الكتاب: ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة
المؤلف: الشهيد الأول
الجزء: ٤
الوفاة: ٧٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ربيع الثاني ١٤١٩
المطبعة: ستاره - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-١٠٦-٠
ملاحظات: ٩٦٤-٣١٩-١٠٢-٨ / ٤ VOLS.

ذكرى الشيعة
في
أحكام الشريعة
تأليف
الشهيد الأول
محمد بن جمال الدين مكي العاملي الجزيني قدس سره
734 - 786 ه‍ ق
الجزء الرابع
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

BP الشهيد الأول، محمد بن مكي، 734 - 786 ق.
3 / 182 ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف الشهيد الأول محمد بن جمال
(8 ذ 9 ش) - الدين مكي العاملي الجزيني، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
- قم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1418 ق = 1376.
ج 4 نموذج - (مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 199 - 202) 432 / 297 المصادر بالهوامش
1. الفقه الجعفري القرن 8 ق. 2. عبادات الشيعة. الف. مؤسسة آل
البيت عليهم السلام لإحياء التراث. ب. العنوان.
شابك (ردمك) 8 - 102 - 319 - 964 / أجزاء
. VOLS 4 / 8 - 102 - 319 - ISBN 964
شابك (ردمك) 2 - 105 - 319 - 964 / ج 4
3. VOL / 2 - 105 - 319 - ISBN 964
الكتاب: ذكرى الشيعة / ج 4
المؤلف: الشهيد الأول
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
الطبعة: الأولى - محرم 1419 ه‍
الفلم والألواح الحساسة (الزنك): نور - قم
المطبعة: ستارة - قم
الكمية 5000 نسخة
السعر: 7500 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور شهد (خيابان شهيد فاطمى) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 996 / 37185 - هاتف 4 - 730001
4

الفصل الثالث: في تروك الصلاة.
وهي إما واجبة أو مندوبة، فههنا مطلبان.
الأول: في التروك الواجبة.
مقدمة:
يحرم قطع الصلاة الواجبة اختيارا، لوجوب الاتمام المنافي لإباحة
القطع، ولقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) (1).
ويجوز للضرورة، كرد الآبق، وقبض الغريم، وقتل الحية التي يخافها
على نفسه، لمرسلة حريز عن الصادق عليه السلام (2). ولاحراز المال المخوف
ضياعه، ولامساك الدابة خوف الذهاب أو العنت في تحصيلها، روى الأمرين
سماعة (3). ورد الصبي يحبو إلى النار، والشاة تدخل البيت، رواه السكوني عن
علي عليه السلام (4)، وفيها انه (يبني على صلاته ما لم يتكلم) (5) وهو حق إذا
لم يفعل ما ينافي الصلاة.
ولا حرج في انقطاعها بما لا اختيار فيه، كالنوم، والدماء الثلاثة، وسبق
الحدث الأكبر أو الأصغر.
ولو تعمد الحدث أثم. ولو خاف من امساكه الضرر على نفسه، أو
سريان النجاسة إلى ثوبه أو بدنه وظن ذلك، جاز القطع. وروى عبد الرحمن بن

(1) سورة محمد: 33.
(2) الكافي 3: 367 ح 3، الفقيه 1: 242، ح 1073، التهذيب 2: 330 ح 1361.
(3) الكافي 3: 367 ح 5، الفقيه 1: 242 ح 1071، التهذيب 2: 330 ح 1360.
(4) التهذيب 2: 333 ح 1375.
(5) التهذيب 2: 333 ح 1375.
5

الحجاج، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه
وهو يستطيع ان يصبر عليه، أيصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟ فقال: (إن
احتمل الصبر، ولم يخف اعجالا عن الصلاة، فليصل وليصبر) (1) وهو يدل
بمفهوم المخالفة انه إذا خاف اعجالا لم يصبر.
فروع:
قد يجب القطع، كما في حفظ الصبي والمال المحترم عن التلف، وانقاذ
الغريق والمحترق، حيث يتعين عليه فلو استمر بطلت صلاته، للنهي المفسد
للعبادة.
وقد لا يجب بل يباح، كقتل الحية التي لا يغلب على الظن أذاها،
واحراز المال الذي لا يضر به فوته.
وقد يستحب، كالقطع لاستدراك الأذان والإقامة، وقراءة الجمعة
والمنافقين في الظهر والجمعة، والائتمام بامام الأصل أو غيره.
وقد يكره، كاحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته، مع احتمال
التحريم.
وإذا أراد القطع، فالأجود التحلل بالتسليم، لعموم: (وتحليلها
التسليم) (2). ولو ضاق الحال عنه سقط. ولو لم يأت به وفعل منافيا آخر،
فالأقرب عدم الاثم، لان القطع سائغ، والتسليم انما يجب التحلل به في
الصلاة التامة.
ثم هنا مباحث:
الأول: يحرم الفعل الكثير الخارج عن الصلاة إذا خرج فاعله به عن كونه

(1) الكافي 3: 364 ح 3، الفقيه 1: 240 ح 1061، التهذيب 2: 324 ح 1326.
(2) تقدم في ص 3: 418 الهامش 2.
6

مصليا، لسلب اسم الصلاة فلا تبقى حقيقتها. اما القليل - كلبس العمامة، أو
الرداء، أو مسح الجبهة، أو قتل القملة والبرغوث - فلا، لما روي أن النبي
صلى الله عليه وآله قتل عقربا في الصلاة (1) وأمر بقتل الأسودين في الصلاة:
الحية والعقرب (2) ودفع عليه الصلاة والسلام المار بين يديه (3) وحمل أمامة بنت
أبي العاص وكان يضعها إذا سجد ويرفعها إذا قام (4) وأدار ابن عباس عن يساره
إلى يمينه (5).
وروى محمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام جواز قتل الحية
والعقرب (6).
وروى الحلبي عنه عليه السلام قتل البقة والبرغوث والقملة والذباب في
الصلاة (7).
وفي رواية عمار عنه عليه السلام في قتل الحية: (ان كان بينه وبينها
خطوة واحدة فليخط وليقتلها، والا فلا) (8).

(1) سنن ابن ماجة 1: 395 ح 1247.
(2) المصنف لعبد الرزاق 1: 449 ح 1754، مسند أحمد 2: 233، 255، سنن الدارمي 1:
354، سنن ابن ماجة 1: 394 ح 1245، الجامع الصحيح 1: 233 ح 390، سنن النسائي
3: 10.
(3) المصنف لعبد الرزاق 2: 259 ح 3279، المصنف لابن أبي شيبة 1: 283، سنن ابن ماجة
1: 305 ح 948، السنن الكبرى 2: 268.
(4) الموطأ 1: 170، ترتيب مسند الشافعي 1: 116 ح 345، صحيح البخاري 1: 137، صحيح
مسلم 1: 385 ح 543، سنن أبي داود 1: 241 ح 917، سنن النسائي 3: 10.
(5) المصنف لعبد الرزاق 3: 36 ح 4706، مسند أحمد 1: 252، سنن الدارمي 1: 286،
صحيح البخاري 1: 179، صحيح مسلم 1: 528 ح 763، سنن أبي داود 2: 45 ح 1357.
سنن النسائي 2: 87، مسند أبي يعلى 4: 35 ح 2465.
(6) الكافي 3: 367 ح 1، التهذيب 2: 330 ح 1358.
(7) الكافي 3: 367 ح 2، الفقيه 1: 241 ح 1070، التهذيب 2: 330 ح 1359.
(8) الفقيه 1: 241 ح 1072، التهذيب 2: 331 ح 1364.
7

وروى زكريا الأعور أو زكريا ان الحسن عليه السلام ناول شيخا كبيرا
عصاه بعد أن انحنى لتناولها (1).
ويجوز عد الركعات والتسبيح بالأصابع والسبحة وان توالى، لأنه لا
يخرج به عن اسم المصلي ولا يخل بهيئة الخشوع، لان النبي صلى الله عليه
وآله علم جعفرا صلاة التسبيح وهي محتاجة إلى العدد (2).
وروى البزنطي عن داود بن سرحان، عن الصادق عليه السلام في عد
الآي بعقد اليد، قال: (لا بأس، هو أحصى للقرآن).
اما الأكل والشرب، فالظاهر أنهما لا يبطلان بمسماهما بل بالكثرة. فلو
ازدرد ما بين أسنانه لم تبطل، اما لو مضغ لقمة وابتلعها، أو تناول قلة فشرب
منها، فان كثر ذلك عادة أبطل.
وان كان لقمة أو شربة فقد قال في التذكرة: تبطل، لان تناول المأكول
ومضغه وابتلاعه أفعال معدودة، وكذا المشروب (3).
واستثنى الشيخ في الخلاف الشرب في صلاة النافلة (4). والذي رواه
سعيد الأعرج عن الصادق عليه السلام: الشرب في دعاء الوتر إذا خاف فجاءة
الصبح وهو عطشان ويريد الصيام، فيسعى خطوتين أو ثلاثا ويشرب (5).
واحتمل بعض الأصحاب قصر الرواية على موردها (6).

(1) الفقيه 1: 243 ح 1079 عن ابن زكريا الأعور، التهذيب 2: 332 ح 1369 عن زكريا الأعور.
(2) الفقيه 1: 347 ح 1536، التهذيب 3: 186 ح 420.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 132.
(4) قال الشيخ في الخلاف 1: 413 المسألة: 159: روي أن شرب الماء في النافلة لا بأس به،
ونحوه في المبسوط 1: 188، وراجع في ذلك مفتاح الكرامة 3: 35.
(5) الفقيه 1: 313 ح 1424، التهذيب 2: 329 ح 1354.
(6) راجع: المعتبر 2: 260، تذكرة الفقهاء 1: 133.
8

مسائل:
الأولى: لو قرأ كتابا في نفسه من غير نطق، فان طال الزمان التحق
بالسكوت الطويل والا فلا تبطل به، لأصالة بقاء الصحة، ولما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله: (تجاوز الله لأمتي عما حدثت نفوسها ما لم يتكلموا) (1)
ولأن التصورات لا يكاد يخلو منها انسان.
الثانية: لو كان الفعل الكثير متواليا، أبطل قطعا. ولو تفرق بحيث
حصلت الكثرة باجتماع اجزاءه، وكل واحد منها لا يعد كثيرا، ففي ابطال
الصلاة به وجهان، من وجود ما ينافي الصلاة مجتمعا فكذا متفرقا، ومن خروجه
بالتفرق عن الكثرة عرفا. وحديث حمل أمامة (2) يقوي اشتراط التوالي.
الثالثة: قال الأصحاب: ان الفعل الكثير انما يبطل إذا وقع عمدا، اما
مع النسيان (3) فلا، لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله: (رفع عن أمتي الخطأ
والنسيان) (4).
وربما يحتج بما رواه العامة - ورواه الأصحاب أيضا -: ان النبي
صلى الله عليه وآله سلم على اثنين، فقال ذو اليدين، أقصرت الصلاة أم
نسيت؟ فقال: (أصدق ذو اليدين؟) فقالوا: نعم. فقام رسول الله صلى الله

(1) مسند أحمد 2: 491، صحيح البخاري 3: 190، 7: 59، 8: 168، صحيح مسلم 1:
116 ح 127، سنن ابن ماجة 1: 658 ح 2040، سنن أبي داود 2: 264 ح 2209، الجامع
الصحيح 3: 489 ح 1183، سنن النسائي 6: 156، مسند أبي يعلى 11: 276 ح 6389.
(2) تقدم في ص 7 الهامش 4.
(3) راجع: المبسوط 1: 117، الوسيلة: 97، الغنية: 496، تذكرة الفقهاء 1: 132.
(4) الكافي 2: 335 ح 2، الفقيه 1: 36 ح 132، الخصال: 417، الجامع الصغير 2: 16
ح 4461 عن الطبراني في الكبير.
9

عليه وآله فصلى أخرتين ثم سلم، ثم سجد للسهو (1).
وهو متروك بين الامامية، لقيام الدليل العقلي على عصمة النبي صلى الله
عليه وآله عن السهو، ولم يصر إلى ذلك غير ابن بابويه - رحمه الله - ونقل عن
شيخه محمد بن الحسن بن الوليد انه قال: أول درجة من الغلو نفي السهو عن
النبي صلى الله عليه وآله (2).
وهذا حقيق بالاعراض عنه، لان الاخبار معارضة بمثلها فيرجع إلى قضية
العقل، ولو صح النقل وجب تأويله، على أن اجماع الامامية في الاعصار
السابقة على هذين الشيخين واللاحقة لهما على نفي سهو الأنبياء والأئمة عليهم
الصلاة والسلام.
الرابعة: قد يكون الفعل الكثير مبطلا للصلاة وغير مبطل، باعتبار القصد
وعدمه كالبكاء، فإنه ان كان لذكر الجنة أو النار فإنه لا يبطل، وان كان لأمور الدنيا
- كذكر ميت له - أبطل.
وقد رواه أبو حنيفة عن أبي عبد الله عليه السلام، وقال: (هو من أفضل
الأعمال في الصلاة) يعني البكاء لجنة أو نار (3).
وروي: ان النبي صلى الله عليه وآله كان في بعض صلاته فسمع لصدره
أزيز كأزيز المرجل (4)، بالزائين المعجمتين، وهو غليان صدره وحركته بالبكاء.
وبكى في آخر سجدة من صلاة الكسوف (5).

(1) التهذيب 2: 346 ح 1438، ترتيب مسند الشافعي 1: 121 ح 356، المصنف لعبد الرزاق
2: 299 ح 3447، صحيح البخاري 2: 86، صحيح مسلم 1: 404 ح 573، سنن ابن ماجة
1: 383 ح 1214، سنن النسائي 3: 20، شرح معاني الآثار 1: 445.
(2) الفقيه 1: 235.
(3) الفقيه 1: 208 ح 941، التهذيب 2: 317 ح 1295، الاستبصار 1: 408 ح 1558.
(4) مسند أحمد 4: 24، سنن أبي داود 1: 238 ح 904، سنن النسائي 3: 13، السنن الكبرى
2: 251.
(5) سنن النسائي 3: 138.
10

ولو كان مغلوبا على البكاء لأمور الدنيا، فالظاهر الفساد أيضا - لاطلاق
النص - وان زال عنه الاثم. ولو بكى ناسيا لم تبطل، لعموم: رفع الخطأ عن
الناسي (1).
ويستحب التباكي في الصلاة، لما رواه سعيد بياع السابري، قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: أيتباكى الرجل وهو في الصلاة؟ قال: (بخ بخ، ولو
مثل رأس الذباب) (2).
الخامسة: يجوز الايماء بالرأس والإشارة باليد والتسبيح للرجل،
والتصفيق للمرأة، عند إرادة الحاجة، رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام (3).
وروى عنه حنان بن سدير: ان النبي صلى الله عليه وآله أومأ برأسه في
الصلاة (4). وروى عنه عمار: التنحنح ليسمع من عنده فيشير إليه، والتسبيح
للرجل والمرأة، وضرب المرأة على فخذها (5).
وكذا يجوز غسل الرعاف في أثنائها، رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه
السلام (6).
ويجوز ضرب الحائط لايقاظ الغير، لرواية أبي الوليد عن الصادق عليه
السلام (7). ورمي الغير بحصاة طلبا لاقباله، كما فعله عليه السلام (8). وضم

(1) الكافي 2: 335 ح 1، 2، الخصال: 417، التوحيد: 353، الجامع الصغير 2: 16
ح 4461 عن الطبراني في الكبير.
(2) الكافي 3: 301 ح 2، التهذيب 2: 287 ح 1148، الاستبصار 1: 407 ح 1557.
(3) الكافي 3: 365 ح 7، الفقيه 1: 242 ح 1075، وفي التهذيب 2: 324 ح 1328 لم يذكر
التسبيح.
(4) الفقيه 1 242 ح 1076.
(5) الفقيه 1: 242 ح 1077.
(6) الكافي 3: 365 ح 9، التهذيب 2: 323 ح 1323.
(7) الفقيه 1: 243 ح 1080، التهذيب 2: 325 ح 1329.
(8) الفقيه 1: 243 ح 1078، التهذيب 2: 327 ح 1342.
11

الجارية إليه، لرواية مسمع عن أبي الحسن عليه السلام (1). وارضاع الصبي
حال التشهد، لرواية عمار عن الصادق عليه السلام (2).
ويجوز رفع القلنسوة من الأرض ووضعها على الرأس، رواه زرارة عنه
عليه السلام (3).
البحث الثاني: يحرم تعمد القهقهة في الصلاة وتبطلها اجماعا، لما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (من قهقه فليعد صلاته) (4). وروى
زرارة عن الباقر عليه السلام: (القهقهة لا تنقض الوضوء وتبطل الصلاة) (5).
والظاهر أنه لا يعتبر فيها الكثرة، بل يكفي منها مسماها. ولو قهقه ناسيا
لم تبطل اجماعا. وكذا لا تبطل بالتبسم - وهو ما لا صوت فيه - اجماعا،
والأقرب كراهيته. ولو صدرت القهقهة على وجه لا يمكنه دفعه، فالأقرب
البطلان وان لم يأثم، لعموم الخبر.
البحث الثالث: يحرم تعمد الحدث في الصلاة ويقطعها، وفي السهو
قولان سبقا.
البحث الرابع: يحرم تعمد الكلام بما ليس من الصلاة، ولا من القرآن
والأذكار والدعاء بالمباح، وحده حرفان فصاعدا باجماع الأصحاب، لقول
النبي صلى الله عليه وآله: (انما صلاتنا هذه تكبير وتسبيح وقرآن، وليس فيها
شئ من كلام الناس) (6). و (الكلام) جنس لما يتكلم به فيقع على الكلمة،

(1) التهذيب 2: 329 ح 1350.
(2) التهذيب 2: 330 ح 1355.
(3) التهذيب 2: 357 ح 1480.
(4) سنن الدارقطني 1: 167، السنن الكبرى 2: 252.
(5) مثله عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في الكافي 3: 364 ح 6، التهذيب 2: 324
ح 1324، بلفظ: (ولكن تنقض الصلاة).
(6) مسند الطيالسي: 150 ح 1105، المصنف لابن أبي شيبة 2: 432، مسند أحمد 5: 447،
سنن الدارمي 1: 353، صحيح مسلم 1: 381 ح 537، سنن أبي داود 1: 244 ح 930،
سنن النسائي 3: 14، السنن الكبرى 2: 249.
12

والكلمة صادقة على الحرفين فصاعدا. وقوله: (ليس فيها شئ من كلام
الناس) خبر يراد به النهي، لاستحالة عدم المطابقة في خبر الله ورسوله.
ولو تكلم ناسيا لم تبطل، لعموم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) (1)
وقول الصادق عليه السلام في خبر عبد الرحمن بن الحجاج في المتكلم في
الصلاة ناسيا: (يتمها، ثم يسجد سجدتين) (2). فان طال الكلام ناسيا التحق
بالفعل الكثير.
وفي هذا البحث أحكام:
الأول: لا فرق بين كون الكلام عامدا لمصلحة الصلاة أو غيرها، أو لا
لمصلحة. وتجويز مالك الكلام للمصلحة (3) - كتنبيه الأعمى، أو من يدركه
الحريق أو السيل - مدفوع بسبق الاجماع.
الثاني: لو تكلم مكرها، ففي الابطال وجهان: نعم، لصدق تعمد
الكلام. ولا، لعموم: (وما استكرهوا عليه) (4). نعم، لا يأثم قطعا.
وقال في التذكرة: يبطل، لأنه مناف للصلاة، فاستوى فيه الاختيار وعدمه
كالحدث (5). وهو قياس مع الفرق، بان نسيان الحدث يبطل لا الكلام ناسيا
قطعا.
الثالث: لو كان الحرف الواحد مفهما، كما في الافعال المعتلة الطرفين
إذا أمر بها مثل: ق، ع، د، ش، ر فالأولى البطلان، لتسميته كلاما لغة

(1) الكافي 2: 335 ح 1، 2، الخصال: 417، التوحيد: 353، الجامع الصغير 2: 16
ح 4461 عن الطبراني في الكبير.
(2) الكافي 3: 356 ح 4، التهذيب 2: 191، ح 755، الاستبصار 1: 378 ح 1433.
(3) راجع: المجموع 4: 85، حلية العلماء 2: 129، المغني 1: 740.
(4) راجع الهامش 1.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 131.
13

وعرفا، والتحديد بالحرفين للأغلب، وكذا لو كان الحرف بعده مدة، لأنها اما:
ألف، أو واو، أو ياء.
الرابع: لو نفخ بحرفين، أو تأوه بهما، بطل. وان كان التأوه من خوف
النار، فوجهان: نعم، لصدق التكلم، ولا، واختاره في المعتبر، لوصف
إبراهيم عليه السلام به على الاطلاق، وفعل كثير من الصلحاء (1).
ولو أن بحرفين بطلت، لرواية طلحة بن زيد، عن الصادق عليه السلام
ان عليا عليه السلام قال: (من أن في صلاته فقد تكلم) (2).
الخامس: لا تبطل الصلاة بالحرف الواحد غير المفهم اجماعا، لعدم
انفكاك الصوت منه فيؤدي اجتنابه إلى الحرج.
وكذا لا تبطل بالنفخ الذي لا تتميز فيه الحروف.
وكذا التنحنح، لأنه لا يعد كلاما، وقد مر في الرواية جوازه (3)، وأولى
بالجواز إذا تعذرت القراءة أو الأذكار الا به، ولا يجوز العدول إلى الاخفات إذا
أمكن من دون التنحنح، لان الجهر واجب مع امكانه.
وكذا لو كان التنحنح بان غلب عليه ذلك، اما لو كثر فإنه يلتحق بالفعل
الكثير.
ولو تنحنح الامام لم ينفرد المأموم، لبقاء الصحة. وقال بعض الشافعية:
ينفرد، بناء على أن التنحنح عن قصد مبطل، وان الظاهر أن الامام قاصد.
ويضعف بمنع المقدمتين، وسند منع الثانية: ان الظاهر أن الامام يحترز من
مبطلات الصلاة، فيحمل على غير الاختيار، وخصوصا عندنا لأنا نشترط
عدالته.

(1) المعتبر 2: 254.
(2) التهذيب 2: 330 ح 1356.
(3) المجموع 4: 80، حلية العلماء 2: 129.
14

السادس: الدعاء كلام فمباحه مباح وحرامه حرام. ولو جهل كون
المطلوب حراما، فالأشبه الصحة، لعدم وصفه بالنهي، ومن تفريطه بترك
التعلم.
ولو جهل كون الحرام مبطلا، فالظاهر البطلان، لأنه مكلف بترك الحرام
وجهله تقصير منه، وكذا الكلام في جميع منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل
بالحكم عن المنافاة.
وفي التهذيب لما أورد خبر علي بن النعمان - الذي يأتي - أوله بالحمل
على من تكلم لظنه ان التسليم يبيح الكلام وان كان بعد في الصلاة، كما يبيحه
إذا انصرف به من الصلاة، فلم يجب عليه إعادة الصلاة لجهله به وارتفاع علمه
بأنه لا يسوغ ذلك (1). وهذا مصير منه إلى أن الجهل بالحكم عذر.
السابع: لو تكلم بالقرآن قاصدا افهام الغير والتلاوة جاز، كقوله
للمستأذنين عليه: (ادخلوها بسلام آمنين) (2).
ولمن يريد التخطي على الفراش بنعله: (فاخلع نعليك إنك بالواد
المقدس) (3).
ولنهي من اسمه يوسف: (يوسف أعرض عن هذا) (4).
ولأمر يحيى بقوله: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) (5).
ولأمر حاكم أخطأ: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين
الناس بالحق) (6).

(1) التهذيب 2: 181.
(2) سورة الحجر: 46.
(3) سورة طه: 12.
(4) سورة يوسف: 29.
(5) سورة مريم: 12.
(6) سورة ص: 26.
15

ولو قصد مجرد الافهام، ففيه وجهان: البطلان والصحة، بناء على أن
القرآن هل يخرج عن اسمه بمجرد القصد أم لا؟
الثامن: لو تكلم عمدا لظنه اكمال الصلاة ثم تبين النقصان لم تبطل في
المشهور، وهو المروي في الصحيح بطريق الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله
عليه السلام من عدم البطلان بالتسليم (1) وهو كلام.
وبطريق علي بن النعمان: صليت بأصحابي المغرب فسلمت على
ركعتين، فقالوا: انما صليت بنا ركعتين! فكلمتهم وكلموني. فقالوا: اما نحن
فنعيد. فقلت: لكني لا أعيد وأتم ركعة فأتممت، ثم سألت أبا عبد الله عليه
السلام فقال: (كنت أصوب منهم فعلا، انما يعيد من لا يدري ما صلى) (2).
وفي هذه الرواية انه تكلم بعد ما علم النقيصة، فيحمل على أنه أضمر ذلك في
نفسه، أي: أضمر انه لا يعيد وانه يتم ويكون القول عبارة عن ذلك.
وبطريق محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام فيمن سلم على ركعتين
من المكتوبة للظن وتكلم ثم ذكر، قال: (يتم ولا شئ عليه) (3) في أخبار
كثيرة (4).
وفي النهاية: تبطل الصلاة بالتكلم عمدا (5) وجعله في المبسوط رواية (6)
لم نقف عليها.
البحث الخامس: يحرم الانحراف عن القبلة ولو يسيرا، فلو فعل عمدا
أبطلها. وان كان ناسيا، وكان بين المشرق والمغرب، فلا ابطال. وان كان إلى

(1) التهذيب 2: 180 ح 725، الاستبصار 1: 370 ح 1410.
(2) الفقيه 1: 228 ح 1011، التهذيب 2: 181 ح 726، الاستبصار 1: 371 ح 1411.
(3) التهذيب 2: 191 ح 757، الاستبصار 1: 379 ح 1436.
(4) راجع: التهذيب 2: 191 ح 755، 758، الاستبصار 1: 378 ح 1434، 1437.
(5) النهاية: 94.
(6) المبسوط 1: 118.
16

المشرق والمغرب، أو كان مستدبرا، فقد أجرياه في المقنعة والنهاية مجرى
الظان في الإعادة في الوقت إذا كان إليهما، ومطلقا ان استدبر (1). وتوقف فيه
الفاضلان (2).
وفي التهذيب لما روى عن الحسين بن أبي العلا عن الصادق عليه
السلام فيمن سبقه الامام بركعة في الفجر فسلم معه، ثم أقام في مصلاه ذاكرا
حتى طلعت الشمس: يضيف إليها ركعة إن كان في مكانه، وان كان قد انصرف
أعاد، قال الشيخ: يعني به إذا كان قد استدبر القبلة (3) وهذا ذهاب منه إلى أن
استدبار القبلة يبطل إذا وقع سهوا، واختاره المحقق في المعتبر (4).
وقال الشيخ في المبسوط - بعد عد تروك الصلاة وعد الاستدبار منها،
والفعل الكثير، والحدث -: وهذه التروك على ضربين: أحدهما متى حصل
عمدا أو سهوا أبطل، وهو جميع ما ينقض الوضوء، وقد روي أنه إذا سبقه
الحدث جاز الوضوء والبناء، والأحوط الأول. والقسم الآخر متى حصل ساهيا
أو ناسيا أو للتقية فإنه لا يقطع الصلاة، وهو كل ما عدا نواقض الوضوء (5). وهو
تصريح منه بان الاستدبار سهوا لا يبطل.
ولك ان تقول: الصلاة إلى دبر القبلة غير الاستدبار سهوا في الصلاة،
فان الاستدبار سهوا يصدق على اللحظة التي لا يقع فيها شئ من أفعال
الصلاة، وجاز ان يغتفر هذا القدر كما اغتفر انكشاف العورة في الأثناء، فلا
يكون للشيخ في المسألة قولان على هذا.
ويجوز أن يستدل على ابطال الصلاة بالاستدبار مطلقا بما رواه زرارة عن

(1) المقنعة: 14، النهاية: 94.
(2) المعتبر 2: 74، تذكرة الفقهاء 1: 103.
(3) التهذيب 2: 183، والحديث فيه برقم 371، وفي الكافي 3: 383 ح 11.
(4) المعتبر 2: 381.
(5) المبسوط 1: 117.
17

الباقر عليه السلام، قال: (الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله) (1) فإنه يشمل
باطلاقه العامد والناسي، الا ان يعارض بحديث الرفع عن الناسي (2) فيجمع
بينهما بحمله على العمد.
واعلم أن الالتفات إلى محض اليمين واليسار بكله كالاستدبار، كما أنه
بحكمه في الصلاة مستدبرا على أقوى القولين، فيجئ القول بالابطال ولو
فعله ناسيا إذا تذكر في الوقت، وان فرقنا بين الالتفات وبين الصلاة إلى اليمين
واليسار فلا ابطال.
البحث السادس: اختلف في عقص الشعر، وهو جمعه في وسط الرأس
وشده. فروى في التهذيب عن مصادف، عن الصادق عليه السلام في رجل
صلى الفريضة وهو معقوص الشعر، قال: (يعيد صلاته) (3).
ورووا عن أبي رافع، قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا
أصلي وقد عقصت شعري فاطلقه (4).
وأخذ الشيخ بالتحريم والابطال (5).
وقال المفيد، وسلار، وأبو الصلاح، وابن إدريس، والفاضلان:
يكره (6)، للأصل، وضعف مصادف، واستبعاد ان يكون هذا محرما وينفرد به
الواحد.
فان قلت: وكذا تبعد الكراهية لانفراد الواحد بها.

(1) التهذيب 2: 199 ح 780، الاستبصار 1: 405 ح 1543.
(2) تقدم في ص 13 الهامش 1.
(3) الكافي 3: 409 ح 5، التهذيب 2: 232 ح 914.
(4) سنن الدارمي 1: 320.
(5) المبسوط 1: 119، النهاية: 95.
(6) المقنعة: 25، المراسم: 64، الكافي في الفقه: 125، السرائر: 58، المعتبر 2: 260،
تذكرة الفقهاء 1: 99
18

قلت: المكروه لا تتوفر الدواعي إلى نقله، فجاز انفراد الواحد، بخلاف
المحرم.
ونقل الشيخ في الخلاف الاجماع على تحريمه (1)، فان ثبت فهو حجة
معتمدة، ولما تقرر في الأصول حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد، فلا بأس
باتباع الشيخ، وللاحتياط.
فرع:
القائلون بالتحريم والكراهة خصوه بالرجل كما في الرواية، فلا تحريم
ولا كراهة في حق النساء.
البحث السابع: في باقي المبطلات.
فمنها: السكوت الطويل الذي يخرج به عن كونه مصليا، وظاهر
الأصحاب انه كالفعل الكثير، فحينئذ يشترط فيه التعمد، فلو وقع نسيانا لم
تبطل. ويبعد بقاء الصلاة على الصحة فيه وفي الفعل الكثير المخرجين عن
اسم المصلي، بحيث يؤدي إلى انمحاء صورة الصلاة، كمن يمضي عليه
الساعة والساعتان أو معظم اليوم.
ومنها: نقض الركن عمدا أو سهوا وزيادته - كما مر - وزيادة الواجب
عمدا أو نقصه عمدا.
ومنها: ما خرجه بعض متأخري الأصحاب من تحريم الصلاة مع سعة
الوقت لمن تعلق به حق آدمي مضيق مناف لها (2) ولا نص فيه الا ما سيجئ إن
شاء الله من عدم قبول صلاة ممن لا يخرج الزكاة (3) وليس بقاطع في البطلان.

(1) الخلاف 1: 111 المسألة 202.
(2) كالعلامة في مختلف الشيعة: 414.
(3) الخصال: 156، عيون أخبار الرضا 1: 258.
19

واما احتجاجهم بان الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده، وان حق
الآدمي مضيق فيقدم على حق الله تعالى، وان النهي في العبادة يفسدها، ففيه
كلام حققناه في الأصول.
ومنها: الكتف والتأمين، وقد سبقا.
واما ما يبطل من الشك والسهو فيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
20

المطلب الثاني: في التروك المستحبة.
وقد مر في تضاعيف الأفعال شطر منها ولنذكر أمورا:
الأول: يكره الالتفات إلى اليمين والشمال، بحيث لا يخرج الوجه إلى
حد الاستدبار. وكان بعض مشايخنا المعاصرين يرى أن الالتفات بالوجه يقطع
الصلاة (1) كما يقوله بعض الحنفية (3) لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه
قال: (لا تلتفتوا في صلاتكم، فإنه لا صلاة لملتفت) رواه عبد الله بن سلام (3)
ويحمل على الالتفات بكله، وروى زرارة عن الباقر عليه السلام: (الالتفات
يقطع الصلاة إذا كان بكله) (4).
الثاني: يكره ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام: (إذا قمت إلى
الصلاة فاعلم انك بين يدي الله تعالى، فان كنت لا تراه فاعلم أنه يراك، فاقبل
قبل صلاتك، ولا تمتخط، ولا تبصق، ولا تنقض أصابعك، ولا تورك، فان
قوما عذبوا بتنقيض الأصابع والتورك في الصلاة) (5).
قلت: تنقيض الأصابع الظاهر أنه الفرقعة بها ليسمع لها صوت، من
إنقاض المحامل أي تصويتها.
وعن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لعلي عليه السلام: (لا تفرقع
أصابعك وأنت تصلي) (6)

(1) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة 3: 18 عن فخر المحققين.
(2) شرح فتح القدير 1: 357.
(3) المعجم الأوسط 3: 27 ح 2042.
وذيل الحديث في حلية الأولياء 7: 344، والعلل المتناهية 1: 446 ح 764.
(4) التهذيب 2: 199 ح 780، الاستبصار 1: 405 ح 1543.
(5) التهذيب 2: 325 ح 1332.
(6) سنن ابن ماجة 1: 310 ح 965.
21

وعنه صلى الله عليه وآله انه سمع فرقعة رجل خلفه في الصلاة، فلما
انصرف قال النبي صلى الله عليه وآله: (اما انه حظه من صلاته) (1).
الثالث: روى الحلبي عن الصادق عليه السلام في التمطي والتثاؤب في
الصلاة: (من الشيطان) (2).
الرابع: التنخم والبصاق. روي: ان النبي صلى الله عليه وآله كان يأخذ
النخامة في ثوبه (3).
الخامس: العبث: لفحوى رواية أبي بصير (4) ولما فيه من منافاة الاقبال
على الصلاة وترك الخشوع.
السادس: مدافعة الأخبثين أو الريح أو النوم، لقول النبي صلى الله عليه
وآله: (لا صلاة لحاقن) (5) ولقوله صلى الله عليه وآله: (لا تصل وأنت تجد شيئا
من الأخبثين) (6). وروى هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام: (لا صلاة
لحاقن ولا لحاقنة، وهو بمنزلة من هو في ثوبه) (7) وفيه دلالة على الريح. واما
النوم فلقوله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) في بعض التفسير (8)
ولما فيه من سلب الخشوع والاقبال على الصلاة، والتعرض لابطالها.
ولو عرضت المدافعة في أثناء الصلاة فلا كراهة في الاتمام، لعدم اختيار

(1) الكافي 3: 365 ح 8.
(2) التهذيب 2: 324 ح 1328.
(3) صحيح مسلم 1: 389 ح 550، سنن ابن ماجة 1: 327 ح 1024، السنن الكبرى 2: 294.
(4) التهذيب 2: 325 ح 1332.
(5) مسند أحمد 5: 250، 260، 261، 280، سنن الترمذي 2: 189، سنن ابن ماجة
1: 202 ح 617، 619، سنن أبي داود 1: 23 ح 90، 91.
(6) التهذيب 2: 326 ح 1333، وراجع صحيح مسلم 1: 393 ح 560، مسند أحمد 6:
43، 54، 73، سنن أبي داود 1: 22 ح 89.
(7) المحاسن: 83، التهذيب 2: 333 ح 1372.
(8) سورة النساء: 43، وانظر مجمع البيان 3: 52.
22

المكلف هنا، ولو عجز عن المدافعة فله القطع. روى عبد الرحمن بن
الحجاج، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه
وهو يستطيع الصبر عليه، أيصلي على تلك الحالة أو لا؟ فقال: (إن احتمل
الصبر ولم يخف اعجالا عن الصلاة، فيصل وليصبر) (1).
السابع: التخصر، لنهي النبي صلى الله عليه وآله (2)، وهو الاعتماد
باليدين على الوركين ويسمي: التورك.
الثامن: لبس الخف الضيق، لما فيه من المنع عن التمكن في السجود
وملازمة القيام على سمت واحد.
التاسع: السدل، وقد ذكر فيما مر. وقيل: انه وضع الثوب على الرأس
والكتف وارسال طرفيه. اما لو أرسل طرفي الرداء فلا بأس، لما رواه علي بن
جعفر عن أخيه عليه السلام وقال: (لا يصلح جمعهما على اليسار، ولكن
اجمعهما على يمينك أو دعهما) (3).
العاشر: التأوه بحرف واحد والأنين به اختيارا، لقربه إلى الكلام.
وكره أبو الصلاح التنخع والتجشؤ، وادخال اليدين في الكمين وتحت الثياب (4).
[خاتمة]
ولنختم الفصل بثلاثة مباحث:
أحدها: في السلام على المصلي، وفيه مسائل تسع:
الأولى: لا يكره السلام على المصلي، للأصل، ولعموم: (إذا دخلتم

(1) الكافي 3: 364، الفقيه 1: 240 ح 1061، التهذيب 2: 324 ح 1326.
(2) مسند أحمد 2: 232، سنن الدارمي 1: 332، صحيح البخاري 2: 84، صحيح مسلم 1:
387 ح 545، سنن أبي داود 1: 249 ح 947، الجامع الصحيح 2: 222 ح 383، سنن
النسائي 2: 127.
(3) التهذيب 2: 373 ح 1551.
(4) الكافي في الفقه: 125.
23

بيوتا فسلموا على أنفسكم) (1). وروى البزنطي في سياق أحاديث الباقر عليه
السلام: (إذا دخلت المسجد والناس يصلون فسلم عليهم، وإذا سلم عليك
فاردد فاني افعله). وان عمار بن ياسر مر على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو
يصلي، فقال: السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، فرد عليه السلام (2).
الثانية: يجب الرد عليه إذا سلم عليه، لعموم قوله تعالى: (وإذا حييتم
بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) (3) والصلاة غير منافية لذلك.
وظاهر كلام الأصحاب مجرد الجواز، للخبرين الآتيين بعد، والظاهر أنهم
أرادوا به بيان شرعيته، ويبقى الوجوب معلوما من القواعد الشرعية. وبالغ
بعض الأصحاب في ذلك، فقال تبطل الصلاة لو اشتغل بالأذكار ولما يرد
السلام (4) وهو من مشرب اجتماع الأمر والنهي في الصلاة كما سبق، والأصح
عدم الابطال بترك رده.
الثالثة: يجب اسماعه تحقيقا أو تقديرا كما في سائر الرد. وقد روى
منصور بن حازم، عن الصادق عليه السلام: (يرد عليه ردا خفيا) (5). وروى
عمار عنه عليه السلام: (رد عليه فيما بينك وبين نفسك، ولا ترفع صوتك) (6).
وهما مشعران بعدم اشتراط اسماع المسلم، والأقرب اشتراط اسماعه، ليحصل
قضاء حقه من السلام.

(1) سورة النور: 61.
(2) جامع البزنطي: مخطوط، رواها الشيخ المجلسي في البحار 84: 306 ح 31، والشيخ
الحر في الوسائل 7: 271 ح 3 ب 17 من قواطع الصلاة عن الذكرى.
وأورد المقطع الثاني منه الشيخ الصدوق في الفقيه 1: 241 ح 1066 والمحقق في
المعتبر 2: 263، والعلامة في المنتهى 1: 297 والشهيد الأول في أربعينه: 50 ح 22.
(3) سورة النساء: 86.
(4) قاله العلامة في مختلف الشيعة: 102.
(5) الفقيه 1: 240 ح 1065، التهذيب
: 331 ح 1366.
(6) الفقيه 1: 240 ح 1064، التهذيب 2: 331 ح 1365.
24

الرابعة: قال المرتضى: يجب ان يقول المصلي في رد السلام مثل ما
قاله المسلم: (سلام عليكم)، ولا يقول: (وعليكم السلام) (1) ورواه عثمان بن
عيسى عن الصادق عليه السلام (2).
وجوز ابن إدريس الرد بقوله: (عليكم السلام)، وخصوصا إذا قال
المسلم: (عليكم السلام) (3) لعموم الآية، واستضعافا لخبر الواحد مع أن عثمان
ابن عيسى واقفي شيخ الواقفة، فتبقى عموم الآية والأصل سالمين عن
المعارض.
الخامسة: لا تكفي الإشارة بالرد عن السلام لفظا.
واحتج الشافعي على تحريم التلفظ بان أبا مسعود لما قدم من الحبشة
سلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في الصلاة فلم يرد عليه، قال:
فأخذني ما قرب وما بعد، فلما فرغ قلت: يا رسول الله أنزل في شئ؟ قال:
(لا، ولكن الله يحدث من أمره ما يشاء، وان مما أحدث أن لا يتكلموا في
الصلاة). وعلى جواز الإشارة بما روى صهيب وبلال: ان النبي صلى الله عليه
وآله كان إذا سلم عليه أشار بيده (4).
وجوابه بعد تسليم النقل انه يجوز تقدمه على الأمر برد السلام، ويجوز
ان يكون قد جمع بين الإشارة والتلفظ خفيا كما رويناه.

(1) الانتصار: 47.
(2) الكافي 3: 366 ح 1، التهذيب 2: 328 ح 1348.
(3) السرائر: 50.
(4) المجموع 4: 93، فتح العزيز 4: 117.
والرواية الأولى في: ترتيب مسند الشافعي 1: 119 ح 351، مسند أحمد 1: 435،
صحيح البخاري 9: 187، سنن أبي داود 1: 243 ح 924، سنن النسائي 3: 9، السنن
الكبرى 2: 248.
والرواية الثانية في: ترتيب مسند الشافعي 1: 119 ح 352، مسند أحمد 2: 10، سنن ابن
ماجة 1: 325 ح 1017، الجامع الصحيح 2: 204 ح 367، سنن النسائي 3: 5.
25

السادسة: لا يجب ان يقصد القرآن برده، ويظهر من كلام الشيخ
اعتباره (1).
لنا عموم الآية، ولخبر هشام بن سالم عن محمد بن مسلم، قال: دخلت
على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة، فقلت: السلام عليك. فقال:
(السلام عليك). فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت فلما انصرف قلت له: أيرد
السلام وهو في الصلاة؟ فقال: (نعم، مثل ما قيل له) (2). وفيه دلالتان:
إحداهما: ان لفظ (السلام عليك) ليس في القرآن وقد أتى بها.
وثانيها: عدم ذكر الامام قصد القرآن، فلو كان شرطا لذكره، لامتناع
تأخير البيان عن وقت الحاجة.
السابعة: لو سلم بالصباح أو المساء أو التحية لم يجب الرد عليه، قاله
ابن إدريس (3).
والمحقق قال في المعتبر: نعم، لو دعا له وقصد الدعاء لا رد السلام،
لم أمنع منه إذا كان مستحقا للدعاء، لما بيناه من جواز الدعاء لنفسه ولغيره (4).
وقال الفاضل: يجب رد كل ما يسمى تحية، لظاهر الآية، وخبر محمد
ابن مسلم. وجوز الرد بلفظ المسلم وبلفظ (سلام عليكم) (5).
الثامنة: لو كان في موضع تقية رد خفيا وأشار، وقد تحمل عليه الروايتان
السابقتان (6).
التاسعة: لو رد غيره اكتفى به إذا كان مكلفا. وفي الصبي المميز وجهان

(1) النهاية: 95، المبسوط 1: 119، الخلاف 1: 388 المسألة: 141
(2) التهذيب 2: 329 ح 1349.
(3) السرائر: 49.
(4) المعتبر 2: 264.
(5) مختلف الشيعة: 102.
(6) تقدمنا في ص 24 الهامش 5، 6.
26

مبنيان على صحة قيامه بفرض الكفاية، وهو مبني على أن أفعاله شرعية أو لا،
وقد سبقت الإشارة إليه. نعم، لو كان غير مميز لم يعتد به.
ولو رد بعد قيام غيره به لم يضر، لأنه مشروع في الجملة.
وهل هو مستحب كما في غير الصلاة أو تركه أولى؟ فيه نظر، من شرعيته
خارج الصلاة مستحبا، ومن انه تشاغل بغير الصلاة مع عدم الحاجة إليه.
البحث الثاني: لو رعف في أثناء الصلاة أو قاء لم تبطل الصلاة، لأنهما
غير ناقضين للطهارة، والقئ ليس بنجس ويجب غسل الرعاف إن بلغ قدر
الدرهم، ثم يتم صلاته ما لم يفعل المنافي، لرواية محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام في الرجل يأخذه القئ والرعاف في الصلاة: (ينفتل فيغسل
أنفه ويعود في صلاته، وان تكلم فليعد الصلاة وليس عليه وضوء) (1).
وروى الكليني عن الحلبي، عن الصادق عليه السلام فيمن رعف في
الصلاة: (إن قدر على ماء عنده يمينا وشمالا بين يديه وهو مستقبل القبلة
فليغسله عنه، ثم يصلي ما بقي من صلاته. وان لم يقدر على ماء، حتى
ينصرف بوجهه أو يتكلم، فقد قطع صلاته) (2).
واما رواية أبي حمزة عن الصادق عليه السلام: (لا يقطع الصلاة الا
رعاف وأز في البطن، فادرؤوهن ما استطعتم) (3) فهي نادرة، وتحمل على ما
إذا احتاج إلى فعل المنافي (4).
وحملت على استحباب الإعادة (5) فان أريد الإعادة بعد البناء فلا بأس،
وان أريد بدونه ففيه تعرض لقطع الصلاة، الا ان يقال: هذا كقطع الصلاة

(1) الكافي 3: 365 ح 9، التهذيب 2: 318 ح 1302، 323 ح 1323.
(2) الكافي 3: 364 ح 2، التهذيب 2: 200 ح 783، الاستبصار 1: 404 ح 1541.
(3) التهذيب 2: 328 ح 1347، الاستبصار 1: 403 ح 1539.
(4) راجع الهامش السابق.
(5) حملها المحقق في المعتبر 2: 269.
27

لاستدراك الأذان والجماعة، ولا يبعد ان يحمل القطع على استدراك غسل الدم
أو الوضوء للاز - وهو الصوت في البطن، بمعنى: الأزيز - لما رواه الفضيل بن
يسار، قلت: لأبي جعفر عليه السلام: أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني
أو أذى أو ضربانا، فقال: (انصرف، ثم توضأ وابن علي ما مضى من
صلاتك) (1).
تنبيه:
لو تعذر قطع الرعاف حشا أنفه وصلى مخففا لئلا يسبقه الدم، رواه
سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (2). ولو سبق الدم وأمكن غسله
وجب، والا أتمها مع ضيق الوقت بحالة.
البحث الثالث: يستحب (الحمد لله) عند العطاس في الصلاة،
للأصل، والعموم في استحباب ذلك الشامل للصلاة، ولقول الصادق عليه
السلام في رواية الحلبي: (إذا عطس الرجل في الصلاة فليقل: الحمد لله) (3).
ويجوز التحميد والصلاة على النبي وآله عند سماعه العطسة من الغير في
الصلاة، لرواية أبي بصير عنه عليه السلام، قال: (وان كان بينك وبينه
اليم) (4).
ولو سمت العاطس أو شمته فدعا له جاز، لما مر من جواز الدعاء للغير في
الصلاة. وتردد فيه في المعتبر، ثم قال: الجواز أشبه بالمذهب (5)، يعني:
لقضية الأصل من الجواز وعموم الدعاء للمؤمنين، وهو يشعر بعدم ظفره بنص

(1) الفقيه 1: 240 1060، التهذيب 2: 332 ح 1370، الاستبصار 1: 401 ح 1533.
(2) التهذيب 2: 333 ح 1371.
(3) التهذيب 2: 332 ح 1367.
(4) الكافي 3: 366 ح 3.
(5) المعتبر 2: 263.
28

في ذلك.
وروى العامة عن معاوية بن الحكم، قال: صليت مع رسول الله
صلى الله عليه وآله فعطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم
بأبصارهم! فقلت: ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون أيديهم على
أفخاذهم فعرفت انهم يصمتوني، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: (ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، انما هي التكبير
وقراءة القرآن) (1).
وربما قيل: ان الانكار على كلامه الثاني لا على التسميت (2).

(1) تقدم في ص 12 الهامش 6.
(2) قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 131.
29

الركن الثاني: في الخلل الواقع في الصلاة.
وهو اما عن عمد أو سهو أو شك، فهنا مطالب ثلاثة:
الأول: العمد.
وفيه مسائل ثلاث:
الأولى: تبطل الصلاة بتعمد الاخلال بكل ما يتوقف عليه صحة الصلاة
من الشروط - كالطهارة، والاستقبال، وستر العورة، وايقاعها في الوقت -
والاجزاء، ركنا كان - وهو: النية، والتكبير، والقيام، والركوع، والسجود - أو لا
- كالقراءة - أو صفة - كالجهر، والاخفات، والطمأنينة - لان الاخلال بالشرط
إخلال بالمشروط، وبالجزء اخلال بالكل. وقد سبق التنبيه على ذلك كله.
الثانية: لا فرق بين الاخلال بالشروط والابعاض وبين الاخلال بما يجب
تركه، لتحقق النهي المفسد للعبادة بفعل ما يجب تركه، ولا بين العالم
والجاهل بالحكم، لأنه ضم جهلا إلى تقصير، وقد استثنى الأصحاب الجهر
والاخفات لما سبق.
اما لو جهل غصبية الماء أو الثوب أو المكان، أو نجاسة الثوب أو البدن
أو موضع السجود، فلا إعادة في الغصب على الاطلاق، ولا في النجاسة مع
خروج الوقت، ومع بقائه قولان تقدما.
ولو وجد جلدا مطروحا فصلى فيه، أعاد وان تبين بعد انه مذكى، لأنه
دخل دخولا غير مشروع.
الثالثة: تبطل الصلاة بزيادة واجب عمدا، سواء كان ركنا أو غيره، لعدم
الاتيان بالماهية على وجهها. وكذا لو اعتقد وجوب بعض الأذكار المندوبة أو
بعض الأفعال المندوبة وكان كثيرا، وقد سبقت الإشارة إليه.
31

المطلب الثاني: في السهو.
وفيه مسائل:
الأولى: انما تبطل الصلاة بالسهو إذا تضمن الاخلال بشرط أو ركن،
كمن صلى بغير طهارة، أو لا مستقبلا على ما سبق تفصيله في الاستقبال، أو
صلى مكشوف العورة ناسيا. وكمن أخل بالقيام حتى نوى، أو بالنية حتى كبر،
أو بالتكبير حتى قرأ، أو بالركوع حتى سجد، أو بالسجدتين حتى ركع بعدهما.
وقد تقدم ذلك بدليله.
الثانية: كما تبطل نقيصة الركن سهوا كذا تبطل زيادته سهوا، لاشتراكهما
في تغيير هيئة الصلاة، ولقول الصادق عليه السلام: (من زاد في صلاته فعليه
الإعادة) (1).
وأولى منه زيادة ركعة فصاعدا الا زيادة الخامسة سهوا، فإنه يشترط في
البطلان ان لا يكون جلس عقيب الرابعة بقدر التشهد عند ابن الجنيد (2)
والفاضل (3) لصحيح جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام (4) وزرارة عن
الباقر عليه السلام (5).
وفي رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام: (ان كان لا يدري
جلس في الرابعة أم لم يجلس، فليجعل أربع ركعات منها الظهر ويجلس
فيتشهد، ثم يصلي ركعتين جالسا ويضيفها إلى الخامسة فتكون النافلة) (6).

(1) الكافي 3: 355 ح 5، التهذيب 2: 194 ح 764، الاستبصار 1: 376 ح 1429.
(2) مختلف الشيعة: 135.
(3) مختلف الشيعة: 135.
(4) الفقيه 1: 229 ح 1016.
(5) التهذيب 2: 194 ح 766، الاستبصار 1: 377 ح 1431.
(6) الفقيه 1: 229 ح 1017.
32

وفي رواية أخرى له: يضيف إلى الخامسة ركعة لتكونا نافلة (1).
وقال ابن إدريس: إن تشهد ثم قام سهوا قبل التسليم وأتى بالخامسة،
صحت على قول من جعل التسليم ندبا، ونقله عن الشيخ في الاستبصار (2).
والأكثرون أطلقوا البطلان بالزيادة (3) لما أطلق في رواية زرارة وأخيه بكير
- الحسنة - عن الباقر عليه السلام، قال: (إذا استيقن انه زاد في صلاته
المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته) (4)، وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام: (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) (5).
والشيخ جمع بينهما يحمل الأولى على من جلس وتشهد، وبحمل الثانية
على من لم يفعل ذينك (6) وهو حسن، ويكون فيه دلالة على ندب التسليم.
وأوجب في الخلاف الإعادة مطلقا، لتوقف اليقين بالبراءة عليه، وقال:
انما يعتبر الجلوس بقدر التشهد أبو حنيفة، بناء على أن الذكر في التشهد ليس
بواجب، وعندنا انه لا بد من التشهد وجوبا (7).
اما لو لم يجلس بقدر التشهد، فإنها تبطل قولا واحدا عندنا.
وقال أكثر العامة: تصح الصلاة مطلقا، لما رووه عن ابن مسعود ان النبي
صلى الله عليه وآله صلى بنا خمسا، فلما أخبرناه انفتل فسجد سجدتين ثم سلم،
وقال: (انما أنا بشر أنسى كما تنسون) (8). وهذا الحديث لم يثبت عندنا، مع

(1) التهذيب 2: 194 ح 765، الاستبصار 1: 377 ح 1430.
(2) السرائر: 52، وراجع: الاستبصار 1: 377.
(3) كابن البراج في: المهذب 1: 155، والشيخ في: المبسوط 1: 121.
(4) الكافي 3: 354 ح 2، التهذيب 2: 194 ح 763، الاستبصار 1: 376 ح 1428.
(5) الكافي 3: 355 ح 5، التهذيب 2: 194 ح 764، الاستبصار 1: 376 ح 1428.
(6) الاستبصار 1: 376.
(7) الخلاف 1: 451 المسألة: 196.
(8) صحيح مسلم 1: 400 ح 572، سنن ابن ماجة 1: 380 ح 1205، السنن الكبرى 2: 341.
وسيأتي ذيله في ص 54 الهامش 1.
33

منافاته للقواعد العقلية.
ويتفرع على ذلك انسحاب الحكم إلى زيادة أكثر من واحدة، والظاهر أنه
لا فرق، لتحقق الفصل بالتشهد على ما اخترناه، وبالجلوس على القول
الآخر. وكذا لو زاد في الثنائية أو الثلاثية.
ولو ذكر الزيادة قبل الركوع، فلا اشكال في الصحة، لعدم كون زيادة
القيام سهوا مبطلة، وعليه سجدتا السهو.
ولو ذكر الزيادة بين الركوع والسجود، فكالذكر بعد السجود. واحتمل
الفاضل الابطال، لأنا ان امرناه بالسجود زاد ركنا آخر في الصلاة، وان لم نأمره
به زاد ركنا غير متعبد به، بخلاف الركعة الواحدة لامكان البناء عليها نفلا (1) كما
سبق.
وعلى ما قلناه من اعتبار التشهد، لا فرق في ذلك كله في الصحة إن
حصل، وفي البطلان إن لم يحصل.
الثالثة: لو نقص من صلاته ساهيا ركعة فما زاد، ثم ذكر قبل فعل ما ينافي
الصلاة من حدث أو استدبار أو كلام وغيره أتمها قطعا، وان كان بعد الحدث
أعادهما، وان كان بعد الاستدبار أو الكلام فقد سلف.
وقال الصدوق - رحمه الله - في المقنع: ان صليت ركعتين من الفريضة،
ثم قمت فذهبت في حاجة لك، فأضف إلى صلاتك ما نقص منها ولو بلغت
إلى الصين، ولا تعد الصلاة فان إعادة الصلاة في هذه المسألة مذهب يونس
ابن عبد الرحمن (2).

(1) تذكرة الفقهاء 1: 135.
(2) في المقنع المطبوع: 31: (وان صليت ركعتين، ثم قمت فذهبت في حاجة لك، فأعد الصلاة
ولا تبن على ركعتين). وقد حكى العاملي في مفتاح الكرامة 3: 391 عبارة المقنع كما في
المتن عن المختلف والذكرى وغيرهما، وقال بعد إيراده العبارة السابقة: وهذا هو الموجود في
النسخة التي عندنا من نسخه، لكن الناقلين غير ذلك كأنهم عولوا على المختلف.
34

وروى في الفقيه عن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام: (ان من سلم
في ركعتين من الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء الآخرة، ثم ذكر فليبن على
صلاته ولو بلغ الصين ولا إعادة عليه) (1).
وروى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن
رجل صلى بالكوفة ركعتين، ثم ذكر وهو بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة
من البلدان انه صلى ركعتين، قال: (يصلي ركعتين) (2).
ويعارضه ما رواه الكليني عن سماعة، عن أبي عبد الله: أرأيت من صلى
ركعتين وظن أنها أربع فسلم وانصرف، ثم ذكر بعد ما ذهب انه انما صلى
ركعتين، قال: (يستقبل الصلاة من أولها) وذكر ان رسول الله صلى الله عليه وآله
لما صلى ركعتين لم يبرح من مكانه فلذلك أتمها (3).
وما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما، قال: سئل عن رجل دخل مع
الامام في صلاته وقد سبقه بركعة، فلما فرغ الامام خرج مع الناس ثم ذكر انه
فاتته ركعة، قال: (يعيد ركعة إذا لم يحول وجهه عن القبلة، فإذا حول وجهه
استقبل الصلاة) (4).
وعد الكليني في مبطلات الصلاة عمدا وسهوا الانصراف عن الصلاة
بكليته قبل ان يتمها (5) وهو الأصح، وتحمل تلك الأخبار على النافلة كما ذكره
الشيخ (6).
الرابعة: لا حكم للسهو عن غير الركن إذا تجاوز محله، كنسيان القراءة،

(1) الفقيه 1: 229 ح 1012، التهذيب 2: 192 ح 758، الاستبصار 1: 379 ح 1437.
(2) التهذيب 2: 347 ح 1440، والاستبصار 1: 368 ح 1403.
(3) الكافي 3: 355 ح 1، التهذيب 2: 346 ح 1438، الاستبصار 1: 369 ح 1405.
(4) التهذيب 2: 184 ح 732، الاستبصار 1: 368 ح 1401.
(5) الكافي 3: 360.
(6) التهذيب 2: 347، الاستبصار 1: 368.
35

أو أبعاضها، أو صفاتها من اعراب، أو ترتيب، أو جهر، أو اخفات. أو كنسيان
تسبيح الركوع، أو الطمأنينة فيه، أو رفع الرأس منه، أو الطمأنينة فيه. أو
الطمأنينة في السجود، أو الذكر فيه، أو السجود على بعض الأعضاء، أو لم
يتم رفعه من السجود الأول، أو لم يطمئن في رفعه منه.
لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله: (رفع عن أمتي الخطأ
والنسيان) (1).
وقول الباقر عليه السلام: (لا تعاد الصلاة الا من خمسة: الطهور،
والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود) رواه زرارة (2).
وقول أبي الحسن الكاظم عليه السلام في ناسي التسبيح في الركوع
والسجود: (لا بأس بذلك) رواه علي بن يقطين (3).
وروى عبد الله القداح، عن الصادق عليه السلام: (ان عليا عليه السلام
سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا، قال: تمت صلاته) (4).
وفي رواية حكم بن حكيم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
نسي من صلاته ركعة أو سجدة أو الشئ منها، ثم تذكر بعد ذلك، فقال:
(يقضي ذلك بعينه). فقلت له: أيعيد الصلاة؟ قال: (لا) (5). وهي تدل
بظاهرها على قضاء ابعاض الصلاة على الاطلاق، وهو نادر مع امكان الحمل
على ما يقضي منها - كالسجدة والتشهد وابعاضه - أو على أنه يستدركه في
محله.
وكذا ما روى عبد الله بن سنان، عن الصادق عليه السلام، قال: (إذا

(1) تقدم في ص 13 الهامش 1.
(2) الفقيه 1: 225 ح 991، التهذيب 2: 152 ح 597.
(3) التهذيب 2: 157 ح 612، 614.
(4) التهذيب 2: 157 ح 612.
(5) التهذيب 2: 150 ح 588، الاستبصار 1: 357 ح 1350.
36

نسيت شيئا من الصلاة، ركوعا أو سجودا أو تكبيرا، ثم ذكرت فاصنع الذي
فاتك سواء) (1).
وكذا رواية الحلبي عنه عليه السلام: (إذا نسيت من صلاتك، فذكرت
قبل ان تسلم أو بعد ما تسلم أو تكلمت، فانظر الذي كان نقص من صلاتك
فأتمه) (2). وابن طاوس في البشرى يلوح منه ارتضاء مفهومها.
الخامسة: لو سها عن شئ وهو في محله أتى به، ركنا كان أو غيره، لأنه
مخاطب به فلا يسقط بالنسيان مع امكان تداركه. ثم إن كان هناك ترتيب وجب
مراعاته، كما لو ترك الحمد حتى قرأ السورة وجب بعد قراءة الحمد إعادة
السورة.
وكذا لو تشهد قبل سجوده ثم تذكر أعاد السجود والتشهد، فان كان ذلك
التشهد المعقب بالتسليم فالحكم كذلك ان قلنا بوجوب التسليم، وان لم نقل
به ففي الاستدارك هنا تردد، من الحكم بخروجه بالتشهد كما لو كان المنسي
غير السجود، ومن انه لما وقع في غير موضعه كان بمثابة تسليم الناسي الذي
هو غير مخرج فلا يكون التشهد هنا مخرجا، وعسى ان يأتي ما يدل عليه. فان
قلنا بعدم التدارك وكان المتروك السجدتين بطلت الصلاة، وان كانت واحدة
أتى بها بعد التشهد.
ولو ذكر ترك الركوع، وقد انتهى إلى حد الساجد ولما يسجد، رجع إلى
الركوع. والظاهر أنه لا يجب الطمأنينة في هذا القيام، لسبقها من قبل.
وكذا يعود لتدارك السجود ما لم يركع فيما بعده، ويتدارك القراءة أو
التسبيح، لفعله على غير الوجه المتعبد به. ولا فرق بين السجدة الواحدة أو
السجدتين، ورواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في ناسي

(1) الفقيه 1: 228 ح 1007، التهذيب 2: 350 ح 1450.
(2) أوردها المجلسي في بحار الأنوار 88: 154 عن ذكرى الشيعة.
37

السجدة الثانية: يرجع ويسجد ما لم يركع (1) لا تدل على التخصيص.
وقال المفيد - رحمه الله -: ان ترك سجدتين من ركعة واحدة أعاد على
كل حال، وان نسي واحدة منهما ثم ذكرها في الركعة الثانية قبل الركوع أرسل
نفسه وسجدها ثم قام (2). ومثله قول أبي الصلاح (3).
وصرح ابن إدريس بإعادة الصلاة بترك السجدتين وان ذكر قبل ركوعه،
وبإعادة السجدة الواحدة إذا ذكر قبل ركوعه (4).
ولم نقف على نص يقتضي التفرقة، فان القيام إن كان انتقالا عن المحل
لم يعد إلى الواحدة، والا عاد إلى السجدتين. وجزم الفاضلان بالعود في
الموضعين (5).
وكذا يعود لتدارك التشهد ما لم يركع عندنا، ورواه الحلبي وعلي بن حمزة
عن الصادق عليه السلام (6).
السادسة: لا تبطل الصلاة بالسهو عن سجدة من ركعة حتى يركع فيما
بعدها.
وقد يظهر من كلام ابن أبي عقيل وجوب الإعادة بترك سجدة، حيث
قال: فالفرض: الصلوات بعد دخول وقتها، واستقبال القبلة، وتكبيرة
الاحرام، والسجود. ومن ترك شيئا من ذلك، أو قدم منه مؤخرا، أو أخر منه
مقدما، ساهيا كان أو متعمدا، إماما كان أو مأموما أو منفردا، بطلت صلاته (7).

(1) التهذيب 2: 153 ح 602، الاستبصار 1: 359 ح 1361.
(2) المقنعة: 22.
(3) الكافي في الفقه: 119.
(4) السرائر: 50.
(5) المعتبر 2: 383، تذكرة الفقهاء 1: 138.
(6) الكافي 3: 357 ح 7، 8، التهذيب 2: 344 ح 1429، 1430.
(7) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 131.
38

وقال: من استيقن انه سجد سجدة وشك في الثانية سجدها، فان استيقن
انه سجد سجدتين أعاد الصلاة (1).
فظاهر كلامه ان السجدة الواحدة كالسجدتين في الزيادة والنقصان.
وقد روى الشيخ في التهذيب باسناده إلى علي بن إسماعيل، عن رجل،
عن معلى بن خنيس، قال: سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام في الرجل
ينسى السجدة من صلاته، قال: (إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على
صلاته، ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، وان ذكرها بعد ركوعه أعاد
الصلاة. ونسيان السجدة في الأوليين والأخيرتين سواء) (2).
وهذا الخبر فيه ارسال، وفي المعلى كلام، والمشهور انه قتل في حياة
الصادق عليه السلام، فكيف يروى عن أبي الحسن الماضي!، والشيخ حمل
السجدة على السجدتين معا (3).
وروى منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن
رجل صلى فذكر انه زاد سجدة، فقال: (لا يعيد صلاته من سجدة، ويعيدها من
ركعة) (4).
وروى عبيد بن زرارة عنه عليه السلام فيمن شك في سجدة فسجد ثم
تيقن انه زاد سجدة، فقال: (لا والله، لا تفسد الصلاة زيادة سجدة)، وقال:
(لا يعيد صلاته من سجدة، ويعيدها من ركعة) (5). وهما خبران في معنى
النهي.
وفي هاتين الروايتين دلالة على صحة الصلاة لو زاد سجدة صريحا،

(1) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 131.
(2) التهذيب 2: 154 ح 606، الاستبصار 1: 359 ح 1363.
(3) الهامش السابق.
(4) الفقيه 1: 228 ح 1009، التهذيب 2: 156 ح 610.
(5) التهذيب 2: 156 ح 611.
39

وكذا لو نقصها، لقوله: (لا يعيد صلاته من سجدة).
السابعة: حكم الأوليين حكم الأخيرتين في السهو عن غير ركن، فلا
تبطل الصلاة بذلك في المشهور بين الأصحاب.
وقال المفيد والشيخ - في التهذيب -: تبطل بالسهو فيهما والشك في
أفعالهما (1) لرواية البزنطي عن الرضا عليه السلام في رجل يصلي ركعتين ثم ذكر
في الثانية وهو راكع انه ترك سجدة في الأولى، قال: (كان أبو الحسن يقول:
إذا تركت السجدة في الركعة الأولى، فلم تدر أواحدة أو اثنتين، استقبلت حتى
يصح لك ثنتان. فإذا كان في الثالثة والرابعة، فتركت سجدة بعد أن تكون قد
حفظت الركوع، أعدت السجود) (2).
وقد روي ما يعارض ذلك عن محمد بن منصور، قال: سألته عن الذي
ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو يشك فيها، فقال: (إذا خفت ان لا
تكون وضعت وجهك الا مرة واحدة، فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة) (3).
وتأوله الشيخ بان المراد به من الركعة الثانية من الأخيرتين (4) وهو بعيد.
وأجاب الفاضل عن رواية البزنطي: بان المراد بالاستقبال الاتيان
بالسجود المشكوك فيه، ويكون قوله عليه السلام: (وإذا كان في الثالثة والرابعة
فتركت سجدة) راجعا إلى من تيقن ترك السجدة في الأوليين، فان عليه إعادة
السجدة لفوات محلها. ولا شئ عليه لو شك، بخلاف ما لو كان الشك في
الأولى، لأنه لم ينتقل عن محل السجود فيأتي بالمشكوك فيه (5).

(1) المقنعة: 24، التهذيب 2: 154.
(2) قرب الاسناد: 160، التهذيب 2: 154 ح 605.
وصدره في الكافي 3: 349 ح 3 بلفظ: فقال: (كان أبو الحسن عليه السلام... استقبلت
الصلاة حتى يصح لك انهما اثنتان.
(3) التهذيب 2: 155 ح 607، الاستبصار 1: 360 ح 1365.
(4) الهامش السابق.
(5) مختلف الشيعة: 130.
40

الثامنة: حكم الأخيرتين في البطلان بترك الركن إذا تجاوز محله حكم
الأوليين في المشهور أيضا.
وقال الشيخ: انما تبطل في الأوليين أو في الصبح أو في ثالثة المغرب،
وان كان في الأخيرتين من الرباعية حذف الزائد وأتى بالفائت، فلو ترك الركوع
حتى سجد ولم يذكر حتى صلى ركعة أخرى أسقط الأولى (1).
وله قول آخر بالتلفيق وان كان في الأوليين (2) كما هو قول ابن الجنيد وأبي
الحسن بن بابويه فيما عدا الأولى، فإنهما اعتبرا سلامة الأولى لا غير (3).
والروايات مختلفة، فروى أبو بصير عن الصادق عليه السلام: (إذا أيقن
الرجل انه ترك ركعة من الصلاة، وقد سجد سجدتين وترك الركوع، استأنف
الصلاة) (4) ومثله رواه عن الباقر عليه السلام (5) ورواه رفاعة عن الصادق عليه
السلام (6).
وروى محمد بن مسلم، عن الباقر عليه السلام في رجل شك بعد ما
سجد انه لم يركع: (فان استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني
على صلاته على التمام، وان كان لم يستيقن الا بعد ما فرغ فليقم وليصل ركعة
وسجدتين) (7). وحمل الشيخ هذا على الأخيرتين (8) ولم نقف على موجب هذا
الحمل الا ما يظهر من الرواية عن الرضا عليه السلام: الإعادة في الأوليين

(1) المبسوط 1: 119، التهذيب 2: 149.
(2) الجمل والعقود: 186 (ضمن الرسائل العشر)، الاقتصاد: 265، والنهاية: 88.
(3) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 129.
(4) التهذيب 2: 148 ح 580، الاستبصار 1: 355 ح 1343.
(5) التهذيب 2: 149 ح 584، الاستبصار 1: 356 ح 1346.
(6) الكافي 3: 348 ح 2، التهذيب 2: 148 ح 581، الاستبصار 1: 355 ح 1345.
(7) الفقيه 1: 228 ح 1006، التهذيب 2: 149 ح 585، الاستبصار 1: 356 ح 1348.
(8) التهذيب 2: 149، الاستبصار 1: 356.
41

والشك في الأخيرتين (1) ولكنه ليس بصريح في المطلوب.
واعلم أن رواية محمد بن مسلم قضيتها التلفيق ولو بعد التسليم، لدلالة
الفراغ عليه، إذ هو بترك الركوع كأنه قد ترك الركعة إذ السجدتان لا عبرة بهما،
فيكون قد بقي عليه ركعة فيأتي بها.
التاسعة: لو نسي سجدة أو التشهد حتى ركع من بعد، قضاهما بعد
التسليم وسجد للسهو، لرواية علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله عليه
السلام: (إذا قمت في الركعتين ولم تتشهد وذكرت قبل ان تركع فاقعد فتشهد، وان
لم تذكر حتى ركعت فامض في صلاتك، فإذا انصرفت سجدت سجدتي السهو
لا ركوع فيهما، ثم تشهد التشهد الذي فاتك) (2).
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يفرغ من
صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف، فقال: (إن كان قريبا رجع إلى مكانه
فتشهد، والا طلب مكانا نظيفا فتشهد) (3).
وقال ابنا بابويه والمفيد - في العزية -: يجزئ التشهد الذي في سجدتي
السهو عن قضاء التشهد المنسي (4)، لظاهر رواية ابن أبي حمزة (5)، ولرواية
الحسين ابن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام (6)، وسليمان بن خالد عنه:
ان عليه سجدتي السهو ولم يذكر قضاء التشهد (7). وعن أبي بصير قال: سألته

(1) الكافي 3: 350 ح 4، التهذيب 2 177 ح 709، الاستبصار 1: 364 ح 1386.
(2) الكافي 3: 357 ح 7، التهذيب 2: 344 ح 1430.
(3) التهذيب 2: 157 ح 617.
(4) الفقيه 1: 233، المقنع 33، وحكاه عن المفيد وعلى ابن بابويه العلامة في مختلف الشيعة:
137.
(5) تقدمت في الهامش 2.
(6) التهذيب 2: 158 ح 619، الاستبصار 1: 326 ح 1373.
(7) التهذيب 2: 158 ح 618، الاستبصار 1: 362 ح 1374.
42

عن الرجل ينسى ان يتشهد، قال: (يسجد سجدتين يتشهد فيهما) (1).
لنا: ان سجدتي السهو يجب فيهما التشهد على ما يأتي في رواية الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام (2)، والتشهد يجب قضاؤه على ما مر في رواية
محمد بن مسلم (3)، والأصل عدم التداخل.
العاشرة: لا فرق بين التشهد الأول والأخير في التدارك بعد الصلاة، عند
الجماعة في ظاهر كلامهم، سواء تخلل الحدث بينه وبين الصلاة أو لا. وقال
ابن إدريس: لو تخلل الحدث بين الصلاة والتشهد الأول لم تبطل الصلاة،
لخروجه عنها بالتسليم. ولو تخلل بينها وبين التشهد الثاني بطلت، لان قضية
السلام الصحيح ان يكون بعد التشهد، فوقوعه قبله كلا سلام، فيكون حدثه قد
صادف الصلاة فتبطل (4).
وفي هذا الكلام إشكالان: أحدهما على قضية مذهبه، والثاني على
غيره.
أما الأول: فلان قضية مذهبه ان الخروج من الصلاة بالفراغ من التشهد،
لان التسليم مستحب عنده، فكيف يحكم بالخروج منها بالتسليم؟! وحينئذ
يمكن تعليل الفرق بذلك بان يقال: انما يخرج من الصلاة بكمال التشهد، وفي
صورة نسيانه أخيرا لم يتحقق التشهد فلا يتحقق الخروج، فيكون قد أحدث قبل
الخروج.
وأما الثاني: فلان التسليم على القول بوجوبه قد وقع مقصودا به الخروج
من الصلاة فيكون كافيا، والتشهد ليس بركن حتى يكون نسيانه قادحا في صحة

(1) التهذيب 2: 158 ح 621.
(2) تأتي في ص 95 الهامش 2.
(3) تقدمت في ص 42 الهامش 3.
(4) السرائر: 55.
43

الصلاة.
وفي المختلف نازع في تخلل الحدث إذا نسي التشهد الأول وحكم
بابطاله الصلاة، وحكم بان التسليم وقع في محله وان نسي التشهد الأخير
فتكون الصلاة صحيحة (1).
وقال الصدوق في الفقيه: إن رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة
الرابعة وأحدثت، فان كنت قد قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك، وان لم
تكن قد قلت ذلك فقد مضت صلاتك، فتوضأ ثم عد إلى مجلسك وتشهد (2).
وعول على رواية عبيد بن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال: (تمت صلاته، وانما
التشهد سنة في الصلاة، فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد) (3).
وعن زرارة عن الباقر عليه السلام في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من
السجدة الأخيرة قبل ان يتشهد، قال: (ينصرف فيتوضأ، فان شاء رجع إلى
المسجد، وان شاء ففي بيته، وان شاء حيث شاء، قعد فيتشهد ويسلم. وان
كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته) (4).
وهذان الحديثان معتبرا الاسناد، ولكن يعارضهما ان الحدث وقع في
الصلاة فيفسدها، ورواية الحسن بن جهم قال: سألته عن رجل صل الظهر
والعصر فأحدث حين جلس في الرابعة، فقال: (إن كان قال: اشهد ان لا اله
الله وان محمد رسول الله، فلا يعد. وان كان لم يتشهد قبل ان يحدث فليعد)
والظاهر أنه روي عن الامام (5). وفيه دلالة على قول ابن إدريس وعلى ما عللناه

(1) مختلف الشيعة: 138.
(2) الفقيه 1: 233، المقنع: 33.
(3) الكافي 3: 346 ح 1، التهذيب 2: 318 ح 1300، الاستبصار 1: 342 ح 1290.
(4) الكافي 3: 347 ح 2، التهذيب 2: 318 ح 1301، الاستبصار 1: 343 ح 1291.
(5) الاستبصار 1: 401 ح 1531. وفي التهذيب 2: 354 ح 1467 عن أبي الحسن عليه السلام،
وفي 1: 205 ح 596 فيه: (سألته - يعني أبا الحسن عليه السلام -).
44

به، الا ان ظاهر كلام الأصحاب العمل بالبطلان.
الحادية عشرة: تتدارك الصلاة على النبي وآله صلى الله عليهم إذا سها عنها
المصلي كما يتدارك التشهد، فان كان في محل تدارك التشهد - أعني قبل
الركوع - عاد لها ولا يضر الفصل بينها وبين التشهد، وان كان بعده قضاها بعد
التسليم كما يقضي التشهد.
وأنكر ابن إدريس شرعية قضائها (1) لعدم النص.
قلنا: التشهد يقضى بالنص فكذا ابعاضه، تسوية بين الجزء والكل.
ولو كانت الصلاة في التشهد الأخير، أمكن انسحاب كلام ابن إدريس
بالبطلان إذا أتى بالحدث أو المنافي، لعدم الخروج من الصلاة بدونها.
ووجوب قضاء الصلاة وحدها، مشعر بعدم اشتراط الموالاة في هذه
الأذكار عند النسيان.
الثانية عشرة: لو ترك السجدة الواحدة ناسيا ثم ذكرها قبل الركوع وجب
العود كما يذكر، وله أحوال خمسة:
الحالة الأولى: ان يكون قد جلس عقيب السجدة الأولى، واطمأن بنية
انه الجلوس الواجب. فهذا يعود إلى السجود، ولا يحتاج إلى الجلوس لأنه قد
أتى به، فلو جلس لا بنية لم يضر، ولو نوى استحبابه أو وجوبه فهو فعل خارج
عن الصلاة لا يبطل الا مع الكثرة.
وقال بعض العامة: لا يكفي الجلوس الأول بل يجب الجلوس هنا،
لينتقل عنه إلى السجود، كما لو خف المريض بعد القراءة قاعدا فإنه يجب عليه
القيام ليركع عن قيام (2).

(1) السرائر: 55. وفي ص 51 أوجب القضاء.
(2) راجع: المجموع 4: 119.
45

قلنا: الفرق واضح، لان الركوع من قيام لا بد منه مع القدرة عليه ولا يتم
الا بالقيام فيجب، ولأن ناسي السجدة قد أتى بجلسة الفصل، بخلاف
المريض فإنه لم يأت بالقيام المعتبر للركوع.
الحالة الثانية: ان يكون قد جلس بنية الاستراحة، بناء على أنه توهم انه
سجد السجدتين معا. ففيه احتمالان:
أحدهما: انه يكتفي به، لان قضية نية صلاة الترتيب بين الأفعال، فنية
الاستراحة لاغية، إذ قضية نية الصلاة كونها للفصل بين السجدتين.
والثاني: انه يجلس ثم يسجد، لأنه قصد بها الاستحباب فلا يجزئ عن
الواجب، لقوله صلى الله عليه وآله: (وانما لكل امرئ ما نوى) (1).
وقد سبق مثل هذين الوجهين فيمن أغفل لمعة في الغسلة الأولى فغسلها
في الثانية بقصد الندب (2).
والوجه الاجتزاء بالجلسة هنا، لقولهم عليهم السلام (الصلاة على ما
افتتحت عليه) (3). وقد سبق ذكره فيمن نوى الفريضة ثم أتمها بنية النافلة
سهوا (4) وهو من باب مفهوم الموافقة.
الحالة الثالثة: ان لا يكون قد جلس أصلا. وفيه وجهان:
أحدهما: - وهو الذي جزم به الشيخ في المبسوط (5) - انه يخر ساجدا
ولا يجلس، لان القيام يقوم مقام الجلسة بين السجدتين، إذ الغرض الفصل

(1) التهذيب 4: 186 ح 519، مسند أحمد 1: 25، صحيح البخاري 1: 2، صحيح مسلم 3:
1515 ح 1907، سنن أبي داود 2: 262 ح 1 220، الجامع الصحيح 4: 1079 ح 2147،
السنن الكبرى 7: 341.
(2) سبق في الطبع الحجري ص 82 المسألة 12.
(3) التهذيب 2: 197 ح 776 و 343 ح 1419.
(4) سبق في 3: 252.
(5) المبسوط 1: 120.
46

بينهما وقد حصل بالقيام.
والثاني: - وهو مختار الفاضل (1) - وجوب الجلوس، لأنه من أفعال الصلاة
ولم يأت به مع إمكان تداركه، والفصل بين السجدتين يجب ان يكون بهيئة
الجلوس لا بهيئة القيام وغيره. وهذا هو الأقوى.
ويتفرع عليه قضاء السجدة بعد التسليم. ووجوب الجلوس هنا بعيد
لفوات الغرض به، لأنه هناك لتقع السجدتان على الوجه المشروع من الجلوس
بينهما. ووجه وجوبه انه واجب في نفسه لا للفصل. وعلى قول الشيخ لا
إشكال.
الحالة الرابعة: ان يكون قد جلس ولكن لم يطمئن. ولم أر لهم في هذه
كلاما، وقضية الأصل وجوب الجلوس والطمأنينة كما لو لم يجلس، فان
الطمأنينة واجبة في الجلوس ولم تحصل، ولا يتصور وجوب طمأنينة مستقلة
فوجب الجلوس لتحصيلها، ولا فرق بين ان تكون تلك الجلسة الخالية عن
الطمأنينة جلسة الفصل أو جلسة الاستراحة.
الحالة الخامسة: ان يشك هل جلس أم لا؟ وفيه عندي احتمالان:
أحدهما: - وهو الأقوى - انه يجلس، لأصالة عدم فعله مع امكانه
كالباقي في محله.
والثاني: انه لا يجلس، لأنه شك بعد الانتقال، كما لو شك في أصل
السجود بعد القيام فإنه لا يلتفت على الأقوى، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والفرق بينهما: ان هذا يجب عليه العود إلى حالة القعود وهو إذ ذاك شاك فهو
في محله حقيقة.

(1) مختلف الشيعة: 137.
47

فرعان:
أحدهما: جلس فتجدد عنده شك، هل فعل السجدة الأولى أو لا؟
فالظاهر الاتيان بها لعين ما قلناه.
الثاني: إذا رجع لتدارك السجدة أو السجدتين وكان قد تشهد، وجب
عليه إعادة التشهد ولا يكون ما فعله أولا صحيحا، لوجوب رعاية الترتيب بين
أفعال الصلاة، لان النبي صلى الله عليه وآله كان يرتب دائما وقد قال: (صلوا
كما رأيتموني أصلي) (1) والنسيان عذر في انتفاء الاثم لا في الاعتداد في المأتي
به. وهنا يخر ساجدا على الأقوى، للاكتفاء بالجلوس للتشهد عن جلسة
الفصل.
وكذا إذا قام يجب عليه تدارك ما يلزمه من قراءة أو تسبيح، لمثل ما قلناه.
ويتفرع عليه ما لو نسي السجدة الأخيرة وذكر بعد التشهد، فإنه يأتي بها
ثم به على الأقوى.
ولو ذكر بعد التسليم، فعلى القول بوجوبه الأقرب الاجتزاء بقضاء
السجدة، للحكم بخروجه من الصلاة وصدق الامتثال في التشهد المقتضي
للاجزاء، مع احتمال وجوب قضائه ضعيفا تحصيلا للترتيب، ويلزم منه وجوب
قضاء التشهد الأول لو نسي سجدته ولم يقولوا به.
وعلى القول يندب التسليم، فان ذكر قبل الاتيان بالمنافي فوجوب
استدراك التشهد قوي، لأنه في حكم المصلي بعد. ويحتمل عدمه، للحكم
بخروجه من الصلاة واتيانه بالمنافي، أعني: التسليم. وان أتى بالمنافي غير
التسليم، وقلنا بعدم تأثيره في الصلاة، قضى السجدة لا غير، والا أعاد الصلاة

(1) مسند أحمد 5: 53، سنن الدارمي 1: 286، صحيح البخاري 1: 162، الاحسان بترتيب
صحيح ابن حبان 3: 85 ح 1656، سنن الدارقطني 1: 273، السنن الكبرى 3: 120.
48

من رأس.
تنبيه:
لا يكون القيام مانعا من الرجوع، ولا الشروع في القراءة مانعا من
الرجوع أيضا إلى السجدة أو السجدتين عندنا. اما الركوع فمانع اجماعا منا
في السجدة الواحدة، ولا يجب غير قضاء السجدة الواحدة بعد الصلاة. ولو
كانتا اثنتين فقد تقدم الخلاف في التلفيق، وعلى القول به يلغو الركوع ويجعل
السجدتين الآن للركعة السابقة.
الثالثة عشرة: لا تقضى السجدة الا بعد التسليم، قاله المرتضى (1)
والشيخان (2) والمعظم (3).
وقال الشيخ أبو الحسن علي بن بابويه في رسالته: وان نسبت سجدة من
الركعة الأولى فذكرتها في الثانية من قبل أن تركع فأرسل نفسك واسجدها، ثم
قم إلى الثانية وابتدئ القراءة، فان ذكرت بعد ما ركعت فاقضها في الركعة
الثالثة. وان نسيت سجدة من الركعة الثانية وذكرتها في الثالثة قبل الركوع فأرسل
نفسك واسجدها، فان ذكرتها بعد الركوع فاقضها في الركعة الرابعة. فان كانت
سجدة من الركعة الثالثة وذكرتها في الرابعة فأرسل نفسك واسجدها ما لم تركع،
فان ذكرتها بعد الركوع فامض في صلاتك واسجدها بعد التسليم (4).
وقال المفيد - رحمه الله - في العزية: إذا ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث
سجدات واحدة منها قضاء (5).

(1) جمل العلم والعمل 3: 36.
(2) المقنعة: 24، المبسوط 1: 120، الخلاف 1: 454 المسألة: 198.
(3) راجع: الوسيلة: 100، المعتبر 2: 383، مختلف الشيعة: 131.
(4) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 131.
(5) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 131.
49

وكأنهما عولا على خبر لم يصل إلينا.
وفي صحيح ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام: (إذا نسي الرجل
سجدة فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلم) (1). وحمله في المختلف على
الذكر قبل الركوع (2) ولك ان تحمله على الاطلاق ولا يكون فيه دلالة على قول
هذين الشيخين، لان المشهور بين القدماء استحباب التسليم، فيكون هذا
قضاء بعد الفراغ من الصلاة.
والمعتمد المشهور، لان في ذلك تغييرا لهيئة الصلاة، وحكما بما لم
يعلم موجبه.
الرابعة عشرة: حكم أبو الحسن بن بابويه بان ناسي التشهد أو التسليم،
ثم يذكر بعد مفارقة مصلاه، يستقبل القبلة ويأتي بهما قائما كان أو قاعدا.
وقال بعض الأصحاب: تبطل الصلاة بنسيان التسليم إذا أتى بالمنافي
قبله (3).
والحكمان ضعيفان.
أما الأول: فقد تقدم ما في نسيان التشهد، وقضاؤه قائما مشكل لوجوب
الجلوس فيه.
وأما الثاني: فلان التسليم ليس بركن، فكيف تبطل الصلاة بفعل
المنافي؟!
فان قال: هذا مناف في الصلاة، لأنا نتكلم على تقدير ان التسليم
واجب.
قلنا: هذا انما يتم بمقدمة أخرى، وهي: ان الخروج لا يتحقق الا به،

(1) التهذيب 2: 156 ح 609، الاستبصار 1: 360 ح 1366.
(2) مختلف الشيعة: 131.
(3) الناصريات: 231 المسألة 82.
50

ولا يلزم من وجوبه انحصار الخروج الشرعي من الصلاة فيه، وقد سبق ذلك في
بابه.
الخامسة عشرة: قد بينا ان زيادة الركن مبطلة وان كان سهوا، ويغتفر
ذلك سهوا في مواضع.
منها: في صورة الائتمام إذا سبق المأموم ثم عاد إلى المتابعة، كما يأتي
إن شاء الله.
ومنها: لو زاد قياما سهوا إذا جعلنا صورة القيام كيف اتفق ركنا.
ومنها: لو تبين المحتاط ان صلاته كانت ناقصة وان الاحتياط مكمل لها،
فإنها مجزئة على الصحيح، سواء كان ذكره بعد فراغ الاحتياط أو في أثنائه على
الأقوى، وقد وقعت هنا تكبيرة منوي بها الاحرام زائدة. وكذلك لو نقص من
صلاته ثم ذكر وقد شرع في أخرى، ولما يأت بينهما بالمنافي، فان المروي
العدول إلى الأولى وان وقعت تكبيرة الاحرام (1).
ومنها: لو استدرك الركوع لشكه فيه في محله ثم ذكر قبل رفع رأسه،
على ما ذكره الشيخ (2) والمرتضى (3) وجماعة منهم: أبو الصلاح (4) وابن إدريس
(5). وهو قوي، لان ذلك وان كان بصورة الركوع ومنويا به الركوع الا انه
في الحقيقة ليس بركوع، لتبين خلافه، والهوي إلى السجود مشتمل عليه وهو
واجب فيتأدى الهوي إلى السجود به، فلا تتحقق الزيادة حينئذ، بخلاف ما لو
ذكر بعد رفع رأسه من الركوع، فان الزيادة حينئذ محققة، لافتقاره إلى هوي
إلى السجود.

(1) الاحتجاج: 488.
(2) المبسوط 1: 122.
(3) جمل العلم والعمل 3: 36.
(4) الكافي في الفقه: 118.
(5) السرائر: 53.
51

فان قلت: قال عليه الصلاة السلام: (وانما لكل امرئ ما نوى) (1) وهذا
قد نوى الركوع فكيف يصرف إلى غيره؟ ولأن الطمأنينة فيه امر وراء الهوي
فتشخص بها الركوع، فتتحقق الزيادة حينئذ فيدخل تحت رواية منصور بن حازم
وعبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام: (لا يعيد الصلاة من سجدة، ويعيدها
من ركعة) (2).
قلت: نية المصلي ابتداء اقتضت كون هذا الهوي للسجود، وهي
مستدامة والمستدام بحكم المبتدأ فيعارض النية الطارئة، فيرجح الأولى عليها
لسبقها، ولكون النية الثانية في حكم السهو. ولهذا اجمعنا على أنه لو أوقع
أفعالا بنية ركعة معينة من الصلاة فتبين انه في غيرها صحت صلاته، مع أن
الترتيب بين الافعال واجب. وقد سلف انه لو دخل في صلاة بنية الفرض، ثم
عزبت عنه إلى النفل سهوا وأتمها بنية النفل، كانت صحيحة (3).
واما الطمأنينة فليست بركنا فلا تضر زيادتها.
واما الحديث فظاهره الركعة بتمامها. سلمنا انه أراد به الركوع، ولكن في
صورة تحقق زيادته وهي هنا غير محققة.
وقال الفاضلان: يعيد الصلاة (4).
وأطلق ابن أبي عقيل انه إذا استيقن بعد ركوعه الزيادة يعيد الصلاة (5).
ولقائل أن يقول: جميع ما عددتم من الصور نمنع تسميتها أركانا.

(1) التهذيب 4: 186 ح 519، مسند أحمد 1: 25، صحيح البخاري 1: 2، صحيح مسلم 3:
1515 ح 1907، سنن أبي داود 2: 262 ح 2201، الجامع الصحيح 4: 1079 ح 2147،
السنن الكبرى 7: 341.
(2) التهذيب 2: 156 ح 610، 611.
(3) تقدم في 3: 252.
(4) المعتبر 2: 390، تذكرة الفقهاء 1: 136، مختلف الشيعة: 129.
(5) حكاه عنه المحقق في المعتبر 2: 390، والعلامة في مختلف الشيعة: 129.
52

فنقول: هي بصور الأركان، وقد وقع النزاع في بعضها للتعليل بركنتيها،
أي ان القائل ببطلان الصلاة علل بالركنية.
53

المطلب الثالث: في الشك.
وفيه مسائل:
الأولى: لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى عليه، لان تحصيل
اليقين عسر في كثير من الأحوال فاكتفي بالظن، تحصيلا لليسر، ودفعا للحرج
والعسر.
وروى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله: (إذا شك أحدكم في
الصلاة، فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب، فليبن عليه) (1).
وعن الصادق عليه السلام - بعدة طرق -: (إذا وقع وهمك على
الثلاث فابن عليه، وان وقع وهمك على الأربع فسلم وانصرف) (2).
ولا فرق بين الشك في الافعال والاعداد، ولا بين الأوليين والأخيرتين في
ذلك.
ويظهر من كلام ابن إدريس ان غلبة الظن تعتبر فيما عدا الأوليين، وان
الأوليين تبطل الصلاة بالشك فيهما وان غلب الظن (3). فان أراده فهو بعيد،
وخلاف فتوى الأصحاب، وتخصيص لعموم الأدلة.
الثانية: لا حكم للشك مع الكثرة، دفعا للحرج ولصحيح محمد بن
مسلم عن الباقر عليه السلام، قال: (إذا كثر عليك السهو، فامض على
صلاتك، فإنه يوشك ان يدعك (4) الشيطان) (5) وفي معناه رواية زرارة وأبي

(1) تقدم صدره في ص 33 الهامش 8.
(2) الكافي 3: 353 ح 7، التهذيب 2: 184 ح 733 عن عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس،
وفيهما (رأيك) بدل (وهمك) في كلا الموضعين.
وسيأتي في ص 76 الهامش 1.
(3) السرائر: 53.
(4) في المصادر زيادة: (انما هو من).
(5) الكافي 3: 359 ح 8، الفقيه 1: 224 ح 989، التهذيب 2: 343 ح 1424.
54

بصير (1) وعبيد الله الحلبي (2).
واختلفت العبارة في حد الكثرة، ففي رواية محمد بن أبي حمزة عن
الصادق عليه السلام: (ان كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن يكثر
عليه السهو) (3). وظاهره تكراره ثلاثا، والعرف قاض بذلك مع توالي الشك.
وفي حسنة ابن البختري - وستأتي -: (ليس على الإعادة إعادة) (4). وهذا
يظهر منه ان السهو يكثر بالثانية، الا ان يقال: يخص بموضع وجوب
الإعادة.
وقال الشيخ في المبسوط: قيل: حده ان يسهو ثلاث مرات متوالية (5).
وبه قال ابن حمزة (6).
وقال ابن إدريس: حده ان يسهو في شئ واحد أو فريضة واحدة ثلاث
مرات، فيسقط بعد ذلك حكمه. أو يسهو في أكثر الخمس، أعني: ثلاث
صلوات من الخمس (7).
والأول حسن، ويفهم منه معنيان:
أحدهما: ما مر.
والثاني: انه كلما صلى ثلاث صلوات يقع فيها شك، بحيث لا تسلم له
ثلاث صلوات خالية عن شك، وهو ظاهر اللفظ، لأنه أتى ب‍ (كل) الدالة على
العموم. وحينئذ لا تكون فيه دلالة على نهاية الكثرة بل مرجعها أيضا إلى

(1) الكافي 3: 358 ح 2، التهذيب 2: 188 ح 747، الاستبصار 1: 374 ح 1422.
(2) الكافي 3: 359 ح 9، التهذيب 2: 344 ح 1425.
(3) الفقيه 1: 224 ح 990.
(4) الكافي 3: 359 ح 7، التهذيب 2: 344 ح 1428.
(5) المبسوط 1: 122.
(6) الوسيلة: 102.
(7) السرائر: 52.
55

العرف، لامتناع العمل بظاهره والا لم يتحقق الحكم بالكثرة، لان الصلوات
المتعاقبة داخلة في حيز (كل) إلى انقضاء تكليف المصلي.
ثم قوله: (فهو ممن يكثر عليه) يحتمل ان يكون الحكم معلقا بالثالثة
على التفسير الأول، لان (هو) ضمير الساهي في الثلاث فيدخل في الحكم.
ويحتمل ان يعلق بالرابعة، لدلالة (الفاء) على التعقيب، وحينئذ يبني في
الرابعة على فعل المشكوك فيه وان كان في محله.
ولو شك في عدد بنى على الأكثر ولا احتياط عليه، وهذا معنى:
(المضي على الصلاة). ولو شك في لحوق مبطل لم يلتفت.
والظاهر أنه تسقط عنه سجدتا السهو فيما لو كان الشك موجبا لهما،
كالشك بين الأربع والخمس.
فروع:
الأول: لو حصلت الثلاث غير متوالية لم يعتد بها. نعم، لو تكرر ذلك
أياما فالظاهر الاعتداد، لصدق الكثرة عرفا كما قلناه.
الثاني: لو أتى بعد الحكم بالكثرة بما شك فيه، فالظاهر بطلان صلاته،
لأنه في حكم الزيادة في الصلاة متعمدا الا ان نقول هذا رخصة، لقول الباقر
عليه السلام: (فامض على صلاتك، فإنه يوشك ان يدعك الشيطان) (1) وان
الرخصة هنا غير واجبة.
ولو تذكر بعد الشك أتى بما يلزمه. فلو كان قد فعل ذلك، ففي الاجتزاء
به وجهان، أقربهما ذلك إن سوغنا فعله والا فالأقرب الابطال، للزيادة المنهي
عنها. ويحتمل قويا الصحة، لظهور انها من الصلاة.
الثالث: لو حكم بالكثرة ثم زال شكه غالبا، ثم عرض من بعد، أتى بما

(1) تقدم في ص 54 الهامش 5.
56

يجب فيه من الاحكام حتى يعود إلى الكثرة فيعود العفو، وهكذا. وهل يكتفى
في زواله بتوالي ثلاث بغير شك؟ يحتمل ذلك، تسوية بين الذكر والشك.
الرابع: لو كثر شكه في فعل بعينه بنى على فعله. فلو شك في غيره
فالظاهر البناء على فعله أيضا، لصدق الكثرة.
الخامس: لو كثر السهو عن ركن فلا بد من الإعادة، وكذا عن واجب
يستدرك - اما في محله أو غير محله - لوجوب الاتيان بالمأمور به، وما دام لم
يأت به فهو غير خارج عن عهدة الأمر.
وهل تؤثر الكثرة في سقوط سجدتي السهو؟ لم أقف للأصحاب فيه على
نص وان كان ظاهر كلامهم يشمله، لان عبارتهم: لا حكم للسهو مع كثرته،
وكذا الاخبار تتضمن ذلك الا ان المراد به ظاهرا الشك، لامتناع حمله على
عموم اقسام السهو. والأقرب سقوط السجدتين، دفعا للحرج.
ولو كثرت زيادته سهوا لبعض الافعال، فان كانت غير ركن ففي سقوط
سجدتي السهو الوجهان. وان كان المزيد ركنا احتمل اغتفاره، دفعا للحرج،
ولأن الركن قد بينا اغتفار زيادته في بعض المواضع.
الثالثة: لا حكم لشك الامام مع حفظ المأموم ولا بالعكس، لوجوب
رجوع الشاك إلى المتيقن.
ولا حكم لسهو المأموم الموجب لسجدتي السهو في حال الانفراد،
بمعنى: انه لو فعل المأموم موجب سجدتي السهو - كالتكلم ناسيا، أو نسيان
السجدة، أو التشهد - لم تجبا عليه وان وجب قضاء السجدة والتشهد. وكذا لو
نسي ذكر الركوع أو السجود، أو الطمأنينة فيهما، لم يسجد لهما وان أوجبنا
السجود للنقيصة. وذلك كله ظاهر قول الشيخ في الخلاف والمبسوط (1) واختاره

(1) الخلاف 1: 463 المسألة: 206، 207، 208، المبسوط 1: 123.
57

المرتضى ونقله عن جميع الفقهاء الا مكحولا (1).
ورواه العامة عن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله: (انه ليس عليك
خلف الامام سهو، الامام كافيه، وان سها الامام فعليه وعلى من خلفه) (2) وهذا
الحديث رواه الدارقطني وفي طريقه ضعف عند المحدثين، ولأن معاوية بن
الحكم تكلم خلف النبي صلى الله عليه وآله فلم يأمره بالسجود (3).
وروينا في الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: (ليس على الامام سهو، ولا على من خلف الامام سهو، ولا على السهو
سهو، ولا على الإعادة إعادة) (4).
وقال الفاضل - رحمه الله - لو انفرد المأموم بموجب السهو، وجب عليه
السجدتان كالمنفرد (5) لقول أحدهما عليهما السلام: (ليس على الامام
ضمان) (6).
قلنا: الخاص مقدم، ويعارض بما رواه عيسى الهاشمي، عن أبيه، عن
جده، عن علي عليه السلام، انه قال: (الامام ضامن) (7).
وقد يحتج بما رواه في التهذيب عن منهال القصاب، قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: أسهو في الصلاة وانا خلف الامام، قال: فقال: (اسجد
سجدتين ولا تهب) (8) ويمكن حملها على الاستحباب.

(1) حكاه عنه المحقق في المعتبر 2: 394، وراجع: جمل العلم والعمل 3: 41.
(2) سنن الدارقطني 1: 377، السنن الكبرى 2: 352.
(3) هو الحديث المتقدم في ص 12 الهامش 6.
(4) الكافي 3: 359 ح 7، التهذيب 2: 344 ح 1428.
(5) مختلف الشيعة: 144، منتهى المطلب 1: 412.
(6) الكافي 3: 378 ح 3، الفقيه 1: 264 ح 1207، التهذيب 3: 269 ح 772، الاستبصار 1:
440 ح 1695.
(7) التهذيب 2: 282 ح 1121.
(8) التهذيب 2: 353 ح 1464.
58

الرابعة: لو وجب على الامام سجدتا السهو، فالذي اختاره الشيخ انه
يجب على المأموم متابعته وان لم يعرض له السبب (1) لما مر، ولقول النبي
صلى الله عليه وآله: (انما جعل الامام إماما ليؤتم به) (2).
وقوى الفاضلان انه لا يجب على المأموم متابعته، لان صلاة المأموم لا
تبنى على صلاة الامام (3) ولهذا لو تبين حدثه أو فسقه أو كفره لم يقدح في صحة
صلاة المأموم.
فروع على قول الشيخ - رحمه الله - في القاعدتين:
الأول: لو رأى المأموم الامام يسجد للسهو، وجب عليه السجود وان
لم يعلم عروض السبب، حملا على أن الظاهر منه انه يؤدي ما وجب عليه،
ولعدم شرعية التطوع بسجدتي السهو.
الثاني: لو عرض للامام السبب فلم يسجد اما تعمدا أو نسيانا، وجب
على المأموم فعله، قاله الشيخ، لارتباط صلاته به فيجبرها وان لم يجبر
الامام (4).
وربما قيل: يبنى هذا على أن سجود المأموم هل هو لسهو الامام ونقص
صلاته، أو لوجوب المتابعة؟ فعلى الأول يسجد وان لم يسجد الامام، وعلى
الثاني لا يسجد الا لسجوده (5).
الثالث: لو سها المأموم بعد تسليم الامام لم يتحمله الامام، وكذا لو سها

(1) المبسوط 1: 124.
(2) المصنف لعبد الرزاق 2: 461 ح 4082، مسند أحمد 2: 314، صحيح البخاري 1: 175،
صحيح مسلم 1: 308 ح 411، سنن ابن ماجة 1: 276 ح 846، سنن أبي داود 1: 164
ح 603، سنن النسائي 2: 83، مسند أبي يعلى 10: 315 ح 5909، الاحسان بترتيب صحيح
ابن حبان 3: 271 ح 2104، ولم ترد في الجميع كلمة (إماما).
(3) المعتبر 2: 395، تذكرة الفقهاء 1: 137.
(4) الخلاف 1: 464 المسألة: 207، المبسوط 1: 124.
(5) راجع المجموع 4: 143 المغنى 1: 732، الشرح الكبير 1: 731.
59

منفردا ثم عدل إلى الائتمام إن جوزناه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، وكذا
لو نوى الانفراد ثم سها.
الرابع: لو ظن المأموم سلام الامام فسلم ثم ظهر عدم تسليمه، فالظاهر أن
المأموم يعيد التسليم، ولا سجود عليه لتحمل الامام.
الخامس: انما يتحمل الامام ويحمل إذا كانت صلاته صحيحة، فلو
تبين عدم طهارته لم يتحمل ولم يحمل، ولو تبين فسقه فكذلك عندنا.
السادس: لو سجد الإمام لما لا يراه المأموم موجبا للسجدتين، وكان
مجتهدا أو مقلدا لمن هو أعلم من الامام، فالظاهر أن عليه السجدتين، لظاهر
الخبر (1). اما لو ظن الامام موجب السجدتين - كزيادة سجدة، أو قيام في موضع
قعود - والمأموم يعلم أنه لم يعرض له ذلك، فإنه لا يجب على المأموم هنا
السجود.
السابع: لو عرض للامام السبب ثم زال عن الإمامة، اما عمدا أو بعارض
من حدث أو جنون أو غيرهما، ففي وجوب السجود على المأموم وجهان: ان
عللناه بسهو الامام وجب، وان عللناه بمتابعته فلا. ويجئ على قول الشيخ
وجوب سجوده على الاطلاق.
ولو سها المأموم ثم عرض للامام قاطع للصلاة، ففي سجود المأموم
عندي نظر، من حيث صدق الإمامة حينئذ فيتحقق الحمل، ومن عدم حقيقة
الائتمام في جميع الصلاة، والأول أقرب.
الثامن: لو اختلف اعتقاد الإمام والمأموم في موضع السجدتين، فوجب
على الامام سجود فسجد قبل السلام، لم يسجد المأموم الا بعد التسليم إذا
خالفه في اعتقاده.
ولو رأى المأموم السجود قبل السلام والامام بعده، وجب على المأموم

(1) تقدم في ص 59 الهامش 2.
60

السجود قبل السلام، ولا يقدح ذلك في بقاء القدوة.
نعم، لو كان المأموم مسبوقا، فسجد الامام قبل التسليم أو بعده قبل
انتهاء صلاة المأموم، لم يتبعه المأموم عندنا قطعا، بل يسجد المأموم عند فراغ
صلاته إذا كان السهو قد عرض للامام بعد المتابعة، وقد رواه عمار عن الصادق
عليه السلام - أورده الشيخ في التهذيب (1) - ولأن زيادة السجدتين في الصلاة
مبطل.
التاسع: لو سها الامام قبل اقتداء المسبوق، ففي وجوب متابعته الامام
عندي وجهان: من ظاهر الخبر (2) وانه دخل في صلاة ناقصة، ومن عدم رابطة
الاقتداء حينئذ، وهذا أقرب.
العاشر: لو قام الامام سهوا إلى الخامسة، فنوى المأموم مفارقته لما
شرع في القيام لم يحمل سجود الامام، وان نوى بعد مسمى الزيادة وجب
السجود متابعة. ولا يشترط بلوغ الامام إلى حد الراكع عندنا، بل المعتبر
مسمى القيام.
الخامسة: لا حكم للشك مع الانتقال عن المحل، بناء على اعتياد فعل
ما شك فيه، وعلى انتفاء الحرج إذ الغالب عدم تذكر الانسان كثيرا من أحواله
الماضية.
ولصحيح محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: (كل ما شككت فيه
بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد) (3).
وصحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل شك في
الأذان وقد دخل في الإقامة، قال: (يمضي). قلت: رجل شك في الأذان

(1) التهذيب 2: 353 ح 1466.
(2) أي الخبر المتقدم في ص 59 الهامش 2.
(3) التهذيب 2: 352 ح 1460.
61

والإقامة وقد كبر، قال: (يمضي). قلت: رجل شك في التكبير وقد قرأ، قال:
(يمضي). قلت: شك في القراءة وقد ركع، قال: (يمضي). قلت: شك في
الركوع وقد سجد. قال: (يمضي على صلاته)، ثم قال: (يا زرارة إذا خرجت
من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ) (1).
فروع: لو شك في قراءة الفاتحة وهو في السورة، وجب قراءة الفاتحة ثم سورة
- اما التي كان فيها أو غيرها - لان محل القراءة باق.
وقال ابن إدريس: لا يلتفت، ونقله عن الشيخ المفيد في رسالته إلى
ولده (2). واليه مال صاحب المعتبر، لصدق الانتقال فيدخل تحت عموم آخر
الحديث (3).
قلنا: نمنع صدق الانتقال، لمفهوم قوله في الحديث: (قلت: شك في
القراءة وقد ركع) (4) فان مفهومه انه لو لم يركع لم يمض.
وكذا لو شك في الفاتحة أو في السورة وهو قانت، لمثل ما قلناه، مع
احتمال ان القنوت حائل لأنه انتقال عن القراءة بالكلية.
وأولى بالرجوع إذا شك في أبعاض الحمد وهو فيها، أو في السورة وهو
فيها، جزءا كان أو صفة، كتشديد، أو اعراب، أو جهر، أو اخفات، أو مخرج.
السادسة: لو شك في السجود وهو متشهد، أو قد فرغ منه ولما يقم، أو قام
ولما يستكمل القيام أتى به، وكذا لو شك في التشهد يأتي به ما لم يستكمل

(1) التهذيب 2: 352 ح 1459.
(2) السرائر: 52.
(3) المعتبر 2: 390.
والحديث تقدم في ص 61 الهامش 3.
(4) تقدم في ص 61 الهامش 3.
62

القيام، لأصالة عدم فعل ذلك كله وبقاء محل استدراكه، ولرواية عبد الرحمن
ابن الحجاج عن الصادق عليه السلام في رجل نهض من سجوده فشك قبل أن
يستوي قائما، فلم يدر أسجد أو لم يسجد؟ فقال: (يسجد) (1).
ولو شك في السجود أو التشهد بعد استكمال القيام، فالأظهر عدم
الالتفات، للانتقال الحقيقي، ولصحيح إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه
السلام قال: (ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، وان شك في السجود
بعد ما قام فليمض، كل شئ مما جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه) (2) ولما
مر من قوله عليه السلام في خبر زرارة: (إذا خرجت من شئ ثم دخلت في
غيره فشكك ليس بشئ) (3). وبه قال الشيخ في المبسوط (4).
وفي النهاية: يرجع إلى السجود والتشهد ما لم يركع إذا شك في فعله (5)
لحسن الحلبي عن الصادق عليه السلام في رجل سها فلم يدر سجد سجدة أو
اثنتين، قال: (يسجد أخرى، وليس عليه بعد انقضاء الصلاة سجدتا السهو) (6)
وهو يشمل الشاك بعد القيام كما يشمل الشاك في الجلوس.
وجوابه الحمل على الشك ولما يقم، توفيقا بين الاخبار. وان احتج
الشيخ برواية ابن الحجاج فهي غير دالة على المطلوب.
وفرق القاضي في بعض كلامه بين السجود والتشهد، فأوجب الرجوع

(1) التهذيب 2: 153 ح 603، الاستبصار 1: 361 ح 1371، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.
(2) التهذيب 2: 153 ح 602.
(3) تقدم في ص 61 الهامش 3.
(4) المبسوط 1: 122، ونصه: ومن شك في السجود في حال القيام، أو في التشهد الأول وقد قام
إلى الثالثة، فإنه لا يلتفت إليه. وهذا لا يطابق بالدقة ما نسب إليه في المتن، الا إذا أريد من
(حال القيام) استكمال القيام، وراجع: مفتاح الكرامة 3: 305.
(5) النهاية: 92 والظاهر أن الحكم فيها يشمل السجود خاصة دون التشهد، وراجع: الحدائق
الناضرة 9: 185.
(6) الكافي 3: 349 ح 1، التهذيب 2: 152 ح 599، الاستبصار 1: 361 ح 1368.
63

بالشك في التشهد حال قيامه دون السجود، وفي موضع آخر سوى بينهما في
عدم الرجوع (1). وحمل على أنه أراد بالشك في التشهد تركه ناسيا، لئلا
يتناقض كلامه (2).
السابعة: لو تلافى ما شك فيه ثم ذكر فعله بطل إن كان ركنا، لان زيادة
الركن تقتضيه، والا فحكمه حكم من زاد سهوا. ولا فرق بين ان يكون سجدة
أو لا.
وقال المرتضى وصاحبه أبو الصلاح - رحمهما الله -: ان شك في سجدة
فأتى بها، ثم ذكر فعلها أعاد الصلاة (3). ويظهر ذلك من كلام ابن أبي عقيل (4).
ويدفعه خبر عبيد بن زرارة فيه بعينه عن الصادق عليه السلام: (لا
- والله - لا تفسد الصلاة زيادة سجدة)، قال: (ولا يعيدها من سجدة، ويعيدها
من ركعة) (5).
فرع:
لو انتقل عن محله فشك فرجع إلى فعل المشكوك، فالأقرب البطلان ان
تعمد، سواء كان ركنا أو غيره، للاخلال بنظم الصلاة، ولأنه ليس فعلا من
أفعال الصلاة فيبطلها. ويحتمل عدم الابطال، بناء على أن ترك الرجوع رخصة
وانه غير قاطع بالزيادة، وخصوصا في موضع الخلاف كما مر في السجود
والتشهد. ولم أقف للأصحاب هنا على كلام.

(1) في المهذب 1: 156 لم يذكر السجود في موضع التسوية. وحكاه عنه بتمامه العلامة في
مختلف الشيعة: 137.
(2) حمله العلامة في مختلف الشيعة: 137.
(3) الكافي في الفقه: 119، وحكاه عن المرتضى العلامة في مختلف الشيعة: 131.
(4) مختلف الشيعة: 131.
(5) التهذيب 2: 156 ح 611.
64

الثامنة: لا تبطل الصلاة بالشك في الافعال، ركنا كانت أو لا، في
الأوليين أو في الأخيرتين، بل حكمه ما سلف من التلافي أو عدم الالتفات على
كل حال.
وحكم الشيخان بالبطلان إذا شك في أفعال الأوليين كما إذا شك في
عددهما (1) ونقله الشيخ عن بعض القدماء من علمائنا (2).
لنا: الاستناد إلى الأصل، والاخبار العامة، كموثق محمد بن مسلم عن
الباقر عليه السلام قال: (كل ما شككت فيه فيما قد مضى فامضه كما هو) (3)
وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام: (إذا نسيت شيئا من
الصلاة، ركوعا أو سجودا أو تكبيرا، ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء) (4).
فان احتجا بصحيحة الفضل بن عبد الملك، عن الصادق عليه السلام:
(إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك) (5).
فالجواب انه ظاهر في العدد ونحن نقول به، وكذا ما روى الحسن بن
علي الوشاء عن الرضا عليه السلام: (الإعادة في الأوليين، والسهو في
الأخيرتين) (6).
وتوسط صاحب التذكرة بالبطلان ان شك في ركن، لأن الشك فيه في
الحقيقة شك في الركعة، بخلاف ما إذا كان المشكوك فيه غير ركن، فان نسيانه
لا يبطل. وفرع على ذلك الشك في أفعال ثالثة المغرب من حيث اجراء الثلاثية
مجرى الثنائية في الشك عددا فكذا كيفية، ومن عدم النص (7).

(1) المقنعة: 24، 176، التهذيب 2: 154، النهاية: 92، وانظر مفتاح الكرامة 3: 300.
(2) المبسوط 1: 120.
(3) التهذيب 2: 344 ح 1426.
(4) الفقيه 1: 228 ح 1007، التهذيب 2: 350 ح 1450.
(5) التهذيب 2: 177 ح 707، الاستبصار 1: 364 ح 1384.
(6) التهذيب 2: 177 ح 709، الاستبصار 1: 364 ح 1386.
(7) تذكرة الفقهاء 1: 136.
65

قلت: لمانع ان يمنع كون الشك في الركن شكا في الركعة أو مستلزما
له، فإنه محل النزاع. واما ثالثة المغرب فيمكن الحكم بالبطلان، لما روي:
(إذا شككت في المغرب فأعد) (1) فإنه يتناول الشك في الكمية والكيفية، كما
تناول الخبران المذكوران ذينك.
التاسعة: تبطل الصلاة بالشك في عدد الأوليين اجماعا الا من أبي جعفر
ابن بابويه، فإنه قال: لو شك بين الركعة والركعتين فله البناء على الركعة (2) لرواية
عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام في الرجل لا يدري أصلى
ركعة أم اثنتين: (يبني على الركعة) (3) ونحوه رواية عبد الله بن أبي يعفور (4).
وهي معارضة بأخبار أصح سندا، كرواية الفضل السالفة (5) ورواية محمد
ان مسلم عن الصادق عليه السلام في الرجل يصلي فلا يدري أواحدة صلى أو
اثنتين، قال: (يستقبل حتى يستيقن انه قد أتم، وفي الجمعة وفي المغرب وفي
صلاة السفر) (6). والرواية الأولى حملها الشيخ على النافلة (7) وتبعه في
المعتبر (7).
وابن بابويه يقول: هو مخير بان يأخذ بأي الأخبار شاء (9).

(1) التهذيب 2: 178 ح 714، الاستبصار 1: 365 ح 1396.
(2) لم نلاحظه في كتب ابن بابويه، ولعل المصنف حكى عبارة المقنع، ونصها فيه ص 30: إذا لم
تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة، وروي ابن علي ركعة. وظاهر ان ذلك مورد تأمل فيما
استفاد منه المصنف، راجع في ذلك: الحدائق الناضرة 9: 192، مفتاح الكرامة 3: 294.
(3) التهذيب 2: 177 ح 711، الاستبصار 1: 365 ح 1388.
(4) التهذيب 2: 178 ح 712، الاستبصار 1: 365 ح 1389.
(5) تقدمت في ص 65 الهامش 5.
(6) الكافي 3: 351 ح 2، التهذيب 2: 179 ح 715، الاستبصار 1: 365 ح 1391.
(7) التهذيب 2: 178، الاستبصار 1: 365.
(8) المعتبر 2: 387.
(9) الفقيه 1: 231.
66

وقال والده: إذا شك في الركعة الأولى والثانية أعاد. وان شك ثانيا وتوهم
الثانية بنى عليها ثم احتاط بعد التسليم بركعتين قاعدا. وان توهم الأولى بنى
عليها وتشهد في كل ركعة، فان تيقن بعد التسليم الزيادة لم يضر لان التسليم
حائل بين الرابعة والخامسة، وان تساوى الاحتمالان تخير بين ركعة قائما
وركعتين جالسا (1). وأطلق الأصحاب الإعادة، ولم نقف له على رواية تدل على
ما ذكره من التفصيل.
وقال أيضا: فان شككت فلم تدر أواحدة صليت أم اثنتين، أم ثلاثا أم
أربعا، صليت ركعة من قيام وركعتين من جلوس (2). وربما استند إلى صحيحة
علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام عن الرجل لا يدري كم صلى،
واحدة أو اثنتين أو ثلاثا؟ قال: (يبني على الجزم، ويسجد سجدتي السهو
ويتشهد (فيهما تشهدا) (3) خفيفا) (4). وظاهر (الجزم) الاحتياط بما ذكر، لأنه
بناء على الأكثر ثم التدارك.
قال بعض الأصحاب: بل (الجزم) الإعادة (5).
ويشكل: بأنه لا يجمع بين سجدتي السهو وبين إعادة الصلوات وجوبا
ولا استحبابا. نعم، هو معارض بصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه
السلام (إذا شككت، فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم
أربعا، فأعد ولا تمض على الشك) (6).
العاشرة: لو شك فلم يدر كم صلى أعاد، لأنه لا طريق له إلى البراءة

(1) مختلف الشيعة: 132.
(2) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 132.
(3) ليست في التهذيب، وفي الاستبصار (تشهدا).
(4) التهذيب 2: 187 ح 745، الاستبصار 1: 374 ح 1420.
(5) راجع: التهذيب 2: 188، الاستبصار 1: 374، مختلف الشيعة: 132.
(6) الكافي 3: 358 ح 3، التهذيب 2: 187 ح 743، الاستبصار 1: 373 ح 1418.
67

بدونه، ولرواية صفوان عن أبي الحسن عليه السلام: (إذا لم تدر كم صليت،
ولم يقع وهمك على شئ، فأعد الصلاة) (1). ورواية ابن أبي يعفور تدل عليه
أيضا.
الحادية عشرة: لو شك في الثنائية فريضة - كالصبح، والكسوف،
والعيدين، والجمعة، وصلاة السفر - أعاد، وكذا لو شك في المغرب، لتوقف
اليقين ببراءة الذمة على الإعادة، ولرواية محمد بن مسلم السالفة (2).
وروى العلاء عن الصادق عليه السلام، وسأله عن الشك في الغداة،
فقال: (إذا لم تدر أواحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة من أولها، والجمعة
أيضا والمغرب إذا لم يدر كم ركعة صلى) (3).
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام وسأله عن السهو في
المغرب، قال: (يعيد حتى يحفظ، انها ليست مثل الشفع) (4).
وروى عنبسة بن مصعب قال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا شككت في
المغرب فأعد، وإذا شككت في الفجر فأعد) (5).
فرع:
لا فرق في الشك هنا بين النقيصة والزيادة، لعموم الاخبار. وقد روى
الفضل، سألته عن السهو؟ فقال: (في المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى

(1) الكافي 3: 358 ح 1، التهذيب 2: 187 ح 744، الاستبصار 1: 373 ح 1419.
(2) تقدمت في ص 66 الهامش 6.
(3) التهذيب 2: 179 ح 720، الاستبصار 1: 366 ح 1394 كلاهما عن سماعة، وأما رواية
العلاء فهي في: 180 ح 722، الاستبصار 1: 366 ح 1395. لكنها تختلف عما في
المتن.
(4) التهذيب 2: 179 ح 717، الاستبصار 1: 370 ح 1406.
(5) التهذيب 2: 179 ح 718، الاستبصار 1: 366 ح 1393.
68

الأربع فأعد) (1).
فرع:
لو نذر ركعتين أو ثلاثا، فالظاهر أنها تلحق بالمكتوبة، لفحوى
الأحاديث.
فإن قلت: روى في التهذيب عن عمار، عن الصادق عليه السلام في
رجل لم يدر أصلى الفجر ركعتين أم ركعة، قال: (يتشهد وينصرف، ثم يقوم
فيصلي ركعة). قلت: فيصلي المغرب فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا، قال:
(يتشهد وينصرف، ثم يقوم فيصلي ركعة) (2).
قلت: سنده ضعيف فلا يعارض الأصح والأشهر، وربما حمل على
نافلة الفجر والمغرب أو على غلبة الظن، كما قاله في التهذيب (3).
على أن أبا جعفر بن بابويه - رحمه الله - قال: إذا شككت في المغرب،
فلم تدر أفي ثلاث أنت أم أربع، وقد أحرزت اثنتين في نفسك وأنت في شك
من الثلاث والأربع، (فأضف إليها ركعة أخرى ولا تعتد بالشك، فان ذهب
وهمك إلى الثالثة) فسلم وصل ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس (4)، فهو
قول نادر.

(1) التهذيب 2: 179 ح 719، الاستبصار 1: 370 ح 1407.
(2) التهذيب 2: 182 ح 728.
(3) الهامش السابق.
(4) نصه في المقنع: 31 بدون العبارة المحصورة، وقد وردت في سياق آخر غير هذا، قال: فإذا
شككت في المغرب فأعد، وروي وإذا شككت في المغرب ولم تدر واحدة صليت أم اثنتين
فسلم ثم قم فصل ركعة. وان شككت في المغرب... الخ.
قال العاملي في مفتاح الكرامة 3: 296 بعد ايراده عبارة المقنع كما في المتن عن مختلف
الشيعة وغيره: ان الجماعة جعلوا الصدوق مخالفا في الشك المتعلق بالزيادة، والظاهر من
المقنع ان ذلك ليس مذهبا له وانما رواية، قال في نسختين منه... ثم حكى ما ذكرناه.
69

فائدة:
لو شك في الكسوف، فان كان الشك بين الركعة الأولى والثانية، أو
بينهما وبين الثالثة، بطلت لأنها ثنائية.
وان كان الشك في عدد الركوع، فان تضمن الشك في الركعتين - كما
لو شك هل هو في الركوع الخامس أو السادس، وانه ان كان في السادس فهو
في الركعة الثانية، وان كان في الخامس فهو في الركعة الأولى - بطلت أيضا.
وان أحرز ما هو فيه ولكن شك في عدد الركوع، فالأقرب البناء على
الأقل، لأصالة عدم فعله، فهو في الحقيقة شك في فعل شئ وهو في محله
فيأتي به كركوع الصلاة اليومية.
وهنا قولان آخران:
أحدهما: قول قطب الدين الراوندي - رحمه الله -: وهو انه إذا لم يتعلق
شكه بما يزيد على الاحتياط المعهود فإنه يحتاط، لدوران الشك في اليومية مع
الركوع، ولا تضر زيادة السجود في الاحتياط، لأنه تابع.
الثاني: قول السيد جمال الدين أحمد بن طاوس - قدس الله روحه - في
البشرى: الذي ينبغي تحريره في صلاة الكسوف هو انه متى وقع الشك بين الأولى
والثانية من الخمس الأول بطلت الصلاة.
وان وقع الشك فيما بعد ذلك من الركعات - كبين الاثنتين والثلاث أو
الأربع، أو بين الثلاث والأربع، أو بين الثلاثة (1) - فإنه يبني على الأكثر، ثم
يتلافى بعد الفراغ من الصلاة.
وان كان شكه بين الأربع والخمس، فنهاية ما يلزمه سجدتا السهو. وهل
يسجد عند ذلك بناء منه على أنه صلى خمسا، أم لا، يبنى على رواية عمار:

(1) في هامش م: اقسام.
70

بأن الشاك يبني على الأكثر في الصلاة ثم يتلافى ما ظن أنه نقص. فإن قلنا
بها بنى على الخمس وسجد وتلافى.
فنقول: انه مخير بين ان يركع ولا يركع، فان ركع فلا يتلافى بركعة بعد
الفراغ من الصلاة، وان لم يركع تلافى.
وانما قلنا بالخيار، لورود الأثر بان من شك في الركوع وهو قائم ركع،
وورود الأثر بان البناء في الصلاة على الأكثر ثم يتلافى، وهذان الأثران يتدافعان
فكان الوجه التخيير.
وان لم نقل بذلك بنى على الأقل، فليتم بركعة ثم يهوي إلى السجود.
وحكم ما بعد الخامسة في الشك حكم الخامسة.
ولو قلنا إن الحكم في الخمس الثانية مثل الحكم في الخمس الأوائل
كان له وجه، فيطرد القول فيه.
فإن قيل: ان عمارا روى أنه يحتاط أخيرا بما ظن أنه نقص، لا فيما وقع
فيه من الشك.
قلت: ظاهر المذهب ان حكم الشاك حكم الظان في هذا المقام
- أعني: مقام البناء على الأكثر في الصلاة - وان لم يعتمد على هذا فلا تلافي،
لكن هذا بناء على أصلين:
أحدهما: ان الركوع مع تمامه برفع رأس يسمى ركعة، إذ في عدة
أحاديث انها عشر ركعات وأربع سجدات.
ولا يعارضه ما روى القداح عن جعفر عليه السلام عن آبائه، قال:
(كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى بالناس
ركعتين) وما رواه أبو البختري عن الصادق عليه السلام: (صلاة الكسوف
ركعتان في أربع سجدات) لضعف سنديهما.
الثاني: ان من شك في الأوليين بطلت صلاته، وهو موضع وفاق.
قال: ولو سميناها ركعتين لرواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه
71

السلام: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقام فصلى
ركعتين) لزم بطلانها إذا شك في الخمس الأوائل - اي في عددها - لصحيحة
محمد بن مسلم قال: سألت الباقر عليه السلام عن رجل شك في الركعة
الأولى، قال: (يستأنف).
قال: وان قلنا ان الركوع لا يسمى ركعة، وشك في الأربع الأول بنى على
الأقل إذا كان قائما فان تعلق شكه بالخامس من الركوعات بطلت، لأنه شك
في الركعة الأولى وهي الخامسة ذات السجود.
ثم فرع على ذلك: انه لو شك بين الست والسبع وهو غير ذاكر
السجدتين في الركوع الخامس، فالوجه البناء على أنه سجد وركع ركوعا
سابعا. ولو قال: أعلم اني سجدت سجدتين، ولكن لا أدري عقيب الرابعة أو
ما دونها، بطلت لزيادة الركن.
قال: لا يقال تلك الآثار المتعلقة بالشك في الركعتين تحمل على
الراتبة.
فالجواب: الآثار عامة أو مطلقة، ومن ثم حكمنا بالبطلان لو شك بين
الخمس الأوائل والأواخر، ولم نتمسك بان النص ورد في الراتبة.
ثم أورد على نفسه ان من شك في الركوع وهو في محله ركع.
وأجاب: بان قولنا من شك في الأوليين بطلت صلاته أخص منه.
قال: ويمكن وجه آخر على القول بأنها ركعتان، وهو: ان تبطل بالشك
فيها.
قال: ولو قيل بان المكلف مخير في أن يعمل على أي القاعدتين كان لم
يكن بعيدا.
قال: فان قيل الاحتياط فيه سجود ولا يتأتى ذلك في الكسوف.
فالجواب: ان الخبر الصحيح بان الانسان يعمل بالجزم ويحتاط
للصلوات وليس فيه تصريح بسجود، مع تأييده بما روي من قضاء الفائت بعينه
72

في الخبر الصحيح.
قال: ولا أعرف سبقا من غيري إلى هذا التفصيل.
قلت: هذان القولان ضعيفان.
أما الأول: فلعدم المطابقة بين الفائت وبين الاحتياط المأتي به إذ فيه
سجود زائد، وقوله: (انه تابع) محل النزاع، وأيضا فما يصنع إذا تجاوز الشك
العدد الشرعي في الاحتياط؟
وأما الثاني: فمبناه كما قال السيد - رحمه الله - على انها ركعات عشر،
وعلى صدق مسمى الأوليين في الركوعين الأولين، وعلى التفرقة بين الركعة
الأولى والأخيرة، وعلى ان رواية عمار تتضمن ذلك أو الخبران اللذان ذكرهما
أخيرا وقد أسلفناهما. وكل ذلك منظور فيه.
اما انها ركعات فلما سلف في التسمية بركعتين أيضا وهو أولى بالمراعاة،
لان الركعة وان كانت لغة واحد الركوع إلا أنها في مصطلح الفقهاء المنضمة
إلى السجود، والحقيقة الشرعية أولى بالمراعاة من اللغوية، وغايته انها سميت

(1) بشرى المحققين... من الكتب التي يحتمل انها مفقودة، وآثرنا استخراج النصوص التي
وردت في المتن، فرواية عمار في: الفقيه 1: 225 ح 992، التهذيب 2: 349 ح 1448.
والأثر بأن من شك في الركوع... في: التهذيب 2: 150 ح 589، الاستبصار 1: 357
ح 1351.
والأثر بأن البناء في الصلاة... تقدم في رواية عمار.
وما ورد في عدة أحاديث أنها عشر ركعات... راجع: التهذيب 3: 294 ح 890، الاستبصار
1: 452 ح 1751، 1752.
ورواية القداح في: التهذيب 3: 293 ح 885.
ورواية أبي البختري في: التهذيب 3: 291 ح 879، الاستبصار 1: 452 ح 1753.
ورواية ابن سنان ستأتي بتمامها في ص 740.
ورواية ابن مسلم في: التهذيب 2: 176 ح 700، الاستبصار 1: 363 ح 1377.
وما روي من قضاء الفائت... في: الكافي 3: 435 ح 7، التهذيب 3: 162 ح 350.
73

عشرا باعتبار اللغة وهي في الحقيقة ركعتان باعتبار الشرع. وعلى هذا يبطل
التمسك بأنه شك في الأوليين، إذ لا يلزم من ذلك كونهما ركعتين أوليين شرعا
الذي هو مقتض للبطلان مع الشك.
واما الفرق بين الركعة الأولى والأخيرة فمرغوب عنه، والخبر بالبطلان إذا
شك في الأولى لا ينفي كون الثانية كالأولى، مع تضمن خبر آخر سلف (إذا لم
تحفظ الأوليين فأعد) (1).
واما رواية عمار فهي ظاهرة في اليومية، ومنطبقة على الاحتياط المعهود.
واما خبر قضاء المنسي بعينه فمتروك الظاهر عند الأصحاب، ومأول
بالاتيان به في الصلاة أي في محله. نعم، على مذهب الشيخين (2) ومن أخذ
أخذهما يجزم بالبطلان، لأن الشك في الجزء كالشك في الكل، وكذا على
مذهب الفاضل في التذكرة من البطلان إذا شك في الركن (3).
المسألة الثانية عشرة: إذا حصل في الرباعية الأوليين وشك في الزائد،
فالمشهور البناء على الأكثر والآتيان بعد التسليم بما شك فيه. وهو المسمى
بالاحتياط عند معظم الأصحاب، وقد روي اجمالا وتفصيلا:
فمن الاجمال ما رواه عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا
سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت وسلمت فقم فصل ما ظننت انك نقصت،
فان كنت أتممت لم يكن عليك شئ، وان ذكرت انك كنت نقصت كان ما
صليت تمام ما نقصت) (4).
واما التفصيل فمنه ما روى محمد بن مسلم - في الصحيح - عنه عليه
السلام، فيمن لا يدري أركعتان صلاته أم أربع، قال: (يسلم ويصلي ركعتين

(1) تقدم في ص 65 الهامش 4.
(2) راجع ص 65 الهامش 5.
(3) راجع ص 65 الهامش 7.
(4) التهذيب 2: 349 ح 1448.
74

بفاتحة الكتاب ويتشهد وينصرف) (1).
ومثله رواه أبو بصير عنه عليه السلام، الا انه قال: (واركع ركعتين ثم
سلم، واسجد سجدتين وأنت جالس ثم تسلم بعدهما) (2). وفيه دلالة على
وجوب سجدتي السهو مع الاحتياط، وسيأتي إن شاء الله كلام فيه.
ومثله رواية ابن أبي يعفور، وفيها: (فان كان صلى أربعا فهي نافلة، وان
كان صلى ركعتين كانت تمام الأربع، وان تكلم فليسجد سجدتي السهو) (3)
وليس ببعيد حمل السجدتين أولا على هذا.
فإن قلت: يعارض بما رواه محمد بن مسلم - صحيحا أيضا - قال: سألته
عن الرجل لا يدري أصلى ركعتين أو أربعا، قال: (يعيد الصلاة) (4) كما اختاره
أبو جعفر بن بابويه (5).
قلت: هي مقطوعة فلا تعارض المتصل، وحملها الشيخ على الصبح أو
المغرب (6) والفاضل على من شك في حال قيامه، كان يقول: لا أدري قيامي
لثانية أو رابعة، أو شك بينهما قبل اكمال الثانية (7) لرواية الفضل - في الصحيح -
قال: قال لي: (إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك) (8).
ومنه ما رواه عبد الرحمن بن سيابة وأبو العباس عن الصادق عليه السلام:
(إذا لم تدر أثلاثا صليت أو أربعا، ووقع رأيك على الثلاث، فابن على

(1) التهذيب 2: 185 ح 737، الاستبصار 1: 372 ح 1414.
(2) التهذيب 2: 185 ح 738.
(3) الكافي 3: 352 ح 4، التهذيب 2: 186 ح 739، الاستبصار 1: 372 ح 1415.
(4) التهذيب 2: 186 ح 741، الاستبصار 1: 373 ح 1417.
(5) المقنع: 31.
(6) الهامش 4.
(7) مختلف الشيعة: 134.
(8) التهذيب 2: 177 ح 707، الاستبصار 1: 364 ح 1384.
75

الثلاث. وان وقع رأيك على الأربع فسلم وانصرف. وان اعتدل وهمك
فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس) (1). وفي مرسلة جميل عنه عليه السلام:
(هو بالخيار ان شاء صلى ركعة قائما، أو ركعتين جالسا) (2).
وخالف ابن الجنيد هنا وأبو جعفر بن بابويه، حيث قالا: يتخير بين البناء
على الأقل ولا شئ، وبين البناء على الأكثر ويسلم ويصلي ركعة من قيام أو
ركعتين جالسا (3). ولعله لتساويهما في تحصيل الغرض، ولرواية سهل بن اليسع
عن الرضا عليه السلام، انه قال: (يبني على يقينه ويسجد للسهو) (4). وهذه
الرواية تقتضي بظاهرها مذهب كثير من العامة في جميع الشك (5) وحمل على
غلبة الظن.
تنبيه:
لو ظن الأكثر بنى عليه، لما سلف. ولا تجب معه سجدتا السهو،
للأصل، ولعدم ذكرها في أحاديث الاحتياط هنا ولا يجوز تأخير البيان عن وقت
الحاجة. وأوجبهما الصدوقان (6)، ولعله لرواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام: (إذا ذهب وهمك إلى التمام أبدا في كل صلاة فاسجد سجدتين
بغير ركوع) (7) وحملت على الاستحباب.
ومنه ما رواه ابن أبي عمير مرسلا عنه عليه السلام في رجل لم يدر اثنتين

(1) الكافي 3: 353 ح 7، التهذيب 2: 184 ح 733.
(2) الكافي 3: 353 ح 9، التهذيب 2: 184 ح 734.
(3) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 133.
(4) الفقيه 1: 230 ح 1023.
(5) راجع: المجموع 4: 111، فتح العزيز 4: 168، المغني 1: 703.
(6) المقنع: 31، مختلف الشيعة: 138.
(7) التهذيب 2: 183 ح 730.
76

صلى أم ثلاثا أم أربعا، قال: (يقوم فيصلي ركعتين ويسلم، ثم يصلي ركعتين
من جلوس ويسلم، فان كانت (الركعات) (1) نافلة والا تمت الأربع) (2).
وهنا تنبيهات:
الأول: الحكم هنا مشهور بين الأصحاب فلا يضر الارسال، على أن
مراسيل ابن أبي عمير في قوة المسانيد.
الثاني: قال ابنا بابويه وابن الجنيد: يصلي ركعة من قيام وركعتين من
جلوس (3). وهو قوي من حيث الاعتبار - لأنهما ينضمان حيث تكون الصلاة
اثنتين، ويجتزئ بإحداهما حيث تكون ثلاثا - الا ان النقل والاشتهار يدفعه.
وجوز ابن الجنيد هنا البناء على الأقل ما لم يخرج الوقت.
الثالث: هل يجوز ان يصلي بدل الركعتين جالسا ركعة قائما؟ ظاهر
المفيد - في العزية - وسلار تحتمه (4) والأصحاب عدمه (5) والفاضل يتخير
لتساويهما في البدلية (6) وهو قوي.
الرابع: هل يجب الترتيب على ما تضمنته الرواية - وقال به المفيد في
المقنعة (7) والمرتضى في أحد قوليه (8) - أو يقدم الركعة من قيام - كما قاله المفيد

(1) في المصدرين: (أربع ركعات كانت الركعتان).
(2) الكافي 3: 353 ح 6، التهذيب 2: 187 ح 742، باختصار في الألفاظ.
(3) الفقيه 1: 231، مختلف الشيعة: 133.
(4) المراسم: 89، مختلف الشيعة: 134.
(5) راجع: المقنعة: 24، المبسوط 1: 123، الوسيلة: 102.
(6) تذكرة الفقهاء 1: 140.
(7) المقنعة: 24.
(8) جمل العلم والعمل 3: 37.
77

في العزية (1) - أو يتخير - كما هو ظاهر المرتضى في الانتصار (2) وأكثر
الأصحاب (3) -؟ كل محتمل، والعمل بالأول أحوط.
واما الشك بين الاثنتين والثلاث فاجراه معظم الأصحاب مجرى الشك
بين الثلاث والأربع (4)، ولم نقف فيه على رواية صريحة، ونقل فيه ابن أبي عقيل
تواتر الاخبار.
وخالف علي بن بابويه - رحمه الله - حيث قال: ان ذهب وهمك إلى
الثالثة فأضف إليها رابعة، فإذا سلمت صليت ركعة بالحمد وحدها. وان ذهب
وهمك إلى الأقل فابن عليه وتشهد في كل ركعة ثم اسجد للسهو. وان اعتدل
وهمك فأنت بالخيار ان شئت بنيت على الأقل وتشهدت في كل ركعة، وان
شئت بنيت على الأكثر وعملت ما وصفناه (5). ولم نقف على مأخذه.
وقال ابنه في المقنع: سئل الصادق عليه السلام عمن لا يدري اثنتين
صلى أم ثلاثا؟ قال: (يعيد). قيل: فأين ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله
: (الفقيه لا يعيد الصلاة)؟ قال: (انما ذلك في الثلاث والأربع) (6).
وأطلق المرتضى - رحمه الله - في الناصرية ان من شك في الأوليين
استأنف، ومن شك في الأخيرتين بنى على اليقين (7). والعمل على الأول، لأنه
الأظهر في الفتاوى، واختاره في الانتصار مدعيا فيه الاجماع بعد ذكر ما عدا

(1) مختلف الشيعة: 134.
(2) الانتصار: 48.
(3) راجع: المبسوط 1: 123، الكافي في الفقه: 148، مختلف الشيعة: 133.
(4) راجع: جمل العلم والعمل 3: 37، المبسوط 1: 123، الكافي في الفقه: 148، مختلف
الشيعة: 133.
(5) مختلف الشيعة: 133.
(6) المقنع: 31.
(7) الناصريات: 237 المسألة 102.
78

الشك بين الاثنتين والأربع (1).
تنبية:
لم يذكر الجعفي وابن أبي عقيل التخيير بل ذكرا الركعتين من جلوس
هنا، وفي الشك بين الثلاث والأربع، للتصريح بهما فيما سلف، وفي رواية
الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام (2). والتخيير أشهر، لما سبق
من رواية جميل (3) مع عدم المنافاة بينها وبين الاخبار الباقية.
واما الشك بين الأربع والخمس فالنص ان عليه سجدتي السهو كما
يأتي (4) وفصل متأخروا الأصحاب بما حاصله ان هنا صورا (5):
إحداها: ان يقع بعد اكمال السجدتين، والأمر فيه ظاهر.
وثانيها: ان يقع قبل رفع رأسه من السجدة الثانية، والظاهر الحاقه به،
لان الرفع لا مدخل له في الزيادة.
وثالثها: ان يقع بين السجدتين، فيحتمل الحاقه بها، تنزيلا لمعظم
الركعة منزلة جميعها. ويحتمل عدمه، لعدم الاكمال وتجويز الزيادة.
ورابعها: ان يقع بين الركوع والسجود، وهي أشكل مسائله. فقطع
الفاضل فيها بالبطلان، لتردده بين محذورين: اما القطع وهو معرض للأربع،
واما الاتمام وهو معرض للخمس (6). وقطع شيخه المحقق - في الفتاوى -
بالصحة، تنزيلا للركعة على الركوع والباقي تابع. وتجويز الزيادة لا ينفي ما
هو ثابت بالأصالة إذ الأصل عدم الزيادة، ولأن تجويز الزيادة لو منع لأثر في

(1) الانتصار: 48.
(2) الكافي 3: 351 ح 2، التهذيب 2: 185 ح 736.
(3) تقدمت في ص 76 الهامش 3.
(4) سيأتي في ص 90 الهامش 4.
(5) راجع: تذكرة الفقهاء 1: 140، مختلف الشيعة: 134.
(6) مختلف الشيعة: 134.
79

جميع صوره.
وخامسها: ان يقع في أثناء الركوع، فيحتمل الوجهين، وان يرسل نفسه
فكأنه شاك بين الثلاث والأربع.
وسادسها: ان يقع بعد القراءة وقبل الركوع، سواء كان قد انحنى ولم
يبلغ حد الراكع أو لم ينحن أصلا.
وسابعها: ان يقع في أثناء القراءة.
وثامنها: ان يقع قبل القراءة وقد استكمل القيام.
وتاسعها: ان يقع في أثناء القيام.
وفي هذه الصور الأربع يلزمه الاحتياط بركعة قائما أو ركعتين جالسا، لأنه
شك بين الثلاث والأربع، ويرسل نفسه في جميعها. ولا يترتب على التعدد فيها
شئ، سوى احتمال سقوط سجود السهو ما لم يستكمل القيام، واحتمال تعدده
إذا قرأ.
وهذه الاحتمالات التسعة واردة في كل مسألة من المسائل الأربع
المتقدمة. فلو أريد تركيب مسائل الشك الخمسة تركيبا ثنائيا وثلاثيا ورباعيا
حصل منه إحدى عشرة مسألة: ست من الثنائي، وأربع من الثلاثي، وواحد
من الرباعي، فإذا ضربت في الصور التسع كانت تسعا وتسعين مسألة تظهر
بأدنى تأمل، وقد أشرنا إليها في الرسالة المشهورة في الصلاة (1).
فروع:
الأول: ظاهر الأصحاب ان كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين يشترط
فيه اكمال السجدتين فتبطل بدونه، محافظة على ما سلف من اعتبار الأوليين.
وربما اكتفى بعضهم بالركوع، لصدق مسمى الركعة. والأول أقوى.

(1) راجع الألفية، بحث الخلل.
80

نعم، لو كان ساجدا في الثانية، ولما يرفع رأسه وتعلق الشك، لم استبعد
صحته، لحصول مسمى الركعة.
الثاني: لا بد في الاحتياط من النية، وتكبيرة الاحرام، وجميع شرائط
الصلاة وأركانها، لأنه: اما جزء من الصلاة، أو صلاة منفردة، فيجب فيه مراعاة
ما يعتبر في الصلاة.
الثالث: هل يجزئ فيه التسبيح؟ الأكثر على اعتبار الحمد ولم يذكروا
التسبيح، وأثبت التخيير المفيد (1) وابن إدريس (2).
والذي في صحيح محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام: (فيصلي
ركعتين بفاتحة الكتاب) (3). وكذا في صحيح ابن أبي يعفور عنه عليه السلام (4)
وزرارة عن أحدهما عليهما السلام (5) وكثير من الاخبار. نعم، في بعضها اطلاق
الصلاة (6) مع العلم بأنها شرعت للبدلية فيمكن ثبوت التخيير فيها كالمبدل، وهو
اعتبار مرغوب عنه مع عدم تيقن البراءة به.
الرابع: ظاهر الفتاوى والاخبار وجوب تعقيب الاحتياط للصلاة من غير
تخلل حدث أو كلام أو غيره، حتى ورد وجوب سجدتي السهو للكلام قبله ناسيا
كما مر (7).
وقال ابن إدريس: لا تفسد الصلاة بالحدث قبله، لخروجه من الصلاة

(1) المقنعة: 24.
(2) السرائر: 54.
(3) التهذيب 2: 185 ح 737، الاستبصار 1: 372 ح 1414.
(4) الكافي 3: 352 ح 4، التهذيب 2: 186 ح 739، الاستبصار 1: 373 ح 1415.
(5) الكافي 3: 351 ح 3، التهذيب 2: 186 ح 740، الاستبصار 1: 373 ح 1416.
(6) راجع: الكافي 3: 353 ح 9، 350 ح 3، التهذيب 2: 349 ح 1448، 184 ح 734، 192
ح 759.
(7) تقدم في ص 75 الهامش 3.
81

بالتسليم وهذا فرض جديد (1). وهو ضعيف، لان شرعيته ليكون استدراكا
للفائت من الصلاة، فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة، فيكون الحدث
واقعا في الصلاة فيبطلها.
وأورد على ابن إدريس التناقض بين فتواه بعدم البطلان بالحدث
المتخلل وبجواز التسبيح، لان الأول يقتضي كونها صلاة منفردة، والثاني
يقتضي كونها جزءا (2). ويمكن دفعه بان التسليم جعل لها حكما مغايرا للجزء
باعتبار الانفصال عن الصلاة، ولا ينافي تبعية الجزء في باقي الاحكام.
الخامس: لو ذكر بعد الاحتياط تمام الصلاة كان له ثواب النافلة، كما
ورد به النقل (3). ولو ذكر النقصان صح وكان مكملا للصلاة.
ويشكل في صورة الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع إذا لم يطابق الأول
منهما - كأن بدأ بالركعتين قائما ثم يذكر انها كانت ثلاثا، أو بدأ بالركعة قائما
ثم تذكر انها كانت اثنتين - من حيث الحكم بصحة الصلاة والانفصال منها
بالكلية فلا عبرة بما يطرأ من بعد، ومن اختلال نظم الصلاة.
والأول أقوى، لان امتثال الأمر يقتضي الاجزاء، والإعادة خلاف الأصل،
ولأنه لو اعتبر المطابقة لم يسلم لنا احتياط يذكر فاعله الاحتياج إليه، لحصول
التكبير الزائد المنوي به الافتتاح.
ولو تذكر في أثنائه الحاجة إليه، ففيه أوجه:
أحدها: الاجزاء مطلقا، لأنه من باب امتثال المأمور به.
والثاني: الإعادة، لزيادة التكبير.
والثالث: الصحة إذا طابق.

(1) السرائر: 54.
(2) أورده العلامة في مختلف الشيعة: 139.
(3) الكافي 3: 353 ح 8، الفقيه 1: 229 ح 1015.
82

وهذا انما يتصور في الفرض المذكور. وحينئذ لو بدأ بالركعتين من قيام،
ثم تذكر في أثنائها انها كانت ثلاثا، فإنه تنقدح الصحة ما لم يركع في الثانية،
أو ركع وكان قد قعد عقيب الأولى، لما سبق في مثله. اما لو ركع ولما يسبق له
الجلوس فالبطلان قوي، لأنه ان اعتبر كونه مكملا للصلاة فقد زاد، وان اعتبر
كونه صلاة منفردة فقد صلى زيادة عما في ذمته بغير فاصل.
ولو تذكر في أثناء الركعتين جالسا انها ثلاث فالأقرب الصحة، لان
الشرع اعتبرها مجزئة عن ركعة. ويحتمل البطلان لان ذلك حيث لا علم
للمكلف، اما مع علمه فيكون قد صلى جالسا ما هو فرض معلوم له، وهذا
يقدح في صحة الصلاة وان كان قد فرغ منهما وتذكر انها ثلاث.
وابعد في الصحة لو تذكر انها اثنتان، لأنه يلزم منه اختلال النظم.
ووجه الصحة امتثال الامر، والحكم بالاجزاء على تقدير كل محتمل، إذ
المكلف لا يؤاخذ بما في نفس الامر، فإذا كان الحكم بالاجزاء حاصلا مع
البقاء على الشك، ومن الممكن ان لا يكون مطابقا للامر نفسه، فلا فرق بينه
وبين التذكر.
اما لو تذكر ولما يركع جالسا في الركعة الأولى، فالأقرب عدم الاعتداد
بما فعله من النية والتكبير والقراءة، ويجب عليه القيام لاتمام الصلاة، ولا تضره
تلك التكبيرة وذلك القعود الزائد.
ولو تذكر قبل الشروع في الاحتياط النقصان، أتم ما لم يكن قد أتى
بالمنافي عمدا وسهوا.
إذا عرفت ذلك، فإنه في كل موضع حكم بالصحة يحتمل وجوب
سجدتي السهو حيث يكون موجبها حاصلا، كالتسليم والقعود في موضع قيام.
السادس: لو صلى قبل الاحتياط غيره بطل، فرضا كان أو نفلا، ترتب
على الصلاة السابقة أو لا، لان الفورية تقتضي النهي عن ضده وهو عبادة. هذا
إذا كان متعمدا.
83

ولو فعل ذلك سهوا وكانت نافلة بطلت، وكذا إذا كانت فريضة لا يمكن
العدول فيها: اما لاختلاف نوعها كالكسوف، واما لتجاوز محل العدول.
ويحتمل الصحة، بناء على أن الاتيان بالمنافي قبله لا يبطل الصلاة.
وان أمكن العدول احتمل قويا صحته، كما يعدل إلى جميع الصلاة.
السابع: لو لزمه احتياط في الظهر، فضاق الوقت الا عن العصر، زاحم
به إذا كان يبقى بعده ركعة للعصر، وان كان لا يبقى صلى العصر. وفي بطلان
الظهر الوجهان في فعل المنافي قبله، وأولى بالبطلان هنا، للفصل بين أجزاء
الصلاة بصلاة أجنبية.
ولو كان في أثناءه فعلم الضيق، فالأقرب العدول إلى العصر، لأنه واجب
ظاهرا. ويحتمل عدمه، لأنه يجوز كونه نفلا فلا يعدل عنه إلى الفرض.
الثامن: يترتب الاحتياط ترتب المجبورات، وهو بناء على أنه لا يبطله
فعل المنافي، وكذا الأجزاء المنسية تترتب. ولو فاتته سجدة من الأولى وركعة
احتياط قدم السجدة. ولو كانت من الركعة الأخيرة احتمل تقديم الاحتياط
لتقدمه عليها، وتقديم السجدة، لكثرة الفصل بالاحتياط بينها وبين الصلاة.
التاسع: لو أعاد الصلاة من وجب عليه الاحتياط لم يجز، لعدم اتيانه
بالمأمور به. وربما احتمل الاجزاء، لاتيانه على الواجب وزيادة.
العاشر: تجب نية الركعة أو الركعتين، ليتحقق الامتياز والأداء أو القضاء
بحسب الفريضة، وكذا لو خرج الوقت وقلنا لا يقدح في صحة الصلاة.
تتمة:
لو فاتته السجدة أو التشهد أو الصلاة على النبي وآله عليهم السلام،
ففعل المنافي قبل فعلها، ففيها الوجهان المذكوران في الاحتياط، وأولى
بالبطلان عند بعضهم، للحكم بالجزئية هنا يقينا.
ولا خلاف انه يشترط فيها ما يشترط في الصلاة حتى الأداء في الوقت،
84

فان فات الوقت ولما يفعلها تعمدا بطلت الصلاة عند بعض الأصحاب، لأنه
لم يأت بالماهية على وجهها. وان كان سهوا لم تبطل عنده ونوى بها القضاء،
وكانت مترتبة على الفوائت قبلها، ابعاضا كانت أو صلوات مستقلة (1).
ولو فاته الاحتياط عمدا احتمل كونه كالسجدة بل أولى، لاشتماله على
أركان. ويحتمل الصحة، بناء على أن فعل المنافي قبله لا يبطله، فان قلنا به
نوى القضاء بعد خروج الوقت وترتب على ما سلف.
ويحتمل قويا صحة الصلاة بتعمد ترك الابعاض وان خرج الوقت، لعدم
توقف صحة الصلاة في الجملة عليها، بخلاف الاحتياط لتوقف صحة الصلاة
عليه.
وعلى القول بان فعل المنافي قبله لا يبطله، لا يضر خروج الوقت.
وعلى تقدير القول بالصحة، فالاثم حاصل ان تعمد المنافي، للاجماع
على وجوب الفورية فيه.
ويلحق بذلك النظر في سجدتي السهو، وفيه خمسة مباحث:
الأول: في موجبهما، واختلف فيه الأصحاب:
فقال ابن الجنيد: تجبان: لنسيان التشهد الأول أو الثاني إذا كان قد
تشهد أولا والا أعاد، وللشك بين الثلاث والأربع أو بين الأربع والخمس إذا
اختار الاحتياط بركعة قائما أو ركعتين جالسا، ولتكرير بعض أفعال الركعتين
الأخيرتين سهوا، والسلام سهوا إذا كان في مصلاه فأتم صلاته، وللشك بين
الاثنتين والثلاث والأربع بعد الاحتياط.
قال: وسجدتا السهو تنوبان عن كل سهو في الصلاة.
وقال الجعفي: تجب للشك بين الأربع والخمس، وهما النقرتان:
وسمى ركعتي احتياط الشك بين الثلاث والأربع: المرغمتين.

(1) هو العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 140.
85

وقال المفيد - رحمه الله - في المقنعة: فوات السجدة والتشهد حتى
يركع، والكلام ناسيا (1). وفي العزية أوجبهما على من لم يدر أزاد ركوعا أو
نقصه، أو زاد سجدة أو نقصها وكان قد تجاوز محلها (2).
وقال ابن أبي عقيل: تجب للشك بين الأربع والخمس فما عداها،
وللكلام سهوا خاطب المصلي نفسه أو غيره (3).
وقال أبو جعفر بن بابويه: لا تجبان الا على من قعد في حال قيامه، أو
قام في حال قعوده، أو ترك التشهد، أو لم يدر زاد أو نقص. وأوجبهما أيضا
بالكلام ناسيا (4).
وقال والده تجب في نسيان التشهد، والشك بين الثلاث والأربع مع ظن
الرابعة (5). ووافقه ابنه فيه كما مر.
وقال المرتضى - قدس الله روحه -: تجبان في خمسة: نسيان السجدة
والتشهد، والكلام ساهيا، وفي القعود حالة قيام وبالعكس، وفي الشك بين
الأربع والخمس (6). وتبعه ابن البراج وزاد: التسليم في غير موضعه (7). وابن
حمزة تبعه وزاد: السهو عن السجدتين من الأخيرتين (8).
وقال الشيخ في النهاية: تجبان: لنسيان السجدة، والتشهد، والشك بين
الأربع والخمس، وللسلام ناسيا في غير موضعه، والتكلم ناسيا. وسماهما

(1) المقنعة: 24.
(2) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 140.
(3) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 140.
(4) الفقيه 1: 232، المقنع: 31.
(5) مختلف الشيعة: 140.
(6) جمل العلم والعمل 3: 37.
(7) المهذب 1: 156.
(8) الوسيلة: 100.
86

المرغمتين (1).
وفي المبسوط عد هذه ثم قال: وفي أصحابنا من قال: ان من قام في
حال قعود، أو قعد في حال قيام، فتلافاه كان عليه سجدتا السهو. وكذا نقل
انهما تجبان في كل زيادة ونقصان، وفرع عليه وجوبهما بزيادة فرض أو نفل
ونقصانهما، فعلا كانا أو هيئة. ثم قال: الأظهر في الروايات والمذهب
الأول (2).
وفي نهاية الفاضل والتذكرة: لو زاد فعلا مندوبا أو واجبا في غير محله
نسيانا سجد للسهو قال: ولو عزم على فعل مخالف للصلاة، أو على أن يتكلم
عمدا ولم يفعل، لم يلزمه سجود لان حديث النفس مرفوع عن أمتنا، وانما
السجود في عمل البدن (3).
وفي الجمل كالذي قال في المبسوط، الا انه لم يذكر التشهد (4).
وفي الخلاف: لا تجبان الا في أربعة: الشك، والكلام، والسلام،
ونسيان السجدة أو التشهد. ونقل عن بعض الأصحاب الوجوب في كل زيادة
ونقصان (5).
وقال أبو الصلاح: تجبان للسلام، والكلام، والقعود في موضع القيام
وبالعكس، ونسيان السجدة، وللشك في كمال الفرض، وزيادة ركعة عليه،
واللحن في الصلاة نسيانا (6).
وقال سلار: تجبان للكلام، ونسيان السجدة، وللتشهد، والقعود في حال

(1) النهاية: 91: 93.
(2) المبسوط 1: 123، 125.
(3) نهاية الإحكام 1: 547، تذكرة الفقهاء 1: 141
(4) الجمل والعقود: 189.
(5) الخلاف 1: 459 المسألة: 202، 149.
(6) الكافي في الفقه: 118، 148.
87

القيام وبالعكس (1). ولا ريب ان السلام ناسيا يدخل في قوله وقول المرتضى
- رحمه الله -.
وقال ابن زهرة: للسجدة المنسية والتشهد، وللقعود والقيام في غير
موضعهما، وللشك بين الأربع والخمس، والكلام سهوا (2).
وقال ابن إدريس: تجبان بستة: نسيان السجدة والتشهد، والكلام،
والقعود والقيام في غير موضعهما، والشك بين الأربع والخمس (3).
والشيخ نجم الدين أوجبهما في نسيان السجدة والتشهد، والسلام
والكلام والشك بين الأربع والخمس. وحكى القيام والقعود، ورده برواية
سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام: (من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا
السهو). وحكى الزيادة والنقصان والمتمسك من الجانبين ولم يرجح شيئا (4).
وقال ابن عمه الشيخ نجيب الدين - في الجامع - بمقالته، وحكى القيام
والقعود (5).
والفاضل - رحمه الله - اختار ذلك وأضاف إليه القعود والقيام في غير
موضعهما، والزيادة والنقيصة معلومة كانت أو مشكوكة (6).
ولنشر إلى بعض الروايات.
فالتشهد المنسي قد ذكر مأخذه في التاسعة من مسائل السهو. وروى
محمد بن علي الحلبي عن الصادق عليه السلام في ناسي التشهد: يرجع

(1) المراسم: 89.
(2) الغنية: 504.
(3) السرائر: 55 وزاد فيه: من سلم في غير موضع التسليم، وبه تتم الشروط الستة.
(4) المعتبر 2: 398.
ورواية سماعة في الكافي 3: 355 ح 1.
(5) الجامع للشرائع: 86.
(6) مختلف الشيعة: 140.
88

فيتشهد وليس عليه سجدتا السهو (1) وهو ظاهر فيما يتلافى في الصلاة، فلا ينافي
وجوبهما فيما يؤتى به بعدها.
واما السجدة فلم نقف فيها على خصوص نص بالوجوب. نعم، تدخل
فيما رواه سفيان بن السمط عنه عليه السلام: (تسجد سجدتي السهو في كل
زيادة تدخل عليك أو نقصان) (2) الا ان هذا العموم يعارضه رواية أبي بصير سألته
عمن نسي ان يسجد سجدة، (إذا انصرف قضاها وليس عليه سهو) (3) وربما
تحمل على سهو يوجب احتياطا أو إعادة.
واما الكلام نسيانا فيشهد له صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق
عليه السلام (4). ولا يعارضها صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: (لا شئ
عليه) (5) لامكان حمله على نفي الإعادة أو الاثم.
واما التسليم فلانه كلام ليس من الصلاة وزيادة. وفي صحيح محمد بن
مسلم عن الباقر عليه السلام: لا شئ فيه (6) وجوابه كالأول.
واما القيام والقعود في غير محلهما فللزيادة، ورواية عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام فيما يجب به سجدتا السهو: (إذا أردت ان تقعد فقمت، أو تقوم
فقعدت، أو أردت ان تقرأ فسبحت، أو أردت ان تسبح فقرأت، فعليك سجدتا
السهو) (7).
قلت: يمكن ان تحمل على من تلافى القراءة أو التسبيح المراد، فيكون

(1) التهذيب 2: 158 ح 622، الاستبصار 1: 363 ح 1376.
(2) التهذيب 2: 155 ح 608، الاستبصار 1: 361 ح 1367.
(3) الفقيه 1: 228 ح 1008، التهذيب 2: 152 ح 598، الاستبصار 1: 358 ح 1360.
(4) الكافي 3: 356 ح 4، التهذيب 2: 191 ح 755، الاستبصار 1: 378 ح 1433.
(5) التهذيب 2: 191 ح 756، الاستبصار 1: 378 ح 1434.
(6) التهذيب 2: 191 ح 757، الاستبصار 1: 379 ح 1436.
(7) التهذيب 2: 353 ح 1466.
89

من باب الزيادة. ويمكن ان تحمل على من فعل ذلك وفات محل التلافي،
فيكون من باب النقيصة، فمن ثم لم يعد شيئا خارجا.
واما الزيادة والنقيصة فلما مر، ولما روى ابن الجنيد في النقيصة (1).
وروى عبيد الله الحلبي - في الصحيح - عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
(إذا لم تدر أربعا صليت أو خمسا، أم نقصت أم زدت، فتشهد وسلم واسجد
سجدتي السهو بغير ركوع ولا قراءة، تتشهد فيهما تشهدا خفيفا) (2). وروى
الفضيل بن يسار عنه عليه السلام: (من حفظ سهوه فأتم فليس عليه سجدتا
السهو، وانما السهو على من لم يدر زاد في صلاته أو نقص) (3).
واما الشك بين الأربع والخمس فلما ذكر، ولما روى عبد الله بن سنان
عن علي عليه السلام: (إذا كنت لا تدري أربعا صليت أو خمسا، فاسجد
سجدتي السهو بعد تسليمك ثم تسلم بعدهما) (4).
وبالجملة: ما اختاره الفاضل أعدل الأقوال.
البحث الثاني: في اتحاد السبب وتكثره.
لا ريب في الوجوب عند اتحاد السبب، وكذا إذا كثر في صلوات
متباعدة. ولا ريب في انتفائه إذا خرج إلى حد الكثرة في صلاة أو صلوات.
اما لو تعدد سبب السجدتين في صلاة واحدة، ولم يخرج إلى حد الكثرة
المقتضية للعفو، فالأقرب عدم التداخل، لقيام السبب، واشتغال الذمة، ولما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (لكل سهو سجدتان) (5). ولا فرق

(1) سيأتي في ص 93.
(2) الفقيه 1: 230 ح 1019، التهذيب 2: 196 ح 772، الاستبصار 1: 380 ح 1441.
(3) الفقيه 1: 230 ح 1018.
(4) الكافي 3: 355 ح 3، التهذيب 2: 195 ح 767، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه
السلام.
(5) مسند أحمد 5: 280، سنن ابن ماجة 1: 385 ح 1219، سنن أبي داود 1: 273 ح 1038،
السنن الكبرى 2: 337.
90

بين ان يختلف السبب - كالسلام والقيام - أو يتحد - كالتسليم مرارا - مع
اختلاف أوقات النسيان.
والشيخ جعل عدم التداخل أحوط (1).
وابن إدريس فصل، فأوجب التداخل إذا تجانس السبب، لأنه صادق
على القليل والكثير، بخلاف ما إذا اختلف السبب، لان كل واحد لا يدخل
تحت لفظ الأمر بالآخر (2).
وجوابه: ان كل واحد لو انفرد لأوجب حكما، فعند الاجتماع لا يزول ما
كان ثابتا حال الانفراد.
نعم، لو نسي القراءة مثلا لم تجب عليه لكل حرف منسي سجدتان، وان
كان لو انفرد لأوجب ذلك، لان اسم القراءة يشملها.
ولو نسيها في الركعات نسيانا مستمرا لا يذكر فيه، فالظاهر أنها سبب
واحد.
ولو تذكر ثم عاد إلى النسيان، فالأقرب تعدد السبب. وكذا لو تكلم
بكلمات متوالية أو متفرقة ولم يتذكر النسيان فكلام واحد، فلو تذكر تعدد.
فروع:
ينبغي ترتيبه بترتب الأسباب. ولو كان هناك ما يقضى من الاجزاء، قدمه
على سجدتي السهو وجوبا على الأقوى.
ولو تكلم ونسي سجدة، سجدها أولا ثم سجد لسهوها وان كان متأخرا
عن الكلام، لارتباطه بها. ويحتمل تقديم سجود الكلام، لتقدم سببه.

(1) المبسوط 1: 123، الخلاف 1: 458 المسألة: 201.
(2) السرائر: 55.
91

ولو ظن سهوه كلاما فسجد له، فتبين انه كان نسيان سجدة، فالأقرب
الإعادة، بناء على أن تعيين السبب شرط. وهو اختيار الفاضل (1).
ولو نسي سجدات أتى بها متتاليا، وسجد للسهو بعدها، وليس له ان
يخلله بينها - على الأقرب - صونا للصلاة عن الأجنبي.
البحث الثالث: محلهما بعد التسليم، سواء كانتا للزيادة أو النقيصة
- على المشهور - حذرا من الزيادة في الصلاة، ولما تقدم في رواية ابن
الحجاج (2) وموثقة عبد الله بن ميمون عن الصادق عليه السلام عن علي عليه
السلام (3).
ويحتج على الشافعي (4) بما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله: (لكل
سهو سجدتان بعد أن يسلم) (5) وان النبي صلى الله عليه وآله سجدهما بعد
التسليم (6).
ويعارضها صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام:
(إذا نقصت قبل التسليم، وإذا زدت فبعده) (7). وفي رواية أبي الجارود عن الباقر
عليه السلام: (انهما قبل التسليم) (8) وأطلق. وحملهما الأصحاب على التقية،
قال الصدوق: اني أفتي به حال التقية (9).

(1) نهاية الإحكام 1: 552.
(2) الكافي 3: 356 ح 4، التهذيب 2: 191 ح 755، الاستبصار 1: 378 ح 1433.
وتقدمت اجمالا في ص 89 الهامش 3.
(3) التهذيب 2: 195 ح 768، الاستبصار 1: 380 ح 1438.
(4) الأم 1: 130، المجموع 4: 153.
(5) تقدم في ص 90 الهامش 5.
(6) صحيح مسلم 1: 404 ح 573، السنن الكبرى 2: 335.
(7) التهذيب 2: 195 ح 769، الاستبصار 1: 380 ح 1439.
(8) التهذيب 2: 195 ح 770، الاستبصار 1: 380 ح 1440.
(9) الفقيه 1: 225.
92

واما رواية العامة ان النبي صلى الله عليه وآله سجد قبل السلام (1) وان
الزهري قال: آخر الأمرين السجود قبل التسليم (2)، فلم يثبت عندنا، كيف
وأهل البيت أعرف بحال صاحب البيت!
وقال ابن الجنيد: ان كرر بعض أفعال الصلاة في الأخيرتين ساهيا سجد
للسهو بعد سلامه، وان عدل من النفل إلى الفرض استحب ان يسجد للسهو
قبل سلامه، لسهوه عن نية الفرض الذي قضاه، لأنه نقص الصلاة.
قال: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله: (من ترك شيئا من صلاته
فليسجد سجدتي السهو بعد سلامه، وان كان بنقصان فيها سجد قبل
سلامه).
وليس في هذا كله تصريح بما يرويه بعض الأصحاب ان ابن الجنيد قائل
بالتفصيل (3). نعم، هو مذهب أبي حنيفة من العامة (4).
فروع:
لو قلنا بفعله قبل التسليم، فظن موجبه ففعله ثم تبين ان لا موجب، لم
يسجد له، قاله الفاضل، معللا بأنه لا سهو في سهو (5).
قلت: يشكل على القول بوجوب التسليم، لأنه تبين انه زاد في الصلاة
سجدتين.
ولو سجد ثم سها سجد ثانيا، لان سجود السهو انما يجبر ما قبله.

(1) الموطأ 1: 96، سنن الدارمي 1: 353، صحيح البخاري 2: 85، صحيح مسلم 1: 399
ح 570، سنن النسائي 3: 19، السنن الكبرى 2: 334.
(2) السنن الكبرى 2: 341.
(3) قاله العلامة في مختلف الشيعة: 142.
(4) حلية العلماء 1: 150، اللباب 1: 94.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 141.
93

ولو سلم قبل السجود متعمدا، بطلت صلاته على القول بوجوبهما قبله.
ولو كان ناسيا فالأقرب الصحة، ويأتي بهما بعده. وهل يجب سجود السهو هنا؟
وجهان: من تحقق الاخلال به في غير موضعه، ومن انه لا سهو في سهو.
البحث الرابع: تجب فيهما النية لأنهما عبادة، وتعيين السبب، وجميع
ما يعتبر في سجود الصلاة الا الذكر، فإنه يقول فيهما: (بسم الله وبالله، وصلى
الله على محمد وعلى آل محمد)، أو يقول: (بسم الله وبالله، والسلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، لرواية عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه
السلام انه سمعه مرة يقول فيهما الأول ومرة أخرى الثاني (1) ولا يستلزم سهو
الامام، لجواز كونه اخبارا عن حكمه فيهما.
وفي الكليني عبارة الحلبي (بسم الله وبالله، اللهم صلى على محمد وآل
محمد) وفي المرة الأخرى (بسم الله وبالله، السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله (2)) (3). والكل مجز. ثم يتشهد تشهدا خفيفا ويسلم، للحديثين السالفين (4)
وفتوى الأصحاب (5).
الا ان أبا الصلاح، قال: ينصرف منهما بالتسليم على محمد صلوات
الله عليه وآله (6).
وجوز الشيخ - في المبسوط - فيهما ما شاء من الأذكار (7).

(1) التهذيب 2: 196 ح 773.
(2) في المصدر زيادة: (وبركاته).
(3) الكافي 3: 356 ح 5، ومثله في الفقيه 1: 226 ح 997 الا في عبارة (اللهم صل)، ففيه
كما في التهذيب (وصلى الله).
(4) تقدما في ص 67 الهامش 4، ص 90 الهامش 2.
(5) راجع: المقنعة: 24، المبسوط 1: 125، المعتبر 2: 400.
(6) الكافي في الفقه: 148.
(7) المبسوط 1: 125.
94

والفاضل في المختلف لم يوجب سوى السجدتين وجعل الباقي
مستحبا، تعويلا على رواية عمار عن الصادق عليه السلام: (هما سجدتان
فقط، فان كان الذي سها هو الامام كبر إذا سجد وإذا رفع رأسه، ليعلم من خلفه
انه قد سها، وليس عليه ان يسبح فيهما، ولا فيهما تشهد بعد السجدتين) (1).
وهو معارض بما تقدم، وبرواية الحلبي أيضا الصحيحة عن الصادق عليه
السلام: (يتشهد فيهما تشهدا خفيفا) (2) وبفتوى الأصحاب، مع ضعف عمار.
وفي المعتبر أوجب التشهد والتسليم ولم يوجب الذكر فيهما (3).
والعمل بالمشهور بين الأصحاب أولى.
البحث الخامس: يجب البدار بهما على الفور، لما روي من أنهما قبل
الكلام (4) ولأن النبي صلى الله عليه وآله سجد عقيب الصلاة (5) على ما روي،
والتأسي به واجب.
فلو تركهما لم يقدح في صحة الصلاة، بل يجب الاتيان بهما بعد وان
طالت المدة، لما رواه عمار عن الصادق عليه السلام في ناسيهما: (يسجدهما
متى ذكر) (6).
وفي الخلاف: هما شرط في صحة الصلاة (7). فعلى قوله تركهما يقدح

(1) مختلف الشيعة: 143.
ورواية عمار في الفقيه 1: 226 ح 996، التهذيب 2: 196 ح 771، الاستبصار 1: 381
ح 1442.
(2) الفقيه 1: 230 ح 1019، التهذيب 2: 196 ح 772، الاستبصار 1: 380 ح 1441.
(3) المعتبر 2: 400.
(4) التهذيب 2: 195 ح 768، الاستبصار 1: 380 ح 1438.
(5) تقدم في ص 92 الهامش 6.
(6) التهذيب 2: 353 ح 1466
(7) الخلاف 1: 462 المسألة: 203.
95

في الصحة، وهو مع ذلك قائل بوجوب الاتيان بهما وان طالت المدة (1). ومنع
الشرطية الفاضلان (2).
وقال بعض العامة: لو نسيهما قضاهما ما لم يخرج عن المسجد أو
يتكلم (3) وآخرون ما لم يقم عن مجلسه أو يطل الزمان عزفا (4). وليسا شيئا، إذ
الثابت الوجوب والتقدير تحكم.
فروع:
الأول: لو نسي أربع سجدات من أربع ركعات، قضاها وسجد لكل
واحدة سجدتين. ويحتمل الاجتزاء بسجدتين: اما على القول بالتداخل
فظاهر، واما على عدمه فلدخوله في حيز الكثرة ان تعدد السهو. اما لو كان في
سهو متصل فالظاهر أنه لا يدخل في الكثرة.
وقال بعض العامة: تخلص له ركعتان إن جلس جلسة فصل أو جلسة
الاستراحة، أو قلنا بان القيام يقوم مقام الجلسة، والا خلص له ركعة الا
سجدة، فيتم سجدة ثم ثلاث ركعات (5).
وقال بعضهم: لا تسلم له سوى التحريمة (6).
وقال آخرون: ليس عليه سوى أربع سجدات متتالية (7).
وفي الخلاف: لا نص لأصحابنا فيها، وقضية المذهب بطلان الصلاة ان

(1) الخلاف 1: 462 المسألة: 204.
(2) المعتبر 2: 402، مختلف الشيعة: 143.
(3) المجموع 4: 161، المغني 1: 722.
(4) المجموع 4: 158، 156، المغني 1: 723.
(5) المجموع 4: 120، المغني 1: 727.
(6) المجموع 4: 121.
(7) المجموع 4: 121، المغني 1: 727
96

قلنا باشتراط سلامة الركعتين الأوليين، والا أتى بأربع وسجد للسهو أربع
مرات (1).
الثاني: لو جلس في موضع قيام ناسيا ولما يتشهد - كالجلوس على الأولى
أو الثالثة - صرف إلى جلسة الاستراحة ولا سجود عليه على الأقوى، وان تشهد
وجب السجود للتشهد لا للجلوس على الأصح.
وفي الخلاف: ان كان الجلوس بقدر الاستراحة ولم يتشهد فلا سجود
عليه، وان تشهد أو جلس بقدر التشهد سجد على القول بالزيادة والنقيصة (2).
وفي المختلف: ان جلس ليتشهد ولم يتشهد، فالزائد على جلسة
الاستراحة يوجب السجود (3)، والظاهر أنه مراد الشيخ. ولكن في وجوب السجود
للزائد عن قدرها للتشهد اشكال، لان جلسة الاستراحة لا قدر لها بل يجوز
تطويلها وتركه، فان صرف الجلوس للتشهد إليها فلا يضر طولها، وان لم يصرف
لم ينفع قصرها في سقوط سجود السهو.
الثالث: لا سجود لترك السنن، سواء كانت قنوتا أو غيره.
وقال ابن الجنيد: لو نسي القنوت قضاه في التشهد قبل التسليم وسجد
سجدتي السهو (5). ورواية سفيان السالفة تدل عليه (6)، ولكن يدخل فيها ترك
جميع السنن، كما قاله الشيخ - رحمه الله - في المبسوط (7).
الرابع: تسمى هاتان السجدتان: المرغمتين، لأنهما ترغمان الشيطان،

(1) الخلاف 1: 456 المسألة: 199.
(2) الخلاف 1: 458 المسألة 200.
(3) مختلف الشيعة: 143.
(4) تقدمت في ص 89 الهامش 2.
(5) مختلف الشيعة: 140.
(6) تقدمت في ص 89 الهامش 2.
(7) المبسوط 1: 125.
97

كما دل عليه الحديث من طرقنا (1) وطرق العامة (2). وسماهما الجعفي:
النقرتين، وهو في بعض الاخبار (3) وفي بعضها النهي عن تسميتهما
بالنقرتين (4). ومن النوادر انهما ركعتان كما ورد في بعض الاخبار.
خاتمة:
روى الصدوق باسناده إلى إسماعيل بن مسلم، عن الصادق عليه
السلام: (ان النبي صلى الله عليه وآله قال لمن شكا إليه كثرة الوسوسة حتى لا
يعقل ما صلى من زيادة أو نقصان: إذا دخلت في صلاتك فاطعن فخذك
اليسرى بإصبعك اليمنى المسبحة، ثم قل: بسم الله وبالله، توكلت على الله،
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فإنك تزجره وتطرده عنك) (5).

(1) الكافي 3: 357 ح 9، التهذيب 2: 349 ح 1449.
(2) المصنف لعبد الرزاق 2: 305 ح 3466، صحيح مسلم 1: 400 ح 571، سنن الدارقطني
1: 375، السنن الكبرى 2: 339.
(3) التهذيب 2: 345 ح 1431.
(4) التهذيب 2: 156 ح 609، الاستبصار 1: 360 ح 1366.
(5) الفقيه 1: 223 ح 984، وفي الكافي 3: 358 ح 4.
98

الركن الثالث: في بقية الصلوات الواجبة
وفصوله أربعة:
الفصل الأول: في صلاة الجمعة.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في الشرائط.
مقدمة:
تجب صلاة الجمعة - بالنص والاجماع - ركعتان بدلا عن الظهر.
قال الله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر
الله) (1).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: (الجمعة حق على كل مسلم الا أربعة:
عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض) (2).
وقال صلى الله عليه وآله: (اعلموا ان الله قد افترض عليكم الجمعة،
فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله امام عادل، استخفافا بها أو جحودا لها، فلا
جمع الله له شملة، ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا زكاة له، ألا

(1) سورة الجمعة: 9.
(2) المصنف لعبد الرزاق 3: 173 ح 5200، سنن أبي داود 1: 280 ح 1067، سنن الدارقطني
2: 3، المستدرك على الصحيحين 1: 288، السنن الكبرى 3: 172.
99

ولا حج له، ألا ولا صوم له، إلا ولا بر له حتى يتوب) (1).
وقال الصادق عليه السلام - برواية أبي بصير ومحمد بن مسلم -: (ان الله
تعالى فرض في كل أسبوع خمسا وثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة على كل
مسلم ان يشهدها الا خمسة: المريض، والمملوك، والمسافر، والمرأة
والصبي) (2).
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: (فرض الله تعالى على الناس
من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة، منها صلاة واحدة فرضها الله
تعالى في جماعة وهي: الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصغير، والكبير،
والمجنون، والمسافر، والعبد، والمرأة، والمريض، والأعمى، ومن كان على
رأس فرسخين) (3).
وشروطها سبعة:
الشرط الأول: السلطان العادل، وهو الامام أو نائبه اجماعا منا، لما مر،
ولأن النبي صلى الله عليه وآله كان يعين لامامة الجمعة (4).
ويشترط في النائب أمور تسعة:
الأول: البلوغ، فلا تنعقد امامة الصبي، لاتصافه بما يرفع القلم، فلا
يؤمن ترك واجب أو فعل محرم منه إذا كان مميزا، وان لم يكن مميزا فلا اعتبار
لأفعاله.
الثاني: العقل، فلا تنعقد امامة المجنون، لعدم الاعتداد بفعله.

(1) سنن ابن ماجة 1: 343 ح 1081، مسند أبي يعلى 3: 381 ح 1856، السنن الكبرى 3:
171.
(2) الكافي 3: 418 ح 1، التهذيب: 3: 19 ح 69.
(3) الكافي 2: 419 ح 6، الفقيه 1: ح 1217، الخصال: 422، التهذيب 3: 21 ح 77.
(4) انظر ما يأتي في صحيفة: 104 هامش 3.
100

ولو كان يعتوره أدوارا، فالأقرب الكراهة وقت افاقته. وحرمه الفاضل،
لأنه لا يؤمن عروضه له في أثناء الصلاة، ولجواز احتلامه في جنته بغير
شعوره (1).
قلت: تجويز العروض لا يرفع تحقيق الأهلية، والتكليف يتبع العلم.
الثالث: ان لا يكون امرأة ولا خنثى: لعدم تكليفهما بهذه الصلاة،
وعدم جواز امامتهما بالرجال.
الرابع: الحرية، وأحوط القولين اعتبارها، لعدم تكليفه بها، ولنقصه عن
مرتبة الإمامة، ولرواية السكوني عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي عليه
السلام انه قال: (لا يؤم العبد الا أهله) (2). وهو اختيار الشيخ في النهاية (3) تبعا
لشيخه المفيد (4).
وقال في المبسوط: يجوز (5) واختاره المتأخرون (6) لما رواه محمد بن
مسلم - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام في العبد يؤم القوم إذا رضوا به
وكان أكثرهم قراءة، قال: (لا بأس به) (7) ويجوز ان تكون محمولة على الجماعة
المستحبة.
الخامس: العدالة - وهي: هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة
التقوى والمروءة، بحيث لا يواقع الكبائر ولا يصر على الصغائر - وعليه اجماع
الأصحاب هنا وفي الجماعة المطلقة، لظاهر قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى

(1) تذكرة الفقهاء 1: 144.
(2) التهذيب 3: 29 ح 102، الاستبصار 1: 423 ح 1631.
(3) النهاية: 105.
(4) المقنعة: 27.
(5) المبسوط 1: 149.
(6) راجع: المعتبر 2: 293، تذكرة الفقهاء 1: 145، مختلف الشيعة: 153.
(7) التهذيب 3: 29 ح 100، الاستبصار 1: 423 ح 1629.
101

الذين ظلموا) (1).
وروى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله - بطريق جابر -: (لا تؤمن
امرأة رجلا، ولا فاجر مؤمنا، الا ان يقهره سلطان أو يخاف سيفه أو سوطه) (2).
وروى سعد بن إسماعيل، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام: منع امامة
من يقارف الذنوب (3).
وفي خبر آخر: (امامك شفيعك إلى الله، فلا تجعل شفيعك سفيها ولا
فاسقا) رواه الصدوق عن أبي ذر رضي الله عنه (4) والظاهر أنه قاله توقيفا.
وأولى بالاشتراط الايمان والاسلام. فلو ظن ايمانه أو اسلامه فظهر
خلافه، صحت الصلاة، لأنه متعبد بظنه. ولا فرق بين ظهور الكفر الذي لا
يخفى - كاليهودية والنصرانية - أو غيره - كالزندقة -. ولو شك في اسلام الامام،
أو في عدالته، لم تصح الصلاة خلفه.
فرع:
الاختلاف في الفروع الشرعية لا يقدح في العدالة: للاجماع على
ذلك. نعم، لو اعتقد شيئا ففعل خلافه قدح، وكذا المقلد لو ترك تقليد العالم
أو الأعلم.
السادس: طهارة المولد، فلا تصح امامة ولد الزنا المعلوم حاله اجماعا
منا. ولا عبرة بمن تناله الألسن، ولا تقدح ولادة الشبهة، ولا كونه مجهول

(1) سورة هود: 113.
(2) سنن ابن ماجة 1: 343 ح 1081، مسند أبي يعلى 3: 381 ح 1856، السنن الكبرى 3:
171.
الفقيه 1: 249 ح 1116، التهذيب 3: 31 ح 110.
(4) الفقيه 1: 247 ح 1103، وفي التهذيب 3: 30 ح 107.
102

الأب. وفي كراهة الائتمام بهؤلاء قول لا بأس به (1) لنقصهم، وعدم كمال
الانقياد إلى متابعتهم.
السابع: السلامة من الجذام والبرص - في قول مشهور - في الجماعة
مطلقا، لصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام: (خمسة لا يؤمون الناس
على كل حال: المجذوم، والأبرص، والمجنون، وولد الزنا، والأعرابي) (2).
وكرهه المرتضى في أحد قوليه (3)، للأصل، ولرواية عبد الله بن يزيد قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المجذوم والأبرص، هل يؤمان المسلم؟
قال: (نعم). قلت: هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال: (نعم، وهل كتب البلاء
الا على المؤمن) (4).
والجمع بينهما بالحمل على الكراهية، ولكن يلزم منه استعمال المشترك
في معنييه، لان النهي في ولد الزنا والمجنون محمول على المنع من النقيض
قطعا، فلو حمل على المنع لا من النقيض في غيرهما لزم المحذور. ويمكن
ان يقال لا مانع من استعمال المشترك، وان سلم فهو مجاز لا مانع من ارتكابه.
الثامن: السلامة من العمى في احتمال، ولم نجد به شاهدا، لكن في
رواية السكوني عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه
السلام: (لا يؤم الأعمى في الصحراء الا ان يوجه إلى القبلة) (5) وظاهر انه غير
مانع من الإمامة. فان علل بكونه ممن لا تجب عليه الجمعة، قلنا: مع
الحضور تجب عليه وتنعقد به.
وفي التذكرة نقل ان أكثر علمائنا قائلون باشتراط سلامة الامام من

(1) تذكرة الفقهاء 1: 177.
(2) الكافي 3: 375 ح 1، التهذيب 3: 26 ح 92، الاستبصار 1: 422 ح 1626.
(3) الانتصار: 49.
(4) التهذيب 3: 27 ح 93، الاستبصار 1: 422 ح 1627.
(5) الكافي 3: 375 ح 2، التهذيب 3: 27 ح 94.
103

العمى، لأنه لا يتمكن من الاحتراز عن النجاسات غالبا (1). واختاره في النهاية،
لأنه ناقص فلا يصلح لهذا المنصب الجليل (2). والنقل مجهول، والتعليلان
ضعيفان، مع قضية الأصل المقتضية للجواز وان الاعتماد على الايمان
والعدالة.
التاسع: إذن الإمام له - كما كان النبي صلى الله عليه وآله يأذن لأئمة
الجمعات وأمير المؤمنين (3) بعده - وعليه اطباق الامامية. هذا مع حضور الإمام عليه السلام.
واما مع غيبته - كهذا الزمان - ففي انعقادها قولان، أصحهما - وبه قال معظم
الأصحاب (4) - الجواز إذا أمكن الاجتماع والخطبتان. ويعلل بأمرين:
أحدهما: ان الاذن حاصل من الأئمة الماضين فهو كالاذن من إمام
الوقت، واليه أشار الشيخ في الخلاف (5).
ويؤيده صحيح زرارة قال: حثنا أبو عبد الله عليه السلام على صلاة
الجمعة حتى ظننت انه يريد ان نأتيه، فقلت: نغدو عليك، فقال: (لا، انما
عنيت عندكم) (6).
ولأن الفقهاء حال الغيبة يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالاذن - كالحكم
والافتاء - فهذا أولى.
والتعليل الثاني: ان الاذن انما يعتبر مع امكانه، اما مع عدمه فيسقط

(1) تذكرة الفقهاء 1: 145 وذكر فيه التعليلين.
(2) نهاية الإحكام 2: 15، 150 ولم يذكر فيه سوى التعليل الأول.
(3) انظر: الحدائق الناضرة 9: 422 ومفتاح الكرامة 3: 55 والحاوي الكبير 2: 446.
(4) راجع: المبسوط 1: 151، النهاية: 107، المعتبر 2: 279، تذكرة الفقهاء 1: 145،
مختلف الشيعة: 109.
(5) الخلاف 1: 626، المسألة 397.
(6) التهذيب 3: 239 ح 635، الاستبصار 1: 420 ح 1615.
104

اعتباره، ويبقى عموم القرآن والاخبار خاليا عن المعارض.
وقد روى عمر بن يزيد - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام: (إذا
كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة) (1).
وفي الصحيح عن منصور عن الصادق عليه السلام: (يجمع القوم يوم
الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد، والجمعة واجبة على كل أحد، لا يعذر الناس
فيها الا خمسة: المرأة، والمملوك، والمسافر، والمريض، والصبي) (2).
وفي الموثق عن زرارة عن عبد الملك عن الباقر عليه السلام، قال: قال:
(مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله). قال: قلت كيف أصنع؟ قال:
(صلوا جماعة) يعني: صلاة الجمعة (3)، في أخبار كثيرة مطلقة.
والتعليلان حسنان، والاعتماد على الثاني.
إذا عرفت ذلك، فقد قال الفاضلان: يسقط وجوب الجمعة حال الغيبة،
ولم يسقط الاستحباب (4). وظاهرهما انه لو أتى بها كانت واجبة مجزئة عن
الظهر، فالاستحباب انما هو في الاجتماع، أو بمعنى: انه أفضل الأمرين
الواجبين على التخيير.
وربما يقال بالوجوب المضيق حال الغيبة، لان قضية التعليلين ذلك، فما
الذي اقتضى سقوط الوجوب؟ الا ان عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني
في سائر الأعصار والأمصار، ونقل الفاضل فيه الاجماع (5).
وبالغ بعضهم فنفى الشرعية أصلا ورأسا - وهو ظاهر كلام المرتضى (6)

(1) التهذيب 3: 245 ح 664، الاستبصار 1: 418 ح 1607.
(2) التهذيب 3: 239 ح 636، الاستبصار 1: 419 ح 1610، 1616.
(3) التهذيب 3: 239 ح 638، الاستبصار 1: 420 ح 1616.
(4) المعتبر 2: 279، تذكرة الفقهاء 1: 145.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 145.
(6) جوابات المسائل الميافارقيات 1: 272.
105

وصريح سلار (1) وابن إدريس (2) وهو القول الثاني من القولين - بناء على أن اذن
الامام شرط الصحة وهو مفقود.
وهؤلاء يسندون التعليل إلى اذن الامام ويمنعون وجود الاذن، ويحملون
الاذن الموجود في عصر الأئمة عليهم السلام على من سمع ذلك الاذن وليس
حجة على من يأتي من المكلفين، والاذن في الحكم والافتاء أمر خارج عن
الصلاة، ولأن المعلوم وجوب الظهر فلا تزول الا بمعلوم. وهذا القول متوجه
والا لزم الوجوب العيني، وأصحاب القول الأول لا يقولون به.
ثم اعلم أنه لا خلاف انه لو حضر الامام الأعظم مصرا وتمكن من الإمامة
لم يؤم غيره، تأسيا بفعل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة بعده ولرواية حماد بن
عيسى عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام: (إذا قدم
الخليفة مصرا من الأمصار جمع بالناس، ليس ذلك لاحد غيره) (3). نعم، لو
كان له مانع استناب، ولا يجوز التقدم بغير اذنه.
الشرط الثاني: العدد، ولا خلاف في اعتباره في الجمعة. وعندنا في
أقله روايتان، أشهرهما والأظهر في الفتوى انه خمسة أحدهم الامام، رواه زرارة
عن الباقر عليه السلام (4) ورواه منصور في الصحيح عن الصادق عليه
السلام (3).
وروى محمد بن مسلم عنه: (سبعة ولا تجب على أقل منهم: الامام
وقاضيه، والمدعي حقا، والمدعى عليه، والشاهدان، والذي يضرب الحدود

(1) المراسم: 261.
(2) السرائر: 66.
(3) التهذيب 3: 23 ح 81.
(4) الكافي 3: 419 ح 4، التهذيب 3: 240 ح 640، الاستبصار 1: 419 ح 1612.
(5) التهذيب 3: 239 ح 636، الاستبصار 1: 419 ح 1610.
106

بين يدي الامام) (1). وفيه إشارة إلى أن الاجتماع المدني لا يتم الا بهؤلاء،
والجمعة تتبع التمدن لأنها انما تجب على المستوطنين.
وهذان الخبران كالمتعارضين، فجمع الشيخ أبو جعفر بن بابويه والشيخ
أبو جعفر الطوسي - رضي الله عنهما - بالحمل على الوجوب العيني في
السبعة، والوجوب التخييري في الخمسة (2). وهو حمل حسن، ويكون معنى
قوله عليه السلام: (ولا تجب على أقل منهم) نفي الوجوب الخاص - أي:
العيني لا مطلق الوجوب - لئلا يتناقض الخبران المرويان بعدة أسانيد.
والمحقق في المعتبر لحظ هذا، ثم قال: هذا وان كان مرجحا لكن
روايتنا دالة على الجواز، ومع الجواز تجب لقوله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر
الله). فلو عمل برواية محمد بن مسلم لزم تقييد الأمر المطلق المتيقن بخبر
الواحد، ولا كذا مع العمل بالاخبار التي اخترناها مع أنها أكثر ورودا ونقلة.
على أنه لا يمكن العمل برواية محمد بن مسلم، لأنه أحصى السبعة بمن ليس
حضورهم شرطا، فسقط اعتبارها (3).
قلت: الجواز لا يستلزم الوجوب والا لوجبت عينا حال الغيبة،
والاحتجاج بعموم القرآن وارد فيه. والامر المطلق مسلم، ولكن الاجماع على
تقييده بعدد مخصوص، حتى قال الشافعي واحمد: أربعون (4) وأبو حنيفة:
أربعة أحدهم الامام (5)، ومصير الأصحاب إلى ذلك العدد مستند إلى الخبر،
وهو من الطرفين في حيز الآحاد، فلا بد من التقييد به.
فان قال: صاحب السبعة موافق على الخمسة، فاتفقا على التقييد بها،

(1) الفقيه 1: 267 ح 1222، التهذيب 3: 20 ح 75، الاستبصار 1: 418 ح 1608.
(2) المبسوط 1: 143، النهاية: 103.
(3) المعتبر 2: 282.
(4) المغني 2: 172، فتح العزيز 4: 510.
(5) المغني: 2: 172، فتح العزيز 4: 510.
107

فيؤخذ المتفق عليه.
قلنا: هذا من باب الأخذ بأقل ما قيل، وقد توهم بعض الأصوليين انه
حجة بل اجماع (1) وقد بينا ضعفه في الأصول.
واما احصاء العدد بالسبعة فلبيان الحكمة في اعتبار الاستيطان في
الجمعة لا لأنه شرط في انعقادها.
وقال الفاضل - رحمه الله - في المختلف: في طريق رواية محمد بن
مسلم الحكم بن مسكين ولا يحضرني الآن حاله، فنحن نمنع صحة السند
ونعارضه بما تقدم من الاخبار، ويبقى عموم القرآن سالما عن المعارض (2).
قلت: الحكم ذكره الكشي ولم يعرض له بذم (3) والرواية مشهورة جدا بين
الأصحاب، لا يطعن فيها كون الراوي مجهولا عند بعض الناس. والمعارضة
منتفية بما ذكرناه من الحمل.
وقال في التذكرة: الرواية ليست ناصة على المطلوب: لان الأقل من
السبعة قد يكون أقل من الخمسة، فتحمل عليه جميعا بين الأدلة (4).
قلت: فيه بعد، لأنه خلاف الظاهر، لأنه إذا قيل: هذا العدد أقل من
كذا، كان صادقا على كل ما نقص عنه حقيقة بواحد أو أكثر، فتخصيصه خلاف
الظاهر. ولأن (أقل) نكرة في سياق النفي فتعم، فهو في قوة: لا تجب على كل
عدد ينقص عن السبعة.
فروع أربعة:
أحدها: العدد انما هو شرط في الابتداء لا في الاستدامة. فلو تحرموا

(1) راجع: الذريعة للمرتضى 2: 833.
(2) مختلف الشيعة: 103.
(3) راجع: رجال الكشي: 457 برقم 866.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 146.
108

بها ثم انفضوا الا الامام أتمها جمعة: للنهي عن ابطال العمل، واشتراط
الاستدامة منفي بالأصل، ولا يلزم من اشتراطه في الابتداء اشتراطه في الدوام،
كعدم الماء في حق المتيمم. وهو فتوى الشيخ في كتبه (1) مع قوله في الخلاف:
انه لا نص لأصحابنا فيه لكنه قضية المذهب، لأنه دخل في جمعة وانعقدت
بطريقة معلومة، فلا يجوز ابطالها الا بيقين (2).
واما اعتبار بقاء واحد مع الامام أو اثنين، أو انفضاضهم بعد صلاة ركعة
تامة في وجوب الاتمام، أو اعتبار بقاء جميع العدد - كما تنسب هذه الأمور إلى
الشافعي (3) - فتحكم، وان كان الفاضل قد رجح اعتبار الركعة في وجوب
الاتمام، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (من أدرك ركعة من الجمعة فليضف
إليها أخرى) (4).
وجوابه منع الدلالة على المطلوب. نعم، لا عبرة بانفضاض الزائد على
العدد مع بقاء العدد، سواء شرعوا في الصلاة أو لا اجماعا.
الثاني: لو حضر عدد آخر بعد التحريمة فتحرموا ثم انفض الأولون لم
يضر، لان الانعقاد قد تم بالواردين، قاله في التذكرة (5).
ويشكل بان من جملة الأولين الامام فكيف تنعقد بدونه؟ الا ان يقال:
ينصبون الآن إماما، أو يكون قد انفض من عدا الامام، ويكون ذلك على القول
باعتبار الركعة، لأنه لو لم تعتبر في بقاء الصحة كان بقاء الامام وحده

(1) المبسوط 1: 144.
(2) الخلاف 1: 600، 601 المسألة: 360.
(3) المجموع 4: 506، فتح العزيز 4: 531.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 147.
وقول النبي صلى الله عليه وآله في: سنن ابن ماجة 1: 356 ح 1121، سنن الدارقطني 2:
10، المستدرك على الصحيحين 1: 291.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 147.
109

كافيا في الصحة، ولا يكون في حضور العدد الآخر فائدة تصحح الصلاة.
الثالث: لو انفضوا قبل الصلاة سقطت، وكذا لو انفض ما ينقص به
العدد. ولو انفضوا في أثناء الخطبة فكذلك، فلو عادوا أعادها من رأس ان كانوا
لم يسمعوا أركانها. ولو سمعوا بنى، سواء طال الفصل أم لا، لحصول مسمى
الخطبة، ولم يثبت اشتراط الموالاة، الا ان نقول: هي كالصلاة، فيعيدها.
ويشكل بأنه لا يأمن انفضاضهم ثانيا لو اشتغل بالإعادة، فيصير ذلك
عذرا في ترك الجمعة.
الرابع: لو كان الامام هو الذي فارق في أثناء الصلاة فكغيره عند
الفاضل (1) لان الباقين مخاطبون بالاكمال، وحينئذ ينصبون إماما منهم، لعدم
انعقادها فرادى، كما يأتي.
الشرط الثالث: كمال المخاطب بها، وانما يكمل بأمور عشرة.
الأول: البلوغ، فلا تجب على الصبي لعدم التكليف، ولا تنعقد به وان
كان مميزا.
نعم، تجوز صلاته تمرينا وتجزئه عن الظهر. ولو صلى الظهر ثم بلغ
سعى إلى الجمعة، فان أدرك والا أعاد ظهره، لعدم اجزاء ما وقع في الصبا
عن الواجب.
الثاني: العقل، فلا تجب على المجنون، ولا تنعقد به بمثل ما قلناه في
الصبي. ولو كان جنونه أدوارا، فاتفق مفيقا حالة الإقامة، وجبت ان استمرت
الإفاقة إلى آخرها والا سقطت. ولو زال جنونه ووقتها باق وجبت.
الثالث: الذكورة، فلا تجب على المرأة، ولا تنعقد بها على الأشهر،
لما مر من قول الباقر والصادق عليهما السلام (2). وفي حكمها الخنثى

(1) تذكرة الفقهاء 1: 147.
(2) تقدما في ص 100 الهامش 2، 3.
110

المشكل، للشك في السبب، اما لو التحق بالرجال فإنها تجب عليه.
وخالف ابن إدريس هنا، فزعم أنه لو حضرت المرأة وجبت عليها
وأجزأتها عن الظهر، غير أنها لا تحسب من العدد (1).
ويظهر من كلام الشيخ في النهاية، حيث عد من تسقط عنه وعد المرأة،
ثم قال: فان حضروا الجمعة وجبت عليهم الدخول فيها وأجزأتهم الصلاة
ركعتين، ولم يستثن سوى غير المكلف (2)، وكذا في التهذيب (3) وظاهره صحتها
من المرأة.
وقد روى حفص بن غياث، عن بعض مواليهم عليهم السلام، عن
الصادق عليه السلام: (ان الله تعالى فرض الجمعة على المؤمنين والمؤمنات،
ورخص للمرأة والمسافر والعبد ان لا يأتوها، فإذا حضروها سقطت الرخصة
ولزمهم الفرض الأول) (4).
فان تمسك ابن إدريس به لم يتم، اما على معتقده في خبر الواحد
فظاهر، واما على قول غيره فلضعف حفص، وجهالة الواسطة وخرق اجماع
العلماء من عدم وجوبها على المرأة، قاله في المعتبر (5).
وقد صرح الشيخ بذلك في المبسوط، حيث جعل الناس في باب
الجمعة على خمسة اضرب:
من تجب عليه وتنعقد به، وهو جامع الشرائط العشرة: الذكورة،
والحرية، والبلوغ، والعقل، والصحة من المرض، وعدم العمى، والعرج،
والشيخوخة، والسفر، والزيادة على فرسخين.

(1) السرائر: 63.
(2) النهاية: 103.
(3) التهذيب 3: 21.
(4) التهذيب 3: 21 ح 78.
(5) المعتبر 2: 293.
111

ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به، وهو: الصبي، والمجنون، والعبد،
والمسافر، والمرأة. فهؤلاء لا تجب عليهم، ولا تنعقد بهم، ويجوز لهم فعلها
تبعا لغيرهم.
ومن تنعقد به ولا تجب عليه، وهو: المريض، والأعمى، والأعرج،
والبعيد بأزيد من فرسخين. فإنهم لا يجب عليهم الحضور، ولو حضروا تم بهم
العدد ووجبت عليهم وانعقدت بهم.
ومن تجب عليه ولا تنعقد به، وهو: الكافر.
ومختلف فيه، وهو: من كان مقيما في بلد من طلاب العلم والتجار ولما
يستوطنه، بل متى قضى وطره خرج، فإنها تجب عليه وتنعقد به عندنا، وعندهم
خلاف (1).
وهذا تصريح بعدم الوجوب عليها مطلقا، وهو الأصح، للأصل، وتيقن
تكليفها بالظهر فلا تخرج عنه الا بيقين.
وفي قول الشيخ: بجواز فعلها تبعا لغيرها، اشعارا باجزائها عن الظهر
- وهو ظاهر الاخبار - وان لم تجب، كما يأتي في المسافر والعبد. وقد روى أبو
همام عن أبي الحسن عليه السلام: (إذا صلت المرأة مع الامام ركعتين الجمعة
فقد نقصت صلاتها، وان صلت في المسجد أربعا فقد نقصت صلاتها، لتصلي
في بيتها أربعا أفضل) (2).
والعامة حكموا بالاجزاء، لأنها تجزئ الذين لا عذر لهم لكمالها فلان
تجزئ أصحاب العذر أولى، ولم يستثنوا سوى المجنون. وجوزوا للنساء والعبيد
والمسافرين الانصراف بعد الحضور فيصلون الظهر، بخلاف المريض، لان
المانع في حقه المشقة وقد زالت بحضوره، ومشقة العود لازمة له على تقديري

(1) المبسوط 1: 143.
(2) التهذيب 3: 241 ح 644.
112

صلاة الجمعة والظهر، اللهم الا ان يكون في إقامة الجمعة انتظار زائد تزيد به
مشقته، وألحقوا به أصحاب المعاذير الملحقة بالمرض كالمطر والوحل الشديد
والتمريض (1).
أقول: الخلاف الذي أشار إليه في المبسوط في الطلاب والتجار لأبي
إسحاق من الشافعية، كان يقول: لا تنعقد بي الجمعة لأني ما استوطنت بغداد
فاني على عزم الخروج متى اتفق لي إلى مصر والشام (2)، وخالفه ابن أبي هريرة
وزعم انعقادها به (3) كمذهبنا، مع أنهم متفقون على وجوبها عليهما وانما
الخلاف في تمام عدد الجمعة بهم، والذي صححوه مذهب أبي إسحاق، لان
النبي صلى الله عليه وآله لم يجمع في حجة الوداع وقد وافق يوم عرفة يوم
الجمعة (4) وانما لم يجمع لأنه ومن معه لم يكونوا متوطنين وان كانوا قد عزموا
على الإقامة أياما.
قلت: هذا كله إذا كان المقيم قد خرج عن التقصير في السفر بنية المقام
عشرة عندنا، أو مضي ثلاثين يوما في مصر وبنية إقامة أربعة أيام غير يومي
الدخول والخروج عندهم.
الرابع: الحضر، فلا تجب على المسافر، لما سبق عندنا وعند أكثر
العلماء. وأوجبها عليه النخعي والزهري (5).
ويستمر عدم الوجوب حتى يلزمه الاتمام بما ذكرناه، أو بغيره من أسباب
الاتمام، ككون السفر معصية وكون المسافر كثير السفر.
ويحرم انشاء السفر بعد الزوال، لأنها قد وجبت عليه، فلا يجوز الاشتغال

(1) المجموع 4: 495، المغني 2: 195، الشرح الكبير 2: 154.
(2) المجموع 4: 502، حلية العلماء 2: 230.
(3) الهامش السابق.
(4) المجموع 4: 502، المغني 2: 193.
(5) المجموع 4: 485، حلية العلماء 2: 223، المغني 2: 193، الشرح الكبير 2: 151.
113

بما يؤدي إلى تركها كالتجارة واللهو. وهذا إلزام لأبي حنيفة حيث قال:
يجوز إلا أن يضيق الوقت (1) بناء على قوله: إن الصلاة تجب بآخر
الوقت (2).
فإن قلت: الصلاة وإن وجبت بأوله إلا أنها موسعة، فلم يمنع السفر
ولما يتضيق الوقت؟
قلت: لأنه مانع من اقامتها في دوامه، ففيه اسقاط للواجب بعد
حصول سببه، ولأن التضيق غير معلوم، فان الناس تابعون للامام ووقت
فعله غير معلوم.
ويكره السفر بعد الفجر قبل الزوال، لعدم حصول السبب الموجب،
وإضافة الصلاة إلى الجمعة لا يقتضي كون اليوم بأسره سببا، وانما كره لما
فيه من منع نفسه من أفضل الفرضين.
تنبيهات:
الأول: لو كان السفر واجبا - كالحج والغزو - أو مضطرا إليه فلا كراهة
فيه. والأقرب انتفاء التحريم أيضا لو كان بعد الزوال، إذا كان التخلف يؤدي
إلى فوت الغرض أو صعوبة الالتحاق بالرفقة، أما لو: خاف الانقطاع عن
الرفقة في غير السفر الواجب أو الضروري فإنه ليس عذرا.
الثاني: لو خرج بعد الزوال فيما منع منه فهو عاص بسفره، فلا
يترخص حتى تفوت الجمعة، فيبتدئ سفره من موضع تحقق الفوات.

(1) المغني 2: 217، الشرح الكبير 2: 161، المجموع 4: 499، شرح السنة 3:
129، عارضة الأحوذي 2: 317.
(2) المغنى 1: 415، المجموع 3: 47، فتح العزيز 3: 41.
114

الثالث: لو كان بين يدي المسافر جمعة أخرى يعلم ادراكها، ففي
جواز السفر بعد الزوال وانتفاء كراهته قبله نظر، من اطلاق النهي وانه
مخاطب بهذه الجمعة، ومن حصول الغرض.
ويحتمل ان يقال: ان كانت الجمعة في محل الترخص لم يجز، لان
فيه اسقاطا لوجوب الجمعة وحضوره فيما بعد تجديد للوجوب، إلا ان
يقال: يتعين عليه الحضور وان كان مسافرا، لان إباحة سفره مشروط بفعل
الجمعة.
ومثله لو كان بعيدا بفرسخين فما دون عن الجمعة، فخرج مسافرا في
صوب الجمعة، فإنه يمكن أن يقال: يجب عليه الحضور عينا وان صار في
محل الترخص، لأنه لولاه لحرم عليه السفر.
ويلزم من هذين تخصيص قاعدة عدم الوجوب العيني على المسافر.
ويحتمل عدم كون هذا القدر محسوبا من المسافة لوجوب قطعه
على كل تقدير، اما عينا كما في هذه الصورة، أو تخييرا كما في الصورة
الأولى، ويجري مجرى الملك في أثناء المسافة. ويلزم من هذا خروج
قطعة من السفر عن اسمه بغير موجب مشهور وان كانت قبل محل
الترخص، كموضع يرى الجدار أو يسمع الأذان، ان أمكن هذا الغرض
حاز.
الرابع: قال ابن الجنيد: لو نوى المسافر المقام خمسة أيام في البلد
لزمه حضورها (1)، لأنه يصير بحكم المقيم عنده. وهو في رواية محمد بن
مسلم عن الصادق عليه السلام لما سأله عن المسافر يحدث نفسه بإقامة عشرة

(1) مختلف الشيعة: 107.
115

أيام، قال: (فليتم الصلاة). فقال له: بلغني انك قلت خمسا. قال: (قد
قلت ذلك). فقال له أبو أيوب: أيكون أقل من خمس؟ قال: (لا) (1).
وهو معارض بصحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: (إذا دخلت أرضا،
فأيقنت ان لك بها مقام عشرة أيام، فأتم الصلاة) (2)، وفي (إذا) معنى
الشرط، والمشروط عدم عند عدم الشرط.
وحمل الشيخ الرواية الأولى على أنه من خصوصيات مكة والمدينة (3)
والفاضل على الاستحباب (4). وفيهما نظر:
اما الأول: فلانه يجوز المقام فيهما، نوى المقام مطلقا أو لم ينو على
الأصح - وهو مذهب الشيخ (5) - فلا معنى للتقييد بالخمسة، فان التزم الشيخ
بتوقف التمام على مقام الخمسة - كما وقفه ابن بابويه على العشرة (6) - فهو
مردود، وان قال الشيخ: إذا أقام خمسة تأكد له التمام في الحرمين، فهو
محتمل ولكن ظاهر الرواية انه يصير حتما، ولهذا منع من التمام لأقل من
خمس.
وأما حمل الفاضل ذلك على الاستحباب، فان أراد به استحباب اتمام
الصلاة بمقام خمسة فلم يصر إليه أحد من الأصحاب، وان أراد به
استحباب حضور الجمعة بذلك فلا بأس به، إلا ان الرواية ليس فيها تعرض
للجمعة، وانما صلاة الجمعة فرد من أفراد توابع الإقامة، فان صح ان ذلك

(1) الكافي 3: 436 ح 3، التهذيب 3: 219 ح 548، الاستبصار 1: 238 ح 849.
(2) الكافي 3: 435 ح 1، التهذيب 3: 219 ح 546، الاستبصار 1: 237 ح 847.
(3) التهذيب 3: 220 / ذيل الحديث 548.
(4) مختلف الشيعة: 107.
(5) الخلاف 1: 576 / 3302، النهاية: 124.
(6) الفقيه 1: 283 / ذيل الحديث 1284.
116

القدر محصل للإقامة وجبت الجمعة وإلا فلا.
والأصح اعتبار العشرة، لان الرواية به أصح سندا، والقائل به أكثر
عددا، بل لا نعلم فيه خلافا لغير ابن الجنيد، ولو عدت المسألة من
الاجماع لم يكن بعيدا.
الخامس: لو حضر المسافر موضع إقامة الجمعة، وجبت عليه
وانعقدت به على أحد القولين، لصحتها منه فتنعقد به وتجب عليه،
والرواية الضعيفة عن غياث تضمنت ذلك (1)، وهو فتوى الشيخ في
الخلاف (2) وتبعه ابن إدريس (3) والمحقق (4).
ومنع في المبسوط من الوجوب والانعقاد وان جاز فعلها (5)، والفائدة
انه لا يتم به العدد، وتبعه ابن حمزة (6) والفاضل (7)، لأنه ليس من أهل
فرض الجمعة فهو كالصبي، ولأن الجمعة انما تنعقد بالمسافر تبعا لغيره،
فكيف يكون متبوعا؟ ولأنه لو جاز ذلك جاز انعقادها بجماعة المسافرين
وان لم يكن معهم حاضرون.
وأجيب بان الفرق بينه وبين الصبي عدم التكليف، فإنه لا يتصور في
حق الصبي الوجوب بخلاف المسافر، ونمنع التبعية للحاضر، والالتزام
بانعقادها بجماعتهم، والظاهر أن الاتفاق واقع على صحتها بها واجزائها عن

(1) التهذيب 3: 21 ح 78، عن حفص بن غياث.
(2) الخلاف 1: 139 المسألة 21.
(3) السرائر: 64.
(4) المعتبر 2: 292.
(5) المبسوط 1: 143.
(6) الوسيلة: 103.
(7) مختلف الشيعة: 107.
117

الظهر.
السادس: الأفضل للمسافر حضور الجمعة، ليفوز بصفة الكمال.
أما المرأة فالأفضل لها ترك السعي إلى الجمعة، لما مر في رواية أبي
همام (1). ولا فرق بين المسنة والشابة، لظاهر الخبر، ولعموم الأمر لهن بالستر.
الأمر الخامس: الحرية، فلا تجب على العبد باجماعنا، وهو قول
أكثر العامة (2).
وأوجبها داود عليه مطلقا (3). وعن أحمد روايتان (4). وقال الحسن
البصري وقتادة تجب على المخارج - وهو الذي يؤدي الضريبة - وعلى
المكاتب (5).
لنا: ما سبق، وانعقاد الاجماع قبل هؤلاء وبعدهم.
ولا فرق بين أم الولد وغيرها، ولا بين المدبر وغيره، وكذا من تحرر
بعضه.
ولو هاياه المولى فاتفقت في نوبته لم تجب، لبقاء الرق المانع،
واستصحاب الواقع.
وأوجبه في المبسوط (6) - وهو وجه للشافعية (7) - لانقطاع سلطنة

(1) تقدمت في ص 112 الهامش 2.
(2) لاحظ: المجموع 4: 485، حلية العلماء 2: 223، المغني 2: 194. روضة
الطالبين 1: 539.
(3) لاحظ: المجموع 4: 485، حلية العلماء 2: 223، المغني 2: 194.
(4) لاحظ: المجموع 4: 485، حلية العلماء 2: 223، المغني 2: 194.
(5) لاحظ: المجموع 4: 485، حلية العلماء 2: 223، المغني 2: 194.
(6) المبسوط 1: 145.
(7) المجموع 4: 485.
118

السيد عن استخدامه. ويلزم مثله في المكاتب وخصوصا المطلق، وهو
بعيد، لأن مثله في شغل شاغل، إذ هو مدفوع في يوم نفسه إلى الجد في
الكسب لنصفه الحر، فالزامه بالجمعة حرج عليه.
فرع:
لو قلنا بوجوبها على قول الشيخ، ففي انعقادها به الوجهان السالفان،
ولا يكون للتشبث بالحرية أثر في الانعقاد.
ولو ألزمه المولى بالحضور، احتمل وجوبه لوجوب طاعته فيما
ليس عبادة ففيها أولى، وعدمه لأنه لا يملك ايجاب عبادة عليه.
ولو حضر صحت منه، وفي انعقادها به القولان المذكوران في المسافر
والقائلان (1).
واحتج في المختلف على منع انعقادها به، بأن وجوبها عليه يستلزم
أن لا ينفك التكليف عن وجه قبح، لأن العبد لا يجب عليه الحضور
ولا يجوز إلا باذن مولاه، فلو اعتد بحضوره في تكميل العدد لم ينفك هذا
التكليف من القبيح، وهو الحضور المستلزم للتصرف في مال الغير بغير اذنه
ظاهرا (2).
وجوابه اعتباره في العدد من قبيل الواجب المشروط، فإنه إن حضر
تم به العدد، وإلا سقط الوجوب إذا توقف الحضور عليه، كما في حق
الأعمى والمريض والبعيد اجماعا، وكما يقول الفاضل وغيره في

(1) تقدم في ص 117، التنبيه الخامس.
(2) مختلف الشيعة: 107.
119

الجمعة حال الغيبة (1).
واحتج الشيخ في الخلاف بعموم الدليل الدال على اعتبار العدد في
العبد وغيره (2)، ولا يخلو قوله فيه وفي المسافر من قوة.
السادس: ارتفاع العمى، فلا تجب على الأعمى عند الأصحاب (3)
سواء كان قريبا عن المسجد أو لا، وسواء وجد قائدا أو لا، لما سلف، ولعموم:
(ليس على الأعمى حرج) (4) وهو حاصل في الجملة.
وأوجبه عليه الشافعي واحمد مع المكنة (5) لان عتاب بن مالك قال:
يا رسول الله اني رجل محجوب البصر، وان السيول تحول بيني وبين
المسجد، فهل لي من عذر؟ فقال عليه السلام: (أتسمع النداء) فقال: نعم. فقال:
(ما أجد لك عذرا إذا سمعت النداء) (6).
والجواب: الحمل على الاستحباب المؤكد.
ولا خلاف في سقوطها عنه لو لم يجد قائدا، أو وجده بأجرة غير
مقدورة له، ولو قدر عليها وجبت عندهما (7) وهو ممنوع. ولو حضر

(1) مختلف الشيعة: 103، المقنعة: 27، الانتصار: 53، المراسم 77.
(2) الخلاف 1: 140 المسألة 21.
(3) راجع: المقنعة: 27، المبسوط 1: 143، الوسيلة: 103، المعتبر 2: 290، شرائع
الاسلام 1: 96.
(4) سورة النور: 61.
(5) المجموع 4: 486، المغني 2: 195، فتح العزيز 4: 607، الشرح الكبير 2:
150.
(6) مسند أحمد بن حنبل 4: 43، السنن الكبرى 3: 58. علما أن كتب الرجال
والحديث قد اختلفت في ضبط الرجل فهو يرد تارة: عتاب، وأخرى: عتبان. انظر
المصادر والإصابة 2: 452 / 5396، والاستيعاب 3: 159.
(7) المجموع 4: 486، فتح العزيز 4: 607.
120

وجبت عليه وانعقدت به، لزوال الضرورة حينئذ.
السابع: ارتفاع العرض البالغ حد الاقعاد، للآية (1)، وانتفاء الحرج.
ولو لم يبلغ حد الاقعاد وانتفت المشقة، وجب الحضور. ولو حصلت،
فالظاهر السقوط إذا لم يتحمل مثلها عادة، وعلى هذا وعلى المقعد يحمل
اطلاق الشيخ (2).
ولم يذكر المفيد - رحمه الله - (3) العرج ولا المرتضى في الجمل (4) وقال في
المصباح: وقد روي أن العرج عذر (5)، وهو يشعر بتوقفه.
الثامن: ارتفاع الشيخوخة البالغة حد العجز أو المشقة الكثيرة،
لا مطلق الشيخوخة. وعليه تحمل رواية زرارة عن الباقر عليه السلام: (فرض الله
الجمعة) الخبر (6).
التاسع: ارتفاع المطر، لقول الصادق عليه السلام: (لا بأس ان تدع الجمعة
في المطر) (7). وفي معناه الوحل، والحر الشديد، والبرد الشديد، إذا خاف
الضرر معهما. وفي معناه من عنده: مريض يخاف فوته بخروجه إلى
الجمعة، أو تضرره به، ومن له خبز يخاف احتراقه، وشبه ذلك.
قال المرتضى: وروي ان من يخاف على نفسه ظلما أو ماله فهو
معذور، وكذا من كان متشاغلا بجهاز ميت، أو تعليل والد، أو من يجري

(1) الفتح: 17.
(2) المبسوط 1: 143، النهاية: 103.
(3) ذكره المفيد في المقنعة: 27، وراجع مفتاح الكرامة 3: 106، 140.
(4) لاحظ: جمل العلم والعمل 3: 41.
(5) حكاه عنه المحقق في المعتبر 2: 290.
(6) تقدم في ص 100 الهامش 3.
(7) الفقيه 1: 267 ح 1221، التهذيب 3: 241 ح 645.
121

مجراه من ذوي الحرمات الوكيدة (1).
ولا ريب في سقوطها عن المحبوس والممنوع عنها. نعم، لو حبس
بحق وهو قادر عليه، وجب عليه الخروج منه والسعي إليها، فيأثم بتركه.
العاشر: ارتفاع البعد عن محل الجمعة، واختلف في تقديره على
أربعة أقوال:
الأول: ان يكون أزيد من فرسخين، وهو المشهور، لقول
الصادق عليه السلام: (تجب على من كان منها على فرسخين، فان زاد فليس عليه
شئ) رواه محمد بن مسلم وحريز (2).
الثاني: ان قدر البعد فرسخان، فلا تجب على من بعد بهما، وهو
قول الصدوق (3) وابن حمزة (4) لما مر من خبر زرارة السابق (5).
ويعارضه خبره هذا (6).
ويجمع بينهما بان المراد بمن كان على رأس فرسخين ان يكون أزيد
منهما، فإنه قد يفهم منه ذلك، وإلا لتناقض مع أن الراوي واحد.
الثالث: قول ابن أبي عقيل: انها تجب على كل من إذا غدا من أهله
بعد ما صلى الغداة أدرك الجمعة، لا على من لم يكن كذلك (7).

(1) المعتبر 2: 291.
(2) المعتبر 2: 291.
وفي: الكافي 3: 419 ح 3، التهذيب 3: 240 ح 641، الاستبصار 1: 421
ح 1619، عن حريز عن ابن مسلم، وفيهما: (على رأس فرسخين).
(3) الهداية: 34.
(4) الوسيلة: 103.
(5) تقدم في ص 100 الهامش 3.
(6) التهذيب 3: 240 ح 643.
(7) مختلف الشيعة: 116.
122

الرابع: انها تجب على من إذا راح منها وصل إلى منزله قبل خروج
يومه (1).
ويشهد لهما صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: (الجمعة واجبة على من
إذا صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله انما يصلي
العصر في وقت الظهر في سائر الأيام، كي إذا قضوا الصلاة مع رسول
الله صلى الله عليه وآله رجعوا إلى رحالهم قبل الليل، وذلك سنة إلى يوم القيامة) (2).
والجواب حمل ذلك على الفرسخين.
تنبيه:
لو زاد البعد على فرسخين، وحصلت عنده الشرائط، تخير بين فعلها
في بلده وبين السعي إلى الجمعة الأخرى، ولا يجوز الاخلال بهما. ولو لم
تحصل عنده الشرائط سقط الوجوب. ولو بعد بفرسخين إلى فرسخ، فان
اجتمعت الشرائط عنده تخير وإلا وجب الحضور. ولو نقص عن فرسخ
فالحضور ليس إلا. وكل هؤلاء في الحضور كالأعمى.
الشرط الرابع: الجماعة، فلا يكفي العدد من دون ارتباط القدوة
بينهم اجماعا، ولقول الباقر عليه السلام: (في جماعة) (3) فتجب نية القدوة.
وفي وجوب نية الامام للإمامة هنا نظر، من وجوب نية كل واجب،
ومن حصول الإمامة إذا اقتدى به، والأقرب الأول.

(1) قاله ابن الجنيد كما في مختلف الشيعة: 116.
(2) التهذيب 3: 238 ح 631، الاستبصار 1: 421 ح 1621.
(3) الكافي 3: 419 ح 6، الفقيه 1: 266 ح 1217، أمالي الصدوق: 319،
التهذيب 3: 21 ح 77.
123

فروع:
الأول: لو كان الامام عبدا ولم نقل بالانعقاد به، اشترط كمال العدد
بغيره، وكذا المسافر، لان جمعتهما صحيحة فيصح الاقتداء فيها.
اما الصبي فيجئ على قول الشيخ بجواز الاقتداء به الصحة (1).
والأجود المنع، لارتفاع القلم عنه، ونقصه ونقص صلاته إذ لا يسقط بها
فرض عن نفسه، بخلاف العبد والمسافر.
اما لو كان الامام متنفلا - كمسافر صلى الظهر - ففي جوازه نظر، من
نقص صلاته فهو كالصبي، ومن صحة اقتداء المفترض بالمتنفل. ولو كان
مفترضا إلا ان الفرض غير الجمعة - كالصبح، والظهر لمسافر شرع فيها قبل
كمال الشرائط - فوجهان مرتبان، وأولى بالجواز، لان صلاته فرض لا نقص
فيها.
الثاني: لو غاير الامام الخطيب ففي الجواز نظر، من مخالفته لما عليه
السلف، ومن انفصال كل عن الأخرى، ولأن غاية الخطبتين ان تكونا
كركعتين ويجوز الاقتداء بامامين في صلاة واحدة.
وذهب الراوندي - رحمه الله - في احكام القرآن إلى الأول (2)، ولعله
الأقرب إلا لضرورة.
الثالث: لو عرض للإمام حدث أو غيره مما يخرج من الصلاة، صح
استخلافه عندنا. ولا يشترط ان يكون الخليفة ممن سمع الخطبة، وان كان
ذلك أفضل. وفي اشتراط استئناف نية القدوة وجه، لتغاير الامامين.

(1) الخلاف 1: 123 المسألة 17، المبسوط 1: 154.
(2) فقه القرآن 1: 135.
124

ويحتمل المنع، لان خليفته قائم مقامه.
ولو لم يستخلف الامام قدموا من يتم بهم، سواء كان في الركعة
الأولى أو الثانية، وليس لهم الانفراد لو كان في الثانية مهما أمكن الائتمام.
الرابع: لو بان ان الامام محدث، فان كان العدد لا يتم بدونه فالأقرب
انه لا جمعة لهم، لانتفاء الشرط، وان كان العدد حاصلا من غيره صحت
صلاتهم عندنا، لما يأتي إن شاء الله في باب الجماعة.
وربما افترق الحكم هنا وهناك، لان الجماعة شرط في الجمعة ولم
يحصل في نفس الامر، بخلاف باقي الصلوات، فان القدوة إذا فاتت فيها
يكون قد صلى منفردا، وصلاة المنفرد هناك صحيحة بخلاف الجمعة.
اما لو ظهر فسق الامام فهو أسهل، لان صلاته صحيحة في نفسها
بخلاف المحدث.
ووجه المساواة ارتباط صلاة كل منهم بالامام، فإذا لم يكن أهلا فلا
ارتباط فلا جمعة، ولا نسلم ان صلاته هنا صحيحة، لفقد شرط الصحة.
مسائل:
الأولى: يدرك المأموم الجمعة بادراك الركوع اجماعا، وبادراكه في
الركوع على الأصح، سواء أدى واجب الذكر أم لا، لرواية الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام (1) وغيرها (2).

(1) الكافي 3: 427 ح 1، الفقيه 1: 270 ح 1233، التهذيب 3: 243 ح 656،
الاستبصار 1: 421 ح 1621.
(2) راجع: الفقيه 1: 270 ح 1232، التهذيب 3: 243 ح 657.
125

وشرط الشيخ في النهاية ادراك تكبيرة الركوع (1) لرواية محمد بن
مسلم عن الباقر عليه السلام: (لا يعتد بالركعة التي لم يشهد تكبيرتها مع
الامام) (2).
وجوابه: الرواية هناك أشهر، والقول به أظهر، وتحمل هذه الرواية
على الأفضلية.
فرع:
لو شك هل كان الامام راكعا أو رافعا لم يعتد بها، عملا بالاحتياط،
واشتغال الذمة باليقين فلا تزول بدونه. فان كان قد بقى ركعة أخرى وإلا
صلى ظهرا.
الثانية: لو ركع مع الامام الأولى وزوحم عن السجود، فليس له
السجود على ظهر غيره، فان أمكن السجود بعد قيام الصفوف واللحاق في
الركوع الثاني وجب وأجزأ.
وان لم يمكن حتى ركع ثانيا فليس له الركوع معه، فإذا سجد سجد
معه ونوى بهما للركعة الأولى، ثم أتم صلاته بعد التسليم وأجزأته اجماعا.
وان نوى بهما الثانية أو لم ينو شيئا ففي رواية حفص بن غياث عن
أبي عبد الله عليه السلام: (ان لم ينو تلك السجدة للركعة الأولى لم تجز عنه الأولى
ولا الثانية، وعليه ان يسجد سجدتين وينوي انهما للركعة الأولى، وعليه
بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها) (3).

(1) النهاية: 105.
(2) التهذيب 3: 43 ح 150، الاستبصار 1: 435 ح 1677.
(3) الكافي 3: 429 ح 9، الفقه 1: 270 ح 1235، التهذيب 3: 21 ح 78.
126

وعليها الشيخ في المبسوط والخلاف، قال: وقد روي بطلان
الصلاة (1).
والمرتضى في المصباح قائل بالصحة (2).
وفي النهاية: تبطل الصلاة، لعدم نية انهما للأولى (3) نظرا إلى زيادة
السجود المبطلة على ما مر.
وابن إدريس: انما تبطل إذا نوى انهما للثانية، لا بترك نية انهما
للأولى (4). ورده الفاضل بان أفعال المأموم تابعة لامامه، فالاطلاق ينصرف
إلى ما نواه الامام وقد نوى للأولى، فينصرف فعل المأموم إليه (5).
وفي المعتبر لم يعرض لاشتراط نية انهما للأولى، بل أطلق البطلان
متى زاد السجدتين، أخذا بالأخبار الدالة على ذلك، واستضعافا للرواية
المشار إليها (6) فان حفصا عامي تولى القضاء من قبل الرشيد بشرقي بغداد
ثم بالكوفة (7).
قلت: ليس ببعيد العمل بهذه الرواية، لاشتهارها بين الأصحاب
وعدم وجود ما ينافيها، وزيادة السجود مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل
امامه، وهذا التخصيص يخرج الروايات الدالة على الابطال عن الدلالة. واما
ضعف الراوي فلا يضر مع الاشتهار، على أن الشيخ قال في الفهرست: ان

(1) المبسوط 1: 145، الخلاف 1: 137 المسألة 9.
(2) المعتبر 2: 299، مختلف الشيعة: 109.
(3) النهاية: 107.
(4) السرائر: 65.
(5) مختلف الشيعة: 109.
(6) المعتبر 2: 299.
(7) رجال النجاشي: 124، الرقم 346، تهذيب التهذيب (لابن حجر) 2: 358.
127

كتاب حفص يعتمد عليه (1).
فروع:
الأول: لو لم يمكنه السجود في الثانية فاتت الجمعة على قول (2)
وهل يتمها ظهرا أو يستأنف؟ وجهان مبنيان على أن الجمعة ظهر مقصورة
أو صلاة مستقلة. فعلى الأول يتمها ظهرا بغير نية العدول. وعلى الثاني هل
هي مخالفة للظهر في الحقيقة أولا؟ فعلى الأول يستأنف، وعلى الثاني
يعدل بها إليها، وهو أقوى.
الثاني: لو زوحم عن سجود الأولى فقضاه قبل الركوع الثاني، ثم
ركع مع الامام فزوحم عن السجود فقضاه بعد جلوس الامام للتشهد، تبع
الامام فيه وتمت الجمعة.
الثالث: لو زوحم عن الركوع في الأولى حتى سجد الإمام، فان
تمكن من الركوع والسجود بعد ذلك قبل ركوع الامام للثانية أجزأ، ثم ركع
مع الامام في الثانية. وعليه دلت رواية عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي
عبد الله عليه السلام (3).
ولو لحقه بعد رفعه من الثانية فالأقرب الاجتزاء، لأنه أدرك ركعة مع
الامام حكما وان لم يكن فعلا، والرواية تشمله. ووجه المنع انه لم يلحق
ركوعا مع الامام.
الرابع: لو أدرك ركوع الثانية، فزوحم عن سجودها حتى تشهد

(1) الفهرست: 61 الرقم 242، باب حفص.
(2) قواعد الأحكام 1: 38.
(3) الفقيه 1: 270 ح 1234 عن أبي الحسن (عليه السلام)، التهذيب 3: 248 ح 680.
128

الامام، سجد وتبعه في التشهد، وقوى الفاضل ادراك الجمعة (1). اما لو
استمر الزحام حتى سلم الامام فهي كالفرع الأول.
المسألة الثالثة: لا يشترط في الصحة إدراك المأموم الخطبة،
لأن حقيقة الصلاة هي الركعتان، وعليه أكثر العامة (2). وقد روي عن
الصادق عليه السلام: (من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة يصلي ركعتين) (3).
الشرط الخامس: وحدة الجمعة، فلا يجوز إقامة جمعتين بينهما أقل
من فرسخ باجماع الأصحاب، وقول الباقر عليه السلام: (لا يكون بين الجمعتين
أقل من ثلاثة أميال) (4). ولا فرق بين ان تكونا في مصر أو مصرين،
ولا بين ان يكون بينهما نهر عظيم كدجلة أو لا.
فان صلي جمعتان فهنا صور:
الأولى: ان تسبق إحداهما وتعلم، فتصح وتعيد اللاحقة الظهر إذا
كان الامامان مأذونا لهما في الصلاة.
ولو اختص أحدهما بالاذن، فالظاهر اختصاصه بالانعقاد وان تأخر،
لان تعينه يقتضي إيجاب الحضور معه على الجميع، فاشتغالهم بالصلاة قبله
منهي عنه فيكون فاسدا. نعم، لو لم تشعر بنصبه أو بوجوده الفرقة الأولى،
وجوزناها مع تعذر الامام للآحاد، فالحكم بصحة الأولى.
ولا فرق بين قصبة البلد وأقصاه عندنا.
الصورة الثانية: ان يعلم اقترانهما، فتبطلان إذا كانا مأذونين، لامتناع

(1) تذكرة الفقهاء 1: 149.
(2) المجموع 4: 558، المغني (لابن قدامة) 2: 158، الشرح الكبير 2: 177.
(3) الكافي 3: 427 ح 1، التهذيب 3: 160 ح 343، 243 ح 656، الاستبصار 1:
421 ح 1622.
(4) التهذيب 3: 23 ح 80.
129

صحتهما معا، ولا أولوية في أحدهما. ثم إن كان الوقت باقيا صلوا الجمعة
وإلا فالظهر.
الثالثة: علم السابق عينا ثم نسي.
الرابعة: علم السبق في الجملة ولم تتعين السابقة. وفيه قولان:
أحدهما: قول الشيخ: انهم يصلون جمعة مع السعة (1) لأنه مع
الحكم بوجوب الإعادة كأن المصر لم تصل فيه جمعة، ولأن الصحة
مشروطة بعلم السبق وهو مفقود فانتفت الصحة.
والثاني: قول الفاضل: انهم يصلون الظهر، لأنا قاطعون بجمعة
صحيحة، فكيف تعاد (2)؟
ولبعض العامة وجه بالصحة فيهما، لان كل واحدة منهما عقدت على
الصحة، فلا يفسدها الشك الطارئ (3). ويضعف بفقد شرط الصحة إذ هو
علم السبق، وهو معدوم بالنظر إلى عين كل واحد منهما.
الصورة الخامسة: ان يشتبه السبق والاقتران. وفيه أيضا قولان:
أحدهما: قول الشيخ رحمه الله وهو وجوب إعادة الجمعة عليهما مع
السعة (4) لان الجمعة متيقنة في الذمة ولم يعلم الخروج عن عهدتها، إذ من
الصور الممكنة اقترانهما.
والقول الثاني للفاضل: انهم يجمعون بين إعادة الجمعة والظهر،
أخذا بمجامع الاحتياط، لأنه ان كان الواقع الاقتران فالجمعة واجبة، وان

(1) المبسوط 1: 149.
(2) مختلف الشيعة: 108.
(3) المجموع 4: 589، المغني 2: 191، الشرح الكبير 2: 192.
(4) المبسوط 1: 149.
130

كان السبق فالظهر واجبة، وحينئذ يجتمعون على جمعة أو يتباعدون
بفرسخ (1).
والأقرب قول الشيخ، لان اجتماع الفرضين خلاف الأصل، والأمر
بالجمعة قائم حتى يعلم الفعل.
والمعتبر بتقدم التكبير لا التسليم، لأنها إذا سبقت انعقدت، فتبطل
الطارئة عليها.
ولو أخبر بعد عقده من عدلين بسبق أخرى سعى إليها، وان علم عدم
الادراك صلى الظهر.
الشرط السادس: الوقت، وفيه مسائل:
الأولى: أوله زوال الشمس يوم الجمعة.
وقال المرتضى: يجوز أن يصلي عند قيام الشمس (2).
وجوز ابن حنبل فعلها قبل زوال الشمس، فقدره بعض الحنابلة
بوقت صلاة العيد، وبعضهم بالساعة السادسة، لان أبا بكر كان يخطب
ويصلي قبل نصف النهار (3).
لنا: ما رواه انس كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة إذا زالت
الشمس (4). وقال أبو عبد الله عليه السلام: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة

(1) تذكرة الفقهاء 1: 150.
(2) حكاه عنه الطوسي في الخلاف 1: 142 المسألة 36، وابن إدريس في السرائر:
64.
(3) المغني 2: 209 - 211.
وفعل أبي بكر في: المصنف لعبد الرزاق 3: 175 ح 5210، المصنف لابن أبي
شيبة 2: 107، سنن الدارقطني 2: 17.
(4) مسند الطيالسي: 285 ح 2139، مسند أحمد 3: 150، صحيح البخاري 2:
8، أبي داود 1: 284 ح 1084، الجامع الصحيح 2: 377 ح 503، السنن
الكبرى 3: 190.
131

حين تزول الشمس قدر شراك، ويخطب في الظل الأول) (1). وفعل
الصحابي لا يعارض فعل النبي صلى الله عليه وآله.
الثانية: آخره إذا صار الظل مثله، عند الشيخ (2) والفاضلين (3). ولم
نقف لهم على حجة إلا أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي دائما في هذا الوقت،
ولا دلالة فيه، لأن الوقت الذي كان يصلى فيه ينقص عن هذا القدر غالبا،
ولم يقل أحد بالتوقيت بذلك الناقص. نعم، لو قيل باختصاص الظهر بذلك
القدر - كما هو مذهب العامة (4) - توجه توقيت الجمعة به، لأنها بدل منها.
وقال أبو الصلاح: يخرج وقتها بأن يمضي من الزوال ما يسع الأذان
والخطبتين والصلاة، فيصلي الظهر حينئذ (5)..
وقال الجعفي: وقتها ساعة من النهار، لما روي عن أبي جعفر عليه السلام
أنه قال: (وقت الجمعة إذا زالت الشمس وبعده بساعة) (6) ولإجماع
المسلمين على المبادرة بها كما تزول الشمس، وهو دليل التضيق. وروى
زرارة عن الباقر عليه السلام: (إن صلاة الجمعة من الأمر المضيق، إنما لها وقت
واحد حين تزول الشمس، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر

(1) التهذيب 3: 12 ح 42.
(2) المبسوط 1: 147.
(3) المعتبر 2: 287، تذكرة الفقهاء 1: 143.
(4) المجموع 3: 21، المغني 1: 412، الشرح الكبير 1: 461.
(5) الكافي في الفقه: 153.
(6) مصباح المتهجد: 324.
132

الأيام) (1).
وقال ابن إدريس: يمتد وقتها بامتداد الظهر (2)، لتحقق البدلية،
ولأصالة البقاء وتحمل الروايات على الأفضلية.
الثالثة: لو خرج الوقت وهو متلبس بها، أتمها جمعة إذا أدرك ركعة
في الوقت، سواء كان إماما أو مأموما.
واعتبر بعض الأصحاب ادراك تكبيرة الاحرام (3).
والأول أنسب بأصولنا، لأنا لا نكتفي بالتكبير في غير هذه الصلاة
بخلاف العامة، مع إن بعضهم يقول: ببطلان الجمعة بخروج الوقت ويصلي
ظهرا (4) وبعضهم: ببطلانها من رأس، بناء على إن بقاء الوقت شرط في
صحة الجمعة (5) ويدفعه عموم: (ولا تبطلوا أعمالكم) (6) و (من أدرك
ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت) (7).
الرابعة: إذا تحقق فوات الجمعة صليت الظهر، ولا تكون قضاء
للجمعة، لعدم المساواة في العدد.

(1) التهذيب 3: 13 ح 46.
(2) انظر: السرائر: 66: والحدائق 10: 134، ومفتاح الكرامة 3: 50، وكشف اللثام 4: 198.
(3) كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1: 143، ونهاية الإحكام 2: 11.
(4) المغني 2: 163، حلية العلماء 2: 232، فتح العزيز 4: 488.
(5) قاله أبو حنيفة، انظر: حلية العلماء 2: 232، المغني 2: 164، اللباب 1:
110.
(6) سورة محمد: 33.
(7) التهذيب 2: 38 ح 119، 120 و 262، ح 1044، الاستبصار 1: 275 ح 999،
ولكن كلها في صلاة الغداة. صحيح البخاري 1: 151، صحيح مسلم 1: 424
ح 608، 609، سنن الترمذي 1: 353 ح 186، سنن النسائي 1: 257، سنن
الدارمي 1: 278، وهي في صلاة الصبح والعصر.
133

ومن عبر من الأصحاب بأنها تقضى ظهرا (1) أراد به معناه اللغوي،
وهو: الاتيان، كما في قوله تعالى: (فإذا قضيتم مناسككم) (2) وأراد
بالمأتي به وظيفة الوقت، فان الوظيفة بالأصالة الجمعة، وعند تعذرها تصير
الوظيفة الظهر.
الخامسة: لا يشترط في صحة صلاة المؤتم ادراك الخطبتين إذا كان
قد خطب الامام للعدد، وان لم يحضر سواهم، لرواية الحلبي عن
الصادق عليه السلام فيمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة: (يصلي ركعتين) (3).
نعم، يكون المأموم مخطئا لو فرط في ادراك الخطبة، لوجوب
الحضور عندها، وخصوصا على جعلها بدلا من الركعتين.
الشرط السابع: الخطبتان، وفيه مسائل:
الأولى: أجمع الأصحاب على أن الخطبتين شرط في انعقاد الجمعة،
وعليه العامة إلا الحسن البصري فإنه نفى اشتراطهما (4) وإلا فريقا من العامة
فإنهم اكتفوا بالواحدة (5) لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله كتب إلى مصعب بن عمير:
(ان أجمع من قبلك، وذكرهم بالله، وازدلف إليه بركعتين) (6)، وان عثمان

(1) راجع: المبسوط 1: 145.
(2) سورة البقرة: 200.
(3) الكافي 3: 427 ح 1، التهذيب 3: ح 343، 243 ح 656، الاستبصار 1:
421 ح 1622.
(4) المجموع 4: 514، حلية العلماء 2: 234، المغني 2: 150. الشرح الكبير 2:
181.
(5) المجموع 4: 514، المغني 2: 151، الشرح الكبير 2: 181، المبسوط
للسرخسي 2: 30، بدايع الصنايع 1: 262.
(6) الدر المنثور 6: 218 عن الدارقطني وأورده المحقق في المعتبر 2: 283
والعلامة في التذكرة 1: 150.
134

في أول ولايته لما ارتج عليه اكتفى بالواحدة القصيرة (1).
وجوابه: معارضة بفعل النبي صلى الله عليه وآله وهو أدل من القول. والتذكير
بالله لا تصريح فيه بأنه مرة أو أكثر. وفعل عثمان ليس حجة، وبعض العامة
يقول: هذا رخصة لتعذر الخطبة.
الثانية: يجب فيهما القيام إلا مع العذر، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله (3) والخلفاء
بعده (4). وروى معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام: إن ابتداع الجلوس في
الخطبتين من معاوية، لوجع كان بركبتيه (5).
ويجب الجلوس بينهما جلسة لا كلام فيها، ليفصل بينهما، للتأسي،
ورواية معاوية أيضا عن الصادق عليه السلام (6).
الثالثة: تجب فيهما الطهارة من الحدث على الأصح، للتأسي، ويقين
البراءة، وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام: (وإنما جعلت الجمعة
ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتى ينزل الامام) (7) والاتحاد
محال، فالمراد المماثلة في الشرائط والاحكام إلا ما وقع الاجماع عليه.

(1) المبسوط للسرخسي 2: 30 - 31، بدايع الصنايع 1: 262 وأورده أيضا المحقق
في المعتبر 2: 283.
(2) راجع البخاري 2: 14، سنن الكبرى 3: 198.
(3) صحيح البخاري 2: 12، صحيح مسلم 2: 589 ح 861، ابن ماجة 1: 351
ح 1106، الدارمي 1: 366، السنن الكبرى 3: 197، 198 أبو داود 1: 286
ح 1093.
(4) صحيح البخاري 2: 12، صحيح مسلم 2: 589 ح 861، وراجع: المغني 2:
150، الشرح الكبير 2: 185.
(5) التهذيب 3: 20 ح 74.
(6) التهذيب 3: 20 ح 74.
(7) التهذيب 3: 12 ح 42.
135

وقال الحليون (1) الثلاثة: لا تشترط الطهارة (2) للأصل، وفعل
النبي صلى الله عليه وآله للطهارة لا يدل على الوجوب، فإنه كان يحافظ على المندوبات
كمحافظته على الواجبات، ولأنه قد تقرر في الأصول انه لا يجب التأسي
فيما لم يعلم وجهه.
والجواب الأصل يصار إلى خلافه للدليل، والرواية الصحيحة ناهضة
به، وفعل النبي صلى الله عليه وآله مبين بقول الصادق عليه السلام (3).
الرابعة: الأولى ايقاعهما بعد الزوال، لقوله عليه السلام: (فهي صلاة) (4).
ولأن معه يقين البراءة. وروى محمد بن مسلم في حديث مضمر
المسؤول ظاهره انه الامام: (يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر
فيخطب) (5) وهو قول معظم الأصحاب (6).
وقال الشيخ: يجوز قبل الزوال (7) ونقل فيه الاجماع (8) واختاره في

(1) في س: الحلبيون، وكذا فيما نقله العاملي في مفتاح الكرامة 3: 119 عن
الشهيد، وعقبه بقوله ولعله فهمه من عدم تعرضهم لذلك. انظر الكافي لأبي
الصلاح الحلبي: 151، إشارة السبق لابن أبي المجد الحلبي: 123، غنية النزوع
لابن زهرة الحلبي: 498.
والذي يؤيد ما أثبتناه في المتن (الحليون) باقي النسخ، إضافة إلى مصادرهم
المذكورة في الهامش الآتي وهي كما ترى للحليون الثلاثة المصرح فيها باشتراط الخطبة
بالطهارة.
(2) ابن إدريس في السرائر: 63، والمحقق في المعتبر 2: 285، والعلامة في
مختلف الشيعة: 103.
(3) راجع الهامش 8، المتقدم.
(4) راجع الهامش 8، المتقدم.
(5) الكافي 3: 424 ح 7، التهذيب 3: 241 ح 648.
(6) راجع: السرائر: 64، الكافي في الفقه: 151، مختلف الشيعة: 104.
(7) المبسوط 1: 151، النهاية: 105.
(8) الخلاف 1: 142 المسألة 36.
136

المعتبر (1).
وروى العامة عن أنس: ان النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي إذا مالت
الشمس (2)، وظاهره ان الخطبة وقعت قبل ميلها.
وروى الأصحاب بسند صحيح إلى عبد الله بن سنان عن
الصادق عليه السلام، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة حين تزول
الشمس قدر شراك، ويخطب في الظل الأول، ويقول جبرئيل: يا محمد قد
زالت فأنزل فصل) (3).
وهذه الرواية قوية اسنادا ومتنا. وتأويلها بان المراد ب‍ (الظل الأول)
هو: الفئ الزائد على ظل المقياس، فإذا انتهى في الزيادة إلى محاذاة الظل
الأول - وهو: أن يصير ظل كل شئ مثله - صلى الظهر - كما أوله
الفاضل (4) - بعيد، لأنه خلاف الظاهر من وجهين: أحدهما: ان الظل لغة ما
قبل الزوال، والأصل عدم النقل، وتقييده ب‍ (بالأول) رفع للتجوز به عن
الفئ.
والثاني: ان زوال الشمس حقيقة شرعية في مثلها عند منتصف
النهار، والتقييد ب‍ (قدر الشراك) قرينة له أيضا.
على أن التأويل يلزم منه ظاهرا ايقاع الجمعة بعد خروج وقتها عند
صاحب التأويل.
الخامسة: يجب في الخطبة حمد الله تعالى بصيغة (الحمد لله)،

(1) المعتبر 2: 287.
(2) تقدم في ص 131 الهامش 4.
(3) التهذيب 3: 12 ح 42.
(4) مختلف الشيعة: 104.
137

والصلاة على النبي وآله صلى الله عليهم، والوعظ، وقراءة ما تيسر من
القرآن.
وأوجب الشيخ في أحد قوليه سورة (1) لما رواه سماعة عن أبي
عبد الله عليه السلام (2) وهو بصيغة (ينبغي) وليس فيه تصريح بالوجوب.
وقال ابن الجنيد والمرتضى: ليكن في الأخيرة قوله تعالى: (إن الله يأمر
بالعدل والاحسان) الآية (3) وأورده البزنطي في جامعة (4) ورواه ابن يعقوب عن
محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (5).
وأبو الصلاح - رحمه الله - لم يذكر القراءة في الخطبتين، ولا يدل على
فتواه بعدم الوجوب.
ويجب الترتيب بين أجزاء الخطبة - أعني: الحمد وما بعده - وايقاعها
بالعربية، كل ذلك للتأسي.
وظاهر كلام المرتضى وجوب الاستغفار للمؤمنين فيها، وانه يجب
التلفظ بالشهادة بالرسالة في الأولى، والصلاة على النبي في الثانية (6).
فرع:
لو لم يفهم العدد العربية، احتمل قويا جوازه بالعجمية التي
يفهمونها، تحصيلا للغرض.

(1) المبسوط 1: 147.
(2) الكافي 3: 421 ح 1، التهذيب 3: 243 ح 655.
(3) المعتبر 2: 288، مختلف الشيعة: 105 والآية في سورة النحل: 90.
(4) المعتبر 2: 288.
(5) الكافي 3: 422 ح 6.
(6) المعتبر 2: 284.
138

السادسة: يستحب في الخطيب أمور:
أحدها: استقبال الناس في خطبته، عملا بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وآله (1)
والسلف وروى السكوني عن الصادق عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل
واعظ قبلة) (2).
وثانيها: أن يسلم على الناس أول ما يصعد على المنبر، وبه أفتى
المرتضى (3) لما روي عن عمرو بن جميع يرفعه عن علي عليه السلام، أنه قال:
(من السنة إذا صعد الامام المنبر أن يسلم إذا استقبل الناس) (4) وعليه عمل
الناس.
وقال في الخلاف: لا يستحب التسليم (5) وكأنه لم يثبت عنده سند
الحديث.
وثالثها: الاعتماد على قوس أو سيف أو قضيب، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله،
فإنه روي أنه كان يخطب وفي يده قضيب (6). وروى عمر بن يزيد عن
الصادق عليه السلام: (ويتوكأ على قوس أو عصى) (7).
ورابعها: التعميم، شتاء كان أو قيظا، والارتداء ببرد يمني أو عدني،

(1) سنن ابن ماجة 1: 360، السنن الكبرى 3: 198، سنن الترمذي 2: 383
ح 509، وفيها: الناس يستقبلون الامام بوجوههم، وراجع المغني 2: 152،
المهذب 1: 119.
(2) الكافي 3: 424 ح 9.
(3) المعتبر 2: 288.
(4) التهذيب 3: 244 ح 662.
(5) الخلاف 1: 143 المسألة 40.
(6) سنن ابن ماجة 1: 352 ح 1107، سنن أبي داود 1: 287 ح 1096، السنن
الكبرى 3: 206.
(7) التهذيب 3: 245 ح 664.
139

رواه سماعة عن الصادق عليه السلام (1)، لأنه أنسب بالوقار، وللتأسي. وفي
رواية عمر بن يزيد: (ليلبس البرد والعمامة) (2).
وخامسها: القيام على مرتفع لذلك أيضا، ورفع صوته بحيث يكثر
الاسماع. والأقرب وجوب اسماع العدد، للتأسي، وحصول الفائدة.
وسادسها: كونه بليغا، بمعنى: جمعه بين الفصاحة التي هي خلوص
الكلام من التعقيد، وبين البلاغة وهي بلوغه بعبارته كنه ما في نفسه، مع
الاحتراز عن الايجاز المخل والتطويل الممل.
وسابعها: مواظبته على الصلوات في أول أوقاتها، واتصافه بما يأمر
به، وانزجاره عما ينهى عنه، ليكون وعظه أبلغ في القلوب.
السابعة: الأقرب ان حضور العدد شرط في صحة الخطبة، كما هو
شرط في صحة الصلاة. ولم أقف فيه على مخالف منا، وعليه عمل الناس
في سائر الأعصار والأمصار، وخلاف أبي حنيفة هنا (3) مسبوق بالاجماع
وملحوق به، أعني: الاجماع الفعلي من المسلمين.
الثامنة: المشهور ان السامع يجب عليه الانصات للخطبة، ويحرم
عليه الكلام، أفتى به الأكثر (4)، وحديث عبد الله بن سنان الصحيح يدل

(1) الكافي 3: 421 ح 1، التهذيب 3: 243 ح 655.
(2) راجع الهامش 5.
(3) المغني 2: 178، الشرح الكبير 2: 183، المجموع 4: 514.
(4) منهم الشيخ في النهاية: 105، والسيد المرتضى في المصباح على ما نقله
المحقق في المعتبر 2: 295 وابن إدريس في السرائر 1: 295 وبه قال أكثر العامة،
فانظر المغني 2: 165، والشرح الكبير 2: 215 وفتح العزيز 4: 587 وبداية
المجتهد 1: 161.
140

عليه (1) تسوية بين المثلين في الاحكام. وفي صحيح محمد بن مسلم عن
الصادق عليه السلام: (إذا خطب الامام يوم الجمعة، فلا ينبغي لأحد أن يتكلم
حتى يفرغ الامام من خطبته، فإذا فرغ الامام من خطبته تكلم ما بينه وبين أن
تقام الصلاة) (2).
ولأن الشيخ نقل فيه الإجماع (3).
وقيل بالكراهية واستحباب الانصات، وهو قول الشيخ في
المبسوط (4) وموضع من الخلاف (5) لقضية الأصل. ويدفعه الدليل.
فروع:
الأول: لا تبطل الصلاة ولا الخطبة بالكلام ولو قلنا بتحريمه، لأنه أمر
خارج عن الخطبة.
الثاني: الظاهر أن تحريم الكلام مشترك بين الخطيب والسامعين - أو
الكراهية - إلا لضرورة.
وقد روى العامة ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله عن الساعة وهو يخطب،
فقال: (ما أعددت لها؟) فقال: حب الله ورسوله. فقال: (انك مع من
أحببت) (6). وهذا إن صح دليل على الجواز للخطيب، والظاهر أنه يدل على
السامع بطريق الأولى.

(1) تقدم في ص 135 الهامش 8.
(2) الكافي 3: 421 ح 2، التهذيب 3: 20 ح 71، 73.
(3) الخلاف 1: 141 المسألة 29.
(4) المبسوط 1: 147.
(5) الخلاف 1: 144 المسألة 42.
(6) السنن الكبرى 3: 221.
141

وقد روى العامة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا قلت لصاحبك: انصت، فقد
لغوت) (1).
وسأل أبو الدرداء أبي بن كعب عن سورة تبارك متى أنزلت والنبي
يخطب، فلم يجبه، ثم قال له: ليس لك من صلاتك إلا ما لغوت. فأخبر
النبي صلى الله عليه وآله بذلك، فقال: (صدق أبي) (2).
الثالث: قال المرتضى عليه السلام: يحرم أيضا من الافعال ما لا يجوز مثله
في الصلاة (3)، نظرا إلى الحديث السالف وانهما بدل من الركعتين (4).
الرابع: قيل الخلاف في التحريم والكراهة إنما هو في من يمكن في
حقه السماع، أما من لا يمكن - كالبعيد والأصم - فلا. ويجوز الكلام عند
الضرورة، كتحذير أعمى من التردي، وشبهه.
الخامس: الظاهر أن حالة الجلوس بين الخطبتين في تحريم الكلام
كحال الخطبتين، لأنه في حكم الخطبة. وجوزه الفاضل، لعدم سماع شئ
يشغله عنه الكلام (5).
تنبيه:
روى الأصحاب عن الصادق عليه السلام النهي عن الصلاة حال الخطبة (6) وهو

(1) الموطأ 1: 103، مسند ترتيب الشافعي 1: 137 ح 403، المصنف لعبد الرزاق 3:
223 ح 5416، مسند أحمد 2: 272، سنن الدارمي 1: 364، صحيح البخاري 2: 16،
صحيح مسلم 2: 583 ح 851، سنن أبي داود 1: 290 ح 1112، سنن النسائي 3: 104.
(2) مسند أحمد 5: 143، سنن ابن ماجة 1: 352 ح 1111، السنن الكبرى 3: 219.
(3) المعتبر 2: 295.
(4) تقدم في ص 135 الهامش 1.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 152.
(6) الكافي 3: 424 ح 7، التهذيب 3: 241 ح 648.
142

يتناول صلاة التحية وغيرها. وللعامة فيها قولان (1) وبهما روايتان عن
النبي صلى الله عليه وآله (2).
التاسعة: ينبغي أن يكون أذان المؤذن بعد صعود الامام على المنبر
والامام جالس، لقول الباقر عليه السلام فيما رواه عبد الله بن ميمون: (كان رسول
الله صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون) (3).
وبه أفتى ابن الجنيد وابن أبي عقيل (4) والأكثر (5).
وقال أبو الصلاح رحمه الله إذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان، فإذا
فرغوا منه صعد المنبر فخطب (6).
ورواه محمد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة، فقال: (أذان وإقامة،
يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر) (7).
ويتفرع على الخلاف ان الأذان الثاني الموصوف بالبدعة أو الكراهة ما
هو؟
وابن إدريس يقول: الأذان المنهي عنه هو الأذان بعد نزوله مضافا إلى

(1) المجموع 4: 551، المغني 2: 165، حلية العلماء 2: 229.
(2) رواية الجواز في: صحيح البخاري 2: 15، صحيح مسلم 2: 569 ح 875، سنن أبي
داود 1: 291 ح 1115، 1116، السنن الكبرى 3: 194. ورواية النهي في: مسند
أحمد 5: 75، سنن أبي داود 1: 290 ح 1110.
(3) التهذيب 3: 244 ح 663.
(4) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 105.
(5) راجع السرائر 64، الوسيلة: 104، مختلف الشيعة: 105.
(6) الكافي في الفقه: 151.
(7) التهذيب 3: 244 ح 663.
143

الأذان الأول الذي عند الزوال (1).
والشيخ في المبسوط أطلق كراهة الثاني، وروي انه من فعل عثمان،
وقال عطاء: هو من فعل معاوية (2).
وسماه بعض الأصحاب ثالثا بالنظر إلى الإقامة (3). وروى حفص بن
غياث، عن جعفر عليه السلام، عن أبيه، قال: (الأذان الثالث يوم الجمعة
بدعة) (4).
قال في المعتبر: حفص ضعيف، والأذان ذكر يتضمن التعظيم، لكن
من حيث لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله ولم يأمر به كان أحق بوصف الكراهة (5).
قلت: لا حاجة إلى الطعن في السند، مع قبول الرواية التأويل وتلقي
الأصحاب لها بالقبول، بل الحق ان لفظ البدعة ليس تصريحا في التحريم،
فان المراد بالبدعة ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله ثم تجدد بعده، وهو
ينقسم إلى: محرم ومكروه، وقد بينا ذلك في القواعد (6).

(1) السرائر: 64.
(2) المبسوط 1: 149.
وراجع: السنن الكبرى 3: 192، سنن ابن ماجة 1: 359 ح 1135، سنن
الترمذي 2: 392 ح 516، سنن أبي داود 1: 285 ح 1087.
(3) نقله ابن إدريس في: السرائر: 64 والمحقق في المعتبر 2: 296.
(4) التهذيب 3: 19 ح 67.
(5) المعتبر 2: 296.
(6) القواعد والفوائد 2: 144.
144

المطلب الثاني: في الآداب.
وفيه مسائل:
الأولى: قد سبق استحباب الجمعة والمنافقين فيها، والجهر،
والقنوت، والتنقل بعشرين ركعة.
ويستحب التأهب لها بالغسل - لما سبق - وحلق الرأس، وقلم
الأظفار، وجز الشارب، والتطيب، ولبس أفضل الثياب ولتكن بيضاء،
والسعي بالسكينة والوقار، تأسيا، ولقول الصادق عليه السلام في تفسير قوله
تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) هو: (في العيدين والجمعة) (1).
وقال عليه السلام: (ليتزين أحدكم يوم الجمعة (2) ويتطيب، ويسرح لحيته،
ويلبس أنظف ثيابه، وليتهيأ للجمعة، وتكون عليه في ذلك اليوم السكينة
والوقار (3).
وعن النبي صلى الله عليه وآله: (أحب الثياب إلى الله تعالى البيض، يلبسها
أحياؤكم، ويكفن فيها موتاكم) (4).
ويتأكد التجمل في حق الامام، والزيادة فيه عن غيره.
الثانية: يستحب الدعاء امام توجهه بقوله: (اللهم من تهيأ وتعبأ) إلى

(1) الكافي 3: 424 ح 8، التهذيب 3: 241 ح 647.
والآية في سورة الأعراف: 31.
(2) في المصادر زيادة: (يغتسل).
(3) الكافي 3: 417 ح 1، الفقيه 1: 64 ح 244، التهذيب 3: 10 ح 32.
(4) مسند أحمد 1: 328، سنن أبي داود 4: 8 ح 3878، الجامع الصحيح 3: 320
ح 994، السنن الكبرى 3: 403.
145

آخره، رواه أبو حمزة الثمالي عن الباقر عليه السلام (1).
والمباكرة إلى المسجد، فعن الباقر عليه السلام: إنه كان يبكر إلى المسجد
يوم الجمعة حين تكون الشمس قيد رمح، فإذا كان شهر رمضان يكون قبل
ذلك (2).
وروى عبد الله بن سنان، قال: قال الصادق عليه السلام: (إن الجنان لتزخرف
وتزين يوم الجمعة لمن اتاها، وإنكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم
إلى الجمعة) (3).
وروى العامة - في الصحيح - عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه قال: (من اغتسل
يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة
الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا،
ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة
الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون
الذكر) (4). وهذا حجة على مالك حيث أنكر استحباب السعي قبل النداء (5).
وروى الكليني باسناده إلى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: تجلس
الملائكة يوم الجمعة على باب المسجد، فيكتبون الناس على منازلهم الأول

(1) التهذيب 3: 142 ح 316.
(2) الكافي 3: 429 ح 8، التهذيب 3: 244 ح 660.
(3) الكافي 3: 415 ح 9، التهذيب 3: 3 ح 6.
(4) الموطأ 1: 101، ترتيب مسند الشافعي 1: 131 ح 389، صحيح البخاري 2:
3، صحيح مسلم 2: 582 ح 850، سنن أبي داود 1: 96 ح 351، الجامع
الصحيح 2: 372 ح 499.
(5) المنتقى (للباجي) 1: 183، التفريع (الابن الجلاب) 1: 231، المغني 2:
147، الشرح الكبير 2: 203.
146

والثاني حتى يخرج الامام (1). وقريب منه رواه العامة (2).
الثالثة: يستحب للخطيب الجلوس إذا صعد على المنبر قبل الخطبة
بقدر قراءة (قل هو الله أحد) رواه محمد بن مسلم (3). وليكن ذلك بعد
سلامه على الناس لما مر، ويجب عليهم الرد كفاية.
ويستحب تحري ساعة الإجابة في يوم الجمعة للدعاء. روى معاوية
ابن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام: ان الساعة التي يستجاب فيها الدعاء إذا
خرج الامام. فقال له: ان الامام يعجل ويؤخر. فقال عليه السلام: (إذا زاغت
الشمس) (4).
وفي الصحاح عن النبي صلى الله عليه وآله، وذكر يوم الجمعة فقال: (فيه
ساعة، لا يوافقها عبد مسلم، وهو يصلي يسأل الله شيئا، إلا أعطاه
إياه (5). وفي رواية أخرى: (لا يسئل الله فيها خيرا إلا أعطاه) ولم يذكر
الصلاة (6).
وعنه صلى الله عليه وآله: (هي ما بين ان يجلس الامام إلى أن يقضي الصلاة) (7).

(1) الكافي 3: 413 ح 2، الفقيه 1: 274 ح 1258.
(2) المصنف لعبد الرزاق 3: 257 ح 5562، مسند أحمد 2: 280، سنن ابن ماجة
1: 347 ح 1092، سنن النسائي 3: 98، مسند أبي يعلى 11: 19 ح 6158.
(3) التهذيب 3: 241 ح 648.
(4) الكافي 3: 416 ح 12، التهذيب 3: 4 ح 8.
(5) الموطأ 1: 108، المصنف لعبد الرزاق 3: 260 ح 5571، مسند أحمد 2:
230، صحيح البخاري 2: 16، صحيح مسلم 2: 583 ح 852، سنن ابن ماجة
1: 360 ح 1137، سنن النسائي 3: 116.
(6) المصنف لعبد الرزاق 3: 260 ح 5572، صحيح مسلم 2: 584 ح 853، سنن
النسائي 3: 115.
(7) صحيح مسلم 2: 584 ح 853، سنن أبي داود 1: 276 ح 1049.
147

وقال الشيخ في الخلاف: هي ما بين فراغ الامام من الخطبة إلى أن
يستوي الناس في الصفوف (1) وهو مروي أيضا عن الصادق عليه السلام في
الصحيح (2) قال عليه: (وساعة أخرى من آخر النهار إلى غروب
الشمس) (3).
وروي انه إذا غاب من الشمس نصفها، وان فاطمة عليها السلام كانت
تتحرى ذلك (4).
الرابعة: يستحب تحري المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله في الخطبة من
الألفاظ، وفي نهج البلاغة أي بلاغ.
ويستحب تقصير الخطبة، لما روي في الصحاح ان عمارا خطب
فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا القطان قد أبلغت وأوجزت! فلو كنت
تنفست. فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (ان طول صلاة الرجل
وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة) (5).
قلت: المئنة - بفتح الميم وكسر الهمزة وتشديد النون - معناها:
المخلقة، والمجدرة، والعلامة.
الخامسة: يكره لغير الامام ان يتخطى رقاب الناس قبل خروج الامام
وبعده، وسواء كان له موضع معتاد أم لا، لقول النبي صلى الله عليه وآله لمن تخطى

(1) الخلاف 1: 141، المسألة 31.
(2) الكافي 3: 414 ح 4، التهذيب 3: 235 ح 619.
(3) الكافي 3: 414، التهذيب 3: 235 ح 619.
(4) معاني الأخبار: 399.
(5) مسند أحمد 4: 263، سنن الدارمي 1: 365، صحيح مسلم 2: 594 ح 869،
مسند أبي يعلى 3: 206 ح 1642، المستدرك على الصحيحين 3: 393، السنن
الكبرى 3: 208.
148

رقاب الناس: (آذيت وآنيت) (1) أي: أبطأت.
السادسة: يستحب زيادة العمل الصالح في يوم الجمعة والصدقة،
خصوصا الاكثار من الصلاة على النبي وآله صلى الله عليهم يوم الجمعة.
روى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام: (إذا كان ليلة الجمعة نزل
من السماء ملائكة بعدد الذر، في أيديهم أقلام الذهب وقراطيس الفضة،
لا يكتبون إلى ليلة السبت إلا الصلاة على محمد وآل محمد صلى الله عليهم،
فأكثر منها. يا عمر: ان من السنة ان تصلي على محمد وأهل بيته في كل ليلة
جمعة ألف مرة، وفي سائر الأيام مائة مرة) (2).
وروى القداح عن الصادق عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أكثروا
من الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر ليلة الجمعة ويوم الجمعة).
فسئل إلى كم الكثير. فقال: (إلى مائة، وما زاد فهو أفضل) (3). وروى
المفضل عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (ما من شئ يعبد الله به يوم الجمعة
أحب إلي من الصلاة على محمد وآله محمد) (4).
ويستحب ان يتحرى الخارج من المنزل لخروج الشتاء، والداخل إليه
بدخوله، ليلة الجمعة. رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام: ان رسول
الله صلى الله عليه وآله كان يستحبه (5).

(1) المصنف لعبد الرزاق 3: 240 ح 5498، مسند أحمد 4: 188، سنن ابن ماجة
1: 354 ح 1115، سنن أبي داود 1: 292 ح 1118، سنن النسائي 3: 103،
المستدرك على الصحيحين 1: 288.
(2) الكافي 3: 416 ح 13، التهذيب 3: 4 ح 9.
(3) الكافي 3: 428 ح 2.
(4) الكافي 3: 429 ح 3.
(5) الكافي 3: 413 ح 3.
149

السابعة: يستحب ان يقرأ في دبر الغداة يوم الجمعة سورة الرحمن
جل جلاله. ثم يقول كلما قال (فبأي آلاء ربكما تكذبان): (لا بشئ
من آلائك رب أكذب)، رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (1).
وقراءة الكهف ليلة الجمعة، فإنها كفارة لما بين الجمعتين، رواه
محمد بن أبي حمزة عنه عليه السلام (2). وروي من قرأها يوم الجمعة بعد الظهر
أو العصر مثل ذلك (3).
ويستحب قراءة التوحيد بعد الفجر مائة مرة، والاستغفار مائة مرة،
وقراءة سورة النساء وهود والكهف والصافات، وزيارة النبي والأئمة عليهم السلام،
وتتأكد زيارة الحسين عليه السلام.
ويكره فيه انشاد الشعر، والحجامة.
ويستحب أن يقول عقيب العصر يوم الجمعة ما رواه ناجية، قال: قال
أبو جعفر عليه السلام: (إذا صليت العصر يوم الجمعة فقل: اللهم صل على محمد
وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك، وبارك عليهم بأفضل
بركاتك، وعليهم السلام وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته.
فان من قاله في دبر العصر كتب الله له مائة ألف حسنة، ومحى عنه مائة
ألف سيئة، وقضى له مائة ألف حاجة، ورفع له بها مائة ألف درجة) (4).
وروى ابان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (ان للجمعة حقا وحرمة، فإياك
ان تضيع أو تقصر في شئ من عبادة الله، والتقرب إليه بالعمل الصالح،

(1) الكافي 3: 429 ح 6، التهذيب 3: 8 ح 25.
(2) الكافي 3: 429 ح 7، المقنعة 1: 157، التهذيب 3: 8 ح 26.
(3) الكافي 3: 429 ح 7.
(4) أمالي الصدوق: 326، ثواب الأعمال: 59، التهذيب 3: 19 ح 68.
150

وترك المحارم كلها، فان الله يضاعف فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات،
ويرفع فيه الدرجات). قال: وذكر أن يومه مثل ليلته، (فان استطعت ان
تحييها بالصلاة والدعاء فافعل) (1).
وروى جابر عن الباقر عليه السلام: (من مات يوم الجمعة عارفا بحق أهل
هذا البيت كتب (2) له براءة من النار، وبراءة من العذاب. ومن مات ليلة
الجمعة أعتق من النار) (3).

(1) الكافي 3: 414 ح 6، التهذيب 3: 3 ح 3، مصباح المتهجد: 248.
(2) في جميع المصادر زيادة: (الله).
(3) الكافي 3: 415 ح 8، المقنعة: 25، الفقيه 1: 83 ح 376، التهذيب 3: 3
ح 5.
151

المطلب الثالث: في الأحكام.
وفيه مسائل:
الأولى: يحرم البيع بعد الأذان للجمعة. وقال الشيخ في الخلاف:
يحرم إذا جلس على المنبر بعد الأذان، ويكره بعد الزوال قبل الأذان (1)
لقوله تعالى: (وذروا البيع) (2) أوجب تركه فيكون فعله حراما.
فروع:
الأول: لو فعل البيع هل ينعقد؟ فيه قولان:
أحدهما: - وهو الأقوى - انعقاده، ونقله الشيخ عن بعض
الأصحاب (3) وبه قال المتأخرون (4).
والثاني: البطلان، وبه قال الشيخ (5).
ومبنى المسألة على أن النهي في غير العبادة هل هو مفسد أم لا؟ وقد
تقرر في الأصول انه غير مفسد.
الثاني: لو كان أحد المتبايعين ممن لا يخاطب بالسعي، كان سائغا
بالنظر إليه، حراما بالنظر إلى من يجب عليه السعي.
وقال الشيخ: ويكره للأول، لأنه إعانة على فعل محرم (6).

(1) الخلاف 1: 145 المسألة 48.
(2) سورة الجمعة: 9.
(3) المبسوط 1: 150.
(4) راجع: المعتبر 2: 297، شرائع الاسلام 1: 98، مختلف الشيعة: 108.
(5) المبسوط 1: 150، الخلاف 1: 145 المسألة 50.
(6) المبسوط 1: 150.
153

قال الفاضل: التعليل يقتضي التحريم، لقوله تعالى: (ولا تعاونوا
على الاثم والعدوان) ثم قوى التحريم عليه أيضا (1) وهو قوي.
الثالث: قال في المعتبر: لا يحرم غير البيع من العقود، اقتصارا على
موضع النص (2) والقياس عندنا باطل. وتوقف فيه الفاضل (3).
ولو حملنا البيع على المعاوضة المطلقة - الذي هو معناه الأصلي -
كان مستفادا من الآية تحريم غيره. ويمكن تعليل التحريم بان الأمر بالشئ
يستلزم النهي عن ضده، ولا ريب ان السعي مأمور به، فيتحقق النهي عن
كل ما ينافيه من بيع وغيره، وهذا أولى. وعلى هذا تحرم غير العقود من
الشواغل عن السعي.
الثانية: ليس من شرط الجمعة المصر على الأظهر في الفتاوى،
والأشهر في الروايات حيث أطلقت.
وفي رواية طلحة بن زيد، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن
علي عليه السلام، قال: (لا جمعة إلا في مصر تقام فيه الحدود) (4).
وروى حفص بن غياث، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه عليه السلام: (ليس
على أهل القرى جمعة، ولا خروج في العيدين) (5).
وطلحة زيدي بتري، وحفص عامي.
وقال ابن أبي عقيل: صلاة الجمعة فرض على المؤمنين حضورها مع

(1) تذكرة الفقهاء 1: 156.
والآية في سورة المائدة: 2.
(2) المعتبر 2: 297.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 156.
(4) التهذيب 3: 239 ح 639، الاستبصار 1: 420 ح 1617.
(5) التهذيب 3: 248 ح 679، الاستبصار 1: 420 ح 1618.
154

الامام في المصر الذي هو فيه، وحضورها مع أمرائه في الأمصار والقرى
النائية عنه (1).
وفي المبسوط: لا تجب على البادية والأكراد، لأنه لا دليل عليه، ثم
قال: لو قلنا انها تجب عليهم إذا حضر العدد، لكان قويا (2).
والظاهر أنه يشترط فيهم الاستيطان أو حكمه، لعدم اجتماع الجمعة
مع السفر.
الثالثة: من سبق إلى مكان من المسجد فهو أحق به. وان استبق اثنان
ولا يمكن الجمع أقرع بينهما، وكذا لو زادوا على الاثنين ولا يسع الجميع.
ولو فارق موضعه لحاجة، فان كان مصلاه باقيا فهو أولى به ما لم
يطل المكث، وان لم يكن باقيا فلا أولوية، لزوالها بزواله، قاله
الفاضلان (3).
وأطلق في المبسوط انه أولى (4) لمسيس الحاجة إلى القيام، وليس
ببعيد عند دعاء الحاجة، كتجديد طهارة، وإزالة نجاسة، وشبههما من
الضرورات.
الرابعة: يجوز إقامة الجمعة خارج المصر، لصدق الامتثال، وان كان
اقامتها فيه وفي مسجده أفضل. نعم، يشترط ان لا يبلغ المسافة بحيث يلزم
الخارجين القصر، لعدم انعقاد الجمعة حينئذ، إلا ان يتفق خروجهم بغير
قصد المسافة، أو يكونوا ممن لا قصر عليهم.

(1) مختلف الشيعة: 108.
(2) المبسوط 1: 144.
(3) شرائع الاسلام 3: 277، مختلف الشيعة: 108.
(4) المبسوط 1: 147.
155

الخامسة: من سقطت الجمعة عنه يستحب ان يصلي الظهر في
المسجد الأعظم، لما مر من فضيلة المساجد. ولو صلاها ثم حضر الجمعة
لم تجب إذا كان من أهل وجوب الظهر. فالصبي لو صلاها ثم بلغ وجبت،
لعدم سقوط الواجب بغيره، ولأنه لو صلى الظهر ثم بلغ بعدها وجبت
اعادتها عندنا.
ولا يجب على من سقطت عنه تأخير الظهر إلى خروج الجمعة، بل
لا يستحب، لان المبادرة إلى أول الوقت أفضل ما لم يحصل معارض،
ولا معارض هنا.
السادسة: لو لم يكن الامام مرضيا، استحب تقديم الظهر على صلاة
الجمعة معه، وان صلى معه ركعتين وأتمهما بعد تسليمه جاز، لما روي أن
الصادق عليه السلام قال: (في كتاب علي عليه السلام: إذا صلوا الجمعة في وقت فصل
معهم، ولا تقومن من مقامك حتى تصلي ركعتين أخريين) (1).
وروي: ان الباقر عليه السلام كان يصلي في منزله ثم يحضر الجمعة (2).

(1) التهذيب 3: 28 ح 96.
(2) التهذيب 3: 246 ح 671.
156

الفصل الثاني
في صلاة العيدين
وفيه ثلاث مطالب:
المطلب الأول: في وجوبها وشرائطها.
وهي واجبة - باجماعنا - وفرض.
وأنكر بعض العامة فرضها ووافق على وجوبها (1) بناء على تمحل
الفرق بين الواجب والفرض.
ومنهم من ذهب إلى أنها فرض كفاية (2).
وآخرون ذهبوا إلى أنها سنة (3).
لنا: قوله تعالى: (فصل لربك وانحر) (4) قال بعض المفسرين:
هي صلاة العيد، ونحر البدن للأضحية (5). وقال تعالى: (قد أفلح من
تزكى وذكر اسم ربه فصلى) (6) قال كثير منهم: هي زكاة الفطر وصلاة
العيد (7). ولأن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام داوموا عليها، وقال صلى الله عليه وآله: (صلوا

(1) قاله أبو حنيفة، راجع: المغني 2: 223، بدائع الصنائع 1: 274، الشرح الكبير
2: 223، فتح العزيز 5: 4 - 5.
(2) قاله الإصطخري، راجع: المجموع 5: 2، حلية العلماء 2: 253.
(3) قاله الشافعي ومالك، راجع: المجموع 5: 2، 3، فتح العزيز 5: 3 - 4، المغني 2: 224،
الشرح 2: 223.
(4) سورة الكوثر: 2.
(5) مجمع البيان 10: 549.
(6) سورة الاعلى: 14 - 15.
(7) مجمع البيان 10: 476، تفسير القمي 2، 417، الجامع لاحكام القرآن
للقرطبي 20: 21.
157

كما رأيتموني أصلي) (1). وروينا عن الصادق عليه السلام بطرق كثيرة انه قال:
(صلاة العيد فريضة) (2).
فان قلت: فقد روى زرارة عنه عليه السلام انه قال: (صلاة العيدين مع
الامام سنة) (3).
قلت: المراد انها ثابتة بالسنة، قاله الشيخ في التهذيب (4).
فان قلت: فقد ذكرت ان الكتاب دال عليها.
قلت: ليست دلالة قطعية بل ظاهرة، وبالسنة: فعلا وقولا علم
القطع.
ولو امتنع قوم من فعلها قوتلوا عليها، كما يقاتلون على بقية
الصلوات الواجبة: نعم، لا يكفر مستحل تركها، لتحقق الخلاف من العامة.
وشروطها شروط الجمعة السالفة، لان فعلها من النبي صلى الله عليه وآله كان على
تلك الشرائط.
وروى زرارة عن أحدهما عليهما السلام، انه قال: (انما صلاة العيدين على
المقيم، ولا صلاة إلا بإمام) (5).
نعم، فرق ابن أبي عقيل - رحمه الله - في العدد بين العيدين والجمعة،

(1) مسند أحمد 5: 53، سنن الدارمي 1: 286، صحيح البخاري 1: 162،
الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 85 ح 1656، سنن الدارقطني 1: 273،
السنن الكبرى 3: 120.
(2) راجع: الفقيه 1: 320 ح 1457، التهذيب 3: 127 ح 269، 270، الاستبصار
1: 443 ح 1710، 1711.
(3) التهذيب 3: 129 ح 277.
(4) التهذيب 3: 129 ح 277.
(5) التهذيب 3: 287 ح 862.
158

فذهب إلى أن العيدين يشترط فيه سبعة، واكتفى في الجمعة بالخمسة.
والظاهر أنه رواه، لأنه قال: لو كان إلى القياس [سبيل] لكانا جميعا سواء،
ولكنه تعبد من الخالق سبحانه (1)، ولم نقف على روايته، فالاعتماد على
المشهور المعتضد بعموم أدلة الوجوب.
وتفارق الجمعة عند الأصحاب بأنها مع عدم الشرائط تصلى سنة،
جماعة - وهو أفضل - وفرادى. وكذلك يصليها من لم تجب عليه من
المسافر والعبد والمرأة ندبا وان أقيم في البلد فرضها مع الامام.
وقال السيد المرتضى - قدس الله روحه -: تصلى عند فقد الامام،
واختلال بعض الشرائط، فرادى (2):
وقال أبو الصلاح بقبح الجمع فيها مع اختلال الشرائط (3). وصرح
الأكثر بأنها تصلى جماعة.
وقال الشيخ محمد بن إدريس: من قال: تصلى على الانفراد، أراد به
من الشرائط لا صلاتها منفردة (4).
وقال الشيخ قطب الدين الراوندي من أصحابنا من ينكر الجماعة في
صلاة العيد سنة بلا خطبتين، ولكن جمهور الامامية يصلونها جماعة
وعملهم حجة (5). ونص عليه الشيخ في الحائريات (6).

(1) مختلف الشيعة: 111. وبين المعقوفين منه.
(2) الناصريات: 239، المسألة 111، جمل العلم والعمل 3: 44.
(3) الكافي في الفقه: 154.
(4) السرائر: 70.
(5) مختلف الشيعة: 113.
(6) لم نعثر عليه في الحائريات المطبوع ضمن الوسائل العشر للشيخ الطوسي، نعم
نسب إليه ذلك في مفتاح الكرامة 3: 195. هذا ولعله من جملة المفقود منها.
159

وقد روى عمار عن الصادق عليه السلام، قلت له: إمامة الرجل بأهله في
صلاة العيدين في السطح أو بيت، قال: (لا يؤم بهن ولا يخرجن) (1) وربما
يفهم منه نفي الجماعة فيها، وكذا في رواية سماعة عنه عليه السلام قال:
(لا صلاة في العيدين إلا مع الامام، فان صليت وحدك فلا بأس) (2).
وقد يجاب عن رواية عمار ينفي تأكيد الجماعة بالنساء، وعن الثانية
ان المراد انها إذا كانت فريضة لا تكون إلا مع إمام، كما قاله في
التهذيب (3).
وقد روى عبد الله بن المغيرة، قال: حدثني بعض أصحابنا، قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الفطر والأضحى، فقال: (صلهما ركعتين
في جماعة وغير جماعة) (4) وظاهر هذا عموم الجماعة.
ثم هنا مسائل:
الأولى: يستحب لمن كان له عذر عن الخروج مع الامام ان يصليها
في بيته. فروى منصور عن أبي عبد الله عليه السلام: (ان أباه مرض يوم الأضحى
فصلى في بيته ركعتين ثم ضحى) (5).
وروى عبد الله بن سنان عنه عليه السلام، قال: (من لم يشهد جماعة الناس

(1) التهذيب 3: 289 ح 872.
(2) الفقيه 1: 320 ح 1459، ثواب الأعمال: 103، التهذيب 3: 135 ح 293،
الاستبصار 1: 445 ح 1719.
(3) التهذيب 3: 135.
(4) الفقيه 1: 320 ح 1461، التهذيب 3: 135 ح 294، الاستبصار 1: 446 ح
1724.
(5) الفقيه 1: 320 ح 1462، التهذيب 3: 136 ح 300، الاستبصار 1: 445
ح 1718.
160

في العيدين، فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلي
في الجماعة) (1).
الثانية: قال الشيخ: لا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة لهن من
النساء في صلاة الأعياد ليشهدن الصلاة، ولا يجوز ذلك لذوات الهيئات
منهن والجمال (2). وفي هذا الكلام أمران:
أحدهما: ان ظاهره عدم الوجوب عليهن، ولعله لما رواه ابن أبي
عمير - في الصحيح - عن جماعة منهم: حماد بن عثمان وهشام بن سالم،
عن الصادق عليه السلام، انه قال: (لا بأس بان تخرج النساء بالعيدين للتعرض
للرزق)، إلا أنه لم يخص فيه العجائز: وقد روى عبد الله بن سنان قال: (انما
رخص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء العواتق في الخروج في العيدين للتعرض
للرزق (3). والعواتق: الجواري حين يدركن.
لكنه معارض بما رواه أبو إسحاق إبراهيم الثقفي في كتابه باسناده إلى
علي عليه السلام، انه قال: (لا تحبسوا النساء عن الخروج في العيدين، فهو
عليهن واجب)، ولأن الأدلة عامة للنساء.
الامر الثاني: ان الشيخ منع خروج ذوات الهيئات والجمال.
والحديث دال على جوازه للتعرض للرزق، اللهم إلا أن يريد به المحصنات
أو المملكات، كما هو ظاهر كلام ابن الجنيد حيث قال: وتخرج إليها النساء

(1) الفقيه 1: 320 ح 1463، التهذيب 3: 136 ح، 297 الاستبصار 1: 444
ح 1716.
(2) المبسوط 1: 171.
(3) التهذيب 3: 287 ح 858.
161

العواتق والعجائز (1) ونقله الثقفي عن نوح بن دراج من قدماء علمائنا.
الثالثة: لو فاتت هذه الصلاة بخروج وقتها، ففي قضائها خلاف.
فقال الشيخ في التهذيب: من فاتته الصلاة يوم العيد لا يجب القضاء،
ويجوز له أن يصلي إن شاء ركعتين، وإن شاء أربعا، من غير أن يقصد بها
القضاء (2).
وقال أبو الصلاح: إذا فاتت لم يجز قضاؤها واجبة ولا مسنونة (3).
وقال ابن إدريس: يستحب قضاؤها (4).
وقال ابن حمزة: إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلا إذا وصل إلى الخطبة
وجلس مستمعا (5) لها.
وقال ابن الجنيد: من فاتته ولحق الخطبتين صلاها أربعا كالجمعة (6).
وقال أيضا: تصلى مع الشرائط ركعتين، ومع اختلالها أربعا (7). وكذا
قال علي بن بابويه (8).
وفي صحيح زرارة: (من لم يصل مع الامام في جماعة يوم العيد،
فلا صلاة له، ولا قضاء عليه) (9) ويؤيده ما تقرر في الأصول ان الإخلال
لا يستتبع القضاء في المؤقت.

(1) مختلف الشيعة: 115.
(2) التهذيب 3: 134.
(3) الكافي في الفقه: 155
(4) السرائر: 70.
(5) الوسيلة: 111.
(6) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 114.
(7) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 114.
(8) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 114.
(9) الكافي 3: 459 ح 1، التهذيب 3: 128 ح 273، الاستبصار 1: 444 ح 1714.
162

وحديث عبد الله بن المغيرة (1) قد يلوح منه القضاء، لاطلاق الأمر.
وروى أبو البختري عن الصادق عليه السلام قال: (من فاته العيد فليصل أربعا) (2).
وربما يحتج بعموم قول النبي صلى الله عليه وآله: (من فاتته صلاة فليقضها كما
فاتته) (3).
والمشهور عدم القضاء بالكلية.
تنبيه:
قال ابن الجنيد: يصلى أربعا مفصولات، يعني بتسليمتين (4).
وقال علي بن بابويه: يصليها بتسليمة (5).
ولم نقف على مأخذهما، إذ رواية الأربع (6) مع ضعف سندها مطلقة.
الرابعة: وقتها من طلوع الشمس إلى الزوال.
وفي المبسوط: إذا طلعت الشمس وانبسطت (7).
وقال ابن أبي عقيل: بعد طلوع الشمس (8).
وهما متقاربان، ويفهمان من رواية سماعة، قال: سألته عن الغدو
إلى المصلى في الفطر والأضحى، فقال: (بعد طلوع الشمس) (9).

(1) تقدم في ص 160 الهامش 4.
(2) التهذيب 3: 135 ح 295، الاستبصار 1: 446 ح 1725.
(3) عوالي اللآلي 3: 107، المهذب البارع 1: 460.
(4) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 114.
(5) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة: 114.
(6) راجع الهامش 2.
(7) المبسوط 2: 169.
(8) المعتبر 2: 310.
(9) التهذيب 3: 287 ح 859.
163

وفي رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: (ليس في الفطر
ولا الأضحى أذان ولا إقامة، اذانهما طلوع الشمس، فإذا طلعت
خرجوا) (1).
الخامسة: وقت الخروج بعد طلوع الشمس، لأنه أول الوقت،
ولرواية سماعة وزرارة المذكورتين. وهو قول الشيخ (2) وابن الجنيد (3).
وظاهر المفيد انه يخرج قبل طلوعها، فإذا طلعت صبر هنيهة ثم
صلى (4)، لعموم: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) (5).
وعارض الفاضل بان التعقيب في الصبح في المساجد إلى طلوع
الشمس أولى (6).
وفي قوله - رحمه الله - في المساجد، إشارة إلى دفع سؤال هو: إن التعقيب
ممكن في طريقه وجلوسه في مصلى العيد، فيكون جامعا بين التبكير
والتعقيب. فأجاب بان ذلك وان كان ممكنا إلا ان فعله في المساجد أفضل،
وقد تقدم ان الأفضل للمعقب ملازمة مصلاه إلى فراغه، وان تعقيب صلاة
الصبح منتهاه مطلع الشمس.
السادسة: لو ثبتت الرؤية من الغد، فإن كان قبل الزوال صليت
العيد، وان كان بعده سقطت إلا على القول بالقضاء.
وقال ابن الجنيد: ان تحققت الرؤية بعد الزوال افطروا وغدوا إلى

(1) الكافي 3: 459 ح 1، التهذيب 3: 129 ح 276.
(2) الخلاف 1: 157 المسألة 27.
(3) مختلف الشيعة: 113.
(4) المقنعة: 32.
(5) سورة آل عمران: 133.
(6) مختلف الشيعة: 114.
164

العيد (1) لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم
يوم تضحون، وعرفتكم يوم تعرفون) (2). وروي: ان ركبا شهدوا عنده صلى الله عليه وآله
انهم رأوا الهلال، فأمرهم ان يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى
مصلاهم (3). وهذه الأخبار لم تثبت من طرقنا.
السابعة: يحرم السفر على المخاطب بها بعد طلوع الشمس،
لاستلزام الاخلال بالواجب.
ويكره بعد الفجر، لعدم تعين الوجوب حينئذ ولكن فيه تفويت
الوجوب، ولرواية عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:
(إذا أردت الشخوص في يوم عيد، فانفجر الصبح وأنت في البلد، فلا
تخرج حتى تشهد ذلك العيد) (4) ولما لم يثبت الوجوب حمل النهي على
الكراهة.
الثامنة: يستحب الاصحار بها إلا بمكة - زادها الله شرفا - تأسيا
بالنبي صلى الله عليه وآله، فإنه كان يصليها خارج المدينة. فروى عن الصادق عليه السلام
معاوية بن عمار: (ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يخرج حتى ينظر إلى آفاق
السماء) (5).
وروى أيضا معاوية انه صلى الله عليه وآله كان يخرج إلى البقيع فيصلي بالناس (6).

(1) مختلف الشيعة: 144.
(2) الام: 230، السنن الكبرى 5: 176.
(3) سنن ابن ماجة 1: 529 ح 1653، سنن أبي داود 1: 300 ح 1157، سنن
النسائي 3: 180.
(4) الفقيه 1: 323 ح 1480، التهذيب 3: 286 ح 853.
(5) التهذيب 3: 285 ح 849.
(6) الكافي 3: 460 ح 3، التهذيب 3: 129 ح 278.
165

وقال: (لا تصلين يومئذ على بساط ولا بارية) (1).
وفي مرفوعة محمد بن يحيى إلى الصادق عليه السلام: (السنة على أهل
الأمصار ان يبرزوا في أمصارهم في العيدين، إلا أهل مكة فإنهم يصلون في
المسجد الحرام) (2).
وقال ابن الجنيد: ذلك لحرمة البيت، وكذلك استحب لأهل المدينة،
لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله (3). وهو محجوج بما تقدم، وبما رواه محمد بن
الفضل الهاشمي عن الصادق عليه السلام، قال: (ركعتان من السنة ليس تصليان
في موضع إلا بالمدينة، يصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في العيد قبل ان
يخرج إلى المصلى، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله فعله) (4).
فرع:
لو كان هناك عذر من مطر أو وحل أو خوف، صليت في البلد،
حذرا من المشقة الشديدة المنافية لليسر في التكليف. وروى هارون بن
حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (الخروج يوم الفطر والأضحى إلى الجبانة
حسن لمن استطاع الخروج إليها) (5).
التاسعة: روى عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال:
(على الامام أن يخرج المحبسين في الدين يوم الجمعة ويوم العيد إلى

(1) راجع الهامش 5، المتقدم.
(2) الكافي 3: 461 ح 10، التهذيب 3: 138 ح 307.
(3) مختلف الشيعة: 115.
(4) الكافي 3: 461 ح 11، الفقيه 1: 322، ح 1475، التهذيب 3: 183 ح 308.
(5) الفقيه 1: 321 ح 1464، التهذيب 3: 288 ح 864، الاستبصار 1: 445
ح 1721. والجبانة: الصحراء، مجمع البحرين - مادة جبن -.
166

العيد ويرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة ردهم إلى السجن) (1). وفيه تنبيه
على أن المحبوس في غير الدين كالدم لا يخرج، ولعله للتغليظ في الدماء،
وعلى ان المحبوس لما هو أخف من الدين يخرج، لأنه من باب التنبيه
بالأدنى على الأعلى، وظاهره الوجوب، لأن لفظة (على) يشعر به.
العاشرة: يكره التنفل قبلها وبعدها إلى الزوال، إلا بمسجد المدينة
فإنه يصلي ركعتين، للرواية السالفة (2). وروى زرارة عن الباقر عليه السلام: ليس
قبلهما ولا بعدهما صلاة) (3) والمطلق يحمل على المقيد.
وأطلق ابن بابويه في المقنع كراهة التنفل (4) وكذا الشيخ في
الخلاف (5) لظاهر هذا الحديث (6).
والحق ابن الجنيد المسجد الحرام، وكل مكان شريف يجتاز به
المصلي، وانه لا يحب اخلاؤه من ركعتين قبل الصلاة وبعدها. قال وقد
روي عن أبي عبد الله عليه السلام: (ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يفعل ذلك في البدأة
والرجعة في مسجده) (7). وهذا كأنه قياس وهو مردود.
وقال أبو الصلاح: لا يجوز التطوع ولا القضاء قبل صلاة العيد، ولا
بعدها، حتى تزول الشمس (8). وكأنه أراد به قضاء النافلة، كما قال الشيخ

(1) التهذيب 3: 285 ح 852، وأوله: (ان على).
(2) تقدمت ص 166 الهامش 4.
(3) الكافي 3: 459 ح 1، الفقيه 1: 320 ح 1458، التهذيب 3: 129 ح 276.
(4) المقنع: 46.
(5) الخلاف 1: 154 المسألة 16.
(6) راجع الهامش 3.
(7) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 114.
(8) الكافي في الفقه: 155.
167

في المبسوط (1)، إذ من المعلوم انه لا منع من قضاء الفريضة.
والفاضلان جوزا صلاة التحية إذا صليت في مسجد، لعموم الأمر
بالتحية (2).
قلنا: الخصوص مقدم على العموم.
وابن زهرة وابن حمزة قالا: لا يجوز التنفل قبلها وبعدها (3).
ويدل على كراهة قضاء النافلة ما رواه الصدوق والشيخ - في
الصحيح - عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا تقض وتر ليلتك - يعني
في العيدين - ان كان فاتك شئ، حتى تصلي الزوال في ذلك
اليوم) (4).
الحادية عشرة: مذهب الشيخ في الخلاف ومختار صاحب المعتبر:
أن الامام لا يجوز له أن يخلف من يصلي بضعفة الناس في البلد، لما روى
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (قال الناس لأمير المؤمنين عليه السلام:
ألا تخلف من يصلي العيدين الناس؟ قال: لا أخالف السنة) (5).
ونقل في الخلاف عن العامة: أن عليا عليه السلام خلف من يصلي

(1) المبسوط 1: 170.
(2) المعتبر 2: 324، تذكرة الفقهاء 1: 162، نهاية الإحكام 2: 58.
وعموم الأمر في: معاني الأخبار: 332 ح 1، الخصال: 523 ح 13، أمالي
الطوسي 2: 152، صحيح البخاري 2: 70، صحيح مسلم 1: 459 ح 714، سنن
ابن ماجة 1: 323 ح 10121، 1013، مسند أحمد 5: 305.
(3) الغنية: 500، الوسيلة: 111.
(4) الفقيه 1: 322 ح 1474 عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام، التهذيب 2: 274
ح 1088 عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، وليس فيهما (شئ).
(5) الخلاف 1: 155 المسألة 18، المعتبر 2: 327. والرواية في: التهذيب 3:
127 ح 302.
168

بالضعفة (1) وأهل البيت أعرف.
الثانية عشرة: قد روينا انه يستحب مباشرة الأرض في صلاة العيد
بلا حائل (2).
وقد روى الفضيل عن الصادق عليه السلام انه أتي بخمرة يوم الفطر فأمر
بردها وقال: (هذا يوم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب أن ينظر إلى آفاق السماء،
ويضع جبهته على الأرض) (3).
وهما دليلان على استحباب مباشرة الأرض بجميع أعضاء المصلي،
وان كان في هذا الخبر تخصيص للجبهة لمكان شرفها.
الثالثة عشرة: يستحب أن يطعم قبل خروجه في الفطر، وبعد عوده
في الأضحى، لوجوب الافطار في يوم الفطر للفصل بينه وبين الصوم،
فيستحب المبادرة إليه.
وروى جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (أطعم يوم الفطر
قبل أن تصلي، ولا تطعم يوم الأضحى حتى ينصرف الامام) (4).
وروى العامة عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه كان لا يخرج يوم الفطر حتى
يفطر، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي (5).
ولأن الأكل من الأضحية مستحب، وهي لا تكون إلا بعد الصلاة.
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام قال: (لا تأكل يوم الأضحى إلا من ضحيتك ان

(1) الخلاف 1: 155 المسألة 18. والرواية في السنن الكبرى 3: 310.
(2) الكافي 3: 460 ح 3، التهذيب 3: 129 ح 278. وراجع ص 703 الهامش 3.
(3) الكافي 3: 461 ح 7، التهذيب 3: 284 ح 846، وفيهما: (أتي أبي).
(4) الكافي 4: 168 ح 2، الفقيه 2: 113 ح 483، التهذيب 3: 138 ح 310.
(5) الجامع الصحيح 2: 426 ح 542.
169

قويت، وان لم تقو فمعذور) (1).
الرابعة عشرة: يستحب خروج المصلي بعد غسله والدعاء متطيبا لابسا
أحسن ثيابه، متعمما، شتاء كان أو قيظا، لما سبق في الجمعة.
وروى العامة عن الحسن عليه السلام قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله ان نتطيب
بأجود ما نجد في العيد) (2).
اما العجائز إذا خرجن فيتنظفن بالماء ولا يتطيبن، لما روي أنه صلى الله عليه وآله
قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات) (3) أي: غير
متطيبات، وهو بالتاء المثناة فوق والفاء المكسورة.
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: يجهر الامام
بالقراءة، ويعتم شاتيا وقائظا، فان النبي صلى الله عليه وآله كان يفعل ذلك (4).
وروى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (ما على أحدكم ان يكون له
ثوبان، سوى ثوبي مهنته، لجمعته وعيده) (5).
الخامسة عشرة: يستحب خروج الامام ماشيا حافيا، بالسكينة في
الأعضاء، والوقار في النفس، لما روي: ان النبي صلى الله عليه وآله لم يركب في عيد
ولا جنازة (6).

(1) الفقيه 1: 321 ح 1469.
(2) المستدرك على الصحيحين 4: 230، مجمع الزوائد 4: 20 عن الطبراني في
الكبير.
(3) سنن أبي داود 1: 155 ح 565، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 316.
ح 2208.
(4) التهذيب 3: 130 ح 282.
(5) المغني 2: 228.
(6) الام 1: 233.
170

وان عليا عليه السلام قال: (من السنة أن تأتي العيد ماشيا، وترجع
ماشيا) (1).
ولما خرج الرضا عليه السلام لصلاة العيد في عهد المأمون خرج حافيا (2)
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما
الله على النار) (3).
ويستحب ان يكون مشغولا بذكر الله تعالى في طريقه، كما نقل عن
الرضا عليه السلام، وتبعه المأمون في المشي والحفاء والتواضع والذكر (4).
السادسة عشرة: لا أذان لصلاة العيدين، بل يقول المؤذن: الصلاة،
ثلاثا. ويجوز رفعها باضمار خبر أو مبتدأ، ونصبها باضمار أحضروا أو
ائتوا.
وقال ابن أبي عقيل: يقول: الصلاة جامعة (5).
ودل على الأول رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: قلت أفيها أذان وإقامة؟ قال: (لا، ولكن ينادي: الصلاة، ثلاث
مرات) (6).

(1) سنن الترمذي 2: 410 ح 530، المصنف لابن أبي شيبة 2: 163، سنن ابن
ماجة 1: 411 ح 1269، السنن الكبرى 3: 281، باسقاط (وترجع ماشيا) في
الجميع.
(2) الكافي 1: 408 ح 7، عيون أخبار الرضا 2: 149، الارشاد للمفيد 2: 265.
(3) مسند أحمد 3: 479، سنن الدارمي 2: 202، صحيح البخاري 2: 9، الجامع
الصحيح 4: 170 ح 1632، سنن النسائي 6: 14.
(4) الكافي 1: 408 ح 7، عيون أخبار الرضا 2: 149، الارشاد للمفيد 2: 265.
(5) المعتبر 2: 316.
(6) الفقيه 1: 322 ح 1473، التهذيب 3: 390 ح 873، وفيهما (الصلاة) مكررة
مرتين.
171

وقد سبق قول الصادق علية السلام: (أذانها طلوع الشمس) (1) وهو لا ينافي
قول الصلاة ثلاثا، لجواز الجمع بينهما.
وقد روت العامة أن جابرا - رضي الله عنه - قال: لا أذان يوم الفطر،
ولا إقامة، ولا نداء، ولا شئ (2) وهو محمول على نفي الوجوب، أو نفي
التأكيد في الاستحباب.
تنبيه:
ظاهر الأصحاب ان هذا النداء ليعلم الناس بالخروج إلى المصلى،
لأنه أجري مجرى الاذان المعلم بالوقت. وسيأتي كلام أبي الصلاح رحمه الله (3).
السابعة عشرة: يستحب تأخر صلاة عيد الفطر شيئا عن صلاة
الأضحى، قاله الشيخ (4) لاستحباب الافطار قبل خروجه هنالك، ولاشتغاله
باخراج زكاة الفطر قبل الصلاة، وليتسع الزمان للتضحية بتقديم صلاة
الأضحى.
الثامنة عشرة: الظاهر أن الوحدة المعتبرة في الجمعة معتبرة هنا
بطريق الأولى، وصرح به أبو الصلاح (5) وابن زهرة رحمهما الله (6) لان اجتماع
الناس في موضع واحد في السنة مرتين يكون أكثر غالبا من الجمعات،

(1) تقدم في ص 164 الهامش 1.
(2) المصنف لعبد الرزاق 3: 277 ح 5627، صحيح مسلم 2: 604 ح 886،
السنن الكبرى 3: 284.
(3) سيأتي في ص 196 الهامش 2
(4) المبسوط 1: 169.
(5) الكافي في الفقه: 154.
(6) الغنية: 500.
172

وليتوفر اجتماع القلوب في المكان الواحد، ولما رويناه عن علي عليه السلام انه
لم يخلف أحدا ليصلي بالضعفة (1) ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله أنه صلي
في زمانه عيدان في بلد، كما لم ينقل أنه صليت جمعتان، فلا وجه للتوقف
في هذا.
نعم، لو لم تجتمع الشرائط، وصليت مستحبا جماعة، لم يمتنع
التعدد. وكذا من كان له عذر عن الخروج يصليها في منزله ولو جماعة،
وان أقيمت فرضا مع الامام.
التاسعة عشرة: المشهور بين الأصحاب في ظاهر كلامهم استحباب
الخطبتين فيها، وصرح به في المعتبر (2).
وأوجبهما ابن إدريس (3) والفاضل (4).
والروايات مطلقة، مثل: ما رواه إسماعيل بن جابر عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (ليس فيهما منبر، ولكن يصنع للامام شئ شبه
المنبر من طين، يقوم عليه فيخطب الناس ثم ينزل) (5). وفي رواية
معاوية: (والخطبة بعد الصلاة) (6). وكذا في رواية سليمان بن خالد عن
أبي عبد الله عليه السلام (7).
والعمل بالواجب أحوط. نعم، ليستا شرطا في صحة الصلاة بخلاف

(1) تقدم في ص 168 الهامش 5.
(2) المعتبر 2: 324.
(3) السرائر: 70.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 159، نهاية الإحكام 2: 61.
(5) الفقيه 1: 322 ح 1473، التهذيب 3: 290 ح 873.
(6) الكافي 3: 460 ح 3، التهذيب 3: 129 ح 278.
(7) التهذيب 3: 130 ح 281، الاستبصار 1: 448 ح 1735.
173

الجمعة.
ويستحب الخطبة بما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام فيه، وقد أوردها
الصدوق رحمه الله في كتابه لعيد الفطر خطبة وللأضحى أخرى (1).
ومحلهما بعد الصلاة اجماعا.
وفي خبر معاوية: (إنما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان) (2). وروى
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام أو أبي جعفر عليه السلام: (ان عثمان لما
أحدث أحداثه، كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس، فلما رأى ذلك قدم
الخطبتين واحتبس الناس للصلاة) (3).
وقيل: إن بني أمية فعلوا ذلك (4)، وكذلك ابن الزبير (5) ثم انعقد
الاجماع من المسلمين على كونهما بعد الصلاة.
وفي صحاح العامة عن ابن عباس قال: شهدت صلاة الفطر مع نبي
الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر وعثمان وكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب (6).
وعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وآله صلى قبل الخطبة (7).
وعن أبي سعيد الخدري: أن مروان جره إلى الخطبة قبل الصلاة،

(1) الفقيه 1: 325 ح 1486، 328 ح 1487.
(2) الكافي 3: 460 ح 3، التهذيب 3: 129 ح 278، وراجع المغني 2: 239،
الشرح الكبير 2: 242.
(3) التهذيب 3: 287 ح 860.
(4) المغني 2: 239، الشرح الكبير 2: 242.
(5) المغني 2: 239، الشرح الكبير 2: 242.
(6) صحيح البخاري 2: 27، صحيح مسلم 2: 602 ح 884، السنن الكبرى 3:
296.
(7) صحيح البخاري 2: 27، صحيح مسلم 2: 603 ح 885، سنن أبي داود 1:
297 ح 1141، سنن النسائي 3: 182، السنن الكبرى 3: 296.
174

فجره أبو سعيد إلى الصلاة قبل الخطبة. فقال له مروان: قد ترك ما تعلم.
قال: كلا، والذي نفسي بيده! لا تأتون بخير مما أعلم، ثلاث مرات (1).
ورووا أيضا أن مروان قدم الخطبة، فقال له رجل: خالفت السنة! فقال:
ترك ذاك! فقال أبو سعيد الخدري: اما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (من رأى منكم منكرا فلينكره بيده، فمن لم يستطع
فلينكره بلسانه، فمن لم يستطع فلينكره بقلبه، وذلك أضعف الايمان) (2).
المسألة الموفية العشرين: الخطبتان هنا كخطبتي الجمعة في جميع
ما تقدم، غير أن الامام يذكر في خطبة الفطر ما يتعلق بالفطرة من الشرائط
والقدر والوقت، وفي الأضحى ما يتعلق بالأضحية.
ولا يجب حضورهما ولا استماعهما اجماعا. ونقل هذا الاجماع
أيضا الفاضل، مع أنه قائل بوجوب الخطبتين (3).
الحادية والعشرون: قال كثير من الأصحاب: يستحب الافطار يوم
الفطر على الحلواء (4) لما روي: أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأكل قبل خروجه في
الفطر تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا، أو أقل أو أكثر (5).
ولو أفطر على التربة الحسينية صلوات الله على مشرفها لعلة به

(1) المصنف لعبد الرزاق 3: 284 ح 5648، صحيح البخاري 2: 22، صحيح مسلم
2: 605 ح 889، السنن الكبرى 3: 297.
(2) المصنف لعبد الرزاق 3: 285 ح 5649، مسند أحمد 3: 20، صحيح مسلم 1:
69 ح 78، سنن ابن ماجة 1: 406 ح 1275، سنن أبي داود 1: 296 ح 1140،
السنن الكبرى 3: 296.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 159، نهاية الإحكام 2: 61.
(4) راجع: المبسوط 1: 169، المهذب 1: 121، المعتبر 2: 317، تذكرة الفقهاء
1: 160.
(5) المستدرك على الصحيحين 1: 294، السنن الكبرى 3: 283.
175

فحسن، وإلا فالأقرب التحريم. وعلى الجواز لا يتجاوز قد الحمصة.
والأفضل الافطار على الحلاوة، وأفضلها السكر. وروي من تربة
الحسين عليه السلام (1). والأول أظهر، لشذوذ الرواية، وتحريم الطين على
الاطلاق، إلا ما خرج بالدليل من التربة للاستشفاء.
الثانية والعشرون: لا ينقل المنبر من الجامع اجماعا، بل يعمل شبهه
من طين، لما سبق في الرواية (2).
ويستحب الذهاب بطريق والعود بأخرى، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله على ما
رويناه (3) ورووه عنه صلى الله عليه وآله (4) ليشهد له الطريقان، ويتساوى أهلهما في
التبرك به، أو للصدقة على أهل الطريقين، أو ليسأله أهلهما عن الأمور
الشرعية.
وقيل: انه صلى الله عليه وآله كان يسلك الطريق الأبعد في خروجه، ليكثر ثوابه
بكثرة خطواته إلى الصلاة، ويرجع بالأقرب، لأنه أسهل إذ رجوعه إلى
المنزل (5).
الثالثة والعشرون: يكره الخروج بالسلاح، لمنافاته الخضوع
والاستكانة. ولو خاف عدوا لم يكره، لما روي عن السكوني
عن الصادق عليه السلام عن الباقر عليه السلام انه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وآله ان يخرج
السلاح في العيدين، إلا ان يكون عدو ظاهرا) (6).

(1) الفقيه 2: 113 ح 485.
(2) تقدمت في ص 173 الهامش 5.
(3) الكافي 5: 314 ح 41، الفقيه 1: 323 ح 1479.
(4) سنن أبي داود 1: 300 ح 1156، السنن الكبرى 3: 309.
(5) راجع: المجموع 5: 56، المغني 2: 243، تذكرة الفقهاء 1: 162.
(6) الكافي 3: 460 ح 6، التهذيب 3: 137 ح 305.
176

الرابعة والعشرون: يستحب إحياء ليلتي العيدين بالصلاة والدعاء والذكر،
لما روى الشيخ عن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن علي عليه السلام قال:
(كان يعجبه أن يفرغ نفسه أربع ليال من السنة، وهي: أول ليلة من رجب، وليلة
النصف من شعبان، وليلة الفطر، وليلة النحر) (1). وروي عن النبي صلى الله عليه وآله
قال: (من أحيا ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) (2). وموت
القلب الكفر في الدنيا، والفزع في الآخرة، وإضافة الموت إلى القلب
مبالغة، كقوله: (فإنه آثم قلبه) (3).
وقال بعض العامة: لم يرد في شئ من الفضائل مثل هذه الفضيلة، لأنها
تقتضي نزع الكفر وأهوال القيامة (4).
وقال الشافعي: بلغنا أن الدعاء مستجاب في خمس ليال: ليلة الجمعة،
والعيدين، وأول رجب، ونصف شعبان (5).
فرع:
تحصل فضيلة الاحياء بمعظم الليل، تنزيلا لأكثر الشئ منزلته. وعن
ابن عباس: الاحياء أن تصلي العشاء في جماعة (6).

(1) مصباح المتهجد: 735، وفي قرب الاسناد: 26.
(2) ثواب الأعمال: 101، سنن ابن ماجة 1: 567 ح 1782، الفردوس بمأثور الخطاب
3: 619 ح 5936، مجمع الزوائد 2: 198 عن الطبراني في الأوسط والكبير.
(3) سورة البقرة: 283.
(4) فتح العزيز 5: 20.
(5) الام 1: 231.
(6) راجع: سنن الدارمي 1: 278، سنن أبي داود 1: 152، صحيح مسلم 1: 454
ح 656، سنن الترمذي 1: 433 ح 221، مسند أحمد 1: 58، وفي الجميع عن
عثمان: كقيام نصف ليلة. وفي سنن الدارمي 1: 278، مسند أحمد 1: 58 عن
عثمان: من صلى الصبح في جماعة فهو كمن قام الليل كله. نعم في المجموع 5: 43
حكى ما في المتن عن ابن عباس مع إضافة (ويعزم أن يصلي الصبح في جماعة).
177

الخامسة والعشرون: يستحب التكبير في العيدين، وفيه مباحث.
أحدها: الأشهر أنه مستحب، وعليه معظم الأصحاب (1)، للأصل،
ولرواية سعيد النقاش عن أبي عبد الله عليه السلام: (أما أن في الفطر تكبيرا ولكنه
مسنون). قال قلت: وأين هو؟ قال: (في ليلة الفطر في المغرب والعشاء
الآخرة، وفي صلاة الفجر، وصلاة العيد) (2).
وقال المرتضى: مما انفردت به الإمامية أن على المصلي التكبير في ليلة
الفطر، وابتداؤه من دبر صلاة المغرب إلى أن يرجع الإمام من صلاة العيد، وفي
عيد الأضحى يجب التكبير على من كان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة،
وعلى غيره عقيب عشر، لقوله تعالى: (ولتكبروا الله على ما هداكم)
(واذكروا الله في أيام معدودات) والامر للوجوب، ونقل فيه الاجماع
أيضا (3). واختاره ابن الجنيد (4).
وأجيب بأن الأمر قد يرد للندب فيثبت مع اعتضاده بدليل آخر،
والاجماع حجة على من عرفه.
فرع:
هذا التكبير مستحب للمنفرد والجامع، والحاضر والمسافر، والبلدي
والقروي، والذكر والأنثى، والحر والعبد، للعموم.

(1) راجع: النهاية: 135، المهذب 1: 123، المعتبر 2: 319.
(2) الكافي 4: 166 ح 1، الفقيه 2: 108 ح 464، التهذيب 3: 138 ح 311.
(3) الانتصار: 57. والآيتين في سورة البقرة: 185، 203.
(4) مختلف الشيعة: 115.
178

وثانيها: في محله.
وقد تضمنت رواية سعيد تكبير الفطر (1).
وروى حريز عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
قول الله عز وجل (واذكروا الله في أيام معدودات). قال: (التكبير في
أيام التشريق عقيب صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر يوم الثالث،
وفي الأمصار عشر صلوات) (2)، ومثله رواه زرارة عن الباقر عليه السلام (3).
وقال ابن بابويه: يكبر في الفطر عقيب الظهر والعصر يوم الفطر
أيضا (4). ولم نقف الآن على مأخذه مع أن الأصل العدم والشهرة تؤيده.
وقال ابن الجنيد: التكبير عقيب الفرائض واجب، وعقيب النوافل
مستحب (5) لما رواه حفص بن غياث باسناده إلى علي عليه السلام قال: (على
الرجال والنساء ان يكبروا أيام التشريق في دبر الصلوات، وعلى من صلى
وحده، ومن صلى تطوعا) (6).
ولو فاتته صلاة فقضاها كبر عقيبها ولو خرجت أيامه، لقوله صلى الله عليه وآله:
(فليقضها كما فاتته) (7).
ولو تركه الامام كبر المأموم.

(1) تقدمت في ص 178 الهامش 2.
(2) الكافي 4: 516 ح 1، التهذيب 5: 269 ح 920.
(3) الكافي 4: 516 ح 2، التهذيب 5: 269 ح 921.
(4) أمالي الصدوق: 517، وهو ظاهر الفقيه 2: 108 ح 464. وفي المقنع
المطبوع: 46 في عشر صلوات والظاهر أنه تصحيف ست صلوات راجع في ذلك
الحدائق الناظرة 10: 277، وانظر: 285، مفتاح الكرامة 3: 185.
(5) مختلف الشيعة: 115.
(6) التهذيب 3: 289 ح 869.
(7) عوالي اللآلي 3: 107، المهذب البارع 1: 460.
179

وثالثها: في كيفيته.
فروى ابن بابويه أن عليا عليه السلام كان يقول في دبر كل صلاة في عيد
الأضحى: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر (1) ولله الحمد) (2).
وقال المفيد في تكبير الفطر: الله أكبر، الله أكبر، لا اله إلا الله، والله
أكبر، والحمد لله على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا. وفي الأضحى:
الله أكبر، الله أكبر، لا اله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله على ما رزقنا من
بهيمة الأنعام (3).
وفي النهاية: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر،
ولله الحمد، الحمد لله على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا. وفي
الأضحى كذلك إلا أنه يزيد فيه: ورزقنا من بهيمة الأنعام (4).
وقال ابن أبي عقيل في الأضحى: الله أكبر، الله أكبر، لا اله إلا الله،
والله أكبر (الله أكبر) (5) ولله الحمد على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من
بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا (6).
وقال ابن الجنيد: في الفطر: الله أكبر، الله أكبر، لا اله إلا الله، والله
أكبر (7) ولله الحمد على ما هدانا. وفي الأضحى: الله أكبر، الله أكبر، الله

(1) في المصدر زيادة: (الله أكبر).
(2) الفقيه 1: 328 ح 1487.
(3) المقنعة: 33.
(4) النهاية: 135 والتكبير في أوله مرتان، وليس فيه: ولله الحمد. راجع في ذلك:
جامع المقاصد 2: 450، مفتاح الكرامة 3: 185.
(5) هذا التكبير ليس موجودا في بعض الكتب التي حكت قول ابن أبي عقيل،
كمختلف الشيعة: 115، وجامع المقاصد 2: 451.
(6) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 115، وراجع المعتبر 2: 321.
(7) في مختلف الشيعة زيادة: الله أكبر.
180

أكبر، ثلاثا، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر
على ما رزقنا من بهيمة الأنعام (1).
والروايات مختلفة:
ففي رواية زرارة الحسنة عن الباقر عليه السلام: (في الأضحى: الله أكبر، الله
أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا
من بهيمة الأنعام) (2).
وفي رواية سعيد: (في الفطر: الله أكبر، ثلاثا، لا اله إلا الله، والله
أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا) (3). وكذا قال البزنطي: يكبر
ثلاثا (4).
وكل حسن إن شاء الله.

(1) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 115 وفي آخر تكبير الأضحى زيادة:
والحمد لله على ما أولانا.
(2) التهذيب 3: 139 ح 313. وفي الكافي 4: 516 ح 2، والتهذيب 5: 269
ح 921 بزيادة، فراجع.
(3) هذه صيغة الرواية في التهذيب 3: 138 ح 311، وريت في الكافي 4: 166
ح 1، والفقيه 2: 108 ح 464 بزيادة ونقيصة، فراجع.
(4) راجع: المعتبر 2: 320.
181

المطلب الثاني: في الكيفية.
وفيه مسائل:
الأولى: صلاة العيد ركعتان، ويزيد فيها على المعتاد في الصلوات
خمس تكبيرات في الركعة الأولى بعد القراءة، وأربع في الثانية، بعد كل
تكبير دعاء وثناء.
وقال المفيد وجماعة: يكبر للقيام إلى الثانية قبل القراءة، ثم يكبر
بعد القراءة ثلاثا ويقنت ثلاثا (1).
وصحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام (2).
وصحيحة يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (3) تشهدان للأول.
الثانية: معظم الأصحاب على أن التكبير في الركعتين معا بعد
القراءة (4) وهو في صحيح يعقوب (5) ورواه أبو بصير (6) وغيره (7).
وقال ابن الجنيد: يكبر في الأولى قبل القراءة، وفي الثانية بعدها (8)
ورواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام (9) وإسماعيل بن سعد الأشعري

(1) راجع: المقنعة: 32، الانتصار: 56، المهذب 1: 122، الكافي في الفقه:
154.
(2) الكافي 3: 460 ح 3، التهذيب 3: 129 ح 278، الاستبصار 1: 448 ح 1733.
(3) التهذيب 3: 132 ح 287، الاستبصار 1: 449 ح 1737.
(4) راجع: المبسوط 1: 170، المهذب 1: 122، المعتبر 2: 312.
(5) التهذيب 3: 132 ح 287، الاستبصار 1: 449 ح 1737.
(6) التهذيب 3: 131 ح 286، الاستبصار 1: 449 ح 1736.
(7) راجع: التهذيب 3: 132 ح 289، الاستبصار 1: 449 ح 1739.
(8) المعتبر 2: 313، مختلف الشيعة: 111.
(9) التهذيب 3: 131 ح 284، الاستبصار 1: 450 ح 1740.
182

عن الرضا عليه السلام (1) في سندين صحيحين، وكذلك رواه أبو الصباح عن
الصادق عليه السلام (2).
وفي رواية هشام بن الحكم عنه عليه السلام: (تصل القراءة بالقراءة) (3).
وحملها الشيخ على التقية (4)، لأنه مذهب أبي حنيفة (5).
قال في المعتبر: ليس هذا التأويل بحسن، فان ابن بابويه ذكر ذلك
في كتابه بعد أن ذكر في خطبته انه لا يودعه الله ما هو حجة له. قال:
فالأولى ان يقال فيه روايتان، أشهرهما بين الأصحاب ما اختاره الشيخ (6).
الثالثة: ظاهر الأكثر وجوب هذا التكبير، وصرح بن ابن الجنيد (7)،
واختاره الفاضل (8)، لأنه وقع بيانا من صاحب الشرع وأهل بيته فعلا وقولا
في رواية من سميناه آنفا.
وقال الشيخ - وتبعه صاحب المعتبر (9) - انه مستحب (10) لما رواه
زرارة في الصحيح ان عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر عليه السلام عن الصلاة
في العيدين، فقال: (يكبر، يزيد في الركعة الأولى ثلاثا، وفي الأخيرة
ثلاثا)، ثم قال: أن شاء ثلاثا وخمسا، وإن شاء خمسا وسبعا، بعد أن يلحق

(1) التهذيب 3: 131 ح 285، الاستبصار 1: 450، ح 1741.
(2) التهذيب 3: 132 ح 290، الاستبصار 1: 450 ح 1743.
(3) التهذيب 3: 284 ح 847، الاستبصار 1: 450 ح 1744.
(4) التهذيب 3: 131، الاستبصار 1: 450.
(5) المجموع 5: 21، المبسوط للسرخسي 2: 42، اللباب 1: 118.
(6) المعتبر 2: 313، وراجع الفقيه 1: 324 ح 1485.
(7) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 112.
(8) مختلف الشيعة: 112.
(9) المعتبر 2: 314.
(10) التهذيب 3: 134.
183

ذلك إلى وتر) (1) وظاهر التخيير عدم الوجوب، ولأنه لا قائل بوجوب
الثلاث لا غير، ولا بوجوب الخمس والثلاث.
ولما رواه هارون بن حمزة، عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن التكبير
في الفطر والأضحى، فقال: (خمس وأربع، فلا يضرك إذا انصرفت) (2).
ولما رواه عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال:
(ما كان يكبر النبي صلى الله عليه وآله في العيدين إلا تكبيرة واحدة حتى أبطأ عليه لسان
الحسين عليه السلام، فلما كان ذات يوم عنده كبر رسول الله صلى الله عليه وآله فكبر الحسين
فكبر النبي سبعا، وفي الثانية كبر النبي وكبر الحسين حتى كبر خمسا،
فجعلها رسول الله صلى الله عليه وآله سنة، وثبتت السنة إلى اليوم) (3).
وهذا قوي أيضا.
الرابعة: الأظهر أيضا وجوب القنوت بين التكبيرات، نص عليه
المرتضى وانه انفراد الامامية (4) وهو في خبر يعقوب وغيره (5).
وصرح الشيخ باستحبابه (6) للأصل، ولما رواه محمد بن مسلم عن
أحدهما قال: سألته عن الكلام الذي يتكلم به بين التكبيرتين في العيد،
فقال: (ما شئت من الكلام الحسن) (7) وهذا ليس بصريح في الاستحباب.
الخامسة: لا يتعين في القنوت لفظ مخصوص، لقضية الأصل،

(1) التهذيب 3: 134 ح 291، الاستبصار 1: 447 ح 1732، باختصار في الألفاظ.
(2) التهذيب 3: 286 ح 854، الاستبصار 1: 447 ح 1731.
(3) التهذيب 3: 286 ح 855.
(4) الانتصار: 57.
(5) التهذيب 3: 132 ح 287 و 288، الاستبصار 1: 449 ح 1737 و 1738.
(6) الخلاف 1: 153 المسألة 11.
(7) التهذيب 3: 288 ح 863.
184

وهذه الرواية، واختلاف الروايات في تعيينه.
فروى أبو الصباح عن الصادق عليه السلام: (تكبر وتقول: اشهد ان لا اله إلا
الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا عبده ورسوله. اللهم أنت أهل
الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت والقدرة والسلطان والعزة.
أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخرا
ومزيدا، أسألك ان تصلي على محمد وآل محمد، وان تصلي على
ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين، وان تغفر لنا ولجميع المؤمنين
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. اللهم إني
أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون، وأعوذ بك من شر ما عاذ به
عبادك المخلصون.
الله أكبر، أول كل شئ وآخره، وبديع كل شئ ومنتهاه، وعالم كل
شئ ومعاده، ومصير كل شئ إليه ومرده، ومدبر الأمور، وباعث من في
القبور، قابل الأعمال، مبدئ الخفيات معلن السرائر.
الله أكبر، عطيم الملكوت، شديد الجبروت، حي لا يموت، دائم
لا يزول، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.
الله أكبر، خشعت لك الأصوات، وعنت لك الوجوه، وحارت دونك
الابصار، وكلت الألسن عن عظمتك، والنواصي كلها بيدك، ومقادير الأمور
كلها إليك، لا يقضي فيها غيرك، ولا يتم فيها شئ دونك.
الله أكبر، أحاط بكل شئ حفظك، وقهر كل شئ عزك، ونفذ كل
شئ أمرك، وقام كل شئ بك، وتواضع كل شئ لعظمتك، وذل كل
شئ لعزتك، واستسلم كل شئ لقدرتك، وخضع كل شئ لملكك.
185

وكذا تصنع في الركعة الثانية) (1).
وروى علي بن حاتم باسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام: (تقول بين كل
تكبيرتين: اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت، وأهل
المغفرة (2) والرحمة، وأهل التقوى والمغفرة، أسألك في هذا اليوم الذي
جعلته للمسلمين عيدا، ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخرا ومزيدا، ان تصلي على محمد
وآل محمد، كأفضل ما صليت على عبد من عبادك، وصل على ملائكتك (3)
ورسلك، واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم
والأموات. اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون، وأعوذ بك
من شر ما عاذ بك منه عبادك المرسلون) (4).
وروى جابر، عن الباقر عليه السلام قال: (كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا كبر قال
بين كل تكبيرتين: اشهد ان لا اله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمد
عبده ورسوله صلى الله عليه وآله. اللهم أهل الكبرياء) وذكر الدعاء إلى آخره (5).
وروى بشر بن سعيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تقول في دعاء
العيدين بين كل تكبيرتين: الله ربي ابدا، والاسلام ديني ابدا، ومحمد نبي
ابدا (6)، والكعبة قبلتي ابدا، وعلي وليي ابدا، والأوصياء أئمتي ابدا
- وتسميهم إلى آخرهم - ولا أحد الا الله) (7).

(1) الفقيه 1: 324 ح 1485، التهذيب 3: 132 ح 290.
(2) في المصدر: (العفو).
(3) في المصدر زيادة (المقربين).
(4) التهذيب 3: 139 ح 314.
(5) التهذيب 3: 140 ح 315.
(6) في المصدر زيادة: (والقرآن كتابي ابدا).
(7) التهذيب 3: 286 ح 856 عن بشير بن سعيد.
186

وأكثر الاخبار فيها لفظ القنوت لا غير. والشيخ أبو الصلاح قال:
ويلزمه ان يقنت بين كل تكبيرتين، فيقول: اللهم أهل الكبرياء والعظمة،
إلى آخره (1). فان أراد به الوجوب تخييرا والأفضلية فحق، وان أراد به
الوجوب عينا فممنوع.
السادسة: يستحب رفع اليدين مع كل تكبيرة كما قلناه في تكبير
الصلاة اليومية. وروى يونس قال: سألته عن تكبير العيدين، أيرفع يده
مع كل تكبيرة، أم يجزئه أن يرفع في أول تكبيرة؟ فقال: (يرفع مع كل
تكبيرة) (2). وروى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا ترفع الأيدي إلا في سبعة
مواطن) وذكر من جملتها تكبيرات العيد (3).
وكذا يستحب رفع اليدين بالقنوت كقنوت اليومية.
فروع:
الأول: لو نسى التكبيرات أو بعضها حتى يركع، مضى في صلاته
ولا شئ عليه إذ ليست أركانا.
وهل تقضى بعد الصلاة؟ أثبته الشيخ رحمه الله (4) ولعله لما سبق من

(1) الكافي في الفقه: 154.
(2) التهذيب 3: 288 ح 866.
(3) الهداية (للمرغياني) 1: 86. المبسوط (للسرخسي) 2: 39.
(4) نسبة المحقق في المعتبر 2: 315 إلى الشيخ رحمه الله ولكن قول الشيخ في المبسوط
1: 171 والخلاف 1: 153 المسألة 13 خلاف ذلك، قال في مفتاح الكرامة 3:
205 (قال المحقق في المعتبر وجماعة ان الشيخ أثبت القضاء وفي التحرير وغيره
نسبته إليه في الخلاف. وليس لذلك في الخلاف عين ولا أثر والموجود في
الخلاف وغيره مما حضرني من الشيخ: إذا نسي التكبيرات حتى يركع مضى في صلاته
ولا شئ عليه).
187

الرواية في باب السهو المتضمنة لقضاء الفائت من الصلاة بعدها (1).
ونفاه في المعتبر - وتبعه الفاضل (2)، لأنه ذكر تجاوز محله، فيسقط
بالنافي السليم عن المعارض (3). وكأنه عنى بالنافي دلالة الأصل على عدم
القضاء وان الفائت لا يجب قضاؤه، وعنى بالمعارض الأمر الجديد الدال
على القضاء فإنه منفي، وللشيخ ان يبدي وجود المعارض وهي الرواية
المشار إليها.
ولو تذكر وهو آخذ في الركوع، ولما ينته إلى حد الراكع، رجع إليه
قطعا.
ولو قلنا: بتقديم التكبير على القراءة في الأولى، فنسيه حتى قرأ، لم
يعد إليه، قاله في المعتبر، لفوات محله (4).
وليس ببعيد وجوب استداركه أو ندبه على اختلاف القولين، لأنه
محل في الجملة ولهذا كان التكبير في الثانية واقعا فيه، ولأن الروايات
المتضمنة لتأخره عن القراءة في الركعتين أقل أحوالها ان يقتضي استداركه
إذا نسى.
وفي التذكرة أوجب استدراكه، وتوقف في إعادة القراءة، من حيث
عدم وقوعها في محلها، وصدق القراءة (5). والأولى اعادتها.
ولو ذكر في أثنائها قطعها وأتى به ثم استأنف القراءة.

(1) سبق في ص 35، ضمن المسألة الرابعة من السهو.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 158، نهاية الإحكام 2: 61.
(3) المعتبر 2: 315.
(4) المعتبر 2: 215.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 158.
188

ولا يقضي التكبير عندنا في الركوع، لما فيه من تغيير هيئة الصلاة.
وإذا قلنا بقضاء التكبير أو استدراكه فالقنوت تابع له. والظاهر وجوب
الاستقبال فيهما، لأنهما جزءان مما يجب فيه الاستقبال، وكذا تعتبر بقية
شرائط الصلاة.
ويحتمل أيضا وجوب سجدتي السهو، بناء على تناول أدلة الوجوب
في اليومية لهذه الصورة. وهو قول ابن الجنيد (1).
الثاني: لو شك في عدده بنى على الأقل، لأنه المتيقن. وفي
انسحاب الخلاف في الشك في الأوليين المبطل للصلاة هنا احتمال أن قيل
بوجوبه. ولو تذكر بعد فعله أنه كان قد كبر لم يضر، لعدم ركنيته. وكذا
الشك في القنوت.
الثالث: لو قدمه على القراءة في الركعة الثانية ساهيا، أعاد بعدها
قطعا وسجد للسهو على الاحتمال.
ولو قدمه في الركعة الأولى، فكذلك عند من يوجب تأخيره.
ولو تعمد التقديم، ففي بطلان الصلاة مع استدراكه في محله عندي
وجهان:
البطلان، لتغير نظم الصلاة، وعدم ايقاعها على الوجه المأمور به،
ولأنه ارتكب منهيا عنه في الصلاة، إذ الامر بالشئ نهي عن ضده، والنهي
في العبادة مفسد.
والصحة، لما تقدم في الرواية: (إن كل ما ذكره الله عز وجل به أو
رسوله فهو من الصلاة).

(1) مختلف الشيعة: 115.
189

ويحتمل ثالثا وهو البطلان ان اعتقد شرعيته، لأنه يكون مبدعا
فيتحقق النهي، وان لم يعتقد شرعيته هنالك كان ذكرا مجردا في الصلاة فلا
ينافيها.
الرابع: لو أدرك بعض التكبيرات مع الامام دخل معه، فإذا ركع الامام
ركع معه على القول بالندب، لأنه لا يترك المتابعة الواجبة لأجل الندب،
هذا إذا لم يمكنه الاتيان بالقدر الفائت قبل رفع الامام من الركوع، وإلا أتى
به. ولو أمكنه التكبير المجرد عن القنوت فعله، ولو لم يمكنه ذلك قضاه
عند الشيخ بعد التسليم (1).
اما على القول بوجوبه، فيحتمل منعه من الاقتداء إذا علم التخلف
عن الامام. فلو اقتدى ولما يعلم، ولم يمكنه الجمع بين المتابعة وبين
التكبير، فإنه ينوي الانفراد.
ويحتمل جواز الاقتداء ويسقط القنوت ويأتي بالتكبير ولاء، لتحقق
الخلاف في وجوبه، بخلاف المتابعة.
ويشكل بانا بنينا على الوجوب. والمتابعة وان كانت واجبة فوجوبها
ليس جزءا من الصلاة من حيث هي صلاة، بخلاف التكبير والقنوت.
والفاضل مع قوله بوجوبه أسقطه مع عدم امكان الاتيان به، ولم
يوجب قضاءه بعد التسليم، حتى لو أدرك الامام راكعا كبر ودخل معه،
واجتزأ بالركعة عنده ولا يجب القضاء (2).
الخامس: لا يتحمل الامام هذا التكبير ولا القنوت، وانما يتحمل
القراءة.

(1) المبسوط 1: 171. وانظر: مفتاح الكرامة 3: 205.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 158، نهاية الإحكام 2: 61.
190

ويحتمل تحمل الدعاء، ويكفي عن دعاء المأمومين. وهذا لم أقف
فيه على نص.
ولو قلنا بالتحمل فيه، فدعى المأموم فلا بأس، سواء كان بدعاء
الامام أو غيره.
وعدم تحمل الامام القنوت في اليومية يدل بطريق أولى على عدم
تحمله هنا.
المسألة السابعة: يجب قراءة الحمد وسورة معها كسائر الفرائض.
ولا خلاف في عدم تعيين سورة، وإنما الخلاف في الأفضل:
فذهب جماعة إلى أنه يقرأ الأعلى في الأولى والشمس في الثانية (1).
وقال آخرون الشمس الشمس في الأولى والغاشية في الثانية (2).
وهذان القولان مشهوران.
وقال علي بن بابويه: يقرأ في الأولى الغاشية، والثانية الأعلى (3).
وقال ابن أبي عقيل: يقرأ في الأولى الغاشية، وفي الثانية الشمس (4).
ورواية أبي الصباح، عن الصادق عليه السلام وإسماعيل الجعفي، عن
الباقر عليه السلام تشهدان للأول (5).

(1) منهم الصدوق في الفقيه 1: 324 ذيل حديث 1684 وابن حمزة في الوسيلة:
111 والكيدري في إصباح الشيعة: 102 وسلار في المراسم: 78 ويحيى بن سعيد
في الجامع للشرائع: 107 وابن إدريس في السرائر: 70.
(2) منهم المفيد في المقنعة: 32 وابن زهرة في الغنية: 499 - 500 وابن البراج في
المهذب 1: 122 وأبو الصلاح في الكافي: 153 - 154، السيد المرتضى في
جمل العلم والعمل: 74. والشيخ في الخلاف 1: 153 المسألة 12.
(3) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 112.
(4) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 112.
(5) الفقيه 1: 324 ح 1458، التهذيب 2: 132 ح 288، 290، الاستبصار 1: 449
ح 1738، 450 ح 1743. وتشهدان لما مر في ص 725 الهامش 2.
191

وصحيحتا جميل ومعاوية عن الصادق عليه السلام تشهدان للثاني (1) مع أن
في رواية جميل: (الشمس والغاشية وأشباههما).
والكل حسن، وإن كان العمل بالمشهور أولى.
ويستحب الجهر بالقراءة، والظاهر استحبابه بالقنوت أيضا، إلا
المأموم فإنه يسر به.

(1) الكافي 3: 460 ح 3، الفقيه 1: 320 ح 1457، التهذيب 3: 127 ح 270،
129 ح 278. وتشهدان لما مر في ص 725 الهامش 3.
192

المطلب الثالث: في اللواحق.
وفيه مسائل:
الأولى: لو وافق العيد الجمعة، تخير من صلى العيد في حضور
الجمعة وعدمه، ذهب إليه الأكثر (1) وعلى الامام الحضور والاعلام بذلك،
لصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: (اجتمعنا في زمان علي عليه السلام، فقال:
من شاء ان يأتي الجمعة فليأت، ومن قعد فلا يضره وليصل الظهر،
وخطب عليه السلام خطبتين، جمع فيهما خطبة العيد وخطبة الجمعة) (2) ونحوه
رواه سلمة عنه عليه السلام إلا أنه لم يذكر الخطبتين (3).
وروى العامة عن زيد بن أرقم: (ان النبي صلى الله عليه وآله صلى العيد ورخص
في الجمعة) (4).
وروي: ان ابن الزبير لما صلى العيد ولم يخرج إلى الجمعة قال ابن
عباس: أصاب السنة (5). وفيه ايماء إلى أنه يسقط أيضا عن الامام.
وقال ابن الجنيد - في ظاهر كلامه - يختص التخيير لمن كان قاصي
المنزل ويستحب له الحضور (6) واختاره الفاضل (7) لما رواه إسحاق بن عمار،

(1) المقنعة: 33، المبسوط 1: 170، المعتبر 2: 326، مختلف الشيعة: 113.
(2) الفقيه 1: 323 ح 1477.
(3) الكافي 3: 461 ح 8، التهذيب 3: 137 ح 306.
(4) سنن الدارمي 1: 378، سنن ابن ماجة 1: 415 ح 1310، سنن أبي داود 1:
281 ح 1070، سنن النسائي 3: 194، السنن الكبرى 3: 317.
(5) سنن أبي داود 1: 281 ح 1071، سنن النسائي 3: 194.
(6) مختلف الشيعة: 113.
(7) تحرير الأحكام 1: 46.
193

عن الصادق عليه السلام، عن أبيه عليه السلام: (إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول:
إذا اجتمع للامام عيدان في يوم واحد، فإنه ينبغي للامام أن يقول للناس
في خطبته الأولى: إنه قد اجتمع لكم عيدان، فأنا أصليهما جميعا، فمن كان
مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له) (1). ومفهومه أن
غير قاضي المنزل ليس مأذونا له في الانصراف.
والفرق لزوم المشقة وعدمها، إلا أن البعد والقرب من الأمور
الإضافية، فيصدق القاصي على من بعد بأدنى بعد، فيدخل الجميع إلا من
كان مجاورا للمسجد.
وربما صار بعض إلى تفسير القاصي بأهل القرى دون أهل البلد (2)
لأنه المتعارف.
وقال أبو الصلاح: الظاهر في الملة (3) وجوب عقد الصلاتين
وحضورهما على من خوطب بذلك (4).
وقال ابن البراج - رحمه الله -: الظاهر وجوب الحضور لهاتين
الصلاتين (5)، لأن دليل الحضور فيهما قطعي، وخبر الواحد يفيد الظن فلا
يعارض القطع.
وتبعهما ابن زهرة (6).

(1) التهذيب 3: 137 ح 304.
(2) راجع: المعتبر 2: 326، تحرير الأحكام 1: 46.
(3) في س، ط: المسألة.
(4) الكافي في الفقه: 155.
(5) المهذب 1: 123.
(6) الغنية: 500.
194

ويجاب عنه بأن الخبر المتلقى بالقبول المعمول عليه عند معظم
الأصحاب في قوة المتواتر فيلحق بالقطعي، ولأن نفي الحرج والعسر يدل
على ذلك أيضا، فيكون الخبر معتضدا بالكتاب بالعزيز.
والمعتمد التخيير مطلقا، وإن كان الأولى للقريب الحضور، جمعا بين
الروايتين.
تنبيه:
ظاهر كلام الشيخ في الخلاف تخيير الامام أيضا (1). وصرح المرتضى
بوجوب الحضور عليه (2) وهو الأقرب، لوجود المقتضي مع عدم المنافي،
ولما مر في خبر إسحاق (وأنا أصليهما جميعا) (3).
المسألة الثانية: قد تقدم استحباب الغسل لهذه الصلاة، ووقته بعد
الفجر. ولو تركه متعمدا فاته الفضيلة. ولو تركه نسيانا فالأفضل الاغتسال
وإعادة الصلاة ما دام الوقت، رواه عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام (4).
وفي شرعية الجماعة في هذه الإعادة احتمال قوي، كالصلاة المبتدأة
ندبا على ما سبق من استحباب الجماعة فيها.
الثالثة: يستحب التوجه بالتكبيرات المستحب تقديمها في اليومية
ودعواتها، سواء قلنا بأن تكبير العيد قبل القراءة أو بعده.
وربما خطر لبعضهم سقوط دعاء التوجه إن قلنا بتقديم التكبير،

(1) الخلاف 1: 157 المسألة 26.
(2) المعتبر 2: 227.
(3) تقدم في ص 194 الهامش 1.
(4) التهذيب 3: 285 ح 850، الاستبصار 1: 451 ح 1747.
195

ولا أرى له وجها، لعدم المنافاة بين التوجه والقنوت بعده.
ويجوز تقديم التكبير في الركعتين للتقية، وتكون صلاة مجزئة.
الرابعة: إذا لم تجتمع شرائط الوجوب صليت ندبا على ما سبق.
وهل يشترط في جوازه خلو الذمة من القضاء؟ الأقرب انه لا
يشترط، فتجوز ممن عليه القضاء، لما أسلفناه في باب المواقيت من
الروايات.
ولو قلنا بالمنع منه، فهل يجوز ان يصلي من القضاء بهيئة العيد؟
يحتمل ذلك، لأنه إضافة ذكر الله تعالى والدعاء لا غير. ويحتمل المنع،
لأنه تغيير لهيئة الصلاة.
اما لو نذر فعلها في وقتها، فإنها تنعقد وان كان مشغول الذمة
بالقضاء، ويراعي فيها ما يراعي في الواجبة إلا الجماعة، فإنها ليست شرطا
في المنذورة مع اختلال الشرائط إلا أن ينذر ذلك، فيجب ان اتفقت
الجماعة وإلا سقط، لأنه من قبيل الواجب المشروط.
الخامسة: قال أبو الصلاح رحمه الله: يخرج الإمام والمأموم مشاة، وكلما
مشى الامام قليلا وقف وكبر حتى ينتهي إلى المصلى، فيجلس على الأرض
ويجلسون كذلك، فإذا انبسطت الشمس قام وقام الناس فكبر وكبر الناس،
فإذا أمسكوا (1) قال مؤذنوه: الصلاة، ثلاثا، برفيع أصواتهم، ثم يكبر
ويدخل بهم في الصلاة (2).
وقال: إذا فرغ منها عقب وعفر ثم خطب (3).

(1) في المصدر: أمسك.
(2) الكافي في الفقه: 153.
(3) الكافي في الفقه: 154.
196

وقال: لا يقرأ المأمومون خلفه، سمعوا قراءته أو لا، وعليه ان
يسمعهم قنوته وتكبيره ولا يسمعونه، فإذا فرغ من الخطبة جلس على
المنبر حتى ينفض الناس ثم ينزل (1).
وقال: يكره السفر قبل الصلاة المسنونة - وتبعه ابن زهرة (2) - ويلزم
تمييز يوم العيد بالاكثار من فعل الخيرات، والتوسعة على العيال، والتضحية
بما تيسر وتفريق ذلك على المساكين (3).
السادسة: يستحب التعريف عشية عرفة بالامصار في المساجد، لما
فيه من الشبه بالحاج في اجتماعهم، وملازمة ذكر الله تعالى. وروى عبد الله
ابن سنان انه قال الصادق عليه السلام: (من لم يشهد جماعة الناس في العيدين،
فليغتسل، ويتطيب، وليصل وحده كما يصلي في الجماعة. وفي يوم عرفة
يجتمعون بغير امام في الأمصار يدعون الله عز وجل) (4).
وعن ابن عباس انه فعله بالبصرة (5).
وفعله عمرو بن حريث (6) ومحمد بن واسع (7) ويحيى بن معين (8)
وهؤلاء من علماء العامة.

(1) الكافي في الفقه: 154.
(2) الغنية: 500.
(3) الكافي في الفقه: 155.
(4) التهذيب 3: 136 ح 297، 298. وصدره في الفقيه 1: 320 ح 1463،
الاستبصار 1: 444 ح 1716.
(5) المغني 2: 250، الشرح الكبير 2: 271.
(6) المغني 2: 250، الشرح الكبير: 271.
(7) المغني 2: 250، الشرح الكبير 2: 271.
(8) المغني 2: 250، الشرح الكبير 2: 271.
197

وكرهه نافع مولى ابن عمر وإبراهيم النخعي والحكم وحماد ومالك.
وسئل عنه أحمد فقال: أرجو أن لا يكون به بأس (1).
ونحن قد أثبتنا شرعيته عن الامام المعصوم فلا عبرة بقول من كرهه.
وأفضل التعريف بالأمصار التعريف بالمشاهد، وخصوصا مشهد
الامام أبي عبد الله الحسين عليه السلام بكربلاء، فقد ورد فيه أخبار جمة (2).

(1) المغني 2: 250، الشرح الكبير 2: 271.
(2) راجع: التهذيب 6: 50 ح 115 - 119.
198

الفصل الثالث
في صلاة الآيات
والنظر في سببها، وكيفيتها، واحكامها
النظر الأول: تجب الصلاة بكسوف الشمس والقمر.
ويقال: خسف القمر، أيضا. وربما قيل: خسفت الشمس، وهو في
حديث أسماء وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله (1).
ولا يقال: انكسفت، عند بعضهم منهم الجوهري (2) بل كسفت
وكسفها الله - بفتح الكاف والفاء فيهما - فهي كاسفة. والاخبار مملؤة بلفظ
الانكساف (3)، وقد جوزه بعض أهل اللغة منهم الهروي (4).
ودليل الوجوب فيهما اجماع الأصحاب، وقول النبي صلى الله عليه وآله: (ان
الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عبادة، لا يكسفان لموت
أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا) (5) والأمر للوجوب.

(1) حديث أسماء في: صحيح البخاري 2: 46، صحيح مسلم 2: 624 ح 905،
السنن الكبرى 3: 338. وحديث ابن عباس في: مسند ترتيب الشافعي 1: 164
ح 477، المصنف لعبد الرزاق 3: 98 ح 4925، صحيح البخاري 2: 46.
(2) الصحاح 4: 1421، مادة كسف.
(3) راجع: الكافي 3: 463 ح 1، 465 ح 6، 7، التهذيب 3: 154 ح 329، 156
ح 336، 337.
(4) انظر لسان العرب 9: 298 (فيه: في حديث رواه أبو جيد، انكسفت الشمس
على عهد رسول النبي (صلى الله عليه وآله).
(5) صحيح مسلم 2: 628 ح 911، السنن الكبرى 3: 332.
199

وروى أبي بن كعب قال: انكسفت الشمس على عهد رسول
الله صلى الله عليه وآله فصلى بنا وقرأ سورة من الطوال، وركع خمس ركعات، وسجد
سجدتين. ثم قام فقرأ سورة من الطوال، وركع خمس ركعات، وسجد
سجدتين، وجلس عليه السلام كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى تجلى (1). وفي
هذا الخبر الزام للعامة في مواضع:
أحدها: ان ظاهره الوجوب، لقوله صلى الله عليه وآله: (صلوا كما رأيتموني
أصلي) (2).
وثانيها: ان الوجوب على الأعيان: لأنه صلى بهم لا ببعضهم.
وثالثها: ان الركوع فيها عشر مرات كما نقول به.
وفيه دلالة على استحباب الكون في الدعاء حتى ينجلي، وسيأتي
استحباب الإعادة إن شاء الله تعالى.
ونحو هذا الخبر رويناه عن الكاظم عليه السلام (3).
وروينا عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (صلاة الكسوف
فريضة) (4).
واما باقي الآيات فلها صور:
تجب الصلاة أيضا للزلزلة، نص عليه الأصحاب (5).

(1) سنن أبي داود 1: 307 ح 1182، المستدرك على الصحيحين 1: 333.
(2) مسند أحمد 5: 53، سنن الدارمي 1: 286، صحيح البخاري 1: 162،
الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 85 ح 1656، سنن الدارقطني 1: 273،
السنن الكبرى 3: 120.
(3) الكافي 3: 208 ح 7، التهذيب 3: 154 ح 329.
(4) التهذيب 3: 290 ح 875.
(5) راجع: المبسوط 1: 172، المهذب 1: 124، الوسيلة: 112، المعتبر 2:
329، مختلف الشيعة: 116.
200

وابن الجنيد لم يصرح به ولكن ظاهر كلامه ذلك، حيث قال: تلزم الصلاة عند
كل مخوف سماوي (1)، وكذا ابن زهرة (2)، وأما أبو الصلاح فلم يعرض لغير
الكسوفين (3).
لنا: فتوى الأصحاب، وصحاح الاخبار، كرواية عمر بن أذينة عن رهط
عن كليهما عليهما السلام، ومنهم من رواه عن أحدهما عليهما السلام، أن صلاة كسوف الشمس
وخسوف القمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات (4).
وروى العامة: أن عليا عليه السلام صلى في زلزلة جماعة (5).
قال الشافعي: إن صح قلت (6) به.
الثانية: الرجفة، وقد تضمنته الرواية (7) وصرح به ابن أبي عقيل (8) وهو
ظاهر الأصحاب أجمعين.
الثالثة: الرياح المخوفة. ومنهم من قال: الرياح العظيمة (9). وقال
المرتضى: الرياح العواصف (10). وأطلق المفيد الرياح (11).

(1) مختلف الشيعة: 116.
(2) راجع الغنية: 500.
(3) راجع: الكافي في الفقه: 155.
(4) التهذيب 3: 155 ح 333.
(5) الام 7: 168، السنن الكبرى 7: 168.
(6) الام 7: 168، السنن الكبرى 7: 168.
(7) تقدمت في الهامش 4.
(8) مختلف الشيعة: 116.
(9) راجع الخلاف 1: 159 المسألة 9، نهاية الإحكام 2: 76، تذكرة الفقهاء 1: 164.
(10) جمل العلم والعمل 3: 46.
(11) المقنعة: 35.
201

الرابعة: الظلمة الشديدة، ذكره الشيخ (1) وابن البراج (2) وابن
إدريس (3).
الخامسة: الحمرة الشديدة، ذكرها الشيخ في الخلاف (4).
السادسة: باقي الآيات المخوفة، ذكره الشيخ (5) والمرتضى في ظاهر
كلامه (6) وصرح ابن أبي عقيل بجميع الآيات (7) وابن الجنيد على ما نقلناه
عنه (8) وابن البراج (9) وابن إدريس (10) وهو ظاهر المفيد (11).
ودليل الوجوب في جميع ما قلناه - مع فتوى المعتبرين من
الأصحاب - ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم في الصحيح، قالا: قلنا لأبي
جعفر عليه السلام: هذه الرياح والظلم التي تكون، هل يصلى لها؟ فقال: (كل
أخاويف السماء، من ظلمة أو ريح أو فزع، فصل له صلاة الكسوف حتى
يسكن (12) وظاهر الأمر الوجوب.
وعن علي بن الحسين عليهما الصلاة والسلام في الكسوفين: (إنه

(1) المبسوط 1: 172، النهاية: 136.
(2) المهذب 1: 124، وفيه: والرياح السود المظلمة و...
(3) السرائر: 71.
(4) الخلاف 1: 159 المسألة 9.
(5) الخلاف 1: 159 المسألة 9.
(6) جمل العلم والعمل 3: 46.
(7) مختلف الشيعة: 116.
(8) تقدم في ص 201 الهامش 1.
(9) المهذب 1: 124.
(10) السرائر: 71.
(11) المقنعة: 35.
(12) الكافي 3: 464 ح 3، الفقيه 1: 346 - 1529، التهذيب 3: 155 ح 330.
202

لا يفزع للآيتين ولا يرهب إلا من كان من شيعتنا، فإذا كان كذلك فافزعوا إلى
الله وراجعوه) (1).
وقال ابن بابويه: إنما يجب الفزع إلى المساجد والصلاة، لأنه آية
تشبه آيات الساعة، وكذلك الزلازل والرياح والظلم هي آيات تشبه آيات
الساعة، فآمر أن يتذكر القيامة عند مشاهدتها (2) بالتوبة والإنابة والفزع إلى
المساجد التي هي بيوته في الأرض، والمستجير بها محفوظ في ذمة تعالى (3).
ثم هنا مسائل:
الأولى: ووقتها في الكسوفين منذ ابتداء الاحتراق إلى الأخذ في
الانجلاء عند المعظم (4).
وإلى تمامه عند الشيخ المحقق، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: (فإذا رأيتم
ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى والصلاة حتى ينجلي).
ولأن كسوف البعض في الابتداء سبب في الوجوب، فكذا في
الاستدامة. وروى معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام: (إذا فرغت قبل أن
ينجلي فأعد)، ولو خرج الوقت قبل تمام الانجلاء لم يؤمر بالإعادة وجوبا
ولا استحبابا. ولأن وقت الخوف ممتد فيمتد وقت الصلاة لاستدفاعه (5).
للأكثر رواية حماد بن عثمان عن الصادق عليه السلام، قال: ذكروا انكساف
الشمس وما يلقى الناس من شدته، فقال: (إذا انجلى منه شئ فقد

(1) الفقيه 1: 340 ح 1509.
(2) في المصدر زيادة: والرجوع إلى الله تعالى.
(3) الفقيه 1: 341.
(4) المبسوط 1: 172، النهاية: 137، المراسم: 80، نهاية الإحكام 2: 76.
(5) المعتبر 2: 330.
203

انجلى (1).
قال في المعتبر: لا حجة فيه، لاحتمال ان يريد تساوي الحالين في
زوال الشدة لا بيان الوقت (2).
والفائدة في نية القضاء لو شرع في الانجلاء أو الأداء، وكذا في
ضرب زمان التكليف الذي يسع الصلاة وفي إدراك ركعة.
اما الإعادة فإنها مشروعة - على ما يأتي إن شاء الله - ما لم يتم
الانجلاء.
الثانية: وقت الأصحاب الزلزلة بطول العمر، وصرحوا انه لا يشترط
سعة الزلزلة للصلاة، فكان مجرد الوجود سبب في الوجوب.
وشك فيه الفاضل، لمنافاته القواعد الأصولية من امتناع التكليف
بفعل في زمان لا يسعه.
وباقي الأخاويف عند الأصحاب يشترط فيها السعة.
ولا نرى وجها للتخصيص إلا قصر زمان الزلزلة غالبا، فإذا اتفق قصر
زمان تلك الآيات - بل قصر زمانها أيضا غالب - احتمل الفاضل وجوب
الصلاة أداء دائما كما يحتمل في الزلزلة ذلك (3).
وحكم الأصحاب بان الزلزلة تصلى أداء طول العمر لا بمعنى
التوسعة، فان الظاهر وجوب الامر هنا على الفور بل على معنى نية الأداء
وان أخل بالفورية لعذر أو غيره.

(1) الفقيه 1: 347 ح 1535 وفيه: ذكروا عنده انكساف القمر، التهذيب 3: 321
ح 877 وفيه: ذكرنا انكساف القمر.
(2) المعتبر 2: 330.
(3) انظر التذكرة 4: 180 مسألة 484، ونهاية الإحكام 2: 77.
204

الثالثة: لو فات المكلف صلاة أحد الكسوفين مع علمه بها وتعمده وجب
القضاء، لاشتغال الذمة، وعموم روايات وجوب قضاء الصلوات، مثل:
قول النبي صلى الله عليه وآله: (من نام عن صلاة، أو نسيها، فليقضها إذا
ذكرها) (1).
وقوله صلى الله عليه وآله: (من فاتته صلاة فريضة، فليقضها إذا ذكرها) (2).
الرابعة: لو فاتت نسيانا أو بنوم وشبهه بعد علمه بها، وجب القضاء،
لما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام: (إن أعلمك أحد وأنت نائم، فعلمت ثم
غلبتك عينك فلم تصل، فعليك قضاؤها) (3). وهذا يصلح دليلا خاصا على
وجوب القضاء مع تعمد الترك، من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
ولا فرق في هاتين الصورتين بين احتراق الكل أو البعض، لعموم
الأدلة.
وقال الشيخ في النهاية والمبسوط لا تقضى مع النسيان (4)، وتبعه ابن
حمزة (5) وأراد به مع عدم الايعاب، وكذا ابن البراج (6).
وأطلق المرتضى عدم القضاء لو احترق البعض، ووجوب القضاء لو
احترق الجميع، ذكره في الجمل، قال: وقد روي وجوب ذلك على كل

(1) مسند أحمد 3: 100، سنن الدارمي 1: 280، صحيح مسلم 1: 471 ح 680،
سنن ابن ماجة 1: 228 ح 698، سنن أبي داود 1: 119 ح 435، الجامع الصحيح
1: 334 ح 177، سنن النسائي 1: 294، مسند أبي يعلى 5: 409 ح 3086،
السنن الكبرى 2: 218.
(2) المعتبر 2: 331.
(3) التهذيب 3: 291 ح 876، الاستبصار 1: 454 ح 1760.
(4) المبسوط 1: 172، النهاية: 136.
(5) الوسيلة: 112.
(6) المهذب 1: 124.
205

حال (1). وكذا فصل في المسائل المصرية (2).
الخامسة: لو لم يعلم بالكسوف، فان كان موعبا وجب القضاء وإلا
فلا، لرواية زرارة ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: (إذا كسفت الشمس
كلها واحترقت، ولم تعلم ثم علمت بعد ذلك، فعليك القضاء. وإن لم
تحترق كلها، فليس عليك قضاء) (3). وهذا أيضا دليل خاص، وتقريره ما
تقدم.
فان قلت: فقد روى - في الصحيح - علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام،
قال: سألته عن الكسوف، هل على من تركها قضاء؟ فقال: (إذا فاتتك
فليس عليك قضاء) (4).
قلت لما وردت روايات مفصلة، وكان هذا الخبر مجملا، وجب
حمله على المفصل، فيحمل على الجهل.
وربما كان هذا حجة الشيخ ومن تبعه على عدم قضاء الناسي (5) وهو
غير متعين له، لان الناسي في معنى النائم، وقد دلت الرواية على وجوب
قضائه (6).
تنبيه
قال المفيد رحمه الله إذا احترق قرص القمر كله، ولم يعلم به حتى أصبح،

(1) جمل العلم والعمل 3: 46.
(2) وكذا فصل في جوابات المسائل الموصلية الثالثة 2: 223.
(3) الكافي 3: 465 ح 6، التهذيب 3: 157 ح 339، الاستبصار 1: 454 ح 1759.
(4) التهذيب 3: 292 ح 884، الاستبصار 1: 453 ح 1756.
(5) تقدم في ص 205 الهامش 4 - 6.
(6) تقدمت في ص 205 الهامش 1.
206

صلاها جماعة. وإن احترق بعضه، ولم تعلم به حتى أصبحت، صليت القضاء
فرادى (1).
وقال علي بن بابويه: إذا انكسف الشمس أو القمر ولم تعلم فعليك أن
تصليها إذا علمت به، وإن تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصلها، وإن لم
يحترق كله فاقضها ولا تغتسل (2). وكذا قال ولده في المقنع (3).
وظاهر هؤلاء وجوب القضاء على الجاهل وإن لم يحترق جميع
القرص، ولعله لرواية لم نقف عليها أو لأن مجرد الاحتراق سبب تام فلا يعذر
فيه الجاهل، إلا أن رواية زرارة السالفة تدفعه (4).
وتفصيل المفيد بالجماعة والفرادى في القضاء يأتي الكلام فيه (5).
وان الجنيد ذكر في سياق من تركها لنوم أو غفلة ولم يعلم به حتى انجلى
إنها تقضى، وقال: القضاء إذا احترق القرص كله الزم منه إذا احترق بعضه (6).
السادسة: لو فاتت بقية الصلوات للآيات عمدا وجب القضاء، وكذا
نسيانا. ويحتمل انسحاب الخلاف فيها بطريق الأولى، للاجماع على وجوبها.
وإن جهل احتمل أيضا انسحاب الخلاف، وعدم القضاء أوجه: أما لعدم
القضاء في الكسوف - وهو أقوى - وأما لامتناع تكليف الغافل.
السابعة: لو غابت الشمس أو القمر بعد الكسوف وقبل الشروع في

(1) المقنعة: 35.
(2) مختلف الشيعة: 116.
(3) لم نلاحظه في المقنع، وحكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 116، وراجع مفتاح
الكرامة 3: 226.
(4) الكافي 3: 465 ح 6، التهذيب 3: 157 ح 339، الاستبصار 1: 454 ح 1759.
(5) سيأتي ص 217، ضمن المسألة الثانية.
(6) مختلف الشيعة: 116.
207

الانجلاء، وجبت الصلاة أداء، وكذا لو سترها غيم أو طلعت الشمس على
القمر عندنا، ويصلي أداء في الصورتين الأوليين، عملا بالاستصحاب.
ولو اتفق اخبار رصديين عدلين بمدة المكث، أمكن العود إليهما.
ولو أخبرا بالكسوف في وقت مترقب، فالأقرب أنهما ومن أخبراه
بمثابة العالم، وكذا لو اتفق العلم بخبر الواحد للقرائن.
النظر الثاني: في كيفية الصلاة.
وهي ركعتان كسائر الصلوات، وتنفرد بأمور:
أحدها: ان الركوع في كل ركعة خمس مرات.
وثانيها: وجوب تكرار الحمد والسورة خمسا ان أكمل السورة، وان
بعض لم يجب تكرار الحمد.
وقال ابن إدريس: لا يجب تكرار الحمد مع اكمال السورة بل
يستحب (1) وهو قول نادر.
وثالثها: استحباب الجهر فيها، سواء كانت خسوفا أو كسوفا، وقد
رواه العامة (2). وكذا باقي الآيات.
ورابعها: استحباب القنوت على كل قراءة ثانية.
وقيل: أقله على الخامسة والعاشرة، رواه ابن بابويه رحمه الله وقال: إن
الخبر ورد به (3).

(1) السرائر: 72.
(2) صحيح البخاري 2: 49، صحيح مسلم 2: 620 ح 901، سنن أبي داود 1:
309 ح 1188، الجامع الصحيح 2: 452 ح 563.
(3) الفقيه 1: 347، الهداية: 36.
208

وخامسها: انه لا يقول: (سمع الله لمن حمده) إلا في الرفع من
الركوع الخامس والعاشر، بل يقتصر في باقي الركوعات على التكبير
للانتصاب، كما يكبر للاخذ في الركوع.
وسادسها: تساوي زمان قرائته وركوعه وسجوده وقنوته في
التطويل.
وسابعها: تطويل الصلاة بقراءة السور الطوال - مثل: الأنبياء،
والكهف - إذا علم أو ظن سعة الوقت.
وثامنها: الإعادة لو فرغ قبل الانجلاء.
ولنشر إلى المدارك:
فروى زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما عن الباقر والصادق عليهما السلام:
(تبدأ فتكبر لافتتاح الصلاة، ثم تقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع ثم ترفع
رأسك فتقرأ أم الكتاب وسورة، ثم تركع الثالثة فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم
تركع الرابعة ثم ترفع رأسك فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الخامسة، فإذا
رفعت رأسك قلت: سمع الله لمن حمده، ثم تخر ساجدا سجدتين، ثم
تقوم فتصنع كما صنعت في الأول). قلت: وإن هو قرأ سورة واحدة في
الخمس ففرقها بينها؟ قال: (أجزأته أم القرآن في أول مرة، وإن قرأ خمس
سورة فمع كل سورة أم القرآن) (1). وفي أخبار كثيرة دالة على هذا
التفصيل (2).
فان احتج ابن إدريس برواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام، قال:
(انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى ركعتين: قام في الأولى

(1) التهذيب 3: 155 ح 333.
(2) راجع: الكافي 3: 463 ح 3، التهذيب 3: 156 ح 335.
209

فقرأ سورة، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فقرأ سورة، ثم ركع فأطال
الركوع، ثم رفع رأسه فقرأ سورة، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فقرأ
سورة، ثم ركع - فعل ذلك خمس ركعات قبل أن يسجد - ثم سجد
سجدتين، ثم قام في الثانية ففعل مثل ذلك، فكان له عشر ركعات وأربع
سجدات) والتوفيق بينها وبين باقي الروايات بالحمل على استحباب قراءة
الفاتحة مع الاكمال.
فالجواب ان تلك الروايات أشهر وأكثر، وعمل الأصحاب
بمضمونها، فتحمل هذه الرواية على أن الراوي ترك ذكر الحمد للعلم به،
لتوافق تلك الروايات الأخر.
فروع:
لو بعض وجب اكمال سورة في الخمس، لأنها ركعة من صلاة
واجبة.
ولو بعض بسورتين أو ثلاث أو أربع، فالظاهر الجواز، غير أنه إذا
أتم السورة وجب ان يقرأ بعدها الحمد.
ولو قرأ السورة في القيام الأول، وبعض بسورة أو أزيد في القيام
الباقي، جاز. والظاهر عدم وجوب اكمال السورة ثانيا هنا، لحصول مسمى
السورة في الركعة. ويحتمل ان ينحصر المجزئ في سورة واحدة أو خمس
سور، لأنها ان كانت ركعة وجبت الواحدة، وان كانت خمسا فالخمس،
فيمكن استناد ذلك إلى تجويز الامرين وليس بين ذينك واسطة.
ولو قرأ في القيام الأول بعض السورة ثم قام إلى الثاني، فالأقرب
تخيره بين ثلاثة أشياء: بين رفضها وإعادة الحمد، وبين القراءة من موضع
210

القطع، وبين القراءة من أي موضع شاء من السورة. مع احتمال منع هذا
الأخير، لمخالفته المعهود.
وحينئذ لو اقتصر على شئ من هذه السورة في الخمس لم يجز، لما
بينا من وجوب اكمال سورة.
وتوقف الفاضل في وجوب قراءة الحمد لو رفض السورة التي قرأ
بعضها، من أن وجوب الحمد مشروط باكمال السورة قبلها، ومن انه في
حكم الاكمال، ويجئ ذلك في العدول عن الموالاة في السورة الواحدة.
ويحتمل أمرا رابعا وهو: أن له إعادة لبعض الذي قرأه من السورة
بعينه. فحينئذ، هل تجب قراءة الحمد؟ يحتمل ذلك، لابتدائه بسورة.
ويحتمل عدمه، لان قراءة بعضها مجز فقراءة جميعها أولى. هذا ان قرأ
جميعها، وان قرأ بعضها فأشد اشكالا.
وروى القنوت في كل ثانية زرارة ومحمد بن مسلم أيضا عن
الامامين عليهما السلام (1).
وروي تطويل الركوع والسجود عن الباقر عليه السلام (2).
وروى تطويل القنوت بقدر الركوع والسجود زرارة ومحمد بن مسلم
عن الصادق عليه السلام (3).
وروى الشيخ في الخلاف عن علي عليه السلام انه جهر في الكسوف، قال
الشيخ: وعليه اجماع الفرقة (4).

(1) التهذيب 3: 155 ح 333.
(2) الكافي 3: 463 ح 2، التهذيب 3: 156 ح 335.
(3) الكافي 3: 463 ح 2، التهذيب 3: 156 ح 235، عن الإمام الباقر عليه السلام.
(4) الخلاف 1: 159 المسألة 6.
211

وروى التكبير في كل رفع من الركوع غير الخامس والعاشر محمد بن
مسلم عن الصادق عليه السلام (1).
وروى أيضا التسميع في الخامس والعاشر (2).
وروى تطويل الصلاة عمار عنه عليه السلام قال: (إذا صليت الكسوف فإلى
ان يذهب الكسوف عن الشمس والقمر، وتطول في صلاتك، فان ذلك
أفضل) (3).
وروى العامة ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله، ففي الصحاح: (خسفت الشمس
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فقام رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي، فأطال القيام جدا،
ثم ركع وأطال الركوع جدا، ثم رفع رأسه وأطال القيام جدا وهو دون القيام
الأول، ثم ركع فأطال الركوع جدا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد. ثم
قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع وأطال الركوع وهو دون
الركوع الأول، ثم رفع رأسه فقام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم
ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، إلى قوله: ثم انصرف وقد
تجلت الشمس) (4).
وعن جابر قال: انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يوم مات
إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال الناس: إنما انكسفت لموت إبراهيم.
فقام النبي صلى الله عليه وآله فصلى بالناس، فكبر، فأطال القراءة، ثم ركع نحوا مما
قام، رفع رأسه من الركوع فقرأ دون القراءة الأولى، ثم ركع نحوا مما

(1) راجع الهامش 3، المتقدم.
(2) راجع الهامش 3، المتقدم.
(3) التهذيب 3: 291 ح 876.
(4) صحيح مسلم 2: 618 ح 901، سنن النسائي 3: 152، السنن الكبرى 3:
338.
212

قام، إلى قوله: ثم انصرف وقد أضاءت الشمس. فقال: (يا أيها الناس. انما
الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا تنكسفان لموت أحد من الناس،
فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا حتى تنجلي) (1).
وروى الأصحاب عن عبد الله بن ميمون القداح عن الصادق عليه السلام عن
آبائه قال: (انكسفت الشمس في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله، فصلى بالناس
ركعتين، وطول حتى غشي على بعض القوم ممن كان وراءه من طول
القيام) (2).
وروى أبو بصير قال: سألته عن صلاة الكسوف، فقال: (عشر ركعات
وأربع سجدات، تقرأ في كل ركعة مثل يس والنور، ويكون ركوتك مثل
قراءتك، وسجودك مثل ركوعك). قلت: فمن لم يحسن يس وأشباهها؟
قال: (فليقرأ ستين آية في كل ركعة) (3). وذكر الأصحاب الأنبياء
والكهف (4).
واما الإعادة، فاختلف الأصحاب فيها على أقوال ثلاثة:
انها واجبة، وهو ظاهر المرتضى (5) وأبي الصلاح (6) وسلار (7) وهؤلاء
كالمصرحين بان آخر وقتها تمام الانجلاء كما ذهب إليه المحقق (8).

(1) صحيح مسلم 2: 623 ح 904، سنن أبي داود 1: 306 ح 1178، السنن
الكبرى 3: 325.
(2) التهذيب 3: 293 ح 885.
(3) التهذيب 3: 294 ح 890.
(4) راجع: المقنعة: 35، المبسوط 1: 173، المهذب 1: 124، الوسيلة: 112.
(5) جمل العلم والعمل 3: 46.
(6) الكافي في الفقه: 156.
(7) المراسم: 28.
(8) المعتبر 2: 330.
213

وبقولهم تشهد رواية معاوية بن عمار الصحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام: (إذا
فرغت قبل ان ينجلي فأعد) (1). فان ظاهر الامر الوجوب. ولأن العلة في
الصلاة الواجبة دائم فيدوم المعلول.
وذهب معظم الأصحاب إلى استحباب الإعادة (2) لقضية الأصل النافية
للوجوب، وعدم اقتضاء الامر التكرار، وصدق الامتثال، وللجمع بين هذه
الرواية وصحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن الباقر عليه السلام: (فإن فرغت قبل
أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي) (3) فان هذا صريح في جواز ترك
الصلاة، فيحمل الأول على الندب حتى تتوافق الاخبار.
فان قلت قوله: (فاقعد وادع) صيغتا أمر، وأقل أحوال الأمر
الاستحباب، واستحباب الصلاة ينافي استحباب غيرها مما ينافيها، فلا
يتحقق الجمع بين الخبرين.
قلت: قد يكون الامر للإباحة، كقوله تعالى: (فإذا حللتم
فاصطادوا) (4) إلا أنه يبعد حمله هنا على الإباحة، لان الدعاء لا يكون إلا
راجح الفعل، بل الحق انه للاستحباب، ولا ينافي استحباب الصلاة، فان
الاستحباب يدخل فيه التخيير كما يدخل في الواجب، فكأنه مخير بين
الصلاة وبين الدعاء، وأيهما فعل كان مستحبا.
فائدة:
قوله: (حتى ينجلي) يمكن كون (حتى) فيه لانتهاء الغاية، فلا دلالة

(1) التهذيب 3: 156 ح 334.
(2) راجع: المبسوط 1: 173، المهذب 1: 125، الوسيلة: 112.
(3) الكافي 3: 463 ح 2، التهذيب 3: 156 ح 335.
(4) سورة المائدة: 2.
214

فيها على التعليل، ويمكن ان تكون تعليلية بمعنى: كي، كما تشعر به اخبار
كثيرة (1)، فيكون الدعاء سببا في الانجلاء، ولهذا قال الفقهاء المطلوب
بالصلاة. رد النور إلى الشمس والقمر (2). ويحتج بهذا على شرعية الإعادة
وتكريرها، ليحصل الغرض من الصلاة.
وذهب ابن إدريس إلى أن الإعادة غير واجبة ولا مستحبة (3) ولا نرى
له مأخذا مع مخالفته فتاوى الأصحاب والاخبار. وهب أن الاخبار من باب
الآحاد أليس ان الأصحاب مطبقون قبله على شرعية الإعادة، والأحكام الشرعية
تثبت بمثل هذا عنده وعند غيره.
والمعتمد الاستحباب. وقول المرتضى ومن تبعه (4) يمكن حمله عليه
أيضا، فتصير المسألة متفقا عليها.
وقد روى عمار عن أبي عبد الله عليه السلام فضيلة تطويل الصلاة، ثم قال:
(وان أحببت ان تصلي، فتفرغ من صلاتك قبل ان يذهب الكسوف، فهو
جائز) (5) وهذا الحديث ينفي وجوب الإعادة صريحا.
لا يقال: نحن نقول بموجبه، فان المراد جواز الفراغ من صلاة واحدة
قبل انجلائه، ولا يلزم منه عدم وجوب أخرى.
لأنا نقول: أمره بتطويل الصلاة إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس

(1) لعله أراد إشعار الأمر بالفزع والمبادرة إلى المساجد، الموجود في: التهذيب 3:
293 ح 887 والفقيه 1: 340 ح 1509 و 341 ح 1510. وفي الفقيه 1: 342
ح 1513: (ليصرف عنهم شرها) فلعل المراد صرف الشر بالانجلاء، فتأمل.
(2) راجع: المعتبر 2: 332، تذكرة الفقهاء 1: 164.
(3) السرائر: 72.
(4) تقدم في ص 213 الهامش 5 - 7.
(5) التهذيب 3: 291 ح 876.
215

والقمر، ثم أردفه بقوله: (وان أحببت) إلى آخره، فكما ان الأولى لا تكرار
فيها فكذا الثانية. ولأن المفهوم من صلاته التي خوطب بها، فلو كان وراءها
صلاة مخاطب بها لزم تأخر البيان عن وقت الحاجة وانه باطل، وقد تقرر
في الأصول.
لا يقال: هذا يصلح حجة لابن إدريس، لأنه قسم الحال إلى قسمين:
تطويل الصلاة بحيث تطابق الانجلاء، وعدم تطويلها. ولم يذكر الإعادة،
فلو كانت مستحبة لم تكن القسمة حاصرة.
لأنا نقول: حكم بالجواز على قسم الفراغ قبل الانجلاء ولا نزاع فيه
وجعله مقابل التطويل المستحب، فكأن غرض السائل كان منحصرا في
هذين الشيئين وذلك لا ينافي استحباب الإعادة بدليل اخر وانما يتوجه
طلب القسمة الحاصرة أن لو أريد حصر جميع الأقسام الممكنة وهنا اقتصر
على القسمين بحب المقام.
مسائل
الأولى: يستحب ان تصلى تحت السماء، رواه محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام قال: (وإن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا تحت (1) بيت
فافعل) (2).
ولو صليت في المسجد صليت في رحبته المكشوفة. وهل هي
أفضل من الصحراء؟ الظاهر نعم، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله، فإنه صلاها في

(1) في المصدرين: (يجنك) اي: يسترك، الصحاح - مادة جنن -.
(2) الكافي 3: 463 ح 2، التهذيب 3: 156 ح 335.
216

مسجده (1). وروى يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام: (انه خرج مع
أبيه إلى المسجد الحرام فصليا فيه لخسوف القمر) (2).
ولعل رجحان البروز لعلم حال الانجلاء به.
الثانية: يستحب فيها الجماعة، سواء كانت كسوفا أو خسوفا أو
غيرها، لما روى الخاصة والعامة ان النبي صلى الله عليه وآله صلاها في جماعة (3).
وتتأكد الجماعة إذا أوعب الاحتراق، لما رواه ابن أبي يعفور عن
الصلاة عليه السلام، قال: (إذا انكسفت الشمس والقمر، فإنه ينبغي للناس ان
يفزعوا إلى امام يصلي بهم، وأيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل ان
يصلي وحده) (4).
وقال الصدوقان: إذا احترق القرص كله فصلها في جماعة، وان
احترق بعضه فصلها فرادى (5).
فان أرادا نفي تأكد الاستحباب مع احتراق البعض فمرحبا بالوفاق،
وان أرادا نفي استحباب الجماعة وترجيح الفرادى طولبا بالدليل. وهذه
الرواية غير ناهضة به، فإنها انما تدل على اجزاء صلاته وحده لا على
استحبابها، بل ظاهرها ان الجماعة أفضل من الانفراد - وان كانت دون
الجماعة في الفضل - إذا عم الاحتراق.
وليست الجماعة شرطا في صحتها عندنا وعند الأكثر. وخالف فيه بعض

(1) سنن أبي داود 1: 307 ح 1180، سنن النسائي 3: 128.
(2) التهذيب 3: 292 ح 880، الاستبصار 1: 453 ح 1754.
(3) التهذيب 3: 293 ح 885، سنن أبي داود 1: 309 ح 1187، سنن النسائي 3:
128.
(4) التهذيب 3: 292. ح 881.
(5) المقنع: 44، مختلف الشيعة: 118.
217

العامة، حيث قال: لا تصلى إلا في الجماعة (1). وقد روى الأصحاب عن
روح بن عبد الرحيم عن الصادق عليه السلام وسأله عن صلاة الكسوف، أتصلى
جماعة؟ قال: جماعة وفرادى (2).
الثالثة: لا منع من هذه الصلاة في الأوقات الخمسة التي تكره فيها
الصلاة المبتدأة نافلة، لأنها فرض ذو سبب. وقد روى محمد بن حمران
وجميل عن الصادق عليه السلام فعلها عند طلوع الشمس وغروبها (3).
النظر الثالث (4): في اللواحق.
وفيه مسائل:
الأولى: لا خطبة لهذه الصلاة وجوبا ولا استحبابا، للأصل، ولعدم
ذكرها في أكثر الاخبار.
وروايتهم عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وآله لما فرغ منها خطب الناس،
فحمد الله تعالى، وأثنى عليه ثم قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله
تعالى، وانهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبروا
وادعوا وصلوا وتصدقوا. يا أمة محمد إن ما من أحد أغير من الله ان يزني
عبده أو تزني أمته. يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا
ولضحكتم قليلا. ألا هل بلغت) (5) حكاية حال وهي ولا تعم، ولعل ذلك

(1) قال الثوري ومحمد بن الحسن، راجع: المغني 2: 274، حلية العلماء 2:
270، الشرح الكبير 2: 274.
(2) التهذيب 3: 292 ح 882.
(3) رواية محمد في التهذيب 3: 155 ح 331. ورواية جميل في الكافي 3: 464
ح 4.
(4) في النسخ: الرابع. ولعله سهو لعدم ذكر الثالث فيما تقدم.
(5) صحيح مسلم 2: 618 ح 901، سنن النسائي 3: 132، الاحسان بترتيب صحيح
ابن حيان 4: 220 ج 2834، السنن الكبرى 3: 322.
218

الكسوف كان مقرونا بما اقتضى هذه الخطبة، لأنه قد روى في الصحيح انها
كسفت يوم مات إبراهيم ولد رسول الله صلى الله عليه وآله - كما سلف (1) - فقال ذلك
ليزيل وهمهم.
وفي رواية جابر - في صحاحهم أيضا - انه قال صلى الله عليه وآله: (انه عرض
علي كل شئ تولجونه، فعرضت علي الجنة حتى لو تناولت منها قطفا
أخذته، أو قد (2) تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه، وعرضت علي النار
فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها ربطتها فلم تطعمها ولم
تدعها تأكل من خشاش الأرض، ورأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك يجر
قصبه في النار، وانهم كانوا يقولون: ان الشمس والقمر لا يخسفان إلا
لموت عظيم، وانهما آيتان من آيات الله يريكموهما، فإذا خسفا فصلوا
حتى ينجلي) (3) وفي هذا دليل على إزاحة ما كانوا يعتقدونه من الجهالة
وحكاية ما رأى النبي صلى الله عليه وآله من المبشرات والمنذرات فلا يكون ذلك شرعا
عاما.
والقطف: العنقود من العنب - بكسر القاف - وهو اسم لما قطف،
كالذبح والطحن. وخشاش الأرض: هو أمها، يقال بكسر الخاء وقد تفتح.
والقصب: المعي، بضم القاف وسكون الصاد المهملة، وجمعه: أقصاب.
الثانية: لا تجوز ان تصلى هذه الصلاة على الراحلة إلا مع الضرورة
كسائر الفرائض.

(1) تقدم في ص 212 - 213 الهامش 1.
(2) في المصدرين: قال.
(3) صحيح مسلم 2: 622 ح 904، كنز العمال 8: 424 ح 23511 عن ابن جرير.
219

وقد روى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام: أنه لا يصلى على الراحلة
شئ من الفروض (1).
وروى علي بن فضل الواسطي، قال: كتبت إلى الرضا عليه السلام: إذا
انكسفت الشمس والقمر وأنا راكب لا أقدر على النزول، فكتب: صل على
مركبك الذي أنت عليه) (2).
وقال ابن الجنيد: هي واجبة على كل مخاطب، سواء كان على
الأرض أو راكب سفينة أو دابة، ويستحب أن يصليها على الأرض وإلا
فبحسب حاله (3). وربما احتج له بجواب المكاتبة، فإنه لم يقيد فيه
بالضرورة، وهو ضعيف، لأن الجواب مقيد بالسؤال.
الثالثة: لو شرع في صلاة الكسوف، فتبين في الأثناء ضيق وقت
الحاضرة، قطعها وصلى الحاضرة، ثم صلى الكسوف من أولها.
وفي النهاية: إن بدأ بصلاة الكسوف ودخل عليه وقت فريضة،
قطعها وصلى الفريضة، ثم رجع فتمم صلاته (4). وهو قول المفيد (5)
والمرتضى في المصباح (6) وابني بابويه (7) وابن البراج (8) وابن حمزة (9).

(1) التهذيب 3: 308 ح 954.
(2) قرب الأسناد: 174، الكافي 3: 465 ح 7، الفقيه 1: 346 ح 1531، التهذيب
3: 391 ح 878.
(3) مختلف الشيعة: 118.
(4) النهاية: 137.
(5) حكاه عنه المحقق في المعتبر 2: 341.
(6) حكاه عنه المحقق في المعتبر 2: 341.
(7) الفقيه 1: 347، المقنع: 44، مختلف الشيعة: 118.
(8) المهذب 1: 125.
(9) في الوسيلة: 112 لم يذكر البناء، ولعل ذكر ذلك في كتابه الآخر (الواسطة).
220

وفي المبسوط: إذا دخل في صلاة الكسوف فدخل عليه الوقت،
قطع صلاة الكسوف ثم صلى الفرض، ثم استأنف صلاة الكسوف (1). فقد
وافق في قطعها بالدخول كلام الجماعة، وخالف في البناء حيث أوجب
الاستئناف.
والمسألة مبنية على وجوب تقديم الحاضرة على الكسوف لو اجتمعا
واتسع الوقتان. وهو قول ابني بابويه (2) والشيخ - في الجمل والنهاية (3) -
واتباعه (4).
وقال السيد المرتضى وابن أبي عقيل: يصلي الكسوف ما لم يخش
فوت الحاضرة، بأن يبتدأ بالحاضرة ثم يعود إلى صلاة الكسوف (5).
وفي المبسوط احتاط بمذهب النهاية بعد قوله بجواز فعل صلاة
الكسوف أول وقت الحاضرة (6) والفاضلان على هذا (7) وهو قول
ابن الجنيد (8).
ولا خلاف أن الحاضرة أولى مع خوف فوت وقتها. والظاهر أنه لو

(1) المبسوط 1: 172.
(2) الفقيه 1: 347، المقنع: 44، مختلف الشيعة: 118.
(3) النهاية: 137، الجمل والعقود: 175، ضمن الرسائل العشر للشيخ
الطوسي.
(4) راجع: المهذب 1: 125.
(5) جمل العلم والعمل 3: 45، مختلف الشيعة: 117.
(6) المبسوط 1: 172.
(7) شرائع الاسلام 1: 104، المعتبر 2: 340، المختلف: 117.
(8) مختلف الشيعة: 117.
221

خاف فوت الكسوف، مع علمه باتساع وقت الحاضرة، قدم الكسوف عند
هؤلاء. ولو تضيقا قدم الحاضرة أيضا.
ونقل في المعتبر أن أكثر الأصحاب على التخيير مع اتساع الوقتين،
وعن أبي الصلاح ذلك أيضا (1) ونقل عنه الفاضل موافقة النهاية (2) وعبارته
هذه: فإن دخل وقت فريضة من الخمس وهو فيها فليتمها ثم يصلي
الفرض، فإن خاف من اتمامها فوات الفرض قطعها ودخل فيه، فإذا فرغ
منه بنى على ما مضى من صلاة الكسوف (3).
ورواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام: (خمس صلوات لا تترك
على (4) حال: إذا طفت بالبيت، وإذا أردت أن تحرم، وإذا نسيت فصل إذا
ذكرت، وصلاة الكسوف، والجنازة) (5) تدل على التخيير بظاهرها.
وروى محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام ربما ابتلينا بالكسوف بعد
المغرب قبل العشاء، فإن صلينا خشينا أن تفوت الفريضة، قال: (إذا خشيت
ذلك، فاقطع صلاتك واقض فريضتك، ثم عد فيها) (6).
وروى أبو أيوب عنه عليه السلام، وسأله عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب

(1) المعتبر 2: 340.
(2) مختلف الشيعة: 118 ونقل فيه موافقة أبي الصلاح لاختياره، وراجع مفتاح
الكرامة 3: 233.
(3) الكافي في الفقه: 156.
(4) في ط والمصدرين زيادة: (كل).
(5) الكافي 3: 287 ح 2، التهذيب 2: 172 ح 683.
(6) التهذيب 3: 155 ح 332.
222

الشمس ويخشى فوت الفريضة، فقال: (اقطعوها وصلوا الفريضة، وعودوا
إلى صلاتكم) (1).
ولعل الجماعة يتمسكون بهاتين الروايتين على التقديم مع السعة،
وعلى القطع مع دخول الوقت والبناء، وهما صحيحتان إلا أن دلالتهما على
ذلك غير صريحة. نعم، روى الصدوق عن محمد بن مسلم وبريد عن
الباقر عليه السلام: (فإذا فرغت من الفريضة، فارجع إلى حيث كنت قطعت فصل
واحتسب بما مضى) (2) وزيادة الثقة مقبولة.
وعلى كل حال فالمعتمد التخيير مع السعة، وما قدمناه أولا لو فجئه
الضيق، لأن البناء بعد تخلل صلاة أجنبية لم يعهد في الشارع تجويزه في
غير هذا الموضع. والاعتذار بأن الفعل الكثير يغتفر هنا، لعدم منافاته
الصلاة، بعيد، فإنا لم نبطلها بالفعل الكثير بل بحكم الشرع بالابطال
والشروع في الحاضرة، فإذا فرغ منها فقد أتى بما يخل بنظم صلاة
الكسوف، فيجب اعادتها من رأس، تحصيلا ليقين البراءة.
الرابعة: لو اجتمعت مع صلاة الليل قدمها على النافلة، لأن مراعاة
الفرض أولى من النفل، سواء خاف فوت النافلة أو لا، وسواء اتسع الوقتان
أو اتسع وقت الكسوف.
وقد روى محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام، قلت: إذا كان الكسوف
آخر الليل، فبأيهما نبدأ؟ فقال: (صل صلاة الكسوف، واقض صلاة الليل

(1) التهذيب 3: 293 ح 888.
(2) الفقيه 1: 346 ح 1530 عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام.
223

حين تصبح) (1).
فروع:
الأول: لو كانت صلاة الليل منذورة، فكالفريضة الحاضرة في
التفصيل السالف. وهل ينسحب فيها قول البناء، وكذا في كل صلاة منذورة
تزاحم صلاة الكسوف؟ الظاهر لا، اقتصارا على مورد النص، مع المخالفة
للأصل.
الثاني: لو جامعت صلاة الاستسقاء أو غيرها من النوافل، قدمت
الكسوف، لمثل ما قلناه في صلاة الليل.
الثالث: لو اشتغل بالصلاة الواجبة عند خوف ضيق الوقت ففاتته
الكسوف، فان كان قد فرط في فعل الحاضرة أول الوقت فالأقرب قضاء
الكسوف، لاستناد اهمالها إلى ما تقدم من تقصيره. ويحتمل عدمه، لان
التأخير كان مباحا إلى ذلك الوقت، ثم تعين عليه الفعل بسبب التضيق
واقتضى ذلك الفوات، فهو بالنظر إلى هذه الحال غير متمكن من فعل
الكسوف، فلا يجب الأداء لعدم التمكن، ولا القضاء لعدم الاستقرار.
اما لو كان ترك الحاضرة لعذر - كالحيض، والاغماء، والصبي،
والجنون - فعدم قضاء الكسوف أظهر، لعدم التفريط هنا.
وفي اجراء الناسي، والكافر يسلم عند تضيق الوقت، مجرى
المعذور، عندي تردد، لان التحفظ من النسيان ممكن غالبا، والكافر مأخوذ
بالاسلام ومخاطب بالصلاة، ومن عموم: (رفع عن أمتي الخطأ

(1) التهذيب 3: 155 ح 332.
224

والنسيان) (1)، وقوله صلى الله عليه وآله: (الاسلام يجب ما قبله) (2).
ولو قيل بقضاء الكسوف مطلقا كان وجها، لوجود سبب الوجوب فلا
ينافيه العارض.
أما الحائض فلا تقضي الكسوف الحاصل في أيام الحيض، لأن
الحيض مانع للسبب، بخلاف بقية الاعذار، فإنه يمكن كونها مانعة الحكم
لا السبب.
الرابع: لو جامعت صلاة العيد، بأن تجب بسبب الآيات المطلقة أو
بالكسوفين - نظرا إلى قدرة الله تعالى - وإن لم يكن معتادا. على أنه قد أشتهر
أن الشمس كسفت يوم عاشوراء لما قتل الحسين عليه السلام كسفة بدت الكواكب
نصف النهار فيها، رواه البيهقي (3) وغيره (4). وقد قدمنا ان الشمس كسفت
يوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله (5)، وروى الزبير بن بكار في كتاب
الأنساب أنه توفى في العاشر من شهر ربيع الأول (6). وروى الأصحاب أن
من علامات المهدي كسوف الشمس في النصف الأول من شهر رمضان (7).
فحينئذ إذا اجتمع الكسوف والعيد، فإن كانت صلاة العيد نافلة قدم
الكسوف، وإن كانت فريضة فكما مر من التفصيل في الفرائض. نعم، تقدم

(1) الفقيه 1: 36 ح 132، تحف العقول: 35، دعائم الاسلام 1: 232، الخصال: 417.
ح 9.
(2) مسند أحمد 4: 199 و 204 و 205، فردوس الأخبار 1: 118 ح 400.
(3) السنن الكبرى 3: 337.
(4) رواه الطبراني كما في مجمع الزوائد 9: 197، والكنجي في كفاية الطالب:
444، والخوارزمي في مقتل الحسين 2: 89.
(5) تقدم في ص 212 - 213 الهامش 1.
(6) حكاه عنه البيهقي في سننه 3: 337.
(7) الكافي 8: 212، الارشاد للمفيد: 359، والغيبة للطوسي: 270.
225

على خطبة العيدين إن قلنا باستحبابهما كما هو المشهور.
الخامس: لا يتصور في الزلزلة التضيق عند من قال بوجوبها أداء
طول العمر (1)، فتقدم عليها الحاضرة مع تضيقها، ويتخير مع السعة. وكذا
باقي الآيات إن قلنا بمساواتها الزلزلة.
وفي انسحاب خلاف الجماعة فيها نظر، من عدم دلالة الرواية عليه،
ومن أن اهتمام الشارع بالحاضرة أشد ووجوبها ألزم.
السادس: لو اجتمعت آيتان فصاعدا في وقت واحد - كالكسوف،
والزلزلة، والريح المظلمة - فإن اتسع الوقت للجميع تخير في التقديم.
ويمكن وجوب تقديم الكسوف على الآيات - لشك بعض الأصحاب في
وجوبها (2) - وتقديم الزلزلة على الباقي لأن دليل وجوبها أقوى.
ولو اتسع لصلاتين فصاعدا، وكانت الصلوات أكثر مما يتسع له، احتمل
قويا هنا تقديم الكسوف، ثم الزلزلة، ثم يتخير في باقي الآيات. ولا يقضي ما
لا (3) يتسع له، إلا على احتمال عدم اشتراط سعة الوقت للصلاة في الآيات.
ولو وسع واحدة لا غير، فالأقرب تقديم الكسوف، للاجماع عليه.
وفي وجوب صلاة الزلزلة هنا أداء أو قضاء وجهان. وعلى قول الأصحاب
- بأن اتساع الوقت لها ليس بشرط - يصليها من بعد قطعا، وكذا الكلام في
باقي الآيات.
السابع: هل يشترط في وجوب صلاة الكسوف اتساع الوقت

(1) راجع: المبسوط 1: 172، النهاية: 136، شرائع الاسلام 1: 103، قواعد الأحكام
: 39.
(2) حكاه في شرائع الاسلام 1: 103، ولم يتعرض لغير صلاة الخسوف والكسوف
أبو الصلاح في الكافي: 155.
(3) في المتن من س، والباقي: ما لم.
226

لجميعها، أم يكفي ركعة بسجدتيها، أم يكفي مسمى الركوع لأنه يسمى ركعة
لغة وشرعا في هذه الصلاة، أم لا؟ احتمالات:
من تغليب السبب فلا يشترط شئ من ذلك فتكون كالزلزلة، إلا أن هذا
الاحتمال مرفوض بين الأصحاب.
ومن اجرائها مجرى اليومية، فتعتبر الركعة.
ومن خروج اليومية بالنص، فلا يتعدى إلى غيرها.
الثامن: لو اشتغل بالكسوف لظنه سعة الحاضرة، فتبين ضيق وقتهما،
ففي تقديم أيهما وجهان للفاضل، من سبق انعقاد الكسوف فيتمها للنهي عن
ابطال العمل، ومن أهمية الحاضرة (1). ويقوى الاشكال لو كان إذا أتم الكسوف
أدرك من الحاضرة ركعة، لأن فيه جمعا بين الصلاتين أداء، ومن أن فيه تركا
لبعض الحاضرة في الوقت مع القدرة عليه.
التاسع: لو ضاق وقت الوقوف بعرفة أو المشعر، ولم يبق للمكلف إلا
قدر يسع الوصول إليهما وأقل الكون فيهما، ففجئت صلاة الآيات، فالأقرب
فعلها ماشيا، تحصيلا للواجبين إذا خاف سبق وقتها. نعم، لو كانت زلزلة
أخرها، لعدم التوقيت.
العاشر: لو اتفقت الآية في اليوم الثامن من ذي الحجة، وخاف الامام أن
تفوته صلاة الظهر بمنى، قدم صلاة الآية، لوجوبها واستحباب تأخر الصلاة.
المسألة الخامسة: يستحب إطالة صلاة كسوف الشمس على صلاة
خسوف القمر، وقد رواه الأصحاب عن أبي جعفر الباقر عليه السلام (2).
وهل ينسحب إلى باقي الآيات حتى يكون الكسوفان أطول منها؟ لم
نقف فيه على نص.

(1) تذكرة الفقهاء 1: 165.
(2) الكافي 3: 463 ح 2، التهذيب 3: 156 ح 335.
227

وقال ابن بابويه: انكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين عليه السلام
فصلى بهم، حتى كان الرجل ينظر إلى الرجل وقد ابتل قدمه من عرقه (1).
قال: وسأل الصادق عليه السلام عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الريح
والظلمة في السماء والكسوف، فقال الصادق عليه السلام: (صلاتها سواء) (2).
السادسة: لو كسف بعض الكواكب، أو كسفت الشمس ببعض
الكواكب - كما نقل ان الزهرة رؤيت في جرم الشمس كاسفة لها - فظاهر
الخبر السالف في الآيات يقتضي الوجوب (3) لأنها من الأخاويف. وقوى
الفاضل عدمه، لعدم النص، وأصالة البراءة، ومنع كون ذلك مخوفا، فان
المراد بالمخوف ما خافه العامة غالبا. وهم لا يشعرون بذلك (4).
السابعة: ليس المقام شرطا في وجوب صلاة الكسوف وباقي الآيات،
فتجب على المسافر كما تجب على الحاضر، لعموم الامر.
وكذا تجب على النساء كما تجب على الرجال، غير أنه يستحب
لذوات الهيئات الصلاة في منازلهن خوف افتتانهن أو الفتنة بهن، اما غيرهن
فيستحب لهن الجماعة ولو مع الرجال. ولو اتفق الجمع بين صلاة ذوي
الهيئات جماعة، وبين ملازمتهن المنزل، كان حسنا.
الثامنة: لو أدرك المأموم الامام في الركوع الأول تابعه.
ولو أدركه في باقي الركوعات، ففي شرعية الدخول معه وجهان:
أحدهما: نعم، لعموم: (واركعوا مع الراكعين) والحث على

(1) الفقيه 1: 341 ح 1511.
(2) الفقيه 1: 341 ح 1512.
(3) سلف في ص 202 هامش 12.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 166، نهاية الإحكام 2: 76.
228

الجماعة.
والآخر: لا، لعدم النص على مثله.
فإن قلنا بالمتابعة، فالأصح عدم سلامة الاقتداء، لاستلزامه محذورين:
أما التخلف عن الامام، أو تحمل الامام الركوع، لأنه إن أتى بما بقي عليه ولما
يسجد مع الامام لزم المحذور الأول، وإن رفض الركوعات وسجد لسجود
الامام لزم الثاني.
فان قيل: لم لا ينتظره حتى يقوم إلى الثانية، فإذا انتهى إلى الخامس من
عدد المأموم سجد، ثم قام فاقتدى به في باقي الركوعات، فإذا سجد الإمام
انفرد وأتى بما بقى عليه؟
قلنا: في هذا عدم الاقتداء، وقد قال صلى الله عليه وآله: (إنما جعل الامام إماما ليؤتم
به، فإذا ركع فاركعوا) الحديث (1).
فان قيل: لم لا يأتي المأموم بما بقي عليه ثم يسجد، ثم يلحق الامام فيما
بقي من الركعات، وليس في هذا إلا تخلف عن الامام لعارض، وهو غير قادح
في الاقتداء لما سيأتي إن شاء الله؟
قلنا: من قال: إن التخلف عن الامام يقدح فيه فوات ركن، فعلى مذهبه
لا يتم هذا، ومن اغتفر ذلك فإنما يكون عند الضرورة - كالمزاحمة - ولا ضرورة
هنا.
فحينئذ يستأنف المأموم النية بعد سجود الامام، وتكون تلك المتابعة

(1) المصنف لعبد الرزاق 2: 461 ح 4082، مسند أحمد 2: 314، صحيح البخاري 1:
175، صحيح مسلم 1: 308 ح 411، سنن ابن ماجة 1: 276 ح 846، سنن أبي داود
1: 164 ح 603، سنن النسائي 2: 83، مسند أبي يعلى 10: 315 ح 5909،
الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 271 ح 2104، ولم ترد في الجميع كلمة (إماما).
229

لتحصيل الثواب، كما يتابع في اليومية في السجود المجرد عن الركوع، وظاهر
المعتبر أنه يتابعه في السجود أيضا، فإذا قام إلى الثانية استأنف النية (1).
فرع:
هذا إنما يكون مشروعا لو ظن المأموم سعة الوقت، أما لو ظن الضيق أو
تساوى الاحتمالان لم يدخل معه، لأنه معرض لخروج الوقت قبل فعل
الواجب عليه.
ولو قلنا بالادراك على هذا الوجه فله الائتمام.
فائدة:
ذكر الصدوق في العلل عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام، قال:
(إنما جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات الله تعالى، لا يدرى أللرحمة ظهرت
أم للعذاب، فأحب النبي صلى الله عليه وآله أن تفزع أمته إلى خالقها وراحمها، ليصرف
عنهم سوءها ويقيهم مكروهها، كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا إلى
الله تعالى) (2).
وسأل سليمان الديلمي الصادق عليه السلام عن سبب الزلزلة، قال: (ان الله
تعالى وكل بعروق الأرض ملكا، فإذا أراد الله أن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك
الملك: ان حرك عرق كذا وكذا، فيحرك ذلك العرق فيتحرك باهلها) (3).
وروي أن علي بن مهزيار كتب إلى أبي جعفر عليه السلام يشكو كثرة الزلازل

(1) المعتبر 2: 336.
(2) علل الشرائع: 269، وأيضا عيون أخبار الرضا 2: 115، الفقيه 1: 342 ح 1513.
(3) علل الشرائع: 556، ويوجد أيضا في الفقيه 1: 243 ح 1517.
230

في الأهواز، وانه يريد التحول عنها، فكتب: (لا تتحول عنها، وصوموا الأربعاء
والخميس والجمعة، واغتسلوا وطهروا ثيابكم، وابرزوا يوم الجمعة وادعوا الله
فإنه يرفع عنكم). قال: ففعلنا فسكنت (1).
وروى ابن يقطين قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (من اصابته زلزلة فليقرأ:
يا من (يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا) الآية صل على محمد
وآل محمد، وامسك عنا السوء انك على كل شئ قدير). وقال: (ان من قرأها
عند النوم لم يسقط عليه البيت إن شاء الله تعالى) (2).
وعن الصادق عليه السلام: (أن الصاعقة تصيب المؤمن والكافر ولا تصيب
ذاكرا) (3).
وعن أبي جعفر عليه السلام: (التكبير يرد الريح) (4).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تسبوا الريح فإنها مأمورة، ولا الجبال، ولا
الساعات، ولا الأيام والليالي، فتأثموا ويرجع عليكم) (5).

(1) علل الشرائع: 555، ويوجد أيضا في الفقيه 1: 343 ح 1518، التهذيب 3: 294
ح 891، وفي الجميع: (لا تتحولوا).
(2) التهذيب 3: 294 ح 892.
والآية الكريمة في سورة فاطر: 41.
(3) الفقيه 1: 344 ح 1519.
(4) الفقيه 1: 344 ح 1521.
(5) علل الشرائع: 577، الفقيه 1: 344 ح 1523.
231

الفصل الرابع
في صلاة النذر وشبهه من العهد واليمين
وهي تابعة لشرط الملتزم بأحدها، فيجب الوفاء به إذا كان مشروعا،
لقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (1)، (يوفون بالنذر) (2).
ويشترط جميع شرائط اليومية من الطهارة والقبلة والستر والمكان،
ويراعى جميع أركانها وواجباتها.
فلو نذر مشترطا الاخلال ببعض ما هو شرط في الصحة، بطل نذره
رأسا، لأنه معصية.
ولو نذرت الحائض ترك الصلاة أيام حيضها انعقد. والفائدة في الكفارة.
ولو نذر ترك الصلاة في الأوقات المكروهة والأماكن المكروهة انعقد
أيضا، لأنه راجح الترك. فلو فعلها فيه، فان كانت ندبا أمكن القول ببطلانها
ولزوم الكفارة، للنهي المحرم المقتضي للفساد، ومخالفة النذر. وأمكن
الصحة ولزوم الكفارة، لان ذلك وصف خارج عن الصلاة.
وان كانت واجبة، فصلى في المكان المكروه، ففيه الوجهان أيضا.
ومع الضرورة لا بحث في الصحة وسقوط الكفارة، ولا تتصور الضرورة في
النافلة.
ولو نذر فعلها في الوقت والزمان المكروهين انعقدت مطلقة، فلو

(1) سورة المائدة: 1.
(2) سورة الانسان: 7.
233

صلاها بالقيد صحت أيضا. وهل يجب فعلها في الزمان الذي كان تكره فيه
النافلة؟ نص على الفاضل، لخروجها عن النافلة وصيرورتها واجبة ذات
سبب (1).
ولو نذر النافلة جالسا، فالأقرب انعقاده، عملا بما كانت عليه. ووجه
البطلان النظر إلى ما صارت إليه من الوجوب.
ولو نذرها مستدبرا مسافرا، أو على الراحلة، فكنذر الجلوس فيها.
ولو نذرها مستدبرا حضرا على غير الراحلة، فمن جوز النافلة إلى
غير القبلة هنا فحكمها عنده حكم نذرها جالسا، ومن منع من فعلها إلى
غير القبلة يبطل القيد.
وفي بطلان أصل النذر وجهان: من اجرائه مجرى نذر الصلاة محدثا
أو مكشوف العورة، ومن أن القيد لغو فلا عبرة به، ويلزم من القول بهذا
الغاء قيد الصلاة محدثا وانعقادها متطهرا.
ولو قيد الصلاة بزمان معين وجب، فان أوقعها قبله وجب فعلها فيه،
فان تعمد الاخلال قضى وكفر، وان أوقعها بعده لعذر أجزأت، وان كان
لا لعذر ونوى القضاء فهي قضاء وتجب الكفارة.
ولو كان الزمان المعين بالنوع كيوم الجمعة، أوقعها في أية جمعة شاء
وتكون أداء.
ولو قيد الصلاة بمكان معين له مزية - كالمسجد، والحرم، وعرفة،
والمشهد - انعقدت. فلو فعلها في الأزيد، ففي اجزائها وجهان:
أحدهما: نعم، إذ فيه الاتيان بالواجب وزيادة أخرى غير منافية.

(1) تذكرة الفقهاء 1: 166.
234

والثاني: لا، لأنه نذر منعقد فلا يجوز مخالفته والمنافاة متحققة.
ولو كان المكان المقيد به لا مزية له، ففي انعقادها فيه وجهان: من أنها
طاعة في موضع مباح فتجب، ومن اجرائه مجرى نذر المشي المطلق.
فعلى الأول لو فعلها في غيره مما لا مزية له لم يجز، وان كان له مزية ابتنى
على ما سلف. وعلى الثاني يصليها أين شاء.
ولو عين الزمان والمكان معا في النذر تعينا، فان خالف الزمان لم
يجز، وان خالف المكان إلى أعلى ووافق الزمان ففيه الوجهان السالفان.
فان قلت: فما الفرق بين الزمان والمكان؟
قلت: الشرع جعل الزمان سببا للوجوب، بخلاف المكان، فإنه من
ضرورة الفعل لا سببية فيه.
ولقائل ان يقول: لا نسلم سببية الوقت هنا للوجوب، وانما سبب
الوجوب الالتزام بالنذر وشبهه، والزمان والمكان أمران عارضان إذ من
ضرورات الافعال الظروف، ولا يلزم من سببية الوقت للوجوب في
الصلوات الواجبة بالأصالة ثبوته هنا.
وقد يجاب بان السببية في الوقت حاصلة وان كان ذلك بالنذر، لأنا
لا نعني بالسببية إلا توجه الخطاب إلى المكلف عند حضور الوقت وهو
حاصل هنا، ولا يتصور مثل ذلك في المكان إلا تبعا للزمان. وهذا حسن.
ولو نذر قراءة سورة معينة مع الفاتحة وجبت، وكذا بعض سورة،
فليس له العدول، وان كان المعدول إليه أكثر حروفا من المنذور، أو
منصوصا على فضيلته مثل: آية الكرسي وسورة التوحيد.
وهل يجب مع نذر بعض سورة سورة كاملة؟ يحتمل ذلك، بناء
على وجوب السورة الكاملة في الفرائض. ويحتمل العدم، لان أصل الصلاة
235

هنا نافلة فتجب بحسب ما نذره. فعلى الأول، لو قيد نذره بالاقتصار على
بعض السورة مع الحمد، احتمل البطلان من رأس لمنافاته الصلاة
المشروعة فهو كنذرها محدثا، والصحة والغاء القيد كما سلف.
ولو نذر تكرار الذكر في الركوع انعقد. ولو خرج به عن اسم الصلاة
ففيه الوجهان، أعني: انعقاد المطلق، أو البطلان. وربما احتمل الصحة،
بناء على منع تصور الخروج عن الصلاة بمثل هذا التطويل.
ولو نذر إحدى النوافل المرغب فيها وجبت على هيئتها المشروعة،
سواء كانت راتبة أو لا، ويتعين وقتها المشروعة فيه. ولو كان وقتها مكملا
لفضيلتها - كيوم الجمعة لصلاة جعفر - فان ذكره وإلا صلاها متى شاء. ولا
يجب الدعاء المشتملة تلك الصلوات عليه إذا كان عقيبها، ولو كان في
أثنائها تسبيح أو دعاء فالأقرب وجوبه، لأنه من مشخصاتها.
ولو نذر صلاة الفريضة، ففيه قولان يلتفتان إلى أن فائدة النذر
الايجاب، أو الأعم منه كتأكيد الايجاب أيضا. فعلى الأول لا ينعقد النذر،
وعلى الثاني ينعقد. وتكون الفائدة بعث العزم على الفعل، وزيادة اللطف
في المنع من الترك، ووجوب الكفارة.
ولو أطلق نذر الصلاة تخير بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيراعي فيها
ما يراعي في اليومية من التشهد المتخلل وغيره.
وهل تجزئ الواحة؟ فيه قولان:
نعم، للتعبد بها في الوتر، وأصالة البراءة من الزائد، ولحصول مسمى
الصلاة إذ هو الأذكار والافعال.
والثاني: لا، لعدم التعبد بها في غيره، ولنهي النبي صلى الله عليه وآله عن
236

البتيراء (1) وهي الركعة الواحدة.
ولو أطلق عددا - كخمس، أو ست، أو عشر - انعقد، ويصليها مثنى
وثلاث ورباع. ولو صلاها مثنى، ثم أتى بواحدة حيث يكون العدد فردا،
احتمل قويا هنا الاجزاء، لتضمن نذر العدد المفرد ذلك، بخلاف الاطلاق
- أعني: نذر الصلاة مطلقا - ولهذا لو صرح بنذر ركعة واحدة أجزأ.
واحتمل العدم، لقدرته على الاتيان بهيئة مشروعة إجماعا كالمغرب.
وينقدح في المسألة قول: إن المطلق يحمل على الثنائية فلا يجزئ
غيرها، لأن المنذور نافلة في المعنى، والنافلة مقصور شرعها غالبا على
الركعتين، ولكني لم أظفر بقائل به من الأصحاب ولا غيرهم.
ولو قيد العدد بخمس فصاعدا بتسليمه، فالظاهر عدم الانعقاد، لعدم
التعبد به، واختاره ابن إدريس رحمه الله (2). وقال الفاضل: يحتمل انعقادها،
لأنها عبادة، وعدم التعبد بها لا يخرجها عن كونها عبادة (3). ولابن إدريس
أن يمنع الصغرى، وسند المنع أن شرط كونها عبادة أن توافق المتعبد به.
ولو قيد الأربع أو الثلاث بتشهد واحد وتسليم آخرها، فالأقرب
بطلان النذر من رأس، لأنه لم يتعبد بها. ويحتمل الصحة، بناء على مسمى
معظم الصلاة. ويحتمل بطلان القيد لا غير، فلو صلاها معه لم تجز.
ويلوح من كلام الفاضل انعقاد هذا النذر، لأنه قال: لو نذر صلاة مطلقة
وصلاها ثلاثا أو أربعا أجزأ اجماعا، وفي وجوب التشهد اشكال (4).

(1) النهاية لابن الأثير 1: 93، الفائق 1: 72، وراجع: كشف الخفاء 1: 330
ح 877.
(2) السرائر: 356.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 166، نهاية الإحكام 2: 86.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 166، نهاية الإحكام 2: 86.
237

ولو قيد المنذورة بوقت فزاحمت المكتوبة، فالأقرب تقديم
المكتوبة، لان وجوبها مطلق. ويحتمل تقديم المنذورة، لتشخصها بهذا
الوقت قبل المكتوبة.
فعلى هذا يقضي المكتوبة، وليس بشئ، لان الوقت مضروب
للمكتوبة في حكم الله تعالى بحسب الوضع الشرعي، فلا يخرجه عن ذلك
ما يعرض بفعل المكلف.
اما لو نذر استيعاب زمان المكتوبة بالصلوات، فإنه لا ينعقد في القدر
المختص بها. وفي انعقاده في الباقي عندي تردد، من أنه نذر واحد
فلا يتبعض، ومن وجود المقتضى للصحة في بعضه والبطلان في البعض
الآخر.
ويحتمل أن يستثنى مقدار فعل النوافل الراتبة، لأنه لولاه لحرم فعلها
باعتبار النذر، فيكون نذرا مستلزما لتحريم النافلة، فيكون معصية فتبطل
فيه.
ويمكن الجواب بان الغرض من النافلة - وهو صورة الصلاة المقربة
إلى الله تعالى - حاصل في هذا المنذور، فلا يضر فوات الخصوصية.
فان قلنا باستثنائه وجبت المبادرة إلى الفريضة، ثم إن صلى النافلة
فذاك، وإلا وجب الاشتغال بالمنذورة.
فلو أخل بالمبادرة، فان كان لاشتغاله بالنذر جاز إن قلنا بأنه يستثني
للفريضة وقت يختاره المكلف في مجموع الزمان، وان قلنا بتخصيص
المستثنى بأوله لم يجز العدول إلى النذر، إلا ان هذا الاحتمال ضعيف وان
كان العمل به أحوط. وعلى هذين يتفرع تخصيص النافلة أيضا.
ولو أخل بالمبادرة إلى المكتوبة ولما يشتغل بالمنذورة، فالوجه
238

التحريم، لأنه نذر استيعاب الأزمنة وهذا منها، ولأنه لولاه لأدى إلى الاخلال،
إذ تجويز الاخلال قائم حتى يصلي المكتوبة، فإذا أخرها إلى آخر الوقت كان
إخلالا بالنذر وهو غير جائز، فحينئذ يجب قضاء ما كان يمكن فعله من النذر
وكفارة خلف النذر.
هذا في التأخر الاختياري.
ولو كان التأخر لضرورة، فإن كان لعذر يسقط التكليف - كالجنون،
والاغماء، والحيض - فلا بحث، فإن زال في الأثناء وجب الاشتغال بالمكتوبة
والمنذورة في أثنائه. وان كان غير مسقط - كالنسيان - فإنه يصلي المكتوبة
والنافلة ان بقي وقتها باستثنائها. وفي وجوب قضاء القدر الذي كان يمكن
فعله من المنذورة احتمال قوي، بناء على وجوب أحد الامرين بدخول الوقت
ولم يأت المكلف به.
239

الركن الرابع: في نفل الصلوات
قد مضى القول في الرواتب والباقي لا حصر له، وقد قال
النبي صلى الله عليه وآله: (الصلاة خير موضوع، فمن شاء استكثر، ومن شاء
استقل) (1). ولنذكر المهم من ذلك.
فمنها: صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام، وتسمى: صلاة الحبوة،
وصلاة التسبيح.
وهي مشهورة، وممن رواها أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام،
قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجعفر بن أبي طالب: يا جعفر ألا أمنحك،
ألا أعطيك، ألا أحبوك، ألا أعلمك صلاة إذا أنت صليتها، وكنت فررت من
الزحف، وكان عليك مثل زبد البحر ورمل عالج ذنوبا غفرت لك. قال: بلى
لك رسول الله.
قال: تصلي أربع ركعات إن شئت كل ليلة، وإن شئت كل يوم، وان
شئت ففي كل جمعة، وان شئت ففي كل شهر، وان شئت ففي كل سنة،
تفتتح الصلاة ثم تكبر خمس عشرة مرة تقول: الله أكبر وسبحان الله والحمد
لله ولا اله إلا الله، ثم تقرأ الحمد وسورة، وتركع فتقولها عشر مرات، ثم ترفع
رأسك فتقولها عشر مرات، ثم تخر ساجدا فتقولها عشر مرات، ثم ترفع
رأسك من السجود فتقولها عشر مرات، ثم تخر ساجدا فتقولها عشر

(1) مسند أحمد 5: 178، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1: 287 ح 362،
المستدرك على الصحيحين 2: 597.
241

مرات، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشر مرات، ثم تنهض قائما
فتقولها خمس عشرة مرة، ثم تقرأ الحمد وسورة ثم تركع فتقولها عشر
مرات، ثم وصف كما وصف أولا، ثم تتشهد وتسلم عقيب الركعتين، ثم
تصلي ركعتين أخرتين مثل ذلك). هكذا أوردها الصدوق - رحمه الله - في
كتابه (1).
وروى الشيخ أبو جعفر الكليني بسند معتبر إلى أبي بصير، عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجعفر: يا جعفر ألا أمنحك، ألا
أعطيك، ألا أحبوك. فقال جعفر: بلى يا رسول الله. قال: فظن الناس انه
يعطيه ذهبا أو فضة، فتشرف الناس لذلك، فقال له: اني أعطيك شيئا إن
أنت صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما، أو كل جمعة أو كل شهر أو كل
سنة، غفر لك ما بينهما، تصلي أربع ركعات تبتدئ فتقرأ وتقول إذا فرغت:
سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر، خمس عشرة مرة بعد
القراءة، فإذا ركعت قلته عشرة مرات). ثم وصف ما سلف وقال: (في كل
ركعة ثلاثمائة تسبيحة، في أربع ركعات ألف ومائتا تسبيحة وتهليلة وتكبيرة
وتحميدة، إن شئت صليتها بالنهار، وإن شئت صليتها بالليل (2). وهذه
الرواية أشهر، وعليها معظم الأصحاب.
ومثله رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن بسطام،
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: أيلتزم الرجل أخاه؟ فقال: (نعم، ان
رسول الله صلى الله عليه وآله يوم افتتح خيبر أتاه الخبر أن جعفرا قد قدم، فقال: والله
ما أدري بأيهما أنا أشد سرورا، أبقدوم جعفر أو بفتح خيبر؟ فلم يلبث

(1) الفقيه 1: 347 ح 1536.
(2) الكافي 3: 465 ح 1.
242

إن جاء فوثب رسول الله صلى الله عليه وآله فالتزمه وقبل ما بين عينيه، وقال له: يا جعفر ألا
أعطيك) الحديث (1).
قال الصدوق - رحمه الله -: باي الحديثين أخذ المصلي فهو مصيب (2).
وروى إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام: (يقرأ في
الأولى (إذا زلزلت)، وفي الثانية (والعاديات)، وفي الثالثة (إذا جاء
نصر الله)، وفي الرابعة ب‍ (قل هو الله). قلت: فما ثوابها؟ قال: (لو كان
عليه مثل رمل عالج ذنوبا غفر له). ثم نظر إلي فقال: (انما ذلك لك
ولأصحابك) (3).
وروى إسحاق بن عمار، قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من صلى صلاة
جعفر كتب الله عز وجل له من الأجر مثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجعفر؟
قال: (أي والله) (4).
وروى عبد الله بن المغيرة ان الصادق عليه السلام قال: اقرأ في صلاة جعفر
ب‍ (قل هو الله أحد) (5).
وروي: في كل ركعة بالاخلاص والجحد (6).
وروي: القراءة بالزلزلة والنصر والقدر والتوحيد (7).

(1) التهذيب 3: 186 ح 420، عن الحسين بن سعيد عن بسطام. وفي وسائل الشيعة
5: 195 ح 10073، والوافي 2: 207 كما في المتن.
(2) الفقيه 1: 348.
(3) الكافي 3: 466 ح 1، المقنع: 43، التهذيب 3: 187 ح 423.
(4) الكافي 3: 467 ح 7، الفقيه 1: 349 ح 1540، التهذيب 3: 188 ح 426.
(5) الفقيه 1: 349 ح 1540.
(6) التهذيب 3: 186 ح 420.
(7) الفقيه 1: 348 ح 1539، ثواب الأعمال: 95، التهذيب 3: 186 ح 421.
243

فوائد: يجوز جعلها من النوافل الراتبة، رواه ذريح عن أبي
عبد الله عليه السلام (1).
ويجوز جعلها من قضاء النوافل، لان في هذا الرواية من التهذيب:
(وإن شئت جعلتها من قضاء صلاة) (2).
قال ابن الجنيد: يجوز جعلها من قضاء النوافل، ولا أحب الاحتساب
بها من شئ من التطوع الموظف عليه (3). ويظهر من بعض الأصحاب
جواز جعلها من الفرائض أيضا (4) إذ ليس فيه تغيير فاحش.
ويجوز تجريدها من التسبيح، ثم قضاؤه بعدها وهو ذاهب في
حوائجه. لمن كان مستعجلا، رواه ابان وأبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (5).
وتصلى سفرا وحضرا. وتجوز في المحمل مسافرا.
ولو صلى منها ركعتين، ثم عرض له عارض، بنى بعد إزالة عارضه،
رواه ابن بابويه - رحمه الله - (6).
وروى الحسن بن محبوب رفعه، قال: (تقول في آخر ركعة من
صلاة جعفر عليه السلام: يا من لبس العز والوقار، يا من تعطف بالمجد وتكرم
به، يا من لا ينبغي التسبيح إلا له، يا من أحصى كل شئ علمه، يا ذا
النعمة والطول، يا ذا المن والفضل، يا ذا القدرة والكرم، أسألك بمعاقد
العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم الأعلى

(1) التهذيب 3: 187 ح 422.
(2) التهذيب 3: 187 ح 422.
(3) مختلف الشيعة: 127.
(4) لعله يحيى بن سعيد في الجامع للشرايع: 112.
(5) الكافي 3: 566 ح 3، الفقيه 1: 349 ح 1543، التهذيب 3: 187 ح 424.
(6) الفقيه 1: 349 ح 1541، التهذيب 3: 309 ح 957.
244

وكلماتك التامة، أن تصلي على محمد وآل محمد، وان تفعل بي كذا
وكذا) (1).
وعن أبي سعيد المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام: تقول في آخر سجدة
من أربع ركعات إذا فرغت من تسبيحك - يعني صلاة جعفر -: (سبحان من
لبس العز والوقار، سبحان من تعطف بالمجد وتكرم به، سبحان من
لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان من أحصى كل شئ علمه، سبحان ذي
المن والنعم، سبحان ذي القدرة والكرم، اللهم إني أسألك بمعاقد العز من
عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، واسمك الأعظم وكلماتك التامة التي
تمت صدقا وعدلا، صل على محمد وأهل بيته، وافعل بي كذا وكذا) (2).
ويدعو عقيبها بالمنقول.
وهي بتسليمتين على الأظهر، ويظهر من الصدوق في المقنع أنه يرى أنها
بتسليمة واحدة (3)، وهو نادر.
تنبيه:
زعم بعض مبغضي العامة ان الخطاب بهذه الصلاة وتعليمها كان
للعباس عم النبي صلى الله عليه وآله (4) ورواه الترمذي (5). ورواية أهل البيت أوثق، إذ
أهل البيت أعلم بما في البيت، على أنه يمكن أن يكون قد خاطبهما بذلك

(1) الكافي 3: 466 ح 5، الفقيه 1: 349 ح 1544.
(2) الكافي 3: 467 ح 6، التهذيب 3: 187 ح 425.
(3) لم نلاحظه في المقنع، وحكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة 127، وراجع:
الحدائق الناضرة 10: 505، مفتاح الكرامة 3: 265.
(4) المغني 1: 803، الشرح الكبير 1: 778.
(5) الجامع الصحيح 2: 350 ح 482.
245

في وقتين، ولا استبعاد فيه.
ومنها: صلاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله، وهي ركعتان يقرأ في كل
ركعة الحمد وإنا أنزلناه خمس عشرة مرة، فإذا ركع قرأها خمس عشرة
مرة، فإذا انتصب قرأها خمس عشرة مرة، فإذا سجد قرأها خمس عشرة
مرة، فإذا رفع رأسه من السجود قرأها خمس عشرة مرة، فإذا سجد ثانيا
قرأها خمس عشرة مرة، ثم يرفع رأسه من السجود إلى الثانية ويصلي
كذلك. فإذا سلم دعا بالمنقول في المصباح (1) فينصرف وليس بينه وبين الله
ذنب إلا غفره له. وفعلها يوم الجمعة.
ومنها: صلاة علي عليه السلام يوم الجمعة أيضا، وهي: أربع ركعات يقرأ
في كل ركعة الحمد مرة وخمسين مرة الاخلاص، ثم يدعو بالمنقول، فعن
الصادق عليه السلام: (من صلاها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وقضيت
حوائجه) (2).
ومنها: صلاة فاطمة عليها السلام، وهي: ركعتان في الأولى الحمد مرة
والقدر مائة مرة، وفي الثانية الحمد والاخلاص مائة مرة.
ونقل ابن بابويه أن صلاة فاطمة عليها السلام - وتسمى: صلاة الأوابين - أربع
ركعات بتسليمتين، يقرأ في كل ركعة الفاتحة و (قل هو الله أحد)
خمسين مرة (3). وروى عن عبد الله بن سنان: ان من توضأ فاسبغ الوضوء
وصلاها، انفتل حين ينفتل وليس بينه وبين الله عز وجل ذنب إلا غفر له (4).

(1) مصباح المتهجد: 255.
مصباح المتهجد: 256.
(3) الفقيه 1: 356 ح 1559.
(4) الفقيه 1: 356 ح 1560.
246

ومنها: صلاة الحسين عليه السلام يوم الجمعة أربع ركعات: يقرأ في الأولى
- بعد التوجه - الحمد خمسين مرة وكذا الاخلاص، فإذا ركع قرأ الحمد
عشرا وكذا الاخلاص، وكذا في الأحوال ففي كل ركعة مائتي مرة، ثم يدعو
بالمنقول (1).
ومنها: صلاة الأعرابي، رواها الشيخ عن زيد بن ثابت مرسلا، قال:
أتى رجل من الاعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول
الله إنا نكون في هذه البادية بعيدا من المدينة، ولا نقدر أن نأتيك في كل
جمعة، فدلني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا مضيت إلى أهلي
خبرتهم به؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا كان ارتفاع النهار فصلي ركعتين، تقرأ في
أول ركعة الحمد مرة و (قل أعوذ برب الفلق) سبع مرات، واقرأ في
الثانية الحمد مرة واحدة و (قل أعوذ برب الناس) سبع مرات، فإذا
سلمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرات. ثم تصلي ثماني ركعات وتسليمتين،
فاقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة و (إذا جاء نصر الله والفتح) مرة
و (قل هو الله) خمسا وعشرين مرة.
فإذا فرغت من صلاتك فقل: (سبحان الله رب العرش الكريم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم: فوالذي اصطفى محمدا بالنبوة ما من
مؤمن ولا مؤمنة يصلي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلا وانا ضامن له
الجنة، ولا يقوم من مقامه حتى يغفر له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما) (2).
ومنها: صلاة الاستسقاء. عن النبي صلى الله عليه وآله: (خمس بخمس: ما نقض

(1) جمال الأسبوع: 271.
(2) مصباح المتهجد: 281.
247

العهد قوم إلا سلط الله عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما انزل الله
إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا
الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم
القطر) (1).
وعن الصادق عليه السلام: (إذا فشت أربعة ظهرت أربعة: (إذا فشا الزنا
ظهرت الزلازل، وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية، وإذا جار الحكام في
القضاء أمسك القطر من السماء، وإذا خفرت الذمة نصر المشركون على
المسلمين) (2).
ولما كان الدعاء في الصلاة وبعدها أقرب إلى الإجابة، شرع
الاستسقاء عند فتور الأمطار وغور الآبار والأنهار.
ولا خلاف في شرعية الاستسقاء، وقد كان مشروعا في الملل
السالفة. قال الله تعالى: (وإذ استسقى موسى لقومه) (3) وقال تعالى:
(استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) (4).
واستسقى النبي صلى الله عليه وآله، وعلي عليه السلام، والأئمة، والصحابة، وصلوا
ركعتين (5).

(1) مجمع الزوائد 3: 65، كنز العمال 16: 79 ح 44006، عن الطبراني في الكبير.
(2) الفقيه 1: 332 ح 1491، التهذيب 3: 147 ح 318.
(3) سورة البقرة: 60.
(4) سورة نوح: 10 - 11.
(5) استسقاء النبي صلى الله عليه وآله وصلاته سيأتي في الهوامش 3 - 5 في ص: 249 واستسقاء الإمام علي
عليه السلام والصحابة وصلاتهم في: الام 1: 249، المصنف لعبد الرزاق 3: 85 ح 4895
واستسقاء الرضا عليه السلام في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 167 باب 41 ح 1، ولكن ليس
فيه ذكر للصلاة.
248

فبطل قول بعض العامة ببدعية الصلاة، وإنما هو دعاء واستغفار،
قالوا: استسقى النبي صلى الله عليه وآله على المنبر ولم يصل لها (1).
قلنا: نحن لا نمنع جوازه بغير صلاة، وكما أنه نقل ذلك أيضا أنه
صلى ركعتين للاستسقاء، رواه أبو هريرة (2) وعائشة (3) وابن عباس
وعقبة (4). وروت عائشة: أنه بعد دعائه على المنبر نزل فصلى ركعتين (5).
وهنا مسائل:
الأولى: يستحب أن يأمر الامام الناس في خطبة الجمعة وغيرها
بتقديم التوبة والاخلاص لله تعالى والانقطاع إليه، ويأمرهم بالصوم ثلاثا
عقيبها، ليخرجوا يوم الاثنين صائمين، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: أن دعوة
الصائم لا ترد (6) وأمر الصادق عليه السلام محمد بن خالد والي المدينة بالخروج
يوم الاثنين، فإن لم يتفق فيوم الجمعة (7).

(1) قاله أبو حنيفة، راجع: المجموع 5: 100، المغني 2: 285، المبسوط
للسرخسي 2: 76، اللباب 1: 120.
وفعل النبي صلى الله عليه وآله في: صحيح البخاري 2: 34، صحيح مسلم 2: 612 ح 897، سنن أبي داود 1: 304 ح 1174، سنن النسائي 3: 159.
(2) سنن ابن ماجة: 403 ح 1268، السنن الكبرى 3: 347.
(3) سنن أبي داود 1: 304 ح 1173، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 4: 227
ح 2849، المستدرك على الصحيحين 1: 328.
(4) المصنف لعبد الرزاق 3: 84 ح 4893، مسند أحمد 1: 355، سنن ابن ماجة
1: 403 ح 1266 سنن أبي داود 1: 302 ح 1165، سنن النسائي 3: 156،
سنن الدارقطني 2: 68، المستدرك على الصحيحين 1: 326، السنن الكبرى 3:
347.
(5) راجع الهامش 3.
(6) مسند أحمد 2: 305، سنن ابن ماجة 1: 557 ح 1752، السنن الكبرى 3:
345.
(7) الكافي 3: 462 ح 1، التهذيب 3: 148 ح 322.
249

وأبو الصلاح - رحمه الله - لم يذكر سوى الجمعة (1).
والمفيد - رحمه الله - وابن أبي عقيل، وابن الجنيد، وسلار لم يعينوا
يوما (2).
ولا ريب في جواز الخروج سائر الأيام، وانما اختير الجمعة لما ورد:
(ان العيد ليسأل الحاجة فتؤخر الإجابة إلى يوم الجمعة) (3).
ولا يحتاج إلى صوم أربعة والخروج في الرابع، لقضية الأصل.
الثانية: يستحب أن يخرج الناس حفاة بالسكينة والوقار، مبالغة في
الخضوع، وليكونوا مطرقي رؤوسهم مخبتين، مكثرين ذكر الله عز وجل،
والاستغفار من ذنوبهم وسئ أعمالهم.
قال بعض الأصحاب: وليكن في ثياب بذلته وتواضعه، تأسيا
بالنبي صلى الله عليه وآله (4).
ويخص الامام بأمره أهل الورع والصلاح، لان دعاءهم أقرب إلى
الإجابة. والشيوخ والشيخات والأطفال، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (لولا أطفال
رضع، وشيوخ ركع، وبهائم رتع، لصببنا عليكم العذاب صبا) (5). وأبناء
الثمانين أحرى، لما روى عنه صلى الله عليه وآله: (إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر له ما
تقدم من ذنوبه وما تأخر) (6).

(1) لاحظ: الكافي في الفقه: 162.
(2) لاحظ: المقنعة: 34، المراسم: 83، مختلف الشيعة: 125.
(3) الكافي 2: 355 ح 6.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 176.
(5) نثر الدرر 1: 153، السنن الكبرى 3: 345، مجمع الزوائد 10: 227، الجامع
الصغير 2: 443 ح 7523 عن الطبراني في الكبير والبيهقي.
(6) مسند أحمد 3: 217، مسند أبي يعلى الموصلي 6: 352 ح 3678، وفيهما:
(إذا بلغ الرجل التسعين).
250

ويمنع من الخروج الشواب من النساء خوف الفتنة، والكفار لأنه
مغضوب عليهم، ولقوله تعالى: (وما دعاءوا الكافرين إلا في
ضلال) (1) والمتظاهر بالفسق والمنكر من المسلمين.
وتخرج معهم البهائم، لقوله عليه السلام: (وبهائم رتع) (2). وروي ان
سليمان عليه السلام خرج ليستسقي فرأى نملة قد استلقت على ظهرها، وهي
تقول: (اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غنى بنا عن رزقك، فلا تهلكنا
بذنوب بني آدم)، وهي رافعة قائمة من قوائمها إلى السماء، أورده
الصادق عليه السلام عن سليمان عليه السلام، فقال سليمان: (ارجعوا فقد سقيتم
بغيركم) (3).
ويأمرهم بالخروج من المظالم، والاستغفار، والصدقة، وترك
الشحناء، لقوله تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم
بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا
يكسبون) (4).
ويفرق بين الأطفال وأمهاتهم، استجلابا للبكاء والخشوع.
وقال السيد المرتضى - رحمه الله - وابن الجنيد، وابن أبي عقيل: ينقل
المنبر فيحمل بين يدي الامام إلى الصحراء (5) وقد رواه قرة مولى خالد عن

(1) سورة غافر: 50.
(2) تقدم في الهامش 6.
(3) الكافي 8: 246 ح 344، الفقيه 1: 333 ح 1493، ونحوه في سنن الدارقطني
2: 66، المستدرك على الصحيحين 1: 325.
(4) سورة الأعراف: 96.
(5) حكاه عنهم العلامة في مختلف الشيعة: 125.
251

الصادق عليه السلام (1).
وقال ابن إدريس: الأظهر في الرواية أنه لا ينقل، بل يكون كمنبر
العيد معمولا من طين (2).
ولعل الأول أولى، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله أخرج المنبر في
الاستسقاء (3) ولم يخرجه في العيد (4).
الثالثة: يستحب الاصحار بها اجماعا - ومن أنكر الصلاة قال:
يستسقى على المنبر الجامع (5) - لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله خرج إلى
المصلى (6).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (قضت السنة أنه لا يستسقى إلا بالبراري
حيث ينظر الناس إلى السماء، ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة) (7)
واختصاص مكة لمزيد الشرف في مسجدها.
ولو حصل مانع من الصحراء - كخوف وشبهه - جازت في المساجد.
ويستحب أن يخرج المؤذنون بين يدي الامام بأيديهم العنز. وليكن

(1) الكافي 3: 462 ح 1، التهذيب 3: 148 ح 322، عن مرة مولى خالد.
(2) السائر: 72.
(3) سنن أبي داود 1: 304 ح 1173.
(4) السنن الكبرى 3: 298 وفيه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يخطب يوم عيد على ناقة
خرماء، مسند أحمد 3: 10، 52، سنن أبي داود 1: 296 ح 1140، سنن ابن
ماجة 1: 406 ح 1275 وفيها: يا مروان خالفت السنة، أخرجت المنبر يوم عيد
ولم يكن يخرج به.
(5) قاله أبو حنيفة: على ما في المغني 2: 285، والشرح الكبير 2: 383،
والمبسوط للسرخسي 2: 76، والمجموع 5: 100.
(6) صحيح مسلم 2: 611 ح 894، سنن ابن ماجة 1: 403 ح 1267، سنن أبي
داود 1: 303 ح 1167، الجامع الصحيح 2: 442 ح 556، سنن النسائي 3:
155، سنن الدارقطني 2: 66، السنن الكبرى 3: 344.
(7) قرب الاسناد: 64، التهذيب 3: 150 ح 325.
252

الاستسقاء في مكان نظيف، وعليهم السكينة والوقار والخشوع وخصوصا
الامام، لرواية هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام (1).
وابن أبي عقيل والمفيد وجماعة لم يستثنوا المسجد الحرام (2).
وظاهر ابن الجنيد استثناء المسجدين (3).
الرابعة: أذانها أن يقول: الصلاة، ثلاثا. ويجوز النصب باضمار أحضروا
وشبهه، والرفع باضمار مبتدأ أو خبر، كما سبق في العيد.
وقال بعض العامة: يقول: الصلاة جامعة (4) ولا مانع منه. ويصح فيه
رفعهما ونصبهما، ونصب الأول ورفع الثاني، وبالعكس.
ووقتها وقت العيد في ظاهر كلام الأصحاب.
وصرح ابن أبي عقيل بأن الخروج في صدر النهار (5).
وأبو الصلاح: عند انبساط الشمس (6).
وابن الجنيد بعد صلاة الفجر (7).
والشيخان: لم يعينا وقتا إلا إنهما حكما بمساواتها العيد (8)، كما في رواية
تعليم الصادق عليه السلام (9).

(1) الكافي 3: 462 ح 2، التهذيب 3: 149 ح 323.
(2) راجع: المقنعة: 34، المراسم: 83، مختلف الشيعة: 126.
(3) مختلف الشيعة: 126.
(4) المغني 2: 286، الشرح الكبير 2: 285 و 297، المهذب 1: 131، المجموع 5:
72، فتح العزيز 5: 97.
(5) مختلف الشيعة: 126.
(6) الكافي في الفقه: 162.
(7) مختلف الشيعة: 126.
(8) المقنعة: 34، المبسوط 1: 134، النهاية: 138.
(9) الكافي 3: 462 ح 2، التهذيب 3: 149 ح 323.
253

وقال في التذكرة: توقع بعد الزوال (1)، ونقله ابن عبد البر عن جماعة
العلماء من العامة (2).
وتجوز جماعة وفرادى، والجماعة أفضل، لان الاجتماع على الدعاء
فمن بالإجابة، لقوله صلى الله عليه وآله: (من صلى صلاة جماعة، ثم سأل الله حاجة،
قضيت له) (3) ولأنه صلى الله عليه وآله صلاها جماعة (4). ولا يشترط في الجماعة اذن
الامام.
الخامسة: صفتها كصفة صلاة العيد، فيقرأ الحمد وسورة، ويكبر في
الأولى بعد القراءة خمسا، وفي الثانية أربعا، غير التكبيرات المعهودة في
الصلاة.
والأقرب استحباب ما يقرأ في العيد من السور. وروى العامة عن
النبي صلى الله عليه وآله: انه كان يقرأ في العيدين، والاستسقاء، في الأولى بالأعلى وفي
الثانية بالغاشية (5).
والقنوت هنا بالاستغفار، والدعاء بانزال الرحمة وتوفير المياه.
وليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ويختم بها، لما روي عن علي عليه السلام:
(إذا سألتم الله حاجة فصلوا على النبي وآله، فان الله تعالى إذا سئل عن

(1) تذكرة الفقهاء 1: 168.
(2) نقله عنه في: المغني 2: 286، الشرح الكبير 2: 285. ولكن الموجود في
الاستذكار 7: 139 ح 9962: والخروج إلى الاستسقاء وقت خروج الناس إلى العيد
عند جماعة العلماء إلا أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فإنه قال: الخروج إليها
عند زوال الشمس، وانظر بداية المجتهد 1: 219.
(3) أورده المحقق في المعتبر 2: 363، والعلامة في تذكرة الفقهاء 1: 168.
(4) سنن ابن ماجة 1: 403 ح 1268، السنن الكبرى 3: 344.
(5) المغني 2: 285 عن غريب الحديث لابن قتيبة.
254

حاجتين يستحيي أن يقضي إحداهما دون الأخرى) (1)
وليقدم الثناء على الله تعالى، لرواية هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام:
(انه يحمد الله ويمجده، ويثني عليه، ويجتهد في الدعاء) (2).
ويستحب ان يعترف بذنبه طالبا من الله تعالى الرحمة والمغفرة.
وفي القرآن العزيز إشارة إلى ذلك كله. قال الله تعالى: (قد أفلح
من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) (3).
وحكى: عن آدم وحواء: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا
وترحمنا لنكونن من الخاسرين) (4).
وعن نوح عليه السلام: (وإلا تغفر لي وترحمني أكن من
الخاسرين) (5).
وعن يونس: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الظالمين) (6).
وعن موسى عليه السلام: (رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي) (7).
وليلح في الدعاء، للخبر عن النبي صلى الله عليه وآله: (ان الله يحب الملحين في
الدعاء) (8).

(1) نهج البلاغة، الحكمة رقم 361.
(2) الكافي 3: 462 ح 2، التهذيب 3: 149 ح 323.
(3) سورة الاعلى: 14 - 15.
(4) سورة الأعراف: 23.
(5) سورة هود: 47.
(6) سورة الأنبياء: 87.
(7) سورة القصص: 16.
(8) الكامل لابن عدي 7: 2621، وعنه وعن الحكيم والبيهقي في شعب الايمان
أخرجه السيوطي في الجامع الصغير 1: 286 ح 1876.
255

ولو تأخرت الإجابة كرروا الخروج حتى يجابوا، اما بصوم مستأنف،
أو بالبناء على الأول.
وقال ابن الجنيد: إن لم يمطروا، ولا أظلتهم غمامة، لم ينصرفوا إلا
عند وجوب صلاة الظهر. ولو أقاموا بقية نهارهم كان أحب إلي، فان أجيبوا
وإلا تواعدوا على الغدوة يوما ثانيا وثالثا (1).
السادسة: يستحب للامام ان يحول ردائه، فيجعل ما على المنكب
الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله (2).
وفي رواية رفعها محمد بن يحيى عن الصادق عليه السلام: تحويل
النبي صلى الله عليه وآله ردائه علامة بينه وبين أصحابه يحول الجدب خصبا (3).
ووقت التحويل عند فراغه من الصلاة، رواه هشام بن الحكم
عنه عليه السلام من فعل النبي صلى الله عليه وآله (4) وفي استسقاء محمد بن خالد عن أمر
الصادق عليه السلام: ثم يصعد المنبر - يعني بعد الفراغ من الصلاة - فيقلب
ردائه (5).
وقال بعض الأصحاب: يحوله بعد فراغه من الخطبة (6).
ولا مانع من تحويله في هذه المواضع كلها، لكثرة التفاؤل بقلب
الجدب خصبا، وقد قال المفيد وسلار وابن البراج: يحول الامام ردائه

(1) مختلف الشيعة: 126.
(2) سنن أبي داود 1: 302 ح 1163، السنن الكبرى 3: 350.
(3) الكافي 3: 463 ح 3، الفقيه 1: 338 ح 1506، التهذيب 3: 150 ح 324.
(4) الكافي 3: 462 ح 2، التهذيب 3: 149 ح 323.
(5) الكافي 3: 462 ح 1، التهذيب 3: 148 ح 322.
(6) قاله أبو الصلاح في الكافي: 163، والعلامة في نهاية الإحكام 2: 104.
256

ثلاث مرات (1).
وهل يستحب للمأموم التحويل؟ أثبته في المبسوط (2). وفي
الخلاف: يستحب للامام خاصة (3). والأول قوي، للاشتراك في التفاؤل،
ولقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (4).
ولا فرق بين كون الرداء مربعا، أو مقورا، أو مدورا. ولا يشترط
تحويل الظاهر باطنا وبالعكس، والأعلى أسفل وبالعكس، ولو فعل ذلك
فلا بأس.
السابعة: تستحب الخطبتان - كخطبتي العيد - بعد الصلاة، لما في
رواية قرة في أمر الصادق عليه السلام (5).
وروى إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام تقديم الخطبة على
الصلاة (6).
وقال ابن الجنيد يصعد الامام المنبر قبل الصلاة وبعدها (7). وفي
رواية هشام بن الحكم ايماء إليه (8) إلا ان الأشهر الأول، لرواية طلحة بن
خالد عن الصادق عليه السلام من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك (9).

(1) المقنعة: 34، المهذب 1: 144، المراسم: 83.
(2) المبسوط 1: 135.
(3) الخلاف 1: 160 المسألة 4.
(4) سورة الأحزاب: 21.
(5) تقدم في ص 252 الهامش 1.
(6) التهذيب 3: 150 ح 327، الاستبصار 1: 451 ح 1749.
(7) مختلف الشيعة: 125.
(8) الكافي 3: 462 ح 2، التهذيب 3: 149 ح 323.
(9) التهذيب 3: 150 ح 326، الاستبصار 1: 451 ح 1748.
257

وقال الشيخ في رواية إسحاق: هي شاذة مخالفة لاجماع الطائفة (1).
الثامنة: يستحب ان يكبر الامام مائة مرة رافعا بها صوته إلى القبلة.
ثم يسبح عن يمينه مائة مرة يرفع بها صوته.
ثم يهلل عن يساره مائة يرفع بها صوته.
ثم يحمد الله مائة مستقبل الناس، قال الأصحاب: يرفع بها صوته (2)،
ولم يذكره في تعليم الصادق عليه السلام (3).
ويتابعه الناس على ذلك ويرفعون أصواتهم، قاله أبو الصلاح (4)
ويظهر من كلام ابن بابويه (5) وابن البراج (6).
وقال ابن الجنيد: إذا كبر رفع صوته، وتابعوه في التكبير ولا يرفعون
أصواتهم (7).
والمفيد - رحمه الله - يكبر إلى القبلة مائة، والى اليمين مسبحا، وإلى اليسار
حامدا، ويستقبل الناس مستغفرا، مائة مائة (8).
والصدوق وافق في التكبير والتسبيح، وجعل التهليل مستقبلا للناس،
والتحميد إلى اليسار (9).

(1) الاستبصار 1: 452.
(2) راجع: الكافي في الفقه: 162، المهذب 1: 144.
(3) راجع ص 252 الهامش 1.
(4) الكافي في الفقه: 163.
(5) الفقيه 1: 334.
(6) المهذب 1: 144.
(7) مختلف الشيعة: 125.
(8) المقنعة: 34.
(9) في المقنع: 47، والفقيه 1: جعل التهليل إلى اليسار والتحميد مستقبلا
للناس، راجع مفتاح الكرامة 3: 252.
258

وتعليم الصادق عليه السلام يشهد للأول (1).
والمشهور ان هذا الذكر يكون بعد الخطبتين.
وقال ابن أبي عقيل والشيخ وابن حمزة: قبلهما (2).
وفي تعليم الصادق عليه السلام محمد بن خالد: أنه يصعد المنبر فيقلب ردائه، ثم
يأتي بالأذكار، قال: ثم يرفع يديه ويدعو، ولم يذكر الخطبة بعد ذلك (3).
وظاهره ان هذه الأذكار تفعل على المنبر، فكأنها من جملة الخطبة، ولو
فعل ذلك جاز.
التاسعة: يستحب ان يخطب بالمأثور عن أهل البيت عليهم السلام، وقد ذكر
في التهذيب خطبة بليغة لأمير المؤمنين عليه السلام: (الحمد لله سابغ النعم) إلى
آخرها (4). ولو خطب بغير ذلك، مما يتضمن حمدا وثناء ووعظا، جاز.
والظاهر أن الخطبة الواحدة غير كافية بل يخطب اثنتين، تسوية بينها
وبين صلاة العيد.
ويستحب المبالغة في التضرع والالحاح في الدعاء في الخطبتين
وخصوصا الثانية. وقد ذكر ابن بابويه دعوات حسنة عن أهل البيت
عليهم السلام (5).
العاشرة: يستحب الجهر بالقراءة فيها وبالقنوت، لما مر في صلاة
العيد.
قال الكليني: وفي رواية ابن المغيرة: (ويجهر بالقراءة، ويستسقي

(1) الكافي 3: 462 ح 1، التهذيب 3: 149 ح 322.
(2) المبسوط 1: 134، النهاية: 139، الوسيلة: 113، مختلف الشيعة: 125.
(3) الكافي 3: 462 ح 1، التهذيب 3: 149 ح 322.
(4) التهذيب 3: 151 ح 328.
(5) الفقيه 1: 338 ح 1507.
259

وهو قاعد، ويصلي قبل الخطبة) (1) ورواه ابن بابويه عن أبي جعفر عليه السلام (2).
الحادية عشرة: لو سقوا قبل الخروج لم يخرجوا، وكذا لو خرجوا
فسقوا قبل الصلاة. وفي الموضعين تستحب صلاة الشكر، وسؤال الزيادة
من الله تعالى، وعموم الغيث خلقه. ولو سقوا في أثناء الصلاة أتموها،
والظاهر سقوط باقي الافعال من الخطبة والأذكار.
الثانية عشرة: يستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء، لما روي أن
النبي صلى الله عليه وآله رفعهما حتى رئي بياض إبطيه (3) والظاهر أن هيئتهما كهيئة أيدي
القانتين، بان يقلب ظهرهما إلى الأرض، ووجههما إلى السماء، ويجعلهما
بإزاء وجهه.
وروى العامة عن أنس ان النبي صلى الله عليه وآله استسقى فأشار بظهر كفيه إلى
السماء (4)، وهكذا دعاء دفع البلاء، ويمكن ان يكون في بعض الأحيان
فعل صلى الله عليه وآله ذلك.
الثالثة عشرة: يجوز الاستسقاء بغير صلاة، اما في خطبة الجمعة
والعيدين، أو في أعقاب المكتوبات، أو يخرج الامام إلى الصحراء فيدعو
والناس يتابعونه.
ويستحب لأهل الخصب الاستسقاء لأهل الجدب بهذين النوعين من

(1) الكافي 3: 463 ح 4.
(2) الفقيه 1: 338 ح 1505.
(3) مسند أحمد 3: 181، صحيح البخاري 2: 40، صحيح مسلم 2: 612 ح
895، سنن ابن ماجة 1: 373 ح 1180، سنن أبي داود 1: 303 ح 1170، سنن
النسائي 3: 158، سند أبي يعلى 5: 311 ح 2935، سنن الدارقطني 2: 68.
(4) مسند أحمد 3: 153، صحيح مسلم 2: 612 ح 896، مسند أبي يعلى 5: 29
ح 2911.
260

الاستسقاء. وفي جوازه بالصلاة والخطبتين عندي تردد، لعدم الوقوف
عليه منصوصا، وأصالة الجواز، ولأن الله تعالى أثنى على من قال: (ربنا
اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا
للذين آمنوا) (1) وحينئذ يضمنون الدعاء طلب زيادة الخصب لأنفسهم.
الرابعة عشرة: يجوز نذر صلاة الاستسقاء كما يجوز نذر ما يعتبر
فيهما، فالأقرب عدم انعقاده، لعدم التعبد بمثله في غير وقته.
فحينئذ ان كان الناذر الامام وجب عليه الخروج بنفسه، واستحب
دعاء من يجيبه إلى الخروج وخصوصا من يطيعه من أهله وأقربائه
وأصحابه، ولا تجب عليهم الإجابة، وليس له اكراههم عليها، سواء بقي
الجدب أو وقع الغيث.
ولو نذر الاستسقاء فسقوا، ففي وجوب الخروج عندي نظر، لسقوط
شرعيته عند السقيا. وفي التذكرة: يجب الخروج (2) ولعله لايجاد الصورة
شكرا لله.
ولا تجب الخطبة بنذر الصلاة، لانفصالها عنها، فان نذرهما معا
وجبتا.
ولا يجب القيام في الخطبة هنا، ولا كونها على المنبر، ولو قيد به
وجب، ولا تجزئه الخطبة على مرتفع غيره من حائط.
وهل تجب على ناذر الاستسقاء الصلاة في الصحراء؟ ظاهر الشيخ

(1) سورة الحشر: 10.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 168.
261

- رحمه الله - ذلك (1) لأنه المعتاد والأفضل. ولو قيد في نذره بذلك وجب،
وكذا لو قيد بالمسجد أو بمنزله.
وهل له العدول إلى الصحراء؟ يبني على ما تقدم من العدول إلى
الأفضل.
والشيخ صرح بعدم جواز صلاتها في الصحراء إذا نذرها في
المسجد (2) وهو حسن، لانعقاد نذره فيحرم مخالفته.
ولو نذرها غير الامام انعقد، ووجب عليه الخروج، ويستحب له
أيضا دعاء من يطيعه.
الخامسة عشرة: يستحب الدعاء عند نزول الغيث، لما روي
عنه صلى الله عليه وآله: (اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث: التقاء الجيوش، وإقامة
الصلاة، ونزول الغيث) (3) وهو مأثور عن أهل البيت عليهم السلام (4).
ويستحب التمطر في أول المطر بان يخرج فيه ليصيبه. وكان ابن
عباس إذا وقع الغيث قال لغلامه: اخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر. فقال
له أبو الجوزاء: لم تفعل هذا يرحمك الله؟ قال: لقول الله سبحانه وتعالى:
(وأنزلنا من السماء ماء مباركا)، فأحببت ان تصيب البركة فراشي
ورحلي (5).

(1) المبسوط 1: 135.
(2) المبسوط 1: 135.
(3) الام 1: 253، المغني 2: 294 - 295، الشرح الكبير 2: 296، وأورد ما
بمعناه في السنن الكبرى 3: 360.
(4) الكافي 2: 346 ح 1، 3، أمالي الصدوق: 97 ح 7، 218 ح 3، الخصال: 302
ح 79، أمالي الطوسي 1: 287.
(5) الام 1: 252، ونحوه في الأدب المفرد: 407.
262

السادسة عشرة: لو كثرت الغيوث فخيف منها الضرر، جاز الدعاء
بإزالة مضرته وتخفيفه، لأن النبي صلى الله عليه وآله فعل ذلك (1).
ولو صلي هنا ركعتان للحاجة كان حسنا، وكذا يشرع صوم ثلاثة أيام
أمام ذلك، لأنها من مهام الحوائج.
السابعة عشرة: لا يجوز نسبة الأمطار إلى الأنواء، بمعنى: انها مؤثرة،
أو ان لها مدخلا في التأثير، لقيام البرهان على أن ذلك من فعل الله تعالى
وتحقق الاجماع عليه، ولأنها تخلف كثيرا وتتقدم وتتأخر.
ولو قال غير معتقد مطرنا بنوء كذا، قال الشيخ: لا يجوز، لنهي
النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك (2) في رواية زيد بن خالد الجهني، قال: صلى
بنا رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل،
فلما انصرف الناس فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟). قالوا: الله ورسوله
اعلم. قال: (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكوكب، وكافر بي ومؤمن
بالكوكب. من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر
بالكوكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذاك كافر بي ومؤمن
بالكوكب) (3). وهو محمول على ما قدمناه من اعتقاد مدخليته في التأثير.
والنوء سقوط كوكب في المغرب، وطلوع رقبيه من المشرق. ومنه
الخبر: من امر الجاهلية الأنواء (4).

(1) صحيح البخاري 2: 40، صحيح مسلم 2: 612 ح 897، سنن أبي داود 1:
304 ح 1174، سنن النسائي 3: 158.
(2) المبسوط 1: 135.
(3) المصنف لعبد الرزاق 11: 459 ح 21003، صحيح البخاري 2: 41، سنن
النسائي 3: 165.
(4) لسان العرب 1: 176.
263

قال أبو عبيد: هي ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة،
يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر
يقابله من ساعته، وانقضاء هذه الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة. فكانت
العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع آخر، قالوا: لا بد من أن يكون عند
ذلك مطر، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى النجم، فيقولون: مطرنا بنوء
كذا.
وإنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق
ينوء نوءا - أي: نهض - فسمى النجم به. قال: وقد يكون النوء السقوط (1).
أما لو قال: مطرنا بنوء كذا، وأراد به فيه - أي: في وقته - وأنه من فعل الله
تعالى، فقد قيل: لا يكره، لأنه ورد أن الصحابة استسقوا بالمصلى، ثم قيل
للعباس: كم بقى من نوء الثريا؟ فقال: إن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في
الأفق سبعا بعد وقوعها، فما مضت السبع حتى غيث الناس، ولم ينكر أحد
ذلك (2).
ومن الصلوات المستحبة صلاة الاستخارة، وفي كيفيتها روايات:
منها: صلاة ركعتين والدعاء بالخيرة بعدهما، رواه الحلبي عن عمرو بن
حريث عن أبي عبد الله عليه السلام (3).
قلت: ويقرأ فيهما سورة الحشر والرحمن والمعوذتين، ويقول:
(اللهم إن كان كذا خيرا لي، في ديني ودنياي (4)، وعاجل أمري وآجله،

(1) رواه عنه الصدوق في معاني الأخبار: 326. لسان العرب 1: 176.
(2) السنن الكبرى 3: 359.
(3) الكافي 3: 470 ح 1، التهذيب 3: 179 ح 407.
(4) في التهذيب زيادة: (وآخرتي).
264

فيسره لي على أحسن الوجوه وأجملها. اللهم وان كان كذا شرا لي، في
ديني ودنياي وآخرتي، وعاجل أمري وآجله، فاصرفه عني على أحسن
الوجوه. رب اعزم لي على رشدي، وان كرهت ذلك أو أبته نفسي)، رواه
جابر عن أبي جعفر عليه السلام (1).
وروى ابن فضال: ان الحسن بن الجهم يسأل أبا الحسن عليه السلام لابن
أسباط - وابن أسباط حاضر ونحن جميعا - يركب البحر أو البر إلى مصر؟
فأخبره بخبر طريق البر، فقال: (أئت المسجد في غير وقت صلاة فريضة،
فصل ركعتين واستخر الله مائة مرة، ثم انظر أي شئ يقع في قلبك فاعمل
به). وقال له الحسن: البر أحب إلي. قال: (والي) (2).
وروى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: ربما
أردت الأمر فانفرق مني فريقان، أحدهما يأمرني والآخر ينهاني؟ فقال:
(إذا كثر ذلك فصل ركعتين، واستخر الله تعالى مائة مرة ومرة، ثم انظر أحزم
الأمرين لك فافعله، فإن الخيرة فيه إن شاء الله. ولتكن استخارتك في
عافية، فإنه ربما خير للرجل في قطع يده، وموت ولده، وذهاب ماله) (3).
وهذه الروايات كثيرة وهي مشهورة بين العامة والخاصة.
ومنها: الاستخارة بالرقاع، فروى هارون بن خارجة عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال: (إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع، واكتب في ثلاث منها:
بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعله.
وفي ثلاث منها: بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان

(1) الكافي 3: 470 ح 2، التهذيب 3: 180 ح 408.
(2) الكافي 3: 471 ح 4، التهذيب 3: 180 ح 409.
(3) المحاسن: 599، الكافي 3: 472 ح 7، التهذيب 3: 181 ح 411.
265

ابن فلانة لا تفعل. ثم ضعها تحت مصلاك (1)، فإذا فرغت فاسجد سجدة
وقل فيها مائة مرة: استخبر الله برحمته خيرة في عافية. ثم استو جالسا
وقل: اللهم خر لي في جميع أموري في يسر منك وعافية. ثم اضرب بيدك
إلى الرقاع فشوشها واخرج واحدة، فان خرج ثلاث متواليات افعل فلتفعل
الأمر الذي تريده، وان خرج ثلاث متواليات لا تفعل فلا تفعله، وان
خرجت واحدة افعل والأخرى لا تفعل فاخرج من الرقاع إلى خمس فانظر
أكثرها فاعمل به ودع السادسة لا تحتاج إليها) (2).
وروى علي بن محمد رفعه عنهم عليهم السلام، انه قال لبعض أصحابه وقد
سأله عن الامر يمضي فيه ولا يجد أحدا يشاوره، فكيف يصنع؟ فقال:
(شاور ربك). فقال له: كيف؟ قال: (انو الحاجة في نفسك، واكتب
رقعتين: في واحدة لا، وفي واحدة نعم، واجعلهما في بندقتين من طين،
ثم صل ركعتين واجعلهما تحت ذيلك وقل: يا الله اني أشاورك في أمري،
وأنت خير مستشار ومشير، فأشر علي ما فيه صلاح وحسن عاقبة. ثم
ادخل يدك، فان كان فيها نعم فافعل، وان كان فيها لا لا تفعل، هكذا
تشاور ربك). ولا يضر الارسال، فان الكليني - رحمه الله - ذكرها في كتابه (3)
والشيخ في التهذيب (4) وغيرهما (5).
وانكار ابن إدريس الاستخارة بالرقاع (6) لا مأخذ له، مع اشتهارها بين

(1) في الكافي زيادة: (ثم صلي ركعتين).
(2) الكافي 3: 470 ح 3، التهذيب 3: 181 ح 412.
(3) الكافي 3: 473 ح 8.
(4) التهذيب 3: 182 ح 413.
(5) مصباح المتهجد: 481، فتح الأبواب: 228، مكارم الأخلاق: 323.
(6) السرائر: 68.
266

الأصحاب وعدم راد لها سواه ومن اخذ اخذه، كالشيخ نجم الدين في
المعتبر حيث قال: هي في حيز الشذوذ فلا عبرة بها (1).
وكيف تكون شاذة وقد دونها المحدثون في كتبهم، والمصنفون في
مصنفاتهم؟!
وقد صنف السيد العالم العابد، صاحب الكرامات الظاهرة والمآثر
الباهرة، رضي الدين أبو الحسن علي بن طاووس الحسني - رحمه الله - كتابا
ضخما في الاستخارات، واعتمد فيه على رواية الرقاع، وذكر من آثارها
عجائب وغرائب أراه الله تعالى إياها، وقال: إذا توالى الأمر في الرقاع فهو
خير محض، وان توالى النهي فذاك الأمر شر محض، وان تفرقت كان
الخير والشر موزعا بحسب تفرقها على أزمنة ذلك الامر بحسب ترتبها (2).
وقد ذكرت استخارات مشهورة.
منها: الاستخارة بالدعاء المجرد، وأفضله في موضع شريف كمسجد
أو مشهد. فروى الشيخ - رحمه الله - باسناده إلى الصادق عليه السلام، قال: (ما استخار
الله عبد قط مائة مرة في امر عند رأس الحسين عليه السلام، فيحمد الله ويثني
عليه، إلا رماه الله بخير الأمرين) (3).
وروى معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه السلام: (ما استخار الله عبد
سبعين مرة بهذه الاستخارة إلا رماه الله بالخيرة، يقول: يا أبصر الناظرين،
ويا أسمع السامعين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، ويا أحكم

(1) المعتبر 2: 376.
(2) انظر: فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب: 182.
(3) قرب الاسناد: 28، فتح الأبواب: 240.
267

الحاكمين، صل على محمد وأهل بيته، وخر لي في كذا وكذا) (1).
وروى ناجية عنه عليه السلام: إذا أراد شراء العبد، أو الدابة، أو الحاجة
الخفيفة، أو الشئ اليسير، استخار الله فيه سبع مرات. وان كان أمرا جسيما
استخار الله فيه مائة مرة) (2).
ومنها: ما أورده الصدوق في كتاب معاني الأخبار ومن لا يحضره
الفقيه - ونقله ابن طاووس في كتابه عنه (3) - باسناده إلى هارون بن خارجة،
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا أراد أحدكم أمرا، فلا يشاور فيه
أحدا من الناس حتى يشاور الله عز وجل). قلت: وما مشاورة الله؟ قال:
(تبدأ فتستخير الله عز وجل أولا، ثم تشاور فيه، فإذا بدأ بالله أجرى
الخير (4) على لسان من أحب من الخلق) (5) ونحوه في المقنعة للمفيد (6).
ومنها: ما رواه السيد - رضي الله عنه - عن سعد بن عبد الله في كتاب
الدعاء، باسناده إلى إسحاق بن عمار: (إذا أراد أحدكم أن يشتري أو يبيع،
أو يدخل في أمر، فيبتدئ بالله ويسأله). قلت: فما يقول؟ قال: (يقول:
اللهم إني أريد كذا وكذا، فان كان خيرا لي في ديني ودنياي وآخرتي،
وعاجل أمري وآجله، فيسره لي. وإن كان شرا لي في ديني ودنياي
فاصرفه عني. رب اعزم لي على رشدي وان كرهته وأبته نفسي. ثم
يستشير عشرة من المؤمنين، فان لم يصبهم وأصاب خمسة فيستشر خمسة

(1) المقنعة: 36، الفقيه 1: 356 ح 1558، التهذيب 3: 182 ح 414.
(2) الفقيه 1: 355 ح 1557.
(3) فتح الأبواب: 136.
(4) في المعاني والفقيه: (الخيرة).
(5) الفقيه 1: 355 ح 1553، معاني الأخبار: 144.
(6) المقنعة: 36.
268

مرتين، وان كان رجلان فكل واحد خمسا، وان كان واحدا فليستشره
عشرا) (1).
ومن كتاب الدعاء لسعد: كتب أبو جعفر الثاني إلى إبراهيم بن شيبة:
(فهمت ما استأمرت به في ضيعتك التي تعرض لك السلطان فيها، فاستخر
الله مائة مرة خيرة في عافية، فان احلولى بقلبك بعد الاستخارة بيعها فبعها
واستبدل غيرها إن شاء الله، ولا تتكلم بين أضعاف الاستخارة حتى تتم
المائة) (2).
وروى الكليني في كتاب رسائل الأئمة عليهم السلام أن الجواد كتب بمثل ذلك
إلى علي بن أسباط (3).
ومنها: الاستخارة بالعدد، ولم تكن هذه مشهورة في العصور
الماضية قبل زمان السيد الكبير العابد رضي الدين محمد بن محمد بن
محمد الآوي الحسيني - المجاور بالمشهد المقدس الغروي - رضي الله عنه.
وقد رويناها عنه وجميع مروياته عن عدة من مشايخنا، عن الشيخ
الكبير الفاضل جمال الدين بن المطهر، عن والده - رضي الله عنهما - عن
السيد رضي الدين، عن صاحب الأمر عليه الصلاة السلام: (يقرأ الفاتحة
عشرا - وأقله ثلاث ودونه مرة - ثم يقرأ القدر عشرا، ثم يقول هذا الدعاء
- ثلاث -: اللهم إني أستخيرك لعلمك بعاقبة الأمور، وأستشيرك لحسن ظني
بك في المأمول والمحذور. اللهم إن كان الأمر الفلاني مما قد نيطت بالبركة
اعجازه وبواديه، وحفت بالكرامة أيامه ولياليه، فخر لي اللهم فيه خيرة ترد

(1) فتح الأبواب: 139.
(2) فتح الأبواب: 143.
(3) فتح الأبواب: 143.
269

شموسه ذلولا، وتقعض أيامه سرورا. اللهم اما أمر فائتمر، واما نهي
فانتهي. اللهم إني أستخيرك برحمتك خيرة في عافية. ثم يقبض على قطعة
من السبحة ويضمر حاجته، ان كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل، وان
كان فردا لا تفعل، أو بالعكس) (1).
وقال ابن طاووس - رحمه الله - في كتاب الاستخارات: وجدت بخط أخي
الصالح الرضي الآوي محمد بن محمد بن محمد الحسيني - ضاعف الله
سيادته وشرف خاتمته - ما هذا لفظه: عن الصادق عليه السلام: (من أراد أن
يستخير الله تعالى فليقرأ الحمد عشر مرات و (إنا أنزلناه) عشر مرات، ثم
يقول) وذكر الدعاء، إلا أنه قال عقيب (والمحذور): (اللهم إن كان أمري
هذا قد أنيطت)، وعقيب (سرورا): (يا الله، اما أمر فائتمر، واما نهي
فانتهي. اللهم خر لي برحمتك خيرة في عافية - ثلاث مرات - ثم يأخذ كفا
من الحصى أو سبحة) (2).
ومنها: الاستخارة بالمصحف الكريم. روى اليسع القمي قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: أريد الشئ فاستخير الله فيه فلا يوفق فيه الرأي، أفعله
أو أدعه؟ فقال: (انظر إذا قمت إلى الصلاة، فإن الشيطان أبعد ما يكون من
الانسان إذا قام إلى الصلاة، أي شئ وقع في قلبك فخذ به، وافتح
المصحف فانظر إلى أول ما ترى فيه فخذ به إن شاء الله) (3).
ومن الصلوات المستحبة صلاة الهدية. روي عنهم عليهم السلام: (أنه يصلى يوم
الجمعة ثماني ركعات: أربعا تهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأربعا تهدى إلى

(1) نقله المجلسي في البحار 91: 248 ح 2 عن منهاج الصلاح.
(2) فتح الأبواب: 272 - 273.
(3) التهذيب 3: 310 ح 960.
270

فاطمة عليها السلام. ويوم السبت أربع ركعات تهدى إلى أمير المؤمنين عليه السلام. ثم
كذلك كل يوم إلى واحد من الأئمة عليهم السلام إلى يوم الخميس أربع ركعات إلى
جعفر بن محمد عليهما السلام. ثم في يوم الجمعة ثماني ركعات: أربعا تهدى إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله، وأربع ركعات تهدى إلى فاطمة عليها السلام، ثم في يوم السبت
أربع ركعات تهدى إلى موسى بن جعفر عليهما السلام، ثم كذلك إلى يوم الخميس
أربع ركعات تهدى إلى صاحب الزمان عليه السلام). هكذا رواها الشيخ في
المصباح (1).
ويدعو بين كل ركعتين منها: (اللهم أنت السلام. ومنك السلام،
واليك يعود السلام، حينا ربنا منك بالسلام. اللهم ان هذه الركعات هدية
مني إلى وليك فلان، فصل على محمد وآله، وبلغه إياها، واعطني أفضل
أملي ورجائي فيك وفي رسولك صلواتك عليه وفيه) وتدعو بما أحببت (2).
ومنها: صلوات الحاجة يوم الجمعة، وهي كثيرة.
منها: ما رواه عاصم بن حميد، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا
حضرت أحدكم الحاجة فليصم يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة،
فإذا كان يوم الجمعة اغتسل ولبس ثوبا نظيفا ثم يصعد إلى أعلى موضع في
داره ويصلي، ثم يمد يده إلى السماء ويقول: اللهم إني حللت بساحتك)
إلى آخره حسبما هو مذكور في المصباح (3).
ومنها: ما رواه محمد بن مسلم - رحمه الله - عن الباقر عليه السلام، أنه قال: (ما يمنع
أحدكم إذا أصابه شئ من غم الدنيا أن يصلي يوم الجمعة ركعتين،

(1) مصباح المتهجد: 285.
(2) مصباح المتهجد: 286.
(3) مصباح المتهجد: 287.
271

ويحمد الله تعالى ويثني عليه، ويصلي على محمد وآل محمد عليهم السلام، ويمد
يده ويقول: اللهم إني أسألك بأنك ملك) إلى آخر الدعاء، وفيه الاستعاذة
من شر العدو فإنه يكفاه (1).
وعن الرضا عليه السلام: (من كانت له حاجة قد ضاق بها ذرعا فلينزلها بالله
جل اسمه، يصوم الأربعاء والخميس والجمعة، ثم ليغسل رأسه بالخطمي
يوم الجمعة، ويلبس أنظف ثيابه، ويتطيب بأطيب طيبه، ثم يقدم صدقة
على امرئ مسلم بما تيسر، ثم ليبرز إلى آفاق السماء ويستقبل القبلة،
ويصلي ركعتين يقرأ في الأولى الفاتحة (قل هو الله أحد) خمس عشرة
مرة، ثم ليركع فيقرأها كذلك، وكذا في الأحوال من الرفع في الركوع
والسجود والرفع منهما. وفي الثانية كذلك، وقبل التشهد خمس عشرة
مرة، ثم يتشهد ويسلم ويقرأها خمس عشرة مرة، ثم يسجد ويقرأها
كذلك، ثم يعفر خديه ويقرأها فيهما كذلك، ثم يعود إلى السجود ويدعو.
فإذا فعل تقضى حاجته) (2).
ومنها: الصلاة الكاملة يوم الجمعة، لدفع شر أهل السماء وشر أهل
الأرض، مروية عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام،
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (يصلي أربع ركعات يوم الجمعة قبل الصلاة، يقرأ
في كل ركعة: فاتحة الكتاب عشر مرات، والمعوذتين عشرا، والتوحيد عشرا،
والجحد عشرا، وآية الكرسي عشرا، والقدر عشرا، وشهد الله عشرا فإذا فرغ
من الصلاة استغفر الله مائة مرة، ثم يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم مائة مرة، ويصلي على

(1) مصباح المتهجد: 286.
(2) مصباح المتهجد: 303.
272

النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة) (1).
وقال ابن بابويه - في الرسالة - إذا كانت لك إلى الله حاجة، فصم
ثلاثة أيام آخرها الجمعة، وابرز قبل زوال الجمعة مغتسلا وصل ركعتين،
تقرأ في كل ركعة الحمد والتوحيد خمس عشرة مرة، فإذا ركعت قرأتها
عشرا، وهكذا في باقي الأحوال إلى الرفع من السجدة الثانية، وتقنت. فإذا
قضيت حاجتك صلي ركعتي الشكر، تقرأ في الأولى الحمد والتوحيد، وفي
الثانية الحمد والجحد. وتقول في الركعة الأولى من ركوعك: الحمد لله شكرا،
وفي سجودك: شكرا لله وحمدا. وتقول في الركعة الثانية في الركوع
والسجود: الحمد لله الذي قضى حاجتي، وأعطاني مسألتي (2).
وهذه الصلاة في الكليني والتهذيب مسندة إلى مقاتل عن
الرضا عليه السلام (3). وصلاة الشكر المذكورة مسندة إلى هارون بن خارجة عن أبي
عبد الله عليه السلام، إلا أنه قال: (تقول في الركعة الأولى في ركوعك وسجودك:
الحمد لله شكرا شكرا وحمدا. وتقول في الثانية في ركوعك وسجودك:
الحمد لله الذي استجاب دعائي، وأعطاني مسألتي) (4).
ومن صلوات الحوائج غير مختصة بيوم الجمعة ما أورده الصدوق في
كتابه، فمنها: ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (ان أحدكم إذا
مرض دعا الطبيب وأعطاه، وإذا كان له حاجة إلى السلطان رشا البواب
وأعطاه، ولو أن أحدكم إذا فدحه أمر فرغ إلى الله تعالى فتطهر وتصدق

(1) مصباح المتهجد: 279.
(2) الفقه 1: 354.
(3) الكافي 3: 477 ح 3، التهذيب 3: 184 ح 417.
(4) الكافي 3: 481 ح 1، التهذيب 3: 184 ح 418.
273

بصدقة قلت أو كثرت، ثم دخل المسجد فصلى ركعتين، فحمد الله وأثنى عليه
وصلى على محمد وآله، ثم قال: اللهم ان عافيتني من مرضي، أو
رددتني من سفري أو عافيتني مما أخاف من كذا وكذا، إلا آتاه الله ذلك،
وهي (1) اليمين الواجبة وما جعله الله عليه في الشكر) (2).
قال الصدوق: وكان علي بن الحسين عليهما السلام إذا حزبه أمر لبس ثوبين
من أغلظ ثيابه وأخشنها، ثم ركع من آخر الليل ركعتين، حتى إذا كان في
آخر سجدة من سجوده سبح الله مائة مرة، وحمده مائة مرة، وهلل الله مائة
مرة، وكبر الله مائة مرة، ثم يعترف بذنوبه كلها ما عرف منها أقر لله تعالى به
في سجوده، وما لم يذكر منها اعترف به جملة، ثم يدعو الله تعالى ويفضي
بركبتيه إلى الأرض (3).
وروى عن يونس بن عمار، قال: شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام رجلا
كان يؤذيني، فقال: (ادع عليه). فقلت: قد دعوت عليه. قال: (ليس
هكذا، ولكن اقلع عن الذنوب، وصم وصل وتصدق، فإذا كان آخر الليل
فاسبغ الوضوء ثم قم فصل ركعتين، ثم قل وأنت ساجد: اللهم فلان بن
فلان قد أذلني (4)، اللهم اسقم بدنه، واقطع أثره، وانقص أجله، وعجل له
ذلك في عامه هذا). قال: ففعلت فلم ألبث إن هلك (5).
وروى الصدوق أيضا: ان رجلا كان بينه وبين رجل من أهل المدينة
خصومة ذات خطر عظيم، فدخل على أبي عبد الله عليه السلام فذكر له ذلك، فقال:

(1) في م: (وهو على).
(2) الفقيه 1: 351 ح 1547، المقنعة: 36، التهذيب 3: 182 ح 415.
(3) الفقيه 1: 352 ح 1548.
(4) في المصدر: (آذاني).
(5) الفقيه 1: 352 ح 1549.
274

(إذا أردت الغدو فصل بين القبر والمنبر ركعتين أو أربعا، وإن شئت في
بيتك، واسأل الله ان يعينك، وخذ شيئا نفيسا فتصدق به على أول مسكين
تلقاه). قال: ففعلت ما امرني فقضي لي ورد الله علي أرضي (1).
ومن الصلوات المستحبة مؤكدا صلاة شهر رمضان، وفيها مسائل:
الأولى: في شرعيتها، والأشهر في الروايات ذلك، حتى ادعى عليه
سلار الاجماع (2).
وقال الصدوق: لا نافلة فيه زيادة على غيره (3).
وابن أبي عقيل لم يعرض لها بالذكر (4) ولا علي ابن بابويه (5).
لنا: الروايات الكثيرة، كرواية أبي خديجة (6) ومحمد بن يحيى (7)
وأبي بصير (8) وعبيد بن زرارة (9) وجميل بن صالح (10) جميعا عن أبي
عبد الله عليه السلام.
احتج برواية محمد بن مسلم عنه عليه السلام: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا
صلى العشاء لا يصلي شيئا إلا بعد انتصاف الليل، لا في رمضان ولا في

(1) الفقيه 1: 352 ح 1550.
(2) المراسم: 82، ونصه: لا خلاف في أنها الف ركعة.
(3) الفقيه 1: 88 - 89، وراجع: الحدائق الناضرة 10: 509، مفتاح الكرامة 3:
256.
(4) راجع: مختلف الشيعة: 126.
(5) راجع: مختلف الشيعة: 126.
(6) التهذيب 3: 60 ح 204، الاستبصار 1: 461 ح 1793.
(7) التهذيب 3: 60 ح 205، الاستبصار 1: 461 ح 1795.
(8) سيأتي في ص 804 الهامش 9.
(9) التهذيب 3: 61 ح 208، الاستبصار 1: 461 ح 1792.
(10) التهذيب 3: 61 ح 209، الاستبصار 1: 461 ح 1794.
275

غيره (1).
وبصحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه السلام وسأله عن الصلاة في شهر
رمضان، فقال: (ثلاث عشرة ركعة، منها: الوتر، وركعتان قبل صلاة الفجر،
كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي، ولو كان فضلا كان رسول الله صلى الله عليه وآله
أعمل به وأحق) (2).
وأجاب الشيخ عن الأولى: بأن المراد أنه لم يكن يصلي في جماعة،
لتظافر الاخبار بنهيه صلى الله عليه وآله عن الجماعة في شهر رمضان في المساجد (3).
وأجاب الفاضل عن الثاني بتجويز أن يكون السؤال وقع عن النوافل
الراتبة: هل تزيد في شهر رمضان؟
وبالجملة فالفتاوى والاخبار متظافرة بشرعيتها، فلا يضر معارضة النادر.
الثانية: في قدرها، والمشهور ألف ركعة زيادة على الراتبة، رواه
جميل بن صالح عن الصادق عليه السلام (4) وعلي بن أبي حمزة أيضا (5) وإسحاق بن
عمار عن أبي الحسن عليه السلام (6) وسماعة بن مهران عن الصادق عليه السلام (7).
وروى سليمان بن عمرو عنه عليه السلام، قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: من
صلى ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة ب‍ (قل

(1) التهذيب 2: 118 ح 443، 3: 69 ح 225، الاستبصار 1: 279 ح 1013.
(2) الفقيه 1: 358 ح 1568، التهذيب 3: 69 ح 224، الاستبصار 1: 467
ح 1805.
(3) التهذيب 3: 69، الاستبصار 1: 467.
(4) التهذيب 3: 61 ح 209، الاستبصار 1: 461 ح 1794.
(5) الكافي 4: 154 ح 1، التهذيب 3: 63 ح 215، الاستبصار 1: 463 ح 1798.
(6) التهذيب 3: 64 ح 217، الاستبصار 1: 464 ح 1801.
(7) التهذيب 3: 64 ح 217، الاستبصار 1: 464 ح 1801.
276

هو الله أحد) عشر مرات، اهبط الله عز وجل إليه من الملائكة عشرة
يدرؤن عنه أعداءه من الجن والإنس، واهبط الله إليه عنده موته ثلاثين ملكا
يؤمنونه من النار) (1).
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: الصلاة في العشرين الأولين،
ولم يذكر العشر الأخير (2).
وهاتان الروايتان ليس فيهما معارضة في التحقيق، اما الأولى فلأن
زيادة المائة حسن لما فيه من التعرض للثواب، واما الثانية فكان وظيفة
العشر الأخير تركت للعلم بها، أو ان الراوي اقتصر على العشرين الأولين.
نعم، قال ابن الجنيد: قد روي عن أهل البيت عليهم السلام زيادة في صلاة
الليل على ما كان يصليها الانسان في غيره: أربع ركعات تتمة اثنتي عشرة
ركعة (3) مع أنه قائل بالألف أيضا. وهذه زيادة لم نقف على مأخذها،
إلا أنه ثقة وارساله في قوة المسند، لأنه من أعاظم العلماء.
وقال الشيخ الجليل ذو المناقب والمآثر أبو عبد الله محمد بن أحمد
الصفواني - في كتاب التعريف -: هي سبعمائة ركعة (4) ولعله أراد الألف،
وترك ذكر زوائد ليالي الافراد لشهرته.
ولابن أبي قرة - رحمه الله - في كتابه رواية بمقدار من الصلوات لكل ليلة،
ذكرناه في الأربعين حديثا (5).

(1) المقنعة: 28، التهذيب 3: 62 ح 212.
(2) التهذيب 3: 64 ح 216.
(3) مختلف الشيعة: 126.
(4) في وسائل الشيعة 8: 36 ح 14 عن إقبال الأعمال: 11 عن كتاب التعريف
للصفواني: أنها تسعمائة ركعة.
(5) الأربعون حديثا: 87 - 91.
277

الثالثة: صورة الصلاة أن يصلي في العشرين الأولين كل ليلة
عشرين، وفي العشر الأخير كل ليلة ثلاثين، ويزيد على المعين في ليالي
الإفراد - وهي: تسع عشرة واحدى وعشرون وثلاث وعشرون - كل ليلة
مائة، فذلك ألف ركعة.
روى ذلك مسعدة بن صدقة وغيره عن الصادق عليه السلام (1) وعليه طائفة
من الأصحاب (2).
وقال الأكثر (3): يقتصر في ليالي الإفراد على المائة، وتبقى ثمانون ركعة
فيفرقها على الجمع، فيصلي في كل جمعة عشر ركعات: أربع منها بصلاة أمير
المؤمنين عليه السلام، ثم ركعتان بصلاة فاطمة عليها السلام، ثم أربع بصلاة جعفر عليه السلام، ثم
يصلي في ليلة الجمعة الأخيرة عشرين ركعة صلاة أمير المؤمنين عليه السلام، وفي
عشيتها ليلة السبت عشرين ركعة صلاة فاطمة عليها السلام. وعلى هذه الرواية رتب
الشيخ الدعوات في المصباح (4).
وكل حسن جميل.
الرابعة: الأظهر في الفتاوى، والأشهر بين الأصحاب، أن المتنفل
بالعشرين يصلي بين العشائين ثماني ركعات، وبعد العشاء الآخرة اثنتي
عشرة ركعة. رواه مسعدة (5) وعلي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن

(1) الكافي 4: 154 ح 1، التهذيب 3: 62 ح 213، 215، الاستبصار 1: 462 ح 1796،
1798.
(2) منهم الشيخ المفيد في الاشراف: 11، والشيخ الطوسي في الخلاف 1: 117 المسألة
216، والاقتصاد: 273، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي: 159، وابن إدريس في السرائر: 68.
(3) منهم الشيخ المفيد في المقنعة: 27، والسيد علم الهدى في الانتصار: 55، والشيخ
الطوسي في المبسوط 1: 133، وابن البراج في المهذب 1: 145، ونسبه في مختلف
الشيعة 1: 126 إلى سلار وابن حمزة.
(4) مصباح المتهجد: 497.
(5) تقدمت في الهامش 1.
278

الصادق عليه السلام (1) ومحمد بن سليمان عن الرضا عليه السلام (2).
وخير الشيخ في النهاية بين ذلك، وبين جعل اثنتي عشرة بين العشائين
وثمان بعد العشاء (3) لرواية سماعة (4) وهي من مضمراته التي لم يسم فيها
الإمام، وإن كان الظاهر روايته عنه.
الخامسة: الأظهر أيضا ان الثلاثين في العشر الأواخر، يصلى ثمان
منها بين العشائين، والباقي بع العشاء الآخرة، وقد تضمنته رواية علي بن
أبي حمزة (5) ومحمد بن سليمان (6).
وفي رواية مسعدة: يصلى بين العشائين اثنتي عشرة ركعة والباقي
بعد العشاء (7) وعليها أبو الصلاح (8) وابن البراج (9).
والعمل بالجميع في المسألتين جائز.
وأما الوتيرة، فالمشهور انها تفعل بعد وظيفة العشاء، لتكون خاتمة
النوافل.
وقال سلار: بل الوتيرة مقدمة على الوظيفة (10) وهي في رواية محمد
ابن سليمان عن الرضا عليه السلام (11).

(1) التهذيب 3: 63 ح 215، الاستبصار 1: 463 ح 1798.
(2) التهذيب 3: 64 ح 217، الاستبصار 1: 464 ح 1 180.
(3) النهاية: 140.
(4) الفقيه 2: 88 ح 397، التهذيب 3: 63 ح 214، الاستبصار 1: 462 ح 1797.
(5) راجع الهامش 1.
(6) تقدمت في الهامش 2.
(7) تقدمت في ص 278 الهامش 1.
(8) الكافي في الفقه: 159.
(9) المهذب 1: 146، باختلاف عما هنا ولعله من مصدر آخر.
(10) في المراسم: 82 جعل الوظيفة قبل الوتيرة، راجع مفتاح الكرامة 3: 258.
(11) التهذيب 3: 64 ح 217، الاستبصار 1: 464 ح 1801.
279

والظاهر أيضا جواز الأمرين.
السادسة: لو فات شئ من هذه النوافل ليلا، فالظاهر أنه يستحب
قضاؤه نهارا، لعموم قوله تعالى: (وهو الذي جعل الليل والنهار
خلفة) (1) وما ورد في تفسيره ما أسلفناه من قبل. وبذلك أفتى ابن الجنيد
- رحمه الله - قال: وكذا لو فاتته الصلاة في ليلة الشك ثم ثبتت الرؤية.
السابعة: قال أبو الصلاح: من السنة ان يتطوع الصائم في شهر
رمضان بألف ركعة (2). وهو يدل من حيث المفهوم على انتفاء استحباب
تطوع غيره كالمسافر.
قال في المختلف: ولم يشرط باقي علمائنا ذلك. لنا: انها عبادة
زيدت لشرف الزمان، فلا تسقط بسقوط الصوم (3). وهو فتوى منه بعموم
الاستحباب.
الثامنة: يستحب ان يدعى عقيب كل ركعتين بالدعاء المأثور مع سعة
الوقت لذلك، ولو ضاق الوقت عن الدعاء والصلاة اقتصر على الصلاة.
التاسعة: الجماعة في هذه الصلاة بدعة محرمة عند الأصحاب، وقد
رواه زرارة وابن مسلم والفضيل، قالوا: سألناهما عن الصلاة في رمضان نافلة
بالليل جماعة، فقالا: (ان النبي صلى الله عليه وآله كان إذا صلى العشاء الآخرة انصرف
إلى منزله، ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلي. فخرج في
أول ليلة من شهر رمضان ليصلي كما كان يصلي، فاصطف الناس خلفه
فهرب منهم إلى بيته، ففعلوا ذلك ثلاث ليال، فقال على منبره في الرابع: إن

(1) سورة الفرقان: 62.
(2) الكافي في الفقه: 159.
(3) مختلف الشيعة: 127.
280

الصلاة بالليل في شهر رمضان في النافلة في جماعة بدعة، وصلاة الضحى
بدعة، الا فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل، ولا تصلوا صلاة
الضحى فان ذلك معصية، إلا وإن كل بدعه ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى
النار. ثم نزل وهو يقول: قليل في سنة خير من كثير في بدعة) (1).
وفي رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: (انه لما قدم أمير
المؤمنين عليه السلام الكوفة، أمر الحسن عليه السلام أن ينادي في الناس:
لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس
الحسن عليه السلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام، فلما سمع الناس مقالة الحسن
ابن علي صاحوا: وا عمراه وا عمراه، فلما بلغ ذلك علي عليه السلام قال: قل لهم صلوا) (2).
ويستحب ان يصلي ليلة الفطر ركعتان، يقرأ في الأولى الحمد و (قل
هو الله أحد) ألف مرة، وفي الثانية الحمد و (قل هو الله أحد) مرة
واحدة، رواه في التهذيب بالسند إلى أحمد بن محمد السياري، رفعه إلى
أمير المؤمنين عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (انه إذا صلاهما لم يسئل الله شيئا
إلا أعطاه إياه) (3) والسياري في عدد (4) الضعفاء إلا ان الأصحاب تلقوها
بالقبول.
ومن الصلوات المستحبة صلاة يوم الغدير، وهي مشهورة بين
الأصحاب. روى علي بن الحسين العبدي، قال: سمعت الصادق عليه السلام
يقول:: صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا، لو عاش انسان ثم

(1) الفقيه 2: 87 ح 394، التهذيب 3: 69 ح 226، الاستبصار 1: 467 ح 1807.
(2) التهذيب 3: 70 ح 227.
(3) المقنعة: 28، التهذيب 3: 71 ح 228.
(4) كذا في النسخ، ولعلها: عداد.
281

صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك، وصيامه يعدل عند الله عز وجل
في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات مقبولات، وهو عيد الله الأكبر، وما
بعث الله عز وجل نبيا إلا وتعيد في هذا اليوم وعرف حرمته. واسمه في
السماء: يوم العهد والمعهود، وفي الأرض: يوم الميثاق المأخوذ والجمع
المشهود.
ومن صلى فيه ركعتين، يغتسل من قبل ان تزول الشمس مقدار
نصف ساعة، ويقرأ في كل ركعة الحمد مرة، وعشر مرات (قل هو الله
أحد)، وعشر مرات آية الكرسي، وعشر مرات (انا أنزلناه) عدلت عند
الله عز وجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة، وما سأل الله عز وجل حاجة
من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت كائنا ما كانت الحاجة. وإن فاتتك الركعتان
والدعاء قضيتهما بعد ذلك.
ومن فطر فيه مؤمنا كان كمن أطعم فئاما وفئاما وفئاما) فلم يزل يعد
إلى أن عقد بيده عشرا، ثم قال: (أو تدري ما الفئام؟) قال: لا. قال:
(مائة ألف كل فئام، والدرهم فيه بألف ألف درهم). ويستحب الدعاء
بعدها بالمنقول، ثم يسأل حاجته، وفي تمام الحديث: (فإنها والله
مقضية) (1).
ومنها: صلاة يوم المباهلة، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجة في
أظهر الروايات. وروي: أنه الخامس والعشرون منه.
ويستحب الاكثار فيه من الصلاة، والاستغفار عقيب كل ركعتين
سبعين مرة، والدعاء بعدها بالمأثور، روى ذلك محمد بن صدقة عن

(1) التهذيب 3: 143 ح 317.
282

الكاظم عليه السلام (1).
وروى عن الصادق عليه السلام: انه يصلي فيه ركعتان بصفة صلاة يوم
الغدير، الا انه قال في آية الكرسي: (إلى قوله: (هم فيها خالدون)، وانها تعدل عند الله مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة)، وذكر ما سلف (2).
ومنها: صلاة أول ذي الحجة، وفيه ولد الخليل إبراهيم صلى الله عليه وآله، وفيه
اتخذه الله خليلا، وفيه زوج رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام من أمير
المؤمنين عليه السلام. ويستحب ان يصلى فيه صلاة فاطمة عليها السلام.
ومنها: صلاة يوم المبعث، وهو السابع والعشرون من رجب. روى
الكليني عن علي بن محمد، رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام: (من صلى فيه أي
وقت شاء اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة بأم القرآن وسورة، فإذا فرغ
وسلم جلس مكانه ثم قرأ أم القرآن أربع مرات، فإذا فرغ وهو في مكانه
قال: لا اله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة
إلا بالله، أربع مرات.
ثم يقول: (الله أكبر ربي لا أشرك به شيئا، أربع مرات.
ثم يدعو فلا يدعو بشئ إلا استجيب له في كل حاجة، إلا ان يدعو في
جائجة قوم أو قطيعة رحم) (3).
ومنها: صلاة ليلة المبعث، وقد رواها صالح بن عقبة عن أبي
الحسن عليه السلام، قال: (صل ليلة سبعة وعشرين من رجب - أي وقت شئت
في الليل - اثنتي عشرة ركعة، تقرأ في كل ركعة الحمد والمعوذتين و (قل
هو الله أحد) أربع مرات، فإذا فرغت قلت وأنت في مكانك - أربع

(1) مصباح المتهجد: 708.
(2) مصباح المتهجد: 703.
(3) الكافي 3: 469 ح 7، المقنعة: 37، التهذيب 3: 185 ح 419.
283

مرات -: لا اله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله، ولا حول ولا قوة
إلا بالله، ثم ادع بما شئت) (1). وروي غيرها أيضا (2).
ومنها: صلاة النصف من شعبان، وهي أربع ركعات يقرأ في كل
ركعة الحمد و (قل هو الله أحد) مائة مرة، فإذا فرغ دعا بالمأثور.
ومنها: صلاة طلب الرزق. روى الكليني باسناده إلى الحلبي محمد
ابن علي، قال: شكى رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام الفاقة والحرفة في التجارة
بعد يسار كان فيه، فأمره أبو عبد الله عليه السلام أن يأتي مقام رسول الله صلى الله عليه وآله بين
القبر والمنبر، فيصلي ركعتين ويقول مائة مرة: اللهم إني أسألك بقوتك
وقدرتك وبعزتك، وما أحاط به علمك، ان تيسر لي من التجارة أوسعها
رزقا، وأعمها فضلا وخيرها عاقبة. ففعل ذلك فما توجه في وجه إلا رزقه
الله (3).
ومنها: صلاة الاستطعام، رواها الكليني باسناده إلى شعيب
العقرقوفي، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (من جاع فليتوضأ ويصلي ركعتين،
ثم يقول: يا رب اني جائع فأطعمني، فإنه يطعم من ساعته) (4).
ومنها: صلاة الحبل، رواها باسناده إلى محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام، قال: (من أراد ان يحبل له فليصلي ركعتين بعد الجمعة، يطيل
فيهما الركوع والسجود، ثم يقول: اللهم إني أسألك بما سألك زكريا إذ قال:
(رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين). اللهم هب لي ذرية طيبة انك

(1) مصباح المتهجد: 749.
(2) مصباح المتهجد: 749.
(3) الكافي 3: 473 ح 1، التهذيب 3: 311 ح 965.
(4) الكافي 3: 475 ح 6، التهذيب 2: 237 ح 939، 3: 312 ح 968.
284

سميع الدعاء. اللهم باسمك استحللتها، وفي أمانتك أخذتها، فإن قضيت
في رحمها ولدا فاجعله غلاما، ولا تجعل للشيطان فيه نصيبا ولا شركا) (1).
ومنها: صلاة الدخول بالزوجة. روى أيضا عن أبي بصير، قال: سمعت
رجلا وهو يقول لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك إني قد أسننت وقد تزوجت
امرأة بكرا صغيرة ولم أدخل بها، وأنا أخاف إذا أدخلت علي أن تكرهني
لخضابي وكبري، فقال أبو جعفر عليه السلام: (إذا دخلت فمرهم قبل أن تصل إليك
أن تكون متوضئة، ثم أنت لا تصل إليها حتى تتوضأ وتصلي ركعتين، ثم مجد
الله وصل على محمد وآل محمد، ثم ادع الله ومر من معها أن يؤمنوا على
دعائك، وقال: اللهم ارزقني إلفها وودها ورضاها، ورضني بها، ثم أجمع
بيننا بأحسن اجتماع وأسر ائتلاف، فإنك تحب الحلال وتكره الحرام) (2).
ومنها: صلاة الاهتمام بالتزويج، رواها أيضا باسناده إلى أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا هم بذلك فليصل ركعتين ويحمد الله، ثم
يقول: اللهم إني أريد أن أتزوج، فقدر لي من النساء أعفهن فرجا،
واحفظهن لي في نفسها وفي مالي، وأوسعهن رزقا، وأعظمهن بركة. وقدر
لي ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد مماتي) (3).
ومنها: صلاة السفر. روى باسناده إلى السكوني عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما استخلف عبد على أهله
بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد سفرا، ويقول: اللهم إني

(1) الكافي 3: 482 ح 3: مصباح المتهجد: 337، التهذيب 3: 315 ح 974.
والآية في سورة الأنبياء: 89، والاقتباس من سروة آل عمران: 38.
(2) الكافي 3: 481 ح 1.
(3) الكافي 3: 481 ح 2.
285

استودعك نفسي وأهلي ومالي، وديني ودنياي وآخرتي، وأمانتي وخواتيم
عملي، إلا أعطاه الله ما سأل) (1).
ومنها: صلاة من خاف شيئا، رواها باسناده إلى حريز عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال: (اتخذ مسجدا في بيتك، فإذا خفت شيئا فالبس ثوبين
غليظين من أغلظ ثيابك وصل فيهما، ثم اجث على ركبتيك فاصرخ إلى الله
وسله الجنة، وتعوذ بالله من شر الذي تخافه، وإياك أن يسمع الله منك
كلمة بغي وإن أعجبتك نفسك وعشيرتك) (2).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: كان علي عليه السلام إذا هاله
شئ فزع إلى الصلاة، ثم تلا هذه الآية: (واستعينوا بالصبر والصلاة) (3).
ومنها: الصلاة للعافية. روى باسناده إلى إسماعيل بن الأرقط - وأمه
أم سلمة أخت أبي عبد الله عليه السلام ورضي عنها - قال: مرضت في شهر رمضان
مرضا شديدا حتى ثقلت، واجتمعت بنو هاشم ليلا للجنازة وهم يرون أني
ميت، فجزعت أمي علي فقال لها أبو عبد الله عليه السلام خالي: (اصعدي إلى
فوق البيت، فابرزي إلى السماء وصلي ركعتين، فإذا سلمت فقولي: اللهم
إنك وهبته لي ولم يك شيئا. اللهم وإني استوهبه (4) مبتدئا فأعرنيه). قال:
ففعلت، فأفقت وقعدت، ودعوا بسحور لهم هريسة فتسحروا بها
فتسحرت معهم) (5).

(1) الكافي 5: 500 ح 1، الفقيه 3: 249 ح 1187، التهذيب 7: 407 ح 1627.
(2) الكافي 3: 480 ح 2، التهذيب 3: 314 ح 973.
(3) الكافي 3: 480 ح 1 والآية في سورة البقرة: 42.
(4) في الكافي: (استوهبكه).
(5) الكافي 3: 478 ح 6، التهذيب 3: 313 ح 970.
286

وباسناده عن جميل، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فدخلت عليه
امرأة وذكرت انها تركت ابنها وقد قالت بالملحفة على وجهه ميتا، فقال
لها: (لعله لم يمت، فقومي فاذهبي إلى بيتك فاغتسلي وصلي ركعتين،
وادعي وقولي: يا من وهبه لي ولم يك شيئا جدد هبته لي، ثم حركيه
ولا تخبري بذلك أحدا). قالت: ففعلت، فحركته فإذا هو قد بكى (1).
وروى باسناده إلى الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
(إذا كانت لك حاجة، فتوضأ وصل ركعتين، ثم احمد الله واثن عليه واذكر
من آلائه، ثم ادع تجب) (2). وفي رواية أخرى عنه عليه السلام - بعد الصلاة -.
(وصل على محمد وآله، وسل تعطه) (3).
ومنها: صلاة الزيارة للنبي صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة عليهم السلام، وهي ركعتان
بعد الفراغ من الزيارة تصلى عند الرأس، وإذا زار أمير المؤمنين عليه السلام صلى
ست ركعات، لان معه آدم ونوحا على ما ورد في الأخبار (4).
قال ابن زهرة - رحمه الله - من زار وهو مقيم في بلده، قدم الصلاة ثم زار
عقيبها (5).
وستأتي صلاة الاحرام إن شاء الله.
وقد تقدمت صلاة التحية للمسجد.
ولا يستحب عندنا صلاة الضحى، بل هي بدعة لا يجوز فعلها، ونقل

(1) الكافي 3: 479 ح 11.
(2) الكافي 3: 479 ح 10.
(3) الكافي 3: 479 ح 9.
(4) فرحة الغري 49، 50، 65، 70، 73، التهذيب 6: 22 ح 51، 34
ح 68.
(5) الغنية: 503.
287

في الخلاف فيه الاجماع (1)، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (صلاة
الضحى بدعة) (2). وما رووه من الاخبار فيها (3) لو صحت فهي منسوخة.

(1) الخلاف 1: 120 المسألة 3.
(2) الكافي 3: 453 ح 9، الفقيه 2: 87 ح 394، التهذيب 3: 69 ح 226،
الاستبصار 1: 467 ح 1807.
(3) صحيح مسلم 1: 497 ح 719، سنن ابن ماجة 1: 439 ح 1380، الجامع
الصحيح 2: 337 ح 473.
288

الركن الخامس: في اللواحق
وفيه فصول ثلاثة:
الفصل الأول
في صلاة السفر، وفيه مطالب
الأول: في محله، وهو الرباعيات من الصلوات الخمس إذا كان أداؤها
في السفر بالاجماع والآية (1).
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (الصلاة في السفر
ركعتان، ليس قبلهما ولا بعدهما شئ، إلا المغرب ثلاث ركعات) (2).
وامر عليه السلام بالإعادة لمن صلى الظهر أربعا في السفر (3)، فعلى هذا
يكون القصر عزيمة لا رخصة.
ومحله أيضا نوافل النهار والوتيرة - لما تقدم - والصوم الواجب.
فيجب الافطار فيه للآية (4)، ولقول النبي صلى الله عليه وآله: (ليس من البر الصيام في

(1) سورة النساء: 101.
(2) التهذيب 2: 13 ح 31، الاستبصار 1: 220 ح 778.
(3) التهذيب 2: 14 ح 33.
(4) سورة البقرة: 185.
289

السفر) (1). وروى جابر: أن أناسا صاموا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله في السفر
فسماهم العصاة (2).
وانفرد الأصحاب بالتخيير في الصلاة في أربعة أماكن: مسجد مكة،
ومسجد المدينة، ومسجد الكوفة، والحائر. وهو في روايات، منها: رواية
حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (من مخزون علم الله الإتمام في أربعة
مواطن: حرم الله، وحرم رسوله، وحرم أمير المؤمنين، وحرم الحسين عليه السلام (3).
وفي رواية عنه عليه السلام: (تتم الصلاة: في المسجد الحرام، ومسجد
الرسول صلى الله عليه وآله، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين عليه السلام) (4).
وقال ابن بابويه: يقصر فيها ما لم ينو مقام عشرة، وتستحب له نية المقام
ليتم، لرواية محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام، قلت: الصلاة بمكة تمام أو
تقصير؟ فقال: (قصر ما لم يعزم مقام عشرة) (5) ومثله رواية معاوية بن وهب
عن الصادق عليه السلام وذكر منها الحرمين (6).

(1) ترتيب مسند الشافعي 1: 271 ح 718، مسند الطيالسي: 238 ح 1721، مسند
أحمد 3: 299، سنن الدارمي 2: 9، صحيح مسلم 2: 786 ح 1115، سنن أبي داود
2: 317 ح 2407، سنن النسائي 4: 177، مسند أبي يعلى 3: 402 ح 1883، شرح
معاني الآثار 2: 62.
(2) ترتيب مسند الشافعي 1: 268 ح 712، صحيح مسلم 2: 785 ح 1114، الجامع
الصحيح 3: 89 ح 710، سنن النسائي 4: 177، شرح معاني الآثار 2: 65، الاحسان
بترتيب صحيح ابن حبان 5: 225 ح 3541.
(3) كامل الزيارات: 249، الخصال: 252، التهذيب 5: 430 ح 1494، الاستبصار 2:
334 ح 1191.
(4) الكافي 4: 587 ح 5، كامل الزيارات: 249، مصباح المتهجد: 674، التهذيب 5:
431 ح 1497، الاستبصار 2: 355 ح 1193.
(5) الفقيه 1: 283، الخصال: 252، عيون أخبار الرضا 2: 18، التهذيب 5: 436
ح 1482، الاستبصار 2: 331 ح 1178.
(6) التهذيب 5: 428 ح 1485، الاستبصار 2: 332 ح 1181.
290

وأجيب: بأن المراد لا يجب التمام عينا حتى يعزم على المقام عشرة،
وبأن الشهرة في الفتوى والرواية لا تعارض بالضد.
إذا عرفت ذلك، فهل الاتمام مختص بالمساجد نفسها أو يعم البلدان؟
ظاهر أكثر الروايات أن مكة والمدينة محل لذلك، فعلى هذا يتم في البلدين.
أما الكوفة ففي مسجدها خاصة، قاله في المعتبر (1).
والشيخ ظاهره الإتمام في البلدان الثلاثة (2).
وأما الحائر فقال ابن إدريس: هو ما دار سور المشهد والمسجد عليه،
دون ما دار سور البلد عليه، لأن الحائر لغة: هو المكان المطمئن، وذلك إنما هو
فيما ذكرناه، وفيه حار الماء (3) يعني به: لما أمر المتوكل باطلاق الماء على قبر
الحسين عليه السلام ليعفيه فكان لا يبلغه (4).
وأفتى ابن إدريس بأن التخيير إنما هو في المساجد الثلاثة دون بلدانها (5)
واختاره في المختلف (6).
وقول الشيخ هو الظاهر من الروايات، وما فيه ذكر المسجد منها فلشرفه
لا لتخصيصه.
والشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد - في كتاب السفر له - حكم
بالتخيير في البلدان الأربعة حتى في الحائر المقدس، لورود الحديث بحرم
الحسين عليه السلام، وقدر بخمسة فراسخ وبأربعة وبفرسخ. قال: والكل حرم وإن

(1) المعتبر 2: 477.
(2) المبسوط 1: 141.
(3) السرائر: 76.
(4) نقله المجلسي في البحار 45: 404 عن بعض مؤلفات الأصحاب.
(5) السرائر: 77.
(6) مختلف الشيعة: 168.
291

تفاوتت في الفضيلة.
واعلم أن ابن الجنيد والمرتضى قالا: لا يقصر في مشاهد الأئمة عليهم السلام (1)
فأجرياها مجرى الأربعة. وظاهرهما نفي التقصير، ولعلهما أرادا نفي تحتمه،
ولم نقف لهما على مأخذ في ذلك، والقياس عندنا باطل.
بقى هنا موضعان آخران قيل فيهما بعدم تحتم القصر:
الأول: إذا كان قصد المسافر أربعة فراسخ فزائدا إلى ما دون الثمانية،
ولم يرد الرجوع ليومه.
قال المفيد - رحمه الله - وابن بابويه: يتخير في قصر الصلاة والصوم (2).
وقال الشيخ: يتخير في قصر الصلاة، ولا يجوز قصر الصوم (3).
والأكثرون على التمام فيهما (4).
وأطلق ابنا بابويه وسلار التخيير في القصر والاتمام (5).
والمأخذ أن هناك أخبارا صحاحا تقدر المسافة بثمانية فراسخ أو مسير
يوم، كخبر عبد الله الكاهلي عن الصادق عليه السلام (6)، وخبر أبي بصير عنه عليه السلام:
(بياض يوم أو بريدان) (7). وخبر علي بن يقطين عن أبي الحسين عليه السلام: (مسير
يوم) (8).

(1) جمل العلم والعمل 3: 47، مختلف الشيعة: 168.
(2) المقنعة: 55، الفقيه 1: 280، 2: 92.
(3) المبسوط 1: 284، النهاية: 161.
(4) منهم ابن إدريس في السرائر: 73 والسيد المرتضى على ما في السرائر: 73، وابن
البراج في المهذب 1: 106، 193.
(5) الفقيه 1: 280، المراسم: 75 وحكاية قول علي بن بابويه في المختلف: 162.
(6) الفقيه 1: 279 ح 1269، التهذيب 3: 207 ح 493، الاستبصار 1: 223 ح 787.
(7) التهذيب 4: 222 ح 651، الاستبصار 1: 223 ح 789.
(8) التهذيب 3: 209 ح 503، الاستبصار 1: 225 ح 799.
292

وهناك اخبار فيها. تقدير التقصير بأربعة فراسخ، كخبر أبي أيوب عن
الصادق عليه السلام (1)، وخبر زيد الشحام عنه عليه السلام: (اثنا عشر ميلا) (2).
واخبار شتى تتضمن ان أهل مكة يقصرون في سفرهم إلى
عرفات (3)، وفي بعضها: (ويلهم - أو ويحهم - وأي سفر أشد منه،
لا تتم) (4).
وأسانيد هذه الأخبار كلها معتبرة، فجمع الشيخان بينهما بالتخيير (5).
قال الفاضل: في بعض هذه الأخبار تصريح بتحتم القصر، كخبر
معاوية بن عمار الصحيح عن الصادق عليه السلام الذي فيه (ويلهم) إلى
آخره (6).
واعلم أن الشيخ في التهذيب ذهب إلى التخيير لو قصد أربعة فراسخ
وأراد الرجوع ليومه (7) وكذا في المبسوط (8) جمعا بين الاخبار، وذكره ابن

(1) الكافي 3: 433 ح 2، التهذيب 3: 207 ح 495، 4: 223 ح 654، الاستبصار
1: 223 ح 791.
(2) التهذيب 3: 208 ح 498، 4: 223 ح 655، الاستبصار 1: 224 ح 794.
(3) راجع الكافي 4: 518 باب الصلاة في مسجد منى، التهذيب 3: 208 ح 999،
الاستبصار 1: 224 ح 795.
(4) الكافي 4: 519 ح 5، الفقيه 1: 286 ح 1302، التهذيب 3: 210 ح 507.
(5) راجع ص 292 هامش 2 و 3.
(6) المختلف: 162.
(7) التهذيب 3: 207 - 208.
(8) الموجود في المبسوط 1: 141 وجوب التقصير، قال في مفتاح الكرامة 3:
503: نقل التخيير في الذكرى عن المبسوط وعبادة المبسوط صريحة في المشهور.
وقال المحقق في المعتبر 2: 467: للشيخ قولان: التقصير والآخر في التهذيب:
التخيير.
293

بابويه في كتابه الكبير (1). وهو قوي، لكثرة الأخبار الصحيحة بالتحديد بأربعة
فراسخ، فلا أقل من الجواز.
وقال ابن أبي عقيل: كل سفر كان مبلغه بريدين وهو ثمانية فراسخ، أو
بريدا ذاهبا وجائيا وهو أربعة فراسخ، في يوم واحد أو ما دون عشرة أيام
- ظاهره أنه إذا قصد بريدا ذاهبا وجائيا فيما دون عشرة أيام - يقصر (2).
الثاني: لو سافر بعد دخول الوقت، وصلى بعد مفارقة الجدران وخفاء
الأذان. وفيه أقوال:
أحداها: قول الشيخ في الخلاف، إنه يجوز له القصر، ويستحب له
الاتمام (3).
وقال ابن أبي عقيل والصدوق: يجب الاتمام (4) قاله في المقنع (5).
وقال في من لا يحضره الفقيه: يتم مع السعة ويقصر مع الضيق (6) وهو
اختيار الشيخ في النهاية (7).
وقال المفيد والمرتضى وابن إدريس يقصر (8) وهو قول علي بن
بابويه (9).
والمأخذ الأخبار المختلفة:

(1) الظاهر أن الكتاب الكبير هو المسمى بمدينة العلم. وهو مفقود. قال الشيخ عند عد
كتب الصدوق في الفهرست: (وكتاب مدينة العلم أبر من كتاب من لا يحضره الفقيه).
(2) مختلف الشيعة: 162.
(3) الخلاف 1: 130 المسألة 14.
(4) مختلف الشيعة: 165.
(5) المقنع: 37.
(6) الفقيه 1: 284.
(7) النهاية: 123.
(8) السرائر: 74، وحكاه عن المفيد والمرتضى العلامة في مختلف الشيعة: 165.
(9) مختلف الشيعة: 165.
294

ففي خبر محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام: يتم، ولو دخل بلده بعد
وجوبها في سفره قصر (1).
وفي خبر بشير النبال عنه عليه السلام: اتمام من خرج بعد الوقت (2) وكذا
رواية الحسن بن الوشاء عن الرضا عليه السلام (3).
ويؤيده انه خوطب بالصلاة بدخول الوقت، وبمضي قدر أدائها
استقرت تماما، والأصل بقاء ما كان.
ويعارضها رواية إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه السلام: اعتبار حال
الأداء في خروجه ودخوله، وقال: (ان لم تفعل فقد والله خالفت رسول
الله صلى الله عليه وآله) (4).
ويدل على التفصيل رواية إسحاق بن عمار، قال: سمعت
أبا الحسن عليه السلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة، فقال:
(ان كان لا يخاف فوت الوقت فليتم، وان كان يخاف خروج الوقت
فليقصر) (5).
ويقرب من هذا ما لو حضر بعد وجوبها في سفره، وقد تضمنته
الاخبار (6) واختلف فيه الأصحاب:

(1) الكافي 3: 434 ح 4، الفقيه 1: 284 ح 1289، التهذيب 3: 222 ح 557،
الاستبصار 1: 239 ح 853.
(2) الكافي 3: 434 ح 2، 3، التهذيب 3: 161 ح 348، 349، الاستبصار 1:
240 ح 854، 855.
(3) الكافي 3: 434 ح 2، 3، التهذيب 3: 161 ح 348، 349، الاستبصار 1:
240 ح 854، 855.
(4) الفقيه 1: 283 ح 1288، التهذيب 2: 13 ح 29، 3: 163 ح 353، الاستبصار
1: 240 ح 856.
(5) التهذيب 3: 223 ح 559، الاستبصار 1: 240 ح 857.
(6) التهذيب 2: 13 ح 29 و 3: 163 ح 353 و 3: 223 ح 559، 560، 222:
557، الكافي 3: 434 ح 4، الفقيه 1: 283 ح 1288، 284 ح 1289، الاستبصار
1: 239 ح 853، 240 ح 856، 241 ح 858، 859. وقد تقدمت أكثر هذه
المصادر وسيأتي بعضها.
295

فأوجب الاتمام (1) ابن بابويه - في الرسالة - والمفيد وابن إدريس،
لأنهم يعتبرون حال الأداء (2).
وخير فيه الشيخ (3).
وفي رواية العيص بن القاسم عن الصادق عليه السلام (يتم) (4). وفي رواية
محمد بن مسلم عنه عليه السلام: (يقصر) (5). وهما صحيحتان.
وابن الجنيد يقول بالتخيير هنا (6) لرواية منصور بن حازم عنه عليه السلام:
(إذا دخل وقت الصلاة على المسافر قبل أن يدخل أهله ثم دخل، إن شاء قصر،
وان شاء أتم، والاتمام أحب إلي) (7).
قال في المعتبر: رواية إسماعيل بن جابر أشهر وأظهر في العمل، مع
ميله إلى التخيير (8).
تنبيه:
لو فاتت هذه الصلاة، قال ابن الجنيد والمرتضى: يقضيها بحسب

(1) في النسخ الثلاث: القصر، وهو سهو بين لمخالفته التعليل ورأي الثلاثة في
المسألة. وانظر: مفتاح الكرامة 3: 490.
(2) السرائر: 74، وحكاه عن ابن بابويه والمفيد العلامة في مختلف الشيعة: 166.
(3) المبسوط 1: 141، النهاية: 123.
(4) التهذيب 3: 162 ح 352.
(5) الكافي 3: 434 ح 4، التهذيب 3: 222 ح 557، الاستبصار 1: 239 ح 853.
(6) مختلف الشيعة: 166.
(7) التهذيب 3: 223 ح 561، الاستبصار 1: 241 ح 859.
(8) المعتبر 2: 480.
296

حالها في أول الوقت (1) واختاره ابن إدريس (2)، ويظهر من الشيخ في
التهذيب (3).
وفي المبسوط: يقضي من خرج من وطنه وفاتته في سفره تماما، ولو
صلاها أداء كانت قصرا (4) ورواه زرارة عن الباقر عليه السلام في القادم من السفر
إلى بلده ثم تفوته الصلاة بعد وجوبها عليه في السفر (5).
وحمله في المعتبر على من دخل ولم يبق من الوقت ما يسع أربعا،
واختار قضاؤها تماما، لرواية زرارة عنه عليه السلام: (يقضي ما فاته كما فاته، إن
كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها، وان كانت صلاة الحضر فليقضها
صلاة الحضر)، ولأن الاستقرار في الذمة لا يتحقق الا عند الفوات، فتعين
الحال الذي حصل فيه الفوات (6).
وقال الفاضل: الأداء والقضاء تمام في الموضعين (7).
ولا اشكال في قضاء نافلتي الظهرين لو سافر بعد دخول الوقت.
ولا بد في أصل المسألة من مضي زمان يسع الطهارة والصلاة، فلو
وسع إحداهما خاصة فهي محل الخلاف، بخلاف الأخرى فإنها تتعين
بحال الأداء قطعا.

(1) حكاه عنهما المحقق في المعتبر 2: 48.
(2) السرائر: 74.
(3) التهذيب 3: 163.
(4) المبسوط 1: 140.
(5) التهذيب 3: 162 ح 351.
(6) المعتبر 2: 480. ورواية زرارة في الكافي 3: 345 ح 7، التهذيب 3: 162
ح 350.
(7) نهاية الإحكام 2: 163، 164.
297

ويلحق بذلك موضعان آخران قيل فيهما بتخلف القصر عن السفر في
الجملة:
الأول: إذا سافر لصيد التجارة، فالأكثر على أنه يقصر في الصوم
ويتم الصلاة (1)، حتى نقل فيه ابن إدريس الاجماع (2).
وفي المبسوط قال: روى أصحابنا انه يتم الصلاة ويفطر الصوم (3).
والمرتضى وابن أبي عقيل وسلار أطلقوا التقصير (4).
ولم نقف على دليل للأولين من كتاب ولا سنة مصرح بها، وظاهر
القرآن يشهد بالمساواة (5) ورواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام حيث
قال: (إذا قصرت أفطرت، وإذا أفطرت قصرت) (6). ومن ثم جنح الفاضلان
إلى التقصير فيهما (7).
ونقل عن ابن بابويه في المعتبر: انه لو مال إلى الصيد حال سفره،
أتم في حال ميله، فإذا عاد إلى طريقه قصر.
قال المحقق: وهو حسن (8).
والظاهر أنه أراد به إذا كان السفر معصية، بناء على أصله من عدم تأثير
صيد التجارة في ذلك، وتبعه ولده في كتابه الكبير، والشيخ، قاله في

(1) راجع: النهاية: 122، المهذب 1: 106.
(2) السرائر: 74.
(3) المبسوط 1: 136.
(4) جمل العلم والعمل 3: 47، المراسم: 74، مختلف الشيعة: 161.
(5) سورة البقرة: 184 - 185، سورة النساء: 101.
(6) الفقيه 1: 280 ح 1270، التهذيب 3: 22 ح 551.
(7) المعتبر 2: 471، نهاية الإحكام 2: 182.
(8) المعتبر 1: 472.
298

المبسوط (1). وقد روى في التهذيب رواية مرسلة أنه قد خرج عن أبي
الحسن عليه السلام: (أن صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة، فإذا عدل عن
الجادة أتم، فإذا رجع إليها قصر) (2). وهذه يظهر منها أن السفر للصيد، وإن
الاتمام مشروط بأن يخرج عن الجادة، أي: الطريق.
ولابن الجنيد هنا قول غريب، حيث قال: والمتصيد مشيا إذا كان دائرا
حول المدينة غير متجاوز حد التقصير لم يقصر يومين، وإن تجاوز الحد
واستمر به دورانه ثلاثة أيام قصر بعدها (3). والذي رواه أبو بصير عن
الصادق عليه السلام أنه قال: (ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام، وإذا جاوز
الثلاثة لزمه) (4) لا حجة له فيه، لعدم دلالته على جميع ما ادعاه، على إنا لم نقف
على سنده.
الموضع الثاني: إذا صار سفره أكثر من حضره، ثم أقام عشرة أيام بنية
المقام، أو كان في بلده ثم سافر، قصر الصلاة والصوم.
وإن أقام دون خمسة فلا حكم له.
وإن أقام خمسة حكم الشيخ ومن تبعه بأنه يقصر النهار، ويتم صلاة
الليل (5).
ويصوم شهر رمضان لرواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام، قال:
(المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام وأقل (6) قصر في سفره

(1) لاحظ: الفقيه 1: 288. والمبسوط 1: 142.
(2) التهذيب 3: 218 ح 543، الاستبصار 1: 237 ح 846.
(3) مختلف الشيعة: 162.
(4) الفقيه 1: 288 ح 1313، التهذيب 3: 218 ح 542، الاستبصار 1: 236 ح 844.
(5) انظر: النهاية: 122 - 123، المبسوط 1: 141، المهذب 1: 106، الوسيلة: 108.
(6) في الفقيه والتهذيب: (أو أقل).
299

النهار، وأتم بالليل، وعليه؟ صوم شهر رمضان. وان أقام عشرة وأكثر
قصر في سفره وأفطر) (1).
وأجيب: بأنها متروكة الظاهر، لان الأقل من خمسة لا عبرة به قطعا،
مع معارضتها بأصالة بقائه على التمام حتى يثبت المزيل.
وعلى ذلك الحليون رحمهم الله (2).

(1) الفقيه 1: 281 ح 1278 بزيادة عما في المتن، التهذيب 3: 216
ح 531، الاستبصار 1: 234 ح 836.
(2) السرائر: 76، شرائع الاسلام 1: 134، نهاية الإحكام 2: 179.
300

المطلب الثاني: في شروط القصر، وهي ستة.
الأول: ربط المقصد بمقصد معلوم، فلا يقصر الهائم وطالب الآبق
ومستقبل المسافر، إذا جوز الظفر بالحاجة قبل المسافة وان تمادوا في
السفر، لان للسفر تأثيرا في العبادة فلا بد من نيته كما تجب النية في
العبادة، ولأن المعتبر السفر إلى مسافة وهو غير معلوم هنا، فلا يترك لأجله
المعلوم من اتمام العبادة.
وسأل صفوان الرضا عليه السلام في الرجل يريد ان يلحق رجلا على رأس
ميل، فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان، قال: (لا يقصر ولا يفطر، لأنه لم
يرد السفر ثمانية فراسخ، وانما خرج ليلتحق بأخيه فتمادى به السير) (1).
والأسير في أيدي المشركين، والمأخوذ ظلما، ان عرف مقصدهم
وقصده ترخص. وان غلب على ظنه بقاء الاستيلاء فكذلك إذا كان
مقصدهم مسافة. وان احتمل الأمرين، أو جهل مقصدهم، لم يترخص.
وكذا العبد مع السيد، والزوجة مع الزوج، والولد مع الوالد.
ولو جوز العبد العتق، والزوجة الطلاق، وعزما على الرجوع متى
حصلا فلا يترخص. قال الفاضل (2)، وهو قريب ان حصلت امارة لذلك (3)
وإلا فالظاهر البناء على بقاء الاستيلاء، وعدم دفعه بالاحتمال البعيد.
ولو بلغه خبر عبده، أو غائبه في بلد يبلغ مسافة، فقصده جزما، فلما

(1) التهذيب 4: 225 ح 662، الاستبصار 1: 227 ح 806، وفي سؤال الراوي:
حتى بلغ النهروان، وهي أربعة فراسخ من بغداد، أيفطر إذا أراد الرجوع ويقصر؟
(2) نهاية الإحكام 2: 171.
(3) في م: كذلك.
301

كان في أثناء الطريق نوى الرجوع ان ظفر به قبل البلد، فهو حينئذ في حكم
الراجع عن السفر، فان كان قد قطع مسافة لم يخرج عن السفر، وإلا خرج.
ومنتظر الرفقة على حد المسافة يقصر إلى ثلاثين يوما.
وعلى أقل منها، وهو جازم بالسفر من دونها، مقصر إذا كان في محل
الترخص.
وان علق سفره عليها، وعلم أو غلب على ظنه وصولها، فكالجازم
بالسفر من دونها.
وان انتفى العلم وغلبة الظن أتم. وكذا لو كان توقفه في محل التمام،
كالذي لم يتجاوز رؤية الجدار وسماع الأذان.
ولو قصد ما دون المسافة ثم قصد كذلك لم يترخص، وان تمادى
في السفر.
وكل هؤلاء يقصرون في العود إذا بلغ السفر مسافة.
الشرط الثاني: استمرار القصد. فلو قصد المسافة ثم رجع عن
قصده، فان كان بعد بلوغ المسافة فلا أثر له ما لم ينو المقام عشرا أو يصل
إلى بلده، وإن نوى الرجوع قبل بلوغ المسافة أتم. وكذا لو تردد عزمه في
الذهاب والرجوع.
فلو كان قد صلى قصرا، فالأصح انه لا يعيد، للامتثال، سواء كان
الوقت باقيا أم لا.
وقال الشيخ في الاستبصار: يعيد مع بقاء الوقت، تعويلا على رواية
سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه: (التقصير في الصلاة في
بريدين، أو بريد ذاهبا وجائيا. فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثنى عشر
ميلا، ثم بلغ فرسخين، ورجع عما نوى وأراد المقام، أتم. وان كان قصر،
302

ثم رجع عن نيته، أعاد الصلاة (1).
وانما فصل الشيخ بالوقت وخروجه، لرواية زرارة عن الصادق عليه السلام
في الرجل يخرج في سفره الذي يريده، فيرجع عن سفره وقد صلى
ركعتين: (تمت صلاته) (2)، فجمع بينهما بذلك.
فرع:
لو تردد عزم المسافر بعد بلوغ المسافة بين الاستمرار وبين الرجوع،
لم يؤثر في الترخص بل له ذلك. فلو تمادى في سفره مترددا، ومضى عليه
ثلاثون يوما، فهل يكون بمثابة من تردد وهو مقيم في المصر؟ فيه نظر:
من وجود حقيقة السفر فلا يضر التردد، ومن اخلال القصد.
ومن موانع الاستمرار أمران:
أحدهما: ان يقطع السفر بعزم إقامة عشرة أيام، فمتى عزم على ذلك
أتم، وهو منصوص عن علي عليه السلام (3) وأهل بيته (4).
ولو علقه بشرط - كلقاء رجل فلقيه - تحقق التمام ما لم يغير النية.
ولو علم أن حاجته لا تنقضي في أقل من عشرة، وهو ناو قضاءها،
فكناوي المقام. ثم إن كان نية المقام على ما دون المسافة، اشترط مسافة
جديدة في خروجه منه، وان كان على مسافة فكذلك، غير أنه يكتفي هنا
بالرجوع في القصر.

(1) الاستبصار 1: 228، والحديث فيه برقم 808، وفي التهذيب 4: 226 ح 664.
(2) الفقيه 1: 281 ح 1272، التهذيب 4: 227 ح 665، الاستبصار 1: 228 ح 809.
(3) أمالي الطوسي 1: 357.
(4) التهذيب 4: 227 ح 666.
303

ولو نوى المسافة فصاعدا، وفي نيته المقام عشرا في أثنائها، لم
يقصر إلا ان يكون ذلك القدر الذي قبل موضع المقام مسافة. ولا فرق بين
كون نية المقام في بلد أو قرية أو حلة أو بادية، ولا بين العازم على استمرار
السفر بعد المقام وغيره.
والظاهر أن بعض اليوم لا يحسب بيوم كامل، بل يلفق. فلو نوى
المقام عند الزوال، اشترط ان ينتهي بزوال الحادي عشر منه.
والأقرب انه
لا يشترط عشرة أيام غير يومي الدخول والخروج، لصدق العدد حينئذ.
ولو تردد عزم المسافر على المقام والخروج، قصر إلى شهر في
رواية أبي ولاد عن الصادق عليه السلام (1). وعن الباقر عليه السلام: إلى ثلاثين يوما (2)،
وهو الأقوى، لان المبين أولى من المجمل بل هو مبني عليه.
ولو رجع عن نية المقام، وكان قد صلى على التمام فرضا ولو صلاة،
بقى على التمام حتى يخرج وإلا قصر، رواه أبو ولاد عن الصادق عليه السلام (3).
ويعارضه رواية حمزة بن عبد الله الجعفري، وقد أقام بمكة ناويا فأتم
الصلاة ثم بدا له، فسأل أبا الحسن عليه السلام فقال: (ارجع إلى التقصير) (4)
وحمله الشيخ على أن الامر بالتقصير إذا خرج فصار مسافرا (5).

(1) الفقيه 1: 280 ح 1271، التهذيب 3: 221 ح 553، الاستبصار 1: 238
ح 851.
(2) الكافي 3: 436 ح 3، التهذيب 3: 219 ح 548، الاستبصار 1: 238 ح 849، ولكن
في الكافي والاستبصار عن أبي عبد الله (عليه السلام).
(3) الفقيه 1: 280 ح 1271، التهذيب 3: 221 ح 553، الاستبصار 1: 238
ح 851.
(4) الفقيه 1: 283 ح 1286، التهذيب 3: 221 ح 554، الاستبصار 1: 239 ح 852.
(5) التهذيب 3: 222، الاستبصار 1: 239.
304

قلت: يمكن ان يقال هذا مختص بمكة وباقي الأماكن الأربعة،
لجواز التمام فيها بغير نية المقام، وسيأتي بحثه.
وهنا فروع:
الأول: انه قيد في الرواية بالفريضة (1). فلو صلى نافلة الزوال أو
العصر فالأقرب ان له الرجوع، لعدم الاسم المعلق عليه.
الثاني: أن الصلاة المؤداة تماما ينبغي أن تكون بعد نية المقام. فلو صلى
فرضا تماما ناسيا قبل نية المقام لم يعتد، سواء خرج الوقت أو لا.
الثالث: لا ريب في تعلق الحكم بمن صلى فرضا تماما لأجل نية
المقام.
فإذا كان في غير الأماكن الأربعة فالامر ظاهر.
وإن كان في أحدها، ونوى الصلاة تماما لأجل المقام، فالحكم ثابت
قطعا، وصورة السؤال في الرواية عمن نوى الإقامة بالمدينة عشرا (2).
وان صلى تماما لشرف البقاع، وذهل [في] تلك (3) الحالة عن نية
المقام، ثم رجع بعد هذه الصلاة، ففي اعتبارها عندي وجهان، من قوله في
الرواية (ان كنت صليت بها فريضة واحدة بتمام فليس لك ان تقصر) (4)

(1) الفقيه: 1 280 ح 1271، التهذيب 3: 221 ح 553، الاستبصار 1: 238
ح 851.
(2) الفقيه 1: 280 ح 1271، التهذيب 3: 221 ح 553، الاستبصار 1: 238
ح 851.
(3) في نسخة (س) أشار بالزيادة على كلمة (تلك) والظاهر أن صحة العبارة على ما
أثبت.
(4) الفقيه 1: 280 ح 1271، التهذيب 3: 221 ح 553، الاستبصار 1: 238 ح 851.
305

والضمير في (بها) يعود إلى المدينة فقد صدق الشرط، ومن أن هذه الصلاة
قد كانت سائغة له بحكم البقعة وان صلاها على ذلك الحكم، كما سبق في
رواية حمزة (1).
الرابع: لو نوى ثم صلى بنية القصر، ثم أتم أربعا ناسيا، ثم تذكر بعد
الصلاة ونوى الخروج، فان كان في الوقت فكمن لم يصل لوجوب
اعادتها. وإن كان قد خرج الوقت احتمل الاجتزاء بها لأنها صلاة تمام
مجزئة، وعدمه لأنه لم يقصد التمام.
الخامس: لو خرج الوقت ولما يصل عمدا أو نسيانا، فللفاضل في
الاجتزاء به وجهان، ينظران إلى استقرارها في الذمة تماما، والى عدم صدق
فعلها.
ولو خرج الوقت لعذر مسقط - كالجنون والاغماء - فكن لم يصل (2).
السادس: لو شرع في الصوم، فهل هو بحكم الصلاة؟ يحتمل
ذلك، لأنه أحد الامرين المرتبين على المقام، وقد قال تعالى: (ولا
تبطلوا أعمالكم) (3). ويحتمل عدم اعتباره، لأنه لم يصل فريضة. والأول
مختار الفاضل (4).
السابع: لو رجع في أثناء الصلاة، حكم الشيخ - في المبسوط - بعدم
عوده إلى التقصير حتى يخرج مسافرا (5).

(1) التهذيب 3: 222، الاستبصار 1: 239.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 193.
(3) سورة محمد: 33.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 193.
(5) المبسوط 1: 139.
306

وتردد فيه المحقق (1)، نظرا إلى افتتاح الصلاة وقد سبق الخبر ب‍ (انها
على ما افتتحت عليه، والى عدم الاتيان بالشرط حقيقة.
وفصل الفاضل: بتجاوز القصر فلا يرجع، وبعدم تجاوزه (2).
فيرجع، لأنه مع التجاوز يلزم من جواز الرجوع ابطال العمل المنهي عنه،
ومع عدم تجاوزه يصدق انه لم يصل بتمام.
وفي الجمع بين هذا التفصيل وبين فتواه بان الشروع في الصوم يلزم
بالاتمام (3) نظر، لأنه في كليهما لم يأت بمسمى الصيام والصلاة، ومن
حيث إن الصوم لا ينعقد فرضه في السفر أصلا ورأسا، بخلاف الصلاة فإن
الركعتين منعقدتان سفرا وحضرا، فلم تقع المخالفة إلا في الركعتين
الأخيرتين، فإذا لم يأت يهما فهو باق على القدر المشترك بين السفر
والحضر.
وأما الصوم فقد فعل منه ما لا يتصور فعله في السفر، فلا يجوز ابطاله
بعد انعقاده. ويحتمل ان يقال ان كان رجوعه عن نيته قبل الزوال صح
الرجوع، لأنه لا يزيد على الافطار في الصوم لمن خرج مسافرا قبل الزوال،
وان كان بعده فلا رجوع، كما لو خرج المسافر بعد الزوال فإنه لا يباح له
الافطار، وهذا قوي.
الثامن: لو نوى المسافر الإقامة عشرا في أثناء الصلاة قصرا، أتمها
لوجود المقتضى، والنية الأولى بجملة الصلاة كافية، فان الركعتين
الأخيرتين تابعة للأوليين، وقد روى ذلك علي بن يقطين عن أبي

(1) الشرائع 1: 136.
(2) نهاية الإحكام 2: 185 ومختلف الشيعة: 169.
(3) انظر نهاية الإحكام 2: 185 - 186.
307

الحسن عليه السلام (1).
فلو نوى الرجوع عن المقام بعد هذه الصلاة، ففيه عندي وجهان:
أحدهما: جوازه، لان ظاهر الرواية ان يكون جميع الصلاة التامة
واقعا قبل الرجوع عن نيته، ولم يقع هنا جملة الصلاة.
وثانيهما: - وهو الأقرب - عدم اعتبار هذا الرجوع، لصدق الصلاة
تماما، والمؤثر في الحقيقة ليس إلا القدر الزائد عن الركعتين الأوليين وقد
حصل هنا.
المانع الثاني: أن يصل إلى بلده، أو بلد له فيه ملك قد استوطنه ستة
أشهر، فيتم حينئذ وان كان جازما على السفر بعد قبل تخلل عشرة، رواه
محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام، وقد سأله عن الاستيطان
فقال: (ان يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر) (2).
وروى عمار عن الصادق عليه السلام: (يتم ولو لم يكن له إلا نخلة
واحدة) (3).
ولا يشترط في الإقامة التتالي، للعموم الشامل للمتفرق.
ولا السكنى في الملك، فلو سكن في غيره أجزأ.
ولا كون الملك له صلاحية السكنى، لحديث النخلة. نعم، يشترط
كون السكنى بعد الملك، فلو تقدمت أو بعضها على الملك لم يعتد بها،
لأنه المفهوم من الاستيطان.

(1) الكافي 3: 435 ح 8، الفقيه 1: 285 ح 1299، التهذيب 3: 324 ح 564.
(2) الفقيه 1: 288 ح 1310، التهذيب 3: 213 ح 520، الاستبصار 1: 231
ح 821.
(3) التهذيب 3: 211 ح 512، الاستبصار 1: 229 ح 814.
308

ويشترط أيضا دوام الملك، فلو خرج عن ملكه زال الحكم، لأن
الصحابة لما دخلوا مكة قصروا فيها (1) لخروج املاكهم.
ويشترط ملك الرقبة، فلا تكفي الإجارة، والتملك بالوصية.
ولو تعددت المواطن في البلد الواحد، كفى استيطان الأول منها ستة
أشهر، ولو خرج عن ملكه إذا بقى الباقي على ملكه.
ولو كان في طريق المسافر مواطن، قصر بين كل موطنين بينهما
مسافة، وأتم فيها وفيما بين كل موطنين تقصر عن المسافة.
ولو اتخذ بلدا دار مقامة على الدوام، فالظاهر أن حكمه حكم
الملك، وكذا لو اتخذ بلدانا للمقام دواما على التناوب.
وهل يشترط هنا استيطان الستة الأشهر؟ الأقرب ذلك، لتحقق
الاستيطان الشرعي مضافا إلى العرفي.
فروع:
الأول: إذا سبقت نية المقام ببلد عشرة أيام على الوصول إليه، ففي
انقطاع السفر بما ينقطع به الوصول إلى بلده من مشاهدة الجدار وسماع
الأذان وجهان، من صيرورته كبلده، ومن ضعف المانع من القصر هنا،
هو الآن مسافر حقيقة فيستصحب حكمه حتى يخرج عنه اسم السفر.
وكذا الوجهان لو خرج منه إلى مسافة هل يترخص بمجرد الخروج أو
خفاء الأذان والجدار؟ فيه الوجهان.
الثاني: لو نوى المقام في أثناء المسافة عشرا ولما يقمها ثم سافر،

(1) السنن الكبرى 3: 136، 153، وانظر صحيح البخاري 2: 53، صحيح مسلم
1: 481 ح 693.
309

فالظاهر أنها سفرة ثانية، سواء كان ذلك في صوب المقصد أو لا.
أما لو وصل إلى وطنه، فان كان لم يقصد تجاوزه في سفره، ثم
عرض له سفر آخر إلى وطنه الآخر قبل العشرة، فكالأول. وحينئذ لو
تجددت له سفرات ثلاث على هذا الوجه أتم في الثالثة، وإن كانت على
صوب المقصد.
وان كان من عزمه اتصال السفر في أول خروجه ومر على أوطانه،
فالحكم: بتعدد السفر هنا إذا لم يتخلل مقام عشرة، بعيد، لأنها سفرة
واحدة متصلة حسا وان انفصلت شرعا، ومن ثم لم يذكر الأصحاب
الاحتمال في ذلك.
ويحتمل ضعيفا احتسابها، لانقطاع سفره الشرعي بذلك، وكون
الآخر سفرا مستأنفا، ومن ثم اشترطت المسافة.
الثالث: لو خرج من بلده إلى مسافة نوى المقام بها عشرا، ولما
يتمها ثم عاد إلى بلده، فهل تحسب هذه ثانية؟ فيه الوجهان.
الشرط الثالث: كون المقصود مسافة، وهي ثمانية فراسخ، كل
فرسخ ثلاثة أميال، كل ميل أربعة آلاف ذراع، كل ذراع أربع وعشرون
إصبعا، كل إصبع سبع شعيرات - وقيل ست عرضا (1) - كل شعيرة سبع
شعرات من شعر البرذون.
وقدر أهل اللغة الميل بقدر مد البصر من الأرض المستوية (2).
وروي تقديره بألف وخمسمائة ذراع (3) وحمل على سهو الراوي،

(1) راجع: المهذب البارع 1: 480، التنقيح الرائع 1: 285، المدارك 4: 430،
مفتاح الكرامة 3: 497.
(2) الصحاح 5: 1823، ابن أثير 4: 383، لسان العرب 11: 639.
(3) الفقيه 1: 286 ح 1303.
310

وانه ثلاثة آلاف وخمسمائة فاسقط ثلاثة، والطعن في الرواية رأسا أولى
من نسبته إلى السهو في بعضها، وقد أوردها في من لا يحضره الفقيه.
وقدرت المسافة في رواية سماعة: ب‍ (الثمانية) (1).
وفي رواية أبي أيوب عن الصادق عليه السلام: ب‍ (بريدين، أو بياض
يوم) (2).
وفي رواية علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام: ب‍ (مسير يوم) (3).
ولو أراد الرجوع ليومه كفى أربعة فراسخ فصاعدا، لقول الصادق عليه السلام
في رواية معاوية بن وهب: (بريد ذاهبا، وبريد جائيا) (4).
وفي رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: (إذا ذهب بريدا، ورجع
بريدا، فقد شغله يومه) (5).
فروع:
الأول: لو قصد الرجوع لليلته، أو في ليلته ويومه، فالأقرب القصر
مع اتصال السفر. نعم، لو قطعه بالمبيت انقطع الترخص، لحصول راحة
الليل حينئذ.
وروى الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام، قال: (انما وجب التقصير
في ثمانية فراسخ، لا أقل من ذلك ولا أكثر، لان ثمانية فراسخ مسيرة (6) يوم

(1) التهذيب 3: 207 ح 492، الاستبصار 1: 222 ح 786.
(2) التهذيب 3: 210 ح 506، الاستبصار 1: 225 ح 802.
(3) التهذيب 3: 209 ح 503، الاستبصار 1: 225 ح 799.
(4) التهذيب 3: 208 ح 496، 4: 224 ح 657، الاستبصار 1: 223 ح 792.
(5) التهذيب 4: 224 ح 658.
(6) في النسخ (من) والمتنبت (مسيره) من المصادر أوجه.
311

للعامة والقوافل والأثقال، ولم يجب في مسير يوم لما وجب في مسير
سنة، لان كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم، فلو لم
يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره) (1)، وهو يدل على ما قلناه من
انقطاع سفره بالمبيت.
الثاني: لو كان المقصد زيادة على الأربعة فكالأربعة.
ولو نقص - كالثلاثة يتردد فيها ثلاث مرات - لم يترخص لخروجه
عن اسم المسافر (2)، وإلا لزم تقصير المتردد في أقل من ميل، وهو باطل.
الثالث: ثبتت المسافة بالاعتبار بالأذرع، وحينئذ لا فرق بين قطعها
في يوم أو أقل أو أكثر.
ولو لم يتفق ذلك، فالظاهر أن مسير يوم كاف في الأرض المعتدلة
والسفر المعتدل، لنطق الاخبار به وعسر المساحة.
نعم، لو قصد مسافة في زمان يخرج به عن اسم المسافر - كالسنة -
فالأقرب عدم القصر، لزوال التسمية.
ومن هذا الباب، لو قارب المسافر بلده، فتعمد ترك الدخول إليه
للترخص، ولبث في قرى تقاربه مدة يخرج بها عن اسم المسافر.
ولو أقف في هذين الموضعين على كلام للأصحاب، وظاهر النظر
يقتضي عدم الترخص.
الرابع: لو تعارضت البينتان بالنفي والاثبات في المسافة، فالأقرب
العمل ببينة الاثبات، لان شهادة النفي غير مسموعة.
ولا يكفي اخبار الواحد بها، ويحتمل الاكتفاء به إذا كان عدلا، جعلا

(1) الفقيه 1: 290 ح 1320، علل الشرائع: 266، عيون أخبار الرضا 2: 113.
(2) في (س) المسافة.
312

لذلك من باب الرواية لا من باب الشهادة.
فعلى هذا لو سافر اثنان: أحدهما يعتقد المسافة، والآخر لا يعتقدها،
فالظاهر أن لكل منهما ان يقتدي بالآخر، لصحة صلاته بالنسبة إليه.
ولو شك المكلف في بلوغ المسافة أتم، لأصالة عدمه.
ولو علم في أثناء السفر بلوغ المقصد مسافة، فالظاهر الترخص
حينئذ، وإن قصر الباقي عن مسافة.
ومبدأ المساحة (1) من آخر العمارة في البلد المعتدل، ومن آخر
محلته في البلد المتسع جدا.
الخامس: لو كان لبلد طريقان، أحدهما خاصة مسافة، فسلك
الأقرب أتم، وان سلك الأبعد لعلة غير الترخص قصر، وان كان للترخص
لا غير فالأقرب التقصير للإباحة. وقال ابن البراج: يتم، لأنه كاللاهي
بصيده (2).
ولو رجع قاصد الأقرب بالأبعد، قصر في رجوعه لا غير.
ولو رجع قاصد الأبعد بالأقرب، قصر في ذهابه وإيابه.
الشرط الرابع: كون السفر مباحا - واجبا كان أو ندبا، أو جائزا أو
مكروها - فلا يترخص العاصي، كالآبق، والزوجة الناشز، وتابع الجائز،
وقاطع الطريق، والباغي على الامام، والتاجر في المحرمات.
وقد روى عدم تقصير العاصي لله ولرسوله - كطالب الشحناء،
والسعاية في ضرر على قوم من المسلمين - عمار بن مروان عن

(1) في (س) المسافة.
(2) المهذب 1: 107.
313

الصادق عليه السلام (1).
وروى حماد بن عثمان عنه عليه السلام: (الباغي والعادي ليس لهما ان
يقصرا الصلاة) (2).
والصيد لهوا وبطرا معصية، فلا ترخص فيه، ورواه زرارة عن
الباقر عليه السلام (3).
فروع:
لا يشترط انتفاء المعصية في سفره، انما الشرط انتفاؤها بسفره،
سواء كان نفس السفر معصية - كالفار من الزحف، ومن وقوف عرفات بعد
وجوبه عليه - أو غايته معصية - كما سبق من الباغي والعادي -.
ولو سلك طريقا مخوفا على النفس يغلب معه ظن التلف، فالأقرب
انه عاص بسفره فلا يترخص.
ولو خاف على ماله المجحف به فكذلك.
ولو كان غير مجحف، فالظاهر أنه يترخص، لعدم وجوب حفظ مثل
هذا القدر.
ولو رجع عن المعصية في أثناء السفر اعتبرت المسافة حينئذ، فلو
قصر الباقي أتم.
ولو قصد المعصية في أثناء السفر المباح انقطع ترخصه. فلو عاد إلى
الطاعة، فالظاهر أنه يعود ترخصه ولا تشترط مسافة متجددة، لان المانع

(1) الفقيه 2: 92 ح 409، التهذيب 4: 219 ح 640.
(2) الكافي 3: 438 ح 7، التهذيب 3: 217 ح 539.
(3) التهذيب 3: 218 ح 540، الاستبصار 1: 236 ح 842.
314

كان المعصية وقد زالت، وقد سبق مثله في المائل إلى الصيد ثم يعود عنه.
الشرط الخامس: ان لا يكون سفرة أكثر من حضره، وبها عبر معظم
الأصحاب (1).
ولم يرتضها في المعتبر، محتجا بانة يلزم عليه ان لو أقام في بلده
عشرة ثم سافر عشرين ان يتم في سفره، ولم يقل به أحد.
قال: بل الأولى ان يقال: ان لا يكون ممن يلزمه الاتمام سفرا، كما
تضمنته رواية السكوني عن الصادق عليه السلام، عن الباقر عليه السلام من: (الجابي الذي
يدور في جبايته، والأمير الذي يدور في إمارته، والتاجر الذي يدور في
تجارته من سوق إلى سوق، والراعي، والبدوي) (2).
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام: (المكاري، والكري، والراعي،
والاشتقان) (3) وهو امين البيادر، وقيل: البريد (4).
وفي رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: (الملاحون،
والمكاري، والجمال) (5).
وروى إسحاق بن عمار: الاعراب والملاحين (6).

(1) راجع: المقنعة: 55، جمل العلم والعمل 3: 47، المبسوط 1: 141،
المراسم: 74، مختلف الشيعة: 163.
(2) المعتبر 2: 472.
والرواية في: الفقيه 1: 282 ح 1282، الخصال: 403، التهذيب 3: 214
ح 524.
(3) الكافي 3: 436 ح 1، الفقيه 1: 281 ح 1276، الخصال: 252، التهذيب 3:
215 ح 526.
(4) الفقيه 1: 281.
(5) الكافي 3: 437 ح 2، الفقيه 1: 281 ح 1277، التهذيب 3: 214 ح 525.
(6) الكافي 3: 438 ح 9، التهذيب 3: 215 ح 527، الاستبصار 1: 233 ح 829.
315

ويخرجون هؤلاء عن الكثرة بمقام عشرة أيام منوية سواء كان ببلدهم
أو غيره، وبمقام عشرة في بلدهم وإن لم يكن بنية. قاله الأصحاب وقد
روى ذلك في المكاري عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام (1). ومن ثم
احتمل الشيخ المحقق اختصاص هذا بالمكاري (2)، وجعل الباقين على
التمام وان أقاموا عشرة، وهو بعيد.
فروع:
المعتبر صدق اسم هؤلاء على من سافر، وكذا من كان في معناهم،
وانما يحصل ذلك غالبا بالسفرة الثالثة التي لم تتخلل قبلها تلك العشرة.
وابن إدريس اعتبر ثلاث دفعات كما قلناه، ثم قال: صاحب الصنعة
من المكارين والملاحين والتاجر والأمير، يجب عليهم الاتمام بنفس
خروجهم إلى السفر، لان صنعتهم تقوم مقام تكرر من لا صنعة له (3).
وهو ضعيف، لان العلة كثرة السفر وهي مفقودة هنا.
وفي المختلف: يتمون جميعا في الثانية إذا لم يقيموا بعد الأولى
عشرة (4).
ويضعف بمنع التسمية بهذا القدر، فالأولى التمام في الثالثة مطلقا.
وربما قيل: إذا كان الاسم قد صدق عليهم، فخرجوا لمقام عشرة
أيام ثم عادوا إلى السفر، اكتفي بالمرتين، وان كانوا مبتدئي السفر فلا بد من

(1) تقدمت في 300 الهامش 1.
(2) المعتبر 2: 472.
(3) السرائر: 76.
(4) مختلف الشيعة: 163.
316

الثلاثة.
وهو ضعيف، لان الاسم قد زال وهو الآن كالمبتدأ، لأنه لو لم يزل
وجب الاتمام في السفرة الأولى عقيب العشرة، كما أشار إليه المحقق. وهذا
أيضا يرد على ابن إدريس، لأن الصنعة ان كانت كافية، فلا فرق بين أن
يقيم عشرة أو لا، وهذا التزام حينئذ.
والمراد بالكري في الرواية المكتري. وقال بعض أهل اللغة: قد يقال
الكري على المكاري (1). والحمل على المغايرة أولى بالرواية، لتكثر
الفائدة، ولأصالة عدم الترادف.
ولو أنشأ هؤلاء أسفارا غير صنائعهم - كالحج مثلا، أو التاجر يصير
ملاحا أو مكاريا - فالظاهر أنهم يقصرون، وخصوصا البدوي والملاح،
للتعليل بان (بيوتهم معهم) (2). وربما كان ذلك بحديثين معتبري الاسناد:
أحدهما: رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: (المكاري
والجمال إذا جد بهما السير فليقصرا) (3) ومثله رواه الفضل بن عبد الملك
عن الصادق عليه السلام (4).
ويكون المراد ب‍ (جد السير) ان يكون مسيرهما متصلا، كالحج،
والاسفار التي لا يصدق عليها صنعته.
ويحتمل ان يراد ان المكارين يتمون ما داموا يترددون في أقل من
المسافة، أو في مسافة غير مقصودة، فإذا قصدوا مسافة قصروا، ولكن هذا

(1) القاموس المحيط 4: 382.
(2) الكافي 3: 438 ح 9، التهذيب 3: 215 ح 527، الاستبصار 1: 233 ح 829.
(3) الكافي 3: 437 ح 2، التهذيب 3: 215 ح 528، الاستبصار 1: 233 ح 830.
(4) التهذيب 3: 215 ح 529، الاستبصار 1: 233 ح 831.
317

لا تخصص للمكاري والجمال به، بل كل مسافر.
وقال الكليني رحمه الله - وتبعه الشيخ (1) -: المراد ان يجعلوا المنزلين
منزلا، فيقصرون في الطريق ويتمون في المنزل (2)، لما رفعه إلى أبي
عبد الله عليه السلام بطريق عمران الأشعري عن بعض أصحابنا: (الجمال
والمكاري إذا جد بهما السير، فليقصرا فيما بين المنزلين، ويتما في
المنزل) (3).
قلت: الظاهر أنه أراد به المنزل الذي ينتهيان إليه مسافرين
لا منزلهما، إذ منزلهما لا اشكال فيه.
وعلى تقدير إرادة المنزل مطلقا يكون ذلك الايضاح بالنسبة إلى
منزلهما، وان أريد منزلهما خاصة كان تأكيدا.
وعلى كل تقدير، يلزم ان يقال المكاري والجمال: اما ان يجعلا
المنزلين منزلا أو لا، فإن جعلاه قصرا وإلا أتما، ولعله للمشقة الشديدة
بذلك، لخروجه عن السير المعتاد. وحينئذ في اطراده في باقي الأقسام
تردد، من حيث حصول المشقة به مع قصد المسافة، ومن عدم النص
عليه.
وربما لاح ان تخلف القصر فيمن عدد في الروايات لتخلف قصد
المسافة على الوجه المعتاد غالبا، لأنهم بين:
من لا قصد له في بعض الأحيان، كالبدوي والراعي اللذين يطلبان

(1) الكافي 3: 437 ح 2، التهذيب 3: 215 ح 528 الاستبصار 1: 233 ح 830.
(2) الكافي 3: 437 ح 2، التهذيب 3: 215 ح 528، الاستبصار 1: 233 ح 830.
(3) الفقيه 1: 282 ح 1279، التهذيب 3: 215 ح 530، الاستبصار 1: 233
ح 832.
318

القطر والنبت.
ومن له قصد لا يكون مسافة غالبا، كالأمير والتاجر.
ومن له قصد إلى المسافة لكن لا على الوجه المعتاد، كبعض الامراء
والتجار والمكارين.
ومن له قصد المسافة على وجه المقام، كالملاح الذي أهله معه.
فان قلت: فما يصنع بالبريد والمكاري والجمال؟
قلت: هؤلاء مقاصدهم تارة تستحلق المسافة، وتارة لا تستتبع المسافة.
فإن كانت إلى دون المسافة فظاهر، وان كانت إلى مسافة اغتفرت، لأنهم
اعتادوا مطلق السفر فجروا مجرى الحاضر.
واعلم أن ابن أبي عقيل عمم وجوب القصر على كل مسافر، ولم
يستثن أحدا (1).
الشرط السادس: أن يضرب في الأرض، للتعليق عليه في الآية (2).
وناطه الأصحاب بأمور ثلاثة:
أحدها: أن تتوارى جدران بلده.
والثاني: ان يخفى عليه أذان مصره.
والأول في رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام (3). والثاني في
رواية عبد الله بن سنان عنه عليه السلام (4). وكلاهما صحيحا السند.
والثالث: الاكتفاء بالخروج من منزله، وهو قول ابن بابويه في

(1) مختلف الشيعة: 163.
(2) سورة النساء: 101.
(3) الكافي 3: 434 ح 1، 279، الفقيه 1: 279 ح 1267، التهذيب 2: 12 ح 27، 4:
230 ح 676.
(4) التهذيب 4: 230 ح 675، الاستبصار 1: 242 ح 862.
319

الرسالة (1). ورواه ولده مرسلا عن الصادق عليه السلام: (إذا خرجت من منزلك
فقصر إلى أن تعود إليه) (2).
وابن الجنيد يقول في ظاهر كلامه: أن المسافر في خروجه يقصر إذا
فارق منزله وانقطع عنه رؤية أبيات قريته، وفي رجوعه إلى دخوله منزله.
قال: فان حيل بينه وبين منزله بعد وصوله إليه أتم (3).
واعتبار الأولين هو المشهور بل يكاد يكون اجماعا. ورواية ابن
بابويه عن الصادق عليه السلام مجملة، والمجمل يحمل على المبين.
نعم، روى إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه السلام عن المسافر يدخل
بيوت الكوفة، أيتم الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله؟ قال: (بل
يكون مقصرا حتى يدخل أهله) (4).
وروى العيص عن الصادق عليه السلام: (لا يزال المسافر مقصرا حتى
يدخل أهله) (5).
وتأولهما بعض الأصحاب بان المراد بدخول أهله سماع الأذان (6)، أو
رؤية الجدران، ولا ينافي ذلك دخول الكوفة فإنها كانت واسعة الخطة،
فلعله دخل منها ما لا يسمع فيه اذان محلته.

(1) مختلف الشيعة: 163.
(2) الفقيه 1: 279 ح 1268.
(3) مختلف الشيعة: 164.
(4) الكافي 3: 434 ح 5، الفقيه 1: 284 ح 1291، التهذيب 3: 222 ح 555،
الاستبصار 1: 242 ح 863.
(5) التهذيب 3: 222 ح ح 556، الاستبصار 1: 242 ح 864، وفيهما: (حتى يدخل
بيته).
(6) هو الشيخ في الاستبصار 1: 242، ذيل الحديث 864.
320

تنبيه:
أكثر عبارة الأولين اعتبار أحد الأمرين: من الخفاء، وعدم سماع
الأذان (1).
والمرتضى اعتبر خفاءهما معا في خروجه، وفي دخوله يقصر حتى
يبلغ منزله (2).
واختاره الفاضل في الدخول والخروج (3). فعلى هذا ادراك أحدهما
يجعله بحكم المقيم، سواء كان خارجا إلى السفر، أو راجعا منه.
والمفيد - رحمه الله - ظاهره اعتبار الأذان (4)، وبه صرح سلار (5).
والصدوق - في المقنع - اعتبر خفاء الحيطان (6).
وابن إدريس نص على أن المعتبر بالأذان المتوسط دون الجدران (7).
وفي المبسوط ظاهره ان المعتبر الرؤية، فان حصل حائل فالأذان (8).
والمعتمد خفاء ادراكهما فيهما، عملا بالروايتين الصحيحتين أولا (9).

(1) راجع: الخلاف 1: 128 المسألة 6، المهذب 1: 106، المعتبر 2: 473،
تذكرة الفقهاء 1: 189.
(2) يوجد صدر المسألة في: جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى،
المجموعة الثالثة): 47، ونقل ذيل المسألة عنه المحقق في المعتبر 2: 474،
والعلامة في التذكرة 1: 189.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 189، نهاية الإحكام 2: 172.
(4) المقنعة: 55.
(5) المراسم: 75.
(6) المقنع: 37.
(7) السرائر: 74.
(8) المبسوط 1: 136.
(9) راجع ص 319 الهامش 3، 4.
321

فروع:
يكفي سماع الأذان من آخر البلد، وكذا رؤية آخر جدرانه. اما لو
اتسعت خطة البلد بحيث تخرج عن العادة، اعتبرنا محلته وأذانها كما أولنا
به الرواية.
ولا عبرة باعلام البلد كالمنائر والقلاع والقباب، ولا بسماع الأذان
المفرط في العلو، كما لا عبرة بخفاء الأذان المفرط في الانخفاض.
والأقرب اجراء الصوت العالي مجرى الأذان، والتمثيل بالأذان لأنه
أبلغ الأصوات.
ولو كانت القرية في علو مفرط أو وهدة اعتبر فيها الاستواء تقديرا،
وساكن الحلة (يعتبر الاذان. وفي القرى المفرطة في انخفاض البيوت
يحتمل ذلك وتقدير رؤية الجدار) (1)، وكذا يحتمل رؤية الجدار في حلة
البادية.
وتقارب القريتين لا يجعلهما بحكم الواحدة، وان كثر اختلاطهما
ودخول أهل كل منهما الأخرى من غير تغيير زي.
فحينئذ المسافر من إحداهما في صوب الأخرى يعتبر جدار قريته
وأذانها.
ولو منع المسافر من تمام السفر، فان كان قبل محل الترخص أتم،
وان تجاوز محل الرخصة ورجا زوال المانع وجزم بالسفر قصر.
ولو سافر في السفينة، فردته الريح إلى أن أدرك أحد الأمرين: من

(1) سقط من م، أثبتناه من س.
322

الجدار والأذان، أتم.
ولو عاد المسافر لحاجة قبل بلوغ المسافة أتم في طريقه، لخروجه
عن اسم المسافر. نعم، لو كان غريبا فهو باق على القصر، وإن كان قد
نوى المقام عشرا فيه، أو مضى عليه ثلاثون يوما.
وهنا هنا أمور اشترطها بعض العامة، وليس شرطا عندنا:
فمنها: الخوف (1)، ولا يشترط مجامعته السفر، لخبر يعلى بن أمية
وقول النبي صلى الله عليه وآله: (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته) (2).
وقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله سافر بين مكة والمدينة آمنا لا
يخاف إلا الله تعالى، فصلى ركعتين (3).
احتج داود بظاهر الآية (4).
قلنا: الحديث مبين للمراد منها.
ومنها: نية القصر (5). وليست شرطا عندنا، فلو دخل في صلاة،
وذهل عن نية القصر كانت صحيحة، لأن المقتضي لتسويغ القصر الحكمة
وهي لا تتغير بالنية.
ومنها: عدم الائتمام بالمقيم (6). وليس شرطا، فلو ائتم المقصر بمقيم

(1) شرطه داود، راجع: المحلى 4: 267، حلية العلماء 2: 224.
(2) مسند أحمد 1: 36، سنن الدارمي 1: 354، صحيح مسلم 1: 478 ح 686،
سنن ابن ماجة 1: 339 ح 1065، سنن أبي داود 3: 3 ح 1199، الجامع الصحيح
5: 242 ح 3034، سنن النسائي 3: 116، مسند أبي يعلى 1: 163 ح 181.
(3) المصنف لعبد الرزاق 2: 516 ح 4270، الجامع الصحيح 2: 431 ح 547، سنن
النسائي 3: 117، السنن الكبرى 3: 135.
(4) سورة النساء: 101.
(5) شرطه جماعة راجع: المغني 2: 106، الشرح الكبير 2: 106 وروضة الطالبين
1: 496، حلية العلماء 2: 230، المهذب للشيرازي 1: 110، المجموع 4:
353، الحاوي الكبير 2: 378.
(6) شرطه جماعة، راجع المغني 2: 129، روضة الطالبين 1: 494، حلية العلماء
2: 230، المهذب للشيرازي 1: 110، المجموع 4: 356، الحاوي الكبير 2: 380.
323

لم يتم عندنا، بل هو باق على قصره باجماعنا، لاطلاق القرآن والاخبار.
احتجوا بقوله صلى الله عليه وآله: (انما جعل الامام إماما ليؤتم به) (1).
قلنا: نمنع إمامته في الزائد عن فرض المقصر.
ومنها: انه لا يشترط كون السفر واجبا، لعموم الأدلة (2) وخلاف ابن
مسعود مدفوع، لانقراضه.
ولا يشترط كونه طاعة. واشتراط عطاء ذلك (3) مردود، واحتجاجه
بان النبي صلى الله عليه وآله لم يقصر إلا في سبيل الخير مدفوع بان ذلك لا يمنع من
التقصير في غيره.

(1) المصنف لعبد الرزاق 2: 461 ح 4082، مسند أحمد 2: 314، صحيح البخاري
1: 175، صحيح مسلم 1: 308 ح 411، سنن ابن ماجة 1: 276 ح 846، سنن
أبي داود 1: 164 ح 603، سنن النسائي 2: 83، مسند أبي يعلى 10، 315
ح 5909، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 271 ح 2104، ولم ترد في
الجميع كلمة (إماما).
(2) قاله ابن مسعود، راجع: المغني 2: 100، الشرح الكبير 2: 92.
(3) المغني 2: 100، الشرح الكبير 2: 92.
324

المطلب الثالث: في الاحكام.
وفيه مسائل:
الأولى: لو أتم المقصر عامدا بطلت صلاته، لان القصر عزيمة. هذا
مع العلم بان فرضه القصر. ولو كان جاهلا بذلك، فالمشهور انه لا إعادة
عليه في الوقت ولا بعد خروجه:
اما مع بقائه فخالف فيه أبو الصلاح - رحمه الله - وابن الجنيد، وقال ابن
الجنيد: يستحب له الإعادة مع خروج الوقت (1).
واما مع خروجه فلا نعلم فيه خلافا، إلا ما يظهر من كلام ابن أبي
عقيل حيث قال: من صلى في السفر صلاة الحضر، فصلاته باطلة وعليه
الإعادة، لان الزيادة في الفرض مبطلة (2).
لنا: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام فيمن صلى في السفر
أربعا: (ان كان قرئت عليه آية التقصير، وفسرت له، فصلى أربعا أعاد. وان
لم يكن قرئت عليه، ولم يعلمها، فلا إعادة عليه) (3) والنكرة في سياق النفي
تعم، فيدخل فيه بقاء الوقت وخروجه.
وسأل المرتضى - رضي الله عنه - عن ذلك الرضي - رحمه الله - فقال: الاجماع
على أن من صلى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزئة، والجهل باعداد
الركعات جهل باحكامها فلا تكون مجزئة.

(1) الكافي في الفقه: 116، وحكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة:
66.
(2) مختلف الشيعة: 164.
(3) الفقيه 1: 278 ح 1266، التهذيب 3: 226 ح 571.
325

فأجاب المرتضى بجواز تغير الحكم الشرعي بسبب الجهل، وان كان
الجاهل غير معذور (1).
الثانية: لو أتم الصلاة ناسيا، ففيه ثلاثة أقوال:
أشهرها: انه يعيد ما دام في الوقت، فان خرج فلا إعادة عليه (2).
وصحيحة العيص بن القاسم عن الصادق عليه السلام تدل عليه، حيث سأله عن
مسافر أتم الصلاة، قال: (ان كان في وقت فليعد، وان كان الوقت قد مضى
فلا) (3) فإنه لا يجوز حملها على العامد العالم قطعا، ولا على الجاهل،
لمعارضة الرواية الأولى، فتعين حملها على الناسي.
القول الثاني: لأبي جعفر الصدوق في المقنع: ان ذكر في يومه
أعاد، وان مضى اليوم فلا إعادة (4). وهذا يوافق الأول في الظهرين، واما
العشاء الآخرة:
فان حملنا اليوم على بياض النهار يكون حكم العشاء مهملا.
وان حملناه على ذلك وعلى الليلة المستقبلة إذ صلاة اليوم والليلة
بمثابة اليوم الواحد، وجعلنا آخر وقت العشاء طلوع الفجر كما سلف، وافق
القول الأول أيضا وإلا خالفه.
وان حملنا اليوم على بياض النهار وليلته الماضية، فيكون جزما بان
العشاء تقضى إذا ذكر في بياض النهار، وهذه مخالفة للقول الأول.

(1) راجع روض الجنان: 398.
(2) قال به: الطوسي في النهاية: 123 المحقق في المعتبر 2: 478، العلامة في
مختلف الشيعة: 164.
(3) الكافي 3: 435 ح 376، التهذيب 3: 169 ح 372، الاستبصار 1: 241
ح 860.
(4) المقنع: 38.
326

ومتمسكه صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام في الرجل ينسى
فيصلي في السفر أربع ركعات، قال: (ان ذكر في ذلك اليوم فليعد، وان لم
يذكر حتى مضى ذلك اليوم فلا إعادة) (1).
والأولى حمل كلامه والرواية على صلاتي النهار، فإنهما ظاهران فيه،
فيوافق الأول.
القول الثالث: الإعادة مطلقا. وهو قول علي بن بابويه (2) والشيخ في
المبسوط وعلل فيه بان من قال من أصحابنا: ان كل سهو يلحق في صلاة
السفر يوجب الإعادة، فظاهر، ومن لم يقل يقول: قد زاد به فعليه الإعادة
على كل حال (3).
ويتخرج هنا على القول: بان من زاد خامسة في الصلاة وكان قد قعد
بقدر التشهد تسلم له الصلاة، صحة الصلاة هنا، لان التشهد حائل بين ذلك
وبين الزيادة.
فان قلت: فينبغي لو تعمد الزيادة القول بذلك، لتحقق الخروج من
الصلاة بالتشهد، فان هذا القول من روادف القول بندب التسليم.
قلت: إذا زاد متعمدا لم تكن نية الخروج حاصلة بالتشهد، ولا في
حكم الحاصلة، بل نية البقاء على الصلاة هي الحاصلة فتتحقق الزيادة في
الصلاة، وقد أسلفنا تحقيق الخروج من الصلاة في مسألة وجوب التسليم.
والناسي وان لم تكن نية الخروج له حاصلة إلا انها في حكم الحاصلة.

(1) الفقيه 1: 281 ح 1275، التهذيب 3: 169 ح 373، الاستبصار 1: 241
ح 861.
(2) مختلف الشيعة: 164.
(3) المبسوط 1: 140.
327

فرع: لو قصر المسافر غير الرباعية أعاد مطلقا. وروى إسحاق بن عمار في
امرأة صلت في السفر المغرب ركعتين: (ليس عليها قضاء) (1) وهي متروكة
شاذة.
الثالثة: لو صام المسافر الذي يجب عليه الفطر فرضا عامدا عالما
وجبت الإعادة، للنهي عن الصوم في الكتاب (2) والسنة (3).
وان كان جاهلا بالقصر أجزأ، للنص (4) ورواية حماد عن الحلبي عن
الصادق عليه السلام في الصائم في السفر: (ان كان بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى
عن ذلك فعليه القضاء، وان لم يكن بلغه فلا شئ عليه) (5) وكذا في رواية
عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه عليه السلام (6).
ولو كان ناسيا، فالأشبه الإعادة، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (ان الله تصدق
على مرضى أمتي ومسافريها بالافطار في شهر رمضان، أيعجب أحدكم ان
لو تصدق بصدقة أن ترد عليه!) رواه الأصحاب عن الصادق عليه السلام عنه
صلى الله عليه وآله (7). وقال الصادق عليه السلام في هذه الرواية: (الصائم في شهر رمضان

(1) الفقيه 1: 287 ح 1306، التهذيب 3: 226 ح 572، الاستبصار 1: 220
ح 779.
(2) سورة البقرة: 184، 185.
(3) راجع: الكافي 4: 127 ح 3، التهذيب 4: 217 ح 630.
(4) لعله إشارة إلى ما في الكافي 4: 128 ح 2، 3 حيث هما نص صريح في ذلك.
(5) الكافي 4: 128 ح 1، الفقيه 2: 93 ح 417، التهذيب 4: 220 ح 643.
(6) التهذيب 4: 221 ح 646.
(7) الكافي 4: 127 ح 3، الفقيه 2: 91 ح 403، التهذيب 4: 217 ح 630.
328

في السفر كالمفطر فيه في الحضر) (1)، ولأن فرضه الصوم في غير هذا الزمان
فلا يجزئ عنه هذا الزمان.
وروى ابن بابويه - في من لا يحضره الفقيه - عن محمد بن بزيع، عن
الرضا عليه السلام، قال: سألته عن الصلاة (2) بمكة والمدينة، أتقصير أم تمام؟ قال:
(قصر ما لم يعزم على مقام عشرة أيام) (3) وبه احتج على اعتبار نية الإقامة في
إتمام الصلاة بالأماكن الأربعة (4).
الرابعة: لا فرق بين الصوم والصلاة في الشرائط والاحكام، لما تقدم من
قول الصادق عليه السلام: (هما واحد، إذا قصرت أفطرت، وإذا أفطرت قصرت) (5)
وقد سبق الخلاف في ذلك.
ويفترقان في الأماكن الأربعة، فإن إتمام الصلاة جائز بل أفضل، بخلاف
الصوم فاني لم أقف فيه على نص ولا فتوى، وقضية الأصل بقاؤه على الفطر
لمكان السفر، وإن كان في بعض الروايات في الأماكن لفظ الاتمام فإن الظاهر
أن المراد به الصلاة. والله أعلم.
الخامسة: قال الشيخ: فرض السفر لا يسمى قصرا، لأن فرض المسافر
مخالف لفرض الحاضر (6). ويشكل بقوله تعالى: (فليس عليكم جناح أن
تقصروا من الصلاة) (7) وبعض الأصحاب سماها بذلك. قيل: وهو نزاع

(1) الكافي 4: 127 ح 3، الفقيه 2: 91 ح 403، التهذيب 4: 217 ح 630.
(2) في النسخ: الصوم، وهو سهو بين، وتقدم بلفظ الصلاة في ص 818 الهامش 3.
(3) الفقيه 1: 283 ح 1285، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 18، التهذيب 5: 426
ح 1482، الاستبصار 2: 331 ح 1178.
(4) الفقيه 1: 283.
(5) الفقيه 1: 280 ح 1270، التهذيب 3: 220 ح 551.
(6) المبسوط 1: 136، الخلاف 1: 128 المسألة 4.
(7) سورة النساء: 102.
329

لفظي (1).
السادسة: قال رحمه الله: إذا خرج حاجا إلى مكة، وبينه وبينها مسافة تقصر
فيها الصلاة، ونوى أن يقيم بها عشرا، قصر في الطريق، فإذا وصل إليها أتم.
وإن خرج إلى عرفة يريد قضاء نسكه، لا يريد مقام عشرة أيام إذا رجع إلى مكة
كان له القصر، لأنه نقض. مقامه بسفر بينه وبين بلده يقصر في مثله. وإن كان
يريد إذا قضى نسكه مقام عشرة أيام بمكة أتم بمنى وعرفة ومكة، حتى يخرج
من مكة مسافرا فيقصر (2).
وتبعه المتأخرون، وإن عمم بعضهم العبارة من غير تخصيص بمكة
زادها الله شرفا (3) وظاهرهم اعتبار عشرة جديدة في موضعه الذي نوى المقام
فيه بعد خروجه إلى ما دون المسافة (4) وظاهرهم أن نية إقامة ما دون العشرة في
رجوعه ك‍: لا نية.
السابعة: اجتزأ ابن الجنيد وحده في اتمام المسافر بنية مقام خمسة أيام (5).
وهو مروي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام بطريق أبي أيوب وسؤال
محمد بن مسلم (6)، وحمله الشيخ على الإقامة بأحد الحرمين، أو على
استحباب الاتمام (7). وفيهما نظر، لأن الحرمين عنده لا يشترط فيهما خمسة
ولا غيرها، إن كان أقل من خمس فلا اتمام. وأما الاستحباب فالقصر عنده
عزيمة، فكيف قصر رخصة هنا؟!
الثامنة: ذهب في النهاية إلى أن من سافر فقطع أربعة فراسخ، وصلى

(1) تذكرة الفقهاء 1: 194.
(2) المبسوط 1: 138.
(3) راجع: شرائع الاسلام 1: 136.
(4) راجع: المهذب 1: 109، مختلف الشيعة: 164.
(5) مختلف الشيعة: 164.
(6) الكافي 3: 436 ح 3، التهذيب 3: 219 ح 548، الاستبصار 1: 238 ح 849.
(7) التهذيب 3: 220، الاستبصار 1: 138.
330

قصرا ثم أقام ينتظر رفقة، قصر إلى ثلاثين يوما. وان كان مسيرة أقل من
أربعة فراسخ أتم حتى يسير فيقصر (1).
وفي المبسوط: متى خرج من البلد إلى موضع بالقرب من مسافة
فرسخ أو فرسخين بنية ان ينتظر الرفقة هناك والمقام عشرا فصاعدا أتم.
وان لم ينو عشرا وأقام لانتظارهم قصر إلى شهر.
وكلامه ظاهر في اعتبار خفاء الأذان أو الجدار لان الفرسخ مظنتهما.
وكلامه في النهاية يمكن بناؤه على أمرين:
أحدهما: انه غير جازم بحضور الرفقة وان سفره معلق عليه.
والثاني: ان التقصير جائز في أربعة فراسخ كما هو مذهبه.
وقد قدمنا القول في ذلك كله.
التاسعة: اعتبر ابن البراج في محل الترخص في البدوي أن يتجاوز
موضعه، وفي المقيم في الوادي ان يتجاوز عرضه، وان سافر فيه طولا فأن
يغيب عن موضع منزله (2).
وكانه في هذين الآخرين يعتبر سماع الأذان ورؤية الجدار، وان
قدرهما بما ذكره، وفي البدوي لما لم يكن له دار انتفى اعتبارهما،
والأقرب تقديرهما فيه أيضا.
العاشرة: اعتبر ابن البراج - فيما يلوح من كلامه - في انقطاع سفر من
مر على ضيعته أو أهله النزول ونية المقام عشرا (3).
وصرح أبو الصلاح باشتراط الوطن والنزول فيه، فلو لم ينزله قصر

(1) النهاية: 124.
(2) المهذب 1: 106.
(3) المهذب 1: 106.
331

إلى شهر عنده ما لم ينو المقام عشرة (1).
وقد روى إسماعيل بن الفضل - في الصحيح - أنه سأل الصادق عليه السلام:
(إذا نزلت قراك وضيعتك فأتم الصلاة) (2).
وفي موثقة عمار عنه عليه السلام في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له
أو دار فينزل فيها، فقال: (يتم الصلاة ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة) (3).
وروى ابن بكير عن الصادق عليه السلام في الرجل له بالكوفة دار ومنزل
فيمر بها مجتازا لا يريد المقام إلا بقدر ما يتجهز يوما أو يومين، قال:
(يقيم (4) في جانب المصر، ويقصر). قلت: فان دخل أهله؟ قال: (عليه
التمام) (5).
وفي المبسوط: إذا سافر فمر في طريقه بضيعة له، أو على مال له،
أو كانت له أصهار أو زوجة، فينزل عليهم ولم ينو المقام عشرة أيام قصر،
وقد روي أن عليه التمام. وقد بينا الجمع بينهما، وهو: ان ما روي أنه ان
كان جاء منزله أو ضيعته مما قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا تمم، وإن لم
يكن استوطن ذلك قصر (6)، وأطلق.
فظاهره ان المرور كاف، وتبعه المتأخرون (7) وتشهد له صحيحة سعد

(1) الكافي في الفقه: 117.
(2) الفقيه 1: 287 ح 1309، التهذيب 3: 210 ح 508، الاستبصار 1: 228
ح 810.
(3) التهذيب 3: 211 ح 512، الاستبصار 1: 229 ح 814.
(4) في النسخ: (يتم).
(5) قرب الاسناد: 80، الكافي 3: 435 ح 2، التهذيب 3: 220 ح 550.
(6) المبسوط 1: 136، وراجع: التهذيب 3: 212.
(7) راجع الوسيلة: 109، المعتبر 2: 469، شرائع الاسلام 1: 133، مختلف
الشيعة: 170.
332

ابن أبي خلف، قال: سأل علي بن يقطين أبا الحسن عليه السلام عن الدار تكون للرجل
بمصر أو الضيعة فيمر بها، قال: (إن كان مما قد سكنه أتم فيه الصلاة، وإن كان
مما لم يسكنه فليقصر) (1) والمراد به السكنى ستة أشهر لما سلف. وهو المعتمد.
الحادية عشرة: قال ابن الجنيد أيضا: أن من لم ينزل بقريته يقصر.
وألحق بالملك منزل الزوجة والولد والوالد والأخ، إن كان حكمه نافذا فيه
ولا يزعجونه منه لو أراد به المقام (2) لموثقة الفضل البقباق عن الصادق عليه السلام في
المسافر ينزل على بعض أهله يوما وليلة أو ثلاثا، قال: (ما أحب أن يقصر
الصلاة) (3).
وفي صحيح الفضيل بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام في المسافر ينزل
على بعض أهله يوما أو ليلة، قال: (يقصر الصلاة) (4).
فجمع بينهما بحمل الأولى على نية المقام عشرا (5).
الثانية عشرة: قال بعض الأصحاب: لو قصر المسافر اتفاقا أعاد قصرا (6).
وفيه تفسيرات:
أحدها: أن يكون غير عالم بوجوب القصر، فإنه صلى صلاة يعتقد
فسادها فيجب اعادتها قصرا. وهذا ذكره في المبسوط (7).
الثاني: أن يعلم وجوب القصر، ولكن جهل بلوغ المسافة فقصر فاتفق
بلوغ المسافة، فإنه يعيد لأنه صلى قصرا مع أن فرضه التمام، فيكون

(1) التهذيب 3: 212 ح 518، الاستبصار 1: 230 ح 819.
(2) مختلف الشيعة: 170.
(3) التهذيب 3: 233 ح 608، الاستبصار 1: 232 ح 825.
(4) التهذيب 3: 217 ح 535، الاستبصار 1: 231 ح 824.
(5) مختلف الشيعة: 170.
(6) راجع: شرائع الاسلام 1: 135، قواعد الأحكام: 51.
(7) المبسوط 1: 139.
333

منهيا عنه فيعيد في الوقت قصرا.
أما إذا خرج الوقت، فيحتمل قويا القضاء تماما، لأنه قد كان فرضه
التمام فليقضها كما فاتته. ويحتمل القضاء قصرا، لأنه مسافر في الحقيقة،
وانما منعه من القصر جهل المسافة وقد علمها.
وهذا مطرد فيما لو ترك المسافر الصلاة أو نسيها، ولم يكن عالما
بالمسافة ثم تبين المسافة بعد خروج الوقت، فان في قضائها قصرا أو تماما
الوجهين.
التفسير الثالث: ان يعلم وجوب القصر وبلوغ المسافة، ولكن نوى
الصلاة تماما نسيانا، ثم سلم على ركعتين ناسيا ثم ذكر، فإنه يعيد لمخالفته
ما يجب عليه من ترك نية التمام، وتكون الإعادة قصرا سواء كان الوقت
باقيا أم لا، لان فرضه القصر ظاهرا وباطنا.
ويحتمل قويا هنا اجزاء الصلاة، لان نية التمام لغو، والناسي غير
مخاطب، والتسليم وقع في محله.
الثالثة عشرة: لو صلى المسافر قصرا، ثم تبين انه في موضع سماع
الأذان أو رؤية الجدار، لم يجز لان فرضه التمام، فان كان لم يأت بالمنافي
أتمها وأجزأت على الأقرب، لان نية جملة الصلاة كافية.
ولو نوى المقام عشرة فقصر ناسيا فكذلك.
ولو قصر جاهلا، فالأقرب انه كالناسي. وقال الشيخ نجيب الدين بن
سعيد - في الجامع للشرائع -: لا إعادة عليه (1). ولعله لأنه بنى على
استصحاب القصر الواجب، وخفاء هذه المسألة على العامة. ولما رواه

(1) الجامع للشرائع: 93.
334

منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام، قال: سمعته يقول: (إذا اتيت بلدة
فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة، فان تركه رجل جاهل فليس عليه
إعادة) (1).
وربما حمل الضمير في (تركه) على القصر للمسافر وان لم يجر له
ذكر في الرواية، لأنه قد علم أن الجاهل معذور في التمام.
الرابعة عشرة: تستحب صلاة النوافل المقصورة في الأماكن الأربعة،
لأنه من باب اتمام الصلاة المنصوص عليه. ونقله (2) الشيخ نجيب الدين
محمد بن نما - رحمه - عن شيخه ابن إدريس.
ولا فرق بين أن يتم الفريضة أو لا، ولا بين أن يصلي الفريضة خارجا
عنها والنافلة فيها، أو يصليهما معا فيها.
الخامسة عشرة: يستحب ان يقول المسافر عقيب كل صلاة
مقصورة: سبحان الله والحمد لله ولا اله الا والله أكبر، ثلاثين مرة، جبرا لما
نقص منها. وروى ذلك سليمان بن حفص المروزي عن العسكري عليه السلام
بلفظ (الوجوب) (3) والمراد به تأكد الاستحباب. وتوقف الفاضل في عموم
استحباب هذا العدد غير المقصورة (4) والرواية عن العسكري مصرحة
بالمقصورة، وصرح به أيضا ابن بابويه (5).
السادسة عشرة: يجوز الجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت
للحاضر والمسافر عندنا، لما مر.

(1) التهذيب 3: 221 ح 552.
(2) في م، س: ونقل.
(3) التهذيب 3: 230 ح 594.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 187، تحرير الأحكام: 57.
(5) الفقيه 1: 289، المقنع: 38.
335

وهل يستحب للمسافر الجمع؟ الظاهر ذلك، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله كان
يفعله، منه رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان
في سفر، أو عجلت به حاجة، يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء
الآخرة) (1).
قال: وقال الصادق عليه السلام: (لا بأس أن تعجل العشاء الآخرة في السفر
قبل أن يغيب الشفق) (2).
وفيه إشارة إلى أن تأخيرها أفضل، ولكن روى منصور عنه عليه السلام
وسأله عن صلاة المغرب والعشاء بجمع، قال: (بأذان وإقامتين لا تصل بينهما
شيئا، هكذا صلى رسول الله صلى الله عليه وآله) (3) فعلى هذا لا تصلي بينهما نافلة.
ولا فرق بين ان يجمع بينهما في وقت فضيلة الأولى، أو في وقت
الثانية.
السابعة عشرة: روى البزنطي عن الرضا عليه السلام: حد المسافة بثلاثة
برد (4).
وروى أبو بصير عن الصادق عليه السلام: (مسيرة يومين) (5).
وسندهما جيد، إلا أنهما مخالفان إجماع الأصحاب، فحملا على التقية،
أو على برد لم تزد على بريدين أو مسير يوم في يومين (6).
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: إن شيع الرجل أخاه في

(1) الكافي 3: 431 ح 3، التهذيب 3: 233 ح 609.
(2) الكافي 3: 431 ح 3، التهذيب 3: 233 ح 609.
(3) التهذيب 3: 234 ح 615.
(4) التهذيب 3: 209 ح 504، الاستبصار 1: 225 ح 800.
(5) التهذيب 3: 209 ح 505، الاستبصار 1: 225 ح 801.
(6) التهذيب 3: 209 ح 505، الاستبصار 1: 225 ح 801.
336

الصيام يفطر له، وتشييعه أفضل من صومه (1).
وروى عبد الله بن مسكان ومحمد بن النعمان، عن الصادق عليه السلام: (ان
المسافر إذا ائتم بالحاضر، فان كان في الظهر جعل الفريضة في الركعتين
الأوليين، وان كانت العصر فليجعل الأوليين نافلة والأخيرتين فريضة) (2).
وفيه إشارة إلى كراهة الصلاة نفلا بعد العصر، والى صحة النافلة ممن عليه
فريضة.
وروى معاوية بن عمار عنه عليه السلام: (ان المسافر يقضي نافلة الليل
ماشيا، يتوجه إلى القبلة ثم يمشي ويقرأ، فإذا أراد أن يركع حول وجهه إلى
القبلة وركع وسجد ثم مشى) (3)
وفي رواية إبراهيم بن ميمون عنه عليه السلام: يومئ بالسجود (4).
وفي رواية يعقوب بن شعيب عنه عليه السلام: يومئ بهما، ويجعل
السجود أخفض (5).
وفي مرسلة حريز عنه عليه السلام: لا يسوق المصلي ماشيا الإبل (6)..
وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام، قال: سألته عن رجل
جعل لله عليه ان يصلي كذا وكذا، هل يجزئه ذلك على دابته وهو مسافر؟
قال: (نعم) (7) ويحمل ذلك على العجز، أو إرادة الناذر ذلك.

(1) التهذيب 3: 219 ح 545.
(2) التهذيب 3: 165 ح 360، 226 ح 573.
(3) التهذيب 3: 229 ح 585.
(4) التهذيب 3: 229 ح 587.
(5) الكافي 3: 440 ح 7، التهذيب 3: 229 ح 588.
(6) الكافي 3: 441 ح 9، الفقيه 1: 289 ح 1318، التهذيب 3: 230 ح 592.
(7) التهذيب 3: 231 ح 596.
337

الثامنة عشرة: يكره السفر في البحر، وخصوصا للتجارة. روى
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: (كان أبي يكره الركوب في البحر
للتجارة) (1).
وقال علي عليه السلام: (ما أجمل الطلب من ركب البحر) (2).
وسأل محمد بن مسلم الصادق عليه السلام عن ركوب البحر، فقال: (ولم
يغرر الرجل بدينه؟!) (3).
فإن ابتلى بركوبه استحب أن يقرأ في السفينة: (وما قدروا الله حق
قدره) الآية (4) (بسم الله مجريها ومرسيها ان ربي لغفور رحيم) (5).
وإذا اضطرب به البحر فليقل متكئا على جنبه الأيمن: (بسم الله
أسكن بسكينة الله، وقر بقرار الله، واهدأ بإذن الله، ولا قوة إلا بالله).
وروى قول: (بسم الله) إلى قوله: (ولا قوة إلا بالله) ابن بابويه عن أبي
جعفر عليه السلام (6).
ويحرم ركوبه عند هيجانه، لوجوب التحرز من الضرر وان كان
مظنونا، ولنهي النبي صلى الله عليه وآله عنه (7) والنهي للتحريم.
التاسعة عشرة: يتأكد استحباب التحنك بطرف العمامة في السفر.
روى عمار عن الصادق عليه السلام، انه قال: (من خرج في سفره فلم يدر

(1) الفقيه 1: 293 ح 1333.
(2) الفقيه 1: 293 ح 1336.
(3) الفقيه 1: 293 ح 1334.
(4) سورة الزمر: 67.
(5) سورة هود: 41.
(6) الفقيه 1: 292 ح 1332.
(7) الفقيه 1: 293 ح 1335.
338

العمامة تحت حنكه، فأصابه ألم لا دواء له، فلا يلومن إلا نفسه) (1).
قال ابن بابويه: وقال الصادق عليه السلام: (ضمنت لمن خرج من بيته معتما
ان يرجع إليهم سالما) (2).

(1) الفقيه 1: 173 ح 814.
(2) الفقيه 1: 173 ح 815.
339

الفصل الثاني
في صلاة الخوف
ومطالبه خمسة:
الأول: صلاة ذات الرقاع، واختلف في سبب التسمية بذلك، فقيل: لأن
القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر وصفر كالرقاع (1).
وقيل: كانت الصحابة حفاة فلفوا على أرجلهم الجلود والخرق لئلا
تحترق (2).
قال صاحب المعجم: وقيل: سميت برقاع كانت في ألويتهم.
وقيل: الرقاع اسم شجرة في موضع الغزوة.
قال: وفسرها مسلم في الصحيح بأن الصحابة نقبت أرجلهم من المشي
فلفوا عليها الخرق (3).
وهي على ثلاثة أميال (4) من المدينة عند بئر أروما، هكذا نقلها صاحب
المعجم بالألف، قال: وبين الهجرة وبين هذه الغزاة أربع سنين وثمانية أيام (5).
وقبل: مر بذلك الموضع ثمانية حفاة، فنقبت أرجلهم وتساقطت

(1) معجم البلدان 3: 56.
(2) في السيرة النبوية لابن كثير 3: 160 في حديث أبي موسى: (انما سميت بذلك لما
كانوا يربطون على أرجلهم من الخرق من شدة الحر).
(3) معجم البلدان 3: 56، وراجع: صحيح مسلم 3: 1449 ح 1816، صحيح البخاري
5: 145.
(4) في المصدر: أيام.
(5) معجم البلدان 3: 56.
341

أظفارهم، فكانوا يلفون عليها الخرق (1).
وهذه الصلاة ثابتة بالكتاب والسنة، لقوله تعالى: (وإذا كنت فيهم
فأقمت لهم الصلاة) الآية (2)، وصلاها النبي صلى الله عليه وآله بالموضع المذكور (3)
والتأسي به واجب.
وحكمها ثابت به عندنا وعند الجمهور، إلا أبا يوسف فإنه زعم أنها من
خصائص رسول الله صلى الله عليه وآله (4) لقوله تعالى: (وإذا كنت فيهم).
قلنا: ثبت وجوبها علينا بالتأسي به. ولهذا وجب أخذ الصدقة من
المال، وإن كان تعالى قد قال: (خذ من أموالهم صدقة) (5) ومن ثم لم يسمع
من مانعي الزكاة احتجاجهم بهذه الآية على منعها.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وآله كان قبل نزول هذه الآية متعبدا، إذا خاف أخر
الصلاة إلى أن يحصل الأمن ثم يقضيها، ثم نسخ ذلك بمضمون الآية (6).
وزعم بعض العامة أنها نسخت بفعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك (7).
قلنا: كان ذلك قبل نزول هذه الآية.
وتحقيقها يظهر في مسائل:
الأولى: صلاة الخوف مقصورة سفرا - إجماعا - إذا كانت رباعية،

(1) راجع: نهاية الإحكام 2: 191.
(2) سورة النساء: 102.
(3) صحيح البخاري 5: 145، صحيح مسلم 1: 575 ح 842، سنن أبي داود 2: 13
ح 1238، سنن النسائي 3: 171.
(4) المجموع 4: 405، المغني 2: 251، شرح فتح القدير 2: 63.
(5) سورة التوبة: 103.
(6) سورة النساء: 102.
(7) صحيح البخاري 5: 145، صحيح مسلم 1: 575 ح 842، سنن أبي داود 2: 13
ح 1238، سنن النسائي 3: 171.
342

سواء صليت جماعة أو فرادى. وان صليت حضرا، ففيه أقوال ثلاثة:
أحدها: - وهو الأصح - انها تقصر للخوف المجرد عن السفر كما
تقصر للسفر المجرد عن الخوف - وعليه معظم الأصحاب (1) - سواء صليت
جماعة أو فرادى، لطاهر الآية، ولصحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: (صلاة
الخوف أحق أن تقصر من صلاة سفر ليس فيه خوف) (2).
وفي حسن محمد بن عذافر عن الصادق عليه السلام: (إذا جالت الخيل
تضطرب بالسيوف أجزأ تكبيرتان) (3). وهو ظاهر في الانفراد، لبعد
الجماعة في هذه الحال.
وثانيها: أنها لا تقصر إلا في السفر على الاطلاق. وهو شئ نقله
الشيخ عن بعض الأصحاب (4) اقتصارا على موضع الوفاق، وأصالة اتمام
الصلاة.
وجوابه: إنما يقتصر مع عدم الدليل وهو ظاهر الثبوت.
وثالثها: انها تقصر في الحضر بشرط الجماعة، اما لو صليب فرادى
أتمت وهو قول الشيخ (5) ويظهر من كلام جماعة (6) وبه صرح ابن إدريس (7)
لان النبي صلى الله عليه وآله انما قصرها في الجماعة

(1) راجع: جمل العلم والعمل 3: 48، المهذب 1: 112، الكافي في الفقه:
146، السرائر: 77، مختلف الشيعة: 150.
(2) الفقيه 1: 294 ح 1342، التهذيب 3: 302 ح 921.
(3) الكافي 3: 457 ح 1، التهذيب 3: 300 ح 913.
(4) المبسوط 1: 163، الخلاف 1: 147 المسألة 2.
(5) المبسوط 1: 165.
(6) لاحظ: الوسيلة: 110، الغنية: 561، المراسم: 88.
(7) لاحظ ما ورد في الحدائق 11: 265. وانظر السرائر: 77.
343

قلنا: لوقوع ذلك لا لكونه شرطا.
المسألة الثانية: هذا القصر كقصر المسافر يرد الرباعية إلى ركعتين.
وقال ابن بابويه: سمعت شيخنا محمد بن الحسن يقول: رويت أنه سئل
الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم
جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) (1)؟ فقال:
(هذا تقصير ثان وهو أن يرد الرجل ركعتين إلى ركعة) (2)، وقد رواه حريز عن
أبي عبد الله عليه السلام في الصحيح (3).
وقال ابن الجنيد بهذا المذهب، وأن النبي صلى الله عليه وآله صلى كذلك بعسفان
برواية الباقر عليه السلام، وجابر، وابن عباس، وحذيفة (4).
وقال بعض الرواة: فكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله ركعتان، ولكل طائفة ركعة
ركعة (5).
وهذا قول نادر، والرواية به وإن كانت صحيحة فهي معارضة بأشهر
منها عملا ونقلا، كما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام وقد وصف صلاة
الخوف: أنه يصلي بالأولى ركعة، ثم يصلون الثانية وهو قائم، ثم تأتي
الثانية فيصلي بهم الثانية، ثم يتمون ثانيتهم ويسلم بهم (6) ورواه أيضا

(1) سورة النساء: 101.
(2) الفقيه 1: 295 ح 1343.
(3) الكافي 3: 458 ح 4.
(4) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 151. ورواية الباقر عليه السلام في: مختلف الشيعة:
151. ورواية جابر وابن عباس وحذيفة في: سنن أبي داود 2: 16 ح 1246، السنن
الكبرى 3: 261 - 262، وانظر: المغني 2: 266 - 267، ولكن ليس فيهما ذكر عسفان.
(5) سنن أبي داود 2: 17 ح 1246، وانظر: مختلف الشيعة 151، السنن الكبرى 3:
262، والمغني 2: 266.
(6) الكافي 3: 455 ح 1، المقنع: 39، التهذيب 3: 171 ح 379.
344

عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه عليه السلام (1).
الثالثة: شروط هذه الصلاة أربعة:
أحدها: كون الخصم قويا بحيث يخاف هجومه في حال الصلاة. فلو
ضعف بحيث يؤمن منه الهجوم انتفت هذه الصلاة، لعدم الخوف حينئذ.
وثانيها: ان تكون في المسلمين كثرة تمكنهم ان يفترقوا فرقتين:
إحداهما. تصلي مع الامام، والأخرى بإزاء العدو. فلو لم يكن ذلك لم
تتحقق هذه الصلاة.
وثالثها: ان لا يحوج الحال إلى زيادة التفريق إلى أكثر من فرقتين،
لتعذر التوزيع حينئذ إلا ان يكونوا في صلاة المغرب، ولا يحتاج إلى الزيادة
على الثلاث فان الأقرب مشروعيتها حينئذ، لحصول الغرض.
ولو شرطنا في الخوف السفر، واحتاج إلى أربع فرق في الحضر،
فكذلك.
فلو زاد على الفرق الثلاث في المغرب، وعلى الفرق الأربع، انتفت
الصلاة على هذه الهيئة قطعا.
ورابعها: عند بعضهم ان يكون العدو في خلاف جهة القبلة، إما في
استدبارها أو عن يمينها وشمالها، بحيث لا يمكنهم مقاتلته وهم يصلون
إلا بالانحراف عن القبلة (2)، لان النبي صلى الله عليه وآله انما صلاها والعدو في خلاف
جهة القبلة.
فحينئذ لو كان العدو في القبلة، وأمكنهم ان يصلوا جميعا ويحرس
بعضهم - كما يأتي في صلاة عسفان - أثرت على هذه الصلاة، إذ ليس فيها

(1) الكافي 3: 456 ح 2، الفقيه 1: 293 ح 1337، التهذيب 3: 172 ح 380.
(2) راجع: المبسوط 1: 163، المعتبر 2: 455.
345

تفريق ولا مخالفة شديدة لباقي الصلوات: من انفراد المؤتم مع بقاء حكم
ائتمامه، ومن انتظار الامام إياه، وائتمام القائم بالقاعد.
قال الفاضل: ولو قيل بالجواز - وعنى ذات الرقاع - كان وجها، لعدم
المانع منه، وفعل النبي صلى الله عليه وآله وقع اتفاقا لا أنه كان شرطا (1). وهذا حسن.
وهذه شروط لهيئة ذات الرقاع لا لمجرد القصر، فإن الخوف بمجرده
موجب للقصر وإن لم تحصل باقي هذه الشروط. والمنفرد يصلي قصرا
بغير هذه الشروط. ويجوز أن تكون الفرقة واحدا إذا حصلت المقاومة به.
الرابعة: صفتها ما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام،
قال: (يقوم الامام، وتجيئ طائفة من أصحابه فيقومون خلفه، وطائفة بإزاء
العدو، فيصلي بهم الامام ركعة ثم يقوم ويقومون معه، فيمثل قائما
ويصلون هم الركعة الثانية، ثم يسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون
فيقومون في مقام أصحابهم. ويجيئ الآخرون فيقومون خلف الامام فيصلي
بهم الركعة الثانية، ثم يجلس الامام ويقومون هم فيصلون ركعة أخرى، ثم
يسلم عليهم فينصرفون (بتسليمة).
قال: (وفي المغرب مثل ذلك، يقوم الامام وتجيئ طائفة فيقومون
خلفه ويصلي بهم ركعة، ثم يقوم فيمثل الامام قائما ويصلون
الركعتين ويتشهدون ويسلم بعضهم على بعض، ثم ينصرفون فيقومون في
موقف أصحابهم. ويجيئ الآخرون فيقومون في موقف أصحابهم خلف
الامام، فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس ويتشهد، ويقوم ويقومون هم
معه فيصلون ركعة أخرى، ثم يجلس ويقومون هم فيصلون ركعة أخرى

(1) تذكرة الفقهاء 1: 194.
346

ويسلم عليهم) (1).
وفي صحيحة عبد الرحمن ابن أبي عبد الله، عنه عليه السلام قال: (صلى رسول
الله صلى الله عليه وآله بأصحابه في غزاة ذات الرقاع صلاة الخوف، ففرق أصحابه فرقتين،
أقام فرقة بإزاء العدو وفرقة خلفه. فكبر وكبروا، فقرأ وأنصتوا، فركع فركعوا،
وسجد فسجدوا، ثم استتم رسول الله صلى الله عليه وآله قائما وصلوا لأنفسهم ركعة، ثم
سلم بعضهم على بعض ثم خرجوا إلى أصحابهم وقاموا بإزاء العدو. وجاء
أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى بهم ركعة ثم تشهد وسلم
عليهم، فقاموا فصلوا لأنفسهم ركعة وسلم بعضهم على بعض) (2).
ولم يذكر المغرب في هذه الرواية. وذكر هناك انتظارهم للتسليم،
وهنا تسليمه من غير انتظار، وكلاهما جائزان وان كان الأول أشهر من
الثاني، وعلى الثاني ابن الجنيد وظاهر ابن بابويه (3).
وقال ابن الجنيد: إذا سبقهم بالتسليم لم يبرح من مكانه حتى
يسلموا (4).
الخامسة: يجوز في صلاة المغرب ان يصلي بالأولى ركعة والثانية
ركعتين، كما تضمنته رواية الحلبي (5). قال ابن أبي عقيل: بذلك تواترت
الأخبار عنهم، لتكون لكلتا الطائفتين قراءة (6). وعليه أكثر الأصحاب إذ لم يذكروا

(1) الكافي 3: 455 ح 1، المقنع: 39، التهذيب 3: 171 ح 379.
(2) الكافي 3: 456 ح 2، الفقيه 1: 293 ح 1337، التهذيب 3: 172 ح 380.
(3) الفقيه 1: 293 ح 1337. مع ملاحظة ما افاده في 1: 3.
(4) مختلف الشيعة: 151.
(5) تقدمت في 346 - 347 الهامش 1.
(6) مختلف الشيعة: 151.
347

غيره (1).
وخير الشيخ وأبو الصلاح بين ذلك وبين ان يصلى بالأولى، ركعتين
وبالثانية ركعة (2) وجعل الأول أفضل في كتاب مسائل الخلاف (3) وأحوط في
كتاب الاقتصاد (4) واختاره أيضا ابن الجنيد (5) أعني: ايثار الأول.
وقد روى زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم - في الصحيح - عن
الباقر عليه السلام: (انه يصلي بفرقة ركعتين، ثم يجلس ويشير إليهم بيده فيقومون
فيصلون ركعة ويسلمون، وتجيئ الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة) (6).
وإذا كان الحديثان معتبري الاسناد تعين التخيير. نعم، الأول أفضل،
- وهو مروي عن فعل علي عليه السلام (7) - اما للتأسي به، واما لفوز الفرقة الثانية
بالقراءة المتعينة وبما يوازي فضيلة تكبيرة الاحرام والتقدم، وذلك يحصل
بادراك الركعتين. وعليه الفاضل في التذكرة (8).
وبعض العامة رجح الثاني (9) واختاره الفاضل في القواعد، لئلا تكلف
الثانية زيادة جلوس في التشهد. له وهي مبنية على التخفيف. وهذا ليس
بشئ، لان هذا الجلوس لا بد منه واستدعائه زمانا، فلا يحصل التخفيف

(1) راجع: جمل العلم والعمل 3: 48، الوسيلة: 110، المهذب 1:
113، المراسم: 88.
(2) الكافي في الفقه: 146.
(3) الخلاف 1: 148 المسألة 4.
(4) الاقتصاد: 270.
(5) مختلف الشيعة: 151.
(6) التهذيب 3: 301 ح 918.
(7) انظر المغني 2: 262، الشرح الكبير 2: 133
(8) تذكرة الفقهاء 1: 196.
(9) المجموع 4: 415، المغني 2: 262.
348

بايثار الأولى به. ولأنه معارض بما انه إذا صلى بالأولى ركعتين وبالثانية
ركعة، فإنها تجلس حيث لا يجلس الامام - أعني في تشهدها الأول - وإذا
انعكس كان جلوسها فيه حيث يجلس الامام، وذلك على مقتضى الكلام
الأول نوع تخفيف.
السادسة: قال ابن الجنيد والمرتضى: إذا صلى بالأولى في المغرب
ركعة وأتموا، ثم قام إلى الثالثة التي هي ثانية للثانية، سبح هو وقرأت
الطائفة الثانية (1).
وابن إدريس قال: الاجماع على أنه لا قراءة عليهم (2).
وسيأتي إن شاء الله بحث مأخذ ذلك في الجماعة.
السابعة: ظاهر الأصحاب بقاء اقتداء الثانية في الركعة الثانية حكما،
وان استقلوا بالقراءة والافعال، فيحصل لهم ثواب الائتمام ويرجعون إلى
الامام في السهو، وحينئذ لا ينوون الانفراد عند القيام إلى الثانية.
وابن حمزة - في الواسطة والوسيلة - حكم بأن الثانية تنوي الانفراد في
الركعة الثانية (3).
وكأنه أخذه من كلام الشيخ في المبسوط، حيث قال: ومتى سهت
هذه الطائفة - يعني: الثانية - فيما تنفرد به، فإذا سلم بهم الامام سجدوا هم
لنفوسهم سجدتي السهو. ومتى سهت في الركعة التي تصلي مع الامام، لم
يلزمها حكم ذلك السهو ولا يجب عليها شئ (4). فنفى الشيخ لازم الائتمام

(1) جمل العلم والعمل 3: 48، مختلف الشيعة: 151.
(2) السرائر: 77.
(3) الواسطة: مخطوط، الوسيلة: 110.
(4) المبسوط 1: 165.
349

وهو وجوب سجدتي السهو، ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم.
ويدل على المشهور انهم عدوا من جملة مخالفة هذه الصلاة: ائتمام
القائم بالقاعد، وانه في رواية زرارة - الصحيحة -: ان الباقر عليه السلام قال:
(فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة، وللآخرين التسليم) (1)
ولا يحصل لهم التسليم إلا ببقاء الائتمام.
وللشيخ وابن حمزة أن يمنعا كون ذلك مستلزما لبقاء الائتمام حقيقة،
وإن كان مستلزما له في ثواب الائتمام، وهما يقولان به. على أن التسليم في
الرواية مصرح به ان الامام يوقعه من غير انتظارهم - كما يأتي - وذلك
مقتض لانفرادهم حتما، وانما قال عليه السلام: (وللآخرين التسليم) لأنهم
حضروه مع الامام.
الثامنة: يستحب تخفيف الامام القراءة في الأولى وباقي الافعال
- بالاقتصار على الواجب - ليخفف عن الفرقة الأولى ما هم فيه من حمل
السلاح، ويخففون هم أيضا في ركعتهم التي ينفردون بها ليسرعوا إلى
موقف أصحابهم، ويسرعوا أولئك إلى الصلاة ليتوفروا على مصادمة العدو.
التاسعة: مبدأ انفراد الأولى بعد السجود الثاني من الركعة الأولى،
لانتهاء الركعة التي اقتدوا فيها بذلك. ولو استمروا حتى قام الامام وقاموا
معه جاز، بل هو أفضل، لاشتراكهم في ذلك القيام فلا فائدة في الانفراد
قبله.
قيل: ويجب عليهم ايقاع نية الانفراد (2) لوجوب نية الواجب.
ويحتمل عدمه، لان قضية الائتمام انما هو في الركعة الأولى وقد انقضت،

(1) التهذيب 3: 301 ح 917، تفسير العياشي 1: 272 ح 257.
(2) راجع: المبسوط 1: 163، الوسيلة: 110، الجامع للشرائع: 104.
350

وهذا أقوى.
العاشرة: يستحب تطويل الامام القراءة في انتظار الثانية، ولو
انتظرهم بالقراءة ليحضروها كان جائزا، فيحنئذ يشتغل بذكر الله تعالى إلى
حين حضورهم. والأول أجود، لان فيه تخفيفا للصلاة، وقراءته كافية في
اقتدائهم به وان لم يحضروها كغيرهم من المؤتمين.
وإذا انتظرهم - لفراغ ما بقي عليهم - في تشهده طوله بالأذكار
والدعوات حتى يفرغوا.
ولو سكت أيضا فالأقرب جوازه.
الحادية عشرة: إذا صلى في المغرب بالأولى ركعتين انتظر الثانية في
قراءة الثالثة، فيطولها - كما تقدم - حتى يجيئوا.
ولو انتظرهم في التشهد الأول حكم الفاضل بجوازه، ليدركوا معه
الركعة (1) من أولها (2). وفي صحيح الجماعة - زرارة وفضيل ومحمد بن
مسلم - عن الباقر عليه السلام ايماء إليه، حيث قال: (ثم جلس بهم، ثم أشار
إليهم بيده، فقام كل انسان منهم فصلى ركعة ثم سلموا وقاموا مقام
أصحابهم. وجاءت الطائفة الأخرى فكبروا ودخلوا في الصلاة، وقام الامام
فصلى بهم ركعة ثم سلم، ثم قام كل واحد منهم فصلى ركعة فشفعها بالتي
صلى مع الامام، ثم قام فصلى ركعة ليس فيها قراءة. فتمت للامام ثلاث
ركعات، وللأولين ركعتين في جماعة) (3).
الثانية عشرة: يجب أخذ السلاح على الطائفتين، لتوقف الحراسة

(1) في النسخ: الركعتين، وهو سهو بين.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 196.
(3) التهذيب 3: 301 ح 918، تفسير العياشي 1: 272 ح 257.
351

عليه.
وقال في الخلاف: يجب على الطائفة المصلية، لظاهر الآية (1).
قلنا: وجوبه عليها يستلزم وجوبه على الأخرى بطريق الأولى، لأنها
المستعدة للقتال والمناجزة. على أنه روي في التفسير عن ابن عباس ان
المأمورين بأخذ السلاح هم الذين بإزاء العدو (2).
وابن الجنيد قال: يستحب أخذ السلاح، والامر للارشاد (3)
والمراد بالسلاح هنا آلة الدفع من السيف والخنجر والسكين ونحوه
مما يفري. وفي الجوشن والدرع والمغفر ونحوه مما يكن ولو منع شيئا من
واجبات الصلاة - كالجوشن الثقيل والمغفر السابغ المانع من السجود على
الجبهة - لم يجز أخذه إلا لضرورة.
وقال في المبسوط: يكره أخذه إذا لم يتمكن معه من الصلاة (4).
الثالثة عشرة: لو كان السلاح نجسا، فان كان مما لا تتم فيه الصلاة
منفردا، فهو عفو إذا لم تتعد نجاسته إلى غيره. ولو كان على الدرع وشبهه،
أو كان يتعدى إلى غيره، وليست النجاسة معفوا عنه، لم يجز أخذه إلا
لضرورة.
الرابعة عشرة: يجوز في أثناء الصلاة الضربة والضربتان والطعنة
والطعنتان والثلاث مع تباعدها - اختيارا واضطرارا - لأنه ليس فعلا كثيرا.
ولو احتاج إلى الكثير فأتى به لم تبطل، وتكون كصلاة الماشي.

(1) الخلاف 1: 149 المسألة 7.
(2) مجمع البيان 3: 102، تفسير القرطبي 5: 371، تفسير الطبري 5: 159.
(3) مختلف الشيعة: 152.
(4) المبسوط 1: 164.
352

وكذا يجوز له إمساك عنان الفرس وجذبه إليه - كثيرا وقليلا - لأنه في
محل الحاجة.
الخامسة عشرة: لو ترك أخذ السلاح في موضع وجوبه لم تبطل
صلاته، لان الأخذ ليس شرطا في الصلاة ولا جزء منها، وانما هو واجب
منفصل عن الصلاة.
ولو منع عن كمال الافعال - كزيادة الانحناء في الركوع - كره أخذه إلا
لضرورة، قاله الفاضل (1).
ولو قيل بعدم الكراهة كان وجها، لأنا نتكلم على تقدير وجوب
أخذه، ولا يمنع من الواجب إلا معارضة واجب، وذلك الكمال غير
واجب.
السادسة عشرة: لا تجب التسوية بين الطائفتين في العدد، لأن
الغرض ما يظن به القوة على المدافعة. ولا يشترط كون الطائفة ثلاثة،
والآتيان بضمير الجمع في قوله: (فإذا سجدوا) (2) بناء على الغالب،
والطائفة قد تصدق على الواحد.
ولو علم الإمام ضعف الطائفة الحارسة عن الحراسة في أثناء صلاته
أمدهم ببعض من معه، أو بجميعهم، ثم يبنون على صلاتهم وإن استدبروا
القبلة، للضرورة.
السابعة عشرة: لو عرض الخوف في أثناء صلاة الأمن أتمها
ركعتين.
ولو عجز عن الركوع والسجود أتمها بالايماء، لمكان الضرورة،

(1) تذكرة الفقهاء 1: 197.
(2) سورة النساء: 103.
353

ووجود المقتضي.
ولو أمن في أثناء صلاة الخوف، أتمها عددا إن كان حاضرا، وكيفية
سواء كان حاضرا أو مسافرا.
ولا فرق بين أن يكون قد استدبر أولا أو لم يستدبر.
وقال الشيخ في المبسوط: لو صلى ركعة مع شدة الخوف ثم أمن
نزل وصلى بقية صلاته على الأرض، وان صلى على الأرض آمنا ركعة
فلحقه شدة الخوف فكبر (1) وصلى بقية صلاته إيماء، ما لم يستدبر القبلة
في الحالين، فان استدبرها بطلت صلاته (2). والأقرب الصحة مع الحاجة
إلى الاستدبار، لأنه موضع ضرورة والشروط معتبرة مع الاختيار.
الثامنة عشرة: لا فرق في جواز القصر مع الخوف بين الرجال
والنساء، لحصول المقتضي في الجميع.
وابن الجنيد قال: يقصرها كل من يحمل السلاح من الرجال - حرا
كان أو عبدا - دون النساء في الحرف (3) ولعله لعدم مخاطبتهن بالقتال،
والخوف انما يندفع غالبا بالرجال، فلا أثر فيه للنساء قصرن أم
أتممن.
التاسعة عشرة: لو رأى سوادا مقبلا فظنه عدوا، فقصر أو أومأ، ثم
ظهر خطأ الظن، فالصلاة صحيحة سواء كان الوقت باقيا أو قد خرج، لأنه
امتثل المأمور به، فيخرج عن العهدة.

(1) كذا في النسخ والحدائق 11: 284 عن المبسوط. واما في الجواهر 14: 186
عن المبسوط 1: 166: ركب.
(2) المبسوط 1: 166.
(3) مختلف الشيعة: 151.
354

ولا فرق في ظهور الخطأ بين ظهور كون السواد إبلا مثلا، وبين كونه
عدوا لكن هناك حائل، لتحقق الخوف على التقديرين. إلا أن يكون الحائل
سهل الاطلاع عليه، وهناك مظنته فتركوا الاطلاع، فحينئذ لا تصح الصلاة
للتفريط.
355

المطلب الثاني: صلاة بطن النخل.
وقد ورد ان النبي صلى الله عليه وآله صلاها بأصحابه (1).
قال في المبسوط: روى الحسن عن أبي بكرة عن فعل النبي صلى الله عليه وآله (2).
وصفتها: ان يصلي الامام بالفرقة الأولى مجموع الصلاة والأخرى
تحرسهم، ثم يسلم بهم، ثم يمضوا إلى موقف أصحابهم. ثم يصلي
بالطائفة الأخرى نفلا له وفرضا لهم.
قال في المبسوط: وهذا يدل على جواز صلاة المفترض خلف
المتنفل (3).
وشرطها كون العدو في قوة يخاف هجومه، وامكان افتراق المسلمين
فرقتين لا أزيد، وكونه في خلاف جهة القبلة.
ويتخير بين هذه الصلاة وبين ذات الرقاع. ويرجح هذه إذا كان في
المسلمين قوة ممانعة، بحيث لا تبالي الفرقة الحارسة بطول لبث المصلية.
ويختار ذات الرقاع إذا كان الأمر بالعكس.
ولا تجوز صلاة الجمعة على هذه الهيئة، لأنها لا تنعقد ندبا،
ولا تشرع في مكان مرتين.
وتنعقد على هيئة ذات الرقاع إذا صليت حضرا، فيخطب للأولى
خاصة بشرط كونها كمال العدد فصاعدا، ولا يضر انفراد الامام حال مفارقة

(1) سنن النسائي 3: 178، 179، سنن الدارقطني 2: 60 ح 10، 61 ح 12، 13،
سنن أبي داود 2: 17 ح 1248.
(2) المبسوط 1: 167.
ورواية أبي بكرة في: مسند أحمد 5: 49، سنن أبي داود 2: 17 ح 1248،
سنن النسائي 3: 179، سنن الدارقطني 2: 61.
(3) المبسوط 1: 167.
ورواية أبي بكرة في: مسند أحمد 5: 49، سنن أبي داود 2: 17 ح 1248،
سنن النسائي 3: 179، سنن الدارقطني 2: 61.
356

الفرقة الأولى في أثناء الصلاة، لأنه في حكم الباقي على الإمامة من حيث
انتظاره للثانية، وعدم فعل يعتد به حينئذ. ولا تعدد هنا في صلاة الجمعة، لأن
الامام لم يتم جمعته مع مفارقة الأولى، فالفرقتان تجريان مجرى المسبوقين في
الجمعة الذين يتمون بعد تسليم الامام.
ولو خطب للفرقتين معا، ثم تفرقا حالة الصلاة، كان أجود إذا أمكن
ذلك.
فرع:
قال الشيخ: متى كان في الفرقة الأولى العدد الذين تنعقد بهم الجمعة
وخطب بهم، ثم انصرفوا وجاء الآخرون، لا يجوز ان يصلي بهم الجمعة
إلا بعد أن يعيد الخطبة، لان الجمعة لا تنعقد إلا بخطبة مع تمام العدد (1).
ويريد به الانصراف قبل فراغهم من الصلاة وشروعهم فيها، اما لو
سمعوها وصلوا معه ركعة وأتموها لأنفسهم، فلا تعاد الخطبة هنا لأجل
الثانية قطعا.

(1) المبسوط 1: 167.
357

المطلب الثالث: صلاة عسفان.
وقد نقلها الشيخ في المبسوط بهذه العبارة، قال: ومتى كان العدو في
جهة القبلة، ويكونون في مستوى الأرض لا يسترهم شئ، ولا يمكنهم
أمر يخافون منه، ويكون في المسلمين كثرة، لا تلزمهم صلاة الخوف
ولا صلاة شدة الخوف، وان صلوا كما صلى النبي صلى الله عليه وآله بعسفان جاز.
فإنه قام عليه السلام مستقبل القبلة والمشركون أمامه، فصف خلف رسول
الله صلى الله عليه وآله صف، وصف بعد ذلك الصف صف آخر، فركع رسول الله صلى الله عليه وآله وركعوا
جميعا، ثم سجد عليه السلام وسجد الصف الذين يلونه وقام الآخرون يحرسونه، فلما
سجد الأولون السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم
تأخر الصف الذين يلونه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الآخر إلى مقام
الصف الأول.
ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وآله وركعوا جميعا في حالة، ثم سجد وسجد
الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونه، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وآله
والصف الذي يليه سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعا وسلم بهم جميعا.
وصلى بهم عليه السلام أيضا هذه الصلاة يوم بني سليم (1).
وقال الفاضل - رحمه الله -: لها ثلاث شرائط:
ان يكون العدو في جهة القبلة، لأنه لا يمكن حراستهم في الصلاة
الا كذلك.
وأن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم معها الافتراق فرقتين.

(1) المبسوط 1: 166 - 167.
358

وأن يكونوا على قلة جبل أو مستو من الأرض، لا يحول بينهم وبين
أبصار المسلمين حائل من جبل وغيره، ليتوقوا لبسهم والحمل عليهم ولا
يخاف كمين لهم (1).
قال الفاضلان: وفي العمل بمضمونها نظر، لأنه لم يثبت نقلها بطريق
محقق عن أهل البيت عليه السلام (2).
قلت: هذه صلاة مشهورة في النقل، فهي كسائر المشهورات الثابتة وان
لم تنقل بأسانيد صحيحة، وقد ذكرها الشيخ مرسلا لها غير مسند ولا محيل
على سند، فلو لم تصح عنده لم يتعرض لها حتى ينبه على ضعفها، فلا تقصر
فتواه عن روايته. ثم ليس فيها مخالفة لأفعال الصلاة غير التقدم والتأخر
والتخلف بركن، وكل ذلك غير قادح في صحة الصلاة اختيارا، فكيف عند
الضرورة.

(1) تذكرة الفقهاء 1: 195.
(2) المعتبر 2: 464، تذكرة الفقهاء 1: 195، نهاية الإحكام 2: 192.
359

المطلب الرابع: صلاة شدة الخوف.
وهي ان ينتهي الحال إلى التحام الابطال، وقوة النزال، وعدم التمكن
من الافتراق على الوجوه السابقة.
فالصلاة هنا قصر في العدد، إلا المغرب والصبح فإنهما بحالهما.
ويقصر الجميع في الكيفية، فيصلون ركبانا ومشاة ويركعون ويسجدون،
ومع التمكن يومئون بهما ويجعلون السجود أخفض من الركوع، ومع تعذر
الايماء تجزئ عن كل ركعة: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر،
فعن جميع الصلوات تسبيحتان وعن المغرب ثلاث.
قال الله تعالى: (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) (1).
وروى حماد بن عثمان عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: (إذا التقوا فاقتتلوا فإنما الصلاة حينئذ بالتكبير، فإذا كانوا وقوفا
فالصلاة ايماء) (2).
وفي الصحيح عن زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم، عن أبي
جعفر عليه السلام، قال: (في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم
القتال، فإنه يصلي كل انسان منهم بالايماء حيث كان وجهه. فإذا كانت
المسابقة والمعانقة وتلاحم القتال، فان أمير المؤمنين عليه السلام ليلة صفين - وهي: ليلة
الهرير - لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كل

(1) سورة البقرة: 240.
(2) التهذيب 3: 300 ح 916.
360

صلاة إلا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء، ولم يأمرهم بإعادة
الصلاة) (1). في أخبار كثيرة (2).
فروع:
لا يضر هنا استدبار القبلة والافعال الكثيرة مع الحاجة إليها.
ولو تمكن من السجود على عرف الدابة، أو قربوس السرج، أو من
النزول له، وجب.
وان تمكن من الاستقبال ولو بتكبيرة الاحرام وجب، وإلا سقط.
ولو تمكن من الاستقبال ابتداء وتعذر في الأثناء، أو بالعكس، وجب
فيما تمكن خاصة.
ولا بد من النية والتحريمة والتشهد والتسليم، لقول النبي صلى الله عليه وآله:
(تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) (3).
وتجب الصيغة المشار إليها أولا في التسبيح، للاجماع على اجزائها.
وظاهر الرواية انه يتخير في الترتيب كيف شاء (4). والأجود الأول، ليحصل

(1) الكافي 3: 457 ح 2، التهذيب 3: 173 ح 384، تفسير العياشي 2: 272
ح 256.
(2) راجع: الكافي 3: 458 ح 5، الفقيه 1: 296 ح 1349، التهذيب 3: 174
ح 385، 386.
(3) الكافي 3: 69 ح 2، الفقيه 1: 23 ح 68 وانظر المصنف لعبد الرزاق 2: 72
ح 2539، مسند أحمد 1: 123، سنن أبي داود 1: 16 ح 61، الجامع الصحيح
1: 8 ح 3.
(4) الكافي 3: 457 ح 2، التهذيب 3: 173 ح 384، تفسير العياشي 2: 272
ح 256.
361

يقين البراءة.
وتجوز الجماعة هنا، ولا يشترط فيها الاستقبال مع تعذره، فيصلون
مقتدين به وان اختلفت الجهة، ما لم يتقدموا عليه في صوب وجهه
ويكونون كالمستدبرين حول الكعبة.
فان قلت: قد سلف انه لا يجوز اقتداء المتخالفين في الاجتهاد في
الجهة، فكيف جاز هنا؟
قلت: هنا القبلة معلومة، ولكن الشرع جعل قبلة هؤلاء ما استقبل
وجوههم عند الحاجة إليه، فصار ذلك قبلته بوضع الشرع. ولا يعتقد الآخر
خطأه إذ ليس هنا اختلاف في تعيين القبلة، فجاز الاقتداء هنا بخلاف
الأول، لاعتقاده خطأ صاحبه.
362

المطلب الخامس: في الاحكام
وفيه مسائل:
الأولى: لا فرق في أسباب الخوف بين الخوف من عدو أو لص أو
سبع، فيجوز قصر الكيفية والكمية عند وجود سبب الخوف كائنا ما كان.
ومن ذلك الأسير في أيدي المشركين يخاف من اظهار الصلاة فإنه
يومئ، والظاهر أنه لا يقصر العدد إذا لم يكن مسافرا.
روى سماعة، قال: سألته عن الأسير يأسره المشركون، فتحضر الصلاة
فيمنعه الذي أسره منها، قال: (يومئ إيماء) (1)، ولم يذكر قصر العدد.
وروى محمد بن إسماعيل، قال: سألته عن الصلاة في مواضع فيها
الاعراب، فقال: (إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة وغيرها) (2).
وروى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام في الرجل يلقى السبع وقد حضرت
الصلاة ولا يستطيع المشي مخافة السبع، فإن قام يصلي خاف في ركوعه
وسجوده السبع، وإن توجه إلى القبلة خاف أن يثب عليه، قال: (يستقبل
الأسد، ويصلي ويومئ برأسه إيماء وهو قائم، وإن كان على غير القبلة) (3).
وفي مرسل إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الذي يخاف السبع
أو يخاف عدوا يثب عليه أو يخاف اللصوص: يصلي على دابته إيماء
الفريضة) (4).

(1) الكافي 3: 457 ح 4، الفقيه 1: 294 ح 1341، التهذيب 3: 175 ح 391، 299 ح 910.
(2) الكافي 3: 457 ح 5، التهذيب 3: 299 ح 911.
(3) الكافي 3: 459 ح 7، الفقيه 1: 294 ح 1339، التهذيب 3: 302 ح 915.
(4) التهذيب 3: 302 ح 922.
363

ونحوه في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في خائف اللص والسبع:
(يصلي صلاة المواقفة ايماء على دابته) (1).
الثانية: يجوز للمتوحل والغريق قصر كيفية الصلاة بحسب الامكان،
ولا يقصران العدد إلا في سفر أو خوف. نعم، لو خاف من اتمام الصلاة
استيلاء الغرق، ورجا عند قصر العدد سلامته، وضاق الوقت، فالظاهر أنه
يقصر العدد أيضا.
ولو كان في واد يغشيه السيل، وخاف الغرق إن ثبت مكانه، جاز أن
يصلي صلاة الايماء ماشيا.
ولو كان هناك موضع مرتفع يمكنه الاعتصام به، وجب ولم يصل
مومئا.
ولو عجز عنه، أو عجزت دابته، أو خاف دوران الماء حوله وصعوبة
التخلص منه، صلى ماشيا ولو عدوا.
الثالثة: لو كان المحرم يخاف فوت الوقوف باتمام الصلاة عددا
وأفعالا، ويرجو حصوله بقصرهما أو أحدهما، فالأقرب جوازهما، لأن أمر
الحج خطر وقضاؤه عسر.
ولو كان المديون معسرا وهرب من الدين، وخاف الحبس ان أدركه
واضطر إلى الايماء، جاز أيضا.
اما من عليه قصاص يرجو بالهرب العفو، لسكون غليل الأولياء
فهرب، ففي جواز صلاة الشدة وجه ضعيف، تحصيلا للمصلحة. ووجه
المنع انه عاص بهربه.

(1) الفقيه 1: 295 ح 1348، التهذيب 3: 173 ح 383.
364

ولو احتاج في المدافعة عن ماله إلى صلاة الايماء جاز - سواء كان
حيوانا أو لا - لحرمة المال.
الرابعة: كل سهو يلحق المأمومين حال المتابعة لا حكم له، وحال
الانفراد لكل حكم نفسه. والبحث هنا في تحمل الامام ووجوب متابعة
المأموم، كما تقدم.
الخامسة: تجوز صلاة بطن النخل في الأمن. وجوز الشيخ صلاة
ذات الرقاع وصلاة عسفان (1) فيه لعدم فحش المخالفة. أما صلاة الايماء فلا
شك في عدم جوازها في الأمن.
وأولى بالجواز في غير صلاة الايماء الصلاة في طلب العدو. وقول
الشيخ بالمنع (2) محمول على صلاة الايماء.

(1) المبسوط 1: 167.
(2) المبسوط 1: 167.
365

الفصل الثالث
في صلاة الجماعة
وفضلها عظيم.
قال الله تعالى: (واركعوا مع الراكعين) (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين
درجة) (1). رواه العامة في صحاحهم عن أبي سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وآله
وروي: (بخمس وعشرين درجة) (3). والفذ - بالفاء والذال المعجمة -:
الفرد.
وروينا - في الصحيح - عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام، قال:
(الصلاة في جماعة تفضل على كل صلاة الفرد بأربع وعشرين درجة،
تكون خمسة وعشرين صلاة) (4).
وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (قال أمير
المؤمنين عليه السلام: من سمع النداء فلم يجبه من غير علة فلا صلاة له) (5).

(1) سورة البقرة: 43.
(2) صحيح البخاري 1: 166، مسند أحمد 2: 65، 112، سنن النسائي 2:
103، السنن الكبرى 3: 59، لكن كلها عن ابن عمر، والذي عن أبي سعيد هو
الرواية التالية.
(3) صحيح البخاري 1: 166، مسند أحمد 3: 55، السنن الكبرى 3: 60، كلها
عن أبي سعيد الخدري.
(4) ثواب الأعمال: 59، التهذيب 3: 25 ح 85.
(5) الكافي 3: 372 ح 5، التهذيب 3: 24 ح 84.
367

وقال ابن بابويه: قال الباقر عليه السلام: (من صلى الصلوات الخمس في
جماعة فظنوا به كل خير) (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله: (من صلى الغداة وعشاء الآخرة في جماعة فهو في
ذمة الله تعالى، ومن ظلمه فإنما يظلم الله، ومن أخفره فإنما يخفر الله جل
وعز) (2).
وعن النبي صلى الله عليه وآله: (من صلى الغداة فإنه في ذمة الله، فلا يخفرن الله
في ذمته) (3).
يقال: أخفرته: إذا نقضت عهده. أي من نقض عهده فإنما ينقض
عهد الله، لأنه بصلاته صار في ذمة الله وجواره.
وروى ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام، قال: (هم رسول الله صلى الله عليه وآله
بإحراق قوم كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلون الجماعة، فأتاه رجل
أعمى فقال: يا رسول الله إني ضرير البصر، وربما اسمع النداء ولا أجد من
يقودني إلى الجماعة والصلاة معك. فقال له النبي صلى الله عليه وآله: شد من منزلك إلى
المسجد حبلا واحضر الجماعة) (4).
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام، قال: (صلى
رسول الله صلى الله عليه وآله الفجر، فاقبل بوجهه على أصحابه فسأل عن أناس يسميهم
بأسمائهم، فقال: هل حضروا الصلاة؟ فقالوا: لا يا رسول الله فقال: أغيب

(1) الفقيه 1: 246 ح 1093، وفي الكافي 3: 371 ح 3.
(2) المحاسن: 52 ح 76. وانظر الهامش حيث أشار إلى اختلاف النسخ بين:
حقره... يحقر و: أخفره... يخفر.
(3) مسند أحمد 4: 312، الجامع الصحيح 1: 434 ح 222.
(4) التهذيب 3: 266 ح 753.
368

هم؟ فقالوا: لا. فقال: أما أنه ليس من صلاة أشد على المنافقين من هذه
الصلاة والعشاء، ولو علموا أي فضل فيهما لأتوهما ولو حبوا) (1).
وفي الصحيح عنه عنه عليه السلام: (أن أناسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
أبطؤوا عن الصلاة في المسجد، فقال رسول الله: ليوشك قوم يدعون
[الصلاة] في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم، فتوقد عليهم نار
فتحرق عليهم بيوتهم) (2).
وفي صحاح العامة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله: (والذي نفسي
بيده، لو هممت أن آمر بحطب، ثم آمر بالصلاة، ثم آمر رجلا فيؤم الناس،
ثم أحالها في رحال لا يشهدون الصلاة فاحرق عليهم بيوتهم) (3).
وروى محمد بن عمارة، قال: أرسلت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن
الرجل يصلي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل، أو صلاته في
جماعة، فقال: (الصلاة في جماعة أفضل) (4).
قلت: يعلم من هذا أن الصلاة في جماعة أفضل من ألف صلاة، لأنه
قد ثبت أن الصلاة في مسجد الكوفة بألف صلاة.
ويستحب حضور جماعة أهل الخلاف استحبابا مؤكدا.

(1) المحاسن: 84، أمالي الصدوق: 392، الفقيه 1: 246 ح 1097، التهذيب 3:
25 ح 86.
(2) التهذيب 3: 25 ح 87.
(3) صحيح البخاري 1: 165، صحيح مسلم 1: 451 ح 651، سنن النسائي 2:
107، السنن الكبرى 3: 55. وفي المصادر عوض: ثم أحالها في رحال. قوله:
ثم أخالف إلى رجال. وهو الصحيح.
(4) التهذيب 3: 25 ح 88.
369

قال الصادق عليه السلام في رواية حماد بن عثمان: (من صلى معهم في
الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وآله في الصف الأول) (1).
وقال عليه السلام في رواية حفص بن البختري: يحسب لمن لا يقتدي مثل
من يقتدي (2).
وقال عليه السلام: (من صلى في مسجده، ثم أتى مسجدهم فصلى معهم
خرج بحسناتهم) (3).
وقال عليه السلام: (إذا صليت معهم غفر لك بعدد من خالفك) (4).
وروى زيد الشحام عنه عليه السلام أنه قال: (يا زيد خالقوا الناس
بأخلاقهم، وصلوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم،
وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا. أما إنكم إذا فعلتم ذلك
قالوا: هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفرا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه.
وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوء ما
يؤدب أصحابه!) (5).
وروى العامة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (ما من ثلاثة
في قرية ولا بد ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك

(1) الفقيه 1: 250 ح 1126. وفي الكافي 3: 380 ح 6 عن حماد عن
الحلبي.
(2) الكافي 3: 373 ح 9، الفقيه 1: 251 ح 1127، التهذيب 3: 265
ح 752.
(3) الكافي 3: 380 ح 8، الفقيه 1: 265 ح 1209، التهذيب 3: 270 ح 778.
(4) الفقيه 1: 265 ح 1211، 358 ح 1572.
(5) الفقيه 1: 251 ح 1129.
370

بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية) (1).
واستدل المحاملي - من الشافعية - بهذا الحديث على وجوب
الجماعة على الكافية، وانه ظاهر مذهبهم (2).
وهو معارض بما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله: (صلاة الرجل مع الواحد
أفضل من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أفضل من صلاته مع واحد،
وحيثما كثرت الجماعة فهو أفضل) (3).
ولا يحسن ان يقال الاتيان بالواجب أفضل من تركه. وتفضيله أحد
الفعلين على الآخر يشعر بتجويزهما جميعا، والفرضية تنافي ذلك. فيحمل
الحديث على التغليظ في تركهم الجماعة، أو يكون التوعد على ترك ذلك
دائما بحيث يؤذن بالاستخفاف بالسنة. على أنه ليس بصريح في الجماعة،
لان إقامة الصلاة يصدق على فعلها مطلقا، مع أن الخبر ليس من الصحاح.
وروينا عن زرارة والفضيل، قلنا له: الصلوات في جماعة أفريضة
هي؟ فقال: (الصلوات فريضة، وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات
كلها، ولكنها سنة، من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين، من غير
علة، فلا صلاة له) (4).
وبهذين يحتج على من أوجبها على الأعيان، كالأوزاعي، وأبي ثور،

(1) سنن أبي داود 1: 150 ح 547، سنن النسائي 2: 106، الاحسان بترتيب صحيح ابن
حبان 3: 267، المستدرك على الصحيحين 1: 211.
(2) فتح العزيز 4: 285.
(3) مسند أحمد 5: 140، سنن أبي داود 1: 152 ح 554، سنن النسائي 2: 105،
الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 249 ح 2054، المستدرك على الصحيحين
1. 248، السنن الكبرى 3: 61، وفي الجميع: (أدركني) بدل (أفضل) في
الموصفين، راجع تلخيص الحبير 4: 284.
(4) الكافي 3: 372 ح 6، التهذيب 3: 24 ح 83.
371

وأحمد، وداود، وابن المنذر (1).
قالوا: روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (من سمع النداء فلم
يأته، فلا صلاة له إلا من عذر) (2) وقد روينا نحن مثل ذلك (3).
وروينا عن الصادق عليه السلام: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا صلاة لمن
لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة، ولا غيبة إلا لمن صلى في
بيته ورغب عن جماعتنا. ومن رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته
ووجب هجرانه، وإن رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره، ومن لزم
جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته وثبتت عدالته) (4).
وهو محمول على التأكيد ونفي الكمال، أو على الاستهانة بصلاة
الجماعة. قال الفاضل: أو على الجماعة الواجبة (5) وهي في الجمعة
والعيدين مع الشرائط.
والاجماع على أن الجماعة أفضل من الفرادى.
ويستحب المحافظة على ادراك صلاة الامام من أولها، ففي الخبر عن
النبي صلى الله عليه وآله: (من صلى أربعين يوما في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى،
كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق) (6).

(1) المجموع 4: 189، المغني 2: 155.
(2) سنن ابن ماجة 1: 260 ح 793، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 253،
المستدرك على الصحيحين 1: 245، السنن الكبرى 3: 57.
(3) الكافي 3: 372 ح 5، التهذيب 3: 24 ح 84.
(4) التهذيب 6: 241 ح 596، الاستبصار 2: 12 ح 33.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 170، منتهى الطلب 1: 263.
(6) الجامع الصحيح 2: 7 ح 241، العلل المتناهية 1: 432 ح 735.
372

والمراد بادراكها أن يكبر الامام بحضوره ثم ينوي المأموم بعده، فلو
جرى التكبير في غيبته فليس بمدرك. ولا يكفي ادراك الركوع الأول، سواء
أدرك معه شيئا من القيام الأول أو لا، وسواء كان قد منعه مانع دنيوي أو
أخروي.
وتهذيب الفصل بذكر مطالب ثلاثة:
373

المطلب الأول: في محلها
وفيه مسائل:
الأولى: محلها. وهو الصلوات الخمس المفروضة. وباقي الفرائض
- حتى المنذورة - عندنا. والأداء بالقضاء وبالعكس عندنا، ووافقونا على
الجماعة في القضاء، لأن النبي صلى الله عليه وآله صلى بأصحابه الصبح قضاء (1)، كما
سلف.
وتشرع الجماعة في النوافل السابقة مثل الاستسقاء والعيدين مع
اختلال شروطها. وصلاة الغدير عند أبي الصلاح - رحمه الله - (2) ويظهر من
المفيد - رحمه الله - (3). وفيما يأتي إن شاء الله من إعادة الصلاة خلف الامام (4).
وفيما عداها لا تنعقد، لنهي أمير المؤمنين عليه السلام عن الجماعة في نافلة
رمضان (5) وسبق أيضا من فعل النبي صلى الله عليه وآله (6)، وأنه قال: (لا جماعة في
نافلة) (7).
الثانية: لا فرق بين الرجال والنساء في استحباب الجماعة وإن
لم يكن معهن رجل. ذكره الشيخ (8) وابن البراج وسلار وابن زهرة

(1) التهذيب 2: 265 ح 1058، الاستبصار 1: 286 ح 1049.
(2) الكافي في الفقه: 160.
(3) المقنعة: 34.
(4) سيأتي في ص 381 المسألة 8.
(5) التهذيب 3: 70 ح 227.
(6) تقدم في ص 280، المسألة التاسعة.
(7) التهذيب 3: 64 ح 217، الاستبصار 1: 464 ح 1801.
(8) الخلاف 1: 125 المسألة 35.
374

وأبو الصلاح وابن حمزة وابن إدريس وقال: هو الأظهر في المذهب (1) وهو
مذهب باقي الحليين (2) إلا الفاضل في المختلف (3).
لأن النبي صلى الله عليه وآله أمر أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل أن تؤم
أهل دارها، وكان صلى الله عليه وآله يزورها وجعل لها مؤذنا (4).
وروينا عن إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يؤم
النساء ليس معهن رجل في الفريضة، قال: (نعم) (5).
وعنه عليه السلام: لا بأس بإمامة المرأة النساء، رواه سماعة بن مهران في
الموثق (6) ومثله أرسله عبد الله بن بكير عنه عليه السلام (7).
فإن قلت: فقد روى سليمان بن خالد عنه عليه السلام - في الصحيح - في
المرأة تؤم النساء، فقال: (إذا كن جميعا امتهن في النافلة، وأما المكتوبة
فلا (8).
وفي الصحيح عن الحلبي عنه عليه السلام، قال: (تؤم المرأة النساء) إلى
قوله: (في النافلة، ولا تؤمهن في المكتوبة) (9).

(1) السرائر: 60.
(2) الجامع للشرائع: 97، المعتبر 2: 427، تذكرة الفقهاء 1: 170.
(3) مختلف الشيعة: 154.
(4) سنن أبي داود 1: 161 ح 592، سنن الدارقطني 1: 279، المستدرك على
الصحيحين 1: 203، السنن الكبرى 3: 130.
(5) الكافي 3: 377 ح 3، الفقيه 1: 257 ح 1167، التهذيب 3: 268 ح 767.
(6) التهذيب 3: 31 ح 111، الاستبصار 1: 426 ح 1644.
(7) التهذيب 3: 31 ح 112، الاستبصار 1: 426 ح 1645.
(8) الكافي 3: 376 ح 2، التهذيب 3: 269 ح 768، الاستبصار 1: 426
ح 1646.
(9) التهذيب 3: 268 ح 765، الاستبصار 1: 427 ح 1647.
375

وفي الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام في المرأة تؤم النساء، قال:
(لا، إلا على الميت) (1).
وقال ابن بابويه: سأل هشام أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة هل تؤم
النساء، قال: (تؤمهن في النافلة، فأما في المكتوبة فلا) (2).
قال: وروى هشام عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (صلاة المرأة في
مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها
في الدار) (3).
وروى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا تمنعوا إماءكم المساجد،
وبيوتهن خير لهن) (4).
وقال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها،
وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها) (5).
وكل هذه الأخبار تؤذن بنفي استحباب الجماعة لهن منفردات،
والخبران الأخيران يدلان على أن صلاتهن في البيوت أفضل من إتيان
الجماعة.
قلت: قد نقل عن المرتضى رحمه الله القول بموجبها (6). ويظهر أيضا

(1) الفقيه: 259 ح 1177، التهذيب 3: 206 ح 488.
(2) الفقيه 1: 259 ح 1176، التهذيب 3: 205 ح 487.
(3) الفقيه 1: 259 ح 1178.
(4) سنن أبي داود 1: 155 ح 567، المستدرك على الصحيحين 1: 209، السنن
الكبرى 3: 131.
(5) سنن أبي داود 1: 156 ح 570، المستدرك على الصحيحين 1: 209، السنن
الكبرى 3: 131.
(6) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 60، والعلامة في مختلف الشيعة: 154.
376

من الجعفي حيث قال: ولا تؤمن المرأة النساء في الفرائض، ولا بأس
بإمامتها لهن في النوافل (1). وفي المختلف مال إليه لصحة الأخبار (2)
به ويمكن حملها على نفي الاستحباب المؤكد، لا مطلق الاستحباب
توفيقا.
وقال في المعتبر: الروايتان بالمنع نادرتان لا عمل عليهما (3) وعني به
رواية الحلبي وسليمان بن خالد.
قلت: ويعارضهما أيضا ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن
الماضي، قال: سألته عن المرأة تؤم النساء، ما حد رفع صوتها بالقراءة أو
بالتكبير؟ فقال: (بقدر ما تسمع) (4) ومثله رواية علي بن جعفر عن
أخيه عليه السلام (5).
الثالثة: الجماعة مشروعة في غير المساجد - وإن كانت في المساجد
أفضل، وتتفاوت بتفاوت شرف المساجد - لعموم الأدلة، ولقول
النبي صلى الله عليه وآله: (أعطيت خمسا ولم يعطهن أحد قبلي: جعلت في الأرض طيبة
طهورا ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان) (6).

(1) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 154.
(2) مختلف الشيعة: 154.
(3) المعتبر 2: 427 والروايتان تقدمتا في ص 890 الهامش 3، 4.
(4) الفقيه 1: 263 ح 1201، التهذيب 3: 267 ح 760.
(5) قرب الاسناد: 100، التهذيب 3: 267 ح 761.
(6) صحيح البخاري 1: 119، صحيح مسلم 1: 370 ح 521، سنن النسائي 1:
210، مسند أبي عوانة 1: 396، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8: 104
ح 6364، السنن الكبرى 1: 212.
377

وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لجار المسجد) (1) محمول على نفي
الكمال، خصوصا إذا كان لا يحضر أحد إلا بحضوره، أو تكثر بحضوره
الجماعة، فان حضوره فيه أفضل.
وإذا تكثرت المساجد فالأفضل قصد المسجد الجامع، أو الأكثر جماعة،
أو من إمامه أفضل بورع أو فقه أو قراءة، أو غير ذلك من المرجحات. فقد ورد
في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله: (من صلى خلف عالم فكمن صلى خلف رسول
الله صلى الله عليه وآله) (2).
ولو تساوت في المرجحات، فهل الأقرب أولى مراعاة للجوار، أو
الأبعد مراعاة لكثرة الخطى؟ نظر.
الرابعة: إذا صلي في مسجد جماعة كره أن تصلى فيه جماعة أخرى عند
الشيخ - في أكثر كتبه - وابن إدريس: إذا كانوا يجمعون في تلك الصلاة بعينها (3).
لما رواه أبو علي قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام، فأتاه رجل فقال: جعلت
فداك صلينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح،
فدخل رجل المسجد فأذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك. فقال أبو عبد الله عليه السلام:
(أحسنت، ادفعه عن ذلك، وامنعه أشد المنع). فقلت: فإن دخلوا وأرادوا أن
يصلوا فيه جماعة؟ قال: (يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر لهم امام) (4).

(1) التهذيب 1: 92 ح 244، سنن الدارقطني 1: 420 المستدرك على الصحيحين 1:
246، السنن الكبرى 3: 57.
(2) مستدرك الوسائل 6: 473 ح 7286 عن لب اللباب، وراجع كشف الخفاء 2: 122.
ح 1865.
(3) المبسوط 1: 152، الخلاف 1: 120 المسألة 2، النهاية: 118، التهذيب 3: 55.
(4) التهذيب 3: 55 ح 190.
وفي الفقيه 1: 266 ح 1215: (ولا يبدو لهم امام) وراجع في ذلك الحدائق الناضرة
7: 387.
378

ولما فيه من التهاون في تأخير الصلاة ليقتدي بالامام الآخر، وربما
أدى إلى اختلاف القلوب الذي تتسبب عنه العداوة.
والأقرب عدم الكراهة، لعموم شرعية الجماعة، ومسيس الحاجة
فان اجتماع أهل المسجد دفعة واحدة يكاد يتعذر، فلو كره ذلك أدى إلى
فوات فضيلة الجماعة.
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن آبائه، قال: (دخل رجلان
المسجد وقد صلى علي عليه السلام بالناس، فقال: ان شئتما فليؤم أحدكما
صاحبه، ولا يؤذن ولا يقيم) (1).
وروي: ان رجلا دخل المسجد بعد أن صلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: (أيكم
يتجر على هذا؟) فقام رجل فصلى معه (2).
وفي رواية: (ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه)، فلما صليا
قال: (هذان جماعة) (3).
وخبر أبي علي ليس صريحا في كراهة الجماعة، انما هو في كراهة
الأذان والإقامة، ولا ريب في كراهيتهما إلا مع تفرق الصفوف. وبما قلناه
قال الشيخ في النهاية والفاضل رحمه الله (4).
نعم، لو كان التخلف عن الامام الأول قصدا كره ذلك على معنى
نقص ثواب الجماعة الثانية، لما فيه من اختلاف القلوب، ويمكن ان يكون
هذا محملا للخبر الأول.

(1) التهذيب 2: 281 ح 1119، 3: 56 ح 191.
(2) مسند أحمد 3: 5، الجامع الصحيح 1: 427 ح 220، مسند أبي يعلى 2: 321
ح 1057، سنن الدارقطني 1: 277.
(3) مسند أحمد 5: 254، 269.
(4) النهاية: 118، مختلف الشيعة: 153.
379

وقال ابن الجنيد: لا بأس بالجمع في المسجد الذي قد جمع فيه
صاحبه، ولا اختار ان يبتدئ غير صاحبه بالجمع فيه، ولو جمع قبله لما
كان في ذلك نقص صلاته. وانما كرهته لقول النبي صلى الله عليه وآله، ولأن ذلك يورث
الضغائن. ومن أراد الجمع بعد صاحب المسجد أجزأه إلا أن يؤذن ويقيم،
وكذلك ان صلى فرادى (1).
الخامسة: يباح ترك الجماعة للعذر، كما تضمنته الأخبار السابقة.
وينقسم:
إلى عام: كالمطر، والوحل، والريح الشديدة في الليلة المظلمة، لما
روي من قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا ابتلت النعال فالصلاة في
الرحال) (2). قال الهروي: قال أبو منصور: النعل ما غلظ من الأرض في
صلابة (3).
والى خاص: كالخوف من ظالم، أو فوت رفقة، أو ضياع مال، أو
غلبة نوم، أو يكون مريضا، أو ممرضا، أو قد أكل شيئا من المؤذيات
رائحتها - كالثوم والبصل - للنهي عن دخول المسجد بها، أو قد حضر
الطعام مع شدة الشهوة لقول النبي صلى الله عليه وآله: (إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة
فابدؤا بالعشاء) (4)، أو حاقنا لقوله صلى الله عليه وآله: (إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به

(1) حكى بعضه العلامة في مختلف الشيعة: 153.
(2) الفقيه 1: 246 ح 1099.
(3) انظر: النهاية في غريب الحديث 5: 82.
(4) مسند أحمد 3: 110، سنن الدارمي 1: 293، صحيح البخاري 1: 171،
صحيح مسلم 1: 392 ح 557، سنن ابن ماجة 1: 301 ح 935، الجامع الصحيح
2: 184 ح 353، سنن النسائي 2: 111، مسند أبي يعلى 5: 183 ح 2796.
380

قبل الصلاة) (1).
السادسة: يجوز اقتداء المفترض بالمفترض وان اختلف الفرضان ما
لم تتغير الهيئة، كاليومية والكسوف والجنازة. وليس له متابعة الكسوف في
ركوع ثم ينفرد، أو ينتظره حتى يسجد، ولا متابعة الجنازة في تكبيرة ثم
ينفرد، أو ينتظر فراغ صلاة الجنازة، لما فيه من مخالفة الامام المتبوع.
السابعة: يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل، لما روي أن معاذا كان
يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله العشاء ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سليم، هي له
تطوع ولهم مكتوبة (2). ورواه الأصحاب عن الرضا عليه السلام بطريق محمد بن
إسماعيل بن بزيع (3).
الثامنة: يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض، لقول النبي صلى الله عليه وآله لرجل:
(إذا جئت فصل مع الناس وان كنت قد صليت) (4).
وعن الصادق عليه السلام: (ان الأفضل لمن صلى ثم يجد جماعة أن يصلي
معهم (5).
ولا فرق بين كونه قد صلى أولا منفردا أو جماعة، لعموم الأدلة.

(1) سنن النسائي 2: 110، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 256 ح 2068،
السنن الكبرى 3: 72.
(2) ترتيب مسند الشافعي 1: 104 ح 305، المصنف لعبد الرزاق 2: 8 ح 2265،
صحيح البخاري 1: 179، صحيح مسلم 1: 339 ح 465، سنن أبي داود 1:
163 ح 599، شرح معاني الآثار 1: 409، السنن الكبرى 3: 86.
(3) الكافي 3: 380 ح 5، التهذيب 3: 50 ح 174.
(4) الموطأ 1: 132، سنن النسائي 2: 112، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 4:
60 ح 2398، سنن الدارقطني 1: 415، المستدرك على الصحيحين 1: 244.
(5) التهذيب 3: 50 ح 175.
381

فالظاهر استرسال الاستحباب أيضا، ومنعه في التذكرة (1).
التاسعة: يجوز اقتداء المتنفل بمثله فيما سبق. وكذا يجوز في
الإعادة إذا كان في المأمومين مفترض. اما لو صلى اثنان فصاعدا فرادى أو
جماعة، ففي استحباب إعادة الصلاة لهم جماعة نظر، من شرعية الجماعة،
ومن انه لم يعهد مثله، والنهي عن الاجتماع في النافلة يشمله.
العاشرة: منع الفاضل - رحمه الله - من فعل الجمعة فرضا خلف متنفل بها
- كالمسافر يقدم ظهره ثم يأتيها - أو خلف مفترض بغيرها - كمن يصلي
ركعتين منذورة، أو صبحا قضاء، أو فريضة من الفرائض (2).
وهذا يتصور فيما إذا خطب وانفض العدد، ثم تحرم واحد بصلاة
واجبة فاجتمع العدد، سواء كان المتحرم الخطيب أو غيره ان جوزنا مغايرة
الامام للخطيب.
وفي هذا المثال مناقشة، لان الظاهر أنه إذا اجتمع العدد بعد الخطبة
وجوب الجمعة وفساد صلاة المتلبس بها إذا كانت ظهرا ليوم. نعم، لو كان
قد صلى الظهر وتلبس بالعصر، ثم حضر العدد، أمكن أن يقال بصحة
الفرض. وأبلغ منه في الصحة ان يكون مسافرا أو أعمى، وقد صلى فرضه
وشرع في آخر، فاجتمع العدد.
الحادية عشرة: لو نقص عدد صلاة المأموم عن صلاة الامام، تخير
المأموم بين انتظاره حتى التسليم وبين تسليمه، والأول أفضل.

(1) تذكرة الفقهاء 1: 183، قال: (ج): هل يستحب التكرار ثلاثا فما زاد، إشكال
أقربه المنع).
(2) تذكرة الفقهاء 1: 176.
382

ولو زاد عدد صلاته على صلاة الامام، تخير المأموم بين المفارقة في
الحال، والصبر حتى يسلم الامام فيقوم المأموم إلى الاتمام أفضل وحينئذ لو
انتظر الامام فراغ المأموم ثم سلم كان جائزا بل أفضل، فعلى هذا يقوم المأموم
بعد تشهد الامام.
وقال المرتضى رضي الله عنه في الجمل: لو دخل المقيم في صلاة المسافر،
وجب عليه أن لا ينتقل من الصلاة بعد سلامه إلا بعد أن يتم المقيم صلاته (1).
وقال ابن الجنيد: فإن دخل المقيم في صلاة المسافر من غير أن يعلم لم
ينتقل المسافر بعد سلامه حتى يتم المقيم صلاته.
ويمكن حمل كلام المرتضى على تأكد الاستحباب، وحمل كلام ابن
الجنيد على كراهية الانتقال، وقد أفتى الشيخ وابن إدريس وجماعة باستحباب
الانتظار (2).
الثانية عشرة: الظاهر أن هذه الفروض انما تتأتى في صورة الإعادة. فلو
صلى مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاء لنافلة، أو صلى متنفل
بالراتبة خلف الفرض، أو متنفل راتبة خلف راتبة أو غيرها من النوافل،
فظاهر المتأخرين المنع.
الثالثة عشرة: إذا أعاد من صلى صلاته جماعة نوى الندب، لخروجه
عن عهدة الفرض ولو نوى الفرض، لرواية هشام بن سالم في الرجل يصلي
الغداة وحده ثم يجد جماعة، قال: (يصلي بهم ويجعلها الفريضة إن شاء) (4).

(1) جمل العلم والعمل 3: 39.
(2) السرائر: 60، مختلف الشيعة: 155، شرح جمل العلم والعمل (لابن البراج): 118.
(3) راجع: الجامع للشرائع: 197، شرائع الاسلام 1: 122.
(4) الفقيه 1: 251 ح 1132. وبسند آخر في الكافي 3: 379 ح 1، والتهذيب 3: 50
ح 176. وفي الجميع: (يصلي معهم).
383

وأولها الشيخ بأن المراد إذا وجد جماعة في أثناء صلاته فأنه يعدل إلى
النفل ثم يصلي معهم ويجعلها الفريضة، لأن من صلى بنية الفرض لا يمكنه
جعلها غير فرض (1).
وقد روي: (أنه يحسب أفضلهما وأتمهما) (2).
الرابعة عشرة: قال الصدوق رحمه الله: لو اقتدى من يصلي الظهر بمن
يصلي العصر جاز، ولا يصلي العصر خلف من يصلي الظهر إلا ان يتوهمها
العصر، ثم يعلم أنها كانت الظهر فتجزئ عنه (3).
ولا نعلم مأخذه، إلا أن يكون نظرا إلى أن العصر لا تصح إلا بعد الظهر،
فإذا صلاها خلف من يصلي الظهر فكأنه قد صلى العصر مع الظهر مع أنها
بعدها. وهو خيال ضعيف، لأن عصر المصلي مترتبة على ظهر نفسه، لا على
ظهر إمامه.

(1) التهذيب 3: 50.
(2) الفقيه 1: 251 ح 1133.
(3) الفقيه 1: 233.
384

المطلب الثاني: في شروط الاقتداء.
وهي ستة:
الأول: أهلية الامام للإمامة، وذلك باجتماع أوصاف تنقسم إلى قسمين:
أحدهما عامة وهي سبعة:
أولها: البلوغ، فلا تصح إمامة الصبي غير المميز إجماعا، لعدم الوثوق
بجريانه على ما يعتبر في الصلاة. وأما المميز:
فقال الشيخ في الخلاف والمبسوط: يجوز امامة المراهق المميز العاقل
في الفرائض (1).
وقال ابن الجنيد: غير البالغ إذا كان سلطانا مستخلفا للامام الأكبر - كالولي
لعهد المسلمين - يكون إماما وليس لأحد أن يتقدمه، لأنه أعلى ذوي السلطان
بعد الامام الأكبر. وأما غيره من الصبيان فلا أرى أن يؤم في الفرائض من هو
أسن منه (2).
وقال الجعفي: يؤم الغلام.
وتمسك الشيخ بالاجماع على أن من هذه صفته تلزمه الصلاة،
وأيضا فقوله عليه الصلاة والسلام: (مروهم بالصلاة لسبع) يدل على أن
صلاتهم شرعية (3). ورواية طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن

(1) الخلاف 1: 123 المسألة 17، المبسوط 1: 154.
(2) مختلف الشيعة: 153.
(3) الخلاف 1: 123 المسألة 17.
والحديث النبوي في: مسند أحمد 2: 180، سنن أبي داود 1: 133 ح 494،
سنن الدارقطني 1: 231، المستدرك على الصحيحين: 197.
385

علي عليه السلام، قال: (لا بأس ان يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وان يؤم) (1).
وروى العامة: ان عمرو بن أبي سلمة قال: كنت غلاما حافظا قد
حفظت قرآنا كثيرا، فانطلق أبي وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في نفر من قومه،
فقال النبي صلى الله عليه وآله: (يؤمكم أقرؤكم لكتاب الله) فقدموني، فكنت أصلي بهم
وأنا ابن سبع سنين أو ثمان (2).
وقال في النهاية - وتبعه ابن البراج -: لا تجوز إمامته لنقصه، وتجويز
اخلاله ببعض الأركان والابعاض (3) ولرواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام
عن أبيه عليه السلام عن علي عليه السلام: (لا بأس ان يؤذن الغلام قبل ان يحتلم،
ولا يؤم حتى يحتلم، فان أم جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه) (4).
ويقوى طريق الرواية ان ابن بابويه أرسلها عن علي عليه السلام (5)، والعمل بها
أولى، عملا بالمتيقن وقوتها على تلك، لان طلحة بن زيد بتري، ورواة
الأخرى عامة.
فرعان:
الأول: تجوز إمامته الصبيان، لتساويهم في المرتبة. والأقرب جواز
إمامته في النافلة أيضا، لانعقادها منه وصحتها على الأقوى.
الثاني: لو جوزنا إمامته في الفريضة، فهل تستثنى الجمعة من ذلك.
من حيث إنه غير مخاطب بها، أو لا من حيث أنها مشروعة بالنسبة إليه

(1) التهذيب 3: 29 ح 104، الاستبصار 1: 424 ح 1633.
(2) سنن أبي داود 1: 159 ح 585، سنن النسائي 2: 80، السنن الكبرى 3: 91.
(3) النهاية: 113، المهذب 1: 80.
(4) التهذيب 3: 29 ح 103، الاستبصار 1: 423 ح 1633.
(5) الفقيه 1: 258 ح 1169.
386

ونافلة ويجوز اقتداء المفترض بالمتنفل؟ الأقرب الثاني، تسوية بينها وبين
غيرها من الفرائض.
وثانيها: العقل، فلا تصح امامة المجنون اجماعا، لبطلان صلاته،
وعدم قصده.
ولو كان يعتوره الجنون أدوارا صح في حال افاقته بعد الوثوق بها وان
كان مكروها، لجواز فجأة الجنون في أثناء الصلاة، وامكان ان يكون قد
عرض له احتلام حال جنونه.
فرع:
لو جن في الأثناء بطلت صلاته ونوى المأموم الانفراد حينئذ، فلو
عاد إليه العقل استأنف الصلاة. وفي جواز نقل النية إليه بعد ذلك وجهان
مبنيان على جواز تجدد الائتمام للمنفرد. اما لو كان المأموم قد اقتدى بآخر
لم يعد إلى هذا، إذ لا يشرع نقل النية من إمام إلى إمام في غير الاستخلاف.
وثالثها: الاسلام، فلا تصح امامة الكافر اجماعا وان كان عدلا في
دينه، لبطلان صلاته، ولعدم جواز الركون إليه وكونه اهلا للضمان.
فرع:
لو شك في اسلامه، لم يصل خلفه وان كان في دار الاسلام.
وقال ابن الجنيد: كل من أظهر دين أهل الملة في دار الاسلام على
الاسلام، الا ان يتبين منه خلافه فاما أهل دار الهدنة المختلط فيها أهل الملة
بغيرهم - كالفرس، والبلاد التي يلزم بكفر أهلها وان أظهروا الملة لمخالفتهم
في الأصول - فلا أرى الاقتداء بأحد منهم، الا إذا علم ما يوجب توليه.
387

والوجه المنع، لأن الاسلام شرط، والشك في الشرط شك في
المشروط، والصلاة لا توجب الحكم باسلامه.
ورابعها: الايمان، وهو أخص من الاسلام في الحكم وان ساواه في
الحقيقة، فلا تجوز امامة غير الامامي من المبتدعة - سواء أظهر بدعته أو لا -
اجماعا، لأنه فاجر وظالم، وقد قال تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا
فتمسكم النار) (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله: (لا يؤمن فاجر مؤمنا) (2).
وروى الفضيل بن يسار عن الباقر والصادق عليهما السلام، قالا: (عدو الله
فاسق لا ينبغي لنا ان نقتدي به) (3).
ومنع الجواد عليه السلام من الصلاة خلف الواقفة في مكاتبة البرقي (4).
وروى إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام في رجل يحب أمير
المؤمنين عليه السلام ولا يتبرأ من عدوه، فقال: (هذا مخلط وهو عدو، لا تصل
خلفه إلا ان تتقيه) (5).
وخامسها: العدالة اجماعا، لما سلف من الآية والخبر (6) وقوله صلى الله عليه وآله:
(لا تؤمن امرأة رجلا، ولا فاجر مؤمنا) (7).

(1) سورة هود: 113.
(2) سنن ابن ماجة 1: 343 ح 1081، مسند أبي يعلى 3: 381 ح 1856، السنن
الكبرى 3: 171.
(3) أورده المحقق في المعتبر 2: 432، والعلامة في نهاية الإحكام 2: 140.
(4) الفقيه 1: 248 ح 1113، التهذيب 3: 28 ح 98.
(5) الفقيه 1: 249 ح 1118، التهذيب 3: 28 ح 97.
(6) تقدما في الشرط السابق.
(7) تقدم في ص 388 الهامش 2.
388

ولرواية الحسن بن راشد عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا تصل الا
خلف من تثق بدينه وأمانته) (1).
وقيل للرضا عليه السلام في رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر،
أأصلي خلفه؟ قال: (لا) (2).
والمعتبر ظهور العدالة لا اشتراطها في نفس الامر. فلو تبين كفره أو
فسقه بعد الصلاة فلا إعادة. ولو كان في أثنائها نوى الانفراد وأتم صلاته.
وقال ابن الجنيد: لا أرى الدخول في صلاة المظهر للبدعة، والتارك
للسنة المخالف لائمة المؤمنين، ولا المعاون لأهل الباطل على المحقين،
لقول الله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)، ولما
روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال لابن مسعود: (لا طاعة لمن عصى الله) يقولها
ثلاثا. وإذا كان الامام انما جعل ليتبع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن اتباع
العاصي، فقد نهى عن الدخول في صلاته والاتباع له: وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله
قال لأبي ذر: (لا تصلوا خلف فاسق)، وقال لأبي الدرداء: (لا تصل خلف
السفهاء)، ولمعاذ: (لا تقدموا بين أيديكم إلا من ترضون دينه وأمانته).
قال: وهذا في الفرائض، فاما ان جعلها نافلة ولم يحتسب بها من
فرضه فلا بأس، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال ذلك لأبي ذر.
قال: وحديث إسماعيل بن عباس، عن حميد بن مالك، عن
مكحول، عن معاذ، ان النبي صلى الله عليه وآله قال: (يا معاذ: أطع كل أمير، وصل
خلف كل إمام) ضعيف، لان اسناده شامي، وإسماعيل بن عباس مهجور
عند يحيى بن معين وابن مهدي لأنه روى مناكر.

(1) الكافي 3: 374 ح 5، التهذيب 3: 266 ح 755.
(2) الفقيه 1: 249 ح 1116، التهذيب 3: 277 ح 808.
389

ثم قال: وإذا أم الكافر قوما فعلموا بذلك كان عليهم الإعادة (1).
ونقل ابن إدريس عن المرتضى وجوب الإعادة لو تبين فسقه أو
كفره (2).
لنا: مرسلة ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام في قوم خرجوا من
خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل، فلما صاروا إلى الكوفة علموا
انه يهودي قال: (لا يعيدون) (3).
وقال ابن بابويه: يعيدون ما خافت فيه لا ما جهر (4).
ومن هذا الباب، لو تبين حدث الامام بعد الصلاة، فالمشهور عدم
الإعادة. وقال المرتضى يعيدون (5)، وقد روى: انهم ان علموا في الوقت
تلزمهم الإعادة (6). ولو صلى بهم بعض الصلاة ثم علموا حينئذ أتم القوم
في رواية جميل (7)، وفي رواية حماد عن الحلبي: (يستقبلون صلاتهم) (8).
ويعارض ما ذكره - رحمه الله - محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام، سألته عن

(1) الآية في سورة هود: 113.
وقوله صلى الله عليه وآله لابن مسعود في: مسند أحمد 1: 400. سنن ابن ماجة 2:
956 / 2865.
وحديث معاذ في: مجمع الزوائد 2: 67 عن الطبراني في الكبير
وقول ابن معين وابن مهدي في:
(2) السرائر: 61.
(3) الكافي 3: 378 ح 4، التهذيب 3: 40 ح 141.
(4) الفقيه 1: 263.
(5) الناصريات: 236 المسألة 97.
(6) أورده المرتضى في الناصريات: 236 المسألة 97، والمحقق في المعتبر 2:
434، والعلامة في منتهى المطلب 1: 370.
(7) الفقيه 1: 264 ح 1207، التهذيب 3: 269 ح 772، الاستبصار 1: 44 ح 1695.
(8) أوردها في السرائر: 62، ومنتهى المطلب 1: 370.
390

الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاته، قال:
(يعيد، ولا يعيد من خلفه وان اعلمهم انه على غير طهر) (1) وكذا رواه
زرارة عنه عليه السلام (2)، ورواه حمزة بن حمران عن الصادق عليه السلام (3).
فان قلت: فقد روي: ان عليا عليه السلام صلى بالناس على غير طهر،
فخرج مناديه: ان أمير المؤمنين صلى على غير طهر فأعيدوا، وليبلغ الشاهد
الغائب (4).
قلت: هذا ينافي العصمة المشترطة في الامام، فهو مردود مع
شذوذه. قاله في التهذيب (5).
فروع:
الأول: الأقرب اشتراط العلم بالعدالة بالمعاشرة الباطنة، أو شهادة
عدلين، أو اشتهارها. ولا يكفي التعويل على حسن الظاهر.
وخالف هنا فريقان:
أحدهما: من قال كل المسلمين على العدالة، إلى أن يظهر منه ما
يزيلها، وهو قول سيجيئ إن شاء الله تعالى. وبه قال ابن الجنيد (6).
والثاني: جواز التعويل على حسن الظاهر - وهو قول بعض

(1) التهذيب 3: 39 ح 137، الاستبصار 1: 432 ح 1668.
(2) التهذيب 3: 39 ح 139، الاستبصار 1: 432 ح 1670.
(3) التهذيب 3: 39 ح 136، الاستبصار 1: 432 ح 1667.
(4) التهذيب 3: 40 ح 140، الاستبصار 1: 433 ح 167.
(5) التهذيب: 3: 40.
(6) مختلف الشيعة: 159.
391

الأصحاب (1) - لعسر الاطلاع على البواطن.
وقد روى الشيخ باسناد معتبر عن أبي جعفر عليه السلام: (إذا كان الرجل
لا تعرفه يؤم الناس، فلا تقرأ واعتد بصلاته) (2). ويمكن ان يكون اقتداؤهم
به تعديلا له عند من لا يعرفه.
وقد روى خلف بن حماد، عن رجل، عن الصادق عليه السلام: (لا تصل
خلف الغالي، والمجهول، والمجاهر بالفسق وان كان مقتصدا) (3). وهذا
يصلح حجة للجانبين، من حيث لفظ (المجهول)، ومفهوم (المجاهر بالفسق).
الثاني: لو كان عدلا ظاهرا، ويعلم المأموم فسقه، لم يقتد به لوجود
المانع بالنسبة إليه. وهل تنعقد الجمعة بالنسبة إلى هذا المأموم؟ الظاهر
لا، لعلمه باختلال الشرائط.
الثالث: المخالف في أصول العقائد لا يقتدى به، الا ان يكون في
مسائل لا مدخل لها في الاسلام - كمسألة بقاء الاعراض، وحدوث الإرادة،
والنفي والاثبات - فان ذلك غير ضائر، لأن مثله خفى المدارك ولا يتوقف
عليه الايمان.
الرابع: المخالف في الفروع إذا لم يخرق الاجماع يجوز الاقتداء
به (4)، لعدم خروجه بذلك عن العدالة.

(1) قال الشيخ الأنصاري: وكذلك القول بأنها عبارة عن حسن الظاهر غير مصرح به في كلام
أحد من علمائنا، وان نسبه بعض متأخري المتأخرين إلى كثير بل إلى الكل. رسالة في
العدالة ضمن رسائل فقهية: 24.
وانظر مفتاح الكرامة 3: 82 فقد فصل البحث فيها.
(2) التهذيب 3: 275 ح 798.
(3) الفقيه 1: 248 ح 1111، الخصال: 154، التهذيب 3: 31 ح 109، 282 ح 837.
(4) أثبتناها من ط.
392

اما لو علم المأموم انه يترك واجبا، أو شرطا يعتقده المأموم، لم يقتد
به، كالمخالفة في القبلة، وفي التحري في الأواني، وفي وجوب السورة.
وكذا لو اعتقد جواز الصلاة في الثعالب وصلى فيها، لم يقتد به من
يعتقد المنع.
وسادسها: طهارة المولد، فلا تجوز امامة عن علم أنه ولد زنا،
لنقصه. ولقولهم عليهم السلام: (ولد الزنا شر الثلاثة) (1). ولأن شهادته لا تقبل
فكذا إمامته، لان أداء الأفعال الواجبة عليه في معنى الشهادة. ولرواية زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام: (لا تقبل شهادة ولد الزنا، ولا يؤم بالناس) (2).
اما ولد الشبهة، ومن تناله الألسن، فجائز، لان الظاهر سلامة النسب.
وسابعها: صحة صلاته ظاهرا. فلو صلى غير متطهر، أو فاقد أحد
الشرائط، والمأموم يعلم بذلك، لم يصح الاقتداء به. ولا يشترط فيها كونها
صحيحة في نفس الامر، لما تقدم من عدم إعادة من صلى خلف المحدث
ولما يعلم.
القسم الثاني: في الأوصاف الخاصة، وهي ستة:
أحدها: الذكورة شرط في إمام الرجال والخناثى. فلو أم الرجال امرأة
بطل الاقتداء اجماعا منا، ولقوله عليه السلام: (لا تؤم امرأة رجلا) (3). والخنثى في
معنى المرأة، لعدم العلم بذكوريته إذا كان مشكلا.
ولا فرق بين التراويح وغيرها. وقول المزني وأبي ثور ومحمد بن

(1) سنن أبي داود 4: 29 ح 3963، مسند أحمد 2: 311، المستدرك على
الصحيحين 4: 100، السنن الكبرى 10: 57.
(2) الكافي 7: 396 ح 8، التهذيب 6: 244 ح 614.
(3) سنن ابن ماجة 1: 343 ح 1081، مسند أبي يعلى 3: 381 ح 1856، السنن
الكبرى 3: 90، 171.
393

جرير الطبري بجواز إمامة المرأة الرجال في التراويح (1) ضعيف، مسبوق
بالاجماع وملحوق به.
ولا يؤم الخنثى مثله، لجواز كون الامام امرأة والمأموم رجلا. وجوزه
ابن حمزة (2) لتكافؤ الاحتمالين فيهما، والأصل الصحة. وجوابه ان من
صور الامكان تخالفهما في الذكورة والأنوثة كما قلناه، والأصل وجوب
القراءة على المصلي الا بعد العلم بالمسقط.
ولا كراهة في إمامة الرجل بالأجنبية وان خلا بها، لان العدالة تمنع
من تطرق التهمة. قاله الفاضل (3).
ولو صلى خلف الخنثى رجل، فبان انه رجل بعد الصلاة أعاد، لعدم
صحة الدخول. اما لو ظنه رجلا فتبين رجلا فالوجه الصحة، لمطابقة ظنه
نفس الامر.
ولا يشترط نية الرجل استتباع النساء في صحة اقتدائهن به.
وثانيها: القيام، وهو شرط في امامة القائمين، فلا يؤم القاعد القيام،
فلو فعل بطلت صلاتهم، لما روي من قول النبي صلى الله عليه وآله: (لا يؤمن أحد
بعدي جالسا) (4).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (لا يؤم المقيد بالمطلقين، ولا صاحب
الفالج الأصحاء) (5).
ولو أم مثله جاز، وان كان المأموم يرجو البرء ولا يرجوه الامام،

(1) المجموع 4: 255، المغني 2: 34، بداية المجتهد 1: 145.
(2) الوسيلة: 105.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 176.
(4) الفقيه 1: 249 ح 1119، سنن الدارقطني 1: 398، السنن الكبرى 3: 80.
(5) الكافي 3: 375 ح 2، الفقيه 1: 248 ح 1108، التهذيب 3: 27 ح 94.
394

لتساويهما حال الاقتداء.
ولو أم الأعرج أو الأقطع جاز مع القدرة على القيام.
وجوز الشيخ - في الخلاف - ائتمام القاعد بالمومئ (1). وكأنه عنى به
المضطجع والمستلقي، ويمكن القول بالمنع، لان صلاة المؤتم أكمل.
وثالثها: القراءة إذا أم قارئا، فلو أم الأمي القارئ لم يصح اجماعا
- والأمي من لا يحسن قراءة الفاتحة والسورة - فلو أم مثله جاز إذا عجزا
عن التعلم. ولو عجز الامام دون المأموم لم يصح اقتداؤه.
ولو أحسن أحدهما الفاتحة والآخر السورة، جاز ائتمام من يعجز عن
الفاتحة بالقادر عليها دون العكس، للاجماع على وجوبها في الصلاة
بخلاف السورة.
ولو أحسن أحدهما بعض الفاتحة والآخر بعض السورة، فصاحب
بعض الفاتحة أولى بالإمامة.
ولو أحسن الآخر كمال السورة، ففي ترجيح من يحس بعض
الفاتحة عليه نظر، من حيث الاجماع على وجوب ما يحسنه، ومن زيادة
الآخر عليه. والأول أقرب، مع احتمال جواز امامة كل منهما بالآخر.
ولا يجوز ان يأتم محسن السورة بمحسن الفاتحة، ثم يأتم به محسن
الفاتحة ليقرأ السورة، فإذا انتهيا إلى الفاتحة ائتم به محسن السورة، وهكذا،
لما فيه من تعاكس الإمامة وهو غير معهود. وفي كلام التذكرة إشارة إلى
احتمال جوازه (2).
والأخرس في معنى الأمي، فيجوز ان يؤم مثله. ولو أم الأخرس

(1) الخلاف 1: 121 المسألة 5.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 177.
395

الأمي الناطق، ففي الجواز نظر، من عجزه عن التكبير، ومن أن الامام
لا يتحمله، وهما متساويان في عدم القراءة.
ولو أحسن كل منهما بعض الفاتحة، فان تساويا في ذلك البعض
صح اقتداء كل منهما بصاحبه. وان اختلفا، فان زاد أحدهما على الآخر جاز
امامة الناقص دون العكس، وان اختلف محفوظاهما لم يؤم أحدهما الآخر
لنقص كل منهما بالنسبة إلى الآخر.
ولو كان يلحن في القراءة، فان قدر على الاصلاح لم تصح صلاته
إماما ولا منفردا، وان عجز عنه جاز ان يؤم مثله لا غيره، وان كان الغير
يلحن أيضا، لاختلاف مواضع اللحن. ولا فرق بين كون اللحن مغير
المعنى - مثل: ضم تام (أنعمت) أو لا - مثل: فتح ميم (بسم) - لان القرآن
عربي واللحن ليس بعربي.
وقول الشيخ بكراهية امامة من يلحن في قراءته، أحال المعنى، أو لم
يحل، في الحمد وغيرها، إذا تعذر عليه الاصلاح (1).
وقول ابن إدريس: لا تجوز امامة اللحنة الذي يغير بلحنه معاني
القرآن (2) ويدل بمفهومه على جواز غير المغير للمعاني.
بعيدان. وتوجيههما بان صلاته صحيحة بالنسبة إليه مدخول، وإلا
لصح الاقتداء بالأمي.
وفي حكم اللاحن مؤوف اللسان مع عجزه عن الاصلاح تصح
صلاته، ولا يصح اقتداء غيره به، ولو أم مثله في ذلك الحرف صح،
وكذلك من في لسانه لكنة من آثار العجمة. ومن ذلك:

(1) المبسوط 1: 153.
(2) السرائر: 60.
396

الأرت، وهو الذي يبدل حرفا بغيره.
والألثغ - بالثاء المثلثة - وهو الذي يجعل الراء لاما، قاله الفراء (1).
قال: والأرت هو الذي يجعل اللام تاء (2). وفي المبسوط: الألثغ الذي يبدل
حرفا مكان حرف (3).
والأليغ - بالياء المعجمة بنقطتين من تحت - وهو الذي لا يبين
الكلام.
فلا تصح إمامتهم إلا بأمثالهم.
وفي المبسوط: الأرت الذي يلحقه في أول كلامه رتج، فيتعذر
عليه، فإذا تكلم انطلق لسانه (4). فعلى هذا تجوز إمامته مطلقا، وكذا التمتام
- وهو الذي يكرر التاء - والفأفاء - وهو الذي يكرر الفاء - اي: لا تتيسر
لهما التاء والفاء الا بترديدها مرتين فصاعدا، لان هذه زيادة غير مخرجة
عن صحة القراءة. نعم يكره الائتمام بهما لمن لا يساويهما، قاله في
التذكرة (5). ولم يذكر الكراهية في المعتبر (6).
وفي المبسوط فسر التمتام والفأفاء بأنه الذي لا يحسن ان يؤدي التاء
والفاء، وحكم بكراهة إمامته (7) لصحة صلاته باعتبار عجزه. ومنعه الفاضل
كالأخرس (8) وهو حسن.

(1) حكاه عنه في تذكرة الفقهاء 1: 178.
(2) حكاه عنه في تذكرة الفقهاء 1: 178.
(3) المبسوط 1: 153.
(4) المبسوط 1: 153.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 178.
(6) المعتبر 2: 438.
(7) المبسوط 1: 153.
(8) مختلف الشيعة: 155.
397

اما من به لثغة خفيفة مع من يخلص الحرف ولا يبلغ به تبديله
بغيره، فجائز إمامته للقارئ وان كان القارئ أفضل، لان ذلك يعد قرآنا.
ورابعها: ستر العورة إذا أم لمستورها. فلو أم العاري بالمستور
فالأقرب المنع، لنقص صلاته من حيث الشرط ومن حيث الأركان، لأنه
يومئ بها إيماء، وربما صلى قاعدا والقائم لا يؤمه القاعد.
وربما قال الفاضل: ان اقتدى بالعاري مكتس عاجز عن الركوع
والسجود لمرض جاز (1). وهذا بناء على أن المانع انما هو عجزه عن
الأركان، وأما إذا علل بنقصه من حيث الستر فلا.
وأطلق الشيخ جواز اقتداء المكتسي بالعاري (2) لان صلاته صحيحة
بالنسبة إليه.
ولو أم العاري بمثله جاز. نعم، لو تمكن أحدهما من ستر إحدى
العورتين، وعجز الآخر، جاز الائتمام بالمستور إحداهما للآخر. وفي العكس
الأوجه.
وخامسها: القدرة على الاستقبال. فلو عجز عن الاستقبال لم يؤم
القادر عليه، ويجوز ان يؤم مثله.
وسادسها: الختان - وقد قيل إنه من الشروط العامة (3) - لما روي عن
زيد عن آبائه عن علي عليه السلام: (الأغلف لا يؤم القوم وان كان أقرأهم، لأنه
ضيع من السنة أعظمها، ولا تقبل له شهادة، إلا ان يكون ترك ذلك خوفا
على نفسه) (4).

(1) تذكرة الفقهاء 1: 179.
(2) الخلاف 1: 121 المسألة 5.
(3) راجع: المقنع: 35، المعتبر 2: 442، نهاية الإحكام 2: 143.
(4) الفقيه 1: 248 ح 1107، التهذيب 3: 30 ح 108.
398

ويمكن رد هذا إلى اشتراط العدالة، وانما ذكرناه هنا لان الشيخ
أبا الصلاح - رحمه الله - جوز إمامة الأغلف للأغلف لا للمطهر (1).
والأقرب انه متى تمكن من الختان بطلت إمامته مطلقا لفسقه، وإلا
صحت مطلقا، والخبر محمول على التمكن صريحا.
وهنا مسائل:
الأولى: اختلف في إمامة العبد.
فقال في المبسوط والنهاية: لا يجوز ان يؤم الأحرار، ويجوز ان يؤم
بمواليه إذا كان أقرأهم (2).
وقال ابن بابويه - في المقنع -: ولا يؤم العبد إلا أهله (3) لرواية
السكوني عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام قال: (لا يؤم العبد إلا
أهله) (4).
وأطلق ابن حمزة ان العبد لا يؤم الحر (5).
وجوز إمامته مطلقا ابن الجنيد وابن إدريس (6).
وأطلق الشيخ - في الخلاف - جواز إمامته، قال: وفي بعض رواياتنا
ان العبد لا يؤم إلا مولاه (7).
وقال أبو الصلاح: يكره (8).

(1) الكافي في الفقه: 144.
(2) المبسوط 1: 155، النهاية: 112.
(3) المقنع: 35.
(4) التهذيب 3: 29 ح 102، الاستبصار 1: 423 ح 1631.
(5) الوسيلة: 105.
(6) السرائر: 61، مختلف الشيعة: 153.
(7) الخلاف 1: 121 المسألة 8.
(8) الكافي في الفقه: 144.
399

والبحث عن الجواز، وان كان الحر مقدما عليه عند التعارض، لان
الصفات المعتبرة كافية، وقد قال عليه السلام (يؤمكم أقرؤكم) (1).
وقد روي في الصحيح عن محمد بن مسلم - تارة يرويه عن
الصادق عليه السلام، وتارة عن أحدهما - جوازه صريحا (2). ولا يعارضه رواية
السكوني، مع امكان حملها على الكراهية، كما قاله أبو الصلاح.
فرع:
المعتق بعضه أولى من القن، وممن انعتق منه أقل، والحر أولى
منهما. وفي ترجيح من تشبث بالحرية قبل حصول حقيقتها - كالمدبر،
والمكاتب المشروط والمطلق قبل الأداء، والموصى بعتقه - على القن، أو
ترجيح بعضهم على بعض، نظر. ولعل الأقرب عدم الترجيح، إذ لم يثبت
جعل ذلك مرجحا، فتبقى المرجحات المشهورة سليمة عن المعارض.
الثانية: قال المرتضى - رحمه الله -: لا يؤم الأجذم، والأبرص، والمحدود،
ولا صاحب الفالج الأصحاء، ولا المتيمم المتوضئين (3).
وقال في الانتصار: تكره إمامة الأبرص، والمجذوم والمفلوج (4).
وقال الصدوق: لا يؤم الأعرابي المهاجرين، ولا باس ان يؤم المتيمم
المتوضئين (5).

(1) الفقيه 1: 185 ح 880، سنن ابن ماجة 1: 240 ح 726، سنن أبي داود 1:
161 ح 590، مسند أبي يعلى 4: 231 ح 2343، السنن الكبرى 1: 426.
(2) التهذيب 3: 29 ح 99، 100، الاستبصار 1: 423 ح 1628، 1629.
(3) جمل العلم والعمل 3: 39.
(4) الانتصار: 50.
(5) المقنع: 35.
400

وقال الشيخ - في الخلاف -: سبعة لا يؤمون الناس على كل حال:
المجذوم، والأبرص، والمجنون، وولد الزنا، والأعرابي بالمهاجرين،
والمقيد بالمطلقين، وصاحب الفالج بالأصحاء (1).
وقال في المبسوط: لا يؤم الأعرابي بالمهاجرين، ولا المجذوم
والأبرص والمحدود من ليس كذلك، ولا يؤم المقيد المطلقين،
ولا صاحب الفالج الأصحاء (2). ونحوه في النهاية (3).
وقال ابن الجنيد: ولا أرى إمامة الأعرابي للمهاجر، لقول الله عز
وجل: (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ) (4)
ولا امامة المجذوم وذي العاهة التي لا يؤمن معها ترك استيفاء وظائف
الصلاة، وكذلك المقعد للأصحاء، ولا المتيمم للمتوضئين، إلا ان يكون
خليفة الامام أو سلطانا له.
وقال ابن أبي عقيل: ولا يؤم المفضول الفاضل، ولا الأعرابي
المهاجر، ولا الجاهل العالم، ولا صلاة خلف المحدود.
وقال المفيد - رحمه الله - في إمام الجمعة، والشرائط التي تجب فيمن
يجب معه الاجتماع: ان يكون حرا بالغا طاهرا في ولادته مجنبا من
الأمراض الجذام والبرص خاصة.
وقال ابن بابويه - فيمن لا يحضره الفقيه -: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(امام القوم وافدهم، فقدموا أفضلكم) (5).

(1) الخلاف 1: 125 المسألة 34.
(2) المبسوط 1: 155.
(3) النهاية: 112.
(4) الآية في سورة الأنفال: 72، المقنعة: 27.
(5) الفقيه 1: 247 ح 1100.
401

وقال عليه السلام: (ان سركم ان تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم) (1).
وقال عليه السلام: (من صلى بقوم، وفيهم من هو أعلم منه، لم يزل أمرهم
في سفال إلى يوم القيامة) (2).
وقال أبو ذر: ان إمامك شفيعك إلى الله، فلا تجعل شفيعك سفيها
ولا فاسقا (3).
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام، انه قال: (خمسة
لا يؤمون الناس، ولا يصلون بهم صلاة فريضة في جماعة: الأبرص،
والمجذوم، والأعرابي حتى يهاجر، وولد الزنا، والمحدود) (4).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (لا يصلين أحدكم خلف الأجذم،
والمجنون، والمحدود، وولد الزنا. والأعرابي لا يؤم المهاجر) (5).
وقال عليه السلام: (لا يؤم صاحب القيد المطلقين، ولا يؤم صاحب الفالج
الأصحاء) (6).
وقال الباقر والصادق عليهما السلام: (لا بأس ان يؤم الأعمى إذا رضوا به،
وكان أكثرهم قراءة وأفقههم) (7).
وقال أبو جعفر عليه السلام: (إنما العمى عمى القلب (فإنها لا تعمى

(1) الفقيه 1: 247 ح 1101، وفي المقنع: 35، علل الشرائع: 326.
(2) الفقيه 1: 247 ح 1102، وفي المحاسن: 93، علل الشرائع: 326، ثواب الأعمال
: 246، التهذيب 3: 56 ح 194.
(3) الفقيه 1: 247 ح 1103، وفي علل الشرائع: 326، التهذيب 3: 30 ح 107.
(4) الفقيه 1: 247 ح 1105.
(5) الفقيه 1: 247 ح 1106، وفي الكافي 3: 375 ح 4، وفيهما زيادة:
(والأبرص).
(6) الفقيه 1: 248 ح 1108، وفي الكافي 3: 375 ح 2، التهذيب 3: 27 ح 94.
(7) الفقيه 1: 248 ح 1109.
402

الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)) (1).
وقال أبو الصلاح: لا تنعقد الجماعة إلا بإمام عادل، طاهر الولادة،
سليم من الجنون والجذام والبرص، إلى قوله: وقد تتكامل صفات الإمامة
لجماعة وتنعقد على وجه دون وجه، وتكره على وجه دون وجه.
فالأول: المقيد بالمطلق، والزمن بالصحيح، والخصي بالسليم،
والأغلف بالمطهر، والمحدود بالبرئ، والمرأة بالرجال. ويجوز ان يؤم كل
منهم باهل طبقته.
والثاني: الأعمى بالمبصر، أو المقصر بالمتم، أو المتم بالمقصر،
والمتيمم بالمتوضئ، والعبد بالحر. ولا كراهة في امامة كل منهم لأهل
طبقته (2).
وقال ابن البراج - في المهذب -: واما من يؤم بمثله ولا يؤم بغيره من
الأصحاء السليمين، فهو: الأبرص، والمجذوم، والمفلوج، والزمن.
ولا يؤم الأعرابي المهاجرين، ولا يؤم المتيمم المتوضئين، ولا يؤم المسافر
الحاضرين، وقد ذكر انها مكروهة. ولا يؤم المحدود، والأعمى إذا لم
يسدده من خلفه، فان سدده كانت إمامته جائزة (3).
وقال ابن حمزة - في الواسطة - ويكره ان يؤم الناس خمسة عشر:
المتيمم، والمسافر، والمقيد، والقاعد، واللاحن لمن يقدر على اصلاح
لسانه، ومن لا يؤدي حرفا، ومن يبدل حرفا مكان حرف، ومن يرتج عليه

(1) الفقيه 1: 248 ح 1110.
والآية في سورة الحج: 46.
(2) الكافي في الفقه: 143.
(3) المهذب 1: 80.
403

في أول كلامه، ومن لا يأتي بالحروف على الصحة والبيان، والمحدود،
والمفلوج، والمجذوم، والأبرص، لمن لا يكون على مثل أحوالهم (1).
ويقرب منه الوسيلة له (2).
وقال الجعفي: يؤم الأعمى، والعبد، والمتيممون المتوضئين.
ولا يصلى خلف الأجذم، والأبرص، والمجنون، والمحدود، وولد الزنا،
والأعرابي.
وقال سلار: تكره إمامة المتيمم للمتطهر، والمسافر للحاضر (3).
وقال ابن إدريس: وتكره إمامة الأجذم والأبرص وصاحب الفالج
للأصحاء، فيما عدا الجمعة والعيدين، فان ذلك لا يجوز. وقد ذهب بعض
أصحابنا إلى أن أصحاب هذه الأمراض لا يجوز ان يؤموا الأصحاء على
طريق الحظر، والأظهر ما قلناه. ولا تجوز إمامة المحدود الذي لم يتب.
ويكره ان يؤم الأعرابي المهاجرين، والمتيمم بالمتوضئين، والمسافر
بالحاضرين.
قال ولا تجوز إمامة المقيد للمطلقين، ولا الجالس بالقيام. ولا بأس
بامامة الأعمى (4).
وقال السيد عز الدين أبو المكارم حمزة بن زهرة - رضي الله عنه -: ولا يصح
الائتمام بالأبرص، والمجذوم، والمحدود، والزمن، والخصي، والمرأة، إلا

(1) الواسطة.. مخطوط. وهي ليس خمسة عشر كما ذكر المصنف بل ثلاثة
عشر، ونصه في الوسيلة، قال: وتكره امامة ثلاثة عشر..، والى ذلك أشار
العاملي في مفتاح الكرامة 3: 469.
(2) الوسيلة: 105.
(3) المراسم: 86.
(4) السرائر: 60 - 61.
404

لمن كان مثلهم، بدليل الاجماع، وطريقة الاحتياط. ويكره الائتمام
بالأعمى، والعبد، ومن يلزمه التقصير، ومن يلزمه الاتمام، والمتيمم، إلا
لمن كان مثلهم (1).
والشيخ نجم الدين بن سعيد كره ائتمام الحاضر بالمسافر وبالعكس
في الرباعية، وامامة المحدود بعد توبته. واما الأعرابي، فان كان ممن
لا يعرف محاسن الاسلام ولا وصفها لم يؤم، وكذا إذا كان ممن تجب عليه
المهاجرة ولما يهاجر، وإلا جاز مع اتصافه بالشرائط.
قال: ولا بأس بامامة الأعمى إذا كان له من يسدده، لقوله عليه السلام:
(يؤمكم أقرءكم)، ولأن العمى ليس نقصا فقد عمي بعض الأنبياء (2).
قال: وروى مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لا بأس ان يصلي
الأعمى بالقوم، وان كانوا هم الذين يوجهونه) (3).
قال: ويكره ان يؤم المتيمم متطهرا. والأقرب جواز ائتمام المرأة
الطاهر بالمستحاضة، والصحيح بالسلس. والوجه كراهة إمامة الأجذم
والأبرص (4).
قلت: روى الشيخ باسناده إلى الشعبي، قال: قال علي عليه السلام: (لا يؤم
الأعمى في البرية) (5). ويمكن حمله على المقيد بتوجيههم إياه إلى القبلة،
أو على الكراهة، كما قاله أبو الصلاح وابن زهرة (6).

(1) الغنية: 498، ولم يذكر الأعمى.
(2) الفقيه 1: 185 ح 880، سنن ابن ماجة 1: 240 ح 726، سنن أبي داود 1:
161 ح 590، مسند أبي يعلى 4: 231 ح 2343، السنن الكبرى 1: 426.
(3) التهذيب 3: 30 ح 105.
(4) المعتبر 2: 441 - 442.
(5) التهذيب 3: 269 ح 773.
(6) الكافي في الفقه: 143. وقد تقدم ان ابن زهرة لم يذكر الأعمى في الغنية.
405

وقال ابن عمه الشيخ نجيب الدين - في الجامع -: وتكره امامة
الأجذم، والأبرص، والمفلوج، والمقيد، والأعرابي، لا بأمثالهم. وتجوز
امامة المحدود بعد توبته. ويكره اقتداء المتطهر بالماء بالمتيمم. ويؤم
الأعمى بالبصير إذا سدد وبمثله (1).
والفاضل - رحمه الله - قال بجواز امامة الأجذم والأبرص، لعموم: (يؤمكم
أقرؤكم)، ولما رواه عبد الله بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المجذوم. والأبرص يؤمان المسلمين، قال: (نعم). قلت: وهل يبتلي الله
بهما المؤمن؟ قال: (نعم، وهل كتب البلاء إلا على المؤمن).
وتجوز امامة المتيمم بالمتطهر بالماء، لصحيحة جميل بن دراج قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من
الماء ما يكفيه للغسل، أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ قال: (لا، ولكن
يتيمم الجنب ويصلي بهم، فان الله عز وجل جعل التراب طهورا). ونحوه
موثق عبد الله بن بكير عنه عليه السلام.
ولكنه تكره امامة هؤلاء جميعا بين ذلك وبين روايات المنع.
كصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال: (خمسة لا يؤمون الناس
على كل حال: المجذوم، والأبرص، والمجنون، وولد الزنا، والأعرابي).
وكرواية السكوني عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام: (لا يؤم
المقيد المطلقين. ولا يؤم صاحب الفالج الأصحاء، ولا صاحب التيمم
المتوضئين. ولا يؤم الأعمى في الصحراء الا ان يوجه إلى القبلة) (2).

(1) الجامع للشرائع: 97 - 98.
(2) من قول المصنف: وما ذكرناه إلى هنا هو قول الفاضل في مختلف الشيعة: 154.
والحديث الأول تقدم في ص: 400، هامش: 5.
ورواية عبد الله بن يزيد في: التهذيب 3: 27 ح 93، الاستبصار 1: 422 ح 1627.
ورواية جميل وعبد الله بن بكير في: التهذيب 3: 167 ح 364، 365، الاستبصار
1: 424 ح 1637، 1638.
ورواية أبي بصير في: الكافي 3: 375 ح 1.
ورواية السكوني في: الكافي 3: 375 ح 2، التهذيب 3: 27 ح 94.
406

قال الفاضل: واما المقيد بالمطلقين، فان تمكن من القيام صح ان
يكون إماما، والا فلا. واما الأعرابي، فان عرف شرائط الصلاة، وكان أقرأ
القوم عدلا، جاز ان يكون إماما، وإلا فلا (1).
واستدل المحقق في المعتبر، على كراهة امامة كل من المسافر
والحاضر بالآخر - كما قاله المفيد (2) والمرتضى (3) والشيخ في الخلاف (4)
وأبو الصلاح (5) وابن إدريس (6) - بموثقة العباس بن عبد الملك عن
الصادق عليه السلام، قال: (لا يؤم الحضري المسافر، والمسافر الحضري) (7).
وقال علي بن بابويه: لا يجوز إمامة المتمم للمقصر، ولا
بالعكس (8). وتبعه ابنه في صلاة المسافر خلف المقيم (9).

(1) مختلف الشيعة: 154.
(2) المقنعة: 35.
(3) حمل العلم والعمل 3: 39.
(4) الخلاف 1: 125 المسألة: 33.
(5) الكافي في الفقه: 144.
(6) السرائر: 60.
(7) المعتبر 2: 441.
والرواية في التهذيب 3: 164 ح 355، والاستبصار 1: 426 ح 1643، عن أبي
العباس الفضل بن عبد الملك.
(8) مختلف الشيعة: 155.
(9) حكاه عن المقنع، العلامة في مختلف الشيعة: 155، ولكنه غير موجود في
النسخ الموجودة بأيدينا، راجع مفتاح الكرامة.
407

وقال سلار: يكره ائتمام الحاضر بالمسافر (1)، ولم يذكر العكس،
وكذا الشيخ في أكثر كتبه (2).
وفي المختلف [ذهب] إلى عدم كراهة ائتمام المسافر بالحاضر،
للأصل، ولأنه كالائتمام في الصلوات المختلفة العدد، والائتمام بالمسبوق.
وطعن في الرواية، فان في طريقها داود بن الحصين، وهو واقفي وان كان
ثقة (3).
المسألة الثالثة: قول ابن أبي عقيل بمنع امامة المفضول بالفاضل،
ومنع امامة الجاهل بالعالم، ان أراد به الكراهية فحسن، وان أراد به التحريم
أمكن استناده إلى أن ذلك يقبح عقلا، وهو الذي اعتمد عليه محققوا
الأصوليين في الإمامة الكبرى ولقول الله جل اسمه: (أفمن يهدي إلى
الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف
تحكمون) (4) وللخبرين المقدمين في كلام ابن بابويه (5).
وقال ابن الجنيد: السلطان المحق أحق بالإمامة ممن حضر، ثم
صاحب المنزل بعده، ثم صاحب المسجد. فان لم يحضر أحد من هؤلاء
فاقرأ القوم، فان تساووا في القرآن فأكبرهم سنا، فان تساووا في ذلك
فاعلمهم بالسنة وأفقههم في الدين. فان أذن أهل الوصف الأول لأهل
الوصف الثاني في الإمامة جاز ان يؤموا بهم، إلا ان يكون الامام الأكبر فإنه

(1) المراسم: 86.
(2) الاقتصاد: 269، الجمل والعقود: 191، النهاية: 112، المبسوط 1: 154.
وفي ص 138 حكم بالكراهة في الحالتين.
(3) مختلف الشيعة: 115.
(4) سورة يونس: 35.
(5) تقدما في ص 913 الهامش 2، 3.
408

لا يجوز ان يتقدمه غيره والحديث الذي روي فيه: ان عبد الرحمن بن
عرف قدم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فصلى بهم وصلى النبي صلى الله عليه وآله خلفه ركعة (1)،
فقد قيل إنه غير صحيح، لأنه مخالف لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا
لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) (2)، وقد روى أبو قتادة ان النبي صلى الله عليه وآله
قال: (إذا أقيمت الصفوف فلا تقدموا حتى تروني) (3).
فاعتبر ابن الجنيد في ذلك الاذن، ويمكن حمل كلام ابن أبي عقيل
عليه.
والآية يراد فيها الإمامة الكبرى.
والخبران يحملان على ايثار المفضول على الفاضل من حيث هو
مفضول، ولا ريب في قبحه، ولا يلزم من عدم جواز ايثاره عليه عدم جواز
أصل إمامته، وخصوصا مع إذن الفاضل واختياره.
واما صلاة النبي صلى الله عليه وآله خلف غيره فقد رواها العامة في الصحيح.
وقضية صلاة أبي بكر وان النبي صلى الله عليه وآله عزله (4) يدل على ما قاله ابن الجنيد.
الرابعة: تضمن كلام أبي الصلاح انه لا يؤم الخصي بالسليم (5).
ولا نعلم وجهه، سواء أراد به التحريم أو الكراهة، لان الذكورية متحققة،
وما فوات أعضاء التناسل إلا بمثابة فوات بعض الأعضاء التي لا تخل

(1) صحيح مسلم 1: 230 ح 81، مسند أحمد 1: 192، سنن أبي داود 1: 37.
ح 149، مسند أبي يعلى 2: 161 ح 19.
(2) سورة الحجرات: 1.
(3) صحيح البخاري 1: 164، صحيح مسلم 1: 422 ح 156، مسند أحمد 5: 296.
(4) إعلام الورى: 166، إرشاد القلوب (للديلمي) 2: 340، ونقله عن الارشاد أيضا
في بحار الأنوار 28: 110.
(5) الكافي في الفقه: 144.
409

بالإمامة.
فان قال: ففواتها قرب من شبه النساء، فلذلك منع منه.
قلنا: نمنع القرب، ولهذا لم يؤثر ذلك في شئ من أحكام الرجولية
الجارية عليه قبل الخصاء. سلمنا، لكن لا نسلم ان القرب من الشبه له
مدخل في الكراهية.
تتمة: في ترجيح الأئمة، وفيها مباحث:
أحدها: لا ريب ان الامام الأعظم مع حضوره أولى بالإمامة، إلا ان
يمنعه مانع فيستنيب، ومستنابه أولى من الغير، لترجحه بتعين الامام، فإنه
لا يستنيب إلا الراجح أو المساوي. فان استناب الراجح ففيه مرجحان، وان
استناب المساوي ففيه مرجح واحد.
وثانيها: لو لم يكن الامام الأعظم وتعددوا:
فاما ان يكره المأمومون إمامة بعضهم بأسرهم.
واما ان يختاروا امامة واحد بأسرهم.
واما ان يختلفوا في الاختيار.
فان كرهه جميعهم لم يؤم بهم، للخبر عن النبي صلى الله عليه وآله (1). وعن
علي عليه السلام، واتاه قوم برجل فقالوا: ان هذا يؤمنا ونحن له كارهون، فقال له
علي عليه السلام: (انك لخروط) (2) بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة والواو
والطاء المهملة.
قال أبو عبيد: الخروط الذي يتهور في الأمر ويركب رأسه في كل ما
يريد بالجهل وقلة المعرفة بالأمور. ومنه يقال: انخرط علينا فلان: إذا اندرأ

(1) المحاسن: 12، الفقيه 1: 36 ح 131.
(2) غريب الحديث للهروي 3: 455، المصنف لابن أبي شيبة 1: 407.
410

عليهم بالقول السئ والفعل (1).
قال الفاضل: الأقرب انه ان كان ذا دين يكرهه القوم لذلك لم تكره
إمامته والاثم على من كرهه والا كرهت (2).
وان اختار الجميع واحدا فهو أولى، لما فيه من اجتماع القلوب
والتعاضد.
وان اختلفوا، قال الفاضل: يقدم اختيار الأكثر (3) وأطلق الأصحاب انه
مع الاختلاف يطلب الترجيح. وفيه تصريح بأنه ليس للمأمومين ان يقتسموا
الأئمة فيصلي كل قوم خلف من يختارونه، لما فيه من الاختلاف المثير
للإحن.
وثالثها: ان الأمير في امارته، ورب المنزل في منزله، والامام الراتب
في مسجده، لا يعارضه غير الامام الأعظم وان كان غيره أفضل منه إذا كان
بشرائط الامام.
هذا ظاهر الأصحاب، وصرح به جماعة (4) منهم الفاضل قال:
ولا نعلم فيه خلافا - يعني في تقدم رب المنزل - لقول النبي صلى الله عليه وآله:
(لا يؤمن الرجل الرجل في بيته، ولا في سلطانه). وقال الصادق عليه السلام:
(لا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله، ولا في سلطانه). وقول النبي صلى الله عليه وآله:
(من زار قوما فلا يؤمهم) وهو عام في المسجد وغيره. ولأن تقديم غير
الراتب عليه ربما أورث وحشة وتنافرا (5).

(1) غريب الحديث للهروي 3: 456.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 179.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 179، نهاية الإحكام 2: 152.
(4) راجع: جمل العلم والعمل 3: 40، المبسوط 1: 154، المعتبر 2: 438.
(5) منتهى المطلب 1: 374
وقوله صلى الله عليه وآله في: مسند أحمد 4: 118، صحيح مسلم 1: 465 ح 673، سنن أبي
داود 1: 159 ح 583، الجامع الصحيح 1: 459 ح 235، سنن النسائي 2: 76،
السنن الكبرى 3: 125.
وقول الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله في: الكافي 3: 376 ح 5، التهذيب 3: 31
ح 113.
وقوله صلى الله عليه وآله في: سنن أبي داود 1: 162 ح 596، الجامع الصحيح 2: 187
ح 356، سنن النسائي 2: 80، السنن الكبرى 3: 126.
411

ولو أذن هؤلاء لغيرهم جاز وانتفت الكراهية، ويكون المأذون له
أولى من غيره.
وهل الأفضل لهم الاذن للأكمل منهم، أو الأفضل لهم مباشرة
الإمامة؟ لم اقف فيه على نص، وظاهر الأدلة يدل على أن الأفضل لهم
المباشرة. فحينئذ لو أذنوا فالأفضل للمأذون له رد الاذن، ليستقر الحق على
أصله.
ولو تأخر الامام الراتب استحب مراسلته ليحضر أو يستنيب.
ولو بعد منزله، وخافوا فوت وقت الفضيلة، قدموا من يختارونه.
ولو حضر في أثناء صلاتهم دخل معهم، وفي جواز استخلافه هنا نظر.
ولو حضر بعد صلاتهم استحب اعادتها معه، لما فيه من اتفاق
القلوب، مع تحصيل الاجتماع مرتين في الصلاة.
ورابعها: ان الشيخ قال في المبسوط: إذا حضر رجل من بني هاشم
فهو أولى بالتقدم إذا كان ممن يحسن القراءة (1). والظاهر أنه أراد به على
غير الأمير وصاحب المنزل والمسجد، مع أنه جعل الأشرف بعد الأفقه،
الذي هو بعد الأقرأ، والظاهر أنه الأشرف نسبا.
وتبعه ابن البراج في تقديم الهاشمي وقال بعده: ولا يتقدم أحد على

(1) المبسوط 1: 154.
412

أميره، ولا على من هو في مسجده أو منزله (1).
وجعل أبو الصلاح بعد الأفقه القرشي (2).
وابن زهرة جعل الهاشمي بعد الأفقه (3).
وابن حمزة جعل الأشرف بعد الأفقه (4).
وفي النهاية لم يذكر الشرف (5)، وكذا المرتضى (6) وابن الجنيد (7)
وعلي بن بابويه (8) وابنه (9) وسلار (10) وابن إدريس (11) والشيخ نجيب الدين
يحيى (12) وابن عمه في المعتبر (13). وذكر ذلك في الشرائع (14) وأطلق، وكذا
الفاضل في المختلف وقال: انه المشهور (15) يعني: تقديم الهاشمي.
ونحن لم نره مذكورا في الاخبار إلا ما روى مرسلا أو مسندا بطريق
غير معلوم من قول النبي صلى الله عليه وآله: (قدموا قريشا ولا تقدموها) (16) وهو على

(1) المهذب 1: 80.
(2) الكافي في الفقه: 143.
(3) الغنية: 498.
(4) الوسيلة: 105.
(5) راجع: النهاية: 111.
(6) راجع: جمل العلم والعمل 3: 40.
(7) راجع: مختلف الشيعة: 155، 156.
(8) راجع: مختلف الشيعة: 155، 156.
(9) راجع: الفقيه 1: 246، المقنع: 34.
(10) راجع: المراسم: 87.
(11) راجع: السرائر: 61.
(12) راجع: الجامع للشرائع: 98.
(13) راجع: المعتبر 2: 439.
(14) شرائع الاسلام 1: 125.
(15) مختلف الشيعة: 156.
(16) ترتيب مسند الشافعي 2: 194 ح 691، الكامل لابن عدي 5: 1810، مجمع
الزوائد 10: 25، كنز العمال 12: 22 ح 33789 - 33791 عن البزار والبيهقي في
المعرفة وغيرهم.
413

تقدير تسليمه غير صريح في المدعى: نعم، هو مشهور في التقديم في
صلاة الجنازة كما سبق من غير رواية تدل عليه. نعم، فيه اكرام لرسول
الله صلى الله عليه وآله إذ تقديمه لأجله نوع اكرام، واكرام رسول الله صلى الله عليه وآله وتبجيله مما
لا خفاء بأولويته.
وخامسها: ان الأقرأ من الأفقه - ونقل عن بعض الأصحاب ان
الأفقه أولى - لقول النبي صلى الله عليه وآله: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فان كانوا في
القراءة سواء فاعلمهم بالسنة، فان كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فان
كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا) (1).
وقال الصادق عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يتقدم القوم أقرؤهم
للقرآن) (2).
وتمسك من رجح الأفقه بأهمية الحاجة إليه في الصلاة، فإنه ربما
فاته فيها ما يحتاج إلى كثرة الفقه في معرفته. وحمل الخبر على أن القراءة
كانت في زمن الصحابة مستلزمة للفقه، لأنهم كانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا
معه احكامه. قال ابن مسعود: كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها
ونهيها واحكامها. فكان أقرؤهم أفقههم.
وجوابه متعبدات الصلاة محصورة، ولا بد من كون القارئ عالما بها.
وجعل الأعلم بالسنة مرتبة بعد الأقرأ صريح في امكان انفكاك القراءة عن
العلم بالسنة. وتعلم احكام القرآن غير كاف في الفقه إذ معظمه مثبت

(1) مسند أحمد 4: 118، صحيح مسلم 1: 465 ح 673، سنن أبي داود 1: 159 ح 582،
الجامع الصحيح 1: 459 ح 235، سنن النسائي 2: 76، السنن الكبرى 3: 125.
(2) الكافي 3: 376 ح 5، التهذيب 3: 31 ح 113.
414

بالسنة.
وسادسها: قد يرجح القارئ على الآخر بجودة الأداء واتقان القراءة،
وان كان أقل حفظا. فان تساويا في الأداء فأكثرهم قرآنا.
وسابعها: لو اجتمع من يقرأ ما يكفي في الصلاة لكنه أفقه، والآخر
كامل القراءة غير كامل الفقه لكن معه من الفقه ما يعرف معه أحكام الصلاة،
قال في المبسوط: جاز تقديم أيهما كان (1) وتبعه ابن حمزة في الواسطة،
مع قولهما بتقديم الأقرأ على الأفقه ولكنهما أرادا ترجيح الأقرأ على الفقيه
مع تساويهما في الفقه.
بذلك صرح في المبسوط وقال: لو كان أحدهما فقيها لا يقرأ،
والآخر قارئ لا يفقه، فالقارئ أولى، لان القراءة شرط في صحة الصلاة،
والفقه ليس بشرط (2).
والمراد بقوله: والفقه نفي الفقه في غير الصلاة، إذ معرفته بشرائط
الصلاة وأفعالها لا تصح الصلاة بدونه. ومساق كلام الشيخ يدل على قول
ثالث في اجتماع القراءة والفقه وهو التخيير، إذ موضوع المسألة إذا اجتمع
الأقرأ والأفقه هو ما ذكره الشيخ وحكم عليه بالتخيير.
وقال في التذكرة: إذا اجتمع فقيهان قارئان، وأحدهما أقرأ والآخر
أفقه، قدم الأقرأ على الأول - يعني به تقدم الأقرأ - والأفقه على الثاني (3).
وهذا تصريح بمخالفه المبسوط.

(1) المبسوط 1: 157.
(2) المبسوط 1: 157.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 180.
415

فرع: لو تساويا في القراءة والفقه في الصلاة، وزاد أحدهما بفقه في غير
الصلاة، فالظاهر أنه لا يترجح به، لعدم تعلقه بالصلاة. ولو كان أحدهما
أعرف بأحكام الصلاة، والآخر أعرف بما سواها، فالأول أولى، لان له أثرا
في تكميل الصلاة.
وثامنها: لو تساويا في القراءة والفقه، قدم الأشرف عند الشيخ في
المبسوط، ثم الأقدم هجرة، ثم الأسن (1).
وقدم في النهاية - وهو المشهور - الأقدم هجرة بعد الأفقه (2).
وقدم المرتضى الأسن بعد الأفقه، ولم يذكر الهجرة (3).
وفي رواية أبي عبيدة عن الصادق عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يتقدم
القوم أقرأهم للقرآن، فان كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة، فان كانوا
في الهجرة سواء فأكبرهم سنا، وان كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم
بالسنة وأفقههم في الدين) (4). وهذه الرواية تشهد بتقديم الهجرة والسن
على الفقه.
وصرح ابن الجنيد وابن إدريس بتقديم الأسن على الأفقه (5)، وجعل
ابن إدريس الأقدم هجرة بعد الأفقه (6).
والأقرب تقديم الأفقه على من عدا الأقرأ، لقوله تعالى: (إنما

(1) المبسوط 1: 157.
(2) النهاية: 111.
(3) جمل العلم والعمل 3: 40.
(4) الكافي 3: 376 ح 5، التهذيب 3: 31 ح 113.
(5) السرائر: 61، مختلف الشيعة: 155.
(6) السرائر: 61.
416

يخشى الله من عباده العلماء) (1) (قل هل يستوي الذين يعلمون
والذين لا يعلمون) (2) ولما تقدم في حديث السفال، وقد رواه العرزمي
مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله (3).
وكذا قدم الهجرة مقدم على السن، لما فيه من الشرف، وللرواية.
وتأخر العلم بالسنة في الرواية، يحمل على القدر الزائد عما يحتاج
إليه في الصلاة فإنه نوع ترجيح، لاشتماله على الأفضلية، ليوافق الحديث
السالف عن النبي صلى الله عليه وآله.
فرعان:
الأول: المراد ب‍ (الهجرة) من دار الحرب إلى دار السلام، قال
الفاضل: أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته - كما قاله بعض العامة - (4)
سواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده (5).
وربما جعلت الهجرة في زماننا سكنى الأمصار، لأنها تقابل البادية
مسكن الاعراب، لان أهل الأمصار أقرب إلى تحصيل شرائط الإمامة
والكمال فيها.
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله: (ان الجفا والقسوة في الفدادين) (6).

(1) سورة فاطر: 28.
(2) سورة الزمر: 9.
(3) تقدم في ص 402 الهامش 3.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 180.
(5) المجموع 4: 281.
(6) مسند أحمد 5: 273، صحيح مسلم 1: 71 ح 81.
417

فقيل: هم المكثرون من الإبل (1).
وقيل: هم أهل القرى والبوادي، وهم الذين تعلو أصواتهم في
حروثهم وأموالهم ومواشيهم (2).
هذا إذا قرئ بتشديد الدال الأول، ويقرأ بتخفيفه وهو جمع فدان
- بتشديد الدال - وهي: بقر الحرث (3) اي: في أصحاب الفدادين لبعدهم
عن الأمصار.
وعن الشيخ نجيب الدين يحيى: هي في زماننا التقدم في التعلم قبل
الآخر.
الثاني: المراد ب‍ (علو السن) في الاسلام. فلو كان أحدهما ابن
خمسين كلها في الاسلام، والآخر ابن سبعين لكن اسلامه أقل من
خمسين، فالأول هو الأسن. قاله الشيخ في المبسوط (4).
وتاسعها: لو تساويا في جميع ما تقدم من الصفات:
قال ابنا بابويه والشيخان وجماعة: يقدم الأصبح وجها (5).
وقال المرتضى - رضي الله عنه - وابن إدريس: وقد روي إذا تساووا فأصبحهم
وجها (6).

(1) غريب الحديث للهروي 1: 203.
(2) غريب الحديث للهروي 1: 203.
(3) غريب الحديث للهروي 1: 203.
(4) المبسوط 1: 157.
(5) الفقيه 1: 147، المقنع: 34، المبسوط 1: 157، النهاية: 111، الوسيلة:
105، المراسم: 87.
وحكاه عن المفيد المحقق في المعتبر 2: 440، وعن علي بن بابويه العلامة في
مختلف الشيعة: 156.
(6) جمل العلم والعمل 3: 40، السرائر: 60.
والرواية في علل الشرائع: 326 ح 2، فقه الرضا (عليه السلام): 143، السنن الكبرى
3: 121.
418

وقال في المعتبر: لا أرى لهذا أثرا في الأولوية، ولا وجها في شرف
الرجال (1).
وقال في المختلف: يقدم الأصبح، لما فيه من الدلالة على عناية الله
به (2).
وفي التذكرة حكى عن العامة فيه تفسيرين:
أحدهما: انه الأحسن صورة، لان ذلك فضيلة كالنسب.
والثاني: انه الأحسن ذكرا بين الناس.
قال: والأخير أحسن (3).
قلت: ويمكن ان يحتج عليه بقول أمير المؤمنين عليه الصلاة
والسلام في عهد الأشتر رضي الله عنه: (وانما يستدل على الصالحين بما يجري الله
لهم على ألسن عباده) (4).
وعاشرها: انهم إذا تساووا في جميع ما تقدم يقدم الأتقى، والأورع،
لأنه أشرف في الدين وأكرم على الله تعالى، لقوله تعالى: (ان أكرمكم
عند الله أتقاكم). قاله في التذكرة (5).
قال: والأقوى تقديم هذا على الأشرف، لان شرف الدين خير من
شرف الدنيا (6).
قال: فان استووا في ذلك كله فالأقرب القرعة (7).
قال: لأنهم أقرعوا في الأذان في عهد الصحابة، فالامام أولى (8).
قلت: ولو علل بالأخبار العامة في القرعة كان حسنا.

(1) المعتبر 2: 440.
(2) مختلف الشيعة: 156.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 180، وراجع: المجموع 4: 280.
(4) نهج البلاغة: 427 قسم الرسائل: 53.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 180. والآية في سورة الحجرات: 13.
(6) تذكرة الفقهاء 1: 180. والآية في سورة الحجرات: 13.
(7) تذكرة الفقهاء 1: 180. والآية في سورة الحجرات: 13.
(8) تذكرة الفقهاء 1: 180. والآية في سورة الحجرات: 13.
419

ولا أثر عندنا للتقديم بنظافة الثوب والبدن عن الأوساخ، وطيب
الصنعة، وحسن الصوت. وقدم بها بعض العامة، لأنها تفضي إلى استمالة
القلوب، فيكثر الجمع (1).
فروع:
الأول: لو تساويا في القراءة والفقه، وزاد أحدهما في الورع - الذي
هو العفة وحسن السيرة، وهو مرتبة وزاء العدالة تبعث على ترك
المكروهات والتجنب عن الشبهات والرخص - ففي تقديمه عندي نظر،
لعدم ذكر الاخبار والأصحاب له، ومن أن اعتبار العدالة في الامام تستتبع
روادفها، إذ الإمامة سفارة بين الله تعالى وبين الخلف، فأولاهم بها أكرمهم
على الله تعالى، وكلما كان الورع أتم كان تحقق العدالة أشد، فحينئذ يقدم
هذا على المراتب الباقية.
الثاني: إذا حكمنا بترجيح الهاشمي لنسبه، ففي ترجيح المطلبي على
غيره نظر، مما روي من قوله عليه الصلاة والسلام: (نحن وبنو المطلب لم
نفترق في الجاهلية ولا في الاسلام). نعم، الهاشمي أولى منه قطعا وحينئذ
في ترجيح أفخاذ بني هاشم بسبب شرف الآباء - كالطالبي، والعباسي،
والحارثي، واللهبي. ثم العلوي، والحسني، والحسيني، ثم الصادقي،
والموسوي، والرضوي، والهادي - احتمال بين، لان الترجيح دائر مع
شرف النسب فيوجد حيث يوجد.
الثالث: هل يرجح العربي على العجمي، والقرشي على باقي
العرب؟ احتمال أيضا. وكذا ينسحب الاحتمال في الترجيح بسبب الآباء

(1) المجموع 4: 283.
420

الراجحين بعلم أو تقوى أو صلاح. ومن عبر من الأصحاب بالأشرف (1)
يدخل في كلامه جميع هذا، ولا بأس به. ومن ثم يرجح أولاد المهاجرين
على غيرهم لشرف آبائهم.
الشرط الثاني من شروط الاقتداء: نية الاقتداء، لقوله صلى الله عليه وآله:
(وانما لكل امرئ ما نوى) (2)، وعلى ذلك انعقد الاجماع.
ولو نوى الجماعة مطلقا لم يكف، لأنها مشتركة بين الإمام والمأموم،
فلا تتخصص بأحدهما الا بنية. فلو ترك نية الاقتداء فهو منفرد، فان ترك
القراءة عمدا أو جهلا بطلت، وكذا لو قرأ لا بنية الوجوب.
وان قرأ بنية الوجوب، وتساوقت أفعاله وأفعال الامام بحيث لا تؤدي
إلى انتظار للامام، صحت صلاته، ولم يفز بثواب الجماعة وان تابع الامام
في أذكاره وأفعاله.
وان تقدم عليه الامام، فترك بعض الواجب من الأذكار متابعة له،
بطلت صلاته، لتعمده الاخلال بأبعاضها الواجبة.
وان تقدم هو على الامام - كإن فرغ من القراءة قبله، والتسبيح في
الركوع والسجود - وبقى منتظرا، فان طال الانتظار بحيث يخرج به عن كونه
مصليا بالنسبة إلى صلاته، قيل: تبطل، لان ذلك يعد مبطلا. ويمكن ان
يقال باستبعاد الفرض، فان المصلي امامه محكوم بصحة صلاته مع هذا

(1) راجع: المبسوط 1: 157.
(2) التهذيب 4: 186 ح 519، مسند أحمد 1: 25، صحيح البخاري 1: 2،
صحيح مسلم 3: 1515 ح 1907، سنن أبي داود 2: 262 ح 2201، الجامع
الصحيح 4: 1079 ح 2147، السنن الكبرى 7: 341.
421

التطويل، واشتغاله بالأعمال لا يكون فارقا بينهما بحيث تصح صلاة
أحدهما وتبطل في الأخر. هذا ان اشتغل المأموم بذكر أو تسبيح، وان
سكت اتجه البطلان.
وان لم يطل الانتظار، فالأقرب الصحة إذ ليس فيه إلا أنه قرن فعله
بفعل غيره، ولم يثبت كون ذلك قادحا في الصلاة.
وبعض العامة حكم ببطلان صلاته، لأنه وقف صلاته على صلاة
غيره لا لاكتساب فضيلة الجماعة، وفيه ما يشغل القلب ويسلب الخشوع،
فيمنع منه (1).
وجوابه بمنع الشغل والسلب، لو سلما فذلك نقص في ثواب
الصلاة لا في حقيقتها، وإلا لبطلت صلاة من اشتغل قلبه وسلب خشوعه،
ولم يقل به أحد.
فروع:
الأول: لو شك في نية الاقتداء، قال في التذكرة: هو كالشك في
أصل النية، فتبطل مع بقاء المحل، ولا يلتفت مع انتقاله (2). ويمكن بناؤه
على ما قام إليه، فان لم يعلم شيئا بنى على الانفراد، لأصالة عدم نية
الائتمام.
الثاني: لا فرق بين الجمعة وغيرها في اعتبار نية الائتمام، بل الجمعة
آكد، لوجوب الائتمام فيها. وتخيل ان الجمعة لا تنعقد إلا جماعة فيستغني

(1) المجموع 4: 235.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 174.
422

عن نيته فاسد، لقوله صلى الله عليه وآله: (الأعمال بالنيات) (1).
الثالث: يشترط القصد إلى امام معين. فلو كان بين يديه اثنان،
ونوى الائتمام بأحدهما لا بعينه بطل، وكذا لو نوى الاقتداء بهما، لتعذر
المتابعة أو تعسرها.
ولو عين فأخطأ تعيينه، بطلت وان كان الثاني اهلا للإمامة.
ولو نوى الاقتداء بالحاضر على أنه زيد فبان عمرا، ففي ترجيح
الإشارة على الاسم فيصح، أو بالعكس فبطل، نظر. ونظيره ان يقول
المطلق لزوجة اسمها عمرة: هذه زينب طالق، أو يشير البائع إلى حمار
فيقول: بعتك هذا الفرس.
الرابع: لا يشترط في صحة القدوة نية الامام للإمامة وان أم النساء،
لما روى أنس انه رأى النبي صلى الله عليه وآله يصلي فصلى خلفه، ثم جاء آخر حتى
صاروا رهطا، فلما أحس بهم النبي صلى الله عليه وآله أوجز في صلاته، وقال: (انما
فعلت هذا لكم) (2).
نعم، يستحب له نية الإمامة، ليقطع بنيل الثواب. فلو لم ينوها احتمل
نيله، لتأدى شعار الجماعة بما وقع وان لم ينوه، والأقرب المنع للخبر.
وحينئذ لو أقتدي به وهو لا يشعر حتى فرغ من الصلاة، أمكن أن ينال
الثواب، لأنه لم يقع منه اهمال النية، وانما نالها الجماعة بسببه، فيبعد في

(1) التهذيب 4: 186 ح 519، مسند أحمد 1: 25، صحيح البخاري 1: 2،
صحيح مسلم 3: 1515 ح 1907، سنن أبي داود 2: 262 ح 2201، الجامع
الصحيح 4: 1079 ح 2147، السنن الكبرى 7: 341.
(2) السنن الكبرى 3: 110.
423

كرم الله وفضله حرمانه.
اما الجمعة والجماعة الواجبة، فالظاهر وجوب نية الإمامة فيها،
لوجوب نية الواجب.
ولو نوى الإمامة بقوم فظهر غيرهم، لم يضر ونال ثواب الإمامة،
لقصدها اجمالا.
الخامس: لو نوى الاقتداء بالمأموم لم يصح اجماعا، للتنافي بين
الإمامة والائتمام. ولو ظنه إماما فبان مأموما فكذلك. وكذا لو جهل الحكم
لم يعذر أيضا.
السادس: لو نوى كل من الاثنين امامة صاحبه، صحت صلاتهما وان
لم ينالا فضيلة الجماعة، لاتيانهما بما يجب عليهما. وهو مروي عن أمير
المؤمنين عليه السلام (1).
ولو نوى كل منهما الائتمام بصاحبه بطلت، للرواية عنه عليه السلام (2) ولأنه
لم يقرأ بنية الوجوب.
ولو شكا فيما أضمراه بطلت صلاتهما، قاله جماعة (3).
وفصل الفاضل، فقطع بالبطلان إن كان الأثناء، لأنه لا يمكنهما
المضي في الصلاة على الانفراد ولا على الاجتماع. وتردد فيما إذا شكا بعد
الفراغ، لأنه شك بعد الانتقال، ومن عدم اليقين بالاتيان بأفعال الصلاة (4).

(1) الكافي 3: 375 ح 3، الفقيه 1: 250 ح 1123، التهذيب 3: 54 ح 186.
(2) راجع: المبسوط 1: 153، المعتبر 2: 424.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 174.
424

قلت: يمكن ان يقال: ان كان الشك في الأثناء وهو في محل القراءة
لم يمض ما فيه اخلال بالصحة، فينوي الانفراد وصحت الصلاة، لأنه إن
كان قد نوى الإمامة فهي نية الانفراد، وان كان قد نوى الائتمام فالعدول عنه
جائز. وان كان بعد مضي محل القراءة، فان علم أنه قرأ بنية الوجوب، أو
علم القراءة ولم يعلم نية الندب، انفرد أيضا، لحصول الواجب عليه. وان
علم ترك القراءة، أو القراءة بنية الندب، أمكن البطلان، للاخلال بالواجب.
وينسحب البحث في الشك بعد التسليم، ويحتمل قويا البناء على ما
قام إليه، فان لم يعلم ما قام إليه فهو منفرد كما سبق.
السابع: جوز الشيخ - رحمه الله - عدول المنفرد إلى الائتمام في أثناء
الصلاة، محتجا بالاجماع والاخبار، وأصالة صحة الاقتداء، وعدم المانع (1).
ومنع منه بعض الأصحاب (2) لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: (إذا
كبر الامام فكبروا) (3). ولأن هذا كان في ابتداء الاسلام، فكان المسبوق
يصلي ما فاته ثم يدخل مع الامام فنسخ (4). ولورود النقل بان المنفرد يقطع
صلاته مع امام الأصل أو مطلقا (5) أو ينقل إلى النفل (6) فلو ساغ العدول لم
يكن ذلك.

(1) الخلاف 1: 123 المسألة 15.
(2) كالعلامة في تذكرة الفقهاء 1: 175، وقواعد الاحكام: 46.
(3) تقدم صدره في ص 324 الهامش 1.
(4) مسند أحمد 5: 246، سنن أبي داود 1: 138 ح 506، السنن الكبرى 2:
296، 3: 93، تلخيص الحبير 4: 421، الدر المنثور 1: 176 في تفسير آية
183 من سورة البقرة، تفسير ابن كثير 1: 220 في نفس الآية.
(5) ادعاه في تذكرة الفقهاء 1: 175.
(6) الكافي 3: 379 ح 3، 380 ح 7، التهذيب 3: 274 ح 792، 51 ح 177.
425

وجوابه: ان الخبر مخصوص بمن لم يكن قد سبق منه التكبير،
ويعارض بقوله تعالى: (واركعوا مع الراكعين) (1) وبالاخبار الباعثة على
الاقتداء. والمنسوخ غير صورة النزاع. وقطع الصلاة ليحصل كمال الفضيلة
حينئذ.
ولا فرق بين ان يدخل معه في الركعة الأولى من صلاتهما أو في
غيرها، ويراعي نظم صلاته، ويتابع الامام في التشهد والقنوت على أنهما
ذكر إذ لم يكونا فرضه. فإذا قام الامام إلى تمام صلاته وقد انتهت صلاة
المأموم تخير بين التسليم، وبين انتظاره ذاكرا لله تعالى ليسلم معه، وهو
أفضل.
الثامن: يجوز ان يصير المأموم إماما، وان ينقل المؤتم من إمام إلى
آخر، وكلاهما في الاستخلاف، سواء كان لعذر الامام، أو لانقطاع صلاته
وبقاء صلاة المسبوقين، فيقتدي بعضهم ببعض.
التاسع: يجوز نقل النية من الائتمام إلى الانفراد حيث لا تجب
الجماعة، لما مر في صلاة ذات الرقاع، ولأن معاذا قرأ سورة البقرة فانفرد
بعضهم، فقال له: نافقت، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: (أفتان أنت يا
معاذ! مرتين، اقرأ سورة ذات البروج، والليل إذا يغشى، والسماء
والطارق، وهل أتاك حديث الغاشية) (2). وقد روي عن الصادق عليه السلام

(1) سورة البقرة: 40.
(2) ترتيب مسند الشافعي 1: 104 ح 305، المصنف لعبد الرزاق 2: 8 ح 2265،
صحيح البخاري 1: 179، صحيح مسلم 1: 339 ح 465، سنن أبي داود 1: 163
ح 599، شرح معاني الآثار 1: 409، السنن الكبرى 3: 86، باختلاف في أسماء
السور.
426

والرضا عليه السلام التسليم قبل الامام لعذر (1).
فعلى هذا، لو نوى الانفراد قبل قراءة الإمام قرأ لنفسه.
وان كان قد قرأ الامام قيل: يجتزئ بقرائته ثم يركع (2). ولو كان في
الأثناء اجتزأ بما مضى. والاستئناف في الموضعين متجه، لأنه في محل
القراءة وقد نوى الانفراد.
العاشر: لو اقتدى بامام فحضر آخر، فهل له العدول إليه؟ جوزه
الفاضل، بناء على جواز نية الانفراد، وعلى تجدد الائتمام للمنفرد (3).
ويمكن المنع، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (انما جعل الامام ليؤتم به، فلا
تختلفوا عليه) (4)، ولأن نقل المنفرد لتحصيل فضيلة الجماعة وهي حاصلة
هنا، فلا معنى للنقل.
ويمكن ان يفرق بين العدول إلى الأفضل وغيره.
نعم، لو استخلف امامه رجلا نقل إليه، والوجه هنا تجديد نية النقل.
وربما احتمل عدمه، لان الخليفة نائبه فكأنه المصلي.
وعلى جواز النقل لا باستخلاف، هل يجوز دور النقل وتراميه؟ فيه
ما فيه، ويرد هذا أيضا في الاستخلاف.

(1) رواية الصادق عليه السلام في التهذيب 3: 55 ح 189.
ورواية الرضا عليه السلام في المعتبر 2: 448، وتذكرة الفقهاء 1: 175. ومثلها عن
الإمام الكاظم عليه السلام في التهذيب 3: 283 ح 842.
(2) قاله العلامة في تذكرة الفقهاء 1: 75، ونهاية الإحكام 2: 128.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 175.
(4) صحيح البخاري 1: 184، سنن الدارمي 1: 287، مسند أحمد 2: 314،
السنن الكبرى 3: 79.
427

الشرط الثالث: العدد، وأقله اثنان في غير الجمعة والعيدين،
لقوله صلى الله عليه وآله: (الاثنان فما فوقهما جماعة) (1).
وسأل الحسين الصيقل الصادق عليه السلام عن أقل ما تكون الجماعة، قال:
(رجل وامرأة) (2).
وفي حديث الجهني عن النبي صلى الله عليه وآله: (المؤمن وحده جماعة) (3)
والمراد به ادراك فضيلة الجماعة عند تعذر الجماعة.
وتنعقد الجماعة بالصبي المميز، لان ابن عباس ائتم بالنبي صلى الله عليه وآله وكان
إذ ذاك غير بالغ (4). وكذا بامرأة وصبي ان جوزنا الاقتداء به، وإلا امتنع.
وكلما كثر الجمع كان أفضل.
الشرط الرابع: اعتبار الموقف، وفيه مسائل:
الأولى: يجب ان لا يتقدم المأموم على الامام في الابتداء والاستدامة
عند علمائنا أجمع، فلو تقدم بطلت، لقوله صلى الله عليه وآله: (انما جعل الامام إماما
ليؤتم به) (5) وللتأسي به صلى الله عليه وآله وبالأئمة بعده.

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 61، سنن ابن ماجة 1: 312 ح 972، سنن
الدارقطني 1: 280، المستدرك على الصحيحين 4: 334، السنن الكبرى 3: 69.
(2) الفقيه 1: 246 ح 1095، المقنع: 35، التهذيب 3: 26 ح 91.
(3) الكافي 3: 371 ح 2، الفقيه 1: 246 ح 1096، التهذيب 3: 265 ح 749.
(4) صحيح البخاري 1: 47، 179، 217، سنن أبي داود 1: 166 ح 610، 611،
مسند أحمد 1: 341، 343، 347، سنن ابن ماجة 1: 312 ح 973، سنن
النسائي 2: 87.
(5) تقدم في ص 324 الهامش 1.
428

وتجوز مساواة المأموم للامام في الموقف.
وأوجب ابن إدريس - في ظاهر كلامه - تقدم الامام بقليل، عملا
بظاهر الخبر (1).
ويدفعه ظاهر صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: (الرجلان
يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه) (2) وكذا في حسن زرارة عن
الصادق عليه السلام (3) ولو وجب التأخر لذكره، والا لزم تأخير البيان عن وقت
الحاجة.
قال الفاضل - رحمه الله -: ولأنه لو كان شرطا لما أمكن تصور اختلاف
اثنين في الإمامة، لان التقدم ان حصل فهو الامام وإلا بطلت الصلاة (4).
ويشكل بأنه لا اقتداء هنا حتى يتأخر المأموم، ولأن تأخر المأموم شرط في
صحة صلاته لا في صحة صلاة الامام.
والمعتبر بالأعقاب. فلو تساوى العقبان، لم يضر تقدم أصابع رجل
المأموم أو رأسه. ولو تقدم بعقبه على الامام، لو ينفعه تأخره عنه بأصابعه
أو رأسه.
وللفاضل احتمال اشتراط التقدم بالعقب والأصابع معا (5) وهو أحوط.
الثانية: لا يجوز تباعد المأموم عن الامام بما لم تجر به العادة.
وقال الشيخ - رحمه الله - في المبسوط: ومتى ما بعد ما بينهما لم تصح
صلاته، وان علم بصلاة الامام. وحد البعد ما جرت العادة بتسميته بعدا،

(1) السرائر: 60.
(2) التهذيب 3: 26 ح 89.
(3) الكافي 3: 371 ح 1، التهذيب 3: 24 ح 82.
(4) مختلف الشيعة: 152.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 170.
429

وحد قوم ذلك بثلاثمائة ذراع، وقالوا على هذا ان وقف وبينه وبين الامام
ثلاثمائة ذراع، ثم وقف آخر بينه وبين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع، ثم على
هذا الحساب والتقدير بالغا ما بلغوا، صحت صلاتهم.
قالوا: وكذلك إذا اتصلت الصفوف في المسجد، ثم اتصلت بالأسواق
والدروب والدور، بعد أن يشاهد بعضهم بعضا ويرى الأولون الامام،
صحت صلاة الكل.
وهذا قريب على مذهبنا أيضا (1).
فيمكن ان يشير إلى جميع ما تقدم، فيكون رضي بالثلاثمائة.
ويمكن ان يشير بالقرب إلى الفرض الأخير خاصة، فلا يكون راجعا في
التقدير بثلاثمائة ذراع، وهو الأنسب بقوله: وحد البعد ما جرت العادة
بتسميته بعدا.
وقال أبو الصلاح - رحمه الله - وابن زهرة - قدس الله روحه -: لا يجوز ان
يكون بين الصفين من المسافة ما لا يتخطى (2) لحسن زرارة عن الباقر عليه السلام
قال: (إن صلى قوم، وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى، فليس ذلك الامام
لهم بامام. وأي صف كان أهله يصلون بصلاة الامام، وبينهم وبين الصف
الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى، ليس لهم تلك بصلاة) (3).
وحمل على الاستحباب، أو على أن المراد ب‍ (ما لا يتخطى) الحائل.
ذكر ذلك في المختلف (4)، وفيه بعد، من أن الحائل لا يتعذر بذلك، إذ

(1) المبسوط 1: 156.
(2) الكافي في الفقه: 144، الغنية: 560.
(3) الكافي 3: 385 ح 4، الفقيه 1: 253 ح 1144، التهذيب 3: 52 ح 182.
(4) مختلف الشيعة: 159.
430

يمكن المشاهدة معه في حال القيام.
الثالثة: لا تجوز الحيلولة بين الإمام والمأموم بما يمنع المشاهدة،
وكذا بين الصفوف عند علمائنا، لحسن زرارة عن الباقر عليه السلام: (وان كان
بينهم ستر أو جدار فليس تلك لهم بصلاة، وهذه المقاصير انما أحدثها
الجبارون، ليس لمن صلى خلفها مقتديا صلاة) (1).
فروع:
الأول: لا يكون الشارع حائلا بين الصفوف، ولا النهر، ولا الحائط
القصير المانع حالة الجلوس خاصة، ولا الشبابيك.
والمقصورة المانعة من الرؤية في جميع الأحوال مبطلة للائتمام. ولو
ولجها الامام وشاهده الجناحان، أو انتهت مشاهدتهما إلى من يشاهده،
صح الائتمام وإلا فلا. اما الذين يقابلون الامام فصلاتهم صحيحة، لانتهاء
مشاهدتهم إليه.
ومنع أبو الصلاح وابن زهرة من حيلولة النهر (2) لرواية زرارة السالفة،
وقد بينا حملها على الاستحباب.
ولو كانت المقصورة مخرمة صحت كالشباك. ويظهر من المبسوط
وكلام أبي الصلاح عدم الجواز مع حيلولة الشباك (3) لرواية زرارة، مع
اعتراف الشيخ بجواز الحيلولة بالمقصورة المخرمة (4)، ولا فرق بينهما.

(1) الكافي 3: 385 ح 4، الفقيه 1: 253 ح 1144، التهذيب 3، 52 ح 182.
(2) الكافي في الفقه: 144، الغنية: 560.
(3) المبسوط 1: 156، الكافي في الفقه: 144.
(4) المبسوط 1: 156.
431

الثاني: تجوز الجماعة في السفينة الواحدة والسفن المتعددة، بشرط
عدم التباعد المفرط وعدم الحائل، سواء كانت مشدودة بعضها ببعض أم
لا، وكذا لو كان الامام على الشط والمأمومون في السفينة أو بالعكس،
للأصل، وما روي من جواز الصلاة في السفينة (1)، وقد سبق.
الثالث: لو صلى في داره خلف إمام المسجد، وهو يشاهد
الصفوف، صحت قدوته. وأطلق الشيخ ذلك، والأولى تقييده بعدم البعد
المفرط.
قال: وان كان باب الدار بحذاء باب المسجد (أو باب المسجد عن
يمينه أو عن يساره) واتصلت الصفوف من المسجد إلى داره، صحت
صلاتهم. فان كان قدام هذا الصف في داره صف لم تصح صلاة من كان
قدامه، ومن صلى خلفهم صحت صلاتهم، سواء كان على الأرض أو في
غرفة منها، لأنهم يشاهدون الصف المتصل بالامام، والصف الذي قدامه
لا يشاهدون الصف المتصل بالامام (2).
وقد روي أن أنسا كان يصلي في بيوت حميد بن عبد الرحمن بن
عوف بصلاة الامام، وبينه وبين المسجد طريق (3). وفيه أيضا دلالة على أن
الشارع ليس بحائل.
فان قلت: قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله: (من كان بينه وبين الامام حائل
فليس مع الامام) (4).

(1) راجع: التهذيب 3: 297 ح 902، الاستبصار 1: 440 ح 1696.
(2) المبسوط 1: 156 - 157.. وما بين القوسين ليس في المصدر.
(3) مسند ترتيب الشافعي 1: 107 ح 317، السنن الكبرى 3: 111.
(4) المجموع 4: 309، المبسوط (للسرخسي) 1: 193، تذكرة الفقهاء 1: 173
وفي الجميع: (طريق) يدل (حائل).
432

قلت: يحمل على البعد المفرط، أو على الكراهة.
الرابع: الحائل انما يمنع إذا كان المأموم رجلا، أو خنثى على
الأقرب لجواز الذكورية، أو أنثى بأنثى. اما لو اقتدت المرأة بالرجل وبينهما
حائل فإنه جائز، لرواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، حيث قال له: وان كان
بينه وبينهن حائط أو طريق؟ قال: (لا بأس) (1).
وقال ابن إدريس: وقد وردت رخصة للنساء ان يصلين وبينهن وبين
الامام حائط، والأول الأظهر والأصح (2) وعنى به مساواتهن للرجال.
الخامس: تجوز الصلاة بين الأساطين مع المشاهدة واتصال
الصفوف، لقوله عليه السلام: (لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا) (3).
الرابعة: يشترط ان يكون موقف الامام مساويا لموقف المأموم أو
اخفض منه، فلا يجوز العلو بما يعتد به، لما روي: ان عمارا - رضي الله عنه - تقدم
للصلاة على دكان والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة - رضي الله عنه - فأخذ بيده حتى
أنزله، فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
(إذا أم الرجل القوم، فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم)؟ قال عمار:
فلذلك اتبعتك حين اخذت على يدي (4).
وروي أيضا: ان حذيفة أم على دكان بالمدائن، فاخذ عبد الله بن
مسعود بقميصه فجذبه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا
ينهون عن ذلك؟! قال: بلى، ذكرت حين جذبتني (5).

(1) التهذيب 3: 53 ح 183.
(2) السرائر: 61.
(3) الكافي 3: 386 ح 6، الفقيه 1: 253 ح 1141، التهذيب 3: 52 ح 180.
(4) سنن أبي داود 1: 163 ح 598، السنن الكبرى 3: 109.
(5) سنن أبي داود 1: 163 ح 597، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 290
ح 2140، المستدرك على الصحيحين 1: 210، السنن الكبرى 3: 108.
433

وروى عمار الساباطي عن الصادق عليه السلام في الرجل يصلي بقوم وهم
في موضع أسفل من موضعه الذي يصلي فيه، فقال: (ان كان الامام على
شبه الدكان، أو على موضع أرفع من موضعهم، لم تجز صلاتهم) (1).
وقال الشيخ - في الخلاف -: يكره ان يكون الامام على مثل سطح،
ودكان، وما أشبه ذلك (2).
وقال ابن الجنيد: لا يكون الامام أعلى بحيث لا يرى المأموم فعله،
إلا ان يكون المأمومون أضراء، فان فرض البصراء الاقتداء بالنظر، وفرض
الأضراء الاقتداء بالسماع إذا صح لهم التوجه (3).
وقال المحقق - في المعتبر -: للشيخ قولان:
أحدهما: التحريم، ذكره في النهاية والمبسوط.
والثاني: الكراهية، ذكره في الخلاف، لرواية سهل قال: رأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه، ثم ركع وهو على
المنبر، ثم رجع فنزل القهقري حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى
فرغ، ثم اقبل على الناس فقال: (أيها الناس فعلت كذا لتأتموا [بي]
ولتعلموا صلاتي) (4).

(1) الكافي 3: 386 ح 9، الفقيه 1: 253 ح 1146، التهذيب 3: 53 ح 185.
(2) الخلاف 1: 124 المسألة 23.
(3) مختلف الشيعة: 160.
(4) المعتبر 2: 419.
وراجع: المبسوط 1: 156، النهاية: 117، الخلاف 1: 24 المسألة 23.
والرواية في: مسند أحمد 5: 339، صحيح مسلم 1: 386 ح 544، السنن
الكبرى 3: 108.
434

وأجاب في المعتبر بمنع الرواية أولا، وبالحمل على علو لا يعتد به
- كالمرقاة السفلى - ثانيا، وبجواز كونه من خواصه عليه السلام ثالثا (1).
قال الفاضل: ولأنه لم يتم الصلاة على المنبر، فان سجوده وجلوسه
انما كان على الأرض بخلاف ما وقع فيه الخلاف، أو لأنه عليه السلام علمهم
الصلاة ولم يقتدوا به (2).
وفي المختلف حمل كلام الشيخ - رحمه الله - في الخلاف على أنه أراد
بالكراهة التحريم (3)، وهو خلاف ما عقله عنه المحقق - رحمه الله - حتى أنه تردد
فيه في غير المعتبر (4) لامكان حمل روايات المنع على الكراهية.
فروع:
الأول: لو كان الامام أسفل من المأموم بالمعتد كان الاقتداء جائزا،
سواء كان المأموم على سطح أم لا. وقد روى عمار: وان كان الامام أسفل
من موضع المأموم فلا بأس، وقال: (لو كان رجل فوق بيت أو غير ذلك،
والامام على الأرض، جاز ان يصلي خلفه ويقتدي به) (5).
الثاني: لا تقدير للعلو الا بالعرف وفي رواية عمار: ولو كان أرفع
منهم بقدر إصبع إلى شبر، فان كان أرضا مبسوطة وكان في موضع فيه
ارتفاع، فقام الامام في المرتفع وقام من خلفه أسفل منه إلا أنهم في موضع

(1) المعتبر 2: 419.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 173.
(3) مختلف الشيعة: 160.
(4) شرائع الاسلام 1: 123.
(5) الكافي 3: 386 ح 9، الفقيه 1: 253 ح 1146، التهذيب 3: 53 ح 185.
435

منحدر، فلا بأس (1). وهي تدل بمفهومها على أن الزائد على شبر ممنوع،
واما الشبر فيبنى على دخول الغاية في المغيا وعدمه.
وقدره الفاضل بما لا يتخطى (2) ولعله اخذ من رواية زرارة السالفة،
ولأنه قضية العرف.
الثالث: لو وقف الامام على الاعلى، بطلت صلاة المأموم الذي
أسفل منه ولا تبطل صلاة الامام. والنهي عن قيامه في مكان أعلى لأجل
صحة صلاة المأموم، لا لأجل صحة صلاة الامام.
الخامسة: في سنة الموقف، وهي في صور.
إحداها: ان يقتدي الرجل بالرجل، فيستحب قيامه عن يمينه، ويقدم
الامام بيسير، لان النبي صلى الله عليه وآله جذب ابن عباس من ورائه فأداره إلى يمينه
وكان قد وقف على يساره (3)، ولروايتي محمد بن مسلم وزرارة
السابقتين (4).
وثانيتها: ان تقتدي المرأة بالمرأة، فتقف أيضا موقف الرجل
بالرجل.
وثالثتها: ان تقتدي المرأة بالرجل، فتقف خلفه، فلو وقفت عن
جانبيه بنى على المحاذاة، وقد سبقت.
ورابعتها: ان يقتدي الخنثى بالرجل، والأولى وقوفه خلفه، لجواز

(1) الكافي 3: 386 ح 9، الفقيه 1: 253 ح 1146، التهذيب 3: 53 ح 185.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 173، نهاية الإحكام 2: 124.
(3) المصنف لعبد الرزاق 3: 36 ح 4706، مسند أحمد 1: 252، سنن الدارمي 1:
286، صحيح البخاري 1: 179، صحيح مسلم 1: 528 ح 763، سنن أبي داود
2: 45 ح 1357، سنن النسائي 2: 87، مسند أبي يعلى 4: 35 ح 2465.
(4) تقدمنا في ص 429 الهامش 5، 6.
436

الأنوثة.
وخامستها: ان يقتدي الرجل بالرجال، والأفضل صلاتهم خلفه
بأجمعهم، وهو منصوص عنهم عليهم السلام (1).
وكونه في وسط الصف، فلو صلى لا في وسطه جاز، وقد روى من
فعل بعضهم عليهم السلام (2)، ولعله للضرورة لان الامام لا يترك الأفضل. هذا في
غير العراة، واما العراة فلا يبرز عنهم إلا بركبتيه.
ويستحب اختصاص أهل الفضل بالصف الأول، ثم الثاني بمن
دونهم، وهكذا، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (ليليني أولو الأحلام، ثم الذين يلونهم،
ثم الذين يلونهم) (3) ثم الصبيان، ثم النساء.
وعن الباقر عليه السلام: (ليكن الذين يلون الامام أولي الأحلام منكم
والنهي، فان نسى الامام أو تعايا فقوموه، وأفضل الصفوف أولها، وأفضل
أولها ما دنا من الامام) (4).
وقد روى الكليني في خبر مرفوع: ان الصادق عليه السلام صلى إلى زاوية
والقوم كلهم عن أحد جانبيه (5).
وليكن يمين الصف لأفاضل الصف الأول، لما روي أن الرحمة تنتقل
من الامام إليهم، ثم إلى يسار الصف، ثم إلى الباقي (6)، والأفضل للأفضل.

(1) التهذيب 3: 26 ح 89.
(2) الكافي 3: 386 ح 8، التهذيب 3: 53 ح 184.
(3) سنن الدارمي 1: 290، صحيح مسلم 1: 323 ح 432، سنن أبي داود 1: 180
ح 674، الجامع الصحيح 1: 440 ح 228، سنن النسائي 2: 87، السنن الكبرى
3: 97.
(4) الكافي 3: 372 ح 7، التهذيب 3: 265 ح 751.
(5) الكافي 3: 386 ح 8، التهذيب 3: 53 ح 184، وفيهما: (كلهم عن يمينه).
(6) نقلها في مسالك الأفهام 1: 312.
437

وسادستها: ان تقتدي النساء بالمرأة، فيقمن صفا. ولو احتيج إلى
صفوف فعل، وتقف التي تؤم بهن وسط الصف الأول غير بارزة. وروى
عبد الله بن بكير مرسلا عن الصادق عليه السلام في الرجل يؤم بالمرأة، قال:
(نعم، تكون خلفه)، وفي المرأة تؤم النساء، قال: (نعم، تقوم وسطا
بينهن ولا تتقدمهن) (1).
وسابعتها: ان يقتدي الصبيان بالصبي، وحكمهم حكم الرجال في
جميع ما ذكر.
وثامنتها: ان يقتدي أصناف الرجل - كالأحرار، والعبيد، والرجال،
والنساء، والخناثى، والصبيان - فيقف الأحرار من كل صنف امام العبيد من
ذلك الصنف، والرجال أمام الصبيان، والصبيان أمام الخناثى، والخناثى أمام
النساء.
وقال ابن الجنيد - رحمه الله -: يقوم الرجال أولا، ثم الخصيان، ثم
الخناثى، ثم الصبيان ثم النساء، ثم الصبيات. ويقدم الأحرار على العبيد
والإماء، والاشراف على غيرهم، والعلماء من الاشراف على من لا علم له.
والأحق بقرب الامام من يصلح للنيابة عند احتياج الامام إليها.
فالخلاف بينه وبين الشيخ في تقديم الصبيان على الخناثى (2)، فالشيخ
نظر إلى تحقق الذكورية في الصبيان، ونظر ابن الجنيد إلى تحقق الوجوب
في الخناثى دون الصبيان، وهو حسن، واختاره ابن إدريس والفاضل (3).
والأفضل وقوف الامام في وسط الصف.

(1) التهذيب 3: 31 ح 112، الاستبصار 1: 436 ح 1645.
(2) المبسوط 1: 155.
(3) السرائر: 60، مختلف الشيعة: 158.
438

ويكره تمكين الصبيان من الصف الأول، ووقوف المأموم وحده
اختيارا، لرواية السكوني عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: (قال أمير
المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تكونن في العثكل. قلت: وما
العثكل؟ قال: ان تصلي خلف الصفوف وحدك، فان لم يمكن الدخول في
الصف وقام حذاء الامام أجزأه، فان هو عاند الصف فسد عليه صلاته) (1).
وقال ابن الجنيد: إن أمكنه الدخول في الصف من غير أذية غيره، لم
يجز قيامه وحده.
وقال: إن دخل رجل إلى المسجد، فلم ير في الصفوف موضعا
يقف فيه، أجزأه ان يقوم وحده محاذيا مقامه ولو كان نائبا للامام، وان
خالف ذلك الموضع لم تجز صلاته إذا ترك ما على المنفرد أن يأتي به.
ويدفع قوله صحيح ابن الصباح عن الصادق عليه السلام في الرجل يقوم في
الصف وحده، فقال: (لا بأس، انما يبدو واحد بعد واحد) (2).
فان احتج بما روي أن النبي صلى الله عليه وآله أبصر رجلا خلف الصفوف وحده
فأمره ان يعيد الصلاة (3)، وبرواية السكوني المذكورة.
قلنا: الخبر من طرق العامة، ولو سلم حمل على الاستحباب.

(1) التهذيب 3: 282 ح 838 وفيه: (العيكل) في الموضعين.
قال المجلسي في بحار الأنوار 88: 117: لم أر العيكل بهذا المعنى في كتب
اللغة، وفي بعض النسخ بالثاء المثلثة وهو كذلك ليس له معنى مناسب... ولا يبعد
ان يكون (الفسكل) بالفاء والسين المهملة، وهو بالضم والكسر: الفرس الذي
يجيئ في الحلبة آخر الخيل.
(2) علل الشرائع: 361، التهذيب 3: 280 ح 828.
(3) مسند أحمد 4: 228، سنن أبي داود 1: 182 ح 682، الجامع الصحيح 1:
445 ح 230، السنن الكبرى 3: 104.
439

ويعارضهما ما روي أن أبا بكرة جاء والنبي صلى الله عليه وآله راكع، فركع دون الصف
ثم مشى إلى الصف، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (أيكم ركع دون
الصف ثم مشى إلى الصف؟).
فقال أبو بكرة: انا. فقال: (زادك الله حرصا ولا تعد) (1)، أي: لا تعد
إلى التأخر أو نهي كراهة عن فعل مثل هذا، لأنه لم يأمره بإعادة الصلاة.
فروع:
الأول: لا كراهة في وقوف المرأة وحدها إذا لم تكن نساء، وكذا مع
تعذر المكان على الرجل الواحد.
الثاني: لو وجد فرجة في صف، فله السعي إليها وان كانت في غير
الصف الأخير، ولا كراهة هنا في اختراق الصفوف، لأنهم قصروا حيث
تركوا تلك الفرجة. نعم، لو أمكن الوصول بغير اختراقهم كان أولى.
الثالث: لو لم يجد فرجة فوقف وحده، لم يستحب له جذب رجل
ليصلي معه، لما فيه من حرمانه الفضيلة بالتقدم، واحداث الخلل في
الصف. ولو جذبه لم يستحب اجابته.
الرابع: لو تقدم المأموم في أثناء الصلاة متعمدا على الامام، فالظاهر أنه
يصير منفردا، لإخلاله بالشرط. ويحتمل ان يراعى باستمراره أو عوده
إلى موقفه، فان عاد أعاد نية الاقتداء.
ولو تقدم غلطا أو سهوا، ثم عاد إلى موقفه، فالظاهر بقاء القدوة،
للحرج. ولو جدد نية الاقتداء هنا كان حسنا. وكذا الحكم لو تقدمت سفينة

(1) صحيح البخاري 1: 199، سنن أبي داود 1: 182 ح 684، سنن النسائي 2:
118 السنن الكبرى 3: 106.
440

المأموم على سفينة الامام، فلو استصحب نية الائتمام بعد التقدم بطلت
صلاته. وقال الشيخ - في الخلاف -: لا تبطل، لعدم الدليل (1).
الخامس: كل ما ذكرناه في سنة الموقف، فإنه لا يبطل الائتمام
بتركه، وان نقص الفضل.
السادس: لو قام الواحد عن يمين الامام فدخل آخر، فان لم يكن
الأول قد أحرم تأخر ووقفا معا خلف الامام، وكذا لو كان قد أحرم إذا لم
يكن مؤديا إلى فعل كثير.
ولو قدم الامام ثم تحاذيا جاز، وان كان تأخر الأول وتحاذيهما
أفضل، إلا ان يكون لا موقف من ورائهما، فيتقدم الامام إذا كان امامه
موقف.
وروى عمار عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يدرك الامام
وهو قاعد يتشهد، وليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه، قال: لا يتقدم
الامام ولا يتأخر الرجل، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الامام، فإذا
سلم الامام قام الرجل فأتم الصلاة) (2).
ويجوز الوقوف بحذاء الامام إذا لم يجد موضعا، رواه سعيد الأعرج
عن الصادق عليه السلام (3).
السابع: يستحب إقامة الصفوف استحبابا مؤكدا.
قال ابن بابويه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أقيموا صفوفكم، فاني أراكم
من خلفي كما أراكم من بين يدي، ولا تخالفوا فيخالف الله بين

(1) الخلاف 1: 124 المسألة 29.
(2) الكافي 3: 396 ح 7، التهذيب 3: 272 ح 788.
(3) الكافي 3: 385 ح 3، التهذيب 3: 272 ح 786.
441

قلوبكم) (1).
وروى الشيخ باسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: (سدوا بين
صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم، لا يستحوذ عليكم الشيطان) (2).
وروي في صحاح العامة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسوي صفوفنا كأنما
يسوي القداح (3)، وقال: (أقيموا صفوفكم فاني أراكم من وراء ظهري) (4).
وقال: (سووا صفوفكم، فان تسوية الصفوف من تمام الصلاة) (5).
وكان يمسح مناكبهم في الصلاة ويقول: (استووا، ولا تختلفوا
فتختلف قلوبكم) (6).
الثامن: يستحب لمن وجد خللا في صف ان يسعى. روى العامة
- في الحسان - عنه صلى الله عليه وآله: (ان الله وملائكته يصلون على الذين يلون
الصفوف الأول، وما من خطوة أحب إلى الله من خطوة يمشيها يصل بها
صفا) (7) ونحوه ما يأتي عن أبي عبد الله عليه السلام (8).
التاسع: يستحب للامام أمرهم بتسوية الصفوف، لان النبي صلى الله عليه وآله

(1) الفقيه 1: 252 ح 1139، المقنع: 34، بصائر الدرجات: 440.
(2) التهذيب 3: 283 ح 839.
(3) صحيح مسلم 1: 324 ح 436، سنن أبي داود 1: 178 ح 663، مصابيح السنة
1: 397 ح 774، سنن النسائي 2: 89.
(4) صحيح البخاري 1: 184، السنن الكبرى 3: 100.
(5) مسند أحمد 3: 274، سنن الدارمي 1: 289، صحيح مسلم 1: 334 ح 433،
سنن ابن ماجة 1: 317 ح 993، سنن أبي داود 1: 179 ح 668، مسند أبي يعلى
5: 354 ح 2997.
(6) المصنف لعبد الرزاق 2: 45 ح 2430، صحيح مسلم 1: 323 ح 432، سنن أبي
داود 1: 178 ح 663، السنن الكبرى 3: 97.
(7) سنن أبي داود 1: 149 ح 543، مصابيح السنة 1: 400 ح 784.
(8) يأتي في الفروع الآتية.
442

روي أنه كان يقول عن يمينه: (اعتدلوا سووا صفوفكم) وعن يساره:
(اعتدلوا سووا صفوفكم) (1). اما استحباب التفات الامام عن اليمين
واليسار، لا بهذا الاعتبار، فليس بمستحب عندنا.
العاشر: يستحب تقارب الصفوف، فلا يزيد ما بينها على مسقط
الجسد إذا سجد، رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2).
وقدر أيضا بمربض عنز، ذكره في المبسوط (3).
الحادي عشر: يجوز التأخر إلى صف فيه فرجة إذا وجد ضيقا في
صفه، لقول أبي عبد الله عليه السلام: (أتموا الصفوف إذا رأيتم خللا، ولا يضرك
ان تتأخر وراءك إذا وجدت ضيقا في الصف الأول إلى الصف الذي خلفك
وتمشي منحرفا) (4).
وروى التقدم والتأخر أيضا علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (5).
وفي رواية زرارة عن الباقر عليه السلام: (ينبغي للصفوف ان تكون تامة
متواصلة بعضها إلى بعض) (6).
وفي رواية محمد بن مسلم، قال: قلت له: الرجل يتأخر وهو في
الصلاة، قال: (لا). قلت: فيتقدم. قال: (نعم، ماشيا إلى القبلة) (7) ويحمل
على عدم الحاجة إلى ذلك فيكره.

(1) سنن أبي داود 1: 179 ح 670.
(2) الفقيه 1: 253 ح 1143.
(3) المبسوط 1: 159.
(4) الفقيه 1: 253 ح 1142، التهذيب 3: 280 ح 826.
(5) التهذيب 3: 275 ح 799.
(6) الفقيه 1: 253 ح 1143.
(7) التهذيب 3: 272 ح 787.
443

الشرط الخامس: توافق نظم الصلاتين في الافعال لا في عدد
الركعات، فلا يقتدى في اليومية بالكسوف ولا بالجنازة والعيد،
ولا بالعكس، لقوله صلى الله عليه وآله: (انما جعل الامام إماما ليؤتم به) الخبر (1) وهو
غير حاصل مع الاختلاف.
ولا يشترط توافق الصلاتين نوعا ولا صنفا، فيجوز اقتداء المفترض
بالمتنفل وبالعكس، وبالظهر في العصر والمغرب والصبح وبالعكس، وقد
سبق. وروى حماد بن عثمان عن الصادق عليه السلام في رجل أم قوما فصلى
العصر وهي لهم ظهر، فقال: (أجزأت عنه وعنهم) (2).
فلو اقتدى مصلي الظهر بمصلي المغرب، فانتهى الامام إلى التسليم،
أتم المأموم وله الانفراد عقيب السجدة الأخيرة، والأول أفضل.
ولو اقتدى مصلي الصبح بمصلي الظهر، فحكمه ما مر في اقتداء
المسافر بالحاضر، فيتخير عند انتهاء صلاته بين التسليم والانتظار ليسلم
الامام، وهو الأفضل.
ولو اقتدى في المغرب بالظهر، فإذا قام الامام إلى الرابعة لم يتابعه،
بل يجلس للتشهد والتسليم، والأقرب استحباب انتظاره كما قلناه في الصبح
وصلاة المسافر.
لا يقال: انه أحدث تشهدا مانعا من الاقتداء، بخلاف مصلي الصبح

(1) صحيح البخاري 1: 184، 177، صحيح مسلم 1: 308 ح 411، 309
ح 412، 414، سنن أبي داود 1: 164 ح 601، 603، 165 ح 605، سنن
النسائي 2: 83، 142، سنن الترمذي 2: 194 ح 361، سنن ابن ماجة 1: 392
ح 1237، 1238، 393 ح 1239. ويوجد في غيرها من المصادر.
(2) الاستبصار 3: 49 ح 172، الاستبصار 1: 439 ح 1691.
444

مع الظهر، فإنه تشهد مع الامام.
لأنا نقول: لا نسلم ان ذلك مانع من الاقتداء، وما هو إلا كتأخر
المأموم عن الامام في تشهده إذا كان مسبوقا.
ويجوز الاقتداء في القضاء بالأداء وبالعكس، كما يجوز في الأداء
بالأداء وفي القضاء بالقضاء.
الشرط السادس: المتابعة للامام، وفيه مسائل:
الأولى: يجب كون أفعال المأموم غير متقدمة على أفعال الامام
اجماعا.
فلو تحرم قبله بطلت القدوة. ولو تحرم معه ففيه قولان، أصحهما
المنع.
ولو ركع قبله، فان كان لم يفرغ الامام من القراءة، وتعمد المأموم
الركوع ولما يقرأ، أو قرأ وقلنا بعدم اجتزائه بها إذ الندب لا يجزئ عن
الفرض، بطلت الصلاة.
وان كان بعد قراءة الإمام أثم، وفي بطلان الصلاة قولان:
ففي المبسوط: من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته (1). ولعله
للنهي عن المفارقة الدال على الفساد، ولكن يمكن ان يقال: صار منفردا،
لان المفارقة المنهي عنها ما دام مؤتما.
وقال المتأخرون: لا تبطل الصلاة ولا الاقتداء وان أثم، لقضية
الأصل (2). وحينئذ يستمر حتى يلحقه الامام، فلو عاد إلى الركوع بطلت،

(1) المبسوط 1: 157.
(2) لم نعثر عليه إلا في المهذب البارع 1: 472 - 473 لابن فهد الحلي.
445

وكذا في السجود لو سجد قبله، وكذا في الرفع منهما.
اما لو فعل ذلك سهوا لم يأثم ويعود مع الامام، لرواية محمد بن
سهل الأشعري عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام فيمن رفع رأسه قبل
الامام، قال: (يعيد ركوعه) (1).
وعن الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام في الرجل يرفع رأسه من
السجود قبل ان يرفع الامام رأسه من السجود، قال: (فليسجد) (2).
وهاتان الروايتان وان كانتا مطلقتين فإنهما تحملان على الناسي، إذ
الزيادة عمدا مبطلة فلا يؤمر بالعود، وللجمع بين ذينك وبين رواية غياث
عن الصادق عليه السلام في الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام، أيرجع إذا
أبطأ الامام؟ قال: (لا) (3).
فرع:
لو ترك الناسي الرجوع، ففي بطلان صلاته وجهان:
أحدهما: نعم، لان المعتد به انما هو الثاني ولم يأت به متعمدا،
فيبقى في العهدة.
والثاني: لا، لان الرجوع لقضاء حق المتابعة لا لكونه جزءا من
الصلاة، ولأنه يترك رجوعه يصير في حكم المتعمد الذي عليه الاثم لا غير.
وفي التذكرة لم يوجب العود على الناسي وان كان جائزا (4). وروى

(1) الفقيه 1: 258 ح 1172، التهذيب 3: 47 ح 163، الاستبصار 1: 438
ح 1688.
(2) الفقيه 1: 258 ح 1173، التهذيب 3: 48 ح 165.
(3) الكافي 3: 384 ح 14، التهذيب 3: 47 ح 164، الاستبصار 1: 438 ح 1689.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 185.
446

الحسن بن علي بن فضال، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام: فيمن
ركع لظنه ركوع الامام، فلما رآه لم يركع رفع رأسه، ثم أعاد الركوع مع
الامام، فكتب: (يتم صلاته، ولا تفسد بما صنع صلاته) (1).
ويمكن ان يستدل - رحمه الله - بمفهوم هذا الخبر.
الثانية: لو اضطر إلى الصلاة مع غير المقتدى به تابعه ظاهرا ولا
ينوي الاقتداء، ولا عبرة هنا بالتقدم والتأخر، وقع عمدا أو سهوا.
ويقرأ لنفسه ولو سرا في الجهرية، لقول الصادق عليه السلام: (يجزئك إذا
كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس) (2).
وتجزئه الفاتحة وحدها مع تعذر السورة، ولو ركع الامام قبل قراءته
قرأ في ركوعه، ولو بقى عليه شئ فلا بأس. وروى أبو بصير عن
الباقر عليه السلام: (ان فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه) (3) وسأله عن الائتمام
بمن لا يقتدى به.
ولو اضطر إلى القيام قبل تشهده قام وتشهد قائما.
وجوز في التهذيب ترك القراءة للضرورة هنا، لرواية إسحاق بن
عمار عن الصادق عليه السلام، انه قال له: (ادخل معهم في الركعة واعتد بها،
فإنها من أفضل ركعاتك). قال: فسمعت أذان المغرب فقمت مبادرا،
فوجدت الناس قد ركعوا فركعت مع أول صف أدركت واعتددت بها، ثم
صليت بعد الانصراف أربع ركعات ثم انصرفت، وإذا خمسة أو ستة من
جيراني من المخزوميين والأمويين قد قاموا إلي، وقالوا: يا أبا هاشم جزاك

(1) التهذيب 3: 277 ح 811.
(2) الكافي 3: 315 ح 16، التهذيب 2: 97 ح 366، الاستبصار 1: 321 ح 1197.
(3) التهذيب 3: 275 ح 801.
447

الله عن نفسك خيرا، فقد والله رأينا خلاف ما ظننا بك وما قيل فيك،
تبعناك حين قمت إلى الصلاة ونحن نرى أنك لا تقتدي بالصلاة معنا، فقد
وجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا، فرضي الله عنك وجزاك خيرا. فقلت
لهم: سبحان الله ألمثلي يقال هذا!!) (1).
الثالثة: للمأموم أحوال:
إحداها: ان يدرك الامام قبل ركوعه، فيحتسب بتلك الركعة اجماعا،
سواء أدرك تكبيرة الركوع أو لا.
الحالة الثانية: ان يدركه حال ركوعه، فيركع قبل رفع الامام،
والأصح ادراك الركعة كما قاله المرتضى (2) وابن الجنيد (3) وابن إدريس (4)
والمتأخرون (5) لصحيح سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام: في الرجل إذا
أدرك الامام وهو راكع فيكبر الرجل وهو مقيم صلبه، ثم يركع قبل أن يرفع
الامام رأسه، فقد أدرك الركعة (6)، ونحوه حسن الحلبي عنه عليه السلام (7).
وقال الشيخ وتلميذه ابن البراج: إذا لم يلحق تكبيرة الركوع فقد فاتته
الركعة (8) لصحيح محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام، قال: قال لي: (إذا لم

(1) التهذيب 3: 37 والحديث فيه برقم 133، وفي الاستبصار 1: 431 ح 1666.
(2) جمل العلم والعمل 3: 41.
(3) مختلف الشيعة: 158.
(4) السرائر: 61.
(5) راجع المعتبر 2: 443، شرائع الاسلام 1: 125، مختلف الشيعة: 158.
(6) الكافي 3: 382 ح 6، التهذيب 3: 43 ح 152، 271 ح 781، الاستبصار 1:
435 ح 1679.
(7) الكافي 3: 382 ح 5، الفقيه 1: 254 ح 1149، التهذيب 3: 43 ح 153،
الاستبصار 1: 435 ح 1680.
(8) التهذيب 3: 43، المهذب 1: 82.
448

يدرك القوم قبل أن يكبر الامام الركعة (1)، فلا يدخل معهم في تلك
الركعة) (2). وفي عبارة أخرى له عنه: (لا يعتد بالركعة التي لم يشهد
تكبيرها مع الامام) (3).
وأجيب بان التكبير يعبر به عن نفس الركوع، فتتفق الاخبار.
الحالة الثالثة: ان يدركه بعد ركوعه قبل السجدتين، فيستحب
التكبير والدخول معه في السجدتين.
وهل يحتاج إلى استئناف النية بعد ذلك؟
قال الشيخ (4): لا لان زيادة الركن مغتفرة في متابعه الامام.
وقال الفاضلان: نعم، لأنها زيادة عمدا (5)، ولا فرق هنا بين ان يكون
ذلك في السجدتين من الركعة الأخيرة أو باقي الركعات.
والذي في رواية المعلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام: (إذا سبقك
الامام بركعة، فأدركته وقد رفع رأسه، فاسجد معه ولا تعتد بها) (6). فهذا
يحتمل عدم الاعتداد بهما من الصلاة، وان كانت النية صحيحة. ويحتمل
عدم الاعتداد بهما ولا بالصلاة.
وعبارة المبسوط كالرواية (7).

(1) في المصدرين: (للركعة).
(2) التهذيب 3: 43 ح 149، الاستبصار 1: 434 ح 1676. وفيهما باختلاف في
الضمائر.
(3) التهذيب 3: 43 ح 150، الاستبصار 1: 435 ح 1677.
(4) المبسوط 1: 159.
(5) المعتبر 2: 447، تذكرة الفقهاء 1: 182، نهاية الإحكام 2: 132.
(6) التهذيب 3: 48 ح 166.
(7) المبسوط 1: 159.
449

الحالة الرابعة: ان يدركه وقد سجد واحدة، فيكبر ويسجد معه
الأخرى، وفي الاعتداد بها الوجهان.
وروى محمد بن مسلم: متى يكون مدرك الصلاة مع الامام؟
قال: (إذا أدرك الامام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته، فهو مدرك لفضل
الصلاة مع الامام (1). وهنا أولى بالاعتداد، لان المزيد ليس ركنا.
والوجه الاستئناف كالأول، لان الزيادة عمدا مبطلة وان لم تكن ركنا.
الحالة الخامسة: ان يدركه بعد السجود، فيكبر ويجلس معه: اما
جلسة الاستراحة، أو جلسة التشهد الأول، أو التشهد الأخير.
وتجزئ هذه التكبيرة قطعا، فان كان قد بقي شئ من صلاة الامام
بنى عليه، وإلا نهض بعد تسليم الامام وأتم صلاته.
وممن روى الاجتزاء بذلك عمار (2) ولكن روى أيضا عن الصادق عليه السلام
في رجل أدرك الامام جالسا بعد الركعتين، قال: (يفتتح الصلاة، ولا يقعد
مع الامام حتى يقوم) (3). والجمع بينهما بجواز الأمرين، وان كان الأفضل
الجلوس مع الامام حتى يسلم.
وروى ابن بابويه ان منصور بن حازم كان يقول: إذا أتيت الامام وهو
جالس قد صلى ركعتين فكبر ثم اجلس، وإذا قمت فكبر (4). وفي هذا ايماء
إلى عدم الاجتزاء بالتكبير، إلا أن يجعله تكبير القيام، وهو نادر.
والظاهر أنه يدرك فضل الجماعة إذا كان التأخير لا عمدا، لأنه مأمور

(1) التهذيب 3: 57 ح 197.
(2) الكافي 3: 386 ح 7، التهذيب 3: 272 ح 788.
(3) التهذيب 3: 274 ح 793.
(4) الفقيه 1: 291 ح 1184.
450

به مندوب إليه، وليس إلا لأدرك الفضيلة، واما كونها كفضيلة من أدرك قبله
فغير معلوم.
وقال ابن بابويه فيمن أدركه في السجدة الأخيرة أو في التشهد: انه
أدرك فضل الجماعة (1).
وقال ابن إدريس: يدرك فضيلة الجماعة بادراك بعض التشهد (2)
وظاهره انه يدرك ذلك وان لم يتحرم بالصلاة.
المسألة الرابعة: كل ما يدركه المأموم فهو أول صلاته، سواء كان
أول صلاة الامام أم لا.
قال المحقق: وهو مذهب علمائنا كافة، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (ما أدركتم
فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، ولرواية زرارة عن الباقر عليه السلام قال: (إذا أدرك
الرجل بعض الصلاة جعل ما أدرك أول صلاته. ان أدرك من الظهر أو
العصر ركعتين، قرأ فيما أدرك مع الامام مع نفسه أم الكتاب وسورة، فإذا
سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما، لان الصلاة انما يقرأ فيها في
الأوليين) (3).
وروى عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) الفقيه 1: 265.
(2) السرائر: 62.
(3) المعتبر 2: 446.
وقول النبي صلى الله عليه وآله في: صحيح البخاري 1: 163، 164، صحيح مسلم 1: 420
ح 602، سنن ابن ماجة 1: 255 ح 775، مسند أحمد 2: 239، 270، المصنف
لابن أبي شيبة 2: 358، السنن الكبرى 2: 297. ورواية زرارة في الفقيه 1: 256
ح 1162، التهذيب 3: 45 ح 158، الاستبصار 1: 436 ح 1683، باختصار في
الألفاظ.
451

الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الامام، كيف يصنع إذا جلس
الامام؟ قال: (يتجافى ولا يتمكن من القعود. فإذا كانت الثالثة للامام
- وهي له ثانية - فليلبث قدر ما يتشهد، ثم يلحق بالامام). وسألته عن
الرجل يدرك مع الامام الركعتين الأخيرتين، قال: (اقرأ فيهما فإنهما لك
أوليان، ولا تجعل أول صلاتك آخرها) (1).
فان قلت: فقد روى ما يعارض ذلك، كرواية معاوية بن وهب
عنه عليه السلام: انه يقضي القراءة في آخر صلاته (2).
قلت: حملها الشيخ على قراءة الحمد في الأخيرتين، ولا يلزم منه
قراءة السورة (3).
الخامسة: لو سبق المأموم بعد انعقاد صلاته، أتى بما وجب عليه
والتحق بالامام، سواء فعل ذلك عمدا أو سهوا أو لعذر، وقد مر مثله في
الجمعة.
ولا تتحقق فوات القدوة بفوات ركن ولا أكثر عندنا. وفي التذكرة
توقف في بطلان القدوة بالتأخر بركن (4)، والمروي بقاء القدوة، رواه
عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه السلام فيمن لم يركع ساهيا حتى انحط الامام
للسجود: (يركع ويلحق به) (5).
السادسة: لو أحس الامام وهو راكع بداخل، استحب له تطويل

(1) الكافي 3: 381 ح 1، التهذيب 3: 46 ح 159، الاستبصار 1: 437 ح 1684.
(2) التهذيب 3: 47 ح 162، 274 ح 797، الاستبصار 1: 438 ح 1687.
(3) الهامش السابق.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 185.
(5) التهذيب 3: 55 ح 188.
452

ركوعه بمقدار ركوعين، ونقل الشيخ فيه الاجماع (1)، ورواه جابر الجعفي
عن أبي جعفر عليه السلام: (انتظر مثلي ركوعك، فان انقطعوا وإلا فارفع
رأسك) (2).
وقال في المبسوط: فان أحس بداخل لم يلزمه التطويل ليلحق
الداخل الركوع، وقد روي أنه يطول ركوعه مقدار الركوع مرتين (3). فكان
عنده توقفا في الرواية، والوجه القطع باستحباب ذلك.
وقال ابن الجنيد: فان تنحنح بالامام مريد الدخول في صلاته، انتظره
بمقدار لبثه في ركوعه مرة ثانية، فان لحقه وإلا رفع رأسه (4).
فروع:
الأول: لو أحس في أثناء القراءة بداخل، لم يستحب له تطويل
القراءة، لحصول الغرض بادراكه في الركوع.
ولو قلنا باشتراط ادراك تكبير الركوع، فلا بأس بتطويل القراءة، بل
يستحب.
وهل يكره تطويلها على القول بادراكه راكعا؟.
قال الفاضل: لا يكره، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (اني أحيانا
أكون في الصلاة، فافتتح السورة أريد ان أتمها فاسمع بكاء صبي، فاتجوز
في صلاتي مخافة أن تفتتن أمه). فإذا جاز الاختصار رعاية لحق الطفل

(1) الخلاف 1: 121 المسألة 7.
(2) التهذيب 3: 48 ح 167.
(3) المبسوط 1: 153.
(4) مختلف الشيعة: 156.
453

جازت الزيادة رعاية لحق اللاحق (1).
وتتأكد زوال الكراهية بعلمه انه لا يلحق بتطويل الركوع، بل يستحب
هنا تطويل القراءة.
الثاني: لا يستحب تطويل القراءة رجاء لمن عساه يدخل، لما فيه
من الاضرار بالباقين، بل يكره. نعم، لو علم منهم الرضا بذلك لم يكره.
ويكره ان يفرق بين من له قدر وبين غيره في الانتظار، لاستواء الجميع في
المعونة على الفضيلة.
الثالث: لو أحس به بعد رفع رأسه من الركوع، فلا انتظار هنا
اجماعا، لأن الغرض من الفضيلة تحصل له بما أدرك من الافعال، إذ
لا اقتداء حقيقي هنا. نعم، لو كان في التشهد الأخير استحب تطويله إذا
توقف ادراكه على التطويل، لتحصل له ثواب الجماعة.
الرابع: لو انتظر مثلي ركوعه لداخل، ثم دخل آخر، لم ينتظره خوفا
من التطويل على المأمورين.
السابعة: قد سبق جواز المشي راكعا لمن خاف فوت الاقتداء، ورواه
الأصحاب أيضا عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (2).
وفي رواية: (يجر رجليه ولا يرفعهما) (3).

(1) تذكرة الفقهاء 1: 182.
والحديث النبوي في: مسند أحمد 3: 109، صحيح البخاري 1: 181، صحيح
مسلم 1: 343 ح 192، مسند أبي يعلى 5: 441 ح 3144، مسند أبي عوانة 2:
88، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 3: 180 ح 1883، السنن الكبرى 3:
118.
(2) الفقيه 1: 257 ح 1166، التهذيب 3: 44 ح 154، الاستبصار 1: 436 ح 1681.
(3) الفقيه 1: 254 ح 1148، المقنع: 36.
454

قال في المبسوط: والأفضل السجود مكانه، ثم الالتحاق إذا قام (1).
وشرط ذلك أن لا يكثر المشي بحيث يخرج عن اسم المصلي، وأن يكون
الموضع الذي يركع فيه مما يصح الاقتداء فيه، فلو تباعد أو سفل
بالمعتد بطل الاقتداء.
ولو سجد الإمام قبل انتهائه إلى الصف، وخاف فوت السجود
بوصوله إلى الصف، سجد مكانه قطعا ثم قام والتحق بالصف. ولو رفع
رأسه من الركوع ومشى قائما جاز. ولو أنه سجد في غير الصف، ثم قام
ليلتحق فركع الامام ثانيا، ركع مكانه ومشى في ركوعه أيضا.
الثامنة: لا يتحمل الامام عن المأموم شيئا من أفعال الصلاة سوى
القراءة. وفي قراءة المأموم للأصحاب أقوال نحكيها بألفاظهم.
قال أبو جعفر بن بابويه - في المقنع -: واعلم أن على القوم في
الركعتين الأوليين ان يستمعوا إلى قراءة الإمام، وإذا كان في صلاة لا يجهر
فيها بالقراءة سبحوا، وعليهم في الركعتين الأخريين ان يسبحوا (2). وروى
في من لا يحضره الفقيه عن زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي
جعفر عليه السلام، قال: (كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من قرأ خلف إمام يأتم به
فمات بعث على غير الفطرة) (3).
وروى عن الحلبي عن الصادق عليه السلام: (إذا صليت خلف إمام تأتم به
فلا تقرأ خلفه، سمعت قراءته أو لم تسمع، إلا ان تكون صلاة يجهر فيها

(1) المبسوط 1: 155.
(2) المقنع: 36.
(3) الفقيه 1: 255 ح 1155، وأيضا في: المحاسن: 79، الكافي 3: 377 ح 6،
ثواب الأعمال: 274، التهذيب 3: 269 ح 770.
455

بالقراءة فلم تسمع فاقرأ) (1).
قال: وفي رواية عبيد بن زرارة عنه: (انه من سمع الهمهمة فلا
يقرأ) (2).
وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (ان كنت خلف امام فلا تقرأن
شيئا في الأوليين وأنصت لقرائته، ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين) (3).
وروى بكر بن محمد عن الصادق عليه السلام: (اني لأكره للمؤمن (4) ان
يصلي خلف الامام صلاة لا يجهر فيها فيقوم كأنه حمار). قلت: فيصنع
ماذا؟ قال: (يسبح) (5).
وقال المرتضى: لا يقرأ المأموم خلف الموثوق به في الأوليين في
جميع الصلوات من ذوات الجهر والاخفات، إلا ان تكون صلاة جهر لم
يسمع فيها المأموم قراءة الإمام، فيقرأ كل واحد لنفسه. وهذه أشهر
الروايات. وروي: انه لا يقرأ فيما جهر فيه الامام، وتلزمه القراءة فيما
يخافت فيه الامام. وروي: انه بالخيار فيما خافت فيه. فاما الأخيرتان
فالأولى ان يقرأ المأموم أو يسبح فيهما (6) (7).
وقال الشيخ في النهاية: إذا تقدم من هو بشرائط الإمامة فلا تقرأن

(1) الفقيه 1: 255 ح 1156، وأيضا في: الكافي 3: 377 ح 2، التهذيب 3: 32.
ح 115، الاستبصار 1: 428 ح 1650.
(2) الفقيه 1: 256 ح 1157.
(3) الفقيه 1: 256 ح 1160، وأيضا في السرائر: 45، 480.
(4) في م، ط: (لكم).
(5) الفقيه 1: 256 ح 1161، وأيضا في: قرب الاسناد: 18، التهذيب 3: 276.
ح 806.
(6) جمل العلم والعمل 3: 40.
(7) في ط زيادة: وروي انه ليس عليه ذلك، وهي موجودة في المصدر.
456

خلفه، جهرية أو اخفاتية، بل تسبح مع نفسك وتحمد الله. وان كانت
جهرية فانصت للقراءة، فان خفى عليك قراءة الإمام قرأت لنفسك، وان
سمعت مثل الهمهمة من قراءة الإمام جاز لك إلا تقرأ وأنت مخير في
القراءة. ويستحب ان تقرأ الحمد وحدها فيما لا يجهر الامام بالقراءة فيها،
وان لم تقرأها فليس عليك شئ (1). وكذا في المبسوط معبرا بعبارة، وقال
في آخرها: لان قراءة الإمام مجزئة عنه (2).
وقال ابن البراج: ومتى أم من يصح تقدمه بغيره في صلاة جهر
وقرأ، فلا يقرأ المأموم بل يسمع قراءته، وان كان لا يسمع قراءته كان
مخيرا بين القراءة وتركها، وان كانت صلاة اخفات استحب للمأموم ان يقرأ
فاتحة الكتاب وحدها، ويجوز ان يسبح الله وبحمده (3).
وقال أبو الصلاح: ولا يقرأ خلفه في الأوليين من كل صلاة ولا في
الغداة، الا ان يكون بحيث لا يسمع قراءته ولا صوته فيما يجهر فيه فيقرأ.
وهو في الأخيرتين من الرباعيات وثالثة المغرب بالخيار بين قراءة الحمد
والتسبيح، والقراءة أفضل (4).
وقال ابن حمزة - في الواسطة -: فالواجب أربعة أشياء: متابعة الامام
في أفعال الصلاة، والانصات لقراءته، ونية الاقتداء، والوقوف خلفه أو عن
أحد جانبيه. وإذا اقتدى بالامام لم يقرأ في الأوليين، فان جهر الامام وسمع
أنصت، وان خفي عليه قرأ، وان سمع مثل الهمهمة فهو مخير. [و] إن

(1) النهاية: 113.
(2) المبسوط 1: 158.
(3) المهذب 1: 79.
(4) الكافي في الفقه: 144.
457

خافت الامام سبح في نفسه. وفي الأخيرتين: ان قرأ كان أفضل، وان لم
يقرأ جاز، وإن سبح كان أفضل من السكوت (1).
وقال سلار - في قسم المندوب -: ولا يقرأ المأموم خلف الامام.
وروي ان ترك القراءة في صلاة الجهر خلف الامام واجب. والأثبت
الأول (2).
وقال ابن زهرة - رحمه الله -: ويلزم المؤتم ان يقتدي بالامام عزما وفعلا،
فلا يقرأ في الأوليين من كل صلاة ولا في الغداة، الا ان تكون صلاة جهر
وهو لا يسمع قراءة الإمام. فاما الاخريان وثالثة المغرب فحكمه فيها حكم
المنفرد (3).
وهذه العبارة، وعبارة أبي الصلاح، تعطي وجوب القراءة أو التسبيح
على المؤتم في الأخيرتين، وكأنهما أخذاه عن كلام المرتضى.
وقال ابن إدريس: اختلفت الرواية في القراءة خلف الإمام الموثوق
به، فروي انه لا قراءة على المأموم في جميع الركعات والصلوات، سواء
كانت جهرية أو اخفاتية في أظهر الروايات، والذي يقتضيه أصول المذهب
ان الامام ضامن للقراءة بلا خلاف. وروي انه لا قراءة على المأموم في
الأوليين في جميع الصلوات الجهرية والاخفاتية، إلا أن [تكون] صلاة جهر
لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ لنفسه. وروي انه ينصب فيما جهر
فيه الامام بالقراءة ولا يقرأ هو شيئا، وتلزمه القراءة فيما خافت، وروي انه
بالخيار فيما خافت فيه الامام. فاما الركعتان الأخيرتان فقد روي أنه لا قراءة

(1) كتاب الواسطة لم يطبع، وتجد بعض هذا المعنى في الوسيلة: 106.
(2) المراسم: 87.
(3) الغنية: 498.
458

فيهما ولا تسبيح. وروي انه يقرأ فيهما أو يسبح. والأول أظهر لما
قدمناه (1).
وقال الشيخ نجم الدين بن سعيد: وتكره القراءة خلف الإمام في
الاخفاتية على الأشهر، وفي الجهرية لو سمع ولو همهمة، ولو لم يسمع
قرأ.
وقال: تسقط القراءة عن المأموم، وعليه اتفاق العلماء.
وقال الشيخان: لا يجوز ان يقرأ المأموم في الجهرية إذا سمع قراءة الإمام
ولو همهمة. ولعله استنادا إلى رواية يونس عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: (من رضيت قراءته فلا تقرأ خلفه) (2). وفي رواية الحلبي عنه عليه السلام:
(إذا صليت خلف امام تأتم به فلا تقرأ خلفه، (سمعت قراءته)، أو لم
تسمع، الا ان تكون صلاة يجهر فيها ولم تسمع قرائته) (3). والأولى ان يكون
النهي على الكراهة، لرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: (انما أمرنا بالجهر لينصت من خلفه، فان سمعت فأنصت، وان لم
تسمع فاقرأ) والتعليل بالانصات يؤذن بالاستحباب (4).
ثم قال: إذا لم تسمع في الجهرية ولا همهمة فالقراءة أفضل، وبه

(1) السرائر: 61.
(2) التهذيب 3: 33 ح 118 وفيه (به) بدل (قراءته)، والكلمتان ليستا في الاستبصار
1: 428 ح 1653.
(3) الكافي 3: 377 ح 2، الفقيه 1: 255 ح 1156، التهذيب 3: 32 ح 115،
الاستبصار 1: 428 ح 1650 وفي م، ط: (سمع قراءة) بدل (سمعت قراءته).
(4) الكافي 3: 377 ح 1، علل الشرائع: 325، التهذيب 3: 32 ح 114، الاستبصار
1: 427 ح 1649.
459

روايات منها: رواية عبد الله بن المغيرة عن قتيبة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
(إذا كنت خلف من ترتضي به في صلاة يجهر فيها فلم تسمع قراءته فاقرأ،
وان كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ) (1). ويدل على أن ذلك على الفضل لا
على الوجوب رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يصلي
خلف من يقتدي به يجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة، قال: (لا بأس ان
صمت وان قرأ) (2).
ثم قال: أطلق الشيخ - رحمه الله - استحباب قراءة الحمد في الاخفاتية
للمأموم، والأولى ترك القراءة في الأوليين، وفي الأخيرتين روايتان:
إحداهما: رواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: (إذا كان مأمونا على
القراءة فلا تقرأ خلفه في الأخيرتين).
والأخرى رواية أبي خديجة عنه عليه السلام، قال: (إذا كنت في الأخيرتين
فقل للذين خلفك يقرؤون فاتحة الكتاب) (3).
وقال ابن عمه نجيب الدين - رحمه الله -: ولا يقرأ المأموم في صلاة جهر
بل يصغي لها، فان لم يسمع وسمع كالهمهمة أجزأه وجاز ان يقرأ. وان
كان في صلاة اخفات سبح مع نفسه وحمد الله، وندب إلى قراءة الحمد
فيما لا يجهر فيه (4).

(1) الكافي 3: 377 ح 4، التهذيب 3: 33 ح 117، الاستبصار 1: 428 ح 1652.
(2) التهذيب 3: 24 ح 122، الاستبصار 1: 429 ح 1657.
(3) المعتبر 2: 420 - 421.
ورواية ابن سنان الموجودة في التهذيب 3: 35 ح 124، يختلف مضمونها عن
المنقول هنا ويوافق ما سيأتي من نقل العلامة.
ورواية أبي خديجة في: التهذيب 3: 275 ح 800.
(4) الجامع للشرائع: 99.
460

وقال الفاضل الجليل الشيخ جمال الدين بن المطهر - رحمه الله - وعنهم
أجمعين - في المختلف: ولنورد هنا أجود ما بلغنا من الأحاديث وأوضحها
طريقا.
روى عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح، وذكر الرواية
السالفة.
ثم قال: وفي الحسن عن الحلبي، وذكر الرواية السابقة.
ثم قال: وفي الحسن عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام، قال: (إذا كنت
خلف إمام تأتم به فانصت وسبح في نفسك).
وفي الحسن عن قتيبة عن الصادق عليه السلام، وذكر ما سبق.
وفي الصحيح عن سليمان بن خالد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
أيقرأ الرجل في الأولى والعصر خلف الامام وهو لا يعلم الذي يقرأ؟ فقال:
(لا ينبغي له ان يقرأ، يكله إلى الامام).
وفي الصحيح عن علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن الأول عليه السلام
عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة ولا يسمع
القراءة، قال: (لا بأس ان صمت وان قرأ).
وفي الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: (ان كنت خلف
الامام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة وكان الرجل مأمونا على القراءة فلا
تقرأ خلفه في الأوليين). وقال: (يجزئك التسبيح في الأخيرتين). قلت:
أي شئ تقول أنت؟ قال: (اقرأ فاتحة الكتاب).
وفي الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر عليه السلام:
461

(كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من قرأ خلف امام يأتم به فمات بعث على
غير الفطرة) (1) وقد تقدم.
قال: والأقرب في الجمع بين الاخبار استحباب القراءة في الجهرية
إذا لم يسمع ولا همهمة لا الوجوب، وتحريم القراءة فيها مع السماع لقراءة
الامام، والتخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين والاخفاتية (2).

(1) مختلف الشيعة: 157 - 158.
وروايتي عبد الرحمن والحلبي تقدمتا في ص 961 الهامش 4.
ورواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام في الكافي 3: 377 ح 3، التهذيب 3: 32 ح 116،
الاستبصار 1: 428 ح 1651.
ورواية قتيبة تقدمت في ص 461 الهامش 1.
ورواية سليمان بن خالد في التهذيب 3: 33 ح 119، الاستبصار 1: 428
ح 1654.
ورواية علي بن يقطين تقدمت في ص 461 الهامش 1.
ورواية ابن سنان في التهذيب 3: 35 ح 124.
ورواية زرارة ومحمد بن مسلم في المحاسن: 49، الكافي 3: 377 ح 6، الفقيه
1: 255 ح 1155، ثواب الأعمال: 274، التهذيب 3: 269 ح 770.
(2) مختلف الشيعة: 158.
وروايتي عبد الرحمن والحلبي تقدمتا في ص 460 الهامش 1 - 2.
ورواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام في الكافي 3: 377 ح 3، التهذيب 3: 32 ح 116،
الاستبصار 1: 428 ح 1651.
ورواية قتيبة تقدمت في ص 962 الهامش 1.
ورواية سليمان بن خالد في التهذيب 3: 33 ح 119، الاستبصار 1: 428
ح 1654.
ورواية علي بن يقطين تقدمت في ص 461 الهامش 1.
ورواية ابن سنان في التهذيب 3: 35 ح 124.
ورواية زرارة ومحمد بن مسلم في المحاسن: 49، الكافي 3: 377 ح 6، الفقيه
1: 255 ح 1155، ثواب الأعمال: 274، التهذيب 3: 269 ح 770.
462

وقال في التذكرة: لا تجب على المأموم القراءة، سواء كانت الصلاة
جهرية أو اخفاتية، وسواء سمع قراءة الإمام أو لا، ولا تستحب في الجهرية
مع السماع عند علمائنا أجمع (1).
ثم نقل عن الشيخين انه لا تجوز القراءة في الجهرية مع السماع ولو
همهمة، ثم قال: وتحتمل الكراهة (2).
وقال: لو لم يسمع القراءة في الجهرية ولا همهمة فالأفضل
القراءة (3).
ثم قال: لو كانت الصلاة سرا، قال الشيخ: يستحب قراءة الحمد
خاصة (4).
وأحسن الأقوال ما ذكره في المعتبر.
وقد روى هشام بن سالم عن أبي خديجة عن الصادق عليه السلام، قال:
(إذا كنت إمام قوم، فعليك ان تقرأ في الركعتين الأوليين، وعلى الذين
خلفك ان يقولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وهم قيام.
فإذا كان في الركعتين الأخيرتين، فعلى الذين خلفك ان يقرؤوا فاتحة
الكتاب، وعلى الامام التسبيح بمثل ما سبح القوم في الركعتين
الأخيرتين) (5).
وروى الحسين ابن بشير عن الصادق عليه السلام وسأله عن القراءة خلف الإمام
، فقال: (لا، ان الامام ضامن للقراءة) (6).

(1) تذكرة الفقهاء 1: 184.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 184.
(3) تذكرة الفقهاء 1: 184.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 184.
(5) التهذيب 3: 275 ح 800.
(6) الفقيه 1: 247 ح 1104 عن الحسن بن كثير، التهذيب 3: 279 ح 820 عن
الحسين بن بشير.
463

فروع:
الأول: إذا لم يقرأ المأموم لم يستحب له الاستعاذة، لأنها من
مقدمات القراءة.
وهل يستحب له دعاء الاستفتاح، أعني: دعاء التوجه؟ الوجه ذلك،
للعموم. نعم، لو كان يشغله الاستفتاح عن السماع أمكن استحباب تركه.
وقطع الفاضل بأنه لا يستفتح إذا اشتغل به (1).
الثاني: لا تستحب القراءة في سكتتي الامام عندنا، لعدم ذكرها
في الروايات وفتاوى الأصحاب، مع اطلاق الامر بالقراءة أو النهي
عنها.
الثالث: لو قرأ ففرغ قبله، استحب ان يبقي آية ليقرأها عند فراغ
الامام، ليركع عن قراءة، لرواية زرارة عن الصادق عليه السلام، قلت: أكون مع
الامام فافرغ [من] القراءة قبله، قال: (أمسك آية، ومجد الله تعالى واثن،
فإذا فرغ فاقرأ الآية) (2). وفيه دليل على استحباب التسبيح والتحميد في
الأثناء، ودليل على جواز القراءة خلف الإمام.
وكذا يستحب ابقاء آية لو قرأ خلف من لا يقتدي به.
الرابع: يستحب الامام اسماع من خلفه القراءة في الجهرية، وجميع
الأذكار في الاخفاتية والجهرية، كما يستحب للمأموم الاخفات مطلقا، لقول

(1) تذكرة الفقهاء 1: 184.
(2) المحاسن: 326، الكافي 3: 373 ح 1، التهذيب 3: 38 ح 135.
464

الصادق عليه السلام: (ينبغي للامام أن يسمع من خلفه كل ما يقول، ولا ينبغي
لمن خلفه أن يسمعه شيئا مما يقول) (1).

(1) التهذيب 3: 49 ح 170.
465

المطلب الثالث: في اللواحق.
وفيه مسائل:
الأولى: يجوز الاستخلاف - عند علمائنا أجمع - للامام إذا أحدث أو
عرض له مانع، للأصل، ولما روي عن علي عليه السلام: (ومن وجد اذى،
فليأخذ بيد رجل فليقدمه) (1). وفيه دليل على أن حق الاستخلاف هنا
للامام، فلو لم يفعل استناب المأمومون، لرواية علي بن جعفر عن
أخيه عليهما السلام (2).
الثانية: يكره ان يستخلف المسبوق، لاحتياجه إلى أن يستخلف من
يسلم بهم. ويستحب ان يكون ممن شهد الإقامة، لرواية معاوية بن شريح
عن الصادق عليه السلام، قال: (إذا أحدث الامام وهو في الصلاة، فلا ينبغي له ان
يقدم إلا من شهد الإقامة) (3).
ويجوز تقديم من لم يعلم ما مضى من صلاتهم، فيسبحون به عند
خطئه، رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام (4).
الثالثة: لو جن الامام أو أغمي عليه أو مات، فحق الاستخلاف
للمأمومين، لرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام في رجل أم قوما بركعة ثم
مات، قال: (يقدمون رجلا آخر ويعتدون بالركعة) (5).

(1) الكافي 3: 366 ح 11، التهذيب 2: 325 ح 1231.
(2) الفقيه 1: 262 ح 1196، التهذيب 3: 283 ح 843.
(3) التهذيب 3: 42 ح 146، الاستبصار 1: 434 ح 1674.
(4) الكافي 3: 384 ح 13، التهذيب 3: 272 ح 784.
(5) الكافي 3: 383 ح 9، الفقيه 1: 262 ح 1197، التهذيب 3: 43 ح 148.
466

الرابعة: لو حضر الامام الصالح للإمامة ومكلف في صلاة، فان كانت
نفلا استحب قطعها ليفوز بأفضل منها، وان كانت فريضة نقلها إلى النفل ثم
إئتم به ان لم يكن امام الأصل، ليدرك الفضيلة، ولرواية سليمان بن خالد
عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما
هو قائم يصلي إذ أذن المؤذن، قال: (فليصل ركعتين، ويستأنف الصلاة مع
الامام، ولتكن الركعتان تطوعا) (1).
وروى سماعة، قال: سألته عمن صلى ركعة من فرضه فخرج الامام،
فقال: (ان كان إماما عدلا فليصل أخرى ويجعلها تطوعا ويدخل مع
الامام) (2).
ولو كان امام الأصل استحب قطع الفريضة واستئناف الصلاة.
وتوقف فيه الفاضلان من حيث كما المزية، ومن عموم النهي عن
قطع الصلاة (3).
وفي المختلف جزم بعدم قطع الصلاة (4).
ويظهر من ابن إدريس عدم جواز النقل إلى النفل، لأنه في معنى
الابطال (5).
وفي المبسوط: ان كانت فريضة كمل ركعتين وجعلهما نافلة وسلم

(1) الكافي 3: 379 ح 3، التهذيب 3: 274 ح 792.
(2) الكافي 3: 380 ح 7، التهذيب 3: 51 ح 177.
(3) المعتبر 2: 445، الموجود في تذكرة الفقهاء 1: 184، نهاية الإحكام 2:
159، إرشاد الأذهان 1: 273، قواعد الأحكام 1: 47 هو الجزم بقطع الفريضة،
نعم استقرب عدم القطع في منتهى المطلب 1: 383 كالمختلف.
(4) مختلف الشيعة: 159.
(5) السرائر: 63.
467

ودخل مع الامام، فان لم يمكنه قطعها (1). وهو يشعر بجواز قطع الفريضة
مع غير إمام الأصل إذا خاف الفوات، وهو عندي قوي، استدراكا لفضل
الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان، ولأن العدول إلى النفل قطع لها
أيضا أو مستلزم لجوازه.
الخامسة: يجوز في الجماعة المستحبة التسليم قبل الامام بنية
الانفراد ان كان له عذر، لما رواه أبو المغرا عن الصادق عليه السلام في الرجل
يصلي خلف إمام فيسلم قبل الامام، قال: (ليس بذلك بأس) (2). وروى
علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام في الرجل يكون خلف الامام فيطيل التشهد،
فيأخذه البول أو يخاف على شئ ان يفوت أو يعرض له وجع، قال: يسلم
وينصرف (3). لان الاقتداء غير واجب ابتداء فلا يجب استدامة.
ولو تعمد السلام قبله لا لعذر ولم ينو الانفراد، فالظاهر أنه يأثم
ويجزئه. ولو كان له عذر ولم ينو الانفراد فكذلك، لأنه انفراد بالفعل.
السادسة: قال الشيخ في المبسوط: لو صلى أمي بقارئ بطلت صلاة
القارئ وحده، وصحت صلاة الأمي. ولو صلى بقارئ وأمي بطلت صلاة
القارئ وحده (4).
واستدرك الفاضل بأنه ينبغي التقييد بكون القارئ غير صالح للإمامة،
إذ لو كان صالحا لوجب على الأمي الاقتداء به، فإذا أخل بطلت صلاته
وصلاة من خلفه (5).

(1) المبسوط 1: 156.
(2) التهذيب 3: 55 ح 189.
(3) التهذيب 2: 349 ح 1446.
(4) المبسوط 1: 154.
(5) مختلف الشيعة: 155.
468

وهذا بناء على وجوب الاقتداء، لأنه يسقط وجوب القراءة لقيام
قراءة الإمام مقامها، وينبغي تقييده بأمرين:
أحدهما: سعة الوقت. فلو كان ضيقا لم يمكن فيه التعلم، فصلاته
بالنسبة إليه صحيحة، فهي كسائر الصلوات التي لا يجب فيها الاقتداء مع
امكان الوجوب - كما قاله رحمه الله للعدول إلى البدل عند تعذر المبدل.
الثاني: علم الأمي بالحكم. فلو جهله فالظاهر أنه معذور، لان ذلك
من دقائق الفقه الذي لا يكاد يدركه إلا من مارسه.
ثم مع سعة الوقت وامكان التعلم ينبغي بطلان صلاة الأمي على كل
حال، لاخلاله بالواجب من التعلم، واشتغاله بمنافيه.
ويتفرع على ذلك لو كان يعجز عن حرف، أو عن اعراب، فهل
يجب عليه الائتمام؟ فيه الكلام بعينه، إذ حكم الابعاض حكم الجملة.
السابعة: من مشاهير الفتاوى انه لا يجوز الاقتداء في النافلة، وقد
سبق ذلك وما استثنى منه، إلا ان في الروايات ما يتضمن جوازه، مثل: ما
رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام، قال: (صل باهلك في
رمضان الفريضة والنافلة، فاني أفعله) (1). وروى الحلبي عنه عليه السلام: (تؤم
المرأة النساء في النافلة) (2) وكذا في رواية سليمان بن خالد عنه عليه السلام (3).
الثامنة: وردت رخصة بأنه إذا اضطر إلى الصلاة خلف المخالف
يظهر المتابعة ولا يسجد السجود الحقيقي، ورواها عبيد بن زرارة عن أبي

(1) التهذيب 3: 267 ح 762.
(2) التهذيب 3: 268 ح 765، الاستبصار 1: 427 ح 1647.
(3) الكافي 3: 376 ح 2، التهذيب 3: 269 ح 768، الاستبصار 1: 426 ح 1646.
469

عبد الله عليه السلام، حيث قال: عليه السلام: (واما أنا أصلي معهم وأريهم اني أسجد وما
اسجد) (1).
وروى ناصح المؤذن عنه عليه السلام انه قال له عليه السلام: اني أصلي في البيت
واخرج إليهم، قال: (اجعلها نافلة، ولا تكبر معهم فتدخل معهم في
الصلاة، فان مفتاح الصلاة التكبير) (2). وتأويل هذا الحديث مشكل، لان
ظاهره ان النافلة تنعقد بغير تكبير وهو غير معهود، وان الصلاة تنعقد
بالتكبير بحيث يتعين اتمامها ولم يقل به الأصحاب.
التاسعة: يجوز التشهد للمسبوق مع الامام، رواه إسحاق بن يزيد
عنه عليه السلام، حيث قال: أفأتشهد كلما قعدت؟ فقال: (نعم، انما التشهد
بركة) (3). ونحوه رواه داود بن الحصين (4).
وقال في المبسوط: إذا جلس للتشهد الأخير جلس معه يحمد الله
ويسبحه (5).
وقال أبو الصلاح: يجلس مستوفزا ولا يتشهد (6) وتبعه ابن زهرة (7)
وابن حمزة (8).
والأفضل للامام ان يلازم مقامه حتى يتم من اقتدى به الصلاة، رواه

(1) التهذيب 3: 269 ح 774.
(2) التهذيب 3: 270 ح 775.
(3) الكافي 3: 381 ح 3، التهذيب 3: 270 ح 779.
(4) التهذيب 3: 56 ح 196.
(5) المبسوط 1: 159.
(6) الكافي في الفقه: 145.
(7) الغنية: 498.
(8) الظاهر أنه في غير الوسيلة من كتبه المخطوطة، وانظر الحدائق 11: 250.
470

إسماعيل بن عبد الخالق قال: سمعته يقول: (لا ينبغي للامام ان يقوم إذا
صلى حتى يقضي كل من خلفه ما قد فاته من الصلاة) (1) ولفظة (لا ينبغي)
ظاهرة في الكراهية، ولرواية عمار عن الصادق عليه السلام: جواز قيام الامام من
موضعه قبل فراغ من دخل في صلاته (2).
فان قلت: في قوله: (يقضي كل من خلفه ما فاته) دليل على أن ما
يدركه آخر صلاته لا أولها، كما يقوله بعض العامة (3) ويحتج بقول
النبي صلى الله عليه وآله: (وما فاتكم فاقضوا) (4).
قلت: لما دلت الأخبار الكثيرة على أن ما يدركه هو أول الصلاة،
وجب تأويل هذا بان المراد ب‍ (القضاء): الاتيان، والمراد ب‍ (ما فات)
المماثل لما فات في العدد لا في نفس الفائت، أعني: القراءة بالفاتحة
والسورة.
العاشرة: يستحب للامام تخفيف الصلاة، والاقتصار على السور
القصار، والتسبيح في الركوع والسجود ثلاثا لا أزيد. روى إسحاق بن عمار
عن الصادق عليه السلام، قال: (ينبغي للامام ان تكون صلاته على أضعف من
خلفه) (5).
ولو أحس بشغل لبعض المأمومين استحب التخفيف أزيد من ذلك.

(1) التهذيب 3: 49 ح 169، الاستبصار 1: 439 ح 1692، وفيهما: (ما فاته).
(2) التهذيب 3: 273 ح 790.
(3) المغني 2: 260، الشرح الكبير 2: 11، المبسوط (للسرخسي) 1: 190،
المجموع 4: 220، فتح العزيز 4: 427، حلية العلماء 2: 188.
(4) مسند أحمد 2: 238، 270، 318، سنن النسائي 2: 114، المصنف لابن
أبي شيبة 2: 358، السنن الكبرى 2: 297، مسند الحميدي 2: 418 ح 935.
(5) الفقيه 1: 255 ح 1152، التهذيب 3: 274 ح 795.
471

روى ابن سنان عن الصادق عليه السلام، قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر
والعصر، فخفف الصلاة في الركعتين، فلما انصرف قالوا: خففت في
الركعتين الأخيرتين، فقال لهم: (اما سمعتم صراخ الصبي) (1).
ويستحب له القعود بعد التسليم هنيهة، رواه سيف بن عميرة عن أبي
بكر عن الصادق عليه السلام (2).
ويستحب ان يعمم الامام دعاءه، لرواية سماعة عن الصادق عليه السلام عن
آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: (من صلى بقوم، فاختص نفسه بالدعاء،
فقد خانهم) (3).
الحادية عشرة: روى إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام،
قال: (لا يصلي بالناس من في وجهه آثار) (4). وبه أفتى ابن بابويه في
المقنع (5) ويمكن حملها على البرص أو الجذام لا على مطلق الآثار.
وروى شعبة بن صدقة، انه قيل للصادق عليه السلام في الصلاة مع الناصبة
بغير وضوء تقية لعدم امهالهم للوضوء، فقال عليه السلام: (اما يخاف من يصلي
على غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا) (6). وقال ابن بابويه - في المقنع -:
(ما من عبد يصلي في الوقت ويفرغ، ثم يأتيهم ويصلي معهم وهو على
وضوء، الا كتب الله له خمسا وعشرين درجة) (7) والظاهر أنه رواه. ويجمع

(1) التهذيب 3: 274 ح 796.
(2) التهذيب 3: 275 ح 802.
(3) الفقيه 1: 260 ح 1186، التهذيب 3: 281 ح 831.
(4) التهذيب 3: 281 ح 833.
(5) انظر المقنع: 115 (فيه: قال أمير المؤمنين عليه السلام لا يؤم صاحب العلة الأصحاء).
(6) الفقيه 1: 251 ح 1128، وفيه مسعدة بن صدقة.
(7) لم نعثر عليه في المقنع ورواه في الفقيه 1: 265 / 1210.
472

بينهما بالاضطرار والاختيار.
الثانية عشرة: وقت القيام إلى الصلاة عند قول المؤذن: (قد قامت
الصلاة) في المشهور، لان حفص بن سالم سأل الصادق عليه السلام: إذا قال
المؤذن قد قامت الصلاة، أيقوم الناس على أرجلهم أو يحتبسون حتى
يجيئ الامام؟ قال: (لا بل يقومون، فان جاء امامهم وإلا فليؤخذ بيد رجل
من القوم فيقدم) (1).
وقال بعض الأصحاب: وقت القيام عند قوله: (حي على الصلاة)،
لأنه دعاء إليها (2). قلنا: دعاء إلى الاقبال، (وقد قامت) دعاء إلى القيام.
وفي المبسوط: وقت القيام إلى الصلاة عند فراغ المؤذن من كمال
الأذان، وكذلك وقت الاحرام بها وقت الفراغ منه على التمام (3) وعنى به
الإقامة. ومثله قال في الخلاف (4).
الثالثة عشرة: يكره ان يصلى نافلة بعد الإقامة، لما فيه من التشاغل
بالمرجوح عن الراجح. ومنعه ابن حمزة (5) وفي النهاية: لا يجوز (6)، وقد
تحمل على ما لو كانت الجماعة واجبة وكان ذلك يؤدي إلى فواتها.
الرابعة عشرة: نقل ابن إدريس ان من الأصحاب من يقول: ان الامام
يضمن القراءة والركوع والسجود (7) ومضمونه في رواية محمد بن سهل عن

(1) الفقيه 1: 252 ح 1137، التهذيب 2: 285 ح 1143.
(2) حكاه في مختلف الشيعة 1: 160.
(3) المبسوط 1: 157.
(4) الخلاف 1: 564 المسألة 315، 316.
(5) الوسيلة: 106.
(6) النهاية: 119.
(7) السرائر: 61.
473

الرضا عليه السلام، قال: (الامام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح) (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله: (الأئمة ضمناء) (2).
ويعارضها غيرها من أن الامام ليس بضامن، رواها معاوية بن وهب
عن الصادق عليه السلام (3).
الخامسة عشرة: يفتح المأموم على الامام إذا أرتج عليه، وينبهه على
الغلط واللحن، فلو تركه لم تبطل الصلاة إذا لم يعلم أنه تعمده.
والمسبوق إذا جلس في تشهد الامام جلس متجافيا مستوفزا غير
متمكن، وذلك على سبيل الندب، وقال ابن بابويه: يجب (4). ويستحب له
تخفيف تشهده في موضعه ثم يلحق بالامام.
السادسة عشرة: قال أبو الصلاح: ويلزم إمام الصلاة تقديم دخول
المسجد ليقتدي به المؤتمون، ويتعمم فيتحنك ويرتدي، ويجهر بالقراءة
بحيث يجب الجهر، ويخافت. بحيث يجب الاخفات، ويجهر بالتكبير
والقنوت والتشهد على كل حال، ويخفف من غير اخلال (5).
والظاهر أنه أراد باللزوم تأكيد الاستحباب، ويكون المراد بالجهر في
القراءة زيادته بحيث يسمع المأمومون.
قال: ويلي أولى الأحلام العوام والاعراب، ويلونهم العبيد، ويلونهم

(1) الفقيه 1: 264 ح 1205.
(2) ترتيب مسند الشافعي 1: 58 ح 174، المصنف لعبد الرزاق 1: 477 ح 1839،
السنن الكبرى 1: 430.
(3) التهذيب 3: 277 ح 813.
(4) الفقيه 1: 263 ذيل الحديث 1198.
(5) الكافي في الفقه: 144.
474

الصبيان ثم النساء (1).
السابعة عشرة: روى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام: جواز الائتمام
بمن يسمع أبويه الكلام المغضب لهما ما لم يكن عاقا قاطعا (2). ويحمل
ذلك على أنه غير مصر، إذ الاصرار على الصغائر يلحقها بالكبائر ان جعلنا
هذا صغيرة وتحريم ان يقول لهما أف (3) يؤذن بعظم حقهما، وبأن المتخطي
نهي الله تعالى فيهما على خطر عظيم.
الثامنة عشرة: قال ابن بابويه: من المأمومين من لا صلاة له، وهو
الذي يسبق الامام في ركوعه وسجوده ورفعه.
ومنهم من له صلاة واحدة، وهو المقارن له في ذلك.
ومنهم من له أربع وعشرون ركعة، وهو الذي يتبع الامام في كل
شئ، فيركع بعده، ويسجد بعده، ويرفع منهما بعده.
ومنهم من له ثمان وأربعون ركعة، وهو الذي يجد في الصف الأول
ضيقا فيتأخر إلى الصف الثاني (4).
قال: وروى أيضا: (ان من صلى في مسجد القبيلة كان له ثمان
وأربعون ركعة). قال: ومسجد القبيلة هو مسجد بناه من لقي الامام.
قال: وسألت شيخنا محمد بن الحسن عن موقف من يدخل بعد من

(1) الكافي في الفقه: 144.
(2) الفقيه 1: 248 ح 1114، التهذيب 3: 30 ح 106.
(3) المستفاد من الآية 23، سورة الإسراء.
(4) الظاهر أن هذا الحديث والذي بعده رويت في كتاب (فضل المساجد وحرمتها وما جاء
فيها) - وهو مخطوط مفقود - على ما قاله الشيخ الصدوق في الفقيه ج 1: 152 ذيل
الحديث 702، وانظر ثواب الأعمال: 51.
475

دخل ووقف على يمين الامام لتضايق الصفوف، فقال: لا أدري، وذكر انه
لا يعرف في ذلك أثرا في الحديث.
التاسعة عشرة: أوجب ابن حمزة ان يكون أقرأ القوم، لظاهر الخبر،
والمشهور انه على الاستحباب، الا ان يكون من دونه لا يؤدي الواجب من
القراءة.
وأوجب الانصات لقراءة الامام على ظاهر الآية وحمله الأكثر على
الندب.
وعد من المحظور صلاة العصر خلف من يصليها ولم يصل المقتدي
الظهر. وهذا لا خصوصية فيه للإمامة، لتحريم تقديم العصر على الظهر
متعمدا، سواء كان إماما أو مؤتما أو منفردا.
وعد من المكروه الوقوف عن يسار الامام، وقال: لا يمكن العبد،
ولا الصبي، ولا السفيه، ولا المخنث، ولا الخنثى، من الصف الأول (1).
العشرون: قال الشيخ في الخلاف: لا تبطل الصلاة بتقدم سفينة
المأموم على سفينة الامام، لعدم الدليل (2). والظاهر أنه يريد به إذا انفرد، أو
استدرك التأخر.
وقال: لو قلنا ان الماء ليس بحائل، فلا حد فيه الا ما يمنع من

(1) الظاهر أن هذه الأحكام منقولة من كتاب الواسطة، وهو مفقود. ويوجد بعضها
في كتاب الوسيلة: 105، 106، 108.
والخبر في الكافي 3: 376 ح 5، علل الشرائع 2: 326 ح 2، التهذيب 3: 31
ح 113.
والآية في سورة الأعراف: 204.
(2) الخلاف 1: 559 المسألة 307.
476

مشاهدة الامام والاقتداء بافعاله.
ثم نقل عن الشافعي التحديد بثلاثمائة ذراع، فان زاد لم يجز.
ثم قال: التحديد يحتاج إلى شرع، وليس فيه ما يدل عليه (1). وهذا
يشعر بجواز الزيادة على ثلاثمائة، ولا يراد به مع اتصال الصفوف: إذ لا
صفوف في الماء، الا في مثل السفن. ويمكن ان يريد بالتحديد المنفي
نفس الثلاثمائة، فيكون انتفاء الزائد بطريق الأولى.
وليكن هذا آخر المجلد الأول من كتاب ذكرى الشيعة، ويتلوه إن شاء الله
تعالى في المجلد الثاني كتاب الزكاة. وفرغ منه يوم الثلاثاء لتسع ان
بقين من صفر ختم بالخير والظفر، سنة أربع وثمانين وسبعمائة. والحمد لله
رب العالمين، والصلاة والتسليم على أفضل المرسلين محمد وآله الطيبين
الطاهرين صلاة تامة باقية إلى يوم الدين.

(1) الخلاف 1: 559 المسألة 308.
وقول الشافعي في الأم (مختصر المزني): 23 المهذب 1: 107.
477