علي ألا أبيعها أبدا
وبي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المؤونة، فقال: ف لله بقولك (1).
ولا دلالة فيه على خلاف ما اخترناه، لأن إخباره بأنه لامكان لها مع
خفة المؤونة يعطي ضعف الحاجة، وأنه لا ضرر في ترك البيع.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن نذر أن يحرم بحجة أو عمرة من موضع
بعينه وإن كان قبل الميقات وجب عليه الوفاء به (2). وتبعه ابن البراج (3)،
وهو قول ابن الجنيد أيضا.
وقال ابن إدريس: إن كان على هذه الرواية إجماع منعقد وإلا فالنذر غير
صحيح، لأنه خلاف المشروع، لأنه لا خلاف بين أصحابنا في أن الإحرام لا
يجوز ولا ينعقد إلا من الميقات، وبينهم خلاف في أنه إن نذر أن يحرم قبل
الميقات فهل يلزمه وينعقد نذره أم لا، فبعض يجيزه على هذه الرواية، وبعض
لا يجيزه ويتمسك بالأصل والإجماع المنعقد (4).
والشيخ - رحمه الله - عول في ذلك على حديثين ضعيفين في طريق أحدهما:

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 310 ح 1149، وسائل الشيعة: ب 17 أنه لا ينعقد النذر... ح 11 ج 16
ص 201، وفيهما: (بقولك له).
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 61.
(3) المهذب: ج 2 ص 412.
(4) السرائر: ج 3 ص 63.
193

سماعة، عن أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: سمعته يقول: لو أن
عبدا أنعم الله عليه نعمة إما أن يكون مريضا أو مبتلى ببلية فعافاه الله من تلك
البلية فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان فإن عليه أن يتم (1).
وفي طريق الآخر: علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن - عليه السلام -
عن رجل جعل لله عليه شكرا من بلاء ابتلي به إن عافاه الله أن يحرم من
الكوفة، قال: فليحرم من الكوفة (2).
ولأن الإحرام في نفسه عبادة وقد أوجبها الشارع فجاز تعلق النذر
بتقديمها، لما فيه من المبادرة إلى الطاعة، وكون الإحرام لا يجوز تقديمه بغير نذر
لا يمنع من جوازه معه، على أنا في هذه المسألة من المتوقفين.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: متى اعتقد أنه متى كان شئ فلله عليه
كذا وكذا وجب عليه الوفاء به عند حصول ذلك الشئ، وجرى ذلك مجرى
أن يقول: لله علي كذا وكذا (3). وتبعه ابن البراج (4)، وابن حمزة (5).
والمفيد - رحمه الله - فسر النذر فقال: وأما نذر الطاعة فهو: أن يعتقد الإنسان
أنه إن عوفي من مرضه أو رجع من سفره أو ربح في تجارته أو كفي شر عدوه
كان لله عليه صيام يوم أو شهر أو سنة أو صدقة درهم أو دينار أو حج أو زيارة
وما أشبه ذلك من أفعال الخير، أو نذر ذلك في فعل لله بولد له أو والد أو أخ من

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 310 ح 1152، وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب المواقيت ح 3 ج 8
ص 237.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 314 ح 1166، وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب المواقيت ذيل الحديث
2 ج 8 ص 237 (مع نقصان).
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 53.
(4) المهذب: ج 2 ص 409.
(5) الوسيلة: ص 350.
194

إخوانه شيئا مما عددناه فعليه الوفاء به (1). وهذا التفسير يعطى انعقاده
بالضمير دون اللفظ.
وقال ابن إدريس: لا ينعقد إلا أن يتلفظ به وينطق مع النية أيضا (2).
وهو اختيار ابن الجنيد فإنه قال: ولا يصح النذر حتى يكون الناذر لافظا بقصده
لله على نفسه، بأن يقول: لله علي ويكون معتقدا له مختارا من غير إكراه ولا
إجبار.
احتج الشيخ بقوله - عليه السلام -: (إنما الأعمال بالنيات) (3) و (إنما)
للحصر، والباء للسببية، فهو يدل على حصر السببية في النية، فلا يتوقف على
غيرها. [فإذا انتفى العمل بدون النية، وجب أن يتحقق عند تحققها] (4).
ولأن الأصل في العبادات اللفظية الاعتقاد والضمير وقد تحقق هنا، وأما
اللفظ فإن غايته إعلام الغير ما في الضمير والله تعالى عالم بالسرائر فيتحقق عقد
النذر بعقد الضمير عليه وإن لم يوجد لفظ دال عليه، ونحن في هذه المسألة من
المتوقفين.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا لزمه صوم الاثنين بالنذر أبدا ثم وجب
عليه صوم شهرين متتابعين عن كفارة القتل أو الظهار أو الجماع فإنه يصوم
الشهرين عن كفارته وما فيهما من الأثانين عن كفارته أيضا دون نذره، لأنه
إذا صامها عن كفارته صحت الكفارة وقضى ما فيهما من الأثانين، ولو
صامها عن نذره بطل تتابعه وكان عليه الاستئناف ولم يمكنه الكفارة بالصيام
أبدا. والذي يقتضيه مذهبنا إن في الشهر الأول يفعل هذا الذي قلناه، وفي

(1) المقنعة: ص 562، وليس فيه: (شيئا مما عددناه).
(2) السرائر: ج 3 ص 58.
(3) مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 25.
(4) لم يرد في نسخة: ق 2.
195

الشهر الثاني إذا زاد عليه شيئا فإنه يصح أن يصومها عن الكفارة وعن النذر
معا، لأن الإفطار فيه لا يبطل التتابع، فإن صام الكل عن الكفارة قضى كل
اثنين كان في الشهرين، هذا إذا سبق النذر الكفارة، فأما إن سبقت الكفارة
النذر وهو أن وجب عليه صوم شهرين متتابعين عن كفارته ثم نذر أن يصوم
كل اثنين كان عندنا مثل الأول سواء وعند بعضهم أيضا، وقال بعضهم: لا
يقضي ما فيهما من الأثانين، لأن كل اثنين في الشهرين يستحق (1) للكفارة
وهو غير نذره فلهذا لم ينعقد نذره لها كأثانين رمضان. والأقوى ما قلناه من أن
عليه قضاؤه والفصل بينهما: إن كل اثنين في رمضان لا يصح صومه عن نذره
فلهذا لم ينعقد نذره، وليس كذلك هاهنا، لأن كل اثنين في الشهر (2) يصح
صومه عن نذره فلهذا كان عليه قضاؤه، فخرج من هذا إن سبق النذر الكفارة
وقضى كل اثنين في الشهرين، وإن سبقت الكفارة النذر فالصحيح أنه
يقضي، وقال بعضهم: لا يقضي (3).
وقال ابن إدريس: الأقوى عندي أن يوم النذر لا يجوز صيامه عن الكفارة
لا في الشهر الأول ولا في الشهر الثاني. وقول الشيخ: (ولو صامها عن نذره
بطل تتابعه وكان عليه الاستئناف ولم يمكنه الكفارة بالصيام أبدا) فتمسك
غير واضح. وأنا ألتزم (4) أنه لا يصح له الكفارة بالصيام ويكون فرضه الإطعام،
لأنه غير قادر على الصيام، وأي مانع يمنع من الانتقال عن الصيام إلى الإطعام،
لأنه ليس في مقدوره الكفارة بالصيام، فليلحظ ذلك بعين الفكر والله الموفق
للصواب (4).

(1) م 3: مستحق.
(2) ق 2: الشهرين.
(3) لم نعثر عليه في المبسوط ونقله عنه في السرائر: ج 3 ص 68.
(4) في النسخ: وأما التزام، والصواب ما أثبتناه من المصدر.
(5) السرائر: ج 3 ص 68.
196

والمعتمد أن نقول: إنه يصوم الاثنين عن نذره دائما إلا في رمضان وأيام
العيدين والتشريق لمن كان بمنى، ولا ينقطع بذلك: لأنه عذر كالمرض
والسفر الضروري والحيض، ولا فرق بين أن يتقدم النذر على إيجاب الشهرين
ويتأخر، ولا بين أثانين الشهر الأول والثاني.
مسألة: قال الشيخان (1) وابنا بابويه (2): من نذر شيئا ولم يسمه كان
بالخيار إن شاء تصدق بشئ وإن قل، وإن شاء صام يوما، وإن شاء صلى
ركعتين أو فعل قربة من القربات.
ونص في الخلاف (3) والمبسوط (4) على أنه يجب عليه صلاة ركعتين لو نذر
أن يصلي، وأطلق، ونقل عن بعض الجمهور وجوب ركعة لا غير، واستدل
بالاحتياط. وهو اختيار ابن البراج (5).
وقال سلار: وما ليس بمعين إن شاء صام، وإن شاء تصدق، وإن شاء
صلى أو فعل شيئا من القرب (6). ولم يذكر عدد الصلاة.
والشيخ - رحمه الله - عول على رواية مسمع بن عبد الملك، عن الصادق
- عليه السلام - إن أمير المؤمنين - عليه السلام - سئل عن رجل نذر ولم يسم شيئا،
قال: إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء صام يوما، وإن شاء تصدق برغيف (7).
ولأن المعهود في الشرع إنما هو صلاة ركعتين، والركعة نادرة.

(1) المقنعة: ص 564، النهاية ونكتها: ج 3 ص 60.
(2) المقنع: ص 137.
(3) الخلاف: ج 6 ص 201 المسألة 17.
(4) لم نعثر عليه.
(5) لم نعثر عليه.
(6) المراسم: ص 185.
(7) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 308 ح 1146، وسائل الشيعة: ب 2 إن من نذر ولم يسم... ح 3 ج 16
ص 185.
197

احتج ابن إدريس بأصالة البراءة (1). ولأنها عبادة فأجزأت كغيرها ولا
بأس به، والرواية ضعيفة السند.
مسألة: لو نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه زيد فقدم ليلا لم ينعقد نذره
إجماعا، وإن قدم نهارا قال الشيخ في الخلاف: لا نص لأصحابنا فيه، والذي
يقتضيه المذهب أنه لا ينعقد نذره ولا يلزمه صومه، ولا صوم يوم بدله (2).
وفي المبسوط: قال بعضهم: لا ينعقد نذره، وهو الأقوى عندي (3). وابن
إدريس (4) وافق الشيخ على عدم الانعقاد.
وقال ابن الجنيد: ومن نذر أن يصوم يوم يقدم فلان فقدم في بعض أجزائه
صام ذلك اليوم وإن لم يكن بيت الصيام من الليل، والاحتياط له صيام يوم
مكانه فيقدم فيه نيته على كل حال، ولا يختار له فطر ذلك اليوم إذا لم يكن
أحدث في أوله ما يفطر الصائم، وإن قدم ليلا لم يلزمه النذر.
احتج الشيخ بأصالة البراءة. ولأن إيجاب صوم يوم بدل هذا اليوم يحتاج
إلى دليل، ويدل على أن نذره لا ينعقد أنه نذر صوما لا يمكنه الوفاء به، لأن
بعض اليوم لا يكون صوما، وجرى ذلك مجرى أن يقول: يوم يقدم أصوم أمسه
فإنه لا يكون نذرا صحيحا، لاستحالته (5).
واحتج ابن الجنيد بأنه يوم يمكنه صومه، بأن يعلم أن فلانا يقدم فيه قبل
قدومه فينوي صومه من الليل فانعقد نذره فيه، كما لو نذر يوما مطلقا. ولأنه قد
يوجد سبب وجوب الصوم في زمان لا يمكنه فعله فيه، كالحائض والمريض.
ولأنه إذا برئ المريض في أثناء النهار قبل الزوال أو قدم المسافر كذلك ولم

(1) السرائر: ج 3 ص 69.
(2) الخلاف: ج 6 ص 200 المسألة 13.
(3) لم نعثر عليه.
(4) السرائر: ج 3 ص 67.
(5) الخلاف: ج 6 ص 200 المسألة 13.
198

يتناولا المفطر فإنه يجب عليهما إكمال الصوم وينويان حينئذ ويجزئهما، وتكون
نيتهما مؤثرة في الزمان المتقدم عليها (1). وكذا لو أصبح بنية الإفطار يوم الشك ثم
ثبت الهلال قبل الزوال. وكذا صيام النافلة مع تجدد النية قبل الزوال، وإذا
كان محل النية هو ما قبل الزوال أمكن صوم اليوم فصح انعقاده. وهو
الأقوى عندي.
والجواب عما ذكره الشيخ: المعارضة بالاحتياط، وأيضا الأصل قد يعدل
عنه لدليل، وهو ثابت هنا، وهو العمومات الدالة على وجوب الوفاء بالنذر.
وإيجاب يوم بدل هذا مبني على وجوبه وقد بيناه، ونمنع عدم إمكان الوفاء به،
ولا يشترط في النذر إمكان الأداء دائما، فإن الناذر لليوم المعين لو اتفق له عذر
فيه انعقد نذره ووجب عليه قضاؤه، ونمنع مساواته لنذر أمسه، لاستحالة وقوعه
على كل تقدير.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا نذر أن يمشي إلى بيت الله ولم يقل:
الحرام فإنه يلزمه ذلك لفظا وينعقد نذره، كما لو قال: بيت الله، لأن إطلاق
قوله: بيت الله ينصرف إلى البيت الحرام، وقال قوم: يستحب ذلك، ولا يجب
عليه ذلك إلا أن ينويه، لأن المساجد بيوت الله. والأول أحوط.
وقال في الخلاف: إذا نذر أن يمشي إلى بيت الله ولم يقل: الحرام فإن
كان نيته بيت الله الحرام لزمه الوفاء به، وإن لم ينو شيئا لم يلزمه شئ (2).
والقولان عندي ضعيفان.
أما الأول: فإن ثبت الانصراف إلى الحرام عند الإطلاق انصرف النذر
إليه، وإلا وجب عليه المشي إلى أي مسجد اختار.
وأما الثاني: فلأن القصد إلى المساجد طاعة فينعقد نذر المشي إليها.

(1) في الطبعة الحجرية: عليهما.
(2) الخلاف: ج 6 ص 194 المسألة 3.
199

وقال ابن حمزة: وإن نذر أن يأتي مسجدا من المساجد غير المسجد الحرام أو
مسجد النبي - عليه السلام - لم يلزمه، فإذا نذر إتيان أحد المسجدين لزمه أن يأتيه
حاجا أو معتمرا إن كان مخصوصا بالحرام وزائرا للنبي - صلى الله عليه وآله - إن
كان مخصوصا بمسجده، وإن نذر إتيان مسجد الكوفة أو البصرة ليعتكف فيه
لزمه لأجل الاعتكاف دون المسجد (1). والوجه ما قلناه.
تذنيب: ظهر من هذا اختلاف قولي الشيخ في صحة انعقاد نذر المشئ إلى
المساجد، فظاهر كلامه في المبسوط الانعقاد، وظاهر كلامه في الخلاف
عدمه.
ثم قال في الخلاف: إذا نذر أن يمشي إلى مسجد النبي - صلى الله عليه
وآله - أو المسجد الأقصى أو بعض المشاهد التي فيها قبور الأئمة - عليهم السلام -
وجب عليه الوفاء به (2).
وقال في المبسوط: لو نذر أن يمشي إلى مسجد الله لا ينعقد نذره عند هم،
والأقوى عندي أنه ينعقد، لأنه طاعة.
وهذا الذي قواه - رحمه الله - هو الصحيح عندي لأنه قال في المبسوط: إذا
نذر المشي وأطلق لم ينعقد نذره، لأن المشي في نفسه ليس طاعة، وإن نذر
المشي إلى بيت الله الحرام أو مسجد النبي - عليه السلام - أو المسجد الأقصى
انعقد نذره، وإن نذر إتيان مسجد غير هذه - كمسجد الكوفة أو البصرة ونحو
هذا - فلا ينعقد نذره.
آخر: قال في المبسوط: إذا نذر المشي إلى مسجد النبي - عليه السلام - أو
المسجد الأقصى انعقد عندنا نذره ولزمه الوفاء به ويلزمه المشي، فإذا وصل
لزمه أن يصلي فيه ركعتين، لأن الطاعة والمقصود القربة، والقربة بالصلاة فيه

(1) الوسيلة: ص 350.
(2) الخلاف: ج 6 ص 195 المسألة 5.
200

لا بقصده لغير طاعة.
والوجه عندي عدم لزوم الصلاة، لأن القصد في نفسه طاعة، لقوله - عليه
السلام -: (من مشى إلى مسجد لم يضع رجله على رطب ولا يابس إلا سبحت
له [الأرض] إلى الأرضين السابعة) (1).
ولأنا نقول: إن كان القصد طاعة انعقد ولم يجب عليه صلاة، وإن لم يكن
طاعة لم ينعقد فلا يجب عليه الصلاة أيضا.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا نذر أن ينحر بمكة ولم يزد على هذا قال
قوم: يلزمه النحر والتفرقة معا بها، وفيهم من قال: يلزمه النحر بها فقط ويفرق
اللحم حيث شاء، والأول أقوى عندنا وأحوط. فأما إن نذر بغير مكة
- كالبصرة والكوفة وغيرهما - فإن نذر أن ينحر ويفرق اللحم بها لزمه ذلك، لأنه
نذره لمساكين تلك البقعة، وإن أطلق ولم يذكر تفرقة اللحم قال قوم: إنه يلزمه
النحر وتفرقة اللحم بها، ومنهم من قال: لا ينعقد نذره أصلا، وهو الأقوى
عندي، لأن الأصل براءة الذمة.
وقال في الخلاف: إذا نذر أن ينحر بدنة أو يذبح بقرة ولم يعين المكان
لزمه أن ينحر بمكة، فإن نذر نحره بالبصرة أو الكوفة لزمه الوفاء به ويفرق
اللحم في الموضع الذي ذكره (2).
وقال ابن حمزة: إن نذر أن يأتي منى لم يلزمه، وإن نذر أن يأتيه وينحر فيه
فكذلك، وإن نذر أن يأتيه وينحر فيه ويفرق على المساكين لزم (3).
وقال ابن الجنيد: ومن نذر هديا لله فالهدي من الثمانية الأزواج، فإن سماه

(1) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 255 ح 706، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3
ص 483.
(2) الخلاف: ج 6 ص 196 المسألة 7.
(3) الوسيلة: ص 350.
201

لزمه هديه ونحره، وإن سمى المكان الذي ينحر أو يذبح أجزأه (1) أن يفعل
ذلك فيه.
والتحقيق أن نقول: إن نذر الهدي إلى مكة والذبح بها لزمه ذلك ويجوز
التفرقة بغيرها، لأصالة البراءة، إلا أن يفهم من النحر في الموضع: التفرقة فيه
عرفا أو ينويه ضميرا فيلزمه ذلك، وإن نذر الذبح بغير مكة من البلاد وعينه
صح نذره ولزمه التفرقة أين شاء. ويحتمل وجوب التفرقة بذلك المكان قضية
للعرف، وعدم تعيين المكان فيلزمه النحر مطلقا والتفرقة مطلقا، لأن المكان لا
مزية له في النحر والذبح. والتقدير عدم تعيين التفريق بها، فيسقط التعيين في
مكان الذبح حينئذ.
وقد روى الشيخ في الصحيح عن محمد، عن الباقر - عليه السلام - في
رجل قال: عليه بدنة ولم يسم أين ينحر، قال: إنما النحر بمنى يقسمونها بين
المساكين، وقال: في رجل قال: عليه بدنة ينحرها بالكوفة قال: إذا سمى
مكانا فلينحر فيه فإنه يجزئ عنه (2).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا نذر أن يهدي انعقد نذره ويهدي إلى
الحرم ويفرقه في مساكين الحرم، لأنه الذي يحمل الإطلاق عليه والهدي
المشروع ما كان إلى الحرم، قال تعالى: (ثم محلها إلى البيت العتيق) وقال
تعالى: ((هديا بالغ الكعبة) فإذا ثبت انعقاد نذره فأما أن يعين أو يطلق، فإن
عين فإن كان مما ينقل ويحول كالنعم والدراهم والدنانير والثياب وغيرها
انعقد نذره ولزمه نقله إلى الحرم وتفرقته في مساكين الحرم، إلا أن يعين الجهة
التي نذر لها كالثياب لستارة الكعبة وطيبها ونحوهما فيكون على ما نذره، وإن

(1) في الطبعة الحجرية: ويذبح فيه أجزأه.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 314 ح 1167، وسائل الشيعة: ب 11 حكم من نذر هديا... ح 1 ج 16 ص 194.
202

كان مما لا ينقل ولا يحول - مثل أن يقول: لله علي أن أهدي داري هذه
وضيعتي هذه وهذه الشجرة - لزمته قيمته لمساكين الحرم يباع ويبعث بالثمن إلى
مساكين الحرم، وإن أطلق - فإن قال: لله علي أن أهدي الهدي - لزمه ما يجزئ
أضحية، الثني من الإبل والبقر والمعز والجذع من الضأن، لأنه المعهود، وإن
قال: لله علي أن أهدي أو قال: لله علي أن أهدي هديا قال قوم: يلزمه ما
يجزئ أضحية، وهو ما قلناه، وقال آخرون: يلزمه ما يقع عليه الاسم من تمرة
وبيضة فما فوقها: لأن اسم الهدي يقع عليه لغة وشرعا يقال: أهدى بيضة
وتمرة، وقال تعالى: (يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) وقد
يحكمان بقيمة عصفورا وجرادة. وسمى النبي - صلى الله عليه وآله - البيضة
هديا، فقال في التبكير إلى الجمعة: ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما أهدى
بيضة. والأول عندنا أحوط، والثاني قوي: لأن الأصل براءة الذمة. وهو يدل
على تردده - رحمه الله -.
وقال في الخلاف: إذا قال: لله علي أن أهدي أو قال: إن أهدي هديا
لزمه ما يجزئ في الأضحية، الثني من الإبل والبقر والغنم والجذع من الضأن،
وكذلك إذا قال: أهدي الهدي بألف ولام. واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم،
فإنهم رووا أن الهدي لا يقع إلا على النعم، فأما التمر وغيره فلا يسمى هديا،
وطريقة الاحتياط يقتضي ما قلناه (1).
وقال ابن الجنيد: ومن نذر هديا لله فالهدي من الثمانية الأزواج، ولو قال:
غلامي أو جاريتي هدي فلم يقدر على أن يحج به باعه واشترى به بثمنه طيبا
للكعبة، ولو كان من الحيوان غير الإنسي أو الثمانية الأزواج فلم يلزمه شئ،
ولو قال: الثني من الثمانية الأزواج بعد ما ذبح هو هدي لم يكن هديا، لأن

(1) الخلاف: ج 6 ص 197 المسألة 8.
203

الهدي هو ما يكون حيا منها فيذبح بمنى، وكذلك لو قال: الطعام أو نحوه.
وقال ابن البراج: إذا قال: إن كان كذا فلله علي أن أهدي إلى بيته
طعاما لم يجب عليه الوفاء به، لأن الهدي لا يكون إلا من الإبل والبقر والغنم،
وإذا نذر أن يهدي إلى البيت هديا ولم يسم كان عليه أن يهدي من الإبل أو
البقر أو الغنم، لأن الهدي لا يكون إلا من ذلك كما قدمناه. ثم قال بعد
ذلك: وإذا جعل دابته أو ثوبه أو مملوكه هديا للكعبة أو بعض المشاهد كان
عليه أن يبيع الدابة أو الثوب أو المملوك، ويصرف ثمنه في بعض مصالح
الكعبة أو المشهد وفي معونة الحاج والزوار (1).
وقال ابن إدريس: إذا قال: متى كان كذا فلله علي أن أهدي هذا
الطعام إلى بيته لم يلزمه ذلك أبدا، لأن الإهداء لا يكون إلا في النعم خاصة
ولا يكون بالطعام (2). والكلام في هذه المسألة يقع في موضعين:
الأول: جزم الشيخ في الخلاف بأن إطلاق الهدي منكرا كان أو معرفا
ينصرف إلى الإبل أو البقر أو الغنم (3)، وتردد في المبسوط وذكر احتمال
انصرافه إلى أقل كالتمرة والبيضة، وهو الأقرب، لأصالة البراءة، ونمنع تخصيص
إطلاق الهدي بالنعم.
الثاني: لو عين الطعام لم ينعقد نذره عند ابن الجنيد، وابن البراج (4)،
وابن إدريس (5). وبه قال ابن أبي عقيل فإنه قال: ولو أن رجلا يجعل طعاما
له هديا لبيت الله لم يكن بشئ، لأن الطعام لا يهدى إلى البيت، وكذا لو

(1) المهذب: ج 3 ص 409 و 411.
(2) السرائر: ج 3 ص 66.
(3) الخلاف: ج 6 ص 197 المسألة 8.
(4) المهذب: ج 3 ص 409.
(5) السرائر: ج 3 ص 66.
204

قال: لجزور بعد ما نحرها هذه هدي لبيت الله لم يكن بشئ، لأن هذه البدن
إنما تهدى أحياء وليست تهدى حين صارت لحما، وظاهر كلامه في المبسوط
يقتضي الجواز، وكذا غير الطعام مما ليس بحيوان كالدراهم والدنانير. وهو
الأقوى عندي.
لنا: إنه طاعة وقربة ونفع فقراء تلك البقعة فيصح كالأنعام.
وقد روى أبو بصير في طريق ضعيف، عن الصادق - عليه السلام - قال: فإن
قال الرجل: أنا أهدي هذا الطعام فليس هذا بشئ إنما تهدى البدن (1). ولا اعتبار
بهذه الرواية، لضعفها.
وروى علي بن جعفر، عن أخيه موسى - عليه السلام - قال: سألته عن
الرجل يقول: هو يهدي إلى الكعبة كذا وكذا ما عليه إذا كان لا يقدر على ما
يهديه، قال: إن كان جعله نذرا ولا يملكه فلا شئ عليه، وإن كان مما يملك
غلام أو جارية أو شبهه باعه واشترى بثمنه طيبا فيطيب به الكعبة، وإن
كانت دابة فليس عليه شئ (2). وفي طريقها محمد بن عبد الله بن مهران فلا
اعتبار بها أيضا.
وقد روى الشيخ في باب الزيادات من كتاب الحج عن علي بن جعفر
- عليه السلام - في الصحيح قال: سألته عن رجل جعل ثمن جاريته هديا
للكعبة كيف يصنع؟ قال: إن أبي - عليه السلام - أتاه رجل قد جعل جاريته
هديا للكعبة، فقال: مر مناديا يقم على الحجر فينادي ألا من قصرت
به نفقته أو قطع به أو نفذ طعامه فليأت فلان بن فلان، وأمره أن يعطي أولا

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 303 ذيل ح 1126، وسائل الشيعة: ب 1 أنه لا ينعقد النذر... ح 3
ج 16 ص 183.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 310 ح 1150، وسائل الشيعة: ب 18 إن من نذر هديا... ح 1 ج 16
ص 202.
205

فأولا حتى يتصدق بثمن الجارية (1).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا نذر صوم سنة لا بعينها ولم يشترط
التتابع صامها كيف شاء، فإن صام منها شهرا بين هلالين اعتد به شهرا تاما
كان أو ناقصا، وإن صام بالعدد صام كل ثلاثين يوما شهرا، فإن صام شوال
فإن كان تاما صام يوما آخر مكان الفطر، وإن كان ناقصا صام يومين، لأنه
إذا أفطر يوما منه كان الاعتبار بالعدد ويقوى في نفسي أنه لا يلزمه أكثر من
يوم واحد، وإن صام ذا الحجة أفطر الأضحى والتشريق، فإن كان تاما
قضاها، وإن كان ناقصا قضى خمسة أيام، وعلى ما قلناه مثلها، وإن اختار أن
يصومها متتابعة فإنه يصوم رمضان عن رمضان ويفطر العيدين والتشريق وعليه
أن يقضي ما لم يصم عن نذره، فإن كان شوال وذو الحجة تامين قضى خمسة
أيام وثلاثين يوما عن رمضان والعيدان وأيام التشريق خمسة أيام، وإن كانا
ناقصين قضى عندهم سبعة وثلاثين يوما وعندنا خمسة وثلاثين يوما. وهذا
يدل على تردده في اليوم الناقص.
وقال في فصل الظهار منه: إذا ابتدأ بصوم الشهرين من أول يوم الفطر
وصام شوال وذا القعدة فيوم الفطر لا يصح صومه ويصح صوم ما بعده، فأما ذو
القعدة فإنه يصح ويجزئ تاما كان أو ناقصا، فإن الشهرين اسم لما بين
الهلالين. وأما شوال فإنه انقطع يوم من أوله ولا يمكن اعتباره بالهلال ويعتبر
بالعدد فيحتاج أن يتمه ثلاثين يوما، فإن كان شوال تاما فقد حصل له تسعة
وعشرون يوما فيصوم يوما واحدا من ذي الحجة، وإن كان ناقصا صام يومين،
وإن قلنا: يقضي يوما، لأنه ما أفطر من الشهر الهلالي إلا يوما كان قويا.
وهو يدل على تردده أيضا.

(1) تهذيب الأحكام: ج 5 ص 483 ح 1719، وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب مقدمات الطواف وما
يتبعها ح 7 ج 9 ص 354.
206

والمعتمد وجوب قضاء اليوم الناقص، لأن الشهر إما عدة بين هلالين أو
ثلاثون يوما.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: وتبعه ابن إدريس (1): لو نذر أن يصوم أول
يوم من رمضان لم ينعقد، لأنه يستحق صيامه لغيره، لأنه لا يمكن أن يقع فيه
على حال صيام غير رمضان.
والوجه عندي الانعقاد، للإجماع منا على أن النذر إنما ينعقد إذا كان
المنذور طاعة بأن يكون واجبا أو مندوبا، وإيجاب صومه بأصل الشرع لا ينافي
تأكيد الوجوب، وفائدته وجوب الكفارتين.
مسألة: قال ابن الجنيد: لو نذر عتق عبده إن قدم فلان غدا لم يكن ذلك
مانعا من بيع عبده اليوم ولا يلزمه البدل منه إذا قدم فلان غدا ولا يختار له
فسخ نذره الذي جعله لله بذلك.
ولا بأس بهذا القول، لأنه قبل مجئ الغد مالك للعبد ملكا تاما، ولم يوجد
مانع من التصرف فيه، لعدم الشرط حينئذ فكان له بيعه، فإذا قدم فلان غدا
بطل النذر، لأنه لم يصادف محلا قابلا.
لكن يمكن أن يقال: إن لا يصح له بيعه، لتعلق النذر به، ولهذا قال
علماؤنا: لو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأتلفه اليوم باختياره كان عليه
الكفارة، فاقتضى ذلك تعلق النذر بهذه العين قبل مجئ الغد.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا نذر عتق رقبة فإنه يجزئه أي رقبة
كانت، صغيرة كانت أو كبيرة، معيبة أو سليمة، مؤمنة كانت أو كافرة، لأن
الاسم يقع عليها، وقال بعضهم: لا يجزئ إلا رقبة مؤمنة سليمة من العيوب،
والأول مذهبنا. وكذا قال في الخلاف (2).

(1) السرائر: ج 3 ص 68.
(2) الخلاف: ج 6 ص 202 المسألة 18.
207

وقال ابن البراج: إذا نذر عتق رقبة معينة أعتقها على كل حال، سواء
كانت مؤمنة أو كافرة، وإن كانت غير معينة أعتق أي رقبة شاء بعد ألا تكون
كافرة (1). وهو قول الشيخ في النهاية (2).
ومنع ابن إدريس من عتق الكافرة مطلقا، لقوله تعالى: (ولا تيمموا
الخبيث منه تنفقون) (3) وقد تقدم البحث في عتق الكافر.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن نذر أن يحج ولم يكن له مال فحج عن
غيره أجزأ عمن حج عنه وعما نذر فيه (4).
وقال ابن البراج - ونعم ما قال -: إذا نذر حجا ولم يكن له مال يحج به ثم
حج عن غيره كانت حجته مجزئة عن ذلك الغير وعليه الحج إذا تمكن منه،
وقد ذكر أن ذلك يجزئه عن حجة النذر، والصحيح ما ذكرناه (5). وهو المعتمد
عندي.
لنا: إنه وجد سببان مستقلان في وجوب حجين فلا يتداخلان كغيرهما
من الأسباب.
احتج الشيخ بما رواه رفاعة في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن رجل حج عن غيره ولم يكن له مال وعليه نذر أن يحج ماشيا أيجزئ
عنه عن نذره؟ قال: نعم (6).
والجواب: الحمل على ما إذا عجز عن أداء ما نذره واستمر عجزه.

(1) المهذب: ج 2 ص 411.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 57.
(3) السرائر: ج 3 ص 60.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 61 - 62.
(5) المهذب: ج 2 ص 412.
(6) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 315 ح 1173، وسائل الشيعة: ب 21 حكم من نذر الحج ماشيا...
ح 1 ج 16 ص 204.
208

مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا نذر أن يحج في هذا العام فحصر حصرا
عاما أو خاصا سقط نذره كالمفروضة سواء، ولا فرق بين المفروضة والمنذورة إلا
في فصل واحد، وهو أن المفروضة إذا سقطت في هذا العام وجبت لوجوب
شرائطها بعده، والمنذورة إذا سقطت في هذا العام لم يجب بعده وإن وجدت
الشرائط، لأن النذر تعلق بهذه السنة، فإذا فات فلا يجب بعدها إلا بتجديد
نذر. وهذا تصريح بأنه إذا عجز عن المنذور فيه سقط.
ونحوه قال ابن حمزة فإنه قال: إذا عين الوقت ولم يمكنه الوفاء به لم
يلزمه (1).
وقال أبو الصلاح: إذا علق نذره بوقت معين له مثل - كيوم خميس أو شهر
محرم - فليفعله في أول الأزمنة من تمكنه، وإن كان متعينا لا مثل له - كشهر
معين من سنة معينة أو من كل سنة أو كل خميس - فعليه فعله فيه، فإن حضر
الزمان وهو غير متمكن من فعله فهو في ذمته إلى حين إمكانه (2). وهو يدل على
عدم السقوط عنه.
والمعتمد أنه إن كان صوما وجب القضاء، لأن أصحابنا أوجبوا على
الحائض القضاء لو نذرت صوم يوم معين فاتفق حيضها فيه، وكذا المريض، فإن
كان غير صوم فالوجه ما قاله الشيخ، لأصالة البراءة وعدم التكليف، لعدم
المناط - وهو القدرة - فلم ينعقد نذره، كما لو نذر الصلاة في السماء.
مسألة: قال ابن حمزة: وإن لم يعين بوقت وحصل الشرط لزمه ما نذر على
الفور، فإن لم يفعل لم تلزمه الكفارة إلا بموته (3).
فإن قصد بذلك الوجوب على الفور بمعنى: أنه يستحق العقاب لو أخل به في

(1) الوسيلة: ص 349 - 350.
(2) الكافي في الفقه: ص 225.
(3) الوسيلة: ص 350.
209

أول أوقات الإمكان فهو ممنوع، وإن أراد به تعلق الوجوب الموسع به في أول
أوقات الإمكان فهو حق.
مسألة: قال ابن حمزة: وإن قال: علي كذا إن كان كذا ولم يقل: (لله)
لزمه الوفاء به ولم تلزمه الكفارة بفواته، وإن قال: علي كذا فحسب إن شاء
وفي وإن شاء لم يف، والوفاء أفضل (1).
والمعتمد عدم الوجوب في الجميع، لما تواتر من أن مناط الوجوب تعليق
وجوب النذر بقوله: (لله) وقد تقدم.

(1) الوسيلة: ص 350.
210

الفصل الثالث
في الكفارات
مسألة: كفارة قتل الخطأ مرتبة عند أكثر علمائنا
وقال سلار: إنها على التخيير (1).
وللمفيد - رحمه الله - قول يوهم أنها على التخيير، لأنه قال: من قتل خطأ
فعليه ديته وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان (2). مع أنه نص على التخيير
في كفارة رمضان (3).
لنا: قوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ثم قال: (فمن
لم يجد فصيام شهرين متتابعين) (4) وهذا نص في الترتيب.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان، عن الصادق - عليه
السلام - وإذا قتل خطأ أدى ديته إلى أوليائه ثم أعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا مدا، وكذلك إذا
وهبت له دية المقتول فالكفارة عليه فيما بينه وبين ربه لازمة (5).

(1) المراسم: ص 187.
(2) المقنعة: ص 570 - 571.
(3) المقنعة: ص 569.
(4) النساء: 92.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 323 ح 1196، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الكفارات ح 1 ج 15
ص 559.
211

احتج بأصالة البراءة.
والجواب: الأصل يبطل مع وجود دليل يعدل عنه، وقد بيناه.
مسألة: كفارات الصيد في الحج ذهب بعض علمائنا كالمفيد (1) - رحمه الله -
وابن إدريس (2) إلى أنها على التخيير، وذهب الشيخ إلى أنها مرتبة (3).
والمعتمد الأول، لدلالة القرآن العزيز عليه، حيث ورد بلفظة (أو) الدالة
على التخيير، وقد سبق البحث في ذلك.
مسألة: ذهب الشيخان (4) إلى أن كفارة خلف النذر والعهد كفارة من
أفطر يوما من شهر رمضان عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا مخيرا في ذلك، سواء كان النذر صوما أو غيره من الأفعال. وبه قال أبو
الصلاح (5)، وابن حمزة (6)، وابن البراج (7). إلا أن شيخنا المفيد قال: ومن
نكث عهدا لله تعالى وجب عليه من الكفارة ما قدمناه، وهي كفارة قتل
الخطأ (8).
وقال سلار: كفارة خلف النذر كفارة الظهار (9). وهي تعطي الكمية
والكيفية من الترتيب.
وقال شيخنا علي بن بابويه، في رسالته: كفارة خلف النذر صيام شهرين

(1) المقنعة: ص 435. وفيه الترتيب.
(2) السرائر: ج 3 ص 70.
(3) النهاية ونكتها: ج 1 ص 480.
(4) المقنعة: ص 562 و 565، النهاية ونكتها: ج 3 ص 66.
(5) الكافي في الفقه: ص 225 و 226.
(6) الوسيلة: ص 351 و 353.
(7) المهذب: ج 2 ص 421.
(8) المقنعة: ص 569.
(9) المراسم: 187.
212

متتابعين، وروى كفارة يمين.
وقال ابنه الصدوق في المقنع،، كفارة النذر كفارة يمين، فإن نذر أن يصوم
كل سبت فليس له أن يتركه إلا من علة، فإن أفطر من غير علة تصدق مكان
كل يوم على عشرة مساكين (1).
ونقل ابن إدريس عن السيد المرتضى في المسائل الموصلية وعن الصدوق
أن النذر إن كان لصوم يوم فأفطره وجب عليه كفارة من أفطر يوما من شهر
رمضان، وإن كان لغير صوم فكفارة يمين (2).
والمعتمد اختيار الشيخين.
لنا: ما رواه عبد الملك بن عمرو في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام -
قال: من جعل لله عليه ألا يركب محرما سماه فركبه قال: ولا أعلمه إلا
قال: فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكينا (3).
وعن أبي بصير، عن أحدهما - عليهما السلام - من جعل عليه عهدا لله وميثاقه
في أمر لله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام
ستين مسكينا (4).
وعن علي بن جعفر، عن أخيه الكاظم - عليه السلام - قال: سألته عن رجل
عاهد الله في غير معصية ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال: يعتق رقبة أو يتصدق
بصدقه أو يصوم شهرين متتابعين (5).

(1) المقنع: ص 137 مع اختلاف.
(2) السرائر: ج 3 ص 74 - 75.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 314 ح 1165 وفيه: (قال: ولا أعلم)، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الكفارات ح 7 ج 15 ص 575.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 315 ح 1170، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الكفارات ح 2 ج 15
ص 577.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 309 ح 1148، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الكفارات ح 1 ج 15 ص 576.
213

احتج ابن بابويه بما رواه حفص بن غياث، عن الصادق - عليه السلام -
قال: سألته عن كفارة النذور، فقال: كفارة النذور كفارة اليمين (1).
وفي الحسن عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: إن قلت: لله علي
فكفارة يمين (2).
والجواب: الحمل على العجز، لما رواه جميل بن صالح في الصحيح، عن
الكاظم - عليه السلام - أنه قال: كل من عجز من نذر نذره فكفارته كفارة
يمين (3).
تنبيه: قال المفيد: من نكث عهدا لله تعالى كان عليه من الكفارة ما
قدمناه، وهي كفارة قتل الخطأ (4). وهو يعطي وجوب الترتيب.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: من كان عليه صيام يوم نذر صومه فعجز عن
صيامه أطعم مسكينا مدين من طعام كفارة لذلك اليوم وقد أجزأه (5).
وقال المفيد: والذي ينذر لله أن يصوم يوما بعينه فيفطره بغير عذر فعليه
الكفارة وصيامه على سبيل القضاء، فإن عرض له في ذلك مرض فليفطره ثم
ليقظه ولا كفارة عليه (6).
وقال ابن إدريس: قول الشيخ في النهاية ليس على ظاهره، بل إن كان

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 307 ح 1141، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الكفارات ح 4 ج 15
ص 575.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 306 ح 1136، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الكفارات ح 1 ج 15
ص 574.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 306 ح 1137، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الكفارات ح 5 ج 15
ص 575.
(4) المقنعة: ص 569.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 66.
(6) المقنعة: ص 565 - 566.
214

عجزه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه بمجرى العادة - مثل العطاش الذي لا
يرجي برؤه - فما ذكره - رحمه الله - صحيح، وإن كان لمرض يرجى برؤه - مثل
الحمى وغير ذلك - فالواجب عليه الإفطار والقضاء لما أفطر فيه من غير إطعام
مدين ولا كفارة بحال (1).
والوجه ما قاله المفيد
لنا: أصالة البراءة.
احتج الشيخ بما رواه إسحاق بن عمار، عن الصادق - عليه السلام - في
رجل يجعل عليه صياما في نذر ولا يقوى، قال: يعطي من يصوم عنه في كل يوم
مدين (2).
والجواب: الطعن في السند، والحمل على الاستحباب، وعدم الدلالة على
المدعى.
مسألة: المشهور بين علمائنا أن كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان مخيرة
بين العتق والصيام والإطعام، ذهب إليه الشيخان (3)، وسلار (4)، وابن
البراج (5).
وقال الشيخ في المبسوط: الكفارة على ضربين: مرتبة ومخيرة، فالمرتبة كفارة
الجماع والظهار والقتل بلا خلاف، وفي أصحابنا من قال: كفارة الجماع مخير
فيها (6).

(1) السرائر: ج 3 ص 75، وفيه: (ليس هو على ظاهره).
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 306 ح 1138، وسائل الشيعة: ب 12 حكم من نذر صياما فعجز ح 1
ج 16 ص 195.
(3) المقنعة: ص 345، النهاية ونكتها: ج 1 ص 397.
(4) المراسم: ص 187.
(5) المهذب: ج 2 ص 422.
(6) المبسوط: ج 5 ص 171.
215

وقال ابن أبي عقيل قولا يوهم الترتيب فقال: والكفارات مغلظة وغير
مغلظة، فأما المغلظة فصيام شهرين متتابعين فرض لازم لمن أفطر يوما من شهر
رمضان متعمدا من غير مرض ولا سفر إذا لم يجد عتق رقبة، وصيام شهرين
متتابعين في الظهار لمن لا يجد العتق، وقتل المؤمن خطأ إذا لم يجد العتق، فهذه
المغلظات من الكفارات. وأما دون المغلظة فصيام عشرة أيام للمتمتع بالعمرة
إلى الحج. وهذا القول يعطي المساواة بين كفارة إفطار يوم من شهر رمضان
وبين كفارة الظهار.
وقال في كتاب الصوم: الكفارة عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين
متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. وهو تصريح بالترتيب.
وقال ابن إدريس: وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا إما عتق
رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين مخير في ذلك على
الصحيح من المذهب (1). وهذا يعطي الخلاف فيه.
لنا: أصالة البراءة.
احتج ابن أبي عقيل بما رواه الصدوق أن رجلا من الأنصار أتى النبي
- صلى الله عليه وآله - فقال: هلكت وأهلكت، فقال: وما أهلكك؟ قال: أتيت
امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم، فقال له النبي - صلى الله عليه وآله -: أعتق
رقبة، قال: لا أجد، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: لا أطيق، قال:
تصدق على ستين مسكينا، قال: لا أجد، قال: فأتي النبي - صلى الله عليه
وآله - بعذق ثمانية عشر صاعا من تمر، فقال له النبي - صلى الله عليه وآله -:
خذها فتصدق بها، فقال له الرجل: والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل

(1) السرائر: ج 1 ص 378 - 379، وفيه: (مخير في ذلك وهو الأقوى والأظهر).
216

بيت أحوج منا إليها، فقال: خذه وكله وأطعم عيالك فإنه كفارة لك (1).
والجواب: لا دلالة قاطعة فيه على الترتيب، وقد تقدم البحث في ذلك.
مسألة: المشهور عند علمائنا أن كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان
بعد الزوال مختارا كفارة يمين ذهب إليه الشيخان (2)، وسلار (3)، وأبو
الصلاح (4)، وابن إدريس (5).
وقال الصدوق في المقنع وأبوه: يجب عليه كفارة من أفطر يوما من شهر
رمضان، قالا: وقد روي أن عليه إطعام عشرة مساكين (6). وهو اختيار ابن
البراج (7).
والمعتمد الأول.
لنا: إنه يوم لا يتعين صومه في القضاء قبل الزوال إجماعا فكذا بعده،
ومقتضاه عدم وجوب الكفارة، لكن أوجبنا الصغرى للنصوص.
ولأنه هتك صوما مضى أكثره فكان له حكم الجميع، لما عهد في مواضع
للشرع متعددة من إعطاء الأكثر حكم الكل.
وما رواه الصدوق عن بريد العجلي، عن الباقر - عليه السلام - في رجل أتى
أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان [قال: إن كان أتى أهله] قبل الزوال فلا
شئ عليه إلا يوما مكان يوم، فإن أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 116 ح 1885، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم
ووقت الإمساك ح 5 ج 7 ص 30 مع اختلاف فيهما.
(2) المقنعة: ص 570، المبسوط: ج 1 ص 287.
(3) المراسم: ص 187.
(4) الكافي في الفقه: ص 184.
(5) السرائر: ج 1 ص 410.
(6) المقنع: ص 63.
(7) المهذب: ج 2 ص 422.
217

يتصدق على عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان
يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع (1).
قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه عقيب هذه الرواية: وقد
روي أنه إن أفطر قبل الزوال فلا شئ عليه، وإن أفطر بعد الزوال فعليه
الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان (2). وهذا القول منه يدل
على اختياره الأول، وإن كان في المقنع (3) عكس الحال فجعل الأول رواية.
ولأنه قبل الزوال لا شئ عليه فلا يكون بعد الزوال كرمضان، بل كما
انحطت رتبته قبل الزوال فلم يوجب فيه شيئا، كان المناسب انحطاط رتبته عنه
بعد الزوال فلا يوجب فيه مثل الواجب فيه.
ولأنهم - عليهم السلام - استبعدوا في القضاء مساواته لرمضان فقالوا: وأنى
له بمثله يعني: بمثل اليوم المقضي، ولو وجبت الكفارة فيه بعد الزوال
- كرمضان - لساواه.
تذنيب: اختلفت عبارات علمائنا هنا فقال بعضهم: يجب كفارة يمين،
وقال آخرون: إطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
وقال الشيخ في النهاية في كتاب الصوم: عليه إطعام عشرة مساكين، فإن لم
يتمكن كان عليه صيام ثلاثة أيام (4). وكذا قال المفيد في كتاب الصوم (5).
وقال في باب الكفارات: عليه كفارة يمين أو إطعام عشرة مساكين، فإن لم

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 149 ح 2000، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب أحكام شهر
رمضان ح 1 ج 7 ص 254.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 149 ذيل الحديث 2000.
(3) المقنع: ص 63.
(4) النهاية ونكتها: ج 1 ص 407.
(5) المقنعة: ص 360.
218

يجد صام ثلاثة أيام متتابعات (1).
وقال الشيخ في النهاية في كتاب الكفارات: ومن أفطر يوما قد نوى صومه
قضاء لشهر رمضان بعد الزوال كان عليه كفارة يمين، فإن لم يجد صام ثلاثة
أيام (2).
وقال سلار: عليه كفارة يمين (3).
آخر: ذهب أكثر علمائنا إلى وجوب الكفارة لو أفطر بعد الزوال قال
الشيخ في النهاية: وروي عليه كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان، قال:
ويمكن أن يكون الوجه في هذه الرواية من أفطر في هذا اليوم بعد الزوال
استخفافا بالفرض وتهاونا به فلزمته هذه الكفارة عقوبة وتغليظا، قال: وقد
رويت رواية أخرى أنه ليس عليه شئ، ويمكن أن يكون الوجه فيها من لم
يتمكن من الإطعام ولا من صيام ثلاثة أيام فليس عليه شئ (4).
وقال ابن أبي عقيل: ومن جامع أو أكل أو شرب في قضاء من شهر
رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أثم وعليه القضاء ولا كفارة عليه.
ولم يفصل بين أن يقع الإفطار قبل الزوال أو بعده، وهذا يدل على اختياره،
لرواية (5) الإسقاط. والمشهور الأول.
آخر: المشهور أنه لا ينتقل إلى صوم ثلاثة أيام إلا بعد العجز عن الإطعام،
اختاره الشيخان (6) وأكثر علمائنا (7).

(1) المقنعة: ص 570.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 68.
(3) المراسم: ص 187.
(4) النهاية ونكتها: ج 1 ص 407 مع اختلاف.
(5) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 280 ح 847، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 4
ج 7 ص 255.
(6) المقنعة: ص 360، النهاية ونكتها: ج 3 ص 68.
(7) منهم: السيد المرتضى في الإنتصار: 69 وابن إدريس في السرائر 3: 76.
219

وقال أبو الصلاح: وإن كان بعد الزوال تعاظم وزره ولزمته الكفارة صيام
ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين (1).
والرواية التي ذكرناها أولا تدل على المذهب المشهور، وهو المعتمد.
مسألة: ذهب السيد المرتضى إلى أن من تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم
بذلك أن عليه أن يفارقها ويتصدق بخمسة دراهم (2).
ورواه ابن الجنيد عن أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - (3).
قال ابن إدريس: لم أجد أحدا من أصحابنا موافقا له على هذا القول،
والأصل براءة الذمة، وشغلها بهذه الكفارة يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليها من
كتاب ولا إجماع ولا تواتر أخبار (4).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا بأس أن يشق ثوبه على أبيه وفي موت
أخيه (5). وكذا قال المفيد (6).
قالا: ولا يجوز شقه في موت الابن ولا الزوجة، فإن فعل كان عليه كفارة
يمين (7).
وأوجب سلار (8)، وابن البراج (9) كفارة اليمين في موت الابن والزوجة،

(1) الكافي في الفقه: ص 184.
(2) الإنتصار: ص 166.
(3) كذا، والموجود في تهذيب الأحكام: ج 7 ص 481 ح 1934 عن أحمد بن محمد بن عيسى عن
ابن أبي عمير عن رجل عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام.
(4) السرائر: ج 3 ص 77.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 69.
(6) المقنعة: ص 573.
(7) المقنعة ص 573، النهاية ونكتها: ج 3 ص 69.
(8) المراسم: 187.
(9) المهذب: ج 2 ص 424.
220

ولم يوجبا كفارة في موت الأب والأخ.
وقال ابن إدريس: لا يجوز أن يشق الرجل ثوبه في موت أحد من الأهل
والقرابات، فإن فعل فقد روي أن عليه كفارة يمين، والأولى أن يحمل ذلك
على المندوب دون الفرض، لأن الأصل براءة الذمة، وهذه الرواية قليلة الورود
شاذة تورد في أبواب الزيادات عن رجل واحد، و [قد بينا أن] أخبار الآحاد
لا توجب علما ولا عملا، إلا أن أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم وفتاويهم
فصار الإجماع هو الحجة على العمل بها، وبهذا أفتي. وروي أنه لا بأس بأن
يشق ثوبه على أبيه وفي موت أخيه، والأولى ترك ذلك واجتنابه بل الواجب،
لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع، والأصل حفاظ (1)
المال وتضييعه سفه، لأنه إدخال ضرر، والعقل يقبح ذلك. فأما المرأة فلا يجوز
لها أن تشق ثوبها على موت أحد من الناس، فإن شقته أخطأت ولا كفارة عليها
بلا خلاف (2).
والذي قاله الشيخان هو المعتمد.
لنا: إن أصالة البراءة ترك العمل به في موت الابن والزوجة للتعويض
عنها بإمكان غيرهما، بقي الباقي على الأصل.
وما رواه حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن رجل
شق ثوبه على أبيه وعلى أمه أو على أخيه أو على قريب له، فقال: لا بأس بشق
الجيوب، قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون - عليهما السلام - ولا يشق
الوالد على ولده ولا زوج على امرأته، وتشق المرأة على زوجها (3).

(1) م 3: حفظ.
(2) السرائر: ج 3 ص 78.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 325 ح 1207، وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الكفارات ح 1 ج 15
ص 583.
221

مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن ضرب مملوكا له فوق الحد كانت
كفارته أن يعتقه (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال ابن إدريس: لا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا
إجماع، والأصل براءة الذمة من العتق وبقاء الرق، فمن ادعى سوى ذلك
يحتاج إلى دليل (3).
والمعتمد الاستحباب، لأنه فعل محرم، والعتق مسقط لذنب القتل، وهو
أعظم من الضرب فاستحق (4) العتق. وأما عدم الوجوب فبالأصل السالم عن
المعارض.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: فإن قتل مملوكه كان عليه عتق رقبة أو صيام
شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، وعليه التوبة مما فعل (5).
وقال ابن البراج: كفارة قتل السيد مملوكه عتق رقبة أو صيام شهرين
متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخيرا في ذلك، وعليه مع ذلك التوبة (6). وهو
نص في تخيير هذه الكفارة.
وقال ابن إدريس: ما ذكره شيخنا غير واضح ولا مستمر على أصل
مذهبنا، لأنه إن كان القتل عمدا محضا فالصحيح أنه يجب على السيد القاتل
كفارة قتل العمد المحض، وهي الثلاثة الأجناس على الجمع، وإن كان قتله له
خطأ فالواجب في قتل الخطأ المرتبة دون المخيرة فيها (7). وقول ابن إدريس هو
المعتمد.
لنا: ما رواه الحلبي في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - أنه قال: في

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 71.
(2) المهذب: ج 2 ص 424.
(3) السرائر: ج 3 ص 79.
(4) في الطبعة الحجرية: فاستحب.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 71.
(6) المهذب: ج 2 ص 424.
(7) السرائر: ج 3 ص 79.
222

رجل قتل مملوكه، قال: يعجبني أن يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم
ستين مسكينا (1). وليس ذلك في كفارة قتل الخطأ لأن ذلك لا يجب في قتل
الحر، فقتل العبد أولى فيجب الحمل على العمد. ولأنه الأصل في إطلاق
الأفعال الصادرة عن المختار، إذ السهو فيها خلاف الأصل.
احتج الشيخ بما رواه أبو بصير، عن الصادق - عليه السلام - أنه سمعه
يقول: من قتل عبده متعمدا فعليه أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو
يطعم ستين مسكينا (2).
والجواب حمل (أو) على (الواو) كقوله تعالى: (أو يزيدون) (3) وقوله
تعالى (أو كفورا) (4) ويكون القتل خطأ، وأراد به التفصيل دون التخيير.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا أراد أن يطعم المساكين فليطعم لكل
مسكين مدين من طعام، فإن لم يقدر على ذلك أطعم لكل واحد منهم مدا من
طعام (5). وكذا قال في المبسوط (6) والخلاف، ونص على التعميم في الخلاف
فقال: يجب أن يدفع إلى كل مسكين مدين في سائر الكفارات (7).
وقال الصدوق وأبوه: لكل مسكين مد (8).

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 324 ح 1201، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الكفارات ح 1 ج 15
ص 581.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 324 ح 1202، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الكفارات ح 2 ج 15
ص 581.
(3) الصافات: 147.
(4) الإنسان: 24.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 64.
(6) المبسوط: ج 6 ص 207.
(7) الخلاف: ج 3 ص 26 المسألة 62.
(8) المقنع: ص 137.
223

وقال المفيد: لكل مسكين شبعه في يومه، وأدنى ما يطعم لكل واحد منهم
مد من طعام وهو رطلان وربع (1). وتبعه تلميذه سلار (2).
وقال ابن الجنيد: وهو مخير بين أن يطعم المساكين ولا يملكهم، وبين أن
يعطيهم ما يأكلونه، فإذا أراد أن يطعمهم دون التمليك غداهم وعشاهم في ذلك
اليوم، وإذا أراد تمليك المساكين الطعام أعطى كل إنسان منهم مدا،
وبزيادة (3) عليه بقدر ما يكون لطحنه وخبزه وأدمه.
وقال ابن البراج: فليطعم كل واحد منهم شبعه في يوم، فإن لم يقدر
أطعمه مدا من طعام (4).
وقال ابن حمزة مقدار الإطعام ما يشبع، فإن لم يشبع أو شك فيه أعاد،
وإن أطعمهم دون ما يكفيهم أثم، وإن زاد على الكفاية فهو بالخيار بين أخذ
الفاضل وتركه لهم، وإن أعطاهم الطعام لزمه لكل مسكين مدان حال السعة
والاختيار ومد حال الاضطرار (5).
وقال أبو الصلاح: والإطعام شبع المسكين في يومه (6). واختار ابن
إدريس (7) مذهب الصدوق، وهو المعتمد.
لنا: أصالة براءة الذمة، وخروج المكلف عن عهدة التكليف، لإتيانه
بالمسمى.
وما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - وإذا
قتل خطأ أدى ديته إلى أوليائه ثم أعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين

(1) المقنعة: ص 568.
(2) المراسم: ص 186.
(3) في الطبعة الحجرية: زيادة.
(4) المهذب: ج 2 ص 415.
(5) الوسيلة: ص 353.
(6) الكافي في الفقه: ص 227.
(7) السرائر: ج 3 ص 70.
224

متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا مدا (1).
احتج الشيخ في الخلاف بإجماع الفرقة وطريقة الاحتياط (2).
والجواب: الإجماع ممنوع، فقد نقلنا الخلاف، والاحتياط معارض بأصالة
البراءة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى أراد كسوتهم فليعط كل واحد منهم
ثوبين يواري بهما جسده، فإن لم يقدر عليهما جاز أن يقتصر على ثوب واحد (3).
وتبعه ابن البراج (4).
وقال في المبسوط: إذا اختار أن يكفر بكسوة فعليه أن يكسو عشرة
مساكين، وأقل الكسوة ثوب واحد، وقد روى أصحابنا ثوبين (5).
وقال الصدوق: لكل رجل ثوبان، وروي ثوب (6).
وقال أبوه: لكل رجل ثوب.
وقال المفيد: لكل رجل ثوبان (7). وكذا قال سلار (8).
وقال أبو الصلاح: الكسوة على الموسر ثوبان، وعلى المعسر ثوب
واحد (9).

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 323 ذيل الحديث 1196، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الكفارات
ذيل الحديث 1 ج 15 ص 559.
(2) الخلاف: ج 4 ص 560 المسألة 62.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 64.
(4) المهذب: ج 2 ص 415.
(5) المبسوط: ج 6 ص 211.
(6) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 368 ح 4298.
(7) المقنعة: ص 568.
(8) المراسم: ص 186.
(9) الكافي في الفقه: ص 227.
225

وقال ابن الجنيد: وإذا أراد أن يكفر بالكسوة كان الأحوط عندي أن
يكسو المرأة ثوبين: درعا وخمارا، وهو ما يجزئها فيها الصلاة، ولا بأس أن يكون
للرجل ثوب يجزئه في مثله الصلاة، ولا يجزئ ما دون ذلك - كمئزر أو خمار
مفرد - للمرأة.
وقال ابن حمزة: والكسوة إزار ورداء من الثياب الجديدة، فإن لم يجد جاز
الغسيل إذا بقيت منافعه (1).
وقال ابن إدريس: الواجب ثوب واحد (2).
والشيخ - رحمه الله - روى في التهذيب عن الحسين بن سعيد، عن رجاله،
عن الصادق - عليه السلام - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: في
كفارة اليمين ثوب يواري عورته، وقال: ثوبان (3). وهذا يدل على وجوب
الثوب واستحباب الثوبين، أو على التفصيل الذي ذكره ابن الجنيد، وبالجملة
فهو مرسل.
والمعتمد ما قاله ابن بابويه: لكل مسكين ثوب واحد، عملا بأصالة
البراءة السالم (4) عن المعارض.
تذنيب: ظاهر كلام علمائنا عدم الفصل بين الرجل والمرأة، وابن الجنيد
فصل وأوجب للمرأة درعا وخمارا.
وقال الشيخ في المبسوط: وأقل الكسوة ثوب واحد، وروى أصحابنا
ثوبين، فمن قال: ثوب واحد قال: للرجل منديل أو قميص أو سراويل أو مئزر،

(1) الوسيلة: ص 354.
(2) السرائر: ج 3 ص 70.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 320 ح 1187، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الكفارات ح 3 ج 15
ص 568.
(4) م 3: السالمة.
226

وكذلك للمرأة مقنعة أو قميص أو سراويل أو مئزر، وقال بعضهم: السراويل لا
يجزئ، وقال بعضهم: لا يجزئ للمرأة غير ما تجوز لها الصلاة فيه من ثوبين
قميص ومقنعة، وهو الذي رواه أصحابنا مع الاختيار، فإن لم يجد فثوب واحد
على ما ذكرناه (1).
والمعتمد المشهور، للأصل.
آخر: قال الشيخ: وأما صفته فالمستحب أن يكون جديدا، فإن لم يكن
فغسيلا قد بقيت منافعه أو معظمها، فإن لم يفعل وأعطى سحيقا لم يجزئه، لأن
منافعها قد بطلت (2).
وجوز ابن إدريس أيضا أن يكون غسيلا (3).
وقال ابن حمزة: الكسوة إزار ورداء من الثياب الجديدة، فإن لم يجد جاز
الغسيل إذا بقيت منافعه (4).
والوجه ما قاله الشيخ، لأصالة البراءة.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا كان عليه كفارات من جنس واحد
فأعتق عنها أو صام بنية التكفير دون التعيين أجزأه بلا خلاف، وإن كانت من
أجناس مختلفة مثل كفارة الظهار وكفارة القتل فلا بد فيهما من نية التعيين عن
كل كفارة، فإن لم يعين لم يجزئه، لقوله - عليه السلام -: (الأعمال بالنيات)
فوجب ما لم يحصل فيه النية ألا يجزئ. ولأن الأصل شغل الذمة، فلا خلاف
إذا عين النية أنه يجزئه، ولم يدل دليل على إجزائه إذا لم يعين، فالاحتياط
يقتضي ما قلناه (5).
وقال في المبسوط: إن كانت من جنس واحد فإن أبهم [النية] ولم يعين

(1) المبسوط: ج 6 ص 211 - 212.
(2) المبسوط: ج 6 ص 212.
(3) السرائر: ج 3 ص 70.
(4) الوسيلة: ص 254.
(5) الخلاف: ج 3 ص 549 المسألة 39.
227

بل نوى كفارة مطلقة أجزأه، وإن كانت أجناسا مختلفة - كالحنث والقتل
والظهار والوطء في رمضان - فالحكم فيها كلها كما لو كان الجنس واحدا وأنه
لا يفتقر إلى تعيين النية، وقال بعضهم: التعيين شرط، والأول أقوى عندنا (1).
واختار ابن إدريس (2) قوله في الخلاف.
والمعتمد التفصيل فنقول: إما أن تكون الكفارات من جنس واحد
كالحنث في اليمين إذا تكرر منه واختار العتق عن الكفارة أجزأه، ولا يفتقر إلى
تعيين اليمين التي حنث فيها. وإن كانت من أجناس مختلفة فإن اتفقت في
الحكم كقتل الخطأ والظهار فإنهما وإن تعددت أجناسهما لكن حكمهما واحد
وهو وجوب العتق عينا، فإن عجز فالصوم، وحكم هذا كالأول. وكذا كفارة
إفطار رمضان وخلف النذر إن أوجبنا فيه الكبرى فإن حكمهما متفق وهو
التخيير بين العتق والصيام والإطعام، وإن اختلف الحكم مثل: كفارة الظهار
والإفطار فلا بد من تعيين السبب، لأنه إذا أعتق ونوى مطلق التكفير لم يكن
صرفه إلى أحدهما أولى من صرفه إلى الآخر، لكن لو صرف إلى الظهار بقي
التخيير بين العتق والصوم والإطعام في كفارة الإفطار، وإن صرف إلى الإفطار
تعين العتق ثانيا، وليس أحدهما أولى من الآخر، فأما أن يصرف إليهما معا أو
إلى واحد منهما، والكل باطل.
لا يقال: ينتقض بما لو تعدد الجنس واتفق الحكم
لأنا نقول: إنه لما وجب عليه كفارتان فقد وجب عليه واحدة، فإذا نوى
التكفير المطلق فقد ارتفعت واحدة مطلقة وتعين العتق في الأخرى، أما مع
اختلاف الحكم فإنه لا يدري حينئذ الواجب عليه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى أراد أن يعتق رقبة فليعتق من ظاهره

(1) المبسوط: ج 6 ص 209.
(2) السرائر: ج 3 ص 71.
228

ظاهر الإسلام أو بحكم الإسلام، ذكرا كان أو أنثى، صغيرا كان أو
كبيرا (1).
وقال في الخلاف: إذا وجبت عليه الكفارة بعتق رقبة في كفارة ظهار أو
قتل أو جماع أو يمين أو يكون نذر عتق رقبة فإنه يجزئ في جميع ذلك ألا تكون
مؤمنة إلا في القتل خاصة، وبه قال عطا والنخعي والثوري وأبو حنيفة
وأصحابه، إلا أنهم أجازوا أن تكون كافرة، وعندنا أن ذلك مكروه وإن أجزأ.
وقال الشافعي: لا يجوز في جميع ذلك إلا المؤمنة، وبه قال مالك والأوزاعي
وأحمد وإسحاق. ثم استدل بأن الله تعالى ذكر هذه الكفارات ولم يشترط فيها
الأيمان بل أطلق الرقبة، وإنما قيدها بالأيمان في قتل الخطأ خاصة، فحمل
غيرها عليها يحتاج إلى دليل، ولا دليل في الشرع يوجب ذلك (2). واختار في
المبسوط (3) ما اختاره في الخلاف.
وقال في الخلاف أيضا: الموضع الذي يعتبر فيه الأيمان في الرقبة فإنه
يجزئ إذا كان محكوما بأيمانه وإن كان صغيرا، لأنه يطلق عليه المؤمن، لأنه
محكوم بأيمانه (4).
وقال ابن الجنيد: وإذا أراد التكفير بالعتق فالذي يستحب له أن يعتق
رقبة بالغة مؤمنة سليمة من العيوب في البدن والعقل، وأما في كفارة القتل فلا
يجوز غير المؤمنة المقرة لنص الله عز وجل، وأما في غير كفارة القتل فيجزئ
الرضيع المولود إذا قام به المعتق إلى أن يستغني بنفسه.
وقال في باب الكفارات: لا يجزئ الذمي.

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 63.
(2) الخلاف: ج 4 ص 542 المسألة 27.
(3) المبسوط: ج 6 ص 212.
(4) الخلاف: ج 4 ص 543 المسألة 28.
229

وقال ابن البراج: وإذا أراد عتق الرقبة فينبغي أن يعتق من يكون على
ظاهر الإسلام أو من يكون بحكم ذلك، ذكرا كان أو أنثى، صغيرا كان أو
كبيرا (1).
وابن إدريس لما نقل كلام الشيخ قال: وقال المرتضى وباقي أصحابنا
باعتبار الأيمان في جميعها، قال: وهو الذي أعتمده وأفتي به، لقوله تعالى: (ولا
تيمموا الخبيث منه تنفقون) والكافر خبيث بلا خلاف، ولأن دليل الاحتياط
يقتضيه (2).
والمعتمد ما اختاره السيد المرتضى.
لنا: ما تقدم من منع عتق الكافر، ففي الكفارة أولى.
ولأن الذمة مشغولة بالعتق، وبدون المؤمن لا يخرج عن عهدة التكليف بيقين.
ولأنه تعالى قيد في كفارة قتل الخطأ بالأيمان فيتقيد في باقي الكفارات عند
بعض الأصوليين.
وما رواه معمر بن يحيى في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن رجل يظاهر من امرأته يجوز عتق المولود في الكفارة، فقال: كل العتق
يجوز فيه المولود إلا في كفارة القتل، فإن الله تعالى يقول: (فتحرير رقبة مؤمنة)
يعني بذلك: مقرة قد بلغت الحنث (3).
وعن سيف بن عميرة، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته أيجوز
للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: لا (4).

(1) المهذب: ج 2 ص 414.
(2) السرائر: ج 3 ص 72.
(3) الكافي: ج 7 ص 462 ح 15، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الكفارات ذيل الحديث 6 ج 15
ص 556.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 218 ح 782، وسائل الشيعة: ب 17 جواز عتق المستضعف... ح 5
ج 16 ص 20.
230

احتج الشيخ بأصالة الجواز، وبامتثال الأمر الوارد بمطلق العتق في غير
كفارة القتل، فوجب أن يخرج عن العهدة.
وما رواه الحسين بن سعيد، عن رجاله، عن الصادق - عليه السلام - قال
رسول الله - صلى الله عليه وآله -: كل العتق يجوز له المولود إلا في كفارة
القتل، فإن الله تعالى يقول: (فتحرير رقبة مؤمنة) يعني بذلك: مقرة قد بلغت
الحنث، ويجزئ في الظهار صبي ممن ولد في الإسلام (1).
وعن الحسن بن صالح، عن الصادق - عليه السلام - قال: إن عليا - عليه
السلام - أعتق عبدا نصرانيا فأسلم حين أعتقه (2).
والجواب: أصالة الجواز معارضة بالاحتياط، ونمنع امتثال الأمر،
لوروده بالمؤمن كما تقدم، ونحن نقول بموجب الحديث الأول، لأن الصغير من
أولاد المؤمنين في حكم أبيه فأجزأ، والآخر ضعيف السند، مع أنه ورد لا في
الكفارة، لأن عليا - عليه السلام - لا يقع منه ذنب لا عمدا ولا خطأ، فلا
يتحقق في طرفه تكفير البتة، فيكون قد أعتقه متبرعا، لفائدة إسلامه.
وقول ابن الجنيد: (أنه إذا أعتق صغيرا كان عليه القيام به) إن قصد
الوجوب فهو ممنوع، وإن قصد الاستحباب فمسلم.
احتج بأن النفقة قبل العتق واجبة عليه، وباعتاقه أسقط وجوب النفقة
عنه، وذلك يؤدي إلى تضرر العبد، لعجزه عن القيام بنفسه.
وما رواه ابن محبوب في الصحيح قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا - عليه
السلام - وسألته عن رجل يعتق غلاما صغيرا أو شيخا كبيرا أو من به زمانة

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 320 ح 1187 وفيه: (كل عتق يجوز)، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب
الكفارات ح 6 ج 15 ص 557.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 219 ح 783، وسائل الشيعة: ب 17 جواز عتق المستضعف... ح 2
ج 16 ص 19.
231

لا حيلة له، فقال: من أعتق مملوكا لا حيلة له فإن عليه أن يعوله حتى يستغني
عنه، وكذلك كان علي - عليه السلام - يفعل إذا أعتق الصغار ومن لا حيلة
له (1).
والجواب: المنع من التضرر بالعتق، بل هو عين النفع، لإزالة قيد الرق
عنه، فالمؤونة تجب على المسلمين بذلها على الكفاية، فإن تعذر المنفق تعين على
المعتق، والحديث نقول بموجبه، فإن من لا حيلة له يندرج فيه من لا يجد من
المسلمين من يعينه على الإنفاق، ولا وجه لبيت مال المسلمين ولا زكاة فيتعين
حينئذ على المعتق الإنفاق عليه كالملقوط.
مسألة: تتضمن اختلافا في مسائل من كفارات الحج قد سبق بعضها أو
جميعها:.
الأول: المشهور في كفارة قتل النعامة إذا لم يجد البدنة إطعام ستين مسكينا
لكل مسكين نصف صاع.
وقال ابن أبي عقيل: لكل مسكين مد من طعام، وكذا قال علي بن
بابويه.
الثاني: المشهور أنه إذا أفاض من عرفات قبل الغروب وجب عليه بدنة.
وقال علي بن بابويه: وإياك أن تفيض منها قبل طلوع الشمس ولا من
عرفات قبل غروبها فيلزمك دم شاة.
الثالث: المشهور أن من كسر بيض النعام فإن كان قد تحرك فيه الفرخ
فعليه عن كل بيضة بكارة من الإبل، وإن لم يكن قد تحرك فعليه أن يرسل
فحولة الإبل على إناثها بعدد البيض، فما خرج كان هديا لبيت الله تعالى، فإن

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 218 ح 778، وسائل الشيعة: ب 14 وجوب نفقة المملوك... ح 1
ج 16 ص 17.
232

لم يقدر على ذلك كان عليه عن كل بيضة شاة، ذكره الشيخ في النهاية (1).
وقال علي بن بابويه: فإن أكلت بيضها - يعني: النعامة - فعليك دم شاة،
وكذلك إن وطئتها، فإن وطئتها وكان فيها فرخ يتحرك فعليك أن ترسل فحولة
من الإبل على الإناث بقدر عدد البيض، فما نتج منها فهو هدي لبيت الله
تعالى.
الرابع: قال الشيخ في النهاية: ومن حلق رأسه لأذى كان عليه دم شاة أو
صيام ثلاثة أيام أو يتصدق على ستة مساكين لكل مسكين مد من طعام، أي
الثلاثة فعل فقد أجزأه، وقد روي أن الإطعام يكون على عشرة مساكين، وهو
الأحوط (2).
وقال ابن أبي عقيل: من كان به أذى من رأسه فهو بالخيار إن شاء صام
ثلاثة أيام وأطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام أو نسك
شاة.
الخامس: المشهور أن من ظلل على نفسه كان عليه دم يهريقه، واختاره
الشيخ في النهاية (3).
وقال ابن أبي عقيل: وكذلك من ظلل على نفسه وهو محرم فعليه نسك شاة
أو عدل ذلك صيام أو صدقة.
مسألة: قال ابن إدريس: إذا مات وعليه حق لله - مثل الزكوات
والكفارات - وحق الآدميين - مثل الديون - قيل: فيه ثلاثة أقوال: أحدها:
حق الله هو (4) المقدم، والثاني: حقوق الآدميين، والثالث: هما سواء، وهو
الأقوى عندي، لأن تقدم أحدهما على الآخر يحتاج إلى دليل (5).

(1) النهاية ونكتها: ج 1 ص 484.
(2) النهاية ونكتها: ج 1 ص 498.
(3) النهاية ونكتها: ج 1 ص 498.
(4) ليس في المصدر.
(5) السرائر: ج 3 ص 73.
233

وقول ابن إدريس لا بأس به، ويؤيد تقوية قول من قدم حق الله تعالى
ما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله - حيث سألته الخثعمية عن قضاء الحج
عن أبيها فقال لها - عليه السلام -: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت
تقضيه؟ فقالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى (1). ويؤيد القول
الآخر أن حق ابن آدم مبني على التضيق وحق الله تعالى مبني على التوسعة
فكان الأول أولى.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومتى لم يجد أحدا من المؤمنين أصلا ولا من
أولادهم أطعم المستضعفين ممن خالفهم (2).
وقال ابن البراج: ولا يجوز أن يكون (3) إلا من فقراء المؤمنين أو من هو
بحكمهم، فإن لم يجد أحدا من هؤلاء بقي ذلك في ذمته إلى أن يجدهم
فيطعمهم، وقد ذكر أنه إذا لم يجد (4) أطعم المستضعفين من المخالفين. والأول
أحوط (5).
وقال ابن إدريس: وهذا غير مستقيم ولا واضح، لأنه خبر واحد أورده
إيرادا لا اعتقادا، لأن مستحق الكفارات مستحق الزكوات على ما قدمناه، فلا
يجوز إعطاؤها لغيرهم على حال (6). وهذا القول يقتضي اعتبار العدالة.
والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: إنه يصدق مع ذلك إطعام المساكين فيخرج عن عهدة الأمر بحصول
الامتثال.
مسألة: قال شيخنا المفيد: ولا يكون في جملتهم صبي صغير ولا شيخ كبير ولا

(1) سنن البيهقي: ج 5 ص 179، مع اختلاف.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 64.
(3) في المصدر: يكونوا.
(4) في المصدر: يجدهم.
(5) المهذب: ج 2 ص 415.
(6) السرائر: ج 3 ص 74.
234

مريض (1).
وقال الشيخ في النهاية: ويجوز أن يكون في جملتهم صغير، ولا يجوز أن يكونوا
كلهم صغارا، ومتى كانوا كلهم صغارا احتسب كل اثنين منهم بواحد (2).
وقال ابن الجنيد: ولا يكون في العشرة مساكين مريض ولا صبي ولا كبير
يضعف عن الأكل، وإن كان أطعمه وزوده قدر ما يأكل الرجل الصحيح
جاز، وفي بعض الحديث يطعم صغيرين بكبير.
وقال ابن البراج: ولا يجوز أن يكون جميع العشرة صغارا، وقد ذكر أنه إذا
لم يجد إلا الصغار جعل كل اثنين منهم بواحد (3).
وقال الصدوق في المقنع: ولا يجوز إطعام الصغير في كفارة اليمين، ولكن
صغيرين بكبير (4).
وقال ابن حمزة: وإذا حضر الصبيان عد مكان كل واحد اثنين (5).
وقال الشيخ في الخلاف: يجوز صرف الكفارة إلى الصغار والكبار إذا
كانوا فقراء بلا خلاف، وعندنا أنه يجوز أن يطعمهم إياه ويعد صغيرين
بكبير (6).
وقال في المبسوط: يجوز صرف الكفارة إلى الصغير إذا كان فقيرا بلا
خلاف، إلا أن أصحابنا رووا أنه إن أطعم الصغار عد صغيرين بواحد
وخالفوا في ذلك (7).

(1) المقنعة: ص 568.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 64.
(3) المهذب: ج 2 ص 415.
(4) المقنع: ص 136.
(5) الوسيلة: ص 353.
(6) الخلاف: ج 4 ص 564 المسألة 68.
(7) المبسوط: ج 5 ص 178.
235

والأقرب أنه إن أطعمهم احتسب الصغيرين بواحد، وإن أعطاهم أعطى
كان صغيرين بما يعطى الكبير، وقد روى الشيخ عن يونس، عن أبي الحسن
- عليه السلام - قال: سألته عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين أيعطي
الصغار والكبار سواء والنساء والرجال أو يفضل الكبار على الصغار والرجال
على النساء؟ فقال: كلهم سواء ويتمم إذا لم يقدر من المسلمين وعيالاتهم تمام
العدة التي يلزمه أهل الضعف ممن لا ينصب (1).
ثم روى عن غياث، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا يجوز إطعام
الصغير في كفارة اليمين، ولكن صغيرين بكبير (2).
قال الشيخ: إنه لا ينافي الخبر الأول، لأنه إنما لا يجوز إطعام الصغير إذا
أفرد، فأما إذا كان مختلطا بالكبار فلا بأس بذلك (3).
لما رواه الحلبي في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - في قول الله عز وجل:
(من أوسط ما تطعمون أهليكم) قال: هو كما يكون أنه يكون في البيت من
يأكل أكثر من المد، ومنهم من يأكل أقل من المد، وإن شئت جعلت لهم أدما،
والأدم أدناه الملح وأوسطه الزيت وأرفعه اللحم (4).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: الكفارة لا تدفع إلى الصغير، لأنه لا يصح
منه القبض، لكن يدفع إلى وليه ليصرفها في مصالحه، مثل ما لو كان له دين لم

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 297 ح 1101، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الكفارات ح 3 ج 15
ص 570.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 297 ح 1100، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الكفارات ح 1 ج 15
ص 570.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 297 ذيل الحديث 1101.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 297 ح 1098، وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الكفارات ح 3 ج 15
ص 565.
236

يصح منه قبضه (1).
وقال في الخلاف: يجوز صرف الكفارة إلى الصغار والكبار إذا كانوا
فقراء بلا خلاف، وعندنا أنه يجوز أن يطعمهم إياه يعد صغيرين بكبير،
ووافقنا مالك في عد صغيرين بكبير، وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يصح أن
يقبضهم إياه بل يحتاج أن يعطي وليه ليصرفه في مؤنته. دليلنا: إجماع الفرقة،
وأيضا قوله تعالى: (فإطعام ستين مسكينا) ولم يشرط تقبيض الولي (2).
والمعتمد أن نقول: إن أطعمهم إياه جاز بدون إذن الولي وتقبيضه، وإن
دفعه إليهم لم يجز إلا بإذن الولي.
أما الأول: فلأن غاية فعل الولي الإطعام، وهو ثابت مع مباشرته، فيكون
قد امتثل المأمور به، وهو إطعام المساكين، فوجب أن يخرج عن عهدة
التكليف.
وأما الثاني: فلأن الصغير محجور عليه في أمواله، وقبضها والتصرف فيها إلا
بإذن الولي.
لا يقال: ينتقض بالإطعام حيث جوزتموه من غير إذن الولي وتقبيضه،
مع أنه تصرف ممن هو محجور عليه فلا يكون سائغا.
لأنا نقول: الحجر إنما يتناول أمواله المملوكة له، وإنما يملك الكفارة
بالإعطاء والتسليم، ولا تصح إلا مع إذن الولي وتقبيضه، فلا يصح أن يملك
بدون ذلك، والإطعام إنما يكون تمليكا إذا تجاوز الحلق أو الفم، فلا يصادف
التصرف هناك ملكا فكان سائغا ويخرج به عن العهدة، والواجب في التكفير
أحد الأمرين، إما التمليك أو الإطعام، ولا يتعين واحد منهما عينا.

(1) المبسوط: ج 5 ص 178.
(2) الخلاف: ج 4 ص 564 المسألة 68.
237

مسألة: قال الشيخ في المبسوط: الواجب في الإطعام في الكفارة من غالب
قوت البلد، وكذلك في زكاة الفطرة، وقال قوم: يجب مما يطعم أهله، وهو
قوي (1)، للظاهر، فإن أخرج من غالب قوت البلد وهو مما يجب فيه الزكاة
أجزأه، فإن أخرج فوقه فهو أفضل، وإن أخرج دونه فإن كان مما لا يجب فيه
الزكاة لم يجزئه، وإن كان مما يجب فيه الزكاة فعلى قولين، وإن كان قوت
البلد مما لا يجب فيه الزكاة فإن كان فيه غير الأقط لم يجزئه (2)، وإن كان أقطا
قيل: فيه قولان: أحدهما: يجزئه، والثاني: لا يجزئه، لأنه مما لا تجب فيه
الزكاة، والذي ورد نص أصحابنا به أن أفضله الخبز واللحم وأوسطه الخبز
والخل والزيت وأدونه الخبز والملح (3).
وقال في الخلاف: كل ما يسمى طعاما يجوز إخراجه في الكفارة، وروى
أصحابنا أن أفضله الخبز واللحم وأوسطه الخبز والزيت وأدونه الخبز والملح،
واستدل بإجماع الفرقة، وبقوله تعالى: (فإطعام ستين مسكينا) وكل ذلك
يسمى طعاما في اللغة، فوجب أن يجزئ بالحكم الظاهر (4).
وقال المفيد: وينبغي أن يطعم المسكين من أوسط ما يطعم أهله، وإن
أطعمه أعلى من ذلك كان أفضل، ولا يطعمه من أدون ما يأكل هو وأهله من
الأقوات (5).
وقال ابن حمزة: وفرضه غالب قوته، فإن أطعم خيرا منه فقد أحسن،

(1) في المصدر: وهو الأقوى.
(2) في المصدر: لم يجز.
(3) المبسوط: ج 5 ص 177.
(4) الخلاف: ج 4 ص 563 المسألة 66.
(5) المقنعة: ص 568.
238

وإن أطعم دونه جاز إذا كان مما تجب فيه الزكاة (1).
وقال ابن إدريس: ويجوز أن يخرج حبا ودقيقا وخبزا، وكل ما يسمى
طعاما إلا كفارة اليمين فإنه يجب عليه أن يخرج من الطعام الذي يطعم أهله،
لقوله تعالى: (من أوسط ما تطعمون أهليكم) فقيد تعالى ذلك وأطلق باقي
الكفارات، ولأن الأصل براءة الذمة (2).
والأقرب إيجاب الحنطة أو الدقيق أو الخبز، لقوله تعالى: (من أوسط ما
تطعمون أهليكم) (3).
وما رواه الحلبي في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - في كفارة اليمين
يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة أو مد من دقيق وحفنة أو
كسوتهم لكل إنسان ثوبان، أو عتق رقبة، وهو في ذلك بالخيار أي الثلاثة
صنع، فإن لم يقدر على واحد من الثلاثة فالصيام ثلاثة (4) أيام (5).
وفي رواية أبي جميلة عن الصادق - عليه السلام - قال: في كفارة اليمين عتق
رقبة، أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم، أو كسوتهم،
والوسط الخل والزيت وأرفعه اللحم والخبز، والصدقة مد مد من حنطة لكل
مسكين... الحديث (6).
مسألة: قال المفيد: أدنى ما يطعم كل واحد منهم مد من طعام، وهو

(1) الوسيلة: ص 353.
(2) السرائر: ج 3 ص 70.
(3) المائدة: 89.
(4) في التهذيب: فالصيام عليه ثلاثة.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 295 ح 1091، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الكفارات ح 1 ج 15
ص 560.
(6) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 296 ح 1097، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الكفارات ح 3 ج 15
ص 561.
239

رطلان وربع بما تيسر من الأدم، وأعلاه اللحم وأدناه الملح وأوسطه ما بين
ذلك من الأدم (1). وهذا يعطي وجوب الأدم، وكذا قال سلار (2).
والمعتمد الاستحباب.
لنا: أصالة البراءة.
وما رواه الحلبي في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - في كفارة اليمين
يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة أو مد من دقيق وحفنة، أو
كسوتهم لكل إنسان ثوبان، أو عتق رقبة (3). وغيره من الأخبار العرية عن
الأدم.
وقد روى أبو بصير في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن
أوسط ما تطعمون أهليكم؟ قال: ما تعولون (4) به عيالكم من أوسط ذلك،
قال: وما أوسط (5) ذلك؟ فقال: الخل والزيت والتمر والخبز تشبعهم به مرة
واحدة (6).
وفي حديث أبي جميلة، عن الصادق - عليه السلام - والوسط الخل والزيت
وأرفعه اللحم والخبز (7). وهما محمولان على الاستحباب جميعا بين الأدلة.

(1) المقنعة: ص 568.
(2) المراسم: ص 186.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 295 ح 1091، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الكفارات ح 1 ج 15
ص 560.
(4) في التهذيب: فقال: ما تقوتون.
(5) في التهذيب: قلت: وما أوسط.
(6) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 296 ح 1095، وسائل الشيعة، ب 14 من أبواب الكفارات ح 5 ج 15
ص 566.
(7) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 295 ح 1097، وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الكفارات ح 2 ج 15
ص 565.
240

مسألة: قال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية إن (1) من وطأ أمته
وهي حائض إن عليه أن يتصدق بثلاثة أمداد من طعام على ثلاثة (2)
مساكين، واستدل بعد الإجماع بأنا قد علمنا أن الصدقة بر وقربة وطاعة لله
تعالى، فهي داخلة تحت قوله تعالى: (وافعلوا الخير) وأمره بالطاعة مما لا
يحصى من الكتاب، فظاهر الأمر يقتضي الإيجاب في الشريعة، فينبغي أن
تكون هذه الصدقة واجبة بظاهر القرآن، وإنما يخرج بعض ما يتناوله هذه
الظواهر عن الوجوب، ويثبت له حكم الندب (3) بدليل قاد إلى ذلك، ولا
دليل هنا (4) يوجب العدول عن الظواهر (5).
والمعتمد الاستحباب: لأصالة براءة الذمة، وقد تقدم.
مسألة: قال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية القول: بأن من نام
عن صلاة العشاء الآخرة حتى يمضي النصف الأول من الليل وجب عليه أن
يقضيها إذا استيقظ، وإن يصبح صائما كفارة عن تفريطه، واستدل بعد الإجماع
بقوله تعالى: (وافعلوا الخير) (6).
وهذا تصريح منه بالوجوب، وعلماؤنا وإن قالوا: بأن من نام عن العشاء
حتى يتجاوز نصف الليل فكفارته أن يصبح صائما، لكن لم ينصوا على
الوجوب.
والوجه عندي الاستحباب، عملا بأصالة البراءة، والإجماع ممنوع على
الوجوب، والأمر لا دلالة فيه على هذا المعنى.
وقد روى الشيخ عن عبد الله بن المغيرة، عمن حدثه، عن الصادق - عليه

(1) في المصدر: بأن.
(2) في المصدر: على ثلاث.
(3) في المصدر: النذر.
(4) في المصدر: ها هنا.
(5) الإنتصار: ص 165.
(6) الإنتصار: ص 165.
241

السلام - في رجل نام عن العتمة ولم يقم إلا بعد انتصاف الليل، قال: يصليها
ويصبح صائما (1). والرواية مقطوعة السند، ولا تدل على الوجوب.
مسألة: يجوز عتق ولد الزنا في الكفارة، وهو المشهور بين علمائنا.
وقال السيد المرتضى - رحمه الله -: ومما يظن أن الإمامية انفردت به القول
بأن ولد الزنا لا يعتق في شئ من الكفارات. ثم احتج بعد إجماع الطائفة
بقوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وولد الزنا يطلق عليه هذا
الاسم، وقد رووا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أنه قال: لا خير في ولد
الزنا لا في لحمه ولا في دمه ولا في جلده ولا في عظمه ولا في شعره ولا في بشره
ولا في شئ منه، وإجزاؤه في الكفارة (2) وإسقاط الحكم به عن الجاني (3)
ضرب كثير من الخير، وقد نفاه الرسول - صلى الله عليه وآله - فإن تعلقوا بظاهر
قوله تعالى: (فتحرير رقبة) قلنا: نخص (4) ذلك بدليل كما خصصنا كلنا
أمثاله (5).
وقال ابن الجنيد: لا يجزئ عتق ولد الزنا قصدا، لقول الله عز وجل: (ولا
تيمموا الخبيث منه تنفقون).
وقال: الشيخ: إنه يجزئ إجماعا إلا الزهري والأوزاعي (6). وهو المعتمد.
لنا: الأصل الجواز.

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 323 ح 1200، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب المواقيت ح 8 ج 3
ص 157.
(2) في المصدر: الكفارات.
(3) في المصدر: على الجاني.
(4) في المصدر: تخصص.
(5) الإنتصار: ص 166.
(6) المبسوط: ج 5 ص 170.
242

ولأنه قد امتثل فيخرج عن العهدة.
وما رواه سعيد بن يسار، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا بأس بأن
يعتق ولد الزنا (1). وهو عام في الكفارة وغيرها، لأنها نكرة منفية، ونمنع دلالة
الآية على المتنازع.
مسألة: المشهور أنه يجزئ إعتاق ناقص الخلقة في الكفارة إذا لم يوجب
النقص العتق كالعمى والإقعاد.
وقال الصدوق في المقنع: يجزئ الأقطع والأشل والأعرج والأعور (2).
وقال الشيخ في الخلاف: الأعمى لا يجزئ بلا خلاف، والأعور يجزئ
بلا خلاف، والمقطوع اليدين والرجلين أو اليدين أو الرجلين أو يد واحدة
ورجل واحدة من خلاف عند الشافعي لا يجزئ، وعند أبي حنيفة يجزئ، وبه
نقول. دليلنا: قوله تعالى: (فتحرير رقبة) ولم يفصل (3).
وقال في المبسوط: وعندنا أن الأعمى لا يجزئ والأعور يجزئ كما قالوه،
فأما مقطوع اليدين والرجلين أو اليد والرجل من جانب واحد فإنه لا يجزئ
بلا خلاف، فأما إذا كان مقطوع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين أو يد ورجل
من خلاف فإنه لا يجزئ عند قوم، وعند قوم: يجزئ، وهو الأقوى، للآية. ثم
فصل العيوب ونقل مذهب المخالف (4).
ثم قال - عقيب ذلك -: والذي نقوله في هذا الباب: إن الآفات التي ينعتق
بها لا يجزئ معها مثل: الأعمى والمقعد والزمن ومن نكل به صاحبه، فأما من

(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 218 ح 780، وسائل الشيعة، ب 16 جواز عتق ولد الزنا وولده ح 1
ج 16 ص 19
(2) المقنع: ص 138، وليس فيه: (والأعرج).
(3) الخلاف: ج 4 ص 551 المسألة 44.
(4) المبسوط: ج 5 ص 169.
243

عدا هؤلاء فالظاهر أنه يجزئه، لتناول الظاهر لهم، وليس على جميع ما ذكروه
دليل مقطوع به (1).
وقال ابن الجنيد: ولا يجزئ عتق ولد الزنا قصدا، ولا الناقص في خلقته (2)
ببطلان الجارحة إذا لم يكن في البدن سواها كالخصي والأصم والأخرس،
وإن كان أشل من يد واحدة أو أقطع منها جاز.
والمعتمد ما قاله الشيخ في المبسوط من عدم إجزاء المعيب الذي يقع به
العتق، لتقدم العتق وحصوله قبل الإعتاق فيكون الإعتاق قد صادف حرا،
وإجزاء كل معيب لا يقع به العتق، للأصل، واندراجه تحت الأمر باعتاق
الرقبة.
وما رواه غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه - عليهما السلام -
قال: لا يجزئ الأعمى في الرقبة، ويجزئ ما كان منه مثل: الأقطع والأشل
والأعرج والأعور، ولا يجوز المقعد (3).
احتج بأن إطلاق الأمر يقتضي السليم.
والجواب: المنع.
مسألة: قال الشيخ في النهاية (4) والخلاف (5): عتق أم الولد جائز في
الكفارات، واستدل بأنه قد ثبت جواز بيعها عندنا فيثبت جواز عتقها، لأن
أحدا لم يفرق. وبه قال ابن الجنيد.

(1) المبسوط: ج 5 ص 170.
(2) في الطبعة الحجرية: ولا الناقص خلقة.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 319 ح 1186، وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الكفارات ح 2 ج 15
ص 578.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 64، وفيه: (جواز عتقها في الكفارة لأن أحدا).
(5) الخلاف ج 4 ص 554 المسألة 30، مع اختلاف.
244

وقال ابن البراج: ولا ينبغي للحانث أن يعتق أم ولده في الكفارة أيضا،
وقد ذكر جواز ذلك. والأحوط ما ذكرناه (1).
والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: أصالة الجواز، وحصول الامتثال فيخرج عن العهدة.
وما رواه السكوني، عن الصادق، عن الباقر، عن زين العابدين - عليهم السلام
- قال: أم الولد تجزئ في الظهار (2).
احتج بنقصان الرق، لمنع البيع.
والجواب: المنع من تأثير الوصف في المنع.
مسألة: المشهور أنه لا ولاء في العتق الواجب، كالنذر والكفارة
وقال ابن الجنيد: لو وجد غيره يعتق عنه إما بعوض أو بغير عوض متطوعا
بذلك أجزأه فيما وجب عليه من الكفارة، وإن كان بعوض كان ولاؤه له.
والمعتمد ما قلناه، وسيأتي.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: فرض العبد في الكفارات الصوم، سواء
كانت الكفارة مرتبة - مثل: كفارة الظهار والوطء والقتل - أو كانت مخيرة
- مثل: كفارة اليمين - لأن العبد لا يملك فهو غير واجد، فإن أراد أن يكفر بالمال
فإن كان بغير إذن السيد (3) لم يكن له، لأنه لا ملك له ولا إذن منه، وإن
ملكه سيده مالا فأراد التكفير بالمال بأن أراد بالإطعام والكسوة فعندنا أنه إن
أذن له فكفر عن نفسه أو كفر عنه سيده فإن يجزئه، وقال بعضهم: لا يجزئه في
الحالين، وهو قوي، لأنه وإن ملكه مولاه لا يملك عندنا، والأول أظهر في

(1) المهذب: ج 2 ص 415.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 319 ح 1185، وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الكفارات ح 1 ج 15
ص 578، وفيهما: (علي) بدل (زين العابدين).
(3) في المصدر: بالمال نظرت فإن كفر بغير إذن سيده.
245

رواياتنا. فأما المال الذي ملكه فلا زكاة على أحد فيه لا المولى ولا
المملوك (1). وهذا يدل على تردده.
وابن إدريس قال: فرضه الصوم (2)، وأطلق. ولم يذكر في باب الكفارات
حكم المأذون له في التكفير بغير الصوم، ولا من كفر عنه مولاه.
والمعتمد أنه إن أذن له مولاه أو كفر عنه أجزأه، لأنه كالمعسر، ولو فعل
ذلك الغير عنه بإذنه صح إجماعا، فكذا العبد، إذ لا مانع سوى عدم الوجدان،
وهو كما يصدق بالإعسار يصدق بالإرفاق.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط إذا ابتاع عبدا بشرط أن يعتقه صح البيع
والشرط، فإذا أعتقه عن الكفارة لم يجزه، لأنه إنما يجزئ عنها إذا وقع خالصا
عنها، وهذا العتق يقع مشتركا بين التكفير وبين الوفاء بالشرط (3). وفيه
نظر.
والأقرب الإجزاء، لأنا لا نوجب العتق بالشرط، بل إن وقع وإلا تخير
البائع بين فسخ البيع وإمضائه، وإذا لم يوجب العتق صار كغيره من العبيد، ولو
أوجبناه لم يقتض سوى وجوب العتق، وهو مستفاد من وجوب الكفارة فلا
منافاة.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كان العبد بين شريكين فأعتقه أحدهما
فإن كان موسرا نفذ عتقه (4) في نصيبه وقوم عليه نصيب شريكه وإعتاقه في
حقه، ومتى يحكم نفود العتق في نصيب شريكه قال قوم: يعتق بنفس اللفظ،
فعلى هذا إن أعسر (5) أو تلف ماله لم يبطل العتق في نصيب شريكه بل يكون
نافذا فيه، ويجب قيمته لنفسه (6) في ذمته إلى أن يجد المال. وقال قوم: إنه يعتق

(1) المبسوط: ج 6 ص 217.
(2) السرائر: ج 3 ص 74.
(3) المبسوط: ج 5 ص 160.
(4) في المصدر: فإن عتقه ينفد.
(5) في المصدر: إن كان معسرا.
(6) في المصدر: لنصيبه.
246

بشرطين: باللفظ ودفع القيمة، وقبل دفع القيمة يكون نصيب شريكه على
الرق، فعلى هذا إذا تعذر دفع المال من جهته إما بفلس أو تلف ماله أو غيبة أو
امتنع من الدفع مع القدرة عليه فإنه لا يعتق عليه نصيب شريكه إلى أن يوجد
منه الأداء ثم يعتق، وقال آخرون: أنه مراعى، فإن دفع القيمة تبينا أنه كان
عتق باللفظ، وإن لم يدفع تبينا أنه ما كان عتق. والقول الأول أقوى، فعلى هذا
قال قوم: ينفذ العتق في نصيبه باللفظ، وفي نصيب شريكه بالسراية، وهو
الصحيح، وقال قوم: ينفذ في جميعه باللفظ. فأما وقوعه عن الكفارة فإنه إن
كان موسرا ونوى عتقه عن الكفارة أجزأ (1) على الأقوال كلها. فأما النية فمن
قال: إنه يقع العتق باللفظ أو قال: يقع مراعى فيحتاج أن ينوي حال
الإعتاق، ومن قال: بشرطين فلا بد أن ينوي إعتاق نصيبه حال اللفظ ونصيب
شريكه قال بعضهم: هو بالخيار بين أن ينويه عند التلفظ بالعتق وبين أن
ينويه عند دفع القيمة، والأقوى أن ينويه عند التلفظ بالعتق. فأما المعسر فإن
عتقه يوجد في نصيبه ولا يسري إلى نصيب شريكه، لأنه ليس له مال يدفع إليه
حق صاحبه، فإن ملك بعد ذلك مالا وأيسر لم (2) ينفذ العتق فيه، لأن الرق قد
استقر فيه للشريك، فلا يجوز إزالته بعد استقراره، لكن إن ملكه وأعتقه ابتداء
جاز، فأما وقوع ذلك عن الكفارة فإنه إذا نوى إعتاق نصيبه عن كفارته أجزأ
ذلك القدر، فإن ملك باقي العبد وأعتقه أجزأه، لأن عتق الرقبة قد حصل وإن
كان متفرقا (3).
وقال ابن الجنيد: ولا يجزئ عندي أن يعتق الشقص، وإن كان مأخوذا
بأداء قيمة حق شريكه، لأن ذلك عتق بغير قصد منه، بل بالسنة عليه.

(1) في المصدر: أجزأه.
(2) في المصدر: لا.
(3) المبسوط: ج 5 ص 162 - 163.
247

والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: إنه امتثل الأمر بالإعتاق فيخرج عن العهدة.
واعلم أن الشيخ قال - بعد ذلك -: إذا ملك الرجل نصف عبدين وباقيهما
مملوك لغيره فأعتقهما عن كفارته فهل يجزئه قيل: لا يجزئه، لأنه يحتاج أن
يعتق عبدا كاملا، وقيل: يجزئه. والأول أصح (1).
فإن قصد بذلك عدم الإجزاء مطلقا باعتبار الشركة فهو ممنوع، وإن قصد
أنه لا بد له من دفع القيمة عن نصيب (2) أحدهما ليقع عن الكفارة فلا يجزئه
النصف من الآخر فهو حق، ولا منافاة حينئذ بين كلاميه.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا قال له: أعتق عبدك عن كفارتك على
أن علي عشرة دنانير فأعتقه (3) فلا فرق بين أن يقول: أعتقت عبدي عن
كفارتي على أن لي عليك عشرة أو يقول: أعتقته على أن عليك عشرة عن
كفارتي سواء في ذلك تقديم ذكر الكفارة وتقديم ذكر العوض فلا يجزئ ذلك
عن الكفارة، لأن العتق وقع مشتركا بين الكفارة والعوض الذي شرطه فلم يجز
عن الكفارة، فإذا لم يقع عن الكفارة فإنه يقع عن العوض الذي شرطه، لأنه
أوقعه عن أمرين، فإذا لم يقع عن أحدهما وقع عن الآخر، ويستحق عليه
العوض الذي شرط، ويقع العتق عن الباذل، ويكون ولاؤه له. ولو قال:
أعتق عبدك عن كفارتك على أن علي عشرة فأعتقه على ذلك وأخذ العشرة ثم
ردها إليه أو لم يأخذها لكن قال: أبرأتك منها فإن العتق لا يقع عن الكفارة،
لأنه حال ما أوقعه وقع مشتركا، فلم يصر بعد ذلك خالصا عن الكفارة برد
العوض، ويكون الحكم على ما قلناه. ولو قال: أعتق عبدك عن كفارتك على

(1) المبسوط: ج 5 ص 166.
(2) في المصدر: نصف.
(3) في المصدر: علي عشر فإذا أعتقه.
248

أن علي عشرة فقال: لست أختار العشرة وقد أعتقته عن كفارتي فيجزئه عن
الكفارة، لأنه لا يقبل العوض. ويتفرع على هذا مسألة أخرى وهي: أنه إذا
قال له: أعتق عبدك عن كفارتك على أن علي عشرة فقال: أعتقته ولم يقل:
عن كفارتي ولا قال: علي العشرة (1) فالظاهر أنه أوقعه على الأمرين معا، لأنه
خرج جوابا عن كلامه، وهو استدعاء منه العتق عن الكفارة على العوض،
فالظاهر أن الجواب انصرف إليه (2).
والوجه أن نقول: الحكم بعدم الإجزاء عن الكفارة مع وجوب العوض
حكمان متنافيان. بيانه: إن الجاعل إنما جعل له العوض في مقابلة العتق عن
الكفارة فإما أن يقع أو لا، فإن وقع نافى قوله، لعدم الوقوع، وإن لم يقع لم
يستحق العوض، لعدم الفعل الذي وقع الجعل له، وكما لا يستحق مع عدم
الإعتاق فكذا مع الإعتاق الذي لا يجزئ، وأيضا في صحة العتق لا عن
الكفارة نظر، لأن العتق لم يقصد إلا بهذا الوجه، فإذا لم يحصل وجب الحكم
بفساد الإيقاع وبقاء الرق في العبد، وأيضا إثبات الولاء للباذل مشكل، لأنه
- عليه السلام - جعل الولاء لمن أعتق (3)، والمعتق هنا المالك لا الباذل.
والتحقيق في هذه المسألة أن نقول: إن قصد بالإعتاق أخذ العوض كان
باطلا، لأنه لم يقع عن الكفارة، لعدم تخصيص الإرادة بهذا الوجه فلا يستحق
العوض، وغيره غير مراد فلا يقع، لانتفاء شرط العتق، وهو القصد.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: وها هنا مسألة تشبه هذه المسألة وهي: إن
الرجل إذا قدم إلى غيره طعاما وقال: كله فإذا أكله يأكله مملوكا، لكن متى
يملكه قيل: فيه ثلاثا أقوال: أحدهما: بالتناول، والثاني: بوضعه في فيه،

(1) في المصدر: إن عليك العشرة.
(2) المبسوط: ج 5 ص 163 - 164.
(3) سنن البيهقي: ج 10 ص 339.
249

والثالث: بالابتلاع، فمن قال: يملكه بالتناول جاز أن يلقم غيره، ومن قال بغير
ذلك لم يجز. والأقوى أن يقال ها هنا: يملكه بالتناول (1).
والوجه أنه إنما يملكه بالابتلاع، لأصالة بقاء ملك المالك قبله وعدم المزيل
عنه، ولأنه لو منعه قبل وضعه في فيه حرم عليه وضعه، وكذا لو منعه من
الابتلاع بعد وضعه فيه وكان ملكه باقيا، ويحتمل قويا عدم الملك هنا،
ويقال: إنه إباحة محضة من غير تمليك، كما لو أذن له في إتلافه فأتلفه.
مسألة: لو أفطرت الحامل أو المرضع في أثناء الشهر الأول قال الشيخ في
المبسوط: إن أفطرتا خوفا على أنفسهما فحكمهما حكم المريض بلا خلاف، وإن
أفطرتا خوفا على الولد منهم من قال: هو مثل المريض، ومنهم من قال: يقطع
التتابع على كل حال، وهو الذي يقوى في نفسي (2).
والوجه عندي خلاف ذلك، وأنه عذر لا يقطع التتابع.
لنا: إن فيه فقط نفس الغير، وهو واجب، فلا يوجب عقوبة الاستئناف،
وهو الذي اختاره الشيخ في الخلاف فقال: الحامل والمرضع إذا أفطرتا في
الشهر الأول فحكمهما حكم المريض بلا خلاف، وإن أفطرتا خوفا على
ولديهما (3) لم يقطع التتابع عندنا وجاز البناء. واستدل بأنه عذر أوجب الله
تعالى فيه الإفطار، وما يكون كذلك لا يوجب الاستئناف كالحيض
والمرض (4).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: ولو أكرهه الغير على الفطر بأن صب الماء في
حلقه أو وجر الطعام بغير اختياره لم يفطر بلا خلاف، وإن ضرب حتى أكل أو
شرب قال قوم: يفطر، وقال آخرون: لا يفطر، والأول أقوى. فمن قال: لا يفطر

(1) المبسوط: ج 5 ص 165.
(2) المبسوط: ج 5 ص 172.
(3) في المصدر: ولدهما.
(4) الخلاف: ج 4 ص 555 المسألة: 50.
250

لا يقطع التتابع، ومن قال: يفطر قطع التتابع، وهو الصحيح (1).
والمعتمد أنه لا ينقطع به التتابع وإن أفطر، لأنه من أقوى الأعذار.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: كفارة العبد الصوم، فإذا أراد الصوم فهل
لسيده منعه؟ نظر، فإن حلف وحنث بإذن سيده لم يكن له منعه منه، لأنه
صوم لزمه بإذنه، فكان كما لو أذن في النكاح فنكح كان له الإنفاق من كسبه
بغير إذنه، لأن سبب وجوبه عليه بإذنه، وإن كان الحلف بغير إذنه والحنث بإذنه
فكذلك أيضا، لأن التكفير بالحنث والوجوب عقيب الحنث، وإن كان العقد
والحنث معا بغير إذنه لم يكن له الصيام بغير إذنه، لأنه ألزم نفسه صوما بغير
إذنه، فهو كما لو نذر بغير إذنه (2). وأما إن كان العقد بإذنه والحنث بغير إذنه
قال قوم: له الصيام، لأن سبب الوجوب كان بإذنه، وقال آخرون: وهو
الصحيح عندنا أنه ليس له الصيام بغير إذنه، لأنه إذا أذن له في اليمين فقد منعه
من الحنث بها، وكل موضع قلنا: له منعه فإن خالف (3) وصام وقع موقعه،
ويقوى في نفسي أنه لا يقع موقعه، وكذلك نقول: إذا حج بغير إذنه لا يقع
موقعها، وإن كان الزمان معتدلا لا يضر به الصيام كزمان الشتاء، وما
جاوزه (4) فليس له منعه منه، لأنه لا ضرر على سيده فيه. قال قوم: وعلى هذا
لو صام العبد تطوعا في هذه الأوقات لم يكن لمولاه منعه، لأنه لا ضرر عليه،
وعموم أخبارنا يمنع منه (5).

(1) المبسوط: ج 5 ص 172.
(2) ليس في المصدر: فهو كما لو نذر بغير إذنه.
(3) في المصدر: قلنا: له منعه فإذا أراد أن يصوم في وقت يضعف فيه في بدنه وعمله وهو نهار الصيف
كان له منعه منه، فإن خالف.
(4) في المصدر: وما جاوره.
(5) المبسوط: ح 6 ص 217 - 218.
251

وقال ابن البراج: إذا وجب على العبد كفارة كان فرضه فيها الصوم، ولا
فرق في ذلك بين أن تكون الكفارة مخيرا فيها - مثل كفارة اليمين - أو مرتبة - مثل
كفارة (1) الظهار والقتل - فإذا أراد العبد الصوم وكان قد حلف وحنث بإذن
سيده وأراد سيده منعه من ذلك لم يجز له منعه، لأنه صوم لزمه بإذنه، وإن كان
الحلف والحنث بإذنه فليس له أيضا منعه منه، وكذلك لو كان الحلف بإذن
سيده والحنث بغير إذنه، وإذا لزمه الصوم - على ما ذكرنا - وأراده في وقت
يضعف فيه بدنه منه كان لسيده منعه منه، وإذا لم يكن كذلك لم يجز (2) له
منعه منه (3).
والمعتمد أن نقول: إذا حلف بإذن سيده وحنث وجب عليه الكفارة، سواء
حنث بإذن سيده أو بغير اذنه، لأنه اذن له في سبب الكفارة فيكون اذنا فيها
تقديرا، وإن حلف بغير إذن سيده لم يكن له أن يكفر بغير إذن سيده، سواء
حنث بإذنه أو لا، لأنه لا يمين للعبد مع المولى، فإذا حلف بغير إذن مولاه كان
للمولى منعه منها فلا كفارة، لأنه فعل سائغ لا يوجب عقوبة التكفير.

(1) في المصدر: مثل كفارة اليمين وبين أن تكون مرتبة مثل كفارة.
(2) في المصدر: لم يكن.
(3) المهذب: ج 2 ص 416.
252

كتاب الصيد وتوابعه
253

كتاب الصيد وتوابعه
وفيه فصول:
الأول
في أحكام الصيد
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا عض الكلب الصيد لم ينجس به، ولا
يجب غسله. واستدل بقوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن) ولم يأمر بغسله،
والأخبار كلها دالة على ذلك، لأنه لم يأمر فيها بغسل الموضع (1).
وقال في المبسوط: فإن اصطاد بالكلب صيدا فعضه الكلب وجرح موضعا
منه كان موضع العضة نجسا، وقال قوم: لا يجب غسله، لقوله تعالى: (فكلوا
مما أمسكن عليكم) ولم يأمر بالغسل، وقال قوم: يجب غسله، لأنه نجسه.
والأول أقوى، والثاني أحوط (2).
وقال ابن إدريس: موضع العضة نجس، لأن سؤر الكلب ولعابه نجس، وما
ماسه نجس، بغير خلاف منا. وأما قوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم) ولم
يأمر بالغسل مرجوع عن ظاهره بالإجماع المقدم ذكره (3).
والمعتمد قول ابن إدريس.

(1) الخلاف: ج 6 ص 12 المسألة 8.
(2) المبسوط: ج 6 ص 259.
(3) السرائر: ج 3 ص 84.
255

لنا: أن الكلب نجس قد لاقي الصيد برطوبة فتعدت نجاسته إليه كغيره،
وعدم الأمر بالغسل لا ينافي وجوبه بدليل خارجي.
وقول ابن إدريس في الجواب إنه (مرجوع عن ظاهره) ليس بجيد.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا قطع الصيد بنصفين حل أكل الكل
بلا خلاف، وإن كان الذي مع الرأس أكبر حل الذي مع الرأس دون الباقي،
للاحتياط، فإن أكل ما مع الرأس مجمع على إباحته، وما قالوه ليس عليه
دليل (1).
وقال في المبسوط: إذا رمى صيدا فقطعه بنصفين فيه مسائل: الأولى: إن
قطعه باثنين نصفين حل أكل الكل بلا خلاف، وإن كان الذي مع الرأس
أكبر حل أكل الكل عند قوم، وقال بعضهم: حل ما مع الرأس دون ما عداه،
وهو مذهبنا. الثانية: عقره ولم يبن منه شيئا فمات قبل أن يدركه حل أكله.
الثالثة: أبان بعضه وكان الباقي على الامتناع فرماه ثانيا فقتله حل أكله،
دون ما أبان منه كالأول. الرابعة: أبان بعضه فأدركه وفيه حياة مستقرة فذكاه
أو تركه حتى مات لم يحل أكل ما أبان منه. الخامسة: عقره فأثبته وقد أبان
بعضه ثم رماه فقتله لم يحل أكل ما أبان منه، لأن الذي مع الرأس غير ممتنع فلا
يكون عقره ذكاته، والبائن بذلك العقر لما لم يحل به ما بقي مع الرأس فكذلك
ما بقي (2). وقال في النهاية: فإن قده بنصفين ولم يتحرك واحد منهما جاز له أكلهما إذا
خرج منه الدم، فإن تحرك أحد النصفين ولم يتحرك الآخرة أكل الذي تحرك

(1) الخلاف: ج 6 ص 18 المسألة 17.
(2) المبسوط: ج 6 ص 261،
256

ورمى بما لم يتحرك (1).
وقال ابن البراج: وكذلك - أي الحلال - إن ضربه فقطعه بنصفين وتحرك
كل واحد منهما وخرج منه دم، فإن تحرك أحدهما وخرج منه دم دون الآخر
فالمتحرك هو الحلال دون الذي لم يتحرك ولم يخرج منه دم. ثم عد في المحرم
كل صيد ضرب بسيف وانقطع نصفين ولم يتحرك واحد منهما ولا خرج منه
دم، فإن تحرك أحدهما فقد تقدم ذكره، وكل ما قطع من الصيد وهو حي (2).
وقال ابن حمزة: وإن قطعه بنصفين وكانا سواء وخرج منهما الدم حل، وإن
لم يخرج حرم (3)، وإن كان أحد الشقين أكبر ومعه الرأس حل ذلك الشق،
وإن تحرك أحدهما حل المتحرك، وإن أبان بعضه حرم ذلك البعض (4).
وقال ابن إدريس: إذا قطع الصيد بنصفين وخرج منهما الدم حل أكل
الكل بلا خلاف، وإن كان الذي مع الرأس أكبر حل الذي مع الرأس دون
الباقي، وإن كان الذي مع الوركين أكبر حل الجميع أيضا، هكذا ذكره شيخنا
أبو جعفر في مسائل خلافه ومبسوطه، وهو قول بعض المخالفين. والذي ينبغي
تحصيله في ذلك أن الجميع يحل، سواء كان الذي مع الرأس أكثر أو أقل إذا لم
يكن قد بقي مع الذي مع الرأس حياة مستقرة، لأنهما جميعا مذبوحان ميتان
مقتولان، فأما إذا كان الذي مع الرأس فيه حياة مستقرة فلا يجوز أكل الباقي،
لأنه أبين من حي فهو ميتة، لأن كل ما أبين من حي وقطع منه والحي على
حياته فهو ميتة، فأما إذا لم يقطع من حي بل كلاهما غير حي بل صيد مقتول

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 88.
(2) المهذب: ج 2 ص 436 و 437.
(3) في الطبعة الحجرية: وإن لم يخرج دم حرم.
(4) الوسيلة: 357.
257

فلا يحرمان (1).
والمعتمد أن نقول: إن مات الصيد بهذا الفعل حل أكله، سواء خرج الدم
أو لا، وسواء كان الأكبر مع الرأس أو لا، وسواء تحركا أو لا.
لنا: أنه مقتول بالسهم فكان حلالا، كما لو لم يبن منه بعضه.
وما رواه الحلبي في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
الصيد يضربه الرجل بالسيف أو يطعنه برمح أو يرميه بسهم فيقتله وقد سمى
حين فعل ذلك: قال: كل لا بأس به (2). وهو عام فيما أبين بعضه أو لا.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط (3) والخلاف (4): لا تحل التذكية بالسن ولا
بالظفر، سواء كان منفصلا أو متصلا بلا خلاف، فإن خالف وذبح (5) لم يحل
أكله، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط، وأطلق القول.
وقال ابن الجنيد: ولا ذكاة إلا بالحديد إذا أمكن، فإذا لم يقدر على الحديد
أجزأه إذا فري الأوداج وقطع الحلقوم أو أنهر الدم من لبة البعير، ولو فعل ذلك
بالحجر والمروة والقصب والعود ونحو ذلك مما ليس من الحيوان كالسن والعظم
والظفر والقرن.
وقال ابن إدريس: الذي ينبغي تحصيله جواز ذلك في حال الاضطرار، أما
حال الاختيار فالحق ما ذهب إليه شيخنا، لأنه لا خلاف بيننا أنه يجوز

(1) السرائر: ج 3 ص 85 - 86، وفيه: (أكثر) بدل ((أكبر).
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 33 ح 133، وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الصيد والذباحة ح 3 ج 16
ص 228.
(3) المبسوط: ج 6 ص 263.
(4) الخلاف: ج 6 ص 22 المسألة 22.
(5) في المصدر: وذبح به.
258

الذباحة في حال الاضطرار، وعند تعذر الحديد بكل شئ يفري الأوداج، سواء
كان ذلك عظما أو حجرا أو عودا أو غير ذلك، وإنما بعض المخالفين يذهب إلى
أن ذلك لا يجوز الذبح بالسن والظفر في حال الاضطرار والاختيار. واستدل
بخبر رواه المخالف من طريقهم، وما رواه أحد من أصحابنا، فليلحظ ذلك، ولا
يظن أنه قولنا (1).
وهذا الذي ذكره ابن إدريس هو مذهب شيخنا - رحمه الله - وإنما أطلق في
الكتابين المنع بناء على الغالب، وهو الاختيار.
وقد نص في التهذيب على التفصيل الذي ذكره ابن إدريس، حيث روى
في الحسن عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - سألته عن ذبيحة العود
والحجر والقصبة، فقال - عليه السلام -: لا يصلح إلا الحديد (2).
وفي الحسن عن محمد بن مسلم، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن
الذبيحة بالليطة، فقال: لا ذكاة إلا بحديدة (3).
ثم قال الشيخ: فأما حال الضرورة فقد روي جواز ذلك (4).
ثم روى في الصحيح عن زيد الشحام، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة؟ فقال: إذبح بالحجر
وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تصب الحديد إذا قطع الحلقوم وخرج الدم

(1) السرائر: ج 3 ص 86 مع اختلاف.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 51 ح 212، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الصيد والذباحة ح 2 ج 16
ص 253.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 51 ح 211، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 16
ص 252.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 51 ذيل الحديث 212.
259

فلا بأس (1).
وفي الحسن عن عبد الرحمان بن الحجاج، عن الكاظم - عليه السلام - قال:
سألته عن المروة والقصبة والعود يذبح بها (2) إذا لم يجدوا (3) سكينا؟ قال: إذا
فري الأوداج فلا بأس بذلك (4).
وإذا كان الشيخ قد فصل ذلك كان ما نسبه ابن إدريس من الإفتاء
بمذهب المخالفين جهلا محضا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: صيد السمك أخذه وإخراجه من الماء حيا
على أي وجه كان سواء كان من أخرجه مسلما أو كافرا من أي أجناس
الكفار كان إلا أن ما يصيده غير المسلم لا يجوز أكله، إلا إذا شوهد إخراجه
من الماء حيا ولا يوثق بقوله في ذلك (5). وكذا قال في المبسوط (6). وروى
الشيخ في الاستبصار أحاديث صحيحة تدل على ذلك:
منها: في الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
صيد الحيتان وإن لم يسم، فقال: لا بأس، وسألته عن صيد المجوس للسمك
أيحل أكله (7)؟ فقال: ما كنت آكلة حتى انظر إليه (8).

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 51 ح 213، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الصيد والذباحة ح 3 ج 16
ص 254.
(2) في المصدر: بهن.
(3) في الوسائل: لم يجد.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 52 ح 214، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 16
ص 253.
(5) النهاية ونكتها: ح 3 ص 82 - 83، مع اختلاف.
(6) المبسوط: ج 6 ص 276.
(7) في الإستبصار: السمك آكلة، في الوسائل: للسمك فقال.
(8) الإستبصار: ج 4 ص 62 ح 219، وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 16
ص 298.
260

ثم روى الشيخ في الحسن عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - أنه سئل
عن صيد المجوس حين يضربون بالشبك (1) ويسمون بالشرك، فقال: لا بأس
بصيدهم، إنما صيد الحيتان أخذه (2) (3)، ثم روى أحاديث، (4) كذلك.
وقال: والوجه في هذه الأخبار أن نحملها على أنه لا بأس بصيد المجوس إذا
أخذه الإنسان منهم حيا قبل أن يموت ولا يقبل قولهم في إخراج السمك من
الماء حيا، لأنهم لا يؤمنون على ذلك (5).
لما روى عيسى بن عبد الله، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
صيد المجوس، فقال: لا بأس إذا أعطوكاه (6) أحياء والسمك أيضا، وإلا فلا تجز
شهادتهم إلا أن تشهده (7) (8).
فتوهم ابن إدريس التنافي بين كلامي الشيخ، أعني: الجمع الذي جمع بين
الأحاديث به وكلامه في النهاية والمبسوط، وتوهم أنه شرط الأخذ منهم حيا
دون الاكتفاء بالمشاهدة (9)، وليس كذلك، ثم طول بما لا فائدة فيه.

(1) في الإستبصار: حين يضربون، بالسباك، في الوسائل: حين يضربون عليها بالسباك.
(2) في الإستبصار: صيد الحيتان أخذه.
(3) الإستبصار: ج 4 ص 63 ح 223، وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الصيد والذباحة ج 16
ص 299.
(4) الإستبصار: ج 4 ح 224 و 225 و 226، وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الصيد والذباحة ج 16
ص 298.
(5) الإستبصار: ج 4 ص 64 ذيل ح 228.
(6) في المصدر: أعطوكه.
(7) في المصدر: إلا أن تشهده أنت.
(8) الإستبصار: ج 4 ص 64 ح 229، وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الصيد والذباحة ح 3 ج 16
ص 298.
(9) السرائر: ج 3 ص 88.
261

وليس مقصود الشيخ هنا اشتراط الأخذ منهم، بل ذكر ذلك على سبيل
الأغلب، وإنما المذهب معروف، وهو الذي ذكره في النهاية والمبسوط.
مسألة: المشهور عند علمائنا إباحة ما يصيده الكفار من السمك إذا شوهد
حيا في أيديهم ويموت في غير الماء.
وقال السيد ابن زهرة: وذكاة السمك والجراد صيد المسلم لهما فقط، ومن
أصحابنا من قال: يجوز صيد الكافر لهما، لأنه ليس من شرط ذلك التسمية
وإن كانت أولى، إلا أنه لا يحل أكل شئ من ذلك إذا لم يشاهد المسلم أخذ
الكافر له حيا. والقول الأول أحوط (1).
وقال ابن إدريس: فأما من تمسك وذهب إلى تحريم أكل السمك والجراد
إذا صادهما الذمي والمسلم غير المحق يعول على أن صيدهما هي ذكاتهما، وإن
العذر قد انقطع بأن غير المحق لا ذكاة له ولا تؤكل ذبيحته. فأقول: إن أخذ
السمك وإخراجه من الماء حيا ليس بذكاة على الحقيقة، وإنما أجرى مجرى
الذكاة في الحكم لا في وقوع الاسم، وإذا وقع التحريم بتذكية غير المحق وأنه لا
ذكاة له وإنما يدخل في ذلك ما يكون حقيقة من الذبح وفري الأوداج وما
لا يكون حقيقة ويسمى بهذه التسمية جاز ألا يدخل في الظاهر إلا بدليل، فعلى
من ادعى دخول صيد غير المحق السمك والجراد تحت تحريم ذكاة المبطل
الدليل. وأيضا لو كان صيد السمك ذكاة حقيقة لما قال الرسول - صلى الله
عليه وآله - لما سئل عن ماء البحر، فقال: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) فأحل
ميتته، فلو كان صيده ذكاة حقيقة لما أطلق عليه اسم الميتة، لأن الحيوان
المذكى لا يسمى ميتة في عرف الشرع. ولما قال أمير المؤمنين - عليه السلام -

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 556 س 22.
262

عند سؤال السائل له عن دم السمك فقال: لا بأس بدم ما لم يذك. ولأن إجماع
أصحابنا على تحريم أربعة عشر شيئا من الشاة المذكاة، وعلى أن السمك لا يحرم
منه شئ، فلو كان صيده ذكاة حقيقة لحرم منه ما حرم من الشاة المذكاة
ذكاة حقيقة، وأحد لا يقول به (1).
وهذا كله تطويل من ابن إدريس لا حاجة له إليه، مع أنه غير ناهض له
بما يريده، لمنع عدم إطلاق التذكية عليه حقيقة أولا. سلمنا، لكن نمنع أن
المراد هنا الحقيقة لا غير، وتحريم الأشياء المعدودة في الشاة لا باعتبار التسمية في
الذكاة حتى يلحق بها كل ما يذكى من السمك والجراد وغيرهما، ولو أنه عول
في الرد على إجماع أصحابنا فإن أحدا ممن سبق لم يمنع من أكل السمك الذي
صاده الكافر إذا شاهده حيا في يده ومات في غير الماء، وبالأخبار الدالة على
ذلك كان أولى.
وشيخنا المفيد - رحمه الله - وإن قال في المقنعة: (إنه لا يؤكل ما صاده
المجوس وأصناف الكفار) (2) فالظاهر أنه يريد ما قلناه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا نصب الإنسان شبكة في الماء يوما وليلة
وما زاد على ذلك ثم قلعها وقد اجتمع فيها سمك كثير جاز له أكل جميعه وإن
كان يغلب على ظنه أن بعضه مات في الماء، لأنه لا طريق له إلى تمييزه من
غيره، فإن كان له طريق إلى تمييز ما مات في الماء مما لم يمت فيه لم يجز له أكل
ما مات فيه، وكذلك ما يصاد في الحظائر ويجتمع فيه جاز أكل جميعه مع فقد
الطريق إلى تمييز الميت من الحي (3). وتبعه ابن البراج (4).

(1) السرائر: ج 3 ص 89 - 90.
(2) المقنعة: 577.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 83 - 84.
(4) المهذب: ج 2 ص 438.
263

وقال ابن أبي عقيل: ولو أن رجلا عمل حظيرة قصب في الماء ليصاد (1)
بها السمك فدخلها السمك فمات فيها أو جزر عنها الماء فبقي فيها فمات كان
حلالا أكله، لأن هكذا يكون صيد السمك، وكذلك ما أشبه الحظيرة إذا عمل
ليصاد (2) به السمك.
وقال ابن حمزة (3)، وابن إدريس (4) - ونعم ما قالا -: أنه يحرم الجميع.
لنا: أنه مات في الماء فكان حراما.
وما رواه عبد المؤمن قال: أمرت رجلا يسأل لي أبا عبد الله - عليه السلام -
عن رجل صاد سمكا وهن أحياء ثم أخرجهن بعد ما مات بعضهن، فقال: ما
مات فلا تأكله، فإنه مات فيما فيه حياته (5).
احتج الشيخ بما رواه محمد بن مسلم في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام -
في رجل نصب شبكة في الماء ثم رجع إلى بيته فتركها منصوبة فأتاها بعد ذلك
وقد وقع فيها سمك فيمتن، فقال: ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها (6).
وفي الصحيح عن الحلبي قال: سألته عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء
للحيتان فيدخل فيها الحيتان فيموت فيها بعضها (7)، فقال: لا بأس به، إن تلك

(1) ق 2 و م 3: ليصطاد.
(2) ق 2 و م 3: ليصطاد.
(3) الوسيلة: ص 355.
(4) السرائر: ج 3 ص 90.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ح 12 ح 44، وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 16
ص 303.
(6) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 11 ح 42، وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الصيد والذباحة ح 2 ج 16
ص 303.
(7) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 12 ح 43، وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الصيد والذباحة ح 3 ج 16
ص 303.
264

الحظيرة أنها جعلت ليصاد فيها (1) (2).
وما رواه مسعدة بن صدقة، عن الصادق - عليه السلام - قال: سمعت أبي
- عليه السلام - يقول: إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة فما أصاب فيها من
حي أو ميت فهو (3) حلال ما خلا ما ليس له قشر، ولا يؤكل الطافي من
السمك (4).
والجواب: لا دلالة في الأحاديث المذكورة على أنه مات في الماء فجاز أن
يموت في الشبكة أو الحظيرة بعد خروجه من الماء حيا، أو يحمل على ما إذا مات
ولم يعلم ولا ظن موته بل شاهد الأكثر حيا ولم يتمكن من مشاهدة الباقي، فإنه
يكون حلالا، بناء على استصحاب الحياة وأصالة البقاء والإباحة، ولهذا حكم
- عليه السلام - بأن ما يميز فيه الميت يكون حراما.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا أخذ الكلب المعلم صيدا فأدركه صاحبه
حيا وجب أن يذكيه، فإن لم يكن معه ما يذكيه فليتركه حتى يقتله ثم ليأكل
إن شاء (5)، ونحوه قال ابن الجنيد والصدوق (6).
وقال ابن إدريس: الأولى عندي أنه يجب عليه أن يذكيه، فإن لم يكن معه
ما يذكيه فلا يحل أكله إذا قتله الكلب بعد ذلك (7).
وقال ابن حمزة: إن صاده الكلب وأدركه صاحبه لم يخل: إما أدركه وفيه

(1) في المصدر: فيموت بعضها فيها. وفي المصدر: جعلت ليصاد بها.
(2) في المصدر: فيموت بعضها فيها. وفي المصدر: جعلت ليصاد بها.
(3) في المصدر: فهي.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 12 ح 45، وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الصيد والذباحة ح 4 ج 16
ص 303.
(5) النهاية ونكتها: ص 86 - 87.
(6) المقنع: ص 138.
(7) السرائر: ج 3 ص 93.
265

حياة مستقرة، أو غير مستقرة، أو أدركه ممتنعا. فالأول: إن اتسع الزمان لذبحه لم
تحل إلا بعد الذكاة، ويعرف ذلك بأن يحرك ذنبه أو تركض رجله أو تطرف
عينه، وإن لم يتسع الزمان لذبحه حل من غير ذكاة. والثاني: لم يحتج إلى
الذكاة، والذكاة أفضل. والثالث: إن أخذه ذبحه، وإن هرب عدوا وأخذ يعدو
خلفه فإن وقف وفيه حياة مستقرة أو غير مستقرة فحكمه حكم ما ذكرناه (1).
احتج ابن إدريس: بأنه غير ممتنع (2) حينئذ، فلا يحل بغير التذكية، كالشاة
إذا لم يكن مع الإنسان ما يذكيها، فإنها لا تحل بقتل الكلب المعلم لها إجماعا،
لأنها ليست صيدا، وهذا مثله.
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: قوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم) (3) وهو عام في المتنازع.
وما رواه جميل بن دراج في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكين
فيذكيه بها أيدعه حتى يقتله ويأكل منه؟ قال: لا بأس، قال الله عز وجل:
(فكلوا مما أمسكن عليكم) ولا ينبغي أن يؤكل مما قتل الفهد (4).
والجواب: عما ذكره المنع من مساواة الصيد الشاة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: صيد الكلب إذا غاب عن العين ثم وجد
مقتولا لا يجوز أكله (5).

(1) الوسيلة: ص 356.
(2) السرائر: ج 3 ص 93.
(3) المائدة: 4.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 23 - 24 ح 93، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الصيد والذباحة ح 1
ج 16 ص 218 - 219.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 87.
266

وقال ابن إدريس: الذي تقتضيه الأدلة أن يقال: هذا يكون إذا عقره عقرا
لم يصيره في حكم المذبوح، فأما إذا عقره عقرا صيره في حكم المذبوح، فإن
أخرج حشوته أو فلق قلبه أو قطع الحلقوم والمرئ والودجين ثم غاب عن العين
بعد ذلك فإنه يحل أكله، وإلى هذا التحرير والتفصيل كان يذهب - رحمه الله -
في مسائل خلافه (1). وهذه المؤاخذة ليست جيدة، لأن قصد الشيخ - رحمه الله -
في النهاية ما ذكره في الخلاف، لظهوره.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإن أصاب الصيد سهم فتدهده من جبل أو
وقع في الماء ثم مات لم يجز أكله، لأنه لا يأمن أن يكون قد مات في الماء أو من
وقوعه من الجبل (2).
وقال ابن إدريس: إن صيره السهم في حكم المذبوح بأن قطع الحلقوم
والمرئ والودجين أو جميع الرقبة ما خلا الجلد أو أبان السهم حشوته وما أشبه
ذلك فلا بأس بأكله (3). وهذا أيضا غير مناف لما قصده الشيخ في النهاية، لأنه
مراده.
وقد نبه شيخنا على ذلك في المبسوط فقال: إذا رمى طائرا فجرحه فسقط
على الأرض فوجد ميتا حل أكله، سواء مات قبل أن يسقط أو بعد ما سقط (4)،
وقال بعضهم: إذا مات بعد ما سقط لم يحل أكله، لأن سقوطه على الأرض قبل
موته فقد أعانت السقطة على قتله فقد مات عن مبيح (5) وحاظر فغلبنا حكم
الحظر، كما لو سقط في الماء، وهذا أليق بمذهبنا. فأما إن سقط عن الإصابة في
ماء أو تردى من جبل أو وقع على شجرة فتردى منها إلى الأرض لم يحل أكله،

(1) السرائر: ج 3 ص 93.
(2) النهاية: ونكتها: ج 3 ص 88.
(3) السرائر: ج 3 ص 94.
(4) في المصدر: أو بعد ما يسقط.
(5) في المصدر: من مبيح.
267

لقوله تعالى: (والمنخنقة والموقوذة والمتردية) هذا إذا كان الجرح غير موح،
فأما إن كان الجرح قاتلا موحيا مثل: إن وقع السلاح في حلقه فذبحه أو في قلبه
أو في كبده فقتله حل أكله بكل حال، لأنه صار مذكى، فلا يقدح فيه ما وراء
ذلك، كما لو ذبح شاة ثم وقعت في الماء فماتت فإنه يحل أكلها (1). وهذا
تصريح (2) بما قلناه.
وابن الجنيد أيضا نبه على ذلك فقال: إذا جرح الصائد الصيد بسهم أو
غيره واليقين (3) أو الأغلب بأنه لا بقاء له بعد ما أصابه وكان قد سمى الله
عز وجل عند فعله ذلك فتحامل الصيد إلى أن يغيب عن صاحبه ثم وجده
الصائد ميتا ولا أثر عليه من حال يتلف مثلها غير فعله ووجده غير مأكول منه
آكل سبع ولا في وهدة حل له أكله. فظهر أن هذا التفصيل متعارف بينهم،
فإطلاق الشيخ في النهاية يحمل عليه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا طعن الصيد برمح أو ضربه بسيف فقتله
ويكون قد سمى جاز له أكله، فإن قده بنصفين ولم يتحرك واحد منهما جاز له
أكلهما إذا خرج منهما الدم، وإن تحرك أحد النصفين ولم يتحرك الآخر أكل
الذي تحرك ورمى بما لم يتحرك (4).
وتبعه ابن البراج فعده في المحلل فقال: وكذلك إن ضربه فقطعه بنصفين
ويتحرك كل واحد منهما وخرج منه دم فإن تحرك أحدهما وخرج منه دم دون
الآخر فالمتحرك هو الحلال أكله دون الذي لم يتحرك ولم يخرج منه دم (5).

(1) المبسوط: ج 6 ص 272 - 273.
(2) ق 2: صريح.
(3) ق 2: والمتيقن.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 88.
(5) المهذب: ج 2 ص 436.
268

وقال في الخلاف: إذا قطع الصيد بنصفين حل أكل الكل بلا خلاف،
وإن كان الذي مع الرأس أكبر أكل (1) الذي مع الرأس دون الباقي، وبه قال
أبو حنيفة، وقال الشافعي: يحل الجميع. دليلنا: طريقة الاحتياط، فإن أكل ما
مع الرأس مجمع على إباحته، وما قالوه ليس عليه دليل، وأيضا روي عن ابن
عمر أن النبي - صلى الله عليه وآله - قال: (ما أبين من حي فهو ميت) وهذا
الأقل أبين من حي (2) فيجب كونه ميتا، وهذا أيضا رواه أصحابنا لا يختلفون
فيه (3).
وقال ابن حمزة: فإن قتله بحدة (4) لم يخل: إما قطعه نصفين أو لم يقطعه، فإن
قطعه نصفين وكانا سواء وخرج منهما الدم حل، وإن لم يخرج حرم، وإن كان
أحد الشقين أكبر ومعه الرأس حل ذلك الشق، وإن تحرك أحدهما حل
المتحرك، وإن أبان بعضه حرم ذلك البعض، فإن كان الباقي ممتنعا ورماه ثانيا
فقتله حل، وإن كان غير ممتنع وأدركه وفيه حياة مستقرة فذبحه أو تركه إذا لم
يتسع الزمان لذبحه حتى يبرد (5) أو كان فيه حياة غير مستقرة (6) وتركه حل من
غير ذكاة (7).
وقال ابن إدريس: إذا سأل الدم منهما أكلهما جميعا ما يتحرك وما لم
يتحرك، والاعتبار (8) بما مع الرأس إذا لم يكن فيه حياة مستقرة، فإذا كان
كذلك حل الجميع، وإن كان الذي مع الرأس فيه حياة مستقرة فلا يؤكل ما
عداه مما أبين منه، لأنه أبين من حي، وما أبين من حي فهو ميتة. فأما إذا لم

(1) في المصدر: حل.
(2) في المصدر: وهذا القليل البين من حي.
(3) الخلاف: ج 6 ص 18 المسألة 17.
(4) في المصدر: بالحدة.
(5) في المصدر: برد.
(6) في المصدر: حياة مستقرة.
(7) الوسيلة: ص 357.
(8) ق 2 والطبعة الحجرية: ولا اعتبار.
269

يكن فيه حياة مستقرة فما هو مما أبين من حي فيؤكل الجميع، وشيخنا استدل
على تحريمه بأنه أبين من حي، ولم يفصل ما فصلناه ولا حرر ما حررناه (1). وهذا
هو المعتمد عندي.
لنا: إن مع وجود الحياة المستقرة يكون المقطوع ميتة، لأنه أبين من حي،
ومع فقد الحياة يكون مصيدا وقد قتل بالصيد، فلو لم يقطع كان حلالا، فمع
القطع لا يزول الحكم عنه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا وجد الصيد جماعة فتناهبوه وتوزعوه قطعة
قطعة جاز أكله (2).
وفصل ابن إدريس جيدا فقال: يجوز أكله بشرط أنهم جميعا صيروه في
حكم المذبوح أو أولهم، فإن كان الأول منهم لم يصيره في حكم المذبوح بل
أدرك وفيه حياة مستقرة يعيش اليوم واليومين ولم يذكوه في موضع ذكاته
الشرعية بل تناهبوه وتوزعوه من قبل ذكاته فلا يجوز لهم أكله، لأنه صار مقدورا
على ذكاته ولم يصر في حكم الصيد الذي لا يعتبر في قتله، وتحليله موضع
ذكاته، لأنه غير مقدور عليه، فيذكى في أي موضع كان من جسده (3).
مسألة: عد ابن البراج في أقسام المكروه: الصيد الذي لم يسم الصائد له عند
أخذه والإرسال عليه ناسيا مع اعتقاده وجوب التسمية، وكل صيد أكل منه
كلب معلم ولم يكن معتادا لأكل الصيد، وكل جراد لم يسم الصائد له عند
أخذه، وكل سمك أخذ مجتمعا في شبكة أو حظيرة أو ما جرى مجرى ذلك
وغلب في الظن موت بعضه في الماء ولم يتميز الميت منه في الماء مما لم يمت فيه،
لأنه إن تميز ذلك لحق بباب المحرم، وكل ما لم يسم الصائد له عند صيده (4).

(1) السرائر: ج 3 ص 95.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 88.
(3) السرائر: ج 3 ص 96.
(4) المهذب: ج 2 ص 438، مع اختلاف.
270

ولم يذكر الشيخ في النهاية كراهة ذلك، للأصل.
مسألة: أطلق علماؤنا إباحة أكل ما يقتله الكلب المعلم.
وقال ابن الجنيد: وسواء كانت الكلاب سلوقية أو غيرها إذا كانت مما
علمها المسلمون ما لم يكن أسود بهيما فإن الرواية عن أمير المؤمنين - عليه السلام -
أنه قال: لا يؤكل صيده. وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أمر بقتله،
وهو قول ابن النخعي.
لنا: عموم إطلاق الأحاديث، والرواية التي نقلها لم تثبت عندنا.
مسألة: المشهور أن الكلب يصير معلما بما قاله الشيخ في المبسوط (1)
والخلاف (2) وهو ثلاث شرائط: أحدها: إذا أرسله استرسل، وثانيها: إذا زجره
انزجر، وثالثها: ألا يأكل ما يمسكه ويتكرر هذا منه دفعات حتى يقال في
العادة: أنه قد تعلم.
وقال ابن الجنيد: والتعليم الذي يحل به ذلك أن يكون الكلب يفعل ما
يريد صاحبه، فيطلب الصيد إذا أشلاه، وينعطف عليه إذا راغ من بين يديه
ويمسكه له، وإذا جاءه ليأخذه منه لم يحمل (3) الصيد ويهرب منه، أو يحميه عنه
بالهرير (4) عليه، فإذا كان كذلك فقد حل أكل ما مات في يده من الصيد
بقبضه عليه بفيه أو بيده، فإن أكل منه قبل أن يخرج نفس الصيد لم يحل أكل
باقية، وإن كان أكل منه بعد أن خرجت نفس الصيد جاز أكل ما بقي منه من
قليل أو كثير. والمشهور الأول.
والشيخ - رحمه الله - لما أورد الأخبار الدالة على إباحة الأكل مما يقتله
الكلب المعلم وإن أكل منه أورد خبرين:

(1) المبسوط: ج 6 ص 257.
(2) الخلاف: ج 6 ص 6 المسألة 2.
(3) ق 2: يخل، م 3: يحل.
(4) ق 2: بالهرب.
271

أحدهما: في الصحيح عن رفاعة بن موسى، عن الصادق - عليه السلام -
قال: سألته عن الكلب يقتل، فقال: كله، فقلت: أكل منه! فقال: إذا أكل
منه فلم يمسك عليك، إنما أمسك على نفسه (1).
قال الشيخ: أنه محمول على ما إذا كان معتادا للأكل، أو أنه خرج مخرج
التقية، لأن في العامة من يقول: لا يجوز أكل الصيد إذا أكل منه، لأنه يكون
قد أمسك على نفسه، فلا يكون قد أمسك عليك (2).
مسألة: عد ابن البراج في قسم المباح كل ما أخذ بباز أو جرى مجراه من
الجوارح وأدركت ذكاته مع التسمية عند الإرسال (3).
وهذه العبارة رديئة، فإنه لا يشترط التسمية عند الإرسال بل عند التذكية،
إذ لا عبرة بمقتول هذه الجوارح، سواء سمى صاحبها أولا، وإنما العبرة بالتذكية
وهناك يشترط التسمية.
مسألة: قال سلار: الصيد على ضربين: أحدهما: يؤخذ بمعلم الكلاب أو
الفهد أو الصقر أو الباز أو النبل أو النشاب أو الرمح أو السيف أو المعراض أو
الحبالة أو الشبكة (4)، والآخر: ما يصاد بالبندق والحجارة والخشب (5).
فالأول: كله - إذا لحق منه (6) ذكاته - حل، إلا ما يقتله معلم الكلاب فإنه حل
أيضا، فإن أكل منه الكلب نادرا حل، وإن اعتاد الأكل لم يحل منه إلا ما

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 27 ح 111، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الصيد والذباحة ح 17 ج 16
ص 212.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 28 ذيل الحديث 111.
(3) المهذب: ج 2 ص 437.
(4) في المصدر: والنبل والنشاب والرمح والسيف والمعراض والحبالة والشبك.
(5) في المصدر: وبالحجارة وبالخشب.
(6) ليس في المصدر.
272

يذكى. والثاني: لا يؤكل منه إلا ما يلحق ذكاته، وهو بخلاف الأول، لأنه
يكره. وقد روي تحريم ما يصاد بقسي (1) البندق. وقد روي جواز أكل ما قتل
بسهم أو سيف (2) أو رمح إذا سمى القاتل (3).
والبحث هنا يقع في مقامين:
الأول: كلامه يقتضي تحريم ما قتله النشاب أو النبل أو الرمح أو السيف أو
المعراض، حيث عد هذه الأشياء في قسم (4) وقال: (فالأول كله إذا لحق منه
ذكاته حل إلا ما يقتله معلم الكلاب فإنه حل أيضا) والاستثناء دليل عليه.
وقوله بعد ذلك: (وقد روي جواز أكل ما قتل بسهم أو سيف أو رمح) دليل
أيضا.
والمشهور إباحة ما يقتله السهم أو السيف أو الرمح أو النشاب أو النبل أو
المعراض إذا كان فيه حديدة أو قتل بخرقه ونفوذه في الصيد، لما رواه الشيخ في
الصحيح، عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الصيد يرميه
الرجل بسهم (5) فيصيبه معترضا فيقتله وقد سمى حين رماه ولم تصبه الحديدة،
فقال: إن كان السهم الذي أصابه هو قتله فإن أراده (6) فليأكله (7).
وفي الصحيح عن محمد الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
الصيد يضربه الرجل بالسيف أو يطعنه برمح أو يرميه بسهم فيقتله وقد سمى

(1) في المصدر: بقس.
(2) في المصدر: بسيف.
(3) المراسم: ص 208 - 209.
(4) م 3: قسمه.
(5) ليس في المصدر.
(6) ق 2: ارداه، م 3 وفي التهذيب: رآه.
(7) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 33 ح 132، وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الصيد والذباحة ح 2 ج 16
ص 233.
273

حين فعل ذلك، قال: كله لا بأس به (1).
وفي الصحيح عن حريز قال: سئل أبو عبد الله - عليه السلام - عن الرمية
يجدها صاحبها من الغد أتؤكل؟ فقال: إن كان يعلم إن رميته هي قتلته
فليأكل، وذلك إذا كان قد سمى (2). والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة.
احتج سلار بأصالة المنع، خرج ما يقتله معلم الكلاب بالآية (3)، فيبقى
الباقي على الأصل.
والجواب: المنع من أصالة المنع.
الثاني: تحريم ما يصاد بقسي البندق، فإن أراد تحريمه مع قتله بالبندق فهو
حق، وإن كان مع التذكية فهو ممنوع.
والمفيد - رحمه الله - قال عبارة موهمة وهي أنه: لا يجوز أكل الثعلب
والضب، ولا يؤكل ما قتله البندق من الطير وغيره. ثم قال: ورمى الجلاهق
- وهو قسي البندق - حرام (4).
والوجه ما قلناه نحن أولا من إباحة الصيد بالبندق وغيره، وتحريم ما قتله
البندق.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا أرسل آلته كلبا كان أو سلاحا فعقر
الصيد ثم أدركه وفيه حياة مستقرة ففيه ثلاث مسائل، ثم قال: الثالثة: أدركه
وفيه حياة مستقرة لكنه في زمان لم يتسع لذبحه فإنه يحل أكله، وهكذا لو أدركه

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 33 ح 133، وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الصيد والذباحة ح 3 ج 16
ص 228.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 34 ح 135، وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الصيد والذباحة ح 2 ج 16
ص 230.
(3) المائدة: 4.
(4) المقنعة: ص 578.
274

ممتنعا فجعل يعدو خلفه فوقف له وقد بقي من حياته زمان لا يتسع لذبحه حل
أكله وإن لم يذبحه، وقال بعضهم: لا يحل أكله، والأول أقوى. وقال أصحابنا:
إن أقل ما يلحق معه الذكاة أن يجده تطرف عينه أو تركض رجله أو يحرك ذنبه
فإن إذا وجده كذلك ولم يذكه لم يحل أكله، وهذا ينبغي أن يكون محمولا على
أنه إذا كان الزمان يتسع لتذكيته (1).
وقال في الخلاف: إذا أدركه وفيه حياة مستقرة لكنه في زمان لم يتسع لذبحه
أو كان ممتنعا فجعل يعدو خلفه فوقف له وقد بقي من حياته زمان لا يتسع لذبحه
لا يحل أكله. واستدل بأن ما اعتبرناه مجمع على جواز أكله وهو إذا أدركه
فذبحه، فأما إذا لم يذبحه فليس على إباحته دليل. وأيضا روى أصحابنا أن أقل
ما يلحق معه الذكاة أن يجد ذنبه يتحرك أو رجله تركض، وهذا أكثر من ذلك (2).
وقال ابن الجنيد: ولو لحق البهيمة بما مثله تموت لو تركت (3) فلحق ذكاتها
وخرج الدم مستويا وتحركت أو بعض أعضائها بعد خروج الدم حل أكلها،
وكذلك لو قطعها السبع فإن كان بعض أعضائها قد أبانه من موضعه فتعلق
بجلد أو نحوه كرهت أكله.
وقال ابن إدريس: إذا أدركه وفيه حياة مستقرة لكنه في زمان لم يتسع
لذبحه أو كان ممتنعا فجعل يعدو خلفه فوقف له وقد بقي من حياته زمان لا يتسع
لذبحه لا يحل أكله (4). وهو كما قاله الشيخ في الخلاف، وهو المعتمد.
لنا: إنه أدركه (5) مستقر الحياة فتعلقت إباحته بتذكيته، كما لو اتسع
الزمان.

(1) المبسوط: ج 6 ص 259 و 260.
(2) الخلاف: ج 6 ص 14 المسألة 10.
(3) في الطبعة الحجرية: أو تركت.
(4) السرائر: ج 3 ص 85.
(5) في الطبعة الحجرية: أدرك.
275

احتج الشيخ على الأول بأنه لم يقدر على التذكية بوجه فكان عقره ذكاة،
كما لو لم يكن حيا.
والجواب: الفرق بين ما إذا أدركه حيا غير مستقر الحياة وبين ما إذا كان
مستقر الحياة وعدم القدرة على التذكية لا يقتضي الإباحة.
تذنيب: قال الشيخ في المبسوط: مستقر الحياة هو ما يمكن أن يعيش يوما أو
نصف يوم (1)
وقال ابن حمزة: أدناه أن يطرف عينه أو يتحرك ذنبه (2).
والمعتمد الأول.
مسألة: المشهور عند علمائنا أن الاعتبار بالمرسل لا المعلم، فلو علم الكلب
مجوسي وأرسله المسلم حل ما قتله دون العكس. واختاره الشيخ في الخلاف،
واستدل عليه بإجماع الفرقة وأخبارهم (3).
وقال في المبسوط: وإن علمه مجوسي فاستعاره المسلم أو غصبه فاصطاد به
حل أكله، وقال بعضهم: لا يحل، وهو الأقوى عندي (4).
وابن الجنيد قال أولا كلاما يوهم ما قاله الشيخ في المبسوط، ثم صرح بما
قاله في الخلاف، قال: وقوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم) (5) مبيح (6)
أكل ما قتله الكلب الذي تولى المسلمون تعليمه، وسواء كانت الكلاب
سلوقية أو غيرها إذا كانت مما علمها المسلمون ما لم يكن أسود بهيما. وهذا
إشعار بتخصيص الإباحة بما علمه المسلم.
ثم قال: وإذا وجد المسلم كلبا تولى تعليمه غير مسلم فتولى المسلم إرساله

(1) المبسوط: ج 6 ص 260.
(2) الوسيلة: ص 356.
(3) الخلاف: ج 6 ص 19 المسألة 18.
(4) المبسوط: ج 6 ص 262.
(5) المائدة: 4.
(6) في الطبعة الحجرية: يبيح.
276

والتسمية عليه حل أكل ما قتله من الصيد، وهو المعتمد عندي.
لنا: إن الكلب آلة فلا يختلف الحال بين كونها للمسلم أو للمجوسي،
كالقوس والسهم.
وما رواه سليمان بن خالد في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال
سألته عن كلب المجوس يأخذه الرجل المسلم فيسمي حين يرسله أيأكل مما
أمسك عليه؟ فقال: نعم، لأنه مكلب وذكر اسم عليه (1).
احتج الشيخ بقوله تعالى: (تعلمونهن مما علمكم الله)) (2) وهذا لم يعلمه
المسلم.
وما رواه عبد الرحمان بن سيابة قال: سألت أبا عبد الله - عليه السلام
فقلت: كلب مجوسي أستعيره أفأصيد به؟ قال: لا تأكل من صيده، إلا أن
يكون علمه مسلم (3).
والجواب: الآية خرجت مخرج الغالب لا على وجه الاشتراط، وعن الثاني:
الحمل على ما إذا لم يسم المرسل، قاله الشيخ (4).
والوجه الحمل على الكراهة.

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 30 ح 118، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 16
ص 227.
(2) المائدة: 4.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 30 ح 119، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الصيد والذباحة ح 2 ج 16
ص 227.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 30 ذيل الحديث 119.
277

الفصل الثاني
في ما يباح أكله من الحيوان وما يحرم
مسألة: قال الشيخ في النهاية: استبراء الجلال من البقر بعشرين يوما،
والشاة بعشرة أيام، والسمك بيوم وليلة، والبطة بخمسة أيام، والدجاجة وشبهها
بثلاثة أيام (1). وتبعه ابن البراج (2)، وابن حمزة (3)، وابن إدريس (4).
وقال الصدوق في المقنع (5): تربط البقرة ثلاثين يوما، والشاة عشرين يوما
وروي تربط عشرة أيام، والبطة تربط ثلاثة أيام، والدجاجة ثلاثة أيام.
وروي يوما إلى الليل، والسمك الجلال يربط يوما إلى الليل.
وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه: البقرة تربط ثلاثين يوما. وفي رواية
القسم بن محمد الجوهري أن البقرة تربط عشرين يوما، والشاة تربط عشرة
أيام، والبطة تربط ثلاثة أيام - وروي ستة أيام - والدجاجة تربط ثلاثة أيام،
والسمك الجلال يربط يوما إلى الليل في الماء (6).

(1) النهاية ونكتها: ص 75 و 79 و 82.
(2) المهذب: ج 2 ص 427 و 428.
(3) الوسيلة: ص 359.
(4) السرائر: ج 3 ص 97.
(5) المقنع: ص 421 (جديد).
(6) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 338 - 339 ذيل الحديث 4199 و ح 4200.
278

وقال ابن الجنيد: والجلال من سائر الحيوان مكروه أكله، وكذلك شرب
ألبانها والركوب عليها، وهي التي تأكل العذرة، فإن نظفت بأن حبس عن
ذلك وتعلف المحلل من الأغذية رجعت إلى التحليل. وقد روي أن رجوع الإبل
بعد أربعين يوما، والبقرة بعد ثلاثين يوما، والشاة بعد أربعة عشر يوما، والبطة
بعد خمسة أيام، والدجاجة بعد ثلاثة أيام، وما يأكل منها المحرم كذلك، وقد
قيل: إن بالبصرة سمكا يرعى العذرة. وقال يونس في حديث الرضا - عليه
السلام -: بعد يوم وليلة، أي: إذا أخذ حيا جعل في الماء يوما وليلة ثم يخرج،
فإذا مات أكل.
وقال الشيخ في الخلاف: البقرة عشرين، والشاة عشرة أيام أو سبعة أيام،
والدجاجة ثلاثة أيام (1).
وقال في المبسوط: فإن كان بدنة أو بقرة أربعين يوما، وإن كانت شاة
فسبعة أيام، وإن كانت دجاجة ثلاثة أيام، وقيل: سبعة، وقيل: في البقرة
عشرين يوما، وبه قال قوم (2).
وقال أبو الصلاح: الإبل والبقر أربعين يوما، والشاة سبعة أيام، والبطة
والدجاجة خمسة أيام. وروي في الدجاجة خاصة ثلاثة أيام (3).
وابن زهرة جعل للبقر عشرين، وللشاة عشرة، قال: وروي سبعة، والبط
والدجاج خمسة، قال: وروي في الدجاج ثلاثة (4).
والمشهور ما قاله الشيخ في النهاية. والروايات في هذا الباب لا تخلو من

(1) الخلاف: ج 6 ص 85 المسألة 16.
(2) المبسوط: ج 6 ص 282.
(3) الكافي في الفقه: ص 277.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 556 س 29.
279

ضعف في السند.
فإحداها: رواية مسمع، عن الصادق - عليه السلام - قال: قال أمير المؤمنين
- عليه السلام -: الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى
أربعين يوما، والبقرة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى عشرين
يوما، والشاة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى خمسة أيام،
والبطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تربط خمسة أيام، والدجاجة ثلاثة أيام، (1).
وعن السكوني، عن الصادق - عليه السلام - قال: قال أمير المؤمنين - عليه
السلام -: الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيد (2) ثلاثة أيام، والبطة
الجلالة خمسة أيام، والشاة الجلالة عشرة أيام، والبقرة الجلالة عشرين يوما،
والناقة أربعين يوما (3).
وبالجملة فهذه تقديرات شرعية فيقف على مورده، فإن ثبت النقل اتبع،
وإلا فالأولى: المشهور وقد تقدم.
تذنيب: في بعض عبارات علمائنا أن السمك يستبرئ يوما إلى الليل، وفي
بعض عبارات آخرين أنه يستبرئ بيوم وليلة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا شرب شئ من هذه الأجناس - يعني:
الإبل والبقر والغنم - خمرا ثم ذبح جاز أكل لحمه بعد أن يغسل بالماء، ولا يجوز
أكل شئ مما في بطنه ولا استعماله (4). وتبعه ابن حمزة وزاد: أو مسكرا (5).

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 45 ح 189، وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 2
ج 16 ص 356.
(2) في المصدر: تغذي.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 46 ح 192، وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1
ج 16 ص 356.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 75 - 76.
(5) الوسيلة: ص 360.
280

وقال ابن إدريس: الأولى حمل هذه الرواية على الكراهة دون الحظر، لأنه
لا دليل على تحريم ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع، والأصل
الإباحة (1).
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: إن تحريم تناول الخمر عام في قليله وكثيره، وإذا شرب شئ من هذا
الخمر ونزل إلى الأمعاء توزع منه أجزاء لطيفة ولا يعلم إزالتها عنها بالغسل،
فالإقدام على تناوله إقدام على ما لا يعلم إباحته، بل يظن تحريمه فيكون حراما.
وما رواه زيد الشحام في الموثق، عن الصادق - عليه السلام - أنه قال في
شاة شربت خمرا حتى سكرت ثم ذبحت على تلك الحال: لا يؤكل ما في
بطنها (2).
وأصالة الإباحة معارضة بالاحتياط.
مسألة: ذهب الشيخ - رحمه الله - إلى أن لحم البغال أشد كراهية من لحم
الحمير عندنا، وليس بمحرم (3). وهذا هو المشهور لتركبه من الخيل والحمير،
فجمع الكراهتين (4) معا.
وقال ابن إدريس: قال بعض أصحابنا: لحم الحمار أشد كراهة (5). وكأنه
الأليق في النظر عندي، لأن المتولد من قوي الكراهة وضعيفها أخف كراهة
من المتولد من قوي الكراهة.

(1) السرائر: ج 3 ص 97.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 43 ح 181، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1
ج 16 ص 352.
(3) المبسوط: ج 6 ص 281.
(4) في الطبعة الحجرية: فجمع بين الكراهتين.
(5) السرائر: ج 3 ص 98.
281

مسألة: قال الشيخ في النهاية: وأما حيوان البحر فلا يستباح أكل شئ منه
إلا السمك خاصة، والسمك يؤكل منه ما كان له فلس ويجتنب ما ليس له
فلس، وأما المار ما هي والزمار والزهو فإنه مكروه شديد الكراهية وإن لم يكن
محظورا (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال أيضا فيها في باب الحد من شرب الخمر: ويعزر آكل الجري
والمارماهي ومسوخ السمك وغير ذلك من المحرمات، فإن عاد أدب ثانية، فإن
استحل شيئا من ذلك وجب عليه القتل (3).
وقال في باب المكاسب المحظورة: وبيع الجري والمارماهي والطافي وكل
سمك لا يحل أكله حرام (4).
وقال المفيد: ويجتنب الجري والزمار والمارماهي من جملة السموك (5).
وقال السيد المرتضى: ومما انفردت به الإمامية تحريم أكل الثعلب
والأرنب والضب، ومن مصيد البحر السمك الجري والمارماهي والزمار، وكل
ما لا فلس له من السمك (6).
وقال ابن الجنيد: ولا يؤكل من السمك الجري ولا المارماهي والزمار، وما
لا قشر له، وما ليس ذنبه مستويا (7).
وقال ابن أبي عقيل: وحرام بيع شئ من الجري والمارماهي والزمار.
وقال الصدوق: ولا يؤكل الجري ولا المارماهي ولا الزمار ولا الطافي (8).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 77 - 78.
(2) المهذب: ج 2 ص 438 - 439.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 319.
(4) النهاية ونكتها: ج 2 ص 99.
(5) المقنعة: ص 576.
(6) الإنتصار: ص 186
(7) ق 2، مشقوقا، م 3: مسفوفا.
(8) المقنع: ص 142، وفيه (الزمير).
282

ورواه عن الصادق - عليه السلام - في كتاب من لا يحضره الفقيه (1)، وكذا
قال أبوه في رسالته إليه.
وقال سلار: والسمك على ضروب: الجري والزمار (2) والمارماهي والطافي
وغير ذلك، فالأول أكله (3) كله محرم. وما عداه على ضربين: ما له فلس من
السموك وما لا فلس له، فالأول: حل، والثاني: محرم (4) (5).
والظاهر أن مراده بالأول: الجري والزمار والمارماهي والطافي وبما عداه
قوله: وغير ذلك، إذ الطافي لا يعتبر فيه الفلس، فلو كان مراده بالأول: الجري
خاصة لم يتم.
وقال الشيخ في الخلاف: لا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك، ولا يؤكل
من أنواع السمك إلا ما كان له قشر، فأما غيره مثل: المارماهي والزمار وغيره،
وغير السمك من الحيوان مثل: الخنزير والكلب والفارة والإنسان والسلحفاة
والضفادع فإنه قيل: ما من شئ في البر إلا ومثله في الماء، فإن جميع ذلك لا
يحل أكله بحال (6).
وقال ابن إدريس: وقول الشيخ في النهاية: (إن المارماهي والزمار والزهو
مكروه شديد الكراهة وليس بمحظور) غير مستقيم ولا واضح، لأنه مخالف
لأصول مذهبنا، ولأن إجماع أصحابنا بغير خلاف بينهم أنه لا يؤكل من حيوان
البحر إلا السمك، والسمك لا يؤكل منه إلا ما كان له فلس، وهذه الأجناس

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 325 ج 4161، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 6
ج 16 ص 332.
(2) في المصدر: الزمر.
(3) ليس في المصدر.
(4) في المصدر: حرام.
(5) المراسم: 207.
(6) الخلاف: ج 6 ص 29 المسألة 31.
283

التي ذكرها لا تسمي سمكا، لا لغة ولا عرفا، وليس لها أيضا فلس، وإنما هو
خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثاله، مع أنه قال: (إذا استحل
شيئا من ذلك ومن جملته المارماهي وجب عليه القتل) فمن يوجب عليه القتل
باستحلاله كيف يجعله مكروها؟! (1).
واعلم أن هذا القول من ابن إدريس في غاية التحريف، وكيف يخالف
الشيخ أصول مذهبنا، مع أنه الممهد لها،!؟ لكنه - رحمه الله - اتبع في ذلك
الروايات.
وقد روى زرارة في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن
الجريث، فقال: وما الجريث؟ فنعته له، فقال: (لا أجد فيما أوحي إلي محرما
على طاعم يطعمه إلا أن يكون... إلى آخر الآية) ثم قال: لم يحرم الله شيئا من
الحيوان في القرآن إلا الخنزير بعينه، ويكره كل شئ من البحر وليس له قشر
- مثل: الورق - وليس بحرام إنما هو مكروه (2).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته
عن الجري والمارماهي والزمير وما ليس له قشر من السمك حرام هو؟ فقال لي:
يا محمد إقرأ هذه الآية التي في الأنعام: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما)
قال: فقرأتها حتى فرغت منها، فقال: إنما الحرام ما حرم الله ورسوله في كتابه،
ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها (3).

(1) السرائر: ج 3 ص 599.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 5 - 6 ح 15، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 19
ج 16 ص 334.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 6 ح 16، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 20 ج 16
ص 335.
284

واعلم أن هذه الأخبار وإن كانت صحيحة لكنها دلت على كراهية
الجري، والحق تحريمه، فهي إذن قد خرجت مخرج التقية. والأولى في الزمار
والمارماهي والزهو التحريم، لأنه قول أكثر علمائنا، حتى أن الشيخ الذي أفتى
بإباحتها أفتى بتحريمها أيضا، وقد ورد على ذلك أخبار:
روى سمرة بن أبي سعيد قال: خرج أمير المؤمنين - عليه السلام - على بغلة
رسول الله - صلى الله عليه وآله - فخرجنا معه نمشي حتى انتهينا (1) إلى موضع
أصحاب السمك فجمعهم فقال: تدرون لأي شئ جمعتكم؟ قالوا: لا، قال:
لا تشتروا الجريث ولا المارماهي ولا الطافي على الماء، ولا تبيعوه (2).
وروى ابن فضال، عن غير واحد من أصحابنا، عن الصادق - عليه
السلام - قال: الجري والمارماهي والطافي حرام في كتاب علي - عليه
السلام - (3).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا شق جوف سمكة فوجد فيها سمكة جاز
أكلها إن كانت من جنس ما يحل أكلها، فإن شق جوف حية فوجد فيها
سمكة فإن كانت على هيئتها لم تتسلخ لم يكن بأس بأكلها، وإن كانت
تسلخت لم يجز أكلها على حال (4).
وقال الشيخ علي بن بابويه، والمفيد (5): إذا صيدت سمكة فشق جوفها

(1) في المصدر: انتهى.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 5 ح 11، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الأطعمة والأشربة ج 14 ج 16
ص 333 - 334.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 5 ح 12، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 15 ج 16
ص 334.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 79.
(5) المقنعة: ص 576.
285

ووجد فيها سمكة قد كانت ابتلعتها فإن كانت ذات فلوس أكلت، وإن لم
يكن لها فلوس لم تؤكل.
ومنع ابن إدريس (1) أكل المخرجة من جوف السمكة أو الحية، إلا إذا
خرجت حية.
وقول الشيخ - رحمه الله - ليس بعيدا من الصواب، لعموم قوله تعالى: (أحل
لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم) (2).
وما رواه السكوني في الموثق، عن الصادق - عليه السلام - أن عليا - عليه
السلام - سئل عن سمكة شق بطنها فوجد فيها سمكة، قال: كلهما جميعا (3).
وعن أبان، عن بعض أصحابه، عن الصادق - عليه السلام - قال: يؤكلان
جميعا (4).
وللاستصحاب الدال على بقاء الحياة واستمرارها إلى حين إخراجها.
أما ما ابتلعته الحية فقد روى أيوب بن أعين، عن الصادق - عليه السلام -
قال: قلت له: جعلت فداك ما تقول في حية ابتلعت سمكة ثم طرحتها وهي
حية تضطرب آكلها؟ فقال: إن كان فلوسها قد تسلخت فلا تأكلها، وإن لم
تكن تسلخت فكلها (5).

(1) السرائر: ج 3 ص 100.
(2) المائدة: 96.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 8 ص 25، وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الصيد والذباحة ذيل
الحديث 1 ج 16 ص 304.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 8 ح 26، وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الصيد والذباحة صدر
الحديث 1 ج 16 ص 304.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 8 ح 27، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1 ج 16
ص 342.
286

ونحن نقول بموجب هذه الرواية، أما الرواية الأولى فالأقرب ما قاله ابن
إدريس فيها، لعدم يقين الإخراج من الماء حية، مع أنه مناط التحليل.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: يكره أكل الغربان (1)، وأطلق، وتبعه ابن
البراج (2).
وقال في الخلاف: الغراب كله حرام على الظاهر في الروايات، وقد روي
في بعضها رخص وهو الزاغ - وهو: غراب الزرع - والغداف - وهو: أصغر منه أغبر
اللون كالرماد - وقال الشافعي: الأسود والأبقع حرام. والزاغ والغداف على
وجهين: أحدهما: حرام، والثاني: حلال، وبه قال أبو حنيفة. دليلنا: إجماع
الفرقة وعموم الأخبار في تحريم الغراب، وطريقة الاحتياط يقتضي ذلك
أيضا (3).
وقال في المبسوط: ما لا مخلب له - يعني: من الطير - مستخبث وغير
مستخبث، فالمستخبث ما يأكل الخبائث كالميتة ونحوها فكلها حرام - وهو (4):
النسر والرخم (5) والبغاث والغراب ونحو ذلك - عندنا وعند جماعة، فروي أن
النبي - صلى الله عليه وآله - أتى بغراب فسماه فاسقا فقال: ما هو والله من
الطيبات. والغراب على أربعة أضرب: الكبير الأسود الذي يسكن الجبال
ويأكل الجيف، والثاني: الأبقع، فهذان حرامان (6)، والثالث: الزاغ وهو:
غراب الزرع، والرابع: الغداف وهو: أصغر منه أغبر اللون كالرماد قال قوم: هو
حرام: لظاهر الأخبار وقال آخرون: هو مباح، وهو الذي ورد في روايتنا (7).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 82.
(2) المهذب: ج 2 ص 329.
(3) الخلاف: ج 6 ص 85 المسألة 15.
(4) في المصدر: وهي.
(5) في المصدر: والزحم.
(6) في المصدر: حرام.
(7) المبسوط: ج 6 ص 281.
287

وقال ابن حمزة: المكروه لا يتميز بالصفات بل بالأسماء، كالصرد والصوام
والقنابر والهداهد والحبارى والشقراق وغربان الكرم (1).
وقال ابن إدريس: الغربان على أربعة أضرب: ثلاثة منها لا يجوز أكل
لحمها وهو (2): الغداف الذي يأكل الجيف ويفرس ويسكن الخرابات وهو
الكبير من الغربان السود، وكذلك الأغبر الكبير، لأنه يفرس ويصيد الدراج فهو
من جملة سباع الطير، وكذلك لا يجوز أكل لحم الأبقع الذي يسمى العقعق
طويل الذنب. فأما الرابع وهو: غراب الزرع الصغير من الغربان السود الذي
يسمى الزاغ، فإن الأظهر من المذهب أنه يؤكل لحمه على كراهية دون أن
يكون لحمه محظورا، وإلى هذا يذهب شيخنا في نهايته، وإن كان قد ذهب إلى
خلافه في مبسوطه ومسائل خلافه فإنه قال بتحريم الجميع، وذهب في استبصاره
إلى تحليل الجميع. والصحيح ما اخترناه، لأن التحريم يحتاج إلى دلالة شرعية،
لأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولا إجماع على حظره، ولا أخبار متواترة، ولا
كتاب الله تعالى (3).
والمعتمد تحريم الجميع.
لنا: ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر، عن أخيه الكاظم
- عليه السلام - قال: سألته عن الغراب الأبقع والأسود أيحل أكله؟ فقال: لا
يحل شئ من الغربان زاغ ولا غيره (4).

(1) الوسيلة: ص 358.
(2) في المصدر: وهي.
(3) السرائر: ج 3 ص 103 - 104، مع اختلاف.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 18 - 19 ح 73، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 3
ج 16 ص 329.
288

وعن علي بن الحسين الواسطي قال: سألت الرضا - عليه السلام - عن
الغراب الأبقع، قال: فقال: إنه لا يؤكل، فقال: ومن أحل لك الأسود! (1).
احتج الشيخ على الإباحة في الجميع بما رواه زرارة، عن أحدهما - عليهما
السلام - أنه قال: إن أكل الغراب ليس بحرام، إنما الحرام ما حرمه الله في
كتابه، ولكن الأنفس تتنزه عن كثير من ذلك تقززا (2) (3).
وجمع الشيخ بحمل الخبر الأول على أنه ليس حلالا طلقا، وإنما يحل مع
ضرب من الكراهية، لما رواه غياث بن إبراهيم، عن الصادق - عليه السلام - أنه
كره أكل الغراب، لأنه فاسق (4).
والثاني على ذلك أيضا، وليس بعيدا من الصواب حمل ما رواه الشيخ على
نفي التحريم المستند إلى كتاب الله تعالى، ولهذا قال - عليه السلام -: (إنما الحرام
ما حرم الله تعالى في كتابه) على إنا نمنع صحة سند الخبرين.
مسألة: قال شيخنا المفيد - رحمه الله - ويحرم من الطير ما يصف ويحل منه ما
يدف، فإن كان يصف ويدف اعتبر، فإن كان دفيفه أكثر أكل، وإن كان
صفيفه أكثر اجتنب (5). وجعله ضابطا، ولم يتعرض لمحرمات (6) الطيور، وهو
يقتضي إباحة أكل الخطاب عنده، لأن دفيفه أكثر، بل هو مما يدف ولا
يصف.

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 18 ح 71، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 4 ج 16
ص 329.
(2) التقزز: التباعد من الدنس (مجمع البحرين: ج 4 ص 31 مادة قزز).
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 18 ح 72، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1 ج 16
ص 328.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 19 ذيل الحديث 73 و 74.
(5) المقنعة: ص 577، مع اختلاف.
(6) ق 2: لجزئيات.
289

وقال الشيخ في النهاية: لا يجوز أكل الخطاف والخشاف (1). وعده ابن
البراج في المحرم (2)، وكذا ابن إدريس (3) وادعى الإجماع عليه.
والمعتمد الجواز على كراهية.
لنا: الأصل الإباحة.
وما رواه زرارة في الصحيح قال: والله ما رأيت مثل أبي جعفر - عليه
السلام - قط قال: سألته قلت: أصلحك الله ما يؤكل من الطير؟ قال: كل ما
دف ولا تأكل ما صف (4).
وعن سماعة بن مهران، عن الرضا - عليه السلام - قال: وكل ما دف فهو
حلال (5). وهذا الخطاب مما يدف فدخل تحت العموم.
وفي الموثق عن عمار بن موسى، عن الصادق - عليه السلام - في الرجل
يصيب خطافا في الصحراء أو يصيده أيأكله؟ فقال: هو مما يؤكل. وعن الوبر
يؤكل؟ قال: لا هو حرام (6).
وما رواه جميل بن دراج في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن قتل الخطاف وإيذائهن في الحرم، فقال: لا يقتلن، فإني كنت مع

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 82.
(2) المهذب: ج 2 ص 428.
(3) السرائر: ج 3 ص 104.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 16 ح 63، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1 ج 16
ص 346.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 17 ح 65، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الأطعمة والأشربة ذيل
الحديث 2 ج 16 ص 347 وفيهما: (عن أبي عبد الله - عليه السلام -).
(6) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 21 ح 84، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 2 ج 16
ص 343.
290

علي بن الحسين - عليهما السلام - فرآني (1) أوذيهن فقال: يا بني لا تقتلهن ولا
تؤذيهن فإنهن لا يؤذين شيئا (2). فحكمه - عليه السلام - (بأنهن لا يؤذين شيئا)
دال على طهارة ذرقهن، وإلا لحصل الأذى، لعموم البلوى بهن (3)، وعدم
الانفكاك عن ذرقهن، وطهارة ذرقهن يدل على إباحة أكلهن.
وقد روى عمار بن موسى - في كتابه يرويه - عن الصادق - عليه السلام -
قال: خرؤ الخطاف لا بأس به، هو مما يحل أكله، ولكن كره أكله لأنه
استجار بك ووافى في منزلك، وكل طير يستجير بك فأجره (4).
احتج الشيخ بما رواه الحسن بن داود الرقي قال: بينا نحن قعود عند أبي
عبد الله - عليه السلام - إذ مر رجل بيده خطاف مذبوح فوثب إليه أبو عبد الله
- عليه السلام - حتى أخذه من يده ثم رمى به ثم قال: أعالمكم أمركم بهذا أم
فقيهكم؟! لقد أخبرني أبي عن جدي أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - نهى
عن قتل الستة: النحلة والنملة والضفدع والصرد والهدهد والخطاف (5).
والجواب: المنع من القتل إما على سبيل الكراهة أو التحريم لا يدل على
تحريم الأكل.
مسألة: المشهور بين علمائنا كراهية لحم البغل دون التحريم
وقال أبو الصلاح: إنه محرم (6).

(1) في الكافي: فرآني وأنا.
(2) الكافي: ج 6 ص 224 ح 3، وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 16 ص 247.
(3) في الطبعة الحجرية: و م 3: بهم.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 81 ح 345 وليس فيه: (خرؤ الخطاف)، وسائل الشيعة: ب 39 من
أبواب الصيد والذباحة ح 5 ج 16 ص 248.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 20 ح 78، وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1 ج 16
ص 343.
(6) الكافي في الفقه: ص 277.
291

لنا: الأصل، وعموم قوله تعالى: (قل لا أجد) (1).
وما رواه محمد بن مسلم وزرارة في الحسن، عن الباقر - عليه السلام - أنهما
سألاه عن لحم الحمر الأهلية، فقال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله - عن
أكلها يوم خيبر، وإنما نهى عن أكلها لأنها كانت حمولة الناس، وإنما الحرام ما
حرم الله عز وجل في القرآن (2). والحصر يدل على إباحة المتنازع، لعدم تحريمه في
القرآن.
وعن محمد بن مسلم، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن لحوم الخيل
والبغال، فقال: حلال، ولكن الناس يعافونها (3).
احتج أبو الصلاح بما رواه ابن مسكان في الصحيح، عن الصادق - عليه
السلام - قال: سألته عن لحوم الحمر، فقال: نهى رسول الله - صلى الله عليه
وآله - عن أكلها يوم خيبر، قال: وسألته من أكل لحم (4) الخيل والبغال، فقال:
نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله - عنها، فلا تأكلها إلا أن تضطر إليه (5) (6).
والنهي للتحريم.
وعن سعد بن سعد، عن الرضا - عليه السلام - قال: سألته عن لحوم

(1) الأنعام: 145.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 41 ح 171، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1 ج 16
ص 323.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 41 ج 174، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 3 ج 16
ص 326.
(4) ليس في المصدر.
(5) في المصدر: تضطر إليها.
(6) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 40 ح 168، وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 4
ج 16 ص 323.
292

البراذين والخيل والبغال، فقال: لا تأكلها (1).
والجواب: الحمل على الكراهة، والنهي كما يرد للتحريم فقد يرد للكراهة
فيحمل عليها، للأصل، وجمعا بين الأخبار.
ويؤيد ذلك ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح، عن الباقر - عليه السلام -
أنه سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ والوطواط والحمير
والبغال والخيل، فقال: ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه، وقد نهى
رسول الله - صلى الله عليه وآله - عن أكل لحوم الحمير، وإنما نهاهم من أجل
ظهورهم أن يفنوه، وليست الحمير بحرام. ثم قال: إقرأ هذه الآية: (قل لا أجد
فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم
خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) (2) وهذا تصريح بالإباحة.
مسألة: المشهور عند علمائنا أن الجلال من الدواب هو الذي يأكل عذرة
الإنسان، فإن لم يخلطها بغيرها حرم وإلا كره.
وعد أبو الصلاح في المحرمات ما أدمن شرب النجاسات حتى يمنع منها
عشرا، قال: وجلالة الغائط حتى تحبس الإبل والبقر أربعين يوما، والشاة سبعة
أيام، والبط والدجاج خمسة أيام. وروي في الدجاج خاصة ثلاثة أيام، وجلالة
ما عدا العذرة من النجاسات حتى تحبس الأنعام سبعا، والطير يوما وليلة (3).
والذي ورد في ذلك ما رواه موسى بن أكيل، عن بعض أصحابه، عن

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 42 ح 175، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 5
ج 16 ص 326.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 42 ح 176، وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 6
ج 16 ص 327، وفيهما: (وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله - يوم خيبر عن أكل).
(3) الكافي في الفقه: ص 277 - 278.
293

الباقر - عليه السلام - في شاة شربت بولا ثم ذبحت، فقال: يغسل ما في جوفها
ثم لا بأس به، وكذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلالة، والجلالة التي
يكون ذلك غذاؤها (1).
وقول أبي الصلاح لم يقم عليه دلالة عندي.

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 47 ح 194، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 2
ج 16 ص 352.
294

الفصل الثالث
في الذبح وكيفيته
مسألة: المشهور عند علمائنا تحريم ذبائح الكفار مطلقا، سواء كانوا أهل ملة
- كاليهود والنصارى والمجوس - أو لا - كعباد الأوثان والنيران وغيرهما - ذهب
إليه الشيخان (1)، والسيد المرتضى (2)، وسلار (3)، وابن البراج (4)، وأبو
الصلاح (5)، وابن حمزة (6)، وابن إدريس (7).
وقال الصدوق في المقنع: ولا تأكل ذبيحة من ليس على دينك في
الإسلام، ولا تأكل ذبيحة اليهودي والنصاري والمجوسي، إلا أن تسمعهم
يذكرون اسم الله عز وجل عليها، فإذا ذكروا اسم الله عز وجل عليها فلا بأس
بأكلها، فإن الله عز وجل يقول: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه إن كنتم
بآياته مؤمنين) ولا بأس بذبيحة نسائهم إذا ذكروا اسم الله عز وجل. وقد سئل
أبو عبد الله - عليه السلام - عن ذبائح النصارى، فقال: لا بأس بها، فقيل: إنهم

(1) المقنعة: ص 579، النهاية ونكتها: ج 3 ص 81.
(2) الإنتصار: ص 188.
(3) المراسم: ص 209 - 210.
(4) المهذب: ج 2 ص 439.
(5) الكافي في الفقه: ص 277.
(6) الوسيلة: ص 361.
(7) السرائر: ج 3 ص 105 - 106.
295

يذكرون عليها المسيح، فقال: إنما أرادوا بالمسيح الله عز وجل. وقد نهى في خبر
عن أكل ذبيحة المجوسي (1).
والأصل ألا يؤكل ذبائحهم كيف كانت ما وجدت ذبائح المسلمين، ولا
يستعان بهم إلا فيما لم يجد مسلما يستعان به عليه، فإذا لم يوجد ذبائح المسلمين
فحينئذ جائز أن يؤكل ذبائح أهل الكتاب إذا ذكروا اسم الله عز وجل عليها.
وقال ابن أبي عقيل: ولا بأس بصيد اليهود والنصارى وذبائحهم، ولا
يؤكل صيد المجوس وذبائحهم.
وقال ابن الجنيد: ولو تجنب من أكل ما صنعه أهل الكتاب من ذبائحهم
وفي آنيتهم، وكذلك ما صنع في أواني مستحل الميتة ومواكيلهم ما لم يتيقن
طهارة أوانيهم وأيديهم كان أحوط. وهذه العبارة لا تعطي التحريم.
لنا: قوله تعالى: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) (2)
والكافر لا يعرف الله تعالى، فلا يذكره على ذبيحته، ولا يرى (3) التسمية على
الذبيحة فرضا ولا سنة.
وما رواه سماعة في الموثق، عن الكاظم - عليه السلام - قال: سألته عن
ذبيحة اليهودي والنصراني قال: لا تقربها (4).
وعن قتيبة الأعشى عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن ذبائح
اليهود والنصارى، فقال: الذبيحة اسم، ولا يؤمن على الاسم إلا المسلم (5).

(1) المقنع: ص 140، وفيه: (ولا بأس بذبيحة النساء إذا ذكرن).
(2) الأنعام: 121.
(3) م 3: نوى.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 63 ح 266 وفيه: (لا تقربنها)، وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الصيد
والذباحة ح 9 ج 16 ص 284.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 63 ح 267، وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الصيد والذباحة ح 8 ج 16
ص 284.
296

وفي الموثق عن إسماعيل بن جابر، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا
تأكل ذبائحهم ولا تأكل في آنيتهم - يعني: أهل الكتاب - (1).
وعن قتيبة قال: سأل رجل أبا عبد الله - عليه السلام - وأنا عنده فقال: الغنم
ترسل ففيها اليهودي والنصراني فيعرض فيها العارضة فيذبح أنأكل ذبيحته؟
فقال أبو عبد الله - عليه السلام -: لا تدخل ثمنها مالك ولا تأكلها فإنما هو
الاسم، ولا يؤمن عليها إلا مسلم، فقال له الرجل: [قال الله تعالى: (اليوم]
أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم)
فقال: كان أبي يقول: إنما هي الحبوب وأشباهها (2).
وفي الصحيح عن أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: سمعته
يقول: لا يذبح أضحيتك يهودي ولا نصراني ولا المجوسي، وإن كانت امرأة
فلتذبح لنفسها (3).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن
نصارى العرب أتؤكل ذبائحهم؟ فقال: كان علي - عليه السلام - ينهى عن
ذبائحهم وعن صيدهم وعن مناكحتهم (4).
وفي الموثق عن زيد الشحام قال: سئل أبو عبد الله - عليه السلام - عن ذبيحة

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 64 ح 269، وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الصيد والذباحة ح 10
ج 16 ص 284.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 64 ح 270، وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الصيد والذباحة ح 1
ج 16 ص 279.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 64 ح 273، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 16
ص 276.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 65 ح 278، وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الصيد والذباحة ح 6 ج 16
ص 283.
297

الذمي، فقال: لا تأكله إن سمى وإن لم يسم (1). والأخبار الواردة في هذا
المعنى كثيرة.
ولأن الإخلاد إلى الكفار في الذبح ركون إلى الظالم، فيندرج تحت النهي
في قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (2).
ولأنه نوع استئمان، والكافر ليس محلا للأمانة.
ولأن لها شرائط، فلا يستند حصولها إلى قوله.
احتجوا بقوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) (3).
وبما رواه حمران في الصحيح قال: سمعت أبا جعفر - عليه السلام - يقول في
ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني: لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم
الله (4)، قلت: المجوسي؟ فقال: نعم إذا سمعته يذكر اسم الله [عليه]، أما
سمعت قول الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) (5).
وفي الصحيح عن جميل ومحمد بن حمران أنهما سألا أبا عبد الله - عليه
السلام - عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس، فقال: كل، فقال بعضهم: إنهم
لا يسمون! فقال: فإن حضرتموهم فلم يسموا فلا تأكلوا، وقال: إذا غاب
فكل (6).

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 65 ح 276، وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الصيد والذباحة ح 5 ج 16
ص 283.
(2) هود: 113.
(3) المائدة: 5.
(4) في الطبعة الحجرية وق 2: اسم الله عليه.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 68 ص 287، وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الصيد والذباحة ح 31
ج 16 ص 288.
(6) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 68 ح 289، وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الصيد والذباحة ح 33
ج 16 ص 289.
298

وفي الصحيح عن محمد الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم، فقال: لا بأس به (1).
وعن عبد الملك بن عمرو قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام - ما تقول في
ذبائح النصارى؟ فقال: لا بأس بها، قلت: فإنهم يذكرون عليها المسيح! فقال:
إنما أرادوا بالمسيح الله (2).
ولأن الأصل الإباحة.
والجواب: حمل الطعام على الحبوب، لأنه المتعارف، ولدلالة الحديث عليه.
سلمنا، لكن (طعام الذين أوتوا الكتاب) ليس للعموم، ونحن نقول
بموجبه، فيصدق في فرد من أفراده.
ولأنه يصدق عليه مع ذبح المسلم أنه طعام الذين أوتوا الكتاب.
ولأن (3) الحكم معلق على الطعام، وليس الذبح جزء من مسماه،
والأحاديث معارضة بأمثالها، ومحمولة على الضرورة دون الاختيار، لما رواه
زكريا بن آدم قال: قال أبو الحسن - عليه السلام -: إني أنهاك عن ذبيحة كل
من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك إلا في وقت الضرورة إليه (4).
أو على التقية، لأن مذهب العامة إباحة ذلك (5)، والأصل معارض بالاحتياط.

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 68 ح 290، وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الصيد والذباحة ح 34
ج 16 ص 289.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 68 ح 291، وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الصيد والذباحة ح 35
ج 16 ص 289.
(3) في الطبعة الحجرية: أنه طعام الذين أتوا الكتاب ولأنه يصدق عليه قبل الذبح أنه طعام الذين أوتوا
الكتاب ولأن.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 70 ح 298، وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الصيد والذباحة ح 9 ج 16
ص 281.
(5) المجموع: ج 9 ص 78.
299

مسألة: قال الشيخ في النهاية: الذباحة لا يجوز أن يتولاها غير المسلمين،
ومن المسلمين لا يتولاها إلا أهل الحق، فإن تولاها غير أهل الحق ويكون ممن
لا يعرف بعداوة لآل محمد - عليهم السلام - لم يكن بأس بأكل ذبيحته، وإن
كان ممن ينصب لهم العداوة والشنئان لم يجز أكل ذبيحته (1). وهذا الكلام
يعطي إباحة أكل ذبيحة المخالف إذا لم يكن ناصبا.
وقال ابن إدريس: المراد بقوله: (وغيرهم) يعني: المستضعفين الذين لا
منا ولا من مخالفينا، وصحيح أنهم غيرنا، فلا يظن ظان أنه أراد بغيرهم من
مخالفينا (2).
ومنع أبو الصلاح من ذباحة الكافر وجاحد النص (3).
وقال ابن حمزة: والذابح يجب أن يكون مؤمنا أو في حكمه (4).
وقال ابن البراج: لا يجوز أن يتولى الذبح إلا من كان مسلما من أهل
الحق، فإن تولاه غير من ذكرناه من الكفار المخالفين لدين الإسلام أو من كفار
أهل الملة على اختلافهم في جهات كفرهم لم يصح ذكاته ولم يؤكل ذبيحته (5).
والمعتمد جواز أكل ذبيحتهم إذا اعتقدوا وجوب التسمية.
لنا: عموم قوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله
عليه) (6) والصيد كالذبائح (7).
وما رواه محمد بن قيس، عن الباقر - عليه السلام - قال: قال أمير المؤمنين
- عليه السلام -: ذبيحة من دان بكلمة الإسلام وصام وصلى لكم حلال إذا

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 89.
(2) السرائر: ج 3 ص 106.
(3) الكافي في الفقه: ص 277.
(4) الوسيلة: ص 361.
(5) المهذب ج 2 ص 439.
(6) المائدة: 4.
(7) في الطبعة الحجرية: كالذبح.
300

ذكر اسم الله عليه (1). وللأصل.
نعم الناصب لا يجوز أكل ذبيحته، لأنه ارتكب ما هو معلوم البطلان من
دين النبي صلى الله عليه وآله.
وما رواه أبو بصير قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: ذبيحة
الناصب لا تحل (2).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن السنة ألا ينخع الذبيحة إلا بعد أن
تبرد، وهو ألا يبين الرأس من الجسد ويقطع النخاع، فإن سبقته السكين وأبان
الرأس جاز أكله إذا خرج منه الدم، فإن لم يخرج الدم لم يجز أكله، ومتى تعمد
ذلك لم يجز أكله (3): وتبعه ابن زهرة (4) في تحريم الأكل.
وقال في الخلاف: يكره إبانة الرأس من الجسد وقطع النخاع قبل أن تبرد
الذبيحة، فإن خالف وأبان لم يجز (5) أكله، وبه قال جميع الفقهاء، وقال سعيد
بن المسيب: يحرم أكلها. ثم استدل بأن الأصل الإباحة، وقوله تعالى: (فكلوا
مما ذكر اسم الله عليه) وهذا ذكر اسم الله عليه، وعليه إجماع الصحابة.
يروي (6) عن علي - عليه السلام - أنه سئل عن بعير ضربت عنقه بالسيف،
فقال: يؤكل. وعن عمران بن حصين قيل له: في رجل ذبح بطة فأبان رأسها،

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 71 ح 300 وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 28
ص 292.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 71 ح 301، وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الصيد والذباحة ح 2 ج 6
ص 192.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 90 - 91.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 556 س 20 - 21.
(5) في المصدر: يحرم.
(6) في المصدر: روي.
301

فقال: يؤكل. وعن ابن عمر نحوه، ولا مخالف لهم (1).
وقال المفيد: ولا يفصل الرأس من العنق حتى تبرد الذبيحة (2). ولم يبين
التحريم والكراهة.
وقال ابن الجنيد: وليس للذابح أن يتعمد قطع رأس البهيمة إلا بعد خروج
نفسها، فإن سبقته شفرته وخرج الدم لم يكن بها بأس، وليس له أيضا أن
ينخع الذبيحة، وهو كسر رقبتها أو ركلها برجله لتعجيل (3) خروج نفسها
ويسلخها حتى تبرد.
وقال الصدوق: فإذا ذبحت فسبقت الحديدة وأبانت الرأس فكله إذا خرج
الدم (4). ولم يتعرض للتعمد.
وقال ابن البراج: لا يجوز أن ينخع الذبيحة حتى تبرد بالموت، وذلك ألا
يفصل رأسها من جسدها ويقطع نخاعها، وهو عظم في العنق، فإن سبقته
السكين فأبانت الرأس من الجسد لم يكن بأكل ذلك بأس (5).
وقال ابن حمزة: فإن نخع عمدا أو سهوا ولم يخرج الدم حرم، وإن خرج الدم
وفعل سهوا أو سبقته السكين لم يحرم (6).
وقال ابن إدريس: يكره أن ينخع الذبيحة إلا بعد أن تبرد بالموت، وهو
ألا يبين الرأس من الجسد. ويقطع النخاع، وهو الخيط الأبيض الذي الخزر
منظومة فيه، وهو من الرقبة ممدود إلى عجب الذنب. وأكله عند أصحابنا حرام
من جملة المحرمات التي في الذبيحة، فإن سبقته السكين وأبان الرأس جاز أكله،
ولم يكن ذلك الفعل مكروها، وإنما المكروه تعمد ذلك دون أن يكون محظورا،

(1) الخلاف: ج 6 ص 53 المسألة 13.
(2) المقنعة: ص 580.
(3) في الطبعة الحجرية: ليعجل.
(4) المقنع: ص 139.
(5) المهذب: ج 2 ص 440.
(6) الوسيلة: ص 360.
302

على الأظهر من أقوال أصحابنا، بل لا خلاف بين المحصلين في ذلك. وقول
الشيخ في النهاية: (أنه لا يجوز) قد رجع عنه في مسائل خلافه، ولا دليل على
ما أورده في نهايته من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع، وإنما أورده إيرادا
لا اعتقادا (1).
والمعتمد تحريم الفعل لا المذبوح.
لنا: على الأول ما رواه الحلبي في الحسن، عن الصادق - عليه السلام -
قال: ولا ينخع ولا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة (2).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم، عن الباقر - عليه السلام - قال: ولا ينخع
ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح (3). والنهي يدل على التحريم.
وأما على الثاني فما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي، عن الصادق
- عليه السلام - أنه سئل عن رجل ذبح طيرا فقطع رأسه أيؤكل منه؟ قال: نعم،
ولكن لا يتعمد قطع رأسه (4).
وقول ابن إدريس ليس بشئ يعول عليه، لأن الأدلة غير منحصرة فيما
ذكره، وما يدريه أن ما ذكره الشيخ في النهاية لم يصدر عن اعتقاده، وهذا يدل
على جهله وقلة إنصافه مع الشيخ - رحمه الله - لأن في ذلك نسبته إلى التهمة،
وحاش شيخنا - رحمه الله - عن ذلك.

(1) السرائر: ج 3 ص 107 - 108.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 60 ذيل حديث 251، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الصيد والذباحة
ح 3 ج 16 ص 267.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 60 ذيل حديث 252، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الصيد والذباحة
ح 2 ج 16 ص 267.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 328 ح 4172، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الصيد والذباحة ح 5
ج 16 ص 259.
303

مسألة: قال الشيخ - رحمه الله - في النهاية: ولا يجوز أن يقلب السكين فيذبح
إلى فوق، بل ينبغي أن يبتدئ من فوق إلى أن يقطع الحلقوم (1). وتبعه ابن
البراج (2).
وقال ابن إدريس: هذه رواية أوردها إيرادا، فإن صحت حملت على
الكراهية دون الحظر، لأنه لا دليل على حظر ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع
بها ولا إجماع منعقد، والأصل الإباحة (3).
والشيخ عول في ذلك على رواية حمران بن أعين، عن الصادق - عليه
السلام - قال: ولا تقلب السكين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق (4).
وقول ابن إدريس قوي، لأن في الطريق أبا هاشم الجعفري، ولا أعرف
حاله.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ولا يجوز ذبح شئ من الحيوان صبرا، وهو أن
يذبح شيئا وينظر إليه حيوان آخر (5).
وقال ابن إدريس: هذه رواية أوردها إيرادا، فإن صحت حملت على
الكراهة دون الحظر، لأنه لا دليل على حظر ذلك وتحريمه من كتاب ولا سنة
ولا إجماع، والأصل الإباحة (6).
وقول ابن إدريس لا بأس به، لقصور الخبر في التحريم مع ضعفه، لأن في

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 92.
(2) المهذب: ج 2 ص 440.
(3) السرائر: ج 3 ص 109.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 55 ح 227، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الصيد والذباحة ح 2 ج 16
ص 255.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 93.
(6) السرائر: ج 3 ص 109.
304

طريقه غياث بن إبراهيم، عن الصادق - عليه السلام قال إن أمير المؤمنين
- عليه السلام -: كان لا يذبح الشاة عند الشاة ولا الجزور عند الجزور وهو
ينظر إليه (1).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا يجوز سلخ الذبيحة إلا بعد بردها، فإن
سلخت قبل أن تبرد أو سلخ شئ منها لم يحل أكله (2). وتبعه ابن البراج (3)،
وابن حمزة (4).
وقال ابن إدريس: هذه رواية أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا،
لأنه لا دليل على حظر ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع منعقد،
وأخبار الآحاد لا يرجع بها على الأصول المقررة الممهدة، لأنها لا توجب علما
ولا عملا، وكتاب الله تعالى أحق بأن يتمسك به، ولا يلتفت إلى هذه الرواية
الشاذة المخالفة لأصول المذهب، وهو قوله تعالى: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه)
وهذا قد ذكر اسم الله عليه وذبح ذباحة شرعية وحصلت جميع الشرائط المعتبرة
في تحليل الذباحة، فمن ادعى بعد ذلك حظرها يحتاج إلى دلالة شرعية (5).
وقول ابن إدريس قوي.
والشيخ - رحمه الله - ذكر هنا رواية مرسلة عن أحمد بن محمد، عن محمد بن
يحيى رفعه قال: قال أبو الحسن الرضا - عليه السلام -: الشاة إذا ذبحت
وسلخت أو سلخ شئ منها قبل أن تموت فليس يحل أكلها (6).

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 56 ح 232، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 16
ص 258.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 93 - 94.
(3) المهذب: ج 2 ص 440.
(4) الوسيلة: ص 360.
(5) السرائر: ج 3 ص 110.
(6) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 56 ح 233، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 16
ص 258 - 259.
305

مسألة: قال شيخنا المفيد في المقنعة: وإذا ذبح الحيوان فتحرك عن الذبح
وخرج منه الدم فهو ذكي، وإن لم يكن منه حركة فهو منخنق وفي حكم الميتة،
وكذلك إن لم يسل منه دم (1). وهذا يدل على اعتبار الشيئين معا الحركة
وخروج الدم في إباحة الذبيحة.
وقال الشيخ في النهاية: وإذا ذبحت الذبيحة فلم يخرج الدم أو لم يتحرك
شئ منه لم يجز أكله، وإن خرج الدم أو تحرك شئ من أعضائه - يده أو رجله
أو غير ذلك - جاز أكله (2). وهذا يدل على الاكتفاء بأحد الأمرين.
وقال ابن الجنيد: ولو لحق البهيمة ما بمثله تموت لو تركت فلحق ذكاتها
وخرج الدم مستويا وتحركت أو بعض أعضائها بعد خروج الدم حل أكلها،
وكذا لو قطعها السبع. وهو يوافق كلام المفيد.
وقال ابن البراج: وإذا ذبحت ذبيحة ولم يتحرك منها شئ لم يجز أكلها،
وإن تحرك شئ منها مثل يدها أو رجلها أو ذنبها أو جفنها (3) أو أذنها جاز
أكلها (4). فاعتبر الحركة.
وعد في موضع آخر في المحرمات، وكل ما لم يتحرك منه شئ بعد الذبح
وإن سال منه دم وكل ما لم يسل منه دم (5). وهذا يدل على اعتبارهما معا.
وسلار وافق شيخنا المفيد فقال: فإن تحرك - إذا ذبح المذبوح - وخرج منه
الدم وإلا لم يؤكل لحمه (6).
وقال أبو الصلاح: الضرب الثاني - يعني: من المحرمات لوقوعه على وجه
التصرف -: ذوات الأنفس السائلة ابتداء أو منخنقة بماء أو حبل أو غيرهما أو

(1) المقنعة: ص 580.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 94.
(3) في المصدر: خفيها، ق 2 و م 3: جنبها.
(4) المهذب: ج 2 ص 440.
(5) المهذب: ج 2 ص 428.
(6) المراسم: ص 209.
306

غير متحركة بعد الذبح أو لم يسل منها الدم (1).
وقال الصدوق: إذا ذبحت فسبقت الحديدة وأبانت الرأس فكله إذا خرج
الدم، والشاة إذا طرفت عينها أو ركضت رجلها أو حركت ذنبها فهي ذكية،
وإن ذبحت شاة فلم تتحرك وخرج منها دم كثير عبيط فلا تأكل إلا أن
يتحرك منها شئ كما ذكرناه (2). وهو يعطي اعتبار الحركة وحدها.
وقال ابن إدريس: وإذا ذبحت الذبيحة فلم يخرج الدم أو لم يتحرك شئ
منها لم يجز أكله، فإن خرج الدم أو تحرك شئ من أعضائها يدها أو رجلها أو
غير ذلك جاز أكله، فالمعتبر على الصحيح من المذهب أحد الشيئين في تحليل
أكلها: إما خروج الدم الذي له دفع أو الحركة القوية، أيهما كان جاز أكلها،
وشيخنا المفيد اعتبر في جواز الأكل بعد الذبح مجموع الشيئين معا. والأول هو
الأظهر، لأنه يعضده ظواهر القرآن والأخبار المتواترة (3).
والمعتمد اعتبار الحركة، لما رواه محمد الحلبي في الصحيح، عن الصادق
- عليه السلام - قال: سألته عن الذبيحة، فقال: إذا تحرك الذنب أو الطرف أو
الأذن فهو ذكي (4).
وعن رفاعة، عن الصادق - عليه السلام - أنه قال في الشاة: إذا طرفت عينها
أو حركت ذنبها فهي ذكية (5).

(1) الكافي في الفقه: ص 277.
(2) المقنع: ص 139.
(3) السرائر: ج 3 ص 110.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 56 ح 235، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الصيد والذباحة ح 3
ج 16 ص 263.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 56 ح 234، وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الصيد والذباحة ح 4
ج 16 ص 263.
307

وقد روى الحسين بن مسلم، عن الصادق - عليه السلام - قال: إن كان
الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا وأطعموا، وإن
خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه (1). وهذه الرواية لم يثبت عندي عدالة رجالها.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا ذبح شاة أو غيرها ثم وجد في بطنها
جنين فإن كان قد أشعر أو أوبر ولم تلجه الروح فذكاته ذكاة أمه، وإن لم يكن
تاما لم يجز أكله على حال، وإن كان فيه روح وجبت تذكيته، وإلا فلا يجوز
أكله (2).
وقال في الخلاف: إذا نحرت البدنة أو ذبحت البقرة أو الشاة فخرج من
جوفها ولد فإن كان تاما - وحده أن يكون قد أشعر وأوبر - نظر فيه، فإن خرج
ميتا حل أكله، وإن خرج حيا ثم مات لم يحل أكله وإن خرج قبل أن يتكامل لم
يحل أكله بحال (3).
وقال المفيد: وجنين الحيوان حلال إذا أشعر أو أوبر (4) وذكاته ذكاة أمة،
ولا يجوز أكله قبل أن يشعر أو يوبر (5) مع الاختيار (6).
وقال ابن أبي عقيل: وإذا ذبح ذبيحة فوجد في بطنها ولدا تاما فإنه يؤكل،
لأنه ذكاة الأم ذكاته، وإن لم يكن تاما فلا يؤكل.
وقال ابن الجنيد: والجنين من الأنعام الذي لم يكمل خلقه وكماله أن يوبر
أو يشعر لا يحل أكله، فإذا بلغ هذه الخصال كان ذكاته ذكاة أمه إذا خرج من

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 57 ح 236، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب الصيد والذباحة ح 2
ج 16 ص 264.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 94 - 95.
(3) الخلاف: ج 6 ص 88 المسألة 18، مع اختلاف.
(4) في المصدر: وأوبر.
(5) في المصدر: ويوبر.
(6) المقنعة: ص 583.
308

بطنها وهو ميتة، فإن خرج وفيه حياة فأدركت ذكاته وإلا لم يؤكل.
وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية القول: بأن الجنين الذي
يوجد في بطن أمه بعد ذكاتها على ضربين: إن كان كاملا - وعلامة ذلك أن
ينبث شعره إن كان من ذوات الشعر، أو يظهر وبره إن كان من ذوات
الأوبار - فإنه يحل أكله، وذكاة أمه ذكاته، وإن لم يبلغ الحد الذي ذكرناه
وجب أن يذكى ذكاة منفردة إن خرج حيا، وإن لم يخرج حيا فلا يؤكل (1).
وقال الصدوق في المقنع: وإذا ذبحت ذبيحة في بطنها ولد فإن كان تاما
فكله، فإن ذكاته ذكاة أمه، وإن لم يكن تاما فلا تأكله. وروي إذا أشعر أو
أوبر فذكاته ذكاة أمه (2).
وقال ابن البراج: ومن ذبح شاة أو غيرها ووجد في بطنها جنينا فعلى
قسمين: إما أن يكون أشعر أو أوبر أو لا يكون كذلك، فإن كان أشعر أو أوبر
ولم يلجه روح فذكاته ذكاة أمه، وإن لم يكن كذلك أو لم يكن تاما لم يجز
أكله، وكل جنين كان قد أشعر أو أوبر وولجته الروح وأدرك كذلك لم يكن
بد من ذكاته، فإن لم يذك لم يجز أكله على كل حال (3).
وقال ابن حمزة: الجنين لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أشعر ولم تلجه الروح،
أو أشعر وولجته الروح، أو لم يتم خلقته. فالأول يحصل ذكاته بذكاة أمه،
والثاني يلزم تذكيته، والثالث يحرم أكله (4).
وقال سلار: فأما أجنة ما يؤكل لحمه إذا وجدت في جوفه بعد ذبحه أو موته
فإن ما أشعر أو أوبر وأمه مذكاة فذكاته ذكاة أمه.
إذا لم تلجه الروح، فإن ولجته الروح فلا بد من تذكية، وإذا لم يكن أشعر

(1) الإنتصار: ص 195.
(2) المقنع: ص 139.
(3) المهذب: ج 2 ص 440 - 441، مع اختلاف.
(4) الوسيلة: ص 361.
309

وتمت خلقته فلا يحل أكله، ولا يؤكل ما يوجد في بطون الميتة إلا ما يلحقه
الذكاة (1).
وقال ابن إدريس: وإذا ذبح شاة أو غيرها ثم وجد في بطنها جنين فإن
كان قد أشعر أو أوبر ولم تلجه الروح فذكاته ذكاة أمه، فإن لم يكن أشعر أو
أوبر لم يجز أكله على حال، إلا أن يكون فيه روح، فإن كانت فيه روح وإن لم
يشعر ولا يوبر وجبت تذكيته، وإلا فلا يجوز أكله إذا لم تدرك ذكاته (2).
والمعتمد أن نقول: إن خرج تاما قد أشعر أو أوبر فإن كان حيا حياة
مستقرة وجبت تذكيته، وإن خرج ميتا حل أكله، سواء كانت الحياة قد ولجته
أو لا، وإن لم يكن تاما لم يحل أكله، إلا أن يخرج حيا مستقر الحياة ويذكى،
ولا يشترط عدم ولوج الحياة في إباحته.
لنا: قوله تعالى: (أحلت لكم بهيمة الأنعام) (3) وروي عن ابن عباس
وغيره أنها الأجنة (4).
وما رواه محمد بن مسلم في الحسن، عن أحدهما - عليهما السلام - قال:
سألته عن قول الله عز وجل: (أحلت لكم بهيمة الأنعام)، قال: الجنين في بطن
أمه إذا أشعر أو أوبر فذكاته ذكاة أمه، فذلك الذي عنى الله عز وجل (5). وقد
رواه الصدوق (6) في الصحيح.

(1) المراسم: ص 210.
(2) السرائر: ج 3 ص 110.
(3) المائدة: 1.
(4) مجمع البيان: ج 3 - 4 ص 152.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 58 ح 244، وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الصيد والذباحة ح 3
ج 16 ص 270.
(6) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 328 ح 4175، وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الصيد والذباحة
ح 3 ج 16 ص 270.
310

وكذا الشيخ في الحسن عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: إذا
ذبحت الذبيحة فوجدت في بطنها ولدا تاما فكل، وإن لم يكن تاما فلا
تأكل (1).
وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن الحوار تذكى أمه أيؤكل بذكاتها؟ فقال: إذا كان تاما ونبت عليه
الشعر فكل (2).
وروى الصدوق عن أبان، عن محمد بن مسلم، عن الباقر - عليه السلام -
أنه قال: في الذبيحة تذبح وفي بطنها ولد، قال: إن كان تاما فكله فإن ذكاته
ذكاة أمه، وإن لم يكن تاما فلا تأكله (3).
وروى الشيخ في الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال:
إذا ذبحت الذبيحة فوجدت في بطنها ولدا تاما فكل، وإن لم يكن تاما فلا تأكل (4).
وفي الصحيح عن ابن مسكان، عن الباقر - عليه السلام - أنه قال: في
الذبيحة تذبح وفي بطنها ولد، قال: إن كان تاما فكله فإن ذكاته ذكاة أمه،
وإن لم يكن تاما فلا تأكل (5).

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 58 ح 242، وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الصيد والذباحة ح 4
ج 16 ص 270.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 59 ح 246، وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 16
ص 269.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 328 ح 4174، وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الصيد والذباحة
ح 6 ج 16 ص 270.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 58 ح 242، وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الصيد والذباحة ح 4 ج 16
ص 270.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 58 ح 243، وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الصيد والذباحة ح 6
ج 16 ص 270، وفيهما: (عن ابن سنان).
311

وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن الحوار تذكى أمه أيؤكل بذكاتها؟ فقال: إن كان تاما ونبت عليه
الشعر فكل (1).
وعمومات هذه الأخبار ينافي ما اشترطه الشيخ وابن إدريس من عدم
ولوج الروح، ومع ذلك فإنه لم يجز في العادة أن يكون قد أشعر أو أوبر ولم تلجه
الروح.

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 59 ح 246، وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الصيد والذباحة ح 1
ج 16 ص 269.
312

الفصل الرابع
في ما يحل من الميتة ويحرم (1)
من الذبيحة وحكم البيض والجلود
مسألة: قال الشيخ في النهاية: يحرم من الإبل والبقر والغنم وغيرها مما يحل
أكله وإن كانت مذكاة: الدم والفرث والطحال والمرارة والمشيمة والفرج
ظاهره وباطنه والقضيب والأنثيان والنخاع والعلباء والغدد وذات (2) الأشاجع
والحدق والخرزة تكون في الدماغ (3). وكذا قال ابن إدريس، وزاد فيه: المثانة،
وهي موضع البول ومحقنه (4).
وشيخنا المفيد - رحمه الله - قال: ولا يؤكل من الأنعام والوحوش الطحال،
لأنه مجمع الدم الفاسد، ولا يؤكل القضيب والأنثيان (5). ولم يتعرض لغيرها.
وقال الصدوق: واعلم أن في الشاة عشرة أشياء (6) لا تؤكل: الفرث والدم
والنخاع والطحال والغدد والقضيب والأنثيان والرحم والحيا والأوداج، وروي

(1) في الطبعة الحجرية: وما يحرم.
(2) في الطبعة الحجرية وق 2: وذوات.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 95.
(4) السرائر: ج 3 ص 111.
(5) المقنعة: ص 582.
(6) في المصدر: ولا تأكل من الشاة عشرة أشياء.
313

العروق، وفي حديث آخر مكان (الحيا) ((الجلد) (1) (2).
وقال سلار: ولا يؤكل الطحال ولا القضيب ولا الأنثيان (3). ولم يتعرض
لغيرها كشيخه المفيد.
وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية تحريم أكل الطحال
والقضيب والخصيتين والرحم والمثانة (4). وابن البراج (5) تابع شيخنا أبا جعفر، إلا
أنه أسقط الدم لظهوره، فإن تحريمه مستفاد من نص القرآن.
وقال ابن الجنيد: ويكره من الشاة أكل الطحال والمثانة والغدد والنخاع
والرحم والقضيب والأنثيين. ولم ينص على التحريم، وإن كانت لفظة (يكره)
قد يستعمل في المحرم أحيانا. وابن حمزة (6) تابع الشيخ في النهاية.
وقال الشيخ في الخلاف: الطحال والقضيب (7) والخصيتان والرحم والمثانة
والغدد والعلباء والخرزة تكون في الدماغ عندنا محرم (8) (9). ولم يتعرض فيه
لغيرها.
وجعل أبو الصلاح النخاع والعروق والمرارة وحبة الحدقة وخرزة الدماغ
مكروها (10).
والمشهور ما قاله الشيخ في النهاية، لاستخباثها، فتكون محرمة.
ولما رواه ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن الصادق - عليه السلام -
قال: لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء: الفرث والدم والطحال والنخاع والعلباء

(1) وعبارة (وفي حديث آخر مكان الحيا الجلد) غير موجودة في المصدر.
(2) الهداية: ص 79.
(3) المراسم: ص 210.
(4) الإنتصار: ص 197.
(5) المهذب: ج 2 ص 441.
(6) الوسيلة: ص 361.
(7) في المصدر: الطحال عندنا محرم والقضيب.
(8) في المصدر: يحرم.
(9) الخلاف: ج 6 ص 29 المسألة 30.
(10) الكافي في الفقه: ص 279.
314

والغدد والقضيب والأنثيان والحيا والمرارة (1).
وعن إسماعيل بن مرار عنهم - عليهم السلام - قال: لا يؤكل مما يكون في
الإبل والبقر والغنم وغير ذلك مما لحمه حلال الفرج بما فيه ظاهره وباطنه
والقضيب والبيضتان والمشيمة - وهي موضع الولد والطحال، لأنه دم - والغدد
مع العروق والنخع الذي يكون في الصلب والمرارة والحدق والخرزة التي تكون
في الدماغ والدم (2).
وهذه الأخبار لم يثبت عندي صحة رجالها، فالأقوى الاقتصار في التحريم
على الطحال والدم والقضيب والفرث والأنثيين والفرج والمثانة والمرارة
والمشيمة والكراهة في الباقي، عملا بأصالة الإباحة، وبعمومات (قل لا
أجد) (3) (أحلت لكم بهيمة الأنعام)) (4) (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) (5).
مسألة: سوغ الشيخ في النهاية (6) أكل اللبن إذا حلب بعد موت الدابة، وهو
أيضا اختياره في كتابي الأخبار (7)، واختاره الصدوق في المقنع (8)، وشيخنا
المفيد في المقنعة (9)، وابن حمزة (10).

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 74 ح 316، وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 4
ج 16 ص 360.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 75 ح 317 - 318، وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الأطعمة والأشربة
ح 3 ج 16 ص 360، وفيهما: (والنخيع الذيي يكون).
(3) الأنعام: 145.
(4) المائدة: 1.
(5) الأنعام: 118.
(6) النهاية ونكتها: ج 3 ص 96.
(7) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 77 ذيل الحديث 325، الإستبصار: ج 4 ص 89 ذيل الحديث 340.
(8) لم نعثر عليه في المقنع وعثرنا عليه في الهداية: ص 79.
(9) المقنعة: ص 583.
(10) الوسيلة: ص 362.
315

وجعله ابن البراج (1) مكروها.
وقال ابن الجنيد: ولا خير في ما يعصر من حلمة الديس من اللبن بعد
الموت.
وقال سلار: ولا يؤكل ألبان الميتة التي توجد في ضروعها بعد الموت (2).
وقال ابن إدريس: اللبن نجس بغير خلاف عند المحصلين من أصحابنا،
لأنه مائع في ميتة ملامس لها. وما أورده شيخنا في نهايته رواية شاذة، مخالفة
لأصول المذهب، لا يعضدها كتاب الله تعالى ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع (3).
والمعتمد التحريم.
لنا: أنه نجس، لانفصاله رطبا عن محل نجس العين فانفعل بنجاسته، وكل
نجس حرام.
وما رواه الشيخ عن وهب بن وهب، عن الصادق، عن الباقر، عن علي
- عليهم السلام - أنه سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن، فقال علي - عليه السلام -
ذلك الحرام محضا (4).
احتج الشيخ بما رواه زرارة، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
الإنفحة تخرج من الجدي الميت، قال: لا بأس به، قلت: اللبن يكون في ضرع
الشاة وقد ماتت، قال: لا بأس به (5).

(1) المهذب: ج 2 ص 441، ولم يذكر فيه الكراهية.
(2) المراسم: ص 211.
(3) السرائر: ج 3 ص 112.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 76 - 77 ح 325، وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الأطعمة والأشربة
ح 11 ج 16 ص 367.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 76، ح 324، وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب والأطعمة والأشربة ح 10
ج 16 ص 366.
316

وعن الحسين بن زرارة قال: كنت عند أبي عبد الله - عليه السلام - وأبي
يسأله عن السن (1) من الميتة والإنفحة من الميتة والبيضة من الميتة (2)، فقال:
كل هذا ذكي (3).
قال الشيخ: الخبر الأول رواه وهب بن وهب وهو ضعيف، وجاز أن يكون
قد خرج مخرج التقية، لأنه مذهب العامة (4).
والجواب: الحمل على ما إذا قاربت الشاة الموت جمعا بين الأدلة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا جعل طحال في سفود مع اللحم ثم جعل
في التنور فإن كان مثقوبا وكان فوق اللحم لم يؤكل اللحم ولا ما كان تحته،
وإن كان تحته أكل اللحم ولم يؤكل ما تحته، وإن لم يكن مثقوبا حل أكل
جميع ما كان تحته (5). وكذا قال ابن البراج (6)، وابن إدريس (7).
وقال الصدوق وأبوه: وإذا كان اللحم مع الطحال في سفود أكل اللحم
إذا كان فوق الطحال، وإذا كان أسفل من الطحال لم يؤكل ويؤكل جوذابه (8)،
لأن الطحال في حجاب ولا ينزل إلا أن يثقب، فإن ثقب وسال منه لم يؤكل ما
تحته من الجوذاب (9).

(1) في التهذيب: اللبن.
(2) ق 2 و م 3: والبيضة من الميتة واللبن من الميتة، وفي الطبعة الحجرية: واللبن من الميتة والبيضة.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 75 ح 320، وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 4
ج 16 ص 365.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 77 ذيل الحديث 325.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 97.
(6) المهذب: ج 2 ص 442.
(7) السرائر: ج 3 ص 112.
(8) الجوذاب: طعام من سكر وأرز ولحم (مجمع البحرين ج 2 ص 22).
(9) المقنع: ص 143، وفيه: (ولا ينزل منه إلا أن).
317

وقال ابن حمزة: وإن جعل سمكة مما يؤكل مع أخرى مما لا يؤكل في
سفود وما يؤكل فوق ما لا يؤكل حل، وإن كان تحته لم يحل، وحكم اللحم
والطحال كذلك، وإن جعل تحت الطحال مثقوبا جوذاب حرم وغير مثقوب لم
يحرم. وروي أن حكم اللحم والطحال كذلك (1).
والمعتمد اختيار الشيخ. والرواية التي وردت في ذلك عن عمار بن موسى،
عن الصادق - عليه السلام - سئل عن الطحال أيحل أكله؟ قال: لا تأكله فهو
دم، قلت: فإن كان الطحال في سفود مع لحم وتحته خبز - وهو الجوذاب - أيؤكل
ما تحته؟ قال: نعم يؤكل اللحم والجوذاب ويرمى الطحال، لأن الطحال في
حجاب لا يسيل منه، فإن كان الطحال مشقوقا أو مثقوبا فلا تأكل مما يسيل
عليه الطحال (2). وهذه الرواية لا بأس بالعمل بها، لتضمنها الأصل.
تذنيب: قال شيخنا علي بن بابويه وولده الصدوق: وإن جعلت سمكة يجوز
أكلها مع جري أو غيره مما لا يجوز أكله في سفود أكلت التي لها فلس إذا
كانت في السفود فوق الجري وفوق الذي لا يؤكل، فإن كانت السمكة أسفل
من الجري لم يؤكل (3). وكذا قال ابن حمزة (4)، لما رواه عمار بن موسى، عن
الصادق - عليه السلام - وسئل عن الجري يكون في السفود مع السمك، قال:
يؤكل ما كان فوق الجري ويرمى بما سال عليه الجري (5). وهذه الرواية ضعيفة

(1) الوسيلة: ص 362.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 81 ص 345، وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1
ج 16 ص 379 - 380.
(3) المقنع: ص 143، وفيه: (وفوق التي لا تؤكل).
(4) الوسيلة: ص 362.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 81 ذيل الحديث 345، وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب الأطعمة
والأشربة ح 1 ج 16 ص 379.
318

السند، ولم يعتبر باقي علمائنا ذلك.
والوجه الإباحة مطلقا، إلا أن يكون الفوقاني مما ينفعل السمكة عنه
بالنجاسة بأن يكون ذا نفس سائلة غير مذكى، أما الجري وشبهه مما لا نفس له
سائله فالوجه عندي الجواز، عملا بالأصل السالم عن المعارض.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا اختلط اللحم الذكي (1) بالميتة ولم يكن
هناك طريق إلى تمييزه منها لم يحل له أكل شئ منه وبيع على مستحل
الميتة (2). وتبعه ابن حمزة (3).
وقال ابن البراج: إذا اختلط لحم ذكي بميتة ولم يمكن تمييزه لم يحل
أكل (4) شئ منه، وقد قيل: إنه يجوز بيعه على مستحلي الميتة. والأحوط ترك
بيعه (5).
وقال ابن إدريس: لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به، وقد روى أنه يباع على
مستحل الميتة، والأولى اطراح هذه الرواية وترك العمل بها، لأنها مخالفة
لأصول مذهبنا، ولأن الرسول - عليه السلام - قال: (إن الله إذا حرم شيئا حرم
ثمنه) (6).
والوجه ما قاله الشيخ.
لنا: إنه في الحقيقة ليس بيعا، بل هو استنقاذ مال الكافر من يده برضاه
فكان سائغا.

(1) في الطبعة الحجرية، ق 2: المذكى.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 97 - 98.
(3) الوسيلة: ص 362.
(4) في الطبعة الحجرية: ولم يمكن تمييزه منها لم يحل له أكل.
(5) المهذب: ج 2 ص 441 - 442.
(6) السرائر: ج 3 ص 113.
319

وما رواه محمد بن يعقوب، عن الحلبي في الحسن، عن الصادق - عليه
السلام - أنه سئل عن رجل كانت له غنم وبقر فكان يدرك الذكي منها فيعزله
ويعزل الميتة ثم إن الميتة والمذكى (1) اختلطا كيف يصنع به؟ قال: يبيعه ممن
يستحل الميتة فإنه لا بأس به (2) (3).
وفي الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: سمعته يقول:
إذا اختلط الذكي والميتة باعه ممن يستحل الميتة (4).
والجواب عن قول ابن إدريس ما تقدم من أنه: ليس بيعا محققا بل أطلق
عليه اسم البيع، لمشابهته له في بذل مال في مقابله عوض.
سلمنا، لكن يصرف فيه البيع إلى المذكى (5).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا يجوز أن يأكل الميتة إلا إذا خاف تلف
النفس، فإذا خاف ذلك أكل منها ما يمسك رمقه ولا يتملأ منه، والباغي
الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا والعادي الذي يخرج لقطع الطريق لا يحل لهما
أكل الميتة وإن اضطرا إليه (6). وتبعه ابن البراج (7).
وقال في المبسوط: إنها حلال للمضطر ولمن (8) هو في معناه، وهو من يخاف

(1) في الوسائل: إن الميتة والذكي، ق 2 و م 3: إن الميت والذكي.
(2) في المصدر: يستحل الميتة ويأكل ثمنه فلا بأس به.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 47 ح 198، وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 2
ج 16 ص 370.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 48 ح 199، وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1
ج 16 ص 370، وفيهما: (يستحل الميتة وأكل ثمنه).
(5) في الطبعة الحجرية: يصرف فيه البيع إلى بيع المذكى.
(6) النهاية ونكتها: ج 3 ص 98 - 99.
(7) المهذب: ج 2 ص 442.
(8) في المصدر: للمضطر فإنها حلال له ولمن.
320

المرض إن ترك أكلها أو كان ماشيا في سفر متى لم يأكل ضعف وانقطع عن
الرفقة أو كان راكبا متى لم يأكل ضعف عن الركوب وانقطع عن الرفقة (1) فإنه
يحل له (2) أكلها (3).
وقال ابن حمزة: المضطر من يخاف التلف وما هو في حكم التلف وهو
أربعة أشياء: المرض بترك الأكل، والضعف عن المشي للمسافر ماشيا وعن
الركوب للمسافر راكبا، والتبقية (4) بالأكل فأبيح له قدر ما يمسك (5) به الرمق
دون الشبع ما لم يكن باغيا ولا عاديا، فالباغي على ثلاثة أوجه (6): من خرج
على إمام عادل (7) أو طلب الصيد لهوا وبطرا، والعادي من يقطع الطريق (8).
وقال ابن إدريس: لا يجوز أن يأكل الميتة إلا إذا خاف تلف النفس، فإذا
خاف ذلك أكل منها ما يمسك به رمقه وهو بقية الحياة، ولا يجوز له الامتلاء
منها، والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا، وقال بعض أصحابنا: الباغي هو
الذي يبغي على إمام المسلمين والعادي الذي يقطع الطريق لم يحل لهما أكل
الميتة وإن اضطرا إليها، لقوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) (9).
والمعتمد ما قاله الشيخ في النهاية: لدلالة الآية (10) عليه.
وقد روى الشيخ عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبي جعفر الجواد
- عليه السلام - إلى أن قال: - فقلت: يا ابن رسول الله متى تحل للمضطر الميتة؟
فقال: حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه - عليهم السلام - أن رسول الله - صلى الله

(1) عبارة (وانقطع عن الرفقة) غير موجودة في المصدر.
(2) ليس في المصدر.
(3) المبسوط: ج 6 ص 284 - 285.
(4) في المصدر: و التقية.
(5) في المصدر: ما يسد.
(6) في المصدر: أضرب.
(7) في المصدر: عدل.
(8) الوسيلة: ج 2 ص 363 - 364.
(9) السرائر: ج 3 ص 113.
(10) البقرة: 173.
321

عليه وآله - سئل فقيل: يا رسول الله إنا نكون بأرض فتصيبنا المخمصة فمتى تحل
لنا الميتة؟ قال: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفوا بقلا فشأنكم بهذا. قال
عبد العظيم: فقلت له: يا ابن رسول الله فما معنى قوله عز وجل: (فمن اضطر غير
باغ ولا عاد)؟ قال: العادي السارق والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا لا
ليعود به على عياله ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا، هي حرام عليهما [في
حال الاضطرار، كما هي حرام عليهما في حال الاختيار]، وليس لهما أن يقصرا
في الصوم ولا صلاة في سفر (1).
مسألة: قال شيخنا المفيد: ويؤكل من بيض السمك ما كان خشنا ويجتنب
منه الأملس والمنماع (2).
وقال سلار: بيض السمك على ضربين: خشن وأملس، فالأول حل،
والثاني حرام (3). وكذا قال ابن حمزة (4).
وقال ابن إدريس: وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن بيض السمك ما
كان منه خشنا فإنه يؤكل ويجتنب الأملس والمنماع، ولا دليل على صحة هذا
القول من كتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا خلاف أن جميع ما في بطن السمك
طاهر، ولو كان ذلك صحيحا لما حلت الضجباة (5) (6).
والمعتمد الإباحة، لعموم قوله تعالى: ((أحل لكم صيد البحر وطعامه) (7)
ولم يبلغنا في الأحاديث المعول عليها ما ينافي هذا العموم فوجب المصير إليه.

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 83 - 84 ح 354، وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب الأطعمة والأشربة
ح 1 ج 16 ص 388.
(2) المقنعة: ص 576.
(3) المراسم: ص 207، وفيه: (والثاني، محرم).
(4) الوسيلة: ص 355.
(5) ق 2، م 3: الصحناة، وفي الطبعة الحجرية: الضجناة.
(6) السرائر: ج 3 ص 113.
(7) المائدة: 96.
322

مسألة: قال الشيخ في النهاية: شعر الخنزير لا يجوز استعماله مع الاختيار،
فإن اضطر إلى استعماله فليستعمل منه ما لم يكن بقي فيه دسم، ويغسل يده
عنده حضور الصلاة (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال ابن إدريس شعر الخنزير لا يجوز للإنسان استعماله مع الاختيار،
على الصحيح من أقوال أصحابنا، وإن كان قد ذهب منهم قوم إلى جواز
استعماله وتمسك بأنه لا تحله الحياة إلا أن أخبارنا متواترة عن الأئمة الأطهار
بتحريم استعماله، والاحتياط يقتضي ذلك، فإن اضطر إلى استعماله
فليستعمل منه ما لم يكن فيه دسم بأن يتركه في فخار ويجعله في النار، فإذا
ذهب دسمه استعمله عند الضرورة والحاجة إليه، ويغسل يده عند حضور
الصلاة على ما وردت الأخبار بذلك (3). وهو موافق لما أفتى به شيخنا
- رحمه الله -.
والمعتمد جواز استعماله مطلقا، ونجاسته لا تعارض الانتفاع به، لما فيه من
المنفعة العاجلة الخالية من ضرر عاجل أو آجل فيكون سائغا. عملا بالأصل
السالم عن معارضة دليل عقلي أو نقلي في ذلك.
فقد روى الشيخ - رحمه الله - عن برد الإسكاف، عن الصادق - عليه
السلام - قال: قلت له: إني رجل خزاز لا يستقيم عملنا إلا بشعر الخنزير لنخزز
به، قال: خذ منه وبرة فاجعلها في فخارة ثم أوقد تحتها حتى يذهب دسمه ثم
أعمل به (4).

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 101.
(2) المهذب: ج 2 ص 443.
(3) السرائر: ج 3 ص 114 - 115.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 84 - 85 ح 355، وسائل الشيعة: ب 65 من أبواب الأطعمة والأشربة
ح 1 ج 16 ص 404.
323

وعن برد، عن الصادق - عليه السلام - قال: قلت له: جعلت فداك إنا
نعمل بشعر الخنزير فربما نسي الرجل فصلى وفي يده شئ منه، قال: لا ينبغي
له أن يصلي وفي يده منه شئ، وقال: خذوه فاغسلوه، فما كان له دسم فلا
تعملوا به، وما لم يكن له دسم فاعملوا به واغسلوا أيديكم منه (1).
وعن سليمان الإسكاف، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن شعر
الخنزير يخزز به، قال: لا بأس به، ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلي (2).
وأما القول بطهارته فشئ ذهب إليه سيدنا المرتضى (3) وقد تقدم البحث
فيه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ويجوز أن يعمل من جلود الميتة دلو يستقى به
الماء لغير الوضوء والصلاة والشرب، وتجنبه أفصل (4). وجعله ابن إدريس
رواية (5).
وقال ابن حمزة: جلود ميتة لا يجوز استعمالها ولا التصرف فيها (6).
وقال ابن البراج: وإن كان جلد ميتة لم يجز استعماله على وجه من
الوجوه، لا قبل الدباغ ولا بعده (7).
ثم قال: ولا يجوز أن يعمل دلو من جلود الميتة ولا استعماله في الماء، وقد
ذكر جواز ذلك فيما عدا الشرب والطهارة، والأحوط ترك استعماله في ذلك

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 85 ح 356، وسائل الشيعة: ب 65 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 2
ج 16 ص 404.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 85 ح 257، وسائل الشيعة: ب 65 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 3
ج 16 ص 404.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): ص 218 المسألة 9 س 16.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 101.
(5) السرائر: ج 3 ص 115.
(6) الوسيلة: ص 362.
(7) المهذب: ج 2 ص 443.
324

وفي غيره (1). وهو الأقرب.
لنا: قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) (2) وتحريم الأعيان غير ممكن،
وأقرب مجازاتها جميع المنافع والتصرفات فيحمل عليه، والأخبار (3) الدالة على
المنع من استعماله جلد الميتة.
واحتج الشيخ بالأصل، وهو ممنوع، للخروج عنه بالآية.
تذنيب: قال الصدوق في المقنع: ولا بأس أن تجعل جلد الخنزير دلوا يستقى
به الماء (4). وهو مشكل، لأنه لا يقع عليه الذكاة، فهو جلد ميتة فيندرج تحت
النهي.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: جلد ما يؤكل لحمه مع التذكية يجوز استعماله
قبل الدباغ وبعده وما لم يذك لا يجوز استعماله قبل الدباغ ولا بعده، وما لا
يؤكل لحمه ضربان: ضرب منه لا يجوز استعماله لا قبل الذكاة ولا بعدها، دبغ
أو لم يدبغ، وهو جلد الكلب والخنزير. والثاني يجوز استعماله إذا ذكي ودبغ
إلا في الصلاة، وهي جلود السباع كلها مثل: النمر والذئب والفهد والسبع
والسمور والسنجاب والأرنب وما أشبه ذلك من السباع والبهائم، وقد رويت
رخصة في جواز الصلاة في السمور والسنجاب والفنك، والأصل ما قدمناه (5).
وقال المفيد: ولا يؤكل الأرنب فإنه مسخ نجس (6). وهو يعطي نجاسة
المسوخ.

(1) المهذب: ج 2 ص 442.
(2) المائدة: 3.
(3) ق 2: وللاخبار.
(4) المقنع: ص 141 وفيه: (وإياك أن تجعل).
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 99 - 101، مع اختلاف.
(6) المقنعة: ص 578.
325

وقال الشيخ في الخلاف: الحيوان ضربان: طاهر ونجس، فالطاهر: النعم
بلا خلاف وما جرى مجراها من البهائم (1) والصيد، والنجس: الكلب والخنزير
والمسوخ كلها (2).
ثم قال أيضا: القرد نجس حرام أكله (3). وهو يدل على أنه حكم بنجاسة
المسوخ أيضا.
وقال ابن البراج: وأما الجلود فإن كان (4) منها مما يؤكل لحمه وكان
مذكى فإنه يجوز استعماله في اللباس والصلاة وغير ذلك قبل الدباغ وبعده إذا
لم يكن عليه نجاسة ولا أثر دم، وإن كان ميتة لم يجز استعماله على وجه من
الوجوه لا قبل الدباغ ولا بعده، وإن كان مما لا يؤكل لحمه وكان كلبا أو
خنزيرا فلا يجوز استعماله لا قبل الذكاة ولا بعدها دبغ أو لم يدبغ على كل
حال، وإن كان جلد فهو أو نمر أو ذئب أو أرنب أو سبع أو ثعلب أو سنجاب
أو سمور أو غير ذلك من السباع والبهائم فإنه يجوز استعماله إذا كان مذكى
ودبغ إلا في الصلاة، وما كان من هذه الجلود غير مذكى فإنه لا يجوز
استعماله (5).
وقال ابن حمزة: الجلود ثلاثة: فجلود الميتة لا يجوز استعمالها ولا التصرف
فيها. وجلود المأكول لحمه المذكى ويجوز استعمالها والصلاة فيها. والجلود
المذكاة من السباع يجوز استعمالها والتصرف فيها بالبيع والشراء دون الصلاة

(1) في الطبعة الحجرية و م 3: بلا خلاف من البهائم.
(2) الخلاف: ج 6 ص 73 المسألة 2.
(3) الخلاف: ج 6 ص 82 المسألة 12.
(4) في المصدر: فإن ما كان.
(5) المهذب: ج 2 ص 442 - 443، وليس فيه: (وما كان من هذه الجلود غير مذكى).
326

إذا كانت مدبوغة، وجلود غير السباع مما لا يؤكل لحمه وهي في حكم الميتة
على كل حال (1).
والمعتمد أن جلد كل نجس العين لا يجوز استعماله ولا يقبل الذكاة، وكذا
جلد الإنسان وما عداه من السباع وغيرها فإنه لا يجوز استعماله في غير الصلاة
مع التذكية والدباغ، ومأكول اللحم يجوز الصلاة في جلده مع التذكية، هذا هو
المشهور الذي استقر المذهب عليه وقد سلف.

(1) الوسيلة: ص 362، مع اختلاف.
327

الفصل الخامس
في الأطعمة والأشربة
مسألة: قال الشيخ في النهاية: القدر إذا كانت تغلى على النار فإن حصل
فيها شئ من الدم وكان قليلا ثم غلى جاز أكل ما فيها، لأن النار تحيل الدم،
وإن كان كثيرا لم يجز أكل ما وقع فيه (1). فاعتبر الشيخ القلة.
وأما شيخنا المفيد قال: وإن وقع دم في قدر تغلى على النار جاز أكل ما فيها
بعد زوال عين الدم وتفرقها بالنار، وإن لم تزل عين الدم منها حرم ما خالطه
الدم وحل منها ما أمكن غسله بالماء (2). ولم يعتبر القلة، وكذا سلار (3).
وأبو الصلاح أطلق القول بتحريم كل طعام شيب بشئ من المحرمات أو
النجاسات (4).
وقال ابن البراج: فإن وقع فيها دم وكان قليلا وغلى جاز أكل ما فيها بعد
أن يغلى، فإن كان كثيرا لم يجز أكل شئ منها، وقيل: إن هذا إنما جاز في الدم
بغير غسل اللحم، لأن النار تحيل (5) الدم، ولأن اللحم لا يكاد يعرى منه وقد

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 104 - 105.
(2) المقنعة: ص 582.
(3) المراسم: ص 210.
(4) الكافي في الفقه - ص 278.
(5) في المصدر: تحمل.
328

جاز أكله بعد الغسل، مع أنه كذلك قال: والأحوط عندي في الوجهين جميعا
ألا يؤكل من ذلك شئ (1).
وقال ابن إدريس: ما ذكره شيخنا في نهايته رواية شاذة مخالفة لأصول
المذهب أوردها في كتابه إيرادا، ولا يرجع عن الأدلة القاهرة بمثلها (2). قوله:
(إن كان قليلا ثم غلى جاز أكل ما فيها، لأن النار تحيل الدم). قول عجيب،
هب أن النار أحالته، المائع الذي وقع فيه أليس قد نجسه وقت وقوعه فيه؟!
والنار لعمري ما أذهبت جميع المرق، وما عهدنا ولا ذهب أحد من أصحابنا إلى
أن المائع النجس بالغليان يطهر، إلا ما خرج بالدليل من العصير إذا ذهب
بالنار والغيلان ثلثاه فقد طهر وحل الثلث الباقي (3).
والمعتمد أنه لا يحل أكل اللحم والتوابل حتى يغسل.
لنا: أنه نجس بملاقاة النجاسة له، فلا يطهر بدون الغسل، كغيره من
الأعيان النجسة بالمجاورة.
احتج الشيخ بما رواه سعيد الأعرج، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن قدر فيها جزور (4) وقع فيها قدر (5) أوقية من دم أيؤكل (6)؟ قال: نعم فإن
النار تأكل الدم (7).

(1) المهذب: ج 2 ص 431 - 432.
(2) في المصدر: إلا بمثلها.
(3) السرائر: ج 3 ص 120 - 121.
(4) في المصدر: لحم جزور.
(5) ليس في الفقيه.
(6) في المصدر: أيؤكل منها.
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 342 ح 4211، وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب الأطعمة والأشربة
ح 2 ج 16 ص 376.
329

وعن زكريا بن آدم قال: سألت الرضا - عليه السلام - عن قطرة خمر أو نبيذ
مسكر قطرت في قدر فيه لحم. ومرق كثير، قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل
الذمة أو الكلاب واللحم اغسله وكله، قلت: فإن قطر فيه الدم، قال: الدم
تأكله النار إن شاء الله (1).
والجواب: حمل الدم على ما ليس بنجس كدم السمك وشبهه، ومنع صحة
السند، فإن سعيد الأعرج لا أعرف حاله، والاحتجاج به يتوقف على معرفة
عدالته. وفي طريق الثاني محمد بن موسى، فإن كان هو ابن عيسى أبو جعفر
السمان فقد طعن القميون فيه وتكلموا فأكثروا (2)، قاله ابن الغضائري (3).
وقال النجاشي: محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر الهمداني السمان
ضعفه القميون بالغلو، وكان ابن الوليد يقول: إنه كان يضع الحديث (4). فسقط
الاستدلال بالخبرين.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا كانت القدر تغلى على النار فوقع فيها
شئ من الخمر أهريق ما فيها من المرق وغسل اللحم وأكل بعد ذلك (5).
وقال ابن البراج: إذا كانت قدر على نار وهي تغلى فوقع فيها خمر وكان
قليلا فإنه يهراق ما فيها، ويجوز غسل اللحم وأكله بعد ذلك وإن كان كثيرا.
فإنه يهراق ما فيها ولا يؤكل شئ منه. والأحوط في الوجهين جميعا ألا يؤكل من
ذلك شئ على وجه (6).

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 119 ح 512، وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب النجاسات ح 8 ج 2
ص 1056.
(2) في الطبعة الحجرية: فأكثروا فيه.
(3) مجمع الرجال: ج 6 ص 59.
(4) رجال النجاشي: ص 338.
(5) النهاية ونكتها: ج 3 ص 104.
(6) المهذب: ح 2 ص 431.
330

والمعتمد ما قاله الشيخ.
لنا: إنه محل قابل للتطهير بالغسل فيطهر بغسله، ويزول المانع من تناوله
حينئذ، وما تقدم في الخبر الثاني الذي ذكرناه في المسألة السابقة.
احتج بمفهوم قول السائل عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر.
والجواب: دلالة المفهوم ضعيفة.
مسألة: الدهن إذا وقعت فيه نجاسة جاز الاستصباح به تحت السماء ولا يجوز
الاستصباح به تحت الظلال، قاله الشيخان (1)، وابن البراج (2).
وقال الشيخ في الخلاف: إذا جاز الاستصباح به فإن دخانه يكون طاهرا
ولا يكون نجسا، لأن الأصل الطهارة وبراءة الذمة والحكم بالنجاسة، وشغل
الذمة يحتاج إلى دليل (3).
وقال في المبسوط: الأدهان إذا ماتت فيها فارة نجس ويجوز عندنا وعند
جماعة الاستصباح به في السراج، ولا يؤكل ولا ينتفع به إلا في الاستصباح،
وفيه خلاف. وروى أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء دون السقف، وهذا
يدل على أن دخانه نجس، غير أن عندي أن هذا مكروه. فأما دخانه ودخان
كل نجس من العذرة وجلود الميتة - كالسرجين والبعر وعظام الميتة - عندنا ليس
بنجس. وأما ما يقطع بنجاسته قال قوم: دخانه نجس، وهو الذي دل عليه الخبر
الذي قدمناه من رواية أصحابنا، وقال آخرون - وهو الأقوى -: أنه ليس
بنجس (4).

(1) المقنعة: ص 582، النهاية ونكتها: ج 3 ص 105.
(2) المهذب: ج 2 ص 432.
(3) الخلاف: ج 6 ص 93 المسألة 20، مع اختلاف.
(4) المبسوط: ج 6 ص 283، مع اختلاف.
331

وابن الجنيد أطلق وقال: وإن مات في مائع لم يؤكل وانتفع به في
استصباح.
وقال ابن إدريس: يجوز الاستصباح به تحت السماء، ولا يجوز الاستصباح
به تحت الظلال، لأن دخانه نجس، بل تعبد تعبدنا به، لأن دخان الأعيان
النجسة ورمادها طاهر عندنا بغير خلاف بيننا. ثم نقل كلام شيخنا في
المبسوط ثم قال: ما ذهب أحد من أصحابنا إلى أن الاستصباح به تحت
الظلال مكروه بل محظور بغير خلاف بينهم، وشيخنا أبو جعفر محجوج بقوله في
جميع كتبه إلا ما ذكره هنا، فالآخذ بقوله وقول أصحابه، أولى من الأخذ بقوله
المفرد عن أقوال أصحابنا (1).
وهذا الرد على شيخنا جهل منه وسخف، فإن الشيخ - رحمه الله - أعرف
بأقوال علمائنا، والمسائل الإجماعية والخلافية والروايات الواردة هنا في التهذيب
مطلقة غير مقيدة بالسماء.
روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب، عن الصادق - عليه
السلام - قال: قلت له: جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل، فقال: أما
السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله، وأما زيت فيستصبح به، وقال في بيع
ذلك الزيت: تبيعه وتبينه لمن اشتراه ليستصبح به (2).
وفي الصحيح عن زرارة، عن الباقر - عليه السلام - قال: إذا وقعت الفارة
في السمن فماتت فإن كان جامدا فألقها وما يليها وكل ما بقي، وإن كان ذائبا

(1) السرائر: ج 3 ص 121 و 122.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 85 ح 359، وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1 و
2 ج 16 ص 374، مع اختلاف.
332

فلا تأكله واستصبح به: والزيت مثل ذلك (1). وكذا باقي الأحاديث (2).
إذا عرفت هذا فنقول: لا استبعاد فيها قاله شيخنا في المبسوط من نجاسة
دخان الدهن النجس، لبعد استحالته كله، بل ولا بد وإن يتصاعد من أجزائه
قبل إحالة النار لها بسبب السخونة المكتسبة من النار إلى أن يلقى الظلال فيتأثر
بنجاسته، ولهذا منعوا من الاستصباح به تحت الظلال، فإن ثبوت هذا القيد
مع طهارته مما لا يجتمعان، لكن الأولى الجواز مطلقا، للأحاديث، ما لم يعلم
أو يظن بقاء شئ من أعيان الدهن، فلا يجوز الاستصباح به تحت الظلال.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا يجوز استعمال أواني شرب المسكر إلا بعد
أن يغسل بالماء ثلاث مرات وتجفف (3). وتبعه ابن البراج (4).
وقال ابن إدريس: ليس على وجوب التجفيف دليل من كتاب ولا سنة
ولا إجماع، وأما غسلها ثلاث مرات فبعض أصحابنا يوجبه، وبعض منهم لا
يرى ولا يراعي عددا في المغسول إلا في الولوغ خاصة. وروي رواية أنها تغسل
سبع مرات (5).
وقول الشيخ ليس بعيدا من الصواب، لأن الماء الذي يغسل به النجاسة
نجس بعد انفصاله عن المحل، فاعتبر التجفيف، وأن كان الوجه ما قاله ابن
إدريس.

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 85 - 86 ح 360، وسائل الشيعة: ب 43، من أبواب الأطعمة والأشربة
ح 3 ج 16 ص 374 - 375.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 86 ح 361 و 362، وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب الأطعمة والأشربة
ج 16 ص 374 - 375.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 106.
(4) المهذب: ج 2 ص 432.
(5) السرائر: ج 3 ص 122 - 123.
333

مسألة: أواني الذهب والفضة تحرم الأكل والشرب فيها إجماعا للرجال
والنساء، ولا يحرم المأكول. ونقل ابن إدريس (1) عن شيخنا المفيد في بعض
كلامه أنه حرم المأكول، ولم أظفر به. نعم كلام أبي الصلاح (2) يوهمه.
والمعتمد الأول: للأصل.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفار إلى
طعامه فيأكل معه، فإذا دعاه فليأمره بغسل يديه ثم يأكل معه إن شاء (3).
وقال شيخنا المفيد: لا يجوز مواكلة المجوس (4).
وقال ابن البراج الأكل والشرب مع الكفار (5).
وقال ابن إدريس: قول شيخنا في النهاية رواية شاذة أوردها شيخنا في
نهايته إيرادا لا اعتقادا، وهذه الرواية لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها، لأنها
مخالفة لأصول المذهب، لأنا قد بينا بغير خلاف بيننا أن سؤر الكفار نجس
ينجس المائع بمباشرته، وأيضا الإجماع على خلافها. قال السيد المرتضى في
انتصاره: مما انفردت به الإمامية أن كل طعام عالجه الكفار من اليهود
والنصارى وغيرهم ممن ثبت كفرهم بدليل قاطع فهو حرام لا يجوز أكله ولا
الانتفاع به، وخالفنا باقي الفقهاء في ذلك (6).
والمعتمد ما اختاره ابن إدريس.
لنا: إنهم أنجاس فينفعل ما باشروه برطوبة من الأطعمة.
وما رواه علي بن جعفر، عن أخيه الكاظم - عليه السلام - قال: سألته عن

(1) السرائر: ج 3 ص 123.
(2) الكافي في الفقه: ص 278.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 107.
(4) المقنعة: ص 581.
(5) المهذب: ج 2 ص 432.
(6) السرائر: ج 3 ص 123 - 124.
334

مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وأرقد معه على فراش واحد وأصافحه؟ فقال:
لا (1).
وسأل هارون بن خارجة الصادق - عليه السلام - فقال: إني أخالط
المجوس فآكل من طعامهم؟ قال: لا (2).
احتج الشيخ بما رواه عيص بن القاسم في الصحيح، عن الصادق - عليه
السلام - قال: سألته عن مواكلة اليهودي والنصراني، فقال: لا بأس إذا كان
من طعامك، وسألته عن مواكلة المجوسي، فقال: إذا توضأ فلا بأس (3).
والجواب: الحمل على ما إذا كان الطعام مما لا ينفعل بالملاقاة، كالفواكه
اليابسة والثمار كذلك والحبوب، لما رواه سماعة أنه سأل الصادق - عليه
السلام - عن طعام أهل الكتاب ما يحل منه؟ قال: الحبوب (4).
مسألة: أكل الطين حرام إلا اليسير من طين قبر الحسين - عليه السلام -
للاستشفاء به.
قال ابن إدريس: ولا يجوز الإكثار منه ولا الإفطار عليه يوم عيد الفطر،
على ما ذهب إليه شيخنا في مصباحه، إلا أنه عاد عنه في نهايته فإنه قال: ولا
يجوز أكل شئ من الطين على اختلاف أجناسه إلا طين قبر الحسين - عليه

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 87 ح 366، وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1
ج 16 ص 382.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 87 ح 367، وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 2
ج 16 ص 382.
(3) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 88 ح 373، وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 4
ج 16 ص 384.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 88 ح 375، وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1
ج 16 ص 381.
335

السلام - فإنه يجوز أن يؤكل منه اليسير، للاستشفاء به (1).
وقول ابن إدريس لا بأس به، لعموم النهي عن أكل الطين مطلقا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا بأس أن يأكل من بيت من ذكره الله تعالى
في قوله: (ليس عليكم جناح أن تأكلوا... الآية) بغير إذنه، ولا يجوز أن يحمل
منه شئ ولا إفساده (2).
وقال ابن إدريس: ولا بأس أن يأكل الإنسان من بيت من ذكره الله
تعالى في قوله: (ليس عليكم جناح أن تأكلوا... الآية) بغير إذنه إذا دخل
البيت بإذنه، سواء كان المأكول مما يخشى عليه الفساد أو لا يخشى ذلك عليه
ما لم ينهه عن الأكل، وذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا يأكل إلا ما يخشى عليه
الفساد. قال: والأول هو الظاهر (3).
والمعتمد قول الشيخ: لا طلاق الروايات الدالة على جواز الأكل من غير
اشتراط إذن الدخول، نعم يكفي البناء على الظاهر من حسن ظنه به، ولا
يشترط الإذن نطقا حينئذ. وأما تخصيص ما يخشى عليه الفساد بالجواز - كما
نقله عن بعض أصحابنا - فلا دليل عليه، فالأولى العمل بالإطلاق في الإذن.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ولا بأس بأن يستشفى بأبوال الإبل (4).
وقال السيد المرتضى: مما ظن انفراد الإمامية به القول: بتحليل شرب
أبوال الإبل وكل ما أكل لحمه من البهائم إما للتداوي أو غيره، واستدل
بالإجماع وبأصالة إباحة ما يؤكل أو يشرب (5).

(1) السرائر: ج 3 ص 124.
(2) النهاية ونكتها: ج 3 ص 107 - 108.
(3) السرائر: ج 3 ص 124.
(4) النهاية ونكتها: ج 3 ص 108.
(5) الإنتصار: ص 201.
336

وقال ابن الجنيد: ولا بأس بشرب بول ما أكل لحمه وما يتولد منه من غير
لقاح.
وقال ابن إدريس: لا بأس بشرب أبوال الإبل، وكل ما أكل لحمه من
البهائم إما للتداوي أو غيره، وذكر الشيخ للإبل ليس دليلا (1) على أن غيرها لا
يجوز (2) الاستشفاء به ولا يجوز شربه، لأنا بلا خلاف بيننا أن أبوال ما يؤكل
لحمه طاهرة غير نجسة (3). وهذا الكلام يعطي تجويز شرب أبوال كل مأكول
اللحم للاستشفاء وغيره.
وقال ابن حمزة: لا يجوز: شرب دماء الحيوانات ولا أبوالها مختارا، إلا أبوال
الإبل فإنه يجوز شربه للاستشفاء (4) وهو المعتمد.
لنا: إنها مستخبثة، فلا يجوز تناولها كغيرها من الأشياء المستخبثة المحرمة،
وطهارتها لا يدل على جواز شربها.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا اضطر إلى طعام الغير لم يجب على الغير
إعطاؤه، لأصالة براءة الذمة (5). وتبعه ابن إدريس (6).
وقال في المبسوط: يجب على صاحب الطعام بذله، لقوله - عليه السلام -:
" من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه
آيس من رحمة الله " (7).
وقوله في المبسوط أقوى عندي، لما فيه من حفظ نفس الغير مع القدرة عليه
وانتفاء الضرر.

(1) في المصدر: أو غيره وليس ذكره لها دليلا.
(2) في المصدر: ولا يجوز.
(3) السرائر: ج 3 ص 125.
(4) الوسيلة: ص 364.
(5) الخلاف: ج 6 ص 95 المسألة 24.
(6) السرائر: ج 3 ص 126.
(7) المبسوط: ج 6 ص 285.
337

تذنيب: قال في المبسوط: إذا امتنع صاحب الطعام من بذله إلا بأزيد من
ثمن مثله فإن كان المضطر قادرا على قتاله قاتله، فإن قتل المضطر كان مظلوما
مضمونا، وإن قتل المالك كان هدرا، وإن لم يكن قادرا على قتاله أو قدر فتركه
حذرا من إراقة الدماء فإن قدر على أن يحتال عليه ويشتريه منه بعقد فاسد حتى
لا يلزمه إلا ثمن مثله فعله، فإن لم يقدر إلا على العقد الصحيح فاشتراه بأكثر
من ثمن مثله قال قوم: يلزمه الثمن، لأنه باختياره بذل، وقال آخرون: لا يلزمه
الزيادة على ثمن المثل، لأنه مضطر إلى بذلها فكان كالمكره عليها، وهو الأقوى
عندنا (1).
والمعتمد أن نقول: إن تمكن المضطر من شرائه بثمن يقدر عليه وجب عليه
الشراء، سواء كان من ثمن المثل (2) أو لا: لاندفاع الضرورة حينئذ
بالقدرة على الثمن، وإن لم يتمكن كان له القتال، كما قاله الشيخ - رحمه الله -.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة والصيد أكل
الصيد وفداه ولا يأكل الميتة، فإن لم يتمكن من الفداء جاز له أن يأكل
الميتة (3)، وأطلق.
وقال في المبسوط: إذا وجد المضطر ميتة وصيدا حيا وهو محرم فعندنا يأكل
الميتة، لأنه إن ذبح الصيد كان حكمه حكم الميتة، وإن وجده مذبوحا أكل
الصيد وفداه ولا يأكل الميتة، وقال بعضهم: يأكل الميتة بكل حال، وقال
آخرون: يأكل الصيد ويذبحه ويفديه (4).
وقال في الخلاف: إذا وجد المضطر ميتة (5) وصيدا حيا وهو محرم اختلفت

(1) المبسوط: ج 6 ص 286 مع اختلاف.
(2) في الطبعة الحجرية: سواء كان أكثر عن ثمن المثل.
(3) النهاية ونكتها: ج 1 ص 494.
(4) المبسوط: ج 6 ص 287.
(5) في المصدر: ميتا.
338

أحاديث أصحابنا فيها على وجهين: أحدهما: أنه يأكل الصيد ويفدي ولا
يأكل الميتة، والوجه الآخر: يأكل الميتة. ثم قال: دليلنا على ذلك: إن الصيد
إذا قتله وأكله فيكون (1) أكل ماله طيبا، وأيضا أكثر أصحابنا على ذلك
وأكثر رواياتهم. وإذا قلنا: بالرواية الأخرى - وهو الأصح عندي - (إن الصيد
إن كان حيا فذبحه المحرم كان حكمه حكم الميتة ويلزمه الفداء) فإن أكل (2)
الميتة أولى من غير أن يلزمه فداء. والرواية الأخرى نحملها على من وجد الصيد
مذبوحا (3)، فإن الأولى أن يأكله ويفدي ولا يأكل الميتة (4).
وابن إدريس (5) اختار التفصيل الذي ذكره في الخلاف، ولا بأس به، وقد
تقدم البحث في ذلك.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا اضطر إلى شرب الخمر للعطش أو الجوع
أو التداوي فالظاهر أنه لا يبيحها أصلا، وقد روي أنه يجوز عند الاضطرار إلى
الشرب أن يشرب فأما الأكل والتداوي فلا، وبهذا التفصيل قال أصحاب
الشافعي، وقال الثوري وأبو حنيفة يحل للمضطر إلى الطعام والشراب ويحل
للتداوي به. ثم استدل بإجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا طريقة الاحتياط
يقتضي ذلك، وأيضا تحريم الخمر معلوم ضرورة وإباحتها في موضع يحتاج إلى
دليل، وما قلناه مجمع عليه، وليس على ما قالوه دليل (6).
وقال في المبسوط: إن وجد المضطر بولا وخمرا شرب البول دون الخمر، لأن
البول لا يكسر ولا حد في شربه، فإن لم يجد إلا الخمر فالمنصوص لأصحابنا أنه
لا سبيل لأحد إلى شربها، سواء كان مضطرا إلى الأكل والشرب أو التداوي،

(1) في المصدر: وأكله فداه فيكون.
(2) في المصدر: يأكل.
(3) في المصدر: وجد لحم مذبوحا.
(4) الخلاف: ج 6 ص 95 المسألة 25.
(5) السرائر: ج 3 ص 126.
(6) الخلاف: ج 6 ص 97 المسألة 27.
339

وبه قال جماعة، وقال بعضهم: إن كانت الضرورة العطش حل له شربها ليدفع
العطش عن نفسه، وقال بعضهم: يحل للمضطر إلى الطعام والشراب ويحل
التداوي بها، ويجوز على ما روي في بعض أخبارنا عند الضرورة التداوي به
للعين دون الشرب (1).
وقال ابن البراج: ومن خاف على نفسه من العطش جاز له أن يشرب من
الخمر أو المسكر مقدار ما يمسك رمقه، وإذا كان في الدواء شئ من المسكر لم
يجز التداوي به، إلا ألا يكون له عنه مندوحة، والأحوط تركه (2).
وقال ابن إدريس. إذا اضطر إلى شرب الخمر للعطش فله شربه، فإن
اضطر إليه للتداوي أو الجوع فلا يجوز له تناوله بحال لا للتداوي ولا لغيرها (3)،
لما روي أنه ما جعل شفاء في محرم (4).
ثم قال في باب الأشربة: قال شيخنا في نهايته: لا يجوز أن يتداوي بشئ
من الأدوية وفيها شئ مسكر (5) وله عنه مندوحة، فإن اضطر إلى ذلك جاز أن
يتداوى به للعين، ولا يجوز شربه (6) إلا عند خوفه من العطش. قال: وقد قلنا:
إنه لا يجوز له التداوي للعين ولا لغيرها (7)، وإنما هذا خبر واحد من شواذ أخبار
الآحاد أورده إيرادا لا اعتقادا، ورجع عنه في مسائل خلافه، حتى أنه حرم
شربها عند الضرورة للعطش، وكذا في مبسوطه. ثم قال: والذي يقوى في نفسي
ما ذكره في النهاية، ولا أدفع جوازه للمضطر إلى أكل ما يكون فيه الخمر خوفا
من تلف نفسه، لقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فأدلة المعقول

(1) المبسوط: ج 6 ص 288، وليس فيه: (ويجوز على ما روي... دون الشرب).
(2) المهذب: ج 2 ص 433.
(3) في المصدر: لا للتداوي للعين ولا لغيرها.
(4) السرائر: ج 3 ص 126.
(5) في المصدر: المسكر.
(6) في المصدر: أن يشربه.
(7) في المصدر: لا يجوز له التداوي به للعين ولا غيرها.
340

توجبه (1) (2). وهذا يدل على اضطرابه.
والمعتمد جواز شربه عند خوف التلف من العطش والمرض إذا اندفعا به،
كما اختاره ابن البراج (3).
لنا: إن إباحة الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير للمضطر يستلزم إباحة
كل ما حرم تناوله، لأن تحريمها أفحش، فإباحته يستلزم إباحة الأدون.
احتج الشيخ بما رواه عمر بن أذينة في الحسن قال: كتبت إلى الصادق
- عليه السلام - أسأله عن رجل ينعت له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر
سكرجة من نبيذ صلب ليس يريد به اللذة إنما يريد به الدواء؟ فقال: لا ولا
جرعة، وقال: إن الله عز وجل لم يجعل في شئ مما حرم دواء ولا شفاء (4).
وفي الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن دواء
عجن بالخمر، فقال: لا والله ما أحب أن أنظر إليه، فكيف أتداوى به؟! أنه
بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير وترون أناسا يتداوون به (5).
وعن معاوية بن عمار قال: سأل رجل الصادق - عليه السلام - عن الخمر
يكتحل منها؟ فقال أبو عبد الله الصادق - عليه السلام -: ما جعل الله في حرام
شفاء (6).

(1) في المصدر: وأيضا فأدلة العقول تجوز وتوجبه.
(2) السرائر: ج 3 ص 131 - 132.
(3) المهذب: ج 2 ص 433.
(4) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 113 ح 488، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الأشربة المحرمة ح 1
ج 17 ص 274 - 275.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 113 ح 490، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الأشربة المحرمة ح 4
ج 17 ص 276.
(6) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 113 - 114 ح 491، وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الأشربة المحرمة
ح 1 ج 17 ص 278.
341

وعن الصادق - عليه السلام - قال: من اكتحل بميل من مسكر كحله الله
بميل من نار (1).
والجواب: الحمل على طلب الصحة لا على طلب السلامة، ونحن إنما نسوغ
شربه في طلب السلامة بحيث لو لم يشربه أو يتداوى به حصل التلف، أما في
طلب العافية فلا.
وأما الاكتحال فإنه يجوز عند الضرورة، لما رواه هارون بن حمزة الغنوي،
عن الصادق - عليه السلام - في رجل اشتكى عينيه فنعت له كحل يعجن
بالخمر، فقال: هو خبيث بمنزلة الميتة، فإن كان مضطرا فليكتحل به (2).
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا مر الرجل بحائط غيره وبثمرته جاز له
أن يأكل منها، ولا يتخذ (3) منها شيئا يحمله معه، لإجماع الفرقة (4).
وفي المبسوط: إذا مر الرجل بحائط غيره حل له الأكل من غير ضرورة ولا
يجوز له حمله، وعند المخالف لا يجوز من غير ضرورة وقال بعض أصحاب
الحديث: ينادي ثلاثا فإن أجابوه وإلا دخل وأكل ولم يتخذ حبة، وهذا قريب
مما قلناه (5).
وفي النهاية: إذا مر الإنسان بشئ من الفواكه جاز له أن يأكل منها مقدار
كفايته من غير إفساد، ولا يجوز له أن يحمل منها شيئا معه إلا بإذن صاحبه (6).

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 114 ح 492، وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الأشربة المحرمة ح 2
ج 17 ص 279.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 114 ح 493، وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الأشربة المحرمة ح 5
ج 17 ص 279.
(3) في المصدر: يأخذ.
(4) الخلاف: ج 6 ص 98 المسألة 28.
(5) المبسوط: ج 6 ص 288.
(6) النهاية ونكتها: ج 2 ص 212 - 213.
342

وقال الصدوق: وإذا مررت ببساتين فلا بأس بأن تأكل من ثمارها ولا
تحمل معك منها شيئا (1).
وقال ابن الجنيد: وإذا اجتاز الرجل بالبستان والماشية فلينادي ثلاثا
صاحبها ويستأذنه فإن أجابه وإلا فليجني (2) وليأكل وليحلب وليشرب، ولا
يحمل ولا يفعل ذلك إلا عند الضرورة أحوط، وإن أمكنه رد قيمة ما أكله على
صاحب الثمرة واللبن كان أحوط أيضا، وهذا إذا كانت الثمار في شجرها وعلى
سوقها واللبن في ضروع الماشية، فإن جناها أو حلبها مالكها أو أصراها لم
يستحب لأحد تناول شئ منها إلا بعد إذن مالكها أو يكون الحال ملتبسة إن
لم يتناول ذلك.
وقال ابن البراج: وإذا اجتاز الإنسان بشجر الفواكه جاز له أن يأكل منها
من غير إفساد بشئ من ذلك، ولا يجوز له أن يحمل منها شيئا إلا بأمر
صاحبها.
وقال ابن إدريس: إذا مر الإنسان بحائط غيره - يعني: بستانه وثمرته - جاز
له أن يأكل منها، سواء كان في حال ضرورة أو حال اختيار، ولا يأخذ منها
شيئا يحمله معه ما لم ينهه صاحبها (3) عن الدخول والأكل، فإن نهاه عن الأكل
والدخول فلا يجوز له الأكل والدخول (4).
واستدل الشيخ - رحمه الله - على الجواز بحديثين مرسلين:
أحدهما: رواه الحسين بن سعيد، عن داود (5) عن بعض أصحابنا، عن
محمد بن مروان، عن الصادق - عليه السلام - قال: قلت له: أمر بالثمرة فآكل

(1) المقنع: ص 124.
(2) م 3: فليجئ.
(3) في المصدر: صاحبه.
(4) السرائر: ج 3 ص 126.
(5) في المصدر: عن أبي داود.
343

منها؟ قال: كل ولا تحمل، قلت: جعلت فداك أن التجار قد اشتروها ونقدوا
أموالهم؟ (1) قال: اشتروا ما ليس لهم (2).
والثاني: رواه الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا،
عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن الرجل يمر بالنخل والبستان (3)
والثمرة أفيجوز (4) له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير
ضرورة؟ قال: لا بأس (5).
وهذه الرواية الثانية وإن كانت مرسلة إلا أن مراسيل ابن أبي عمير يعمل
عليها، حيث لم يسند إلا عن ثقة.
وأما المنع فقد رواه الحسن بن علي بن يقطين في الصحيح قال: سألت أبا
الحسن - عليه السلام - عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر
والمباطخ وغير ذلك من الثمر أيحل له أن يتناول منه شيئا ويأكل بغير إذن
صاحبه؟ وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيم (6) وليس له؟ (7) وكم
الحد الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال: لا يحل له أن يأخذ شيئا (8).
قال الشيخ: هذا يحمل إرادة الكراهة بالنهي، لأن الأولى والأفضل تجنب

(1) في المصدر: ونقد من أموالهم.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 383 ح 1134، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب بيع الثمار ح 4 ج 13
ص 14 - 15.
(3) في المصدر: السنبل.
(4) في المصدر: فيجوز.
(5) تهذيب الأحكام: ج 7 ص 93 ح 393، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب بيع الثمار ح 3 ج 13 ص 14.
(6) في الإستبصار: المقيم.
(7) في الإستبصار: أوليس له، وفي الوسائل: فليس له.
(8) الإستبصار: ج 3 ص 90 ح 307، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب بيع الثمار ح 7 ج 13 ص 15.
344

ذلك وإن لم يكن محظورا، أو الحمل على ما يحمل معه فإن ذلك لا يجوز على
حال، إنما أبيح له أن يأكل منه في الحال (1).
وقد روى الشيخ - في كتاب المكاسب - عن مروك بن عبيد، عن بعض
أصحابنا، عن الصادق - عليه السلام - قال: قلت له: الرجل يمر على قراح الزرع
يأخذ منه السنبلة؟ قال: لا، قلت: أي شئ سنبلة؟ قال: لو كان كل من يمر
يأخذ سنبلة كان لا يبقي شئ (2).
وهذا الحديث أيضا مرسل.
وبالجملة فنحن في هذه المسألة من المتوقفين.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: يكره الاستسلاف في العصير، فإنه لا يؤمن أن
يطلبه صاحبه ويكون قد تغير إلى حال الخمر، بل ينبغي أن يبيعه يدا بيد، وإن
كان لو فعل ذلك لم يكن محظورا (3).
وقال ابن إدريس: ما ذكره شيخنا فيه نظر، لأن السلف لا يكون إلا في
الذمة ولا يكون في العين (4)، فإذا كان في الذمة فسواء تغير ما عنده إلا حال
الخمر أو لم يتغير فإنه يلزمه تسليم ماله في ذمته إليه من أي موضع كان، فلا
أرى للكراهية وجها، وإنما هذا لفظ خبر واحد أورده إيرادا (5). وكلام الشيخ جيد،
لامكان أن يريد بيع عين مشخصة (6) يسلمها إليه في وقت معين، وأطلق عليه
اسم السلف مجازا، أو يحمل على الحقيقة، وجاز أن يتعذر عليه عند الأجل

(1) الإستبصار: ج 3 ص ذيل حديث 307.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 385 ح 1140، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الثمار ح 6 ج 13
ص 15 وفيهما: (من يمر به يأخذ).
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 110.
(4) م 3: ولا يكون إلا في العين.
(5) السرائر: ج 3 ص 131.
(6) م 3: شخصية.
345

لانقلابه أو أكثره خمرا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: يكره أن يسقى شئ من الدواب والبهائم
الخمر أو المسكر (1)، وكذا قال ابن إدريس (2).
وقال ابن البراج: لا يجوز أن يسقى شئ (3) من البهائم والأطفال شيئا من
الخمر أو المسكر (4) (5).
والمعتمد قول الشيخ.
لنا: الأصل عدم التحريم، إذ لا تكليف على الدواب والبهائم، فلا تحريم
يتعلق (6) بها ولا بصاحبها حيث لم يشربها، وإنما كان مكروها، لما رواه أبو
بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن البهيمة البقرة وغيرها تسقى
أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه أيكره ذلك؟ قال: نعم يكره ذلك (7).
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وأواني الخمر ما كان من الخشب أو القرع وما
أشبههما لم يجز استعمالها في شئ من المائعات حسب ما قدمناه، وما كان من
صفر أو زجاج أو جرار خضر أو خزف جاز استعمالها إذا غسلت بالماء ثلاث
مرات حسب ما قدمناه، وينبغي أن يدلك في حال الغسل (8).
وقال في المبسوط: أواني الخمر ما كان قرعا أو خشبا منقورا روى أصحابنا
أنه لا يجوز استعماله بحال وأنه لا يطهر، وما كان مقيرا أو مدهونا من الجرار

(1) النهاية ونكتها: ج 3 ص 111.
(2) السرائر: ج 3 ص 132.
(3) في المصدر: بشئ.
(4) في المصدر: والمسكر.
(5) المهذب: ج 2 ص 433.
(6) في الطبعة الحجرية و م 3: فلا تحريم تناول يتعلق.
(7) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 114 - 115 ح 497، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الأشربة المحرمة
ح 5 ج 17 ص 246 - 247.
(8) النهاية ونكتها: ج 3 ص 111 - 112.
346

الخضر أو خزفا فإنه يطهر إذا غسل سبع مرات حسب ما قدمناه، وعندي أن
الأول محمول على ضرب من التغليظ والكراهية دون الحظر (1).
وقال ابن إدريس: الذي قواه الشيخ هو الذي يقوى عندي (2).
والمعتمد عندنا أيضا ذلك وقد سبق.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإذا وقع شئ من الخمر في الخل لم يجز
استعماله إلا بعد أن يصير ذلك الخمر خلا (3).
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول المذهب ترك العمل بهذه الرواية
الشاذة ولا يلتفت إليها، لأنها مخالفة للأدلة مضادة للإجماع، لأن الخل بعد وقوع
قليل الخمر في الخل صار الخل نجسا بالإجماع، ولا دلالة على طهارته بعد ذلك
ولا إجماع، لأنه ليس له حال ينقلب إليها، ولا يتعدى طهارة ذلك الخمر المنفرد
واستحالته وانقلابه إلى الخل الواقع فيه قليل الخمر المختلط به الذي حصل
والإجماع على نجاسته. وهذه الرواية الشاذة موافقة لمذهب أبي حنيفة، فإن
صحت حملت على التقية. ويدل عليه قول السيد المرتضى في انتصاره: عند
الإمامية إذا انقلبت الخمر خلا بنفسها أو بفعل آدمي إذا طرح فيها ما ينقلب به
إن الخل حلت، وخالف الشافعي ومالك في ذلك، وأبو حنيفة يوافق الإمامية
فيما حكيناه، إلا أنه يزيد عليهم فيقول: في من ألقى خمرا في خل فغلب عليها حتى
لا يوجد طعم الخمر أنه بذلك يحل، وعند الإمامية أن ذلك لا يجوز، ومتى لم
ينقلب الخمر إلى الخل لم يحل، فكأنهم انفردوا من أبي حنيفة بأنهم امتنعوا مما
أجازه على بعض الوجوه وإن وافقوه على انقلاب الخمر إلى الخل، فجاز لذلك
ذكر هذه المسألة في الانفرادات. دليلنا: بعد الإجماع أن التحريم إنما يتناول ما

(1) المبسوط: ج 1 ص 15.
(2) السرائر: ج 3 ص 133، مع اختلاف.
(3) النهاية ونكتها: ج 3 ص 113.
347

هو خمر، وما انقلب خلا فقد خرج من أن يكون خمرا، وأنه لا خلاف في إباحة
الخل، واسم الخل بتناول ما هو على صفة مخصوصة، ولا فرق بين أسباب
حصوله عليها، ويقال لأصحاب أبي حنيفة: أي فرق بين غلبة الخل على الخمر
في تحليلها وبين غلبة الماء عليها أو غيره من المائعات أو الجامدات حتى لا يوجد
لها طعم ولا رائحة. فإن فرقوا بأن الخمر ينقلب إلى الخل ولا ينقلب إلى غيره
من المائعات والجامدات، قلنا: كلامنا فيها على الانقلاب والخمر إذا ألقيت في
الخل الكثير، فما انقلبت في الحال إلى الخل بل عينها باقية وكذلك هي في الماء
فما الفرق بين أن يلقى فيما يجوز أن ينقلب إليه وبين ما لا ينقلب إليه إذا كانت
في الحال موجودة لم ينقلب، وهذا الكلام من السيد يدل على ما قلنا (1).
واعلم أن قول الشيخ ليس بعيدا من الصواب، لأن انقلاب الخمر إلى
الخل يدل على تمامية استعداد انقلاب ذلك الخمر إلى الخل، والمزاج واحد.
بل استعداد الملقى في الخل لصيرورته خلا أتم، ولكن لا يعلم، لامتزاجه بغيره،
فإذا انقلب الأصل المأخوذ منه علم انقلابه أيضا، ونجاسة الخل تابعة للخمرية
وقد زالت فتزول النجاسة عنه، كما في الخمر إذا انقلبت.
وقد نبه شيخنا أبو علي بن الجنيد فقال: فأما إن أخذ إنسان خمرا ثم صب
عليه خلا فإنه محرم عليه شربه والاصطباغ به في الوقت، ما لم يمض عليه وقت
ينتقل في مثله العين من التحليل إلى التحريم أو من التحريم إلى التحليل.
وقول السيد المرتضى (2) لا ينافي ما قاله الشيخ: لأنه أنكر قول أبي حنيفة
في طهارة الخمر في حالة الإلقاء، وهذا لا ينافي طهارته بعد انقلاب الأصل

(1) السرائر: ج 3 ص 133 - 134، مع اختلاف.
(2) الإنتصار: ص 200 - 201.
348

الفصل السادس
في اللواحق
مسألة: المشهور عند علمائنا أن ما يقتله غير الكلب من السباع لا يحل، سواء
كان معلما أو لا، سمى مرسله أو لا.
وقال ابن أبي عقيل: ما يصطاد مما أحل الله عز وجل فإنه يصطاد بأربعة
أشياء: سباع معلمة مثل: الكلب وما أشبهه من الفهد والنمر وغير ذلك، وطير
مكلب كالبازي والصقر وما أشبههما، وسهم يرسل، وحجر يرمى كالبندق
وغيره من الحجارة.
فأما ما اصطاده الكلب وما أشكله من السباع فإنه يؤكل قتيل صيده
وأدرك صاحبه ذكاته أكل منه أو لم يأكل منه إذا كان المرسل قد سمى عند
إرساله قال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية الآن وإن وافقها في ذلك
قول أقوام حكي قديما القول: بأن الصيد لا يصح إلا بالكلاب المعلمة دون
الجوارح كلها من الطيور وذوات الأربع - كالصقر والبازي والشاهين - وما
أشبههن من ذوات الأربع - كعناق الأرض والفهد - وما جرى مجراهما، ولا يحل
عندهم أكل ما قتله غير الكلب المعلم، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وأجروا
كل ما علم من الجوارح من الطيور وذوات الأربع مجرى الكلاب في هذا
الحكم. قال: وذكر أبو بكر أحمد بن علي الرازي الفقيه في كتابه المعروف
349

ب‍ (أحكام القرآن) عن نافع قال: وجدت في كتاب لعلي بن أبي طالب - عليه
السلام - قال: لا يصلح أكل ما قتلته البزاة. وروى أيضا ابن جريح، عن نافع
قال: قال عبد الله: ما أمسك من الطير البزاة وغيرها، فما أدركت ذكاته فذكه
فهو لك، وإلا فلا تطعمه. وروى سلمة بن علقمة، عن نافع أن عليا - عليه
السلام - كره ما قتلته الصقور. وعن مجاهد أنه كان يكره صيد الطير ويقول:
مكلبين، إنما هي الكلاب خاصة. وذكر أبو بكر الرازي أن بعض العلماء حمل
مكلبين على الكلاب خاصة، وبعضهم حمل ذلك على الكلاب وغيرها. ثم
استدل السيد بعد إجماع الطائفة بقوله تعالى: (وما علمتم من الجوارح مكلبين)
وهذا نص صريح على أنه لا يقوم مقام الكلاب في الحكم وغيرها، لأنه تعالى
لو قال: (وما علمتم من الجوارح) ولم يقل: (مكلبين) لدخل في الكلام كل
جارح من ذي ناب أو ظفر، ولما أتى بلفظة (مكلبين) وهي تخص الكلاب،
لأن المكلب هو صاحب الكلاب بلا خلاف بين أهل اللغة، علمنا أنه لم يرد
بالجوارح جميع ما يستحق هذا الاسم بل الكلاب خاصة، ويجري ذلك مجرى
قوله:
ركب القوم بهائمهم * مبقرين أو محمرين
فإنه يختص بالقبر والحمير. لا يقال: نمنع انحصار مكلبين في صاحب
الكلاب فجاز أن يكون المراد به المضري الجارح المغري له فيدخل فيه المكلب
وغيره. لأنا نقول: لا نعرف عن أحد من أهل اللغة إن المكلب هو المغري
والمضري، بل يقولون: المكلب هو صاحب الكلاب، وقد نص عليه صاحب
الجمهرة (1). وأطال السيد - رحمه الله - الكلام في ذلك.

(1) الإنتصار: ص 182 - 183.
350

وقد روى الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن
الصادق - عليه السلام - قال: في كتاب علي - عليه السلام - أنه ((وما علمتم من
الجوارح المكلبين) فهي الكلاب (1).
وفي الصحيح عن أبي بكر الحضرمي، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن صيد البزاة والصقور والكلب والفهد، فقال: لا تأكل صيد شئ من
هذه إلا ما ذكيت إلا الكلب، قلت: إن قتله؟ قال: كل، فإن الله تعالى
يقول: (وما علمتم من الجوارح مكلبين... فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا
اسم الله عليه) (2) والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.
احتج ابن أبي عقيل بما رواه أبو بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: إن
أصبت معلما (3) أو فهدا بعد أن تسمي فكل مما أمسك عليك، قتل أو لم
يقتل، أكل أو لم يأكل، وإن أدركت صيده وكان في يدك حيا فذكه، فإن
عجل عليك فمات قبل أن تدركه (4) فكل (5).
وفي الصحيح عن أحمد بن محمد قال: سألت أبا الحسن - عليه السلام - عما
قتله الكلب والفهد، قال: فقال أبو جعفر - عليه السلام -: الكلب والفهد سواء،
فإذا هو أخذه فأمسكه فمات وهو معه فكل فإنه أمسك عليك، فإذا أمسكه

(1) الكافي: ج 6 ص 202 ح 1، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 16
ص 207.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 24 ح 94، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الصيد والذباحة ح 3 ج 16
ص 208.
(3) في المصدر: إن أصبت كلبا معلما.
(4) في المصدر: تذكيه.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 28 ح 112، وسائل الشيعة: ب 4 أن صيد الكلب المعلم إذا... ح 4
ج 16 ص 214.
351

وأكل منه فلا تأكل فإنه أمسك على نفسه (1).
والجواب: أنه محمول على التقية أو الضرورة، قاله الشيخ (2)، وهو حسن.
تذنيب: قول ابن أبي عقيل وابني (3) بابويه: إنه يؤكل صيده، أكل منه أو لم
يأكل، ليس مشهورا على إطلاقه، لأن عند علمائنا أنه إن كان يعتاد أكل
الصيد لم يجز أكل ما يقتله، وإن كان نادرا جاز، لما تقدم.
ولما رواه رفاعة بن موسى، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
الكلب يقتل، فقال: كل (4)، فقلت: أكل منه، فقال: إذا أكل منه فلم يمسك
عليك إنما أمسك على نفسه (5).
وقول ابن أبي عقيل، وابني بابويه محمول على ما إذا أكل نادرا، أما مع
الاعتياد فلا.
مسألة: عد أبو الصلاح في المحرمات ما قطع من الحيوان قبل الذكاة وبعدها
قبل أن تجب جنوبها وتبرد بالموت وجعله ميتة (6).
والذي ذكره في المقطوع قبل الذكاة جيد، أما المقطوع بعدها فهو في موضع
المنع.
لنا: إنه امتثل الأمر بالتذكية وقد وجدت.

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 28 ح 113، وسائل الشيعة: ب 2 أنه يجوز أكل صيد الكلب... ح 18
ج 16 ص 212.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 28 ذيل حديث 113.
(3) المقنع: ص 138.
(4) في التهذيب: كله.
(5) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 27 ح 111، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الصيد والذباحة ح 17
ج 16 ص 212.
(6) الكافي في الفقه: ص 277.
352

احتج بقوله تعالى: (فإذا وجبت جنوبها) (1).
والجواب: أنه مفهوم خرج مخرج الأغلب فلا يكون حجة.
مسألة: قال الشيخ: يكره أخذ الفراخ من أعشاشهن (2).
وقال الصدوق وأبوه: ولا يجوز أخذ الفراخ من أو كارها في جبل أو بئر أو
أجمة حتى ينهض (3).
فإن قصد التحريم صارت المسألة خلافية.
لنا: الأصل عدم التحريم.
مسألة: المشهور أن الصيد إذا جرح ووقع في الماء لم يؤكل، لجواز استناد موته
إلى الماء لا إلى الجرح.
وقال الصدوق وأبوه: وإن رميته وأصابه سهمك ووقع في الماء فمات فكله
إذا كان رأسه خارجا من الماء، وإن كان رأسه في الماء فلا تأكله (4). ولا بأس
بهذا التفضيل، لأنه في الحقيقة عائد إلى ما فصله باقي أصحابنا.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: الذكاة لا تقع مجزئة إلا بقطع أشياء أربعة:
الحلقوم وهو مجرى النفس، والمرئ وهو تحت الحلقوم وهو مجرى الطعام
والشراب، والودجين وهما عرقان محيطان بالحلقوم (5).
وقال ابن الجنيد: الذي يستحب في الذكاة قطع الحلقوم وما اكتنفه من
الأوداج وإيصال القطع إلى العظم من غير أن يفريه، ولو أتى على الحلقوم
أجزأه، لأنه قد أتى من الذكاة بما لا حياة للحيوان بعده، والأخبار الصحاح
دلت على قطع الحلقوم والأوداج.

(1) الحج 36.
(2) النهاية ونكتها ج 3 ص 84.
(3) المقنع: ص 142.
(4) المقنع: ص 139.
(5) الخلاف: ج 6 ص 47 المسألة 7.
353

وروى زيد الشحام في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته
عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالحجر وبالعظم
والقصبة والعود إذا لم تصب الحديد، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس (1).
وفي الحسن عن عبد الرحمان بن الحجاج، عن الكاظم - عليه السلام - قال:
سألته عن المروة والقصبة والعود يذبح بها إذا لم يجدوا سكينا؟ قال: إذا فري
الأوداج فلا بأس بذلك (2). هذا أصح ما وصل إلينا في هذا الباب، ولا دلالة
فيه على قطع ما زاد على الحلقوم والأوداج.

(1) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 51 ح 213، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الصيد والذباحة ح 3 ج 16
ص 254.
(2) تهذيب الأحكام: ج 9 ص 52 ح 214، وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الصيد والذباحة ح 1 ج 16
ص 253.
354

كتاب القضاء وتوابعه
355

كتاب القضاء وتوابعه
وفيه فصول:
الأول
في الآداب
مسألة: للشيخ قولان في هيئة جلوس القاضي:
ففي النهاية: يجلس مستدبر القبلة ليكون وجوه الخصوم إذا وقفوا بين يديه
مستقبل القبلة (1).
وهو اختيار المفيد (2) - رحمه الله - وأبي الصلاح (3)، وسلار (4)،
وابن حمزة (5)، وابن إدريس (6).
وقال في المبسوط: يكون متوجها إلى القبلة، لما روي عن النبي - صلى الله
عليه وآله - أنه قال: (خير المجالس ما استقبل به القبلة) (7).
وتبعه ابن البراج قال: وقد ذكر أنه يكون ظهره إليها ليكون وجوه الخصوم
في الاستحلاف إليها، والأول أظهر (8).
وكلا القولين عندي جائز.
مسألة: قال الشيخان: أنه يخرج إلى المسجد الأعظم ويحكم فيه (9)، وبه قال

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 69.
(2) المقنعة: ص 722.
(3) الكافي في الفقه: ص 444.
(4) المراسم: ص 230.
(5) الوسيلة: ص 209.
(6) السرائر: ج 2 ص 156.
(7) المبسوط: ج 8 ص 90.
(8) المهذب: ج 2 ص 595.
(9) المقنعة: ص 722، النهاية ونكتها: ج 2 ص 69.
357

أبو الصلاح (1)، وسلار (2)، وابن البراج في الكامل، وابن إدريس (3).
ولم يذكر في المهذب استحباب ذلك، بل قال: فإن كان مجلسه في المسجد
صلى حين يدخله ركعتين (4).
وقال في موضع آخر منه: وينبغي للحاكم أن يجلس للحاكم في مكان بارز
للناس - مثل: صحراء أو رحبة - أو مكان واسع، إلا من ضرورة من مطر أو
غيره فيجلس في بيته أو في المسجد (5).
وقال الشيخ في المبسوط: وأما الحكم في المساجد فقد كرهه قوم إذا قصد
الجلوس فيه للحكم، فإنه كان جالسا واتفقت حكومته جاز أن يقضي بينهما،
سواء كان المسجد صغيرا أو كبيرا، لما روى أن النبي - صلى الله عليه وآله -
سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد، فقال: لا وجدتها، إنما بنيت المساجد لذكر
الله والصلاة. وروي عنه - عليه السلام - أنه قال: جنبوا مساجدكم صبيانكم
ومجانينكم وخصوماتكم، والحكومة بيت الخصومة، وهذا موجود في أحاديثنا
أيضا مثله. وروي أن أمير المؤمنين - عليه السلام - كان يقضي في المسجد،
ودكة القضاء معروفة إلى يومنا هذا، فالأولى جوازه، وفيه خلاف (6). وهذا
يشعر بعدم الاستحباب.
مسألة: قال المفيد (7)، والشيخ في النهاية (8): إذا أنكر المدعى عليه الدعوى
سأل الحاكم ألك بينة؟ فإن قال: نعم هي حاضرة نظر في بينته، وإن قال:

(1) الكافي في الفقه: ص 444، وفيه: (مسجد الجامع أو مسجد المحلة).
(2) المراسم ص 230.
(3) السرائر: ج 2 ص 156.
(4) المهذب: ج 2 ص 594
(5) المهذب: ج 2 ص 582.
(6) المبسوط: ج 8 ص 87.
(7) المقنعة: ص 723، مع اختلاف.
(8) النهاية ونكتها: ج 2 ص 70، مع اختلاف.
358

نعم غير أنها ليست حاضرة قال له: احظرها. وكذا قال سلار (1)، وأبو
الصلاح (2).
وابن البراج في الكامل قال: يقول الحاكم: ألك بينة؟ فإن قال: نعم قال
له: أهي حاضرة أم غائبة؟ فإن قال: هي حاضرة أمره بإحضارها ونظر فيها،
وإن قال: ليست حاضرة قال له: أحضرها.
وفي المهذب: فإن أنكر فإن كان المدعي لا يعرف موضع البينة كان
للحاكم أن يقول له: ألك بينة؟ فإن كان عارفا فالحاكم مخير بين أن يسكت
أو يقول له: ألك بينة؟ فإذا قال: ألك بينة؟ فإن لم يكن له بينة عرفه
[الحاكم] إن له يمينه، وإن كانت له بينة وكانت حاضرة لم يقل الحاكم:
أحضرها، لأنه حق له، فله أن يفعل ما يرى (3).
وهذا القول أخذه من قول الشيخ في المبسوط فإنه قال: وإن أنكر فإن كان
له بين فالحاكم أولا يسأله ألك بينة؟ ولا يقول: أحضر بينتك بل يسأله، فإذا
قال: نعم يقول له: إن شئت أقمتها، ولا يقول له أقمها، لأنه أمر (4). واختاره ابن
إدريس (5).
وقال ابن الجنيد: فإذا ادعى المدعي البينة بصحة دعواه لم يأمر القاضي
الشهود بالحضور ولكنه يقول للمدعي: أحضر بينتك.
والوجه التفضيل، وهو أن نقول: إن عرف الحاكم إن المدعي يعلم ذلك لم
يأمره، وإلا قال له ذلك، لئلا يضيع حقه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإن قال المدعي: لست أتمكن من إحضارها

(1) المراسم: ص 231.
(2) الكافي في الفقه: ص 446.
(3) المهذب: ج 2 ص 585، مع اختلاف.
(4) المبسوط: ج 8 ص 115.
(5) السرائر: ج 2 ص 158.
359

- يعني: البينة - جعل معه مدة من الزمان ليحضر فيه بينته ويكفل بخصمه، فإن
أحضرها نظر فيها، وإن لم يحضرها عند انقضاء الأجل خرج خصمه عن حد
الكفالة (1).
وشيخنا المفيد قال: وإذا بعدت بينة المدعي كان له تكفيل المدعى عليه
إلى أن يحضر بينته، ولم يكن له حبسه ولا ملازمته، وليس له تكفيل المدعى
عليه ما لم يجعل لحضور بينته أجلا معلوما (2).
وللشيخ قول آخر في الخلاف قال: إذا ادعى على غيره حقا فأنكره المدعى
عليه فقال المدعي لي بينة غير أنها غائبة لم يجز له ملازمة المدعى عليه، ولا
مطالبته له بكفيل إلى أن تحضر البينة (3).
وقال ابن الجنيد: ولو سأل المدعي القاضي مطالبة المدعي عليه بكفيل
قبل ثبوت حقه عليه لم يكن ذلك واجبا عليه، ولا للقاضي تكليفه بذلك،
ولكن يقول له: لا آمرك بتخليته ولا آمره بالاحتباس لك. وأبو الصلاح (4)
وافق الشيخ في النهاية.
ولابن البراج قولان: ففي الكامل وافق الشيخ أيضا.
وقال في المهذب: فإن كانت غائبة قال الحاكم له: ليس لك ملازمته ولا
مطالبته بكفيل ولك يمينه أو تتركه حتى تحضر البينة، وذكر أن له مطالبته
وملازمته حتى تحضر البينة، وما ذكرناه أولا هو الأظهر والأصح، والثاني أحوط
لصاحب الحق. قال: ولا بأس به (5). وهذا يدل على تردده في ذلك وترجيح ما

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 70 - 71.
(2) المقنعة: ص 733.
(3) الخلاف: ج 6 ص 237 المسألة 36.
(4) الكافي في الفقه: ص 446.
(5) المهذب: ج 2 ص 586.
360

قال الشيخ في الخلاف، وهو اختيار ابن إدريس (1) أيضا.
والشيخ في المبسوط (2) قال كما قال ابن البراج في المهذب، إلا أنه لم يقل
في آخره: ولا بأس به.
وقال ابن حمزة: وإن ادعى غيبة بينته أخذ منه كفيل حتى يحضر البينة ما
لم تزد المدة على ثلاثة أيام، فإن زادت لم يلزمه الكفيل، فإن أحضرها قبل
انقضاء المدة فذاك، وإن لم يحضرها برئت ذمة الكفيل (3).
واحتج الشيخ في الخلاف بأصالة البراءة، وبما روي أن رجلا من كندة
ورجلا من حضر موت أتيا النبي - صلى الله عليه وآله - فقال الحضرمي: هذا
غلبني على أرضي ورثتها من أبي وقال الكندي: في يدي أزرعها لا حق له فيها،
فقال النبي - صلى الله عليه وآله - للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا، فقال له
النبي - صلى الله عليه وآله - ليس لك منه إلا ذاك. فمن قال: له الملازمة
والمطالبة والكفيل فقد ترك الخبر (4).
واحتج الشيخ على ما ذكره في النهاية: بأن الكفالة تصح على كل من عليه
حق مالي أو غيره، وهذا الغريم يجب عليه الحضور في مجلس الحكم.
والجواب: المنع من صحة الكفالة على مثل هذا.
ولو سلمنا، لكن نمنع وجوب الحضور الآن.
مسألة: قال الشيخان: وإذا أقر إنسان لإنسان بمال عند حاكم فسأل المقر
له الحاكم أن يثبت إقراره عنده لم يجز له ذلك، إلا أن يكون عارفا بالمقر بعينه
واسمه ونسبه، أو يأتي المقر له ببينة عادلة على أن الذي أقر هو فلان بن فلان
بعينه واسمه ونسبه، وذلك أن الحيلة تتم فيما هذا سبيله فيحضر نفسان قد تواطيا

(1) السرائر: ج 2 ص 158.
(2) المبسوط: ج 8 ص 159 - 160.
(3) الوسيلة: ص 212.
(4) الخلاف: ج 6 ص 237 المسألة 36.
361

على انتحال اسم إنسان غائب واسم أبيه والانتساب إلى آبائه ليقر أحدهما
لصاحبه بمال ليس له أصل، فإذا أثبت الحاكم ذلك على غير بصيرة كان مخطئا
مغررا جاهلا (1). وتبعهما سلار (2)، وأبو الصلاح (3)، وابن البراج (4).
وقال الشيخ في الخلاف: إذا حضر خصمان عند القاضي فادعى أحدهما
على الآخر مالا فأقر له بذلك فسأل المقر له القاضي أن يكتب له بذلك محضرا
والقاضي لا يعرفهما ذكر بعض أصحابنا أنه لا يجوز أن يكتب، لأنه يجوز أن
يكونا استعارا نسبا باطلا وتواطيا على ذلك، وبه قال ابن جرير الطبري. وقال
جميع الفقهاء: أنه يكتب ويحليهما بحلاهما التامة ويضبط ذلك، ولا يمتنع ما قاله
الفقهاء، فإن الضبط بالحلية يمنع من استعارة النسب، فإنه لا يكاد يتفق
ذلك. والذي قاله أصحابنا يحمل على أنه لا يجوز أن يكتب ويقتصر على ذكر
نسبهما فإن ذلك يمكن استعارته، وليس في ذلك نص مسند عن أصحابنا نرجع
إليه (5).
وفي المبسوط: الاعتماد إذا لم يكن يعرفه (6) على الحلية فيذكر الطول
والقصر ويضبط حلية الوجه من سمرة وشقرة وصفة الأنف والفم والحاجبين
والشعر سبطا أو جعدا، وقال ابن جرير: إذا لم يعرفهما الحاكم لم يكتب محضرا،
لأنه قد يستعير النسب، وبه قال بعض أصحابنا. والأول أقوى، لأن المعول على
الحلية، ولا يمكن استعارتها (7).
قال ابن إدريس: الذي ذكره شيخنا في مسائل خلافه هو الذي أقول به

(1) المقنعة: ص 724 - 725، النهاية ونكتها: ج 2 ص 73، مع اختلاف.
(2) المراسم: ص 231.
(3) الكافي في الفقه: ص 445.
(4) لم نعثر عليه.
(5) الخلاف: ج 6 ص 221 المسألة 16، مع اختلاف.
(6) في المصدر: يعرفهما.
(7) المبسوط: ج 8 ص 115.
362

وأعمل عليه ويقوى في نفسي، وهذا يبين لك (1) أنه يذكر في نهايته شيئا لا
يعمل عليه ولا يرجع فيه إلى خبر مسند فيعتمد عليه ويرجع إليه، وأيضا هذا
مصير إلى أن للإنسان أن يعمل ويشهد بما يجد به خطه مكتوبا من غير ذكر
الشهادة وقطع على من شهد عليه، وهذا عندنا لا يجوز، أو رجوع إلى العمل
بكتاب قاض إلى قاض، وجميع ذلك باطل عندنا. فإذا أتاه بكتابه ولم يعلم
بالمقر بعينه ويتحققه ويتقنه فلا يجوز له أن يقضي عليه فيأمن الغرر من هذا
الوجه، وكذلك إن أخذ كتابه الذي في يثبت إقراره إلى غيره من الحكام لا
يحل للحاكم الثاني أن يعمل به بغير خلاف بيننا (2).
والتحقيق: أنه لا مشاحة هنا، لأن القصد تخصيص الغريم (3) وتمييزه عن
غيره وإزالة الاشتباه، فإن حصل ذلك بالتحلية جاز، واللوازم التي ذكرها ابن
إدريس غير لازمة للشيخ، لأن الخط جعل مذكرا ومنبها على القضية، فإذا
وقف الإنسان على خطه فإن ذكر القضية أقام الشهادة، وإلا فلا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإن كان يتساكت عن خصمه وهو صحيح
قادر على الكلام وإنما يعاند السكوت أمر بحبسه حتى يقر أو ينكر، إلا أن يعفو
الخصم عن حقه عليه، وكذلك إن أقر بشئ كأنه يقول له: علي شئ ولا
يذكر ما هو ألزمه الحاكم بيان ما أقر به، فإن لم يفعل حبسه حتى يبين (4). وكذا
قال المفيد في المقنعة (5)، وبه قال في الخلاف (6)، واختاره ابن حمزة (7)،

(1) في المصدر: وهو يبين لك أيها المسترشد انه.
(2) السرائر: ج 2 ص 162.
(3) ق 2: تحقيق الغير.
(4) النهاية ونكتها: ج 2 ص 73، وفيه: (وإنما يعاند بالسكوت) (أقر بشئ ولم يبينه).
(5) المقنعة: ص 725.
(6) الخلاف: ج 6 ص 238 المسألة 38.
(7) الوسيلة ص: 211 - 212.
363

وسلار (1).
وقال الشيخ في المبسوط: إذا سكت أو قال: لا أقر ولا أنكر قال له الحاكم
ثلاثا: إما أجبت عن الدعوى وإلا جعلناك ناكلا ورددنا اليمين على خصمك،
وقال قوم: يحبسه حتى يجيبه بإقرار أو بإنكار ولا يجعله ناكلا فيقضي بالنكول
والسكوت، وقوله: (لا أقر ولا أنكر) ليس بنكول. والأول يقتضيه مذهبنا،
الثاني أيضا قوي (2). وهذا يدل على تردد الشيخ.
وابن البراج في المهذب قال: فإن سكت أو قال: لا أقر ولا أنكر قال له
الحاكم: إن أجبت عن الدعوى وإلا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على
خصمك، وذكر أنه يحبسه حتى يجيب إما بإقرار أو بإنكار ولا يجعله ناكلا، وما
ذكرناه أولا هو الظاهر من مذهبنا، ولا بأس بالعمل بالثاني (3).
وقال ابن الجنيد: ولو سكت المدعى عليه عند سؤاله ولم يكن القاضي
يعرفه بالنطق أمهله قليلا ثم أعاد السؤال له عما ادعى عليه، فإن أمسك فقال
المدعي: أنه يتمرد بسكوته استحلفه على ذلك وأمر من ينادي في إذن المدعى
عليه بصوت عال بأمر موجود يجري عليه ثم وصف ما يقضي به عليه، وإن أنكر
وما يفعله إن جرح بينة خصمه (4) فإن أقام على ذلك أمهله قليلا ثم فعل به
مثل ذلك، فإن أقام على أمره سأل الحاكم المدعي عن بينته إن كانت وسمعها
واستحلفه على أن شهوده شهدوا بحق، فإن حلف حكم له وجعل المحكوم عليه

(1) المراسم: ص 231.
(2) المبسوط: ج 8 ص 160.
(3) المهذب: ج 2 ص 586.
(4) كذا في الطبعة الحجرية و م 3، وفي ق 2: (وإن أنكر ولم يفعله إن خرج عنه خصمه) فعبارته مغلظة
كما في مفتاح الكرامة: ج 10 ص 87.
364

على حجته إن ادعاها أو من يجوز له دعواها.
وقال ابن إدريس: الصحيح من مذهبنا وأقوال أصحابنا وما يقتضيه
المذهب إن في المسألتين معا يجعله الحاكم ناكلا ويرد اليمين على خصمه (1).
وعنى بالمسألتين: لو سكت عنادا أو أقر بشئ ولم يبينه.
والمعتمد ما قاله الشيخ في النهاية.
لنا: أن الواجب عليه الجواب، وهو كما يحتمل الإقرار يحتمل الإنكار
فيجب الحبس عليه، لأن غيره ليس بواجب عليه.
ولأن الأصل براءة الذمة، ورد اليمين في هذا الموضع وجعله ناكلا يحتاج إلى
دليل، ولا دليل في الشرع عليه.
احتجوا بأن السكوت عنادا كالنكول.
والجواب: المنع.

(1) السرائر: ج 2 ص 163.
365

الفصل الثاني
في تعارض البينات
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن شهد عنده شاهدان عدلان على أن حقا
ما لزيد وجاء آخران فشهدا أن ذلك الحق لعمرو فإن كانت أيديهما خارجتين
منه فينبغي للحاكم أن يحكم لأعدلهما شهودا، فإن تساويا في العدالة كان
الحكم لأكثرهم (1) شهودا مع يمينه بالله تعالى أن الحق له، فإن تساويا في العدد
أقرع بينهم فمن خرج عليه حلف وكان الحكم له، فإن امتنع من خرج اسمه في
القرعة من اليمين حلف الآخر وكان الحكم له، فإن امتنعا جميعا من اليمين كان
الحق بينهما نصفين، ومتى كان مع واحد منهما يد متصرفة فإن كانت البينة
تشهد بأن الحق ملك له فقط وتشهد للآخر بالملك أيضا انتزع الحق من اليد
المتصرفة وأعطي اليد الخارجة، وإن شهدت البينة لليد المتصرفة بسبب الملك
من بيع أو هبة أو معاوضة كانت أولى من اليد الخارجة (2).
ونحوه قال في التهذيب (3) والاستبصار (4) وقال فيهما: إنهما لو شهدتا بالسبب

(1) في المصدر: لأكثرهما.
(2) النهاية ونكتها: ج 2 ص 75.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 237 - 238 ذيل الحديث 583.
(4) الإستبصار: ج 3 ص 42 - 43 ذيل الحديث 142.
366

لهما كانت البينة بينة الداخل.
وقال في الخلاف: إذا ادعيا ملكا مطلقا ويد أحدهما عليه (1) كانت بينته
أولى، وكذلك إذا أضافاه إلى سبب فإن ادعى صاحب اليد الملك مطلقا
والخارج أضافه إلى سبب كانت بينة الخارج أولى، وبه قال الشافعي، ثم نقل
عن أبي حنيفة وأصحابه. وإن كان التداعي (2) ملكا مطلقا أو ما يتكرر سببه لم
تسمع بينة المدعي عليه وهو صاحب اليد، وإن كان ملكا لا يتكرر سببه
سمعنا بينة الداخل. قال: وهو الذي يقتضيه مذهبنا، وقد ذكرناه في النهاية
والمبسوط والكتابين في الأخبار، وقال أحمد بن حنبل: لا أسمع (3) بينة صاحب
اليد بحال في أي مكان كان، وقد روى ذلك أصحابنا. قال (4): وتحقيق
الخلاف مع أبي حنيفة هل تسمع بينة الداخل أم لا؟ وعند الشافعي (5) تسمع
وعنده لا تسمع. ثم قال: إذا شهدت البينة للداخل مضافا قبلناه (6) بلا خلاف
بيننا وبين الشافعي وقد حكيناه، وإن كانت (7) بالملك المطلق فإنا لا نقبلها،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: قاله في القديم مثل ما قلناه، وقال في الجديد:
مسموعة. وإذا تنازعا عينا لا يد لأحدهما عليها (8) فأقام أحدهما شاهدين والآخر
أربعة شهود فالظاهر من مذهب أصحابنا أن يرجح بكثرة الشهود ويحلف
ويحكم له بالحق. وهكذا لو تساويا في العدد وتفاضلا في العدالة يرجع (9)
بالعدالة، وهو إذا كانت إحداهما أقوى (10) عدالة (11).

(1) في المصدر: على العين.
(2) في المصدر: المدعى.
(3) ق 2 و م 3: لا تسمع.
(4) في المصدر: وأيضا قال.
(5) ق 2 و م 3: عندنا وعند الشافعي.
(6) في المصدر: قبلناها.
(7) في المصدر: كان
(8) في المصدر: لواحد منهما عليها.
(9) في المصدر: فيرجح.
(10) في المصدر: أوفى.
(11) الخلاف: ج 6 ص 329 - 333 المسألة 2 و 3 و 4.
367

وقال في موضع آخر: إذا تعارضت البينتان على وجه لا ترجيح لإحداهما
على الأخرى أقرع بينهما فمن خرج اسمه حلف وأعطي الحق، هذا هو المعلول
عليه عند أصحابنا، وقد روي أنه يقسم بينهما نصفين. واستدل على قوله بإجماع
الفرقة على استعمال القرعة (1) في كل أمر مجهول مشتبه، وهذا داخل فيه (2).
وقال في المبسوط: مذهبنا الذي يدل عليه أخبارنا ما ذكرناه في النهاية
وهو: أنه إذا شهدا بالملك المطلق ويد أحدهما عليها حكم لليد، وكذلك إن
شهدتا (3) بالملك المقيد لكل واحد منهما ويد أحدهما عليها حكم لمن هو في يده،
وقد روى أنه يحكم لليد الخارجة، وإن كانت يدهما عليها فهو بينهما نصفين (4)،
وإن كانت أيديهما خارجتين أقرع بينهما فمن خرج اسمه حكم له به مع يمينه إن
كانت الشهادة بالملك مطلقا، وإن كان مقيدا قسم بينهما نصفين، وإن كان
لأحدهما بالملك المطلق وللآخر بالملك المقيد حكم للذي شهدا له بالتقييد،
وإذا (5) ثبت أن بينة الداخل تسمع في الجملة فالكلام فيه كيف تسمع، أما
بينة الخارج فإذا شهدت بالملك المطلق سمعت. وإن شهدت بالملك المضاف
إلى سببه أولى أن يقبل، فأما بينة الداخل فإن كانت بالملك مضافا (6) إلى سببه
قبلناها، وإن كانت بالملك المطلق قال قوم: لا يسمعها، وقال آخرون:
مسموعة. والأول مذهبنا، لأنه يجوز أن يكون شهدت بالملك لأجل اليد، واليد
قد زالت ببينة المدعي (7).
وقال المفيد: وإذا تنازع نفسان في شئ وأقام كل واحد منهما بينة على

(1) الخلاف: ج 6 ص 337 المسألة 10.
(2) في المصدر: على أن القرعة تستعمل.
(3) في المصدر: حكم لمن هو في يده لليد إن شهدا.
(4) في المصدر: نصفان.
(5) في المصدر: بالمقيد فإذا.
(6) في المصدر: المضاف.
(7) المبسوط: ج 8 ص 258.
368

دعواه بشاهدين عدلين لا يرجح بعضهم على بعض في العدالة (1) حكم لكل
واحد من النفسين بنصف الشئ وكان بينهما جميعا نصفين، وإن رجح بعضهم
على بعض في العدالة حكم لأعدلهما شهودا، وإن كان الشئ في يد أحدهما
واستوى شهودهما في العدالة حكم للخارج اليد منه ونزعت يد المتشبث به منه،
وإن كان لأحدهما شهود أكثر عددا من شهود صاحبه مع تساويهم في العدالة
حكم لأكثرهما شهودا مع يمينه على صحة دعواه (2) (3).
وقال الشيخ علي بن بابويه: إذا ادعى رجل على رجل عقارا أو حيوانا أو
غيره وأقام بذلك شاهدين وأقام الذي في يده شاهدين فإن كان الحكم فيه أن
يخرج الشئ من يدي مالكه إلى المدعي، لأن البينة عليه، وإن لم يكن الملك
في يد أحد وادعى فيه الخصمان جميعا فكل من أقام عليه شاهدين فهو أحق به،
وإن أقام كل واحد منهما شاهدين فإن أحق المدعيين من عدل شاهداه، فإن
استوى الشهود في العدالة فأكثرهما شهودا يحلف بالله ويدفع المال إليه.
وقال الصدوق في المقنع مثل ذلك، ثم قال في آخر كلامه: كذا ذكره أبي
- رحمه الله - في رسالته إلي (4).
وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه - عقيب رواية أبي بصير، عن الصادق
عليه السلام أنه ذكر أن عليا عليه السلام أتاه قوم يختصمون في بغلة فقامت
البينة لهؤلاء أنهم أنتجوها على مذودهم لم يبيعوا ولم يهبوا وقامت البينة لهؤلاء
أنهم أنتجوها على مذودهم لم يبيعوا ولم يهبوا فقضي بها لأكثرهم بينة

(1) في المصدر: لا ترجيح لبعضهم على بعض في العدالة.
(2) في المصدر: مع يمينه بالله على دعواه.
(3) المقنعة: ص 730 - 731.
(4) المقنع: ص 133 - 134.
369

واستحلفهم -: قال أبو بصير: وسألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الرجل يأتي
القوم فيدعي دارا في أيديهم ويقيم البينة ويقيم الذي في يده الدار البينة أنها
ورثها عن أبيه ولا يدري كيف أمرها، فقال: أكثرهم بينة يستحلف وتدفع
إليه. قال الصدوق: لو قال الذي في يده الدار: إنها لي وهي ملكي وأقام على
ذلك بينة وأقام المدعي على دعواه بينة كان الحق أن يحكم بها للمدعي، لأن
الله عز وجل إنما أوجب البينة على المدعي ولم يوجبها على المدعي عليه، ولكن
هذا المدعى عليه ذكر أنه ورثها عن أبيه ولا يدري كيف أمرها، فلهذا أوجب
الحكم باستحلاف أكثرهم بينة ودفع الدار إليه. ولو أن رجلا ادعى على رجل
عقارا أو حيوانا أو غيره وأقام شاهدين وأقام الذي في يده شاهدين واستوى
الشهود في العدالة لكان الحكم أن يخرج الشئ من يدي مالكه إلى المدعي،
لأن البينة عليه، فإن لم يكن الشئ في يدي أحد وادعى فيه الخصمان جميعا
فمن أقام البينة فهو أحق به، فإن أقام كل واحد منهما البينة فإن أحق المدعيين
من عدل شاهداه، فإن استوى الشهود في العدالة فأكثرهما شهودا يحلف بالله
ويدفع إليه الشئ، هكذا ذكره أبي رضي الله عنه في رسالته إلي (1).
وقال ابن أبي عقيل: لو (2) أن رجلين تداعيا شيئا وأقام كل واحد منهما
شاهدين عدلين أنه له دون الآخر أقرع الحاكم بينهما فأيهما خرج اسمه حلفه
بالله لقد شهد شهوده بالحق ثم أعطاه دعواه، وتواترت الأخبار عنهم - عليهم
السلام - أنهم قالوا: اختصم رجلان إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله - في أمر
فجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة فأسهم رسول الله - صلى الله
عليه وآله - بينهما فأعطاه للذي خرج اسمه، وقال: اللهم إنك تقضي بينهما

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 64 - 66 ح 3344 و 3345 وذيل الحديث 3345.
(2) في الطبعة الحجرية: ولو.
370

وزعمت بعض العامة أن المدعيين إذا أقام كل واحد منهما شاهدي عدل على
شئ واحد أنه له دون غيره حكم بينهما نصفين يقال لهم: أكتاب الله حكم
بذلك أم بسنة رسول الله أم بإجماع؟ فإن ادعوا الكتاب فالكتاب ناطق بالرد
عليهم، وإن ادعوا السنة فالسنة في القرعة مشهورة بالرد عليهم، وإن ادعوا
الإجماع كفوا الخصم مؤونتهم. يقال لهم: أليس إذا أقام كل واحد منهما
شاهدي عدل في دار أنها له فشهود كل واحد منهما يكون شهود الآخر، والعلم
محيط بأن إحدى الشهداء كاذبة والأخرى صادقة، فإذا حكمنا بالدار بينهما
نصفين فقد أكذبنا شهودهما جميعا، لأن كل واحد منهما تشهد شهوده بالدار
كلها دون الآخر، فإذا كانت أحد (1) الشهود كاذبة والأخرى صادقة فيجب
أن يسقط أحدهما، لأنه لا سبيل إلى الحكم فيما شهدوا، إلا بإلقاء أحدهما ولم
يوجد إلى إلقاء واحد منهما سبيلا إلا بالقرعة.
وقال ابن الجنيد: ولو تداعى رجلان عينا موجودة وكانت في يد أحدهما
وأقام كل واحد من المتداعيين البينة على ما ادعاه منهما ولم يكن في شهادة
إحدى البينتين ما يدل على وجوب الحكم بها دون صاحبه بل كانتا
متساويتين (2) متدافعتين وأعداد البينتين متساويتين عرض عليهما جميعا أن يحلفا
على صدق ما شهدت به لهما بينتاهما ووجوب العين للحالف دون خصمه، فإن
حلفا جميعا أو أبيا أو حلف الذي هي في يده دون الآخر كان محكوما للذي
هي في يده بها، فإن حلف الذي ليست في يده وأبى الذي هي في يده أن يحلف
حكم بها للحالف. ولو اختلفت أعداد الشهود وكان الذي في يده أكثر شهودا
كان أولى باليمين إن بذلها، فإن حلف حكم له بها. ولو كان الأكثر شهودا

(1) في الطبعة الحجرية: إحدى.
(2) ق 2: بل كانتا منهما متساويتين، م 3: بل كانتا شهادتين.
371

الذي ليست في يده فحلف وأبى الذي هي في يده أن يحلف أخرجت من يد
من كانت في يده وسلمت إلى الحالف مع شهوده الأكثرين من شهود من
كانت في يده. ولو كانت العين في أيديها جميعا أو لم يكن في يد واحد وتساوى
عدد البينتين عرضت اليمين على المدعيين فأيهما حلف استحقها إن أبى الآخر،
وإن حلفا جميعا كانت بينهما نصفين. ولو اختلفت أعداد البينتين فتشاحا على
اليمين أقرع بينهما سهام على أعداد الشهود لكل واحد منهما، فأيهما خرج سهمه
كانت اليمين عليه، فإذا حلف دفعت العين التي قد ادعيت إليه، وكذلك روي
أن أمير المؤمنين - عليه السلام - فعل. ولو كان الشئ في أيديهما وكل واحد يدعي
جميعه وليس الواحد (1) منهما بينة وأبيا أن يحلفا كان في أيديهما على رسمه. ولو
شهدت إحدى البينتين بما يوجب تقدم ملك من شهدت له على ما يوجبه وقت
ملك من شهدت له البينة الأخرى كان محكوما لمن أوجبت بينته له تقدم (2)
ملكه، إلا أن تشهد البينة الأخرى بانتقال الملك من يد الأول ملكا إلى الثاني،
فيكون محكوما بذلك لمن انتقل إليه الملك.
وقال سلار: وإذا تعارضت البينتان فإن كانت إحداهما أرجح حكم بها،
وإلا قسم الشئ بين من قامت لهما البينتان (3)، فإن كان المدعى في يد أحد
المدعيين مع تعارض البينة (4) حكم لمن يده خارجة منها دون المتشبث (5).
وقال ابن البراج: فإن شهد عنده شاهدان غيرهما بأن ذلك الحق لغير
المشهود له أولا نظر في ذلك، فإن كانت أيديهما خارجتين من ذلك الشئ كان
على الحكام أن يحكم لأعدلهما شهودا، فإن تساويا في العدالة حكم لأكثرهما
في العدد مع يمينه بالله تعالى بأن الحق له، فإن امتنع من اليمين من خرج اسمه

(1) م 3: لكل واحد.
(2) م 3: تقديم.
(3) في المصدر: البينات.
(4) في المصدر: البينتين.
(5) المراسم: ص 234.
372

في القرعة استحلف الآخر، فإذا حلف كان الحكم له، فإن امتنعا من اليمين
قسم الحق نصفين، فإن كان مع واحد منهما يد متصرفة فإن شهدت البينة بأن
الحق ملك له فقط وتشهد لآخر بالملك أيضا أخذ الحق من اليد التي هي
متصرفة فيه وسلم إلى الذي يده خارجة، فإن شهدت البينة لليد المتصرفة
بسبب الملك من معاوضة أو هبة أو بيع أو ما أشبه ذلك كانت أولى من اليد
الخارجة (1).
وقال أبو الصلاح: فإن كان للمدعى عليه بينة (2) ولا يد لأحدهما عليه
حكم لأعدلهما شهودا، فإن تساووا في العدالة حكم لأكثرهما شهودا مع يمينه،
فإن تساووا في العدد والعدالة أقرع بينهما وأحلف من خرج سهمه وحكم له
بالملك، فإن كان لأحدهما يد وبينة تشهد باليد وللآخر تشهد بالملك حكم
للخارج اليد بالملك، وإن كانت البينتان تشهدان بالملك حكم به لذي
اليد (3).
وقال ابن حمزة: إذا تداعيا عينا قائمة فإن كانت في أيديهما وتساوت
البينتان كانت بينهما نصفين، وإن اختلفتا بأن يكون إحداهما مطلقة والأخرى
مقيدة فالحكم للمقيدة، أو إحداهما عادلة والأخرى غير عادلة فالحكم للعدالة،
أو تكون إحداهما أكثر مع التساوي عدالة فالحكم للأكثر عددا. وإن كانت في
يد أحدهما فإن تكرر ملكها - كالأواني المصوغة من الذهب والفضة وشبههما -
وكان لكل واحد منهما بينة على سواء فهي لصاحب اليد، وإن كانت مما لا
يتكرر. فأما أن يكون لكل منهما بينة مطلقة فيحكم به لليد الخارجة، أو مقيدة
بالتاريخ فيحكم للسابق، أو إحداهما مقيدة بالتاريخ والأخرى مطلقة فيحكم

(1) المهذب: ج 2 ص 578، مع اختلاف.
(2) في المصدر: فإن كان للمدعي بينة وللمدعى عليه بينة.
(3) الكافي في الفقه: ص 439 - 440.
373

للمقيدة، أو كانتا مقيدتين بالإضافة إلى ابتياع أو هبة أو معاوضة من واحد
فيحكم لصاحب اليد، أو من اثنين فإن كان الملك وقت الانتقال لمن انتقل
منه إلى صاحب اليد حكم له، وإن كان لمن انتقل منه إلى اليد الخارجة كان
له، وإن كانت في يد ثالث لا يدعيها وأقام كل منهما بينة مؤرخة على سواء
تعارضتا، وإن اختلفتا تاريخا حكم للسابق، وإن اختلفتا بالتقييد والإطلاق
حكم للمقيدة، فإن اختلفتا بالانتقال فحكمه ما تقدم، وإن انتقل إليهما من
واحد وكان بعد في يد من انتقل منه وأقام كل منهما بينة مؤرخة على سواء أقرع
بينهما ولا تأثير لإقرار البائع في ذلك، وكذا إن كانت كل منهما غير مؤرخة أو
كانت إحداهما مؤرخة والأخرى مطلقة، وإن قبضها واحد ولا تاريخ للبينة أو
اتفق التاريخان حكم لصاحب اليد، وإن تفاوت التاريخ فالحكم للسابق. وإن
لم يكن في يد أحد فإن كان لكل واحد منهما بينة على سواء حكم فيه بالقرعة،
فمن خرجت قرعته وحلف فهي له، وإن امتنع من اليمين وحلف الآخر فهي له،
وإن امتنعا معا كانت بينهما نصفين، وإن كانت البينة على اختلاف فالحكم
للعادلة، فإن تساويا عدالة حكم للأكثر عددا إذا حلف صاحبها (1).
وقال ابن إدريس: إذا شهد عدلان أن حقا ما لزيد وآخران أنه لعمرو فإن
كانت أيديهما خارجتين حكم لأعدلهما شهودا، فإن تساويا فللأكثر مع يمينه بالله
تعالى أن الحق له، فإن تساويا عدالة وعددا أقرع بينهما، فمن خرج عليه حلف،
فإن امتنع حلف الآخر، فإن امتنعا فهو بينهما نصفان. ومتى كان مع واحد منهما
يد متصرفة قال شيخنا في النهاية: فإن كانت البينة تشهد بأن الحق ملك له
فقط وتشهد للآخر بالملك أيضا انتزع الحق من اليد المتصرفة وأعطى اليد
الخارجة، وإن شهدت البينة لليد المتصرفة بسبب الملك من بيع أو هبة أو

(1) الوسيلة: ص 218 - 221، مع اختلاف.
374

معاوضة كانت أولى من اليد الخارجة. قال: والذي يقوى في نفسي وأعمل عليه
وأفتي به إن اليد الخارجة في المسألتين معا يسلم الشئ إليها، وهي أحق من
اليد المتصرفة، والبينة بينتها كيف ما دارت القضية، هذا الذي يقتضيه أصول
مذهب أصحابنا بغير خلاف بين المحققين، ولقوله - عليه السلام -: (البينة على
المدعي وعلى الجاحد اليمين) وهذا مذهب شيخنا في كتاب البيوع من مسائل
خلافه، وعقد الباب أن نقول: إذا تنازعا عينا وهي في يد أحدهما وأقام كل
منهما بينة بما يدعيه من الملكية انتزعت العين من يد الداخل وأعطيت الخارج،
وكانت بينة الخارج أولى وهي المسموعة، سواء شهدت بينة الداخل بالملك
بالإطلاق أو بالأسباب أو بقديمه أو بحديثه فإن بينة الخارج أولى على الصحيح
من المذهب وأقوال أصحابنا، وإن كانت العين خارجة منهما وأقاما بينة رجح
أصحابنا بكثرة الشهود، فإن استويا رجح بالتفاضل في العدالة، فإن استويا
فإن الحكم عند المحصلين من أصحابنا القرعة على أيهما خرجت أعطي وحلف
الآخر أنه يستحقه، فإن لم يكن ترجيح وهي في يد ثالث وأقام أحدهما بينة
بقديم الملك والآخر بحديثه وكل منهما يدعي أنه ملكي الآن وبينة كل واحد
منهما تشهد بأنه ملكه الآن غير أن إحدى البينتين تشهد بالملكية الآن وبقديم
الملك والأخرى تشهد بالملكية الآن وبحديث الملك سمعت بينة القديم، لأن
حديث الملك لا يملكه إلا عن يد قديمة فهو مدعي الملكية عنه، ولا خلاف إنا
لا نحكم بأنه ملك عنه، لأنه لو كان ملك عنه لوجب أن يكون الرجوع عليه
بالدرك، فإذا لم يحكم بأنه ملكه عنه بقي الملك على صاحبه حتى يعلم زواله
عنه، وكذلك تكون بينة صاحب السبب أولى في هذه المسألة إذا كانت العين
في يد ثالث عند بعض أصحابنا. والأقوى عندي استعمال القرعة ها هنا، وألا
يجعل لصاحب السبب ترجيح، لأن الترجيح عندنا ما ورد إلا بكثرة الشهود،
فإن تساووا فالأعدل وبقديم الملك، ولا ترجيح بغير ذلك عند أصحابنا،
375

والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا، فلم يبق إلا القرعة.
ولو قلنا: نرجح بالسبب إذا كان في يد ثالث لكان قويا، وبه أفتي، لأن
فيه جمعا بين الأحاديث، وعليه الإجماع، فإن المحصلين من الأصحاب مجمعون
عليه قائلون به، ولأن السبب أولى من قديم الملك، وقد رجحنا بقديم الملك. ثم
قال بعد ذلك: والذي أعتمده وأعتقده وأعمل عليه بعد هذه التفاصيل جميعا ألا
ترجيح إلا بالعدد، وبالتفاضل في عدالة البينتين فحسب دون الأسباب وقدم
الإملاك، لأن القياس عندنا باطل، وإنما فصلنا ما فصلناه على وضع شيخنا
في مسائل خلافه وهي فروع المخالفين ومذاهبهم، فحكاها واختارها دون أن
يكون مذهبا لنا أو لبعض مشيختنا، ولا وردت به أخبارنا، ولم يذهب إليه أحد
من أصحابنا سوى شيخنا أبي جعفر في كتابيه الفروع مبسوطه ومسائل خلافه،
وعادته في هذين الكتابين وضع أقوال المخالفين واختيار بعضها (1).
والمعتمد أن نقول: إن كان هناك يد متصرفة وأخرى خارجة وشهدت بينة
المتشبث بالسبب وأطلقت الأخرى فإن البينة بينة الداخل مع يمينه.
لنا: ما رواه الجمهور، عن جابر أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله
عليه وآله - في دابة أو بعير فأقام كل واحد منهما البينة أنها له أنتجها، فقضي
بها رسول الله - صلى الله عليه وآله - لمن هي في يده (2).
ومن طريق الخاصة ما رواه غياث بن إبراهيم، عن الصادق - عليه السلام -
أن أمير المؤمنين - عليه السلام - اختصم إليه رجلان في دابة وكلاهما أقام البينة
أنه أنتجها فقضى بها للذي هي في يده، وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما
نصفين (3).

(1) السرائر: ج 2 ص 167 - 171، مع اختلاف.
(2) سنن الدارقطني: ج 4 ص 209 ح 21.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 234 ح 573، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب كيفية الحكم وأحكام
الدعوى ح 3 ج 18 ص 182.
376

وعن إسحاق بن عمار، عن الصادق - عليه السلام - أن رجلين اختصما إلى
أمير المؤمنين - عليه السلام - فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف فقضى بها
للحالف فقيل له: لو لم يكن في يد واحد منهما وأقاما البينة، فقال: احلفهما
فأيهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما
نصفين، قيل له: فإن كانت في يد واحد منهما وأقاما جميعا البينة، قال: أقضي
بها للحالف الذي في يده (1).
ولأن جانب الداخل أقوى، ولهذا قدمت يمينه على يمين المدعي فيكون بينته
أقوى.
ولأن له يدا وسببا بخلاف الأخرى.
ولأنهما تعارضتا فتسلم اليد مع السبب، وإن كانتا مطلقتين أو مقيدتين
بالسبب فالبينة بينة الخارج، لما رواه محمد بن حفص، عن منصور، عن
الصادق - عليه السلام - قال: قلت له: رجل في يده شاة فجاء رجل فادعاها
وأقام البينة العدول أنها ولدت عنده ولم يهب ولم يبع وجاء الذي في يده بالبينة
مثلهم عدول أنها ولدت عنده ولم يبع ولم يهب، قال: قال أبو عبد الله الصادق
- عليه السلام -: حقها للمدعي، ولا أقبل من الذي في يده بينة: لأن الله
عز وجل إنما أمر أن يطلب البينة من المدعي، فإن كانت له بينة وإلا فيمين
الذي هو في يده، هكذا أمر الله عز وجل (2).
وإن كانت يدهما عليها قسم بينهما نصفين، لأن كل واحد خارج في
النصف داخل في الآخر فتسمع بينته فيما هو خارج عنه، وإن كانت يدهما

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 233 ح 570، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب كيفية الحكم وأحكام
الدعوى ح 3 ج 18 ص 182.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 240 ح 594، وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب كيفية الحكم وأحكام
الدعوى ح 14 ج 18 ص 186.
377

خارجتين حكم بترجيح إحدى البينتين في العدالة والعدد فيقضي للراجح،
فإن تساويا فيها فالقرعة والإحلاف لمن خرج اسمه، فإن امتنع أحلف الآخر
وحكم له، فإن امتنعا قسم بينهما بالسوية، ولو كانت إحدى البينتين أقدم
تاريخا وشهدت بقديم الملك واستمراره إلى حين الشهادة فهي أولى من المتأخرة،
ولو تساويا في التاريخ أو كانتا مطلقتين فيه أو إحداهما مطلقة والأخرى مقيدة
تعارضتا.
واحتج الشيخ على قوله في الخلاف بما تقدم من الأخبار، وبأنهما تداعيا
وأقاما بينة فلا ترجيح، وتبقى اليد مختصة بأحدهما فيترجح بها (1). وهو حسن،
لكن حديث منصور يدل على خلافه، ولولاه لصرت إلى قول الشيخ في
الخلاف.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا قال لعبده: إن قتلت فأنت حر فهلك
السيد واختلف الوارث والعبد فأقام الوارث البينة أنه مات حتف أنفه (2) وأقام
العبد البينة أنه مات بالقتل قال قوم: يتعارضان ويسقطان ويسترق العبد،
وقال قوم: بينة العبد أولى، لأن موته قتلا يزيد على موت (3) حتف أنفه، لأن
كل مقتول ميت، وليس كل ميت مقتولا، فكان الزائد أولى ويعتق العبد،
وعندنا يستعمل فيه القرعة، فمن خرج اسمه حكم ببينته (4).
وقال في الخلاف: هذا يسقط عنا، لأنه عتق بشرط، ولا يصح العتق
بالشرط عندنا ومتى قلنا: إن التدبير وصية وليس هو عتقا بصفة قلنا: يستعمل
القرعة (5).
وقال ابن إدريس: الأظهر الذي يقتضيه أصول مذهبنا أنه يعتق العبد،

(1) الخلاف: ج 6 ص 337 ذيل المسألة 10.
(2) في المصدر: الأنف.
(3) في المصدر: موته.
(4) المبسوط: ج 8 ص 173.
(5) الخلاف: ج 6 ص 253 المسألة 5.
378

لأن هذا ليس بأمر مشكل، لأن بينة العبد شهدت بأمر زائد قد يخفى على بينة
الوارث (1).
وأقول: الشيخ - رحمه الله. - إنما حكم بالقرعة في الموضع الذي يحصل
الاشتباه فيه، وهو أن تشهد بينة القتل بأمر لا يخفى عن بينة الموت وتشهد بينة
الموت بأمر لا يمكن أن يجامع بينة القتل فحينئذ يتحقق التعارض، فأما أن
تتساقطا - كما ذهب إليه قوم من الجمهور (2) - وليس بجيد، وإما أن يحكم
بالقرعة وعليه النقل (3)، لأنه مشكل، لعدم الترجيح لإحداهما.
والذي قاله ابن إدريس: (إن بينة القتل شهدت بأمر قد يخفى عن بينة
الموت) ليس محل النزاع، لأنه حينئذ يحكم ببينة القتل. وقول ابن إدريس ليس
بردئ لا باعتبار ما قال، بل من حيث إن العبد خارج مدعي فالحكم لبينته.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: لو قال لعبد له: إن مت في رمضان فأنت
حر وقال لعبد آخر: إن مت في شوال فأنت حر فمات السيد واختلف العبدان
وأقام كل واحد منهما البينة على ما ادعاه حكم بالقرعة (4).
وقال ابن إدريس: الصحيح أنه تقبل بينة رمضان، لأن معها زيادة، وهو
أن يخفى على بينة شوال موته في رمضان، ولا يخفى على بينة رمضان موته في
شوال، فكان صاحب رمضان أولى، وليس هذا من الأمور المشكلة بقبيل (5).
والمعتمد ما قاله الشيخ، لأن بينة شوال إنما تشهد بموته فيه لو عرفت حياته
في رمضان، وهو لا يجمع شهادة موته فيه.

(1) السرائر: ج 2 ص 174.
(2) المبسوط للسرخسي: ج 17 ص 62 ص 23.
(3) في الطبعة الحجرية: العمل.
(4) المبسوط: ج 8 ص 173.
(5) السرائر: ج 2 ص 174.
379

الفصل الثالث
في لواحق القضاء
مسألة: قال الشيخ في النهاية: وإن نكل عن اليمين ألزمه الخروج إلى خصمه
مما ادعاه عليه (1). وهو يعطي القضاء بالنكول من غير إحلاف المدعي، وهو
قول شيخه المفيد (2) - رحمه الله - وسلار (3)، وأبي الصلاح (4)، وبه قال في
القدماء من علمائنا ابنا بابويه (5).
وقال ابن الجنيد: ترد اليمين على المدعي ويحلف ويقضى له. وهو اختيار
ابن حمزة (6)، وابن إدريس، ونقله ابن إدريس عن الشيخ في المبسوط والخلاف
وقال: إنه قد رجع عن قوله في النهاية (7).
ولابن البراج قولان: في الكامل كقول النهاية، وفي المهذب (8) كالمبسوط
والخلاف.
والمعتمد أنه لا يحكم بالنكول بل بيمين المدعي.
لنا: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله - أنه رد اليمين على طالب
الحق (9).

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 71.
(2) المقنعة: ص 724.
(3) المراسم: ص 231.
(4) الكافي في الفقه: ص 447.
(5) المقنع: ص 132.
(6) الوسيلة: ص 213.
(7) السرائر: ج 2 ص 180.
(8) المهذب: ج 2 ص 585.
(9) كنز العمال: ج 5 ص 850 ح 14545.
380

ومن طريق الخاصة ما رواه عبيد بن زرارة، عن الصادق - عليه السلام - في
الرجل يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعي، قال: يستحلف أو يرد اليمين على
صاحب الحق، فإن لم يفعل فلا حق له (1).
وفي الحسن عن هشام، عن الصادق - عليه السلام - قال: ترد اليمين عن
المدعي (2). وهو عام.
ولأن المدعي مع رد اليمين عليه يجب عليه الحلف، فإن نكل بطل حقه،
وإذا جاز أن يبطل حقه على تقدير جواز النكول وجب على الحاكم التماس اليمين
منه لئلا يثبت المسقط للحق.
ولأن الأصل براءة الذمة وعدم شغلها بالمال، ولم يثبت المزيل لحكم
الأصل، والنكول جاز استناده إلى تعظيم حال اليمين، فلا يثبت بمجرده ما
يخالف حكم الأصل المعلوم، لأنه غير مظنون المعارضة فكيف يكون معلومها؟!
ولأنه أحوط.
وقد احتج الشيخ في الخلاف بإجماع الفرقة على رد اليمين وبقوله تعالى:
(ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم)
فأثبت تعالى يمينا مردودة بعد يمين أي: بعد وجوب يمين، وبقوله - عليه
السلام -: (المطلوب أولى باليمين من المطالب)) ولفظة (أولى) من وزن (أفعل)
وحقيقتها الاشتراك في الحقيقة وتفضيل أحدهما على الآخر فاشتركا في اليمين،
لكن المطلوب أولى. ولأن الأصل براءة الذمة، وإيجاب الحكم بالنكول يحتاج
إلى دليل (3).

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 230 ح 556، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب كيفية الحكم وأحكام
الدعوى ح 2 ج 18 ص 176.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 230 ح 560، وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب كيفية الحكم وأحكام
الدعوى ح 3 ج 18 ص 176.
(3) الخلاف: ج 6 ص 290 المسألة 38.
381

احتجوا بما رواه الحلبي وجميل وهشام في الحسن، عن الصادق - عليه
السلام - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: (البينة على من ادعى
واليمين على من ادعي عليه) (1) فجعل جنس اليمين في جنبة المدعى عليه كما
جعل جنس البينة في جنبة المدعي.
وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن الأخرس كيف يحلف إذا ادعى عليه دين ولم يكن للمدعي بينة؟
فقال: إن أمير المؤمنين - عليه السلام - أتي بأخرس وادعي عليه دين فأنكر ولم
يكن للمدعي بينة، فقال أمير المؤمنين - عليه السلام -: الحمد لله الذي لم يخرجني
من الدنيا حتى بينت للأمة جميع ما تحتاج إليه، ثم قال: ائتوني بمصحف، فأتي
به فقال للأخرس: ما هذا؟ فرفع رأسه إلى السماء وأشار أنه كتاب الله
عز وجل، ثم قال: ائتوني بوليه، فأتي بأخ له فأقعده إلى جنبه، ثم قال: يا قنبر علي
بدواة وصحيفة: فأتاه بهما، ثم قال لأخي الأخرس: قل لأخيك: هذا بينك
وبينه أنه علي (2)، فتقدم إليه بذلك ثم كتب أمير المؤمنين - عليه السلام -: والله
الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار
النافع المهلك المدرك الذي يعلم السر والعلانية أن فلان بن فلان المدعي ليس
له قبل فلان بن فلان - أعني: الأخرس - حق، ولا طلبة بوجه من الوجوه، ولا
سبب من الأسباب، ثمة غسله وأمر الأخرس أن يشربه، فامتنع فألزمه
الدين (3).

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 229 ح 553 وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب كيفية الحكم وأحكام
الدعوى ح 3 ج 18 ص 178.
(2) ليس (أنه علي) في التهذيب.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 319 ح 879، وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب كيفية الحكم وأحكام
الدعوى ح 1 ج 18 ص 222.
382

والجواب عن الأول: أنه لا حجة فيه. لأنه حكم بالابتداء. وعن الثاني:
باحتمال إلزامه بالدين عقيب إحلاف المدعي، جمعا بين الأدلة خصوصا،
والجمهور (1) نقلوا ما اخترناه مذهبا لعلي - عليه السلام -.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الأحكام
من الأموال والحدود والقصاص وغير ذلك، سواء كان من حقوق الله تعالى أو
حقوق الآدميين فالحكم فيه سواء، وكلا فرق بين أن يعلم ذلك بعد التولية في
موضع ولايته أو قبل التولية أو بعدها قبل عزله وفي غير موضع ولايته الباب
الواحد (2).
وقال في المبسوط: إذا أنكر وعلم الحاكم صدق ما يدعيه المدعي - مثل أن
علم (3) إن كان عليه دين يعلمه الحاكم أو قصاص ونحو ذلك - فهل له أن
يقضي بعلمه أم لا؟ قال قوم: لا يقضي بعلمه، وقال آخرون: له أن يحكم
بعلمه، وفيه خلاف، ولا خلاف أنه يقضي بعلمه في الجرح والتعديل، بدليل
أنه لو علم الجرح وشهدوا عنده بالتعديل (4) ترك الشهادة وعمل بعلمه، ولأنه لو
لم يقض بعلمه أفضى إلى إيقاف الأحكام أو فسق الحكام، لأنه إذا طلق
الرجل زوجته بحضرته ثلاثا ثم جحد الطلاق كان القول قوله مع يمينه، فإن
حكم بغير علمه - وهو استحلاف الزوج وتسليمها إليه - فسق، وإن لم يحكم له
وقف الحكم، وهكذا إذا أعتق الرجل عبده بحضرته ثم جحد، وإذا غصب من
رجل ماله ثم جحده يفضي إلى ما قلناه. والذي يقتضيه مذهبنا ورواياتنا أن
للإمام أن يحكم بعلمه، وأما من عداه من الحكام فالأظهر أن لهم أن يحكموا

(1) المحلى: ج 9 ص 377.
(2) الخلاف: ج 6 ص 242 المسألة 41.
(3) ليس في المصدر: (إن علم).
(4) ليس في المصدر: (بالتعديل).
383

بعلمهم، وقد روي في بعضها أنه ليس أن يحكم بعلمه، لما فيه من التهمة (1).
وقال أبو الصلاح: له أن يحكم بعلمه (2).
وقال ابن حمزة: يجوز للحاكم المأمون الحكم (3) بعلمه في حقوق الناس،
وللإمام في جميع الحقوق (4).
وقال السيد المرتضى: مما ظن انفراد الإمامية به وأهل الظاهر يوافقونها فيه
القول بأن للإمام والحكام من قبله أن يحكموا بعلمهم في جميع الحقوق والحدود
من غير استثناء، وسواء علم الحاكم ما علمه وهو حاكم أو علمه قبل
ذلك ثم نقل تفصيل مذاهب الجمهور. ثم اعترض فقال: كيف تستجيزون
ادعاء الإجماع من الإمامية في هذه المسألة وأبو علي بن الجنيد يصرح بالخلاف
فيها ويذهب إلى أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في شئ من الحقوق ولا
الحدود؟! وأجاب: بأنه لا خلاف بين الإمامية في هذه المسألة، وقد تقدم
إجماعهم ابن الجنيد وتأخر عنه، وإنما عول ابن الجنيد فيها على ضرب من الرأي
والاجتهاد، وخطأه ظاهر، فكيف يخفى إطباق الإمامية على وجوب الحكم
بالعلم وهم ينكرون توقف أبي بكر عن الحكم لفاطمة - عليها السلام - بفدك لما
ادعت أنه نحلها أبوها؟! ويقولون: إذا كان عالما بعصمتها وطهارتها وأنها لا
تدعي إلا الحق فلا وجه لمطالبتها بإقامة البينة، لأن البينة لا وجه لها مع القطع
بالصدق، وكيف يخفى على ابن الجنيد هذا الذي لا يخفى على أحد؟! أوليس
قد روت الشيعة الإمامية كلها ما هو موجود في كتبها مشهور في رواياتها أن
النبي - عليه السلام - ادعى عليه أعرابي سبعين درهما ثمن ناقة باعها منه، فقال
- عليه السلام -: قد أوفيتك، فقال الأعرابي: اجعل بيني وبينكم رجلا يحكم

(1) المبسوط: ج 8 ص 165 - 166.
(2) الكافي في الفقه: ص 445.
(3) ق 2 و م 3: أن يحكم.
(4) الوسيلة: ص 218.
384

بيننا، فأقبل رجل من قريش فقال له - صلى الله عليه وآله -: احكم بيننا،
فقال للأعرابي: ما تدعي على رسول الله - صلى الله عليه وآله -؟ فقال: سبعون
درهما ثمن ناقة بعتها منه، فقال: ما تقول يا رسول الله؟ قال: قد أوفيته، فقال
للأعرابي: ما تقول؟ فقال: لم يوفني، فقال لرسول الله: ألك بينة على أنك قد
أوفيته؟ قال: لا، فقال للأعرابي: أتحلف أنك لم تستوف حقك وتأخذه؟
فقال: نعم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله: لأحاكمن هذ الرجل إلى
رجل يحكم فينا بحكم الله تعالى، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وآله - علي بن
أبي طالب - عليه السلام - ومعه الأعرابي، فقال علي - عليه السلام - ما لك يا
رسول الله؟ فقال: يا أبا الحسن احكم بيني وبين هذا الأعرابي، فقال علي - عليه
السلام -: ما تدعي على رسول الله؟ فقال: سبعون درهما ثمن ناقة بعتها منه،
فقال: ما تقول يا رسول الله؟ فقال: قد أوفيته ثمنها، فقال علي - عليه السلام -
يا أعرابي أصدق رسول الله فيما قال؟ قال: لا ما أوفاني، فأخرج علي - عليه
السلام - سيفه فضرب عنقه، فقال رسول الله: لم فعلت ذلك يا علي؟ فقال: يا
رسول الله نحن نصدقك على أمر الله ونهيه وأمر الجنة والنار والثواب والعقاب
ووحي الله تعالى ولا نصدقك في ثمن ناقة هذا الأعرابي، فإني قتلته، لأنه
كذبك لما قلت له: أصدق رسول الله فيما قال: فقال: لا ما أوفاني شيئا، فقال
رسول الله - صلى الله عليه وآله -: أصبت يا علي فلا تعد إلى مثلها، ثم التفت
إلى القرشي وكان قد تبعه فقال: هذا حكم الله لا ما حكمت به. وروت
الشيعة أيضا عن ابن جريح، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: خرج رسول
الله - صلى الله عليه وآله - من منزل عائشة فاستقبله أعرابي ومعه ناقة فقال: يا
محمد أتشتري هذه الناقة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وآله -: نعم، بكم تبيعها
يا أعرابي؟ فقال: بمائتي درهم، قال النبي - صلى الله عليه وآله -: ناقتك خير
من هذا، قال: فما زال النبي - صلى الله عليه وآله - يزيد حتى اشترى الناقة
385

بأربعمائة درهم، قال: فلما دفع النبي - صلى الله عليه وآله - الدراهم
إلى الأعرابي ضرب الأعرابي يده إلى زمام الناقة وقال: الناقة ناقتي
والدراهم دراهمي فإن كان لمحمد شئ فليقم البينة، قال: فأقبل رجل فقال
النبي - صلى الله عليه وآله -: أترضى يا أعرابي بالشيخ المقبل؟ فقال: نعم يا
محمد، فلما دنا قال: اقض في ما بيني وبين هذا الأعرابي، قال: تكلم يا رسول
الله، فقال النبي - صلى الله عليه وآله -: الناقة ناقتي والدراهم دراهم الأعرابي،
فقال الأعرابي: بل الدراهم دراهمي والناقة ناقتي فإن كان لمحمد شئ فليقم
البينة، فقال الرجل: القضية فيها واضحة يا رسول الله وذلك أن الأعرابي طلب
البينة، فقال له النبي - صلى الله عليه وآله -: إجلس فجلس، ثم أقبل رجل آخر
فقال النبي - صلى الله عليه وآله -: أترضى يا أعرابي بالشيخ المقبل؟ قال: نعم،
فلما دنا قال النبي - صلى الله عليه وآله -: إقض في ما بيني وبين هذا الأعرابي،
قال: تكلم يا رسول الله، قال النبي - صلى الله عليه وآله -: الناقة ناقتي
والدراهم دراهم الأعرابي: لا بل الناقة ناقتي والدراهم
دراهمي، فقال الرجل: القضية فيها واضحة يا رسول الله، لأن الأعرابي يطلب
البينة، فقال النبي - صلى الله عليه وآله -: إجلس حتى يأتي الله بمن يقضي بيني
وبين الأعرابي بالحق، قال: فأقبل علي - عليه السلام - فقال النبي - صلى الله
عليه وآله -: أترضى بالشاب المقبل؟ قال: نعم، فلما دنا قال: يا أبا الحسن
إقض بيني وبين الأعرابي، فقال: تكلم يا رسول الله، فقال النبي - صلى الله
عليه وآله -:
الناقة ناقتي والدراهم دراهم الأعرابي، فقال الأعرابي: بل الناقة ناقتي
والدراهم دراهمي فإن كان لمحمد شئ فليقم البينة، فقال علي - عليه السلام -:
خل بين الناقة وبين رسول الله، فقال الأعرابي: ما كنت بالذي أفعل أو يقيم
البينة، فدخل علي - عليه السلام - منزله فاشتمل على قائم سيفه ثم أتى الرجل
386

فقال: خل بين الناقة وبين رسول الله، فقال: ما كنت بالذي أفعل أو يقيم
البينة، قال: فضربه علي - عليه السلام - ضربة فأجمع أهل الحجاز على أنه رمى
برأسه، وقال بعض أهل العراق: بل قطع منه عضوا، فقال النبي - صلى الله
عليه وآله: ما حملك يا علي على هذا؟! فقال: يا رسول الله نصدقك على
الوحي من السماء ولا نصدقك على أربعمائة درهم. قال السيد المرتضى: وقال
أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن بابويه القمي - رحمه الله - وقد روى هذين
الخبرين في كتابه المعروف ب‍ (كتاب من لا يحضره الفقيه): هذان الخبران
غير مختلفين، لأنهما في قضيتين، وكانت هذه القضية قبل القضية التي ذكرناها
قبلها. وقد روت الشيعة أيضا في كتبها خبر أمير المؤمنين - عليه السلام - مع
شريح قاضيه في درع طلحة بن عبيد الله لما قال - عليه السلام -: هذه درع طلحة
أخذت غلولا يوم البصرة ومطالبة شريح له بالبينة على ذلك وإحضاره - عليه
السلام - الحسن ابنه - عليه السلام - وقنبرا غلامه، وقوله - عليه السلام - لشريح:
أخطأت ثلاث مرات. ورووا أيضا حديث خزيمة بن ثابت - ذي الشهادتين -
لما شهد للنبي - صلى الله عليه وآله - على الأعرابي، فقال له النبي - صلى الله
عليه وآله: كيف شهدت بذلك وعلمته؟ قال: من حيث علمت أنك رسول
الله. فمن يروي هذه الأخبار مستحسنا لها معولا عليها كيف يجوز أن يشك في
أنه كان يذهب إلى أن الحاكم يحكم بعلمه؟! لولا قلة التأمل من ابن الجنيد.
ثم قال السيد: والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه زائدا على الإجماع المتردد
قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا) وقوله تعالى: (السارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما) فمن علمه الإمام سارقا أو زانيا قبل القضاء أو بعده فواجب عليه أن
يقضي فيه ما أوجبته الآية من إقامة الحدود، وإذا ثبت في الحدود ثبت في
الأموال، لعدم القائل بالفرق (1).

(1) الإنتصار: ص 236 - 241، مع اختلاف.
387

والحق ما ذهب إليه السيد المرتضى والشيخ في الخلاف، لما تقدم، ولأن
العلم أقوى دلالة من الظن، وإذا جاز الحكم مع الظن جاز مع العلم على طريق
الأولى.
احتج ابن الجنيد بأن في الحكم بعلمه تزكية نفسه، ولأنه إذا حكم بعلمه
فقد عرض نفسه للتهمة وسوء الظن به.
والجواب: التزكية حاصلة للحاكم بتولية الحكم له، وليس ذلك بتابع
لإمضاء الحكم في ما علمه، والتهمة حاصلة في الحكم بالبينة والإقرار مع عدم
الالتفات إليها.
قال السيد المرتضى ووجدت لابن الجنيد كلاما في هذه المسألة غير
محصل لأنه لم يكن في (1) هذا [دلالة] ولا إليه، ورأيته يفرق بين علم النبي
- صلى الله عليه وآله - بالشئ وبين علم خلفائه وحكامه، وهذا غلط منه، لأن
علم العالمين بالمعلومات لا يختلف، فعلم كل واحد معلوم بعينه كعلم كل عالم
به، وكما أن الإمام أو النبي إذا شاهدا رجلا يزني أو يسرق فهما عالمان بذلك
علما صحيحا، وكذلك من علم مثل ما علماه من خلفائهما. قال: ووجدته
يستدل على بطلان الحكم بالعلم بأن يقول: وجدت الله تعالى قد أوجب
للمؤمنين فيما بينهم حقوقا أبطلها فيما بينهم وبين الكفار والمرتدين كالمواريث
والمناكحة وأكل الذبائح، ووجدنا الله تعالى أطلع رسوله - صلى الله عليه
وآله - على من كان يبطن الكفر ويظهر الإسلام، وكان يعلمه ولم يبين - عليه
السلام - أحوالهم لجميع المؤمنين فيمتنعوا من مناكحتهم وأكل ذبائحهم، وهذا
غير معتمد، لأنا أولا، لا نسلم له أن الله تعالى قد أطلع نبيه - صلى الله عليه
وآله - على معائب المنافقين وكل من كان يظهر الإيمان ويبطن الكفر من أمته.

(1) في الطبعة الحجرية م 3: من.
388

قال السيد المرتضى: فإن استدل على ذلك بقوله تعالى: (ولو نشاء لأريناكهم
فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول) فهذا لا يدل على وقوع التعريف،
وإنما يدل على القدرة عليه، ومعنى قوله تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول) أي
ليستيقن ظنك أو وهمك من غير قطع ولا يقين، ثم لو سلمنا على غاية مقترحة
أنه - صلى الله عليه وآله - قد أطلع على البواطن لم يلزم ما ذكره، لأنه غير ممتنع
أن يكون تحريم المناكحة والموارثة وأكل الذبائح، إنما يختص بمن أظهر كفره
وردته دون من أبطنها، وأن تكون المصلحة التي يتعلق بها التحريم والتحليل
اقتضت ما ذكرناه، ولا يجب على النبي - صلى الله عليه وآله - أن يبين أحوال
من أبطن الردة والكفر لأجل هذه الأحكام التي ذكرناها، لأنها لا تتعلق
بالمبطن وإنما تتعلق بالمظهر، وليس كذلك الزنا وشرب الخمر والسرقة، لأن
الحد في هذه الأمور تتعلق بالمظهر والمبطن على سواء، وإنما يستحق بالفعلية التي
يشترك فيها المعلن والمستر (1).
مسألة: إذا اختلف الزوجان في متاع البيت للشيخ ثلاثة أقوال:
الأول: قال في المبسوط: إن كان مع أحدهما بينة قضى له بها، لأن بينته
أولى من يد الآخر، وإن لم يكن مع أحدهما بينة فيد كل واحد منهما على نصفه،
يحلف كل واحد منهما لصاحبه ويكون بينهما نصفين، وسواء كانت يدهما من
حيث المشاهدة أو من حيث الحكم، وسواء كان مما يصلح للرجال دون
النساء - كالعمائم والطيالسة والدراريع والسلاح - أو يصلح للنساء دون الرجال
- كالحلي والمقانع وقمص النساء - أو يصلح لكل واحد منهما - كالفرش والأواني -
وسواء كانت الدار لهما أو لأحدهما أو لغيرهما، وسواء كانت الزوجية باقية بينهما
أو بعد زوال الزوجية، وسواء كان التنازع بينهما أو بين ورثتهما أو بين أحدهما

(1) الإنتصار: ص 242 - 243.
389

وورثة الآخر (1) وقد روى أصحابنا أن ما يصلح للرجال للرجل وما يصلح
للنساء فللمرأة وما يصلح لهما يجعل بينهما، وفي بعض الروايات أن الكل للمرأة
وعلى الرجل البينة، لأن من المعلوم أن الجهاز ينقل من بيت المرأة إلى بيت
الرجل. والأول أحوط (2).
الثاني: قال في الخلاف: إذا اختلف الزوجان في متاع البيت فقال كل
واحد منهما: كله لي ولم يكن مع أحدهما بينة نظر فيه، فما يصلح للرجال القول
قوله مع يمينه، وما يصلح للنساء فالقول قولها مع يمينها، وما يصلح لهما كان
بينهما. وقد روي أن القول في جميع ذلك قول المرأة من يمينها. والأول أحوط (3).
الثالث: قال في الاستبصار: القول قول المرأة (4)
وقال ابن البراج في كتابيه معا: إذا طلق الرجل زوجته وفي بيتها ما
للرجال وما للنساء ولم يكن لأحدهما بينة على شئ منه كان بينهما نصفين،
فإن طلقها وادعى أن متاع البيت له وادعت المرأة أنه لها دونه حكم للرجل بما
للرجال وللمرأة بما للنساء (5).
وقال ابن حمزة: إذا اختلف الزوجان أو من يرثهما في متاع البيت لم يخل إما
كان في أيديهما معا أو في يد أحدهما، فإن كان في أيديهما وكان لكل واحد
منهما بينة تحالفا وقسم بينهما، وإن لم يكن لواحد منهما بينة ويصلح لأحدهما كان
له، وإن صلح لهما معا كان بينهما، وإن كان لأحدهما بينة حكم له، وإن كان
في يد أحدهما كانت البينة على اليد الخارجة واليمين على المتشبثة (6).

(1) في المصدر: وورثة الآخر وفيه خلاف.
(2) المبسوط: ج 8 ص 310.
(3) الخلاف: ج 6 ص 352 المسألة 27.
(4) الإستبصار: ج 3 ص 47 ذيل الحديث 153.
(5) المهذب: ج 2 ص 579.
(6) الوسيلة: ص 227.
390

وقال ابن إدريس: الذي يقوى عندي ما ذهب إليه في مسائل خلافه، لأن
عليه الإجماع وتعضده الأدلة، لأن ما يصلح للنساء الظاهر أنه لهن وكذلك ما
يصلح للرجال، فأما ما يصلح للجميع فيداهما معا عليه فيقسم بينهما، لأنه ليس
أحدهما أولى به من الآخر ولا يترجح أحدهما على الآخر ولا يقرع ها هنا، لأنه
ليس بخارج عن أيديهما، وإنما لو كانت في يد ثالث وأقام كل واحد منهما البينة
وتساوت البينتان في جميع الوجوه كان الحكم فيه القرعة، لأنه ليس هو في
أيديهما (1).
والمعتمد أن نقول: إن كان هناك قضاء عرفي رجع إليه وحكم به بعد
اليمين، وإلا كان الحكم فيه كما في غيره من الدعاوي.
لنا: أن عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار والنظر راجعة إلى ما
ذكرناه، ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناء على الأصل، وبأن المتشبث
أولى من الخارج لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالبا، فحكم بإيجاب
البينة على من يدعي خلاف الظاهر والرجوع إلى من يدعي الظاهر وأما مع
انتفاء العرف فلتصادم الدعويين مع عدم الترجيح لأحدهما فتساويا فيها.
واحتج الشيخ - رحمه الله - على قوله في الاستبصار بما رواه عبد الرحمان بن
الحجاج في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألني كيف قضى ابن
أبي ليلى؟ قال: قلت: قد قضى في مسألة واحدة بأربعة وجوه: في التي يتوفى
عنها زوجها فيختلف (2) أهله وأهلها في متاع البيت، فقضى فيه بقول إبراهيم
النخعي ما كان في متاع لا يكون للرجل للمرأة، ومتاع الرجل الذي لا يكون
للمرأة للرجل، وما للرجل والمرأة قسمه بينهما نصفين. ثم ترك هذا القول فقال:
المرأة بمنزلة الضيف في منزل الرجل، لو أن رجلا أضاف رجلا فادعى متاع

(1) السرائر: ج 2 ص 194.
(2) في الطبعة الحجرية: فبحثوا.
391

بيته كلفه (1) البينة، وكذلك المرأة تكلف البينة، وإلا فالمتاع للرجل ورجع إلى
قول آخر فقال: إن القضاء أن المتاع للمرأة، إلا أن يقيم الرجل البينة على ما
أحدث في بيته ثم ترك هذا القول ورجع إلى قول إبراهيم الأول فقال
أبو عبد الله - عليه السلام -: القضاء الأخير وإن كان قد رجع عنه: المتاع متاع
المرأة، إلا أن يقيم الرجل البينة، قد علم من بين لابتيها - يعني: - بين جبلي منى -
أن المرأة تزف إلى بيت زوجها بمتاع ونحن يومئذ بمنى (2).
ونحوه روى عبد الرحمان بن الحجاج في الصحيح، عن الصادق - عليه
السلام - إلا أنه قال: إلا الميزان فإنه من متاع الرجل (3).
وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألني هل يقضي ابن أبي ليلى بقضاء يرجع عنه؟ فقلت له: بلغني أنه قضى في
متاع الرجل والمرأة إذا مات أحدهما فادعى ورثة الحي وورثة الميت، أو طلقها
الرجل فادعاه الرجل وادعته المرأة أربع قضيات، فقال: ما هن؟ قلت أما أول
ذلك فقضى فيه بقضاء إبراهيم النخعي أن يجعل متاع المرأة الذي لا يكون
[للرجل للمرأة، ومتاع الرجل الذي لا يكون] للمرأة للرجل، وما يكون للرجال
والنساء بينهما نصفين. ثم بلغني أنه قال: إنهما مدعيان جميعا والذي بأيديهما
جميعا مما يتركان بينهما نصفين. ثم قال: الرجل صاحب البيت والمرأة الداخلة
عليه وهي المدعية فالمتاع كله للرجل، إلا متاع النساء الذي لا يكون للرجال
فهو للمرأة. ثم قضى بعد ذلك بقضاء [الأولى] لولا إني شهدته لم أروه عليه،
ماتت امرأة منا ولها زوج وتركت متاعا فرفعته إليه فقال: اكتبوا لي المتاع، فلما

(1) في الطبعة الحجرية: كلفته.
(2) الإستبصار: ج 3 ص 44 - 45 ح 149، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ميراث الأزواج ح 1 ج 17
ص 524، مع اختلاف فيهما.
(3) الإستبصار: ج 3 ص 45 ح 150، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ميراث الأزواج ح 1 ج 17 ص 523 - 524.
392

قرأه قال: هذا يكون للمرأة وللرجل وقد جعلته للمرأة إلا الميزان، فإنه من
متاع الرجل فهو لك. قال: فقال: على أي شئ هو اليوم؟ قلت: رجع إلى أن
جعل البيت للرجل، ثم سألته عن ذلك فقلت له: ما تقول فيه أنت؟ قال:
القول الذي أخبرتني أنك شهدته منه وإن كان قد رجع عنه قلت له: يكون
المتاع للمرأة، فقال: لو سألت من بينهما - يعني: الجبلين، ونحن يومئذ بمكة -
لأخبروك أن الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل فيعطي
التي جاءت به وهو المدعي، فإن زعم أنه أحدث منه شيئا فليأت البينة (1).
واحتج على ما قاله في الخلاف بما رواه رفاعة النخاس في الصحيح عن
الصادق - عليه السلام - قال: إذا طلق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما يكون
للنساء، وما يكون للرجل والنساء قسم بينهما، وإذا طلق المرأة فادعت أن المتاع
لها وادعى الرجل أن المتاع له كان له ما للرجال ولها ما للنساء (2).
ثم قال في الاستبصار - عقيب هذا الخبر -: أنه يحتمل أحمد شيئين: الحمل
على التقية، لأن ما أفتى به - عليه السلام - في الأخبار السابقة (3) لا يوافق عليه
أحد من العامة، وما هذا حكمه يجوز أن يتقى فيه. أو على (4) أن يكون ذلك على
جهة الوساطة والصلح دون (5) مر الحكم (6).
واعلم أن ما رواه الشيخ - رحمه الله - من الأحاديث يعطي ما فصلناه نحن

(1) الإستبصار: ج 3 ص 45 ح 151، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ميراث الأزواج ح 1 ج 17
ص 523، مع اختلاف فيهما.
(2) الإستبصار: ج 3 ص 46 ح 153، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب ميراث الأزواج ح 4 ج 17
ص 525.
(3) في المصدر: الأولة.
(4) في المصدر: يتقى فيه والوجه الآخر نحمله على.
(5) في المصدر: والصلح بينهما دون.
(6) الإستبصار: ج 3 ص 47 ذيل الحديث 153.
393

أولا ويدل عليه بحكمه - عليه السلام - فإن العادة قاضية بأن المرأة تأتي بالجهاز
من بيتها فحكم لها به، وإن العادة قاضية أيضا بأن ما يصلح للرجال خاصة
فإنه يكون من مقتنياته دون مقتنيات المرأة، وكذا ما يصلح للمرأة خاصة يكون
من مقتنياتها دون مقتنيات الرجل، والمشترك يكون للمرأة قضاء لحق العادة
السابقة، ولو فرض خلاف هذه العادة في وقت من الأوقات أو صقع من
الأصقاع لحكم لها.
مسألة: نقل ابن إدريس عن بعض أصحابنا وهو صاحب كتاب الفاخر،
قال: من دبر عبدا لا مال له غيره وعليه دين فدبره في صحته ومات فلا سبيل
للديان عليه، فإن كان دبره في مرضه بيع العبد في الدين، فإن لم يحط الدين
بثمن العبد استعسي في قضاء دين مواليه وهو حر إذا تممه (1).
والوجه تقديم الدين ما لم يكن التدبير عن نذر في صحة وسلامة.
مسألة: المشهور عند علمائنا أنه إذا حضر خصمان عند الحاكم وتداعيا مع
كل منهما على صاحبه يقدم دعوى من يكون على يمين صاحبه، قاله الشيخ في
النهاية (2)، والمفيد في المقنعة (3)، والشيخ علي بن بابويه في رسالته. حتى أن
السيد المرتضى لشهرة هذا القول عند الإمامية قال: ومما انفردت به الإمامية
القول: بأن الخصمين إذا ابتدأ في الدعوى (4) بين يدي الحاكم وتشاحا في
الابتداء بها وجب على الحاكم أن يسمع من الذي عن (5) يمين خصمه ثم ينظر
في دعوى الآخر (6).
قال الشيخ في الخلاف: إذا حضر اثنان عند الحاكم معا في حالة واحدة

(1) السرائر: ج 2 ص 199 - 200.
(2) النهاية ونكتها: ج 2 ص 69.
(3) المقنعة ص 725.
(4) في الطبعة الحجرية: ابتدرا بالدعوى.
(5) في المصدر: على.
(6) الإنتصار: ص 243.
394

وادعيا معا في حالة واحدة كل منهما (1) على صاحبه من غير سبق روى أصحابنا
أنه يقدم من هو على يمين صاحبه، واختلف الناس في ذلك على ما حكاه ابن
المنذر، فقال: منهم من قال: يقرع بينهما، وهو الذي اختاره أصحاب الشافعي
وقالوا: لا نص فيها عن الشافعي، ومنهم من قال: يقدم الحاكم من شاء، ومنهم من
قال: يصرفهما حتى يصطلحا، ومنهم من قال: يستحلف كل منهما لصاحبه. دليلنا:
إجماع الفرقة وأخبارهم، ولو قلنا: بالقرعة - على ما ذهب إليه أصحاب الشافعي
- كان قويا، لأنه مذهبنا في كل أمر مجهول (2). وهذا يدل على تردده في ذلك.
وقال في المبسوط: الذي رواه أصحابنا أنه يقدم من يكون على يمين
صاحبه، وقال قوم: يقرع بينهما، ومنهم من قال: يقدم الحاكم من شاء، ومنهم
من قال: يصرفهما حتى يصطلحا، ومنهم من قال: يستحلف كل واحد منهما لصاحبه،
وبعد ما رويناه القرعة أولى (3). وهذا يعطى ترجيح ما رواه أصحابنا.
قال السيد المرتضى: دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إطباق الطائفة عليه،
ولأن من خالف ما ذكرناه إنما اعتمد على الرأي والاجتهاد دون النص
والتوقيف، ومثل ذلك الرجوع فيه إلى التوقيف أولى وأحرى قال: ووجدت
ابن الجنيد لما روى عن ابن محبوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر - عليه
السلام - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - قضى أن يقدم صاحب اليمين في
المجلس بالكلام، قال ابن الجنيد: يحتمل أن يكون أراد بذلك المدعي، لأن
صاحب اليمين هو واليمين مردودة إليه (4). قال ابن الجنيد: إلا أن ابن محبوب
فسر ذلك في حديث رواه عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله - عليه السلام -

(1) في الطبعة الحجرية وق 2: في حالة واحدة كل منهما.
(2) الخلاف: ج 6 ص 234 المسألة 32، مع اختلاف.
(3) المبسوط: ج 8 ص 154.
(4) كذا في الطبعة الحجرية والنسخ، والموجود في المصدر: لأن اليمين المردودة عليه.
395

أنه قال: إذا تقدمت مع خصم إلى وال أو قاض فكن عن يمينه - يعني: يمين
الخصم - قال السيد: وهذا تخليط من ابن الجنيد: لأن التأويلات إنما تدخل
بحيث تشكل الأمور، ولا خلاف بين القوم أنه إنما أراد يمين الخصم دون اليمين
التي هي القسم، وإذا فرضنا المسألة في نفسين تبادرا الكلام بين يدي القاضي
وتناهباه وأراد كل واحد منهما أن يدعي على صاحبه فهما جميعا مدعيان، كما
أنهما جميعا مدعى عليهما، فبطلت المزية والتفرقة التي توهمها ابن الجنيد (1).
والمعتمد الأول، لأنه الأشهر (2) فيكون القول به أرجح.
مسألة: اختلف الشيخان، فقال المفيد - رحمه الله -: إذا التمس المدعي يمين
المنكر فحلف له وافترقا فجاء بعد ذلك ببينة تشهد له بحقه الذي حلف له عليه
خصمه ألزمه الحاكم الخروج منه إليه، اللهم إلا أن يكون المدعي قد اشترط
للمدعى عليه أن يمحو عنه كتابه عليه أو يرضى بيمينه في إسقاط دعواه، فإن
اشترط له ذلك لم تسمع بينته من بعد، وإن لم يشترط له ذلك سمعت على ما
ذكرناه (3).
وقال الشيخ في الخلاف: إذا حلف المدعى عليه ثم أقام المدعي البينة
بالحق لم يحكم له بها (4). وبه قال في النهاية (5) والمبسوط (6)، وهو قول ابن
الجنيد، ونقله عن الباقر والصادق - عليهما السلام -.
وللشيخ في المبسوط قول آخر: أنه إن كان أقام البينة على حقه غيره وتولى
ذلك الغير الإشهاد عليه ولم يعلم هو أو تولى هو إقامة البينة ونسي فإنه يقوى في
نفسي أنه تقبل بينته فأما مع علمه ببينة فلا تقبل بحال (7). وبه قال

(1) الإنتصار: ص 243 و 244، مع اختلاف.
(2) ق 2 و م 3 أشهر.
(3) المقنعة: ص 733.
(4) الخلاف: ج 6 ص 293 المسألة 40.
(5) النهاية ونكتها: ج 2 ص 72.
(6) المبسوط: ج 8 ص 210.
(7) المبسوط: ج 8 ص 210.
396

أبو الصلاح، وابن إدريس (1).
وقال ابن البراج في الكامل بما (2) ذهب إليه المفيد، وبه قال ابن حمزة (3)
أيضا.
والمعتمد ما قاله الشيخ في النهاية.
لنا: ما رواه الصدوق عن عبد الله بن أبي يعفور، عن الصادق
- عليه السلام - قال: إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه.
فحلف ألا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي ولا دعوى له، قلت له: وإن
كانت له بينة عادلة؟ قال: نعم، وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة
ما كان له حق، فإن اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبلت مما قد استحلفه عليه.
قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: من حلف لكم فصدقوه، ومن سألكم
بالله فأعطوه، ذهبت اليمين بدعوى المدعي ولا دعوى له (4).
وروى الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد [عن خضر] النخعي، عن
الصادق - عليه السلام - في الحسن في الرجل يكون له على الرجل المال
فيجحده، قال: إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه شيئا، وإن تركه ولم يستحلفه
فهو على حقه (5).
ولأن اليمين حجة المدعى عليه، كما أن البينة حجة المدعي، فكما لا يسمع

(1) لم نعثر عليه في الكافي والسرائر كما ورد في مفتاح الكرامة: ج 10 ص 77، حيث قال: (ونسب إلى
الحلبي، وقد علمت ما وجدناه في الكافي والسرائر وأنه خلاف ما نسب إليهما ولعلهم عثروا على ذلك
للحلبي من غير الكافي أو وجدوا ذلك في السرائر ولم نعثر عليه).
(2) ق 2 و م 3: كما.
(3) الوسيلة: ص 229.
(4) من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 61 - 62 ح 3340 و 3341، وسائل الشيعة ب 9 من أبواب كيفية الحكم وأحكام
الدعوى ح 1 و 2 ج 18 ص 179 وفيهما: (حلف لكم بالله على حق فصدقوه).
(5) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 231 ح 566، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كيفية الحكم وأحكام
الدعوى ح 1 ج 18 ص 179.
397

يمين المدعى عليه بعد حجة المدعي كذلك لا يسمع حجة المدعي بعد حجة
المدعى عليه.
واستدل الشيخ عليه أيضا في الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم، وبقوله
- صلى الله عليه وآله -: من حلف فليصدق، ومن حلف له فليرض، ومن لم
يفعل فليس من الله شئ (1).
وروى الشيخ أيضا عن عبد الله بن وضاح قال: كانت بيني وبين رجل من
اليهود معاملة فخانني بألف درهم فقدمته إلى الوالي فإن حلفته فحلف وقد علمت
أنه حلف يمينا فاجرة، فوقع له بعد ذلك أرباح ودراهم كثيرة فأردت أن أقبض
الألف درهم التي كانت لي عنده وأحلف عليها، فكتبت إلى أبي الحسن - عليه
السلام - فأخبرته أني قد حلفته فحلف وقد وقع له عندي مال، فإن أمرتني أن
آخذ من ألف درهم التي حلف عليها فعلت، فكتب - عليه السلام -: لا تأخذ
منه شيئا إن كان ظلمك فلا تظلمه، ولولا أنك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك
أن تأخذ من تحت يدك، ولكنك رضيت بيمينه فقد مضت اليمين بما فيها، فلم
آخذ منه شيئا وانتهيت إلى كتاب أبي الحسن - عليه السلام - (2). وهو ترك (3)
الاستفصال كالعام في المقال.
احتج المفيد بأن كل حال يجب عليه الحق بإقراره يجب عليه بالبينة كما
قبل اليمين.
والجواب: الفرق، فإن الإقرار أقوى من البينة، فلا تلزم التسوية بينهما في
الحكم. ويحتمل عندي قويا سماع بينته إن خفي عنه أن له بينة، بأن يتولي

(1) الخلاف: ج 6 ص 294 ذيل المسألة 40.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 289 - 290 ح 802، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كيفية الحكم
(3) في الطبعة الحجرية: بترك.
398

الإشهاد وكيله أو اتفق أنهما شهدا من غير شعور منه بذلك. لأنه طلب
الإحلاف لظن عجزه عن استخلاص حقه باليمين. وما قواه الشيخ في المبسوط
لا يخلو من وجه حسن.
مسألة: قال ابن أبي عقيل: لو أن ثلاثة تنازعوا في دار فادعى أحدهم لدار
كلها وادعى الآخر ثلثي الدار وادعى الآخر ثلث الدار وأقام كل واحد منهم
بينة عادلة على دعواه أقرع الحاكم بين الذي أقام البينة بالكل وبين الآخرين،
فإن خرج سهم صاحب الكل أحلفه بالله وكان أولى بالحق، وإن خرج سهم
الآخرين أحلفهما بالله لقد شهد شهودهما بالحق، وكانت الدار بينهما على ثلاثة
أسهم: لصاحب الثلثين سهم وسهم لصاحب الثلث، لأن شهودهم ليس
يكذب بعضهم بعضا، وشهود صاحب الكل يكذب شهود هذين، فلذلك أقر عنا
بينهما وبين الذي أقام البينة بالكل ولم يقرع بين هذين، لأن شهودهما يصدق
بعضهم بعضا. ولم يفصل هل كانت الدار في أيديهم أو كانت في يد رابع؟
والذي يجئ على قواعد الشيخ في المبسوط (1) - في مثل هذه المسألة من
اعتماد القرعة وتقديم الداخل - أن نقول: لا يخلو إما أن يكون أيديهم داخلة أو
خارجة، فإن كانت داخلة فيد كل واحد منهم على الثلث، لكن صاحب
الثلث لا يدعي زيادة على ما في يده، وصاحب الثلثين يده على الثلث ويدعي
ثلثا آخر في يد صاحب الكل نصفه، وفي يد صاحب الثلث نصفه، وصاحب
الكل يده على الثلث ويدعي ثلثين آخرين: أحدهما في يد صاحب الثلثين
والآخر في يد صاحب الثلث.
إذا تقرر هذا فإن حكمنا لصاحب اليد فصاحب الثلث يده على الثلث
ومعه بينة فيقضى له به، وكذا الآخران ويستقر الدار بينهما أثلاثا، وإن حكمنا

(1) المبسوط: ج 8 ص 292 و 293 و 294.
399

للخارج على ما هو المشهور انتزع الثلث يد صاحبه، لأولوية بينة الخارج،
فنصفه لصاحب الكل، لعدم من ينازعه فيه، ويبقى النصف الآخر يدعيه كل
من صاحب الكل وصاحب الثلثين ولهما بينتان، فأما أن يقسم بينهما أو يعتمد
القرعة، فيعطي للخارج بها بعد اليمين، وصاحب الثلثين في يده الثلث يدعيه
صاحب الكل فيقضى له به عملا ببينة الخارج، وصاحب الكل في يده الثلث
وقد ادعى صاحب الثلثين نصفه وله به بينة فيعطى صاحب الثلثين والنصف
الآخر يستقر لصاحب الكل. وإن كانت أيديهم خارجة وتساوت البينات في
العدالة والعدد خلص لصاحب الكل الثلث، لأن أحدا لا يدعيه، فإن صاحب
الثلث لا يدعي زيادة، وكذا صاحب الثلثين، فيبقى الثلث له بغير منازع، ثم
يتنازع صاحب الكل وصاحب (1) الثلثين في ثلث آخر لا ينازعهما فيه صاحب
الثلث وقد أقاما بينة فيقرع بينهما ويحكم به للخارج بالقرعة بعد اليمين، فإن
نكل حلف الآخر، فإن نكلا قسم بينهم نصفين، ثم يتنازع الثلاثة في الثلث
الآخر فيقرع بينهم ويحكم به للخارج بها بعد اليمين، فإن نكل أحلف الآخر،
فإن نكل الجميع قسم بينهم أثلاثا.
مسألة: قال أبو الصلاح: وإن أقام على الإنكار عرض عليهما الصلح، فإن
أجابا إليه رفعهما إلى من يتوسط بينهما، ولا يتولى ذلك بنفسه، لأن الحاكم
نصب للقطع بالحكم وبت الحكم (2) والوسيط شافع، ويجوز له في
الاصطلاح ما يخرج عن الحكم (3) (4).
وقال ابن البراج في الكامل: وإن امتنع - يعني: من إنظاره - لم يجز للحاكم
أن يشفع فيه إليه، ولا يشير عليه بنظرة ولا غيرها، بل يبت الحكم بينهما.

(1) ق 2: ثم ينازع صاحب الكل صاحب.
(2) في المصدر: الحق.
(3) في المصدر: في الاصطلاح ما يحرم عن الحاكم.
(4) الكافي في الفقه: ص 447.
400

وهذا أخذه من كلام شيخنا المفيد فإنه قال: وإن أبى لم يكن للحاكم أن
يشفع إليه فيه - يعني: الإنظار - ولا يشير عليه بإنظاره ولا غيره، ولكن يبت
الحكم فيما بينهما (1). وكذا قال الشيخ في النهاية (2).
وقال ابن إدريس: وإن قال: انظره فذلك له، وإن أبى لم يكن للحاكم أن
يشفع إليه فيه، ولا يشير عليه بالأنظار، وله أن يأمرهما بالصلح ويشير بذلك،
لقوله تعالى: (والصلح خير) وما هو خير فللانسان فعله (3) بغير خلاف من
محصل، وقد يشتبه هذا الموضع على كثير من المتفقهة، فيظن أنه لا يجوز للحاكم
أن يأمر بالصلح ولا يشير به، وهذا خطأ من قائله. وشيخنا أبو جعفر في مبسوطه
قد أفصح عن ذلك وحققه وذهب إليه فقال: إذا ترافع إليه نفسان وكان
الحكم بينهما واضحا لا إشكال فيه لزمه أن يقضي بينهما، ويستحب أن يأمرهما
بالمصالحة، وإن كان حكمهما مشكلا آخره إلى البيان (4).
والوجه ما قاله الشيخ في المبسوط (5)، لعموم قوله تعالى: (لا خير في كثير
من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) (6).
مسألة: قال الشيخان: فإن ابتدأ أحدهما بالدعوى على صاحبه سمعها ثم
أقبل على الآخر فسأله عما عنده فيما ادعاه خصمه (7). وبه قال ابن إدريس (8).
وقال في المبسوط: كل موضع تحررت الدعوى فهل للحاكم مطالبة المدعى
عليه بالجواب من غير مسألة المدعي أم لا؟ قال قوم: لا يطالبه بالجواب بغير

(1) المقنعة: ص 724، ولكن في المطبوع والمصدر (يثبت).
(2) النهاية ونكتها: ج 2 ص 72 - 73.
(3) في الطبعة الحجرية: إن يفعله.
(4) السرائر: ج 2 ص 160.
(5) المبسوط: ج 8 ص 170.
(6) النساء: 114.
(7) المقنعة: ص 723، النهاية ونكتها: ج 2 ص 70.
(8) السرائر: ج 2 ص 157.
401

مسألة المدعي، لأن الجواب حق المدعي، فليس للحاكم المطالبة به من غير
مسألة كنفس الحق، وهو الصحيح عندنا، وقال قوم: له مطالبته من غير مسألة
المدعي، لأن شاهد الحال يدل عليه، لأن الإنسان لا يحضر خصم إلى الحاكم
ليدعي عليه وينصرف من غير جواب، وهو قوي أيضا (1). وهذا يدل على
تردده.
ومنع ابن البراج في المهذب من طلب الحاكم الجواب (2).
وفي الكامل: وافق الشيخين على طلب الجواب.
وسلار قال: ومن الواجب سماع الدعوى وسؤال المدعى عليه عما عنده
فيها (3). وهو الأقوى عندي، لأن الحاكم منصوب لذلك، وربما خفي على المدعي
أن ذلك حق له وهاب (4) الحاكم فضاع حقه.
مسألة: قال أبو الصلاح: فإن قال: يحلف ويأخذ ما ادعاه فإن حلف ألزم
خصمه الخروج إليه مما حلف عليه، وإن قال: لا أحلف حتى يحضر حقي
ألزم الحاكم خصمه بذلك (5). ولم يحضرني الآن قول لأصحابنا يوافقه على
ذلك.
والوجه المنع، لأن تكليف الإحضار قبل الثبوت تسلط على مال المسلم بغير
حق، فليس للحاكم مطالبته بذلك، وإنما يستحق الإحضار بعد الثبوت.
مسألة: منع أبو الصلاح (6) من التوصل بحكم المخالف للحق إلى الحق إذا
كان الغريمان من أهل الحق، فإن كان أحدهما مخالفا جاز. وهو في موضع المنع،
لأن للإنسان أن يأخذ حقه كيف أمكن، وكما جاز الترافع مع المخالف إلى

(1) المبسوط: ج 8 ص 157 - 158.
(2) المهذب: ج 2 ص 581.
(3) المراسم: ص 230.
(4) ق 2: أو هاب، م 3: فهاب.
(5) الكافي في الفقه: ص 447.
(6) الكافي في الفقه: ص 425.
402

المخالف توصلا إلى استيفاء الحق فليجز مع المؤمن الظالم يمنع الحق.
مسألة: قال أبو الصلاح: ويلزم الحاكم إخراج المحبسين إلى الجمعة
والعيدين، فإذا قضيت الصلاة ردهم إلى الحبس (1). وهو جيد، لأنهم مكلفون
بهذه الصلاة، فلا يجوز للحاكم حبسهم عنها، ويبعثهم مع رقيب يحفظهم إلى أن
يؤدوا الفرض الذي عليهم.
وقد رواه الشيخ - في النهاية - عن الصادق - عليه السلام - أنه قال: على
الإمام أن يخرج المحبسين في الدين يوم الجمعة إلى الجمعة ويوم العيد إلى العيد
فيرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة والعيد ردهم إلى السجن (2).
وقال ابن إدريس: هذا الحديث غير متواتر، فإن كان عليه إجماع منعقد
رجع إليه، أو دليل سوى الإجماع عول عليه، ولا يرجع إلى أخبار الآحاد في مثل
هذا (3). وهذا القول يدل على توقفه في هذا الحكم، وليس بجيد، والدليل ما
قلناه من عموم الخطاب بهذا الصلوات.
مسألة: ذهب الصدوق وأبوه إلى أنه يجب على الحاكم التسوية بين الخصمين
حتى بالنظر إليهما، لا يكون نظره إلى أحدهما أكثر من نظر إلى آخر (4).
وجعله سلار (5) مستحبا، وهو الأقرب.
لنا: أصالة البراءة.
احتجا بما روي عن أمير المؤمنين - عليه السلام - قال: من ابتلي بالقضاء

(1) الكافي في الفقه: ص 448.
(2) النهاية ونكتها: ج 2 ص 87 - 88 رقم 25.
(3) السرائر: ج 2 ص 200.
(4) المقنع: ص 133، مع اختلاف.
(5) المراسم: ص 230.
403

فليواس بينهم بالإشارة وفي النظر وفي المجلس (1).
والجواب: بمنع صحة السند، فإن في طريقه النوفلي والسكوني.
سلمنا، لكن لا يدل على الوجوب.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولو ادعى إنسان نصف سلعة ادعى آخر جميعها
وهي في أيديهما جميعا قسمت على ثلاثة أسهم: لمدعي الجميع سهمان، ولمدعي
النصف سهم، وكذلك لو أقاما البينة على دعواهما. ولو ادعى واحد جميعها
وادعى آخر ثلثيها وادعى آخر نصفها وحلفوا من غير بينة لأحد منهم كان
لصاحب الجميع ستة أسهم من ثلاثة عشر سهما، ولمدعي الثلثين أربعة أسهم
من ثلاثة عشر سهما، ولمدعي النصف ثلاثة أسهم، وسواء كان الشئ في
أيديهم أو غير أيديهم. وكذلك أيضا لو أقاموا البينات وتحالفوا ولم يكن في بينة
أحدهم زيادة في الشهادة توجب الحكم بها.
وقال الشيخ في المبسوط: إذا كانت دار في يد رجل لا يدعيها لنفسه فتنازع
فيها نفسان فقال أحدهما: كلها لي وقال الآخر: نصفها لي وأقام كل بينة
خلص لمدعي الجميع نصفها، لأن له بينة به ولا يدعيه أحد وتعارضت البينتان
في النصف الآخر فعندنا أنه يقرع، فمن خرجت قرعته قدمناه مع اليمين، ومن
قال: يقسم قسم النصف بينهما نصفين: فلمدعي الكل ثلاثة أرباعها، ولمدعي
النصف ربعها. ولو كانت الدار في أيديهما فادعى أحدهما الثلث وأقام بذلك
بينة وادعى الآخر الجميع وأقام به بينة قضي لمدعي الثلث بما ادعاه، لأن له
بقدر ما ادعاه يدا وبينة، وقضينا لمدعي الكل بالثلثين، لأن يده على النصف
وله به بينة، ويدعي السدس الذي هو تمام الثلثين في يد صاحب الثلث وله به

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 226 ح 543، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب آداب القاضي ح 1 ج 18
ص 157.
404

بينة، ولصاحب الثلث على السدس يد فكانت البينة أولى من يده هو فلا يدعيه
وإنما يده عليه. فلو كانت يده [عليه] وهو يدعيه كانت البينة أولى من يده
ودعواه، بأن يكون أولى من يده أولى. ولو كانت في يد أربعة [أنفس] فادعى
أحدهم الجميع والآخر الثلثين والثلث النصف والرابع الثلث فإن لم يكن بينة
فلكل واحد ربعها - وهو الذي يده عليه - وما زاد [عليه مما يدعيه] يد غيره
عليه، فيكون القول قوله مع اليمين. ولو كان لكل بينة فلكل الربع، لأن له يدا
وبينة، وبينته ويده أولى من بينة غيره بلا يد فالحكم كالأول. ولو كانت في يد
خامس وأقام كل [واحد] بينة خلص لمدعي الكل الثلث بلا منازع، لأن له
بينة وأحد لا يدعيه عليه، لأن أكثر من يدعى الثلثين، فلهذا كان له الثلث.
وبقي الكلام في الثلثين فيقع التعارض في ثلاثة مواضع: فيتعارض بينة
مدعي الكل ومدعي الثلثين في السدس الذي بين النصف والثلثين فصاحب
الثلث لا يدعيه ولا صاحب النصف، ويتعارض مدعي الكل ومدعي الثلثين
ومدعي النصف في السدس الذي بين الثلث والنصف، لأن صاحب الثلث لا
يدعيه، ويتعارض كل البينات - وهي أربع - في الثلث الذي ادعاه صاحب
الثلث فإن كل واحد من الأربعة يدعيه وقد أقام به بينة وتحقيق هذا: أن
التعارض فيما يقع الاجتماع على تداعيه والغير لا يدعيه، فإن تعارضت البينتان
فمن قال: يسقطان قال كأنه لا بينة، فيسلم لمدعي الكل الثلث، لأن أحدا لا
ينازعه فيه وبقي الثلثان، يقال لمن هو في يده: ما تقول؟ فإن ادعاه لنفسه
فالقول قوله مع يمينه، وإن أقر بها لواحد منهم فهل يحلف للباقين؟ على قولين،
ومن قال: يقسم قسم، وتصح من ستة وثلاثين: لمدعي الكل اثني عشر بغير
منازع، ويقسم السدس الذي بين النصف والثلثين بين مدعي الكل ومدعي
الثلثين نصفين لكل واحد ثلثه، ثم يقسم السدس الذي بين النصف والثلث
405

بين مدعي الكل والثلثين والنصف لكل واحد سهمان، ثم يقسم الثلث الباقي
بين الأربعة أرباعا لكل واحد ثلاثة: فلمدعي الكل عشرون، ولمدعي الثلثين
ثمانية، ولمدعي النصف خمسة، ولمدعي الثلث ثلاثة [أسهم] ومن قال:
بالقرعة على ما يذهب إليه أقرع في ثلاثة مواضع: في السدس الذي بين
النصف والثلثين بين مدعي الكل والثلثين، وفي السدس الذي بين النصف
والثلث بين مدعي الكل والثلثين والنصف، وفي الثلث الباقي بين الأربعة، فمن
خرجت قرعته هل يحلف مع قرعته؟ على قولين، أصحهما عندنا أن يحلف (1).
واعلم أن الشيخ - رحمه الله - عول في هذا القول على قاعدتين: إحداهما: إن
العين تقسم بينهم على طريق المنازعة، والثانية: إن البينة بينة الداخل.
وأما ابن الجنيد فإنه قسم العين بينهم على طريق العول والمضاربة، وهو
الأقوى عندي لو زاد المدعون على اثنين.
لنا: إن المنازعة وقعت في أجزاء غير معينة ولا يشار (2) إليها فيقسم على
طريقة العول، كما لو مات إنسان وعليه لآخر ألف درهم ولثان ألفان وخلف
ألفا لا غير فإنها تقسم بينهم أثلاثا بطريق العول، وكما لو كان لأحد الشريكين
ضعف ما للآخر ثم تلف بعض المال فإن الباقي يقسم على نسبة رأس المالين.
أما لو كان المدعي اثنين ادعى أحدهما الجميع والآخر النصف أو الثلث أو
الثلثين فالحكم على ما قاله الشيخ - رحمه الله -.
احتج الشيخ بأن التنازع وقع في العين والعين قط لا يعول، فتقسم على
طريق المنازعة، كما لو تنازع ثلاثة في ثلاثة أعبد فادعى أحدهم الجميع
والثاني اثنين والثالث واحدا وأقاموا البينة فالخالي عن المنازعة لمدعي الجميع،

(1) المبسوط: ج 8 ص 290 - 294، مع اختلاف.
(2) في الطبعة الحجرية: وقعت على أجزاء غير معينة ولا مشار.
406

والخالي عن منازعة مدعي الواحد بين مدعي الاثنين ومدعي الكل، والثالث
بينهم أثلاثا فكذا هنا، بخلاف تركة الميت فإن التنازع فيه ابتداء هو الدين في
ذمة الميت دون العين.
وكلام الشيخ لا يخلو من قوة، خصوصا إذا كان التداعي بين اثنين (1)
خاصة، أما لو زاد على اثنين فالوجه ما قاله ابن الجنيد.
مسألة: قال ابن الجنيد في تداعي الجدار بين الدارين: ولا يحكم بالحائط
من أجل أن فيه خشب أحدهما دون الآخر.
والوجه أنه يحكم به لصاحب الخشب من حيث إنه متصرف فيه.
مسألة: قال ابن الجنيد: الحائط المشترك والبيت الذي سفله لواحد وعلوه
لآخر ليس لأحدهما هدمه إلا بإذن صاحبه، ولو انهدم السفل من غير حادثة
أحدثها صاحب السفل والعلو لم يجبر صاحب السفل على بناء سفلة، ولصاحب
العلو أن يبني السفل ويبني العلو فوقه، ولا يدع صاحب السفل ينتفع بسفله حتى
يؤدي إلى صاحب العلو قيمة البناء، وهو قول مالك وأبي حنيفة وغيرهما، وزعم
أبو ثور أنه يجبر صاحب السفل على البناء.
واحتج بقول البني - صلى الله عليه وآله -: (لا ضرر ولا إضرار) (2).
والوجه أن لصاحب السفل الانتفاع بسفله وإن لم يؤد شيئا، لأن تبرع
صاحب العلو بالبناء لا يوجب منع المالك من تصرفه في ملكه، لعموم تسلط
الناس على ما يملكونه.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولو تداعاه (3) - يعني: الولد - رجلان حران
أو أكثر دينهم واحد وحالهم واحدة في الكف أقرع بينهم، وكذلك لو كان الطفل

(1) م 3: الاثنين.
(2) سنن البيهقي: ج 6 ص 157.
(3) ق 2: ولو تداعياه.
407

مع أمه، فإن كانت الأم أمة لجميعهم وهي في أيديهم كلهم أو قد خرجت من
أيديهم، ويرد من ألحق نسبه على الباقين قدر حصصهم من قيمة الولد، فإن
كانت في يد أحدهم (1) ووطئه إياها في وقت يصح أن يكون الحمل منه الحق
به دون غيره، لأنها فراش له دون غيره، ولو كان أحدهما مسلما والآخر كافرا
والأمة مسلمة الحق بالمسلم، وإن كانت ذمية كانت القرعة بينهم كما قلنا (2)،
ولو كان الشهود للمسلم بأنه ولد مسلم وللذمي بأنه ولد ذمية الحق بالمسلم،
وكذلك لو كانت البينتان مسلمين (3)، ولو كانت بينة الذمي بأنه ولده مسلمين
وبينة المسلم بأنه ولده ذميين الحق بالذمي، ولو ادعى اللقيط امرأتان مسلمة
وذمية حكم للمسلمة، إلا أن يكون للذمية بينة.
وقال الشيخ في المبسوط: لا فصل بين أن يكون المتنازعان حرين مسلمين
أو عبدين أو كافرين أو مختلفين حر وعبد أو مسلم وكافر أو أب وابن (4)، فإن
جميع هذه المسائل يقتضي مذهبنا القرعة، ولا ترجيح (5). وهو المعتمد، لأن كل
واحد سبب مستقل، فمع الاجتماع لا بد من القرعة.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولو كانت دار في يد أخوين أحدهما مسلم والآخر
ذمي فأقرا جميعا إن أباهما مات وتركها ميراثا بينهما وقال المسلم: مات أبي
مسلما وقال الآخر: مات أبي كافرا وليس لهما بينة فالمسلم مستحق للنصف إن
كان الأب مات كافرا، وجميعا له إن كان الأب مات مسلما، فيقسم للمسلم
ثلاثة أسهم وللذمي سهم. وهذا بناء منه على أن الكافر يشارك المسلم في
الميراث من الكافر، وسيأتي بيان اختصاص المسلم بالميراث عند باقي علمائنا.

(1) في الطبعة الحجرية: أحدهما.
(2) في الطبعة الحجرية: قلناه.
(3) في الطبعة الحجرية: مسلمتين.
(4) في المصدر: حرا وعبدا أو مسلما وكافرا أو أبا وابنا.
(5) المبسوط: ج 8 ص 306.
408

مسألة: قال ابن الجنيد: ولو اشترى الرجل عبدا واشترى أبوه أخا ذلك
العبد وكانا توأما (1) فادعى الابن العبد الذي له عتق عليه وثبت نسبه وعتق
منه العبد (2) الذي في يد الأب ولحق به جميعا، لأنهما توأم، والرجل لا يملك ابن
ابنه. وهذا على الإطلاق غير جيد، لأن إقرار الولد لا يمضي في حق والده.
نعم ولو انتقل الآخر إليه كان الحكم ما ذكره، فإن قصد هذا صح،
وإلا فلا.
مسألة: قال ابن الجنيد: لو ابتاع رجل من رجل رطبا فقبض المشتري ثلاثة
أمداد ثم قال: إنما اشتريت منك أربعة أمداد بدينار وقال البائع: لم أبعك إلا
ثلاثة أمداد بدينار كان البائع فيما قبضه المشتري مدعيا زيادة الثمن، فإن أقام
بينة وإلا حلف المشتري لقد اشترى هذا التمر أربعة أمداد بدينار ودفع إلى
البائع ثلاثة أرباع الدينار، والمشتري فيما بقي من الثمن مدع على البائع زيادة في
القدر فإن أقامها وإلا حلف البائع ما باعه إلا ثلاثة أمداد بدينار ويبرأ من
المد. ولو ادعى رجل أنه اشترى من رجل عبدا وأمة بألف درهم ونقده الثمن
وقال البائع: إنما بعتك العبد وحده بألف درهم وهما في يد البائع كان المشتري
مدعيا زيادة في المبيع على البائع، فإن أقام بذلك بينة وإلا تفاسخا إن لم يرض
بيمين البائع.
وقد كنا نقلنا في كتاب البيع في باب اختلاف المتبايعين قول الشيخ في
المبسوط أن القول قول البائع لو قال: بعتك هذا العبد وحده بألف فقال
المشتري: بل بعتني هذين العبدين بألف (3).

(1) كذا في النسخ والظاهر أنه (توأمين).
(2) في الطبعة الحجرية: وثبت نسبه منه وعتق معه العبد.
(3) المبسوط: ج 2 ص 146، وفيه: (قول البائع مع يمينه).
409

والوجه ما قاله ابن الجنيد في المسألة الثانية من التفاسخ، وكذا في الأولى
أيضا، مع احتمال ما ذكره فيها.
وقوله الشيخ في الثانية ليس بعيدا من الصواب أيضا، لأن القول قول
البائع مع يمينه في قدر الثمن مع بقاء العين كما (1) قررناه أولا في كتاب البيع أنه
مذهبه، فالبائع هنا يدعي أن ثمن أحد العبدين ألف فالقول قوله مع يمينه
والمشتري يدعي نقص الثمن عن ذلك فلا يتلفت إليه، ويدعي ابتياع العبد
الآخر بتكملة الألف فلا يقبل قوله إلا بالبينة.
مسألة: قال ابن الجنيد: وإذا ادعى رجل عبودية لقيط في دار الإسلام فإن
أقام بينة، وإلا فاللقيط حر على أصل الولادة بالدار ولا يمين عليه، وكذلك
القول في الولاء، إلا أن تكون الخلقة واللسان تشهدان بعبودية الأصل، فإن
المدعي إذا لم يكن له بينة أحلف المدعي عليه، فإن حلف برئ.
والوجه أنه لا فرق بين المسألتين في توجه اليمين على اللقيط، لأنه منكر
دعوى صحيحة مسموعة خالية عن البينة، فتجب فيها اليمين كغيرها من
الدعاوي.
مسألة: قال ابن الجنيد: لو دفع بعض الخصوم إلى القاضي رقعة أقر فيها
بشئ لم يلزمه حكم الإقرار بما تضمنت حتى يسأله عن الرقعة بخطه، فإن قال:
نعم ألزمه بذلك.
والوجه أنه لا يلزمه بمجرد اعترافه بأنها خطه إلا بعد إقراره بأن مضمونها
حق عليه، فإن الكتابة قد تصدر عن الساهي والمكره وكاتب القبالة قبل
الأخذ.

(1) في الطبعة الحجرية: على ما.
410

مسألة: قال ابن الجنيد: إذا استعدى الخصم على رجل كان للحاكم أن
يسأله عن خصمه، فإذا أخبره بأنه بالمصر أو حيث يمكنه الخروج من منزله
والرجوع إليه من يومه وأنه رجل يتمكن من الحضور عنده أو امرأة برزة ولم يبين
للوالي ظلم المستعدي فعلى الحاكم أن يعديه، فإن كان المستعدى عليه من أهل
الشرف والمحل عند السلطان وجه الحاكم إليه من يعرفه الحال ليحضر أو وكيل
له أو ينصف خصمه ويعينه عن معاودة الاستعداء عليه، ولو خبره بأنه خارج
عن المصر بحيث يلزم الخارج إليه والداخل منه اسم مسافر لم يجب إلا بعد أن
يثبت المستعدى حقه عند الحاكم.
وقال الشيخ في المبسوط: إذا استعدى رجل عند الحاكم على رجل حاضر
أعدى عليه وأحضره، سواء علم بينهما معاملة أو لم يعلم، وهو الأقوى عندنا،
وليس في ذلك ابتذال لأهل الصيانات والمروات، فإن عليا - عليه السلام -
حضر مع يهودي عند شريح، وحضر عمر مع أبي عند زيد بن ثابت ليحكم
بينهما في داره، وحج المنصور فحضر مع جمالين مجلس الحكم لحلف كان بينهما.
وقال بعضهم: إذا كان من أهل الصيانات لم يحضره الحاكم مجلس الحكم بل
يستدعيه إلى منزله ويقضي بينه وبين خصمه فيه، وإن لم يكن من أهل
الصيانات أحضره مجلس الحكم، وإن كان غائبا في غير ولايته فإنه يقضي على
الغائب، وإن كان في ولايته فإن كان له خليفة بعث لخصمه إليه ليحكم
بينهما، وإلا فإن كان من يصلح للحكم بينهما هناك كتب إليه وجعل إليه
النظر بينهما، وإن لم يكن قال لخصمه: حرر دعواك عليه، فإذا حررها أعدى
عليه وأحضره وإن بعدت المسافة، وقال قوم: إن كان من مسافة يرجع فيها إلى
وطنه ليلا أحضره وإلا لم يحضره، وقال قوم: إن كان على مسيرة يوم وليلة
أحضره وإلا تركه، وقال قوم: إن كان على مسافة لا يقصر فيها الصلاة أحضره
411

وإلا لم يحضره، والأول أقوى (1). وتبعها ابن البراج (2)، ونحوه قال في
الخلاف (3).
والوجه ما قال ابن الجنيد، لما فيه من المشقة بإحضار الغائب، مع تحرير
الدعوى قبل ثبوتها، من غير أن يثبت سبب يوجبها فكانت منفية، لاشتمالها
على الضرر الذي لم يثبت استحقاقه.
احتج الشيخ: بأن الحاكم منصوب لاستيفاء الحقوق وحفظها وترك
تضييعها، فلو قلنا: إنه لا يحضره ضاع الحق وبطل، لأن الرجل ربما تسلط على
مال الغير فأخذه وجلس في موضع لا حاكم فيه، وما أفضى إلى هذا بطل في
نفسه (4).
والجواب: المنع من الملازمة، فإن الحكام يطلب المدعي بإثبات حقه،
فإذا ثبت فإن حضر وإلا باع ماله ودفعه إلى المدعي، أما لو لم يتمكن من
الإثبات وطلب غريمه لإحلافه أو لم يكن له مال وكان بيد الغائب ما يقضى به
الحق الثابت عند الحاكم فإن الحاكم هنا يبعث في طلبه، على ما قاله الشيخ.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولا بأس بأن يشاور الحاكم غيره فيما اشتبه عليه
من الأحكام، فإن خبروه بنص أو سنة أو إجماع خفي عليه عمل به.
وقال الشيخ في المبسوط: متى حدثت حادثة فأراد أن يحكم فيها فإن كان
عليها دليل من نص كتاب أو سنة أو إجماع عمل عليه، وكذلك عندهم إن
كان عليه قياس لا يحتمل إلا معنى واحدا كالشفعة للجار (5)، ونحوه حكم به

(1) المبسوط: ج 8 ص 154 - 155 - 156، وفيه اختلاف.
(2) المهذب: ج 2 ص 583.
(3) الخلاف: ج 6 ص 235 المسألة 34.
(4) الخلاف: ج 6 ص 235 ذيل المسألة 34.
(5) في المصدر: للشريك.
412

من غير مشورة. وعندنا أن جميع الحوادث هذا حكمها فلا يخرج عنها شئ، فإن
شذت (1) كانت مبناه (2) على الأصل. وعندهم إن كانت مسألة اجتهاد
استحب له أن يشاور فيها، لقوله تعالى: (وشاورهم في الأمر) ولم (3) يرد تعالى
المشاورة في أحكام الدين وما يتعلق بالشريعة، وإنما أراد فيما يتعلق بتدبير
الحرب ونحوه بلا خلاف، وكان رسول الله - صلى الله عليه وآله - غنيا عن
مشاورتهم، ولكن أراد أن يستن به الحاكم بعده، وقال تعالى: (وأمرهم شورى
بينهم) وشاور النبي - صلى الله عليه وآله - أصحابه في قصة أهل بدر وأساراه،
وشاور أهل المدينة يوم الخندق وعليه الإجماع عندهم، وقد قلنا ما عندنا
وعندهم إذا شاور فينبغي أن يشاور الموافق والمخالف من أهل العلم، ولا يشاور
إلا ثقة عالما (4) بالكتاب والسنة وأقاويل الناس ولسان العرب والقياس، فإذا
شاورهم واجتهد (5) فيها وغلب على ظنه الحكم فذاك (6) فرضه، ولا يرجع فيه
إلى قول غيره وإن كان غيره أعلم منه حتى يعلم كعلمه، لأنه لا يصح أن يلي
الحاكم حتى يكون ثقة من أهل الاجتهاد، فإن لم يكن كذلك لم يكن حاكما
ولم ينفذ له حكم، وكل ما حكم به باطل، وكذلك لا يجوز أن يقلد ويفتي، وقد
قلنا: إن عندنا أنه لا يتولى الحكم إلا من كان عالما بما وليه، ولا يجوز أن يقلد
غيره ولا يستفتيه فيحكم به، فإن اشتبه عليه بعض الأحكام ذاكر أهل العلم

(1) في المصدر: اشتبهت.
(2) في المصدر: مبقاة.
(3) في المصدر: وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ولم.
(4) في المصدر: ولا يشاور إلا من كان أمينا عالما.
(5) في المصدر: فإذا شاورهم في ذلك واجتهد.
(6) في المصدر: الحكم فيها فذاك.
413

لينبهوه على دليله، فإذا علم صحته حكم به، وإلا فلا (1).
وكلام الشيخ هذا يعطى المنع من المشاورة، لكنه سوغ له السؤال لمن عنده
من أهل العلم لا على معنى أنه يقلدهم ولكن بمعنى أنه ينبهوه على ما خفي عنه
من الأدلة أو غفل أوسها فيه، وشرط أن يكون من أهل الاجتهاد والمعرفة.
وكلام ابن الجنيد لا ينافيه، لأنه قال: يشاورهم لينبهوه على ما خفي عليه
من الأحكام، فإن خبروه بنص أو إجماع أو سنة خفي عليه عمل به. وهذا
يحتمل أن يقصد به ما قاله الشيخ احتمالا قويا، وأن يكون مقلدا لهم، وحينئذ
يظهر المنافاة بين الكلامين، لكن لما أجمعنا على أنه لا يجوز أن يلي القضاء
المقلد وجب حمل كلامه على الأول.
مسألة: قال ابن الجنيد: ولا يقنع من المجيب بالتعديل حتى يقول: علي ولي.
والوجه أن ذلك ليس شرطا، عملا بالأصل.
والشيخ قال في المبسوط: إذا قال المزكي: هو عدل كفى ذلك في التزكية،
لقوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) فاقتصر على العدالة فقط، ومنهم من
قال: لا بد أن يقول: عدل علي ولي. قال: والأول أقوى، والثاني (2) أحوط (3).
مسألة: قال ابن الجنيد: ولا يفعل الوصي باليتيم والسفيه في مالهما شيئا إلا
بأمر الحاكم، فإن قصد بذلك التحريم كان ممنوعا، فإن الولاية ثابتة للوصي
على اليتيم من غير اعتبار إذن الحاكم، وإن قصد الاستحباب أمكن.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: فإن دعا الإمام واحدا منهم إليه - يعني - إلى
القضاء - قال بعضهم: يجب عليه، وقال آخرون: لا يجب عليه، وهو
الصحيح (4).

(1) المبسوط: ج 8 ص 97 - 98.
(2) في المصدر: وهذا.
(3) المبسوط: ج 8 ص 110.
(4) المبسوط: ج 8 ص 84.
414

وقال في الخلاف: لذا كان هناك جماعة يعلمون القضاء على حد واحد
فعين الإمام واحدا منهم وولاه لم يكن له الامتناع من قبوله (1).
والوجه عندي الوجوب كما قال في الخلاف.
لنا قوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن
يكون لهم الخيرة من أمرهم) (3) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (3) والإمام عندنا مفروض الطاعة كالنبي
- صلى الله عليه وآله - في وجوب الانقياد، لما يأمر به.
احتج الشيخ بالأصل.
والجواب: الأصل قد يخرج عنه بدليل وقد بيناه.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا قال المحبوس: حبست على تعديل البينة،
لأن المدعي أقام شاهدين فلم يعرف الحاكم عدالتهما فحبسني حتى يعرف ذلك
من حالهما، فالكلام في أصل المسألة هل يحبس بهذا (4) أم لا؟ قال قوم: يحبس،
لأن الذي عليه أن يقيم البينة، والذي بقي ما على الحاكم من معرفته العدالة،
فلأن (5) الأصل العدالة حتى يعرف غيرها. وقال بعضهم: لا يحبس، لجواز أن
يكون فاسقا وحبسه بغير حق أو يكون عادلة وحبسه بحق، وإذا انقسم إلى هذا
لم يحسبه بالشك. والأول أصح عندنا، فعلى هذا لم يطلقه، ومن قال بالثاني
أطلقه (6).

(1) الخلاف: ج 6 ص 209 المسألة 2.
(2) الأحزاب: 36.
(3) النساء: 59.
(4) في المصدر: لهذا.
(5) في المصدر: والذي بقي على الحاكم من معرفة العدالة ولأن.
(6) المبسوط: ج 8 ص 93 - 94.
415

والوجه عندي الثاني.
لنا: إن شرط قبول البينة والحكم بها العدالة فالجهل بها جهل بالشرط فلا
يجوز الحكم، وأصالة العدالة ممنوع في مثل هذا، لاشتماله على التسلط على الغير
بسبب لم يثبت.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: القضاء لا ينعقد لأحد إلا بثلاث شرائط:
أن يكون من أهل العلم والعدالة والكمال، ولا يكون عالما حتى يكون عارفا
بالكتاب والسنة والإجماع والخلاف ولسان العرب، فأما الكتاب فيحتاج أن
يعرف من علومه خمسة أصناف: العام والخاص، والمحكم والمتشابه، والمجمل
والمفسر، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ. أما العموم والخصوص لئلا يتعلق
بعموم قد دخله التخصيص كقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن)
وهذا عام في كل مشركة حرة كانت أو أمة، وقوله تعالى: (والمحصنات من
الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) خاص في الحرائر فقط (1). وفي هذا القول
إشكال.
ثم قال: وأما السنة فيحتاج إلى أن يعرف منها خمسة أصناف: المتواتر
والآحاد، والمرسل والمتصل، والمسند والمنقطع، والعام والخاص، والناسخ
والمنسوخ، ويحتاج أن يعرف لسان العرب، لأن صاحب الشريعة خاطبنا به.
وقال قوم: لا يلزمه أن يكون عارفا بجميع الكتاب، بل يكفي أن يعرف من
ذلك الآيات المحكمة. وقيل: إن جميع ذلك خمسمائة آية، وذلك يمكن معرفته،
والسنة يكفي أن يعرف ما يتعلق بالأحكام من سنته - عليه السلام - دون آثاره
وأخباره، فإن جميع ذلك لا يحيط به أحد علما، وما قلناه مدون في الكتب في

(1) المبسوط: ج 8 ص 99، مع اختلاف.
416

أحاديث محصورة، وأما الخلاف فهو متداول بين الفقهاء يعرفونه حتى
أصاغرهم، وأما لغة العرب فيكفي أن يعرف به ما ذكرناه دون أن يكون عالما
بجميع اللغات، وفي الناس من أجاز أن يكون القاضي عاميا ويستفتي العلماء
ويقضي به. والأول هو الصحيح عندنا (1).
وقد سبق ثلاثة أقاويل، وكلام الشيخ يحتمل أن يكون أراد ب‍ (الأول)
الأول من الثلاثة، وإن يكون أراد به الثاني، لأنه في مقابلة قسم التقليد، فإن
عنى الأول فهو ممنوع، وإن عنى الثاني فهو حق، لأن الواجب على الحاكم
معرفته، إنما هو ما يدل على الأحكام لا ما يدل على القصص والأمثال.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا عزل حاكم فادعى عليه إنسان أنه
حكم عليه بشهادة فاسقين وأخذ منه مالا ودفعه إلى من ادعاه سئل فإن
اعترف به لزمه الضمان بلا خلاف، وإن أنكر كان على المدعي البينة، وإن لم
يكن معه بينة كان القول قوله مع يمينه، ولم يكن عليه بينة، لأن الظاهر من
الحاكم أنه أمين كالمودع فلا يطالب بالبينة، ويكون القول قوله مع يمينه (2).
وقال في المبسوط: وإن أنكر فقال: ما قضيت إلا بعدلين فالقول قوله، ولا
يجب عليه إقامة البينة على صفة الحكم. وقال بعضهم: يجب عليه إقامة البينة
أنه حكم بعدلين، وهو الأقوى عندي، لأنه اعترف بالحكم، ونقل المال عنه
إلى غيره، وهو يدعي ما يزيل الضمان عنه فلا يقبل منه (3).
والمعتمد ما قاله في الخلاف.
لنا: إن الظاهر استظهار الحكام في الأحكام والاستقصاء فيها والتحفظ
والحكم بالصواب فكان القول قوله مع اليمين.

(1) المبسوط: ج 8 ص 100 - 101.
(2) الخلاف: ج 6 ص 216 المسألة 8.
(3) المبسوط: ج 8 ص 103.
417

مسألة: قال المفيد - رحمه الله -: وإذا شهد عند الحاكم من لا يخبر حاله ولم
يتقدم معرفته به وكان الشاهد على ظاهر العدالة تقدم (1) يكتب شهادته ثم ختم
عليها، ولم ينفذ الحكم بها حتى يستثبت أمره ويتعرف أحواله من جيرانه
ومعامليه، ولا يؤخر ذلك، فإن عرف له ما يوجب جرحه أو التوقف في شهادته
لم يمض الحكم بها، وإن لم يعرف شيئا ينافي عدالته وإيجاب الحكم بها أنفذ
الحكم ولم يتوقف (2). وهو يعطي وجوب الاستزكاء في جميع الأحكام.
وقال الشيخ في الخلاف: إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف إسلامهما
ولا يعرف فيهما جرح حكم بشهادتهما، ولا يقف على البحث إلا أن يجرح
المحكوم عليه بأن يقول: هما فاسقان فحينئذ يجب عليه البحث، وبه قال أبو
حنيفة في الأموال والنكاح والطلاق والنسب، وإن كانت في قصاص أو حد لا
يحكم حتى يبحث عن عدالتهما، ومنع الشافعي وأبو يوسف ومحمد عن الحكم
حتى يبحث عنهما، فإن عرفهما عدلين حكم، وإلا توقف في جميع الأشياء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل في الإسلام العدالة، والفسق طار
عليه يحتاج إلى دليل، وأيضا نحن نعلم أنه ما كان البحث في أيام النبي - صلى
الله عليه وآله - ولا أيام الصحابة ولا أيام التابعين، وإنما هو شئ أحدثه شريك
بن عبد الله القاضي، فلو كان شرطا ما أجمع أهل الأعصار على تركه (3).
وقال في المبسوط: إن عرف عدالتهما حكم بشهادتهما، وإن عرفهما فاسقين
ظاهرا أو باطنا لم يحكم بشهادتهما، وإن لم يعرفهما بل جهل حالهما - والجهل على
ضربين: أحدهما: ألا يعرفهما أصلا، والثاني: أن يعرف إسلامهما دون عدالتهما -
لم يحكم بشهادتهما حتى يبحث عن عدالتهما، وسواء كان ذلك في حد أو

(1) ليس في المصدر.
(2) المقنعة: ص 730.
(3) الخلاف: ج 6 ص 217 المسألة 10.
418

قصاص أو غير ذلك من الحقوق، وقال قوم: إن كان في قصاص أو حد وإن
كان غير ذلك - كالأموال والنكاح والطلاق والنسب - حكم بشهادتهما بظاهر
الحال، ولم يبحث عن عدالتهما بعد أن يعرف إسلامهما، فإذا عرفهما مسلمين
حكم، إلا أن يقول المحكوم عليه: هما فاسقان فحينئذ لا يحكم حتى يبحث عن
حال الشهود، فإذا عرف العدالة حكم، وإذا حكم بشهادتهما بظاهر العدالة
عنده نفد حكمه، فلو ثبت أنهما كانا فاسقين حين الحكم بشهادتهما لم ينقض
الحكم، والأول أحوط عندنا، والثاني يدل عليه رواياتنا، غير أنه إذا علم أنهما
كان فاسقين حين الحكم (1) نقض حكمه (2). وهو يعطي ترجيح ما قاله المفيد.
وقال في النهاية: العدل الذي يجوز قبول شهادته للمسلمين وعليهم هو: أن
يكون ظاهره ظاهر الإيمان، ثم يعرف بالستر والصلاح والعفاف والكف عن
البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي أو عد الله تعالى
عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف
وغير ذلك الساتر لجميع عيوبه، ويكون متعاهدا للصلوات الخمس، مواظبا
عليهن، حافظا لمواقيتهن، متوفرا على حضور جماعة المسلمين غير متخلف عنهم،
إلا لمرض أو علة أو عذر، ويعتبر في شهادة النساء الإيمان والستر والعفاف
وطاعة الأزواج وترك البذاء والتبرج إلى أندية الرجال. وإذا شهد عند الحاكم
شاهدان وكانا عدلين وشهدا في مكان واحد على وجه واحد ووافق شهادتهما
لدعوى المدعي وجب على الحاكم الحكم بشهادتهما. وإذا شهد عنده من لا
يعرفهما بعدالة ولا جرح سمع شهادتهما وأثبتها عنده ثم استكشف أحوالهما
واستثبتهما فإن وجدهما مرضيين جائزي الشهادة حكم بشهادتهما، وإن وجدهما

(1) في المصدر: الشهادة.
(2) المبسوط: ج 8 ص 104 - 105.
419

على غير ذلك طرح شهادتهما (1). وتبعه ابن البراج (2)، وابن إدريس (3) وقال ابن
أبي عقيل: لا يجوز إلا شهادة العدل كما ذكر الله تعالى.
وقال سلار: لا بد في البينة من العدالة (4).
وقال ابن الجنيد: ولو كانت بينة المدعي من لا يعرف الحاكم عدالتهما
فرق بينهما وسمع منهما من غير محضر المدعى عليه، ثم سأله عنها فإن زكاها
المدعي عليه أنفذ القاضي الشهادة عليه، وإن جرح المطلوب الشاهدين سأل
القاضي عنهما في السر والعلانية، وقال لمدعي الجرح: تثبت جرحك، وأنفذ
القاضي نفسين بالمسألة فإن عدلت البينة ولم يثبت المدعى عليه جرحه أنفذ
الحكم عليه، وإن رجع اللذين وجه بهما الحاكم بجرح وتعديل كانت الشهادة
ساقطة.
وقد روى الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه عن عبد الله بن أبي
يعفور، عن الصادق - عليه السلام - قال: قلت: بم تعرف عدالة الرجل بين
المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: أن يعرف (5) بالستر والعفاف
وكف البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي أو عد الله
عز وجل عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من
الزحف وغير ذلك. والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى
يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك،
ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس، ويكون منه (6) التعاهد للصلوات
الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين، وألا

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 52 و 74.
(2) المهذب: ج 2 ص 577.
(3) السرائر: ج 2 ص 164.
(4) المراسم: ص 232.
(5) في المصدر: تعرفوه.
(6) في الفقيه: معه.
420

يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة، فإذا كان ذلك (1) لازما لمصلاه
عند حضور الصلوات الخمس فإذا سأل عنه في قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه
إلا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه فإن ذلك يجيز شهادته
وعدالته بين المسلمين، وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب، وليس يمكن
الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة
المسلمين، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلي
ممن لا يصلي ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع، ولولا ذلك لم يمكن
أحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأن من لا يصلي لإصلاح له بين المسلمين،
فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله - هم بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم
الحضور لجماعة المسلمين وقد كان فيهم (2) من يصلي في بيته فلم يقبل منه
ذلك، وكيف يقبل شهادته وعدالته (3) بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله
عز وجل ومن رسوله - صلى الله عليه وآله - قضية (4) الحرق في جوف بيته بالنار
وقد كان يقول - صلى الله عليه وآله -: لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع
المسلمين إلا من علة (5).
والشيخ - رحمه الله - لما صدر باب العدالة المعتبرة في الشهادة في كتاب
الاستبصار بهذا الخبر (6)، إلا ألفاظا يسيرة مخالفة له عقبه بحديث (7) عدالة

(1) في الوسائل: كذلك.
(2) في المصدر منهم.
(3) في المصدر: أو عدالة
(4) في المصدر: فيه.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 38 - 39 ح 3280، وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الشهادات ح 1
ج 18 ص 288 - 289، مع اختلاف فيهما.
(6) الإستبصار: ج 3 ص 12 - 13 ح 33، وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الشهادات ح 1 و 2 ج 18
ص 288 - 289.
(7) الإستبصار: ج 3 ص 13 ح 34، وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الشهادات ح 20 ج 18 ص 294.
421

النساء، كما ذكره في النهاية (1). ثم عقب ذلك بقوله، فأما ما رواه علي بن
إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله
- عليه السلام - قال: سألته عن البينة إذا أقيمت علي أيحل للقاضي أن يقضي
بقول البينة من غير مسألة إذا لم يعرفهم؟ قال: فقال: خمسة أشياء يجب على
الناس أن يأخذوا بها بظاهر الحال: الولايات والتناكح والمواريث والذبائح
والشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن
باطنه (2).
ثم قال: فلا ينالي الخبرين الأولين من وجهين: أحدهما: إنه لا يجب على
الحاكم التفتيش عن بواطن الناس، وإنما يجوز له أن يقبل شهادتهم إذا كانوا
على ظاهر الإسلام والأمانة، وألا يعرفهم بما يقدح فيهم ويوجب تفسيقهم، فمن
تكلف التفتيش عن أحوالهم يحتاج أن يعلم أن جميع الصفات المذكورة في الخبر
الأول منتفية عنهم، لأن جميعها يوجب التفسيق ويقدح (3) في قبول الشهادة.
والثاني: أن يكون المقصود بالصفات المذكورة في الخبر الأول الأخبار عن كونها
قادحة في الشهادة وإن لم يلزم التفتيش عنها والمسألة والبحث عن حصولها
وانتفائها، وتكون الفائدة في ذكرها أنه ينبغي قبول الشهادة من كان ظاهره
الإسلام، ولا يعرف فيه شئ من هذه الأشياء، فإنه متى عرف فيه أحدها
قدح ذلك (4) في شهادته (5). واستدل بما رواه حريز الصادق - عليه السلام -

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 52.
(2) الإستبصار: ج 3 ص 12 ح 35، وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الشهادات ح 3 ج 18 ص 290.
(3) في المصدر: التفسيق والتضليل ويقدح.
(4) في المصدر: فيه أحد هذه الأوصاف المذكورة فإنه يقدح ذلك.
(5) الإستبصار: ج 3 ص 13 - 14 ذيل الحديث 35.
422

في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران،
قال: فقال: إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت
شهادتهم جميعا، وأقيم الحد على الذي شهدوا عليه، إنما عليهم أن يشهدوا بما
أبصروا وعلموا، وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم، إلا أن يكونوا معروفين
بالفسق (1).
وعن عبد الله بن المغيرة، عن الرضا - عليه السلام - قال: من ولد على
الإسلام وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته (2).
وقال أبو الصلاح: العدالة شرط قبول (3) الشهادة على المسلم، ويثبت
حكمها بالبلوغ وكمال العقل والإيمان واجتناب القبائح أجمع وانتفاء الظنة
بالعداوة والحسد والمناقشة (4) أو المملكة أو الشركة، فإن اختل شرط لم تقبل
الشهادة (5).
والمعتمد اشتراط العدالة.
لنا: إن الظن إنما يحصل بأخبار العدل دون الفاسق، ومع انتفاء الظن لا
يجوز الحكم بشهادته. ولما تقدم في الحديث الذي رواه ابن أبي يعفور،
والحديث الذي ذكره في معارضته مرسل مع عدم دلالته على انتفاء اشتراط
العدالة، بل هو أدل عليها، لأن قوله - عليه السلام - فإذا كان ظاهره ظاهرا
مأمونا جازت شهادته، إنما يتم مع كونه عدلا، وعدم السؤال عن باطنه لا

(1) الإستبصار: ج 3 ص 14 ح 36، وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الشهادات ح 18 ج 18 ص 293 -
294.
(2) الإستبصار: ج 3 ص 14 ح 37، وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الشهادات ح 5 ج 18 ص 290.
(3) في المصدر: شرط في صحة قبول.
(4) في المصدر: أو الحسد أو المناقشة.
(5) الكافي في الفقه: ص 435.
423

ينافيه، لأن الباطن إنما يعلمه الله تعالى، وكذا الأخير، لأن قوله - عليه السلام -:
(وعرف بالصلاح) إنما يتم مع العدالة.
مسألة: اختلف قول الشيخ في مسألة الجرح والتعديل إذا عدل الشاهد اثنان
وجرحه اثنان فقال في المبسوط: يقدم الجرح على التعديل (1).
وقال في الخلاف إذا شهد اثنان بالجرح وشهد آخران بالتعديل وجب على
الحاكم أن يتوقف (2). وابن إدريس (3)، وابن حمزة (4) ذهبا إلى ما قاله الشيخ
في المبسوط.
والحق عندي التفصيل، وهو أن نقول: إن جاز الجميع بين الشهادتين حكم
بالجرح، لجواز خفاء سببه عن المعدل، وإن لم يجز وقف الحاكم ولم يحكم
بالشهادة بل تتساقط بينة التزكية والجرح، وذلك مثل أن يشهد الجارح بسبب
ينفيه المعدل، كما لو شهد بأنه في الوقف الفلاني في المكان الفلاني شرب خمرا
وشهد المعدل بأنه في ذلك الوقت بعينه كان في مكان آخر لا يمكن أن يجامع
كونه في ذلك الأول في ذلك الوقت، لعدم أولوية القبول، بخلاف الأول فإن
قبول الجرح أولى.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط (5) والخلاف (6): لا يقبل الجرح إلا مفسرا،
ويقبل التعديل المطلق من (7) غير تفسير.
واستدل في الخلاف بأن الناس يختلفون فيما هو جرح وما ليس بجرح،
فيجب أن يفسر، لأنه ربما اعتقد فيما ليس بجرح أنه جرح، فإذا فسره عمل

(1) المبسوط: ج 8 ص 108.
(2) الخلاف: ج 6 ص 219 المسألة 12.
(3) السرائر: ج 2 ص 174.
(4) الوسيلة: ص 211.
(5) المبسوط: ج 8 ص 109.
(6) الخلاف: ج 6 ص 213 المسألة 13.
(7) في المصدر: ويقبل التزكية من.
424

القاضي بما يقتضي الشرع فيه من جرح أو تعديل (1).
وفرق في المبسوط بأن التزكية إقرار صفة على الأصل فلهذا قبلت من غير
تفسير، والجرح إخبار عما حدث من عيوبه وتجدد من معاصيه، فبان الفرق
بينهما (2). وتبعه ابن إدريس (3)، وابن حمزة (4).
وقال ابن الجنيد: فقد ينبغي للقاضي ألا يقبل قول الذي وجهه بالمسألة،
ولا يقبل هو ممن يسأله التعديل والجرح مختصرا، فرب شئ يكون عند الشاهد
جرحا ولا يكون عند المشهود عنده جرحا حتى يبين ما الشئ الذي استحق
المسؤول عنه أن يكون مجروحا من أقواله وأفعاله، ولا يقنع من المجيب بالتعديل
حتى يقول: عدل (5) علي ولي.
والوجه التسوية بينهما.
لنا: إن المقتضي لتفصيل الجرح ثابت في التزكية، فإن الشئ قد لا
يكون سببا للجرح عند الشاهد ويكون جارحا عند الحاكم، فإذا أطلق الشاهد
التعديل تعويلا منه على عدم تأثير ذلك الشئ فيه كان تغريرا للحاكم، بل
الأحوط أنه يسمع الجرح مطلقا، ويستفصل عن سبب العدالة، لأنه أحفظ
للحقوق.
مسألة: إذا أقر إنسان عند الحاكم بحق وطلب المدعي أن يكتب عليه محضرا
بإقراره ولم يكن يعرفه قال الشيخ في المبسوط: كتب بالحلية، ثم نقل عن ابن
جرير أنه إذا لم يعرفه لا يكتب المحضر، لأنه قد يستعير النسب، قال: وبه قال

(1) الخلاف: ج 6 ص 220 ذيل المسألة 13.
(2) المبسوط: ج 8 ص 109.
(3) السرائر: ج 2 ص 174.
(4) الوسيلة: ص 211.
(5) في الطبعة الحجرية: حتى يقول: هذا عدل.
425

بعض أصحابنا، والأول أقوى (1). والذي قواه الشيخ هو المعتمد.
لنا: أنه بعد تساوي الأشخاص في الصفات المميزة في الصورة أكثر من
بعد تساويهم في الأسماء وقد أوجبنا الكتاب لو عرفهم بالاسم، فمع المعرفة
بالصفة يكون أولى.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: لو قال المدعي أنت حكمت لي (2) عليه فإن
ذكر الحاكم ذلك أمضاه، وليس هذا من القضاء بعلمه، لكنه إمضاء قضاء
قضى به بعمله وحكم قد كان حكم به قبل هذا فتذكره (3) الآن فأمضاه، وإن
لم يذكره فقامت البينة عنده أنه قد كان حكم به لم تقبل الشهادة على فعل
نفسه عندنا وعند جماعة، وقال قوم: تسمع الشهادة على فعل نفسه ويمضيه.
والأول أقوى، لأنه لو شهد بشئ ثم نسيه فقامت البينة عنده أنه شهد به لم
يشهد ما لم (4) يذكره، فإذا ثبت هذا فالحاكم إذا لحقه مثل هذا لا يمضيه، لأنه
لا يعلمه ولا ينقضه، لجواز أن يكون حكم به، بل يؤخره حتى يذكر، فإن مات
أو عزل فقامت البينة عنده غيره بأنه حكم به أمضاه الغير، لأنها شهادة على
حكم غيره. وأما إن علم أنهما شهدا بالزور قطعا إن أمكن ذلك أبطله ونقضه،
فإن مات أو عزل فشهد به شاهدان عند حاكم غيره لم يكن له أن يمضيه، وقال
بعضهم: بل يقبله ويعمل عليه. والأول أقوى، لأن الحاكم كشاهد الأصل،
والشهادة بحكمه كشاهد الفرع، ثم ثبت إن شاهد الفرع لا تقبل شهادته على
شهادة الأصل إذا كان الأصل منكرا للشهادة وكذلك ها هنا (5).

(1) المبسوط: ج 8 ص 115، وفيه: (إذا لم يعرفهما الحاكم لم يكتب محضرا).
(2) في المصدر: وإن قال: أنت حكمت به لي.
(3) في المصدر: فذكره.
(4) في المصدر: لم يشهد كذلك ما لم.
(5) المبسوط: ج 8 ص 121.
426

وقال في الخلاف: إذا شهد شاهدان على الحاكم بأنه حكم بما ادعاه
المدعي وأنفذه وعلم الحاكم أنهما شهدا بالزور نقض ذلك الحكم وأبطله، فإن
مات بعد ذلك أو عزل فشهدا بإنفاذه عند حاكم آخر لم يكن له أن يمضيه عند
الشافعي، وقال مالك: بل يقبله ويعمل عليه، وهو الذي يقوى في نفسي، لأن
الشرع قد قرر قبول شهادة الشاهدين إذا كان ظاهرهما العدالة وعلم الحاكم
الأول بأنهما شهدا بالزور ولا يوجب على الحاكم الآخر رد شهادتهما فيجب عليه
أن يقبلهما ويمضي شهادتهما، وقاس الشافعي ذلك على شهادة الأصل والفرع،
فإنه متى أنكر الأصل شهادة الفرع سقط شهادة الفرع والحاكم كالأصل وهؤلاء
كالفرع فيجب أن يسقطا. وعندنا أن شهادة الفرع] (1) لا تسقط بل تقبل شهادة
أعدلهما، وفي أصحابنا من قال: بل تقبل شهادة الفرع دون الأصل، لأن الأصل
منكر (2)، والذي قواه الشيخ في الخلاف في غاية الضعف.
والمعتمد ما اختاره في المبسوط. وسيأتي إن شاء الله تعالى أصل ذلك في
مخالفة شاهد الأصل للفرع.

(1) ما بين المعقوفين من المصدر.
(2) الخلاف: ج 6 ص 224 المسألة 19، مع اختلاف.
427

الفصل الرابع
في كتاب قاض إلى قاض
مسألة: المشهور عند علمائنا المنع من العمل بكتاب قاض إلى قاض مطلقا،
ذهب إليه الشيخ (1) والجماعة، إلا من شذ.
وقال ابن الجنيد: لا يجوز عندنا كتاب قاض إلى قاض في حد لله تعالى
وجب على أحد من بلد المكتوب إليه، فإن كتب القاضي بذلك لم يكن
للمكتوب إليه أن يقيمه. فأما ما كان من حقوق الناس بعضهم على بعض في
الأموال وما يجري مجراها دون الحدود في الأبدان فجائز كتاب القضاة من قبل
إمام المسلمين بعضهم إلى بعض.
وقال ابن حمزة: لا يجوز للحاكم أن يقبل كتاب حاكم آخر ويحكم به إلا
بالبينة، فإن شهدت البينة على التفصيل حكم به (2).
لنا: النقل المستفيض عن أهل البيت - عليهم السلام - فقد روى مشهورا
عن طلحة بن زيد والسكوني، عن الصادق - عليه السلام - أن عليا - عليه
السلام - كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حد ولا غيره حتى وليت بنو

(1) الخلاف: ج 6 ص 224 المسألة 20.
(2) الوسيلة: ص 214.
428

أمية فأجازوا بالبينات (1). وهذان الراويان وإن كان ضعيفين إلا أن الرواية
من المشاهير، فلا اعتبار حينئذ بالطعن في الراوي، وللإجماع على الحكم
بالبينة، واليمين من النبي - صلى الله عليه وآله - وليس هذا أحدهما.
احتج بالحاجة إلى ذلك، فلو لم يكن مشروعا لزم الضيق والحرج
والجواب: المنع من الملازمة.
إذا عرفت هذا فلا اعتبار بالكتاب عندنا، سواء كان مختوما أو مفتوحا،
وسواء شهد به على الحاكم الكاتب شهودا أم لا. أما إذا حكم الحاكم بأمر
فإن الثاني ينفذه على ما يأتي.
مسألة: إذا حكم الحاكم بحكم بين خصمين إما بشهادة شاهدين أو إقرار
فأشهد على حكمه شاهدين قال الشيخ في الخلاف: يقبل وينفذ الحاكم الثاني
ما حكم به الأول، بشرط أن تقوم البينة بالشاهدين المذكورين على حكمه وبما
حكم به (2). وهو الوجه، وربما منع ذلك جماعة من علمائنا.
لنا: إن الحاجة تدعو إلى ذلك، فإن الضرورة إلى إثبات الأحكام في
البلاد المتباعدة ثابتة، وشهود الأصل ربما لم يوافقوا على الانتقال، ولو وافقوا
ربما يتعذر على الحاكم الثاني تزكيتهم، فلو لا قبول ما قلنا لتعطلت الأحكام
وتعذر إثبات الحقوق، والشهادة على الشهادة لا يفيد ذلك أما أولا: فلأنها
ليست عامة، وأما ثانيا: فلأن شهود الفرع قد لا يتفق لهم الانتقال، والشهادة
الثالثة لا تسمع، وأيضا لو لم يشرع ذلك لبطلت الحجج على تطاول الزمان بموت
شهود الأصل والفرع، وأيضا لولا ذلك لدامت الخصومات في القضية الواحدة

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 300 ح 840 و 841، وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب كيفية الحكم
وأحكام الدعوى ح 1 ج 18 ص 218 - 219، وفيهما: (إنه كان لا يجيز).
(2) الخلاف: ج 6 ص 245 المسألة 42.
429

بأن يرافعه المحكوم عليه إلى حاكم آخر غير الأول، فإن لم ينفذ الثاني ما حكم
به الأول ابتدأ الخصومة واستمرت المنازعة في ذلك، وهو ضرر عظيم، ومناف
لقصد نصب الحكام الذين وضعوا لفصل الخصومات وقطع المنازعات، وأيضا
البينة تثبت ما يثبت بالإقرار مع الجحود، ولو اعترف الغريمان أن حاكما حكم
عليهما بكذا فإن الحاكم الثاني يلزمهما حكم الأول، وكذا لو قامت البينة به.
احتجوا بما ورد من المنع (1) من كتاب قاض إلى قاض، وبأنه حكم بالظن
المنهي عن العمل به.
والجواب: ما ذكرناه ليس عملا بكتاب قاض إلى قاض، والظن متبع في
الشهادة والفتوى وحكم الحاكم، وما نحن فيه من هذا القبيل.
إذا عرفت هذا فهذا الحكم إنما يثبت في حقوق الناس من الأموال دون
الحدود ودون حقوق الله تعالى، بشرط أن يحضر الشاهدان اللذان شهدا بإنهاء
الحكم إلى الحاكم الثاني خصومة المتنازعين ويسمعا الدعوى وحكم الحاكم
ويشهدهما الحاكم على حكمه، فحينئذ إذا شهدا عند الحاكم الثاني بما شهداه
من الواقعة وحكم (2) ما سمعاه من لفظ الحاكم وحكمه أنفذ ما حكم به، لا
بمعنى أنه يحكم بصحة الحكم في نفس الأمر.

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 300 ح 840، وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب كيفية الحكم وأحكام
الدعوى ح 1 ج 18 ص 218 - 219.
(2) ليس في ق 2 و م 3.
430

الفصل الخامس
في ذكر القاسم
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: كل قسمة فيها ضرر على الكل - في مثل
الدور والعقارات والدكاكين الضيقة - لم يجبر الممتنع على القسمة والضرر، لأن
هذا لا يمكنه الانتفاع بما تفرد له، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال أبو
حامد: الضرر يكون بذلك وبنقصان القيمة، وإذا قسم نقص من قيمته لم يجبر
على القسمة، وقال مالك: يجبر على ذلك. دليلنا: قوله - عليه السلام -: (لا
ضرر ولا إضرار) وذلك عام وهذا إضرار، ولأنه لا يمكنه الانتفاع، وبهذا الخبر
استدل من راعى نقصان القيمة، ثم قال: ولي فيه نظر (1).
وقال في المبسوط: والضرر عند قوم ألا ينتفع بما تفرد له ولا يراعى نقصان
قيمته، وهو قول الأكثر، وهو الأقوى عندي، وقال بعض المتأخرين: إن الضرر
نقصان قيمة سهمه بالقسمة فمتى نقص بالقسمة فهو الضرر، وهو قوي أيضا (2).
وهذا يدل على تردده.
والمعتمد ما قواه الشيخ أخيرا من قول بعض المتأخرين، وهو قول أبي حامد

(1) الخلاف: ج 6 ص 229 المسألة 27.
(2) المبسوط: ج 8 ص 135.
431

من الشافعية (1)، لعموم قوله - عليه السلام -: (لا ضرار ولا إضرار) (2).
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا تضرر بالقسمة أحد الشركاء دون
الباقين - كما لو كان لأحدهما عشر الدار وباقيها للآخر - فإن كان الطالب هو
المتضرر بالقسمة قال قوم: يجبر الممتنع عليها، لأنها قسمة فيها من لا يستضر
بها، فوجب أن يجبر الممتنع عليها، كما لو كان الطالب (3) هو الذي لا يتضرر
بها، وقال آخرون: لا يجبر، لأنها قسمة يستضر بها طالبها، فهو كما لو استضر بها
الكل، وهو الصحيح عندنا (4).
وقال في الخلاف: إن كان الطالب مستضرا أجبر الممتنع عليها، وبه قال
أهل العراق، وقال ابن أبي ليلى: تباع لهما ويعطى كل واحد منهما بحصته من
الثمن، وقال أبو ثور: لا يقسم كالجوهرة، وهذا مثل ما قلناه، وقال الشافعي: إن
كان الطالب يستضر بها فهل يجبر الممتنع أم لا؟ على وجهين: أحدهما: أنه
يجبر، والآخر: أنه لا يجبر، وهو المذهب، لأنها قسمة يستضر بها طالبها، فأشبه ما
إذا استضر بها الاثنان. دليلنا: قوله - عليه السلام -: (لا ضرر ولا إضرار) وفي
ذلك ضرر إما على الطالب أو الممتنع، فلا يجوز ذلك، لعموم الخبر، وإنما أجبرنا
إذا كان الممتنع غير مستضر، لأنه لا ضرر على الممتنع، والطالب قد رضي
بدخول الضرر عليه فيجب أن يجبر عليه (5).
والمعتمد أن نقول: إن فسرنا الضرر ببطلان الانتفاع بالكلية لم يجبر الممتنع
عليها ولا يجاب الطالب إليها، لما فيه من إضاعة ماله، وقد نهى النبي - عليه
السلام - عنه - وإن فسرناه بما اخترناه من نقصان القيمة فالوجه إجبار الممتنع،

(1) لم نعثر عليه في المصادر المتوفرة لدينا ونقله عنه في الخلاف ج 6 ص 229 المسألة 27.
(2) سنن البيهقي: ج 6 ص 157.
(3) في المصدر: المطالب.
(4) المبسوط: ج 8 ص 135 - 136، مع اختلاف.
(5) الخلاف: ج 6 ص 230 المسألة 28.
432

لانتفاء الضرر في حقه.
لا يقال: ما ذكرتم من الدليل في بطلان الانتفاع عائد في نقصه.
لأنا نقول: نمنع عوده، لأن للإنسان التصرف في ماله بما يعود نفعه إليه (1)
وإن اشتمل على نقص قيمته، بل على إبطالهما، لما اشتملت عليه من النفع،
وإفراز حق كل واحد من الشريكين وتفرده عن صاحبه أعظم نفعا له من
الشركة، فجاز تحمل النقص لأجله.
مسألة: إذا كانت السهام متفاوتة والقيمة متفقة بأن كان لأحدهم السدس
مثلا وللآخر الثلث وللثالث النصف وأخرج القاسم الأسماء على السهام قال
الشيخ في المبسوط: كتب ست رقاع: لصاحب السدس رقعة ولصاحب الثلث
رقعتان (2) ولصاحب النصف ثلاث (3)، وقال بعضهم يجزئ ثلاث رقاع، لأنه
إنما يخرج القرعة مرتين ويكتفي بها عن الثالث، فإذا أمكن الاختصار (4) فلا
معنى للتطويل. والأول أقوى، لأن كل من كان سهمه أكثر كان حظه أوفر وله
مزية على صاحب الأقل، فإذا كتب لصاحب النصف ثلاث رقاع كان خروج
قرعته أسرع وأقرب، فإذا كتب له واحدة كان خروج قرعته وقرعة صاحب
السدس سواء، فلهذا قيل: يكون له أكثر من رقاع غيره. والثاني أيضا قوي،
لأنا فرضنا أن القيمة متساوية فلا فائدة في ذلك غير التقديم والتأخير، وذلك لا
فائدة فيه (5). وهذا يدل على تردده، والأخير عندي أقوى، لقلة المؤونة فيه
وحصول الفائدة بكمالها فكانت أولى، ولا فائدة طائلة تحت هذا.
مسألة: منع الشيخ في المبسوط من قسمة الزرع وحده وقال: لو طلب قسمة

(1) ليس في ق 2 و م 3.
(2) في المصدر: رقعتين.
(3) في المصدر: ثلاث رقاع.
(4) في المصدر: الاقتصار.
(5) المبسوط: ج 8 ص 137 و 138.
433

الزرع وحده لم يجبر الآخر عليه، لأن تعديل الزرع بالسهام لا يمكن، قال: ولو
كان الزرع قد اشتد سنبله وقوى حبه فالحكم فيه، كما لو كان بذرا، ولو كان
قصيلا أجبر الممتنع عليها (1).
والوجه عندي الجواز في الجميع وتعديل الزرع يمكن (2) بالتقويم، وكذا إذا
اشتد حبه، لأنه يجوز بيعه.
قال ابن البراج: إذا كان البقل (3) بين قوم وأرادوا قسمته لم يصح ذلك،
إلا ببيعه وقسمة ثمنه بينهم، أو بأن يقطع (4) من الأرض ويقسمونه (5) كما
يقسم (6) مثله، أو يكون مما يمكن قسمته بالعدل فيقسم (7). وهو جيد.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا ادعى أحد المتقاسمين أنه غلط عليه في
القسمة وأعطى دون حقه فإن كانت قسمة إجبار - وهو أن يكون الحاكم نصب
قاسما فقسم بينهما - لم يقبل دعواه، لأن القاسم أمين، فإن طلب الإحلاف على
أنه لا استحق في يده فضل كذا أحلفناه، لأنه يحتمل ما يدعيه، وإن جاء
بالبينة سمعها الحاكم وحكم بالبطلان، وإن كانت قسمة تراض كالعلو
لأحدهما والسفل للآخر أو كان فيها ردفان اقتسما بأنفسهما لم يلتفت إليه، لأنه
إن كان مبطلا سقط قوله، وإن كان محقا فقد رضي بترك هذه الفضلة فلا
معنى لرجوعه فيها (8)، وهذه الملازمة الأخيرة ممنوعة، لجواز أن يكون محقا، ولم
يعلم بالزيادة وقت القسمة بل بعدها.
وقال ابن الجنيد: لو وقعت القسمة وتفارق الشركاء بالوفاء أو قامت به

(1) المبسوط: ج 8 ص 141.
(2) في الطبعة الحجرية: ممكن.
(3) في المصدر: النحل.
(4) في المصدر: يقلع.
(5) في الطبعة الحجرية وق 2: يقتسمونه.
(6) في المصدر: قسم.
(7) المهذب: ج 2 ص 574.
(8) المبسوط: ج 8 ص 141 - 142، مع اختلاف.
434

بينة عند الحاكم وأنفذ الحاكم القسمة وادعى أحد الشركاء غلطا لم تنقض
القسمة حتى يقيم المدعي البينة بالغلط. وهذا الكلام جيد على إطلاقه.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: وإذا كان بينهما ضيعة نصفين فاقتسماها
فبان ثلثها مستحقا فإن كان معينا وحصل بينهما بالسوية لم يبطل القسمة، وإلا
بطلت، وإن كان مشاعا بطلت في قدر المستحق ولم يبطل فيما بقي، وقال قوم:
يبطل فيما بقي أيضا. والأول مذهبنا، والثاني أيضا قوي، لأمن القسمة تميز حق
كل واحد منهما عن صاحبه وقد بان أنه على الإشاعة. ثم قال: والعلة الجيدة في
ذلك أنهما اقتسماها نصفين وثلثها لغائب، ومن قسم ما هو شركة بينه وبين
غيره بغير حضور كانت القسمة باطلة ويفارق البيع، لأن لكل واحد من
الشريكين أن يبيع نصيبه بغير إذن شريكه (1). وهذا يدل على تردده في ذلك.
والوجه ما قواه ثانيا، لما قدره - رحمه الله -.
مسألة: الشيخ في المبسوط: ومتى كان لهما ملك أقرحة كل قراح مفرد (2)
عن صاحبه ولكل واحد منهما طريق ينفرد به فطلب أحدهما قسمة كل قراح
على حدته وقال الآخر: بل (3) بعضها في بعض كالقراح الواحد قسمنا كل
قراح على حدته ولم يقسم بعضها في بعض، سواء كان الجنس واحد - مثل: إن
كان الكل نخلا أو الكل كرما - أو أجناسا مختلفة الباب واحد، وسواء كانت
متجاورة أو متفرقة، وكذلك الدور والمنازل، هذا عندنا وعند جماعة، وقال
بعضهم: إن كانت متجاورة قسم بعضها في بعض، وإن كانت متفرقة كقولنا،
وقال بعضهم (4): إن كان الجنس واحدا قسم بعضه في بعض، وإن كانت

(1) المبسوط: ج 8 ص 142 - 143، مع اختلاف.
(2) في المصدر: منفرد.
(3) في المصدر: وقال الآخر: لا بل.
(4) في المصدر: وقال قوم.
435

أجناسا كقولنا، فإن تراضيا عليه جاز، لأنه بمنزلة البيع (1).
وقال ابن البراج: إذا كان بين جماعة من الناس دور فقال أحدهم: أريد
أن آخذ حقي في ذلك في كل دار وقال بعض آخر منهم: يجمع لكل (2) واحد
نصيبه في موضع واحد وكانت الدور معتدلة في بقاعها وأحوالها ورغبة الناس
فيها قسم لكل إنسان حقه في مكان واحد، وإن كانت مختلفة اختلافا بينا
قسمت لكل دار منها ناحية وأخذ كل واحد منهم حقه منها، وإذا كان قوم
مشتركون (3) في حوائط وأرض في نواحي (4) متفرقة وبعض ذلك يقرب (5) من
بعض وأراد كل واحد منهم أن يأخذ نصيبه في ناحية واحدة بقيمة عادلة كان
ذلك جائزا، فإن كان كل شئ من ذلك لا ينقسم على الأنصباء وإذا قسم
كان فيه ضرر يدخل على بعض (6) الشركاء وكان حقه فيه (7) ما لا يكاد أن
ينتفع به على الانفراد وجب أن يجمع حصة كل واحد منهم في ناحية بقيمة
عادلة (8).
والمعتمد ما قاله الشيخ في المبسوط.
لنا: إنها أملاك متعددة فكان لكل ملك حكم بانفراده، ولا اعتبار
بالتساوي في الصف لولا (9) الاختلاف فيه، والرغبات قد تختلف، فربما يريد
إنسان (10) حصته في كل موضع فإذا انتفى الضرر فيه وجب تسليمها منفردة
إليه، كما لو لم يكن شريكا في غيره.

(1) المبسوط: ج 8 ص 144.
(2) في المصدر: كل.
(3) في المصدر: شركاء.
(4) في المصدر: أرض في نواحي.
(5) في المصدر: قريب.
(6) في المصدر: يلحق بعض.
(7) في المصدر: منه.
(8) المهذب: ج 2 ص 573 - 574.
(9) ق 2 و م 3: أو.
(10) في الطبعة الحجرية: كل إنسان.
436

مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كانت يد رجلين على ملك فسألا
الحاكم أن يقسمه بينهما فإن أقاما عنده البينة أنه ملكهما قسمه بينهما، وإن لم
يكن لهما بينة غير اليد ولا منازع هناك قال قوم: يقسمه بينهما، وقال آخرون: لا
يقسمه بينهما، وسواء كان ذلك مما ينقل ويحول أو لا ينقل ولا يحول، وسواء
قالا: ملكنا إرثا أو بغير إرث، وقال بعضهم: إن كان مما ينقل ويحول قسمه
بينهما، وإن كان مما لا ينقل فإن قالا: الميراث بيننا لم يقسم، وإن قالا: غير
ميراث قسمه بينهما. والأول أقوى عندنا (1).
وهذا يعطي تسويغ القسمة من غير أن يثبت الملكية لهما، بل بمجرد اليد.
وبه قال في الخلاف أيضا، واستدل عليه بأن ظاهر اليد عندنا يدل على ذلك،
فجاز أن يقسم بذلك كالبينة. ثم اعترض على الخصم بأن قوله (2): (قسمه
الحاكم) حكم بالملك. فالجواب عنه: إنا نحترز من هذا وهو: أن القاسم يقسم
ويكتب بالصورة وقصته، وأنه قسمه بينهما بقولهما، فإذا قال هذا أمر أن يكون
حكما بينهما بالملك (3) (4).
ونقل بعض متأخري (5) علمائنا عن الشيخ في المبسوط المنع من القسمة،
خلاف ما قاله في الخلاف، والذي ذكره هنا لا يدل على النقل، ولا يحضرني
الآن قول الشيخ في المبسوط في الموضع آخر غير هذا.
وقال ابن الجنيد: ولو تنازع المدعون للأرض على سهامهم ثم سألوا الحاكم

(1) المبسوط: ج 8 ص 147 - 148.
(2) في المصدر: قولهم.
(3) في المصدر: فإذا كان هذا احترز من أن يكون حكما منه بالملك لهما
(4) الخلاف: ج 6 ص 232 المسألة 30.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 102.
437

القسمة بينهم لم أختر للحاكم ذلك، إلا أن يثبت عنده البينة بملكهم أو
ميراثهم إياها عن مالكها، وإن رأى الحاكم أن يقسمها بينهم لم يفعل ذلك
حتى يشيع أمرها بين جيرانها وينتظر مدة يمكن معها أن يحضر مدع لها أو بعضها
إن كان مالكا لها، وإذا قسمها لم يستحل بالقسمة، إلا أن يذكر الحال، وأنه لم
يثبت عنده تملكهم إياها، ولا أعلم منازعا منهم (1)، لئلا يكون ذلك حكما منه
بالملك لهم يلزم من بعده إنفاذه.
والوجه جواز القسمة، كما قاله في الخلاف، لأنه لا (2) يتضمن الحكم
بالملك، وكان الأقوال هنا متوافقة في ذلك.
مسألة: قال ابن البراج في كتابيه معا: إذا قسم العلو والسفل قوم كان
سقف السفل على صاحب السفل ويكون كالأرض لصاحب العلو، ولا يجوز
لصاحب السفل هدمه، وإلزام صاحب العلو تسقيفه، بل إذا استهدم ولم يكن
صاحب العلو قد جنى عليه كان عمله لازما لصاحب السفل (3).
والوجه المنع، وبه قال ابن الجنيد. فإن السقف إن كان موجودا وقت
القسمة كان لصاحب العلو إن شرط (4) له أو لصاحب السفل إن شرط له (5)،
وإن لم يكن موجودا كان عمله على صاحب العلو، لأنه رضي بأخذ العلو على
هذه الهيئة، وإذا استهدم لم يجب على صاحب السفل عمله، إذ لا يجب على
الإنسان عمارة مال غيره.
مسألة: قال ابن البراج: إذا كان الحائط بين دارين وكان ملكا لصاحب
الدار الواحدة فانهدم وامتنع مالكه من بنيانه وطالبه (6) مالك الدار الأخرى

(1) ق 2: ولا أعلم لهم منازعا.
(2) ق 2: لم.
(3) المهذب: ج 2 ص 574.
(4) ق 2 أن يشترطه.
(5) (إن شرط له) ليس في ق 2.
(6) في المصدر: طلبه.
438

بنيانه وقال له: قد كشفت أهلي فاستر بيني وبينك كان عليه أن يستر بينهما، إما
ببناء أو غيره مما لا يتم معه كشف أهل صاحب الدار الأخرى، فإن كان
الحائط بينهما وليس (1) هو ملكا لأحدهما وطلب أحدهما من الآخر بناءه (2)
وامتنع من ذلك فعلى قسمين: إما أن يكون مما ينقسم أو يكون مما لا ينقسم،
فإن كان مما ينقسم [قسم] بينهما وبنى كل واحد منهما حقه منه أو تركه إن لم
يكن في ذلك ضرر على الآخر، وإن كان مما لا ينقسم ألزم (3) البناء أو البيع
أو تسليمه إلى الآخر ليبنيه ويكون له دونه إن رضي بذلك، فإن تراضيا على أن
يبنيه الطالب وينتفع به فإن أراد الآخر الانتفاع به معه دفع إليه نصف نفقته
جاز ذلك (4).
والوجه أنه لا يجب على الجار بناء جداره المختص به إذا كان ساترا على
جاره، للأصل، ولو كان مشتركا وأمكن قسمته لم يجب على الجار عمارة
حصته، وإن تضرر الآخر بترك العمارة بل الذي (5) يطلب العمارة يعمر من
نفسه.
مسألة: قال ابن البراج: إذا كانت له دار وأراد تحويل بابها عن المكان
الذي هو فيه أو أراد فتح باب آخر مع بابها [كان ذلك جائزا] فإن كان في
أزقة (6) غير نافذة لم يكن له فتح باب فيها ولا تحويل بابها عن مكانه إلا بعد أن
يرضى أهل تلك الأزقة (7). وأطلق القول في ذلك، وليس بجيد، بل الحق
التفصيل وهو: إن له فتح باب متقدم إلى رأس الدرب وتحويل الباب إليه دون التأخر.

(1) في المصدر: ولم يكن.
(2) في المصدر: ان يبنيه.
(3) في المصدر: لزم.
(4) المهذب: ج 2 ص 575.
(5) ق 2: فالذي.
(6) في المصدر: رائعة.
(7) المهذب: ج 2 ص 575، مع اختلاف.
439

مسألة: قال ابن البراج: إذا اقتسم قوم دارا أو أرضا وشرطوا ألا يكون
لواحد منهم طريق إلى ذلك كان الشرط باطلا (1).
والوجه المنع، بل يجوز الشرط، لأن أقصى ما فيه أن يتضرر بالقسمة
وينقص حقه، فإذا رضي به جاز.

(1) المهذب: ج 2 ص 573.
440

الفصل السادس
في بقايا مسائل تتعلق بالقضاء
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا ترافع نفسان إلى رجل من الرعية فرضيا
به حكما بينهما وسألاه أن يحكم بينهما جاز، وإنما يجوز أن يرضيا ممن يصلح أن
يلي القضاء، وهو أن يكون من أهل العدالة والاجتهاد والكمال على ما شرحناه
من صفة القاضي، لأنه رضي به قاضيا فأشبه قاضي الإمام، فإذا نظر بينهما
فمتى يلزم حكمه، في حقهما؟ قال قوم: بالرضا بما حكم به بعد حكمه، وقال
آخرون: يلزم حكمه بما يلزم به حكم الحاكم، وهو إذا أمضاه هو عليهما، فمن
قال: لا يلزم بمجرد الحكم كان لكل واحد منهما الخيار ما لم يتراضيا به بعد
حكمه، فإذا تراضيا في ذلك الوقت لزم حكمه، وهو الأقوى عندي، لأن عليه
إجماعا (1).
وقال في الخلاف: إذا تراضى نفسان برجل من الرعية يحكم بينهما وسألاه
الحكم بينهما كان جائزا بلا خلاف، فإذا حكم بينهما لزم الحكم، وليس لهما بعد
ذلك خيار، وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه، والثاني: يقف بعد
إنفاذ حكمه على تراضيهما، فإن تراضيا بعد الحكم لزم. واستدل بإجماع لفرقة

(1) المبسوط: ج 8 ص 164 - 165.
441

على أخبار رووها إذا كان بين أحدكم وبين غيره خصومة فلينظر إلى من روى
أحاديثنا وعلم أحكامنا فليتحاكم (1) إليه، ولأن الواحد منا إذا دعى غيره إلى
ذلك فامتنع منه كان مأثوما، فعلى هذا إجماعهم. وأيضا ما روي عن النبي
- صلى الله عليه وآله - أنه قال: من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل بينهما
فعليه لعنة الله، فلولا أن حكمه بينهما جائز لازم لما توعده (2) باللعن. وأيضا لو
كان الحكم لا يلزمه بنفس الإلزام (3) والانقياد لما كان للترافع إليه معنى، فإن
اعتبر التراضي كان ذلك موجودا قبل الترافع إليه (4).
وما قاله الشيخ في الخلاف جيد، وكون الإجماع على لزوم الحكم بعد الرضا
لا ينافي لزومه قبله.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا نكل المدعى عليه عن اليمين وثبت
للمدعي حق الاستحلاف فلم يحلف وأسقطه عن جنبته ثم جاء بعد هذا
بشاهد واحد وأراد أن يحلف معه قال قوم: له ذلك، وقال آخرون: ليس له
ذلك، كما لو أقام ابتداء شاهدا [واحدا] ولم يحلف معه فردت اليمين على
المدعى عليه فنكل فيها ولم يحلف فهل يرد اليمين يرد على المدعي فيحلف مع الشاهد
ثانيا؟ على قولين، والأقوى عندي أنه ليس له ذلك، لأنه أسقط حق نفسه من
الاستحلاف، فلا يعود إليه إلا بدليل (5).
وقال في الخلاف: إذا كان مع المدعي شاهدا واحدا واختار يمين المدعي
عليه كان له ذلك، فإن حلف المدعى عليه سقط (6) دعواه، وإن نكل لم يحكم
عليه فيكون له الشاهد مع اليمين، وإذا كان معه شاهد وأراد أن يحلف المدعى

(1) في المصدر: فليتحاكما.
(2) في المصدر: تواعده.
(3) في المصدر: الالتزام.
(4) الخلاف: ج 6 ص 241 المسألة 40.
(5) المبسوط:: ج 8 ص 210 - 211.
(6) في المصدر: اسقط.
442

عليه فنكل عن اليمين فإنها ترد على المدعى، فإن حلف حكم بها، وإن لم يحلف
انصرف (1) (2).
وقوله في الخلاف جيد، ونمنع ما قاله في المبسوط من سقوط حقه بالكلية.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: لو وقع غلام من المشركين في الأسر فوجد
وقد أنبت فادعى أنه عالج نفسه حتى أنبتت وأنه لم يبلغ فالقول قوله، فإن
حلف حكم له أنه لم يبلغ ويكون في الذراري، وإن نكل حكمنا بنكوله وأنه
بالغ فيجعل في المقاتلة. وعندنا أن الذي يقتضيه مذهبنا أن يحكم فيه بالبلوغ
بلا يمين، لأن عموم الأخبار أن الإنبات بلوغ يقتضي ذلك، وما ذكروه
قوي (3) وهذا يدل على تردده.
والوجه عندي ما قواه أخيرا، لأنه حق الله تعالى: فيبني على التخفيف.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا ثبت أن بينة الداخل تسمع في الجملة،
فكل موضع سمعنا بينة الداخل قضينا للداخل بلا خلاف وقال قوم: يستحلف
مع ذلك، وقال آخرون: لا يستحلف، وهو الأقوى. قال: وأصل ذلك تعارض
البينتين، فإن فيهم من قال: يسقطان، ومنهم من قال: يستعملان. فمن قال:
يسقطان لم يحكم له إلا باليمين، لأنهما إذا تعارضتا سقطتا، فيكونان كأنه لا
بينة لواحد منهما ولأحدهما اليد فكان القول قوله مع اليمين. ومن قال:
يستعملان فلا شئ عليه، لأنا نقضي له بالبينة، وذلك أنهما تعارضتا وانفرد
أحدهما باليد فقدمناها على بينة الخارج باليد فقضينا له بها، فلهذا قلنا: لا
شئ عليه (4).

(1) في المصدر: حكم له بها وإن نكل ولم يحلف.
(2) الخلاف: ج 6 ص 227 - 228 المسألة 24 و 26.
(3) المبسوط: ج 8 ص 213.
(4) المبسوط: ج 8 ص 258، وفيه: (قوله مع يمينه).
443

والمعتمد وجوب اليمين، وقد تقدم البحث في ذلك.
مسألة: نص الشيخ في المبسوط (1) على إحلاف الغريم للغائب كغريم الميت،
وبه قال ابن الجنيد، وأبو الصلاح (2).
وقال بعض علمائنا: لا يجب اليمين (3).
لنا: إن المقتضي لا يجاب اليمين هناك - وهو جهل حال المدعى عليه - ثابت
هنا فيثبت الحكم.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا ادعى دارا في يد رجل فقال المدعى
عليه: ليست بملك لي وإنما هي لفلان فقال المدعي: احلفوا المقر الذي ادعيت
عليه أولا أنه لا يعلم أنها ملكي قال قوم: يجب عليه اليمين، وقال آخرون: لا
يجب عليه بناء على مسألة وهي: إذا قال: هذه الدار لزيد لا بل لعمرو سلمت
إلى زيد وهل يغرمها لعمرو؟ على قولين، كذلك ها هنا لو اعترف بها للمدعي
بعد أن أقر بها لغيره هل عليه الغرم أم لا؟ على قولين، فمن قال: لو اعترف لزمه
الضمان، فإن عليه اليمين، لأنه لما لزمه الغرم مع الإقرار لزمه اليمين مع الإنكار،
وقال قوم: لا يحلف، لأنه لا فائدة فيها، لأن أكثر ما فيه أن يعترف خوفا من
اليمين، ولو اعترف لا شئ عليه فلما لم يلزمه الغرم مع الإقرار لم يلزمه اليمين مع
الإنكار، وهذا الذي يقوى في نفسي (4). وهذا يدل على أنه لا يجب عليه
الضمان للثاني.
وقال في المبسوط في كتاب الإقرار: إذا أقر بأن العبد الذي في تركة أبيه
لفلان لا بل لفلان كان بمنزلة قوله: غصبته من فلان لا بل من فلان، وفيها
قولان، ولا فرق بين أن يسلم بنفسه إلى الأول وبين أن يسلمه إلى الحاكم، وفي

(1) المبسوط: ج 8 ص 162.
(2) الكافي في الفقه: ص 447.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 85.
(4) المبسوط: ج 8 ص 265 - 266.
444

الناس من قال في هذه: أنه لا يغرم للثاني قولا واحدا، لأنه غير مفرط، لأن
الإحاطة لم يؤخذ عليه بما يتعلق بتركة أبيه فجاز أن يعتقد شيئا فيها، فربما (1)
يكون الأمر بخلافه وقد أخذت عليه الإحاطة بما يتعلق بأفعاله ويجب في ماله،
فإن أقر ثم رجع كان مفرطا في إقراره الأول. والأقوى في هذه أيضا أن يغرم
على ما قلناه في مسألة الغصب (2).
والمعتمد ما قواه الشيخ في كتاب الإقرار، ولأنه أتلف مال غيره وحال بينه
وبينه بإقراره فكان غارما لوجود السبب.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: لو كان مع مدعي الدار بينة أنها له وقد
كان الذي في يده قال: إنها لزيد وزيد غائب ولا بينة مع المقر قضي للمدعي
بالبينة، وهل يحلف معها؟ قال قوم يحلف معها، لأنه قضاء على الغائب بدلالة
أن المقر أقر بها له، والقضاء عليه بعد الاعتراف بها للغائب لا يصح، ثبت (3)
أنه قضاء على غائب. وقال قوم: يقضي له بالبينة بغير يمين، لأن هذا قضاء على
حاضر، لأن الشئ في يده فالظاهر أنها ملكه، وهو الأقوى (4).
والوجه عندي الأول، لأنه قضاء على الغائب، لاندفاع الخصومة عن المقر
بإقراره، وقد سبق أن الغائب يقضي عليه مع البينة باليمين.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا تداعيا دارا في يد غيرهما وأقام كل واحد
منهما بينة أنها له تركت في يد الذي هي في يده فالقول قوله مع يمينه. قالوا (5):
هلا زالت يده عنها بهذه البينة، لأنهما وإن تعارضتا في عين الملك (6) فقد
اجتمعتا على أنها ليست ملكا لمن هي في يده. قلنا: إذا لم يعين البينة طالب

(1) ليس في المصدر.
(2) المبسوط: ج 3 ص 23.
(3) في الطبعة الحجرية: فثبت.
(4) المبسوط: ج 8 ص 267.
(5) في المصدر: فإن قالوا.
(6) في المصدر: في غير عين الملك.
445

الحق سقط، كما لو شهدت أن هذه الدار لأحد هذين الرجلين فإنها تسقط،
لأنها ما عينت المشهود له، فإن أقر بها من هي في يديه لأحدهما سلمت إليه،
لأن الظاهر أن ما في يديه ملكه، وهل يحلف أم لا؟ على قولين، بناء على غرمه
[و] لو قال: هي لهذا لا بل لهذا فإنه على قولين، فمن قال: يلزم الغرم مع الإقرار
لزمته اليمين مع الإنكار، ومن قال: لا يلزمه الغرم مع الإقرار لم يلزمه اليمين مع
الإنكار، فأما إن أقر بها لأحدهما ثم رجع فقال: بل لهذا فهل يغرم؟ على قولين،
كما لو قال: هذه الدار لزيد لا بل لعمرو هل يغرمها لعمرو؟ على قولين، وإن
قال: هي لهما معا فقد أقر لكل واحد منهما بالنصف وهل يلزمه اليمين لكل
واحد منهما في النصف أم لا؟ على ما مضى من القولين، ويقوى في نفسي أنه لا
يمين عليه ولا غرم في المسائل كلها، لأن الأصل براءة الذمة (1).
والبحث هنا يقع في مقامين:
الأول: في انتزاعها من يد المشهود عليه.
والوجه انتزاعها، بخلاف ما صوره الشيخ من شهادة الشاهدين لأحدهما
لا بعينه، لأنها لا تسمع. وأما هنا فإن كل واحدة من البينتين قد عينت
المشهود له فكانت مسموعة، وقد اتفقتا على حكم واحد وهو عدم استحقاق
القابض للإمساك.
الثاني: في غرم الراجع عن إقراره، وقد سبق أن المعتمد الغرم، خلافا له
هنا.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا ادعى دارا في يد رجل فقال: هذه الدار
التي (2) كانت لأبي وقد ورثتها أنا وأخي الغائب منه وأقام بذلك بينة من أهل

(1) المبسوط: ج 8 ص 272 - 273.
(2) ليس في المصدر.
446

الخبرة الباطنة والمعرفة أنهما ورثاه (1) ولا يعرف (2) له وارثا سواهما انتزعت ممن
هي في يديه ويسلم إلى الحاضر نصفها والباقي يجعل في يد أمين حتى يعود
الغائب، وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: يؤخذ من المدعى عليه
نصيب الحاضر ويقر الباقي في يد من هو في يده حتى يحضر الغائب. ثم استدل
بأن الدعوى للميت والبينة بالحق له، بدليل أنه إذا حكم بالدار يقضى منها
ديونه وينفذ وصاياه، فإذا كانت الدعوى للميت والبينة له حكم له الحاكم،
لأنه لا يعبر عن نفسه فحكم له بالبينة التي لا يقيمها كالصبي والجنون، وإذا
ثبت الدار للميت ثبت ميراثا عنه بين ولديه (3).
وقال في المبسوط: انتزعت ممن هي في يديه وسلم إلى الحاضر نصفها
والباقي في يد أمين حتى يعود الغائب، وقال قوم: يؤخذ من المدعى عليه نصيب
الحاضر ويقر الباقي في يدي من هو في يده حتى يحضر الغائب، وهو الأقوى
عندي. وكذا إن كانت الدعوى عينا ينقل ويحول كالثياب والحيوان، وإن
كانت الدعوى دينا قضي به للآخرين ودفع إلى الحاضر حقه منه والباقي قال
قوم: يقبض كالعين، وقال آخرون: لا يقبض منه، وهو الصحيح عندنا (4).
والوجه ما قاله الشيخ في الخلاف.
لنا: إن العين في ثبتت لغير من هي في يده، وإنها لغائب فينتزع منه، لأن
الحاكم ولي الغائب.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: لو ادعى أخ الميت أنه أخوه ولا وارث له
سواه وأقام بينة غير كاملة لم يعط شيئا حتى يبحث في البلدان التي طرقها على
صفة لو كان له وارث ما خفي فحينئذ يدفع التركة إلى الأخ. ثم قال: ولو كان

(1) ق 2: ورثاها.
(2) في المصدر: نعرف.
(3) الخلاف: ج 6 ص 340 المسألة 12.
(4) المبسوط: ج 8 ص 274 - 275، مع اختلاف.
447

المدعي هو الابن فإنه وارثه فقامت البينة بأنه ابنه وما زادت عليه بحث الحاكم
عن وارث سواه فإذا لم يجد ذلك سلم التركة إليه، ولو كان مكانه أخ فشهدت
البينة بأنه أخوه ولم تزد فبحث الحاكم فلم يقف له على وارث قال بعضهم: لا
يعطي شيئا حتى تشهد البينة الكاملة بأنه لا وارث سواه. والفصل بين الأخ
والابن أن البنوة إذا حصلت فلا بد من الميراث مع سلامة الحال، والأخ قد
يسقط مع سلامة الحال فلهذا لم يسقط، وهذا قوي (1).
والوجه التسوية بينهما، لأن الأخوة سبب الميراث مع عدم الولد، والأصل
العدم وقد حصل البحث بحيث لو كان لعلم، فيكون السبب خاليا عن المانع
فيثبت الحكم، ولو كان التجويز ينفي الميراث ويمنع السبب عن السببية لتطرق
في الابن، لجواز أن يكون هناك آخر فما زاد.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا كانت الدار في يد أحد المتداعيين وأقام
بينة بأنها له منذ سنة فأقام الآخر بينة أنها له منذ سنتين قال قوم: لصاحب
اليد، ولا أنظر إلى قديم الملك وحديثه، وقال آخرون: قديم الملك أولى من اليد،
وهو الذي يدل عليه أخبارنا، لأن البينة أقوى من اليد، وكذلك ما رجح بالبينة
أقوى مما رجح باليد، ولأن صاحب اليد مدعى عليه، والمدعي من له البينة
بقديم الملك فكان أولى، للخبر (2) وهذا يعطي ترجيح بينة الخارج، لشهادته
بالقديم وكونه خارجا.
وقال في الخلاف: إذا كانت في يد حديث الملك فصاحب اليد أولى،
واستدل عليه بإجماع الفرقة وأخبارهم. وخبر جابر، عن رسول الله - صلى الله
عليه وآله - أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله - في دابة أو بعير

(1) المبسوط: ج 8 ص 276 و 277.
(2) المبسوط: ج 8 ص 280، مع اختلاف.
448

فأقام كل واحد منهما البينة أنها له نتجها، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه
وآله - لمن (1) هي في يده. وروى غياث بن إبراهيم، عن الصادق - عليه السلام -
أن أمير المؤمنين - عليه السلام - اختصم إليه رجلان في دابة وكلاهما أقام البينة
أنه نتجها، فقضى بها للذي هي في يده، وقال لو لم تكن في يده، جعلتها بينهما
نصفين (2).
والوجه ما قاله في المبسوط: لأن قديم الملك أولى من حديثه وبينة الخارج
أيضا أولى، فإذا اجتمع وجهان (3) قضى لما نسبا إليه، لاستقلال كل منهما
بالقضاء، فاجتماعهما أولى، ولا دلالة في الحديثين على خلاف ما قلناه، لأن
إحداهما لم تشهد بالسبق.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا ادعى دارا في يد زيد فأنكر وأقام
المدعي البينة أنه اشتراها من عمرو فإن شهدت بأن عمرا باعه إياها وفي ملك
عمرو يومئذ أو شهدت بأن عمرا باعها من المدعي ويسلمها إليه أو شهدت
بأنها ملك المدعي اشتراها من عمرو قضينا بها للمدعي وأسقطنا يد زيد من
هذه الأقسام الثلاثة، لأنها إن شهدت بأن عمرا باعها إياها وهي ملكه فقد
ثبت ملكها للمدعي حتى يعلم زواله، وهكذا لو شهدت بأنه تسلمها منه، لأن
الظاهر أنها حصلت في يد المدعي حتى يعلم كيف زالت (4).
وفي المسألة الثانية إشكال، فإنه قد نص على أنه لو شهدت البينة للخارج
بأن الدار كانت في يده منذ أمس لم يزل يد المنكر عنها، ونص على أنه لو

(1) في المصدر: للذي.
(2) راجع الخلاف: ج 6 ص 342 - 343 المسألة 15، وقد ذكر الروايتين في ص 329 ذيل المسألة 2.
(3) في الطبعة الحجرية و م 3: وجها رجحان.
(4) المبسوط: ج 8 ص 295، مع اختلاف.
449

شهدت بينة المدعي بأن عمرا باعها منه أو وقفها لم يحكم له بالملك بذلك،
لأن الإنسان قد يفعل فيما ليس بملك له، فلا يزيل الملك عن يد المدعى عليه
بأمر متوهم، فكيف يحكم بعد ذلك بانتزاعها من يد المالك ظاهرا بشهادة أنها
كانت في يد البائع.
والوجه أنه لا يلتفت إلى هذه البينة إن قلنا: بعدم الالتفات لو شهدت
باليد القديمة فإنها هي الحقيقة.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا ادعى دارا في يد رجل فقال: هذه الدار
التي في يدك لي وملكي فأنكر المدعي عليه فأقام المدعي بينة أنها كانت في
يده أمس أو منذ سنة سواء فهل تسمع هذه البينة أم لا؟ قال قوم: هي غير
مسموعة، وقال آخرون: مسموعة ويقضي بها للمدعي، ولا فصل بين أن تشهد
البينة له بالملك أمس وبين أن تشهد له باليد أمس. والصحيح عندنا إن هذه
الدعوى غير مسموعة، فمن قال: هي مسموعة حكم بالدار للمدعي، ومن قال:
غير مسموعة فلا بينة مع المدعي فيكون القول قول المدعى عليه مع يمينه (1).
وكذا قال في الخلاف فإنه قال: إذا ادعى دارا في يد رجل فقال: هذه
الدار التي في يدك لي وملكي فأنكر المدعى عليه فأقام المدعي البينة أنها
كانت في يده أمس أو منذ سنة لم تسمع هذه البينة، وهو أحد قولي الشافعي،
والثاني له أنها تسمع. دليلنا: إن المدعي يدعي الملك في الحال والبينة تشهد له
بالأمس فقد شهدت له بغير ما يدعيه فلم تقبل، فإن قالوا: إنها شهدت له
بالملك أمس والملك مستدام إلى أن يعلم زواله، قلنا: لا يعلم أن الملك ثبت بها
حتى يكون مستداما على أن زوال الأول موجود فلا يزال الثابت بأمر محتمل (2).

(1) المبسوط: ج 8 ص 269.
(2) الخلاف: ج 6 ص 339 المسألة 11.
450

ثم قال في الخلاف: لو ادعى زيد عبدا في يد رجل فأنكر المدعى عليه
فأقام زيد البينة إن هذا العبد كان في يديه بالأمس أو كان ملكا له بالأمس
حكمنا بهذه البينة، وللشافعية طريقان: أحدهما: قال أبو إسحاق: لا يقضى بها
قولا واحدا، وقال أبو العباس على قولين: أحدهما: يقضى له بها، والثاني:
لا يقضى. دليلنا: إنا بينا أن البينة بقديم الملك أولى من البينة بحديث الملك،
وإذا ثبت ذلك فهذه بينة بقديم الملك، سواء شهد بالملك أو باليد، لأن اليد
تدل على الملك، ومن خالف يحتاج إلى دليل (1).
وقال في المبسوط: إذا ادعى زيد عبدا في يد رجل فأنكر المدعى عليه فأقام
زيد البينة إن هذا العبد كان في يديه بالأمس أو كان ملكا له أمس (2) فهل
يقضى له بهذه البينة أم لا؟ قال قوم: لا يقضى بها، وقال قوم: يقضى بها، وهو
الأقوى، كما قلناه في قديم الملك سواء (3).
وقال ابن الجنيد: لو كان العبد في يد رجل وادعاه آخر وأقام البينة بأنه
كان أمس في يده لم يخرج من يد من هو في يده ولم يحكم بملكها لمن ليست في
يده.
وقد ظهر من كلام الشيخ في الكتابين الحكم بأولوية قديم اليد في طرف
العبد وعدمه في طرف الدار، ولا معنى للتخصيص. وليس أيضا مرادا للشيخ.
إذ لا فرق بين التداعي في الدار والعبد، وإنما الحكم فيهما واحد، لكن اختلف
قول الشيخ فتارة حكم بتقديم بينة من يشهد بسبق اليد، وتارة لم يحكم.
والوجه الأول.

(1) الخلاف: ج 6 ص 347 المسألة 22، مع اختلاف.
(2) في المصدر: بالأمس.
(3) المبسوط: ج 8 ص 303.
451

لنا: إن القول بعدم الحكم بسبق اليد مع الحكم بسبق الملك مما لا
يجتمعان، والثاني ثابت على ما تقدم فينتفي الأول. وبيان التنافي: إن اليد دليل
ظاهر على الملكية، فإذا ثبت بالبينة أو الإقرار سبقها فقد ثبت دليل الملك،
وثبوت دليل الملك يقتضي ثبوت مدلوله، وإلا لم يكن دليلا.
احتج الشيخ بأن اليد تنقسم إلى ما يقتضي التملك وإلى ما لا يقتضيه
كالعارية والإجارة والغصب وغيرها، وثبوت المطلق لا يستلزم ثبوت الخاص
المعين.
والجواب: المنع من الإطلاق، فإن اليد مع عدم دليل ينافي الملكية دليل
على (1) الملكية. ولأن الانقسام ثابت أيضا في ذي اليد المتأخرة، فإن نافي
الملكية كان منافيا هنا.
مسألة: قال ابن حمزة: إذا ثبت إعساره خلى سبيله إن لم يكن ذا حرفة
يكتسب بها وأمره بالتمحل، وإن كان ذا حرفة دفعة إليه ليستعمله، فما فضل عن
قوته وقوت عياله بالمعروف أخذ بحقه (2).
واحتج بالحديث المشهور الذي رواه السكوني، عن الصادق - عليه السلام -
عن الباقر - عليه السلام - عن علي - عليه السلام - أنه كان يحبس في الدين ثم
ينظر إن كان له مال أعطي الغرماء، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء
فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم آجروه، وإن شئتم استعملوه (3).
وقال ابن إدريس: هذا الخبر غير صحيح ولا مستقيم، لأنه مخالف لأصول

(1) ليس في م 3.
(2) الوسيلة: ص 212.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 300 ح 838، وسائل الشيعة: ب 7 في حبس. المديون وحكم المعسر ح 1
ج 13 ص 148.
452

مذهبنا ومضاد لتنزيل الكتاب، قال تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى
ميسرة) ولم يذكر استعملوه ولا وأجروه، وإنما أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا
اعتقادا، وقد رجع في مسائل الخلاف فقال: إذا أفلس من عليه الدين وكان ما
في يده لا يفي بقضاء ديونه فإنه لا يؤاجر ليكتسب ويدفع إلى الغرماء لأصالة
براءة الذمة، ولقوله تعالى: (فنظرة إلى ميسرة) ولم يأمره بالتكسب (1).
وما قال ابن حمزة ليس بعيدا من الصواب، لأنه متمكن من أداء ما وجب
عليه، وإيفاء صاحب الدين حقه فيجب عليه. أما الكبرى فظاهرة، وأما
الصغرى فلأن الفرض أنه متمكن من الكسب والتحصيل، وكما يجب السعي
في المؤونة كذا يجب في أداء الدين، ونمنع إعساره، لأنه متمكن. ولا فرق بين
القدرة على المال وعلى تحصيله، ولهذا منعنا القادر على التكسب بالصنعة
والحرفة من أخذ الزكاة باعتبار الحاقة بالغني القادر على المال، وأي منافاة في
هذا لأصول المذهب، بل المنافي لها منع القادر من دفع الحق الذي عليه لغيره
مع المطالبة به. والآية متأولة بالعاجز عن التكسب والتحصيل، وكذا ما ورد
من الأخبار في هذا الباب.
مسألة: قال ابن حمزة: فإذا قبض الحق من له رد (2) الكتاب إن كان الحق
دينا، ولم يلزمه إن كان عينا (3).
والوجه التسوية في عدم وجوب الرد، لاحتمال خروج استحقاق ما
دفعه (4) إليه.

(1) السرائر: ج 2 ص 196، مع اختلاف.
(2) في الطبعة الحجرية وق 2: من هو له رد.
(3) الوسيلة: ص 215.
(4) في الطبعة: الحجرية: ما دفع.
453

الفصل السابع
في الشهادات
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: لا يثبت النكاح والخلع والطلاق والرجعة
والقذف والقتل الموجب للقود والوكالة والوصية إليه والوديعة عنده والعتق
والنسب والكتابة (1) ونحو ذلك، ما لم يكن مالا ولا المقصود منه المال، ويطلع
عليه الرجال إلا بشهادة رجلين، ولا يثبت بشهادة رجل وامرأتين. واستدل بأن (2)
ما اعتبرناه مجمع على ثبوت هذه الأحكام به، وما ادعوه ليس عليه دليل،
وقياس ذلك على المداينة لا يصح، لأنا لا نقول بالقياس (3).
وقال في المبسوط: الحقوق ضربان: حق لله تعالى وحق الآدمي، فأما حق
الآدمي فإنه ينقسم في باب الشهادات ثلاثة أقسام: أحدها: لا يثبت إلا
بشاهدين ذكرين، وهو ما لم يكن مالا، ولا المقصود منه المال، ويطلع عليه
الرجال كالنكاح والخلع والطلاق والرجعة والتوكيل والوصية إليه والوديعة
والجناية الموجبة للقود والعتق والنسب والكتابة. وقال بعضهم: يثبت جميع
ذلك بشاهد وامرأتين، وهو الأقوى إلا القصاص (4).
وقال المفيد - رحمه الله - ولا تقبل شهادة النساء في النكاح والطلاق

(1) في المصدر: والكفالة.
(2) في المصدر: ان.
(3) الخلاف: ج 6 ص 252 المسألة 4.
(4) المبسوط: ج 8 ص 172.
454

والحدود، ولا تقبل شهادتهن في رؤية الهلال. (1)
وقسم في النهاية شهادة النساء أقساما ثلاثة: ضرب لا يجوز قبولها مطلقا،
سواء كان معهن رجال أو لا، وهو رؤية الهلال والطلاق. وضرب يراعى فيه
مع شهادة النساء شهادة الرجال كالرجم. ثم قال: وتجوز شهادة النساء في
القتل والقصاص إذا كان معهن رجل أو رجال بأن يشهد رجل وامرأتان على
رجل بالقتل أو الجراح، فأما شهادتهن على الانفراد فإنها لا تقبل على حال (2).
وقال الشيخ علي بن بابويه: وتقبل شهادة النساء في النكاح والدين، وفي
كل مالا يتهيأ للرجل أن ينظروا إليه، ولا تقبل في الطلاق، ولا في رؤية
الهلال. وكذا قال ابنه في المقنع (3).
وقال ابن أبي عقيل: شهادة النساء مع الرجال جائزة في كل شئ إذا
كن ثقات، ولا تجوز شهادتهن وحدهن، إلا في مواضع أنا ذاكرها لك في ما
بعد هذا الباب. ثم قال في الباب الذي وعد بذكره فيه: يجوز عند آل الرسول
- عليهم السلام - شهادة النساء وحدهن فيما لا ينظر إليه الرجال. ثم قال: وقد
روي عنهم - عليهم السلام - أن شهادة النساء إذا كن أربع نسوة في الدين جائز،
وكذلك روي عنهم - عليهم السلام - أن شهادة رجل واحد وامرأتين مع يمين
الطالب جائز. وقد اشتبه علي في ذلك، ولم أقف على حقيقة هذين الخبرين
عن الأئمة - عليهم السلام - فرددت الأمر فيهما إليهم، لأن ذلك لم يصح عندي
فيه رواية من طريق المؤمنين.
وقال ابن الجنيد: وشهادة النساء في الدين جائزة بالنص، والمرأتان مقام
رجل، وكل أمر لا يحضره الرجال ولا يطلعون عليه فشهادة النساء فيه جائزة

(1) المقنعة: ص 727.
(2) النهاية ونكتها: ج 2 ص 60 - 61، مع اختلاف.
(3) المقنع: ص 135.
455

كالعذرة والاستهلال والحيض، ولا يقضى به بالحق إلا بأربع منهن، فإن شهد
بعضهن فبحساب ذلك، وكذلك الوصية التي لم يحضرها الرجال. وقد قال
النبي - صلى الله عليه وآله - للمرأة التي سألته عن حال نقصهن: أما ما نقص
عن عقولكن (1) فشهادة امرأتين بشهادة رجل، ولم يخص بذلك في دين ولا
غيره وقد أجاز عمر بن الخطاب شهادة رجل وامرأتين في قتل، وأقاد بالمقتول
أربعة، وأجاز شهادتهن مع الرجال في الطلاق أيضا. وكذلك لا بأس عندنا
بشهادتهن مع الرجال في الحدود والأنساب والطلاق، ولا يوجب القود إلا
بشهادة الرجال حقنا للدماء، فإن لم تتم الشهادة على القتل بالرجال
وشاركهم (2) النساء أوجبنا بها الدية.
وقال سلار: الأحكام تنقسم: فمنها: ما لا يقبل فيه إلا شهادة الرجال، وهو
النكاح والطلاق والحدود ورؤية الأهلة. ومنها: ما لا يقبل فيه شهادة النساء
إلا إذا انضممن إلى الرجال، وهو الديون والأموال تقبل فيه شهادة رجل
وامرأتين، وما تقبل فيه شهادة النساء فكل ما لا يراه الرجال كالعذرة وعيوب
النساء والنفاس والحيض والولادة والاستهلال والرضاع، وتقبل فيه شهادة
امرأة واحدة إذا كانت مأمونة (3).
وقال أبو الصلاح: لا تقبل شهادة النساء في ما يوجب الحد، إلا شهادة
امرأتين مع ثلاثة رجال في الزنا خاصة، ولا الطلاق ولا رؤية الهلال، وتقبل
في ما عدا ذلك امرأتان برجل، ولا يقتص بشهادتهن، ويؤخذ بها الدية. وتنوب
شهادة امرأتين بحيث تصح شهادة النساء مناب الرجل الواحد، ويحكم
بشهادتهما منفردين، في ما لا يعاينه الرجال من أحوالهن، وتقبل شهادة القابلة

(1) م 3: من عقولهن.
(2) م 3: وشاركتهم.
(3) المراسم: ص 233، مع اختلاف.
456

المأمونة في الولادة والاستهلال، ويحكم بربع الوصية (1) أو الميراث، وتقبل
شهادة امرأتين في نصف دية النفس والعضو أو الجراح، والمرأة الواحدة في
الربع، وتجوز شهادتهن في النكاح مع الرجال، ولا يجوز في الطلاق على
حال (2).
وقال ابن البراج: شهادة النساء ثلاثة اضرب: أولها: لا يجوز قبولها على
حال، وهو رؤية الأهلة والطلاق والحدود إلا الزنا. وثانيها: ما يجوز إذا كان
معهن غيرهن من الرجال، وهو رجم المحصن بأن يشهد ثلاثة رجال وامرأتان
فتقبل شهادتهن ويرجم المشهود عليه بذلك، وتقبل شهادتهن في القتل
والقصاص ولا يقاد بها ولا يقتص وإنما يجب بها الدية وحدها بأن يشهد رجل
وامرأتان على إنسان بالقتل أو الجراح، وتقبل شهادتهن في الديون مع الرجال
وعلى الانفراد بأن يشهد رجل وامرأتان بدين لرجل فتقبل شهادتهم، فإن شهد
امرأتان قبلت شهادتهما وكانت كشهادة رجل واحد يجب معها اليمين على
المشهود له. وثالثها: ما يجوز [قبول شهادتهن فيه] ولا يجوز أن يكون معهن
رجال، وهو جميع ما لا يجوز للرجال النظر إليه مثل: العذرة، وأمور الباطنة في
النساء، وشهادة القابلة وحدها في استهلال الصبي في ربع ميراثه، وشهادة امرأة
واحدة في ربع الوصية وامرأتين في النصف، وذلك لا يجوز التعويل عليه والحكم
به إلا مع عدم الرجال (3).
وقال ابن حمزة: البينة ستة أنواع، ثم قال: وثالثها: شهادة رجلين، وذلك
في أربعة مواضع: في الحدود سوى ما ذكرناه - يعني: الزنا واللواط والسحق -

(1) ق 2 و م 3: ويحكم به مع الوصية، وفي المصدر: بربع الدية.
(2) الكافي في الفقه: ص 436 و 439، مع اختلاف.
(3) المهذب: ج 2 ص 558 - 559، مع اختلاف.
457

وفي الطلاق والنكاح ورؤية الهلال إذا كان في السماء علة. ورابعها: شهادة
رجلين أو رجل وامرأتين أو رجل ويمين، وذلك في المال وما كان وصلة إليه.
وخامسها: شهادة أربع نسوة، وذلك في ستة مواضع: الرضاع والولادة والعذرة
والحيض والنفاس وعيوب النساء التي تكون تحت الثياب مثل: البرص والرتق
والقرن. وسادسها: شهادة أربع نسوة أو ثلاث نسوة أو امرأتين أو واحدة في
الوصية واستهلال الصبي، وتقبل شهادة النساء مع الرجال ومع اليمين إذا لم
يكن رجال في المال وما كان وصلة إليه، وتقبل شهادتهن مع الرجال، ولا يقوم
فيه اليمين مقام شهادة - بأن تشهد امرأتان مع رجل بالقتل - وتجب الدية دون
القود وفي الزنا والسحق، فإن شهد ثلاثة رجال وامرأتان ثبت الرجم على
المحصن، وإن شهد رجلان وأربع نسوة ثبت الجلد دون الرجم، ولا تقبل شهادة
النساء مع الرجال في رؤية الهلال والنكاح والطلاق والحدود سوى ما
ذكرناه (1).
وقال ابن إدريس: الحقوق ضربان: حق الآدمي، وهو ثلاثة أقسام:
الأول: لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين، وهو ما لم يكن مالا ولا المقصود منه
المال، ويطلع عليه الرجال كالنكاح والخلع والطلاق والرجعة والتوكيل له
والوصية إليه والجناية الموجبة للقود والعتق والنسب. الثاني: ما يثبت بشاهدين
وشاهد امرأتين وشاهد ويمين، وهو كل ما كان مالا أو المقصود منه المال،
فالمال القرض والغصب، والمقصود منه المال عقود المعاوضات البيع والصرف
والسلم والصلح والإجارات والمساقاة والضمانات والحوالات والقراض والرهن
والوقف والوصية له لا إليه، والجناية الموجبة للمال كالجائفة والمأمومة والخطأ

(1) الوسيلة: ص 221 - 222 مع اختلاف.
458

وقتل الحر عبدا. الثالث: ما يثبت بشاهدين وشاهد وامرأتين وأربع نسوة، وهو
الولادة والرضاع عند بعض أصحابنا، وإن كان الأكثر منهم لا يقبل في الرضاع
شهادة النساء والاستهلال والعيوب تحت الثياب. فأما حقوق الله تعالى
فجميعها لا مدخل لشهادة النساء ولا للشاهد مع اليمين فيها، فمنها: ما لا يثبت
إلا بأربعة وهو: الزنا واللواط والسحق، وروى أصحابنا أن الزنا يثبت بثلاثة
رجال وامرأتين وبرجلين وأربع نسوة، ويحكم بالشاهد واليمين في الأموال
عندنا، سواء كان المال دينا أو عينا، وكذلك يحكم بشهادة امرأتين مع يمين
المدعي في ذلك عند بعض أصحابنا. والذي تقتضيه الأدلة ويحكم بصحة
النظر الصحيح أنه لا تقبل شهادة امرأتين مع يمين المدعي، وجعلهما بمنزلة
الرجل في هذا الموضع يحتاج إلى دليل شرعي، والأصل ألا شرع، وحملها على
الرجل قياس، وهو عندنا باطل، والإجماع غير منعقد والأخبار غير متواترة،
والأصل براءة الذمة (1).
ثم قال في باب شهادة النساء: شهادة النساء على ثلاثة أضرب: ضرب لا
يجوز قبولها على وجه، وهو رؤية الأهلة والطلاق والرضاع، وضرب يجوز قبولها
إذا انضم إليهن شهادة الرجال كالرجم، فإنه إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان
بالزنا قبلت شهادتهم ووجب [على المشهود عليه] الرجم إن كان محصنا، وإن
شهد رجلان وأربع نسوة بذلك قبلت أيضا، إلا أنه لا يجب الرجم بل الجلد،
ويجوز شهادتهن منضمات إلى الرجال في القتل والقصاص إذا كان معهن
رجال. فأما إن كان رجل واحد معهن - بأن يشهد رجل وامرأتان على رجل
بالقتل أو الجراح - فقد ذهب شيخنا أبو جعفر في نهاية إلى قبولها والذي يقوى

(1) السرائر: ج 2 ص 115 - 116.
459

في الخلاف ذلك، وإنها غير مقبولة، لأنه لا دليل عليه من إجماع ولا كتاب ولا
سنة مقطوع بها. فأما شهادتهن على ذلك على الانفراد فإنها لا تقبل على حال.
فأما قول شيخنا في نهايته: إذا كان معهن رجال فلا وجه لانضمامهن إليهم في
ذلك، لأن الرجال يكفون، وتقبل شهادتهن في الديون مع الرجال بغير خلاف
على ما نطق به القرآن، وعلى الانفراد عند بعض أصحابنا، فإن شهد رجل
وامرأتان بدين قبلت شهادتهم، فإن شهد امرأتان قبلت شهادتهما ووجب على
الذي يشهد أن له اليمين، كما تجب اليمين إذا شهد له رجل واحد عند بعض
أصحابنا. فأما ما يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد فكل ما لا يستطيع
الرجال النظر إليه مثل: العذرة والأمور الباطنة بالنساء، وتقبل شهادة القابلة
وحدها إذا كانت بشرائط العدالة في استهلال الصبي في ربع ميراثه بغير يمين،
وتقبل شهادة امرأة واحدة في ربع الوصية وشهادة امرأتين في نصف ميراث
المستهل ونصف الوصية، وذلك لا يجوز إلا عند عدم الرجال. على المسألتين
إجماع أصحابنا، فلأجله قلنا بذلك. ولا تقبل شهادة النساء في عقد النكاح،
وإليه ذهب شيخنا المفيد في مقنعته، وذهب شيخنا في الاستبصار إلى قبول
شهادتهن في عقود النكاح. والذي قلناه هو الذي يقتضيه أصول مذهبنا، لأنه
أمر شرعي يحتاج إلى أدلة شرعية على ثبوته (1).
والبحث هنا يقع في مواضع:
الأول: النكاح، منع في الخلاف (2) من قبول شهادة النساء فيه مطلقا.
وقوى في المبسوط القبول إذا انضمت امرأتان إلى رجل (3).

(1) السرائر: ج 2 ص 137 - 139.
(2) الخلاف: ج 6 ص 252 المسألة 4.
(3) المبسوط: ج 8 ص 172.
460

والمفيد (1) - رحمه الله - منع أيضا، وكذا سلار (2)، وابن حمزة (3)، وابن إدريس (4).
وأما ابنا (5) بابويه، وابن الجنيد، وأبو الصلاح (6) فإنهم قبلوا شهادتهن فيه.
وهو الذي اختاره الشيخ في الاستبصار (7) والتهذيب (8)، وهو الأقوى.
لنا: إن الظن قد حصل بشهادتهن مع انضمام الرجل إليهن فيجب العمل
عليه، لأصالة العمل بالراجح، وقبح العمل بالمرجوح وترك الراجح.
لا يقال: مطلق الظن غير كاف، وإلا لثبتت الحقوق بشهادة الواحد
والفساق والصبيان مع حصول الظن.
لأنا نقول: لا يكتفي بمطلق الظن، بل المستند إلى سبب ثبت اعتباره في
نظر الشرع، وقد ثبت اعتبار شهادة امرأتين مع رجل في أكثر الحقوق، بخلاف
ما ذكرتم.
وما رواه محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرضا - عليه السلام -
قال: قلت له: تجوز شهادة النساء في نكاح أو طلاق أو في رجم؟ قال: تجوز
شهادة النساء في ما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه وليس معهن رجل، وتجوز
شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل (9).
وعن إبراهيم الخارقي قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: تجوز
شهادة النساء في ما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه ويشهدوا عليه، وتجوز

(1) المقنعة: ص 727.
(2) المراسم: ص 233.
(3) الوسيلة: ص 222.
(4) السرائر: ج 2 ص 139.
(5) المقنع: ص 135.
(6) الكافي في الفقه: ص 439.
(7) الإستبصار: ج 3 ص 25 ذيل الحديث 79.
(8) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 280 ذيل الحديث 769 و ص 281 ذيل الحديث 773.
(9) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 264 ح 705، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 7 ج 18
ص 259.
461

شهادتهن في النكاح، ولا تجوز في الطلاق ولا في الدم (1).
وعن زرارة، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن شهادة النساء تجوز
في النكاح؟ قال: نعم، ولا تجوز في الطلاق (2).
واحتج المانعون بما رواه إسماعيل بن عيسى قال: سألت الرضا - عليه
السلام - هل تجوز شهادة النساء في التزويج من غير أن يكون معهن رجل؟ قال:
لا، هذا لا يستقيم (3).
وعن السكوني، عن الصادق، عن الباقر، عن علي - عليهم السلام - أنه
كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود، إلا في
الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه (4).
والجواب: القول بالموجب، فإنا نمنع من قبول شهادتهن على الانفراد، بل
يوجب انضمام الرجل إليهن.
قال الشيخ: ويحتمل أن يخرج هذان الحديثان مخرج التقية (5).
واستدل عليه بما رواه داود بن الحصين، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهن إذا كانت المرأة منكرة،

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 265 ح 707، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 5 ج 18
ص 259.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 265 ح 706، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 11 ج 18
ص 260.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 280 ح 769، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 39 ج 18
ص 266.
(4) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 281 ح 773، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 42 ج 18
ص 267.
(5) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 281 ذيل الحديث 773.
462

فقال، لا بأس به، ثم قال لي: ما يقول في ذلك فقهاؤكم؟ قلت: يقولون لا
يجوز إلا شهادة رجلين عدلين، فقال: كذبوا لعنهم الله، هونوا واستخفوا بعزائم
الله وفرائضه وشددوا وعظموا ما هون الله، إن الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين
عدلين وأجازوا والطلاق بلا شاهد واحد، والنكاح لم يجئ عن الله في تحريمه.
فبين رسول الله - صلى الله عليه وآله - في ذلك الشاهدين تأديبا ونظرا، لئلا
ينكر الولد والميراث، وقد ثبت عقدة النكاح، ويستحل الفرج ولا يستشهد.
وكان أمير المؤمنين - عليه السلام - يجيز شهادة امرأتين في النكاح عند الإنكار،
ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين، قلت: فأنى ذكر الله تعالى (فرجل
وامرأتان) فقال: ذلك في الدين، إذا لم يكن رجلان فرجل وامرأتان، ورجل
واحد ويمين المدعي إذا لم تكن امرأتان، قضى بذلك رسول الله - صلى الله عليه
وآله - وأمير المؤمنين - عليه السلام - بعده عندكم (1).
الثاني: الطلاق والخلع وما في معناه، وقد نص في الخلاف (2) والنهاية (3) على
المنع من قبول شهادتهن فيه منفردات ومنضمات. وكذا الشيخ المفيد (4)، وابنا
بابويه (5)، وسلار (6)، وأبو الصلاح (7)، وابن البراج (8)، وابن حمزة (9)، وابن
إدريس (10).
وقوى في المبسوط (11) قبول شهادتهن فيه مع الرجال، وهو ظاهر كلام

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 281 ح 774، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 35 ج 18
ص 265، مع اختلاف فيهما.
(2) الخلاف: ج 6 ص 252 المسألة 4.
(3) النهاية ونكتها: ج 2 ص 61.
(4) المقنعة: ص 727.
(5) المقنع: ص 135.
(6) المراسم: ص 233.
(7) الكافي في الفقه: ص 436.
(8) المهذب: ج 2 ص 558.
(9) الوسيلة: ص 222 - 223.
(10) السرائر: ج 2 ص 137.
(11) المبسوط: ج 8 ص 172.
463

القديمين ابن أبي عقيل، وابن الجنيد.
والمعتمد المنع.
لنا: قوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) (1) والاقتصار في الذكر في
معرض الإرشاد يدل على الاقتصار في الحكم، ولأصالة بقاء عصمة النكاح.
وما رواه محمد بن الفضيل، عن الرضا - عليه السلام - قال: لا تجوز
شهادتهن في الطلاق ولا في الدم (2).
وعن زرارة، عن الباقر - عليه السلام - قال: ولا تجوز في الطلاق (3).
وعن إبراهيم الخارقي، عن الصادق - عليه السلام -: ولا تجوز في الطلاق ولا
في الدم (4).
وعن الكناني، عن الصادق - عليه السلام - قال: قال علي - عليه السلام -:
شهادة النساء تجوز في النكاح، ولا تجوز في الطلاق (5).
وفي الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - أنه سئل عن شهادة
النساء في النكاح، قال: تجوز إذا كان معهن رجل، وكان علي - عليه السلام -
يقول: لا أجيزها في الطلاق (6).

(1) الطلاق: 2.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 264 ذيل الحديث 705، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات
ذيل الحديث 7 ج 18 ص 259.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 265 ح 706، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 11 ج 18
ص 260.
(4) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 265 ح 707، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 5 ج 18
ص 259.
(5) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 267 ح 713، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 25 ج 18
ص 263.
(6) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 269 ح 723. وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 2 ج 18 ص 258.
464

احتجوا بأنه إزالة قيد النكاح فأشبه إثباته.
والجواب: المنع، والقياس لا نقول به.
الثالث: الجنايات، وقد منع في الخلاف (1) من قبول شهادتهن في القتل
الموجب للقود ونحو ذلك ما لم يكن مالا ولا المقصود منه المال.
وقوى في المبسوط (2) قبول شهادتهن مع الرجال في الجناية الموجبة للقود.
وقال في النهاية: يجوز شهادة النساء في القتل والقصاص إذا كان معهن
رجل، لئلا يبطل دم امرئ مسلم، غير أنه لا يثبت بشهادتهن القود، وتجب بها
الدية على الكمال (3).
ومنع ابن إدريس (4) من قبول شهادتهن مع الرجال.
والظاهر من كلام ابن أبي عقيل القبول.
وابن الجنيد وافق كلام الشيخ في النهاية، وكذا أبو الصلاح (5)، وابن
البراج (6)، وهو المعتمد، لما رواه جميل بن دراج وابن حمران في الصحيح، عن
الصادق - عليه السلام - قالا: قلنا: أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ قال: في
القتل وحده، أن عليا - عليه السلام - كان يقول: لا يبطل دم امرئ المسلم (7).
وعن زيد الشحام قال: سألته - عليه السلام - عن شهادة النساء - إلى أن
قال -: قلت: أفتجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ فقال: نعم (8).

(1) الخلاف: ج 6 ص 252 المسألة 4.
(2) المبسوط: ج 8 ص 172.
(3) النهاية ونكتها: ج 2 ص 59 و 60.
(4) السرائر: ج 2 ص 138 - 139.
(5) الكافي في الفقه: ص 436.
(6) المهذب: ج 2 ص 558.
(7) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 266 ح 711، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18
ص 258.
(8) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 266 - 267 ح 712، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 33
ج 18 ص 264.
465

وعن الكناني، عن الصادق - عليه السلام - قال: تجوز شهادة النساء في الدم
مع الرجال (1).
احتج المانع: بما رواه ربعي، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا تجوز
شهادة النساء في القتل (2).
وعن محمد بن الفضيل عن الرضا - عليه السلام - قال: لا تجوز شهادتهن في
الطلاق ولا في الدم (3).
والجواب: الحمل على شهادتهن منفردات، أو نقول بالموجب، فأنا لا نثبت
القود بشهادتهن، بل نوجب الدية.
تذنيب: المشهور اعتبار شهادة الرجال معهن، فلا تقبل شهادتهن في
الجنايات على الانفراد.
وقال أبو الصلاح: وتقبل شهادة امرأتين في نصف دية النفس والعضو أو
الجراح، والمرأة الواحدة في الربع (4). وهو غريب.
والمعتمد الأول، عملا بأصالة البراءة.
الرابع: الحدود، قال الشيخ في النهاية: وأما ما يراعى فيه مع شهادة النساء
شهادة الرجال كالرجم، فإنه إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان على رجل بالزنا
قبلت شهادتهم، ووجب على الرجل الرجم إن كان محصنا، وإن شهد رجلان

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 267 ذيل الحديث 713 وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات
ذيل الحديث 25 ج 18 ص 263.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 267 ح 716، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 27 ج 18
ص 263.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 264 ذيل الحديث 705، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات
ذيل الحديث 7 ج 18 ص 260.
(4) الكافي في الفقه: ص 439.
466

وأربع نسوة بذلك قبلت أيضا شهادتهن، ولا يرجم المشهود عليه بل يحد حد
الزاني، فإن شهد رجل وست نساء أو أكثر من ذلك لم يجز قبول شهادتهم
وجلدوا كلهم حد الفرية، ولا يجوز شهادة النساء في شئ من الحدود سوى ما
قدمناه من الرجم وحد الزنا والدم خاصة (1). وقبل في الخلاف (2) شهادة
النساء في الزنا مع الرجال، وجعله في المبسوط مما رواه أصحابنا (3).
وقال المفيد: ولا تقبل في الزنا واللواط، ولا شئ مما يوجب الحدود
شهادات النساء ولا يقبل في ذلك إلا شهادة الرجال العدول البالغين، ولا
يجب الحد إلا بإقرار من الفاعل أو بينة عادلة بشهادة أربعة رجال، ولا تقبل في
الزنا واللواط والسحق شهادة أقل من أربعة رجال مسلمين عدول، ولا تقبل
شهادة النساء في النكاح والطلاق والحدود (4).
وقال ابن أبي عقيل: الأصل في الشهادات عند آل الرسول - عليهم السلام -
أصلان: أحدهما: لا يجوز فيه إلا شهادة أربعة شهداء عدول، وهي الشهادة في
الزنا. والأصل الآخر: جائز فيه شاهدا عدل، وهي الشهادة في ما سوي الزنا،
وشهادة النساء مع الرجال جائزه في كل شئ إذا كن ثقات. وهذا يعطي منع
قبول شهادتهن في الزنا منفردات ومنضمات.
وقال ابن الجنيد: ولا تجيز أيضا شهادتهن في الرجم إذا انفردن، إلا إذا
كان معهن رجال، وكان الأغلب في الشهادة الرجال كثلاثة رجال وامرأتين.
وكذلك الرواية عن أمير المؤمنين وأهله - عليهم السلام - وسلار (5) وافق شيخنا

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 61 و 62.
(2) الخلاف: ج 6 ص 251 المسألة 2.
(3) المبسوط: ج 8 ص 172.
(4) المقنعة: ص 727 و 774 و 775، وفيه: (إلا شهادات الرجال العدول).
(5) المراسم: 233.
467

المفيد في المنع من قبول شهادة النساء مطلقا في الحدود.
وقال ابن البراج: يثبت رجم المحصن بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين،
ويرجم المشهود عليه بذلك (1).
وقال أبو الصلاح: ولا تقبل شهادة النساء في ما يوجبه الحد إلا شهادة
امرأتين مع ثلاثة رجال في الزنا خاصة (2).
وقال شيخنا علي بن بابويه في رسالته: وتقبل في الحدود إذا شهد امرأتان
وثلاثة رجال. وكذا قال الصدوق وابنه (3) - رحمهما الله - في الزنا.
وابن حمزة (4) وافق كلام الشيخ في النهاية، وكذا ابن إدريس (5).
احتج الشيخ بما رواه الحلبي في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال:
إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أجاز شهادة النساء في رؤية الهلال، ولا
يجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة، ويجوز في ذلك شهادة ثلاثة رجال
وامرأتان (6).
وفي الحسن عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن شهادة
النساء في الرجم، فقال: إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان (7).

(1) المهذب ج 2 ص 558.
(2) الكافي في الفقه: ص 436.
(3) المقنع: ص 135.
(4) الوسيلة: ص 222.
(5) السرائر: ج 2 ص 137.
(6) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 264 ح 702، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 10 ج 18
ص 260، وفيهما: (عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: لا تجوز
شهادة...).
(7) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 264 ح 703، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 3 ج 18
ص 258.
468

وعن محمد بن الفضيل، عن الرضا - عليه السلام - وتجوز شهادتهن في حد
الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة في
الزنا (1) والرجم (2).
وعن إبراهيم الخارقي، عن الصادق - عليه السلام - وتجوز في حد الزنا إذا
كانوا ثلاثة رجال وامرأتان، ولا تجوز إذا كان رجلان وأربع نسوة في
الرجم (3).
احتج المفيد بقوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) (4) وبقوله تعالى: (لولا جاؤوا عليه بأربعة
شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) (5).
وبما رواه محمد بن مسلم في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال:
إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم يجز في الرجم (6).
وعن غياث بن إبراهيم، عن الصادق، عن الباقر، عن علي - عليهم السلام -
قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا القود (7).

(1) في التهذيب والطبعة الحجرية: في حد الزنا.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 264 ح 705، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 7 ج 18.
ص 259.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 265 ح 707، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 5 ج 18
ص 259.
(4) النور: 4.
(5) النور: 13.
(6) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 265 ح 708، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 28 ج 18
ص 264.
(7) الإستبصار: ج 3 ص 24 ح 77، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 29 ج 18 ص 264.
469

وحمله الشيخ على التقية (1)، ونحن في ذلك من المتوقفين. وهنا فوائد:
الأولى: كلام الشيخ في النهاية يقتضي اختصاص هذا بالزنا، أما غيره من
اللواط والسحق فإنه أوجب قبول أربعة رجال خاصة. وكذا نص على أن حقوق
الله تعالى لا تثبت كلها بشهادة النساء، إلا الشهادة بالزنا في الخلاف (2).
وقال علي بن بابويه: تقبل في الحدود إذا شهد امرأتان وثلاثة رجال. وهو
لا يقتضي التخصيص بالزنا.
أما الصدوق فقال: لا بأس بشهادة النساء في الزنا إذا شهد امرأتان وثلاثة
رجال (3).
وكلام ابن الجنيد يقتضي التعميم.
وقال ابن البراج: لا يجوز قبول شهادة النساء في رؤية الأهلة والطلاق
والحدود إلا الزنا (4).
وقال أبو الصلاح: يثبت الزنا واللواط والسحق بأربعة (5) رجال عدول
بمعاينة الفرج في الفرج بلفظ واحد في وقت واحد، أو ثلاثة رجال وامرأتين (6)
في الزنا خاصة (7).
وقال في موضع آخر: ولا تقبل شهادة النساء في ما يوجبه الحد، إلا شهادة
المرأتين مع ثلاثة رجال في الزنا خاصة (8).
وقال ابن حمزة: تقبل شهادة النساء مع الرجال في الزنا والسحق دون

(1) الإستبصار: ج 3 ص 25 ذيل الحديث 12.
(2) الخلاف: ج 6 ص 251 المسألة 2.
(3) المقنع: ص 135، وفيه: (في الحدود إذا شهد).
(4) المهذب: ج 2 ص 558.
(5) في المصدر: بينة الزنا واللواط والسحق أربعة.
(6) في المصدر: وامرأتان.
(7) الكافي في الفقه: ص 438.
(8) الكافي في الفقه: ص 436، وفيه: (امرأتين مع ثلاثة).
470

ما عدا ذلك (1).
والمعتمد ما اختاره الشيخ في النهاية من الاقتصار في ذلك على الزنا خاصة.
لنا: عموم المنع من قبول شهادتهن في الحدود، خرج الزنا بالأدلة المخصصة،
فيبقي الباقي على عموم المنع.
الثانية: قال الشيخ في النهاية: لو شهد رجلان وأربع نسوة بالزنا قبلت أيضا
شهادتهن، ولا يرجم المشهود عليه بل يحد حد الزاني (2). وظاهر كلامه في
الخلاف (3) ثبوت الرجم بذلك.
وقال علي بن بابويه: وتقبل في الحدود إذا شهد امرأتان وثلاثة رجال، ولا
تقبل شهادتهن إذا كن أربع نسوة ورجلان. وكذا قال ابنه في المقنع (4). وهو
يعطي أنه لا يثبت بذلك رجم ولا جلد.
وظاهر كلام ابن الجنيد يعطي اختيار ما ذهب إليه الشيخ في النهاية.
وقال ابن البراج: لو شهد رجلان وأربع نسوة أو رجل وست نساء بالزنا لم
تقبل شهادتهم وحدوا حد الفرية (5).
وقال في باب ما يثبت به الزنا (6) كما قاله الشيخ.
وظاهر كلام أبي الصلاح المنع من قبول هذه الشهادة.
وابن حمزة (7)، وابن إدريس (8) وافقا الشيخ في النهاية.
احتج الشيخ بما رواه أبان، عن عبد الرحمان، عن الصادق - عليه السلام -

(1) الوسيلة: ص 222.
(2) النهاية ونكتها: ح 2 ص 61.
(3) الخلاف: ج 6 ص 251 المسألة 2.
(4) المقنع: ص 135.
(5) المهذب: ج 2 ص 558.
(6) المهذب: ج 2 ص 526.
(7) الوسيلة: ص 222.
(8) السرائر: ج 2 ص 137.
471

قال: تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال (1).
وإنما أوجب الجلد لأن الرجم لا يثبت بشهادة رجلين وأربع نسوة، لما رواه
الشيخ في الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: إن رسول الله
- صلى الله عليه وآله - أجاز شهادة النساء في رؤية الهلال، ولا تجوز في الرجم
شهادة رجلين وأربع نسوة (2).
وفي الحسن عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: فإذا كان رجلان
وأربع نسوة لم تجز في الرجم (3).
فالوجه عندي المنع، لأنه لو ثبت الزنا بشهادتهم لثبت الرجم، والتالي
باطل - للأخبار الدالة على عدم سماع رجلين وأربع نسوة في الرجم وهي
كثيرة - فالمقدم مثله.
وبيان الملازمة دلالة الإجماع على وجوب الرجم على المحصن الزاني، فإن
ثبت هذا الوصف ثبت الحكم، وإلا فلا.
الثالثة: لو شهد رجل وست نساء أو أكثر منهن قال في النهاية: لا يثبت
بذلك حد ولا رجم، بل يحد الشهود حد الفرية (4). وهو قول ابن إدريس (5)،

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 270 ذيل الحديث 728، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات
ذيل الحديث 21 ج 18 ص 262.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 264 ح 702، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 10 ج 18
ص 260، وفيهما: (عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: لا تجوز
شهادة...).
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 264 ح 703، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ذيل
الحديث 3 ج 18 ص 258.
(4) النهاية ونكتها: ج 2 ص 61، وفيه: (لم يجز قبول شهادتهم وجلدوا كلهم حد الفرية).
(5) السرائر: ج 2 ص 137.
472

وكل من لم يقبل شهادة رجلين وأربع نسوة، لأولوية المنع هنا.
وقال في الخلاف: يجب الحد دون الرجم بشهادة رجل واحد وست
نساء (1). وليس بمعتمد.
الرابعة: قال الشيخ في الخلاف: لا تقبل شهادة النساء في الرضاع لا
منفردات ولا منضمات إلى الرجال (2).
وقال في المبسوط: الثالث: ما يثبت بشاهدين وشاهد وامرأتين وأربع نسوة
وهو: الولادة والرضاع والاستهلال والعيوب تحت الثياب، وأصحابنا رووا أنه
لا تقبل شهادة النساء في الرضاع أصلا و، وليس ها هنا ما تقبل فيه شهادة
النساء على الانفراد إلا هذه (3).
وقال في كتاب الرضاع من المبسوط: شهادة النساء لا تقبل في الرضاع
عندنا، وتقبل في الاستهلال والعيوب تحت الثياب والولادة، وقال بعضهم:
تقبل في جميع ذلك (4).
وقال شيخنا المفيد: تقبل شهادة النساء منفردات في الرضاع (5). وبه قال
سلار (6)، وابن حمزة (7)، وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد، وابن أبي عقيل.
وابن إدريس (8) وافق شيخنا في النهاية (9).
والوجه عندي القبول.

(1) الخلاف: ج 6 ص 251 ذيل المسألة 2.
(2) الخلاف: ج 5 ص 107 المسألة 20.
(3) المبسوط: ج 8 ص 172.
(4) المبسوط: ج 5 ص 311.
(5) المقنعة: ص 727.
(6) المراسم: ص 233.
(7) الوسيلة: ص 222.
(8) السرائر: ج 2 ص 137.
(9) لم يذكر الرضاع، بل قال: (فرؤية الهلال والطلاق فإنه لا يجوز قبول شهادة النساء) راجع النهاية
ونكتها: ج 2 ص 61.
473

لنا: أنه من الأمور الخفية عن الرجال، وإنما تعاينه النساء غالبا، فوجب
قبول قولهن فيه كغيره من الأمور الخفية عن الرجال.
وما رواه عبد الله بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن الصادق - عليه
السلام - في امرأة أرضعت غلاما وجارية، قال: يعلم ذلك غيرها؟ قلت:
لا، قال: لا تصدق إن لم يكن غيرها (1). يدل بمفهومه (2) على الحكم بصدقها
لو كان غيرها، وهو أعم من الرجال والنساء. ومفهوم قوله - عليه السلام - في
بيان نقص دينهن، وقد سلف في استدلال ابن الجنيد.
احتج المانعون بأصالة الإباحة.
والجواب: المنع، والمعارضة بالاحتياط.
تذنيب: (3) الظاهر أنه لا تقبل في الرضاع إلا شهادة أربع، ولا يكفي
اثنتان إلا مع رجل، كالوصية والاستهلال والعيوب.
قال ابن الجنيد: وكل أمر لا يحضره الرجال ولا يطلعون عليه فشهادة
النساء في جائزة، كالعذرة والاستهلال والحيض، ولا يقضى به بالحق إلا
بأربع منهن، فإن شهد بعضهن فبحساب ذلك.
وقال شيخنا المفيد: وتقبل شهادة امرأتين مسلمتين مستورتين في ما لا
يراه الرجال، كالعذرة وعيوب النساء والنفاس والحيض والولادة والاستهلال
والرضاع، وإذا لم يوجد على ذلك إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبل شهادتها
فيه. ثم قال بعد ذلك: وتقبل شهادة امرأة واحدة في ربع الوصية، ولا تقبل
في جميعها (4). وتبعه سلار (5) في قبول المرأة الواحدة في ما تقدم من الأمور الباطنة.

(1) تهذيب الأحكام: ج 7 ص 323 ح 1330، وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 3
ج 14 ص 304.
(2) ق 2 و م 3: مفهومه.
(3) في الطبعة الحجرية: تنبيه.
(4) المقنعة: ص 727.
(5) المراسم: ج 2 ص 233.
474

وقال ابن أبي عقيل: إذا شهدت القابلة وحدها في الولادة وفي الصبي
- صاح أو لم يصح - فشهادتها جائزة إذا كانت حرة مسلمة عدلة.
لنا: إن عادة الشرع في باب الشهادات اعتبار المرأتين بالرجل، وإن أكثر
الحقوق إنما يثبت غالبا بشهادة رجلين، فيثبت ما لا يطلع عليه الرجال بما
يساوي الرجلين اعتبارا بباقي الحقوق.
وما رواه عمر بن يزيد في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال:
سألته عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل فوضعت بعد موته غلاما ثم
مات الغلام بعد ما وقع إلى الأرض فشهدت المرأة التي قبلتها أنه استهل وصاح
حين وقع إلى الأرض ثم مات، قال: على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع
ميراث الغلام (1).
وعن سماعة قال: قال: القابلة تجوز شهادتها في الولد على قدر شهادة امرأة
واحدة (2).
وعن ابن سنان، عن الصادق - عليه السلام - قال: سمعته يقول: تجوز
شهادة القابلة في المولود إذا استهل وصاح في الميراث، ويورث الربع من
الميراث بقدر شهادة امرأة، قلت: فإن كانتا امرأتين؟ قال: تجوز شهادتهما في
النصف من الميراث (3).
احتج المفيد بما رواه الحلبي في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال:

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 268 ح 720، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 6 ج 18
ص 259.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 270 ح 730، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 23 ج 18
ص 263.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 271 ح 736، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 45 ج 18
ص 267.
475

تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس (1).
وفي الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - وسألته عن شهادة
القابلة في الولادة، فقال: تجوز شهادة الواحدة (2).
وعن أبي بصير، عن الباقر - عليه السلام - قال: تجوز شهادة امرأتين في
الاستهلال (3).
والجواب: القول بالموجب، فإنا نقبل شهادة الواحدة في ذلك، لكن لا
يثبت جميع الحق، بل الربع.
الخامسة: قوى الشيخ في المبسوط قبول شهادة النساء مع الرجال في
التوكيل والوصية إليه والعتق والنسب والكتابة (4). ومنع في الخلاف (5) من
القبول. وهو المشهور عند الأكثر، فيتعين العمل به، إلا العتق والكتابة فإن
الأقرب القبول.
السادسة: قوى في المبسوط قبول شهادة امرأتين مع رجل في الوديعة والجناية
الموجب للقود (6). ومنع في الخلاف (7) من ذلك، لأنهما ليسا مالا ولا المقصود
منه المال.
والوجه القبول، لأن الوديعة مال إن ادعاها المالك، وإن ادعى الإيداع
المستودع كان الحق ما قاله الشيخ، والجناية الموجبة للقود يثبت بها الدية خاصة.

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 264 ذيل الحديث 702، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات
ذيل الحديث 10 ج 18 ص 260، وفيهما: (عن عبد الله بن سنان).
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 269 ح 723، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 2 ج 18
ص 258.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 284 ح 782، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 41 ج 18
ص 267.
(4) المبسوط: ج 8 ص 172.
(5) الخلاف: ج 6 ص 252 المسألة 4.
(6) المبسوط: ج 8 ص 172.
(7) الخلاف: ج 6 ص 252 المسألة 4.
476

السابعة: المال سواء كان دينا - كالقرض - أو عينا يثبت بشاهد وامرأتين
إجماعا، وكذا بشاهد ويمين، وهل يثبت بشهادة امرأتين ويمين المدعي؟ نص في
النهاية (1) والخلاف (2) والمبسوط (3) على قبوله، وبه قال ابن الجنيد.
وقال شيخنا المفيد: تقبل شهادة رجل وامرأتين في الديون والأموال
خاصة (4). وليس فيه تصريح بالمنع في صورة النزاع أو القبول.
وقال سلار: وما لا تقبل فيه شهادة النساء إلا إذا انضممن إلى الرجال،
فالديون والأموال يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين (5).
وابن البراج (6)، وابن حمزة (7) وافقا الشيخ - رحمه الله -.
وقال ابن إدريس: الذي تقتضيه الأدلة ويحكم بصحته النظر الصحيح
أنه لا يقبل شهادة امرأتين مع يمين المدعي، وجعلهما بمنزلة الرجل في هذا
الموضع يحتاج إلى دليل شرعي، والأصل ألا شرع، وحملها (8) على الرجال (9)
قياس، وهو عندنا باطل، والإجماع غير منعقد، والأخبار غير متواترة، فإن
وجدت فهي نوادر شواذ، والأصل براءة الذمم، فمن أثبت بشهادتهما حكما
شرعيا فإنه يحتاج إلى أدلة قاهرة، إما إجماع أو تواتر أخبار أو قرآن، وجميع
ذلك خال منه، فيبقى دليل العقل، وهو ما اخترناه وحققناه (10).
والوجه ما قاله الشيخ في النهاية.
لنا: إن شهادة امرأتين كشهادة رجل واحد، وقد ثبت الحق بشهادة
الواحد مع اليمين فكذا مساويه.

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 61.
(2) الخلاف ج 6 ص 254 المسألة 7.
(3) المبسوط: ج 8 ص 172.
(4) المقنعة: ص 727.
(5) المراسم: ص 233.
(6) المهذب: ج 2 ص 558 - 559.
(7) الوسيلة: ص 222.
(8) في الطبعة الحجرية وق 2: حملهما.
(9) في المصدر: الرجل.
(10) السرائر: ج 2 ص 116.
477

أما المقدمة الأولى: فلأنه لو شهد رجل وامرأتان بدين ثبت كما ثبت
بشهادة رجلين، ويقع التعارض بين شهادة رجلين وشهادة رجل وامرأتين،
ولولا التساوي لم يكن كذلك.
وأما الثانية: فلقضاء العقل بتساوي حكم المتساويين، وأي دليل منع
من ذلك، والأدلة لا تنحصر في الكتاب والسنة المتواترة والإجماع، فقول
ابن إدريس لا اعتبار به البتة.
تنبيه: قال الشيخ في المبسوط: تثبت الأمور الباطنة - كالعيوب والعذرة -
بشهادة رجلين ورجل وامرأتين وأربع نسوة (1).
وقال ابن البراج: الثالث: ما يجوز فيه قبول شهادة النساء، ولا يجوز أن
يكون معهن أحد من الرجال، فهو جميع ما لا يجوز للرجال النظر إليه مثل:
العذرة والأمور الباطنة في النساء (2). وهو يعطي المنع من قبول شهادة
الرجال فيه.
والوجه ما قاله الشيخ، وقد يفرض اطلاع الرجال عليه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا بأس بشهادة القاذف إذا تاب وعرفت
توبته، وحد توبته من القذف أن يكذب نفسه في ما كان قذف به، فإذا فعل
ذلك جاز قبول شهادته بعد ذلك (3).
وقال في المبسوط: اختلفوا في كيفية إكذابه نفسه، قال قوم: أن يقول:
القذف باطل حرام ولا أعود إلى ما قلت، وقال بعضهم: التوبة إكذابه
نفسه، وحقيقة ذلك أن يقول: كذبت في ما قلت، وروي ذلك في أخبارنا.
والأول أقوى، لأنه إذا قال: كذبت في ما قلت ربما كان كاذبا في هذا، لجواز

(1) المبسوط: ج 8 ص 172، مع اختلاف.
(2) المهذب: ج 2 ص 559.
(3) النهاية ونكتها: ج 2 ص 53.
478

أن يكون صادقا في الباطن وقد تعذر عليه تحقيقه، فإذا قال: القذف باطل
حرام فقد أكذب نفسه (1).
وقال في الخلاف: من شرط التوبة من القذف أن يكذب نفسه،
وحقيقة ذلك أن يقول: كذبت في ما قلت، هذا هو الذي يقتضيه مذهبنا،
لأنه لا خلاف بين الفرقة، إن من شرط ذلك أن يكذب نفسه، وحقيقة
الإكذاب أن يقول: كذبت في ما قلت، ثم قوى ما قاله المروزي، لأنه إذا
أكذب نفسه ربما كان صادقا في الأول في ما بينه وبين الله تعالى فيكون هذا
الإكذاب كذبا، وذلك قبيح (2).
وقال ابن أبي عقيل: وتوبته أن يرجع عما قال ويكذب نفسه عند الإمام
الذي جلده وعند جماعة المسلمين.
وقال علي بن بابويه وابنه: وتوبته أن يقف في الموضع الذي قال فيه ما قال
فيكذب نفسه (3).
وقال ابن حمزة: إن كان صادقا قال: الكذب حرام ولا أعود إلى مثل ما
قلت وأصلح العمل بالضد مما قال، وإن كان كاذبا قال: كذبت في ما قلت
وأصلح العمل (4).
وقال ابن إدريس: كيفية توبته من القذف هو: أن يقول: القذف باطل
حرام ولا أعود إلى ما قلت، وقال بعضهم: التوبة إكذابه نفسه، وحقيقة ذلك
أن يقول: كذبت في ما قلت، روى ذلك في بعض أخبارنا، والذي قدمناه هو
الصحيح، لاحتمال أن يكون صادقا (5).

(1) المبسوط: ج 8 ص 179.
(2) الخلاف: ج 6 ص 363 المسألة 12.
(3) المقنع: ص 133.
(4) الوسيلة: ص 231.
(5) السرائر: ج 2 ص 116.
479

احتج الشيخ على ما اختاره في النهاية بما رواه أبو الصباح الكناني، عن
الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن القاذف بعد ما يقام عليه الحد ما
توبته؟ قال: يكذب نفسه، قلت: أرأيت إن أكذب نفسه وتاب أتقبل
شهادته؟ قال: نعم (1).
وعن ابن سنان، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن المحدود إن
تاب أتقبل شهادته؟ فقال: إذا تاب وتوبته أن يرجع مما قال ويكذب نفسه
عند الإمام وعند المسلمين، فإذا فعل فإن على الإمام أن يقبل شهادته بعد
ذلك (2).
والوجه عندي التفصيل، فإن كان كاذبا كانت توبته التصريح بالكذب
والاعتراف به حقيقة، وإن كان صادقا اعترف بتحريم ما قاله، وأظهر
الاستغفار منه من غير أن يصرح بالكذب، وتحمل الأخبار على هذا التفصيل.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا بأس بشهادة القاذف إذا تاب وعرفت
توبته وحد توبته من القذف أن يكذب نفسه في ما كان قذف به، فإذا فعل
ذلك جاز قبول شهادته بعد ذلك (3).
وقسم في المبسوط القذف إلى شيئين: قذف سب ويفتقر عدالته التي يقبل
بها شهادته إلى صلاح العمل عند قوم، وهو الأقوى، لقوله تعالى: (إلا الذين
تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) وقال آخرون: مجرد التوبة يجزئه وقذف شهادة،
وهو أن يشهد بالزنا دون الأربعة فإنهم فسقة. والتوبة هنا أن يقول: قد
ندمت على ما كان مني ولا أعود إلى ما اتهم فيه، ولا يقول: ولا أعود إلى ما

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 245 ح 615، وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18 ص 282.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 245 ح 616، وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18 ص 283.
(3) النهاية ونكتها: ج 2 ص 53.
480

قلت، لأن الذي قاله شهادة، فيجزئه أن يقول: لا أعود إلى ما اتهم فيه، فإذا
قال هذا زال فسقه وقبلت شهادته ولا يراعى صلاح العمل (1). وتبعه ابن
إدريس (2).
وقال في الخلاف: إذا أكذب نفسه وتاب لا تقبل شهادته حتى يظهر منه
العمل الصالح، لقوله تعالى: (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) فاعتبر
التوبة وإصلاح العمل (3).
وابن حمزة اعتبر إصلاح العمل في الصادق والكاذب (4).
والتحقيق: إن النزاع هنا لفظي، فإن البقاء على التوبة شرط في قبول
الشهادة، وهو كاف في إصلاح العمل لصدقه عليه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: العدل الذي يجوز قبول شهادته للمسلمين
وعليهم هو أن يكون ظاهره ظاهر الإيمان، ثم يعرف بالستر والصلاح
والعفاف والكف عن البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب
الكبائر التي أو عد الله تعالى عليه النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق
الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك الساتر لجميع عيوبه، ويكون متعاهدا
للصلوات الخمس مواظبا عليهن حافظا لمواقيتهن متوفرا على حضور جماعة
المسلمين غير متخلف عنهم إلا لمرض أو علة أو عذر (5).
وقال المفيد: العدل من كان معروفا بالدين والورع عن محارم الله

(1) المبسوط: ج 8 ص 179.
(2) السرائر: ج 2 ص 116 - 117.
(3) الخلاف: ج 6 ص 264 المسألة 13.
(4) الوسيلة: ص 231.
(5) النهاية ونكتها: ج 2 ص 52.
481

تعالى (1).
وقال ابن البراج: العدالة معتبرة في صحة الشهادة على المسلم، وتثبت في
الإنسان بشروط وهي: البلوغ وكمال العقل والحصول على ظاهر الإيمان
والستر والعفاف واجتناب القبائح ونفي التهمة والظنة والحسد والعداوة (2).
وقال أبو الصلاح: العدالة شرط قبول الشهادة (3) على المسلم، ويثبت
حكمها بالبلوغ وكمال العقل والإيمان واجتناب القبائح أجمع، وانتفاء الظنة
بالعداوة أو الحسد أو المنافسة (4) أو المملكة أو الشركة (5).
وقال الشيخ في المبسوط: العدالة في اللغة أن يكون الإنسان متعادل
الأحوال متساويا، وأما في الشريعة هو من كان عدلا في دينه عدلا في مروته
عدلا في أحكامه، فالعدل في الدين أن يكون مسلما لا يعرف منه شئ من
أسباب الفسق، وفي المروة أن يكون مجتنبا للأمور التي تسقط المروة مثل:
الأكل في الطرقات ومد الأرجل بين الناس ولبس الثياب المصبغة، والعدل في
الأحكام أن يكون بالغا عاقلا، فمن كان عدلا في جميع ذلك قبلت شهادته،
ومن لم يكن عدلا لم يقبل، فإن (6) ارتكب شيئا من الكبائر وهي: الشرك
والقتل والزنا واللواط والغصب والسرقة وشرب الخمر والقذف وما أشبه ذلك
فإذا فعل واحدة من هذه الأشياء سقطت شهادته، فأما إن كان مجتنبا للكبائر
ومواقعا للصغائر فإنه يعتبر الأغلب من حاله، فإن كان الأغلب من حاله
مجانبة المعاصي وكان يواقع ذلك نادرا قبلت شهادته، وإن كان الأغلب
مواقعته للمعاصي واجتنابه لذلك نادرا لم تقبل شهادته، وإنما اعتبرنا الأغلب

(1) المقنعة: ص 725.
(2) المهذب: ج 2 ص 556.
(3) في المصدر: شرط في صحة الشهادة.
(4) في المصدر: المناقشة.
(5) الكافي في الفقه: ص 435.
(6) في المصدر: لم يقبل ذلك فان.
482

في الصغائر لأنا لو قلنا: إنه لا تقبل شهادة من واقع (1) اليسير من الصغائر
أدى ذلك إلى ألا تقبل شهادة أحد، لأنه لا أحد ينفك من مواقعة بعض
المعاصي (2).
وقال ابن الجنيد: فإذا كان الشاهد حرا بالغا، مؤمنا (3) بصيرا، معروف
النسب، مرضيا غير مشهور بكذب في شهادة، ولا بارتكاب كبيرة، ولا مقام
على صغيرة، حسن التيقظ، عالما بمعالي الأقوال، عارفا بأحكام الشهادة، غير
معروف بحيف على معامل، ولا متهاون بواجب من علم أو عمل، ولا معروف
بمعاشرة (4) أهل الباطل، ولا الدخول في جملتهم، ولا بالحرص على الدنيا، ولا
بساقط المروة برياء من أهواء أهل البدع التي توجب على المؤمنين البراءة من
أهلها، فهو من أهل العدالة المقبول شهادتهم. وظاهر كلامه موافقة الشيخ في
المبسوط.
وقال ابن إدريس: هذا القول - يعني: كلام شيخنا في المبسوط - لم يذهب
إليه إلا في هذا الكتاب - أعني: المبسوط - ولا ذهب إليه أحد من أصحابنا،
لأنه لا صغائر عندنا في المعاصي إلا بالإضافة إلى غيرها، وما خرجه واستدل
به (من أنه يؤدي ذلك إلى ألا تقبل شهادة أحد، لأنه لا أحد ينفك من مواقعة
بعض المعاصي) فغير واضح، لأنه قادر على التوبة من ذلك الصغير، فإذا تاب
قبلت شهادته، وليس التوبة مما يتعذر على إنسان دون إنسان، ولا شك أن
هذا القول تخريج لبعض المخالفين، فاختاره شيخنا ها هنا ونصره وأورده على
جهته، ولم يقل عليه شيئا، لأن هذا عادته في كثير مما يورده في هذا
الكتاب (5).

(1) في المصدر: يقبل شهادة من أوقع.
(2) المبسوط: ج 8 ص 217.
(3) في الطبعة الحجرية: بالغا عاقلا مؤمنا.
(4) ق 2 و م 3: بمباشرة.
(5) السرائر: ج 2 ص 118.
483

والوجه ما قاله الشيخ - رحمه الله - في المبسوط.
لنا: إن اعتبار اجتناب جميع القبائح في الشهادة مما يعسر ويشق، ويؤدي
إلى بطلان الشهادة وعدم مشروعيتها، وذلك مناف لمقتضى الحكمة، وورود
النص (1) بقبولها.
وقول ابن إدريس ليس بشئ، لأن مع التوبة لا فرق بين الصغيرة
والكبيرة في سقوطهما بها، على أن التوبة من شرطها العزم على ترك المعاودة،
ولا شك أن الصغائر لا ينفك منها الإنسان، فلا يصح هذا العزم منه غالبا،
فلا يمكن التوبة في أغلب الأحوال.
وفي رواية (2) ابن أبي يعفور، عن الصادق - عليه السلام - ما يوافق كلام
الشيخ في النهاية: من عد اجتناب الكبائر في العدالة، ولو كان اجتناب
الصغائر شرطا في العدالة لنص - عليه السلام - على ذلك، نعم يشترط ترك
الإصرار على الصغائر.
والتحقيق: أن العدالة كيفية نفسانية راسخة تبعث المتصف بها على
ملازمة التقوى والمروة، ويتحقق باجتناب الكبائر وعدم الإصرار على
الصغائر.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا تقبل شهادة الأجير (3)، وبه قال ابنا
بابويه (4)، وأبو الصلاح (5)، وابن البراج (6)، وابن حمزة (7).

(1) أمالي الصدوق: ح 3 ص 91، وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الشهادات ح 13 ج 18 ص 292.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 241 ح 596، وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الشهادات ح 1 و 2 ج 18
ص 288 - 289.
(3) النهاية ونكتها: ج 2 ص 52.
(4) المقنع: 113.
(5) الكافي في الفقه: ص 436.
(6) المهذب: ج 2 ص 558.
(7) الوسيلة: ص 230.
484

وقال ابن إدريس: هذا خبر واحد لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه، بل
شهادة الأجير مقبولة، سواء كانت على من استأجره أو له، وسواء فارقه أو لا،
لأن أصول المذهب يقتضي قبول هذه الشهادة، وهو قوله تعالى: (واستشهدوا
شهيدين من رجالكم) وقوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) ولا مانع
يمنع من قبول شهادته، وهذا عدل فينبغي أن تقبل شهادته، فلأنه لا يجر
بشهادته إليه نفعا، ولا يدفع عنه ضررا، ولا يعرف بشئ من أسباب الفسق،
ولا دليل على رد شهادته من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع (1).
احتج الشيخ - رحمه الله - بما رواه زرعة (2) قال: سألته - عليه السلام - عما
يرد من الشهود، فقال: المريب والخصم والشريك ودافع مغرم (3)
والأجير (4).
وعن العلا بن سيابة، عن الصادق - عليه السلام - قال: كان أمير المؤمنين
- عليه السلام - لا يجيز شهادة الأجير (5).
قال الشيخ في الاستبصار: هذا الخبر وإن كان عاما في أن شهادة الأجير لا
تقبل على سائر الأحوال مطلقا فينبغي أن يخص ويقيد بحال كونه أجيرا لمن هو
أجير له فإما لغيره أو له بعد مفارقته له فإنه لا بأس بها على كل حال (6).
لما رواه صفوان في الصحيح، عن الكاظم - عليه السلام - قال: سألته عن
رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه أتجوز شهادته له بعد أن يفارقه؟ قال:

(1) السرائر: ج 2 ص 121.
(2) في المصدر: عن زرعة عن سماعة.
(3) في المصدر: المغرم.
(4) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 242 ح 599، وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الشهادات ح 3 ج 18
ص 278.
(5) الإستبصار: ج 3 ص 21 ح 62، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الشهادات ح 2 ج 18 ص 274.
(6) الإستبصار: ج 3 ص 21 ذيل ح 62.
485

نعم، وكذلك العبد إذا أعتق جازت شهادته (1).
وعن أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا بأس بشهادة الضيف
إذا كان عفيفا صائنا، قال: ويكره شهادة الأجير لصاحبه، ولا بأس
بشهادته لغيره، ولا بأس به له بعد مفارقته (2).
والوجه عندي أن شهادته إن تضمنت تهمة أو جر نفع أو دفع ضرر لم
تقبل، وإلا قبلت، وعليه تحمل الروايات المطلقة المانعة من القبول، كما لو
شهد لصاحب الثوب به إذا استأجره لقصارته أو خياطته أو غيرهما.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا تقبل شهادة السائلين على أبواب الدور
وفي الأسواق (3)، وأطلق. وتبعه ابن البراج (4).
وقال ابن إدريس: قد روي أنه لا يجوز شهادة السائلين على أبواب الدور
وفي الأسواق، وإن كانت شرائط العدالة فيهم حاصلة، وإلا أن ذلك يختص بمن
يكون ذلك عادته وصناعته ويتخذ ذلك حرفة وصناعة وبضاعة، فأما من
أحوجته ضرورة مجحفة في بعض الأحوال فلا ترد شهادته بحال، لأنه لا دليل
على ذلك، وقد أعطينا الرواية الواردة بذلك حقها (5).
والوجه المنع، لما رواه محمد بن مسلم في الموثق، عن الباقر - عليه السلام -
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله - شهادة السائل الذي يسأل في كفه
لا تقبل، قال: قال أبو جعفر الباقر - عليه السلام - لأنه لا يؤمن على الشهادة،
وذلك لأنه إن أعطي رضي وإن منع سخط (6).

(1) الإستبصار: ج 3 ص 21 ح 63، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18 ص 273.
(2) الإستبصار: ج 3 ص 21 ح 64، وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الشهادات ح 3 ج 18 ص 374.
(3) النهاية ونكتها: ج 2 ص 53.
(4) المهذب: ج 2 ص 558.
(5) السرائر: ج 2 ص 122.
(6) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 243 ح 608، وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الشهادات ح 2 ج 18 ص 281.
486

وفي الصحيح عن علي بن جعفر، عن أخيه الكاظم - عليه السلام - قال:
سألته عن السائل في كفه هل تقبل شهادته؟ فقال: كان أبي - عليه السلام - لا
تقبل شهادته إذا سأل في كفه (1).
ولأنه متهم، لأن من هذا شأنه لا يوثق بقوله، لاستهانة نفسه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا تجوز الشهادة ولد الزنا، فإن عرفت منه
عدالة قبلت شهادته في الشئ الدون (2).
وقال في الخلاف: شهادة ولد الزنا لا تقبل وإن كان عدلا (3).
وقال في المبسوط: شهادة ولد الزنا مقبولة عند قوم في الزنا وغيره، وهو قوي،
لكن أخبار أصحابنا تدل على أنه لا تقبل شهادته (4).
وقال ابن الجنيد: ولد الزنا قال النبي - صلى الله عليه وآله -: (إنه شر
الثلاثة) ولا خلاف إن الاثنين غير مقبول شهادتهما وهو شرهم، فهو أيضا غير
مقبول شهادته، ولأنه شرهم ما (5) تقبل شهادة أبويه إذا تابا، وشهادته غير
مقبولة وإن استقامت طريقته، وبذلك قال أمير المؤمنين وأبو جعفر وأبو عبد الله
- عليهم السلام - وعمر بن عبد العزيز، وحكي عن يحيى بن سعيد ومالك نحو
ذلك.
وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية القول: بأن شهادة ولد الزنا
لا تقبل وإن كان على ظاهر العدالة (6). وأطلق ابن البراج (7) المنع من قبول

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 244 ح 609، وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18
ص 281.
(2) النهاية ونكتها: ج 2 ص 53.
(3) الخلاف: ج 6 ص 309 المسألة 57.
(4) المبسوط: ج 8 ص 228، وفيه: (ولد الزنا مقبولة إذا كان عدلا).
(5) ق 2: إذ.
(6) الإنتصار: ص 247.
(7) المهذب: ج 2 ص 557.
487

شهادة ولد الزنا. وابن حمزة (1) وافق الشيخ في النهاية.
وقال ابن إدريس: لا تجوز شهادة ولد الزنا، لأنه عند أصحابنا كافر
بإجماعهم عليه (2).
والوجه المنع من قبول شهادته مطلقا.
لنا: إن شهادة من المناصب الجليلة وهو ناقص فلا يليق به كالإمامة،
فكما لا يشرع له أن يكون إماما فكذا هنا.
وما رواه أبو بصير، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن ولد الزنا
أتجوز شهادته؟ قال: لا، قلت: إن الحكم يزعم أنها تجوز، قال: اللهم لا تغفر
ذنبه (3). وهذا الدعاء يدل على أن الإفتاء بقبول شهادته من الذنوب
العظيمة.
وعن محمد بن مسلم في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا تجوز
شهادة ولد الزنا (4).
وفي الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
شهادة ولد الزنا، قال: لا، ولا عبد (5).
وعن عبيد بن زرارة عن الباقر - عليه السلام - قال: سمعته يقول: لو أن
أربعة شهدوا عندي على رجل بالزنا وفيهم ولد زنا لحددتهم جميعا، لأنه لا تجوز

(1) الوسيلة: ص 230.
(2) السرائر: ج 2 ص 122.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 244 ح 610، وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18
ص 275.
(4) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 244 ح 613، وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الشهادات ح 3 ج 18
ص 276.
(5) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 244 ح 612، وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الشهادات ح 6 ج 18
ص 277.
488

شهادته ولا يؤم الناس (1).
وقد احتج السيد المرتضى بإجماع الطائفة عليه، ثم اعترض على نفسه:
بأن ظواهر الآيات تقتضي قبول شهادة ولد الزنا إذا كان عدلا، ثم أجاب:
بأنه موضع لطيف لا بد من تحقيقه، قال: وقد حققناه في مسألة أمليناها
قديما في الخبر الذي يروى (بأن ولد الزنا لا يدخل الجنة) وبسطنا القول
فيها، لأن ولد الزنا لا يتعدى إليه ذنب من خلق من نطفته وله حكم نفسه، فما
المانع من أن يكون عدلا مرضيا عند الله تعالى، ومعنى ذلك: أن يكون الله تعالى
قد علم في من خلق من نطفة زنى ألا يختار هو الخير والصلاح، فإذا علمنا
بدليل قاطع عدم نجابة ولد الزنا وعدالته وشهد وهو يظهر العدالة (2) مع غيره لم
يلتفت إلى ظاهر المقتضي لظن العدالة به ونحن قاطعون على خبث باطنة وقبح
سريرته فلا تقبل شهادته، لأنه عندنا غير عدل ولا مرضي، فعلى هذا الوجه
يجب أن يقع الاعتماد دون ما تعلق به أبو علي ابن الجنيد - رحمه الله - لأنه قال:
إذا كنا لا نقبل شهادة الزاني والزانية كان ردنا لشهادة من هو شر منهما أولى.
وروي عن النبي - صلى الله عليه وآله - أنه قال في ولد الزنا: (إنه شر الثلاثة)
وهذا خبر غير معتمد، لأن الخبر الذي رواه خبر واحد لا يوجب علما ولا
عملا، ولا يرجع بمثله عن ظواهر الكتابة الموجبة للعلم، وإذا كان معنى قوله
- عليه السلام -: (إنه شر الثلاثة) من حيث لم تقبل شهادته أبدا وقبلت شهادة
الزانيين إذا تابا فقد كان يجب على ابن الجنيد أن يبين من أي وجه لا تقبل
شهادته بعد التوبة من الكفر والرجوع إلى الإيمان، ويبين كيف لم تقبل شهادته
مع إظهار العدالة والصلاح والنسك والعبادة، وأنه بذلك داخل في ظواهر

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 244 ح 614، وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الشهادات ح 4 ج 18
ص 276 وفيهما: (عبيد بن زرارة عن أبيه).
(2) في المصدر: مظهر للعدالة.
489

آيات قبول الشهادة وما شرع في ذلك، ولا أهتدي له. والوجه هو ما نبهنا عليه
الموافق للقول بالعمل بالعدل (1).
وهذا الذي ذكره السيد على طوله ليس دليلا إذ لا أولوية في تواتر الخبر
الذي رواه عن النبي - عليه السلام - في (إن ولد الزنا لا يدخل الجنة) (2) دون
الخبر الذي نقله ابن الجنيد، وكلاهما خبر واحد، ولعله قد كان الخبر الذي
رواه متواترا في زمانه، وليس رد شهادته لكفره كما ذهب إليه ابن إدريس،
بل لنقصه المنافي للمناصب الجليلة.
واحتج الشيخ بما رواه عيسى بن عبد الله، عن الصادق - عليه السلام -
قال: سألته عن شهادة ولد الزنا، فقال: لا تجوز إلا في الشئ اليسير إذا رأيت
منه صلاحا (3).
والجواب: القول بالموجب، فإن قبول شهادته في الشئ اليسير يعطي
المنع من قبول الكثير من حيث المفهوم، ولا يسير إلا وهو كثير بالنسبة إلى ما
دونه، فإذن لا تقبل شهادته إلا في أقل الأشياء الذي ليس بكثير بالنسبة إلى
ما دونه، إذ لا دون له، ومثله لا يتملك.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا بأس بشهادة الأصم، غير أنه يؤخذ بأول
قوله ولا يؤخذ بثانيه (4). وتبعه ابن البراج (5)، وابن حمزة (6).
وقال أبو الصلاح: تقبل شهادة الأعمى والخصي والخنثى والأصم إذا

(1) الإنتصار: ص 247 - 248 - 249 مع اختلاف.
(2) مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 203.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 244 ح 611، وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب الشهادات ح 5 ج 18
ص 276.
(4) النهاية ونكتها: ج 2 ص 55.
(5) المهذب: ج 2 ص 556.
(6) الوسيلة: ص 230.
490

تكاملت شروط العدالة فيهم (1). ولم يشترط الأخذ بأول قولهم.
وقال ابن إدريس: لا بأس بشهادة الأصم، وقد روي أنه يؤخذ بأول قوله
ولا يؤخذ بثانيه (2). وهو يدل على استضعاف ذلك.
والوجه القبول مطلقا، كما قاله أبو الصلاح.
لنا: عموم قوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) (3).
ولأن المناط العدالة، لأنها (4) المثمرة للظن المناسب للقبول الشهادة.
احتج الشيخ بما رواه جميل، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
شهادة الأصم في القتل، قال: يؤخذ بأول قوله ولا يؤخذ بالثاني (5).
والجواب: في الطريق سهل بن زياد، وهو ضعيف. وأيضا القول
بالموجب، فإن الثاني إن كان منافيا للأول ردت شهادته فيه، لأنه رجوع عما
شهد به أولا فلا تقبل، وإن لم يكن منافيا كان شهادة أخرى مستأنفة لا
ثانيا.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: الفاسق إذا شهد على غيره في حال فسقه ثم
أقام الشهادة وهو عدل قبلت شهادته (6)، وأطلق.
وقال ابن إدريس: الفاسق إذا شهد على غيره في أمر من الأمور ما خلا
الطلاق ثم أقام الشهادة وهو عدل قبلت شهادته، وكذلك الكافر. واستثنينا

(1) الكافي في الفقه: ص 436، وليس فيه: (الأصم).
(2) السرائر: ج 2 ص 123.
(3) الطلاق: 2.
(4) في الطبعة الحجرية: ولأنها.
(5) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 255 ح 664، وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب الشهادات ح 3 ج 18
ص 296.
(6) النهاية ونكتها: ج 2 ص 56.
491

الطلاق، لأن جميع ما يشهد به الشاهد المراعى في العدالة والقبول، الشهادة
وقت الأداء دون وقت (1) التحمل، إلا الطلاق فإنه يحتاج إلى العدالة وقت
التحمل ووقت الأداء (2). وهذا الاستثناء من ابن إدريس خطأ.
والتحقيق: يقتضي خلافه، لأنه لا فرق بين الطلاق وغيره في ذلك، فإن
الطلاق لا يشترط فيه العدالة وقت التحمل كغيره، وإنما نشأ غلطه (3) هذا
من توهمه أن الطلاق من شرط صحته إيقاعه بحضور عدلين، وهذا لا يقتضي
تغيير حكمه عن حكم أمثاله من الإيقاعات والعقود وغيرهما، لأن التقدير إن
الشاهد شهد بطلاق صحيح، وإنما يصح الطلاق إذا جمع شرائطه التي من جملتها
سماع عدلين نطقه، فلو كان الفاسق قد سمع الطلاق مع الشاهدين العدلين
ثم شهد به بعد التوبة قبلت شهادته.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: تقبل شهادة من يلعب بالحمام إذا لم يعرف
منه فسق (4). وتبعه ابن البراج (5).
وقال في المبسوط: وأما اللعب بالحمام فإن اقتناها للأنس بها وطلب
فائدتها من فراخ ونقل الكتب من بلد إلى بلد لم يكره ذلك، لما روي أن رجلا
شكى إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله - الوحدة، فقال: اتخذ زوجا من
حمام (6)، وإن اقتناها للعب بها - وهو أن يطيرها تتقلب في السماء (7) ونحو هذا -
فإنه مكروه عندنا (8).

(1) ليس في ق 2 و م 3.
(2) السرائر: ج 2 ص 123 - 124 وفيه: (والقبول للشهادة وقت).
(3) في الطبعة الحجرية: خلطه.
(4) النهاية ونكتها: ج 2 ص 56.
(5) المهذب: ج 2 ص 557.
(6) في المصدر: الحمام.
(7) في المصدر: ان يطيرها في السماء.
(8) المبسوط: ج 8 ص 221 - 222.
492

وقال ابن إدريس: تقبل شهادة المتخذ للحمام غير اللاعب بها والمسابق
والمراهن عليها إذا لم يعرف منه فسق، وقول شيخنا في نهايته: (وتقبل شهادة
من يلعب بالحمام) غير واضح، سماه لا عبا واللعب بجميع الأشياء قبيح فقد
صار فاسقا بلعبه فكيف تقبل شهادته؟! وإنما أورد لفظ الحديث إيرادا لا
اعتقادا وإن كان المقصود باللعب ما ذكرناه وهو: اتخاذها للأنس وحمل الكتب
دون اللعب (1).
فالوجه إن اللعب بذلك مكروه.
لنا: الأصل الجواز.
وما رواه العلا بن سيابة، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
شهادة من يلعب بالحمام، قال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق (2). ولو كان
اللعب فسقا استحال التقييد بذلك.
وبهذا الإسناد قال: سمعته يقول: لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام (3).
مسألة: قال الشيخان: لا تقبل شهادة الابن على الأب (4)، وبه قال ابنا
بابويه (5)، وسلار (6)، وابن البراج (7)، وابن حمزة (8)، وابن إدريس (9).

(1) السرائر: ج 2 ص 124.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 284 ح 784، وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18
ص 305.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 284 ح 785، وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب الشهادات ح 2 ج 18
ص 305.
(4) المقنعة: ص 726، النهاية ونكتها: ج 2 ص 59.
(5) المقنع: ص 133.
(6) المراسم: ص 232.
(7) المهذب: ج 2 ص 558.
(8) الوسيلة: ص 231.
(9) السرائر: ج 2 ص 134.
493

وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الإمامية في هذه الأعصار وإن روي
لها وفاق قديم القول: بجواز شهادة ذوي الأرحام والقرابات بعضهم لبعض إذا
كانوا عدولا من غير استثناء لأحد، إلا ما يذهب إليه بعض أصحابنا معتمدا
على خبر يرويه من أنه: لا يجوز شهادة الولد على الوالد وإن جازت شهادته له (1).
وهذا الكلام يشعر بقبول شهادة الولد على الوالد لا تصريحا. ونقل ابن
إدريس (2) عنه القبول، ولم أقف لابن الجنيد، ولا لابن أبي عقيل على شئ في
ذلك بالنصوصية.
والوجه عندي الأول.
لنا: قوله تعالى: (وصاحبهما في الدنيا معروفا) (3) وليس من المعروف
الشهادة عليه والرد لقوله وإظهار تكذيبه، فيكون ارتكاب ذلك معصية، فلا
تكون الشهادة مقبولة. ولأنه نوع عقوق. ولأن أكثر علمائنا على ذلك فيكون
العمل به أرجح.
واحتج الشيخ في الخلاف (4) عليه بإجماع الطائفة، وقول الشيخ حجة.
احتج السيد المرتضى بعموم قوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم)) (5)
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على
أنفسكم أو الوالدين والأقربين) (6).
وما رواه داود بن الحصين، عن الصادق - عليه السلام - قال: سمعته

(1) الإنتصار: ص 244.
(2) السرائر: ج 2 ص 134.
(3) لقمان: 15.
(4) الخلاف: ج 6 ص 297 المسألة 45.
(5) الإنتصار: ص 245.
(6) النساء: 135.
494

يقول: أقيموا الشهادة على الوالدين والولد (1).
وما رواه علي بن سويد السائي، عن أبي الحسن - عليه السلام - قال: كتب
إلي أبي في رسالته [إلي] وسألته عن الشهادات لهم [قال:] فأقم الشهادة لله
عز وجل ولو على نفسك والوالدين (2) والأقربين (3). في ما بينك وبينهم، فإن
خفت على أخيك ضيما فلا (4).
والجواب: الأمر بالإقامة لا يستلزم قبولها.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا بأس بشهادة الوالد لولده وعليه إذا كان
معه غيره (5) من أهل الشهادة، ولا بأس بشهادة الأخ لأخيه وعليه إذا كان معه
غيره من أهل الشهادة (6)، ولا بأس بشهادة الرجل لامرأته وعليها إذا كان معه
غيره من أهل الشهادة (7)، ولا بأس بشهادتها له وعليه في ما يجوز قبول شهادة
النساء فيه إذا كان معها غيرها من أهل الشهادة (8).
والمفيد - رحمه الله - لم يقيد بل أطلق، وقال في شهادة الزوج: وتقبل شهادة
الرجل لامرأته إذا كان عدلا وشهد معه آخر من العدول، أو حلفت المرأة مع
الشهادة لها في الديون و الأموال (9). ونعم ما قال.

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 257 ح 675، وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب كتاب الشهادات ح 3
ج 18 ص 250.
(2) في المصدر: أو الوالدين.
(3) في المصدر: أو الأقربين.
(4) تهذيب الأحكام ج 6 ص 276 ح 757، وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18
ص 229.
(5) في المصدر: وعليه مع غيره.
(6) في المصدر: الشهادات.
(7) في المصدر: العدالة.
(8) النهاية ونكتها: ج 2 ص 59.
(9) المقنعة: ص 726.
495

ولم يقيد الشيخ في الخلاف (1) والمبسوط (2) أيضا، وكذا أبو الصلاح (3). وأما
ابن البراج (4)، وابن حمزة (5) فإنهما قيدا أيضا كالشيخ. وقال ابن إدريس (6)
بالإطلاق أيضا، وبه قال ابن أبي عقيل. وهو المعتمد، للأصل.
وما رواه عمار بن مروان، عن الصادق - عليه السلام - قال: سأله بعض
أصحابنا عن الرجل يشهد لامرأته، قال: إذا كان خيرا جازت شهادته
لامرأته (7).
وفي الصحيح عن الحلبي قال: قال أبو عبد الله - عليه السلام -: تجوز
شهادة الولد لوالده والوالد لولده والأخ لأخيه (8).
وعن أبي بصير، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن شهادة الولد
لوالده والوالد لولده والأخ لأخيه، فقال: تجوز (9).
والشيخ - رحمه الله - تبع الرواية التي رواها الحلبي في الصحيح، عن
الصادق - عليه السلام قال: تجوز شهادة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها إذا كان

(1) الخلاف: ج 6 ص 299 المسألة 49.
(2) المبسوط: ج 8 ص 220.
(3) الكافي في الفقه: ص 436.
(4) المهذب: ج 2 ص 557.
(5) الوسيلة: ص 231.
(6) السرائر: ج 2 ص 134.
(7) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 247 ح 628، وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الشهادات ح 2 ج 18
ص 269.
(8) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 247 ح 630، وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18
ص 270.
(9) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 248 ح 632، وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الشهادات ذيل الحديث
3 ج 18 ص 271.
496

معها غيرها (1).
وعن سماعة قال: سألته عن شهادة الوالد لولده والولد لوالده والأخ
لأخيه؟ قال: نعم، وعن شهادة الرجل لامرأته؟ قال: نعم: والمرأة لزوجها؟
قال: لا، إلا أن يكون معها غيرها (2).
والجواب: المراد بذلك كمال البينة من غير يمين.
مسألة: اختلف علماؤنا في شهادة العبد (3) على طرفين وواسطة.
أما أحد الطرفين: فهو المنع من قبول شهادتهم على حر من المؤمنين مطلقا
وهو قول أبي علي ابن الجنيد، واحترزنا بالحر عن العبد فإنه قبل شهادة العبد
على مثله، وبالمؤمنين عن الكفار فإنه قبل شهادة العبد على سائر أهل الملل.
وأطلق ابن أبي عقيل المنع فقال: لا تجوز شهادة العبيد والإماء في شئ من
الشهادات. وهذا أعم إطلاقا في المنع من ابن الجنيد.
الثاني: القبول مطلقا، وقد نقل شيخنا نجم الدين أبو القاسم جعفر بن سعيد
- رحمه الله - عن بعض علمائنا ذلك (4).
وأما الواسطة: فقد اختلف علماؤنا فقال الشيخ في النهاية: تقبل شهادة
العبيد لساداتهم وعلى غير ساداتهم ولهم، ولا يجوز قبول شهادتهم على
ساداتهم (5). وهو قول شيخنا المفيد (6) - رحمه الله - و السيد المرتضى (7) وسلار (8)،

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 247 ح 627، وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18
ص 269.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 247 ح 629، وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الشهادات ح 4 ج 18
ص 271 و ب 25 ح 3 ج 18 ص 270.
(3) في الطبعة الحجرية: العبيد.
(4) الشرائع الإسلام: ج 4 ص 131.
(5) النهاية ونكتها: ج 2 ص 59، مع اختلاف.
(6) المقنعة: ص 726.
(7) الإنتصار: ص 246.
(8) المراسم: ص 232.
497

وابن البراج (1)، وابن حمزة (2)، وابن زهرة (3)، وابن إدريس (4).
وقال أبو الصلاح: لا تقبل على سيده ولا لسيده، وتقبل على غيره من
المسلمين (5).
وقال الصدوق وأبوه: لا بأس بشهادة العبد إذا كان عدلا لغير سيده (6).
وهو يعطي المنع مما عدا ذلك من حيث المفهوم لا المنطوق.
وقد روى الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه، عن الصادق - عليه
السلام - العبد إذا شهد على شهادة ثم أعتق جازت شهادته إذا لم يردها الحاكم
قبل أن يعتق، وقال - عليه السلام -: إن أعتق العبد لموضع الشهادة لم تجز
شهادته (7).
وقال - رحمه الله - أما قوله: ((إذا لم يردها الحاكم قبل أن يعتق) فإنه يعنى
به: أن يردها لفسق أو حال (8) يجرح عدالته لا لأنه عبد، لأن شهادة العبد
جائزة، وأول من رد شهادة المملوك عمر. وأما قوله - عليه السلام -: (أن أعتق
المملوك (9) لموضع الشهادة لم تجز شهادته) كأنه يعني: إذا كان شاهدا لسيده،

(1) المهذب: ج 2 ص 557.
(2) الوسيلة: ص 230.
(3) لم نعثر عليه في الغنية (الجوامع الفقهية)، حيث قال فيه (ص 562 س 34): (وتقبل شهادة
العبيد لكل واحد عليه إلا في موضع نذكره) ولم يذكره.
(4) السرائر: ج 2 ص 135.
(5) الكافي في الفقه: ص 435.
(6) المقنع: ص 133.
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 45 ح 3295، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الشهادات ح 13
ج 18 ص 257.
(8) في المصدر: لفسق ظاهر أو حال.
(9) في المصدر: العبد.
498

فأما إذا كان شاهدا لغير سيده جازت شهادته، عبدا كان أو معتقا إذا كان
عدلا (1).
وروي أيضا عن محمد بن مسلم، عن الباقر - عليه السلام -: قال: لا تجوز
شهادة العبد المسلم على الحر المسلم (2).
ثم قال: يعني: لغير سيده (3).
والشيخ - رحمه الله - في الاستبصار صدر باب الشهادة المملوك بأخبار مطلقة
تدل على قبول شهادته، ثم روى المنع من قبول شهادته على الحر المسلم. ثم
تأول بأمرين: الحمل على التقية، وعلى أن شهادة المماليك لا تقبل لمواليهم
وتقبل لمن عداهم لموضع التهمة وجرهم إلى مواليهم (4). وهذا التأويل يعطي أنه
لا تقبل شهادته لمولاه.
ثم روي في الصحيح عن الحلبي، عن الصادق - عليه السلام - في رجل
مات وترك جارية ومملوكين فورثهما (5) أخ له فأعتق العبدين وولدت الجارية
غلاما فشهدا بعد العتق إن مولاهما كان أشهدهما أنه كان يقع على الجارية وإن
الحبل منه، قال: تجوز شهادتهما ويردا عبدين كما كانا (6).
ثم قال: فلا ينافي ما قدمناه من أن شهادة المماليك لا تقبل لمولاه ولا
عليه - لأن الشهادة إنما جازت في الوصية خاصة، وجرى ذلك مجرى شهادة

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 45 ذيل الحديث 3295.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 41 ح 3284 وفيه: (تجوز)، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب
الشهادات ح 12 ج 18 ص 256.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 41 ذيل الحديث 3284.
(4) الإستبصار: ج 3 ص 15 - 17 ح 41 - 47 وذيل الحديث 47.
(5) في الإستبصار: فورثها.
(6) الإستبصار: ج 3 ص 17 ح 50، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الشهادات ح 7 ج 18 ص 255.
499

أهل الكتاب في الوصية من أنها تقبل ولا تقبل في ما عداها، وذلك عند عدم
المسلمين (1).
ثم تأول قوله - عليه السلام: (إن أعتق لموضع الشهادة لم تجز شهادته)
بالحمل على أنه إذا كان أعتقه مولاه ليشهد له لم يجز شهادته (2). وهذا تصريح
منه في هذا الكتاب بالمنع من قبول شهادة العبد لمولاه وعليه، وكذا قال في
التهذيب (3).
واستدل السيد المرتضى بإجماع الطائفة، ثم قال: ولا اعتبار بمن شذ أخيرا
عنها (4)، وظواهر الآيات الشاهدة في الكتاب مثل قوله تعالى: (وأشهدوا ذوي
عدل منكم) وهو عام في العبيد إذا كانوا عدولا وغيرهم، ولا يلتفت إلى ما
يروى مما يخالف هذه الظواهر من الطرق الشيعية ولا الطرق العامية وإن
كثرت، لأنها تقتضي الظن ولا تنتهي إلى العلم، وهذه الظواهر التي ذكرناها
توجب العلم ولا يرجع عنها بما يقتضي الظن، وهذه الطريقة هي التي يجب
الرجوع إليها والتعويل عليه، وهي مزيلة لكل شعب في هذه المسألة. ولو كنا
ممن يثبت الأحكام بالاستدلالات كان لنا أن نقول: إذا كان العبد العدل
بلا خلاف تقبل شهادته [على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في روايته
عنه فلأن تقبل في شهادته] على غيره أولى، وكان أبو علي ابن الجنيد - من جملة
أصحابنا - يمنع من شهادة العبد وإن كان عدلا، ولما تكلم على ظواهر الآيات
في الكتاب التي تعم العبد والحر ادعي تخصيص الآيات بغير دليل، وزعم أن

(1) الإستبصار: ج 3 ص 17 ذيل الحديث 50.
(2) الإستبصار: ج 3 ص 18 ذيل الحديث 51.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 251 ذيل الحديث 643.
(4) في المصدر: عنهم.
500

العبد من حيث لم يكن كفوا للحر في دمه وكان ناقصا عنه في أحكامه لم يدخل
تحت الظواهر. وقال أيضا: إن النساء قد يكن أقوى عدالة من الرجال، ولم
تكن شهادتهن مقبولة في كل ما يقبل فيه شهادة الرجال. قال: وهذا منه غلط
فاحش، لأنه إذا ادعى أن الظواهر اختصت بمن تتساوى أحكامه في الأحرار
كان عليه الدليل، لأنه ادعى ما يخالف فيه، ولا يجوز رجوعه في ذلك إلى
أخبار الآحاد، لما بينا في ذلك، فأما النساء فغير داخلات في مثل قوله تعالى:
(ذوي عدل منكم)) وقوله تعالى: (شهيدين من رجالكم) فإنما أخرجنا النساء
من هذه الظواهر لأنهن ما دخلن فيه، والعبيد العدول داخلون فيها بلا خلاف،
ويحتاج في إخراجهم إلى دليل (1).
والوجه ما قاله الشيخ في النهاية.
لنا: على القبول ما رواه عبد الرحمان بن الحجاج في الحسن، عن الصادق
- عليه السلام - قال: قال أمير المؤمنين - عليه السلام -: لا بأس بشهادة المملوك إذا
كان عدلا (2).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم، عن الباقر - عليه السلام - قال: تجوز
شهادة العبد المسلم على الحر المسلم (3). وغيرهما من الأخبار - (4) الدالة على
القبول مطلقا. وأما لساداتهم فلما يأتي في التهذيب من الحديث.

(1) الإنتصار: ص 246 - 247، مع اختلاف.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 248 ح 634، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18
ص 253.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 249 ح 636، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الشهادات ح 5 ج 18
ص 254.
(4) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 248 ح 633 و 635، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الشهادات ح 2 و 3
ج 18 ص 254.
501

احتج الشيخ على المنع من قبولها لساداتهم بما رواه إسماعيل بن أبي زياد،
عن الصادق، عن الباقر عن علي - عليهم السلام - أن العبد إذا شهد ثم أعتق
جازت شهادته إذا لم يردها الحاكم قبل أن يعتق، وقال علي - عليه السلام -:
وإن أعتق العبد للشهادة لم تجز شهادته (1).
والذي تأوله الشيخ جيد، ولاشتماله على تهمة وجر نفع ودفع ضرر، فإن
المملوك غالبا محكوم عليه.
احتج ابن الجنيد بما رواه محمد بن مسلم، عن الباقر - عليه السلام -: قال لا
تجوز شهادة العبد المسلم على الحر المسلم (2).
وبما رواه محمد بن مسلم في الصحيح، عن أحدهما - عليهما السلام - قال:
تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب، وقال: العبد المملوك
لا تجوز شهادته (3).
والجواب: والتأويل بما ذكره الشيخ - رحمه الله - واحتج من قبلها مطلقا
بالأخبار الدالة على القبول، والجواب المطلق قد يقيد والعام قد يخصص
لدليل، وقد ذكرناه.
تذنيب: قال الشيخ في النهاية: لو (4) أشهد رجل عبدين له على نفسه بالإقرار
بوارث فردت شهادتهما وحاز الميراث غير المقر له فأعتقهما بعد ذلك ثم شهدا

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 250 ح 643، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الشهادات ح 13 ج 18
ص 257.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 249 ح 637، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الشهادات ح 12 ج 18
ص 256.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 249 ح 638، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الشهادات ح 10 ج 18
ص 256.
(4) في المصدر: إذا.
502

للمقر قبلت شهادتهما له ورجع بالميراث على من كان أخذه ورجعا عبدين،
فإن ذكرا أن مولاهما كان أعتقهما في حال ما كان أشهدهما لم يجز للمقر له أن
يردهما في الرق وتقبل شهادتهما في ذلك، لأنهما أحييا حقه (1). وتبعه ابن
البراج (2).
وقال ابن إدريس: هذا غير واضح ولا مستقيم، لأن هذه الشهادة الأخيرة
تكون شهادة على سيدهما، وقد بينا أنه لا يجوز شهادة العبيد على ساداتهم (3).
والشيخ - رحمه الله - استدل على الحكم الأول بما رواه الحلبي في الصحيح،
عن الصادق - عليه السلام - في رجل مات وترك جارية ومملوكين فورثهما أخ له
فأعتق العبدين وولدت الجارية غلاما فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان
أشهدهما أنه كان يقع على الجارية وأن الحبل (4) منه، قال: تجوز شهادتهما
ويردا (5) عبدين كما كانا (6).
وهذا يدل على ما اخترناه من قبول شهادة العبد لسيده والمنع من شهادته
على سيده، وإلا لم يكن لقيد العتق فائدة. وما ذكره الشيخ في النهاية من أنه:
(لا يجوز له تملكهما إذا شهدا بأن مولاهما أعتقهما) فمبني على أن شهادته لمولاه
لا تقبل، فإنه حينئذ لا تقبل شهادتهما له، وإلا دار.
مسألة: تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين في الوصية خاصة عند عدم
المسلمين، ولا تجوز شهادتهم ولا شهادة غيرهم من الكفار في غير ذلك

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 59 - 60.
(2) المهذب: ج 2 ص 557.
(3) السرائر: ج 2 ص 136.
(4) في المصدر: الحمل.
(5) في المصدر: ويردان.
(6) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 250 ح 642، وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الشهادات ح 7 ج 18
ص 255.
503

للمسلمين ولا للكفار ولا على الفريقين، سواء اتفقت ملتهم أو اختلفت. وهو
الظاهر من إطلاق كلام شيخنا المفيد - رحمه الله - حيث قال: ولا تقبل شهادة
بدعي على محق، ولا شهادة الفاسق، وتقبل شهادة رجلين من أهل الذمة على
الوصية خاصة إذا لم يكن حضر الميت أحد من المسلمين وكان الذميان من
عدول قومهما، ولا تقبل شهادتهما مع وجود المسلمين (1). وكذا قال ابن أبي
عقيل.
وقال الشيخ في النهاية: تجوز شهادة بعضهم على بعضهم ولهم [و] كل ملة
على أهل ملته خاصة ولهم، ولا تقبل شهادة أهل ملة منهم لغير أهل ملتهم ولا
عليهم (2).
وقال في الخلاف: قال قوم: لا تجوز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض،
سواء اتفقت مللهم أو اختلفت - مثل: شهادة اليهود على اليهود أو على
النصارى - وبه قال مالك والشافعي وأحمد، وقال آخرون: تقبل شهادة بعضهم
على بعض، سواء اتفقت مللهم أو اختلفت، وبه قال الثوري وأبو حنيفة،
وذهب الشعبي والزهري وقتادة إلى أنه إن كانت الملة واحدة - كاليهود على
اليهود - قبلت، وإن اختلفت ملتهم لم تقبل - كاليهود على النصارى - وهذا الذي
ذهب إليه أصحابنا. دليلنا: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق
بنبأ فتبينوا) فأمر بالتثبت في نبأ الفاسق، والكافر فاسق. وروى ابن عثمان
قال: سألت معاذ بن جبل عن شهادة اليهودي على النصراني، فقال: سمعت
النبي - صلى الله عليه وآله - يقول: لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينهم،
إلا المسلمين فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم، وهو الذي اخترناه.

(1) المقنعة: ص 726 و 727.
(2) النهاية ونكتها: ج 2 ص 62.
504

والوجه فيه إذا اختاروا الترافع إلينا فأما إذا لم يختاروا فلا يلزمهم ذلك (1).
وقال في المبسوط: لا خلاف أن شهادة أهل الذمة لا تقبل على المسلم، إلا
ما ينفرد به أصحابنا في الوصية خاصة في حال السفر عند عدم المسلم. فأما
قبول شهادة بعضهم على بعض فقال قوم: لا تقبل بحال لا على مسلم ولا على
مشرك اتفقت ملتهم أو اختلفت، وفيه خلاف، ويقوى في نفسي أنه لا تقبل
بحال، لأنهم كفار فساق، ومن شرط الشاهد أن يكون عدلا (2). وتبعه ابن
إدريس (3).
وقال ابن البراج: لا تجوز قبول شهادة أهل الملل المختلفة بعضها على بعض،
بل تقبل شهادة أهل الملة الواحدة بعضهم على بعض، إلا المسلمون فإن
شهادتهم مقبولة على الجميع، وقد ذكر أن شهادة الكافر على مثله وعلى غيره غير
مقبولة، وهو الأقوى، لأن العدالة معتبرة في الشهادة، والكافر غير عدل (4).
وقال ابن الجنيد: لا تجوز شهادة أهل الملل على أحد من المسلمين، إلا في
الوصية في السفر وعند عدم المسلمين، وشهادة أهل العدالة في دينهم جائزة من
بعضهم على بعض وإن اختلفت الملتان.
وقال أبو الصلاح: ولا تقبل شهادة ذمي على مسلم ولا غيره (5).
لنا: قوله تعالى: (أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) (6) أمر بالتثبت (7) عند
إخبار الفاسق، والكافر فاسق.

(1) الخلاف: ج 6 ص 272 المسألة 22، مع اختلاف.
(2) المبسوط: ج 8 ص 187.
(3) السرائر: ج 2 ص 140.
(4) المهذب: ج 2 ص 557.
(5) الكافي في الفقه: ص 436، وليس فيه: (ولا غيره).
(6) الحجرات: 6.
(7) ق 2 و م 3: بالتبيين.
505

ولأنه أولى بالرد، خرج منه الشهادة بالوصية عند عدم المسلمين، للنص.
ولأنه محل الحاجة، ولا يمكن استدراكه، فيبقى الباقي على المنع.
وما رواه ضريس الكناسي، عن الباقر - عليه السلام - قال: سألته عن
شهادة أهل ملة هل تجوز على رجل من غير أهل ملتهم؟ فقال: لا، إلا ألا يوجد
في تلك الحال غيرهم، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية، لأنه لا
يصلح ذهاب حق امرئ مسلم ولا تبطل وصيته (1).
احتج الشيخ بما رواه سماعة، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته عن
شهادة أهل الملة، قال: فقال: لا تجوز إلا على أهل ملتهم، فإن لم يوجد غيرهم
جازت شهادته على الوصية، لأنه لا يصح ذهاب حق أحد (2).
والجواب: المنع من صحة السند، والقول بالموجب، كما اختاره الشيخ في
الخلاف، وهو أنه إذا ترافعوا إلينا وعدلوا الشهود عندهم، فإن الأولى هنا
القبول.
تذنيب: أطلق الشيخ في النهاية (3) والمبسوط (4) والخلاف (5) قبول شهادة أهل
الذمة في الوصية عند عدم المسلمين ولم يقيد بالسفر، وكذا المفيد في المقنعة (6)،

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 253 ح 654، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب أحكام الوصايا ح 1 ج 13
ص 390.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 252 ح 652، وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الشهادات ح 4 ج 18
ص 287 وفيهما: (لأنه لا يصلح).
(3) النهاية ونكتها: ج 2 ص 62.
(4) المبسوط: ج 8 ص 187 وفيه: لا خلاف أن شهادة أهل الذمة لا تقبل على المسلم إلا بما يتفرد به
أصحابنا في الوصية خاصة في حال السفر عند عدم المسلم).
(5) الخلاف: ج 6 ص 272 المسألة 21.
(6) المقنعة: ص 727.
506

وابن أبي عقيل، وسلار (1)، وابن إدريس (2)، وابن البراج (3).
وقال أبو الصلاح: لا تقبل شهادة أحد من أهل الضلال على مسلم، إلا
عدول الذمة في الوصية في السفر خاصة، بشرط عدم أهل الإيمان (4). وهو قول
ابن الجنيد أيضا فإنه قال: لا تجوز شهادة أهل الملل على أحد من المسلمين، إلا
في الوصية في السفر وعند عدم المسلمين.
لنا: إن المناط في القبول عدم المسلمين، إذ لا تأثير للأرض في القبول
وعدمه. وحديث ضريس الكناسي، وقد تقدم.
احتج الآخرون بقوله تعالى: (أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في
الأرض) (5) شرط في القبول الضرب في الأرض، وهو السفر.
وما رواه هشام بن الحكم في الحسن، عن الصادق - عليه السلام - في قول
الله عز وجل: (أو آخران من غيركم) فقال: إذا كان الرجل في أرض غربة ولا
يوجد فيه مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية (6).
في الصحيح عن حمزة بن حمران، عن الصادق - عليه السلام - قال: سألته
عن قول الله عز وجل: (ذوي عدل منكم أو آخران من غيركم) فقال: اللذان
منكم مسلمان، واللذان من غيركم من أهل الكتاب، قال: وإنما ذلك إذا
مات الرجل المسلم في أرض غربة فيطلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيته
فلم يجد مسلمين أشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند

(1) المراسم: ص 233.
(2) السرائر: ج 2 ص 139.
(3) المهذب: ج 2 ص 557.
(4) الكافي في الفقه: ص 436.
(5) المائدة: 106.
(6) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 252 ح 653، وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الشهادات ح 3 ج 18
ص 287.
507

أصحابهم (1).
والجواب: التقييد في الآية والأخبار: لأنه خرج مخرج الأغلب لا من
حيث إنه شرط، لما تقدم.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا يجوز أن يمتنع الإنسان من الشهادة إذا
دعي إليها ليشهد إذا كان من أهلها (2). فأوجب التحمل.
ونص أيضا في المبسوط على وجوب التحمل، وأنه من فروض الكفايات،
وقد يتعين إذا لم يكن هناك غيره (3).
وقال ابن الجنيد: ولا أختار للشاهد أن يمتنع من الشهادة إذا دعي إليها ولم
يحضر بالمكان من يقوم بها سواه، فإن حضر وسعه أن يتجاحد، فإذا شهد لم يكن
له أن يتأخر إن دعي إلى إقامتها، إلا أن يعلم بها حدث.
وقال المفيد: لا يجوز للشاهد أن يشهد قبل أن يسأل، ولا يجوز له كتمان
الشهادة إذا سئل، إلا أن تكون شهادته تبطل حقا، وليس لأحد أن يدعى إلى
شئ ليشهد به أو عليه فيمتنع من الإجابة إلى ذلك، إلا أن يكون حضوره يضر
بالدين أو بأحد من المسلمين ضررا لا يستحقه في الحكم فله الامتناع من
الحضور (4). وهو نص أيضا في وجوب التحمل.
وقال أبو الصلاح: يلزم من دعي من أهل الشهادة إلى تحملها أو إقامة ما
تحمله منها الإجابة إلى ذلك إذا كان تحمله عن إشهاد (5).
وقال سلار: لا يجوز له أن يمتنع من تحمل الشهادة، إلا أن يضر بالدين أو

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 253 ح 655، وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب أحكام الوصايا ح 7
ج 13 ص 392.
(2) النهاية ونكتها: ج 2 ص 56.
(3) المبسوط: ج 8 ص 186.
(4) المقنعة: ص 728، مع اختلاف.
(5) الكافي في الفقه: ص 436.
508

بأحد من المؤمنين (1).
وقال ابن البراج: لا يجوز لأحد الامتناع من الشهادة إذا دعي إليها إذا
كان من أهل الشهادة والعدالة، إلا أن يكون في حضوره لذلك وشهادته ضرر
بشئ يتعلق بدين أو فيه مضرة لأحد من المؤمنين (2).
وقال ابن زهرة: واعلم أن من دعي إلى تحمل الشهادة وهو من أهلها فعليه
الإجابة، لقوله تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) (3).
وقال ابن إدريس: وقد يستشهد بعض أصحابنا بهذه الآية - يعني: ولا يأب
الشهداء - على وجوب التحمل، والذي يقوى في نفسي أنه لا يجب التحمل،
وللإنسان أن يمتنع من الشهادة إذا دعي إليها ليتحملها، إذ لا دليل على وجوب
ذلك عليه، وما ورد في ذلك فهو أخبار آحاد، والاستدلال بالآية ضعيف،
لأنه سماهم شهداء، وإنما يسمى بعد التحمل، وإلى هذا القول ذهب شيخنا في
مبسوطه (4).
والوجه الأول:
لنا: قوله تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) (5) وقول ابن إدريس أنه
بعد التحمل، وإلا لزم المجاز خطأ، لأن الآية وردت في معرض الإرشاد
بالإشهاد، لأنه تعالى أمر بالكتابة حال المداينة، ونهي الكاتب عن الإباء، ثم
أمر بالإشهاد، ونهى الشهداء عن الإباء.
وأيضا فقد روي هشام بن سالم، عن الصادق - عليه السلام - في قول الله
عز وجل: ولا يأب الشهداء قال: قبل الشهادة، وقوله تعالى: (ومن يكتمها فإنه

(1) المراسم: ص 234.
(2) المهذب: ج 2 ص 560.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 563 س 16.
(4) السرائر: ج 2 ص 125 - 126، مع اختلاف.
(5) البقرة: 282.
509

آثم قلبه)) قال: بعد الشهادة (1). وهو نص في الباب، وتصريح بحمل الآية على
التحمل لا الأداء.
وما رواه أبو الصباح في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - في قوله
تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) قال: لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى
شهادة ليشهد عليها أن يقول: لا أشهد لكم عليها (2).
وعن جراح المدائني، عن الصادق - عليه السلام - قال: إذا دعيت إلى
الشهادة فأجب (3).
وعن سماعة، عن الصادق - عليه السلام - في قول الله عز وجل: (ولا يأب
الشهداء إذا ما دعوا) فقال: لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة يشهد عليها أن
يقول: لا أشهد لكم (4).
وعن محمد بن الفضيل في الصحيح، عن أبي الحسن - عليه السلام - في قول
الله عز وجل: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) فقال: إذا دعاك الرجل لتشهد
له على دين أو حق لم ينبغ لك أن تقاعس عنه (5).
وعن داود بن سرحان، عن الصادق - عليه السلام - قال: لا يأب الشاهد

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 275 ح 750، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18
ص 225.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 275 ح 751، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الشهادات ح 2 ج 18
ص 225.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 275 ح 752، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الشهادات ح 3 ج 18
ص 225.
(4) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 275 ح 753، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الشهادات ح 5 ج 18
ص 226.
(5) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 276 ح 754، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الشهادات ح 7 ج 18
ص 226.
510

أن يجيب حين يدعى قبل الكتاب (1).
ولأنه من الأمور الضرورية التي لا ينفك الإنسان عنها، لوقوع الحاجة إلى
المعاملات والمناكحات والطلاق وغير ذلك من الأمور الاضطرارية، فلو لم يجب
تحمل الشهادة أدى ذلك إلى التنازع غالبا وعدم التخلص منه، وذلك مناف
للحكمة فوجب أن يكون واجبا. ونسبة ذلك إلى أنه من أخبار الآحاد مع دلالة
القرآن العزيز عليه واستفاضة الأخبار به وفتوى متقدمي علمائنا به جهل منه
وقلة تأمل.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن شهد على شهادة آخر وأنكر ذلك الشاهد
الأول قبلت شهادة أعدلهما، فإن كانت عدالتهما سواء طرحت شهادة الشاهد
الثاني (2).
وقال في المبسوط: إن سمع الحاكم من الفرع والأصل مريض أو غائب ثم
قدم الغائب وبرئ المريض [لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون بعد حكم
الحاكم أو قبله] فإن كان بعد حكم الحاكم لم يقدح ذلك في حكمه، لأن
حكمه قد نفذ قبل حضور الأصل، وإن كان قبله لم يحكم بشهادة الفرع، لأنه
إنما يحكم بالفرع لتعذر الأصل (3).
وقال علي بن بابويه في رسالته: ولو أنهما حضرا فشهد أحدهما على شهادة
الآخر وأنكر صاحبه أن يكون أشهده على شهادته فإنه يقبل قول أعدلهما، فإن
استويا في العدالة بطلت الشهادة. وكذا قال ابنه الصدوق في المقنع (4).

(1) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 276 ح 755، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الشهادات ح 6 ج 18
ص 226.
(2) النهاية: ونكتها: ج 2 ص 57.
(3) المبسوط: ج 8 ص 233.
(4) المقنع: ص 133 وليس فيه: (فإن استويا في العدالة بطلت الشهادة).
511

وروى الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه في الصحيح، عن عبد الله
بن سنان، عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله، عن الصادق - عليه السلام - في رجل
شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال: إني لم أشهده، قال: تجوز شهادة
أعدلهما، وإن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته (1).
وقال ابن الجنيد: ولو كان عدلا - يعني: شاهد الأصل - ولم يكن يعترف
بعد ذلك فأنكر الشهادة عليه لم يقبل قول شاهد واحد عليه حتى يكونا
شاهدين، فحينئذ لا يلتفت إلى جحوده. وابن البراج (2) اختار مذهب شيخنا
في النهاية.
وقال ابن حمزة: إذا شهد الفرع ثم حصل الأصل لم يخل من وجهين: إما
حكم الحاكم بشهادة الفرع أو لم يحكم، فإن حكم وصدقه الأصل وكان عدلا
نفذ حكمه، وإن كذبه وتساويا في العدالة نقض الحكم، وإن تفاوتا أخذ بقول
أعدلهما، وإن لم يحكم بقوله سمع من الأصل وحكم به (3).
وقال ابن إدريس: من شهد على شهادة آخر وأنكر الشاهد (4) الأول
الأصل روي أنه تقبل شهادة أعدلهما، أورد ذلك شيخنا في نهايته، فإن كانت
عدالتهما سواء طرحت شهادة الشاهد الثاني. وقال علي بن بابويه في رسالته:
(تقبل في هذه الحال شهادة الثاني وتطرح شهادة الأول) وهذا غير مستقيم ولا
واضح، بل الخلاف والنظر في أنه تقبل شهادة أعدلهما فكيف تقبل من الثاني
وهو فرع الأول الأصل (5)؟! فإذا رجع عن شهادته فالأولى أن تبطل شهادة

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 70 ح 3353، وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب الشهادات ح 1
ج 18 ص 299.
(2) المهذب: ج 2 ص 561.
(3) الوسيلة: ص 233 - 234.
(4) في المصدر: وأنكر الشهادة الشاهد.
(5) في المصدر: الأصلي.
512

الفرع، ولأن الفرع يشهد على شئ لا يحققه - أعني: نفس الحق المشهود به -
فكيف ينتزع الحاكم المال بهذه الشهادة وهو ما شهد عنده على نفس الحق
المشهود به من علمه ولا قطع عليه يقينا - أعني: الشاهد الذي هو الفرع -؟! ولا
خلاف أن الفرع يثبت بشهادة الأصل (1).
والوجه أن نقول: إن كان تكذيب الأصل بعد حكم الحاكم نفذ الحكم
ولم يلتفت إلى التكذيب ولا غرم هنا، وإن كان قبل الحكم بطلت شهادة
الفرع.
احتج الشيخ بما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح، عن الصادق - عليه
السلام - في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال: لم أشهده، قال:
فقال: تجوز شهادة أعدلهما، ولو كان أعدلهما واحدا لم تجز شهادته (2).
والجواب: الحمل على ما إذا أنكر بعد الحكم فإنه لا بعد (3) في الحكم حينئذ
بشهادة أعدلهما اعتبارا بقوة الظن، أما قبل الحكم فإن شهادة الفرع تبطل
قطعا. وفي نقل ابن إدريس عن ابن بابويه نظر، نعم قد نقل الشيخ في
الخلاف (4) هذا القول عن بعض أصحابنا.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: الظاهر من المذهب أنه لا تقبل شهادة
الفرع مع تمكن حضور شاهد الأصل، وإنما يجوز ذلك مع تعذره إما بالموت أو
المرض المانع من الحضور أو الغيبة، وبه قال الفقهاء، وفي أصحابنا من قال:

(1) السرائر: ج 2 ص 127.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 256 ح 670، وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب الشهادات ح 3 ج 18
ص 300.
(3) في الطبعة الحجرية: يقدح.
(4) الخلاف: ج 6 ص 314 المسألة 65.
513

يجوز أن يحكم بذلك مع الإمكان. ثم قال دليلنا على الأول: أنه إجماع،
والدليل على جوازه أن الأصل جواز قبول الشهادة على الشهادة وتخصيصها
بوقت دون وقت أو على وجه دون وجه يحتاج إلى دليل. وأيضا روى أصحابنا
أنه إذا اجتمع شاهد الأصل وشاهد الفرع واختلفا فإنه تقبل شهادة أعدلهما،
حتى أن في أصحابنا من قال تقبل شهادة الفرع وتسقط شهادة الأصل، لأنه
يصير الأصل مدعى عليه والفرع بينة المدعي الشهادة على الأصل (1).
وقال في المبسوط: لا يقضى بشهادة الفرع حتى يتعذر على الأصل إقامتها.
فأما إن كان شاهد الأصل موجودا قادرا على شهادة نفسه فالحاكم لا يقضى
بشاهد الفرع، لأنه إذا كان الأصل حاضرا بحث عن حاله وحده، فلو سمع
الفرع افتقر إلى البحث عن حاله وحال الأصل، فلا معنى للبحث عن حال
اثنين مع الاقتصار على واحد (2).
وقال ابن الجنيد: ولا بأس بإقامتها وإن كان المشهود على شهادة حاضرا
في البلد أو غائبا إذا كان له علة تمنعه من الحضور للقيام بها. وهو يشعر باشتراط
عذر الأصل. وكذا قال الشيخ في النهاية (3)، وابن البراج (4).
وقال ابن حمزة: ولا تسمع الشهادة من الفرع مع حضور الأصل، فإذا غاب
الأصل أو كان في حكم الغائب جاز، وهو إذا كان مريضا أو ممنوعا أو تعذر
عليه الحضور (5).
وقد روى الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه، عن محمد بن مسلم،
عن الباقر - عليه السلام - في الشهادة على شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد؟

(1) الخلاف: ج 6 ص 314 المسألة 65، وفيه: (للشهادة على الأصل).
(2) المبسوط: ج 8 ص 232.
(3) النهاية ونكتها: ج 2 ص 57.
(4) المهذب: ج 2 ص 561.
(5) الوسيلة: ص 233.
514

قال: نعم ولو كان خلف سارية، ويجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها لعلة
تمنعه من أن يحضر ويقيمها فلا بأس بإقامة الشهادة على شهادته (1). ورواه
الشيخ في التهذيب (2).
وقال ابن إدريس: الصحيح من أقوال أصحابنا المحصلين: إن شهادة
الفرع ما يجوز إلا بعد تعذر حضور شاهد الأصل (3).
والوجه المشهور.
لنا: الحديث الذي رواه الصدوق فإنه يدل بمفهومه على المنع من
القبول مع إمكان حضور الأصل.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: لا تقبل شهادة النساء على الشهادة إلا في
الديون والأملاك والعقود، فأما الحدود فلا يجوز أن تقبل فيها شهادة على
شهادة، وقال: قوم: لا تقبل شهادة النساء على الشهادة بحال في جميع الأشياء،
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن كان الحق مما يثبت بشهادة النساء
أو لهن مدخل فيه قبلت شهادتهن على الشهادة، وإن كان [مما] لا مدخل لهن
فيه لم تقبل. دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4).
وقال في المبسوط: قال قوم: لا مدخل للنساء في الشهادة على الشهادة،
سواء كان الحق مما يشهد في النساء - كالأموال ونحوها - أو يثبت بالنساء على
الانفراد - كالولادة - أو لا (5) مدخل للنساء فيها - كالنكاح والخلع - وقال

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 71 ح 3357، وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18
ص 297.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 256 ح 672.
(3) السرائر: ج 2 ص 128.
(4) الخلاف: ج 6 س ص 316 المسألة 66
(5) في المصدر: كالولادة والاستهلال أو لا.
515

آخرون: إن كان الحق مما لشهادة النساء فيه مدخل - كالأموال ونحوها - كان
للنساء مدخل في شهادة على الشهادة، وإن لم يكن للنساء فيه مدخل - وهو
القصاص وحد القذف - لم يكن لهن فيه مدخل. والأول عندنا أحوط، والثاني
قوي (1) (2).
وقال ابن الجنيد: وإذا شهد شاهدان على شهادة رجل قاما مقامه في
الشهادة، وكذلك في شهادتهما على شهادة المرأة، وكذلك لو شهد رجل
وامرأتان على شهادتهما أو أربع نسوة فمن في مقامها لا يجزئ غير ذلك.
وقال ابن إدريس: لا مدخل للنساء في الشهادة على الشهادة سواء كان
الحق مما يشهد فيه النساء أو لا يشهدن فيه (3).
والوجه ما قاله الشيخ في الخلاف.
لنا: عموم قول علي - عليه السلام -: (شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا
نكاح ولا في حدود، إلا في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه) (4) فإن
ذلك شامل للشهادة بالأصالة والفرعية، ولأنا قد بينا أن شهادة امرأتين تساوي
شهادة الرجل، فإذا شهد رجلان على رجل جاز أن يشهد أربع نساء على ذلك
الرجل قضية للتساوي.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ولا يجوز أن يقيم إلا على ما يعلم ولا يعول على
ما يجد خطه به مكتوبا، فإن وجد خطه مكتوبا ولم يذكر الشهادة لم يجز له

(1) في المصدر: أقوى.
(2) المبسوط: ج 8 ص 233 - 234.
(3) السرائر: ج 2 ص 128 - 129.
(4) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 281 ح 773، وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الشهادات ح 42 ج 18
ص 267.
516

إقامتها، فإن لم يذكر وشهد معه آخر ثقة جاز له حينئذ إقامة الشهادة (1).
وقال شيخنا المفيد: إذا نسي الشاهد الشهادة أو شك فيها لم يجز له إقامتها،
وإن أحضر كتاب فيه خط يعتقد أنه خطه ولم يذكر الشهادة لم يشهد بذلك،
إلا أن يكون معه رجل عدل يقيم الشهادة فلا بأس أن يشهد معه (2).
وقال ابن الجنيد: ولا أختار لأحد أن يشهد بشهادة في حق لله تعالى
ولا لخلقه إلا بعد التيقن وارتفاع الشكوك عنه في ذلك، ومما يتحرز به الشاهد
على الآدميين أن يكون لشهادته عنده ثبت يرجع إليه، فإن لم يفعل ذلك
وتشكك في خطه إذا أحضره صاحب الحق لم يقم الشهادة، وإن عرف خطه
ونسي الشهادة وكان معه عدل يثق به فذكره وعرفه أنه يشهد معه على الحق
كان له أن يشهد.
وقال علي بن بابويه: وإذا أتى الرجل بكتاب فيه خطه وعلامته ولم يذكر
الشهادة فلا يشهد فإن الخط يتشابه، إلا أن يكون صاحبه ثقة ومعه شاهد آخر
ثقة فليشهد له حينئذ.
وروى الصدوق ابنه في كتاب من لا يحضره الفقيه، عن عمر بن يزيد،
عن الصادق - عليه السلام - قال: قلت له: رجل يشهدني على الشهادة فأعرف
خطي وخاتمي ولا أذكر من الباقي قليلا ولا كثيرا، فقال: إذا كان صاحبك
ثقة ومعك رجل ثقة فاشهد له (3).
وروي أنه لا تكون الشهادة إلا بعلم، من شاء كتب كتابا ونقش

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 58.
(2) المقنعة: ص 728.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 72 ح 3361، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الشهادات ح 1 ج 18
ص 234.
517

خاتما (1).
وقال ابن البراج: إذا أراد إقامة شهادة لم يجز له إقامتها إلا على ما يعلم،
ولا يعتمد على خطه وإن لم يكن ذاكرا للشهادة، فإن لم يذكرها وشهد معه آخر
جاز أن يقيمها والأحوط الأول (2).
وقال سلار: وإن نسي الشهادة أو شك فيها فلا يقيمها، وإذا أحضروا له
كتابا فيه خطه فلا يشهد إلا مع الذكر، اللهم إلا أن يقيم معه عدل آخر
الشهادة فيجوز له حينئذ أن يشهد معه (3). وهذه الأقوال كلها متفقة في جواز
إقامة الشهادة إذا عرف أنه خطه وشهد معه آخر ثقة.
وقال أبو الصلاح: ولا يجوز له أن يتحمل، ولا يقيم شهادة لا (4) يعلم
مقتضاها من أحد طرق العلم، وإن رأي خطه (5). وهذا الإطلاق يقتضي المنع.
وقال ابن إدريس: لا يجوز له إقامة الشهادة، وقول شيخنا في النهاية غير
واضح ولا مستقيم، لقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) وقول الرسول
- صلى الله عليه وآله - لما سئل عن الشهادة: (هل ترى الشمس على مثلها
فاشهد أو دع) (6).
وقال الشيخ في الاستبصار: باب أنه لا يجوز إقامة الشهادة إلا مع
الذكر (7).

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 73 ذيل الحديث 3361.
(2) المهذب: ج 2 ص 561.
(3) المراسم: ص 234.
(4) في الطبعة الحجرية: ألا.
(5) الكافي في الفقه: ص 436.
(6) السرائر: ج 2 ص 131.
(7) الإستبصار: ج 3 ص 21.
518

ثم صدر الباب بما رواه إدريس بن الحسن، عن علي، عن الصادق - عليه
السلام - قال: لا تشهدوا بشهادة حتى تعرفوها كما تعرف كفك (1).
وروى السكوني، عن الصادق - عليه السلام - قال: قال: لا تشهد بشهادة
لا تذكرها، فإنه من شاء كتب كتابا ونقش خاتما (2).
وعن الحسين بن سعيد قال: كتب إليه جعفر بن عيسى: جعلت فداك
جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنهم اشهدوني على ما فيه وفي الكتاب اسمي
بخطي قد عرفته ولست أذكر الشهادة وقد دعوني إليها فأشهد لهم على معرفتي
أن اسمي في الكتاب ولست أذكر الشهادة أو لا يجب لهم الشهادة حتى أذكرها
كان اسمي في الكتاب بخطي أو لم يكن؟ فكتب - عليه السلام - لا تشهد (3).
مع أنه - رحمه الله - إنما يصدر الباب في الكتاب من الأخبار المختلفة بما
يعتقده مذهبا، ثم قال: فأما ما رواه أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن
النعمان، عن حماد بن عثمان، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله - عليه
السلام -: الرجل يشهدني على الشهادة فأعرف خطي وخاتمي ولا أذكر
قليلا (4) ولا كثيرا، قال: فقال لي: إذا كان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد
له. فهذا الخبر ضعيف مخالف للأصول كلها، لأنا قد بينا أن الشهادة لا تجوز
إقامتها إلا مع العلم، وقد قدمنا أيضا الأخبار التي تقدمت من أنه لا تجوز إقامة
الشهادة مع وجود الخط والختم إذا لم يذكرها. والوجه في هذه الرواية أنه إذا
كان الشاهد الآخر يشهد وهو ثقة مأمون جاز له أن يشهد إذا غلب على ظنه.

(1) الإستبصار: ج 3 ص 21 ح 65، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الشهادات ح 3 ج 18 ص 235.
(2) الإستبصار: ج 3 ص 22 ح 66، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الشهادات ح 4 ج 18 ص 235.
(3) الإستبصار: ج 3 ص 22 ح 67، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الشهادات ح 2 ج 18 ص 235.
(4) في المصدر: ولا أذكر من الباقي قليلا.
519

خطه، لانضمام شهادته إليه، وإن كان الأحوط ما تضمنته الأخبار الأولة (1).
والمعتمد ما قاله الشيخ في الاستبصار، ويحمل قول علمائنا المشهور بينهم
وهذه الرواية على ما إذا حصل من القرائن الحالية أو المقالية للشاهد ما استفاد
به العلم، فحينئذ يشهد مستندا إلى العلم الحاصل له، لا باعتبار الوقوف على
خطه ومعرفته به.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ومن علم شيئا من الأشياء ولم يكن قد أشهد
عليه ثم دعي إلى أن يشهد كان بالخيار في إقامتها، وفي الامتناع منها، اللهم إلا أن
يعلم أنه إن لم يقمها (2) بطل حق مؤمن فحينئذ يجب عليه إقامة الشهادة (3).
وقال ابن الجنيد: وإذا حضر الإنسان حساب اثنين فأقر أحدهما لآخر
بشئ ثم جحده إياه فاحتيج إلى شهادة الحاضر كان ذلك إلى الشاهد، إن
شاء حكى ما حضر من غير أن يثبت الشهادة، وإن شاء تأخر، لأن صاحب
الحق لم يستدعه (4) للشهادة
وقال أبو الصلاح: يلزم من دعي من أهل الشهادة إلى تحملها أو إقامة ما
تحمله منها الإجابة إلى ذلك إذا كان تحمله عن إشهاد، ولا يجوز له أن يشهد
حتى يستشهد، وهو مخير فيما يسمعه ويشاهده بين تحمله وإقامته وتركهما (5). وهذا
يوافق كلام شيخنا - رحمه الله -.
وابن البراج (6) وافق كلام الشيخ في النهاية، وهو الظاهر من كلام ابن

(1) الإستبصار: ج 3 ص 22 ذيل الحديث 68.
(2) في الطبعة الحجرية و م 3: يقيمها.
(3) النهاية ونكتها: ج 2 ص 58.
(4) في الطبعة الحجرية: يستر عنه.
(5) الكافي في الفقه: ص 436.
(6) المهذب: ج 2 ص 561.
520

حمزة (1) وقال ابن إدريس: يجب عليه الأداء، لقوله تعالى: (ومن يكتمها فإنه
آثم قلبه) ولا يكون بالخيار في إقامتها (2).
والتحقيق: أنه لا نزاع في المعنى هنا، لأن الشيخ قصد بالجواز، والخيار من
حيث إنه فرض كفاية يجوز له تركه إذا قام غيره مقامه، ولهذا إذا لم يقم غيره
مقامه وخاف لحوق ضرر بإبطال الحق وجب عليه إقامة الشهادة، فإن قصد
ابن إدريس الوجوب هنا عينا فهو ممنوع. نعم في الحقيقة لا يبقى فرق بين أن
يشهد من غير استدعاء وبين أن يشهد معه.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا شهد لصاحب الدين شاهد واحد قبلت
شهادته وحلف مع ذلك وقضي له به وذلك في الدين خاصة، ولا يجوز قبول
شهادة واحد والحكم بها في الهلال والطلاق والحدود والقصاص وغير ذلك من
الأحكام (3). وظاهر هذا الكلام يقتضى تخصيص القبول بالدين خاصة.
وقال الشيخ في الخلاف: يحكم بالشاهد واليمين في الأموال، فلو ادعى
جارية وولدها بأنها أم ولده وولدها منه استولدها منه في ملكه وأقام شاهدا
واحدا وحلف حكم له بالجارية وسلمت إليه، وكانت أم ولده باعترافه، ولا
يحكم له بالولد أصلا، ويبقى في يد من هو في يده. ولو ادعى أن العبد الذي في
يد زيد غصبه منه وأنه كان قد أعتقه لم يحكم له بالشاهد واليمين (4).
وقال في المبسوط: يجوز القضاء بالشاهد الواحد مع يمين المدعي في ما كان
مالا كالقرض والغصب والدين وقضائه وأداء مال الكتابة، أو المقصود منه

(1) الوسيلة: ص 232.
(2) السرائر: ج 2 ص 132.
(3) النهاية ونكتها: ج 2 ص 63.
(4) الخلاف: ج 6 ص 254 المسألة 7 و ص 283، 284 المسألة 29، 30.
521

المال كعقود المعاوضات كالبيع والصرف والسلم والصلح والإجارة والقراض
والمساقاة والهبة والوصية له، والجناية التي توجب المال كالخطأ وعمد الخطأ،
وعمد يوجب المال كقتل ولده أو عبد غيره أو اجافة أو قطع يده من وسط
الساعد. وما لا يكون مالا ولا المقصود منه المال لا يثبت بالشاهد واليمين
كالنكاح والخلع والطلاق والرجعة والقذف والقصاص والقتل الموجب للقود
والنسب والعتق والولاء والتدبير والوكالة والتوكيل والوصية إليه والوديعة عنده،
كل هذا لا يثبت بالشاهد واليمين، وكذا الرضاع والولادة والاستهلال والعيوب
تحت الثياب (1).
وقال سلار: تقبل شهادة رجل واحد في هلال رمضان وفي الديون مع يمين
المدعي (2).
وقال المفيد: يجب الحكم بشهادة الواحد مع يمين المدعي في الأموال،
بذلك قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله - (3).
وقال ابن الجنيد: وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وآله - قضى بشاهد
واحد ويمين المدعي، وألزم الحق المدعى عليه، وذلك في الأموال وما جرى
مجراها دون الحدود.
وقال أبو الصلاح: تقوم شهادة الواحد ويمين المدعي في الديون خاصة مقام
الشهادة الكاملة (4).
وقال ابن إدريس: يقبل الشاهد الواحد مع يمين المدعي في كل ما كان
مالا أو المقصود منه المال، وقد رجع الشيخ عن قوله في النهاية في استبصاره
ومسائل خلافه ومبسوطه، وهو الصحيح الحق اليقين، لأنه مذهب جميع

(1) المبسوط: ج 8 ص 189، مع اختلاف.
(2) المراسم: ص 233.
(3) المقنعة: ص 727.
(4) الكافي في الفقه: ص 438.
522

أصحابنا (1).
واعلم أنه لا منافاة بين كلام شيخنا في النهاية وغيرها، لأن مقصوده من
الدين المال، وإذا قبل في المال قبل في ما كان المقصود منه المال، وكان ذريعة
إلى تحصيله.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: لا يثبت الوقف بشهادة واحد مع يمين المدعي،
لأن الوقف ليس بمال للموقوف عليه، بل الانتفاع به فقط دون رقبته (2).
وقال في المبسوط: فأما الوقف قال قوم: يثبت بالشاهد واليمين، وقال
آخرون: لا يثبت، بناء على من ينتقل الوقف إليه، فمن قال: ينتقل إلى الله
تعالى قال: لا يثبت إلا بشاهدين كالعتق، ومن قال: ينتقل إلى الموقوف عليه
قال: هذا يثبت بشاهدين وشاهد وامرأتين وشاهد ويمين المدعي، وهو الذي
يقتضيه مذهبنا (3). وقد رجح هنا القبول.
وقال ابن البراج: الوقف يصح بشاهد ويمين، لأنه عندنا ينتقل إلى الموقوف
عليه (4). وبه قال ابن إدريس (5). وهو المعتمد.
لنا: إنه مال لا بد له من مالك واختصاص الموقوف عليه بالانتفاع به دون
غيره دليل على أنه المالك، وكذا جميع أحكام الملك، والامتناع من نقله لا
يخرجه عن الملكية كأم الولد.
ولأنه قد يجوز بيعه في بعض الأحوال عند علمائنا، وإنما يجوز لو كان ملكا
له.

(1) السرائر: ج 2 ص 140.
(2) الخلاف: ج 6 ص 280 المسألة 25.
(3) المبسوط: ج 8 ص 189 - 190.
(4) المهذب: ج 2 ص 562.
(5) السرائر: ج 2 ص 142.
523

ولأنه يضمن باليد والقيمة.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا لم يوجد في الدم عدلان يشهدان بالقتل
فأحضر ولي المقتول خمسين رجلا من قومه يقسمون بالله تعالى على أنه قتل
صاحبهم، فإذا حلفوا قضي لهم بالدية، فإن حضر دون الخمسين حلف ولي
الدم بالله من الأيمان ما يتم بها الخمسين وكان له الدية، فإن لم يكن له أحد
يشهد له حلف هو خمسين يمينا ووجبت له الدية (1).
وهو قول المفيد (2) - رحمه الله -.
وقال ابن إدريس: الصحيح أن له القود، وقد رجع شيخنا عن هذا القول
إلى ما اخترناه في الجزء الثاني من كتاب النهاية، وقال بما قلناه، وكذلك في
مسائل خلافه ومبسوطه (3).
وأقول: لا منافاة بين كلامي الشيخ، لأنه قصد هنا إثبات ما توجبه
الدعوى، وهو أما الدية إن كان القتل خطأ أو عمد الخطأ أو القصاص في
العمد، ولما كان الأصل عدم العمدية اقتصر على ذكر الدية، لا على معنى أنه
الواجب في الجميع لا غير.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: ذا شهد أربعة رجال بالزنا (4) وكان محصنا
فرجم ثم رجع أحدهم فقال: تعمدت ذلك قتل وأدى إلى ورثته الثلاثة
ثلاثة (5) أرباع الدية، وإن قال: أو همت ألزم ربع الدية، وإن رجع اثنان وقالا:
تعمدنا وأراد أولياء المقتول بالرجم قتلهما قتلوهما وأدوا إلى ورثتهما دية كاملة
يتقاسمان بينهما على السواء ويؤدي الشاهدان الآخران على ورثتهما نصف الدية

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 63.
(2) المقنعة: ص 728.
(3) السرائر: ج 2 ص 144.
(4) في المصدر: رجال على رجل بالزنا.
(5) في المصدر: الثلاثة الباقون الثلاثة.
524

يتقاسمان بينهما بالسوية، وإن اختار أولياء المقتول قتل واحد منهما قتلوه وأدى
الآخر مع الباقين من الشهود على ورثة المقتول الثاني ثلاثة أرباع ديته، ولو رجع
شاهدا السرقة وقالا: تعمدنا قطع يد واحد منهما بيد المقطوع وأدى الآخر نصف
ديته على المقطوع الثاني (1). وتبعه ابن البراج (2).
وقال ابن الجنيد: وإن قالوا: تعمدنا في الرجم وكان قائل ذلك واحدا قتل
به إن شاء ولى المقتول وغرم الثلاثة لأوليائه ثلاثة أرباع الدية.
وقال ابن إدريس: إقرار الراجع جائز على نفسه، ولا يتعداه إلى غيره ولا
ينقض الحكم، لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع، وإنما
ذلك ورد من طريق أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا (3). وهو
المعتمد.
لنا: إن إقرار العقلاء إنما ينفذ على أنفسهم خاصة، فقوله: قد تعمدت
الكذب لا يستلزم تعمد غيره، ولو قال: تعمدت أنا وباقي الشهود لم يلتفت إليه
في حق باقي الشهود، والحكم لا ينقض بعد نفوذه خصوصا وقد تلف المشهود
به. ويحمل قول الشيخ وابن الجنيد على أنهم رجعوا بأجمعهم، لكن قال
بعضهم: تعمدت وقال الباقون: أخطأنا فهنا الغرم على الشهود دون أولياء
الدم.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إن شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته
فاعتدت وتزوجت ودخل بها ثم رجعا وجب عليهما الحد وضمنا المهر للزوج
الثاني، وترجع المرأة إلى الأول بعد الاستبراء بعدة من الثاني (4).

(1) النهاية ونكتها: ج 2 ص 64 و 65.
(2) المهذب: ج 2 ص 563 و 564.
(3) السرائر: ج 2 ص 144.
(4) النهاية ونكتها: ج 2 ص 65.
525

وقال في الخلاف: إذا شهدا عليه بالطلاق قبل الدخول فرق (1) الحاكم
بينهما ثم رجعا غرما نصف المهر، وإن رجعا عن طلاق امرأة بعد الدخول بها
وحكم الحاكم بذلك ثم رجعا عن الشهادة لم يلزمهما مهر مثلها ولا شئ منه، لأن
الأصل براءة الذمة، فمن أوجب عليهما (2) شيئا فعليه الدلالة. وأيضا ليس
خروج البضع عن ملك الزوج له قيمة، بدلالة أنه لو طلق زوجته في مرضه لم
يلزم مهر مثلها من الثلث كما لو أعتق عبدا (3) أو وهبه، فلما بطل ذلك ثبت أنه
لا قيمة له، وكان يجب أيضا أن (4) لو كان عليه دين يحيط بالتركة وطلق زوجته
في مرضه ألا ينفذ الطلاق - كما لا ينفذ العتق والعطاء - فلما نفذ طلاقه (5) ثبت
أنه لا قيمة لخروجه عن ملكه، فإذا ثبت أنه لا دية (6) له لم يلزمه ضمان كما لو
أتلفا عليه ما لا قيمة له (7).
وقال في المبسوط: إن شهدا بالطلاق ثم رجعا قبل الدخول قال قوم: ضمنا
نصف مهر المثل، وقال قوم: نصف المسمى، وهو الأقوى عندنا. ومنهم من
قال: إن كان مقبوضا لزمهما كمال المهر، لأنه لا يسترد منه شيئا، لأنه معترف
لها به لبقاء الزوجية بينهما، فلما حيل بينهما رجع بكله عليهما، وإن لم يكن مقبوضا
رجع بالنصف، لأنه لا يزمه إلا إقباض نصفه، فلهذا رجع بالنصف، وهذا
قوي. وإن رجعا بعد الدخول فعليهما مهر مثلها عند قوم، وقال آخرون: لا ضمان
عليهما، وهو الأقوى عندي، لأن الأصل براءة ذمتهما (8).
وقال أبو الصلاح: إذا قامت البينة بطلاق وتزوجت المرأة ورجع الشاهدان

(1) في المصدر: قبل الدخول بها فرق.
(2) في المصدر: عليهما.
(3) في المصدر: عبده.
(4) ليس في المصدر (ان).
(5) في المصدر: طلاقها.
(6) في المصدر: قيمة.
(7) الخلاف: ج 6 ص 322 و 323 المسألة 77 و 78.
(8) المبسوط: ج 8 ص 247 - 248.
526

أو أحدهما أغرما أو أحدهما المهر للزوج الثاني أن كان دخل بها وردت إلى
الأول، ولا يقر بها حتى تعتد من الثاني، وإن لم يقر بها فرق بينهما ولا شئ لها
وهي زوجة الأول ولا عدة عليها (1).
واختار ابن إدريس قول الشيخ في المبسوط، ونسب ما قاله الشيخ في
النهاية إلى أخبار الآحاد (2) والوجه أن المرأة لا ترد إلى الأول ولا ينقض الحكم
بالطلاق، وأما غرامة المهر فليس قول الشيخ فيه بعيدا من الصواب، لأنهما فوتا
عليه البضع وقيمة المهر لكن الغرم للأول، وقوله في الخلاف قوي أيضا، فنحن
في هذه المسألة من المتوقفين، ولا بأس بحمل قول الشيخ في النهاية بالرد إلى
الأول بعد العدة على أنها تزوجت بمجرد الشهادة من غير حكم حاكم بذلك.
مسألة: قال الشيخ في النهاية: إذا شهدا على رجل بدين ثم رجعا ألزما بمقدار
ما شهدا به، وإن رجع أحدهما ألزم بمقدار نصيبه (3) من الشهادة - وهو النصف -
ومتى شهدا على رجل ثم (4) رجعا قبل أن يحكم الحاكم طرحت شهادتهما ولم يلزما شيئا
بل يتوقف الحاكم عن إنفاذ الحكم، وإن كان رجوعهما بعد حكم الحاكم غرما ما شهدا
به إذا لم يكن الشئ قائما بعينه، فإنه كان الشئ قائما بعينه رد على صاحبه ولم يلزما
شيئا (5).
وقال في المبسوط: إن رجعا قبل الحكم لم يحكم بلا خلاف، إلا أبا ثور فإنه
قال: يحكم به، وإن رجعوا بعد الحكم وقبل القبض فإن كان [الحق] حدا لله
كالزنا والسرقة لم يحكم، لأن الرجوع شبهة، وإن كان حقا لآدمي سقط بالشبهة
كالقصاص وحد القذف، وإن رجعوا بعد الحكم وبعد الاستيفاء لم ينقض

(1) الكافي في الفقه: ص 441.
(2) السرائر: ج 2 ص 146 - 147.
(3) في المصدر: بمقدار ما يصيبه.
(4) في المصدر: على رجل بدين ثم.
(5) النهاية ونكتها: ج 2 ص 65 - 66.
527

حكمه بلا خلاف، إلا سعيد بن المسيب والأوزاعي فإنهما قالا: ينقض [والأول
أصح]، فإذا ثبت أنه لا ينقض فإن المستوفي قد قبض الحق فلا اعتراض عليه،
وما الذي يجب على الشهود؟ لا يخلو: إما أن يكون إتلافا مشاهدة كالقتل
والقطع، أو حكما كالطلاق والعتق، أو لا مشاهدة ولا حكما كنقل المال من
رجل إلى آخر، وإن شئت قلت: لا يخلو: إما أن يكون إتلافا أو في حكم
الإتلاف أو خارجا عنهما، ثم ذكر الإتلاف، ثم قال: وإن شهدوا بما هو في
حكم الإتلاف - وهو العتق والطلاق - فإن رجعوا بعد حكم الحاكم بالعتق
غرما قيمة العبد لسيده، لأنهما أتلفا ماله بغير حق. وإن شهدا بالطلاق ثم رجعا
بعد الدخول فعليهما مهر مثلها عند قوم، وقال آخرون: لا ضمان عليهما، وهو
الأقوى عندي، لأصالة البراءة. وإن رجعا قبله لم ينقض وعليهما الضمان عند
قوم، وكم يضمنان؟ قال قوم: كمال المهر مهر المثل، وقال آخرون: نصف
المهر، وهو الأقوى. ومنهم من قال: نصف مهر المثل ومنهم من قال: نصف
المسمى، وهو الأقوى عندنا. ومنهم من قال: إن كان مقبوضا لزمهما كمال
المهر، وإن لم يكن مقبوضا لزمهما النصف، لأنه مع القبض غرمه كله لا يسترد
شيئا، لاعترافه لها به لبقاء الزوجية بينهما، فلما حيل بينهما رجع بكله عليهما،
وليس كذلك إذا كان قبل القبض، لأنه لا يلزمه إلا إقباض نصفه، فلهذا
رجع بالنصف عليهما، وهو قوي. وإن لم يكن إتلافا مشاهدة ولا حكما وهو إن
شهدا بدين وحكم بذلك عليه ثم رجعا قال قوم: لا ضمان عليهما، وقال
آخرون: عليهما الضمان، والأقوى عندي أن عليهما الضمان للمشهود عليه (1).
وقال في الخلاف: إذا رجعا قبل الحكم لم يحكم، وإن (2) رجعا بعد الحكم

(1) المبسوط: ج 8 ص 246 و 247 - 248، مع اختلاف.
(2) في المصدر: لم يحكم بها وإن.
528

والاستيفاء لم ينقض، فإذا (1) شهدا بدين أو عتق (2) وحكم بذلك ثم (3) رجعا
ضمنا (4) (5).
وقال أبو الصلاح: إذا انكشف إن الشاهد شهد بالزور بإقراره أو بينة أو
علم عزر وشهر في المصر، فإن كان الحاكم حكم بها أبطل حكمه ورجع على
المحكوم له بما أخذه، فإن لم يقدر على ذلك رجع به على الشاهد بالزور، فإن
كان قتلا أو جراحا أو حدا قتل (6) بالقتل واقتص (7) بالجراح والحد (8).
وقال ابن البراج: إذا رجعا عن ذلك بعد أن حكم الحاكم بشهادتهما وكان
ما شهدا به قائم العين وجب رده على صاحبه ولم يكن عليهما شئ، وإن لم يكن
قائم العين كان عليهما غرم ذلك (9).
وقال ابن الجنيد: وإذا علم الحاكم ببطلان الشهادة فإن كان الشئ
الذي حكم به قائما رده إلى صاحبه، وحاله قبل ما كان حكم به كحاله قبل
الشهادة التي علم بطلانها (10)، وإن لم يكن قائما ضمن الشاهد بقدر ما أتلفه من
مال الشهود عليه. وهذا الكلام حق، لأن العلم ببطلان الشهادة غير الرجوع،
لجوز أن يكون الرجوع باطلا.
وقال ابن حمزة: إن رجعوا قبل الحكم بطلت شهادتهم، وإن رجعوا بعده
قبل استيفاء الحق نقض الحاكم حكمه، وإن رجعوا بعد الاستيفاء وكان الحق
مالا وقد بقي، رد على صاحبه، وإن تلف غرمه الشهود (11).

(1) في المصدر: لم ينقص حكمه فإذا.
(2) في المصدر: بعتق.
(3) في المصدر: بذلك عليه ثم.
(4) في المصدر: كان عليهما الضمان.
(5) الخلاف: ج 6 ص 320 و 321 المسألة 74 و 75 و 79.
(6) في المصدر: قيد.
(7) في المصدر: واقتص منه.
(8) الكافي في الفقه: ص 440.
(9) المهذب: ج 2 ص 564.
(10) ق 2: ببطلانها.
(11) الوسيلة: ص 234.
529

وقال ابن إدريس: إذا رجعا بعد الحكم غرما ما شهدا به، سواء كان
الشئ قائما بعينه أولا (1).
وهو اختيار الشيخ في المبسوط (2)، وهو المعتمد. ولا
فرق إذا رجعا بعد الحكم بين أن يرجعا قبل الاستيفاء أو بعده.
لنا: إن الحكم قد نفذ بالاجتهاد، وهو تغليب صدقهم في الشهادة، فلا
ينقض بالاحتمال، وهو جواز كذبهم في الرجوع.
ولأن شهادتهم إثبات حق يجري مجرى الإقرار، وفي رجوعهم نفي ذلك الحق
الجاري مجرى الإنكار، ولما لم يبطل الحكم بالإقرار بحدوث الإنكار لم يبطل
الحكم بالشهادة، لحدوث الرجوع.
ولأن رجوعهما ليس شهادة (3) منهما، ولهذا لا يفتقر إلى لفظ الشهادة، فلا
يسقط حقه بما ليس بشهادة ولا إقرار منه.
ولأن أثبتت الحق، فلا يزول بالطارئ كالفسق والموت
احتجوا بأن الحق ثبت بشهادتهما، فإذا رجعا سقط، كما لو كان قصاصا.
والجواب: الفرق ظاهر، فإن القصاص يسقط بالشبهة، بخلاف الحق
المالي.
مسألة: قال ابن الجنيد: لا يجوز شهادة بدوي على حضري، إلا في ما كان
بالبادية ولم يحضره حضري، أو في القتل الذي لم يحضره أهل الحضر، وباقي
علمائنا لم يمنعوا من شهادة البدوي على الحضري مع استجماع الشرائط وهو
المعتمد، لعموم: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) (4).
مسألة: المشهور عند علمائنا أن شهادة المختبئ جائزة.
وقال ابن الجنيد: وإنما يجوز له الحكاية لما شهده من الإقرار إذا كان المقر

(1) السرائر: ج 2 ص 147.
(2) المبسوط: ج 8 ص 247.
(3) في الطبعة الحجرية: بشهادة.
(4) الطلاق: 2.
530

عالما بمكان الشاهد وقت إقراره، ولم يشترط عليه ألا يشهد به عليه، فإن كان
ممن شرط عليه ذلك أو كان ممن قد خدع فتستر عنه لم يكن له أن يشهد
عليه.
لنا: إن شرط العلم، فيندرج تحت عموم: (ولا يأب الشهداء إذا ما
دعوا) (1).
مسألة: قال ابن الجنيد: شهادة الوصي جائزة لليتيم في حجره وإن كان هو
المخاصم عن الطفل ولم يكن بينه وبين المشهود عليه ما ترد شهادته عليه. وليس
بجيد، لأنه يجر بشهادته نفعا هو الولاية على ذلك المال.
قال الشيخ في المبسوط (2) والخلاف (3): يثبت الإقرار بالزنا بشهادة اثنين.
واحتج عليه بأن سائر الإقرارات تثبت بشهادة اثنين بلا خلاف، فمن اعتبر في
هذا وحده أربعة شهود يحتاج إلى دلالة، وتبعه ابن إدريس (4).
والمعتمد أنه لا يثبت إلا بشهادة أربعة عدول كالزنا.
لنا: إن الغرض من التشديد صيانة نفس المكلف عن الإتلاف وعرض
المسلم عن الأخذ، وهذا المعنى ثابت هنا، فيجب به التشديد رعاية لهذه
المصلحة وتحصيلا لها، وثبوت باقي الإقرارات بالشاهدين لا يستلزم ثبوته هنا
بهما، لافتراقهما في المعنى، وكما أن المقر به لا يثبت هنا بشاهدين ويثبت في غيره
بهما كذا الإقرار يختلف باختلافهما.
مسألة: جزم الشيخ في الخلاف أن التركة لا تنتقل إلى الورثة إذا استوعبها
الدين على الميت، وإن يستوعبها انتقل إلى الورثة فاضل الدين (5). وقواه في

(1) البقرة: 282.
(2) المبسوط: ج 8 ص 172.
(3) الخلاف: ج 6 ص 251 المسألة 3.
(4) السرائر: ج 2 ص 115 - 116.
(5) الخلاف: ج 6 ص 282 المسألة 28.
531

المبسوط (1).
والوجه الانتقال.
لنا: إنه مال فلا بد له من مالك، وليس للميت (2)، لخروجه عن أهلية
التملك، ولا الغرماء لسقوط الملك عنهم بالإبراء فتعين الورثة إذ لا رابع
للأقسام.
ولأنه لو لم تنتقل إلى الورثة لم يشارك ابن الابن عمه لو مات أبوه بعد جده
وحصل الإبراء حينئذ، والتالي باطل إجماعا فالمقدم مثله.
بيان الشرطية: إن المال لو انتقل الآن لكان الابن أقرب من ابن الابن،
والأقرب أولى بالميراث، ولما شاركه ولد الولد علمنا الانتقال من حين الموت.
ولأن للوارث الخيار في جهة القضاء كالمالك.
ولأن الحالف مع الشاهد هو الوارث دون الغريم، فلو لا الانتقال لساوى
الغريم، بل كان الغريم أولى بالحلف لتعلق حقه به حينئذ، واشتراكهما في أنهما
يحلفان لإثبات الملك للميت.
احتج بقوله تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) (3).
والجواب: المراد تمامية الملك والاستقلال بالتصرف كالمرهون.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا حكم بشهادة نفسين في قتل وقتل
المشهود عليه ثم بان أن الشهود كانوا فساقا قبل الحكم بالقتل سقط القود
وكان دية المقتول المشهود عليه من بيت المال، وقال أبو حنيفة: الدية على
المزكين، وقال الشافعي: الدية تجب على الحاكم (4)، وأين تجب؟ على قولين:
أحدهما: على عاقلته، والآخر: في بيت المال. ثم استدل بإجماع الفرقة

(1) المبسوط: ج 8 ص 193.
(2) في الطبعة الحجرية و م 3: الميت.
(3) النساء: 11.
(4) في المصدر: الدية على الحاكم.
532

وأخبارهم، فإنهم رووا أن ما أخطأت القضاة من الأحكام فعلى بيت المال (1).
ونحوه قال في المبسوط (2).
وقال أبو الصلاح: إذا أورد عليه ما لا يعلم وجه الحق فيه أوقفه إلى أن
يتضح له (3) ذلك، فإن حكم بما يظنه أثم، فإن انكشف خطأه عن (4) الصواب
بطل ما حكم به، فإن لم يتمكن من استدراكه فهو ضامن لما أخذ من مال
ومطالب بما أنفذ بقضائه من قتل أو جراح أو حد أو تأديب، فإن انكشف له أن
المقر كان عبدا أو أمة أو مؤوفا (5) أو مكرها رجع في القضية ورد ما أخذ من
المحكوم له إن تمكن منه وإلا من ماله على سيد العبد والأمة وولي المحجور عليه
أو المكره، وإذا انكشف له كذب الشهود أو فسقهم أو شهادتهم بما لا يعلمون
أو رجوعهم عن الشهادة أبطل الحكم ورجع بما أخذ بشهادتهم حسب ما تقدم
بيانه (6).
وقال ابن إدريس: إذا حكم الحاكم بشهادة شاهدين ثم بان له أنه حكم
بشهادة من لا يجوز الحكم بشهادته نقض الحكم بلا خلاف، فإن كان حكم
بإتلاف كالقصاص والقتل والرجم فلا قود هنا، لأنه على خطأ الحاكم. وأما
الدية فإنها على الحاكم عند قوم، وعند آخرين على المزكين. وروى أصحابنا أن
ما أخطأت الحكام فعلى بيت المال. فإن حكم بالمال وكانت عينه باقية
استردها، وإن كانت تالفة فإن كان المشهود له هو القابض وكان موسرا غرم

(1) الخلاف: ج 6 ص 289 المسألة 36.
(2) المبسوط: ج 8 ص 249 - 250.
(3) في المصدر: إلى أن يصح له.
(4) في المصدر: بما يظنه حقا أثم، فإن انكشف له أنه حق فهو ماض، وإن انكشف خطأه منه عن.
(5) ق 2: محجورا، م 3: محررا.
(6) الكافي في الفقه: ص 448، مع اختلاف.
533

ذلك، وإن كان معسرا ضمن الإمام حتى إذا أيسر رجع الإمام عليه، والفرق
بين هذا وبين الدية أن الحكم إذا كان بالمال حصل في يد المشهود له ما يضمن
باليد فلهذا كان الضمان عليه وليس كذلك القتل، لأنه ما حصل في يد
المشهود له ما يضمن باليد، لأن ضمان الإتلاف ليس بضمان اليد فلهذا كان
الضمان على الإمام في بيت المال (1).
والوجه أن نقول: إن فرط الحاكم في البحث عن الشهود ضمن في ماله،
وإلا كان في (2) بيت المال، لأنه مقتول بالشرع وقد ظهر الخلل فيكون في بيت
المال، لأنه من المصالح، ولأنه لولا ذلك لأدى إلى ترك الحكم بشهادة تحرزا
من ضرر الدرك.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا شهد عدلان عند الحاكم بحق ثم فسقا
قبل أن يحكم بشهادتهما حكم بشهادتهما ولم يرده، واستدل بأن الاعتبار بالعدالة
حين الشهادة لا حين الحكم، فإذا كان عدلين عند الشهادة وجب الحكم
بشهادتهما. وأيضا فإذا شهدا وهما عدلان وجب الحكم بشهادتهما، فمن قال: إذا
فسقا بطل هذا الوجوب فعليه الدلالة (3). وتبعه ابن إدريس (4).
وقال في المبسوط: فإن فسقا قبل الحكم بشهادتهما لم يحكم بتلك الشهادة،
وقال قوم: يحكم بشهادتهما وهو الأقوى عندي (5).
وقال فيه - قبل ذلك - فإن سمع الحاكم من الفرع في الموضع الذي يسوغ له
أن يسمع ويحكم بشهادته ثم تغيرت حال الأصل كان الحكم فيه كما لو سمع
من الأصل نفسه ثم تغيرت حاله، فإن فسق الأصل لم يحكم بشهادة الفرع، لأنه

(1) السرائر: ج 2 ص 149 - 150.
(2) في الطبعة الحجرية: من.
(3) الخلاف: ج 6 ص 320 المسألة 73.
(4) السرائر: ج 2 ص 179.
(5) المبسوط: ج 8 ص 244.
534

لو سمع من الأصل ثم فسق لم يحكم بشهادته، لأن الفرع يثبت بشهادة
الأصل، فإذا فسق الأصل لم يكن هناك ما يثبته (1).
والأقرب عندي عدم الحكم.
لنا: أنهما فاسقان حال الحكم، فلا يجوز الحكم بشهادتهما كما لو رجعا،
وكما لو كانا وارثين ومات المشهود له قبل الحكم.
ولأن تطرق الفسق يضعف ظن العدالة السابقة الخفية، فكان الاحتياط
ترك الشهادة. واستدلال الشيخ مصادرة، لأنه ادعى أن الاعتبار بالعدالة حين
الشهادة لا حين الحكم، وهو عين المتنازع. وقوله: (إذا شهدا وهما عدلان
وجب الحكم بشهادتهما) ليس على إطلاقه، فإنه المتنازع. بل إذا استمرت
العدالة إلى وقت الحكم، أما إذا خرج عن هذا الوصف فإنه المتنازع.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا ادعى على سيده أنه أعتقه وأقام
شاهدين لم يعرف الحاكم عدالتهما فطلب أن يفرق بينه وبين مولاه حتى يبحث
عن العدالة قال قوم: يفرق بينهما، وقال قوم: لا يفرق. والأول أقوى، لأن العبد
فعل ما يجب عليه من إقامة بينة كاملة، وإنما بقي ما ليس عليه من البحث عن
حال الشهود، ولأن الظاهر العدالة حتى يثبت الجرح، ولأن المدعي قد يكون
أمة، فإذا لم يفرق بينهما لم يؤمن أن يواقعها، وإن جاء بشاهد واحد وقال: أنا
آتيك بآخر قال قوم: يفرق بينهما، وقال آخرون: لا يفرق، لأنه لم يأت بالبينة
التامة. وكذا كل حق لا يثبت إلا بشاهدين كالنكاح والطلاق والقصاص إن
أتى بشاهدين حبسنا له خصمه، وإن أتى بشاهد واحد، فهل يحبس حتى يأتي
بآخر؟ على القولين، وإن كان يثبت بشاهد ويمين، منهم من قال: على قولين

(1) المبسوط: ج 8 ص 233.
535

كالقصاص والنكاح، ومنهم من قال: يحبس لا محالة، وهو الأقوى عندي، لأن
الشاهد مع اليمين حجة في الأموال، لأنه يحلف ويستحق، وليس كذلك في
العتق والقصاص، لأن الشاهد الواحد ليس حجة فلهذا لم نحبسه، فكل موضع
حبسناه بشاهدين فلا يزال في الحبس حتى يتبين عدالتهما وجرحهما، وكل
موضع حبس بشاهد واحد لم يحبس أبدا ويقال للمشهود له: إن جئت بعد
ثلاثة وإلا أطلقناه (1).
والوجه أنه لا يحبس في شئ من هذه الفروض إلا بعد ثبوت الحق
والتمكن من إقامة المزكي إذ الحلف لا يقتضي ثبوت الحق، بل الإقامة والحلف
بالفعل.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: من كان في يده شئ يتصرف فيه بلا دافع
ولا منازع بسائر أنواع التصرف جاز أن يشهد له بالملك، طالت المدة أم
قصرت. واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم، ولأنه لا خلاف أنه يجوز أن يشتري
منه، فإذا حصل في يده يدعي أنه ملكه، فلولا أن ظاهر تصرفه يدل على ملكه
لم يجز له أن يدعي أنه ملكه إذا انتقل إليه بالبيع (2). وتبعه ابن البراج (3)،
وأبو الصلاح (4).
وقال في المبسوط: فأما إن كان في يده دار يتصرف فيها مطلقا من غير
منازع بالهدم والبناء والإجارة والإعارة وغير ذلك فيسوغ للشاهد أن يشهد له
باليد بلا إشكال، وأما بالملك المطلق فلا تخلو المدة من أحد أمرين: إما أن
تكون طويلة أو قصيرة، فإن كانت طويلة مرت عليه السنون على صورة واحدة

(1) المبسوط: ج 8 ص 254، 255، مع اختلاف.
(2) الخلاف: ج 6 ص 264 المسألة 14.
(3) المهذب: ج 2 ص 561.
(4) الكافي في الفقه: ص 437.
536

من غير منازعة قال بعضهم: يشهد له بذلك، لأن عرف العادلة قد تقرر أن من
تصرف مطلقا من غير منازع كان متصرفا في ملكه، وقال غيره: إن البينة تشهد
له باليد والتصرف، فأما بالملك مطلقا فلا، لأن اليد تختلف فيكون يد مستعير
ومستأجر ومالك ووكيل وأمين ووصي والتصرف واحد، فإذا اختلفت الأيدي
وأحكامهما لم يجز أن يشهد له بالملك المطلق. ولأن اليد لو كانت ملكا لوجب إذا
حضر عند الحاكم فقال المدعي: ادعي دارا في يد هذا ألا يسمع دعواه، لأنه
قد اعترف بالملك له، فلما سمعت دعواه ثبت أن اليد لا تدل على ملك ولا
يكون ملكا له، وإن كانت [المدة] قصيرة كالشهر والشهرين ونحو ذلك فإنه لا
يشهد له بالملك، لأن الزمان قصير، وعلى هذه الصورة يتفق كثيرا فلا يدل على
ملك، ويفارق الطويل، لأنه في العرف أنه في ملك. فأما الشهادة باليد فلا
شبهة في جوازها، وقال بعضهم: يشهد له بالملك، وقال: لأنه لما صح أن يشهد
له على بيعه ما في يديه صح أن يشهد له بالملك، وروى أصحابنا أن يجوز له أن
يشهد له بالملك كما يجوز أن يشتريه ثم يدعيه ملكا له (1). وهو يشعر بقوة الأول
عنده.
وقوله في المبسوط جيد، وادعاء الملك لوجود سببه، وهو الشراء ممن يظن
أنه مالك باعتبار اليد، ومثل هذا مما يتساهل فيه، بخلاف الشهادة التي لا
تجوز إلا على القطع والبت، ولا يجوز التعويل فيها على الظن.
وقد روى الصدوق عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث،
عن الصادق - عليه السلام - قال: قال له رجل: أرأيت أن رأيت شيئا في يدي
رجل أيجوز أن أشهد أنه له فقال: نعم، قلت: فلعله لغيره؟ فقال: ومن أين جاز

(1) المبسوط: ج 8 ص 181 - 182.
537

لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه ولا
يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك قبله؟ ثم قال الصادق - عليه السلام لو
لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق (1). ولا بأس بهذا القول عندي.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: تجوز الشهادة على الوقف والولاء والعتق
والنكاح بالاستفاضة، كالملك المطلق والنسب (2).
وقال ابن الجنيد: لا تصح الشهادة بالشائع من الأمور، إلا أن تتصل
الشهادة على الشهادة إلى إقرار أو رؤية، إلا في النسب وحده، وما لا يجب به
على عين حاضرة حكم في إخراج ملك أو إيجاب حد.
والشيخ - رحمه الله - استدل بأنه يجوز لنا الشهادة على أزواج النبي - صلى الله
عليه وآله - ولم يثبت ذلك إلا بالاستفاضة، لأنا ما شهدناهم. وأما الوقف فمبني
على التأبيد، فإن لم تجز الشهادة بالاستفاضة أدى إلى بطلان الوقف، لأن شهود
الوقف لا يبقون أبدا، والشهادة الثالثة لا تسمع (3).
وقول الشيخ لا يخلو من نظر فإن النكاح في حق أزواج النبي - صلى الله
عليه وآله - ثبت بالتواتر، فلهذا جاز لنا الشهادة عليه، وليس تخصيص النهي
عن الشهادة بدون العلم بالوقت تحصيلا لمصلحة ثبوته أولى من تخصيص النهي
عن سماع الشهادة الثالثة به لهذه المصلحة، مع أن هذا التخصيص أولى، إذ لا
مانع عقلا منه، بخلاف الشهادة بمجرد الظن.
مسألة: قال: الشيخ في المبسوط: تحمل الشهادة يصح بأسباب ثلاثة:

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 51 ح 3307، وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب كيفية الحكم
وأحكام الدعوى ح 2 ج 18 ص 215.
(2) الخلاف: ج 6 ص 265 المسألة 15.
(3) الخلاف: ج 6 ص 266 المسألة 15، مع اختلاف.
538

الأول: الاسترعاء: وهو أن يقول شاهد الأصل لشاهد الفرع: أشهد أن لفلان
ابن فلان على فلان بن فلان ألف درهم، فاشهد على شهادتي، الثاني: أن
يسمع شاهد الأصل يشهد بالحق عند الحاكم، فإذا سمعه يشهد به
عند الحاكم صار متحملا لشهادته، الثالث: أن يشهد الأصل بالحق ويعزيه
إلى سبب وجوبه فيقول: أشهد أن لفلان بن فلان على فلان بن فلان ألف
درهم من ثمن ثوب أو عبد، فيصير متحملا للشهادة (1).
وقال ابن الجنيد: ليس للشهود إذا أخبرهم المشهود على شهادته
حال شهادته، دون أن يسترعيهم إياها، ويقول لهم بعد وصفه حال شهادته:
فاشهدوا على شهادتي على فلان لفلان بذلك.
فإن قصد - رحمه الله - بذلك حصر السبب في ذلك صارت المسألة خلافية،
وإلا فلا.
وقول الشيخ جيد، لكن في صورة الاسترعاء يقول: أشهدني على شهادته،
وفي الصورتين الأخيرتين يقول: شهدت على شهادته
قال أبو الصلاح: وإذا كان الشاهد عالما بتمليك (2) غيره دارا أو أرضا أو
غير ذلك ثم رأى غيره متصرفا من غير منازعة من الأول ولا علم بإذن ولا
مقتضي (3) إباحة التصرف من إجارة أو غير ذلك لم يجز له أن يشهد بملكها
لواحد منهما حتى يعلم ما يقتضي ذلك في المستقبل (4).
وليس بجيد، لأن العلم السابق يستصحب حكمه إلى أن يظهر المزيل،
والتصرف مع السكوت لا يدل على الخروج عن الملكية، بخلاف ما لو شاهد
غيره يتصرف في ملك بغير منازع ولم يعرف سبق ملك لأحد عليه، فإن جماعة من

(1) المبسوط: ج 8 ص 231، مع اختلاف.
(2) في المصدر: بتملك.
(3) في المصدر: وما يقتضى.
(4) الكافي في الفقه: ص 438.
539

أصحابنا جوزوا له أن يشهد بالملك المطلق، أما مع سبق العلم بالملك للغير فلا.
قال: وإذا غاب العبد أو الأمة عن مالكه لم يجز له أن يشهد بما كان يعلمه
من تملكه لهما، إلا أن يعلم غيبته لإباق أو إذن المالك (1).
وليس بجيد، الأول، نعم إن اعترضه شك في بقاء الملك لم يجز له أن
يشهد بأنه الآن ملكه، بل إنه كان ملكه في الزمان الماضي وكان مقصوده
ذلك، وحينئذ يصح ما قاله - رحمه الله -.
إلى هنا انتهى الجزء الثامن - حسب تجزئتنا -
ويتلوه الجزء التاسع إن شاء الله تعالى، وأوله:
كتاب الفرائض

(1) الكافي في الفقه: ص 438.
540